ـ[شرح ألفية العراقي]ـ
مؤلف الأصل: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي (المتوفى: 806هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 57 درسا](/)
شرح ألفية الحافظ العراقي (1)
تمهيد عن أهمية علوم الحديث، وشرح أبيات المقدمة، أقسام الحديث
الشيخ/عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلسنا بحاجة إلى الحديث عن أهمية الحديث وما يتعلق بالحديث، وما يخدم علم الحديث، وموضوع الدرس يخدم هذا المصدر المهم من مصادر التشريع الإسلامي، وهو علوم الحديث الذي به يعرف الصحيح والضعيف، وبه يعرف المقبول من المردود، وما تثبت نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وما لا يثبت، هذا موضوع علم الحديث وعلوم الحديث، وأصول الحديث ومصطلح الحديث، فعلوم الحديث عرفوه بأنه القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي، والعبرة بالمروي ومعرفة حال الراوي يتوسل بها إلى معرفة حال المروي فمعرفة المروي غاية، ومعرفة الراوي وسيلة، ولا شك أن ما لا تتم الغايات إلا به فيأخذ حكم الغايات، ولذا يقول أهل العلم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإذا كنا لا نعرف علم الحديث الذي معرفته فرض كفاية على الأمة إلا بواسطة ما يتوسل به في معرفة ثبوت هذا الحديث من معرفة الأسانيد، وما يتعلق بصحة الحديث وضعفه هو واجب تبعاً لوجوب الغاية؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن ما لا يتم الواجب به فهو واجب، وإذا كان الكلام في الرجال في أصله لا يجوز؛ لأنه ضرب من الغيبة الكلام في الرجال لا سيما بالجرح كلام فيهم فيما لا يحبون، بل بما يكرهون، وذكر لهم وهم من المسلمين بما يكرهون الأصل فيه أنه غيبة، لكن هذه الغيبة اغتفرت في جانب المصلحة العظمى، وهي إثبات ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو نفيه، بل أوجب أهل العلم الكلام في الرجال، وذلك حينما رجحت المصلحة أما إذا عدمت المصلحة أو كانت المصلحة مرجوحة فإنه يعود إلى الأصل، فلا يجوز الكلام في الرجال حينئذٍ؛ لأنه غيبة.(1/1)
قد يقول قائل: تكلم في رجال قد لا يحتاج إليهم، في كتب الرجال تكلم في رجال قد لا يحتاج إليهم، الحديث صح وثبت من طريق غيرهم، فلماذا نتكلم في رجال ثبت الحديث من غير طريقهم، إذا افترضنا أن الحديث يروى من طرق يثبت الحديث ببعضها، فلماذا نتكلم في الطرق الأخرى التي لسنا بحاجة إلى الكلام فيهم من أجل إثبات الحديث؟ نقول: الكلام فيهم لا بد منه؛ لأنه قد يرد من طريقهم أحاديث أخرى لا تروى إلا من طريقهم، فمادام صنفوا في الرواة فلا بد من النظر في أحوالهم جرحاً وتعديلاً؛ لأننا في هذا الحديث لسنا بحاجة إليهم لكن قد نضطر إليهم في حديث آخر، والعلماء حينما تصدوا لنقد الرواة لا شك أنهم استحضروا هذا الأمر، هو لا يكفي أن يقال: إن الجرح والتعديل يجوز، لا بل يجب، جرح وتعديل الرواة، أما الجرح والتعديل الذي هو مجرد تفكه بأعراض المسلمين هذا لا يجوز بحال؛ لأنه غيبة، ولا يترتب عليهم مصلحة راجحة، وقد يترتب عليه مصلحة لكنها مرجوحة، والعبرة بالغالب.(1/2)
الكلام في علوم الحديث بجميع أبوابه وأنواعه في غاية الأهمية لطالب العلم، وكيف يدرس علوم الحديث ومصطلح الحديث وأصول الحديث؟ يدرس كغيره من العلوم بالتدريج، يدرس بالتدريج، وقد ألف العلماء كتب تناسب جميع المستويات فألفوا للمبتدئين ما يناسبهم، وألفوا للمتوسطين ما يناسبهم، وألفوا للمنتهين ما يناسبهم، فألف للمبتدئين متون مختصرة جداً مثل البيقونية مثلاً، في أربعة وثلاثين بيتاً هي ذكر للأنواع مع تعريف كل نوع فقط، هذه لا مانع أن يستفتح بها الطالب المبتدئ، وهذه قد لا تأخذ من وقته شيئاً؛ لأنها تشرح بأسلوب يناسب مستواه، ثم بعد ذلك تكون هذه المنظومة المختصرة توطئة لدراسة النخبة؛ لأنها متينة على الطالب المبتدئ، فلو قرأ قلبها شيئاً يكون أيسر لتحصيلها، فيحفظ النخبة ويقرأ ما كتب عليها من شروح، ويسمع ما سجل عليها من دروس، ويحضر أيضاً دروس أهل العلم، ثم بعد ذلك يرتقي الطالب ويتأهل للنظر في اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- مع ما كتب عليه من حواشي، ومع ما سجل عليه من دروس يسمع ويفرغ علي نسخته ويحضر الدروس، وبذلك يتأهل لدراسة ما فوقه من الكتب كالألفية مثلاً، الألفية التي هي موضوع درسنا، إذا قرأ النخبة وفهم النخبة وهضم النخبة، ثم ارتقى بعد ذلك إلى اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير مع كاتب عليه، وحضر الدروس وسمع الأشرطة يتأهل للنظر في الألفية؛ لأن موضوع اختصار علوم الحديث وموضوع الألفية واحد إلا أن الألفية تعسر على الطالب تحتاج إلى شيء يكون كالتمهيد لها والتوطئة لدراستها، بعد ذلك يتأهل الطالب لدارسة الألفية فيقرأها ويحفظها ويتقنها ويقرأ شروحها بدأ بشرح المصنف وهو في غاية النفاسة على رغم اختصاره في غاية الأهمية، وشرح الشيخ زكريا الأنصاري شرح فيه تنبيهات ولطائف وتوجيه لبعض أعاريب بعض الكلمات التي قد يخفى إعرابها مما لا يوجد في غيره، ومن ذلكم شرح الحافظ السخاوي فتح المغيث الذي يعد بحق موسوعة هذا العلم، ومن أخصر ما كتب على الألفية شرح السيوطي، الذي هو بقدر الألفية كلمة بكلمة لا يزيد ولا ينقص، نظير تفسير الجلالين كلمة بكلمة، هذا يحل بعض الكلمات الغامضة لكنه لا يشفي عليلاً، ولا(1/3)
يروي غليلاً، بل لا بد من مطالعة شرح المصنف، وشرح الشيخ زكريا، وشرح السخاوي، هذا التدرج ينفع طالب العلم جداً، وييسر له النظر في هذا العلم بعمق، ويتأهل لفهم مقاصد الأئمة في أحكامهم على الأحاديث، وهو في ذلك كله لا يستغني عن التطبيق من بداية الأمر، يعني مع قراءته للنخبة وشروحها يشتغل بتخريج الأحاديث تخريجاً مبدئياً من الكتب المعروفة المشتهرة، كالكتب الستة مثلاً، وينظر في أسانيدها من خلال التقريب مثلاً، ويعرض ما يكتبه على هذه الأحاديث وهو يخرج وينظر في الأسانيد على اختصار شديد للتمرين، وإذا كتب شيئاً لا يقصد به نفع الآخرين، إنما يقصد به نفع نفسه أولاً؛ لأنه لم يتأهل للتصنيف بعد، ولو حدثته نفسه بذلك كان قد استعجل النتيجة، وفي الغالب يحرم الوصول مثل هذا، فإذا عانى التخريج على هذا الوجه ثم أخذ في المرحلة الثانية التي أشرنا إليها آنفاً وزاد في التخريج يزيد في التطبيق والتخريج، والنظر في الأسانيد ويحكم على الأحاديث مقارناً حكمه بأحكام الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، ويعرض ما يكتبه على هذه الأحاديث، وهو في هذه المرحلة أيضاً بنية الانتفاع لا بنية النفع، إنما هو بنية تطبيق القواعد النظرية التي درسها في هذه الكتب، فإذا قرأ الألفية وحفظ الألفية ونظر في شروحها تأهل للتخريج ودراسة الأسانيد العملي، وحينئذٍ يتوسع في تخريج الأحاديث، ويحرص على عزو الأحاديث إلى ما أمكنه الوصول إليه من المصادر، ويتوسع أيضاً في دراسة الأسانيد، وينظر في أقوال الأئمة مستعملاً في ذلك قواعد الجرح والتعديل، والتعارض والترجيح، ولا يغفل مع دراسته هذه، هذه الكتب يعتني بها، ويجعلها محاور للبحث، ومع ذلك يقرأ في الكتب الأخرى، وهو في دراسته للنخبة يقرأ في هذا كتب أخرى ألفت في هذا الفن من قبل المتقدمين ومن قبل المتأخرين أيضاً، فالمتأخرون لهم مساهمات جيدة وقوية في الباب، وإذا بلغ المرتبة الثانية ووصل إلى الطبقة الثانية أيضاً يستفيد من الكتب المتوسطة في هذا الباب للمتقدمين والمتأخرين، وهو يحفظ الألفية، ويقرأ في شروح الألفية، ويحضر دروس الألفية يقرأ مع شروحها الكتب المطولة في علوم الحديث، فإذا قرأ في فتح المغيث يقرن به أيضاً(1/4)
بما في تدريب الراوي وبما توضيح الأفكار للصنعاني، ثم بعد ذلك إذا أنهى هذا العلم على هذه الكيفية وطبق ما درسه نظرياً على التخريج ودراسة الأسانيد العملية، وعرض ما يكتبه على أهل الاختصاص، ويصوبون له في ذلك كله، يتأهل حينئذٍ للنظر في أحكام الأئمة، وتتكون لديه الملكة التي يتعامل بها مع أقوال الأئمة، وهذا العلم بحر، لا يمكن إدراكه في أيام أو في أشهر أو في سنوات، إذا قرأ الألفية مع شروحها، وقارن بها مطولات هذا الفن، تأهل للنظر في أقوال الأئمة، وقبل ذلك ينظر في كتب العلماء الذين عنوا بأقوال الأئمة المتقدمين كابن عبد البر وابن رجب وغيرهما من العلماء الذين لهم عناية فائقة بأقوال المتقدمين، وهذا لا يعني أن غير هذين الإمامين لا يعنون بكلام المتقدمين لا حاشا وكلا، لا نعني بذلك أن الذهبي وابن حجر أو غيرهما من أهل العلم لا عناية لهم، لا، لهم عناية، ومعولهم على أقوال الأئمة، وعمدتهم أحكام الأئمة، وإشارات الأئمة في أحكامهم، لكن هم صنفوا في هذا العلم على الكيفية والترتيب الذي ذكروه وكل ارتضى منهج له في كيفية تقرير هذه القواعد المنضبطة إلى حد ما نظرياً، وإن كانت الأحكام العملية قد تختلف إذا تأهل الطالب، الآن الطالب في مرحلة التلقي والطلب حكمه حكم العامي يقلد هؤلاء في قواعدهم النظرية، وفي تطبيقاته أيضاً، لكن إذا تأهل فحكمه في ذلك حكم من تأهل للنظر في النصوص والموازنة بين الأدلة والاجتهاد في الأحكام، إذ لا يقلد في دينه الرجال إذا تأهل لذلك، أما قبل التأهل فلا مفر له ولا محيد من تقليد العلماء، وفرضه كالعامي سؤال أهل العلم، سواء سؤالهم المباشر أو التخرج على كتبهم، الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في مقدمة النخبة ذكر أن الكتب المصنفة في هذا العلم قد كثرت، وصارت مثار تردد وحيرة بالنسبة للطالب المبتدئ بما يبدأ، وبسطت واختصرت نعم أهل العلم أحياناً يؤلفون المطولات لتفهم، ويزداد علمها، وتزداد الثورة العلمية عند طالب العلم، وأحياناً يختصرون، لتحفظ وتقرر وتدرس وتدرس، وهل من العبث مثلاً أن يؤلف كتاب في فن ثم يأتي عالم لهذا الكتاب فيختصره بربع الحجم مثلاً، ثم يأتي ثالث فيشرح هذا المختصر، يعني هذا عبث عند أهل(1/5)
العلم هل هذا عبث؟ ليس بعبث، يؤلفون المطولات والمبسوطات ليفاد منها، وتبسط فيها المسائل، وتحرر وتقرر بجميع ما تطلبه هذه المسائل من وسائل للبسط والإيضاح، ثم تختصر، وقد يؤلف المختصر ابتداءً لكي يحفظ ويدرس ويدرس ويعتني به ثم يأتي من يشرح هذا المختصر ليستفيد منه من يريد حفظ هذا المختصر، ومن يريد تدريس أو دراسة هذا المختصر؛ لأنه قد يقول قائل وقد رمي الحافظ ابن حجر في مختصراته بأنه يسطو على كتب أهل العلم ويمسخ كتب أهل العلم، كتب هذا، مع الأسف أن من علق على النخبة قال مثل هذا الكلام، بعض من علق على النخبة قال مثل هذا الكلام، إذا قال ابن حجر: ولي مؤلف في كذا، مؤلف في الصحابة قال: نعم سطا على كتب العلماء ومسخها واختصرها، لي مؤلف في ... ، وقد ألف الحافظ المزي مثلاً تهذيب الكمال واختصره، وقال كعادته: يسطو على كتب الأئمة ويمسخ كتب الأئمة، هذا لا شك أنه سوء أدب، الحافظ ابن حجر يعني مختصراته ما جاءت من فراغ، والاختصار باب من أبواب التحصيل، اختصار الكتب باب من أبواب التحصيل، ولذا نوصي الطلاب بأن يختصروا، كيف تختصر؟ أنت الآن تحفظ من الألفية المقرر يعني تقديراً أن يحفظ في هذه الدورة في كل درس عشرة أبيات، تأتي مثلاً إلى شرح المؤلف شرح المؤلف مختصر، شرح زكريا الأنصاري مختصر، تأتي للسخاوي تقرأ كلام السخاوي مع قراءة شرح المؤلف وزكريا تختصر شرح السخاوي على شان إيش؟ على شان يرسخ المختصر في ذهنك، تشارك مشاركة عن ثقة، إذا عملت بهذه الطريقة، قد يقول قائل مثلاً: والله أنا أتمنى أن أحصل في علم الأصول، وقرأت الورقات وشروح الورقات، وسمعت ما سجل عليها، لكن أنا أحتاج إلى كتب أرفع من هذا الكتاب، نقول: عليك بكتاب مختصر الروضة مثلاً، أو مختصر التحرير، يقول: هذه كتب صعبة، والآن ما يوجد من يدرسها، أنت الآن عندك أرضية لفهم الأصول بحفظ الورقات، وقراءة شروح الورقات، وسماع الأشرطة على الورقات، وقد تكن حضرت دروس في الورقات، ماذا تفعل؟ شرح مختصر التحرير أربعة مجلدات بإمكانك أن تختصره بربع حجمه مجلد واحد، وشرح مختصر الروضة ثلاث مجلدات كبار بإمكانك أن تختصره في مجلد واحد، تقرأ كلام الشارح، والشارح هو المصنف نفسه(1/6)
مصنف المختصر، وهو أعرف الناس بشرحه، وأدراهم بما يحتويه هذا المصنف، تأتي إلى هذا الكتاب وتقرأ المتن تحاول تفهم المتن وتشرح المتن من تلقاء نفسك، ثم تقرأ ما كتبه المؤلف في شرحه عليه بعد أن أمعنت النظر في كلام المتن، تقرأ هذا الشرح وهو مطول، وفيه عسر، يعني لا ننكر أن فيه عسر؛ لأن الأصول فيه شيء من العسر، لكن الطالب إذا فهم قواعد هذا العلم وطبق عليه من خلال ما يمر به من مسائل تفصيلية وتفريعية وتوجد في الكتب وفي الدروس يطبق وإذا انفتح له هذا الباب ارتاح له راحة تامة، إذا قرأت المتن، هذا السطر من كلام المؤلف ثم راجعت عليه الشرح كررته مرة مرتين صغته بأسلوبك يعني بدل ما شرح هذا السطر ثلاثة صفحات أربع صفحات تجعله في صفحة واحدة بأسلوبك أنت، إذا أشكل عليك تسأل، العلماء متوافرون، في كلام مرتبط بعلم الكلام والمنطق، ودخيل على العلم الشرعي هذا استبعده، الكلام الذي لا تفهمه استبعده، دعه خله مرحلة ثانية تسأل عنه أو تقرأه على عالم، لكن إذا انتهيت يكون لديك قابلية لفهم هذا العلم، وقل مثل هذا في جميع العلوم عندك تفسير ابن كثير مثلاً، تفسير ابن كثير في أربعة مجلدات أسفار كبار، يعني لو فردت وقد فردت في بعض الطبعات في خمسة عشر مجلداً، بإمكانك أن تقرأ الآية تقرأ كلام الحافظ ابن كثير، تختصر كلام الحافظ -رحمه الله-، الروايات المكررة تحذفها، الأسانيد التي يكررها الحافظ ابن كثير تختصرها، وتختصر الكتاب في ربع حجمه، وقد حصل، لا أقول: تصنع هذا لنفع الناس، والنشر والتأليف، وأنا أصدرت عشرين كتاباً ثلاثين كتاباً، وبعض الشباب صدر للمؤلف يذكر أربعين كتاب، والآن تحت الطبع مثلها، وقيد التحقيق، وقيد التأليف مثلها، لا، هذا تعجل للثمرة، هذا يندم في الغالب، أنا أقول: طريقة الاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، وما المانع أنك في سفر مثلاً مسافر ومعك شرح لكتاب وليكن مثل ما ذكرنا تفسير ابن كثير، أو تفسير القرطبي أو أي تفسير من التفاسير الذي تفهمه من كلام المؤلف تعلقه على الآية، وإذا انتهيت يكون عندك تصور تام لهذا الكتاب، فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، وأتصور أن الحافظ ابن حجر فعل ذلك في مبدأ الطلب بعد أن صارت لديه(1/7)
أهلية لنوع من أنوع التأليف الذي هو الاختصار، الاختصار أمره سهل، ما هو مثل الابتكار والتجديد والتحرير، لا، الاختصار أمر سهل يعني كلام عندك تحذف منه ما تشاء وتبقي ما تشاء، ما هو بمثل الابتكار من عندك تنشئ كلام، هذا ما تستطيع إلا إذا تأهلت، ابن حجر حينما ألف الإصابة مثلاً أو ألف تهذيب التهذيب أو ألف كذا هذه لا شك أنه هو المستفيد الأول، من أين تكونت له المادة التي من أجلها أطبق أهل العلم على تسميته بالحافظ إلا بهذه الطريقة، من وسائل التحصيل عندهم جمع وتفريق، جمع وتفريق، كيف جمع؟ أنت بإمكانك وأنت طالب علم تعديت مرحلة المبتدئين والمتوسطين وقرأت ما يؤهلك لفهم ما يُحتاج إليه في خدمة السنة مثلاً أنت عندك مرحلة الجمع، عندك البخاري مسلم أبو داود الترمذي النسائي ابن ماجه الكتب الستة تريد أن تجعلها في كتاب واحد، بدلاً من أن تكون في ستة كتب، والباب الواحد الموجود في حديث في البخاري تجد أخر عند مسلم بنفس المعنى، ثالث عند أبي داود خامس كذا .. إلى أخره، تريد أن تجعل هذه الأحاديث تقول: والله أنا عندي جامع الأصول مريحني يكفي أن تقول: جامع الأصول؟ ما يكفي، ما يكفي لو أنت صنعت مثل جامع الأصول ما انتهيت من الكتب الستة إلا وأنت في مصاف أهل العلم، والمسألة ما تكلفك شيء، كل شيء مخدوم بالأرقام والحالات والحمد لله الأمر يسير، يعني يأخذ منك وقت الكتب الستة تأخذ منك خمس سنوات ست سنوات وليكن، ثم ماذا؟ العمر إذا أنفق على مثل هذا الأعمال هذه هو العمر الحقيقي للإنسان، فمثل ما نقول في الاختصار أيضاً مسألة الجمع وضم الكتب بعضها إلى بعض، فرد الكتب تأتي مثلاً إلى تحفة الأشراف؛ لأن كثير من الناس ما يدري كيف يلج إلى هذا العلم، بده يحفظ الدنيا كلها، لكن ما يتيسر، تأتي مثلاً إلى تحفة الأشراف تنظر في الحديث الأول حديث أبيض بن حمال مثلاً مخرج عند فلان وفلان وفلان، تأتي إلى إسناده عند فلان، ومتنه عند فلان، وتقارن بين هذا الإسناد وذاك الإسناد، وصيغ الأداء، وما قيل في رجاله ومتونه، كيف روي بهذا المعنى؟ وكيف روي بهذا اللفظ؟ تكون لديك ملكة وحصيلة علمية، المقصود أنك تمسك الطريق، مو بالمقصود أن هذا الطريق طويل خله(1/8)
طويل وليكن، لكن هذه وسيلة من وسائل تحصيل العلم؛ لأن كثير من الناس يضيع وقته ما يدري ويش يسوي؟ وقد لا تسعفه الحافظة أن يحفظ ألوف مؤلفة من الحديث، لكن إذا فعل بالكتب الستة أو بغيره من الكتب بهذه الطريقة، وهذا الطريقة شرحناها في مناسبات كثيرة، وبإمكانكم الإطلاع عليها، يعني إذا انتهى منها وإن كان ضعيف الحافظة لا شك أنه سوف يخرج بنتيجة وحصيلة مرضية تؤهله لئن يشارك في بحث المسائل العلمية، وفي التأهل لدارستها والاجتهاد فيها.
الكتاب الذي بين أيدينا الذي هو ألفية العراقي في الدرس الأول من هذه الدورة التي نرجو أن تكون نافعة لطلاب العلم، وأن تكون خالصة لوجه -جل وعلا-، ألفية العراقي وتمسى أيضاً ألفية الحديث، ألفية العراقي جاء بعض الشروح مثل: (فتح الباقي شرح ألفية العراقي) فهذا اسم من أسمائها إضافة إلى ناظمها، و (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) فهي ألفية الحديث إضافة إلى موضوعها، وهي أيضاً التبصرة والتذكرة؛ لقول الناظم في مقدمتها:
نظمتها تبصرة للمبتدئ ... تذكرة للمنتهي والمسندِ
هذه أسمائها، ولا شك أنها متن متين، يعتمد عليه طالب العلم، يعنى المؤلف بالتعريف والحد في بداية الباب، في بداية كل باب، وذكر الخلاف فيه، والمثال الذي يطبق عليه، وقد يذكر في الباب الواحد الخلاف كامل بذكر الأقوال كلها، وقد يذكر أكثر من مثال، ويأتي لهذا أمثلة -إن شاء الله تعالى- فهي ألفية نافعة جداً لطالب العلم، في صفها أيضاً تقف ألفية السيوطي، وهي ألفية أيضاً جيدة اشتملت على زوائد، يقول ناظمها:
فائقة ألفية العراقي ... في الجمع والإيجاز واتساقِ
هناك مقارنة بين الألفيتين أدت نتيجتها إلى تفضيل ألفية العراقي، ولو لم يكن من ذلك إلا إمامة الحافظ العراقي في مقابل أهلية السيوطي، السيوطي جمّاع، وعنده مخالفات في هذا العلم وفي غيره، وعنده تساهل، وهو أيضاً عليه ملاحظات كبيرة في باب الاعتقاد، وهذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك؟ ولو لم يكن من وجوه المفاضلة والموازنة إلا إمامة الحافظ العراقي.
السيوطي يقول:
فائقة ألفية العراقي ... في الجمع. . . . . . . . .(1/9)
يعني جمع "والإيجاز" في الجمع يعني زاد عن الحافظ العراقي أنواع والإيجاز اختصار، والإتساق الترتيب، كونه زاد أنواع أولاً: هذه الأنواع جاءت على حساب أشياء تركها مما أشار إليها الحافظ العراقي، والإيجاز مع هذا الجمع الزائد لا شك أنه في مقابل متروك، وأما بالنسبة للترتيب ففي ترتيب الحافظ العراقي تبع للأصل الذي هو علوم الحديث لابن الصلاح ما في شك أن فيه ما يلاحظ عليه، وأمر الترتيب سهل، ليس بمعضل يعني تقدم باب على باب أو تأخر أمره سهل، وعلى كل حال كون السيوطي زاد أنواع عشرة أنواع مثلاً لا شك أنها على حساب شيء متروك في ألفية العراقي، وهو استيعاب الأقوال -أقوال العلماء- والأمثلة ووضوح الحد والتعريف، قد يقتصر السيوطي على تعريف واحد بينما يذكر الحافظ العراقي الخلاف في التعريف الذي يترتب عليه فائدة عملية، وقد يذكر الحافظ العراقي من وجوه الخلاف يستوعب الخلاف ويقتصر السيوطي على قول أو قولين، في الأمثلة كذلك وإلا فعدد الأبيات واحد، هذه ألفية وهذه ألفية سواء زادت ألفين أو نقصت بيتين ماله أثر، إذا كان عدد الأبيات واحد وزادت إحداهما على الأخرى ألا يكون هذا على حساب وضوح في النظم؟ ألا يكون على حساب سرد لأقول حذفها الذي زاد بعض الأنواع؟ وأيضاً على حساب بعض الأمثلة، وأيضاً هذه الألفية ألفية العراقي أصل لألفية السيوطي، يقول:
واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح ... كهذه. . . . . . . . .(1/10)
يعني ألفيته "أو أصلها" يعني ألفية العراقي "وابن الصلاح" فألفية العراقي أصل لألفية السيوطي، ولذا تجدون التشابه كبير بين الألفيتين، فقد يأخذ السيوطي شطر بيت ويكمله من عنده، يأخذ شطر بيت من ألفية العراقي ثم يكمله، ولا يعني هذا التقليل من شأن ألفية السيوطي أو التقليل من وجهة نظر من يفضل ألفية السيوطي لا كل له اجتهاد، كل له اجتهاده، لكن أنا أقول: يعنى طالب العلم بألفية العراقي، وما زاده السيوطي في ألفيته يمكن أخذه منها على أن الأبواب التي يهتم بها طالب العلم ويحتاج إليها حاجة ماسة ما ترك منها شيئاً الحافظ العراقي، يوجد بعض الأبيات في الفية العراقي تحتاج إلى شيء من التقويم، فيها شيء من التكسر، ولا شك أن هذا نظم عالم، يعني ليس النظم مهنته، يعني ما معدود في عداد الشعراء، لا، هو في عداد العلماء الذين ينظمون العلوم، وقد يقع في بعض الأبيات شيء من الخلل في الوزن، وقد يحتاج إلى أداء معين بطريقة معينة؛ ليتسق البيت، مما سيِأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، ولذا إذا نظروا في شعر مثلاً هو في الأصل لشاعر أو انتقدوا عليه شيء من عدم الاتساق قولوا: هذا نظم فقهاء، وإن كان في الفقهاء من يجيد النظم، كالإمام الشافعي، ولا يعني أن الفقهاء لا يعرفون النظم، هم ينظمون، والعلماء نظموا العلوم، وأحسنوا في هذا، وأجادوا، وانتفع الناس بهذا النظم، ضبط العلوم، يعني ما رأيك لو أن طالب العلم أتقن مثل هذه الألفية، ومثل نونية ابن القيم، ومثل نظم ابن عبد القوي في الفقه، ومثل منظومة الآداب، ومنظومات كثيرة جداً، يعني لو أن طالب العلم تسعفه الحافظة لحفظ نونية ابن القيم كم يكون عنده من سائر العلوم والفنون بسبب هذا النظم، خمسة ألاف وثمانمائة وستين بيت، يعني لو استخرج ما فيها من جرح وتعديل للرواة وحكم على الأحاديث لجاء في مصنف مستقل، دعونا من مسائل الاعتقاد الذي هو أصل النظم، أقول: العلماء أحسنوا في نظم العلوم، وهم في نظمهم لهذه العلوم ساهموا مساهمة قوية في ضبطها وإتقانها وحفظها؛ لأن النظم يثبت أكثر من النثر، والشعر على كل حال كلام، مباحه مباح، ومحظوره محظور، وإن كان بعض أهل العلم كالشعبي يقول: لا ينبغي أن تكتب البسملة(1/11)
في الشعر؛ لأنه ليس بذي بال، وليس بذي شأن يهتم به، لكن أين الشعبي من هذه المؤلفات التي حفظت لنا العلوم؟ والقول المحقق أن الشعر كلام مباحه مباح ومحظوره محظور، ومستحبه مستحب وهكذا، جاء في الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) إذا حفظ الطالب ألفية العراقي وحفظ ألفية ابن مالك ونونية ابن القيم ونظم ابن عبد القوي يكون امتلأ جوفه شعر وإلا ما امتلأ؟ حفظ مثلاً عشرين أو ثلاثين ألف بيت امتلأ وإلا ما امتلأ؟ حتى يريه، إيش معنى حتى يريه؟ حتى لا يبقى لأي شيء من أصناف العلوم والكلام شيء في جوفه، وإلا الحديث واضح حتى يمتلئ الآن هذه ممتلئ، هل نستطيع أن نزيده من هذا نعم، لكن هذا ما امتلأ نستطيع أن نزيده من هذا، أنت افترض أنك حفظت العلوم كلها وامتلأ جوفك مثل هذا كلها نظم ينطبق عليك الحديث، فأين تضع الكتاب والسنة؟ قال الله وقال رسوله أين تضعه بعد أن امتلأ جوفك؟ لكن إذا حفظت من النظم بقدر هذا وحفظت الكتاب والسنة وملأت الجوف من الكتاب والسنة بعد هذا لا ينطبق عليك الحديث، فالحديث محمول على من ملأ جوفه من الشعر بحيث لا يستوعب غيره، لا قرآن ولا سنة ولا أقوال سلف ولا شيء ما عنده إلا شعر، يعني لو جئنا إلى الأصمعي مثلاً يحفظ عشرين ألف قصيدة، لكن هل الأصمعي ما يحفظ القرآن؟ ما يحفظ شيء من السنة؟ ما يحفظ شيء من أقاويل؟ يحفظ، إمام من أئمة المسلمين، وإن كان رسوخ قدمه في اللغة أكثر من غيره، لا يعني هذا أنه امتلأ جوفه شعر وهو لا يحفظ القرآن، نعم إذا أهمل القرآن وما حفظ القرآن ولا حفظ من السنة شيء واعتنى بالشعر ينطبق عليه الحديث، أما إذا استوعب الشعر ما يحتاج إليه من الشعر بعد حفظ القرآن والسنة وحفظ أقاويل السلف لا يتجه إليه الذم الوارد في هذا الحديث، والحديث في الصحيحين؛ لأنه قد يستشكل بعض الناس هذا الحديث، كيف نعنى بالشعر والنبي -عليه الصلاة والسلام- ذم الشعر؟ الشعر أنشد بين يديه -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اهجهم وروح القدس يؤيدك)) إذاً الشعر ليس بمذموم، لكن نعم العناية بالشعر بحيث لا يبقى في الجوف ولا في القلب مكان لأي كلام غير الشعر هنا يتجه الذم، فلا يشكل(1/12)
علينا مثل هذا الحديث.
ونشرع بالمقصود نحتاج إلى الإشارة إلى أن الألفية طبعت مراراً، طبعت بالهند سنة ألف وثلاثمائة، وطبعت بعد ذلك مراراً في مصر والمغرب وباكستان، طبعت طباعات كثيرة، فممن طبعها الشيخ أحمد شاكر طبعته جيدة في الجملة، فيها بعض الأخطاء وهي تتفق كثيراً مع طبعة الشيخ حامد الفقيه، الشيخ أحمد شاكر طبعها ضمن مجموعة سماه: "من الروائع" بالاشتراك مع أخيه علي، والشيخ حامد الفقيه طبعها ضمن مجموع نفائس، والطبعتان متقاربتان جداً، وطبعت أيضاً مع الشروح، وطبعت بمصر مع شرح المصنف، وطبعت أيضاً بفأس بالمغرب مع شرح المصنف وشرح زكريا الأنصاري، المقصود أنها طبعت مراراً، وما زال الطبع جارياً إلى أن ظهرت هذه الطبعة التي هي أخر الطبعات طبعة دار المنهاج، وهي محررة ومتقنة ومضبوطة ومتعوب عليها، ولما خرجت قرأها بعض طلاب العلم، واستدركوا عليها بعض الأشياء، ولا بد من الوقوع بمثل هذا، والعمل بتضافر الجهور يكمل -إن شاء الله تعالى-، زودنا ببعض الملاحظات من بعض الإخوة التي عندهم شيء من الدقة والتحري والضبط، ولا بد أن يقع أيضاً في الطباعات الأخرى التي اعتني بها بعد هذا الملاحظات، لا أن يقع، وهذه طبيعة عمل البشر، والمحفوظ المحصون هو كتاب الله -جل وعلا- الذي تكفل بحفظه، واليوم تكتب كتابة وغداً تقول: ليتني غيرت، ليتني بدلت، وهذا له وجه يلوح لك وجه في إعراب كلمة ثم من الغد يلوح لك غيره، فأنت ما عندك تردد في ضبطها في هذا اليوم، ثم إذا ثبتت وانتشرت بين الناس قلت: ليت والله أن الضبط هذا تبين أنه أرجح، ولا بد من هذا، وكتب البشر كلها على هذه الطريقة، ولو ظهر كتاب مصون مضبوط محرر متقن ما عليه أدنى ملاحظة ما صار لكتاب الله أي ميزة، ولحفظه أهمية، والله المستعان.
سم.
الحمد لله حمد كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
الله علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.(1/13)
قال الإمام الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في منظومته البديعة الشهيرة المسماة بـ (ألفية العراقي) غفر الله له ولجميع علماء المسلمين وجازاهم خير ما جازى عالماً عمن دعوهم إلى السنة.
قال -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول راجي ربه المقتدرِ ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري
من بعد حمد الله ذي الآلاء ... على امتنان جل عن إحصاء
ثم صلاة وسلام دائمِ ... على نبي الخير ذي المراحمِ
فهذه المقاصد المهمهْ ... توضح من علم الحديث رسمه
نظمتها تبصرة للمبتدي ... تذكرة للمنتهي والمسندِ
لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه ... وزدتها علماً تراه موضعه
فحيث جاء الفعل والضميرُ ... لواحد ومن له مستورُ
كـ (قال) أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
وإن يكن لاثنين نحو (التزما) ... فمسلم مع البخاري هما
والله أرجو في أموري كلها ... معتصماً في صعبها وسهلها
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم" ابتدأ -رحمه الله تعالى- بالبسمة إتباعاً للقرآن الكريم، وعملاً بحديث: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع)) والحديث مضعف عند أهل العلم، وله طرق، وله ألفاظ مختلفة محكوم على جميعها بالضعف، بجميع طرقه وألفاظه عند جمع من الأئمة، وأثبت بعضهم رواية: الحمد، وجعلها من قبيل الحسن، وعلى كل حال فيما جاء في كتاب الله -جل وعلا- من افتتاح بالبسملة والحمدلة ما يجعل الأمر مشروعاً، وبعض الناس إذا اطلع على أمر من الأمور وقد ورد فيه حديث قد ضعف حكم على الأمر بأنه مبتدع؛ لأن عمدته حديث ضعيف، وقد خفي عليه من الأصول التي يعول عليها في إثبات مثل هذا ما يخفى، فالعلماء قاطبة عولوا على الاقتداء بالقرآن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يكتب البسملة في رسائله، ويفتتح الخطب بالحمدلة، وهذا معروف في الشرائع السابقة، ففي رسالة سليمان -عليه السلام- لبلقيس، جاءت الرسالة: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل]، فافتتح بالبسملة.(1/14)
قد يقول قائل: إنه افتتح باسم سليمان من سليمان، بسم الله الرحمن الرحيم، اتباعاً لما جاء في القرآن: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل]، هو خبر عن مصدر الكتاب: وهو سليمان، لكن الكتاب افتتح بالبسملة، الافتتاح بالبسملة والحمدلة أمر نسبي، وإذا عرفنا أن المعول عليه هو ما جاء في الكتاب والسنة، وإن لم يكن قولاً وإنما عملاً، القرآن افتتح بالبسملة والحمدلة، والرسائل النبوية افتتحت بالبسملة، والخطب النبوية افتتحت بالحمدلة؛ فهل لقائل أن يقول: أن الافتتاح بالبسملة، والحمدلة بدعة؟ وهل يتصور هذا من مسلم؛ فضلاً عن من عانى العلم، وقرأ في كتب أهل العلم؟ وهل تتوقعون أن شخصاً يكتب في العقيدة يقول: "كانت الكتب التقليدية تستفتح بالبسملة، والحمدلة"؛ ما أدري بما يستفتح مثل هذا؟! بناءً على إيش؟ بناءً على أن الحديث الوارد في الافتتاح بالبسملة والحمدلة ضعيف، ضعف الحديث دعونا من الحديث، لكن أليس في كتاب الله قدوة وأسوة، أليس في صنيع النبي العملي -عليه الصلاة والسلام- ما صحت به السنة؛ أسوة وقدوة؟ يكفي هذا لإثبات المشروعية، "يقول راجي .. "، لسنا بصدد الكلام على البسملة، وإعراب البسملة، هذا كلام تكرر في مناسبات كثيرة، وفي كتب كثيرة.
"يقول" الآن الحافظ العراقي افتتح بالبسملة؛ فهل ثنى بالحمدلة؟
يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري
من بعد حمد لله ذي الآلاء ... . . . . . . . . .
ذكر اسمه قبل الحمدلة، لكنه وإن ذكره لفظاً إلا أنه قدم الحمدلة حكماً؛ لماذا؟ لأنه قال:
يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري
من بعد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(1/15)
يعني متى ذكر اسمه؟ بعد حمد الله ذي الآلاء، فحكماً الحمد متقدم على ذكر اسمه، حكماً؛ لأنه جعل ذكر اسمه من بعد حمد الله ذي الآلاء، فلعله تلفظ بالحمد، فقدم الحمد حقيقةً لفظاً، ثم في التسطير، والكتابة ذكر الاسم، وهو متأخر حكماً، وإن تقدم لفظاً، يعني كما سيأتينا في قوله: "فمسلم مع البخاري" هل نقول إن الحافظ العراقي قدم مسلم على البخاري؟ نعم، قدمه ذكراً، لكن حقيقةً؟ هو يقدم البخاري في هذا البيت لماذا؟ لأن المعية معية مسلم تشعر بالتبعية للبخاري، ولذا إذا قلت: جئت مع فلان، أيكم التابع وأيكم المتبوع؟ يصير المتكلم هو التابع، إذا قال: جئت مع فلان، لكن إذا قال: جاء معي فلان، يصير المتكلم متبوع، فهو وإن قدم مسلم في الذكر إلا أنه قدم الإمام البخاري في الحكم، وهذا نظير ما يفتتح به هنا، يعني ابن الجوزي يقول: تعرف نباهة الطفل، وهو يلعب مع أقرانه، إذا قال: من يلعب معي، هل يختلف الحكم فيما إذا قال: من ألعب معه؟ نعم، يقول ابن الجوزي: يختلف هذا، الذي يقول: من يلعب معي، دل على أنه رأس من الصغر، بخلاف من يقول: من ألعب معه، دل على أنه تابع.
يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري
لكن لو أراد أن يستفتح بالحمد ماذا يقول؟ لأنه ذكر اسمه في البداية بعد أن ذكر البسملة، وذكره لاسمه كما صرح به هو من بعد حمد الله ذي الآلاء، فهو حكماً قدم الحمد، سواءٌ كان حقيقة بأن تلفظ به قبل أن يذكر اسمه، أو حكماً؛ لأن ذكر اسمه واقع وكائن بعد حمد الله.(1/16)
"يقول راجي" يقول، معروف أنه فعل مضارع يقول، والأصل أن يقول: قال، قال راجي ربه المقتدر؛ لأن القول انتهى، أو مازال يقول؟ نعم، يعني المضارع يستفاد منه الاستمرار، يراد منه الاستمرار، فهو مازال يقول، وكتابته لهذه المقدمة لا تخلو إما أن تكون قبل تمام النظم أو بعده، والذي يغلب على النظم أنها بعد تمامه للنظم؛ لأنه ذكر الاصطلاحات فيها، ذكر الاصطلاحات التي مشى عليها في جميع الألفية، فهو لا يذكر هذه الاصطلاحات إلا بعد أن أوجدها في الواقع "يقول" الأصل أن يقول: قال؛ لأنه ذكر هذه المقدمة فيما يغلب على الظن بعد تمام النظم، لما نظم أقسام الحديث وما يليه تبعاً لابن الصلاح، وإلى آخر الألفية ذكر هذه المقدمة بعد أن تصورها، وتصور الاصطلاحات التي أودعها في هذه الألفية، وهذا غالب المؤلفين على هذا، جرى عليه غالب المؤلفين يضعون الكتاب يؤلفون الكتاب يضبطون الكتاب بجميع ما يحتاجه الكتاب، ثم بعد ذلك يكتبون المقدمة؛ لأنهم يحتاجون إلى اصطلاحات يبينونها، والاصطلاحات لا تبين كاملة، والتصور لا يكون شامل للكتاب إلا بعد تمامه.
يقول راجي ربه المقتدر ... . . . . . . . . .
راجي: اسم فاعل من الرجاء، وهو مضاف، وربه: مضاف إليه، المقتدر: وصف للرب -جل وعلا-،
. . . . . . . . . ... عبد الرحيم ابن الحسين الأثري
أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأثري، المولود سنة خمس وعشرين وسبعمائة، المتوفى سنة ست وثمانمائة.
والحمد: هو الإخبار عن الله -جل وعلا- بصفات كماله، ونعوت جلاله مع حبه وتعظيمه، مع حبه وتعظيمه، وكثير من أهل العلم يعرفون الحمد بالثناء على المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، لكن الحمد غير الثناء، الحمد غير الثناء، مجرد الإخبار عن الله -جل وعلا- بصفات كماله هذا حمد، لكن تكرار المحامد تكرار هذا الإخبار مرة بعد أخرى، يسمى ثناء.
انقطاع ....(1/17)
علوم الحديث لابن الصلاح، لكن لما جاء ابن الصلاح، ولخص ما في هذه الكتب، وذكر أمثلة من مواقع استعمال الأئمة لهذه الاصطلاحات، ورتب الكتاب ترتيباً، وأملاه على طلابه شيئاً فشيئاً حتى اكتمل، لما خرج كتاب ابن الصلاح، واستوعب جميع ما تقدمه مما يحتاج طالب العلم في الكتب المنثور عكف الناس عليه، حتى قال الحافظ: لا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومعارض له ومنتصر، ومستدرك عليه ومقتصر، يعني داروا في فلكه، واقتصروا عليه، وعكفوا عليه، وممن نظمه الحافظ العراقي.
هناك منظومات لابن الصلاح ذكرت في مقدمات الشروح، ومقدمة هذه الطبعة –أيضاً- فيها بعض المنظومات، لكن لا شيء يعادل هذه الألفية من منظومات علوم الحديث لابن الصلاح.
لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه ... . . . . . . . . .
"أجمعه" تأكيد، تأكيد يعني لم يفرط بشيء مما يحتاج إليه طالب العلم، قد يترك بعض الاستطراد الذي يستغنى عنه بغيره، لكنه لم يترك من مهمات هذا العلم شيئاً "أجمعه" والتأكيد بأجمع دون كل مستعمل، الأصل أن تأتي أجمع بعد كل: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [(73) سورة ص]، لكن تأتي أجمع بدون كل: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [(93) سورة يوسف]، بدون كل، فيستعمل هذا وهذا.
"وزدتها" زدت هذه المنظومة "علماً" على ما في كتاب ابن الصلاح "تراه موضعه" في كل باب من أبواب زاد الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-.
وزدتها علماً تراه موضعه ... . . . . . . . . .
تراه في موضعه، تجده في موضعه، وبعضه متميز بنفسه؛ كالنقل عن متأخر عن ابن الصلاح، إذا نقل الحافظ العراقي عن النووي مثلاً:
. . . . . . . . . لكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النزر
هذا ما نعرف أنه مزيد على ابن الصلاح؟ كيف ينقل ابن الصلاح على النووي؟ ما يمكن.
وزدتها علماً تراه موضعه، إذا تميز بنفسه لا يحتاج أن ينبه عليه، قد يحتاج إلى التنبيه؛ لكون النقل عن متقدم على ابن الصلاح:
قلت: ولابن خير امتناع ... جزم سوى مرويه إجماع(1/18)
هذا ميزه بقوله: "قلت" وقد يتميز بنفسه، وقد لا يتميز، وذكر الناظم -رحمه الله تعالى- أمثلة في مقدمة شرحه لنقول لا يمكن تمييزها إلا من خلال قراءة الشروح، ومقابلة الألفية بأصلها، مثل هذه المواضع يعتنى بها "تراه موضعه"
فحيث جاء الفعل والضمير ... . . . . . . . . .
الفاء هذه الفصيحة:
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يعني ما جاء الشيخ، ما جاء ذكر فاعل الفعل، لم يأت ذكر الفاعل، يعني ضمير مستتر:
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يعني الفاعل مستتر كقال:
وقال: بان لي بإمعان النظر ... . . . . . . . . .
من القائل؟ يعني بدون ذكر الفاعل، الفاعل ضمير مستتر يعود على من؟ "كقال أو أطلقت لفظ الشيخ"؛ "الشيخ فيما بعد قد حققه"، "كقال" بدون ذكر فاعل هذا ابن الصلاح، الشيخ ابن الصلاح:
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهِما
أو مبهَما حال من الناظم إذا قلنا مبهِماً، يعني كان حال كوني مبهماً إياه، أو ما أريد إلا ابن الصلاح مبهَماً يعني حال كونه مبهَماً، فيجوز هذا وهذا.
انتهينا من إذا قال: قال، أو أطلق لفظ الشيخ يريد به ابن الصلاح.
"وإن يكن" يعني الضمير "وإن يكن لاثنين" ضمير تثنية "نحو التزما" ضمير تثنية، هل يمكن أن يقول: ليقال لواحد اللي هو ابن الصلاح التزما؟ لا يمكن:
وإن يكن لاثنين نحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
يعني إذا أتى بضمير اثنين "ولم يعماه" هل يمكن أن نقول: ابن الصلاح؟ "ولم يعماه" لا، يريد بذلك البخاري ومسلم "فمسلم" يعني مرادي مسلم "مع البخاري" منضافاً ومضموماً إلى البخاري، وعرفنا أن تقديمه لمسلم لا يعني أنه يفضل مسلم على البخاري، ولا يعني أنه يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، لما يشعر به لفظ مع، وقدمنا الكلام عليه في أول الكلام؛ لأن المعية تشعر بالتبعية، فمسلم تابع للبخاري:
. . . . . . . . . ... فمسلم مع البخاري هما
ضمير التثنية، ولم يعماه، يعني البخاري ومسلم، لكن أحياناً تأتي الألف لا للتثنية، إنما تأتي ألف إطلاق مثلاً:
وقيل: ما لم يتصل وقالا: ... بأنه الأكثر لا استعمالا(1/19)
الألف هذه تثنية، وإلا إطلاق؟ هذه إطلاق، وليست تثنية، وإلا فالأصل "وقال"، فهذه تعود إلى الضمير يعود إلى ابن الصلاح، قد تأتي التثنية لغير البخاري ومسلم، قد تأتي التثنية لغير البخاري ومسلم كما لو استدرك ذكر قول لشخص، أقول: ثم ذكر بعده قولاً آخراً لشخص آخر، وأراد أن يرد على الاثنين، هذا واضح أنه لا يريد بذلك البخاري ومسلم، وإنما يريد الاثنين الذين تقدما، ويأتي لكل هذا أمثلة -إن شاء الله تعالى-.
. . . . . . . . . ... فمسلم مع البخاري هما
"والله أرجو" اللهَ أرجو: مفعول به مقدم، والله أرجو، أرجو: فعل، وفاعله مستتر تقديره أنا "في أمور كلها معتصِِماً" أو معتصَماً يرجو من الله -جل وعلا- في أموره كلها معتصَماً يعتصم به، أو يرجو الله -جل وعلا- تيسيراً لأموره كلها حال كونه معتصماً به، واثقاً به "معتصماً في صعبها وسهلها" فهذه حال، فحال كونه معتصماً بالله -جل وعلا-؛ يرجوه التيسير والتسهيل للأمور كلها، ولولا تيسير الله -جل وعلا-، ولولا توفيق الله -جل وعلا-، ولولا إعانة الله -جل وعلا-؛ لما تم أمر من الأمور، فالأمور كلها بيد الله -جل وعلا-، فنرجوه -جل وعلا- أن يسهل لنا أمور ديننا، ودنيانا "في سهلها وصعبها" الصعب والحزن الشديد، وكلٌ منهما يقابل السهل، الصعب يقابل السهل، الحزن يقابل السهل، وسعيد بن المسيب بن حزن، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- تغييره إلى سهل؛ لأن السهل أفضل من الصعب، وأفضل من الحزن، فما رضي وقال: إن السهل يوطأ، ولذا يقول سعيد: مازالت الحزونة فينا، واختار الناظم الصعب دون الحزن لأمرين:(1/20)
الأمر الأول: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بتغييره، فهو لفظ، وإن كان مطروقاً، ومعناه صحيح في اللغة، إلا أنه مفضول، واختار الصعب -أيضاً-؛ لأن تصحيفه صعب، تصحيف حزن أسهل، التصحيف إلى الحزن أسرع من التصحيف إلى الصعب، فاختار الصعب، وإن كان الحزن يأتي، ولا يختل الوزن، وهو المقابل لسهل بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بتغيير حزن إلى سهل لكن لما ذكرنا، التصحيف أسرع إلى كلمة حزن؛ لأن الحاء يسهل تصحيفها، والزاي كذلك، والنون أسهل من الصاد والعين، وإن قال بعضهم أنه ويش المانع أن الصاد يوضع عليها نقطة فتصحف أو العين كذلك؟ لا؛ لأن المسألة مسألة نطق وارتباط بكلام، نعم وارتباط كلام بأوله وآخره، وسياق فيصعب في موضعها تصحيفها.
الأمر الثاني: أنه لفظ مفضول أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بتغييره، وننتهي بهذا المقدار.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال المصنف -رحمه الله تعالى-، وغفر الله له، ولنا ولشيخنا والسامعين برحمته إنه جواد كريم:
أقسام الحديث:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
عن مثله من غير ما شذوذ ... وعلة قادحة فتوذي
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع، والمعتمد
إمساكنا عن حكمنا على سند ... بأنه أصح مطلقا، وقد
خاض به قوم فقيل مالك ... عن نافع بما رواه الناسك
مولاه واختر حيث عنه يسند ... الشافعي قلت: وعنه أحمد
وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي: عن أبيه البر
وقيل: زين العابدين عن أبه ... عن جده وابن شهاب عنه به
أو فابن سيرين عن السلماني ... عنه أو الأعمش عن ذي الشان
النخعي عن ابن قيس علقمه ... عن ابن مسعود ولم من عممه(1/21)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "أقسام الحديث" أقسام جمع قسم، والقسم، والضرب، والصنف، والنوع ألفاظ متقاربة، ألفاظ متقاربة، وأبدا الأديب البارع أبو هلال العسكري في كتابه: "الفروق" بينها فروقاً دقيقة جداً فليراجع.
أقسام الحديث: الأنواع التي تذكر في هذا الفن كثيرة جداً، بلغت عند ابن الصلاح أصل هذا الكتاب سبعة وستين نوعاً، أنواع ما يدرس في علوم الحديث بلغت هذه العدة، والتقسيم المذكور عندنا، وموضوع درسنا يراد به التقسيم الكلي، الذي تندرج فيه بقية الأنواع.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
حصروا القسمة في الثلاثة، وأول من حصر القسمة في الثلاثة أبو سليمان الخطابي في مقدمة "معالم السنن"، حصر القسمة في الثلاثة، وأقسام الثلاثة موجودة في استعمال الأئمة، فيحكمون على الحديث بأنه صحيح، ويحكمون على آخر بأنه حسن، ويحكمون على ثالث بأنه ضعيف.
القسمة الثلاثية استقرائية، وأول من بدأها أبو سليمان الخطابي، وإن كانت هذه الألفاظ مذكورة في كلام من تقدم من الأئمة، لكن الكلام في الحصر، إذا كان تقسيم العلماء بالاستقراء تقسيمهم للماء إلى ثلاثة أقسام طهور وطاهر ونجس، وهذه القسمة قابلة للزيادة والنقص، فمنهم من يرى أنها قسمان: طاهر ونجس، ومنهم من يرى أنها أربعة ويزيد المشكوك فيه، وهنا القسمة ثلاثية، وما عداها يندرج فيها، يندرج فيها، وإلا فهناك أنواع كثيرة تبحث في هذا الفن غير الثلاثة، لكنها إذا دققنا فيها النظر؛ دخلت في الأقسام الثلاثة المذكورة.
"وأهل هذا الشأن" أهل هذا العلم، والذين عليهم المعول في هذا الباب، أئمة الحديث قسموه إلى ثلاثة أقسام، قسموه بالفعل، وإن لم ينصوا على التقسيم الحاصر، حتى جاء الخطابي في القرن الرابع، فحصر القسمة في الثلاثة "أهل هذا الشأن قسموا السنن" المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-:
. . . . . . . . . ... إلى صحيح وضعيف وحسن(1/22)
ووجه الحصر أنه إما أن تتوافر شروط القبول أو لا تتوافر، فإن توافرت فإما أن تكون هذه الشروط في الدرجة العليا أو الدنيا، الأول الصحيح والثاني الحسن، وإن لم تتوافر شروط القبول المذكورة في الحد الآتي فالضعيف، ولا رابع لها:
. . . . . . . . . ... إلى صحيح وضعيف وحسن
"إلى صحيح" هذا هو الدرجة العليا، والضعيف الدرجة الدنيا، والحسن الدرجة المتوسطة، فالحسن في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، وقدم عليه الضعيف في النظم؛ لأن النظم يقتضيه، وإن أمكن تقديم الحسن في نظم بعضهم:
علم الحديث راجع الصنوف ... إلى صحيح حسن ضعيف
يمكن، لكن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- جعل الضعيف قبل الحسن مراعاةً للوزن، ولكي تتم المقابلة، مقابلة الصحيح بالضعيف، فالذي يقابل الصحيح الضعيف، والحسن في مرتبة متوسطة بينهما، فما دام الأمر كذلك، فلو قدمه على الضعيف، ولو غير في النظم، وأمكنه ذلك لكان أولى، ليكون الترتيب طبيعياً، ولذا هذا من حيث الإجمال، ومن حيث التفصيل جرى على التقسيم المعتبر عند أهل العلم، وهو تقديم الحسن على الضعيف، فلما أنهى الكلام على الصحيح؛ شرع في الكلام على الحسن ترتيباً طبيعياً، وأخر الضعيف؛ لأنه متأخر، ودخول الصحيح والحسن في أقسام السنن لا إشكال فيه؛ لأن الصحيح والحسن مما يغلب على الظن ثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما الضعيف فيغلب على الظن عدم ثبوته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإدخاله من باب تتميم القسمة، وإلا هو في الحقيقة لا تصح نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الذي يغلب على الظن عدم ثبوته، وليس من الحديث، وإن أطلق بعضهم على ما سيأتي في الموضوع، فقال: شر الأحاديث الموضوع:
شر الحديث الخبر الموضوع ... . . . . . . . . .
ونسبته إلى الحديث إما على حد زعم قائله، وهو يضيفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على حد زعمه، وعلى سبيل التنزل، أو يقال: إن المراد بالحديث أعم مما يضاف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما يتحدث به، لكن عندنا "قسموا السنن" والمراد بالسنن المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-:
. . . . . . . . . ... إلى صحيح وضعيف وحسن(1/23)
فالتعبير هنا على حد زعم رافعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فالأصل أنه لا تجوز نسبته؛ لأن الغالب الذي يغلب على الظن أنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الخطابي لما ذكر الأقسام الثلاثة، وحصر القسمة في الثلاثة؛ عرف الأقسام الثلاثة، فعرف الصحيح بأنه ما اتصل سنده، وعدلت نقلته، ما اتصل سنده، وعدلت نقلته، وعرف الحسن كما سيأتي فيما نقله الحافظ العراقي عنه:
الحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
حمدٌ .. ، هذا الخطابي، الذي يهمنا الآن من تعاريف الخطابي الصحيح، قال: ما اتصل سنده، وعدلت نقلته، الحافظ العراقي عرف الحديث الصحيح، وبالمناسبة نوصي الطلاب، ونحن بصدد شرح هذا النظم الجيد الجميل، الوافي من كانت عنده همة لحفظ الألفية لا يحفظ في المصطلح غير الألفية، وهذا من خلال التجربة؛ لأن بعض المنظومات يشوش بعضها على بعض، بعضها يشوش على بعض، فإذا حفظ الإنسان البيقونية، وحفظ بعدها نظم الصنعاني للنخبة، أو غيره، ثم حفظ الألفية، وأراد أن يستشهد ببيت من الألفية؛ سبق إلى لسانه بين من البيقونية، أو بيت من نظم النخبة، وتشوش العلم عنده، وهذا يحصل لنا، ولغيرنا كثيراً، لا سيما ممن حافظته تَهز، لا تسعفه في وقت الحاجة، مثل هذا يتشوش، فيقتصر على نظم واحد.
يقول الحافظ العراقي في تعريف الصحيح الذي هو القسم الأول: "فالأول" الذي هو الصحيح "المتصل الإسناد"
فالأول المتصل الإسناد ... . . . . . . . . .(1/24)
الأول إعرابها: الفاء هذه، نعم إن شئت فقل: تفريعية، وإن شئت فقل: فصيحة، على حسب ما تقدره قبلها، "فالأول المتصل الإسناد" الأول مبتدأ، والمتصل إيش؟ فالأول المتصل، خبر، المتصل الإسناد، الإسناد إعرابها مضاف إليه "فالأول المتصل الإسناد" الإسناد مضاف إليه؛ كيف يكون مضاف إليه؟ المتصل مقترن بأل، والمقترن بأل معرفة؛ فهل يحتاج المعرفة إلى إضافة؟ هل يحتاج إلى معرفة؟ هل يجوز اقتران المضاف بأل؟ يعني يجوز مطلقاً؟ متى يقترن المضاف بأل؟ إذا كان المضاف إليه مقترناً بها، وغيره أهم من ذلك، إذا قلت مثلاً: جاء محمد العبد الله، ما يستعمله الناس اليوم، ما هم بيستعملون هذا؟ يستعملون هذا؛ يجوز، وإلا ما يجوز؟ نعم، يجوز وإلا ما يجوز يا الإخوان؟ افتقد الشرط الأول، فقد الشرط الأول، نعم يجوز إذا كانت الإضافة لفظية، إذا كانت الإضافة لفظية كما عندنا، أما إذا كانت الإضافة محضة معنوية فلا يجوز، فلا يجوز تقول: العبد الله بحال "ووصل أل بذا المضاف" بهذا المضاف من النوع الثاني، إذا كانت الإضافة لفظية:
فذي الإضافة اسمها لفظية ... وتلك محضة ومعنوية
فإذا كانت الإضافة لفظية جاز شريطة أن يقترن المضاف إليه بأل، أو بالذي يضاف إليه المضاف إليه:
ووصل أل بذا المضاف مغتفر ... إن وصلت بالثاني كالجعد الشعر
أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيد الضارب رأس الجاني(1/25)
بهذا الاعتبار يجوز، وهنا الإسناد مضاف إليه "المتصل الإسناد" متصل بأي شيء، كيف يكون اتصاله؟ اتصال الإسناد وهو الشرط الأول؛ بأن يكون كل راو من رواته قد تحمله عمن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، بأن يكون كل راو من رواته قد تحمله بطريق معتبر من طرق التحمل، وهذا الشرط الأول لصحة الخبر بأن يكون كل واحد من رواته قد تحمله، ورواه عن شيخه بطريق معتبر من طرق التحمل التي يأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى-، الإسناد كما يقول الحافظ ابن حجر: حكاية طريق المتن، أو الطريق الموصل إلى المتن، أو بعبارة واضحة نقول: هو سلسلة الرجال الذين يذكرهم المحدث ابتداءً من شيخه، وانتهاءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو الإسناد، والاتصال يكون بما ذكرنا، وهذا هو الشرط الأول، ويخرج من قطع سنده، بأي نوع من أنواع الانقطاع الآتي ذكرها بالتفصيل، سواءٌ كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، فالظاهر مثل القطع، والإرسال، والإعضال، والتعليق، وكلها سيأتي الكلام فيها بالتفصيل -إن شاء الله تعالى-، فإذا كان الخبر منقطعاً اختل الشرط الأول، إذا كان السند معضلاً فيه إعضال سقط منه اثنان على التوالي -على ما سيأتي-، اختل الشرط الأول، إذا كان معلقاً حذف من مبادئ إسناده راو أو أكثر، اختل الشرط الأول، إذا سقط منه، أو رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فصار مرسلاً اختل الشرط الأول اللي هو اتصال الإسناد، أو كان الانقطاع خفياً كالتدليس، والإرسال الخفي، ويأتي توضيحهما، والفرق بينهما، هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الخبر.
فالأول المتصل الإسناد ... . . . . . . . . .
ولا بد أن يكون اتصاله:
. . . . . . . . . ... بنقل عدل ضابط الفؤاد(1/26)
"عدل" الشرط الأول: اتصال السند، والثاني: عدالة الرواة، عدالة الرواة، والعدالة يعرفها أهل العلم بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، العدالة ملكة تكون يتصف بها الراوي تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، والفرق بين الملكة والصفة أن الملكة هي الصفة الراسخة، أما الصفات التي تطرأ وتزول بسرعة هذا وصف وليس بملكة؛ لأن الإنسان يتصف أولاً، ثم يلزم هذه الصفة حتى تكون هيئة راسخة فيعبر عنها بالملكة، تحمل على ملازمة التقوى، والتقوى: فعل المأمورات، واجتناب المحذورات، والمروءة مراعاة الآداب التي يتعارف عليها الناس، مما يحسن ويجمل الاتصاف به، وإن لم يرد به شرع.
"بنقل عدل" هذا هو الشرط الثاني: عدالة الرواة، والثالث أشار إليه المؤلف بقوله: "ضابط الفؤاد"
. . . . . . . . . ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
الضبط مع العدالة لا بد من توافر الضبط، وهو الحفظ بحزم، بحيث يتمكن الراوي من الأداء كما سمع متى شاء، يضبط، ويحفظ بحزم وقوة ما يتلقاه عن شيوخه بحيث يتمكن من أداءه متى شاء وأراد عند الحاجة إليه، والضبط وهو الحفظ يكون بالصدر ضبط صدر، ويكون –أيضاً- بالكتاب، ضبط صدر، وضبط كتاب، ضبط الصدر بحيث يحفظ في صدره في فؤاده في قلبه ما يسمع، هذا إذا حدث باللفظ، أو يحفظ المعنى، ويؤديه من غير اختلاف يخل به إن حدث بالمعنى -على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى- "ضابط الفؤاد" والمراد من الضبط هنا: أعلاه؛ لأن هذا هو المشترط لصحة الخبر، عرفنا أنه إذا انقطع الإسناد ضعف الخبر، وانتقل من حيز القبول إلى حيز الرد، العدالة إذا اختلت كذلك، إذا اختلت العدالة كذلك، إذا اختل الضبط، فإن كان الخلل فيه محتملاً؛ ينزل من الدرجة العليا إلى الدرجة الوسطى لا يضعف الخبر ولا يرد، ولكن تنزل الدرجة من الصحيح إلى الحسن، وإن فقد الضبط فقد شرط القبول فصار مردوداً:
. . . . . . . . . ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
"عن مثله" انتهى الشرط الأول، والثاني، والثالث، المتصل الإسناد بنقل عدل ضابط الفؤاد، اتصال الإسناد عدالة الرواة، تمام الضبط، هذه الشروط الثلاثة "عن مثله" عن مثله؛ هل يحتاج إلى قوله: عن مثله؟ ماذا نستفيد من قوله: عن مثله؟(1/27)
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ احنا افترضنا في الرواة كلهم أن يكونوا عدولاً ضابطين، بالشرطين المتقدمين، هم عدول ضابطين انتهينا منهم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، عن مثله يعني عمن فوقه، عن مثله في العدالة والضبط، ويراد بذلك اتصال الإسناد، ونقول بهذا إنه مجرد تصريح بما هو توضيح فقط، تصريح بما هو مجرد توضيح؛ فلا يحتاج إليه، فالشرط الأول انتهينا منه، اتصال الإسناد، والثاني: عدالة الرواة، والثالث تمام ضبطهم:
عن مثله من غير ما شذوذ ... . . . . . . . . .
عن مثله من غير ما شذوذ، الشروط الثلاثة المتقدمة وجودية، بمعنى أنه لا بد من وجودها، وتوافرها في الرواة الذي بعدها -من غير ما شذوذ- شرط عدمي بمعنى أن الشذوذ لا بد أن يكون معدوماً، إذا اشترطنا وجود الاتصال، والعدالة، والضبط نشترط مع ذلك الشرط العدمي، وهو أن لا يوجد الشذوذ، والشاذ على ما سيأتي شرحه في بابه المستقل يُختلف فيه بين أهل العلم لكن الذي مشى عليه المتأخرون: أنه ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
فلا توجد المخالفة من الراوي العدل الضابط لمن هو أوثق منه، لمن هو أوثق منه إذا كان واحداً، أو أكثر عدداً؛ لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد كما قال الإمام الشافعي وغيره، فإذا خالف من هو أوثق منه، أو أكثر عدداً؛ حكم على رواية هذا المخالف بالشذوذ، ولو كان عدلاً ضابطاً مع اتصال الإسناد، وحينئذٍ يخرج من قسم الصحيح إلى قسم الضعيف؛ لأن الشاذ ضعيف، على نزاع بينهم في اشتراط انتفاء الشذوذ لصحة الخبر، فمنهم من يقول: أنه قد توجد المخالفة، قد توجد المخالفة للراوي الثقة بالنسبة لمن هو أوثق منه، ولا يحكم عليه بالضعف، ولذا يقول بعضهم: الشاذ منه الصحيح، ومنه الضعيف، ومنه الراجح، ومنه المرجوح، ويوجد صحيح وأصح، ومن نظر في الصحيحين وجد جملة من الأحاديث بهذه المثابة، فالبخاري يخرج الحديث على وجوه منها الراجح، ومنها المرجوح، وكلها في دائرة شرطه كما أخرج قصة جمل جابر على وجوه متعددة، ومختلفة، وبعضها أرجح من بعض، لكنه رجح الراجح من وجهة نظره، والمرجوح يبقى أنه من شرط الصحيح من حيث الصناعة، لكن من حيث العمل يُعمل بالراجح، ويترك المرجوح.(1/28)
شرح ألفية الحافظ العراقي (2)
الكلام على القسم الأول من أقسام الحديث الصحيح، وذكر أصح كتب الحديث، الصحيح الزائد على الصحيحين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والمرجوح يبقى أنه من شرط الصحيح من حيث الصناعة، لكن من حيث العمل يعمل بالراجح ويترك المرجوح "من غير ما شذوذِ" في تعريف الخطابي السابق: ما اتصل سنده، وعدلت نقلته، الشرط الأول يتفق معه الحافظ العراقي، عدلت نقلته، نعم، بنقل عدل، لكن ماذا عن الضبط؟ لم يشر إليه الخطابي الضبط ولا انتفاء الشذوذ ولا انتفاء العلة، اكتفى باتصال السند وعدالة الرواة، مع أن بعضهم يقول: إن العلماء إذا عدلوا الراوي دخل في العدالة الضبط فلا تحتاج إلى التصريح بها، وهذا إنما يقال للدفاع عن الخطابي، وإلا فالأصل أن الضبط شرط لا بد من توفره، لا تلازم بين العدالة والضبط، فقد يكون الراوي من أتقى الناس وأبعدهم عن المحرمات، وأفعلهم للواجبات، ومع ذلك لا يضبط، ينسى، يهم، يخطئ، فيه غفلة، وهذا حال كثير ممن صار همه العبادة، وغفل عن حفظ السنن، كثيراً ما يقولون: أصاب فلان غفلة الصالحين، وهو صالح عدل، يفعل الواجبات، ويترك المحظورات، ومع ذلك شريطة الضبط لا تتحقق فيه على ما سيأتي في الحديث عن لفظ صدوق من ألفاظ التعديل.
عن مثله من غير ما شذوذ** وعلة قادحة فتوذي
وهذا أيضاً هو الشرط الخامس وهو عدمي، يشترطون انتفاء العلة القادحة، والعلة: عبارة عن أسباب طرأت على ما سيأتي فيها غموض وخفاء أثرت، العلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منها، وعلة قادحة الأصل في العلة متى تسمى علة؟ إذا كانت قادحة، ألا يوجد من العلل ما يقدح وعلل غير قادحة؟ ولذا احتاج أن يقول: قادحة، أولاً: قسم المعل، المعل منه صحيح ومنه ضعيف وإلا هو ضعيف كله؟ الآن التنصيص على كون العلة قادحة له داعي وإلا لا داعي له؟ إلى أن من العلل ما لا يقدح، الأصل في العلة سواء كانت الحسية أو المعنوية أنها قادحة بقدرها، العليل ضد الصحيح، فإذا قيل: فلان عليل يعني به علة يعني مرض والمرض يتفاوت من زكام إلى سرطان، لكنه يقدح مهما خف يقدح بقدره، فهل نستطيع أن نقول: يمكن الاستغناء عن قوله: قادحة؟(2/1)
ابن دقيق العيد يستدرك على أهل الحديث اشتراطهم انتفاء العلة بكون الفقهاء لا يضعفون الحديث بأي علة، والعلل التي يعل بها المحدثون يصفونها بأنها علة لا تقدح من وجهة نظر الفقهاء، لكن هل المعول في هذا الباب على أهل الحديث أو على الفقهاء؟ على أهل الحديث بلا إشكال، والفقهاء تبع لهم في هذا، نعم من مباحث علوم الحديث ما يمكن إدراكه، ومنها ما لا يمكن إدراكه بمجرد النظر، ويأتي تفصيل هذا في الأبواب اللاحقة، فمن أنواع علوم الحديث ما لا يمكن إدراكه، بل هو بالنقل، وبالتلقي على الأئمة، ومنها ما يمكن إدراكه بالموازنة والنظر في الأقوال، فهذا للفقهاء فيه مدخل على ما سيأتي، لكن ما لا يدركه الإنسان برأيه وبالمناسبة يعتب كثير ممن يعاني علوم الحديث في الأيام المتأخرة على بعض من صنف أو على جميع من صنف في علوم الحديث وادخل أقوال الفقهاء والأصوليين في علوم الحديث، ويقول: ما علاقة الغزالي فيذكر رأيه؟ وسيأتي ذكره في النظم، ما علاقة الرازي بعلوم الحديث ليذكر قوله في علوم الحديث؟ قل مثل هذا في الأصوليين والفقهاء قاطبة، ما لهم علاقة في هذا الفن؛ لأنه نقل، ولا مدخل لهم، فكيف نقول: الغزالي بضاعته في الحديث مزجاة وننقل أقواله في علوم الحديث؟ هذا الكلام يكرر على ألسنة بعض الغيورين على السنة، لكن من مباحث علوم الحديث ما يدرك بالنظر، والتعليلات التي يعل بها الخبر على ما سيأتي منها ما يدرك بالنظر، يعني حينما ينسب ابن الصلاح إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة مثلاً أنهم يفرقون بين السند المأنن والمعنعن، يعني حينما يمثل ابن الصلاح عن محمد ابن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، وبين قوله: عن محمد ابن الحنفية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بعمار أو أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولون: هذا الأول متصل والثاني منقطع، والعلة في ذلك أن السند الأول روي بـ (عن) والثاني بـ (أن) لكن ألا يمكن أن يدرك مرد الخلاف اختلاف الحكم بين الطريقين بالرأي؟ نعم؟ يعني حينما نسب ابن الصلاح للإمام أحمد ويعقوب بن شيبة أنهم يفرقون على ما سيأتي في السند المعنعن، ولذا قال الحافظ العراقي:(2/2)
. . . ... كذا له ولم يصوب صوبه
يعني ابن الصلاح ما فهم، فمثل هذه الأمور الدقيقة تدرك بالرأي، يعني حينما يقول: عن محمد ابن الحنفية عن عمار يروي القصة عن صاحب الشأن فهي متصلة، لكن لما يقول: عن محمد ابن الحنفية أن عماراً مر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، هل مرد هذا لأن الصيغة (أن)؟ أو لأن محمد ابن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها ولم يروها عن صاحبها؟ فمثل هذه الأمور الدقيقة تدرك بالرأي فليس مردها إلى النقل، وإن نقل ابن الصلاح عن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة هذا الاختلاف عن الحكم، وقال: إن مرده إلى اختلاف الصيغة، استدرك عليه الحافظ العراقي قال:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(2/3)
ما أدرك المحك، ما عرف العلة يعني هجم على ذهنه شيء فغطى الحقيقة، فمثل هذا الأمور تدرك بالبصيرة النافذة، ودقت النظر، فمثل هذا لو حلل هذا التحليل واحد من الأصوليين نقول: مردود؟ ما نقول: مردود يا أخي، ولهم دقة في النظر في هذا المسائل، ولو لم يكنوا من أهل النقل، نعم ما يكون المعول فيه على النقل لا علاقة لهم به، بل لو قلنا: إنهم من أبعد الناس عن هذه الأمور ما بعد، وكثير منهم يصرح بأن بضاعته مزجاة في هذا الباب، وأقول: نقل أقوالهم لا يضر أبداً، لا من قريب ولا بعيد، والمعول عليه الأئمة في هذا الشأن، أئمة هذا الشأن، لكن فهم كلام الأئمة يعني نقل كلام الأئمة يحتاج إلى سند، وفهم كلام الأئمة يحتاج إلى نظر كما قدمنا في المثال، على كل حال الفقهاء فيما ذكر ابن دقيق العيد عندهم .. ، أو نقل عنهم أنهم لا يعلون بكثير من العلل التي يتداولها المحدثون، فالمحدثون يعتبرون ما ذكره الأخ مثلاً علة، الإبهام أو الإهمال في السند فإذا قيل: عن حماد أو عن سفيان ولم نستطع التمييز بينهما هذه بعضهم يطلق عليها علة، والحديث أينما دار سواء عرفنا أنه سفيان الثوري أو ابن عيينة أينما دار فهو على ثقة، نعم نحتاج إلى التمييز بينهما إذا كان الراوي المهمل يدور بين اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فلا بد من التمييز بينهما، الترمذي سمى النسخ علة، والترمذي من أهل الحديث، وهذا لا يعل به الفقهاء، ولا يؤثر في صحة الخبر، فمثلاً حديث: ((الماء من الماء)) صرح الترمذي بأنه منسوخ، وفي علل الجامع قال: "بينا علته في الكتاب" فسمى النسخ علة، وهذه العلة تقدح في صحة الخبر، وحديث: ((الماء من الماء)) صحيح وإلا ضعيف؟ صحيح مخرج في الصحيح، لا كلام لأحد فيه، ومع ذلكم فيه علة وهي النسخ، وعلى هذا قوله: "وعلة قادحة" الوصف بكون العلة قادحة أمر لا بد منه؛ لأن من العلل على اصطلاحهم ما لا يقدح.
"فتؤذي" توذي من؟ توذي الحديث أو المحدث؟
. . . . . . . . . ... وعلة قادحة فتوذي(2/4)
توذي الحديث أو المحدث؟ الأذى إذا قلنا: منه الحسي ومنه المعنوي قلنا: إنها توذي الحديث والمحدث، الحديث يتأذى بها بمعنى أنه يتأثر بها، والمحدث يتأذى بها بمعنى أنها تعوقه عن تصحيحه والعمل به، هذه هي الشروط الخمسة: اتصال الإسناد، عدالة الرواة، تمام الضبط، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة، انتفاء العلة القادحة، والمراد بهذا الصحيح المجمع عليه، المجمع على صحته، ولا نحتاج إلى اشتراط قدر زايد على ذلك، لا نتاج إلى تعدد رواة، ولذا قال: "بنقل عدل" والنووي في التقريب تقريب الأسانيد يقول: ما اتصل سنده بنقل العدول الضابطين، بنقل العدول الضابطين هل يفهم من كلام النووي أنه يشترط العدد في الرواية، أو أنه يتحدث عن مجموعة الرواة الذين يتكون منهم مجموع الإسناد؟ هذا هو الظاهر، فالنووي لا يشترط العدد في الرواية، لا لصحة الحديث مطلقاً، ولا لكونه شرط للصحيح، وإن اشترط ذلك أو زعمه شرطاً للبخاري بعضهم، كما يؤمي إليه كلام الحاكم والبيهقي وابن العربي والكرماني وشارح البخاري هؤلاء يزعمون أن تعدد الرواة شرط للبخاري، وهذا الكلام ليس بصحيح، ومنهم من يراه شرطاً للصحيح، ولذا يقول الصنعاني في نظم النخبة لما ذكر العزيز قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلم ... وقد رمي من قال بالتوهمِ
وفي بعض النسخ يقول:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ ... وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ
الكرماني الشارح نص على أن شرط البخاري ألا يروي الحديث الذي يتفرد به راويه، مع أن أول حديث في الصحيح وأخر حديث في الصحيح يرد عليه، فرد مطلق الأول والأخير، وابن العربي في عارضة الأحوذي يقول في حديث: ((هو الطهور ماؤه)) لم يخرجه البخاري؛ لأنه تفرد به راويه، ومن شرطه العدد في الرواية، وهذا الكلام ليس بصحيح، فليس العدد في الرواة شرط للصحيح مطلقاً، ولا للبخاري في صحيحه، ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع والمعتمدُ
إذا توافرت الشروط السابقة، إذا توافرت هذه الشروط الخمسة وحكمنا على الخبر بالصحة فهل نقطع به أو نقول: إن الظاهر والذي يغلب على الظن ثبوته؟
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر. . . . . . . . .(2/5)
يعني يحكم عليه بالحكم الظاهر بالصحة إن توافرت الشروط، وبالضعف إن تخلف شرط منها في الظاهر، ولا نقصد بذلك القطع بصحة الخبر ولا بضعفه، لماذا؟ لأن العدل الضابط قد يخطئ، يعني هذا الراوي أو هؤلاء الرواة في نقدنا عدول ضابطين، نص الأئمة على أنهم ثقات، وتسلسل الخبر بهؤلاء العدول الضابطين، ألا يمكن أن يخطئ الثقة؟ نعم، ألا يحتمل أن يخطئ الثقة؟ احتمال وارد، ومن يعرو من الخطأ والنسيان؟ وما دام هذا الاحتمال وارد لا نقطع، يعني لو جاءك شخص من أوثق الناس إليك وقال لك: جاء زيد من سفره هل تحلف على هذا الخبر؟ تحلف؟ ألا يحتمل أن هذا الراوي أخطأ أو الذي نقل لك الخبر أخطأ، احتمال قائم، وإذا كان -على ما سيأتي- مالك عن نافع عن ابن عمر، هؤلاء حفظ عليهم بعض الأخطاء وبعض الأوهام وسيأتي في المنكر:
. . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر
وأخطأ خطأه الأئمة، مالك نجم السنن أخطأ، ونافع كذلك، وابن عمر زعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب وخطأته عائشة، المقصود أن الثقة مهما بلغ في الحفظ والضبط والإتقان لا بد أن يحصل منه ما يحصل من الخطأ والوهم والسهو، واستدركت عائشة على بعض الصحابة بعض الأوهام، فلا يسلم، وما دام هذا الاحتمال قائماً فإننا لا نقطع، بمعنى أننا لا نجزم قطعاً بأن هذا الخبر ثابت لوجود احتمال النقيض، وسيأتي مزيد بحث في حكم الصحيحين الآتي.
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
وما يفيده خبر الواحد إذا صح هل يفيد القطع أو يفيد الظن؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، والأقوال فيها مشهورة، والجمهور على أنها تفيد الظن إلا إذا احتفت بها قرينة، إذا احتفت بها قرينة تكون في مقابل هذا الاحتمال افادة العلم والقطع، ومنهم من يرى أنها تفيد القطع مطلقاً كحسين الكرابيسي وداود الظاهري وغيرهم، ويأتي مزيد بحث لهذه المسألة -إن شاء الله تعالى- في مكانه.(2/6)
إذا كان الاحتمال بالنسبة للراوي العدل الضبط أنه قد يخطئ فالاحتمال أيضاً بالنسبة لغيره غير العدل وغير الضابط أنه قد يضبط، يعني هل جميع أخبار غير الضابط ليست صحيحة؟ أو قد يأتي بالأخبار الصحيحة وكثير منها يخطئ فيه؟ إذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول عن الشيطان: ((صدقك وهو كذوب)) فكيف بالراوي العابد الذي غفل عن السنة وكثر الخطأ والوهم في حديثه؟ مثل هذا ألا يضبط أحياناً؟ ما يمكن يضبط أبداً؟ يمكن يضبط، وهم يحكمون على الراوي بعدم الضبط إذا كثر الخطأ في حديثه، وإن كان الأصل الضبط، فإذا كثر الخطأ في حديث الراوي حكموا عليه بأنه غير ضابط.
ومن يوافق غالباً ذا الضبطِ ... فضابطٌ أو نادراً فمخطي
إذا وافقهم غالباً فضابط، إذا وافقهم نادراً فمخطي، لكنه يوافقهم أحياناً، وإذا كان هذا الاحتمال قائماً فإننا لا نقطع بكذب ما ينقله مثل هذا الراوي، ولهذا يقول:
وبالصحيح والضعيف قصدوا** في ظاهر. . . . . . . . .
يعني في ظاهر الأمر "لا القطع" يعني في حقيقة الأمر، ثم قال:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والمعتمدُ
إمساكنا عن حكمنا على سند ... بأنه أصح مطلقاً وقد
خاض به قوم فقيل: مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ
المعتمد عند الناظم وجمهور أهل العلم أنهم لا يحكمون على سند بأنه أصح من غيره مطلقاً، لا يحكمون على سند بعينه أنه أصح مطلقاً هذا المعتمد، هذا القول المرجح، لماذا؟ لأننا لو استعرضنا السلاسل التي قال فيها من قال: إنها أصح الأسانيد لو دققنا فيها بالميزان الشرعي بالعدالة والضبط هل تثبت أمام التدقيق وإلا ما تثبت، نأخذ المثال الأول الذي قال به إمام الصنعة الإمام البخاري:
. . . . . . . . . فقيل: مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ(2/7)
مالك نجم السنن ولا إشكال في هذا، ولو قيل: إنه أوثق أهل طبقته لما بعد، لكن نأتي لنافع أيهما أجل نافع وإلا سالم؟ الأكثر سالم، لماذا ما يقول: مالك عن سالم؟ وقال البخاري: مالك عن نافع وسالم أجل منه، طيب عن ابن عمر، ما في الصحابة أحفظ من ابن عمر ولا أعدل وأوثق من ابن عمر؟ يعني هل ابن عمر أوثق من عمر؟ لا، هل ابن عمر أحفظ من أبي هريرة؟ لا، فلو بحثنا في هذه التراجم ترجمة ترجمة لوجدنا في كثير منهم في طبقته من هو أوثق منه، سواء كان في جميع الترجمة، جميع الرواة المذكورة في هذه السلاسل أو في بعضهم دون بعض، ولذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والمعتمدُ
إمساكنا عن حكمنا على سند ... بأنه أصح مطلقاً. . . . . . . . .
أصح مطلقاً كما قالوا في أصح حديث ما قالوا، ما حكم أحد من الأئمة على حديث بأنه أصح مطلقاً من غيره، وإن كان حديث: ((من كذب عليّ متعمداً)) لو قيل به لكان له وجه، وما حكموا على كتب بأنه أصح مطلقاً من غيره على سبيل التفصيل لا على سبيل الإجمال، نعم على سبيل التفصيل يعني أن كل حديث في هذا الكتاب أصح من كل حديث في غيره من الكتب على ما سيأتي في المفاضلة بين الصحيحين في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، يعني هل قال أحد: إن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم؟ ما قاله أحد، وإن فضلوا في الجملة صحيح البخاري على صحيح مسلم على ما سيأتي.
. . . . . . . . . ... بأنه أصح مطلقاً وقد
خاض به. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
خاض غمرات هذا البحر الذي لا ساحل له من الرواة، خاض به قوم فقيل: مالك، القول الأول قول الإمام البخاري، فقيل: ملك هذا قول إمام الصنعة البخاري يقول: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.
. . . . . . . . . فقيل: مالكُ ... عن نافع بما رواه الناسكُ
مولاه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(2/8)
معتقه عبد الله بن عمر، ووصفه بالنسك لما اشتهر به من التحري في العبادة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، فوصف -رضي الله تعالى عنه- بالنسك، وهو أهل لذلك، تميز بين أقرانه بالعبادة والتنسك على هدي وإرث من النبي -عليه الصلاة والسلام-، "بما رواه الناسك ... مولاه" ثم قال:
. . . . . . . . . واختر حيث عنه يسندُ ... . . . . . . . . .
هذا قول ابن طاهر، يقول: إذا أضفت راوياً بعد مالك فليكن الشافعي؛ لأنه لا يوجد في الرواة عن مالك أجل من الشافعي، والإمام أحمد يقول: قرأت الموطأ أو سمعت الموطأ من كثير من أصحاب مالك فوجدت الشافعي أتقنهم وأوثقهم، قلت -يقول الحافظ العراقي-:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وعنه أحمدُ(2/9)
يعني وإن زدت راوياً بعد الإمام الشافعي فليكن الإمام أحمد الذي يقول فيه الإمام الشافعي: إنه خرج من العراق فما خلف فيه أحد مثل الإمام أحمد، وحق له ذلك، فالإمام أحمد بالاتفاق أجل الآخذين عن الإمام الشافعي، فعلى هذا يكون القول الأول بما أضيف إليه يعني أصله للبخاري مالك عن نافع عن ابن عمر أضيف الشافعي بعد الإمام مالك، أضيف الإمام أحمد بعد الإمام الشافعي، فأصح الأسانيد على هذا: الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، والمسند على كبره ما يوجد فيه من الأحاديث بهذا الإسناد إلا حديث واحد مكون من أربع جمل: ((لا يبع بضعكم على بيع بعض)) الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض))، ونهى عن النجش، ونهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن المزابنة، أربع جمل مروية بهذا الإسناد، ولا يوجد في المسند غيره، مثل هذا السند الذي تعاقب عليه الأئمة هذا يقطع به أو لا يقطع به؟ على ما سيأتي في القرائن التي تحتف بالخبر فتجعله مما يقطع به، مما يفيد القطع تعاقب الأئمة على رواية خبر، كون الحديث يتداوله الأئمة هذه قرينة تقضي على الاحتمال، احتمال كون بعض الرواة يخطئ؛ لأنه لو أخطأ الإمام مالك يتابعه الشافعي على خطئه؟ لا يمكن، لو أخطأ الإمام الشافعي مع الإمام مالك يتابعهم الإمام أحمد، ما يمكن، فيجعل هذه القرينة وهي اتفاق الأئمة على رواية هذا الخبر في مقابل الاحتمال المرجوح في كون هذا الراوي الضابط الثقة العدل قد يخطئ، فإذا جعلنا تتابع الأئمة على روايته في مقابل هذا الاحتمال قلنا: إن الخبر يفيد القطع، ولذا نحلف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض)).
وجزم ابن حنبلٍ بالزهري ... . . . . . . . . .(2/10)
القول الثاني قول الإمام أحمد ومعه إسحاق بن إبراهيم الحنضلي المعروف بابن راهويه، وجزم ابن حنبل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، إمام أهل السنة، العلم المشهور، وإسحاق كذلك إمام من أئمة المسلمين جزموا بأن أصح الأسانيد الزهري محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر "أي عن أبيه البري" الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، هذا أصح الأسانيد عند الإمام أحمد، ومعه إسحاق بن راهويه عن سالم عن أبيه البري، هذا القول الثاني في هذه المسألة والقول الثالث:
وقيل: زين العابدين عن أبه ... عن جده وابن شهاب عن به
وقيل: يعني قال عبد الرزاق وابن شيبة والنسائي قالوا: أصح الأسانيد زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طلب عن أبيه الحسين عن جده علي.
وقيل: زين العابدين عن أبه ... . . . . . . . . .
عرفنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبه، يعني عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن جده أمير المؤمنين الخلفية الراشد علي بن أبي طالب، عن أبه هذه لغة في الأسماء الخمسة، تسمى لغة النقص؛ لأن الأسماء الخمسة فيها الثلاث اللغات، تعرب بالحروف وبالقصر، وتعرب أيضاً بالنقص.
. . . . . . . . . ... وقصرها من نقصهن أشهرُ
بأبه اقتدى عدي بالكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم(2/11)
هذه لغة النقص، عن أبه عن جده علي بن أبي طالب، "وابن شهاب عنه" أي عن زين العابدين، يعني زين العابدين يرويه عنه ابن شهاب المذكور في الترجمة السابقة الزهري عنه أي عن زين العابدين به "وابن شهاب عنه به" الضمير في (به) "وابن شهاب عنه به" يقرر الحافظ العراقي في شرحه لألفيته أن الضمير يعود على الحديث، (به) أي بالحديث، والسخاوي يقرر أن الضمير يعود على السند، ما المرجح منهما؟ صاحب البيت أدرى بمن فيه، أهل مكة أدرى بشعابها، الحافظ العراقي يقول: (به) أي بالحديث، والسخاوي يقول (به) أي بالإسناد، وإذا قلنا: إن الحافظ العراقي هو الناظم وهو أدرى بما أضمر رجنا قوله، لكن المسألة مفترضة بالأحاديث أو بالأسانيد؟ نعم بالأسانيد، فهو رجح أن الضمير يعود على الإسناد، وابن شهاب عن زين العابدين به أي بالإسناد لا بالحديث، وكثير ممن أتى بعدهما يرجح قول السخاوي؛ لأن المسألة مفترضة بالأسانيد، والقول الذي يليه.
أو فابن سيرين عن السلماني ... . . . . . . . . .
وهذا هو القول الرابع، و (أو) هذا لتنويع الخلاف، لا للتخيير ولا للشك، لتنويع الخلاف، والتنويع والتقسيم بمعنى واحد.
خير أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . .
فالتنويع بمعنى التقسيم، وتأتي (أو) للتقسيم الكلمة: اسم أو فعل أو حرف (أو) هذه شك وإلا تخيير؟ تقسيم وتنويع، و (أو) هنا لتنويع الخلاف، وهذا القول الفلاس عمرو بن علي، وهو قول ابن المديني وسلميان بن حرب، هذا قولهم، وهو القول الرابع في هذه المسألة، ويختلف بعضهم في التعبير بالأصحية والأجودية، بعضهم قال: أصح الأسانيد، وبعضهم قال: أجود الأسانيد، واستعمال اللفظين بأفعل التفضيل لا يختلف، هل يختلف أصح الأسانيد عن أجود الأسانيد؟ نعم، صحيح وجيد يطلقون جيد بإزاء صحيح، لكن الحافظ ابن حجر يقول: إلا أن الجهبذ لا يعمد ويعدل عن التعبير بصحيح إلى جيد إلا لنكتة إلا لسبب، لكن إذا قلنا: أصح وأجود يختلف وإلا ما يختلف؟ هل نقول: إن الاختلاف بين أصح وأجود مثل الاختلاف بين صحيح وجيد؟ نعم؟ إذاً أجود الأسانيد لا تختلف عن التعبير بالأصحية، ولذا قرنوا مع بعض.(2/12)
"أو فابن سيرين" محمد بن سيرين، التابعي الجليل، السيد الثقة النبيل، عن عبيدة بن عمرو السلماني.
أو فابن سيرين عن السلماني ... عنه. . . . . . . . .
يعني عن علي -رضي الله تعالى عنه-، صحابي الترجمة السابقة، (أو) وهذه مثل السابقة،
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو الأعمش عن ذي الشأنِ
النخعي عن ابن قيس علقمهْ ... عن ابن مسعود. . . . . . . . .
وهذا قول الإمام يحيى بن معين، قول الإمام يحي بن معين، أو الأعمش سليمان بن مهران الأعمش، عن ذي الشأن النخعي إبراهيم بن يزيد بن قيس، عن ابن قيس علقمة، عن علقمة بن قيس النخعي أيضاً، عن ابن مسعود أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافر الهذلي ابن أم عبد، الصحابي الجليل.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ولم من عممه
الناظم اقتصر على هذه السلاسل التي ذكرها، وهي أقوى ما قيل في هذه المسألة، وهناك أقوال أخرى أوصلها السخاوي في نكته على الألفية وشرحها التي لم يبقَ منها شيء، ولا توجد، أوصلها إلى عشرين ترجمة، وذكر ابن حجر منها في نكته على ابن الصلاح خمسة عشرة ترجمة، والمراد بالترجمة عندهم السلسلة كاملة، خمسة عشرة، والحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- له كتاب في أحاديث الأحكام انتقاه بواسطة الأسانيد التي قيل فيها: أصح الأسانيد، وبلغت عنده هذه السلاسل إلى ستة عشرة، وخرج أحاديث الكتاب من طريق هذه الأسانيد التي قال الأئمة بأنها أصح الأسانيد، والكتاب هذه ميزته، تقريب الأسانيد في أحاديث الأحكام، روي بهذه الأسانيد التي قال الأئمة بأنها أصح الأسانيد "ولم من عممه" لم أي اعتب واعذل من عمم الحكم على سند من الأسانيد بأنه أصح مطلقاً من غيره، وفي صدر الحديث عن هذه المسألة
. . . . . . . . . إمساكنا ... . . . . . . . . . والمعتمدُ
عن حكمنا على سند ... بأنه أصح مطلقاً. . . . . . . . .(2/13)
إلى آخره، ولذا قال: "ولم من عممه" لأنه حكم على سند بأنه أصح مطلقاً من غيره، إذا كان الأمر كذلك فلماذا يذكر أهل العلم مثل هذه المسألة ويعنى بها أهل العلم ويدونونها ويتتبعونها مع أنه قول مرجوح؟ عند الترجيح لو حصل تعارض بين حديث مروي بسند قيل فيه أنه أصح الأسانيد مع حديث روي بسند لم يقل فيه أحد بأنه أصح الأسانيد يرجح عليه ما قيل فيه: إنه أصح الأسانيد، قالوا: ولو باعتبار القائلين، عندنا حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وحديث عن ابن سيرين عن السلماني عن علي أيهما نرجح؟ مالك عن نافع عن ابن عمر باعتبار القائل وهو الإمام البخاري، على قول الفلاس ومن معه، وإذا اعتبرنا الكثرة -كثيرة القائلين- ووازنا قلنا: القول الأخير أرجح؛ لأنه قال به جمع من الأئمة، فلهذا يذكرون ويعنون بمثل هذه الأشياء مع أنه قول مرجوح، لكن عند التعارض والترجيح قد يلجئ إليه، وجاء مثل ما جاء في أصح الأسانيد تكلموا على أوهى الأسانيد، وتكلموا كما تكلموا هنا على سبيل العموم تكلموا على سبيل التفصيل، فقالوا: أصح أسانيد علي -رضي الله عنه- كذا، أصح الأسانيد إلى عائشة كذا، أصح الأسانيد إلى أبي هريرة كذا، أصح أسانيد المكيين كذا، أصح أسانيد المصريين كذا .. إلى آخره، وهذا فيه قرب، يعني الحصر براوي مثلاً أو بجهة وبلد أسهل من الإطلاق أن يكون هذا أصح مطلقاً، فالمرجح عند أهل العلم أنه لا يحكم بالأصحية المطلقة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
أصح كتب الحديث
أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ
وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ
وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا ... عِنْدَ ابْنِ الاخْرَمِ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا
وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْر
وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ(2/14)
وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي
أَرْبَعَةٌ آلافِ والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لما ذكر القسم الأول من أقسام الحديث الصحيح وعرفه، وذكر شروطه ضمن التعريف، وحكمه، وذكر أصح الأسانيد، وهو من متعلقات الحديث الصحيح ذكر مظان الحديث الصحيح، كما سيأتي تعريف الحسن ومظان الحسن، فذكر أصح كتب الحديث، ثم ذكر بعد ذلك القدر الزائد من الصحيح في غير الصحيحين من الكتب التي اشترط فيها مؤلفوها الصحة، وتقاصر تطبيقهم لهذا الشرط فلم يوفوا به، وإن كان في جملتها معدودة في الصحاح، ومن ذلك المستخرجات التي كثير منها على الصحيحين، يوجد مستخرجات على ما سيأتي على غير الصحيحين، لكن أكثر المستخرجات على الصحيحين فأردف الكتب الصحاح بالمستخرجات عليها.
فقال -رحمه الله تعالى-:
"أصح كتب الحديث" ولما ذكر أصح الأسانيد ذكر أصح الكتب، فقال -رحمه الله تعالى-:
أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ
أو من صنف في الصحيح محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة البخاري الجعوفي مولاهم، المتوفى سنة ستة وخمسين ومأتين، هو أول من صنف في الصحيح المجرد، وإلا فموطأ الإمام مالك فيه من الصحيح الشيء الكثير، لكن فيه أيضاً على سبيل الاعتماد والاحتجاج غير الصحيح من المراسيل والبلاغات والمقاطيع، فيوردها -رحمه الله تعالى- ويعتمد عليها؛ لأن من مذهبه الاحتجاج بمثلها على ما سيأتي في المرسل.
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا(2/15)
فهو يحتج بالمراسيل ويعتمد عليها، ولذا لما كان كتابه مشتمل على الصحيح وغيره تجاوزه المؤلف وجعل الأولية لمن بعده، وهو الإمام البخاري، الإمام الشافعي قال: "ما على ظهر الأرض كتاب في الحديث أصح من كتاب مالك" فهل يقدح في قول الحافظ العراقي وهو ممن يقلد الإمام الشافعي؟ لا يقدح في كلام الحافظ العراقي؛ لأن كلام الإمام الشافعي قبل وجود الصحيحين، قبل وجود صحيح البخاري، فلا يقدح في كلام الحافظ العراقي وهو كلام عامة أهل العلم، فلا يوجد على وجه الأرض أصح من الصحيحين، والأكثر على أن صحيح البخاري أصحهما، أصح من مسلم، فقال الإمام -رحمه الله تعالى-:
أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْحِ ... . . . . . . . . .
الذي سبق تعريفه "محمد " ويريد بذلك الإمام البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري "وخص بالترجيح" بالترجيح على غيره، خص بالترجيح على غيره من سائر الكتب التي صنفها البشر، يعني بعد كتاب الله -جل وعلا-، ما يوجد على وجه الأرض أصح من كتاب الإمام البخاري.
"ومسلم بعدُ" يعني مسلم بعده في المرتبة وفي الوجود، وجود صحيح الإمام البخاري قبل وجود صحيح الإمام مسلم "ومسلم بعد" في الزمن والمرتبة، هذا قول جمهور أهل العلم، "وبعض الغرب مع" بعض الغرب يعني بعض أهل الغرب من علماء المغرب "مع أبي علي" النيسابوري "فضلوا ذا" الإشارة تعود إلى مسلم "فضلوا ذا لو نفع" ومسلم بعد يعني كتاب مسلم بعد يعني بعد كتاب الإمام البخاري، وتبنى على الضم بعد وقبل والجهات الست؛ لأنها حذف المضاف إليه مع نيته، وذكرنا في درس مضى أنه إذا حذف المضاف إليه بالكلمات المذكورة قبل وبعد مع نيته فإنه يبنى على الضم {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] وإذا ذكر المضاف إليه أعربت {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران] وإذا حذف المضاف إليه مع عدم نيته أعربت مع التنوين، وهذا تقدم الكلام فيه "ومسلم بعد" يعني بعد صحيح البخاري في الزمن والرتبة "وبعض الغرب" يعني بعض أهل الغرب من المغاربة
. . . . . . . . . مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع(2/16)
من المغاربة الذين فضلوا مسلم؛ ابن حزم، ابن حزم، مع أبي علي النيسابوري؛ فضلوا صحيح مسلم على صحيح البخاري، ومرد هذا التفضيل عندهم كما صرح به القاسم التجيبي في فهرسته أنه لم يكن فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، لم يكن فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد، يعني بعد مقدمة مسلم ما فيه إلا أحاديث مرفوعة، وموصولة، وأما البخاري ففيه آثار كثيرة عن الصحابة، والتابعين، وفيه معلقات غير موصولة المعلقات هذه الكثيرة -من وجهة نظرهم- أنزلت صحيح البخاري عن مرتبة صحيح مسلم الذي ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث مسروداً، أحاديث مرفوعة، وهذا غالباً، وإلا ففيه بعض الموقوفات اليسيرة، كقول يحيى بن أبي كثير كما قال الإمام مسلم في أثناء أحاديث المواقيت، مواقيت الصلاة قال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، هذا موقوف، لكن هذا قليل نادر بالنسبة لما في صحيح البخاري من الموقوفات على الصحابة والتابعين، وأيضاً فيه كلام تفسيراً لألفاظ من الكتاب والسنة، وأما مسلم فهو صافي من هذا كله، إلا ما ندر، إن كان هذا هو مرد جميع من فضله على صحيح البخاري، فالمسألة سهلة؛ لأن المفاضلة في الكتابين على الأحاديث المعول عليها، الأحاديث المرفوعة الأصول التي هي أصل الكتاب، وما يتبع هذا الأصل من تراجم، فصحيح مسلم ما فيه ولا تراجم، ما ترجم، ما في باب كذا باب كذا، ما في، الأصل ما فيه شيء، ما فيه إلا أحاديث سرد، يعني الأصل الاعتماد على الأحاديث المرفوعة الأصول في صحيح البخاري، وما يأتي من ما يذكره الإمام -رحمه الله تعالى- من تراجم، وأخبار، وآثار، وتفسير للغريب، ومعلقات كل هذه تأتي تبعاً، والمفاضلة ليست بينها وبين الأحاديث المرفوعة في صحيح مسلم، إنما المفاضلة بين الأحاديث المرفوعة في صحيح البخاري المرفوعة الموصولة، والأحاديث المرفوعة الموصولة في صحيح مسلم، هنا تكون المفاضلة، فإن نظرنا إلى هذا القسم، وهذا النوع مع ذاك؛ انتهى وجه التفضيل الذي ذكره بعض المغاربة على أن ما ذكره الإمام البخاري من تراجم ينبغي أن يكون ميزة لهذا الكتاب؛ لأن الاستنباط الذي يترجم به الإمام البخاري على الأحاديث، هذا استنباط، والاستنباط هو الثمرة العظمى من(2/17)
هذه الأخبار؛ لماذا تذكر هذه الأخبار؟ إلا ليستنبط منها، يستنبط منها الأحكام ليعمل بها، هذه هي الثمرة، فإذا جعلنا هذا مما ينزل منزلة صحيح البخاري بالنسبة لصحيح مسلم، قلنا: أن الأحاديث تذكر لمجرد البركة، كما يفعله كثير من المسلمين من المقلدة للأئمة الذين لا يعملون بالأحاديثـ، وإنما يقرءونها لمجرد البركة، الأصل أن الخبر إنما يذكر ليستنبط منه، للعمل، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- تولى هذا ببراعة فائقة بما لا يوجد نظيره عند غيره -رحمه الله تعالى-، ومن عانى الكتاب عرف مقدار هذا الإمام -رحمه الله تعالى-، فهذه ميزة لصحيح البخاري، أيضاً الآثار من عيون أقاويل السلف من الصحابة، والتابعين؛ هذه يتوج بها الإمام البخاري هذه التراجم ليبين معانيها، ويرجح بها ما لا يستطيع ترجيحه من الاحتمالات التي يحتملها لفظ الخبر، فيرجح بأقاويل الصحابة والتابعين -رحمه الله تعالى-، فهذا حقيقةً مما يرجح صحيح البخاري.
بعضهم رجح صحيح مسلم بحسن الصناعة، بحسن الصناعة، فالإمام مسلم ترتيبه عجيب في سرد طرق الأحاديث؛ سواءٌ كان ذلك في الأسانيد، أو في المتون، نعم، برع الإمام مسلم في هذا، إذا لحظنا ترتيب الحديث الواحد بطرقه، وما يتلوه من أحاديث تشهد له، شهد كل واحد ببراعة الإمام مسلم، وهذا مرجح كما قال بعضهم:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم ... لدي وقالوا: أي ذين تقدم؟
فقلت: لقد فاق البخاري صحة ... كما فاق في حسن الصناعة مسلم(2/18)
وإذا نظرنا إلى الكتابين من هذه الناحية رجحنا، أو شهدنا للإمام مسلم بالبراعة التامة في ترتيب الأخبار، شهدنا للإمام البخاري بنظيره، أو بما يفوقه في تقطيع الأحاديث، وتفريقها في المواضع التي يذكرها فيه حسب ما يستنبط منها، يعني كون الإمام مسلم يسرد الحديث الواحد في مكان واحد بطرقه، وألفاظه، وما يشهد له، والإمام البخاري يقطِّع هذا الحديث، ويجعله في أبواب الدين كلها مما يمكن أن يستنبط منه، هل هذه ميزة وإلا لا؟ ميزة، وأنا أعجب ممن يفضل صحيح مسلم من هذه الحيثية، يعني تقطيع الإمام البخاري للأحاديث، وذكرها في أبواب متعددة، واستنباطه من هذه الجمل من هذه الأحاديث ميزة للإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، فإذا كان وجه التفضيل هذا مرده فالبخاري أرجح.
أبو علي النيسابوري الذي ينص عليه بأنه رجح صحيح مسلم على البخاري قال: "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم" أصح من كتاب مسلم، وأفعل التفضيل في هذا الموضع لا شك أن الظاهر من اللفظ تفضيل مسلم، يعني الاستعمال العرفي لأفعل التفضيل في مثل هذا السياق يدل على تفضيله على غيره: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ} [(125) سورة النساء].(2/19)
شيخ الإسلام له بحث طويل في هذه الآية، هل نفهم من هذا كما في الاستعمال العرفي أن الإسلام أفضل من غيره، أو نقول: إنه لا يوجد أحسن دين منه، ولا يمنع أن يوجد دين مساو له؟ إذا قلت: فلان أعلم من في البلد؛ فأنت تشهد لهذا الرجل بأنه لا يوجد .. ، بأنه أعلم من في البلد بالإطلاق، لا يوجد نظير له في البلد، لكن إذا قلت: لا يوجد في البلد أعلم من فلان؛ فأنت تنفي أن يوجد أعلى منه رتبة، لكن لا يلزم منه أن يوجد من يساويه، ولذا حكى بعضهم القول بالتساوي بين الصحيحين قولاً ثالثاً في المسألة، واعتمد على قول أبي علي هذا، قوله: "لا يوجد تحت أديم السماء كتاب أصح" لا ينفي أن يوجد كتاب مساو له في الأصحية، وفي الحديث: ((ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر)) هذا الحديث مخرج في السنن حسنه جمع من أهل العلم، لكن هل مقتضى الحديث أن يكون أبو ذر أصدق من الصديق؟ أبو ذر تميز بالصدق، لكن لا يمنع أن يوجد مساو له في الصدق، والأمثلة على هذا كثيرة، الأمثلة على هذا كثيرة؛ الاستعمال العرفي يقتضي أنه أفضل من غيره، لكن أصل المادة، والاستعمال اللغوي، والمدلول اللغوي لا ينفي وجود المساوي مع نفيه وجود الأعلى، لا ينفي وجود المساوي، ويتأيد هذا بحكاية التساوي بينهما قولاً ثالثاً، يقول: "فضلوا ذا" يعني صحيح مسلم "لو نفع" لو نفع هذا التفضيل، لكنه لم ينفع، لماذا لم ينفع؟
طالب:. . . . . . . . .(2/20)
لا، لم ينفع بالدليل، لم ينفع بالدليل؛ لأن الأصحية مردها إلى اتصال الإسناد، وعدالة الرواة، فإذا كان أحدهما أشد اتصالاً من الآخر، وأوثق رواةً صار أصح، على أن مسلماً تلميذ للإمام البخاري، تلميذه، وخريجه حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء"، ومقتضى علو المؤلِّف؛ علو المؤلَّف، هذا غالباً؛ لأنه براعة التأليف من براعة مؤلفه، وإن وجد في مصنفات بعض الطلاب من بعض الوجوه ما هو أفضل من مصنفات بعض شيوخهم، والمسألة مواهب، من أهل العلم من يحفظ من العلم الشيء الكثير، ويتقن التعليم لكن لا يتقن التأليف، والعكس موجود، لكن هذا تفضيل إجمالي، تفضيل إجمالي، التفضيل التفصيلي، قالوا: الأصحية مردها إلى عدالة الرواة، واتصال الأسانيد، فإذا نظرنا في واقع الكتابين وجدنا أنهما خرجا لرجال جازوا القنطرة، رجال الصحيحين، لكن لم يسلم بعضهم من كلام يسير، والرواة الذين تكلم فيهم من رواة صحيح مسلم أكثر من الرواة الذين تكلم فيهم ممن خرج لهم البخاري، فالمتكلم فيهم من رواة مسلم مائة وستون، والمتكلم فيهم من رواة البخاري ثمانون، على النصف، فإذا عرفنا هذا أنه من تكلم فيه من الرواة في البخاري أقل؛ إذن صحيح البخاري أوثق رواة، وأما بالنسبة لاتصال الأسانيد، فالإمام البخاري على ما استفاض عند أهل العلم وتناقلوه، وتداولوه من غير نكير، الإمام البخاري يشترط ثبوت اللقاء، بين من روى، ومن روى عنه، وهذا معروف عند أهل العلم، ومستفيض عندهم، وتداولوه وتناقلوه، بينما الإمام مسلم قرر في مقدمة الصحيح أنه يكتفي بالمعاصرة، ولا شك أن اشتراط ثبوت اللقاء من حيث الاتصال أقوى من الاكتفاء بمجرد المعاصرة، وإمكان اللقاء, وهذه المسألة يأتي بحثها -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل في السند المعنعن، لكن هذه إشارة، هذه إشارة، فإذا كان الإمام البخاري أوثق رواة، وأشد اتصال؛ فمن أين يأتي تفضيل مسلم على البخاري؟ والإمام مسلم، وهو يكتفي بالمعاصرة، وقرر ذلك في صدر كتابه، وذكر أحاديث لا تروى بأي إسناد يوجد في الدنيا إلا بالعنعنة، مع أنه يمكن اللقاء ولم يثبت، يعني ما في أحد يستطيع أن يثبت لقاء الرواة بعضهم ببعض، في الأحاديث التي ذكرها في(2/21)
المقدمة، وأنها ما رويت إلا معنعنة من طريق هؤلاء الرواة الذين لا يستطيع أحد أن يثبت أن أحدهم لقي الآخر، وإن أمكن اللقاء، مع أنه -رحمه الله تعالى- روى هذه الأحاديث بصيغ التحديث، وهو يقول: لا تروى إلا معنعنة، وهو بشر، هو بشر يعني طال العهد بالمقدمة، وأثناء الكتاب، وآخر الكتاب، فنبه على هذا ابن رُشيد في كتاب له نفيس اسمه: "السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن" وسيأتي ذكره، وخلاصته -إن شاء الله- في بحث السند المعنعن -إن شاء الله تعالى- هذا مما يرجح صحيح البخاري على صحيح مسلم، وهو قول جماهير أهل العلم، قول جماهير أهل العلم، وهو الراجح.
"فضلوا ذا لو نفع" إذا عرفنا أن أصح الكتب بعد كتاب الله -جل وعلا- صحيح البخاري وصحيح مسلم هل نقول أو نستطيع أن نقول لأحد أن يكتفي بالصحيحين مع القرآن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(2/22)
لا، لا يكتفي أحد بالصحيحين مع القرآن؛ لماذا؟ يقول الحافظ العراقي: "ولم يعماه" ولم يعماه لا البخاري، ولا مسلم، ولا هما مجتمعين، يعما جميع ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن وجد من ينادي بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وألف في ذلك كتاب اسمه: "تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين" لكن كم يفوت بهذا من علم، وفضل، كم من حديث مطلق في البخاري مقيد في سنن أبي داود، أو العكس، كم من حديث عام خصص بحديث في مسند الإمام أحمد، كم من حديث منسوخ في الصحيح نسخه حديث في غير الصحيحين، فالتعبد على هذا الوجه ناقص، ووجد من ينادي، توفي -رحمه الله تعالى-، وهو معروف بالزهد، والعبادة، وعلى خير عظيم -نحسبه والله حسيبه-، لكنه في العلم أقل، وألف كتاباً أسماه: "تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين"، ومطبوع في مجلدين، قسم في العبادات، وقسم في المعاملات، ووجد له من يتبعه، ووجد جماعة الاقتصار على الصحيحين، وجد من يتبعه، ويدعو إلى ما يدعو إليه، هذا شيء مريح يعني كون الإنسان يعتمد على القرآن، والصحيحين يرتاح، ولا يعاني أحاديث مختلف فيها، وأسانيد متكلم فيها، وطرق، ومتابعات، وشواهد؛ ليصحح أو يضعف، طريقة سهلة للتحصيل، لكن هل تحقق العلم بجميع متطلباته؟ لا يمكن مثل ما ذكرنا أنه قد يوجد حديث منسوخ في البخاري، وناسخه في سنن أبي داود، أو مطلق ومقيده في كذا، لا بد من اكتمال الصورة مجتمعة، فالدين وحدة واحدة مترابطة بنصوصه، فلا يقتصر على بعضه على بعض، وبالإمكان أن يقول شخص: كتاب الله، بيننا وبينكم كتاب الله، وقد قيل، المحفوظ، ويكفينا، ونادى الخوارج بذلك، ولهم من يتبعهم ممن يسمى بالقرآنيين ممن لا يعنى بالسنة، لكن كم من ضلال ترتب على مثل هذا القول؟(2/23)
يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: "ولم يعماه" البخاري ومسلم، جمعا من الصحيح ما جمعا في كتابيهما، لكن ما جمعاه لم يعما به جميع ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا اشترط واحد منهم ذلك، ولا ادعى أحد منهم ذلك، بل المحفوظ عنهم غير ذلك، البخاري يقول: "ما ذكرت في كتابي فهو صحيح، وما تركت من الصحيح أكثر خشية الطول، أو خشية أن يطول الكتاب"، والإمام مسلم يقول: "ما ذكرت في كتابي إلا ما أجمعوا عليه" يعني والصحيح الذي يختلفون فيه ما ذكر منه شيئاً، فدل على أن هناك صحيحاً قد يكون أكثر مما في الصحيحين، وهو الواقع مما لا يوجد في الصحيحين "ولم يعماه" وعلى هذا هما ما ادعيا ذلك، ولا التزماه، فإلزام الدارقطني -رحمه الله تعالى- لهما بتخريج أحاديث على شرطهما، غير لازم، في كتاب أسماه: "الإلزامات"، وكذلك الحاكم، حينما ألزمهما بتخريج أحاديثه على شرطهما، ولم يخرجاه، كل هذا ليس بلازم؛ لأنهما ما التزما ذلك، وما قال: إننا الحديث الذي لا نذكره في كتابينا ليس بصحيح، ما قالا ذلك.
ولم يعماه ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
ابن الأخرم، يعني الترتيب على هذه الهيئة بالنسبة لصحيح مسلم، وهو من مسلم، ترتيب الأحاديث، التراجم الكبرى كتاب الإيمان، كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، هذا موجود في كثير من النسخ العتيقة، التراجم الكبرى، الكتب، أما الأبواب فالمعروف، والمتفق عليه بين أهل العلم أن مسلم لم يترجم كتابه بأبواب، ولذا تجدون كل شارح يترجم بما يستنبطه من الأحاديث، تجدوا عند النووي تراجم لا توجد عند القاضي عياض، تجدون عند القاضي عياض تراجم لا توجد عن الشراح الآخرين، الأُبي له تراجم، السنوسي له تراجم، كلٌ يترجم بما يلوح له من حكم يستنبطه من الحديث، هذا يدل على أن مسلم لم يترجم كتابه، والنسخ القديمة العتيقة كلها ما فيها تراجم، تراجم جزئية، وإن أشار القاضي عياض في "إكمال المعلم" أنه وقف على نسخة مترجمة، لكن المعروف عند أهل العلم أن مسلم لم يترجم كتابه، أخلاه من التراجم؛ لئلا يمزج كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بغيره، بكلامه هو.
ولم يعماه ولكن قلما ... . . . . . . . . .(2/24)
"قلما" "ما" هذه أحياناً تكتب في مثل هذا الموضع مفصولة، وأحياناً تكتب موصولة "قل ما" وأحياناً تكتب موصولة، هنا مكتوبة إيش؟ موصولة، فإذا كانت موصولة فما معنى الـ"ما"، قل: هذا فعل، وما، هذه؛ هل نقول إنها موصولة، يعني قل الذي؛ أو أيش؟ زائدة، ولكن قل عند ابن الأخرم، ما هذه إذا دخلت على الحروف؛ إذا قلت: إنما، كأنما، نعم كافة؛ فهل تكون كافة إذا دخلت على الفعل، أو لا؟ فيها أيش؟ خلاف، اذكر الخلاف؟ منهم من يقول: مصدرية، ومنهم من يقول، نعم، الأزهري يقول: كافة، وإذا كانت كافة؛ فإنها لا تحتاج إلى ما يحتاجه الفعل غير المكفوف، نعم، ما له علاقة بالفعل، إذا كانت كافة مثل إنما، يلغى عملها، وإذا كانت مصدرية بقي عمل الفعل "ولكن قلما عند ابن الأخرم" محمد بن يعقوب ابن الأخرم النيسابوري:
. . . . . . . . . ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما(2/25)
يعني قلما، شيء يسير قد فات الصحيحين، فيطلب من مظانه "ورد" ورد قول ابن الأخرم؛ لماذا؟ لأنه يصفوا من الكتب الآتية من مظان الصحيح؛ صحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، والمستخرجات، والمسانيد، والسننن، والجوامع، والمعاجم يصفو شيء كثير من الصحيح، قدر زائد على الصحيحين، ولذا قال: "ورد" يعني قول ابن الأخرم، مقتضى قول ابن الأخرم أنك إذا أوردت وجدت من الصحيحين أربعة آلاف حديث مثلاً من غير تكرار فتحتاج مثلاً إلى شيء يسير تطلبه من بقية الكتب، وإذا كان قليلاً، فإنه لن يبلغ العدد، ولا يقرب منه، يعني افترض أنه مثلاً تحتاج إلى زيادة ألف، أو خمسمائة مثلاً؛ لأن التعبير يدل على أنه شيء يسير "قلما" فما القدر الزائد من السنن على الصحيحين مما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء كثير، يصفو من المستدرك شيء كثير، يصفو من صحيح ابن حبان، وابن خزيمة، كم في موارد الظمآن مما صح مما يزيده ابن حبان على الصحيحين؟ شيء كثير، فإذا ضمنا هذا إلى ما زاده الحاكم في المستدرك، وابن خزيمة في صحيحه، السنن الأربع، المسانيد، الجوامع المعاجم، أحاديث كثيرة تصح، أحاديث كثيرة تصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- غير ما في الصحيحين، ولذا جزم الحافظ -رحمه الله تعالى- العراقي بقوله: "ورد" ما تردد في رده؛ لأنه يستحق الرد يصفو شيء كثير، وهو يقول: شيء يسير؛ قليل:
ورد لكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النزر
يحيى البر النووي؛ أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ووصفه بأنه بر؛ لأنه اجتمع فيه من أعمال البر ما لم يجتمع لنظرائه:
.... لكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النزر(2/26)
الخمسة التي هي أصول الإسلام، البخاري ومسلم وأبو داود، والترمذي، والنسائي، الخمسة، وقال بهذا –أيضاً- السِلَفي في شرح مقدمة "معالم السنن" أنها تكفي المتفقه؛ الكتب الخمسة، ومع ذلك قال: "لم يفت الخمسة إلا النزر" يعني الشيء اليسير، وتعقبه الحافظ العراقي بقوله: "وفيه ما فيه" كناية عن ضعفه، كناية عن ضعفه، وفيه ما فيه لكن ما قال في كلام النووي مثل ما قال في كلام ابن الأخرم؛ لأن كلام النووي أقرب إلى الحقيقة والواقع من كلام ابن الأخرم؛ لأننا إذا أضفنا على ما في الصحيحين مما صح في السنن الثلاثة؛ يبقى أقل مما ذكره ابن الأخرم مما يفوت الصحيحين، والمؤلف تأدب مع النووي، قال: "وفيه ما فيه" كناية عن ضعفه –أيضاً- لماذا؟ يقول: "لقول الجعفي" الإمام البخاري:
وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه. . . . . . . . .
يعني من الأحاديث، من الحديث الصحيح "أحفظ منه" مما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "عشر ألف ألف"؛ ألف الألف مليون، وعشره مائة ألف، وهذا ثابت عن الإمام البخاري أنه يحفظ من الصحاح مائة ألف مما صح، ويحفظ مائتي ألف مما لم يصح، الآن نبحث عن مخارج لنتخلص من الأحاديث التي لسنا بحاجة إليها، تجد الطالب يحرص على أن يعتصر البخاري في أقل حجم، ثم بعد ذلك يعتصر زوائد مسلم عليه ليكون أقل حجم، وأقل قدر، ثم يعتصر زوائد أبي داود، ثم كذلك إلى آخره، والإمام البخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ما قال يكفي، يحفظ معها مائتي ألف حديث غير صحيح؛ ويش الفائدة من معرفة غير الصحيح، والأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ الذب عن السنة، اللي ما يعرف أن هذا الحديث ليس بصحيح كيف ينفيه عن السنة؟ ولذا العلماء يعنون بهذا عناية فائقة:
. . . . . . . . . ... أحفظ منه عشر ألف ألف
"وعله" لغة في لعل، بحذف اللام "وعله":
لا تهن الفقير علك أن ... . . . . . . . . .
علك يعني لعلك؛
. . . . . . . . . ... تركعَ يوماً والدهر قد رفعه(2/27)
ولعل هذه تأتي بدون لام، اللام الأولى قد تحذف، ويقال: عله، كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وعله" يعني لعل الإمام البخاري "أراد بالتكرار لها وموقوف" لئلا يقول قائل، لئلا يقول قائل: إذا كان البخاري يحفظ مائة ألف، والإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف، وأبو داود يحفظ خمسمائة ألف؛ وين راحت الأحاديث؟ يعني الدين ضاع، دواوين الإسلام ما فيها ولا عشر هذا العدد؛ وين راح الدين؟ أكيد ضاع شيء، وما من مغرض إلا ويدخل، وله مدخل من مثل هذا الكلام إذا استدل عليه بأمر يجب عليه فعله أو يجب عليه تركه؛ قال: لعل هذا الخبر منسوخ؛ نسخه حديث مما فرطت به الأمة؛ أين مئات الألوف من الأحاديث التي يحفظها الأئمة؟ الجواب في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وعله أراد بالتكرار ... لها وموقوف. . . . . . . . .
فهم يعدون الأحاديث المكررة أحاديث، ورب حديث يروى من عشرين طريقاً مثلاً؛ يعدونه عشرين حديثاً، أبو إسماعيل الهروي يقول: إن حديث: ((الأعمال بالنيات)) رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري سبعمائة شخص، فتعد هذه سبعمائة حديث، نظراً لتعدد طرقه، فالتكرار عندهم أحاديث، وأيضاً الموقوفات يعدونها أحاديث، ما يروى من فتاوى الصحابة، والتابعين من الآثار معدودة في الأحاديث عند جمع من المتقدمين، وينتهي الإشكال هنا، بهذا الاعتذار ينتهي الإشكال، إذا جزمنا يقيناً أن الأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها؛ لأن الدين تكفل الله بحفظه؛ لأن الدين تكفل الله بحفظه، فلا يجوز أن يتصور مسلم فضلاً عن طالب علم أن الأمة فرطت بشيء من سنة نبيها -عليه الصلاة والسلام- "وفي البخاري" يعني وفي صحيح البخاري من الأحاديث "أربعة الآلاف" أربعة الآلاف يعني بدون تكرار:
أربعة الآلاف والمكرر ... فوق ثلاثة ألوفاً ذكروا(2/28)
لأن في البخاري سبعة آلاف، وثلاثمائة وشيء يسير من العدة، المكرر منها ما ذكر فوق ثلاثة آلاف، وبدون تكرار أربعة آلاف، وهذا تلقوه بعضهم عن بعض، ومازالوا يذكرون العدة بدون تكرار أربعة آلاف حتى جاء الحافظ ابن حجر، فعني بعدد الأحاديث من غير تكرار في الصحيح كتاباً كتاباً إذا انتهى من كتاب -في فتح الباري- قال: اشتمل الكتاب على كذا، اشتمل كتاب الطهارة على كذا من الأحاديث؛ منها من المكرر فيما مضى، وفيما سيأتي كذا، ويصفو كذا، والموقوفات كذا، والمعلقات كذا، فبلغت عدته عند الحافظ ابن حجر على التحرير ألفا حديث وستمائة وحديثان، ألفين وستمائة وحديثين، هذا على التحرير عند الحافظ ابن حجر، قد يقول قائل: الفرق ليس بيسير، ألف وأربعمائة حديث وين راحت، أو أكثر؟ نقول: ما راحت، هي موجودة في الصحيح، كيف؟! الفرق ألف وأربعمائة يعني يمكن يخطئ الإنسان عدد عشرة عشرين ثلاثين، لكن ألف وأربعمائة؛ يعني ثلث الكتاب وين راح؟ نقول: ما راح شيء، لكن المتقدمين ليس من همهم التفرغ للأعداد، إنما بالتقريب، صحيح مسلم يقول أحمد بن سلمة: اثني عشر ألف حديث، وغيره يقول: ثمانية آلاف حديث، هل معنى هذا أن صحيح مسلم فقد منه شيء؟ لا؛ الأئمة ليس هذا همهم أبداً، بدلاً من أن يعد اثني عشر ألف حديث، أو ثمانية آلاف حديث يحفظ مائة حديث، هذا همهم، بالنسبة للمتقدمين لا يعنون بهذا، والمسند قالوا: أربعين ألف حديث، وقيل: ثلاثين ألف حديث، طيب المسند بين أيديكم، كيف يختلفون مثل هذا الاختلاف؟ هذا الأمر لا يعنيهم، يعني بدلاً من أن يعد أربعين ألف حديث يأخذ عليه وقتاً طويلاً؛ يحفظ مكانها أحاديث، فليس عندهم شيء للترف العلمي، أو ملح العلم هم يعنون بمتينه، الحافظ ابن حجر عُني بهذا؛ لأن زمنه تأخر عن زمن الجد، وإن كان جاداً -رحمه الله تعالى- لكن إذا نسبناه إلى من تقدم من الأئمة عرفنا الفرق، وإذا نسبنا من دونه، ومن بعده إليه عرفنا الفرق، وعالم من أهل اليمن أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين، تفسير الجلالين؛ هل يقرأه بطهارة، أو بدون طهارة؟ هل يتوضأ لقراءة تفسير الجلالين، وإلا لا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(2/29)
نعم، الحكم للغالب، قال الحكم للغالب؛ فماذا صنع؟ عد حروف القرآن مع حروف تفسير الجلالين، وقال: إنه إلى نهاية سورة المزمل العدد واحد، ثم من المدثر إلى آخر القرآن زاد عدد التفسير فانحلت المشكلة عنده؛ هل يفعل مثل هذا الأئمة أحمد بن حنبل، أو يحيى بن معين، أو غيرهم؟ يفعلون مثل هذا؟ صار همنا في النهاية العناية بمثل هذه الأمور؛ بل بما دونها اهتمينا بالألوان؛ هذا أحمر، هذا أخضر، وهذا الكتاب .. ، مثال الذي معنا، لكن كونه يتولى هذه الأمور من لا علاقة له بالعلم الأمر سهل؛ يعني ناس تجار سخرهم الله -جل وعلا- لخدمة هذا العلم، وأخرجوه بمخرج مناسب، لكن لو كان هذه زخرفة من عالم مثلاً، أو طالب علم يريد أن يحفظ الكتاب؛ يلام على هذا، أن يهدر وقت يفتح القلم هذا، ويفك هذا، ويسكر هذا، وينقش، ويخطط، هذه ليست من اهتمامات أهل العلم.
عدة أحاديث صحيح مسلم بدون تكرار اختلفوا فيها، من اثنا عشر ألف إلى ثمانية آلاف إلى ما يقارب عدد صحيح البخاري سبعة آلاف وكسور، لكن .. ، وقالوا عنه –أيضاً-: بأنه أربعة آلاف بدون تكرار، وبلغت عدته في ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي إلى ثلاثة آلاف وثلاثمائة وشيء -نسيت الآن-، وهو يرقم بدقة، محمد فؤاد عبد الباقي.
إذا اتفق العلماء على نسخ حديث مثلاً؛ على أن هذا الحديث منسوخ، وبحثنا بين دواوين الإسلام التي بين أيدينا، ولم نجد ناسخاً، هل نقول: لا، ليس بصحيح أنه منسوخ؟ أو نقول: منسوخ ولو لم نطلع على الناسخ؛ صيانة لاتفاق الأمة؟ ونقول: مصروف لو اتفقوا على أنه سنة، نقول: مصروف ولو لم نطلع على الصارف؛ صيانة لاتفاق الأمة؟
طالب:. . . . . . . . .(2/30)
هذه مسألة في الفهوم؛ الفهم ما له علاقة، الفهم لا يدخل فيما نقرره، الكلام فيما لو وجد حديث الأمة بحاجة ماسة إليه فلم يروَ، سبعمائة طريق لحديث: ((الأعمال بالنيات))، فيما قاله أبو إسماعيل الهروي؛ سبعمائة طريق، فيما قرره إسماعيل الهروي كلهم يروونه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، والحافظ ابن حجر يقول: وقد عُنيت بجمع طرق الحديث عن يحيى بن سعيد منذ بداية الطلب، منذ بداية الطلب إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة؛ وين راحت الستمائة؟ الحديث خطب به على المنبر، ولا يحفظ إلا من طريق رجل واحد؛ وين راحوا اللي حاضرين الخطبة؟ نقول: العلماء يكتفون بما يسقط الواجب، يكتفون بما يسقط الواجب، قامت الحجة ببلوغ الخبر؛ انتهى الإشكال؛ لأن تبليغ العلم فرض كفاية، قام به من يكفي؛ ما له داعي كل الناس تروي هذا الحديث.
الصحيح الزائد على الصحيحين:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص
بجمعه نحو: ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدرك
على تساهل وقال: ما انفرد ... به فذاك حسن ما لم يرد
بعلة والحق أن يحكم بما ... يليق والبستي يداني الحاكما
لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- من مظان الصحيح أصح الكتب؛ ذكر القدر الزائد من الصحيح، أين يوجد؟ أين نأخذ القدر الزائد من الصحيح على الصحيحين الذين تقدم الكلام فيهما؟
يقول -رحمه الله تعالى-: "وخذ زيادة الصحيح" الزيادة في قدر الأحاديث الصحيحة:
. . . . . . . . . إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص(2/31)
"تنص صحته" من إمام معتبر من أئمة الحديث، إذا نص الأئمة على صحة الخبر اعتمدنا هذا التصحيح، وعملنا به، وصار قدراً زائداً على ما في الصحيحين، لو صحح أبو داود، صحح الترمذي، صحح النسائي، صحح الإمام أحمد أحاديث نضيفها إلى ما في الصحيحين من الأحاديث الصحيحة "تنص صحته" هذا النص إما أن يكون في مؤلف هذا الإمام الذي نص على الصحة في مصنفه، وهذا ما نص عليه ابن الصلاح؛ يعني تؤخذ زيادة الصحيح عنده مما نص الأئمة على صحته في مؤلفاتهم، لا في ما نقل عنهم، يعني صحح الإمام أحمد حديث في كتاب من كتبه، نعمل به، لكن صححه فيما نقل عنه، أو صححه يحيى بن معين فيما نقل عنه، لا في مؤلفه؛ نقبل، وإلا ما نقبل؟ عند ابن الصلاح ما نقبل؛ لماذا؟ لأننا نحتاج إلى تصحيح الإسناد إلى هذا الإمام، والمسألة مفترضة عنده في انقطاع التصحيح والتضعيف على ما سيأتي تقريره من رأي ابن الصلاح في هذه المسألة، وأن باب الاجتهاد انتهى في التصحيح والتضعيف، فليس لنا أن نصحح الطريق إلى هذا الإمام لنقبل قوله في تصحيح الحديث، ونص على أن هذا التصحيح لا بد أن يكون في مصنفاتهم، والحافظ العراقي ممن لا يوافقه على هذا، بل يرى أن باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف باقي، ولذا قال:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته. . . . . . . . .
سواءً كان في مؤلف، أو فيما نقل عن هذا الإمام؛ لأن لنا أن نصحح الطريق إلى هذا الإمام الذي به صحح الخبر.
النووي يخالف؛ يخالف ابن الصلاح في رأيه في انقطاع التصحيح والتضعيف:
وعنده التصحيح ليس يمكن ... . . . . . . . . .
على ما سيأتي "عنده" أي عند ابن الصلاح، وقال، نعم وقال يحيى النووي، وقال يحيى: ممكن:
وعنده التصحيح ليس يمكن ... في عصرنا، وقال يحيى ممكن
سيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-، ومع ذلكم أقر ابن الصلاح في هذه الجملة في هذا الموضع من مختصره، قال في مصنفاته، ثم رد عليه فيما بعد، يعني رد عليه اجتهاده هذا في موضعه، وأما الحافظ العراقي ما نص على المصنفات؛ لأنه يرى العموم في المصنفات، وفيما نقل عنه "أو من مصنف يخص بجمعه"، أو من مصنف يخص بجمعه:
بجمعه نحو: ابن حبان الزكي ... . . . . . . . . .(2/32)
يعني مصنف يجمعه، ويؤلفه ابن حبان، ويريد بذلك صحيح ابن حبان، المعروف بالأنواع والتقاسيم، صحيح ابن حبان:
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدرك
يعني خذ الأحاديث الزائدة على ما في الصحيحين من هذه الكتب الثلاثة التي اشترط مؤلفوها فيها الصحة، وتسمى صحيح ابن حبان، صحيح ابن خزيمة، صحيح الحاكم، أو المستدرك على الصحيحين مما هو على شرطهما، أو على شرط أحدهما -على ما سيأتي في بيان شرطهما-، أو صحيح عند غيرهما، هذه الكتب اشترط مؤلفوها الصحة لكنهم تساهلوا في تطبيق الشروط التي اشترطوها، ومع أن في شروطهم شيء من التساهل؛ لأنهم يجتمعون في .. -أعني ابن حبان، وابن خزيمة- .. في إدراج الحسن في الصحيح، في إدراج الحسن في الصحيح، وهذا تساهل، وأيضاً شرطهم في قبول الرواة أخف من شرط الصحيح الذي تقدم ذكره.(2/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (3)
الصحيح الزائد على الصحيحين - المستخرجات - مراتب الصحيح
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مع أن في شروطهم شيء من التساهل؛ لأنهم يجتمعون في -يعني ابن حبان وابن خزيمة- في إدراج الحسن في الصحيح وهذا تساهل، وأيضاً شرطهم في قبول الرواة أخف من شرط الصحيح الذي تقدم ذكره.
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة. . . . . . . . .
قدم ابن حبان على ابن خزيمة على أنه أمكن منه، ابن خزيمة أمكن من ابن حبان، وأقوى شرط، وكتابه أصح، وابن خزيمة أقدم، فلماذا قدم ابن حبان؟ قدمه لأن كتابه موجود كامل، كتاب ابن خزيمة لا يوجد منه إلا قدر الربع، هذا ما قرره الشراح، وابن حجر نص على أنه لا يوجد منه إلا قد الربع، فقدم ابن حبان؛ لأنه كتاب كامل يستفاد منه بجميع أبواب الدين، بخلاف صحيح ابن خزيمة، ولو قلنا: إن النظم اضطره إلى هذا لما بعد، "وابن خزيمة" صرف للضرورة "وكالمستدركِ" للإمام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله، الحافظ النيسابوري، وابن حبان أبو حاتم محمد بن حبان البستي، وابن خزيمة إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، أئمة من أئمة المسلمين.
بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... . . . . . . . . .
وصفه بالزكاء لعلو قدره في هذا الشأن، الزكاء النماء والزيادة، قدره زائد في هذا الشأن، وابن خزيمة إمام الأئمة يلقبه العلماء من القدم بهذا اللقب، وممن يلقبه بهذا شيخ الإسلام ابن تميمة -رحمه الله-.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وكالمستدرك
للحاكم، المستدرك على الصحيحين كتاب ألفه الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري؛ ليستدرك به على الصحيحين مما فاتهما، مما هو على شرطهما، وسيأتي ما في كلامه في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
على تساهلٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(3/1)
على تساهل ممن؟ من الثلاثة أو من المستدرك؟ نعم؟ واقع الثلاثة واقع الكتب الثلاثة يشهد بأنهم كلهم متساهلون، على تساهل، لكن ظاهر السياق يدل على أنه يريد الحاكم، قال: "على تساهلٍ" ولذلك عطف عليه فيما بعد البستي ابن حبان، وإلا لو أراد الجميع، قال على تساهل يشمل الجميع، على تساهل من الحاكم في تطبيق الشرط الذي اشترطه، والخطة التي اختطها لنفسه، ففي المستدرك كثير من الأحاديث الضعيفة، وفيه بعض الموضوعات، ولذا وصف بالتساهل "على تساهل وقال" من الفاعل؟ فاعل قال؟ ابن الصلاح "كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما" ... إلى آخره، وقال -يعني ابن الصلاح-: "ما انفرد"، به يعني الحاكم "فذاك حسن ما لم يرد بعلة"، وقال ابن الصلاح: ما انفرد به الحاكم فهو حسن.(3/2)
ابن الصلاح يقول: ما في كتاب الحاكم مما انفرد بتصحيحه ولم يوافقه عليه أحد من الأئمة على تصحيحه، ولم نقف فيه على علة فهو دائر بين الصحيح والحسن، وهنا جزم نقلاً عن ابن الصلاح أنه حسن، لماذا؟ كأنه يرى أن التوسط في أمره هو المطلوب، الحديث الذي نجده في المستدرك، وتفرد الحاكم بتصحيحه، ولا وافقه عليه أحد من أهل العلم، ولم نطلع فيه على علة نحكم عليه بالحسن، لماذا؟ لأنه ليس لنا أن ننظر في أسانيده؛ لأنه على رأي ابن الصلاح ليس لنا النظر في الأسانيد "ما لم يرد بعلة" يقول الحافظ العراقي: "والحق أن يحكم بما يليق" وهذا جارٍ في كل كتاب ما عدا الصحيحين، حديث صححه الترمذي قال: حسن صحيح، وعرفنا ما في كلام أهل العلم من تساهل الترمذي، حديث حكم عليه ابن حبان بأنه صحيح، ابن خزيمة، وجد في سنن أبي داود أو في مسند أحمد الحق أن ندرس هذه الأسانيد ونحكم على كل حديث بما يليق به، فإن صح سنده باكتمال الشروط قلنا: صحيح، إن خف شرط الضبط قلنا: حسن، إن تخلف شرط من الشروط قلنا: ضعيف "والحق أن يحكم بما" أن يحكمْ بالتسكين، وهذه لغة عند بعض العرب يجزمون بـ (أن) "والحق أن يحكم بما يليق" يعني بما يليق به من مرتبة ودرجة بعد النظر في الأسانيد والمتابعات والشواهد والموافقة والمخالفة "والبستي" يعني بذلك ابن حبان، يعني بذلك أبا حاتم محمد ابن حبان البستي "يداني الحاكما" يعني يقرب من الحاكم في تساهله، وإن كان ابن حبان أمثل من الحاكم بكثير، لكنه يدانيه ويقاربه في تساهله؛ نظراً لخفة شرطه، وأيضاً في تطبيقه لما اشترطه شيء من التخلف في بعض المواضع، وماذا عن صحيح ابن خزيمة؟ وقد ذكره كأنه عنده سالم من التساهل؛ لأنه نص على تساهل الحاكم، وقال: إن البستي ابن حبان يداني الحاكم، لكن كأن صحيح ابن خزيمة ما فيه تساهل، وإذا نظرنا في واقع الكتاب وجدنا فيه شيء من التساهل، فتجده أدخل في صحيحه مما لم يتعقبه مما حكم بضعفه أو حسنه وهذا تساهل، لكنه أمثل بكثير من ابن حبان والحاكم.
الاقتراح الوارد من بعض الإخوة أننا نقرأ نصيب الدرس اللاحق قبل أن يتم حفظه على الصحيح على الصواب؛ لأن وإن كانت هذه النسخة مضبوطة ومتقنة لكن ما يمنع أن تقرأ.(3/3)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
المستخرجات:
وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ
عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ
وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من مظان الصحيح التي سبق الحديث عن بعضها المستخرجات, والمستخرجات جمع مستخرج، والمستخرج اسم مفعول من الاستخراج، والاستخراج: أن يعمد حافظ أو عالم مسنِد إلى كتاب معتبر من كتب السنة الأصلية فيخرج أحاديثه بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب الأصلي.(3/4)
أن يعمد حافظ عالم مسنِد إلى كتاب معتبر كالصحيحين والسنن وغيرها من الكتب الأصلية التي تروى الأحاديث فيها بالأسانيد فيخرج أحاديث الكتاب الأصلي بأسانيده هو، أو بسنده هو من غير طريق صاحب الكتاب، فيأتي إلى صحيح البخاري ويصنف عليه مستخرج، أو يأتي إلى صحيح مسلم ويضع عليه مستخرجاً، فيبدأ الإسناد بشيخه هو، ثم بشيخ شيخه إذا كان متأخراً، ثم بشيخ المصنف مصنف الكتاب من غير مرور بصاحب الكتاب، يعني من غير طريق صاحب الكتاب، يلتقي مع المصنف الأصلي بشيخه أو يلتقي معه بشيخ شيخه أو يلتقي معه ولو في الصحابي، المقصود أنه لا يخرج الحديث من طريق صاحب الكتاب، إن خرج الحديث من طريق صاحب الكتاب فليس باستخراج، قد يضيق على المستخرج الأمر فلا يجد طريق يخرج به الحديث في مستخرجه إلا من طريق صاحب الكتاب الأصلي، يعجز أن يصل إلى شيخ المصنف، مصنف الكتاب الأصلي إلا من طريق المؤلف، إذا عجز في هذه الحالة فإما أن يعلق الحديث، يحذف جميع السند؛ لأن إيراده بإسناد مؤلف الأصل ما له قيمة، الحديث موجود في الكتاب الأصلي، فإما أن يعلق الحديث ويذكره بدون إسناد، عله أن يقف على إسناد فيما بعد يوصله إلى الحديث من غير طريق المؤلف الأصلي، أو يحذف الحديث بالكلية؛ لأن شرط الاستخراج لا ينطبق عليه، أو يورده من طريق صاحب الكتاب من باب التتميم واستيعاب جميع أحاديث الكتاب الأصلي، هذا هو الاستخراج.
يقول -رحمه الله تعالى-:
المستخرجات:(3/5)
"واستخرجوا" يعني أهل العلم بالحديث الذين لديهم الرواية بالأسانيد، قد يوجد كتاب متقدم وكتاب متأخر، الأول بدون إسناد، المتقدم بدون أسانيد، والثاني بالأسانيد، مثل: الفردوس، ومسند الفردوس، الفردوس دون أسانيد، ومسنده بالأسانيد، هل نقول: إن هذا مستخرج؟ هل هذا مستخرج؟ لا، ليس بمستخرج، المتقدم .. عندنا كتب أصلية وكتب فرعية، هذا الكتاب المتقدم الذي ألف بدون أسانيد والمتأخر الذي أُلف بالأسانيد في اصطلاح أهل العلم أيهما الأصل وأيهما الفرع؟ الكتاب الأصلي المتأخر الذي فيه الأسانيد هو الأصل، يوجد كتاب متأخر يروي بالأسانيد وهو فرع، نسميه فرع وليس بأصل، والأحاديث فيه بالأسانيد، بأسانيد المؤلف، لكن بالمرور على أحد المصنفين كالبيهقي والحاكم والبغوي وغيرهم فتجد البيهقي يخرج أحاديث كثيرة جداً عن طريق الأئمة، تجد في سنن البيهقي حديث يرويه بإسناده هو ثم بعد راويين أو ثلاثة قال: حدثنا محمد بن إسماعيل ثم يذكر سند البخاري والحديث في البخاري، وقل مثل هذا في البغوي، وقل مثل هذا في المستدرك، لكن المستدرك ما يروي عن طريق البخاري ولا مسلم، لماذا؟ لأنه يستدرك عليهم مما فاتهم هذا الأصل، وقد يغفل فيخرج حديثاً -وقد حصل- هو موجود في الصحيحين أو في أحدهما، وهذا غفلة عن أصل موضوع الكتاب، المقصود أن الكتب الأصلية عند أهل العلم هي التي تروى فيها الأحاديث بالأسانيد، هذه هي الكتب الأصلية وهي التي يستفاد منها الفائدة المرجوة من هذه الكتب؛ لأن الأسانيد هي التي يعول عليها ويعتمد عليها في الإثبات والنفي في التصحيح والتضعيف، أما حذف الأسانيد فقد جاء متأخراً؛ ليسهل الحفظ على طلاب العلم، قد يقول قائل: الآن المستخرجات بهذه الصورة التي سمعناها ما فائدتها؟ ويش معنى أن يأتي أبو عوانة ويستخرج على صحيح مسلم؟ ويش الفائدة هل مسلم بحاجة إلى أن يدعم بأسانيد؟ أو يستخرج أبو نعيم على البخاري مثلاً، أو البرقاني على البخاري، أو غيرهم ممن استخرج على الصحيحين أو على أحدهما؟ هل البخاري بحاجة إلى أن يدعم بمزيد من الأسانيد؟ ويش الفائدة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يأتي ذكر هذه الفوائد -إن شاء الله تعالى-.(3/6)
يقول:
وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ
"كأبي عوانة" مثال، وأبي عوانة استخرج على صحيح مسلم وهو يسمى كتابه: "المستخرج على صحيح مسلم" ويسمى أيضاً: "صحيح أبي عوانة"، ويسمى أيضا: "مسند أبي عوانة"، المسند بالمعنى المعروف عند أهل العلم في الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد كما سمى الإمام البخاري كتابه: "الجامع الصحيح المسند" فهم مصنف على الأبواب كأصله، "كأبي عوانة ونحوه" ونحوه مما صنف كأبي نعيم والبرقاني والنيسابوري وغيرهم "واجتنب"
عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا
يقول الحافظ -رحمه الله-: "اجتنب عزوك ألفاظ المتون لهما * إذا خالفت لفظاً ومعنى ربما"، هذا المستخرج حينما يستخرج على البخاري أو على مسلم بأسانيده هو وبألفاظ شيوخه لا بألفاظ البخاري أو شيوخ البخاري عند تجاوزه لهم، ولذا يوجد في المستخرجات المخالفة الكثيرة في الألفاظ والمخالفة القليلة في المعاني ولذا يقول: "واجتنب عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا" لا تأتي إلى حديث في مستخرج أبي عوانة تقول رواه مسلم، ولا في مستخرج أبي نعيم تقول رواه البخاري لا لماذا؟ لأنها رويت من غير طريق صاحب الكتاب، فلا بد من أن يوجد المخالفة في اللفظ بينما في المستخرج وبينما في الأصل وهذا كثير، وقد توجد المخالفة في المعنى وهذا قليل "إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما".(3/7)
فلا تقل في حديث خرجه أبو عوانة في مستخرجه أخرجه مسلم، ولا تقل في حديث خرجه أبو نعيم في مستخرجه أخرجه البخاري؛ لأنها وجدت فيها المخالفة، "إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما"، لفظاً ومعنى ربما، ربما هذه للتقليل أو للتكثير؟ يعني تأتي للتقليل وتأتي للتكثير، تأتي للتقليل وتأتي للتكثير، إذا قلت: ربما ينجح المفرط، هذا ايش تقليل، لكن: ربما يود الذين كفروا، هذا تكثير، وعندك في البيت "إذ خالفت لفظ ومعنى ربما" للتقليل وإلا للتكثير؟ قلنا المخالفة اللفظية كثيرة، والمخالفة المعنوية قليلة فهل نقول هي للتكثير أو للتقليل هنا أو لهما معاً؟ لهما معاً، لكن ما الذي يترتب على هذا، ما الذي يترتب على هذا؟ في قولنا: إنها لهما معاً يترتب عليه استعمال اللفظ الواحد في معنييه، استعمال اللفظ في معنييه، يجوز وإلا ما يجوز؟ اللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه؟ يجوز أن تقول عندي عين وتقصد بها الذهب والجارية؟ أو تقول عندي عين وتقصد بها الباصرة والذهب، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم خلونا في كلام أهل العلم نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز تقول عندي عين وتقصد بها الجارية والذهب، إذا قلت عندي عيون هذا الدلالة على الأفراد من الجمع لا إشكال فيه، لكن إذا قلت عندي عين وهذا لفظ مشترك له أكثر من معنى، فهل يجوز في آن واحد أن تطلق اللفظ وتريد به أكثر من معنى؟ في معانيه نعم أنا الآن إذا قلت مثلاً عندي عين فمنكم من يفهم أني أقصد الباصرة، ومنكم من يفهم أن عندي عين جارية ماء، ومنكم من يفهم أن عندي ذهب، ومنكم من يفهم بالجميع نعم لا يجوز؟ هذا قول جمهور أهل العلم أنه لا يجوز، ومن أجازه من أهل العلم؟ الشافعية يجيزونه، الشافعية يجيزونه والمؤلف الناظم شافعي، الناظم شافعي، فعلى هذا تعود ربما على الأمرين، على اللفظ والمعنى في المخالفة اللفظية كثيرة والمخالفة المعنوية قليلة، وتكون للتقليل وتكون المراد بها المخالفة المعنوية فقط لكن نحتاج إلى تقدير، نحتاج إلى تقدير في المخالفة اللفظية.
طالب:. . . . . . . . .(3/8)
لا، يلزم عليه أن المخالفة في كل حديث اللفظية، هذا يلزم عليه أن المخالفة توجد في كل حديث وليس الغالب هذا لكنه كثير، انتبهت، وليس هو الغالب المخالفة يجي كلامك وإلا ما يجي، "إن خالفت لفظاً ومعنى ربما" "وما تزيد" هذه المستخرجات في بعض النسخ وما يزيد المستخرج "فاحكمن بصحته"، فاحكمن بنون التوكيد الخفيفة "بصحته" إذا قلنا أن المستخرج يروي الحديث بإسناده هو، وزاد المستخرج جملة على ما في الكتاب الأصلي، في الحديث زاد المستخرج من طريق شيوخه من غير مرور بالمؤلف الأصلي زادت جملة هل نحكم بزيادة هذه الجملة؟ بصحتها؟ مقتضى قوله تبعاً لابن الصلاح "وما تزيد" الزيادة ثابتة فيه زيادات جمل، لكن هل هذه الزيادات محكوم بصحتها، مقتضى قوله أننا نحكم بصحتها مطلقاً "وما تزيد فاحكمن بصحته"، تبعاً لأن الأصل صحيح، لكن الزيادة هل يحكم بصحتها مطلقاً من غير نظر؟ وهل التزم أصحاب المستخرجات الصحة، وأنهم لا يروون إلا عن الثقات الأثبات؟ لم يلتزموا هذا، وعلى هذا لا يحكم بصحة المزيد حتى ينظر في حاله، فإن ثبت عند النقد بثقة رواته واتصال إسناده مع عدم المخالفة حكمنا بصحته وإلا فلا، يوجد في رواة المستخرجات الضعيف ويوجد فيها شديد الضعف، خرج أبو نعيم لمحمد بن الحسن ابن زبالة وهو متروك وغيره خرج بضعفه، وعلى هذا قوله "وما تزيد فاحكمن بصحته"، هذا تبع فيه الحافظ العراقي ابن الصلاح، وهذا مما ينتقد بل لا يحكم عليه حتى ينظر في أمره.(3/9)
إذا زاد جملة لا توجد في الأصل فإن هذه الزيادة إن كانت من ثقة فهي مقبولة وإلا فلا "فهو" يعني الزيادة أو المزيد "مع العلو من فائدته"، من فائدة المستخرجات "من" لتبعيض فذكر الناظم -رحمه الله تعالى- من فوائد المستخرجات تبعاً لابن الصلاح ذكر فائدتين الزيادة في الألفاظ في المتون، وعلو الأسانيد، هذه من فوائد المستخرجات، الزيادة عرفناها أن المستخرج إذا روى حديثاً من غير طريق صاحب الكتاب فالشيخ الذي من طريقه روي الحديث قد يسوق الحديث بلفظ مغاير وهذا كثير، وقد يكون فيه بعض الجمل التي لا توجد في الأصل، وقد يوجد بعض الألفاظ المغايرة للفظ الأصل، النبي -عليه الصلاة والسلام- "ضحى بكبشين أقرنين ثمينين" وإلا "سمينين" في الكتاب الأصل في الصحيح؟ نعم "سمينين" وفي المستخرج "ثمينين"، هل نقول أن هذه مرده إلى خطأ الراوي أو إلى تصحيف مصحف، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بهذين الكبشين السمينين كما جاء في الصحيح الثمينين كما جاء في المستخرج؟ فالمستخرجات فيها فوائد كثيرة منها الزيادة، فيها زيادة كلمات وزيادة جمل وأحكام، هذه من فوائد المستخرجات لكن لا تقبل إلا إذا ثبتت في النقد، بثقة رواتها واتصال أسانيدها وعدم المخالفة. أيضاً العلو وهذا فيما يظهر من صنيع أصحاب المستخرجات الهدف الأول عندهم العلو له شأن، علو الأسانيد ويتعبون ورائه، ويرحلون من أجله، ولا شك أن العلو أفضل من النزول، والمراد بالعلو قلة الرواة وقلة الوسائط بين المؤلف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أمثلة العلو قالوا: لو روى أبو نعيم حديثاً في مصنف عبد الرزاق من طريق البخاري لما وصل إلى عبد الرزاق إلا بأربعة ما يصل إلا إلى عبد الرزاق إلا بأربعة رواة، فإذا روى الحديث من طريق الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق وصل إليه باثنين هذه فائدة للعلو، والعلو كما ذكرنا له شأن عند أهل الحديث، فذكر المؤلف هاتين الفائدتين، وأوصلها الحافظ بن حجر -رحمه الله- إلى عشر فوائد، والسخاوي في نكته على الألفية مع شرحها إلى عشرين فائدة، إلى عشرين فائدة من فوائد المستخرجات.(3/10)
مما ذكروه من الفوائد: تمييز المهمل، فتجد البخاري يروي الحديث عن محمد، محمد ابن من؟ ما ذكر ويختلف فيه الشراح ويختلف فيه من صنف في رجال الصحيح، ثم يأتي في المستخرج مستخرج أبي نعيم عن محمد بن بشار مثلاً أو غيره هذا تمييز للمهمل يستفاد من المستخرج تعيين المبهم أحياناً يكون في السند راوي مبهم ويأتي تعيينه في المستخرج تصريح المدلس بالتحديث والسماع، هذه فائدة عظيمة وكثير من المدلسين من رجال الصحيح رووا بالعنعنة فيصرح في رواية المستخرج بالتحديث فتنتفي تهمة تدريسه إلى غير ذلك من الفوائد المدونة في الكتب.
وَالأَصْلَ يَعْني والبيهقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا
عندنا بعض العلماء الذين ألفوا في السنة من المتأخرين من بعد الأئمة وهم يروون الأحاديث بالأسانيد وقد يعزون هذه الأحاديث إلى مصادرها كالبيهقي مثلاً، يروي الحديث بإسناده ويقول: رواه البخاري، أو رواه مسلم ومثله البغوي في شرح السنة يفعل هذا يروي الحديث بإسناده من شيخه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقول: رواه محمد عن فلان، ورواه مسلم عن فلان ورواه مسلم عن فلان محمد البخاري.(3/11)
البيهقي والبغوي ومن حذا حذوهما في العزو إلى الأئمة يقصدون أصل الحديث، لا يقصدون لفظ ما في الصحيح؛ لأن جل اعتمادهم على المستخرجات، ولذا لا يحسن أن تعزو حديثاً للبخاري وقد أخذته من البيهقي أو من البغوي مثلاً، لا يحسن أن تعزوه إلى الأصل حتى تطابق اللفظ الذي عند البيهقي بما في الصحيح، وقل مثل هذا ممن اعتمد على المستخرجات وحذف الأسانيد كابن الأثير في جامع الأصول، ابن الأثير يعتمد على المستخرجات، يعتمد على مستخرجات ويعزو إلى الأصول الستة، فإذا قابلت ما عزاه إلى البخاري بما في صحيح البخاري وجدت بعض الاختلاف، فهو يريد أصل الحديث ولو أن ابن الأثير جمع جامعه من الكتب الأصلية مباشرة دون وسائط لكان نفعه أعظم، ولذا ما زالت الحاجة قائمة إلى جامع يجمع هذه الكتب من الكتب الأصلية ليكون الإنسان على طمأنينة من العزو إلى الأئمة، والأمر سهل والكتب مخدومة الآن بالأطراف وبالإحالات بإمكان طالب العلم البارع الدقيق أن يجمع بين الكتب الستة بكل سهولة ويعتمد على الكتب الأصلية، لا يعتمد على وسائط، ولذا قال الحافظ -رحمه الله تعالى- "وَالأَصْلَ يَعْني والبيهقي وَمَنْ عَزَا" هؤلاء الذين يعزون إلى الكتب الأصلية يريدون أصل الحديث لا يريدون لفظ الحديث لوجود من يعتمد منهم على المستخرجات دون الأصول، "وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا"، الحميدي له كتاب اسمه: "الجمع بين الصحيحين" جمع بين الصحيين، واعتمد على المستخرجات، قد يقول قائل: هل الكتب مفقودة الكتب الأصلية مفقودة بالنسبة لهؤلاء الأئمة الذين تجاوزها واعتمدوا على المستخرجات؟ هل هو خلل في التصنيف أن يعتمد على المستخرج وعلى صحيح البخاري والبخاري عنده موجود؟ وإلا فما الداعي لمثل هؤلاء الأئمة الكبار أن يعتمدوا على المستخرجات والكتب الأصلية بين أيديهم؟ ما الداعي؟ نعم الحاجة إلى الزيادات في هذا المستخرجات وغير ذلك نعم.
طالب:. . . . . . . . .(3/12)
كيف؟ الآن هو يعزو إلى البخاري ما يعزو إلى أبي نعيم، يعزو إلى البخاري واستفاد الحديث من أبي نعيم قد يكون اللفظ مثلاً عند أبي نعيم أوضح وقد يكون من أجل الزيادة التي عند المستخرج، المقصود أنهم ألفوا على هذه الطريقة وتعليلاتهم ذهبت معهم لكن لا بد من الالتماس لهم وإلا فالكتب الأصلية موجودة ويش يعني أني أعتمد على مستخرج وأقول رواه البخاري قد يكون هذا، وهذا أيضاَ يجاب به فيما إذا كان الحديث متفق عليه، فيرجع إلى كتاب واحد من كتب الجمع بين الصحيحين أو المستخرج على الصحيحين من كتب المستخرج على الصحيحين كما فعل أبو نعيم استخرج على الصحيحين معاً، لكن ماذا فيما لو رجع إلى مستخرج على صحيح البخاري فقط، أو مستخرج على صحيح مسلم فقط، ولذا تمنى أهل العلم أن يكون هؤلاء الأئمة اعتمدوا على الأصول وريحوا طلاب العلم من الرجوع إلى الأصول؛ لأن البيهقي بحر محيط لو أن مؤلفه -رحمه الله تعالى- اعتمد على الأصول وجمع بين هذه الأصول وإذا عزا على البخاري وجدته بالحرف، وإذا عزا على مسلم وجدته بالحرف، عزا إلى أبي داود أو روى الحديث عن طريق النسائي أو عن طريق الترمذي وجدته بالحرف ريحك جمع لك الأحاديث كلها في مكان واحد في باب واحد، وقل مثل هذا عند البغوي وإن كان أقل من البيهقي، قل مثل هذا في جامع الأصول لو أن ابن الأثير اعتمد على الأصول ما اعتمد على المستخرجات لكان نفعه أعظم، وإذا وجد زيادة جملة وإلا زيادة لفظ أو لفظ أوضح عند المستخرج يقول: زاد فلان ويش المانع؟ ليكون هذا أفضل، "وليت إذ زاد الحميد ميزا" يقول: "وليت إذ زاد الحميد ميزا" الحميدي حينما اعتمد على المستخرجات وجمع بين الصحيحين على حد زعم الحافظ العراقي وابن الصلاح وجمع من أهل العلم يقول: إن الحميدي يزيد من المستخرجات ولا يبين هذه الزيادات، ولا يبين هذه الزيادات، ولذالك تمنى الناظم أن الحميدي ميز مفهومه أنه ميز وإلا ما ميز؟ ما ميز وقد ظُلم الرجل، فقد ميز؛ بل ميز بدقة، وظُلم في قولهم: "ليت إذ زاد الحميدي ميزا". وذكر في مقدمة كتابه أنه يعزو الألفاظ إلى أصحابها، مع أنه بشر قد يفوت عليه لفظ ما عزاه لكن هذا موجود عنده وعند غيره، وأنا أقول: ليت الحميدي(3/13)
اعتمد على الأصول ولم يعتمد على المستخرجات بدلاً من أن يحتاج إلى تمييز أو عدم تمييز، يعتمد على الأصول ويسوقها بألفاظها وإن كان هناك زيادات في المستخرجات لا مانع أن يقول زاد أبو عوانة زاد أبو نعيم زاد البرقاني ما فيه إشكال، ومن أراد أن يجمع بين الصحيحين وطلاب العلم لهم اتجاه في مثل هذا يعنون في الألفاظ بعد الرجوع إلى المصادر الأصلية دون وسائط، يرجعون هم بأنفسهم دون مؤلفات غيرهم، وإذا تسير لهم الجمع بين الأصول كلها أو بين بعضها حسب ما يستطيعه الإنسان يحصل على ثروة عظيمة من السنة النبوية، بعض الناس يصعب عليه الحفظ، لكنه بالمعاناة وجمع المتفرق وأحياناً تفريق المجتمع بالمعاناة المقصود أنه يوجد عمل، فيثبت من النصوص الشيء الكثير وهو لا يشعر؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن يسمك كتاب ويردده حتى يحفظ، إما لأنه رجل ملول لا يصبر حتى يحفظ أو لأن الحافظة لا تسعفه، لكن إذا مسك الباب من صحيح البخاري ونظر في سنده ومتنه، ودونه عنده، ونظر إليه في صحيح مسلم ثم أضاف الزيادات في الأسانيد والمتون وصيغ الأداء وقارن بينها، ثم نظر إلى الحديث عند من يخرجه من أصحاب السنن وفعل به هكذا، إذا انتهى من الحديث فإذا به حافظ وهو لا يشعر، وإن لم يحفظ الأصول بأجرها وبجرها لكن يتكون لديه ملكة وأهلية، ويصير عنده ثروة بسبب المعاناة؛ لأن المعاناة تحفر العلم في الذهن حفر، والعلم كما يقول يحيى بن أبي كثير لا يستطاع براحة الجسم، يعني لا يدرك العلم من جاء بالبرامج وأدخلها في الحواسب والكمبيوترات وضغط زر وطلع الطرق كلها والرجال كلهم، يضغط الرز مرة ثانية وينسى كل شيء، وبمثل هذا لا يثبت علم، ومثلنا مراراً مثل من هو على السيارة مثلاً وهو سائر في شارع البطحاء مثلاً كم في شارع البطحاء من لوحة على المحلات التجارية ألوف مؤلفة ويراها واضحة ومكتوبة بألوان، لكن إذا انتهى من الشارع كم حفظ من لوحة كلها مرت عليه، هذا مثل الكمبيوتر تمر عليك مر السحاب وفي النهاية لا شيء، لكن جرب مرة واحدة شوف لك حديث مما أخرجه البخاري في عشرة مواضع أو عشرين موضع وقارن بين هذه المواضع إذا انتهيت فأنت حافظ للحديث؛ لأن العلم يحتاج إلى معاناة يحتاج إلى(3/14)
حفر، بهذه الطريقة يثبت العلم.
مراتب الصحيح:
وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا
شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي
وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ
يقول -رحمه الله تعالى-: مراتب الصحيح: الصحيح متفاوت، وله مراتب لا يمكن حصرها، لا يمكن حصرها فتفاوت مراتب الصحيح تبعاً لتفاوت التمكن من شروطه ولو قيل أن الأخبار تتفاوت تفاوتاً بعدد تفاوت رواته لو أن شخصاً جاءك بخبر، وثاني جاءك بخبر ثاني، وثالث جاءك بخبر ثالث ورابع وخامس وعاشر ومائة، هل هذه الأخبار في درجة واحدة أو متفاوتة؟ متفاوتة؛ لأنه لا يوجد راو مماثل لراو من جميع الوجوه، يمكن أن يوجد إنسان مطابق لآخر من جميع الوجوه؟ يمكن؟ ما يمكن فأخبار هؤلاء تتفاوت بقدر ما بينهم من التفاوت، ولذا قال: مراتب الصحيح: متفاوتة تفاوت بين، لكن هم يقربون، ويحصرون هذا التفاوت تبعاً لما قرروه في أصح الكتب، وترتيب الكتب حسب الأصحية، فعندهم صحيح البخاري الدرجة العليا، يليه مسلم، يليه أو داود، ثم الترمذي أو النسائي على خلاف ثم في النهاية ابن ماجة، الإمام أحمد شرطه في مسنده على ما سيأتي مطابق كما يقول شيخ الإسلام لشرط أبي داود يعني عند الاختلاف بين حديث يرويه الإمام أحمد وحديث يرويه أبو داود، يعني من حيث النظر إلى الكتب الحكم أو الترجيح بينهما يحتاج إلى دقة نظر بل أنظار من جهات متعددة، ونظراً لتشعب هذا الأمر حصروه في سبعة أشياء فجعلوا أرفع الصحيح ما اتفق عليه الشيخان مرويهما.
يقول الحافظ:
وأرفع الصحيح مرويهما ... . . . . . . . . .(3/15)
يعني ما يتفق عليه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد، وهذا هو المعروف عند أهل العلم: "المتفق عليه"، لكن عندنا كتب، ونحتاج النظر في الأحاديث في غير الصحيحين، فأيهما أرفع ما يتفق عليه الشيخان، أو يتفق على تخريجه الجماعة؟ بما فيهم الشيخان، هم ما تعرضوا لهذا، هم تعرضوا بل ذكروا أن أرفع درجات الصحيح ما يتفق على تخريجه الشيخان من طريق صحابي واحد، وهذا هو المتفق عليه عند أهل العلم في قول عامة أهل العلم، وإن جعل المجد المتفق عليه -المجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام- جعل المتفق عليه ما يخرجه الشيخان وأحمد، فهل نقول ما يخرجه الشيخان وأحمد -مثلاً- أرفع مما يخرجه الشيخان فقط، وما يخرجه رابع معهم أرفع مما يخرجه ثلاثة إلى أن نصل إلى ما يوجد في جميع دواوين الإسلام، ونقول: إنه أرفع الصحيح؟ أو نقول: إنه إذا وجد الحديث في الصحيحين، فوجوده في غير الصحيحين، وعدم وجوده سواءٌ؛ لأن شرط بقية الكتب أدنى بكثير من شرط الصحيحين، اتفقت الأمة على الصحيحين بلا شك، لكن وجود الحديث في المسند يزيد الحديث، وإلا ينقصه؟ مع الصحيحين؟ إذن نقول: ما يخرجه من الأئمة أكثر يكون أرفع، هم ما نظروا إلى هذا، هم نظروا إلى أنه ما دام موجوداً في الصحيحين، فقد حاز أعلى درجات القبول، فوجوده في غيرهما لا يزيده ولا ينقصه؛ لأن شرط غير الصحيحين أدنى، شرط غير الصحيحين أدنى من شرط الشيخين، ولسنا بحاجة إلى الشرط الأدنى مع وجود الشرط الأعلى، وهذا هو السبب في كونهم يقولون: أرفع الصحيح مرويهما.
مقتضى هذا أن كل حديث مخرج في الصحيحين يأتي في الدرجة العليا، بغض النظر عن كونه فرداً؛ كحديث الأعمال بالنيات، أو كونه عزيزاً، أو كونه مشهوراً، أو متواتراً، يعني على مقتضى قوله:
وأرفع الصحيح مرويهما ... . . . . . . . . .
أن حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، أو: ((كلمتان خفيفتان على اللسان))، مثل حديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))، لا سيما وأن ما في الصحيحين مقطوع به كما سيأتي في الباب اللاحق:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
كالمتواتر.(3/16)
اقتصارهم على ما ذكروا من الأنواع، أو الأقسام السبعة، أو المراتب السبع المتفق عليه؛ ما يتفرد به البخاري، ما يتفرد به مسلم، ما كان على شرطهما، ما كان على شرط البخاري، ما كان على شرط مسلم، ما صح عند غيرهما؛ سبعة، اقتصروا على هذا من أجل الحصر، لكن لو ذهبنا نشقق، ونفرع لن ينتهي الموضوع، ولذلك حسموا الموضوع بهذه الأقسام السبعة، مثل ما ذكرنا أن كل خبر مرتبته مرتبة رواته، وكل راو من الرواة له مرتبته الخاصة به؛ لأنه يستحيل أن يوجد راويان متطابقان من كل وجه، فكل خبر منزلته هي منزلة راويه، ولذا حصروا، وجزموا بأن هذه المراتب السبعة هي مراتب الصحيح، حسماً لكثرة التفريعات، والتشعبات التي لا تنتهي؛ ولذا يقول: "أرفع الصحيح مرويهما" يعني ما اتفق على تخريجه الشيخان من طريق صحابي واحد، وهذا شرط عندهم في تسمية الخبر: "متفق عليه"، وأحياناً يقول البغوي –أحياناً- في شرح السنة: هذا حديث متفق عليه؛ خرجه محمد عن أبي هريرة ومسلم عن ابن عمر، ويكون بهذا قد خالف الاصطلاح، ومادام يبين فلا مشاحة في الاصطلاح، والبغوي له مخالفات، منها هذا، ومنها ما سيأتي في تقسيمه أحاديث المصابيح.
وأرفع الصحيح مرويهما ... ثم البخاري. . . . . . . . .
ثم مروي الإمام البخاري؛ لما تقدم من تفضيله على مسلم "فمسلم" يأتي، يعني فمروي مسلم يأتي في الدرجة الثالثة "فما شرطهما حوى" يعني فما حوى شرط الشيخين، يأتي في الدرجة الرابعة، ثم في الخامسة شرط البخاري، ثم المرتبة السادسة شرط مسلم، ثم شرط غيرهما إذا وصل إلى الصحة.
المخرج في الصحيحين ما يحتاج إلى بيان، ولا إيضاح، يوجد الحديث في البخاري، ويوجد في مسلم من طريق صحابي واحد، وهذا الأرفع، يليه أن يكون الحديث من مفردات البخاري، يعني موجود في صحيح البخاري، يلي ذلك أن يكون الحديث موجوداً في صحيح مسلم، هذه ما فيها إشكال، كون الحديث مخرجاً في الصحيحين، أو في أحدهما ما يحتاج إلى بيان.(3/17)
"فما شرطهما حوى" هذا الذي يحتاج إلى كلام كثير؛ ما المراد بشرطهما؟ ما المراد بشرطهما؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين، فابن طاهر يرى أن شرط الشيخين: الحديث الذي اتفق على ثقة رواته، الحديث الذي اتفق على ثقة رواته، مع أن هذا القول منتقد؛ لأن في رواة الصحيحين من انتُقد ممن لم يتفق على ثقته، منهم من مُسَّ بضرب من التجريح الخفيف من قبل غيرهما، وأما الحازمي في شروط الأئمة الخمسة مع أنه لم ينص واحد من الشيخين على شرطه؛ مسلم بين شيئاً مما يشترطه في الكتاب لكنه لم ينص على ما يجلي الصورة المجتمعة بحيث نستطيع أن نستخلص منه شرط مسلم في صحيحه؛ نص على بعض الأمور، وقسم الرواة إلى طبقات، وقال: إنه يخرج أحاديث هؤلاء الطبقات عدا الطبقة الرابعة، وذكر أنه يخرج الحديث المعنعن، ويصححه لكن لا يكفي هذا، فهو ما نص على شرطه بدقة، جميع ما يحتاج إليه في الشرط، وأما البخاري فلم يذكر شيئاً، العلماء استقرؤوا الكتابين، وكل ظهر له ما يوجه به شرط الشيخين، فابن طاهر يرى أن شرط الشيخين تخريج الأحاديث المجمع على رواتها، المجمع على رواتها، وهذا فيه ما فيه؛ لأن من رواة الصحيحين؛ وإن استفاض على ألسنة الأئمة أن رواة الصحيحين جازوا القنطرة لكن تُكلم في بعضهم من قبل بعض الأئمة، وإن كان الحق مع الشيخين، لكن الكلام موجود، كما أنه تكلم في بعض الأحاديث، كما سيأتي في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-، الحازمي في شروط الأئمة يقول: إن الرواة على طبقات، الرواة على طبقات: -
الطبقة الأولى: من جمعوا بين الحفظ، والضبط، والإتقان، وملازمة الشيوخ، هذه الطبقة الأولى العليا.
الطبقة الثانية: من جمعوا بين الحفظ، والضبط، والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ.
الطبقة الثالثة: من لازموا الشيوخ مع خفة يسيرة في الحفظ، والضبط، والإتقان، وفيهم من مُس بضرب من التجريح الخفيف.
والطبقة الرابعة: من فقدوا إيش؟ الآن عندنا الأولى من جمعوا بين الأمرين، والثانية من تخلف فيهم الملازمة، الثالثة من وجدت فيه الملازمة، وخف فيه الشرط الأول -اللي هو الحفظ، والضبط، والإتقان-، الرابعة: نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(3/18)
من فقد الشرطين، يعني مسوا بضرب من التجريح، وعرفوا بخفة، وبقلة ملازمة الشيوخ.
والخامسة: نفر من الضعفاء، والمجهولين؛ فهؤلاء هم طبقات الرواة عند الحازمي.
فالبخاري يستوعب أحاديث الطبقة الأولى، وينتقي من أحاديث الطبقة الثانية، يعني فرق بين الاستيعاب والرواية عند الراوي دون تردد، وبين أن ينتقى من حديثه ما يوافق عليه، ويجزم بأنه حفظه، وضبطه.
مسلم يستوعب أحاديث الطبقتين، وينتقي من أحاديث الطبقة الثالثة، التي هي شرط أبي داود، والنسائي، وقد ينتقون من أحاديث الطبقة الرابعة، التي هي شرط الترمذي، وقد ينزل إلى أحاديث رجال الطبقة الخامسة، الذين يأخذ عنهم ابن ماجه دون تردد.
هذه طريقة الحازمي في بيان رواة الكتب مع أنها لا تنضبط، جمع من أهل العلم يرون أن شرط الشيخين رواة الشيخين، إذا قيل: هذا الحديث على شرط الشيخين، معناه أن الشيخين البخاري ومسلم خرَّجا لهؤلاء الرواة كلهم في صحيحيهما، شرطهما رجالهما، قالوا: من أكثر من جاء على لسانه شرط الشيخين؟ الحاكم، الحاكم هو الذي أكثر من ذكر هذا، الحاكم تصرفه يقوي القول الأخير، يقوي القول الأخير؛ لأنه روى حديثاً من طريق أبي عثمان، وقال: هذا حديث صحيح، وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي، لقلت: إنه على شرطهما، أبو عثمان النهدي خُرج له في الصحيحين، لكن أبو عثمان الإيش؟ أبو عثمان التَّبَّان لم يخرج له واحد من الشيخين؛ ولذلك قال: هو صحيح فحسب، ولو كان النهدي لقلت: إنه على شرطهما، فيفاد من هذا الكلام أن مراد الحاكم بقوله: على شرطهما؛ أنه يقصد رجال الصحيحين، وإذا قال: على شرط البخاري، يكون الرواة خرج لهم البخاري دون مسلم، ولو بعضهم، وإذا قال: على شرط مسلم، فإن الرواة، أو فيهم من خرج له مسلم دون البخاري، يعني يكون الرواة كلهم خرج لهم مسلم إذا قال: على شرط مسلم، وقد يخرج البخاري لبعضهم لا كلهم، هذا ظاهر؟
الإشكال في كلام الحاكم –أيضاً- في مقدمة المستدرك يقول الحاكم: "وأنا أستعين الله على تخريج أحاديث رواتها ثقات، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، احتج بمثلها الشيخان، بمثلها؛ أي الأحاديث، أو الرواة؟ بمثلها؟(3/19)
طالب:. . . . . . . . .(3/20)
لا؛ العلماء قالوا: الرواة، وإن كان اللفظ يحتمل؛ لأن قوله: بمثلها، إن قلنا: الأحاديث فهذا فيه عسر شديد، كيف تكون هذه الأحاديث مثل ما احتج به، أو مثل ما خرجه الشيخان من الأحاديث؟ إلا أن تكون رواة هذه الأحاديث مثل رواة ما احتج به الشيخان، هذا يشكل على قولنا: شرطهما رواتهما؟ أو لا يشكل؟ يشكل، وجه الإشكال؛ أن مثل الشيء غير الشيء، حنا نقول: هم أنفسهم، وهو يقول: احتج بمثلها الشيخان، ومثل الشيء غير الشيء، إذن شرط الشيخين عند الحاكم أن يكون الرواة المخرج لهم فيمن زعم الحاكم أن الحديث على شرط الشيخين، احتج الشيخان برواة نظير هؤلاء الرواة، لا بهم أنفسهم؛ لأن مثل الشيخ غير الشيء، ومثل هذا يمكن ضبطه؟ أولاً: واقع الكتاب يرده، والدليل على ذلك مثل ما ذكرنا عن أبي عثمان، واقع الكتاب المستدرك يرد هذا الفهم، وأنه يريد بشرط الشيخين رواة الشيخين، تصرف الحاكم في جميع كتابه يقوي أن المراد بشرط الشيخين رواة الشيخين، إذن كيف نجيب عن قوله: احتج بمثلها الشيخان؟ الحافظ ابن حجر يقول: إن الحاكم استعمل المثلية، استعمل المثلية أعم من استعمالها الحقيقي والمجازي، أعم من الاستعمال الحقيقي والمجازي، متى تستعمل المثلية في حقيقتها؟ إذا كان الرواة غير رواة الشيخين، هذه حقيقتها؛ لأن المثل غير الشيء، واستعمل المثلية المجازية في ما إذا خرج الحديث من طريق رواة الشيخين أنفسهم، واستدل على ذلك بقصةٍ؛ رجل قال لآخر: اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك، اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك، فجاءه بالثوب نفسه، قال: اشتريت لك هذا الثوب، فقال: أنا ما قلت لك أشتر هذا الثوب، قلت لك: اشتر لي مثل هذا الثوب، له الحق في الرد، أو ليس له الحق؟ مهما حرص في تطبيق المثلية لن يجد من الثياب ما هو أشبه بهذا الثوب من الثوب نفسه، اختصما عند شريح القاضي، فألزمه بأخذ الثوب، وقال: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يقول: أنا قلت له: مثل، قال: تأخذ هذا الثوب، عين الثوب؛ لأنك تريد مثل هذا الثوب، ما في أشبه من هذا الثوب به، لا يوجد أشبه به منه، وألزمه بأخذ الثوب، فإذا خرج لمثلهم؛ فلأن يخرج لهم أنفسهم من باب أولى، فالحاكم استعمل هذه، استعمل الرواة(3/21)
أنفسهم، واستعمل أمثالهم ممن يدانيهم في المرتبة، مع أنه في المماثلة، والمطابقة في حال المطابقة إذا خرج لرواة الصحيحين لا يصيب ما أصابه الشيخان من القوة؛ لماذا؟ فضلاً عن كونه يخرج عن أمثاله، المماثلة صعبة، ولذلك نزل نزولاً؛ بل هبط هبوطاً شديداً، في تحقيق هذه المثلية، وخرج عن ضعفاء، وهو يقول: "بمثلها"، وخرج لرواة الصحيحين أحاديث لا تداني، ولا تقارب أحاديث الصحيحين؛ لأن التخريج للرواة لا بد أن يكون على الصورة المجتمعة، خرج حديث الحسن عن سمُرة، الحسن عن سمُرة، وقال: على شرط، نعم على شرطهما، نعم قال: على شرطهما؛ كيف على شرطهما؟ لأن البخاري ومسلم خرجا للحسن، وخرجا لسمرة، لكن بالصورة المجتمعة: الحسن عن سمرة؛ خرج لهما في الصحيح؟ ما في إلا حديث العقيقة في البخاري، فلا بد من ليكون على شرط الشيخين أن يكون على الهيئة المجتمعة التي خُرج فيها لهؤلاء الرواة، من أولهم إلى آخرهم، ما يلفق لراوي من الطبقة العاشرة خُرج له في البخاري يروي عن راوي في الطبقة التاسعة خُرج له في البخاري حديثاً آخراً غير هذا الحديث بصيغة أداء أخرى، أو خرج له في مسلم، ثم يلفق لي من السند، صورة غير مكتملة كما هي عند الشيخين، ويقول: الحديث على شرطهما، الأمر الثاني: أن الشيخين قد يخرجا لمن ليس على شرطهما، ممن يخرج له في الأصول على سبيل الانتقاء، فليس كل ما يروى عن الراوي الذي فيه كلام يكون مقبولاً، فقد يخرج له في الصحيح حديث يجزم صاحب الصحيح أن هذا ضبط هذا الحديث، وأتقنه، ولم يكن فيه مخالفة، بل ووفق عليه، ويبقى أن الصحيحين لا يدانيهما كتاب، ولو خرجت أحاديث الكتب بأسانيدهما، وعلى هذا لو وجدنا في المسند حديثاً عن سند خرج له في البخاري، أو حديثاً بسند خرج له في البخاري أو في مسلم؛ هل نقول: إن هذا الحديث بمنزلة الحديث الذي في صحيح البخاري، أو في صحيح مسلم؟ يعني تعارض حديث في البخاري من طريق: مالك عن نافع عن ابن عمر، عارضه حديث في المسند من طريق: مالك عن نافع عن ابن عمر؛ يكفي هذا أن تكون الصورة مجتمعة، والرجال هم الرجال؟ وليكن الإسناد غير: مالك عن نافع عن ابن عمر؛ ممن يخرج لهم في الصحيح أحاديث أخرى، ورواة آخرين، قد يكون(3/22)
فيهم من انتقى له صاحب الصحيح، فإذا روى خارج الصحيح؛ حصل منه الخطأ، والوهم "فما"
شرطهما حوى فشرط الجعفي ... . . . . . . . . .
يعني شرط الإمام البخاري؛ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي البخاري "فمسلم" يعني فشرط مسلم؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري "فشرطَ غير يكفي" أو فشرطُ غير؟ "فمسلم" أو فما حوى شرطَ غير، مثل شرطهما، أو فشرطَ، أو نقول: هذه جملة مستقلة "فشرطُ غير يكفي"؟ ويكون شرط فاعل، أو ما يأتي الفاعل هنا، يصير مبتدأ، شرطُ غير يكفي، واستعمال غير مقطوعة عن الإضافة سليم، وإلا غير سليم؟ استعمال غير فشرطُ غير، أو فشرطَ غير يكفي؛ يعني غير الشيخين يكفي لتصحيح الخبر، تأتي "غير" غير مضافة؛ مقطوعة عن الإضافة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ ما هي مقيسة على قبل وبعد، والجهات الست، لا، هذا خاص .. ، هي تأتي بمعنى إلا؛ فإذا قلت: ليس غير، فلا تحتاج إلى مضاف إليه؛ كأنك قلت: ليس إلا، وهنا: فشرط غير ينصون على أنه لا يجوز استعمال غير دون إضافة، وهنا احتيج إليها للضرورة:
وعنده التصحيح ليس يمكن ... في عصرنا وقال يحيى: ممكن
"وعنده" الضمير يعود على ابن الصلاح، قد أشار إليه في المقدمة، وسيأتي في قوله: "كذا له"، "وعنده" يعني عند ابن الصلاح.
يقول: إذا كان المستخرِج يذكر الأحاديث بأسانيده هو؛ فكيف نعرف أن محمد عند البخاري هو محمد بن بشار؟
نعم يروي الحديث عن طريق غير البخاري عن محمد بن بشار، إذا ارتقى مع الكتاب الأصلي في شيخه كفى.
"وعنده" يعني عند ابن الصلاح "التصحيح ليس يمكن في عصرنا" في العصور المتأخرة بعد عصور الرواية وانقطاع أخبار الرواة إلا ما دون في الكتب عنهم "ليس يمكن" متعذر، وهذه المسألة فرعٌ عن سد باب الاجتهاد، حتى في الأحكام، وشاع سد باب الاجتهاد في المائة السابعة والسادسة وما بعدها، وهذا فرع منه.(3/23)
ابن الصلاح -رحمه الله- كأنه يريد أن يحتاط للسنة، ووجد في عصره من يهجم على الأحاديث، ويصحح ويضعف، وينتقد الأئمة؛ كما هو موجود في عصرنا، فأراد سد الباب بالكلية، سد الذريعة المفضية على هذا العبث؛ "ما يمكن"، واستدل على ذلك بأنه لا يوجد من يتصدى لهذا الأمر إلا من اعتمد على كتابه، يقول: "عرياً عما يشترط في الرواة من الحفظ، والضبط، والإتقان"، والاعتماد على الكتاب منع منه بعضهم.(3/24)
يقول: الرواة في العصور المتأخرة صاروا يعتمدون على الكتب، ويعولون عليها، ولا يدققون في الرواة أنفسهم؛ هذه حجته، لكن الرواية من الكتاب لا إشكال فيها عند أهل العلم؛ بل ابن الصلاح نفسه لما ذكر عن أبي حنيفة أنه يمنع الرواية من الكتاب، قال: هذا تشديد، هذا تشديد، والمظنون بابن الصلاح أن قفله للباب، وسده باب الاجتهاد في التصحيح والتضعيف هذا سببه، أنه وجد في عصره من يتطاول، ومن يهجم على الأحاديث وليست لديه الأهلية، أنهم ليسوا بأهل لأن يصححوا ويضعفوا، نعم إذا قارنت بين من في عصره، وبين العصور: عصور التدوين، عصر الأئمة في القرن الثالث أو الثاني، يعني ما وجدت هناك نسبة؛ فكيف بعصرنا، يذكر تضعيف أحمد، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، ويقول: والحديث في نقدي صحيح، وقد خفي عليهم كذا، الطريق الذي ظفرنا به؛ كيف خفي عليهم؟ وقد يكون بالعكس ضعيف، وإن صححه الأئمة؛ يوجد ممن يتطاول، فلعل ابن الصلاح أراد أن يقفل الباب؛ سداً لهذه الذريعة، وعلى كل حال ابن الصلاح لم يوافق على رأيه، بل ردوا عليه، وممن رد عليه النووي، ولذا قال: "وقال يحيى: ممكن" لكن ممكن لمن؟ ممكن للمتأهل، لمن تأهل لذلك، لمن تأهل لذلك، والتصحيح موجود فيمن تقدم ابن الصلاح، وهذا كثير، وفيمن عاصر ابن الصلاح من أهل العلم، وهو كثير، وفيمن تأخر عن ابن الصلاح إلى يومنا هذا، وأهل العلم تتابعوا على ذلك، ولم يلتفتوا إلى من هجم على هذا العلم، وعبث فيه، ولم يجد من يردعه، فصحح في عصره المنذري، وصحح ابن القطان، وصحح الدمياطي، وجمع غفير من أهل العلم صححوا، جاء من بعدهم المِزِّي، وجاء الحافظ ابن كثير، وجاء جمع غفير من أهل العلم ابن القيم له باع طويلة في التصحيح والتضعيف، شيخ الإسلام -رحمه الله- بعد ابن الصلاح، ويقول أهل العلم: كل حديث لا يعرفه، ولا يثبته ابن تيمية فليس بحديث؛ فكيف نقفل الباب عن أمثال هؤلاء الأئمة؟ إلى عصرنا هذا جاء الذهبي، جاء ابن حجر، جاء الحافظ العراقي، جاء أبو زرعة ابن الحافظ العراقي، أئمة كبار صححوا، وضعفوا، وحصل الخير على أيديهم، إلى عصرنا هذا، إلى أن ختم الحفاظ والأئمة بالألباني -رحمه الله تعالى-.(3/25)
فمنهم من يقول: الرد على ابن الصلاح بوجود من يصحح في عصره، ومن بعده؛ لا يستقيم رداً عليه؛ لماذا؟ لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد، نقض للاجتهاد بالاجتهاد، لكن هل كلام ابن الصلاح اجتهاد، أو إلغاء للاجتهاد؟ تقبل الدعوة مقلوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اجتهاد منه في تقرير هذه المسألة التي ألغى بها الاجتهاد، وعلى كل حال نكمل -إن شاء الله- هذه المسالة مع ما يتلوها من بحوث في درس الغد -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
حكم الصحيحين والتعليق:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... كذا له وقيل: ظنا ولدى
محققيهم قد عزاه النووي ... وفي الصحيح بعض شيء قد روي
مضعفا ولهما بلا سند ... أشيا فإن يجزم فصحح أو ورد
ممرضا فلا ولكن يشعر ... بصحة الأصل له كيُذكر
وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
ولو إلى آخره أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي
عنعنة كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالف
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حكم الصحيحين والتعليق"؛ "حكم الصحيحين" يعني حكم أحاديث الصحيحين "والتعليق"؛ ما حكم أحاديث الصحيحين؟ عرفنا أنها مجزوم بصحتها، مجزوم بصحتها، لكن هل يحكم بالقطع، أو بالظن؟ تقدم في قوله:
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع. . . . . . . . .(3/26)
هذا من حيث العموم، إذا توافرت الشروط؛ فالمقصود به الصحة في ظاهر الأمر، الصحة في ظاهر الأمر، وهذا ميل منه -يعني ابن الصلاح، ويتبعه الحافظ العراقي– إلى أن مفاد خبر الواحد في الأصل لا يفيد القطع، لا يقطع به في حقيقة الأمر، وإنما الحكم للظاهر "في ظاهر لا القطع" فلا يحكم به قطعاً، وإنما إذا توافرت الشروط؛ حكم بصحته من خلال هذه الشروط، وأنه لا يقطع به، بمعنى أن خبر الواحد يفيد الظن، ولا يفيد القطع في الأصل؛ والسبب في ذلك أن الراوي الثقة الضابط مهما بلغ من الحفظ، والضبط، والإتقان، فإنه لا بد أن يقع منه خطأ، ومادام هذا الاحتمال قائماً؛ فإننا لا نقطع بصحة ما قال، لا نقطع، وإن كان الغالب على الظن أنه صادق، وضابط، ومتقن، بمعنى أنه لو جاءك شخص من أوثق الناس عندك، وقال لك: جاء زيد من سفره، هذا خبر من ثقة ضابط، لكن هل تستطيع أن تحلف أن زيداً قدم من سفره؟ أو في احتمال أن هذا الرجل شبه عليه، أو لبس عليه، أو أخطا في تقديره؛ فكيف إذا تعددت الوسائط، وكلهم ثقات، قال لك زيد: حدثني عمرو عن بكر عن خالد عن سعيد: أن محمداً حضر من سفره، يعني كل ما تقل الوسائط؛ يقل الاحتمال، لكن إذا كثرت الوسائط، ولو كانوا ثقات؛ ما من واحد منهم إلا ويحتمل أنه أخطأ، وإذا وجدت هذه الاحتمالات، وإن كان الاحتمالات ضعيفة؛ تنزل الخبر من كونه مقطوعاً به، مفيداً للعلم اليقيني مائة بالمائة إلى نسبة تتبع اتصاف هؤلاء الرواة بأعلى درجات الحفظ، والضبط، والإتقان، أو نزولهم عنها.(3/27)
فبعض الرواة تعطي خبره تسعة وتسعين بالمائة؛ يعني هل يستطيع شخص أن يقول: إن جميع ما نطق به مالك صحيح مائة بالمائة؟ نجم السنن؟ لا يستطيع أحد أن يقول ذلك، وحفظ عليه بعض المخالفات، وهو مالك، الزهري الذي نص العلماء عن أنه لم يوقف له على خطأ؛ هل هو معصوم؟ ليس بمعصوم، ومادام الاحتمال قائماً، وعلى الاصطلاح الذي جرى عليه أهل العلم في تعريف العلم، والظن، والشك، والوهم، لا نستطيع أن نقطع بما أخبر به زيد من الناس، ولو كان في أعلى درجات الثقة، ما حكم أهل العلم على مالك في أنه سمى ابن عثمان عمر، وعامة الأئمة على أنه عمرو، في أخطاء أخرى، وأوهام ثانية، ثم بعد ذلك نافع، ما رجح عليه رواية سالم في بعض الأحاديث، وأن سالم رفع الحديث، ونافع وقفه، والراجح قول سالم، أو العكس؟ وهؤلاء من أعلى درجات القبول، ابن عمر ما قال: اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، وردت عليه عائشة في البخاري؟ نقول: هذا احتمال، الأصل أن الراوي ثقة، عدل، ضابط، في أعلى درجات القبول، لكن ليس بمعصوم من الخطأ، والإمام أحمد يقول: "من يعرو من الخطأ والنسيان؟ ".
أقول: هذا الاحتمال، وإن كان ضعيفاً؛ في جانب ما يرويه الأئمة الحفاظ هذا ضعيف، لكن مع وجود هذا الاحتمال نستطيع أن نقول: إن مفاد خبر مالك مائة بالمائة، أو ننزله ولو درجة واحدة إلى تسعة وتسعين؟ ومادام هذا الاحتمال قائماً نقول: ينزل حديث مالك من مائة بالمائة إلى تسعة وتسعين، ثمانية وتسعين، سبعة وتسعين، بعض الرواة الثقات إلى تسعين، وبعضهم يكثر عنده المخالفات، ولا ينزله أهل العلم من درجة الثقة؛ يصل إلى تسعين، خمسة وثمانين؛ لأنهم عندهم اختبار ضبط الراوي بمقارنة ما يرويه مع ما يرويه الثقات، فإن كثرت مخالفته للثقات نزل:
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي(3/28)
هذه هي الكيفية، لكن عندهم –أيضاً- أهل الحديث ينظرون إلى الخطأ دون نظر إلى الصواب، ليس معنى هذا أن من يضبط ستين بالمائة من حديثه ويخطئ في أربعين؛ نقول: الحكم للغالب، لا؛ أهل الحديث عندهم شفافية في هذا الباب، يعني من أخطأ في سبع حديثه، يعني عنده .. يروي ألف حديث، أخطأ في مائة وخمسين؛ خطأه قليل، وإلا يسير؟ كثير، كثير جداً عندهم، وهذا مؤثر في الراوي، وإن ضبط ثمانمائة وخمسين حديث، لكن عندهم هذا كثير، وعلى هذا ينزل الراوي من كون خبره يفيد المائة بالمائة إلى نسبة هي تبعاً لما يتصف به من الضبط والإتقان، هذا ما يختاره جمع من أهل العلم وهو أن خبر الثقة، والخبر الصحيح في الأصل لا يفيد إلا الظن، لا يفيد القطع، ولا يفيد اليقين، ومنهم من يرى أنه يفيد اليقين مطلقاً، يفيد العلم "حسين الكرابيسي"، ومعه بعض أهل العلم، ومنهم من يتوسط، ويقول: إن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به قرينة، إذا احتفت به قرينة، فهذه القرينة التي احتفت بهذا الخبر تجعل في مقابل الاحتمال الضعيف الذي أوردناه، فيرتفع هذا الاحتمال، فيكون مفاد خبر هذا الراوي يقينياً قطعياً، يفيد العلم مائة بالمائة، ما يحتمل النقيض، هذه القرينة تكون في مقابل هذا الاحتمال، فيرتفع هذا الاحتمال، وممن صرح بأن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرينة شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وصرحوا بهذا في مواضع من كتبهم، والنقول والإحالات موجودة، وهؤلاء من أساطين أهل السنة، ولا يقال باللازم الذي التزمه المبتدعة، وخاف من أجله كثير من الغيورين على العقيدة، وعلى السنة من هذا اللازم؛ لأنهم قالوا: إن المبتدعة قالوا: إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، وبنوا على ذلك أن العقائد لا تبنى على أخبار الآحاد؛ لأنها لا بد لها من اليقين، نقول: العقائد، والأحكام، والفضائل كلها شرع، فلم يخالف في وجوب العمل بخبر الواحد في العقائد، والأحكام، والفضائل أحد ممن يعتد بقوله من أهل العلم، فلا نلتزم بما يلتزم به المبتدعة، لكن –أيضاً- ما نرتكب ما لا يمكن قبوله من أجل لازم، أو من أجل قول قيل به، نظير صنيع بعض أهل العلم الذين أفتوا بتحريم النقاب، بل بعضهم حكم على(3/29)
رواية: ((ولا تنتقب))، وهي في الصحيح أنها شاذة غير محفوظة ليش؟ لأنه يرى النساء تنتقب، وصار النقاب مثار فتنة، ويقول: يحرم النقاب، وهذه اللفظة شاذة، وليست بمحفوظة؛ لأنها تفيد أن المرأة في غير الإحرام تنتقب، وإذا انتقبت بالنقاب الذي نراه نعم؛ فتنتب الرجال؛ إذن المرأة لا تنتقب، وهذه اللفظة غير محفوظة، نقول: يا أخي اللفظة محفوظة، وتنتقب المرأة في غير الإحرام؛ لكن نحرر معنى النقاب، نحرر معنى النقاب، النقاب هو مجرد نقب يظهر سواد العين؛ لتبصر به المرأة طريقها، أما لو زاد على هذا .. ، لو زاد على هذا النقب -ولو مليم واحد من البشرة- صار سفوراً، ما صار نقاباً، فلا بد من تحرير المقام، تحرير المسألة، ولا ننجرف وراء لوازم ما لوازم، ثم نمنع شيئاً أباحه الله -جل وعلا-؛ لأنه يلزم عليه، إذن لو التزمنا بلوازم ما بقي عندنا شيء، ما من شيء إلا وعليه لوازم، فكوننا نقول إنَّ خبر الواحد يفيد اليقين؛ إيش معنى يقين؟ معنى يقين، وعلم أنك لا تتردد؛ يعني الخبر ثابت مائة بالمائة، يعني لو جاءك زيد ثقة من الناس عندك، وقال: إن محمداً قدم من سفره؛ لك أن تطلق زوجتك أن محمداً حضر؛ ليش؟ لأنه يقين، ولكن أن تحلف الأيمان المغلظة: أن محمداً حضر، على ضوء خبر هذا؛ فهل تستطيع أن تفعل هذا؟ مادام خبره مائة بالمائة؛ ما الذي يمنعك أن تفعل هذا؟ لكن تجد في نفسك أنه احتمال أن يكون أخطأ، وكم من واحد قال: والله جاء زيد، وصار ما جاء، وهو ثقة ضابط؛ لا سيما مع كثرة الوسائط، لما كثر الرواة ما من راو إلا ويحتمل أن يقع الخلل بسببه، ولذا يفضل أهل العلم العلو في الأسانيد على النزول؛ لأن العلو تقل فيه الوسائط، والنزول تكثر فيه الوسائط، فمادام اللازم الذي التزم به المبتدعة لا نلتزم به، فما المانع من أن نقول بعد أن نتفق على تعريف الظن؛ لأن الظن جاء في النصوص على أوجه، الظن جاء في النصوص على أوجه، يتدرج من كونه: أكذب الحديث، إلى كونه: لا يغني من الحق شيئاً، إلى: إن بعض الظن إثم، إلى أن يصل إلى درجة اليقين: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة]، لكن المسألة اصطلاحية، فإذا قررنا الاصطلاح، وبينا الاصطلاح،(3/30)
ومعنى الاصطلاح، وله أصل في الشرع هذا الاصطلاح يستند إلى قول في الشرع، واعتمده أهل العلم؛ ما المانع من القول به؟ واللوازم الباطلة التي يلتزم بها المبتدعة لا نلتزم بها، هم قالوا –أيضاً-: السنة؛ بعض المبتدعة قالوا: السنة كلها لا يحتج بها، في أي باب من أبواب الدين؛ هل نقول مثلاً أننا نثبت السنة بجميع ما جاء فيها، بجميع ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا نلتزم بما قاله هؤلاء؟ نثبت الثابت، وننفي ما لا يثبت، وتطرد قواعدنا، ولا عندنا إشكال في هذا.
من القرائن التي تجعل الخبر يفيد القطع، عند ابن الصلاح، وقال به جمع من أهل العلم: ما أسنده البخاري ومسلم في صحيحيهما، هذا يفيد القطع؛ لأن تخريج الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما قرينة، تكون في مقابل الاحتمال الذي أوردناه من خطأ الثقات الحفاظ، ولذا قال:
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .
لكن هذا القطع ومع اختيار ابن الصلاح له، وجمع من أهل العلم اختاروا أن أحاديث الصحيحين تفيد القطع؛ لأن هذه قرينة، ابن الصلاح ما يرى أن خبر الواحد يفيد القطع؛ لأنه قال قبل ذلك، الحافظ العراقي تبعاً له ...(3/31)
شرح ألفية الحافظ العراقي (4)
حكم الصحيحين والتعليق - نقل الحديث من الكتب المعتمدة - الحسن
الشيخ/عبد الكريم الخضير
أن أحاديث الصحيحين تفيد القطع لأن هذه قرينة، ابن الصلاح ما يرى أن خبر الواحد يفيد القطع؛ لأنه قال قبل ذلك الحافظ العراقي تبع له: "وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع"، هذا الأصل في خبر الواحد، لكن إذا احتفت به قرينة كوجوده في الصحيحين أو في أحدهما يعني لشدة تحري البخاري ومسلم وانتقاء البخاري ومسلم من أحاديث الرواة هذه قرينة، أيضا لتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول هذه قرينة تقوم في مقابل الاحتمال الذي أوردناه، لكن نأتي إلى أحاديث في الصحيحين أحاديث انتقدها الحفاظ ما تلقوها بالقبول، أعني كل الحفاظ ما تلقوها بمجموعها وإن كانت عند الأكثر مقبولة وانتقدها بعضهم كالدارقطني وغيره، ولذلك استثناها ابن الصلاح من القول بالقطع قال: سوى أحرف يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ، وهي مائتين وعشرة أحاديث، مائتين وعشرة أحاديث في البخاري ثمانية وسبعين، وفي مسلم مائة واشتركا في اثنين وثلاثين، هذه أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ كالدارقطني، وتولى العلماء الرد عليه، والغالب أن الحق والصواب مع الشيخين، ابن حجر تولى الرد على الدارقطني، فيما يتعلق بالبخاري، تولاه في مقدمة فتح الباري، وفي ثنايا شرحه، والنووي وغير النووي تولوا الرد على الدارقطني فيما يتعلق بمسلم تولوا هذا، ما تركوا والغالب أن الإصابة مع الشيخين وهناك أحاديث عسر الجواب عنها، وتلقي الأمة بالقبول لهذين الكتابين أكثر من مجرد كثرة الطرق، كما يقرره أهل العلم.
من الأحاديث التي لا تفيد القطع وهي في الصحيين الأحاديث المتعارضة، الأحاديث المتعارضة يعني البخاري يخرج الحديث على وجه ويخرج طريقاً ثانياً يعارضه، فهل يمكن أن يكون الخبر وما يعارضه كلاهما مفيد للقطع يمكن؟ ما يمكن فيستثنى مما يفيد القطع عند أهل العلم.(4/1)
على كل حال التطاول على الصحيحين سيما المبتدعة الذين يريدون هدم السنة؛ لأنه إذا سهل التطاول على الصحيحين سهل التطاول على بقية الكتب، ولذلك تجدون أكثر الهجمات على صحيح البخاري لماذا؟ لأننا إذا تطاولنا عليه سهل التطاول على غيره، هدم السنة سهل جداً إذا أزلنا الهيبة، هيبة صحيح البخاري وهيبة ما صح من سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في هذين الكتابين الذين هما أصح الكتب من السهل جداً أن ينسب حديث في المسند أو في سنن أبي داود أو في غيره، ولذا التطاول عليهما من سيما المبتدعة لا سيما من يتكلم فيهما بالهوى، أما من يتكلم بعلم ويأوي إلى علم كالدارقطني وقصده النصح لله ولرسوله هذا مأجور على كل حال سواء أصاب أم أخطأ، لكن الإشكال فيمن يدرس الصحيحين على طريقة المستشرقين للطعن فيهم، هذه طريق المنافقين أذيال المستشرقين فيدافع عن الصحيحين ومع المدافع الحق؛ لأن الأمة أطبقت على قبول ما في الصحيحين، هناك أحرف يسيرة فيها شيء من القلب أو فيها شيء من الوهم لبعض الرواة لكن لا يعني أن هذا مسوغ لكل من أراد أن يتكلم في الصحيحين، بعض الناس ليس لا في العير ولا في النفير، وليس لديه ما يؤهله لقراءة الصحيحين قراءة صحيحة ومع ذلك يهجم على الصحيحين ويردد كلام بعض المبتدعة الذين لا يرون العمل بالسنة، أو يوجد في السنة ما يرد بدعهم، يردد هذه البدع وهو لا يدري ما يترتب على هذا الترديد.(4/2)
على كل حال أهل السنة أهل إنصاف، ومقام الصحيحين معروف في الدين لكن لا يعني أنهما بمثابة القرآن، هناك أحرف يسيرة وجد في بعض الأحاديث القلب واستثناها أهل العلم من إفادة القطع، أما سائر ما في الصحيحين فهو على القبول حتى قال القائل: أنه لو حلف رجل بالطلاق أن جميع ما في الصحيحين صحيح ما بانت امرأته ولا طلقت؛ لأن الأمة تلقت الأحرف اليسيرة التي تكلم فيها بعض الحفاظ، ومع ذلك الحق مع الشيخين في كثير من هذه الأحاديث بقي أحاديث لم يستطع من أجاب عن الصحيحين الجواب عنها والجواب ممكن، يعني تركوا فرص لمن جاء بعدهم تركوا فرص لمن جاء بعدهم، فمثلاً حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله تتابع العلماء وهو في صحيح مسلم الذي منهم: ((ورجل تصدق بصدقة فأخافها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) والذي في الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه))، أطبقوا على أن هذا مقلوب والمقلوب من قسم الضعيف لكن يمكن الجواب عنه والجواب بسهولة، الجواب عن مثل هذا بسهولة ولا نقول مقلوب بل ماشي على الجادة، كيف وهو معارض للروايات الأخرى نقول: نعم الأصل أن ينفق باليمين، لكن قد يقتضيه ويضطره الإخلاص؛ لأن الحديث سيق لمدح إخفاء الصدقة الذي يدفع إليه الإخلاص قد يضطره الإخلاص أن ينفق بشماله بأن يكون السائل عن شماله وبحضرته أناس عن يمينه فيضطر أن يعطي السائل بشماله، أيضا قد يكون هذا مكثر من الصدقة، مكثر من الصدقة، وفي الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي على ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين بل أقول فيه هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه))، وما دام هذا قائم الحمد لله تنفق اليمين هذا هو الأصل والأخذ والإعطاء باليمين لكن قد يضطر الإنسان أن يتصرف بالشمال فالمقصود أن الباب مفتوح، وكم ترك الأول للآخر، ولا مطعن ولا مجال، والآن من المغرضين ممن يكتب في الصحف ويتحدث في وسائل الإعلام من يتفرغ لنقد الصحيحين لنقد الصحيحين، الأئمة مأجورون الذين لهم يد في هذا العلم وهدفهم الدفاع عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء مأجورون لو أخطؤوا مثل الدارقطني وغيره،(4/3)
لكن هؤلاء الذين هدفهم هدم السنة هؤلاء عليهم الوزر والإثم العظيم ولو أصابوا، ولو أصابوا.
وفرق كما ذكرنا مراراً، فرق بين من يكون من علماء المسلمين الذين شهد لهم بالعلم والفضل والخير والديانة بالمتانة، والاستقامة والصيانة وهدفهم الحق ويخطئون في بعض المسائل التي يترتب عليها بعض الآثار العملية ككشف الوجه بالنسبة للمرأة، يعني الألباني -رحمة الله عليه- حينما يبحث ويتوصل إلى أن الوجه ليس بعورة نقول هذا إمام وعرفت قدمه ورسوخه في الدين ودفاعه عن السنة ودفاعه عن محارم المسلمين وعن أعراض المسلمين هذا مأجور، وإن كان قوله مرجوحاً سيثبت له أجر الاجتهاد، لكن الذي يريد أن يستمتع بمحاسن محارم المسلمين، ويورد من الأدلة ما يورده الألباني وغيره نقول: ينطبق عليه قوله -جل وعلا-: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] التي جاءت مباشرة بعد قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} هؤلاء هم الذين يريدون إثارة الشبه والاستمتاع والتفكه في محارم المسلمين. ومن أوائل الأهداف الإبليسية قبل نزول آدم من السماء ما الذي حصل أغراه أن أكل من الشجرة ليبدي لهما ما ووري من سوأتهما، هذه من أهداف الشيطان، من أهداف إبليس وأتباع إبليس من المنافقين، لكن فرق بين من يبحث المسألة مريداً بذلك الحق، وبين من يبحثها مريداً بذلك الباطل، وهذا نظير مسألتنا الدارقطني حينما بحث في أحاديث في الصحيحين وتكلم فيها هل نتهم الدرقطني؟ إمام من أئمة المسلمين لا يستطيع أحد أن يتطاول عليه، وهدفه بذلك الحق والدفاع عن السنة، لكن يأتي من يتطاول ويقول: في البخاري خمسمائة حديث ضعيف، من أنت حتى تقول في البخاري خمسمائة حديث ضعيف والأمة كلها من يوم ألف الكتاب إلى يومنا هذا يضربون المثل في البخاري.
واقطع بصحة لما قد أسندا ... . . . . . . . . .(4/4)
تخريج الحديث في الصحيحين قرينة تدل على أن الحديث محفوظ ومضبوط، ولا يتطرق إليه احتمال الخطأ الذي أوردناه.
من القرائن التي أوردها أهل العلم ليفيد الخبر القطع من القرائن قالوا: أن يكون إسناده مشتملاً على الأئمة، مثل الحديث الذي أوردناه في أصح الأسانيد، حديث في المسند يرويه أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، مالك احتمال يخطأ، نافع احتمال يخطأ، فإذا أخطأ ابن عمر لا يوافقه نافع، وإن أخطأ نافع نبه على خطئه مالك، وإن أخطأ مالك ووافقهم على خطأهم لن يفلت هذا من الشافعي، وإن أفلت منه فلن يفلت من الإمام أحمد، يعني فلاتر تصفي مثل هذه الأمور، فإذا مر من هذا ما يمر من هذا، فكون الإسناد مشتمل على أئمة يستحيل أن يمر أن يفوت الخطأ والوهم على الجميع، فإن فات على واحد ما فات على الثاني، هذه قرينة تجعل الخبر يقيني، لا يحتمل النقيض.(4/5)
من القرائن قالوا: أن يكون الحديث مروي بطرق كثيرة متباينة سالمة من القوادح والعلل؛ لأنه إذا وجد الوهم في طريق لن يوجد في الطريق الثاني، وإن وجد في الثاني ما وجد في الثالث، هذه قرائن مما نص عليها في رفع إفادة خبر الواحد إلى اليقين. "واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له"، كذا له يعني لابن الصلاح "وقيل ظناً ولدى"، "وقيل ظناً" يعني حتى ما في الصحيحين لا يفيد إلا الظن، مع أن الأمة تلقت هذين الكتابين بالقبول ولكن عرفنا أن تخريج الحديث في الصحيحين قرينة تدل على أن هذا الخبر ضبط وأتقن وتقوم في مقابل الاحتمال الذي يورد بهذا الصدد لكن يبقي أن الأحاديث المتعارضة في معناها تستثنى من هذا، الأحاديث التي انتقدت من قبل بعض الحفاظ ولا يمكن الجواب عليها تستثنى من هذا، "وقيل ضناً ولدى محققيهم قد عزاه النووي" "ولدى محققيهم قد عزاه النووي" الإشكال أنه يحصل اختلاط في مثل هذه المسألة يتكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، يتكلم فيها ابن القيم، يتكلم فيها ابن رجب، ويشددون على المبتدعة لالتزامهم باللازم، وقد يكون المقام مقام رد على بعض المبتدعة ويخشى من الأثر المترتب على هذا القول، فيقال أن خبر الواحد يفيد العلم مطلقاً، كما يفهم من بعض المواضع في الصواعق لابن القيم، لكن المحرر عنده وعند شيخ الإسلام وعند ابن رجب أنها إذا احتفت بها قرينة أفادت العلم، ومفهوم هذا أنها إذا لم تحتف بها قرينة الاحتمال قائم، التصرفات ليس بمعصومين، ويبقى أنه في مقام في مقام مثل ما يحصل للأئمة في مقام الرد على المبتدعة لا يترك لهم فرصة أو مدخل يدخلون معه، لا يترك لهم فرصة، ففي الأصل إذا بحثنا المسألة نقول: إن الراوي قد يخطئ ويتفق على هذا أنه قد يخطئ، لكن إذا كنا في مقام رد على مبتدع لا نترك له فرصة، فمثلا إذا كنا في مجال الرد على المعتزلة الذين لا يقولون أو لا يقبلون خبر الواحد الثقة حتى يرد من أكثر من طريق، ويشترطون هذا لقبول الخبر وعمدتهم في هذا على ايش؟ حجتهم أن عمر -رضي الله تعالى عنه- رد خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، حجتهم حينما يحتجون بهذا ما مرادهم أو ما مغزاهم ومقصدهم من الاحتجاج بمثل هذا؟ مرادهم(4/6)
إبطال خبر الواحد ليتسنى لهم رد كثير من مسائل الاعتقاد التي لا يقولون بها فنقول: صنيع عمر احتياط وغيرة على السنة، ولا يعني أنه لا يقبل خبر الشخص بمفرده، بدليل أنه قبل خبر قبل أخبار كثيرة لكن لا يمنع أنه في وقت من الأوقات إذا خشي من تتابع الناس من الإكثار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتثبت ويش المانع؟ ولا يعني أنه يرد خبر أبي سعيد أو خبر فلان أوعلان، فمثل هذه الأمور وهي من الدقائق ينتبه لها، وسيأتينا في الخبر المعنعن مزيد بسط لهذه المسألة في كون البخاري يشترط اللقاء وهذا المعروف عنه، ومسلم يكتفي بالمعاصرة، وشنع مسلم في مقدمة الصحيح على من يشترط اللقاء، وحتى قال القائل: إنه يستحيل أن يقول البخاري بهذا القول مع تشنيع مسلم، ومسلم أعرف الناس بالبخاري، يستحيل أن يطلق مسلم هذه الألفاظ الشنيعة في البخاري إذن البخاري لا يقول بهذا القول، نقول: البخاري يقول بهذا القول، ومسلم لا يرد على البخاري، وإنما يرد على مبتدع يريد أن يوظف كلام الإمام البخاري في نصر بدعته ورد السنة، فإذا استغل القول قول إمام من الأئمة استغله مبتدع ورددنا على المبتدع فإننا لا نرد على الإمام الذي يريد أن يحتاط للسنة، كما إذا رددنا على أبي الحسين البصري أو أبا علي الجبائي أو غيرهم من المعتزلة في ردهم خبر الواحد، هل نحن نرد على عمر بن الخطاب نعم؟ لا نرد على عمر بن الخطاب، فتوضع النقاط على الحروف في مثل هذا، وإذا خشي من اللوازم القول لا سميا في مقام أو في مجال لا مانع من التشديد فيه وتنفى اللوازم مع كوننا لا نلتزم بها، وفي وقت السعة تبسط المسألة بذيولها، ولذلك تجد شيخ الإسلام أحياناً إذا تحمس للرد على أحد نسف القول بلوازمه، وإذا بحث المسألة بحث فيه شيء من السعة بسطها على أصولها.
"كذا له وقيل ظناً ولدى محققيهم قد عزاه النووي".(4/7)
قد يقول قائل: عندما يقول النووي المحققين وهو معروف في مسائل الاعتقاد عنده شيء من المخالفات فهو يرى مثل إمام الحرمين محقق عنده، الباقلاني محقق، من يشابهه في البدعة مع أنهم من أهل الرسوخ في العلم يدعي أنهم محققون، ونحن ننازعه في هذا التحقيق، لكن لا نرد القول بمجرد أنه جاء عن فلان أو عن فلان، الحق يقبل ممن جاء به ومسألة الوصف بالتحقيق في الغالب يوظفها الناقل لنصرة ما يذهب إليه، أنت الآن في المذهب معروف عن الإمام أحمد أنه يقول كذا، ثم تقف على قول يخالفه لشيخ الإسلام وابن القيم، وتقول أهل التحقيق على كذا يرى المحققون فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، طيب الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة ليسوا من أهل التحقيق، لكن هذه الكلمة في الغالب يوظفها قائلها لترجيح ما يذهب إليه، والنووي يقول عن المحققين هؤلاء وهو قول الجويني وقول أبي المعالي، الجوني وقول الغزالي في المنخول وقول الآمدي وقول .. ، لكن لا يمنع أن نقبل مثل هذا إذا كان حقاً، يعني في أصل خبر الواحد أنه لا يفيد إلا الظن لما ذكرنا، لكن إذا احتفت به قرينة ارتفع، ويش المانع ما فيه، لا يوجد ما يمنع على أن لا نلتزم باللوازم الباطلة، مثل ما نظرنا في المسائل السابقة، "ولدى محققيهم قد عزاه النووي وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِي" "بعض شيء" يعني شيء يسير، "روي مضعف"، "قد روي مضعف" بالرفع صفة لبعض، "بعض شيء مضعف"، وبالنصب أيضاً وهو موجود في بعض النسخ الموثقة وبالنصب حال، حال كونه مضعفاً مثل ممرضاً في البيت الذي يليه "وَفي الصَّحِيْحِ بَعْضُ شَيءٍ قَدْ رُوِيْ مُضَعَّفاً وَلَهُمَا بِلا سَنَدْ" يعني هذا الكلام فيما أسنداه من الأحاديث الأصول التي اعتمدوا عليها ولهما بلا سند، يوجد أحاديث في الصحيحين بدون أسانيد، أو أسانيد ناقصة، "ولهما بلا سند أشياء" أما بالنسبة لصحيح مسلم ففيه أربعة عشر حديث من هذا النوع أسانديها غير متصلة، أربعة عشر حديث، ثلاثة عشر حديثاً موصولة في الصحيح نفسه، يورد الحديث بالسند المتصل، ويورده مرة ثانية بدون اتصال، هذه الثلاثة عشر حديث محل بحث وهي موصولة في الصحيح نفسه ليست محل بحث، الحديث الرابع عشر ما وصل في الصحيح(4/8)
نفسه، موصول في صحيح البخاري، موصول في صحيح البخاري، هل نحتاج إلى بحث في معلقات مسلم أو الأحاديث المقطوعة في صحيح مسلم، المنقطعة؟ نحتاج إلى بحثها؟ في صحيح مسلم ما دام كلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحد وهو موصول في البخاري، إذاً لا نحتاج أن نبحث في هذه الأحاديث التي في أسانيدها شيء من الانقطاع في صحيح مسلم.(4/9)
انتهينا من مسلم بقي عندنا البخاري، "ولهما بلا سند أشياء" والكلام كله ينصَّب على البخاري؛ لأن مسلم خرج الآن من موضوع البحث، خرج عن دائرة البحث؛ لأن كل ما فيه من هذا النوع موصول، إذا ً لا نبحث فيه، يبقى ما في البخاري من هذا النوع وهو كثير، ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، هذه تحتاج إلى بحث، كلها موصولة في الصحيح نفسه باستثناء مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين، كما قرر ذلك ابن حجر -رحمه الله- تعالى، فالغالب يحتاج إلى بحث وهو موصول في الصحيح نفسه، ما الذي يحتاج للبحث من ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين؟ المائة والستين أو مائة وتسعة وخمسين، هذه التي تحتاج إلى بحث، وما عداها لا يحتاج إلى بحث؛ لأنه موصول في الصحيح، هذه لا تخلو إما أن تورد بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، ولذا قال: "ولهما بلا سند أشياء، فإن يجزم فصحح"، "إن يجزم" يعني جاء بصيغة الجزم، قال فلان، ذكر فلان، روى فلان، هذا صحح، "أو ورد ممرضاً" يذكر يروى يقال "فلا" يعني فلا تصحح، يبقى أنه إن جزم فقد ضمن لك من انحذف، ضمن لك من انحذف، اجزم بصحته إلى من ذكره، ثم بعد ذلك من ذكره هل هو محل ثقة وعلى شرط البخاري أو موثق عند غيره، ومن روى عنه هذا المجزوم بالخبر إليه شيخه وشيخ شيخه، هؤلاء يحتاجون إلى نظر، وكثير منهم إذا جزم على شرطه، وكثير منهم صحيح على شرط غيره، يعني قد يكون من جزم بهم لا يكون على شرطه لكن على شرط مسلم خرج له مسلم، وقد يكونون من الثقات الذين لم يخرج لهم في الصحيحين، وقد يكونون من رواة الحسن، لكن المجزوم به أنه ثابت إلى من جزم به البخاري إليه، وينظر في بقية من أُبرز من رجال السند، ولذا يقول: "فإن يجزم فصحح"، مقتضى قوله: "فصحح" أنه إذا ورد الخبر بصيغة الجزم فهو صحيح، لكن الذي حققه ابن حجر أنه لا يلزم من ذلك الصحة، نعم يلزم بذلك الصحة إلى من جزم به إليه، ويبقى النظر في من أبرز من رجال الإسناد، وحقق ابن حجر أن فيهم من يتقاصر عن شرطه، من يتقاصر عن شرطه، وعلى كل حال إذا جزم فالذي يغلب على جميع ما جزم به البخاري الصحة، ولا ينزل عن درجة الحسن، لم يجزم البخاري بحديث ضعيف "أو ورد ممرضاً فلا"، يعني لا(4/10)
تجزم بصحته، ولا تصححه ابتداء مع أنه أورد بعض الأسانيد ممرضة، قيل ويذكر، فيما وصله في صحيحه هو، يعني صيغة التمريض ليست مضطرة، الحكم فيها ليس بمضطرد، فقد يورد بصيغة التمريض ما وصله في صحيحه بناء على خلل في الإسناد الذي أبرزه، خلل في الإسناد الذي أبرزه، أو لاختلاف في كلمة في متنه، المقصود أنه لا بد من نكتة عدل فيها الإمام البخاري من الجزم إلى صيغة التمريض، وعلى كل حال الأحاديث التي أوردها من المعلقات بصيغة التمريض منها ما هو صحيح على شرطه ومنها ما وصله في صحيحه ومنها ما هو صحيح على شرط غيره، ومنها ما هو في صحيح مسلم، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف وضعفه محتمل قريب، وما ضعفه شديد يبينه، ويذكر عن أبي هريرة: ((لا يتطوع الإمام في مكانه)) ولم يصح، يبين ما ضعفه شديد رحمه الله تعالى.
أو ورد مُمَرَّضاً فَلا، وَلكِنْ يُشْعِرُ ... بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ (يُذْكَرُ)
يعني ذكر الخبر في كتاب التزمت صحته، لا شك أنه يشعر بأن له أصل، يركن إليه ويؤنس به "وَلكِنْ يُشْعِرُ بِصِحَّةِ الأصْلِ لَهُ كَـ يُذْكَرُ" ثم عرف التعليق بقوله: ـ
وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الإسناد حُذِفْ ... مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ(4/11)
"وَإنْ يَكُنْ أوَّلُ الإسناد حُذِفْ مَعْ صِيغَةِ الجَزْم فَتَعليْقاً عُرِفْ" التعليق ما ذكره هنا وهو مأخوذ كما يقول ابن الصلاح من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق، من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق، واستبعد الحافظ ابن حجر أخذه من تعليق الجدار، والبلقيني عكس، استبعد أخذه من تعليق الطلاق، وابن الصلاح جمع بينهما من تعليق الجدار أو من تعليق الطلاق ورجح ابن حجر أن يكون من تعليق الطلاق لا من تعليق الجدار وعكس السراج البلقيني فقال: إنه من تعليق الطلاق لا من تعليق الجدار، لكن ما معنى تعليق الطلاق وما معنى تعليق الجدار؟ الأصل في المعلق أن يكون بحيث لا يصل إلى شيء يستند إليه، مثلاً الجسر هذا، نقول جسر معلق لأنه لا يصل إلى الأرض، نعم ما يرفع على شيء مرتفع بحيث لا يصل إلى الأرض نقول هذا معلق على كذا، الثوب معلق على الجدار لكن ما معنى تعليق الجدار؟ هم ما عندهم جسور، نعم، ما عندهم كأنه يرمي إلى التعليق على الجدار، تعليق الشيء على الجدار، وأما تعليق الطلاق، تعليق الطلاق المعروف تعليقه على شرط أو على وصف، إن تحقق وقع إن خرجتِ ... ، هذا التعليق اللغوي هذا هو، ولا يعرف غير هذ لكنني لا أرى هذا ولا هذا كأن ابن الصلاح يريد تعليق المرأة ايش معنى تعليق المرأة؟ لا يبت بطلاقها ولا يضمها إليه بإحسان، لا يمسكها بإحسان ولا يسرحها، {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [(129) سورة النساء] كأنها شيء لا مسكينة وقعت على الأرض لترتاح ولا انحملت على ما حملت عليه، يعني من تعليق المرأة والآية نص في هذا، وأيضاً في حديث أم زرع قالت: "إن أسكت أعلق وإن أنطق أطلق"، فالمراد به تعليق المرأة لا تعليق الطلاق، كأنه أُخذ من هذا، والمراد به تعليق الشيء بحيث لا يصل إلى ما يستقر عليه، "وإن يكن أول الإسناد حذف مع صيغة الجزم"؛ فالمعلق ما حذف من مبادئ إسناده من جهة المصنف راو أو أكثر من راو، فيحذف المصنف شيخه أو يحذف الشيخ مع شيخه أو مع الشيخ الثالث أو الرابع ولو إلى آخره ولو إلى آخر الإسناد، بأن يقول المصنف: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيحذف جميع الإسناد، هذا تعليق، وإن نازع بعضهم في تسمية(4/12)
هذا تعليقاً كالمزي في الأطراف لم يدخل هذا النوع في التعاليق، لم يدخله في التعاليق ما حذف فيه جميع الإسناد ولو إلى آخره، قد يقتصر يحذف جميع الإسناد وينسب الخبر إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وقد يذكر معه الصحابي قال أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه"، وقد يذكر التابعي مع الصحابي، وقد يذكر الراوي عن التابعي إلى أن يصل إلى شيخه فيحذفه كل هذا تعليق فالتعليق له صور: ما حذف منه الشيخ فقط، أو مع شيخه، أو مع شيخ شيخه إلى أن يحذف إلى آخر الإسناد، ولذا قال: "ولو إلى آخره"، لكن بقي معنا: "مع صيغة الجزم" أحياناً يذكر البخاري القول غير منسوب إلى قائل، ينسب الفعل إلى فاعله من غير نسبته إلى قائله، كانت أم الدر داء تجلس في الصلاة جلسة الرجل وكانت فقيهة، ما قال: قال مكحول كانت أم الدرداء، فما نسب القول إلى قائله، وإنما نسب الفعل إلى فعاله مباشرة، هذا معلق داخل في قوله: "ولو إلى آخره"؛ لأن الفعل مثل القول، وإن نازع المزي في مثل هذا.(4/13)
بقي معنا "مع صيغة الجزم": يعني ما يذكر عن الشيوخ، عن شيخ الشيخ مع حذف الشيخ أو حذف شيخه بصيغة التمريض، مثلاً: يذكر عن معاذ كذا، أو يذكر عن طاووس عن معاذ، هل هذا تعليق ولا لا؟ يروى عن أبي هريرة تعليق ولا لا؟ مقتضى قوله أنه ليس بتعليق، أنه ليس بتعليق، وتبع فيه هذا ابن الصلاح لكن كلامه الأول "فَإنْ يَجْزِمْ فَصَحِّحْ، أو وَرَدْ مُمَرَّضاً"، هو يتكلم على المنقطع عموماً في الكلام الأول وإن كان يشعر بأنه يريد المعلقات؛ لأنه قال: "فإن يجزم" كيف يجزم في سند منقطع، وإذا روى عن شيخه حدثنا محمد بن بشار ثم يسقط من بعده ويطلع إلى شيخ الشيخ أو شيخ شيخه يسقط راوي، كيف نقول أنه جزم به أو لم يجزم؟ إنما الجزم والتمريض في المعلقات، هذا المعروف من خلال النظر في الصحيح، وقال: "فإن يجزم فصحح أو ورد ممرضاً"، وهو أيضاً موجود عند ابن الصلاح، فكيف يقول في تعريف المعلق "مع صيغة الجزم"؟ معناه أن ما يورد من المعلقات بصيغة التمريض لا يسمى معلقاً، لا يسمى معلقاً عند ابن الصلاح ومشى عليه في النظم لكن الصحيح أنه معلق مشى عليه، والنووي تبعهم، لكنه في رياض الصالحين في رياض الصالحين خرج حديث: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وقال: أخرجه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه تعليقاً، وقد علقه مسلم في مقدمة الصحيح بصيغة التمريض، فدل على أن ما يعلق بصيغة التمريض يسمى معلقاً، ولا فرق بين صيغة الجزم ولا صيغة التمريض من حيث التسمية، أما من حيث الحكم فقد تقدم ما فيها "فتعليقاً عرف"، وتعليقاً منصوب على ايش؟ إما على نزع الخافض، عرف بالتعليق هذا الأصل، أو يكون مفعول مقدم بعد أن يضمن عرف بسمي نعم، أو يضمن عرف بسمي ويكون مفعول مقدم.
ولو إلى أخره، أمَّا الَّذِي لِشَيْخِهِ عَزَا بـ (قالَ) فَكَذِي
عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ ... لا تُصْغِ (لاِبْنِ حَزْمٍ) المُخَالِفِ(4/14)
"أما الذي لشيخه" أما الخبر الذي عزاه المؤلف وهو يقصد بهذا البخاري لشيخه بقال، كثيراً ما يروي البخاري عن شيوخه بصيغة التحديث حدثنا فلان، وأحياناً يقول: قال فلان وهو شيخه لقيه، وأخذ عنه أحاديث وحدث عنه بالصيغة الصريحة، لكن أحياناً يقول: قال فلان، خبر المعازف قال: قال هشام بن عمار، قال الإمام البخاري قال: هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد عن يزيد بن جابر قال حدثني أبو مالك أو أبو عامر الأشعري؟ قال: ((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير ... )) إلى آخره، هشام بن عمار من شيوخ البخاري وحدث عنه بأحاديث بصيغة التحديث أربعة أو خمسة، فكونه عدل عن التحديث إلى القول جعل بعض العلماء يقول: إن هذا الحديث لم يسمعه البخاري من هشام بن عمار، إنما سمعه بواسطة، ثم علقه عن هشام بن عمار بصيغة الجزم، بصيغة الجزم، وصنيع المزي على هذا، حيث علم على هذا الحديث في تحفة الأشراف بعلامة التعليل خاء - تاء، فيميل إلى أنه معلق ونصره ابن حجر، والسخاوي مشى على هذا أنه معلق؛ لأنه لو كان أخذه له مباشرة من غير واسطة لقال: حدثنا كالجادة، والأكثر على أنه متصل، والأكثر على أنه متصل، وهو الذي نصره المؤلف، "أما الذي لشيخه عزاء بقال فكذي عنعنة" يعني غاية ما يقال في قال أنها مثل عن فلان، وهي محمولة على الاتصال بالشرطين
وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
يعني غاية ما يقال في قال إنها مثل عن، محكوم لها بالاتصال بالشرطين المعروفين، أن يسلم الراوي من التدليس، وأن يثبت اللقاء، وقد ثبت لقاء الإمام البخاري هشام بن عمار، والإمام البخاري كما يقول ابن القيم أبعد خلق الله عن التدليس، ولو قال ابن القيم من أبعد خلق الله، بل قال: أبعد خلق الله عن التدليس، فتوافر الشرطان، إذن الخبر متصل، وحكم قال مثل العنعنة، "فكذي عنعنة كخبر المعازف" الذي سقناه ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... )) إلى آخر الحديث، فدل على أن المعازف حرام، والاستحلال إنما يكون للحرام.(4/15)
"لا تصغ لابن حزم المخالف" المخالف في هذه المسألة الذي يبيح المعازف، يبيح الغناء فضعف الخبر، وضعف جميع ما جاء في المعازف، بل حكم عليها كلها بالبطلان والوضع، ولذا قال الناظم: "لا تصغ لابن حزم المخالف"، هنا قال: "لا تصغ" بفتح التاء والغين كم في سائر النسخ أي تمل كما في الأصل، ومنه قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى} [(113) سورة الأنعام] ولتصغى صغى يصغى، النهي هل هو من صغوت؟ أو أصيغت؟ من الثلاثي أو من الرباعي؟، الأصل فيه الرباعي، ولذا يظم حرف المضارع، "لا تُصغ لابن حزم المخالف".(4/16)
قول ابن القيم أن الإمام البخاري أبعد خلق الله عن التدليس يرد عليه ما قاله صاحب الخلاصة في ترجمة الذهلي محمد بن يحي شيخ الإمام البخاري روى عنه أحاديث لكنه لم يصرح باسمه الكامل، أحياناً يذكره مهملاً حدثنا محمد، وأحياناً ينسبه إلى جده، وأحياناً ينسبه إلى جد أبيه، ولم يصرح باسمه الكاشف له ولا في موضع واحد، ولذا يقول صاحب الخلاصة في ترجمته: خرج له الإمام البخاري ويدلسه، ويدلسه، الذهلي قوله في مسألة اللفظ بالقرآن معروف، واختلف مع الإمام البخاري، واشتد الخلاف بينهما، والذهلي إمام حافظ ثقة لا تفوت أحاديثه بسبب خلاف في مسألة، فروى عنه الإمام البخاري، وخرج أحاديث من طريقه إنصافاً منه وحرصاً على السنة، وخشية من ضياع ما جاء من طريقه إلا أنه خشي أن يصرح باسمه فيظن أنه يوافقه، فيظن أنه يوافقه، وهذا مسلك سليم يسلكه أهل العلم، تجد فائدة مثلاً في تفسير الكشاف، أو في تفسير الزمخشري، تجد فائدة يعظ عليها بالنواجذ من استنباطهم، وليس كل ما يقوله أهل البدع كله باطل، لكن عندهم باطل، وأحياناً يوجد عندهم بعض الفوائد، وقف مثلاً شخص على فائدة، ابن كثير نقل عن الزمخشري ونقل عن الرازي ونقل عن المبتدعة، لكن خشية أن يفتتن السامع لوجود مثل هذه الفائدة وهذه الطريفة في هذا الكتاب الذي ضرره على المبتدأ بالغ فيدلس مثل هذا، تقول: ذكر بعض المفسرين؛ لأنك لو تقول ذكر الزمخشري وفائدة تعجب الحاضرين كل الطلاب ذهبوا ليرجعوا إلى الزمخشري ويتضررون بمطالعته، أو تقول: ذكر الرازي في كلام يعجب الطلاب لا شك أن الطلاب يبي يراجعون الرازي؛ لأن فيه فوائد شيخهم الموثوق عندهم محل الثقة عندهم الذين يقتدون به يراجع الرازي، إذاً لماذا لا نراجع الرازي، فتدليسه في مثل هذا الموضع وعدم ذكره فيه فائدة، فعدم الذكر فيه مصلحة، وأحياناً يطوى اسم صاحب الكتاب ليروج الكتاب، فمثلاً شارح الطحاوية ينقل كثيراً عن شيخ الإسلام، وعن ابن القيم، وعن أهل التحقيق، ثم لا يذكر أسمائهم، يقول: قال بعضهم يبهمهم، لماذا؟ لكي يروج الكتاب؛ لأنه عاش في وقت لو صرح باسم شيخ الإسلام ما راج الكتاب، وأحياناً يروج الكتاب بالذكر، بذكر من لا يرتضى ذكره، لا سيما إذا(4/17)
كانت بدعته مخففة من وجهة نظر المؤلف، وكتب الشوكاني والصنعاني مملؤة بذكر أسماء الزيدية والهادوية وغيرهم من أهل المخالفة من أجل أن يروج الكتاب، غالب سكان اليمن في وقتهم هادوية، فلو لم يذكر آراء الهادوية ما راجت الكتب، ومن باب المصلحة ذكر هذا ويحذف غيره للمصلحة، لكن هناك أمور لا يمكن قبولها، ترويج الكتاب ببدعة كبرى هذا لا يقبل، لا يقبل ترويج الكتاب بذكر بدعة كبرى كما فعل الفيروز آبادي شارح القاموس، شرح البخاري وأودع فيه كتب ابن عربي من القول بوحدة الوجود لماذا؟ لأن هذه المقالة راجت في اليمن في وقت الفيروزي آبادي فأراد أن يروج كتابه بذكر أقوال ابن عربي، هل مثل هذا ترتكب هذه المفسدة العظماء من أجل أن ينتفع الناس بالكتاب، لكن من فضل الله -جل وعلا- أن الكتاب من غلاف المجلد الأول إلى غلاف المجلد الأخير أكلته الأرضة ما بقي منه ولا ورقة والحمد لله على ذلك؛ فالعلماء والذي جرنا إلى هذا الكلام كون البخاري لم يصرح باسم الذهلي لا لأنه مدلس؛ بل لمصلحة رآها وهي أنه لو صرح باسمه لظن من يظن أن الذهلي أن الإمام البخاري يوافق الذهلي في جميع ما يقول؛ لأنه معجب به ويروي عنه؛ لأن أفهام الناس قد تتقاصر عن فهم المراد، وذكرنا لهذا نظائر. "لا تصغ لابن حزم المخالف" وابن حزم خالف في مسائل الغناء والمعازف ومسائل كثيرة، والإشكال أن قول ابن حزم هذا الذي هذا القول الضعيف المرذول المهجور المخالف للسنن الصحيحة المروج لهذا الغناء الذي هو مزامير الشيطان، والصاد عن ذكر الله، الآن وصل إلى بيوت المسلمين في قعرها يسمعه كبير السن، يسمعه الطفل، يسمعه الخير، يسمعه الفاسق، يسمعه كل أحد،(4/18)
ومن عوام الناس من لا يقرأ، ولا يكتب؛ تسمع النغمات الموسيقية في جواله، وإذا قلت له: هذه موسيقى، واللجنة الدائمة أفتوا بتحريمها، وأنه يجب تغييرها، يقول لك: ابن حزم إمام، الموسيقى جائزة عنده، والمعازف جائزة، طيب متى اطلعت على رأي ابن حزم؟ تريد أن تكون حزمي تأخذ بجميع ما يقول، تعال؛ خذ قوله بالموسيقى، لكن ما رأيك لو جاء ولدك، وأعطاك كف، ضربك؛ يعني على طرداً لقول ابن حزم ما فيه شيء، لكن لا يقول: أف، ترضى بمثل هذا أن تقتدي به؟ لو بال شخص في إناء، وصبه على الماء ما يتأثر، لكن لو بال على الماء مباشرة، تقبل أن يكون هذا قدوتك؟ أو تريد ما تهواه، وتشتهيه، وتترك ما لا تريد؛ صار الدين بالهوى، ما صار عبودية، وما صار هواك تبع لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا خطر على الديانة، إذا فتحت مثل هذه الأبواب؛ ما يبقى شيء، إذا أُسمع، أو أُطلع عوام المسلمين على شواذ الأقوال ما يبقى شيء؛ لأن عقولهم ما تحتمل مثل هذه الأمور.
سم.
نقل الحديث من الكتب المعتمدة:
وأخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... سوى مرويه إجماع(4/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: نقل الحديث من الكتب المعتمدة، وارتباط هذه المسألة بالتعليق ظاهر؛ لأنك إذا اعتمدت على كتاب غير موثق، وغير مقابل فكأنك اعتمدت على راو وجوده مثل عدمه، وإذا عملت، أو احتججت بحديث مأخوذ من كتاب غير مقابل، أو ليست لك به رواية؛ فكأنك احتججت بخبر لا صلة لك به؛ لا سند يصلك به إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو إلى أول من يوجد من رواته، ففيها شبه من التعليق، ولذا قال: "أخذ متن من كتاب لعمل" يعني تأتي إلى كتاب من الكتب؛ صحيح البخاري مثلاً، وجدت نسخة تباع مخطوطة -هذا الأصل في وقتهم-، أو مطبوعة في مطبعة ما عرفت بالتحري، والضبط، والإتقان، ومقابلة نسخ، وعناية؛ تأخذ أدنى نسخة من الكتاب وتعتمد عليها؛ لا، لا بد أن تعتني بكتبك، بالكتب المقابلة على الأصول، الكتب المحققة، الكتب الذي يعتني طابعوها بما يطبعون، ومع الأسف أن مكتبات المسلمين الآن مملوءة بطبعات مصحفة، ومحرفة، والإقبال عليها من الشباب لعدم خبرتهم، وعدم علمهم، أو لرخص أقيامها كثير، لكن على طالب العلم أن يعنى بكتابه، ولذا يقول:
وأخذ متن من كتاب لعمل ... أو احتجاج. . . . . . . . .
يعني تأخذ متناً، حديثاً من كتاب لتعمل به من نسخة غير موثوقة أو تحتج به لتأييد رأيك في مسألة "حيث ساغ" لكونك من أهل النظر في النصوص؛ لأنه لا يسوغ الاحتجاج بالأحاديث إلا لأهل النظر؛ لأنهم هم الذين يفهمون معاني النصوص.
. . . . . . . . . ... أو احتجاج حيث ساغ قد جعل
"قد جعل" جعل هذا فعل لواحد، والفاعل مستور:
حيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يريد بلك ابن الصلاح "قد جعل"
عرضاً له على أصول يشترط ... . . . . . . . . .
عرضاً له على أصول يشترط، لا بد من مقابلة نسختك التي تريد أن تعمل بما فيها، أو تحتج بما فيها على أصول، ولا يكفي أصل واحد على رأي ابن الصلاح.
عرضاً له على أصول يشترط ... . . . . . . . . .
شرط، أصول، وعلى هذا إذا وجد كتاب نفيس ليست له إلا نسخة واحدة في العالم؛ يحقق، ويخرج، وينشر بين الناس، أو ينتظر إلى أن يوجد له أصول أخرى؟ على رأي ابن الصلاح؛ ينتظر فيه حتى يوجد أصول أخرى.(4/20)
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
يكفي واحد؛ إذا كان هذا الأصل موثق، ومقروء من قبل الأئمة، ومقابل على أصوله يكفي "وقال يحيى النووي: أصل فقط" وهذا شرط عند ابن الصلاح لكنه على ما سيأتي في اختلاف نسخ الترمذي، نسخ الترمذي كثيرة، فالكتاب انتشر في شرق الأرض، وغربها، ونسخت منه ألوف مؤلفة من النسخ، وهذه النسخ تختلف في أحكام الترمذي على الأحاديث، أحياناً تجد فيها حديث صحيح، وأحياناً تجد حسن، وأحياناً يقول: حسن صحيح، والأحكام متباينة، فقال ابن الصلاح: ينبغي أن تصحح أصلك من كتاب الترمذي على أصول، فقوله: "ينبغي" ينبغي توافق قوله يشترط، أو أن ينبغي استحباب، ويشترط وجوب؟ نعم؛ فيه اختلاف؟ لكن أهل العلم يطلقون ينبغي فيما يجب، ولا ينبغي فيما لا يجب، فيما يحرم، مثل ما مر علينا في كلام مالك كثيراً، وأيضاً في كلام أحمد يتورعون عن اللفظ الصحيح، ومن ذلك حديث: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد))، كما جاء في بعض الأحاديث، وفي بعضها: ((لا تحل)).
عرضاً له على أصول يشترط ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
ولا شك أن المسألة مسألة طمأنينة، فإذا وجدت الطمأنينة، قرئ الكتاب الذي ليس له إلا أصل واحد، ووجد عليه مقابلة، وعناية بخطوط أئمة، وتعليقات، وتداوله الأئمة، والعلماء؛ يكفي الأصل الواحد.
قلت: ولابن خير امتناع ... . . . . . . . . .
"ابن خير" الأموي، الأموي بفتح الهمزة؛ نسبة إلى بلد بالأندلس اسمه "أمو"، وليس نسبة إلى أمية.
"ابن خير" هذا له برنامج، له فهرست، اعتنى فيه بالروايات، وكتبه كلها مروية بالأسانيد عن مؤلفيها، وله عناية فائقة بهذا، ولذا تغالى الناس في كتبه لما مات، اشتريت بأضعاف أضعاف قيمتها، وإذا كان بهذه المثابة فكتبه لا شك أنها تستحق هذه العناية "قلت" وهذا مما زاده الناظم على ابن الصلاح: "قلت: ولابن خير" الأموي في فهرسته في أوائلها ..
. . . . . . . . . امتناع جزم ... سوى مرويه إجماع
هذا الكلام من ابن خير من معاناة، يعني اعتنى بالرواية، اعتنى بالرواية، واتصال الأسانيد، وما في كتاب إلا ورواه عن شيوخه الذين زادوا عن مائة، وأثبت ذلك في برنامجه الشهير، لكن كلامه خطير، يقول:(4/21)
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... . . . . . . . . .
وفي بعض النسخ:
. . . . . . . . . نقل ... سوى مرويه إجماع
يعني أنت ما لك رواية في صحيح البخاري، ما لك سند متصل إلى البخاري، ما لك سند متصل منك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بحديث: ((الأعمال بالنيات))؟ لا، يمتنع أن تجزم بهذا الخبر، ويمتنع عليك أن تنقل هذا الخبر، أو تحتج بهذا الخبر، أو تستدل به:
قلت: ولابن خير امتناع جزم ... جزم سوى مرويه إجماع
ينقل الإجماع على هذا، ينقل الإجماع على هذا، فهذا يبين لنا أهمية الأسانيد واتصال الأسانيد، لكن إذا نظرنا إلى هذه الأسانيد من حيث الواقع العملي؛ هل لها هذا القيمة التي ذكرها ابن خير؟ ما الذي يستفيد حديث: ((الأعمال بالنيات))، نعم سواءٌ رويته بإسنادي، أو لم يتصل إسنادي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- به، وهو موجود في دواوين الإسلام وجوداً قطعياً ملزماً، اتفقت الأمة على صحته؛ هل يتضرر هذا الحديث بكوني لا أرويه بإسنادي؟ أو يستفيد بكوني أرويه بإسناد متصل؟ لا يستفيد، ولا يتضرر، لا يتقوى، ولا يضعف، فوجودي، وإسنادي مثل عدمي، وهو يقول:
. . . . . . . . . ولابن خير امتناع جزم ... جزم سوى مرويه إجماع(4/22)
والإشكال في نقل الإجماع، لو كان رأيه ما في إشكال؛ لأن الذي يتعب على الشيء يريد من الناس كلهم أن يكونوا مثله، لو كان هذا رأيه سهل، لكن ينقل عليه الإجماع، والذي في الأوسط لابن برهان، الاتفاق على خلاف ما ذكره، يقول: الفقهاء كافة كلهم على أن لك أن تعمل بالحديث، وتستدل بالحديث، وتنقل الحديث من الدواوين المعتبرة من دواوين الإسلام المعروفة، وهذا هو الذي عليه العمل، الناس كلهم، كل الناس عندهم أسانيد تربطهم بالأئمة، جل الناس على خلاف هذا، ندرة من الناس يعتنون بالأسانيد، وبقية الناس بما في ذلك جمع من أهل العلم ليست عندهم أسانيد؛ فهل معنى هذا أننا لا نستدل، ولا نعمل، ولا نجزم بصحة حديث؛ سواءً كان في البخاري، أو في مسلم، أو فيهما معاً، أو في المسانيد، أو في السنن إلا إذا كان إسنادنا متصلاً إلى هذه الكتب؟ كلام ابن برهان يقول: الفقهاء كافة على أن لك أن تنقل، وتحتج، وتعمل، وتستدل بما في الكتب المعتبرة الثابت نسبتها إلى مؤلفيها، ولو لم يكن لك بها إسناد، وهذا هو المرجح، والغريب أن ينقل الاتفاق على طرفي المسألة، القولين المتناقضين، يعني مثل ما نقل عن قضاء الصلاة الفائتة عمداً، يعني تعمد شخص بترك الصلاة إلى أن خرج وقتها؛ هل يلزمه قضاء هذه الصلاة، أو لا يلزمه؟ ابن حزم نقل الإجماع على أنه لا يقضي هذه الصلاة، ونُقل الإجماع على خلافه، الإجماع على أن هذه الصلاة تقضى؛ لأنه إذا ألزم بالقضاء مع العذر؛ فلأن يلزم بالقضاء مع غيره من باب أولى، وهذا قول عامة أهل العلم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
القسم الثاني: الحسن:
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
حمد وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راو ما اتهم
بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد
وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه وما بكل ذا حد حصل
وقال: بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر(4/23)
قسماً وزاد كونه ما عللا ... ولا بنكر أو شذوذ شملا
والفقهاء كلهم يستعمله ... والعلماء الجل منهم يقبله
وهو بأقسام الصحيح ملحق ... حجية وإن يكن لا يلحق
فإن يقل: يحتج بالضعيف ... فقل: إذا كان من الموصوف
رواته بسوء حفظ يجبر ... بكونه من غير وجه يذكر
وإن يكن لكذب أو شذا ... أو قوي الضعف فلم يجبر ذا
ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا
والحسن: المشهور بالعدالة ... والصدق راويه، إذا أتى له
طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن لولا أن أشق
إذ تابعوا محمد بن عمرو ... عليه فارتقى الصحيح يجري
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "القسم الثاني: الحسن" الحسن: من الحُسن ضد القبح، من الحسن ضد القبح، فإذا كان الكذب قبيحاً، فإن الصدق حسن، قد يقول قائل: إن الصحيح أولى بهذه التسمية من الحسن، لكن إذا قلنا: إن هذا القسم حسن، فلنقل في ذاك أحسن، إذا قلنا في هذا القسم: حسن، فهناك ما هو أقوى من هذه اللفظة للصحيح، فهو أحسن، والكذب قبيح يقابل الحسن، الحسن لما كان في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف بحيث لا يمكن ضبط هذا التوسط؛ اختلف العلماء في تعريفه اختلافاً كبيراً؛ لاختلاف تقديرهم للقدر الذي يتجاوز عنه في شرط الصحيح، لا شك أن الحسن اختل فيه شرط تمام الضبط؛ فإلى أي حد يقبل الضبط المتوسط؟ لأن هذه أمور معنوية، ويصعب قياسها، يصعب قياسها، فمثلاً إذا قلنا: إن هذا الراوي يروي ألف حديث، وأخطأ في مائة حديث؛ العُشر، هذا لا شك أن ضبطه أخف ممن يضبط تسعمائة وتسعين حديث، ويخطئ في عشرة، وإذا قلنا: إن بعض الرواة يخطئ في مائة، وبعضهم يخطئ في مائة وخمسين، هذا يضبط تسعمائة، وذاك يضبط ثمانمائة وخمسين، لكن الذي يخطئ في المائة يخطئ في الأحاديث الطويلة من مروياته، يخطئ في المرويات الطويلة، والذي يخطئ في مائة وخمسين؛ أخطأ -ما نقول يخطئ- أخطأ في مائة وخمسين، وضبط ثمانمائة وخمسين بما فيها الطوال، أمور لا يمكن قياسها ليست أمور محسوسة تقاس بالمتر، وإلا بالكيلو، وإلا بالصاع ما هي .. ، هذه أمور معنوية.(4/24)
هذا القدر الذي يحصل فيه التفاوت في الرواة؛ العلماء تتباين أنظارهم فيه، فمنهم من يقول: إن هذا الخطأ يمكن تجاوزه؛ فلماذا لا يصل إلى درجة الصحيح؟ ومنهم من يقول: إن هذا الخطأ فاحش، ينظر إليه من زاوية معينة، ويقيسه بأحاديث رواة وقعت له لم تقع لمن تجاوز عن خطئه، فملا وازنها وجدها أخطاء كبيرة فقال: يرد حديثه، هذا جعله من الصحيح، وهذا رده، ثم يأتي من ينظر في الأمور بتوسط، وروية، وتؤدة، ثم يجعل حديثه في هذه المرحلة، أقول: لوجود مثل هذا الكلام؛ وجد الاضطراب الكبير في تعريف الحسن، حتى جزم بعضهم أنه لا مطمع في تمييزه، لا مطمع في تمييز الحسن، ويقول الحافظ الذهبي في الموقظة: "أنا على إياس من وجود حد جامع مانع للحسن"، ولذا نجد في كلامهم مثلاً في التعريفات التي ذكرها الحافظ العراقي عن هؤلاء العلماء ثم قال: "وما بكل ذا حد حصل" لوجود هذا التأرجح، هذا التأرجح بين الصحيح والضعيف؛ جعل الحسن صعب جداً في غاية الصعوبة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد
"حمدٌ" الحسن ما عرف مخرجه، واشتهرت رجاله، وقال الخطابي في تعريف الصحيح: "ما اتصل سنده وعدلت نقلته"، ما اتصل سنده وعدلت نقلته، وعرفنا ما في تعريفه من ملاحظات في تعريف الصحيح، وهنا يعرف الحسن بقوله: "ما عرف مخرجه واشتهرت رجاله":
والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله. . . . . . . . .
"المعروف مخرجاً" مخرجاً تمييز محول عن الفاعل، أو المفعول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/25)
الأصل فيه مفعول، لكن "معروف" يحتاج إلى نائب فاعل، فهو محول عن المفعولية في الأصل "والحسن المعروف مخرجاً" مخرج الحديث رواته -على ما يقول أهل العلم-، يعني عرف رواته الذين خرج منهم الحديث، قال: قالوا: "وبذلك يخرج المنقطع بجميع أنواعه" المعروف مخرجاً معناه أنه عرف رواته الذين خرج عن طريقهم، أو خرج منهم، ومنهم من يقول: المعروف مخرجاً بلد الرواة، بلدان الرواة، أو بلدهم الذي يتفقون فيه، بمعنى أن مخرجه من المدينة، أو من مكة، أو من البصرة، فيكون هذا حديث مديني، أو بصري، أو مكي؛ مخرجه من هذا البلد، لكن البلد لا قيمة له بالنسبة لمعرفة رواته بالأصالة، ثم البلد يتبع؛ لأن البلد يستفاد منه كما سيأتي في أوطان الرواة، وبلدانهم، يستفاد منه مسألة لقاء الرواة بعضهم ببعض، إمكانه وعدمه "معروف مخرجاً" عرف رواته، بمعنى أن كل رواته معروفين، فلم يسقط منهم أحد، ولا شك أن مثل هذا التفسير لكلام الخطابي لا يسلم من تكلف، فليس صريحاً بالمراد، إذا قلنا أن مراد الخطابي المعروف مخرجاً اتصال الرواة، اتصال السند بمعرفة جميع رواته من أولهم إلى آخرهم؛ هل يريد بذلك "معروف مخرجاً" معروف الرواة بالثقة، "وقد اشتهرت رجاله" اشتهرت رجاله بأي شيء؟ بالثقة؛ يدخل فيه الصحيح، كما أنه الصحيح يدخل –أيضاً- في المعروف مخرجاً "اشتهرت رجاله" بالثقة؛ لا؛ لماذا؟ لأنه جعله قسيماً للصحيح الذي عدلت نقلته، فهو غير الصحيح، اشتهرت رجاله بالضعف؛ لا؛ لماذا؟ لأنه جعله قسيماً للضعيف؛ إذن اشتهروا بإيش؟ يعني اشتهروا بالتوسط، يعني اشتهروا بالتوسط باعتبار أنه ذكر الأقسام الثلاثة؟ على كل حال التعريف منتقد من كل وجه؛ لكلامه بقية، لكلام الخطابي بقية، فقال مما يتصل بهذا الكلام: "والفقهاء" عامتهم يستعملونه، "الفقهاء" أو وعامة الفقهاء يستعملونه"، وجل العلماء يقبلونه، عامة الفقهاء يستعملونه، الفقهاء يستعملونه في كتبهم، ويستدلون به، "والعلماء" ويريد بذلك أهل الحديث جلهم يقبلونه، لا كلهم، لما سيأتي من ذكر الخلاف في قبوله، أما الفقهاء فكلهم يذكرونه في كتبهم، بل كثير منهم يزيد على ذلك، فيذكر الضعيف، كما سيأتي في قول الحافظ العراقي:(4/26)
والفقهاء كلهم يستعمله ... . . . . . . . . .
إذا قلنا أن هذا تابع للحد قلنا: انكشف الحسن؛ لأن الحسن موجود، وعليه مدار استعمال الفقهاء، ويستعملونه بكثرة "العلماء الجل منهم" الأكثر منهم "يقبله" هذه الجملة تخرج الصحيح؛ لماذا؟ لأن العلماء كلهم يقبلونه، وتخرج الضعيف؛ لأن العلماء كلهم لا يقبلونه إلا ما سيأتي في قسمه -إن شاء الله تعالى-؛ ظاهر، وإلا مو بظاهر؟
فإن قلنا: إن بقية كلامه، وقد فهم ذلك جمع من أهل العلم، وجعلوه من تمام الحد، قلنا: انكشف الحسن، وإن كان تعريفه بأنه المعروف مخرجاً "وقد اشتهرت رجاله" ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، لا يميز الحسن من الصحيح؛ لأن الصحيح معروف المخرج، مشهور الرجال، وقد يقول قائل: إنه لا يميز الضعيف، فقد يشتهر رجال الضعيف بالضعف.
المقصود أن هذا الحد منتقد، فإن قلنا: الكلام الأخير ليس تابعاً للحد، فليس فيه ما يميز الصحيح من الضعيف من الحسن، وإذا قلنا: إن الكلام الملحق به تابع له، قلنا: فيه ما يميز الصحيح، وما يميز الضعيف إلا إنه ليس على طريقة التعاريف، ليس على طريقة الحدود عند أهل العلم؛ لأن الأصل في الحد أن لا يذكر فيه الحكم، وهو ذكر حكمه، أن لا يذكر فيه الحكم "بذاك حد" يعني عرف "حمدٌ" حمد بن محمد الخطابي البستي، المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، حمد، ومنهم من يقول: أحمد، وحذفها الناس تسهيلاً ووافقهم على ذلك، وسكت، يسمعهم يقولون: حمد، والأكثر على أنه سمي بهذا الاسم "حمد" مصدر حمد يحمد حمداً.
التعريف الثاني: للترمذي:
. . . . . . . . . وقال الترمذي: ما سلم ... بكذب ولم يكن فرداً ورد
من الشذوذ مع راو ما اتهم ... . . . . . . . . .(4/27)
يشترط الأمام الترمذي لتسمية الحديث حسناً ثلاثة شروط؛ ذكرها الناظم -رحمه الله تعالى- بقوله: "وقال الترمذي: ما سلم من الشذوذ" يشترط أن لا يكون الحديث شاذاً "مع راو ما اتهم بكذب" أن لا يكون راويه متهماً بالكذب "ولم يكن فرداً ورد" أن يروى من غير وجه، أن يسلم من الشذوذ؛ أن لا يتهم راويه بالكذب أن يروى من غير وجه، الخطابي ذكر تعريفه في مقدمة "المعالم"، مع ذكره لتعريف الصحيح، والترمذي ذكر تعريفه في "علل الجامع"، في علله الصغير الملحق بالجامع، والتي شرحها -تبعاً لشرح الجامع- الحافظ ابن رجب -رحمه الله-، وتكلم على هذا التعريف بإفاضة، هذه الشروط التي يشترطها الترمذي لتسمية الحديث حسناً يتكون منها تعريف، كما تقدم في تعريف الصحيح بذكر شروطه:
فالأول المتصل الإسناد ... بنقل عدل ضابط الفؤاد
هذه الشروط، وتميز بها عن غيره، الشروط التي ذكرها الإمام الترمذي الثلاثة: ما سلم من الشذوذ، طيب ما ذكر العلة، فهل الحديث الذي اشتمل على علة يسمى حسن عند الترمذي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، العلة غير الشذوذ، كما اشترطوها في الصحيح، اشترطوا انتفاء العلة، وانتفاء الشذوذ، وهنا اقتصر على انتفاء الشذوذ، فيرد عليه الحديث المعل، الترمذي ما اشترط انتفاء النكارة، ما اشترط انتفاء النكارة، يرد عليه انتفاء النكارة؟ النكارة ما اشترطت في الصحيح؛ لماذا؟ لأن اشتراط انتفاء الشذوذ يستلزم اشتراط انتفاء النكارة؛ من أي وجه؟ نعم إذا لم تقبل مخالفة الثقة من هو أوثق منه، فلأن لا تقبل مخالفة الضعيف من باب أولى، هذا على القول بأن المنكر غير الشاذ، وأما على القول بأن المنكر هو الشاذ؛ يكفي ذكر أحدهما عن الآخر "ما سلم"
. . . . . . . . . ... من الشذوذ مع راو ما اتهم(4/28)
"بكذب" الاتهام اتهام الراوي بالكذب من القوادح الشديدة؛ فهل اشتراط انتفاء اتهام الراوي بالكذب يستلزم اشتراط انتفاء ما دونه من القوادح؟ نعم، لا يستلزم، وبهذا قد يدخل في تعريفه الضعيف، الحديث الضعيف بسبب ضعف راويه بما دون الاتهام بالكذب؛ لأن عندنا أعظم القوادح الكذب ثم يليه الاتهام بالكذب، والاتهام بالكذب يكون سببه معرفة الراوي بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يعرف بكذبه في الحديث النبوي، أما الكذب فيعرف بكذبه في الحديث النبوي -نسأل الله السلامة والعافية-، واتهامه بالكذب أن يكون معروفاً بالكذب في كلامه العادي، وإن لم يعرف بكذبه على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يأتي بحديث يتفرد به، ويكون مخالفاً لما علم من الدين؛ للقواعد العامة من الدين، أو مخالفاً لصريح القرآن، أو لصحيح وصريح السنة، المقصود أن اشتراط انتفاء، اشتراط انتفاء الاتهام بالكذب لا يعني اشتراط انتفاء ما دونه من أوجه الضعف "ولم يكن فرداً ورد" الشرط الثالث أن يروى من غير وجه، يروى من وجوه؛ لماذا؟ ليجبر بعضها بعضاً، ليجبر بعضها بعضاً، الآن الترمذي يشترط في الحسن أن يكون متصل الإسناد؟ في ما يدل على اشتراطه اتصال الإسناد؟ لا يشترط اتصال الإسناد، فالمنقطع عنده يندرج في الحسن.
الأمر الثاني: الضعيف المضعف بأحد رواته بما دون الاتهام بالكذب؛ لا يكون حسناً، ما ورد من طريق واحد –هنا على شروطه بلوازمها- ما ورد من طريق واحد، وإن كان أقوى مما ذكره من الشروط؛ يسمى حسن، وإلا ما يسمى حسن؟ ما يسمى حسن على رأيه، وانتقده الحافظ العراقي -رحمه الله-:
قلت: وقد حسن بعض من انفرد ... . . . . . . . . .
"وقد حسن بعض من انفرد" يريد أن يستدرك على قوله: "ولم يكن فرداً ورد"، الترمذي يقول: حسن غريب، ويقول: حسن صحيح غريب؛ كيف يقول: غريب، وقد اشترط في الحسن أن يكون قد ورد من وجوه، من غير وجه "لم يكن فرداً" يكن مروياً من أكثر من طريق؛ فكيف يحسن؛ يصف الحديث بالحسن، ويصفه بالغرابة؟ كما سيأتي الاستشكال في جمعه بين الصحة والحسن.(4/29)
أجيب عن الترمذي بأنه يعرف تعريفه للحسن: ما يقول فيه: "حديث حسن" فقط، إذا قال: "حديث حسن" فقط، دون حسن صحيح، ودون حسن غريب، ودون حسن صحيح غريب، فإنه إذا قال: غير حسن، بهذا اللفظ، فإنه لا يندرج عليه هذا التعريف، ويكون تعريفه وحده خاصاً لما يصفه بالحُسن فقط، قد يقول: "هذا حديث حسن"، ثم يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، ما يرد عليه مثل هذا؟ يرد عليه، وإلا ما يرد؟ وإلا مطابق؟ مطابق لثالث .. ، لكنه سيأتي في الانتقاد الآخر:
. . . . . . . . . ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد
هذا تعريف الترمذي "وقيل" هذا تعريف ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات، ابن الجوزي في مقدمة الموضوعات، ونسبه الحافظ العراقي في شرحه، وتبعه غيره إلى أنه ذكره في "العلل المتناهية"، ولم أقف عليه في "العلل المتناهية" لكن هو موجود في مقدمة الموضوعات:
وقيل: ما ضعف قريب محتمل ... فيه. . . . . . . . .
يعني ما فيه ضعف قريب محتمل، الحديث الذي فيه ضعف، لكنه ضعف قريب، وليس ببعيد، وأيضاً محتمل يحتمله أهل العلم، لكن هل هذا على طريقة التعاريف، والحدود التي تكون جامعة مانعة، جامعة مانعة، ألفاظها مدخلة، ومخرجة؛ هذا ليس على طريقة التعاريف؛ لأنه لم يبين الدرجة التي يقرب فيها الضعف ويحتمل، ولهذه التعاريف، وغيرها مما ذكره أهل العلم مما لا يستطاع به تمييز الحسن "وما بكل ذا حد حصل" وما بكل ذا حد حصل، مثل الحسن، إذا قلنا مثل هذا الكلام؛ هل معنى هذا أن الحسن الذي حكم به أهل العلم على بعض الأحاديث، الذي حكم به بعض أهل العلم على بعض الأحاديث، أنه لا يمكن الوصول إليه؟ لا يمكن الحكم على الحديث بأنه حسن؛ لأننا ما عرفنا حقيقة الحسن؟ العلماء حكموا على أحاديث بهذا الحكم، لكن يبقى أن الحكم على الأحاديث بالحسن بإيش؟ من خلال الحدود الدقيقة المنضبطة، أو من خلال القرائن التي تنقدح في ذهن الناقد بحيث ينظر إليه، ولا يصل إلى درجة الصحيح، وينظر إليه من زاوية لا يهبط إلى درجة الضعيف؟
طالب:. . . . . . . . .(4/30)
بالقرائن، أما على طريقة الحدود ما يمكن؛ لأن مثل هذا ما يمكن ضبطه بحد، ولذا الحكم على الأحاديث بالحسن يعني إذا توفرت الشروط السابقة الخمسة؛ سهل، يحكم طالب العلم، نعم، وإن كان يصعب عليه الحكم من خلال المتن، قد يحكم من خلال السند؛ يقول: صحيح بهذا الإسناد، ما في إشكال؛ لأن الرواة كلهم ثقات، والسند متصل، لكن قد يصعب عليه من خلال النظر في الموافق والمعارض، ويصعب عليه –أيضاً- من خلال العلل والقوادح، يصعب عليه، ومع ذلك الحكم بالصحة أسهل من الحكم بالحسن، نعم، مع كثرة الممارسة لطالب العلم تتولد لديه ملكة يجزم من خلالها أن هذا الحديث لا يمكن أن يصل إلى درجة حديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، ولا يمكن أن يصل إلى حد الأحاديث الضعيفة، إما لقوة إسناده بالنسبة للضعف، أو لوجود طرق تدل على أن له أصلاً، وإن لم يصل إلى درجة المجزوم به "وما بكل ذا حد حصل" ما حصل تعريف إلى الآن؛ والنهاية وبعدين؟ نستمر على هذا؛ أنه ما له تعريف الحسن؟ أو نقول لطالب العلم: أكثر من المران، اقرأ القواعد النظرية، وطبق عليها، وخرج، وادرس الأسانيد، واستنر بأقوال الأئمة، وانظر إلى إشاراتهم وافهمها، ثم بعد ذلك ينقدح في ذهنك أن هذا الحديث متوسط لا يصل إلى درجة الصحيح، ولا إلى درجة الضعيف، ولذلك إذا سمعنا كلام هؤلاء: إنه لا مطمع في تمييزه؛ ويش معناه؟ هل نقول لطالب العلم: تلغي الحسن خلاص ما في شيء اسمه حسن؛ لأنك لن تصل إلى تعريفه؟ في أمور تنقدح في ذهن الناقد لا يستطيع التعبير عنها، وجل العلل من هذا النوع، أمور تنقدح في الذهن لا يمكن التعبير عنها، وقل مثل هذا فيما يقول به بعض أهل العلم من الاستحسان، من الاستحسان في الأحكام الشرعية، وإن كان بعضهم يشدد في هذا الباب، ويقول: من استحسن فقد شرع، لكن العالم المحيط بنصوص الشريعة، وقواعد الشريعة العامة، ومقاصد الشريعة؛ قد لا يستطيع أن يرجح أدلة على أدلة من خلال قواعد التعارض والترجيح، لكن ينقدح في ذهنه ما يترجح به هذا الخبر، ولذلكم تجدون –أحياناً- شيخ الإسلام ينزع منزع ما يخطر على بالك، نعم لماذا؟ لإحاطته بنصوص الشريعة، وقواعدها، ومقاصدها، لكن الطالب المبتدئ، أو حتى المتوسط، أو بعض(4/31)
أهل العلم -الذين ليسو بهذه المنزلة- قد يقفون في الترجيح، وهذا يحتاج إلى إمام من الأئمة أو من سار على دربهم، وحصل مثل تحصيلهم، مثل هذه الأمور تحتاج إلى مران، وتعب، وليست بالأمر السهل، ولذا –أحياناً- بعض الطلاب يقول: مادام "وما بكل ذا حد حصل" وبعدين خلاص نلغي الحسن؛ وليش ندرس الحسن، حنا ما حنا مميزينه، ولا عارفينه، نقول: تدرس الحسن من خلال قواعدهم، أنت الآن استنار لك شيء من الطريق، وإن كان عليه ملاحظات، وما حصل بها حد معروف، جامع مانع، مخرج مدخل، يجمع جميع الأقسام، ما وجدنا للحسن مثل هذا، لكن تدرس هذه القواعد النظرية عندهم، وتنير لك شيئاً من الطريق، وإن لم يكن من الوضوح بحيث تقطع بأن هذا التعريف ينطبق على هذا الحديث، وهذا التعريف ينطبق على هذا الحديث، ما يلزم، أنت اقرأ القواعد النظرية، وقل مثل هذا في كثير من أبواب المصطلح، يعني إذا أردنا أن ننظر في أحكام الأئمة الكبار نجدهم –أحياناً- ما يعللون، وصرحوا بأن معرفة العلل يظنها الجاهل كهانة، وهي إلهام من الله -جل وعلا-؛ بسبب طول الممارسة؛ لأن مثل هذا الكلام "وما بكل ذا حد حصل" وبعدين؟ يوقع في إشكال، الحسن معروف عند أهل العلم، وحكموا على أحاديث بالحسن "وما بكل ذا حد حصل" ثم ماذا؟ لكن ابن الصلاح نزل كلام الترمذي على نوع من أنواع الحسن، ونزل كلام الخطابي على نوع، فنزل كلام الخطابي على الحسن لذاته، ونزل كلام الترمذي على الحسن لغيره، يعني اللي يعرف في اصطلاح المتأخرين بالحسن لذاته، يعني من طريق واحد، فيه مستور لم تتحقق أهليته، ولا فيه مخالفة، ولا نكر، ولا شذوذ، وليس ممن يرد تفرده، مثل هذا يعبر عنه بأنه الحسن لذاته عند المتأخرين، وعليه يتنزل كلام الخطابي، لكن إذا كان الحديث فيه من هو دون هذا من الرواة، ضعف بتضعيف يقبل الانجبار عندهم، وجاء من أكثر من طريق؛ على هذا يتنزل كلام الترمذي، وهو ما عرف في عرف المتأخرين، واصطلاحهم بالحسن لغيره، "وقال" يعني ابن الصلاح "بان لي بإمعان النظر" بان لي بإمعان النظر، بتدقيق النظر، ببعد النظر "أن له قسمين" ليس بقسم واحد، أن الحديث الحسن له قسمين:
. . . . . . . . . ... أن له قسمين كل قد ذكر(4/32)
"قسماً" كلٌ يعني من الخطابي، والترمذي ذكر "قسماً" فالخطابي ذكر القسم الأول، وهو الحسن لذاته، والترمذي ذكر القسم الثاني، وهو الحسن لغيره، ولذا قدم في النظم الخطابي، قدم في النظم؛ لأن الحسن لذاته أقوى من الحسن لغيره، الحسن لذاته فيه قوة بذاته، أما الحسن لغيره، فهو في الأصل فيه ضعف، لكن باجتماع طرقه اكتسب القوة؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا يقدم الخطابي، ويؤخر الترمذي؟ مع أن إمامة الترمذي هي أعظم من إمامة الخطابي، الأمر الثاني: أن الترمذي متقدم على الخطابي فكيف يقدم قوله؟ قدم من هذه الحيثية؛ لأن الخطابي ذكر القسم الأول من أقسام الحسن، والترمذي ذكر القسم الثاني، "وقال" يعني ابن الصلاح "بان لي بإمعان النظر" يعني بتدقيق النظر، أو ببعد النظر؛ لأنهم يقولون: أمعن الفرس في عدوه إذا أبعد,,
. . . . . . . . . بان لي بإمعان النظر ... أن له قسمين كل قد ذكر
قسماً وزاد كونه ما عللا ... . . . . . . . . .
"ما عللا"، "وزاد كونه ما عللا" يعني هل انتفاء العلة موجود في تعريف الخطابي؟(4/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (5)
تابع الحديث الحسن
الشيخ/عبد الكريم الخضير(5/1)
"وزاد كونه ما عللا" يعني هل انتفاء العلة موجود في تعريف الخطابي؟ فهي واردة عن التعريفين، "ولا بنكر أو شذوذ شملا"، ولا بنكر أو شذوذ شملا، قد يحتمل أن يكون الذي زاد ابن الصلاح، زاد على تعريفهم تعريف الاثنين كونهما عللا، فانتفاء العلة شرط لقبول الخبر في الجملة بما في ذلك الحسن بقسميه، "ولا بنكر" بنكارة "أو شذوذ شملا"، الشذوذ نص عليه الترمذي، وإذا انتفى الشذوذ انتفت النكارة من باب أولى، "وزاد" يعني ابن الصلاح على حد الخطابي والترمذي زاد هذه زاد انتفاء العلة وزاد انتفاء النكارة وزاد انتفاء الشذوذ وإن كان قوله زاد كل منهما، كل قد ذكر وزاد فلم يوجد اشتراط انتفاء العلة في كلام الاثنين، وكذلك النكارة لا توجد ولا الشذوذ في كلام الخطابي، يوجد الشذوذ في كلام الترمذي، ومن باب أولى انتفاء النكارة، يعني إن كان القصد زاد كل واحد منهم فكلامه مستدرك، وإن كانت الزيادة من ابن الصلاح زاد على ما ذكراه فانتفاء الشذوذ موجود في كلام الترمذي، "والفقهاء كلهم يستعمله" هذا من تتمة كلام الخطابي على الخلاف بينهم، هل هذا الكلام تابع للحد أو مستقل في بيان حكم الحديث الحسن؟ فالذي يقول أنه تابع لكلامه في الحد يقول: هذا الكلام يميز الحسن من قسيميه، "الفقهاء كلهم يستعمله، والعلماء الجل منهم يقبله"، يعني يقول: عامة الفقهاء، والعامة يطلق على الكل ويطلق على الغالب، والواضح من كلامه أنه يريد الكل، لماذا؟ لأنه قابل العامة بالجل وهم الأكثر؛ لأنه قال: وجل العلماء أو قال: أكثر العلماء منهم يقبله، فالفقهاء يستعملونه ويدور في كتبهم كثيراً يستعملونه محتجين به كلهم، هؤلاء الفقهاء لكن العلماء الجل منهم يقبله، جمهور العلماء من أهل الحديث من أهل الشأن، من أهل الصنعة يقبلون الحديث الحسن، نعم منهم من رده، منهم من رد الحسن، أبو حاتم الرازي يرد الحسن يرد الحسن، ويُسأل عن الراوي فيقول حديثه حسن، أتحتج به؟ قال: لا، وفلان صدوق، أتحتج به؟ قال: لا، فأبو حاتم يرده، ويرده جمع من المتقدمين لا سميا الحسن لغيره، الحسن لغيره، أما الحسن لذاته فالخلاف فيه أقل، لكن أبو حاتم يرد الحسن جملة. ابن العربي له كلام في عارضة الأحوذي يدل على أنه(5/2)
لا يقبل الحسن وقبوله وقول جل العلماء بل وأكثرهم والفقهاء كلهم يحتجون به.
. . . . . . . . . ... والعلماء الجل منهم يقبله
وهو بأقسام الصحيح ملحق ... . . . . . . . . .
يعني وهو الحسن محلق بأقسام الصحيح؛ لأن الصحيح درجات، الصحيح درجات، وعرفنا مراتب الصحيح فيما تقدم؛ فالصحيح درجات هذه الدرجات تتفاوت بحسب تفاوت الرواة، وتمكنهم من أوصاف القبول،(5/3)
ومثلما ذكرنا مراراً أنك لا يمكن أن تجد راوي مطابق لراوي من جميع الوجوه، أو مجموعة من الرواة يروون مجموعة من الأحاديث مطابقون لمجموعة من الرواة يروون أحاديث أخرى، لا بد من التفاوت، لا بد من التفاوت، وإذا كان الراوي الواحد الراوي الواحد يتفاوت في بعض أحواله عن بعض، فخلق الإنسان هذا المخلوق العجيب الدال على قدرة الخالق، يعني لو أن إنساناً تأمل في نفسه، يعني المصانع تخرج المصنوعات على هيئة واحدة، تصنع مئات الملايين من هذا المصنوع ما تجد بينها اختلاف، ما تجد بينها اختلاف، لكن الخالق -جل وعز- هذه المخلوقات العجيبة الدقيقة التي لا يمكن أن تتطابق بوجه من الوجوه، يعني كون الصانع يصنع أشياء كثيرة على وجه واحد ليس بعجيب يعني، لكن كونه يصنع ألوف مؤلفة كل واحد له ميزة، وكل واحد له خصيصة، وكل واحد يستفاد منه في وجه لا يستفاد منه في وجه آخر، يستفاد منه في غير ما يستفاد من غيره في هذا الوجه، هذه قدرة، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات]، ولذلك ما يمكن أن تجد رجلين متطابقين من كل وجه، وقل مثل هذا في الرواة، فإذا كان الرواة بهذه المثابة، بعضهم أوثق من بعض، يعني بعضهم تعطيه من الضبط والحفظ والإتقان تسعة وتسعين بالمائة، وبعضهم ثمانية وتسعين ثم تنزل النسبة إلى أن يصل إلى عشرة بالمائة، يعني لو أراد الإنسان أن يختبر أولاده مثلا، يختبر أولاده سهل الاختبار أنت عارف هذا ضابط وهذا غير ضابط، اجلس في يوم العيد مثلاً وأنت رجل معروف ومشهور واترك الناس يأتون ليهنئوك بيوم العيد أو في يوم عزى ويعزونك، ويدخل عليك في هذا اليوم يطرق الباب مائة مثلاً، افتح الباب يا ولد، فتح الباب من بالباب؟ فلان، صادق هو ما عنده إشكال، وبالفعل فلان، افتح الباب للثاني، الثالث، العاشر، المائة ثم اسأله من الغد من جاء بالأمس؟ هل يكون خبر الأولاد على وتيرة واحدة، يمكن بعضهم يخبرك بتسعين واحد من المائة وبعضهم لا يستطيع يستحضر ولا عشرة، ظاهر موجود وإلا ما هو موجود؟ الآن عندكم أنتم فيما بينكم في حفظكم وتمييزكم وفهمكم تباين كبير، وذلك فضل الله يأتيه من يشاء، لكن يبقى أن هذه نعم تحتاج إلى شكر، يعني الذي يحفظ(5/4)
من أول مرة ولا يستغل هذا الحفظ هل هذا شكر هذه النعمة؟ لم يشكر هذه النعمة، والذي لا يحفظ إلا بألف مرة ويستغل هذه النعمة على ضعفها ويحفظ قدر ما يستطيع ويتعب في حفظها يرفع درجاته يا أخي، ويمكن يحصل أضعاف ما يحصله الذكي الذي لا يستغل الحفظ والفهم، وعاد من الأجور حدث ولا حرج، المقصود أن الرواة متفاوتون وتبعاً لتفاوتهم تتفاوت مروياتهم وأخبارهم.
"وهو بأقسام الصحيح ملحق" من أي وجه؟ "وهو بأقسام الصحيح ملحق **حجية"؛ لأنه تقدم أنه في كلام الخطابي العلماء الجل منهم يقبله، يعني يحتج به، الفقهاء كلهم دون استثناء يحتجون به، والعلماء جلهم وأكثرهم يقبلونه فهو في حيز القبول، إذاً هو مثل الصحيح في القبول، مثل الصحيح في القبول يعني يأتيك حسن تقول والله ما أبا أنظر فيه، حديث يتضمن حكم من رواية محمد بن عمرو الآتي مثلا، تقول والله هذا حفظه فيه شيء، أنا لا أقبله، نقول له: عامة أهل العلم يقبلونه؛ لأن حديثه حسن، والحديث الحسن يجب قبوله في جميع أبواب الدين بما في ذلك العقائد والأحكام والفضائل والتفسير والمغازي وجميع أبواب الدين؛ لأنه ملحق بأيش بالصحيح الذي يجب قبوله، من حيث الحجية "وإن يكن لا يحلق" به في القوة، وإن لم يلحق به في القوة، إذا كانت المسألة ما فيها إلا هذا الحديث وجب العمل، إذا كانت المسألة فيها هذا الحديث ويوجد ما يعارضه من حديث آخر نرجح نرجح إن كان صحيح رجحناه على الحسن، ولذا يقول: "وإن يكن لا يلحق"، يعني لا يلحق به في القوة، وإن كان المعارض له ضعيف رجحنا الحسن عليه وتركنا الضعيف إن كان المعارض له حسن مثله نظرنا في وجوه أخرى للترجيح، في وجوه أخرى للترجيح، وأوجه الترجيح ذكر منها الحازمي في مقدمة الاعتبار خمسين وجهاً، خمسين وجهاً من أوجه الترجيح، وذكر الحافظ العراقي في نكته على المقدمة مقدمة ابن الصلاح التقييد والإيضاح أكثر من مائة وجه من وجوه الترجيح، فعلى كل حال هو مقبول في حيز القبول، ويجب العمل به ويجب العمل به، "وإن يكن لا يحلق" بالصحيح من حيث القوة، فيرجح عليه الصحيح عند التعارض أما مع عدم التعارض فيجب العمل به.(5/5)
"فإن يقل يحتج بالضعيف"، قد يقول قائل: أنتم تحتجون بالضعيف؛ لأن في قوله: "وهو بأقسام الصحيح ملحق" يشمل الحسن لذاته والحسن لغيره، الحسن لغيره عبارة عن إيش؟ عن ضعيف، وضعيف، وضعيف، اجتمعت هذه الضعاف فحكم على الخبر بأنه حسن لغيره، "فإن يقل يحتج بالضعيف"، أنتم تحتجون بالضعيف ليش؟ قال: أنتم احتججتم بخبر فيه فلان وهو ضعيف، وفلان ضعيف في طريقه الثاني، وفلان الثالث ضعيف في طريقه الثالث، "فإن يقل يحتج بالضعيف"؛ لأن مفردات الحديث الحسن ضعيفة لكن بمجموعه يصل إلى الحسن لغيره
فإن يقل يحتج بالضعيف ... فقل. . . . . . . . .
أجب على هذا الإشكال
. . . . . . . . . ... .... إذا كان من الموصوف
رواته بسوء حفظ يجبر ... بكونه من غير وجه يذكر
إذا كان رواته وصفوا بشي من سوء الحفظ بحيث يضعفون بما يرجع إلى الحفظ لا بما يرجع إلى الديانة، بما يرجع إلى سوء الحفظ، حفظه ضعيف، ثم جاء من طريق آخر فيه أيضا فيمن، في حفظه ضعف، من طريق من في حفظه ضعف، ثم جاء أيضاً من طريق ثالث، وهكذا اجتمعت هذا الطرق، ضعيف من جهة الحفظ وضعيف من جهة الحفظ، وضعيف من جهة الحفظ، لماذا ضعفنا الحديث بسبب ضعف حفظ راويه؟ لأن الذي يغلب على الظن أنه ما ضبطه، وإذا لم يضبطه ما يأتي به على الوجه الذي جاء به، قد يزيد وينقص ويغير المعنى وكذا، هذه هي التهمة التي جعلت حديث سيء الحفظ غير مقبول، لكن إذا جاءنا من طريق ثاني، يعني اعتبرنا زيد هذا الراوي روى الحديث وحفظه عندنا في تقديرنا أربعين بالمائة فالذي غلب على الضن أنه لم يحفظ هذا الخبر ونرده لو لم يأت من طريق آخر، لكن جاء من طريق راو مثله في الضعف أعطه نسبة ثلاثين بالمائة يطلع.
طالب: المتابعة.(5/6)
المتابعة إيه، أو من طريق آخر شاهد، المقصود أنه جاء من طرق تجعل النفس تطمئن إلى أن هذا الراوي الضعيف ضبط ما روى؛ لأنه ليس كل ضعيف ما يضبط أبداً، وليس كل ثقة لا يخطئ، لكن هذه الأمور أمور لا بد منها، مقدمات لا بد من الحكم بها، وإن لم تطابق الواقع، ولذلك كما تقدم في قوله: "وبالصحيح والضعيف قصدوا في ظاهر لا القطع" ونظير ذلك حكم القاضي، حكم القاضي إذا تقدم له مدعي ومدعى عليه، المدعى أين بينتك هذه بينتي، نعم ظاهر البينة الصلاح والعدالة يقبلهم القاضي، يقبلهم من خلال القاضي، وما يدريه أنهم على خلاف ظاهرهم أو أخطأوا في شهادتهم لا يمنع أن يكون .. أقول لا يلزم أن يكون تعمد، وجاء مدعي آخر بشهود ظاهرهم عدم القبول وعدم العدالة يردهم وإن كانوا في الواقع ضابطين صادقين؛ لأن الأحكام في الدنيا كلها معلقة على الظاهر، وكثرة الطرق لا شك أنها تجعل النفس ترتاح وتطمئن إلى ثبوت الخبر.
فإن يقل: يحتج بالضعيف ... فقل: إن كان من الموصوف
رواته. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(5/7)
موصوف رواته، رواته إعرابها؟ نائب الفاعل لاسم المفعول، "رواته بسوء حفظ يجبر"، يعني ينجبر "بكونه من غير وجه يذكر" بكونه من غير وجه يذكر، وعرفنا أن نسبة قبول خبر هذا الراوي الضعيف بسبب سوء الحفظ أربعين بالمائة، ثم جاءهم ما يدعمه بمثله من راو مثله يرتقي وينجبر هذا بهذا، الذي قُدح في ديانته هم يقولون يشددون في شأن الديانة، في شأن العدالة يشددون أكثر مما يشددون في شأن الضبط؛ لأن الضبط مرده إلى المقياس، المقياس الذي يمكن اعتباره، تُعرض روايته على رواية الثقات "فمن يوافق غالباً ذا الضبط** فضابط أو نادراً فمخطي". هذا مقياس الضبط، لكن العدالة؟ العدالة مردها إلى الديانة؛ لأن غير الثقة الفاسق {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] فتثبتوا لا بد من التثبت فيحتاط في أمره مالا يحتاط في غيره، نعم إذا كان حُفظ عليه هفوة ولا زلة، ولا مخالفة وكذا، وجاء من طريق مثله مثلاً، ما يمنع أن يقال ما لم يتواطئوا ويتفقوا على هذا الخبر، ولا يمنع أن يوجد التواطؤ، ولذالك يشددون في شأن الديانة أكثر؛ لأن الذي لا يضبط ما يمكن أن يتفق مع ثاني على شهادة زور نعم، لكن قد لا يضبط المشهود به، أما إذا كان الخلل في الديانة يمكن يتفق اثنين من الفساق ويشهدوا شاهدة زور، فالأمر فيما يتعلق بالديانة أشد احتياطاً عندهم مما يتعلق بالضبط،
. . . . . . . . . بسوء حفظ يجبر **بكونه من غير وجه يذكر
وإن يكن لكذب أو شذا ... أو قوي الضعف فلم يجبر ذا(5/8)
"وإن يكن لكذب" إذا كان الراوي كذاب، أو حتى متهم بالكذب يعني جرحه شديد مثل هذا لا يقبل الانجبار، "وإن يكن لكذب أو شذا" حتى الشذوذ الذي وجدت فيه المخالفة لا يقبل ولو جاء من طرق، ولو جاء من طرق أنت إذا عرضت حديث هذا الضعيف على أحاديث الثقات أو حديث الثقة وعرضته على حديث من هو أوثق منه وجدت المخالفة، حكمت عليه بأنه شاذ، جاء ما يؤيد خبر هذا الشاذ، لكنهم لا يصلون إلى مرتبة من خالفوهم، جاء ثالث يؤيد حديث هذا الشاذ لكنهم أيضاً لا يرجَحون على من خالفوهم من الثقات، يبقى أيضاً في حيز الشذوذ ولا يقبل "أو شذا أو قوي الضعف"، قوي الضعف صار الحديث متروك مثلاً مطروح، مثل هذا لا يقبل الانجبار، "أو قوي الضعف فلم يجبر ذا" مثل هذا لا يقبل الانجبار.
الخلاصة أن الضعف الخفيف يقبل الانجبار، والضعف الشديد لا يقبل الانجبار، والسيوطي حتى نص عليه في ألفيته أنه وإن قوي الضعف يقبل الانجبار، في أحد يحفظ من ألفية السيوطي.
وربما يكون كالذي بدي يعني ما ضعفه شديد ربما يكون كالذي بديء به مما ضعفه خفيف، فيدل على أن له أصل يعني وجود رواية متهم بالكذب، مع رواية شديد الضعف، مع رواية من وصف بأمر عظيم، هؤلاء وجود رواياتهم يقوي بعضها بعضاً أو وجودها مثل عدمها؟ الأكثر على أن وجودها مثل عدمها، وأنها لا تقبل الانجبار.
السيوطي من خلال التنظير والتطبيق يجبر بعضها ببعض، ويشيرون إلى أنه إذا اجتمع مجموعة من الروايات فيها في كل طريق منها راوٍ شديد الضعف، يقولون: أنها تخرج من حيز الرد من غير تردد إلى أن تكون محل للنظر والاعتبار.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فلم يجبر ذا
ألا ترى المرسل حيث أُسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا(5/9)
يعني مما يقبل الانجبار المرسل، يعني مثل سوء الحفظ، المرسل يقبل الانجبار "ألا ترى المرسل حيث أسندا" يعني إذا روي من طريق مسند، "أو أرسلوا" يعني روي من طريق مرسل يرويه غير من يروي عن المرسل الأول، يعني يأتي من طريق ثاني، وإن كان مرسلا "كما يجيء" في بحث المرسل من كلام الإمام الشافعي "اعتضدا" "ألا ترى المرسل حيث أسند أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا"، نعم المرسل يعتضد، وسيأتي تفصيله في كلام الإمام الشافعي؛ لأن الشافعي يشترط في قبول الحديث المرسل أربعة شروط، ثلاثة منها في المرسِل وواحد في الخبر المرسَل.
أن يكون من كبار التابعين.
أن يكون إذا سمى من روى عنه سمى ثقة غير مرغوب بالرواية عنه.
أن يكون من كبار التابعين، وإذا سمى من روى عنه لم يسم مرغوباً عن الرواية عنه، وأن يكون بحيث إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه، ويشترط في الحديث المرسل أن يأتي من وجه آخر، إما مسند أو مرسل، أو موقوف على أحد الصحابة، أو يفتي به عوام أهل العلم، يعتضد بهذا المرسل عند الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، وسيأتي يأتي تفصيل شروطه كما في رسالته الشهيرة، انتهى من الكلام على الحديث الحسن، ثم بعد ذلك، الحديث الحسن بقسميه، وسيأتي مزيد للحديث الحسن لغيره في بحث الضعيف؛ لأنه إذا عرف الضعيف وبان لنا الضعيف اجتمع لنا أكثر من ضعيف ارتقى إلى الحسن لغيره، وهنا لما عرف الحسن نعم، عرف الصحيح لغيره، لماذا؟ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حديث حسن لذاته يروى من طرق، عبارة عن حديث حسن لذاته يروى من طرق، فالحسن لغيره هو الضعيف إذا تعددت طرقه، والصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، ولذا قال:
والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه، إذا أتى له
طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن (لولا أن أشق)
إذ تابعوا (محمد بن عمرو) ... عليه فارتقى الصحيح يجري(5/10)
رواية محمد بن عمرو بن علقمة، وهو من الديانة والصيانة بمكان، إلا أن في حفظه شيء، ولذا وثقه بعضهم لديانته وعدالته، وضعفه بعضهم نظراً لما في حفظه من الخدش، وعلى كل حال الحكم المتوسط في شأنه أن يقال: حسن الحديث، لا يبلغ به مرتبة الصحيح، ولا مرتبة الضعيف، محمد بن عمرو لما روى حديث: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) هذا عند الترمذي، وحكم عليه بالصحة لماذا؟ لأنه متابع له طرق أخرى، وإلا فالحديث من طريق غيره موجود في الصحيحين، من طريق غيره موجود في الصحيحين، "والحسن المشهور بالعدالة"، محمد بن عمر مشهور بالعدالة "والصدق راويه إذا أتى له"، مشهور هذا الراوي بالعدالة والصدق "إذا أتى له طرق أخرى نحوها من الطرق" يعني بمنزلتها لا دونها، بمنزلة هذا الطريق قريب منها "صححته"، يعني يصل إلى درجة الصحيح، يصل إلى درجة الصحيح، وإن لم يكن صحيحاً لذاته إلا أنه في حيز القبول والصحة لكنه صحيح لغيره لما احتف به من الطرق، "صححته كمتن (لولا أن أشق) "، يعني على أمتي لأمرتهم بالسواك، "إذ تابعوا (محمد بن عمرو) " راويه محمد بن عمرو بن علقمة معروف بالعدالة والصدق، لكنه في حفظه شيء يخدش فيه بحيث ينزله عن درجة الحفاظ الثقات الأثبات. "إذ تابعوا محمد بن عمرو عليه"، يعني على روايته فروي من طرق، "عليه فارتقى الصحيح يجري"، فارتقى الصحيح يجري، وهنا مسألة: حديث محمد بن عمرو صححه الترمذي، لما له من طرق، هل نستطيع أن نقول: إن هذا الحديث صحيح مطلقاً؟ أو نقول صحيح لغيره؟ لأننا صححناه بالطرق؟ الطرق منها ما في الصحيحين؛ لأن الصحيح لغيره درجة، الأصل أن الحديث حسن، الصحيح لغيره درجة فوق الحسن، الصحيح لذاته درجة ثانية، فهل الحديث يرتقي بطرقه درجة أو درجتين؟ مثل هذا قد لا يتضح فيه ما أقول بقدر ما يتضح بحديث ضعيف، فيه راوٍ ضعيف من طريق ابن لهيعة في السنن وتابعه غيره في صحيح البخاري، المتن لا إشكال في صحته لكن هل نستطيع أن نقول: إن حديث ابن لهيعة صحيح؟ لأن له متابع في الصحيح؟ بمعنى أننا نرقيه درجتين؟ أو نرقيه إلى درجة الحسن؟ لأن له طرق، الأصل هو ضعيف، والضعيف إذا كان له طرق ترقيه ارتقى إلى الحسن، لكن إذا(5/11)
كان شاهده أو متابعه في الصحيح، هل نقول: إنه يرتقي درجة واحدة ولا نزيد على ذلك؟ وهو منهج وهو معروف عند أهل العلم، وأشار الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث إلى أنه ما المانع أن يرقى إلى الصحيح، لأننا عرفنا أن ابن لهيعة نعم وهو عدل في نفسه ضبط هذا الحديث وأتقنه فيكون صحيح، بدليل أنه مخرج بالصحيح مخرج في الصحيح من طريق الثقات الإثبات، وعلى هذا هل نقول حديث محمد بن عمرو في الترمذي صحيح ونسكت؟ أو نقول: إنه صحيح لغيره؟ صحيح بطرقه؟ وما الذي يترتب على هذا القول من آثار؟ لأننا إذا صححنا وروينا الحديث بإسناد الترمذي قلنا حديث صحيح ولم نبين أنه صحيح بطرقه، قد يغتر بهذا من يقلدنا فيجد محمد بن عمرو في سند حديث ثاني ما له متابع فيقول: محمد بن عمرو ورد في حديث صحح له فلان، لكن إذا قلنا: إنه صحيح بطرقه. . . . . . . . . في مقابل من يريد أن يحكم على أحاديث محمد بن عمرو، ولا شك أنه إذا قلنا تصحيحه لطرقه أحوط، وكم حصل من تصحيح للمتأخرين؛ لأنهم اقتدوا بمن تقدمهم لأنهم صححوا نظراً إلى المتن، نظروا إلى المتن دون نظرهم إلى الإسناد، والتفصيل هو المطلوب، وحينما يستدرك على ابن حجر في بعض الرواة، بعض الرواة قال فيهم ابن حجر صدوق مثلاً، وصحح له في فتح الباري؛ لأنه نظر إلى أن ذاك الحديث الذي صححه توبع عليه وليس فيه مخالفة، وله في ما يشهد له فصححه بهذا الاعتبار لكن لم ينص، الآن الحافظ ابن حجر لو أتينا إلى ابن لهيعة مثلا، ابن لهيعة قال في التقريب: صدوق له أوهام، وصدوق يخطئ، نعم، وقال فيه في فتح الباري: ضعيف في أكثر من موضع، وقال في حديث خرجه الإمام أحمد بإسناد حسن وفيه ابن لهيعة، وقال عن بعض الأحاديث: ضعيف لأن فيه ابن لهيعة، فمثل هذا لا بد من التنبيه بدقة على أننا إنما صححناه بطرقه، لئلا يأتي من يرمينا إما بالاضطراب أو يقتدي بنا في موضع فيضعف أو في موضع آخر فيصحح، يعني قال ابن حجر: روى الإمام أحمد بإسناد حسن، وفيه ابن لهيعة، طيب أنت ضعفته في موضع آخر من الفتح، القارئ ما يستحضر جميع الأحكام، يأخذ حكم واحد ويطرده، فلا بد من التنبيه في مثل هذه الأحكام التي ظاهرها الاضطراب.(5/12)
عبيد الله بن الأخنس قال في التقريب: صدوق، قال ابن حبان يخطئ، وقال في فتح الباري: عبيد الله بن الأخنس ثقة وشذ ابن حبان فقال يخطئ، ويش الفرق بين الحكمين؟ لما قال في فتح الباري نظر إلى مرويه الذي خرجه في الصحيح؛ لأنه من رواة البخاري، وحينما حكم عليه في التقريب لعله نظر إلى مجموع مروياته لكن مثل هذه الأمور لا شك أنه لا بد من أن تستعمل بدقة، ولا بد من شمول النظر فيها، وإلا قد يحصل الخطأ والخلط والوهم بسبب هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- تعالى في قسم الحسن:
قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ
فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ
وَمَا بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ
فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحِّحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ
و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ –وَهْوَ مُتَّجِهْ- **: قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ
وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما ... قَوْلُ (أبي دَاوُدَ) يَحْكي (مُسْلِما)
حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا
فَاحْتَاجَ أنْ يُنْزَلَ في الإسْنَادِ ... إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ)
وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ
هَلاَّ قَضى عَلى كِتَابِ (مُسْلِمِ) ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ
وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصْابحَا ... إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا
أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ
كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ
في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)(5/13)
وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ
وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى-، الناظم من بيان الحسن وحدِّه، والخلاف في ذلك، وأنواعه والتمثيل على ذلك؛ بيَّن مظان الحديث الحسن؛ لأن الطالب إذا عرف الحسن سأل عن مظانه، أين يوجد هذا الحديث الحسن؟ كما صنع الناظم -رحمه الله تعالى- في الحديث الصحيح، لما عرفه، وبينه، ووضحه، ذكر مظانه، وهنا فعل كذلك.
"قال ومن مظنة للحسن" وهذا البيت في طبعة الشيخ أحمد شاكر غلط، ومثلها في طبعة الشيخ حامد الفقي في بعض طبعاته حصل فيه خطأ شديد وتصحيف شنيع لا يمكن أن يفهم معناه، وهنا يقول: "قال ومن مظنة للحسن"، قال من؟ ابن الصلاح كما بين الناظم في المقدمة، حيث جاء الفعل والضمير، قال يعني ابن الصلاح يعني مثلما قال في المقدمة كما بين في المقدمة أنه إذا قال: قال فمراده بذلك ابن الصلاح.
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما(5/14)
قال يعني ابن الصلاح، "ومن مظنة الحسن" المظنة الموطن، المظنة الموطن، والذي يعرف المظان بدقة هو طالب العلم الذي يسهل عليه التحصيل؛ لأن العلماء يقولون: الفقيه مثلاً يقسمونه إلى فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، فإذا كانت لديه أهليه بمعرفة المظان بحيث يتيسر له بحث المسألة والوقوف عليها من مظانها بسرعة هذا فقيه وإن لم يكن بالفعل، المسائل ليست حاضرة في ذهنه لكنه يعرف مظانها بحيث يطلع على جلها؛ فالطالب أو الباحث الذي يطلب منه أن يحضر مسالة من كتب الفقه مثلاً في العبادات قالوا: هات لنا مسألة مثلاً من مسائل الصلاة من المغني، فيأتي بالجزء الثاني عشر مثلاً، أو يقال له: هات المسألة في الجنايات ويأتي بالجزء الأول أو الثاني، هذا يعرف المضان؟ لا يعرف المضان، هذا فقيه بالفعل أو بالقوة؟ لا بهذا ولا بهذا، وبعض الناس من خلال الخبرة والدربة في البحث في الكتب وهذه تحتاج إلى معاناة ومعرفة، ولذا الذين يعتمدون على الآلات لن يستفيدوا فائدة مثل من يعاني الكتب. بعض الطلاب ممن له خبرة ودربة تقول له: أعطني مسألة كذا، يمسك الكتاب ويفتح الصفحة فيتقدم أو يتأخر صفحة أو صفحتين بالكثير، المسألة تحتاج إلى خبرة تحتاج إلى معاناة ودربة، كثرة مراجعة للكتب ليعرف المظان، أم الذي لا يعرف المظان تكلفه ببحث مسألة، ما يعرف ولا كتاب توجد فيه هذه المسألة، مثل هذا يحتاج إلى تدريب من جديد، فالذي يعرف المظان يسهل عليه تحصيل العلم، قال: "ومن مظنة للحسن"، الحديث الحسن "جمع أبي داود أي في السنن"، سنن أبي داود التي هي ثالث كتب السنة عند الأكثر، ثالث كتب السنة عند الأكثر على خلاف بينهم، بعضهم يرجح النسائي؛ لأنه أقوى في الشرط بالنسبة للرواة، وأكثر فوائد من حيث الصناعة، في بيان العلل وغيرها، ومنهم من يرجح الترمذي يجعل الثالث الترمذي لكثرة فوائده الحديثية في أبوابه وفي أنواع علوم الحديث كلها، لكن الأكثر على أن سنن أبي داود شرطه أقوى من شرط النسائي على ما سيأتي، وهو أيضاً أقوى من شرط الترمذي وقد أضَربَ عن رواة خرج لهم الترمذي، فهو ثالث الكتب بعد الصحيحين، أعني من الستة وإلا تقدم أن صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان،(5/15)
ومستدرك الحاكم الذي اشترطت فيها الصحة وإن لم يوفي مؤلفوها بهذا الشرط إلا أنها من مظان الصحيح وقد تقدم.
وسيأتي في بحث المسانيد أنها في المرتبة دون السنن، كما سيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلى
هذا سيأتي، يهمنا الآن كتب السنن التي هي مظان الحديث الحسن، أو من مظان الحديث الحسن، ولذا قال: "ومن مظنة" "من" هذه للتبعيض من مظان، بعض مظان الحديث الحسن جمع أبي داود وما يتلوه من الكتب، جمع أبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث في سننه الذي رتبه على الأبواب الفقهية، وذكر فيه الأحاديث المرفوعة، وبهذا تتميز كتب السنن، تمتاز عن المصنفات التي يجمع فيها المرفوعات والموقوفات والآثار والمقطوعات هذه ميزة السنن، فتتميز السنن بأنها مذكورة على .. ، مرتبة على الأبواب أبواب الفقه، وهي أيضاً أحاديثها في الغالب مرفوعة، ولا يذكرون الموقوف إلا نادراً "أي في السنن، فإنه" تعليل لماذا صار من مظان الحسن؟ "فإنه قال: ذكرت فيه" فإنه قال، فإن أبا داوود قال في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه "فإنه قال ذكرت فيه" أي في السنن، أي في كتابه ذكر فيه "ما صح أو قارب أو يحكيه"، ما صح أو قارب أو يحكيه، و "أو" هذا للتنويع والتقسيم، فقسم منه صحيح، وقسم منه يقارب الصحيح، وقسم منه يحاكي أو يحكي الصحيح ويشبهه، وعبارته في رسالته إلى أهل مكة بالواو فإني ذكرت فيه ما صح، فإني ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، بالواو وهي أوضح في المراد؛ لأن ذكر الجميع و "أو" وإن جاءت للتنويع وإن جاءت بمعنى الواو، إلا أنها تحتمل معاني أخرى بخلاف الواو؛ لأن أو تأتي للتخيير، تأتي للإباحة، تأتي للتقسيم، تأتي للشك، تأتي بمعنى الواو إذا أمن اللبس إذا أمن اللبس، "ما صح" يعني مما سبق تعريفه مما اجتمعت فيه شروط الصحيح "أو قارب" الذي قارب الصحيح لكنه لا يلحق به، نعم، مثل الصحيح لغيره، وقد يدخل فيها الحسن بمفرداته "أو يحكيه" يعني يشابهه ويضارعه وهو الحسن. ذكر الأقسام الثلاثة والأنواع الثلاثة، وكلها في حيز القبول، وذكر فيه أيضاً الضعيف، وذكر في كتابه الضعيف لكن إذا كان الضعف شديداً فإنه يبينه.(5/16)
"وما به وهن شديد قلته" ونص علي ذلك في رسالته إلى أهل مكة. "وما به وهن" وفي نسخة: "وهي" يعني ضعف شديد التزم بيانه "وحيث لا، فصالح خرجته"، يعني وما سكت عنه فهو صالح كما نص على ذلك في رسالته.
وما به وهن شديد قلته ... . . . . . . . . .
يبين العلة القوية، مفهومه أنه لا يبين الضعف غير الشديد، لا يبين الضعف غير الشديد، أنه يسكت، إذا كان يبين الضعف الشديد مفهومه أنه يسكت عن الضعف غير الشديد الخفيف، وهل يتفق هذا مع قوله وما سكت عنه فهو صالح؟ بصيغة التمريض وما سكت عنه فهو حسن؟ هل يتفق التنصيص على بيان الضعف الشديد؟ مع كونه يسكت عن الصالح فقط، يتفق وإلا ما يتفق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، خلونا نناقش عبارته، هو يبين الضعف الشديد، وما يسكت عنه فهو صالح، ومفهوم أو مقتضى بيانه للضعف الشديد أن الضعف غير الشديد لا يبينه، ومع ذلكم هذا الذي لا يبينه يصفه بأنه صالح، يتفق هذا، منطوق الجملة الثانية هل يتفق مع مفهوم الجملة الأولى؟ يتفق وإلا ما يتفق؟ يعني مفهوم الجملة الأولى: أنه لا يبين الضعف الخفيف، ومنطوق الجملة الثانية: أن ما سكت عنه فهو صالح، لا يتفق إلا إذا قلنا أن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد، نعم؛ لأن الخبر قد يكون صالحاً للاحتجاج، وحينئذ يكون صحيحاً، أو حسناً؛ لأن هذا هو الذي يحتج به، وقد تكون الصلاحية للاستشهاد، فيقبل فيها، ويدخل في هذه الصلاحية الضعف الخفيف، هذا ليس بشديد، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو للاستشهاد؛ استقام كلامه، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يستقيم كلامه على هذا، وإلا ما يستقيم؟
"وحيث لا" يعني لا يكون ضعفه شديداً "فصالح خرجته" رأي ابن الصلاح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه؟
طالب:. . . . . . . . .(5/17)
على كلامه؛ ما به وهن شديد يبينه، التزم بيانه، وإذا سكت، ولم يبين فالضعف ليس بشديد على هذا، وقد يكون من الأنواع الثلاثة دون الضعف الشديد، الصحيح والحسن، يدخل فيما يسكت عنه الصحيح، والحسن، والضعيف الذي ضعفه غير شديد، ومقتضى قوله: فهو صالح ينافي أو يناقض مفهوم الجملة الأولى؛ لأننا إذا قلنا: الصلاحية للاحتجاج، نعم أشكل على مفهوم الجملة الأولى، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد؛ فما سكت عنه يصلح أن يكون للاحتجاج، إذا كان صحيحاً، أو حسناً، ويصلح أن يكون للاستشهاد إذا كان دون الحسن مما ضعفه ليس بشديد.(5/18)
"البيان" كيف يقع بيان أبي داود بعد الأحاديث؟ أحياناً يبين ضعف الحديث بالتنصيص على أن الحديث ضعيف، وأحياناً بجرح بعض رواته، وأحياناً بذكر ما يخالفه مما هو أرجح منه، وهو أعم، لكن هل التزم بيان كل ضعف شديد؟ الواقع لا، قد يقال عنه: إن الضعف الشديد الذي لا يخفى على آحاد الطلاب لا يلتزم بيانه، وأما الضعف الشديد الذي يخفى على طلاب العلم بينه، لكن عموم قوله: "وما به وهن شديد" أو وهم شديد فقد بينته، يشمل الجميع كل ضعف شديد يبينه، والواقع واقع الكتاب يشهد بخلاف ذلك، فهناك أحاديث ضعيفة، وأحاديث شديدة الضعف ولم يبينها، اعتماداً على فطنة الطالب والقارئ، أو يقال: إن البيان أعم من أن يكون في السنن، قد يكون بين في السؤالات، سئل عن بعض الأحاديث وبينها، سئل عن بعض الرواة وبينه، وقد يكون بين علة حديث في موضع من خلال إسناده وجاء حديث آخر من خلال هذا الإسناد الذي بينه في موضع آخر، وسكت عنه؛ لأنه بينه في موضع، مادام أن فلان علة في هذا الخبر؛ يحتاج أن يكرره في كل خبر يرويه؟ لا يحتاج، وعلى كل حال هذا كلامه في رسالته إلى أهل مكة، علماً بأن روايات سنن أبي داود متفاوتة، أبو داود كغيره من الكتب؛ كتب السنة الأصلية لها روايات، فهناك رواية اللؤلؤي، وهناك رواية ابن داسة، وهناك رواية ابن العبد، وفي كل رواية ما يخالف الرواية الأخرى من زيادة ونقص في الأسانيد، والمتون، وفي الكلام على الأحاديث؛ فقد يكون بين في رواية، ولم يبين في رواية أخرى، الروايات الثلاث كلها مشهورة، ومعروفة؛ هناك روايات أخرى غير مشهورة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كأن اللؤلؤي أشهره، وهي التي عليها شرح الخطابي، يقول:
فما به ولم يصحح وسكت ... عليه عنده له الحسن ثبت(5/19)
هذا كلام الناظم، وهو يحكي كلام ابن الصلاح "فما به" يعني بسنن أبي داود، يعني ما هو موجود في سنن أبي داود "ولم يصحح" يعني غير مخرج في الصحيحين، ولا نص أحد من الأئمة على صحته في كتابه لا فيما نقل عنه على ما تقدم في مسألة التصحيح والتضعيف عند ابن الصلاح "ولم يصحح وسكت" عنه أبو داود "عليه" سكت عليه لم يبين ضعفه، لم يبين ضعفه، ولا صحته، سكت عنه "عنده له الحسن ثبت" يعني هو حسن عند أبي داود، حسن عند أبي داود، الآن أبو داود نص على أنه يبين الضعف الشديد؛ فهل مقتضى هذا أن ما لا يبينه -على ما تقدم- يدخل فيه الضعيف ضعفاً غير شديد؟ يدخل فيه الحسن، ويدخل فيه الصحيح، ويدخل فيه الصحيح.
ابن الصلاح طرداً لرأيه في الانقطاع، في انقطاع التصحيح والتضعيف يرى أنه يتوسط في أمر ما سكت عنه أبو داود، ما صححه الأئمة، وأبو داود لم يشترط الصحة في كتابه، وليس بضعيف؛ لأنه لو كان ضعيفاً لبينه، إذن يتوسط في أمره، والذي جره إلى هذا القول رأيه الذي سبقت الإشارة إليه، وهو أنه يرى انقطاع التصحيح والتضعيف، ولذا حكم على الأحاديث التي في مستدرك الحاكم، وقال:
. . . . . . . . . ما انفرد ... به فذاك حسن ما لم يرد
"بعلة" لكن الحافظ العراقي قال:
. . . . . . . . . والحق أن يحكم بما ... يليق والبستي يداني الحاكما
لكن هل من خلال رأي ابن الصلاح أننا نحكم على الأحاديث بما يليق بها؟ لا، ليس لنا ذلك، فإما أن ينص على صحة الحديث، نعم أو يكون في كتاب متوسط، مثل سنن أبي داود، فيحكم له بالحسن "عنده له الحسن ثبت"
. . . . . . . . . وسكت ... عليه عنده له الحسن ثبت(5/20)
عند أبي داود، وإلا عند ابن الصلاح؟ نعم "وسكت عليه" سكت أبو داود عليه، خرجه في كتابه، وسكت عليه، "فما به" أي بالكتاب من الأحاديث التي لم تصحح، ولم تخرج في الصحيحين، وسكت عنها أبو داود، سكت عليها "عنده" الضمير يعود على من؟ "عنده له الحسن ثبت" له هذا يحتمل أن يكون تعود إلى ابن الصلاح؛ لأنه يرى هذا الرأي، وجره إلى ذلك رأيه في انقطاع التصحيح والتضعيف، ويحتمل أن تعود على أبي داود نفسه، فيكون حسناً عند أبي داود، ويكون مأخذ هذا الحسن من قوله: صالح، والأولى أن يقتصر على تعبيره، إذا كان الإنسان مقلد، ويقلد أبا داود في حكمه؛ أبو داود ما قال: وما سكت عنه فهو حسن، إلا في رواية ذكرها الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وذكرها بصيغة التمريض، لكن المعروف في رسالته إلى أهل مكة أنه قال: ما سكت عنه فهو صالح، فإذا كانت المسألة تقليد فليقلد صاحب الشأن، نقول: صالح.
"وابن رشيد" الفهري السبتي إمام من أئمة الحديث "قال -وهو متجه-" قال: وهو متجه، يعني رأي وجيه، مما يرد به على ابن الصلاح، واستحسنه أبو الفتح اليعمري ابن سيد الناس، وقال فيه الناظم:
. . . . . . . . . وهو متجه ... قد يبلغ الصحة عند مخرجه
قد يبلغ ما سكت عنه أبو داود الصحة، وهذا كثير، وقد هذه "قد يبلغ" قد إذا وليها الفعل المضارع تكون للتكثير، أو للتقليل؟ للتقليل هذا الأصل، وإذا وليها الماضي صارت للتحقيق، لكن ماذا عن قوله -جل وعلا-: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} [(18) سورة الأحزاب]، لإيش؟ للتحقيق هذه، تحقيق "قد يبلغ الصحة عند مخرجه" هل الصحيح فيما سكت عنه أبو داود قليل، وإلا كثير؟ كثير، هو ليس بالقليل، يعني الأحاديث المضعفة في سنن أبي داود تبلغ ربع الكتاب؟ ما تبلغ ربع الكتاب، لا تبلغ ربع الكتاب، والحسن فيه كثير، والصحيح كثير.
وابن رشيد قال وهو متجه ... قد يبلغ الصحة عند مخرجه(5/21)
وعلى كل حال هذا الكلام كله الذي يجر إليه رأي ابن الصلاح، ويناسب غير المتأهل للتصحيح والتضعيف، أما من تأهل للتصحيح، والتضعيف، والنظر في الأسانيد، والمتون، والموافقة، والمخالفة مثل هذا لا يعنيه هذا الكلام؛ لا من قريب، ولا من بعيد، وإن كان أهل العلم يعتنون بسكوت أبي داود، فالنووي كثيراً ما يقول: سكت عنه أبو داود فهو صالح، وأحياناً يقول: فهو حسن، وأحياناً يقول: فهو صحيح، في شرح المهذب، وغيره، والمنذري في مقدمة الترغيب ذكر أنه يعتمد على سنن أبي داود، وأن ما يسكت عنه أبو داود دائر بين الصحة والحسن، دائر بين الصحة والحسن، فكوننا نحكم عليه بالحسن تحكم، بل نقول كما قال الحافظ العراقي بالنسبة لمستدرك الحاكم: والحق أن يحكم بما يليق، تدرس الأحاديث، ويحكم على كل حديث منها بما يليق به من الصحة، والحسن، والضعف.
قد يبلغ الصحة عند مخرجه كما أن فيه حسناً كثيراً، وفيه أيضاً ضعيف لكنه ليس بشديد الضعف، إذا سكت عنه، قوله: "عنده له الحسن ثبت" وقول ابن رشيد، وهو يرد على ابن الصلاح:
. . . . . . . . . ... قد يبلغ الصحة عند مخرجه
كأنه يرد قول ابن الصلاح: أنه حسن عند أبي داود، يقول ابن رشيد: "قد يبلغ الصحة عند مخرجه" يعني أبو داود.
وللإمام اليعمري إنما ... . . . . . . . . .
الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري الحافظ الشهير؛ شارح الترمذي، وصاحب السيرة؛ عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، كتاب من أنفس ما كتب في السيرة
وللإمام اليعمري إنما ... . . . . . . . . .
شرحه لجامع الترمذي النفح الشذي –أيضاً- من أفضل شروح جامع الترمذي، ولم يكمله، كمله الحافظ العراقي، وابنه، والسخاوي.
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلماً
أبو داود لما قال: ذكرت الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه، وما به إلى آخره؛ يدل على أنه ذكر الصحيح الذي في أعلى الدرجات، والذي يليه في الدرجة الذي دونه والذي يحكيه مما هو دون ذلك من الحسن، وذكر فيه الضعيف، والتزم بيان الضعيف، فخرج أبو داود أحاديث الدرجة العليا، خرج أحاديث الطبقة التي تليها، وخرج أحاديث الطبقة الثالثة التي تليها بناءً على أنه قال:(5/22)
. . . ... ما صح أو قارب أو يحكيه
في قوله: ما صح، وما يشبهه، يشبهه الصحيح وما يقاربه يدل على أن أحاديثه متفاوتة، درجات منها العليا، ثم الذي تليها، ثم الذي تليها، ثم الطبقة الرابعة الضعيف، وهذا التزم بيانه.
يقول: إن أبا داود في تقسيمه لأحاديث كتابه على هذه الطريقة يحكي تقسيم مسلم:
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلماً
يعني يحكي نظير تقسيم الإمام مسلم لأحاديث كتابه، أحاديث صحيح مسلم هل هي على وتيرة واحدة كلها بالدرجة العليا؟ منها ما هو بالدرجة العليا، ومنها ما هو في الدرجة التي تليها، ومنها ما هو في الطبقة الثالثة، وأما الرابعة على خلاف بين أهل العلم في الثالثة والرابعة، أما الرابعة فلم يخرج منها، بل أضرب عن أهلها.
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلماً
"حيث يقول" يعني مسلم:
حيث يقول: جملة الصحيح لا ... . . . . . . . . .
يعني جملة الأحاديث الصحيحة التي نحتاج إليها، ونعتمد عليها:
. . . . . . . . . ... لا توجد عند مالك والنبلا
يعني من الرواة الحفاظ الأثبات، قد نحتاج إلى حديث فلا نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان إنما نجده عند طبقة تليهم في الحفظ والضبط والإتقان، فهل نترك هذا الحديث؛ لأن هؤلاء أقل من الثلاثة،
حيث يقول: جملة الصحيح لا ... توجد عند مالك والنبلا
"فاحتاج" يعني مسلم
. . . . . . . . . أن ينزل في الإسناد ... إلى يزيد بن أبي زياد
احتاج أن ينزل إلى أحاديث الطبقة التي تليها "ونحوه" نحو يزيد بن أبي زياد كعطاء ابن السائب، وليث ابن أبي سليم، مع أنه يخرج أحاديث هؤلاء في المتابعات، ولم يكثر من التخريج لهم:
فاحتاج أن ينزل في الإسناد ... إلى يزيد بن أبي زياد(5/23)
"ونحوه" ونحوه، ابن سيد الناس يريد أن يلزم ابن الصلاح بأن يحكم على أحاديث مسلم بما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن تقسيم أبي داود لأحاديث كتابه قريب من تقسيم مسلم لأحاديث كتابه، فمسلم -رحمه الله تعالى- يقول في مقدمة صحيحه، يقول: "فإننا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا؛ لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ، والإتقان كالنصف المقدم قبلهم، على أنهم، وإن كانوا فيما وصفنا دونهم .. " يعني على أنهم وإن كانوا في المنزلة دونهم " .. فإن اسم الستر، والصدق، وتعاطي العلم يشملهم كعطاء ابن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حمال الآثار، ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم، والستر عند أهل العلم معروفين، فغيرهم من أقرانهم ممن ذكرنا من الإتقان، والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال، والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية، ألا ترى إنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث ابن أبي سليم، إذا وازنت هؤلاء الثلاثة بمنصور بن المعتر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث، والاستقامة فيه؛ وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لاشك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وسليمان، وإتقانهم لحديثهم، ولم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث، وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون، وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة، وأشعث الحمراني؛ وهما صاحبا الحسن، وابن سيرين كما أن ابن عون، وأيوب صاحباهما إلا أن البون بينهما، وبين هاذين بعيد في كمال الفضل، وصحة النقل، وإن كان عوف، وأشعث غير مدفوعين عن صدق، وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم".(5/24)
هذه الطبقات، فالطبقة الأولى يمثل بمنصور، والأعمش، نعم ويمثل بالطبقة الثانية بابن عون، وأيوب السختياني، إذا قارنتهم مع عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وأشعث الحمراني؛ وجدت الفرق، ثم بعد ذلك تأتي في الدرجة الدنيا من ذكر مثل يزيد بن أبي زياد، وعطاء والسائب، وليث ابن أبي سليم.
يقول: إذا كان هؤلاء الرواة يخرج لهم مسلم، وهم متفاوتون؛ فلنجعل أحاديث منصور، والأعمش الصحيحة في الدرجة العليا، والتي تليها ما قاربه، ويشبهه، والدرجة الثالثة؛ درجة يزيد، وعطاء، وليث هؤلاء درجة ما يحكي الصحيح، التنظير مطابق، وإلا غير مطابق؟ يقول: و .. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كون التقسيم موجوداً، تقسيم الرواة على طبقات، تقسيم الرواة على طبقات موجود في هذا وهذا، وأيضاً التخريج لهؤلاء الطبقات موجود عند الجميع، ولذا قال:
وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلماً
حيث يقول: جملة الصحيح لا ... توجد عند مالك والنبلا
فاحتاج أن ينزل في الإسناد ... إلى يزيد ابن أبي زياد
ونحوه وإن يكن ذو السبق ... . . . . . . . . .
"ذو السبق" مالك، وشعبة، وسفيان يعني السابق "قد فاته" فات يزيد بن أبي زياد ونحوه "قد فاته" أدرك يزيد ابن أبي زياد "أدرك" ما فاته "باسم الصدق" يعني يشترك مع مالك، وشعبة، وسفيان باسم الصدق، والستر الذي ذكره الإمام مسلم، وإن لم يلحق به في الحفظ، والضبط، والإتقان.
. . . . . . . . . وإن يكن ذو السبق ... قد فاته أدرك باسم الصدق
ثم قال:
هلا قضى على كتاب مسلم ... بما قضى عليه. . . . . . . . .
يعني على أبي داود "بالتحكم" الآن ابن الصلاح حينما يقول: إن ما سكت عنه أبو داود يحكم له بالحسن؛ هذا تحكم، وإلا ليس بتحكم، مادام الأنواع كلها موجودة، موجود فيما سكت عنه الصحيح، والضعيف، والحسن؛ فلماذا يحكم عليه بواحد منها دون مرجح؛ أليس هذا هو التحكم؟! نعم:
هلا قضى على كتاب مسلم ... بما قضى عليه بالتحكم(5/25)
يعن يحكم على أحاديث مسلم بمثل ما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن التقسيم متقارب، لكن هل هذا الكلام مقبول من ابن سيد الناس؟ على كلامه، وتقسيمه يعني حديث يزيد بن أبي زياد، وعطاء بن السائب –بمفرده- لن يرتقي عن الحسن، لن يرتقي عن الحسن، لكن إذا نظرنا إلى أن الأمام مسلم ينتقي من أحاديث هؤلاء، ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأبو داود يخرج لهم في الأصول، ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأيضاً أحاديثهم في المتابعات، والشواهد لا في الأصول، وفرق بين كتاب التزمت صحته، واشترط مؤلفه الصحة، ولم يذكر فيه الوهن الشديد؛ كما ذكر أبو داود في كتابه، كتاب التزمت صحته، وتلقته الأمة بالقبول، على ما تقدم في منزلة الصحيحين؛ هل يداني هذا أدنى كتاب؟ افترض أن الإسناد الذي خرج به مسلم في صحيحه الحديث نفس الإسناد، ونفس صيغ الأداء على الصورة المجتمعة في سنن أبي داود؛ هل نستطيع أن نقول حديث أبي داود في مصاف حديث مسلم؟ ولو كان بالصورة المجتمعة، ولو لم يتضمن خلافاً، أو مخالفة، يعني حينما يخرج مسلم حديثاً بإسناد، ويعارضه حديث في سنن أبي داود بنفس الإسناد؛ نرجح إيش؟
طالب: مسلم.
مسلم؛ لأن الأمة تلقت الكتاب بالقبول، والمؤلف انتقى أحاديثه، وله شفوف في الانتقاء، وكتابه شاهد على ذلك، وتصرفه في سياق المتون، والأسانيد يدل على براعة فائقة لا توجد عند غيره، ونقول: إن كتاب أبي داود لوجود هذه الأقسام يضاهي كتاب الـ .. ، هذه الأقسام موجودة عند الطبراني، والبيهقي، وغيره، عندهم صحيح كثير، وعندهم حسن كثير، وعندهم ضعيف كثير، نقول: هذا مثل مسلم؟ وقل مثل هذا في جميع الكتب التي فيها الأنواع الثلاثة؟ لا يمكن أن يقال بهذا، لو لم يكن إلا دقة مسلم، وشدة تحريه، وضبطه، وإتقانه، وتلقي الأمة بالقبول، والأئمة يقولون: إن تلقي الأمة للحديث بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق، أقوى من مجرد كثرة .. ، والأئمة أثبتوا أحاديث ضعيفة؛ لتلقي الأمة لها بالقبول، وإلا من حيث الأسانيد قد لا تثبت؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول، فأثبتوها وعملوا بها.(5/26)
فإذا كان مثل هذا في حديث لا يثبت عند النقد؛ فكيف بأحاديث ثابتة في أصح الكتب بعد البخاري؟ مسلم اشترط الصحة، ووفى، والتزم بما شرط، كونه نزل عن شرطه قليلاً لا يعني أن شرطه قد اختل؛ لأن الإنسان قد ينزل، ويقبل خبر من لا يقبل خبره بمفرده، لكنه مع غيره يقبل، وقد يجزم بأن هذا الراوي الذي نزل عن درجة الحفظ، والضبط، والإتقان بأنه ضبط هذا الخبر؛ فيخرج له:
هلا قضى على كتاب مسلم ... بما قضى عليه. . . . . . . . .
يعني على أبي داود "بالتحكم".
ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:(5/27)
"والبغوي" محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي، إمام من أئمة الفقه، والحديث، توفي سنة ستة عشرة وخمسمائة، له شرح السنة، وله التفسير، وله مصابيح السنة، شرح السنة يذكر أحاديث بأسانيده هو، يذكر الأحاديث بأسانيده هو، وقد يخرج الأحاديث عن طريق الأئمة في كتبهم، لكنه اعتمد نقل الأحاديث بأسانيده منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعلق على هذه الأحاديث بأسطر يسيرة بكلام في غاية الجودة، نفيس جداً، خالٍ عن التعقيد الذي يسلكه كثير من الشراح، فشرحه في شرح السنة جميل، ولطيف، وله درر، وفوائد، ونفائس قد لا توجد عند غيره على اختصاره، فإذا كان مثل فتح الباري يحتاج إلى سنتين، فشرح السنة يحتاج إلى شهرين، ما يزيد على هذا، شرح لطيف، وجميل، وواضح، وبإمكان طالب العلم يقرأه في شهرين، فمثل هذه الشروح اللطيفة التي تولد ملكة عند طالب العلم في فهم السنة، لا سيما وأن فيه أحاديث قد تكون في كتب غير مشروحة، ويبدي الإمام -رحمة الله عليه- براعةً في شرحها، فمثل هذا لو بدئ به لكان طيباً، بدأ طالب العلم بقراءته، وهذا ما يأخذ وقتاً، والوقت وقت إجازة يعني لو قضيت الإجازة بمثل هذا من أنفع الأمور، له كتاب اسمه المصابيح "مصابيح السنة" هذا الكتاب رتبه مؤلفه على الأبواب، وقسم أحاديث الأبواب إلى قسمين: الصحاح والحسان، الصحاح والحسان، ويقصد بالصحاح ما خرجه البخاري، ومسلم، أو أحدهما، والحسان ما خرج في السنن، هذا الكتاب فيه قصور في العزو، قصور في العزو، جاء الخطيب التبريزي فعمل على هذا الكتاب، وأضاف إليه، وعزا أحاديثه، ورتبه على فصول حسب قوة الأخبار وضعفها، والكتاب في الجملة مرتب على الأبواب، وهو من خير ما يقرأ في أحاديث الأحكام، والآداب، وغيرها.
ولأهل المشرق من الهنود، وغيرهم عناية فائقة بالمشكاة، يعني هي مقدمة على كل كتاب عندهم؛ يعني ديدن علمائهم، وشيوخهم قراءة، وإقراء المشكاة؛ طبعت عندهم مراراً، وشرحت شروح كثيرة؛ لأن الفائدة من المشكاة قريبة أقرب منها من الكتب الأصلية الستة، الفائدة قريبة يعني مباشرة تحصل على الفائدة.
والبغوي إذ قسم المصابحا ... . . . . . . . . .(5/28)
المصابح: مصابح ومصابيح جمع مصباح وهو السراج؛ كما يجمع مرسل على مراسل ومراسيل، ومسند على مساند ومسانيد، ومقاطع ومقاطيع، وغيرها، ومفاتح ومفاتيح، هذه صيغة منتهى الجموع، صيغة منتهى الجموع:
والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحاً
"جانحاً" يعني مائلاً؛ لكن التعبير بالجنوح أولاً اقتضاه النظم، ثانياً: اللفظ الذي هو الجنوح الميل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجنوح هو الميل، يعني جنح فلان إلى ترجيح هذا، أو مال إلى ترجيح هذا، المعنى واحد، لكن الجنوح المادة تدل على ما هو أقوى من مجرد الميل؛ يعني ميل، وزيادة "جانحاً"
أن الحسان ما رووه في السنن ... . . . . . . . . .
ما ذكر أن الصحاح ما رووه في الصحيحين؛ لأن هذا يحتاج إلى كلام؟ يعني ما روي في الصحيحين صحيح؛ فيه إشكال؟ ما فيه إشكال، ولذلك ما ذكره، يسلم بأن ما رووه فلي الصحيحين صحيح، من الصحاح هذا، لكن ما رووه في السنن:
. . . . . . . . . ... إلى الصحاح والحسان جانحاً
أن الحسان ما رووه في السنن ... رُد عليه. . . . . . . . .
"رُد عليه" رد على البغوي هذا الجنوح، وهذا الميل، وهذا الاختيار أنَّ ما في السنن يحكم عليه بأنه حسن:
. . . . . . . . . ... رُد عليه إذ بها غير الحسن
القسم الثاني الذي يصدره بقوله: ومن الحسان، ثم يخرِّج أحاديث من السنن، هذه الأحاديث التي عنونها، وترجم لها بالحسان بها غير الحسن، بها الصحيح، وبها –أيضاً- الضعيف:
. . . . . . . . . ما رووه في السنن ... رُد عليه إذ بها غير الحسن
نعم؛ لأنه لا يلزم من كون الحديث مخرجاً في السنن أن يكون حسناً، نعم ابن الصلاح يميل إلى مثل ما تقدم؛ من أنه يتوسط في أمرها ما دام ما اشترطوا الصحة، ولا التزموها، ولا نص أحد على تصحيحه، ولا تضعيفه؛ يتوسط في أمره، وهذا الذي جره إليه مذهبه.
طيب ما الذي دعا البغوي أن يقسم هذا التقسيم؟ وهل يوافق على هذا، أو لا يوافق؟ الناظم يقول:
. . . . . . . . . ... رُد عليه إذ بها غير الحسن(5/29)
بها صحيح، وبها ضعيف، ومقتضى تقسيمه أننا نقبلها من غير نظر، صحيحها، وضعيفها، ومقتضى قوله: أنها لو عورضت بأحاديث صحيحة رجحنا الأحاديث الصحيحة عليها؛ لأنه حكم عليها بالحسن، فهي حسان عنده، لكن هذا القول مردود؛ لأن فيها الصحيح، والضعيف.
دافع بعضهم عن البغوي، والبغوي بين ذلك في مقدمة كتابه، بيَّن في المقدمة، مقدمة المصابيح بيَّن، وهل يكفي مثل هذا البيان ليقول من يقول مثل الخطيب التبريزي، وغيره، التاج، التاج التبريزي ما هو بالخطيب، التاج التبريزي يقول: إنه لا مشاحة في الاصطلاح، ومادام بين اصطلاحه؛ لا مشاحة في الاصطلاح، هل يقال في مثل هذا لا مشاحة في الاصطلاح؟ يعني انتصر بعضهم للبغوي، وقال: مادام بين، وهذا اصطلاح له؛ العلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، مقبول، وإلا غير مقبول؛ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام غير مقبول؛ لأنهم يطلقون لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هل يوافق على كل اصطلاح يصطلحه، ولو خالف ما اتفق عليه في فن، أو علم من العلوم؟ من الاصطلاحات ما لا مشاحة فيه، وما لا يخالف ما تقرر في أي علم من العلوم، أو كان عليه عامة أهل الفن؛ مثل هذا لا مشاحة فيه، لكن إذا خالف ما تقرر في علم من العلوم، أو عليه عامة أهل هذا الفن فإنه يشاحح فيه، ومثال ذلك لو أن شخصاً ألف كتاباً في الفرائض، وقال: أنا باصطلح لنفسي اصطلاحاً، وهو أني أسمي العم خالاً، والخال عماً، اصطلاح، وأبينه في المقدمة، يقال له: لا بأس، اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؟ لا، يشاحح في مثل هذا الاصطلاح، لكن لو أن شخصاً قال: أنا أسمي والد الزوجة عم، وقال آخر: لا، أنا أسميه خال، يشاحح في الاصطلاح، أو لا مشاحة في الاصطلاح؟ لا مشاحة في الاصطلاح؛ لأن الاصطلاح الأول إذا غير العم بالخال، والعكس؛ تترتب عليه أحكام شرعية، أما الثاني ما يترتب عليه شيء، سواءً قلت له: عم، أو خال ما يفرق، فهناك اصطلاح يشاحح فيه، واصطلاح لا مشاحة فيه.(5/30)
حينما نأتي إلى الخرائط -الخرائط الجغرافية- شخص يريد أن يؤلف في الجغرافيا، ويقول: الناس يسمون هذه الجهة الشمال، وهذه الجهة الجنوب، أنا أبا اصطلح لنفسي، وأبين في المقدمة أن جهة الشام جهة الجنوب، وجهة اليمن جهة الشمال، وأنا أبين، نقول: صحيح، وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، أو لو قال: إن السماء تحت، والأرض فوق، هذا اصطلاح أبينه في كتابي، يشاحح، وإلا ما يشاحح؟ لا بد من مشاحته في مثل هذا، الذي يخالف ما يتفق عليه أهل فن من الفنون بحيث تضطرب أحكامهم بسببه؛ هذا يشاحح فيه، لكن لو قال: الشمال شمال، والجنوب جنوب، لكن بدلاً من الشمال فوق في الخارطة أنا بقلب الخارطة؛ أخلي الجنوب فوق، يغير من الواقع شيئاً؟ ما يغير من الواقع شيئاً، ونقول: لا مشاحة في الاصطلاح، وبعض المتقدمين من الجغرافيين يجعل الجنوب فوق؛ مثل هذا لا مشاحة في الاصطلاح سواءً اللي فوق شمال، وإلا تحت، ما يفرق، أما الذي يغير من الواقع، أو مما تعارف أهل العلم، أو يترتب عليه تغيير في الأحكام الشرعية؛ فإن هذا لا بد من مشاحته، وأي تغير يحصل من اصطلاح البغوي؟ يترتب عليه أن جميع ما في القسم الثاني نقبله، وإن كان فيه ضعيف، وأيضاً جميع ما في القسم الثاني نرجح عليه ما صح، ولو كان فيه صحيح؛ لأنه حكم عليه بحكم واحد، وهو الحسان، قد يقول قائل: إن البغوي يريد الحسن اللغوي، لا الحسن الاصطلاحي، لكن المتبادر من اللفظ هو الحسن الاصطلاحي لمقابلته بالصحاح.
كان أبو داود أقوى ما وُجِد ... . . . . . . . . .(5/31)
كان أبو داود في سننه يخرج، ويروي أقوى ما وُجِد "وُجِد" كذا بخط الناظم، وقال السخاوي: يجوز بناءه للفاعل "أقوى ما وَجَد" وهو أظهر في المعنى، يعني أقوى ما وجد هو، يقول: هو أظهر في المعنى وإن كان الأول، يقول: أنسب، ومادام بخط الناظم، ومادام بخط الناظم، فأهل مكة أدرى بشعابها، وهو أعرف، وتقدم لنا ترجيح السخاوي غير ما رجحه الناظم في نظمه "وابن شهاب عنه به" الناظم يقول: بالحديث، والسخاوي يقول: لا، بالسند، يصحح على صاحب النظم، ولا شك أن الناظم أعرف بما يريد، لكن السخاوي من خلال عموم الكلام في المسألة، وأنها مسألة إسنادية، لا حديثية، لا متنية يرجح السند، وهنا يقول: يجوز بناءه للفاعل وهو أظهر "كان أبو داود أقوى ما وَجَد" يعني أقوى ما وجد هو في الباب بغض النظر عن كونه أقوى، أو أضعف عند غيره، وأما على ما كتبه الناظم بخطه "أقوى ما وُجِد" بالنسبة له ولغيره، فقد يكون الحديث عنده أقوى، لكنه عند غيره ليس بأقوى، على كلام الناظم يخرجه، وإلا ما يخرجه؟ لا يخرجه، حتى يكون أقوى ما وُجِد عنده، وعند غيره، وأما على ما استظهره السخاوي فإنه أقوى ما يجد عنده في رأيه في نقده بغض النظر عن غيره، ونظير هذا ما جاء في الحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين))، الرواية الأخرى: ((يُرى أنه كذب)) فمجرد ما يرى أن هذا الحديث كذب، يرى هو بغض النظر عن رؤية غيره؛ يحرم عليه، فلا يحرم عليه رواية الحديث إلا إذا رأى في نقده هو أنه كذب، وأما على الرواية الأخرى يُرى؛ فإنه ليس له أن يخرج ما يراه غيره أنه كذب ولو رآه هو صحيحاً، إذا رآه واحد؛ صدق عليه أن يُرى أنه كذب، وهنا نقول:
كان أبو داود أقوى ما وُجِد ... . . . . . . . . .
أو "وَجَد" يرويه، يعني يخرجه في كتابه "أقوى" وصيغة أفعل التفضيل هنا هل هي على بابها، أو ليست على بابها؟ على بابها أو ليست على بابها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أقوى ما وجد هو، ما له علاقة بالصحيحين.(5/32)
إذا قلنا: إنها على بابها؛ قلنا: إنه يخرِّج لا يخرج إلا الأحاديث القوية؛ لأن أفعل التفضيل تقتضي اشتراك شيئين فأكثر في وصف يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فعلى هذا تكون الأحاديث كلها قوية، كلها قوية، وينتقي من هذه الأحاديث القوية أقواها؛ هل هذا مراده؟ أو أنه قد ينتقي من الأحاديث الضعيفة أقواها، فتكون أفعل التفضيل على غير بابها، وكثيراً ما يستعمل أهل الحديث أفعل التفضيل لا على بابها، فيقولون: أصح ما في الباب حديث كذا، وهو ضعيف، لكنه بالنسبة لما قرن به أصح، وأقوى، وإن كان ضعيفاً، وفلان أوثق من فلان، وكلاهما ضعيف، يعني إذا قلنا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي؛ هل معنى هذا أننا نوثق ابن لهيعة، والإفريقي؟ لا، وقل مثل هذا في العكس، إذا قلنا: نافع أضعف من سالم؛ هل معنى هذا أننا نضعف سالماً، ونافعاً؟ لا، فهم يستعملون أفعل التفضل لا على بابها.(5/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (6)
تابع الحسن - الضعيف
الشيخ/عبد الكريم الخضير
هل معنى هذا أننا نضعف سالم ونافع؟ لا، فهم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها لكن العطف، عطف الضعيف على الأقوى يدل على أنه يريد بالأقوى القوي، اسم القوي، فهو يستعمل أفعل التفضل على بابها هنا، "والضعيف حيث لا يجد"، يخرج هذا ويخرج هذا، يخرج القوي، ويخرج الضعيف، ومما جاء في استعمال أفعل التفضيل لا على بابها قوله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} [(24) سورة الفرقان] يعني خير ممن؟ نعم، من أهل النار، وهل يشترك أهل الجنة وأهل النار في خير؟ لا، أهل النار لا يصل عندهم خير، نسأل الله السلامة والعافية، {وَأَحْسَنُ} [(24) سورة الفرقان] أفعل تفضيل أيضاً، وهل عند أهل النار حسن ليكون أهل الجنة أحسن منهم؟ لا، فهي ليست على بابها، "والضعيف حيث لا يجد" "حيث لا يجد في البَابِ غَيْرَهُ" في الباب لا يجد غير هذا الحديث، إذا لم يجد في الباب ترجم بترجمة بحكم شرعي، وما وجد مما يناسب هذا الحكم إلا حديث ضعيف، ما وجد فيه حديث صحيح ولا حسن في الباب غيره "فذاك عنده"، عند أبي داود هذا الحديث وإن كان ضعيفاً.
. . . . . . . . . فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)(6/1)
يعني نقل ابن مندة عن أبي داود أن الحديث الضعيف أقوى عنده من رأي الرجال، أقوى عند أبي داود من آراء الرجال، ولذلك قال: "فَذَاكَ عِنْدَهْ مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) "، وهو أيضاً مروي عن الإمام أحمد، وهو أن من الأصول التي يعتمد عليها الحديث الضعيف من المرسل وغيره، إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأن الضعيف أقوى عنده من آراء الرجال، ونقل بعضهم من الحنفية رأي أبي حنفية هكذا، وهو موجود أيضاً في شرح المشكاة المولى علي قارن المنسوب لأبي حنيفة، أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، لكن قد يستغرب مثل هذا، قد يستغرب بعض طلاب العلم على ما استصحبه من طريقة أبي حنيفة والحنفية في استعمالهم للرأي والقياس، وإكثارهم منه، وأما اعتمادهم على الأحاديث فهو أقل من غيرهم، أقل من غيرهم، فالرأي يظهر عندهم، ولذلك يلقبون بأصحاب الرأي، ولكن هذا معروف. الذهبي أيضا في ترجمة أبي حنيفة وصاحبيه، ذكر أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، وهم معروف عن الإمام أحمد ومعروف عن تلميذه أبي داود، "والنسئي" بالقصر هو منسوب إلى نسأ، ويقال نسئي ونسائي، والنسئي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي آخر أصحاب الكتب الستة وجوداً ووفاة، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِع(6/2)
وسننه سنن النسائي من الدين بالمنزلة المعروفة، ومن بين الكتب مكانته مرموقة، وفائدته عظيمة، لكنه يحتاج إلى خبير بهذا الفن بصير به، لماذا؟ لأن أكثر التراجم عنده اختلاف، نوع من أنواع العلل، ولذا تجدون الشراح قليل منهم من يعرج على بيانها لصعوبتها، تحتاج إلى الواحد من الألف ممن يهتم بهذا الشأن، فكتابه عظيم، علماً بأن تراجم النسائي فيها من الاختلاف بحث في رسائل، "والنسيء يخرج من لم يجمع عليه تركاً"، يخرج لمن لم يجمعوا عليه من الرواة، من يجمع عليه أهل العلم على تركه، الذي لا يتفق أهل العلم على تركه يخرج له الإمام النسائي، يعني لو وثقه واحد وضعفه عشرة يخرج له وإلا ما يخرج له؟ على كلامه يخرج له، وإذا ضعفه جميع الأئمة يخرج له أو لا؟ لا يخرج له، وهذا لا شك أنه مذهب متسع، كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-، إلا أن يقصد بذلك إجماع خاص، إن كان يقصد إجماع خاص، يعني كالإجماع الذي ذكره مسلم، وإنما خرجت في كتاب ما أجمعوا عليه، مسلم قالوا عنه أنه يريد إجماع أربعة من الأئمة: " الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة"، المهم أنهم ذكروا أربعة، فهذا إجماع خاص يمكن حصر هؤلاء، ومعرفة رأيهم، أما من لم يجمعوا عليه تركاً، هذا إن كان مراده الإجماع المعروف وهو اتفاق الكل، لا شك أنه مذهب متسع، سعة سعة شديدة في الخطو، تساهل شديد مع أن الإمام النسائي عرف عنه من الناحية النظرية الشدة في التحري والنقد في الرجال، شديد، حتى قال بعضهم: إن شرطه أشد من شرط مسلم، لكن هذا الكلام حسب ما أُثر عنه، وروي عنه، ونقل عنه، يعني كلام نظري إذا طبقناه على كتابه تخلَّف هذا الشرط، فخرج أحاديث ضعيفة، خرج أحاديث ضعيفة، لكن إذا قارناه بين السنن الأربعة وجدناه أقلها ضعيفاً، وجدنا سنن النسائي أقل السنن ضعيفاً، "مذهب متسع ومن عليها أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلاً صريحاً" الآن ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- تبعاً لابن الصلاح من مضان الحديث الحسن سنن أبي داود، وأيضاً النسائي، ولم يتعرض للترمذي، الترمذي من مضان الحسن، وهو الذي شهره وأكثر من ذكره، والأحاديث الحسان فيه كثيرة جداً، وينص على حسن الأحاديث، ينص على صحتها، وعلى(6/3)
غرابتها، فهو يحكم على الأحاديث، وإن كان بعض المتأخرين يستروح ويميل إلى أن ما حكم على الترمذي بالحسن فقط، أنه حسب الاصطلاح ضعيف، لكن هذا ليس بمضطرد، لكن هذا ليس بمضطرد، إنما يمشي على تعريفه هو، يمشي على تعريفه هو، فإن داخل الضعيف في تعريفه، قلنا: إن الضعيف داخل في تعريف الحسن عنده على ما تقدم في كونه لا يشترط الاتصال، ولا يشترط انتفاء ضعف الرواة بغير الاتهام بالكذب على ما تقدم تقريره. وعلى كل حال مثلما ذكرنا سابقاً أن كتاب الترمذي أنفع ما يتمرن عليه طالب العلم، أنفع ما يتمرن عليه طالب العلم، وفيه أنواع كثيرة من علوم الحديث، أنواع كثيرة من علوم الحديث، وفيه أيضاً نقل لمذاهب الأئمة من الفقهاء وغيرهم، والتنصيص على العمل وعدمه، هذا ينفع طالب العلم، ويستفيد منه فائدة كبيرة، فالكتاب من أنفع الكتب، وأما الكتاب الأخير وهو سنن أبن ماجة فهو أقلها، أقلها مرتبة ومنزلة وواقعة، ولذا اختلفوا في جعله السادس، أول من جعله سادس الكتب من؟ أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من جعله السادس، ومنهم من يجعل السادس الدارمي، ولا شك أن الدارمي ليس فيه من الضعيف الشديد أو الرواية عن المتركوين مثلما في ابن ماجه، ابن ماجه فيه موضوعات قليلة، وفي ضعيف كثير وشديد الضعف، لكن الدارمي وإن كثرت فيه الآثار إلا أنه أنظف أسانيد ومتون من سنن ابن ماجه، وسنن ابن ماجه لا شك زوائده على الخمسة كثيرة جداً أكثر من الدارمي، وفيه فوائد إسنادية ومتنية، وفيه فوائد في الأحكام فيه كذا ثلاثة آلاف ترجمة بأحكام فقهيه، ويستدل على هذه التراجم بالنصوص هذا يفيد طالب العلم مما لا يوجد نظريه في سنن الدارمي، فبعضهم يقول السادس الدارمي وبعضهم يجعل السادس سنن ابن ماجة، وهو الذي استقر عليه العمل، ورزين العبدلي صاحب تجريد الأصول، ويتبعه ابن الأثير في جامع الأصول، جعلوا السادس الموطأ، جعلوا السادس الموطأ، والموطأ لا شك أنه أقوى أحاديث إذا نظرنا إلى جملة الكتاب، من سنن ابن ماجة، لكن إذا نظرنا إلى عدد الأحاديث، وكثرة كلام مالك في الموطأ، وكثرة الآثار والموقوفات والمقطوعات والمراسيل في الموطأ وجدنا أن المرفوع الصحيح في سنن(6/4)
ابن ماجة كثير بالنسبة للموطأ، وإن كان كثير من المراسيل في الموطأ موصول في الصحيحين أو في أحدهما أو في غيرهما، المقصود أن هذا هو الخلاف في المراد بالكتاب السادس فإما أن يكون الموطأ، وعليه جرى بعضهم كصاحب تجريد الأصول وجامع الأصول، وإما أن يكون الدارمي هو والسبب ما ذكرنا، وإما أن يكون ابن ماجة هو الذي استقر عليه العمل.(6/5)
"ومن عليها" يعني على الكتب الخمسة مجتمعة أو مفرقة، "وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا" أما الصحيحان لا إشكال، وما ضاع البحث فيهما وأن جميع ما فيهما صحيح، "ومن عليها"، أما بالنسبة للصحيين فعرفنا منزلة الصحيحين، يبقى النظر في السنن، قال الصحاح الستة، أو كتب الإسلام، الأصول الخمسة كلها صحيحة، كل ما فيها صحيح، أو كلها صحيحة، كما قال الحافظ أبو طاهر السلفي في رسالته التي أملاها على مقدمة شرح الخطابي معالم السنن، ذكر أنها صحيحة، الأصول الخمسة، وذكر أن أصولها صحيحة في موضع قال: أصول هذه الكتب صحيحة، وقال مرة: أحاديثها صحيحة، فرق بين العبارتين كون أصل الخبر صحيح، غير كون لفظه صحيح، وقد يكون الحديث في السنن وفيه كلام، وأصله في الصحيحين، هذا لا يلزم منه صحة الفرع صحة الأصل لا تعني صحة الفرع، على كل حال كلامه فيه تجوز وتساهل، ومنهم من أطلق على سنن أبي داوود والترمذي صحيح أبي داود وصحيح الترمذي، ومنهم من قال صحيح النسائي، ومنهم من قال صحيح الترمذي على جهة الإفراد، المقصود أن من أهل العلم من أطلق على السنن الصحاح، وهذا فيه تساهل، تساهل شديد صريح كما قال الناظم: "ومن عليه أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلاً صريحاً" وفيها الصحيح وهو كثير، وفيها ما دونه من الحسن، وفيها الضعيف، فلا يليق إطلاق الصحيح على هذه الكتب؛ لأن فيه تغريراً للقارئ، القارئ إذا سمع صحيح أبي داوود أو صحيح الترمذي أو صحيح النسائي، قد يغتر يعمل بجميع ما فيها إذا لم تكن لديه أهليه ولا خبرة، لكن من ميز أحاديث هذه الكتب، وجعل الصحيح على حدة، والضعيف على حدة، يحق له ويليق به أن يقول صحيح أبي داود وضعيف أبي داوود، لكن الكلام فيمن أطلق على سنن أبي داود بعجره وبجره صحيح أبي داود، أو وقل مثل هذا في الترمذي والنسائي، هذا تساهل أما من ميز الصحيح من الضعيف، وجعل الصحيح وتساهل في إدخال الحسن في الصحيح، هذا مقبول في الجملة؛ لأن من الأئمة السابقين من يجعل الحسن من أقسام الصحيح.
س/ هذا يقول ألا يكفي للرد على البغوي في تقسيمه للصحاح والحسان أن أبا داود نص على أنه ذكر الضعيف الشديد في كتابه وبين هذا؟(6/6)
لكن يجاب عن هذا بأن البغوي بين أيضاً في مقدمة مصابيحه أنه ما كان منه من ضعف شديد أو نكارة أو شذوذ فإنه التزم بيانه، لكن كأن الناظم في قوله: وأبو داود بعد "كان أبو داوود أقو ما وجد * يرويه والضعيف حيث لا يجد" والنسائي بعده في البيت الذي يليه: "وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا* عَليْهِ تَرْكَاً" كأنه يريد أن يرد على البغوي بصنيع أبي داود والنسائي.
يقول: ما المقصود بالضعيف الذي يقدم على رأي الرجال؟ ما المقصود بالضعيف الذي يقدم على رأي الرجال؟
هو الضعيف الذي يقبله العلماء في الفضائل، هو ما كان ضعفه غير شديد هذا يقدمونه على رأي الرجال، ولا شك أنك إذا وقفت على حديث ولو كان فيه ما فيه، وما في المسألة إلى رأي مجرد، نعم ما فيه إلا رأي مجرد، نعم، ما فيه إلا رأي مجرد دون اعتماد على أصل شرعي، فالضعيف رده لعارض، والرأي رده أصلي، الرأي مردود في الدين من الأصل مردود، نعم، والخبر الضعيف رده لأمر عارض لضعف راويه فاحتمال أن يكون هذا الراوي قد ضبط فقبول الضعيف أولى من قبول الرأي، والمراد بالرأي المجرد الذي لا يستند على قاعدة كلية أو نصوص عامة.
يقول: ذكرت أن إطلاق الصحيح على السنن فيه تغرير للقارئ، فما القول على صحيح ابن خزيمة، وابن حبان مع أنها دون السنن في الرتبة؟
من قال أنها دون السنن في الرتبة، ما قال أحد أنها دون السنن في الرتبة، هي ذكرت في مضان الصحيح ما ذكرت في مضان الحسن، فليست دون السنن في الرتبة، على ما فيها من تساهل.
يقول: تحرير مسألة الأمس ألا وهي مسألة إذا كان الحديث حسن لغيره وله شواهد هل نقول صحيح، وما هو المترتب على ذلك من آثار؟(6/7)
إذا كان الحديث حسن لغيره، يعني مفرداته ضعيفة، ثم وجدنا مما يشهد لها حديث في الصحيحين أو في أحدهما هل نرقيه درجة واحدة؟ أو نرقيه درجتين إلى الصحيح؟ هذه المسِألة مختلف فيها، والأكثر أنه يرتقي بها إلى الحسن لغيره، يرتقي بها إلى الحسن لغيره، إذ لا يرتقي درجتين، منهم وهذا يشم من تصرف الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث أنه لا مانع من ارتقائه درجتين، والمسألة فرق بين أن تحكم على ما في الصحيح، وأن تحكم على حديث خارج الصحيح، أنت الآن عندك كتاب نعم من كتب ابن أبي الدنيا مثلاً وورد فيه حديث من طريق ابن أبي الدنيا وفي سنده ضعيف، يشهد له حديث يعني حديث ابن أبي الدنيا افترض أنه من حديث ابن عمر وفي طريقه ضعيف يشهد له حديث أبي هريرة في البخاري، هل تستطيع أن تقول حديث ابن أبي الدنيا صحيح، أو تقول له شاهد عند البخاري يرتقي به إلى الحسن، الأكثر على هذا أنه ما يرتقي، لكن لو حكمت على حديث أبي هريرة لا تتردد في صحته ولو لم يوجد حديث ابن عمر، فرق بين أن تحكم على حديث خارج الصحيح وبين أن يكون الحديث في الصحيح.
يقول: لما نجد من كثرة الهجوم على المتقدمين والمتأخرين واتهامهم بالوهم خاصة ابن حجر؟ لما نجد من فروق بين أقواله في التقريب والفتح؟
على كل حال ابن حجر ليس بالمعصوم بشر، ويكفيه أنه اجتهد وحرر ونقح وتعب في ذلك، فأجره على الله، وأما من يقع فيه فكغيرهم من أهل العلم إذا أراد الله -جل وعلا- لإنسان منزلة في الجنة لا يبلغها بعمله، حرك ألسنة الناس للكلام فيه، فيكسب من رواء هذا الكلام الحسنات، ومع ذلك لا ننسى أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- بشر ليس بمعصوم، وأما مخالفاته العقدية معروفة، ويبقى أنه إمام وحافظ شاؤوا أم أبوا.
يقول: لو أرشدتنا إلى أحسن الشروح لكل من كتاب الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة؟(6/8)
الترمذي أحسن الشروح لكنه مفقود شرح ابن رجب، وما وجد منه يد على باقية، فهو من أفضل الشروح بل لو جزمنا بأنه أفضل الشروح على الإطلاق شرح ابن سيد الناس فهي موجودة وتكملته للحافظ العراقي ففيه نفس طويل، وتحريرات وتحقيقات في الحديث وعلومه وفي غيره في الفقه أيضاً لا توجد عند غيره، شرح ابن العربي فيه الناحية الفقهية طاغية على الصناعة الحديثية وفيه فوائد ونفع لكن سوء الطباعة قد يحول دون الاستفادة منه، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر من يجمع نسخ الكتاب ويحققه، عارضة الأحوذي، وأما تحفة الأحوذي فعلى اختصاره فهو نافع، نافع جداً.
النسائي هو من أفقر كتب السنة شروح، والعزوف عنه بسبب ما ذكرنا من هذه التراجم المحيرة التي فيها العلل، نعم تراجم محيرة؛ لأن عدم الترجيح بين هذا الاختلافات أثره على النص ظاهر، فكيف يستطيع شخص أن يشرح هذا النص وهو ما تصرف في الترجمة، كيف يرجح بين هذا وهذا وهو ما استطاع أن يرجح بين هذا الاختلاف الموجود في الترجمة، هذا الذي جعل الكثير يعزفون عن شرحه، وهناك شرح مختصر جداً للسيوطي اسمه زهر الرُبى، وهناك مختصر أيضاً حاشية للسندي، وهناك مختصر لشرح السيوطي على اختصاره اسمه عرف زهر الرُبى لشخص مغربي مطبوع قبل مائة سنة، مع بقية شروحه على الكتب الستة.
شروح ظهرت أخيراً مثل شرح الشيخ محمد علي آدم المطول جداً وفيه مادة وفيرة جداً، يقع الكتاب في أربعين جزء كتاب متعوب عليه ومصروف فيه أوقات وجهد، وهو كتاب في الجملة جيد يعني من نظر فيه كأن الشيخ جمع له المراجع، وفقه الله، هناك شرح للمختار الشنقيطي طبع منه أجزاء يسيرة والكتاب ناقص.
أما أبو داود فهناك شرح أبي سليمان الخطابي المعروف بمعالم السنن شرح نفيس جداً على اختصاره، وهناك أيضاً شرح لابن رسلان شرح مطول وجميل لكنه لم يطبعه محقق ولم يطبع، هناك عون المعبود والشرح جيد ومؤلفه غير متعصب ومعتمد اعتماد أغلبي على الخطابي وابن القيم، وهناك بذل المجهود شرح طيب وفيه فوائد، لكنه يتعصب لمذهبه الحنفي.(6/9)
ابن ماجة أيضاً شروحه قليلة لكن منها شرح شرح مغلطاي، وهو ناقص يعني كل النسخ الموجودة ليست فيها شرح للمقدمة، والمقدمة من أولى من يعنى به طالب العلم في سنن ابن ماجة، هناك حاشية للسندي، وحواشي أيضاً كثيرة لبعض علماء الهند حواشي كثيرة طبعت مع ابن ماجة يستفاد منها.
يقول: ما رأيكم في كتاب تحرير علوم الحديث للجديع؟
هذا كتاب ما قرأته؟ وأنا لا أقرأ للمتأخرين.
ما هي أحسن طبعة لعمدة القاريء؟
أحسن طبعة إلى الآن هي طبعة الطبعة المنيرية وما صور عنها.
ما رأيكم في طبعة كتاب التقييد والإيضاح تحقيق أسامة الخياط؟
ما رأيته أنا عمدتي على الطبعة الأولى طبعة راغب الطباخ، والطبعة التي تليها، طبعة المكتبة السلفية في المدينة.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في القسم الثاني: (وهو الحسن)
وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى
كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا) ... وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا
والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا
وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ
وَاسْتُشْكِلَ الحسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يَرِدْ فَقُلْ: صِفِ
بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يَرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟
وَ (لأبي الفَتْحِ) في الاقْترَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ
وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ
وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(6/10)
أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في استكمال مضان الحديث الحسن، بعد أن ذكر السنن أعقبها بذكر المسانيد؛ لأن المصنفات في السنة تنوعت، وكثرت، واختلفت طرائق مؤلفيها، ومناهجهم فمنها الصحاح المذكورة في مضان الصحيح، ومنها السنن التي تقدم الحديث عليها وهي ما رتب على الأبواب من الأحاديث المرفوعة، ويقل فيها الموقوف فضلاً عن المقطوع، وهي مرتبة كما ذكرنا على الأبواب، ومنها المصنفات التي هي أشبه ما تكون بالسنن إلا أن الآثار والموقوفات تكثر فيها كمصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، ومنها الموطأات وهي قريبة من تصنيف السنن، وفيها المرفوعات والموقوفات والمقاطيع، والمراسيل، ولذا لا تحلق بالسنن، ومنها المسانيد التي يأتي الحديث عنها في أول ما يشرح من كلام الناظم في هذا اليوم، ومنها المعاجم وهي قريبة جداً من المسانيد حيث تترتب على الشيوخ، ومنها المشيخات التي يرتبها المؤلف على شيوخه ويذكر فيها ما يرويه من طريقهم من طريق كل شيخ تحت ترجمته، وغير ذلك منها الفوائد أيضاً، والأجزاء المقصود أن المصنفات في السنة كثرت، وإذا كان الحديث عن الصحاح والسنن قد انتهى فحديث اليوم في المسانيد، ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "ودونها" يعني دون السنن "في رتبة ما جعلا، على المسانيد" يعني رتب على المسانيد، والمسانيد جمع مسند، والمسند يطلق ويراد به الكتاب الذي رتبت أحاديثه على أسماء الصحابة من رواته، وهو المراد هنا، كما أن المسند يطلق ويراد به الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، ومن ذلك قول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في تسمية صحيحه: "الجامع الصحيح المسند"؛ لأنه تذكر في الأحاديث بالأسانيد، ومنها ما سيأتي من أنواع علوم الحديث المسند المرفوع أو ما قد وصل على ما سيأتي غداً إن شاء الله تعالى، فالمسند يطلق بإزاء إطلاقات متعددة، والذي يعنينا منها هو الإطلاق الأول، وهو الكتاب الذي رتبت فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة، فالمؤلف مؤلف المسند يترجم باسم صحابي ثم يذكر تحت هذه الترجمة ما يقف عليه، أو يصل إليه من أحاديث هذا الصحابي، ويختلف ترتبيهم لأسماء الصحابة منهم(6/11)
من يرتبهم على السابقة، كما فعل الإمام أحمد حيث بدأ بالعشرة، ثم بالمهاجرين، ثم بقية الأنصار، ثم من النساء إلى آخره، المقصود أن المسند المراد به الكتاب الذي ترتب أحاديثه على أسماء الصحابة، ويذكر تحت كل ترجمة من أسماء الصحابة ما وقف عليه المؤلف أو ما أراد أن يخرجه في كتابه أو ينتقيه من أحاديث الصحابة فهي دون السنن، والسبب في ذلك يقول الإمام الحافظ -رحمه الله-: "دونها في رتبة" السبب في ذلك وإن كانت منزلة مؤلفيها في الغالب أعظم من منزلة مؤلفي السنن؛ لأن تأليف المسانيد سابق على تأليف السنن، تأليف المسانيد سابق على تأليف السنن، ومؤلفوها أئمة جلة ممن ذكر منهم أئمة أعلام؛ فالسبب في كون المسانيد دون السنن في الرتبة أن المؤلف في السنن يرتب على الأبواب ويترجم بأحكام، يترجم بأحكام شرعية، فهو يورد تحت هذه الترجمة ما يستدل به لهذا الحكم الذي ترجم به ولم يستدل إلا بأقوى ما يقف عليه، لا يمكن أن يستدل أبو داوود على ترجمة هي عبارة عن حكم شرعي بحديث ضعيف، أو أقل منزلة مما عنده في مروياته، فتجده ينتخب تحت هذه الترجمة ليستدل على الحكم الذي ادعاه بأقوى ما يجد، بخلاف صاحب المسند، فإن صاحب المسند لا يترجم بحكم شرعي، إنما يترجم باسم صحابي، فتجده يذكر تحت اسم الصحابي ما يقف عليه أو يصل إليه من مروياته، ما المانع أن يذكر تحت ترجمة أبي بكر ما وقف عليه، أو ما بلغه مما يروى عن أبي بكر؛ لأنه لا يثبت بذلك حكماً شرعياً، بخلاف من يترجم بحكم شرعي فإنه يعمد ويقصد إلى أقوى ما عنده من الأحاديث، هذا هو السبب في كون المسانيد دون السنن في الرتبة، هذا من حيث الإجمال، من حيث الإجمال، وإلا لو نظرنا إليها تفصيلاً لوجدنا مسند الإمام أحمد من القوة وشدة التحري والانتقاء بحيث يكون ثلاثون ألف انتقيت على أنهم يقولون في عددها أربعون ألفاً، انتقيت من سبعمائة وخمسين ألف حديث، من سبعمائة وخمسين ألف حديث، التي هي محفوظات الإمام أحمد، وبعد أن كتبه وألفه ضرب على أحاديث، فهي أحاديث منتقات، وإن كانت على مسانيد الصحابة، وشرط الإمام أحمد كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إن لم يكن فوق شرط أبو داود فليس دونه، ليس دونه،(6/12)
فالكلام الذي قالوه في تفضيل السنن على المسانيد كلام إجمالي تندرج فيه جميع السنن بالنسبة لجميع المسانيد، لكن لو نظرنا إليها تفصيلاً، وأنزلنا كل كتاب منزلته فإننا نجد من الفروق ما يجعل بعض المسانيد أفضل من بعض السنن، فعلى سبيل المثال مسند الطيالسي أفضل من سنن ابن ماجة، ومسند الإمام احمد أفضل من جامع أبي عيسى والنسائي، وهو في موازاة سنن أبي داود، لكن هم إذا تكلموا تكلموا بكلام إجمالي، يرجحون به من حيث الجملة.(6/13)
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "ودونها في رتبة" في رتبت الأحاديث "ما جعلا" في رتبة من حيث الإجمال، وإلا قد يوجد أحاديث في المسانيد أقوى من بعض الأحاديث في السنن، كما تقدم نظيره في المفاضلة بين الصحيحين، وقلنا: إنه قد يوجد بعض الأحاديث في صحيح مسلم أقوى من بعض الأحاديث في صحيح البخاري، لكن التفضيل إجمالي، التفضيل إجمالي، "ودونها في رتبة ما جعلا" يعني ما صنف على المسانيد، مسانيد الصحابة "فيدعى" الحديث أو فتدعى الأحاديث في هذا المنصف الذي صنف على أسماء الصحابة "الجفلا" بالعموم تدعى الأحاديث بالعموم، والعادة أن الذي يدعو العموم لا ينتقي، لا ينتقي، والدعوة "الجفلا" التي تدعى إليها العامة، تدعى إليها العامة، كانت المناسبات قبل وجود بطاقات الدعوات يقف صاحب المناسبة بباب المسجد عندنا مناسبة كذا وكذا ليلة الجمعة أو ليلة السبت أو في يوم كذا، عندنا مناسبة فيدعوهم إليها، هذا يدعو كل من في المسجد، الكبير والصغير والشريف والوضيع، العالم والجاهل هذا لا ينتقي، لكن إذا كانت الدعوة خاصة نقراء الخاصة تجده في المناسبات سابقاً إذا دخل المسجد جلس عند فلان من الناس وذكر له أن عنده مناسبة، ثم انتقل منه وترك واحد اثنين ثلاثة وجلس عند الرابع، وقال عندنا مناسبة، ثم ذهب إلى العاشر وقال عندنا مناسبة، يترك مجموعة من الناس ينتقي أناس بأعيانهم، فهل المدعو في حال الجفلا العموم بمنزلة من يدعى بعينه وينتقى من بين غيره؟ هذا التنظير مطابق، هذا التنظير دقيق يدعى الجفلا، يدعو الأحاديث على أي وضع كان، فهو يضع هذه الأحاديث تحت هذه الترجمة، ولا أدل على ذلك من كون هذه الأحاديث مبعثرة وليست مرتبة تحت هذه الترجمة فتجده يذكر حديث في أول الترجمة في البيوع مثلاً، ثم يعود إلى حديث في الطهارة ثم يرجع إلى حديث في النكاح، ثم يعود إلى حديث في الزكاة، ثم الصلاة ثم ... ، من غير ترتيب، فكأنه وضعها بالجملة هكذا، من غير نظر في مفرداتها، وأما من ينتقي وهو صاحب الدعوة النقراء التي يدعى إليها الخاصة دون العامة، هذا لو وضع وشأن آخر، فتنظيره -رحمه الله- مطابق على المسانيد، مسانيد جمع مسند وتجمع أيضاَ على مساند، على ما سيأتي في(6/14)
بابه المساند والمسانيد والمراسل والمراسيل والمقاطع والمقاطيع، مصابح والمصابيح كلها تجمع هكذا، "فيدعى الجفلا" يقول طرفة بن العبد: نحن في المشتات ندعو الجفلا ... لا نترك الآدب فينا ينتقر، ينتقر يعني يدعو الناس دعوة النقراء هذا يستدل به على كرمهم، ثم مثل لهذه المسانيد وذكر منها في قوله: "كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي انتقدا".(6/15)
ابن الصلاح مثل بهذه، قال كمسند الطيالسي، ومسند الإمام أحمد، ومسند الدارمي، مسند الطيالسي أقدم المسانيد بالنظر إلى من أضيف إليه؛ لأن الطيالسي توفي سنة أربعة ومائتين، أبو داود، سليمان بن داود الطيالسي، نسبة إلى الطيالسة التي تلبس فوق الرأس، توفي سنة أربعة ومائتين، والإمام أحمد سنة أحدى وأربعين ومائتين، فهو متقدم عليه من هذه الحيثية، من حيث النسبة، وإلا فمسند الطيالسي من حيث الوضع والتصنيف بعد مسند الإمام أحمد؛ لأنه صنف انتقاه بعضهم مما يرويه يونس بن حبيب عن الطيالسي، فإذا كان يونس بن حبيب متأخر عن الإمام أحمد، والذي صنف المسند وانتقاه من مروياته متأخر أيضاً، قد يقول قائل: إن الإمام أحمد مسنده من رواية ابنه عبد الله، من رواية ابنه عبد الله وهو متأخر، طرائق المتقدمين في التصنيف، يعني هل يشك شخص ممن له أدنى عناية بالسنة أن المسند للإمام أحمد؟ نعم، يشك أحد؟ كما أن الموطأ للإمام مالك؟ إذاً كيف يقال في الموطأ: حدثني يحيى عن مالك، وفي المسند حثني عبد الله قال: حدثني أبي، التصنيف عند المتقدمين يختلف عن التصنيف عند المتأخرين، الراوي عن المؤلف يذكر ويثبت اسمه، ولذا تجدون ذكر عبد الله بن الإمام أحمد يتكرر في جميع ما جاء عن طريقه، وما جاء من زوائد القطيعي يذكر فيها اسمه أيضاً، ولذا الذي لا يعرف طريقة المتقدمين يقول المصنف من بعد الإمام، من بعد عبد الله بن الإمام أحمد، من بعد عبد الله بن الإمام أحمد، لا يعقل أن يقول الإمام أحمد حدثني عبد الله قال حدثني أبي، إذاً الكتاب لغيره، وهذا ما جعل شخصاً لا علاقة بالعلم الشرعي يقول في الأم للإمام الشافعي أنها من تصنيف الربيع، وليست من تصنيف الشافعي، لما ذكرنا، ويؤلف رسالة اسمها إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي، الأم ليست للإمام الشافعي، وهي مقطوع بنسبتها إلى الإمام الشافعي، والمقصود أن الذي لا يعرف هذه التصانيف ولا طرائق المتقدمين في التأليف يشكك مثل هذا التشكيك "كمسند الطيالسي"، الطيالسي اشتهر بهذه النسبة اثنان هما: أبو داود الطيالسي صاحب المسند المذكور هنا، وأبو الوليد الطيالسي واسمه؟ اسمه إيش؟ لو كان ما روى إلا حديث واحد أو أحاديث(6/16)
يسيرة أو ذكره لا يدور في الكتب المشهورة قلنا الإخوان معذورين، أبو الوليد الطيالسي، باسم خليفة من خلفاء المسلمين؟ هشام بن عبد الملك نعم الطيالسي "كمسند الطيالسي وأحمدا"، مسند الإمام أحمد من أعظم دواوين الإسلام، وأطلق عليه بعضهم الصحة، وذكر بعضهم أن الإمام أحمد قال إنه إنما فيه صحيح، وأن الحديث الذي لا يوجد فيه فليس بحديث، على كل حال قد يقول المؤلف مثل هذا الكلام للإغراء، للإغراء، على ما تقدم تقريره في مواضع، يقول مثل هذا الكلام ليغري طلاب العلم بكتابه، لا ليمتدح به، "وعده للدارمي انتقدا" عده للدارمي انتقدا، إذا كان المسند يطلق بإزاء إطلاقات متعددة فإن المقام يقتضي أن يكون المسند على إطلاق معين، ولا يحتمل غيره، وهو ما ألف على مسانيد الصحابة، وإذا نظرنا إلى الدارمي وجدنا الكتاب مرتب على الأبواب، قد يقال مسند بالإطلاق الثاني وهو أن الأحاديث فيه مسندة، لكن لا يرد هنا؛ لأن مراد الناظم تبعاً لابن الصلاح الكتب التي رتبت على مسانيد الصحابة، وكتاب الدارمي مرتب على الأبواب، ولذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-: "وعده للدارمي انتقدا"؛ لأنه ليس على المسانيد وإنما هو على الأبواب، قد يقول قائل: إن ابن الصلاح لا يريد السنن المعروفة سنن الدارمي، لا يريد هذا المتداول بين الناس، فقد جاء في ترجمة الدارمي في تاريخ الخطيب صنف الجامع والتفسير والمسند، صنف الجامع والتفسير والمسند، فذكر المسند في ترجمته فلعله يريد هذا. من المسانيد مسند الحميدي، عبد الله بن الزبير، شيخ الإمام البخاري، شيخ الإمام البخاري، وهو مطبوع في مجلدين طبعة في الهند بعناية حبيب الرحمن الأعظمي، ثم طبع بعد ذلك محققاً،(6/17)
المقصود أنه من المسانيد المتقدمة شيخ الإمام البخاري، وهو مرتب على المسانيد ومنها مسند مسدد بن مسهرد، وهو أيضا من شيوخ الأئمة متقدم عليهم، وهناك مسانيد كثيرة، ومسند بقي بن مخلد، وهو متأخر عنهم، وهو فيما ذكر عنه من أعظم الكتب المصنفة في هذا الباب، وأخذوا عدة أحاديث أبي هريرة منه التي زادت على خمسة آلاف وأربع مائة حديث، فيدل على عظم هذا الكتاب، وكثرة محتوياته، والمسانيد مثلما ذكرنا كثيرة لكنه اقتصر على بعضها لتمثيل، ولبيان منزل أن هذه الكتب دون منزلة السنن التي رتبت على الأبواب، وذكرنا السبب.
والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
إذا حكم إمام فقال هذا حديث إسناده صحيح، أو إسناده حسن؛ هل يلزم من هذا تصحيح الإمام للحديث، أو تحسين الإمام للحديث؟ وبعبارة أخرى: هل هناك تلازم بين صحة الإسناد، والمتن؟ أو ضعف الإسناد والمتن؟ الجواب لا، لا تلازم بين صحة الإسناد، وصحة متنه، ولا ضعف في الإسناد، وضعف في متنه، فقد يصح الإسناد، ويشتمل المتن على علة، أو شذوذ مخالفة، وإن كان الإسناد صحيحاً، رواته ثقات كل واحد منهم قد أخذ الخبر عمن فوقه بطريق معتبر، يعني مع الاتصال، فقد يكون الإسناد صحيحاً، والمتن فيه مخالفة، شذوذ فيه علة، فلا تلازم بين صحة الإسناد والمتن، وقل مثل هذا في التحسين، وقل مثل ذلك في التضعيف، قد يضعف الإسناد، ويصح المتن؛ لوروده من طرق أخرى صحيحة، وقد يكون الإسناد حسناً، والمتن صحيح، وقد يكون حسناً، والمتن ضعيف، المقصود أنه لا تلازم بينها، ولذا قال:
والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
يعني الحكم للإسناد أمره سهل، يدركه متوسط الطلبة، فإذ وجد حديثاً بإسناده، أو استخرج حديثاً من السنن، ودرس إسناده من خلال كتب الرجال، وعرف أن كل واحد لقي الآخر، وأخذ عنه، أو عاصره مع إمكان اللقاء على القول الثاني، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، حكم للحديث بأنه صحيح؛ إذا وجدهم كلهم ثقات، كل واحد روى عن الثاني؛ حكم للإسناد بالصحة، قال: إسناده صحيح، أو الحديث بهذا الإسناد صحيح، صحيح إسناده، لكن يبقى النظر في المخالفة، واستقامة المتن:(6/18)
والحكم للإسناد بالصحة أو ... بالحسن دون الحكم للمتن رأوا
فإذ قال الإمام: إسناده صحيح، دون قوله: الحديث صحيح؛ لأنه إذا قال: الحديث صحيح، ضمنا صحة المتن، صحة المتن، فلا يمكن أن يقول الإمام: الحديث صحيح بمجرد صحة إسناده إلا وقد تم نظره في متنه، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "واقبله" يعني اقبل هذا الحكم، إذا قال إمام من الأئمة ممن يعتمد قوله، ويعول عليه إذا قال: إسناده صحيح اقبله.
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... . . . . . . . . .
يعني من الأئمة؛ أئمة هذا الشأن:
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعف ينتقد
قال إسناده صحيح، يعني حينما يقول الإمام احمد: هذا حديث إسناده صحيح، أو يقول الإمام البخاري: إسناده صحيح، أو يقول أبو حاتم: إسناده صحيح، هل يتصور من مثل هؤلاء الأئمة أنهم يغررون بالناس، ويقولون إسناده صحيح، ومتنه فيه علة؟ هذا ما جعل الناظم يقول:
واقبله إن أطلقه من يعتمد ... ولم يعقبه بضعف ينتقد(6/19)
يعني ما قال إسناده صحيح، ومتنه فيه كذا، إذا أطلق صحة الإسناد، فاقبله؛ لأن إمامة أمثال هؤلاء، وورع أمثال هؤلاء من أن يغرروا بالقارئ، أو السامع لا يتركهم يتركون العلة التي يعرفون ما في المتن من مخالفة، ويقتصرون على تصحيح الإسناد، أو تحسينه، لكن يوجد في كلام المتأخرين تصحيح الإسناد؛ ليبرؤوا من عهدة المتن، ويوجد هذا كثيراً في البحوث التمرينية، التي يمرن عليها الطلاب، أنهم قد لا يدركون العلل، وقد لا يستطيعون استيعاب الطرق، ويجمعونها لينظروا المخالفة من الموافقة، فيمرنون على دراسة الإسناد الموجود "واستشكل الحسن مع الصحة" استشكل جمع الحسن مع الصحة "في متن" وهذا يستعمله الترمذي كثيراً في أحكامه على الأحاديث، يقول: هذا حديث حسن صحيح، هذا حديث حسن صحيح، يقوله الترمذي كثيراً، ووجد في تعبير غيره، لكن الذي أكثر منه الترمذي، هذا الإطلاق، أو هذا الحكم المزدوج من لفظين مختلفين مشكل؛ لأنه حينما يقول: هذا الحديث حسن، إثبات للحكم على الحديث بالدرجة الدنيا من درجات القبول، فإذا أردفها بالدرجة العلياء أشكل، أشكل؛ يعني أنت حينما تسمع الترمذي يقول: هذا حديث حسن، والحسن عنده أدنى درجات الحسن، فضلا عن أن يكون من أدنى رجات الصحيح، حسن، ثم بعد ذلك يرفعه إلى الدرجة العلياء، هذا إشكال يعني التنظير المطابق في حياة المتعلمين عموماً في الدراسات النظامية ممتاز، وجيد جداً؛ هل يستطيع طالب إذا سئل أن يقال له: ما تقديرك؟ يقول: جيد جداً ممتاز؛ لأن جيد جداً إثبات للقصور عن درجة الامتياز، جيد جداً إثبات للقصور عن درجة الامتياز، وإثبات الامتياز إثبات لبلوغها، فكيف ينفى عنه بلوغ الغاية، ثم يثبت له، نفي وإثبات في آن واحد، أما مع اتحاد الجهة، فلا يمكن، ومع اختلاف الجهة، وانفكاك الجهة يمكن، كيف مع اتحاد الجهة؟ لو كان تقدير هذا الطالب في التقدير العام جيد جداً، وتقديره في مواد تخصصه جيد جداً، فلا يمكن أن يقول: جيد جداً ممتاز؛ لأن الجهة متحدة، لفظان متنافران يطلقان على جهة واحدة! لا يمكن، إثبات ونفي يتجهان إلى جهة واحدة! هذا غير ممكن، لكن لو انفكت الجهة، فقال: جيد جداً، يقصد بذلك التقدير العام، وممتاز يقصد به(6/20)
التقدير الخاص في مواد التخصص، انتهى الإشكال، ظاهر وإلا مو بظهار؟ طيب نأتي إلى ما عندنا: الترمذي حينما يصف الحديث بأنه حسن، يصفه بأنه لم يبلغ الدرجة العلياء، ثم إذا أطلق عليه الصحة، وصفه بأنه بلغها؛ فكيف ينفي البلوغ ويثبت البلوغ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأجوبة بلغت خمسة عشر جواباً، الأجوبة عن هذا الإشكال بلغت خمسة عشر جواباً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي، لا، الآن أنا أريد أن نقرر الإشكال؛ هل فيه إشكال، أو ما فيه إشكال؟ نعم؟ فيه إشكال؛ لأن فيه نفي عن بلوغ الغاية، ثم إثبات لبلوغ الغاية.
طالب:. . . . . . . . .(6/21)
نعم، يعني هذا من الأجوبة، يعني هذا من أصل الإشكال، قولهم: "استشكل"؛ هل هو مشكل، وإلا ما هو بمشكل؛ مشكل لأنه لما يقول: حسن، ينفي عنه بلوغ الغاية، ثم إذا قال: صحيح، أثبت له بلوغ الغاية، والنفي والإثبات في آن واحد، في جهة واحدة، من زاوية واحدة؛ لا شك أنه لا يمكن إطلاقاً، لا يمكن أن يتجه إلى ذات واحدة نفي، وإثبات لشيء واحد؛ هل تستطيع أن تقول: جاء زيد، وما جاء؟ تستطيع في آن واحد، يمكن؟ ما يمكن! نفي وإثبات، لا يمكن أن نثبت هذا، لكن لو قيل لك إن زيداً وصل جدة من الخارج، فبإمكانك أن تقول: جاء زيد، وما جاء؛ جاء إلى عموم البلد الذي هو المملكة، وما جاء إلى خصوص ما تريد اللي هو بلدك، فإذا انفكت الجهة؛ انتهى الإشكال، فهل تنفك الجهة في إطلاق الترمذي، أو لا تنفك؟ ليسوغ كلامه الأجوبة عند أهل العلم كثيرة جداً، وكل له جوابه، ونبدأ بما قرره الناظم -رحمه الله تعالى-: "فإن لفظاً يرد" فإن لفظاً يرد، يعني يرد، فإن يرد بإطلاق الحسن اللفظ يعني لفظه حسن، لفظه حسن باعتباره اشتمل على ما يسر المكلف من بشارة مثلاً، وهو في الحقيقة صحيح، حديث صحيح ألفاظه حسنة، بليغة، فصيحة، تطرب السامع "فإن لفظاً يرد" يعني إن يرد الحسن اللفظي "فقل: صفِ به الضعيف" هذا الرد لابن دقيق العيد، حينما قال ابن الصلاح: لا يبعد، ولا يستنكر أن يريد الترمذي بالحسن حسن اللفظ، وأما بالنسبة للحكم فهو صحيح، "فقل: صفِ به الضعيف" فقل صفِ به الضعيف، وهذا الجواب لابن دقيق العيد، لكن كيف يتجه كلام ابن دقيق العيد، والمسألة مفترضة فيما وصف بالصحة؛ هل يمكن أن يوصف هذا الحَسَن حُسْناً لغوياً يوصف به الضعيف، المسألة مفترضة في حُسْن اللغوي مع صحة الثبوت، مع صحة الثبوت؛ فكيف يقول: صفِ به الضعيف؟ نعم من الضعيف ما هو حسن الألفاظ، بل من الموضوعات ما يطرب السامع لذكره، هذا لو لم يكن هذا الحسن مقروناً بالصحة، واضح وإلا مو بواضح؟ هذا الكلام من ابن دقيق العيد يرده اقتران الحُسْن الذي حمله ابن الصلاح على الحسن اللغوي، بالحكم بالصحة، فلا يمكن أن يتصور أنه ضعيف مع وصفه بالصحة، إن كان يريد به الحسن اللغوي، ابن دقيق العيد يقول: "فقل: صفِ به الضعيف" عادة(6/22)
القصاص حينما يعظون الناس بالأحاديث الضعيفة، أو الموضوعة؛ تجدهم ينتقون الألفاظ التي تجذب السامع، وتستهويه، فألفاظه حسن من هذه الحيثية، لكنها لا يمكنها أن توصف مع هذا الحُسْن بأنها صحيحة، فلا يرد انتقاد ابن دقيق العيد، لكن هل يراد به الحسن؛ حُسْن اللفظ؟ قد يروى حديث صحيح متفق عليه في الصحيحين لكن لفظه ليس بحسن على حد زعمهم؛ لأن الحسن ما فيه بشارة للمكلف، أو ما فيه فصاحة وبلاغة، قد يوجد صحيح في أعلى درجات الصحيح لكنه مع ذلك دون الضعيف، ودون الحسن من حيث الفصاحة والبلاغة، ومن حيث البشارة للمكلف بحيث يكون فيه نذارة للمكلف، والترمذي حينما عرف الحسن قال: هذا هو الحسن عندنا يعني أهل الحديث، والحسن عند أهل الحديث يريدون به الحُسْن الاصطلاحي، لا الحُسْن اللغوي، لا يريدون به الحسن اللغوي، وإن استحسن بعضهم كلام ابن الصلاح "أو يرد ما يختلف سنده" إن كان يريد الترمذي ما يختلف سنده "فكيف إن فرد وصف" يعني إن كان يريد الترمذي بقوله حسن صحيح بأن الحديث وَرَد أو روي من أكثر من طريق؛ بعضها صحيح، وبعضها حسن، فهو صحيح باعتبار، حسن باعتبار، وهنا تكون الجهة انفكت، الجهة انفكت من طريق حسن، ومن طريق صحيح؛ هذا الكلام مستقيم، وهو أحد الأجوبة لاسيما إذا تعددت الطرق، لكن يرد عليه:
. . . . . . . . . أو يُرد ما يختلف ... سنده فكيف إن فرد وصف(6/23)
فكيف إن فرد وصف؟ يعني إذا أمكن حمله على ما تعددت طرقه، فيكون من طريق صحيح، ومن طريق حسن، وغاية ما في الأمر أن الواو حذفت، والأصل في التعبير أن يقول: حسن وصحيح، حسن باعتبار، وصحيح باعتبار، فحذف حرف العطف، وعلى هذا إذا وجد الحديث بإسناد حسن، ووجد بإسناد صحيح، كان أقوى مما يحكم عليه بالصحة فقط؛ فكيف إن فرد وصف، هذا يمكن يتجه إذا قال: حسن صحيح فحسب، لكن إذا قال: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، حسن صحيح غريب لا نعرفه من حديث فلان، "فكيف إن فرد وصف" ما الجواب عن هذا؟ هذا استدراك، أو رد على من يقول: بأنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، والجواب صحيح، واعتمده جل أهل العلم فيما إذا تعددت طرق الحديث؛ صحيح باعتبار، حسن باعتبار آخر، وانفكت الجهة، وانتهى الإشكال، لكن إذا كان الحديث لا يُعرف إلا من هذا الوجه كما يقول: فالجواب عنه أن من أهل العلم من يراه قد بلغ الصحة، ومنهم من يراه قصر عن الصحة، فالحديث حديث حسن عند قوم، صحيح عند آخرين، أو يكون الإمام نفسه الترمذي تردد في بلوغه الصحة، تردد: هل بلغ أو لم يبلغ؟ فيقول: حسن صحيح، ويكون قد حذف حرف التردد، حذف حرف التردد، الذي هو الشك، وأصل العبارة أن تكون: "حسن أو صحيح"، حسن أو صحيح، وحذف حرف الشك، أو التردد، فعلى هذا ما يقول فيه: حسن صحيح، على هذا الاعتبار؛ أقوى مما يقال فيه صحيح فقط، أو أضعف؟ قلنا: إن الجواب الأول إذا ورد من طريقين أحدهما حسن، والثاني صحيح، أقوى مما يقال فيه صحيح فقط، وعلى هذا الاعتبار الأخير، والجواب الأخير: أن إرداف الكلمتين لبعض، والإتيان بهما معاً أن سببه تردد الناقد، سواء كان من أكثر من واحد، أو من واحد سواءٌ كان من الترمذي، أو من غيره، ترددوا في الحكم عليه؛ هل بلغ الصحة، أو لم يبلغ؟ حينئذ يقال: ما قيل فيه صحيح فقط أقوى مما يقول فيه حسن صحيح، ظاهر، وإلا مو بظاهر؟ وهذان الجوابان ارتضاهما ابن حجر في النخبة وشرحها، في النخبة وشرحها.(6/24)
هناك جواب يقول -وهو قريب من مسألة التردد- يقول: ما يقول فيه حسن صحيح، يقول إنه حسن مشرب بالصحة، أو العكس صحيح مشرب بحسن، يعني نتيجته مزجية بين الحسن والصحة، يعني كما يقال: إذا أضفت على السكر ليمون؛ ويش تقول؟ السكر حلو، والليمون حامض؛ ماذا تقول إذا مزجتهما؟ حامض حلو، حامض حلو، حسن صحيح مثل حامض حلو، هذا كلام أبداه بعضهم، ومرده إلى أي الأجوبة؟ إلى الجواب الأخير، إلى الجواب الأخير، إذا قلنا: إنه متردد فيه، متردد فيه؛ هل بلغ الصحة، أو لم يبلغ؟ صار صحة مشربة بحسن، أو العكس؟
ولأبي الفتح في الاقتراح ... . . . . . . . . .
أبو الفتح ابن دقيق العيد "في الاقتراح" كتاب مشهور، كتاب مشهور نظمه العراقي –أيضاً-، وشرحه السخاوي، والنظم والشرح موجودان لكن ما بعد تم طبعهما، ولأبي الفتح في الاقتراح "أبي الفتح" ابن دقيق العيد في كتابه المعروف في الاقتراح، وهو في علوم الحديث، ومطبوع، ومتداول.
ولأبي الفتح في الاقتراح ... أن انفراد الحسن ذو اصطلاح
"أنَّ انفراد الحسن ذو اصطلاحي" يعني إطلاق الحسن هنا اصطلاح لا يرجع إلى اللفظ "أن انفراد الحسن ذو اصطلاحي" طيب كيف نقول: إنه اصطلاح، ويردف بما يعارضه، عندهم ما في مشكلة:
وإن يكن صح فليس يلتبس ... كل صحيح حسن لا ينعكس
يقول الحسن في اصطلاح الترمذي اصطلاحي، الحسن ليس بلفظي كما يقول أبن الصلاح، لا، اصطلاحي، إذا كان اصطلاحي، والحسن عنده منزلة دنية أدنى درجات القبول؛ فيكف يرد ف بأعلى درجات القبول، يقول:
وإن يكن صح فليس يلتبس ... كل صحيح حسن لا ينعكس(6/25)
ابن دقيق العيد يقرر أن النسبة بين الصحة والحسن التباين، أو التداخل؟ التداخل "كل صحيح حسن لا ينعكس" يعني كل من بلغ الدرجة العلياء فقد مر بالدرجة الدنيا، يعني من طلع بالدور الثالث، ألا يكون قد مر بالدور الثاني حتماً؟ نعم، إذا افترضنا أن الضعيف مساوي للأرض، والحسن الدور الأول، والصحيح في الدور الثاني، أذا أراد أن يرقى الحديث إلى الصحيح يمكن أن يطلع إلى الدور الثاني من غير أن يمر بالدور الأول؟ هو يقول: بينهما التداخل، الآن لو قدم لوظيفة، واشترطوا في القبول جيد جداً، اشترطوا في القبول جيد جداً، صاحب الامتياز يمكن يقدم وإلا ما يمكن؟ لأنه جيد جداً وزيادة، مر بـ"جيد جداً" وتعداها، فإذا أطلقنا عليه الصحة، فالحسن حاصل لا محالة، الحسن حاصل لا محالة.
وقل مثل هذا في المسألة الحمارية، أو اليمِّية في الفرائض في مسألة الأخوة لأم مع الأخوة الأشقاء، يعني الأخوة الأشقاء أخوة لأم وزيادة، يعني أخوك الشقيق لو قيل هذا ما هو بأخ لك من أمك؛ تنكر وإلا ما تنكر؟ ألا يمكن أن يقال أنه أخ لأم؛ لأن أمك ولدته، أخ لأم وزيادة، فبينهما تداخل، وهنا يريد أن يقرر ابن دقيق العيد أن كل صحيح حسن، كل امتياز فيه جيد جداً:
. . . . . . . . . ... كل صحيح حسن لا ينعكس(6/26)
لكن إذا اشترطوا الامتياز، يأتي صاحب الجيد جداً، ويقدم؟ لا يمكن "لا ينعكس" يعني في الأخوة الأشقاء، في الأخوة الأشقاء إذا وجد من يحجب الأخوة لأم، والأخوة الأشقاء يرثون في صورة؛ هل يمكن أن يقول الأخوة لأم: نحن إخوانكم أشركونا معكم؟ لا، لكن في أرث الأخوة لأم يمكن يأتي الأشقاء، ويقولون: أمنا واحدة ما الذي يفرق بيننا، كما قالوا في المسألة المعروفة: هب أن أباهم حماراً، أو حجراً في اليم، نعم فإذا بلغ الدرجة العليا مروراً بالدنيا، فيتصور اجتماعهما، لكن لا يتصور اجتماعهما حينما يبلغ الدنيا فقط، فإنه لن يبلغ العليا، إذا قيل مثلاً: فلان سار، ذهب إلى مكة عن طريق البر، وفي طريقه بلد من البلدان، مع هذا الطريق المعتاد يمكن أن يصل إلى مكة دون أن يمر بهذا البلد؟ لا يمكن، لكن لو وقف عند هذا البلد، ورجع دون أن يصل إلى مكة يمكن أن يقال: إنه ذهب إلى كذا، ولم يصل إلى كذا، فـ "كل صحيح حسن لا ينعكس" فالنسبة بينهما ايش؟ التداخل عنده، لكن إذا نظرنا إلى واقع النوعين، هل يمكن أن يقال بهذا القول أو لا؟ هل النسبة بين الصحيح والحسن التبيان، أو التداخل؟ تباين وإلا تداخل، يعني إذا نظرنا إلى الأنواع الثلاثة، إذا نظرنا إلى الأنواع الثلاثة: الصحيح، والحسن، والضعيف؛ هل هي بمثابة تقسيم الكلمة إلى: اسم، وفعل، وحرف، أو بمثابة تقسيم العمر: شباب، وكهولة، وشيخوخة؟ النسبة بينها في الاسم، والفعل، والحرف؟ تباين وإلا تداخل؟ تباين، والنسبة بين مراحل العمر تداخل ما في واحد بصير شيخاً قبل أن يمر الشباب والكهولة، فالنسبة بينها هل نقول أنها تداخل وإلا تباين؟ نعم؟
طالب: بينهما.
يعني قسيم؟ لا هو إذا نظرنا إلى ..
طالب:. . . . . . . . .(6/27)
لا هو فيه، كلام ابن دقيق العيد له وجه، لكنه ليس من كل وجه مقبول، منهم من قال بالتباين، ومنهم من قال: بالتداخل، ومنهم من قال: إنهما متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، يعني ما النسبة بين الصحيح لذاته، والحسن لغيره؟ في تباين وإلا تداخل؟ الصحيح لذاته، والحسن لغيره تباين، وإلا تداخل؟ تباين، لكن ما بين الصحيح لغيره، والحسن لذاته؟ فيه تداخل؛ لأن الصحيح لغيره عبارة عن حسن لذاته تعددت طرقه، فهما من جهة متباينان، ومن جهة متداخلان، جهة التداخل بينهما، أولاً جهة التبيان؛ لأن عندنا مراتب أربع، أربع مراتب: صحيح لذاته، صحيح لغيره، حسن لذاته، حسن لغيره، المرتبة العليا مع الدنيا، صحيح لذاته مع حسن لغيره؛ هل يمكن أن يلتقيان؟ ما يمكن؛ تبيان لكن المرتبتين المتوسطتين: صحيح لغيره مع الحسن لذاته فيه .. ؟ فيه تداخل، فيه تداخل باعتبار أن الصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، وتقدم الكلام فيه، نعم:
والحسن المشهور بالعدالة ... والصدق راويه إذا أتى له
طرق أخرى نحوها من الطرق ... صححته كمتن: ((لولا أن أشق))
هذا تقدم، وهذا هو المعتمد أنهما متباينان من وجه، متداخلان من وجه.
طالب:. . . . . . . . .(6/28)
إيه، لكن عليه إيرادات، يعني إذا كان من طريقين ممكن إذا كان من طريق واحد، ولا اختلفوا فيه، في صحته؛ لأنه إذا كان من طريقين، افترض أنه من طريقين صحيحين؛ يرد كلامه؟ لا هذا يورد عليه، وإذا كان من طريقين كلاهما متفق عليه، على صحته يرد على الثاني، إذا كان من طريق واحد، واتفق الأئمة على تصحيحه؛ يرد على الجواب الثاني، وعلى كل حال مثل هذا الكلام؛ الحكم بالصحة والحسن من حيث الواقع العملي، من حيث الواقع العملي، إنما يحتاج إليه من أراد أن يقلد الترمذي، والكلام كله هذا جر إليه مذهب ابن الصلاح من قطع التصحيح والتضعيف، وإلا إذا أرنا أن ننظر في الأسانيد والمتون، ونحكم على كل حديث بما يليق به انتهى الإشكال، نُسَخ الترمذي، نسخ الترمذي من القدم، من القرن السادس فما دون يوجد فيه اختلاف كبير في الأحكام على الأحاديث، ولذلك كلهم يوصون أن العناية بجمع نسخ سنن جامع الترمذي، النسخ العتيقة الموثقة التي قرأها الأئمة، وتداولها، وقابلوها أمر لا بد منه لتصحح نسختك عليها؛ لأنها تتباين، لكن إذا قلنا أنه يكفينا أن المتن صحيح، قارناه بأكثر من نسخة وجدن المتن ما في إشكال، والسند كذلك، ما في تحريف، ولا تصحيف، ولا تقديم، ولا تأخير يكفينا أن ندرس الإسناد، وندرس المتن، ونجمع طرقه، وشواهده، ومتابعاته، ونحكم عليه بما يليق به عند التأهل، عند التأهل، على كلام ابن دقيق العيد: كل صحيح حسن، وقلنا إننا إذا اعتبرنا الضعيف على سطح الأرض، وقلنا: إن الحسن في الدور الأول، والصحيح في الدور الثاني، عادي طبيعي، أنك أول مرحلة الضعف، ثم يرتقي إلى الحسن، ثم بعد ذلك يرتقي إلى الصحيح، يعني إجراء طبيعي، اللفظ مناسب جداً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم حسن لذاته.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح لغيره؛ تريد هذا؟
طالب:. . . . . . . . .(6/29)
هذا يمكن إذا كان مما يتعدى طرقه، يعني يمكن من الأوجه التي يمكن أن تقال: إذا أدت طرقه هو أحد الأجوبة، لكن يبقى أنه إذا قال: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قد يقول: حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن فلان وفلان وفلان؛ يجتمع وإلا ما يجتمع؟ يعني لا نعرفه إلا من هذا الوجه، يعني عن هذا الصحابي، يعني عن هذا الصحابي دون غيره من الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
هم قالوا، أوردوا عليه نعم، وذكره الناظم فيما تقدم، نعم:
وقال الترمذي: ما سلم ... من الشذوذ مع راو ما اتهم
بكذب ولم يكن فرداً ورد ... قلت: وقد حسن بعض ما انفرد
هذا أوردوه عليه فيما تقدم، أوردوا ابن سيد الناس، أبو الفتح اليعمري:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
ثم قلنا أن من الأجوبة أنه صحيح باعتبار إسناد، وحسن باعتبار إسناد، يورد عليه ..
. . . . . . . . . ما صح من إفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح، يعني كلام ابن سيد الناس له ارتباط بكلام ابن دقيق العيد، وإلا بكلام الترمذي، يعني أوردوا على ابن دقيق العيد، وإلا أردوا على الترمذي؟ نعم؟ الإيراد الأخير على الترمذي، وإلا على ابن دقيق العيد؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يورد على ابن دقيق العيد، وما صح من أفراد؟ لأن كلام ابن دقيق العيد يقول: انفراد الحسن اصطلاحي، إطلاق الحسن اصطلاحي "وإن يكن صح" يعني إذا اقترن به، أي إذا وصف بالصحة بعد وصفه بالحسن "فليس يلتبس" ولو كان من طريق واحد؛ لأنه إذا أطلق عليه صحيح، فقد مر بدرجة الحسن، كل صحيح حسن "كل صحيح حسن لا ينعكس" وليس كل حسن صحيحاً:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي
يعني يورد على الجواب الذي ارتضاه كثير من أهل العلم أنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، إذا قيل: حسن صحيح في الأفراد، حسن صحيح في الأفراد، فكيف يقال أنه حسن من طريق، وصحيح من طريق، يعني لو جاء إلى حديث الأعمال بالنيات، وقال: حسن صحيح، وقلنا: إنه حسن من طريق، صحيح من طريق، وما له إلا طريق واحد:
وأوردوا ما صح من أفرادي ... حيث اشترطنا غير ما إسنادي(6/30)
حديث النهي عن بيع الولاء والهبة، ما صح إلا من طريق واحد، ((كلمتان خفيفتان على اللسان .. )) إلى آخر الحديث، ما صح إلا من طريق واحد، فإذا وصفناه بأنه حسن صحيح؛ كيف نوجه هذا؟ هل نستطيع أن نقول: إن حديث الأعمال بالنيات جاء من أكثر من طريق: حسن من بعضها، وصحيح من بعضها؟ لا، هل نستطيع أن نقول: إنه صحيح عند قوم، حسن عند قوم؟ لا يمكن؛ لأنه صحيح بالاتفاق؛ فماذا يجاب عما لو قال الترمذي: أنا لا أستحضر ما قال الترمذي، ما لو قال الترمذي في حديث من مثل هذا: حسن صحيح، ما فيه إلا كلام ابن دقيق العيد: إنه صحيح، والصحيح يمكن أن يقال له حسن؛ لأن آه ..
طالب:. . . . . . . . .(6/31)
الألفاظ اللغوية ووصفها بالحسن لا يضطرد، قد يكون الحديث من أصح، وأعلى درجات الصحيح، لكن رواه أحد الرواة بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة، وأورد فيه شيئاً، بعض الكلمات أفصح مما أورد، يعني ما انتقى أفصح العبارات، وهذا موجود؛ يجاب عن هذا بكلام ابن دقيق العيد؛ لأنه تجاوز مرتبة الحسن فيمكن أن يوصف بالحسن؛ لأنه تجاوزها، ففيه حسن وزيادة، وهو الصحة، يعني يقارن قوله بأقوال غيره، هذا إذا فتحنا باب الاجتهاد، وأنا قلت: إن مثل هذا الكلام كله الكثير، الطويل، العريض الذي جر إليه كلام ابن الصلاح في قفل باب الاجتهاد، وأنه ليس لأحد أنـ .. ، عليك أن تقلد الترمذي، ولا تخرج، كل سنة يطلع جواب جديد، كل يلوح له شيء من خلال النظر في الكتاب، ومن خلال الإطلاقات؛ لأن فيها أحياناً يردف حسن صحيح بعبارات تزيد الإشكال، وكررنا مراراً: أن المتأهل إذا نظر في الحديث بسنده ومتنه، وجمع طرقه بشواهده ومتابعاته؛ يحكم عليه بما يليق به، ولو خالف الترمذي: وقال الترمذي: حسن صحيح، وخرجت النتيجة: ضعيف، ويش المانع؟ أو العكس، لاسيما إذا استنار بقول غيره من الأئمة، أما أن يطبقوا على تصحيحه، ثم يخرج بنتيجة، يأتي طالب علم متأخر، ويصحح لأئمة الحديث، وهو يضعفه باعتبار أنه اطلع فيه على علة لم يطلع عليها من سبق، أو العكس يضعفون حديثاً، ويصححه، ويقول: اطلعت على طرق ما اطلعوا عليها، هذا لا يمكن، لكن هو ينظر، وعنده مساحة واسعة للنظر، والاجتهاد مع استنارته بأقوال الأئمة وأحكامها، اصطلاح هو خاص بالترمذي، لكن كيف نتخلص من هذا الإشكال؟ هو إشكال كيف نتخلص منه؟ أوردنا كلام ابن حجر، وأنه إن كان من طريقين فهو محمول على أنه حسن من طريق، صحيح من طريق، وأودنا على هذا الإيراد: كيف لو أن الطريقين كلاهما متفق على صحته؟ ويش تقول؟
يرد على القولين لابن حجر، والإشكال ما زال باقياً، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ابن دقيق العيد ما ينفي الأفراد في كلامه، ما ينفي إطلاق الحسن والصحة على الأفراد، ما ينفيه؛ لأنه حديث واحد، ومن طريق واحد، يمكن أن يقال فيه: حسن صحيح، باعتبار أنه حاز الدرجة الدنيا، وتعداها إلى الدرجة الدنيا:(6/32)
. . . ... كل صحيح حسن لا ينعكس
ما في إشكال، نعم.
القسم الثالث: الضعيف
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ ... مرتبة الحسن وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسم ... واثنين قسم غيره وضموا
سواهما فثالث وهكذا ... وعد لشرط غير مبدوٍّ فذا
قسم سواها ثم زد غير الذي ... قدمته ثم على ذا فاحتذي
وعده البستي فيما أوعى ... لتسعة وأربعين نوعا
لما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- الكلام على النوعين: الصحيح والحسن، ثلث بالضعيف تمام القسمة التي بدأ بها:
وأهل هذا الشأن قسم السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن
فأنهى الكلام على الصحيح والحسن، وأخر الضعيف لتأخره في المرتبة عن قسيميه، فقال: القسم الثالث: الضعيف، وحد الضعيف، وعرفه بأنه ما لم يبلغ مرتبة الحسن، يعني ما قصر عن درجة الحسن:
وكل ما عن رتبة الحسن قصر ... فهو الضعيف وهو أقسام كثر
...
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ ... مرتبة الحسن. . . . . . . . .
هل نحن بحاجة أن نقول: والصحة؟ لأن هذا الكلام له ارتباط بكلام ابن دقيق العيد؛ هل نقول: ما لم يبلغ مرتبة الحسن والصحيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(6/33)
ما وصل الصحيح، لا كابن الصلاح في تعريفه، وتبعه النووي، وابن كثير، ذكروا الصحيح في الحد، فقالوا: كل حديث لم تجتمع فيه شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحديث الحسن، فهو الضعيف، فهل نحتاج إلى ذكر الصحيح؟ أو نكتفي بالحسن لأن ما قصر عن رتبة الحسن، فهو عن رتبة الصحيح أقصر، ونعود لنقرر ما بين الأقسام الثلاثة من النسب على القول بالتباين، على القول بالتباين لابد أن نذكر الصحيح في الحد؛ لأن نفي الحسن عن الخبر لا يقتضي نفي الصحة، على القول بالتباين؛ لأنه قد يكون حسناً، قد يكون صحيحاً، ولا يكون حسناً، أو العكس على القول بالتباين، أما على القول بالتداخل، فلا إشكال يعني حينما يقولون: الحرف ما لا يقبل علامات الاسم، ولا علامات الفعل؛ هل يمكن أن يكتفي بالفعل بعلامات الفعل، فتنتفي علامات الاسم؟ يمكن وإلا ما يمكن؟ ما يمكن لأن النسبة بين الأقسام الثلاثة التبيان، وعلى هذا إذا قلنا النسبة بين الأقسام الثلاثة عندنا التباين؛ لابد من ذكر الصحيح، كما ذكره ابن الصلاح، ومن تبعه ممن اختصر كلامه، كالنووي وابن كثير، وإذا قلنا: النسبة التداخل، وأن كل صحيح حسن؛ نكتفي بانتفاء الحسن، وعدم بلوغ الحديث مرتبة الحسن، فإذا لم يبلغها، وقصر عنها، فهو عن رتبة الصحيح أقصر، وعلى هذا إذا قلنا الشاب من لم يبلغ سن الكهولة، فهو سن الشيخوخة أقصر، يعني ما قصر عن سن الكهولة، فهو عن سن الشيخوخة أقصر، وهذا على القول بالتداخل، وعرفنا فيما تقدم أنهما متباينان من وجه، ومتداخلان من وجه، ابن حجر -رحمه الله- أراد أن يخرج من هذا الإشكال؛ لأننا إذا قلنا بتعريف ابن الصلاح؛ ورد علينا مسألة التداخل الوجهي، وإذا قلنا بتعريف الحافظ العراقي في ألفيته؛ ورد علينا التباين الوجهي، يورد علينا التباين الوجهي، فالحافظ ابن حجر اختار كلمة تجمع النوعين، ويكون التعريف مانعاً، وإن لم يكن جامعاً، مانعاً لا يرد عليه ما يورد على تعريف ابن الصلاح، ولا على تعريف الحافظ العراقي.
فذكر في تعريف الضعيف بأنه: هو الحديث الذي لم تتوافر فيه شروط القبول، لم تتوافر فيه شروط القبول، والقبول يشمل الصحيح والحسن، فجمع بينهما بكلمة واحدة، فصار التعريف جامعاً، مانعاً، مختصراً، ليس فيه استعمالاً للفظين، وليس في إهدار لأحد اللفظين، ولا شك أن تعريف الحافظ ابن حجر قوي، فالحديث الذي يتخلف فيه شرط من شروط القبول يكون حكمه الرد ..(6/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (7)
المرفوع والمسند والمتصل والموصول والموقوف والمقطوع
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الحديث الذي يتخلف فيه شرط من شروط القبول يكون حكمه الرد؛ لأن الشروط التي تذكر للقبول وللصحة صحة العقود وصحة العبادات، إذا تخلف شرط منها تخلف الحكم، فإذا تخلف شرط من شروط القبول صار الخبر في حيز المردود، والمردود هو الضعيف.
أما الضعيف فهو ما لم يبلغِ ... مرتبة الحسن وإن بسط بغي
يعني الآن كلما تخلف فيه شرط من شروط القبول التي تقدمت، اتصال الأسانيد، عدالة الرواة، الضبط، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة القادحة، عدم الجابر عند الاحتياج إليه؛ ليدخل في هذا جميع أنواع المقبول، نعم، جميع أنواع المقبول نقول: الشروط ستة، فإذا فقد الاتصال ضعيف، فقد عدالة الرواة بعض الرواة غير عدول ضعيف، فقد الضبط عند بعض الرواة ضعيف، وجد الشذوذ وجدت العلة احتجنا إلى جابر ولم نقف عليه ضعيف، كل واحد من هذه الشروط الستة مسلك من مسالك الضعف إلى الخبر، ومسالك الضعف بسطها ابن حجر، وجعل منها ما يتعلق بعدالة الرواة، ومنها ما يتعلق بضبطهم، خمسة تتعلق بالعدالة، وخمسة تتعلق بالضبط، يعني فقد العدالة ينشأ منه خمسة أوصاف، وفقد الضبط أو الخلل في الضبط ينشأ منه خمسة أوصاف، وأوجه للطعن في الخبر، هذا على سبيل الإجمال، يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسمُ ... . . . . . . . . .(7/1)
إذا فقد شرط واحد هذا قسم، فقد شرطين قسم، في طريقة ذكرها ابن الصلاح أشار إليها، وأوردها الناظم -رحمه الله تعالى- وبسطها في شرحه في كلام طويل جداً، وغيره بسطها، وأوصلوا الأقسام إلى تسعة وأربعين نوعاً في كلام الترمذي، وبعضهم إلى ثلاثة وستين، وبعضهم إلى مائة وعشرين، وبعضهم إلى مائتين وخمسين، وبعضهم إلى خمسمائة وخمسين، وألف فيه رسائل، لكن ماذا نستفيد من الطريقة التي ذكروا فيها وأوصلوا فيها أقسام الضعيف إلى خمسمائة نوع، إلى خمسمائة قسم، ما الذي نستفيده؟ يعني ابن حجر والسيوطي وغيرهما من أهل العلم يقولون: إن هذا تعب ليس وراءه أرب، هل نستطيع أن نقول: إن ما فقد من الشروط أكثر يكون أضعف فيرجح عليه غيره؟ نعم؟ يعني إذا فقد الستة الشروط، إذا فقد الشروط الستة هل هو أضعف أنواع الضعيف؟ أضعف منه ما فقد شرط واحد وهو صدق الراوي، إذا كان الراوي كذاب خلاص انتهى الإشكال، لو اجتمعت في رواته جميع الأوصاف المضعفة، يكون أضعف منه لو فيه راوٍ واحد كذاب، فهذا البسط الذي ذكروه كما قال السيوطي يقول: إن كان القصد به من أجل الترجيح -وسبقه لنحوه الحافظ ابن حجر- ففاقد الصدق أرجح منه، في الضعف يعني، أٌقوى منه ضعفاً، وإن كان القصد منه إيجاد أسماء لهذه الأحاديث الضعيفة فلم يسمّ منها إلا القليل عند الأئمة، يعني خمسمائة سمي منها المنقطع والمرسل والمدلس، وسمي منها المعل، ومنها الشاذ، ومنها المضطرب، ومنها المنكر، ومنها المتروك، يعني أقسام التي جاءت أسماؤها عن الأئمة، ولا بد من إتباعهم نخترع أسماء لم يجدوها؟ هل نستطيع أن نوجد لأقسام الضعيف خمسمائة قسم؟ لا يمكن، لا نزيد على ما سماه الأئمة، وإن كان الهدف من وراء هذا البسط معرفة كم تصل الأقسام، كم يصل عدد الأقسام تبعاً لهذا البسط، نقول: هذه غاية مرة لا تساوي تسويد الأوراق، وبلا شك إن الذي أوصلها .. لو قرأتم في كيفية بسط مسالك الضعف إلى الخبر بالاجتماع والافتراق فلا شك .. بطريقة مملولة، ولا يمكن أن تطبق على أرض الواقع، لا سيما إذا أردنا أن نقتفي أثر الأئمة.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وإن بسط بغي
ففاقد شرط قبول قسمُ ... . . . . . . . . .(7/2)
فاقد اتصال الأسانيد قسم "واثنين قسم غيره" فاقد الاتصال والعدالة قسم ثاني، فاقد الاتصال والضبط قسم ثالث، فاقد الاتصال مع وجود علة قسم رابع، فاقد الاتصال مع وجود الشذوذ قسم خامس، فاقد الاتصال ثم ارجع إلى .. ، اترك الاتصال ثم ابدأ بعلة غير مبدوء بها، فاقد العدالة مع غيره، فاقد العدالة مع الضبط، فاقد العدالة مع وجود العلة، فاقد العدالة مع وجود الشذوذ، ثم انتهى من العدالة إلى آخره.
. . . . . . . . . ... واثنين قسم غيره وضموا
سِواهما فثالثٌ وهكذا ... وَعُدْ لشرطٍ غير مَبْدُوٍّ به فذا
قسم سواها. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني تأتي إلى الشرط الأول فتمرر عليه كل الشروط فنتج عندك أقسام: عدم الاتصال مع عدم العدالة، عد الاتصال مع عدم الضبط، عدم الاتصال مع وجود الشذوذ، عدم الاتصال مع وجود العلة، تنتهي من الاتصال، عدم العدالة مع عدم الضبط، عدم العدالة مع وجود الشذوذ، عدم العدالة مع وجود العلة، ثم تنتهي من العدالة، وهكذا، ثم تضرب بعضها في بعض إلى أن يصل إلى أعداد كبيرة، ومن راجع شرح الناظم وجد أقساماً لا داعي لذكرها، ولا تستحق أن يسود بها الورق.
. . . . . . . . . ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ به فذا
قسم سواها ثم زد غير الذي ... قدمته ثم على ذا فاحتذي
هناك رسائل في بيان أقسام الضعيف، رسائل في بيان أقسام الضعيف ذُكر فيها هذا بالبسط، وحقيقةً يعني معاناتها وقراءتها ممل، وليست وراءها نتيجة، بل هو تعب ليس وراءه أرب، كما قال العلماء، حتى التقسيم الذي ذكره الحافظ العراقي في المنظومة وبسطه في شرحه لا داعي له، إذا قلنا: لم تتوافر فيه شروط القبول انتهى الإشكال، وأما بالنسبة للأقسام فما ذكره الأئمة، وبالنسبة للتطرق الضعف إلى الخبر فهذا بتطبيق الشروط، وينتهي الإشكال، فنحن لا نستطيع أن نسمي غير ما سماه الأئمة، ولا نوجد من الأقسام غير ما مر عليهم في شروطهم اجتماعاً وافتراقاً.
. . . . . . . . . ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي
أي فاقتدي، والياء للضرورة وإلا فالأصل أن تحذف.(7/3)
"وعده البستي" أبو حاتم محمد بن حبان البستي "وعده البستي" عد أقسام الضعيف "فيما أوعى" فيما جمع وحفظ "لتسعة وأربعين نوعا" خمسين إلا واحد، ولا يدرى أين عد هذه الأنواع؟ لكنه ذكر في مقدمة المجروحين بعض الأسباب، وذكر منها عشرين فقط، وأما التسعة والأربعين فلا يُعلم أين ذكرها؟ ولعله في مؤلفاته التي لم تصل إلينا.
وَعَدَّهُ (البُسْتِيُّ) فِيما أوْعَى ... لِتِسْعَةٍ وَأرْبَعِيْنَ نَوْعَا
خمسين إلا واحد، وزادوا على ذلك، منهم من ذكر ثلاثة وستين، ومنهم من قال: مائة وعشرين، ومنهم من قال: مائتين وأربعين، وزادت نافت عند بعضهم على الخمسمائة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المرفوع:
وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... وَاشتَرَطَ (الخَطِيْبُ) رَفْعَ الصَّاحِبِ
وَمَنْ يُقَابِلهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "المرفوع" لما انتهى من الأقسام الثلاثة التي هي عمدة هذا الفن وخلاصته ذكر تقسيماً ثانياً للأخبار بحسب من يضاف إليه الخبر، فذكر المرفوع، وقدمه على غيره لشرف النسبة؛ لأنه ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمرفوع: اسم مفعول من الرفع، الذي هو المصدر، تقول: رفع الحديث يرفعه رفعاً، فالذي ينسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- رافع، والخبر مرفوع.
يقول:
وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... . . . . . . . . .
صلى الله عليه وسلم، هذا المرفوع، وكما سمعنا قدم لشريف النسبة، أو لشرف النسبة، بخلاف الموقوف والمقطوع "سم مرفوعاً مضاف للنبي" يعني من أقواله -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله وتقريراته وأوصافه، كل هذه إذا أضيفت للنبي -عليه الصلاة والسلام- دخلت في المرفوع.(7/4)
. . . ... واشترط الخطيب رفع الصاحبِ
الخطيب البغدادي اشترط لتسمية الخبر مرفوعاً أن يكون مما يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومفهومه أن ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو من دونه لا يكون مرفوعاً، سم مرفوعاً مضافاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو قال المتأخر منا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ولو قاله قبلنا بقرون قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ولو قال البخاري: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ولو قال التابعي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرفوعاً، ومن باب أولى إذا قال ذلك الصحابي، اشترط الخطيب البغدادي رفع الصحابي، اشترط الخطيب رفع الصاحب، أن يكون هذا الخبر مما يرفعه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا رفعه التابعي لا يمسى مرفوعاً، لو قال: سعيد بن المسيب: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يسمى مرفوعاً، هذا الاشتراط يوحي ويشم من كلام الخطيب، لكن الحافظ ابن حجر يرى أن كلامه لا على سيبل الاشتراط، وإنما هو على سبيل الغالب، الغالب أن يكون المرفوع مما يصرح الصحابي برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما جاءتنا عن طريق صحابته الذين سمعوا كلامه وشاهدوا أفعاله فعليهم المعول في هذا، فالغالب أن الذي يضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من شاهده أو سمعه، وإن لم يكن ذلك شرط، لكن مرفوعات التابعين كثيرة جداً، مرفوعات من دونهم من المصنفين المتأخرين أيضاً كثيرة، فكثيراً ما يقول الفقهاء: الدليل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، لا ينسبونه لأحد، فيضيفونه هم ولو تأخرت أزمانهم وإعصارهم، ومع ذلك هو مرفوع، فقول الخطيب سواء كان صريح في الاشتراط، أو كونه هو الغالب، حقيقة قول مرجوح، قال:
ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ(7/5)
من يقابل المرفوع بالمرسل، من يقابل المرفوع بالإرسال، من يقابل الرفع بالإرسال فيريد بالرفع من خلال المقابلة، يريد به الاتصال، فإذا قال: رفعه فلان وأرسله فلان ماذا يريد؟ فيما يقابل المرسل، يعني أنه وصل إسناده، إذا قال: رفعه زيد وأرسله عمر، فمرادهم برفعه؟ نعم؟ وصل إسناده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي أرسله معناه قطع إسناده، ولذا قال:
ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ
لأن فهم الكلمة إنما يتم بمعرفة ضدها "فبضدها تتميز الأشياء" إذا عرفنا المرسل عرفنا ما يقابله؛ لأنهم لا يقابلون بين شيئين إلا وهما متقابلان من حيث المعنى، نعم.
الْمُسْنَدُ
وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ
وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا
بعد أن أنهى الكلام على المرفوع المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- جزماً، أردفه بالمسند، ولم يردفه بالموقوف المضاف إلى الصحابي على ما سيأتي؛ إنما أردفه بالمسند؛ لأن من معاني المسند المرفوع، في قوله: "والمسند المرفوع" والمسند: اسم مفعول من أسند الحديث يسنده فهو مسنِد والحديث مسنَد، وذكرنا في المسانيد في الدرس الماضي أن المسند يطلق بإزاء الكتاب، الذي رتب على المسانيد على مسانيد الصحابة، ويطلق ويراد به الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، تذكر فيه الأحاديث بالأسانيد، قلنا: من هذا تسمية الإمام البخاري كتابه الجامع الصحيح: المسند، ويطلق بإزاء الخبر المرفوع، ويطلق بإزاء الموصول على ما سيأتي.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "والمسند المرفوع" هذا قوله، (أو) هذه لتنويع الخلاف.
. . . . . . . . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
هذان قولان.
والثالث: الرفع مع الوصل معا ... شرط به الحاكم فيه قطعا(7/6)
"المسند المرفوع" يعني إذا قال: هذا حديث مسند يعني مرفوع، سواء كان متصلاً أو منقطعاً، وبهذا قال الإمام الحافظ ابن عبد البر في مقدمة التمهيد "المسند المرفوع" سواء كان رفعه بسند متصل أو منقطع، المقصود أن تكون فيه النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرادف عند ابن عبد البر للمرفوع، هذا هو القول الأول في تعريف المسند.
. . . . . . . . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل(7/7)
الخطيب البغدادي أنتم تسمعون الخطيب في كل باب من أبواب علوم الحديث، ويقول ابن نقطة: كل من صنف في علوم الحديث بعد الخطيب فهم عيال على كتبه، وله عناية في هذا الباب، وفي هذا الشأن، وهو إمام من أئمة المسلمين، وله مصنفات في أكثر أنواع علوم الحديث، ومعول ابن الصلاح في شرح هذه الأنواع بالدرجة الأولى على كتب الخطيب، ثم يأتي من يأتي من يقول: إن الخطيب تأثر بعلم الكلام، ولوث هذا العلم الشريف بما تأثر به، ما أدي ماذا يكون علوم الحديث لولا كتب الخطيب؟ واعتماد أهل العلم بعده على كتبه، ومعولهم عليه، يعني كون الإنسان يتأثر بشيء هل معنى هذا أنه انتهى بالكلية؟ هذا إذا سلمنا بأنه تأثر بعلم الكلام، مع أن البيهقي متأثر بعلم الكلام، يعني نرد ما جاء عن البيهقي؟ هل نرد ما جاء عن البيهقي؟ هل نقول: سنن البيهقي ما نستفيد منها؛ لأنه تأثر بعلم الكلام؟ كلام ليس بصحيح، وكذلك كتب الخطيب، معول الخطيب في كتبه على أئمة هذا الشأن، وجمع أقوالهم في كتبه، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، ثم يأتي من يقول: إن الخطيب تأثر بعلم الكلام وأدخل بعض المصطلحات. . . . . . . . .، إذاً لا ... ، ما هو بصحيح هذا، وإذا قيل مثل هذا في الخطيب فسيأتينا النقل عن الغزالي، والنقل عن الرازي، والنقل عن الجويني، كيف نقول بهذا؟ وهم أهل الكلام، عمد أهل الكلام، هل نمسخ أقوالهم؟ وعلوم الحديث .. ، الحديث رواية مبني على السماع وعلى الرواية والتلقي، ومثل هؤلاء لا قيمة لهم في علم الرواية، حتى يصرحون أنهم بضاعتهم في الحديث مزجاة، أعني مثل الغزالي، مثل الرازي، مثل الآمدي، مثل هؤلاء المتكلمين، لكن لا نختلف، أو لا يختلف أحد في أن بعض أنواع علوم الحديث تدرك بالرأي، يعني إذا نقلنا قول للإمام أحمد وقول لكذا، وذكرنا مثال في بعض المناسبات أظنه في هذا الدرس، ذكرنا مثال حينما قال ابن الصلاح: إن الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة يفرقان بين السند المعنن والسند المأنن، فيحكمان للمعنعن بالاتصال والمأنن بالانقطاع، من خلال خبر عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به فقال الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة: متصل، والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية:(7/8)
أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: منقطع، ابن الصلاح قال: مرده اختلاف الصيغة، فهم غير ابن الصلاح أنه إذا قيل: عن محمد بن الحنفية عن عمار أن هذا متصل، سببه أن محمد بن الحنفية يروي عن صاحب القصة، وإذا قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -عليه الصلاة والسلام- محمد بن الحنفية يروي قصة لم يشهدها، يحكي قصة لم يشهدها، فهل مثل هذا الفهم يحتاج إلى نقل، أو يحتاج إلى تأمل؟ نعم؟ يحتاج إلى تأمل، ولذا المسائل التي تحتاج إلى تأمل يشترك فيها كل من لديه قدرة على هذا التأمل، سواء كان من أهل الحديث أو من غيرهم، يعني أنت لما تنقل عني مثلاً تنقل عني عن الشيخ فلان، شيخ أنت ما أدركته، أو أدركته ولم تجتمع به مثلاً، تنقل عني عن الشيخ أنه قال كذا، أو حصل بيني وبينه كذا، عني أنه حصل بيني وبين فلان كذا، حينما تنقل الكلام عني وأنا صحب القصة يكون الكلام إيش؟ متصل، لكن لما تقول أنت: إن فلان قال له فلان أو ذكر له فلان، أو حصل له مع فلان تحكي قصة ما شهدتها، ولا حضرتها تكون إيش؟ منقطعة، فمثل هذه الأمور وكثير من مباحث علم المصطلح يدرك بهذه الكيفية، يدرك بهذه الطريقة، أما ما مرده إلى النقل فليسوا من أهل النقل، فينبغي أن يحرر الكلام، ولذا لو أخلينا علم المصطلح من هذا الفهم الذي يبديه بعضهم والحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن جاء بها ومن مباحث أصول الفقه الذي لهم فيه اليد الطولى؛ لأنهم أهل نظر، وإن لم يكونوا أهل أثر؛ نعم، لهم فيه اليد الطولى، من مباحثه ما يتعلق بالسنة، وأبدوا فيه شيئاً من البراعة، لكن يبقى أن ما مرده إلى النقل لا يعول عليهم فيه، والمسألة مسألة إنصاف، أما إذا سمعنا أو عتبنا على شخص، أو نقمنا عليه شيء ننفسه بالكلية هذا ما هو بمنهج، ما بمنهج سوي، ولا زال العلماء يَدْرُسون ويُدَرِسون كتب المصطلح وفيها هذه الأقوال، بل جعلوا من مزايا توضيح الأفكار للصنعاني وترجيحه على غيره؛ لأنه يجمع بين قواعد المحدثين وقواعد الأصوليين، ثم يقول من يقول: إن الخطيب لوث هذا العلم بما أدخل فيه وفعل وترك.
"المسند المرفوع" هذا قول ابن عبد البر، يعني المسند يرادف المرفوع(7/9)
. . . أو ما قد وصل ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
فإذا قلنا: هو المرفوع قلنا: سواء كان بإسناد متصل أو منقطع، وهذا ما صرح به ابن عبد البر بأنه سواء كان انقطع أو اتصل، مالك عن نافع عن ابن عمر، هذا مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسند مرفوع متصل، لكن مالك عن ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسند مرفوع، لكنه منقطع، هذا يدخل في المسند عند ابن عبد البر، لكنه لا يدخل في المسند عند الخطيب؛ لأنه يجعل المسند الموصول، المسند ما اتصل سنده، سواء كان رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو وقف على الصحابي، أو من دونه، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... لو مع وقف وهو في هذا يقل
يعني إطلاق المسند على الموقوف قليل، يعني أكثر ما يطلق المسند عند الخطيب على إيش؟ على المتصل المرفوع، لكن لا يمنع الخطيب من تسمية المتصل الموقوف مسنداً، وإن كان أقل من إطلاقهم المسند على المرفوع المتصل، الحاكم جمع بين الأمرين، يقول: لا يسمى مسنداً حتى يجتمع في الأمران، القول الأول قول ابن عبد البر، والثاني قول الخطيب.
وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا
وهذا يرجحه الحافظ ابن حجر أنه لا يسمى مسنداً حتى يكون مرفوعاً بسند متصل، وهذا ما قطع به الحاكم.
المتصل والموصول
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا
سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ
اختلفوا لأن كل واحد نظر وسبر في إطلاقات الأئمة، جمع مجموعة من إطلاق الأئمة فوجودهم يطلقونه على المرفوع، وجدهم يطلقونه بإزاء المرفوع، ولم يتأخر الرفع في جميع ما رفعه، هذا من ابن عبد البر، الخطيب جمع مجموعة من اطلاقات الأئمة مما يطلقونه في المسند وجدهم يطلقونه على ما اتصل إسناده، بغض النظر عن الرفع والوقف، والحاكم جمع مجموعة وجدهم يطلقونه بإزاء المتصل المرفوع، فكل حسب ما وقع له نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لو مع وقفٍ، يعني ولو كان الخبر موقوفاً.
طالب:. . . . . . . . .(7/10)
على الصحابي نعم، لكن إطلاقهم المسند على المتصل الموقوف أقل من إطلاقهم المسند على المتصل المرفوع، ثم أردف المسند الذي من معانيه المتصل، في تعريف الخطيب والحاكم أردفه بالمتصل والموصول.
المتصل كذا بالإدغام، ويقال فيه: موصول، ويقال فيه أيضاً: مؤتصل بالهمز، وهذه منقولة عن الإمام الشافعي، بل موجودة في كتبه، يعبر عن المتصل بالمؤتصل، حتى قالوا: إنها لغة الإمام الشافعي، ومنهم من يقول: إنها لغة أهل الحجاز، لغة الإمام الشافعي، ابن الحاجب في تصريفه المسمى بالشافية، قال: مؤتعد ومؤتسر لغة الإمام الشافعي، وهو بدلاً من أن يقول: متعد ومتزر ومتصل، مؤتعد ومؤتز ومؤتصل بالهمز. يقول:
وإن تصل بسند منقولا ... فسمه متصلاً موصولا
قدم المسند على المتصل، وإن كان المسند يطلق على المرفوع، وإن كان منقطعاً عند ابن عبد البر، وقدموه على المتصل، لماذا؟ لأن المتصل ينظر فيه إلى الإسناد بغض النظر عن النسبة، وإما المسند فالمنظور في إلى النسبة، والأكثر على أنه المرفوع، فألحق به، وأما المتصل فينظر فيه إلى الإسناد بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر من طرق التحمل، سواء كان مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو موقوفاً على الصحابي.
يقول:
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا
سواء قلت: هذا حديث موصول أو متصل معناه واحد، إذا اتصل إسناده، بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تلقاه ممن فوقه بطريق معتبر، هم يقولون: قد سمعه من شيخه، لكن التلقي أعم من أن يكون بطريق السماع، فإذا قلنا: بطريق معتبر من طرق التحمل ما ورد علينا ما ورد على قولهم: سمعه.
وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... . . . . . . . . .
يعني متناً منقولاً بسند متصل.
. . . . . . . . . ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا
فسمه متصل.
سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... . . . . . . . . .(7/11)
سواء الموقوف على الصحابي والمرفوع، يعني يستوي في ذلك الموقوف والمرفوع، فإذا قال البخاري مثلاً: مالك عن نافع عن ابن عمر من قوله قلنا: متصل، مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- متصل، إلا أن الأول موقوف، والثاني مرفوع.
. . . . . . . . . ... ولم يروا أن يدخل المقطوعُ
لكن إذا روينا بسند متصل، روى الإمام البخاري أو مسلم أو أبو داود أو الترمذي أو الإمام أحمد بسند متصل عن الحسن البصري، أو عن سعيد بن المسيب نقول: هذا منقطع أو متصل أو موصول؟ نقول: متصل؟ يقول: لم يروا أن يدخل المقطوع.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المقطوع سيأتي تعريفه أنه ما يضاف إلى التابعي، المقطوع: ما يضاف إلى التابعي، فهل إذا روينا عن تابعي بسند متصل نقول: متصل وإلا ما نقول: متصل؟ نعم؟ يعني متصل إلى سيعد، هو معروف في الإسناد ما فيه فوق سعيد أحد، كما أنه ليس فيه فوق أبي هريرة أحد، نستطيع أن نقول: هذا متصل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونستطيع أن نقول: هذا متصل إلى أبي هريرة، لكنهم لم يروا أن يدخل المقطوع، أن نقول: متصل إلى الحسن أو متصل إلى سعيد؛ لأن المقطوع ما يضاف إلى التابعي فمن دونه، ما روى أن يدخل هذا في المتصل والموصول، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هي مسألة حجية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(7/12)
فيه إيش؟ فيه انقطاع هو؟ ما في انقطاع، لكنهم يسمونه مقطوع، إذاً تنافر لفظي بين أن نقول: متصل مقطوع، يعني نصف خبر مقطوع بأنه متصل، قالوا: هذا تنافر لفظي، لكن ما المانع أنه إذا انفكت الجهة أن يوصف الشيء بلفظين متنافرين، إذا انفكت الجهة يوصف بوصف باعتبار ويوصف بوصف منافٍ له باعتبار آخر، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [(4) سورة الحج] ويش المانع؟ فيه مانع؟ ما في مانع، لكن من باب الحساسية في التعبير والدقة فيه، لكن ما في ما يمنع، يعني لو قلت مثلاً: جاء زيدٌ القصير الطويل، وأنت لاحظت انفكاك جهة، قصير في قامته، طويل في عمره مثلاً، في شيء مدرك ما يوقع في لبس، يعني دخل شخص قصير وعمره مائة سنة، فقلت: جاء زيد الطويل القصير، ما في شك أن هذا فيه تنافي لفظي، لكن ما انفكاك الجهة وأمن اللبس ويش المانع أن نصفه بالوصفين المتنافرين؟ لكن إذا وجد اللبس جاء شخص عمره عشرون سنة، وقامته قصيرة، وقلنا: جاء زيد الطويل القصير، كيف يفهم السامع ما يرفع عنه هذا التنافر؟ المتكلم قاله باعتبار صحيح، قصير في قامته، وقصير في عمره الحسي المحسوس، لكنه طويل في عمره المعنوي، عمر مبارك، أنجز في عشرين السنة ما لم ينجز في مائة سنة، وطول العمر يكون بكثرة السنين، ويكون أيضاً بالبركة فيه، كما قيل في حديث: ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) قالوا: إن طول العمر هذا المراد به البركة فيه، لكن هذا يوقع في لبس، شيء لا يراه المخاطب يوقع في لبس، لكن لو دخل شخص عمره مائة سنة وقصير القامة، أو العكس طويل القامة وقصير العمر ممكن، يفهمه السامع والمخاطب ولا يقع في لبس، أما الثاني يوقع في لبس، فمثل هذا هو الذي ينفى للتنافر، أما أن يقال: متصل لأن كل واحد ممن رواه وتحمله ممن فوقه بطريق معتبر متصل، وهو مقطوع باعتبار إضافته إلى التابعي فمن دونه، هم عندهم هذه الحساسية للتنافر اللفظي فقط، نعم.
الْمَوْقُوْفُ
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبرْ(7/13)
مما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صراحة هو ما يحلق به، وما اختلف في رفعه، ما اختلف في إطلاقه على المرفوع وغيره جاء بما لم يختلف في عدم رفعه، وهو الموقوف، والموقوف اسم مفعول من الوقف، وقف الخبر يقفه فهو واقف، والخبر موقوف.
يقول:
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ. . . . . . . . .
يعني اقتصرت فيه في نسبته على الصحاب، والمراد بالصاحب الصحابي
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ. . . . . . . . .(7/14)
يعني ولم تتجاوزه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سمه بالموقوف "وصلت أو قطعته" يعني ما أضيف إلى الصحابي موقوف سواء كان الإسناد متصل إلى هذا الصحابي أو فيه انقطاع، كله يسمى موقوف، مثل ما مثلنا، مالك عن ابن عمر موقوف منقطع، مالك عن نافع عن ابن عمر موقوف متصل، والعبرة بهذا كله بالنسبة، فإذا نسب إلى الصحابي فهو موقوف، بغض النظر عن الانقطاع والاتصال، واشترط الحاكم عدم الانقطاع لتسميته موقوفاً، فالمنقطع لا يمسى موقوفاً، كما اشترط فيما تقدم في المرفوع، واشترط الخطيب إيش؟ رفع الصاحب، أن يكون مما يرفعه الصحابي، وهنا اشترط الحاكم عدم الانقطاع، لكن هذا الاشتراط شاذ، فالعبرة بالنسبة إلى الصحابي، فإذا نسب إلى الصحابي من قوله أو فعله فهو موقوف، ويختلفون في إضافة تقرير الصحابي إليه، ما يقوله الصحابي وما ينطق به يضاف إليه، يقال: قال ابن عمر كذا، قال أبو هريرة كذا، موقوف عليه، وكذلك ما يفعله، فعل عمر كذا، وفعل أبو بكر كذا، كله موقوف، لكن إذا فعل بحضرته، إذا فعل بحضرة الصحابي شيء من قبل غيره وسكت عنه، هل نضيفه إلى الصحابي؟ فعلى سبيل المثال مروان دخل المقبرة وجلس، وأبو هريرة حاضر ولم ينكر عليه، ودخل أبو سعيد وأنكر عليه، ننسب إلى أبي سعيد الإنكار، لكن هل ننسب إلى أبي هريرة السكوت، التقرير باب من أبواب السنة المرفوعة، يعني ما فعل بحضرته -صلى الله عليه وسلم- وسكت عنه هذا تقرير، لكن ما فعل بحضرة الصحابي وسكت عنه هل نقول: إنه أقره، وننسب إليه هذا؟ أو نقول: لعله سكت لأمر من الأمور، لمصلحة راجحة مثلاً؟ نعم؟ هل نستطيع أن نقول: مذهب أبي هريرة جواز الجلوس أو أنه أفضل؟ لا؛ لأنه أقر مروان وسكت عنه، حتى ما نقول: أقر، هو سكت لأمر من الأمور، قد تكون المصلحة راجحة في سوكته في تقديره، وهذا يحصل إلى وقتنا هذا، تجد مثلاً يستدل بفعل شيخ من الشيوخ، عالم من العلماء فعل بحضرته أمر، وسكت لما يترتب على هذا السكوت من مصلحة، أو لما يترتب على الإنكار من مفسدة، فهل نستطيع أن نقول: هذا مذهب فلان؟ كما قيل به في مسألة أثيرت قيل: فعل بحضرة الشيخ فلان ولا أنكر، وما يدريك ما الذي يحتف بهذه المسألة؟ فلا ينسب التقرير إلا إلى(7/15)
النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال من قال: إن الموسيقى فعلت بحضرة الشيخ فلان وما أنكر، والطبول فعلت بحضرة فلان من الناس، لا ينسب قولاً له، لماذا؟ لما يعتريه من تقدير مصلحة راجحة في هذا الظرف؛ لأنه قد يكون في جعبته منكر عظيم جداً يريد أن ينكره على هذا، فلو أنكر عليه منكره الخفيف بالنسبة للمنكر الشديد يمكن فاته الكبير، أو بعد حمل في نفسه عليه شيء، ورده رداً يمكن ما يقبل منه شيئاً بعد ذلك، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، والتقرير لا ينسب لغير النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل نستطيع أن نقول: من مذهب أبي هريرة الجلوس في المقبرة قبل أن توضع الجنازة لأنه أقر مروان أو سكت على مروان؟ لا، عنده مصلحة راجحة، ولكن جاء أبو سعيد وأنكر أخذ بيديه، أنكر بالفعل، والناس يتفاوتون في تقدير هذه الأمور، إلى يومنا هذا وبعض الناس تفوت المصالح وهو ينتظر مصلحة، وبعض الناس يرتكب مفاسد وهو يقدر مصلحة، لكن المصلحة بنظر من؟ المسألة مصلحة الدين والأمة بمجموعها، أما مصالح خاصة لا ينظر إليها، المقصود أن مثل هذا التقرير لا يعلق عليه ولا يرتب عليه حكم، هم غير معصومين من جهة، الأمر الثاني: أنهم قد يسكتون لتقدير مصلحة راجحة، أو خشية مفسدة، لكن قد يأتي من يرتكب العزيمة بغض النظر عن أي مصلحة؛ لأن هذه مفسدة محققة في تقدير الثاني، مفسدة محققة، والمصلحة المرجوة، أو المفسدة المخوفة مظنونة، وكثير ممن يناقش في بعض المسائل يقول: ما تدرون عن شيء، أحنا ندرأ مفاسد أعظم، فلا شك أنهم أعرف بهذه الأمور، وأكثر تقديراً للمصالح والمفاسد، لكن يبقى أن بعض المفاسد مظنونة، وقد تكون من تسويل الشيطان وتثبيطه، على كل حال التقرير لا يمكن أن ينسب إلا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه هو الذي لا يَقر ولا يُقر على خطأ.
وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... . . . . . . . . .
يسمون الموقوف على الصحابي الأثر الفقهاء من الشافعية ومنهم أبو القاسم الفوراني حيث نسب إلى الفقهاء الخراسانيين أنهم يسمون الموقوف الأثر.(7/16)
وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَر ... . . . . . . . . .
وبعض أهل الفقه سماه الأثر، يعني في مقابل المرفوع الذي يسميه الخبر، يسمون المرفوع الخبر، ويسمون الموقوف أثر، وأهل الحديث يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف،
وبعضهم يقول: الأثر المرفوع، والخبر هو الموقوف، الأثر ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بإزاء الحديث، والخبر: هو ما يضاف إلى غيره، خلاف ما يقوله بعض الفقهاء، هناك كتب سميت بهذا الاسم: تهذيب الآثار للطبري، تهذيب الآثار للطبري، على مقتضى قول بعض أهل الفقه: إنه يشمل آثاراً موقوفة على الصحابة، لكن واقع الكتاب أنه في الأخبار المرفوعة، في الأخبار المرفوعة، وقد يذكر شيئاً يسيراً من الآثار الموقوفة على الصحابة، لكن الغالب فيه المرفوع، معرفة السنن والآثار للبيهقي فيه المرفوع، وفيه الموقوف، لكن المرفوع أكثر، شرح معاني الآثار، ومشكل الآثار للطحاوي كلها فيه المرفوع والموقوف مما يد على أن الأثر يطلق عند أهل العلم، ويراد به المرفوع، والموقوف:
. . . . . . . . . ... وإن تقف بغيره قيِّد تبر
والأثر باعتبار إطلاقه على الحديث نسب إليه من يُعنى بالحديث، من يُعنى بالحديث، فمثل ما تقدم في نسبة الحافظ العراقي إلى الأثر:
يقول راجي ربه المقتدر ... عبد الرحيم بن حسين الأثري
وانتسب على الأثر جماعة من عهد السلف إلى يومنا هذا، وهم ينتسبون، ولو قلت محمد ناصر الدين الألباني الأثري فيه شيء؟ لأنه ينتسب إلى الحديث، وابن باز الأثري، وفلان الأثري، وسمى بعضهم نفسه ممن هو دونه بمراحل: الأثري؛ لأن عنده شيء من الاهتمام بالحديث، لكن كون الإنسان يسمى نفسه، هذه فيه شيء من التزكية، أما كونه يعرف بهذه بين الناس، بين الخاص والعام، وينسب إليه، هذا شرف بلا شك؛ لأنه حينئذٍ ينسب إلى ما يعنى به بحق إلى ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
. . . . . . . . . ... وإن تقف بغيره قيد تبر(7/17)
"تقف بغيره قيد تبر" الأصل أن الموقوف ما يضاف إلى الصحابي، لكن إذا أردت أن تصف بالموقوف ما تضيفه إلى التابعي، فقيده، فقل: هذا موقوف على سعيد، موقوف على الحسن وهكذا "وإن تقف بغيره" يعني بغير الصحابي، وفي نسخة "بتابع"، "وإن تقف بتابع قيد تبر" تبر: يزكوا عملك، يكزوا عملك، فأعمال البر هي التي تزكي الأعمال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه المسألة .. ، فرق بين أن يسكت شخص فعل بحضرته شيءٌ، أو عدد يسير فعل بحضرتهم شيء، أو يسكت الجميع، يسكت، يجتمع العلماء كلهم، ويفعل منكر بين أيديهم، ولا ينكرون، اللهم إلا إذا كانوا بين يدي ظالم يخشون سطوته، فهذا شيء آخر، الإجماع السكوتي فيما إذا ذكر بعضهم حكماً شرعياً، ولم يعارض أحد، ولم يعارض، هذا إجماع سكوتي، أما أن يسكت الجميع ما يكون إلا إذا كان السكوت من أهل الإجماع، إذا كان من أهل الإجماع، يعني افترضنا أن جميع أهل العلم وجدوا في مكان، وفعل بحضرتهم منكر هذا إجماع، لكن لو وجد بعضهم ممن لا ينسب إليه الإجماع، وسكتوا لتقدير مصلحة، أو خشية مفسدة، ما يعتبر إجماع.
طالب:. . . . . . . . .
يسمى إجماع؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا أنكر أبو سعيد هذا، أنكر أبو سعيد؛ لأن المسألة ورد فيها نص، ويرويه أبو هريرة قال: هذا يعلم، نعم.
المقطوع
وسم بالمقطوع قول التابعي ... وفعله وقد رأى للشافعي
تعبيره به عن المنقطع ... قلت: وعكسه اصطلاح البردعي(7/18)
تمام القسمة فيمن يضاف إليه الخبر المقطوع، بعد أن ذكر المرفوع المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموقوف المضاف إلى الصحابي، المقطوع ما يضاف إلى التابعي، ومن دونه كما قرر ذلك ابن حجر، وغيره، يسمى مقطوع، والقطع هذا مجرد اصطلاح، القطع هذا مجرد اصطلاح، والمقطوع اسم مفعول من القطع، قطع يقطع قطعاً فهو قاطع، والخبر مقطوع, وجمعه مقاطع ومقاطيع، مقاطع ومقاطيع، والبصريون سوى الجرمي يثبون الياء جزماً، فيقولون: مقاطيع هذا رأي البصريين، يثبتون الياء، وأما الكوفيون، وأما الكوفيون مع الجرمي -وهو بصري- في جواز الحذف، يجيزون الحذف، وإن كان الأصل إثبات الياء، واختاره ابن مالك، فيجيزون مقاطع ومقاطيع، مثل مساند ومسانيد، مفاتح ومفاتيح، واختاره ابن مالك، وقال البلقيني: الأولى ألا تثبت، الأولى ألا تثبت، يعني مثل مفاتح، مثل مفاتح، ومفاتح جاءت في القرآن بالإثبات، أو بالحذف؟ بحذف الياء: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [(59) سورة الأنعام].
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وسم بالمقطوع قول التابعي ... . . . . . . . . .
يعني ومن دونه على ما اختاره ابن حجر وغيره "وفعله"، "قول التابعي وفعله" يعني إذا خلا عن قرينة إرادة الرفع، أو كان مما يحتمله الرأي والاجتهاد على ما سيأتي في حكم ما لا يقال بالرأي.
"وقد رأى" من الذي رأى؟ ابن الصلاح:
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
يريد بذلك ابن الصلاح "وقد رأى" أي ابن الصلاح "للشافعي" للإمام الشافعي، ومن بعده الطبراني، والدارقطني، والحميدي، عبروا بالمقطوع عن المنقطع "وقد رأى للشافعي تعبيره به" يعني بالمقطوع "عن المنقطع" الذي لم يتصل إسناده، مالك عن ابن عمر مقطوع في تعبير الإمام الشافعي، ومن معه، الدارقطني، والحميدي، والطبراني "تعبيره به عن المنقطع" الذي لم يتصل إسناده "قلت" الحافظ العراقي، وهذا من زياداته، والزيادة مجرد التسمية، تسمية القائل، تسمية صاحب الاصطلاح، وإلا فابن الصلاح أشار إلى أن منهم من يستعمل المنقطع بإزاء المقطوع ما يضاف إلى التابعي:
. . . . . . . . . ... قلت وعكسه اصطلح البردعي(7/19)
عكس تعبير الشافعي، ومن معه "اصطلاح البردعي" أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي البردعي، بردعة وبرديجة متقاربتان، فيطلق البردعي البرديجي احمد بن هارون المنقطع، ويريد به ما يضاف إلى التابعي، عكس ما أثر على الإمام الشافعي، ومن معه، وقد اعترض بعضهم على إدخال المقطوع في علوم الحديث، يقول: إذا أدخلنا الموقوف في علوم الحديث باعتبار أنه يدخل في عموم ما يتحدث به، وسبق في توجيه ما يحفظه الإمام البخاري:
وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عشر ألف ألف
وعله أراد بالتكرار ... لها وموقوف. . . . . . . . .
فالموقوف يجعله العلماء مع المرفوع، باعتبار أنه قد يحتاج إليه في فهم الخبر؛ لأن الصحابي أعرف بفهم ما روى، فالموقوف قد يحتاج إليه في فهم الخبر، وأيضاً قول الصحابي الخلاف بين أهل العلم قوي في كونه مما يحتج به، أو لا يحتج به، أما قول التابعي فلم يقل أحد بأنه يمكن أن يحتج به، ولذا اعترض بعضهم إدخال المقطوع في مباحث علوم الحديث، وأجيب عن ذلك بأن بعض المقطوعات المضافة إلى التابعين قد تكون مرفوعة؛ لأنها مما لا تدرك بالرأي، لأنها مما لا تدرك بالرأي، وقد يحتاج إليها؛ لأنها أحد ما يعتضد به المرسل، على ما سيأتي في بابه، أحد ما يعتضد به المرسل، على ما سيأتي في كلام الإمام الشافعي في باب المرسل، أما الفروع فالأفضل أن تكون متتابعة، يعني الأفضل أن نشرحها غداً -إن شاء الله تعالى- كلها الفروع السبعة التي تعي ما ذكرنا.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(7/20)
نعم هذا فيه علاقة بالدرس، وأما القول المعتمد، والصحيح في قول العلماء على شرط الشيخين، ومن القائل بأن المقصود به رجال الصحيحين؟ ذكرنا فيما تقدم أقوال أهل العلم في المراد بشرط الشيخين، ذكرنا قول ابن طاهر، والحازمي، والقول الذي اعتمده أهل العلم، وتصرفات الحاكم تقويه، وهو أن المراد بشرط الشيخين رجال الصحيحين، وعلى هذا الذهبي، وقبله ابن الصلاح، والنووي، وابن حجر، والعراقي، وجمع من أهل العلم كلهم اعتمدوا هذا القول، والسخاوي رجحه، وذكر له أمثلة من المستدرك نفسه؛ لأن الذي شهر، وأكثر من ذكر هذه الكلمة هو الحاكم، فيعتنى بكتابه لفهم كلامه، وذكرنا أن تصرف الحاكم في المستدرك يقوي هذا القول بدليل أنه يذكر الحديث، ويذكر فيه راوٍ، وهذا الراوي يحتمل أن يكون ممن خرج له الشيخان، أو أحدهما، أو لا؛ لأنه يشتبه في النسبة، أوفي الكنية، أو في الاسم بغيرهم ممن خرج له الشيخان، وقال في حديث من طريق أبي عثمان، وقال أبو عثمان: هذا ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت إنه على شرط الشيخين، فهذا دليل على أنه يريد بشرط الشيخين رجال الشيخين، وقلنا في قوتها إنه يشكل على هذا قوله في مقدمة المستدرك: وأنا استعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، وقلنا أن الحافظ ابن حجر قال: إن الحاكم استعمل المثلية في أعم من حقيقتها، ومجازها، فاستعملها في حقيقتها حينما يخرج الأحاديث من طريق رواة لم يخرج لهم الشيخان، وإنما هم بمنزلتهم، وبمثابتهم مثلهم يعني في القوة، واستعمل المثلية في غير حقيقتها في مجازها عنده، حينما يخرج الحديث من طريق رواة خرج لهم الشيخان بأعيانهم، فالمسألة كأن القول هذا هو الراجح، وأما ما ذكره أبو الفضل ابن طاهر بأن شرط الشيخين أن يخرجا لرجال اتفق على ثقتهم يعني مجمع على أنهم ثقات، وعرفنا أن في رجال الشيخين رجال الصحيحين مما تكلم فيه من قبل أهال العلم، وإن كان الغالب أن توثيق الشيخين للراوي لاسيما إن كان الحديث ممن .. ؟ مما يدور على هذا الراوي، فهذا توثيق عملي لهذا الراوي، ومع ذلك الشيخان ينتقيان من أحاديث الراوي ولو كان فيه مغمز، أو مطعن، على قلة هؤلاء الرواة الذين مسوا بضرب من(7/21)
التجريح الخفيف، الشيخان ينتقيان من أحاديثهم، وينظران فيما ووفق عليه هذا الراوي مما اختلف فيه، فإذا غلب على الظن أن هذا الراوي ضبط هذا الحديث، ولو كان فيه شيء؛ جرح خفيف يعود على حفظه وضبطه، فإن هذا لا يؤثر، ولهما دقة نظر في هذا الباب لا يدانيهما، ولا يقاربهما غيرهم، ولو لم يكن لهذين الكتابين إلا تلقي الأمة لهما بالقبول، ويكثر الكلام، وكثرت المصنفات في العصر الحديث حول الصحيحين، ورجال الشيخين، وترتيب الصحيحين، وتكرار البخاري، وكونه يورد أحاديث في غير مظانها، وأنه يحتاج إلى ترتيب، فيه كلام لبعض الشراح حينما يعجز الشارح عن الربط بين الحديث والترجمة؛ ينتقد البخاري، فأحياناً يقول: إن الكتاب ما بيض، وأحياناً يقول: لعل هذا تصرف من النساخ، حتى قال بعضهم في بعض المواضع: كذا، وهذا تعجرف، والمسكين ما يدري أنه أتي من قصوره؛ لا أقول: من تقصيره، أقول: من قصوره، وإلا التقصير يحصل، لكن التقصير ممن يبرع في بعض المواضع، أما القصور فمعروف أنه سببه قصور الفهم.
يقول: البعض يجعل شرط الشيخين توفر شروط: أن يكون من رجال الشيخين، أن يروي كل راوٍ عمن فوقه في الصحيحين، أن يكون من الأصول، الخلو من الشذوذ؟(7/22)
يعني إذا كان الحديث في المتابعات والشواهد، لا من الأصول التي بنا عليها البخاري، أو مسلم كتابه، هو ما في شك أن الرواة الذين تكلم فيهم جل رواياتهم في الشواهد، وليست في الأصول، ومع ذلك تخريج البخاري لراوٍ من الرواة، أو مسلم لراوي من الرواة، ولو كان في المتبعات والشواهد، مثل ما قالوا في الحديث الذي تكلم فيه، ولو روي بغير إسناد عند البخاري، ولو صدر بصيغة التمريض أن وجوده في مثل هذا الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول يشعر بأن له أصلاً يركن إليه، ويؤنس به، فكيف إذا جزم به، أو ذكر إسناده كاملاً على كل حال المسألة معروفة عنده أهل العلم، والصحيحان صارا مثاراً، أو مجالاً للأخذ والرد في العصر الأخير، تبعاً للدين بكاملة، الذي صار بحيث تلوكه ألسنة السفهاء الذين لا علم لهم، وعندهم شيءٌ من رقة الدين، وفي أنفسهم أشياء على الدين وأهله، فإذا هدموا الصحيحين، أو تكلموا في الصحيحين، أو تطاولوا على الشيخين، فمن دونهما أمره سهل؛ لأن الأمة لا تغار على حديث في غير الصحيحين مثل ما تغار على ما في الصحيحين، فإذا تطاول هؤلاء السفهاء على البخاري، أو على مسلم؛ يعني على كتابيهم فسهل أن يتطاولوا على السنن، أو على المسند، أو غيره، والله المستعان، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-:
فروع
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع
وقيل: لا أو لا فلا كذاك له ... وللخطيب قلت: لكن جعله
مرفوعا الحاكم والرازي ... ابن الخطيب وهو القوي
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
وعد ما فسره الصحابي ... رفعا فمحمول على الأسباب
وقولهم: يرفعه يبلغ به ... رواية ينميه رفع فانتبه
وإن يقل عن تابع فمرسل ... قلت: من السنة عنه نقلوا
تصحيح وقفه وذو احتمال ... نحو: أمرنا منه للغزالي(7/23)
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأيا حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو: من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
وما رواه عن أبي هريرة ... محمد وعنه أهل البصرة
كرر قال بعد فالخطيب ... روى به الرفع وذا عجيب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما أنهى الناظم -رحمه الله تعالى- الكلام على ما صرح برفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما صرح بوقفه على الصحابي أردف ذلك بما يحتمل الرفع والوقف، في فروع سبعة، ذكر فيها سبع مسائل، أو سبعة فروع كلها يختلف في رفعها ووقفها، فهي متردية في نظر أهل العلم للرفع والوقف، وهذه الأمور تعليلها، وحجة من يقول بأنها لها حكم الرفع، وحجة من يقول: بأن لها حكم الوقف من الأمور التي تدرك بالنظر، والتأمل ولذا أدخل في هذا الفصل المتضمن هذه الفروع أقوال من لا علاقة لهم بعلم الحديث، بل ممن صرح بعضهم بأن بضاعته في الحديث مزجاة، لكن الإنسان إذا تأمل مثل هذه الفروع، ورأى أن سبب اختلافهم في الحكم له بالرفع أو الوقف، رأى أنها تدرك بالنظر؛ لأن العلل التي أوردوها سواء من قال بالرفع، أو من قال بالوقف كلها علل عقليه، يعني ليس فيها شيئاً منقولاً عن الأئمة في هذا الباب، ومنها ما هو قريب من الصريح، ومنها ما هو بعيد جداً عنه، ولذا ينتابها النظر نفياً وإثباتاً، فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "فروع" عدتها سبعة تأتي بالتفصيل، أولها:
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
"على الصحيح وهو قول الأكثر" أولاً الحاكم، وابن عبد البر نقلوا الاتفاق على أن قول الصحابي من السنة مسند، مسند، وابن عبد البر، والحاكم كل منهما يرى أن المسند ايش؟ المرفوع المرفوع، وإن كانا يختلفان في أن الحاكم يشترط فيه الاتصال، وابن عبد البر لا يشترط، هذا الاتفاق الذي حكاه الحاكم، وابن عبد البر، وإن كان مستدركاً، ومنقوضاً برأي من خالف في هذه المسألة، وكذلك الحاكم قال في قول الصحابي: أمرنا بل نقل فيه الاتفاق أنه مسند.(7/24)
"قول الصحابي: في السنة" إذا قال الصحابي: من السنة، إن كنت تريد السنة، ولم يقول سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحيح من أقوال أهل العلم أنه له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يذكر السنة، ويطلق إلا ويريد بذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الاحتمال قائماً أنه يريد بذلك سنة الخلفاء الراشدين التي جاء فيها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين))، أو يريد بها سنة من سلف، أو يريد السنة اللغوية الطريقة، يعني سنة أهل البلد وطريقتهم، لكن الذي يغلب على الظن أنه لا يريد بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن الأدلة على ذلك ما جاء في حديث ابن عمر من قوله للحجاج: "إن كنت تريد السنة؛ فهجر بالصلاة" يعني في يوم عرفة، في النهاية، قال سالم: ولا يريدنا بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-:
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو: أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر(7/25)
فالذي يغلب على الظن أن المراد بالسنة سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لاسيما إذا قاله الصحابي محتج به على حكم شرعي، إذ الحجة فيما يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحتج بقول أحد كائن من كان، ولا بسنة بلد، ولا طريقة بلد، ولا سنة من سلف، والمسألة شرعية، نعم إذا خلت المسألة من المرفوع؛ فيمكن أن يحتج بسنة أحد الخلفاء الراشدين، ولا مانع من أن يقال: إن صلاة الترويح من سنة عمر، أو الأذان الأول يوم الجمعة من سنة عثمان، وهكذا، لكن الذي يغلب على الظن أن الصحابي إذا ساق أمراً ونسبه إلى السنة محتجاً به؛ فإنه لا يريد بذلك إلا الاحتجاج بمن يلزم قوله، الذي هو القدوة، والأسوة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- "أو نحو: أمرنا حكمه الرفع" أمرنا، يعني إذا قال الصحابي أمرنا في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- الاحتمال غير وارد في كون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام- في عصره، لكن بعد عصره، في عهد أبي بكر، في عهد عمر، في عهد عثمان، في عهد معاوية، في عهد من تأخر، إذا قال: أمرنا، والمسألة مفترضة في حكم شرعي، في حكم شرعي، إذا قاله بعد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكذالك عند الأكثر، يكون حكمه الرفع، حكمه الرفع ولو:
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر(7/26)
لأن الصحابي لا يطلق الأمر والنهي في المسائل الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي، إلا أمر من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذا، بعضهم يقول: إن الصحابي قد يفهم من أمر في آية، أو حديث فهماً خاصاً به؛ يجتهد، ويقول: أمرنا، لاندراج ما اجتهد فيه في هذا الأمر الوارد في الآية، أو الحديث، لكن الجمهور على خلافه، الأكثر على أنه حكمه الرفع: "أمرنا أن نخرج العواتق، والحيض، وذوات الخدور" حيث أم عطية، "نهينا عن إتباع الجنائز" هذا قول أم عطية، وهذا إذا لم يصرح بالآمر، بل جاء بالفعل مبنياً للمجهول، فإذا قال: أمرنا، أو نهينا، فالجمهور على أن له حكم الرفع، وخالف في هذا أبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسن الكرخي، فقالا: يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يثبت له حكم الرفع إلا إذا صرح بالآمر، فإنه يكون مرفوعاً حينئذٍ؛ لاحتمال أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن خلال تتبع ما جاء من أقوال الصحابة في دواوين السنة، ما قالوا فيه: أمرنا، أو نهينا، أنه في أكثره صرح بالآمر في مواضع: "أمرنا أن نُنَزِّل الناس منازلهم" حديث عائشة، وفي رواية: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم"، فصرح بالآمر في كثير منها مما يدل على أن الصحابة لا يطلقون الأمر والنهي في المسائل الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي فيها، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا إذا لم يصرح بالآمر، أما إذا صرح بالآمر، وقال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، أو: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فهو مرفوع قطعاً اتفاقاً، مرفوع اتفاقاً، بلا نزاع؛ هل يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام- في قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى لله عليه وسلم-"؟ لا يحتمل، لكن دلالة مثل هذا اللفظ: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل هي بمثابة افعلوا؟ هل هي بمثابة افعلوا؟ إذا قال الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل إذا قاومها حديث فيه التصريح بالأمر من لفظه -عليه الصلاة والسلام-؟ منهم من يقول لا يحتج بقول الصحابي: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه(7/27)
وسلم-"، ولا بقوله: "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وهذا منسوب لداود الظاهري، وبعض المتكلمين، قالوا: لا نحتج به، ولا يلزمنا أن نأتمر، ولا أن ننتهي؛ لماذا؟ عامة أهل العلى على أنه بمثابة افعلوا في مسألة الأمر، وبمثابة لا تفعلوا في مسألة النهي، لكن ينسب لداود الظاهري، وبعض المتكلمين أنه لا يلزم، وليس بحجة؛ لاحتمال أن يسمع الصحابي كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر، ولا نهي، لكن هذا القول ضعيف، هذا القول ضعيف؛ لأن الصحابة الذين عاشوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفهموا عنه، وهم العرب الذين لم يختلطوا بغيرهم، إذا لم يفهموا مدلولات الألفاظ الشرعية؛ من يفهمها بعدهم؟! وإذا قلنا بأن الصحابة لا يفهمون مثل هذه الأمور؛ نحن على شك من ديننا؛ لأنه وصلنا من طريقهم، وتجوز الرواية بالمعنى، فهم يعبرون عن اللفظ النبوي، وعلى هذا لا نحتج بأي حديث ينقلونه إلا إذا صرحوا بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله بلفظه، فكل من يجوز الرواية بالمعنى يقول: إن مثل هذا ملزم، وجاء بهذه الصيغة أحاديث كثيرة، ثابتة عن الصحابة، إذا قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أو نهيت، أمرت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))، و: ((نهيت عن قتل المصلين)) مثلاً، فهل يشك في أنه مرفوع؟ لا، وهل يشك في أنه حجة ملزمة؟ هل نقول: إن الرسول بعد ما فهم، ما يمكن يقول هذا أحد، هو حجة ملزمة، لكن يبقى أنه حديث قدسي، فالآمر والناهي للرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الله -جل وعلا-، هو الله -جل وعلا-.
الفرع الثاني: "وقوله" يعني الصحابي:
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع(7/28)
"وقوله كنا نرى" كنا نفعل، وفعلنا "كنا نرى إن كان مع عصر النبي" -صلى الله عليه وسلم-، إن قال الصحابي: كنا نفعل في عهد النبي-صلى الله عليه وسلم-، أو: كنا نرى، إن أضافه إلى العصر النبوي "من قبيل ما رفع"، "وقيل: لا" وهذا أيضا للإسماعيلي، ولو قال: كنا نرى، أو كنا نفعل على عهد النبي-صلى الله عليه وسلم-، لا، ليس بمرفوع؛ لماذا؟ كنا نرى، وكنا نفعل، من يقول بأنه من قبيل ما رفع، وهو المصحح في هذا المسألة إذا أضافه إلى العصر النبوي، يقول: كونهم يفعلونه في وقت التنزيل، ولا ينزل القرآن بالنهي عنه؛ يدل على جوازه: "كنا نعزل، والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً ينهى عنه؛ لنهانا عنه القرآن"، "وقيل: لا" هذا قول الإسماعيلي؛ لاحتمال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يطلع عليه، مرفوع مطلقاً، والثاني قول الإسماعيلي ليس بمرفوع مطلقاً، ومنهم من يقول: إن كان مما يخفى، ولا يطلع عليه؛ فهو موقوف، وإن كان مما يظهر، ويطلع عليه غالباً؛ فهو مرفوع، ومنهم من يرفق بين: "كنا نرى"، "وكنا نفعل"، "نرى" من الرأي، وهذا يدخل فيه الاجتهاد، و"كنا نفعل" هذا مما يظهر على الجوارح، وينكر لو كان مما ينهى عنه، وأما الرأي فمرده إلى الاجتهاد، ومثل هذا التفريق ضعيف؛ لأنه وإن كان رأي ومرده إلى الاجتهاد، وينطق به، ويسمع كما أن العمل يرى، منهم من يقول: إذا كان القائل من الصحابة له رأي، وله اجتهاد، واستنباط؛ فمثل هذا يرجح أنه موقوف، وإلا فمرفوع، هذا فيما إذا صرح، وأضاف إلى عهد النبي، أو عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-:
وقوله: كنا نرى إن كان مع ... عصر النبي من قبيل ما رفع
وقيل: لا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(7/29)
الأول كونه مرفوعاً بإطلاق، والثاني موقوف بإطلاق، "أو لا" أو لا يقيد بالعصر النبوي: "كنا نرى"، "كنا نفعل"، ولا يقول في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، "أو لا" يعني لا يقيد بالعصر النبوي "فلا" يكون مرفوعا حينئذ "كذاك له" أي لابن الصلاح، ابن الصلاح يرى أنه إذا لم يصرح بالعصر النبوي، بعصر النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنه لا يكون مرفوعاً "كذاك له وللخطيب" له أي لابن الصلاح، وللخطيب البغدادي، ونسب النووي الحكم بوقفه إلى الجمهور، يعني إذا لم يضفه إلى العصر النبوي، إذا لم يضفه إلى العصر النبوي، فعرفنا أنه إذا أضافه إلى العصر النبوي؛ فهو مرفوع "وقيل" يعني على سبيل التضعيف، ليس بمرفوع؛ لاحتمال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يطلع عليه، ولم يقره، أما إذا لم يقيده بالعصر النبوي، فلا يكون مرفوعاً عند ابن الصلاح، وقبله الخطيب، ونسب النووي -رحمه الله- الحكم بوقفه إلى الجمهور.
. . . . . . . . . ... وللخطيب قلت لكن جعله(7/30)
"مرفوعاً" جعله مرفوعاً، وإن لم يضفه للعصر النبوي "لكن جعله مرفوعاً" وإن لم يضفه إلى العصر النبوي "الحاكم والرازي" يعني "كنا نفعل"، "كنا نقول"، "كنا نرى"، "كنا نفضل" كقول ابن عمر، كل هذا من قبيل المرفوع عند "الحاكم والرازي ابن الخطيب" لماذا ما قال الرازي فقط؟ احتمال أن يكون أبا حاتم الرازي مثلاً؛ لكنه حدد، قال: "والرازي ابن الخطيب" ابن الخطيب معروف محمد بن عمر الرازي، صاحب التفسير المشهور، التفسير بالرأي، ومعروف منهجه، ومذهبه، ومخالفاته لأهل السنة كبيرة، وكتابه عن التفسير من أخطر ما يوجد من الكتب على العقائد؛ لأن فيه من الشبه القوية التي يضعف عن درها، فضلاً عن الشبهة التي يتبناها، فالكتاب كتاب تنظير للبدعة، ومع ذلك ينقل كلامه في المحصول، وغيره؛ لأن مثل هذه الأمور تخضع لشيء من التأمل، يعني حينما يقول الإسماعيلي: ليس بمرفوع، ويقول غيره: مرفوع؛ هل يقول الإسماعيلي: ليس بمرفوع؛ لأن الإمام أحمد قال: ليس بمرفوع، أو قال: لأن يحيى بن معين قال: ليس بمرفوع؟ لا ما يذكرون أقوال الأئمة، نعم إنما يذكرونها استناداً على علل يستنبطونها هم، فمثل هذه الأمور خاضعة للنظر والتأمل، ولذلك يذكرون أمثال الرازي ابن الخطيب، وأيضاً على ما سيأتي الغزالي، ويذكرون رأي إمام الحرمين، والآمدي، وغيرهم ممن عندهم مخالفات؛ بل عندهم طوام في العقائد "قلت لكن جعله
مرفوعاً الحاكم والرازي ... ابن الخطيب. . . . . . . . .
ليميز الرازي الذي يريده، محمد بن عمر صحاب التفسير، المعروف بابن الخطيب، المتوفى سنة ست وستمائة "وهو القوي" يعني من حيث المعنى، هذا ترجيح من قبل الناظم -رحمه الله تعالى- تبعاً للنووي في شرح المذهب "وهو القوي" لأننا لو تأملنا قول الصحابي: "كنا نفعل"، "كنا نفعله" يعني: "كنا إذا صعدنا كبارنا، وإذا هبطانا سبحانا" مثل هذا يقوله الصحابي من تلقاء نفسه، نعم ولم يصرح بأنهم في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مخرج في البخاري، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/31)
كيف؟ لا، تستصحب الراجح معك، أنت تستصحب الراجح، إن كنت ترجح أنه مرفوع؛ فهذا هو الأصل، إلا إذا وقفت على نص يخالف هذا الأصل، وإن كنت تستصحب أنه موقوف، وهذا الراجح عندك؛ فإن وقفت عليه مصرحاً برفعه أخذت به، وإلا فلا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما في شك، في فرق بين أن يُحمل الآمر على أنه النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أُمرنا"، "كنا نُأْمر" يرجح أنه النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسائل الشرعية، وبين أن يكون: "أُمرنا" بنص، لكن هذا النص يحتمل أنه جاء خاصاً في هذه المسألة، خاصاً بهذه المسألة، وبين نص عام تندرج فيه هذه المسألة، تندرج فيه هذه المسألة، فيكون من استنباط الصحابي، واجتهاد منه، أن هذه المسألة فرع، أو فرد من أفراد العموم الذي يدل على هذا الحكم، يعني أمر في القرآن؛ أمر عام، والصحابي يقول: "أُمرنا" بمسألة بعينها، يقول" "أُمرنا" بمسألة بعينها، فالاحتمال قائم أن الصحابي عنده نص صريح يدل على الأمر في هذه المسألة بعينها، واحتمال أن يكون الصحابي يرى أن هذه المسألة تندرج في أمر ثابت في القرآن، أو في السنة، فيكون هذا من اجتهاده، وفرق بين أن ينص على المسألة بعينها بالأمر، أو بالنهي، وبين أن تكون مندرجة تحت أمر عام، عندنا في المناسك من هذا النوع مثال بس غاب عن ذهني الآن، يقول فيه ابن عباس: أَمرنا، أمرنا، نعم أمرنا رسول .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ نص في الموضوع؛ لأنه معارض بأمر آخر يذكره ابن عمر، وترددنا في وقته؛ هل ابن عباس يحفظ فيه أمراً خاصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا المسألة، أو أنه يستنبطه من الأمر العام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/32)
لا، قال: من ترك نسكاً يرق دماً؟ لا، هو يصرح بأنه مأمور من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن هذا الفرع الذي هو الثاني يتحصل فيه مذاهب أنه مرفوع مطلقاً، أضافه إلى العصر النبوي، أو لم يضفه، موقوف مطلقاً، التفصيل؛ فإن أضافه فمرفوع وإلا فموقوف، إن كان مما لا يخفى فمرفوع، وإلا فلا، إن أورده في معرض الاحتجاج فمرفوع، وإلا فموقوف، والقول السادس: إن كان قائله من أهل الاجتهاد فموقوف وإلا فمرفوع، والسابع: التفريق بين "كنا نرى"، و"كنا نفعل" هذه مرت بنا نعم.
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا
حكما لدى الحاكم والخطيب ... والرفع عند الشيخ ذو تصويب
"كان باب المصطفى يقرع بالأظفار" يعني إذا جاء الصحابة يستأذنون على النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأظفار، وهذا من تأدبهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإجلالهم له، وهكذا ينبغي أنه إذا كان الاستئذان يتأدى بالأقل ما يلجأ إلى الأشد، وبعض الناس من طبعه أنه سواءٌ كان صاحب البيت عند الباب، أو في قعر الدار؛ ما يختلف، وإذا أراد أن يستأذن بالجرس؛ كأنه وراءه سبع يريد أن يتخلص منه، بعض الناس يفعل هذا، لكن هذا ليس من الأدب، الصحابة كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بالأظفار هكذا، كونهم، هذا الخبر الذي يخبر بأنهم كانوا يقرعون بابه بالأظفار؛ هل مرفوع، وإلا موقوف، يقرعونه عليه -عليه الصلاة والسلام-، أو من بعده؟ نعم يقرعونه عليه، يقرعون بابه، وهو موجود؛ تأدباً معه -عليه الصلاة والسلام-، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف، كما قلنا في أسباب النزول، وكما سيأتي –أيضاً-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- طرف؛ هل يقال: إن هذا مما يخفى عليه -عليه الصلاة والسلام-، هو من فعل الصحابة، لكن يكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، ما قال لهم زيدوا في الضرب، ولا لا تضربوا مثل هذا الضرب، فاكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-:
لكن حديث: كان باب المصطفى ... يقرع بالأظفار مما وقفا(7/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (8)
حكم قول الصحابي وقول التابعي من السنة أو أمرنا - المرسل
الشيخ/عبد الكريم الخضير
لكن حديثُ كان بابُ المصطفى ... يُقْرعُ بالأظفارِ مما وُقِفَا
حكماً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
أي حكمه الوقف "لدى الحاكم" عند الحاكم "والخطيب" في جامعه "والرفع" في هذا الحديث "عند الشيخ" ابن الصلاح "ذو تصويب"؛ لأنه إذا أمكن أن يقال في قول الصحابي كنا نفعل عدم اطلاع النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا لا يمكن أن يقال مثل هذا الكلام، يقرعون بابه ولم يطلع، لو قالوا: كنا نقرع أبوابنا لدخلت في المسألة التي قبلها، لكن كانوا يقرعون بابه بالأظافير -عليه الصلاة والسلام-، فالشيخ ابن الصلاح الرفع عنده هو الصواب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف في الموضوع، وقد اطلع على صنيعهم هذا ولم ينكر عليهم ولم يثرب عليهم، من المسائل يذكر الأثر يقول: الذي تريد هو أن أنهم لما سألوا ابن عباس لماذا صلينا خلف المقيم نتم وإذا صلينا وحدنا قصرنا؟ قال هكذا أمرنا، المسألة في المناسك، المسألة في المناسك وتأتي إن شاء الله.
الفرع الثالث: نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بالموطأ بمسلم، صحيح مسلم في درس مسلم.
الفرع الثالث يقول:
وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رفعاً. . . . . . . . .
يعني مرفوعاً "فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ" رفعاً مصدر ويطلق المصدر ويراد به اسم المفعول كالحمل يراد به المحمول، والرفع يراد به المرفوع،
وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رفعاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ(8/1)
المسألة جاءت من قبل الحاكم أبي عبد الله؛ حيث قرر في مستدركه أن تفسير الصحابي مرفوع، ونسبه للشيخين، للبخاري ومسلم، قال مذهب الشيخين أنهم يحملون تفسير الصحابي على أنه مرفوع، والسبب في ذلك ما عرفه الصحابة وسمعوه وسمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- من التشديد في شأن تفسير القرآن بالرأي، وإذا ورد عنهم تفسير للقرآن مع هذا التشديد ومع ورعهم وتحريهم وخشيتهم لا يظن بهم أنهم فسروه بالرأي، فالمظنون بهم أنهم تلقوه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيثبت له حكم الرفع، هذا كلام الحاكم ونسبه للشيخين، لكن ابن الصلاح يوجه كلام الحاكم بأن مراده بذلك أسباب النزول أسباب النزول، فإذا قال الصحابي هذه الآية نزلت في كذا فله حكم الرفع، له حكم الرفع؛ لأن النزول لا بد أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- طرفاً فيه؛ لأن النزول عليه، والتنزيل -عليه عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يكون طرفاً فيه فيكتسب الرفع من هذا الحيثية ومن هذه الجهة، "وعد ما فسره الصحابي رفعاً فمحمول على الأسباب" يعني على أسباب النزول؛ مع أن في أسباب النزول مما يروى عن أكثر صحابي ويدل على الاختلاف اختلاف المنقول من صحابي إلى آخر، فالصحابي يرى أن الآية نزلت في كذا؛ لأن الحادثة التي اطلع عليها تعقبها نزول الآية فجعلها سبباً فجعلها سبباً، فيكون هذا اجتهاد من الصحابي أو ليس باجتهاد؟ نعم، اجتهاد أو يسمع القصة يسمع الحديث مثلاً ويتلو النبي -عليه الصلاة والسلام- مع هذا الحديث آية، فيظن أن قصة الحديث هي سبب نزول الآية وهذا كثير، فعلى هذا حتى أسباب النزول يعني لو لم ترفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على كلامهم، ولو لم ترفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن لها حكم الرفع. لا شك أن النزول عليه -عليه الصلاة والسلام- لكن كون هذا السبب هو الباعث على نزول الآية يحتاج إلى ثبوت بدليل أن قد يذكر الصحابة أكثر من سبب ولا يمتنع أن يتعدد السبب والنازل واحد، لكن الإكثار من هذا، ومن نظر في كتب التفسير بالأثر أو كتب أسباب النزول مع أن كثيراً منها يروى بأسانيد لا تسلم من مقال، لكن ما صح منها يتفاوت أو تتباين فيه أقوال الصحابة وما أضيف إليهم، طيب ما(8/2)
الفائدة أن نبحث في سبب النزول هل هو مرفوع أو موقوف؟ السبب لأن معرفة السبب مثلما قلنا في درس علوم القرآن، نعم له اثر في معرفة المسبب، وإذا عرف السبب بطل العجب، فإذا اعتمدنا على شيء ليس هو السبب في الحقيقة، إذا عرفنا شيئاً ليس هو السبب في الحقيقة فيكون فهمنا على غير أساس.
من ذلك أيضاً قولهم دخول السبب في العموم قطعي وهو فرد من أفراد العام دخوله قطعي في المسبب، المقصود أن هناك فوائد وأسباب النزول ينبغي أن يتثبت فيها، ولا شك أن لمعرفتها فوائد كثيرة، وإطلاق أن كل سبب يذكره الصحابي يعني يجتهد يرى أن هذه الحادثة مناسبة لهذه الآية فمثلاً {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [(82) سورة الأنعام] الصحابة استشكلوا، استشكلوا وأينا لم يظلم نفسه، قال: فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]، وفي حديث آخر في الصحيح: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}))، فكون الصحابي يقول فأنزل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر فرداً من أفراد العام، وأحال إلى ما في سورة لقمان الصحابي ظنه هو سبب النزول وإن كان دخول الشرك في الآية، آية الأنعام دخوله قطعي، لكن لا ينفي أنواع الظلم مما دون الشرك، لا ينفي ما دون الشرك من أنواع الظلم، ابن القيم وغيره قالوا: إن الذي ينافي الأمن المطلق هو الشرك الأكبر وما دونه فبنصيبه والحصة بالحصة، يعني أن الظلم ولو كان يسيراً يكون له بقدره من الخوف، وأما الأمن المطلق فمقرون بالتوحيد {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور]، فالأمن المطلق مع التوحيد الخالص مع انتفاء الشرك ويأتي خوف بقدر ما عند الإنسان من ظلم لنفسه ولغيره، والفرع الرابع
وَقَوْلُهُمْ يَرْفَعُهُ يَبْلُغُ بِهْ ... روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ(8/3)
إذا قال التابعي بعد ذكر الصحابي عن أبي هريرة يرفعه، عن أبي هريرة يبلغ به ينميه رواية، وفي الصحيح في البخاري أمثلة على هذا، فإذا قال التابعي بعد ذكر الصحابي يرفعه عن أبي هريرة يرفعه، يرفعه لمن؟ إلى من؟ إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بلا إشكال ينميه إلى من؟ إلي النبي -عليه الصلاة والسلام-، يبلغ به من؟ لا بد وأن يبلغ به النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وقولهم يرفعه يبلغ به رواية ينميه رفعٌ فانتبه" هذا مرفوع بلا خلاف، مرفوع بلا خلاف، "فانتبه" لهذه الألفاظ "وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ" عن سعيد ابن المسيب يرفعه عن الحسن يبلغ به، عن ابن سيرين رواية، أو ينميه، هل نقول إنه مرفوع، مرفوع مرسل أو نقول موقوف متصل؟ بمعنى أنه إذا قال التابعي بعد التابعي يرفعه هل يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فنقول مرفوع مرسل، أو يرفعه لمن فوقه، والمراد بذلك الصحابي فيكون موقوف متصل، والتردد في هذا وارد، "وإن يقل عن تابع فمرسلٌ" وقال ابن القيم: جزماً، يعني مرفوع مرسل جزماً، وبعضهم نفى الخلاف في هذا، لكن الاحتمال أنه يحتمل أنه يرفعه إلى من فوقه؛ لأن منزلة الصحابي بالنسبة للتابعي مرتفعة ورفيعة، فيصدق أنه يقال رفعه يعني إلى من فوقه، وإن كان ما يضاف إلى الصحابي موقوف فالعبارة وتخصيص هذه العبارة يرفعه لا شك أن لها نصيب من الرفع، الذي هو في الأصل إلي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قال ابن القيم: جزماً، وقال بعضهم: بلا خلاف، كما لو قيلت بعد الصحابي، لكنه مرسل، يقول: "إن يقل عن تابع فمرسلُ * قلت من السنة عنه نقلوا
وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا
تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) مِنْهُ (للغَزَالي)(8/4)
يعني إذا قال التابعي: من السنة، إذا قال التابعي: من السنة، "نقلوا تصحيح وقفه" على الصحابي فهو متصل موقوف، يعني سنة الصحابي؛ لأنه ما أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- ليرى سنته، والغالب أن السنة إنما تطلق على الطريقة على الطريقة هذه حجة من قال: إنه متصل لكنه موقوف، فيريد بذلك سنة الصحابة، سنة من أدركه من الصحابة، سنة من سلف، ومنهم من قال: إنه مرفوع مرسل كسابقه، يعني موقوف متصل أو مرفوع مرسل احتمالان وقال: "تصحيح وقفه وذو احتمال * نحو أمرنا منه للغزالي" ولم يرجح أحد الاحتمالين.
"وذو احتمال" للإرسال والوقف، "نحو أمرنا منه" أي من التابعي "للغزالي"، وأبدى هذين الاحتمالين ولم يرجح أحدهما على الآخر، يعني احتمال للإرسال والوقف نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، استنباط، استنباط من السنة، استنباط من السنة ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ... )) استنباط من هذا، وإن كانت السنة الصحيحة مخالفة لهذا الاستنباط، فرقوا بين سعيد وغيره، يعني مثلما قبلوا مراسيل سعيد لا سميا الشافعية الذين نص إمامهم على أن إرسال ابن المسيب حسن عنده، فرقوا بينه وبين غيره، فقالوا: إذا قال مثل سعيد من السنة، أو قال: أمرنا لا يظن به إلا أنه يريد بذلك سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف غيره، نعم ..
طالب:. . . . . . . . .
سنة بلدهم، السنة عندهم، يعني في بلدهم الذي هو المدينة وهو يحتفي بعمل أهل المدينة وهو أصل عنده.
الفرع السادس
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
"وما أتى عن صاحب" يعني عن صحابي "بحيث لا يقال رأياً حكمه الرفع على". لما أخر ما أتى عن الصحابي عما أتى وما نقل عن التابعي؟ وكذلك الذي بعده، وما رواه عن أبي هريرة، يعني أخر الفرع السادس والسابع عن الفرع الخامس، وإن كان مضافاً إلى التابعين، والأصل أن يقدم ما أضيف إلى الصحابة، أخر السادس والسابع لكونهما من الزيادات من زيادات الناظم على ما عند ابن الصلاح.
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على(8/5)
يعني مثل قول عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين" فرضت الصلاة ركعتين، هل يمكن أن تقوله عائشة استنباط؟ نعم، هذا لا يمكن أن يدرك بالرأي، لكن ألا يمكن أن يقال إنها فهمت من الآية: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] "، مثل ما فهمت من قوله -جل وعلا-: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] فهي ترى وجوب السعي من هذه الآية، ألا يقال إنها استنبطت فرضية القصر من هذه الآية؟ نعم من أين أخذنا أن الأصل في الصلاة ركعتين إلا من هذه الحديث، من قولها: "فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر"، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
والسعي، الآن هل السياق سياق آية القصر مطابق لسياق آية السعي؟ نعم كيف؟ بغض النظر عن السبب، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} لا لا، هذه حجتها هي، لما ردت على عروة {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ} نعم؟ أنتم الآن فهمتم قصدي وإلا ما فهمتوه، هم يقولون: ما يمكن تقول عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين" من اجتهادها وإحنا نقول: ردت على عروة الذي يرى أن السعي غير واجب استدلالاً بالآية، استدلت بالآية على أن السعي واجب، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ}، والآية في القصر نفس الشيء يعني الآية ما فيها دلالة على وجوب القصر، أنت تعرف أن الحنفية رأيهم عكس ما تقول في السعي والقصر، فالمسألة تحتاج إلى نظر دقيق تحتاج إلى نظر دقيق، هم حينما مثلوا بقول عائشة: فرضت الصلاة ركعتين قالوا: ما يمكن عائشة أن تثبت حكم شرعي يدل على فرضية من تلقاء نفسها، ألا يمكن أن تستنبط فرضية القصر من الآية كما استنبطت فرضية السعي من الآية والسياق واحد؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني رفع الجناح الذي هو التأثم.
إيه لا.
التأثم الحاصل من الصحابة أنهم كانوا يهلون للصنمين فوقع في أنفسهم أن السعي مشابه لصنيعهم في الجاهلية فتأثموا من السعي فجاءت الآية لرفع هذا الإثم.
. . . . . . . . . الصلاة .... تاريخي لا يمكن أن يكون. . . . . . . . .(8/6)
الآن الإيراد الذي أوردته ظاهر، مفهوم وإلا ما هو بمفهوم، إحنا ما عندنا شك أن مثل عائشة في دينها وعلمها وورعها ما يمكن أن تنسب فرضت من الذي يفرض؟ الله -جل وعلا- الله -جل وعلا-، لا يمكن أن تنسب إليه بهذا اللفظ ما لم تسمعه من الواسطة وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من باب التنظير، من باب التنظير، ومن باب فهم أس المسألة وأصلها نقول مثل هذا الكلام، وإلا نقدر نمشيه، إحنا ما عندنا أدنى إشكال كون فرضت الصلاة الذي يفرض هو الله -جل وعلا-، لكن لما يقرن نص بنص تظهر المسألة، وتتضح المسائل، يعني حينما يوجب الحنفية القصر من هذا الحديث: "فرضت"، طيب يا حنفية أنتم تقولون هل القصر فرض وإلا واجب؟ أنتم تستدلون بهذا الحديث فرض وإلا واجب؟ يقولون: لا لا ما هي بفرض، ما هو بفرض القصر واجب، الجمهور يقولون: "فرضت" يعني قدرت، والحنفية يقولون: فرضت أوجبت، لكن يعدلون عن اللفظ المأثور إخضاعاً للأحكام لمصطلحاتهم لمصطلحاتهم، وأيضاً مثل هذا حينما يقول الصحابي: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، هل نشك في كونه الذي فرضها النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس استنباط من الصحابي؛ لأنه أضاف الفرض إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أما قول عائشة فرضت الذي نجزم به أنها تلقته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان الاحتمال الثاني لا ينفى من كل وجه.
"من خرج بعد الآذان فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"، يعني هل نقول أن الصحابي عنده نص في هذه المسألة بعينها؟ أو نقول استنباط؟ الذي يظهر أن هذه المسائل الدقيقة التي ينص عليها بعينها أنها متلقاة من مشكاة النبوة، ولو أغرقنا في بحث مثل هذه الدقائق الظاهر ما تنتهي،
وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(8/7)
يعني كوننا نبحث على هذه الدقائق يدل على أن لصاحب المحصول أيضاً أن يبحث نعم، وإلا مثل هذه المسائل التي تدرك بالنظر ما يبحثها الإمام أحمد، ولا يبحثها ابن معين، لكنها موجودة، لا بد من معالجتها. "حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى" يعني ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد قاله ابن مسعود، لكن هل يمكن أن يقول ابن مسعود فقد كفر باجتهاده؟ وإلا احتمال أنه رجع إلى آية: {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ} [(102) سورة البقرة] نعم {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} لكن مجرد الإتيان مجرد الإتيان هل يستنبط كفر من أتى مما جاء في الآية؟ ما يمكن.
ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
ابن حزم شن حملة كبيرة على هذا الكلام وقال: العبرة بصريح الرفع، يعني بصريح النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قال كلاماً لم يضفه إلى غيره فهو له، وفي مواضع من المحلى يرد على أهل العلم بمثل هذا، وما دام قال ابن مسعود من أتى هذا كلام ابن مسعود، طيب يا ابن حزم هل يمكن أن ابن مسعود يحكم بكفر مسلم لمجرد هذا العمل إلا وعنده فيه توقيف من النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا المظنون بالصحابي مع أنه جاء مصرحاً به، مصرح برفعه، مصرح برفعه، وأنا أقول إن مثل هذه الأمور الدقائق الذي يختلف فيها ينظر في طرق الحديث، ينظر في طرق الحديث، "فالحاكم الرفع لهذا أثبتا"، أثبت له حكم الرفع، والفرع السابع يقول الناظم -رحمه الله- تعالى:
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ(8/8)
"ما رواه عن أبي هريرة محمد وعنه أهل البصرة" محمد ابن سيرين يروي عن أبي هريرة قال: قال في البخاري عن حماد عن أيوب عن محمد يعني ابن سرين عن أبي هريرة قال: قال: "أسلموا غفار وشيء من مزينة" هذا في الصحيح، وليس فيه صريح النسبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما فيه تكرير قال، وقال الأولى يعني هل نقول أن هذا تأكيد لفظي؟ وما الداعي لمثل هذا التأكيد اللفظي؟ هذا تأكيد لفظي؟ ولماذا يكرر هذه اللفظة في هذا الموضع في هذا الحديث قال: قال؟ هل يتصور أن أحد يبي يشك التأكيد اللفظي متى تدعوا الحاجة إليه؟ إذا كان السامع بصدد أن يشك فيه، نعم، لكن لفظة قال، معروف عن أبي هريرة قال، يكفي وقال هذه تحتاج إلى فاعل، والفاعل ضمير مستتر يعود إلى أبي هريرة. الثانية قال: تحتاج إلى فاعل والفاعل ضمير مستتر يعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
أيوب ابن أبي تميم السختياني بصري، قال: قال، وهو عند مسلم مصرح فيه بالرفع، وعنه أهل البصرة
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ
"رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ" روى عن موسى ابن هارون الحمال أنه مرفوع، "وذا" أي تخصيص الحكم بالرفع فيما يأتي عن ابن سيرين بتكرير قال؛ لأن ابن سيرين صرح بأن كل ما يرويه عن أبي هريرة فهو مرفوع فلا يخص ما كرر فيه الصيغة دون ما أفرد الصيغة فيه، يعني لو افترضنا أنه قال مرة واحدة عن أبي هريرة قال: "أسلموا غفار" وقد نقل عنه وثبت عنه أنه قال: "كل ما أرويه عن أبي هريرة فهو مرفوع" ولذا قال:
كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ(8/9)
يعني التخصيص، تخصيص الحكم في هذا التكرار لكن التخصيص أليس له وجه من حيث اللفظ؟ يعني لو لم يرد قول ابن سيرين أن كل ما حدث عن أبي هريرة فهو مرفوع، يكون التخصيص له وجه وإلا ما له وجه؟، يكون له وجه؛ لأن قال الثانية تحتاج إلى فاعل، وإذا كان الفاعل قال الأولى أبو هريرة فلا بد أن يكون قال الثانية لها فاعل وهو غير أبي هريرة، وهو من يروي عنه أبو هريرة، وهو -النبي عليه الصلاة والسلام-، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
عن أبي هريرة حاجة وعنه أهل البصرة؟
وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ
أما الشراح فكلهم يقول بكسر التاء للضرورة، يقولون هذا، ولو عندنا سبورة قطعنا البيت، أما شفوي أنا ما أقطع.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛؛
السلام عليكم ورحمة وبركاته
يقول: بعض الأشجار تسقى بماء المجاري، أو تسمد بسماد نجس، فهل يجوز أكل ثمرها أم هي في معنى الجلالة، وهل قياسها على الجلالة قياس صحيح، أم هو قياس مع الفارق؟
أهل العلم يمنعون البول تحت شجرة لها ثمرة، تحت شجرة لها ثمرة، فلا ينبغي أن تسقى أو تسمد بنجاسات، لكن إذا حصل فالذي يظهر أن هناك فرقاً بين الجلالة وبين هذه الثمرة، فرق بين الجلالة وبين هذه الثمرة؛ لأن الجلالة تلتقط النجاسة مباشرة، وهذه الثمرة ما تسمد به أو تسقى به لا ينتقل إلى الثمرة مباشرة، وإنما ينتقل إلى غصون وجذوع الشجر، أولاً في العروق، ثم في جذوع الشجر، وقد يكون طويلاً ثم في الغصون، ثم بعد ذلك يصل إلى الثمرة بعد مراحل، ويكون بذلك قد طاب، ولا يكون في الثمرة مباشرة كما تأكل الجلالة النجاسة مباشرة، ففرق بين هذا وهذا، والأمر في سقي الشجرة أسهل من كون الداجنة تأكل النجاسات؛ لأنها تبني عليها جسدها، أما بالنسبة للشجرة، بالنسبة للثمرة فإن هذا الماء وهذا السماد يمر بقنوات متعددة من العروق إلى الجذوع إلى الأغصان ثم بعد ذلك يصل إلى هذه الثمرة.
ما الفرق بين تزكية المرء لنفسه، وحسن ظن المرء بالله -جل وعلا-؟(8/10)
الفرق بينهما واضح وجلي، فالذي يزكي نفسه بمعنى أنه يمدحها، ويثني عليها، وينفي عنها المعايب، ويثبت لها المحاسن، أما من يحسن الظن بالله -جل وعلا- فإنه يعترف بنقصان نفسه، وبارتكابه ما يرتكب من معاصي وبتقصيره في الواجبات، فهو منكسر بين يدي ربه، ومع ذلك علمه بسعة رحمة الله -جل وعلا- يجعله يحسن الظن به، مع خوفه من ذنوبه وتقصيره فيما أوجب الله عليه.
يقول: كيف يحصل طالب العلم في مصر على كتب الأصول القديمة المضبوطة؟
إن كان يقصد بذلك الطبعات القديمة فمصدرها مصر، إن كان يقصد الطبعات القديمة فمصدرها مصر في الغالب، وطبع أكثرها في مصر، وطبعت في تركيا، وطبعت في الشام، طبعت في المغرب، طبعت في الهند وهذا كثير جداً، لكن أكثر الكتب القديمة إنما تم طبعها في مصر، وأكثر المطابع في مصر، وللكتب هذه سماسرة معرفون عند الكتبيين لو اتصل بهم لدلوه على أماكن هذه الكتب، وهذه الكتب إنما ترد إلينا وإلى غيرنا من مصر، هذا إذا كان يقصد الطبعات القديمة، إذا كان يقصد كتب الأصول الذي هو علم الأصول القديمة فهي موجودة في كل بلد ولا ينظر إلى نوعية الطبعات فما زالت المطابع تطبع من الكتب القديمة.
هذا يقول: نريد معرفة أفضل الطبعات والتحقيقات في الكتب التالية: (المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ابن حجاج)؟(8/11)
الطبعة المصرية الواقعة في ثمانية عشر جزءاً الذي طبعت منذ أكثر من ما يقرب من ثمانين سنة، ألف وثلاثمائة وسبعة وأربعين، أو ثمانية وأربعين في ثمانية عشر جزءاً، طبعة طيبة فاخرة وجميلة، وما صور عنها يأخذ حكمها، والذي لديه جلد في قراءة الكتب المطبوعة على الحواشي، فما طبع على إرشاد الساري الطبعة الخامسة من شرح النووي طيبة جداً، فتح الباري أفضل الطبعات رددناه مراراً وقلنا طبعة بولاق أفضل الطبعات، فإن لم توجد فالطبعة السلفية الأولى إذا صححت أخطاؤها؛ لأن فيها جداول في آخر كل مجلد للخطأ والصواب، كتب السنن الأربعة أما سنن أبي داود فالطبعة الأخيرة طبعة محمد عوامة، يعني من حيث ضبط النص جيدة ووقف على نسخ منها نسخة الحافظ ابن حجر، وقابل مقابلة طيبة على أن فيه بعض التعليقات شيء لا يسلم من شوب البدعة، وأما جامع الترمذي فطبعاته أجودها طبعة الشيخ أحمد شاكر في المجلد الأول والثاني وبقية الكتاب يأخذ من طبعة الشيخ الدكتور: بشار عواد معروف، وسنن النسائي الكبرى طبعة شعيب الأرناؤوط طيبة متقنة، وأما بالنسبة للمجتبى فالطبعة المصرية الواقعة في ثمانية مجلدات مع حاشية السندي والسيوطي، ابن ماجة ذكرنا في درس ابن ماجة أن طبعة بشار عواد معروف طيبة، وتلافى فيها كثيراً من الأخطاء الموجودة في الطبعات السابقة.
يقول: هل السفر إلى بعض البلدان العربية والإسلامية التي تكثر فيها المعاصي والفتن يكون محرماً مثل السفر إلى بلاد الكفار؟
يعني إذا صنف البلد بأنه دار حرب أو دار إسلام فدار الإسلام لا يحرم السفر إليها، دار الإسلام لا يحرم السفر إليها، لكن لا ينبغي أن ينتقل الإنسان من بلد محافظ، المعاصي والمنكرات فيه قليلة ومختفية، إلى بلد تظهر فيه المعاصي والمنكرات، بل المطلوب منه العكس.
يقول: في تحقيقكم لكتاب فتح المغيث إلى كم مرجع رجعتم؟
والله أنا بعيد العهد جداً، لكن تقرب من ستمائة كتاب، والذين طبعوه لفقوا في الفهارس، فهارس المراجع، فجمعوا، أحياناً تجدونهم يذكرون مراجع القسم الأول، ومراجع القسم الثاني وهي كتاب واحد يردد مرتين أو ثلاث، فزادت المراجع على ألف، يمكن تداخلها لتكون يمكن سبعمائة لتصل إلى سبعمائة.(8/12)
هذا يقول: حديث: ((أفلح وأبيه إن صدق)) هل يدل على جواز الحلف بغير الله؟ والحديث في صحيح مسلم وفي رواية: ((بأبيك))؟ وكيف الجواب على هذا الحديث؟ وهل ما قاله النووي عن هذا الحديث صحيح أي أنه كان مما يشتهر على ألسنة العرب، كيف الجواب على ذلك؟(8/13)
أولاً: الحلف بغير الله جاء النهي عنه صراحة، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومعلوم أن المراد بذلك الأصغر أن الشرك الأصغر، وليس الأكبر المخرج عن الملة إلا إذا قصد من وراء ذلك الحلف تعظيم المحلوف به، كتعظيم الله -جل وعلا-، فهذا أمره آخر، وجاء الحديث في النهي عن ذلك فقال: ((لا تحلفوا بآبائكم)) وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذباً خير من أحلف بغيره صادقاً"، إذا تقرر هذا؛ فالحلف بغير الله حرام، بل شرك كما جاء في الحديث، والشرك الأصغر عند أهل العلم أعظم من الكبائر، أعظم من الكبائر، نعم جاء في صحيح مسلم في الروايات المتداولة: ((أفلح وأبيه إن صدق))، في حديث الرجل الذي قال: "والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص" يعني على الفرائض. أما رواية البخاري لهذا الحديث بعينه فليس فيه ((وأبيه))، إنما: ((أفلح إن صدق))، والحافظ ابن حجر ينقل عن السهيلي أنه وقف على نسخة عتيقة صحيحة من صحيح مسلم فيها: ((أفلح والله إن صدق))، فكأن اللامين قصرتا فأشبهت في الصورة وأبيه، من حيث الصورة الصورة واحدة إذا قصرت اللامان في لفظ الجلالة فرسمها مثل رسم أبيه، والله مثل أبيه، إذا قصرت اللامان صارت الصورة واحدة، فكلام السهيلي يدل على أن هذه مصحفة ولا توجد في الأصل؛ علماً بأن تخريج البخاري بدونها لا شك أنه إعلال لها وإعراض عنها، ويدل على ذلك ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من النهي، أهل العلم يجيبون عن مثل هذا فيقولون: لعله قبل النهي؛ لأنه لا يمكن أن يعارض قوله بفعله، ولو كانت المسألة مسألة نهي ((لا تحلفوا بآبائكم))، لقلنا: إن وروده في مثل هذا الحديث دليل على أن النهي للكراهة، ويكون صارف من التحريم من الكراهة، لكن إذا أخبر عنه بأنه شرك والشرك لا ينسخ ولا يصرف، الشرك شرك، وهو داخل وإن كان صغيراً في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، فهذه الآية شاملة للشرك الأكبر والأصغر، إلا أن الفرق بينهما أن الأكبر يخلد في النار، والأصغر لا يخلد؛ بل لا بد من عذابه، في قول جمع من أهل العلم، وآخرون يرون أنه حكمه حكم كبائر الذنوب تحت(8/14)
المشيئة.
يقول: ما رأيكم في جلسة الاستراحة في الصلاة؟
أولاً: تسميتها استراحة هذا تسمية حادثة لم يرد فيه نص يدل على أنها استراحة، بل هي زيادة تكليف، زيادة تكليف؛ لأن قيام الإنسان من السجود إلى القيام مباشرة أريح له من كونه يثني رجله ثم يقوم، والشباب لا يدركون مثل هذا، يدركه من تقدمت به السن أو ابتلي في ركبتيه، يجد أن القيام مباشرة أفضل له من أن يثني ركبتيه، وأنتم ترون كيف يقوم كبار السن يقومون على أيديهم ويرفعوا مقاعدهم قبل رؤوسهم، ولو كانوا يستطيعون مثل هذه الجلسة ويحتاج إليها في الكبر، أنا أقول في الكبر يحتاج إلى تركها، قد يحتاج الكبير إذا كبر تقدمت به السن يحتاج إلى ترك هذه الجلسة؛ لأنها زيادة تكليف، وثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- في حديث مالك ابن الحويرث في البخاري، وفي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ذلك ابن القيم وابن حجر، وثبتت من أمره -عليه الصلاة والسلام- للمسيء فأمره بها وأرشده إليها في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري، فشرعيتها ثابتة وهي مستمرة إلا من عجز عنها، فابن القيم -رحمه الله تعالى- يقرر أنه إن احتيج إليها يعني عند الحاجة، عند الحاجة تُجلس ولا نقول لا قد يحتاج إلى تركها لا إلى فعلها؛ لأنه ليست جلسة على ما يقولون العوام تنقض التعب لا هي مجرد ثني الرجلين وجلوس خفيف جداً ثم القيام، هذه زيادة تكليف، فهي مشروعة لكل مصلٍ، مشروعة لكل مصلٍ، وقد يقول قائل: إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة فهل نوافقه أو نخالفه؟ نقول لا، نخالفه مثل لو كان لا يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو الركوع أو الرفع منه أو القيام من الركعتين، لا يتابع على ترك السنة، لا يتابع على ترك السنة، وهي لا تخل بالمتابعة؛ لأنها خفيفة جداً ونحن نفعلها منذ أزمان ونستقيم وفي قيامنا قبل بعض الناس الذين لا يفعلونها، يعني لا يلزم عليها تأخير عن الإمام أبداً، ومن يقول أن فيها مخالفة للإمام نقول: قد يكون الإمام ممن يفعلها، فإذا تركتها تكون خالفت الإمام وأنت لا تشعر، فأنت لست بمطالب بموافقة الإمام في ترك السنة، فإذا تقرر لنا أنها سنة فتفعل على كل حال.(8/15)
يقول: هل يعمل بالحديث الضعيف إذا كان معناه صحيح؟
نعم إذا كان معناه صحيح ثبت بأدلة أخرى أو بقواعد عامة يعمل به، أما إذا كان معناه صحيح يعني لا يخالف عقل هذا لا يكفي، لا يكفي في العمل به؛ لأنه لا بد أن يكون العمل قد سبقت له شرعية من الكتاب أو السنة، عمل ليس عليه دليل من الكتاب ولا السنة، ولو كان صحيحاً، يعني في نظر المكلف، فالصحة وعدمها إنما تتبع الورود في الشرع، فما ورد في الشرع فهو صحيح، وما لم يرد في الشرع فليس بصحيح ولو صححه العقل، فإن كان يشهد له دليل آخر من الكتاب أو من السنة فالعبرة بالدليل الآخر، وإن كان يدخل تحت قواعد عامة فالعمل بالقواعد العامة.
يقول: ما حكم سماع الأناشيد الإسلامية الموجودة الآن؟
اللي موجود الآن يتفاوت أحكامه، فبعضه بآلة فهذا لا يجوز بحال، وبعضه يشتمل على ألفاظ ممنوعة في الشرع، وحينئذ لا يجوز بحال، بعضه برأ من الألفاظ، وبرأ من الآلات لكنه يؤدى بطريقة الأعاجم أو بلحون أهل الفسق حينئذ لا يجوز، كما قرر ذلك أهل العلم، فإذا انتفت هذه المحظورات الثلاثة، برئت ألفاظه من المحظور وسلم من الآلات المحرمة وأدي بلحون العرب فلا بأس به، وقد أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن الإكثار من الشعر جاء فيه الحديث الصحيح: ((لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من يمتليء شعراً)) والمراد بيمتليء بحيث لا يستوعب غيره، فإذا كانت فيه مزاحمة من هذا الشعر، مزاحمة من هذا الشعر لما هو أهم منه يمنع.
يقول: وما رأيك بها في دور القرآن؟
دور القرآن كغيرها، دور القرآن كغيرها، لكن المتجه لحفظ القرآن ودراسة القرآن، قراءة القرآن، وإقراء القرآن ينبغي أن يكون همه القرآن، همه القرآن وما يخدم القرآن، نعم لو كان في دور القرآن الشاطبية مقررة، الشاطبية شعر تخدم القرآن والقراءات، هذه لا بأس بها، لكن إذا كان لا علاقة لها بالقرآن فقارئ القرآن ينبغي أن يتفرغ له، والله المستعان.(8/16)
هذا يقول: بالنسبة للحديث الذي ذكرته في الدرس الماضي حديث ابن عباس الذي هو قوله: لكنه استنبطه من آية أو حديث، هل هو حديث ابن جريج قال: أخبرني عطاء، قال ابن عباس: "لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل"، قلت: يا عطاء من أين يقول ذلك؟ قال: من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحج]، قال، قلت: فإن ذلك بعد المعرف فقال: كان ابن عباس يقول هو بعد المعرف وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمرهم أن يحلوا قبل في حجة الوداع. أخرجه مسلم في الحج باب من طاف بالبيت العتيق فقد حل. أخرجه البخاري في المغازي.(8/17)
هذا الحديث ذكرت أني نسيته في الدرس الماضي من درس الألفية، وأن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلت: يحتمل أنه أمرهم بأمر خاص في المسألة بعينها، ويحتمل أنه أخذه من أمر عام يندرج فيه هذا الأمر الخاص، والإخوان أبدوا احتمالات بعضهم يجزم وبعضهم يستظهر، وهذا ذكر حديث لكن الحديث الذي أريده حديث في صحيح مسلم قصة كريب مولى ابن عباس لما صام مع معاوية والناس يوم الجمعة، وهم في المدينة لم يصوموا إلا السبت لم يصوموا إلا السبت، فلما جاء إلى المدنية قال: صمنا مع معاوية والناس الجمعة قال ابن عباس: إنا لم نراه، وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، أخذ منهم من أخذ، واستدل بالحديث من يقول باختلاف المطالع، والحديث نص في اختلاف المطالع، وأن لأهل الشام رؤية غير رؤية أهل المدينة، وإلا لو كانت الرؤية واحدة للزم الناس كلهم الصوم، فأخذ بهذا الخبر من قال باختلاف المطالع، وابن عباس قال هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أنه سمع أمراً خاصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام - في هذه المسألة بعينها، وأنه إذا رآه أهل بلد أو إقليم بحيث لا يرى في غيره من الأقاليم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، ويحتمل أنه أخذه من عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))، والحديث محتمل أن يكون خطاباً للأمة بكاملها وحينئذ تتحد المطالع بحيث لو رئي في المغرب لزم أهل المشرق والعكس، ويحتمل أنه ممن تتأتى منه الرؤية في البلد الذي تتأتى في الرؤية، أما البلد الذي لا تتأتى فيه الرؤية، ولا تمكن رؤيته فيه حيث أن الهلال لم يولد ولم يخلق في هذا البلد، هذا الحديث محتمل للأمرين، ولذا يرى أهل العلم مع علمهم بحديث ابن عباس وقصة كريب وهم من أهل التحقيق وهم من أهل الأثر يرون أن المسألة فيها سعة وأن الأمة على مدى أربعة عشر قرناً ما حصل بينهم خلاف في هذه المسألة وأن لكل رؤيته، سواء قيل باتحاد المطالع أو باختلافها فالحديث يحتمل، وقول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحتمل أنه استنبطه من هذا الحديث الذي يدل على القولين معاً، أن صوموا لرؤيته يحتمل أن يكون خطاباً للأمة(8/18)
بكاملها، يحتمل أن يكون خطاباً للأمة بكاملها،
الاحتمال الأول: أن الرؤية الحقيقة البصرية، وأن من رآه يلزمه الصيام، وأن من لم يره، ولو كان في بلد رؤي فيه لا يلزمه الصيام؛ لأنه لم يتحقق أنه رآه، هذا إذا قلنا: إن الخطاب للأفراد، لكن لم يقل به أحد من أهل العلم، وإن كان اللفظ محتملاً؛ نعم لأنه قد يقال: ماذا عن من لم يستطيع الرؤيا، كالأعمى مثلاً، فهو خطاب للمجموع لا للجميع، خطاب للمجموع لا للجميع، فإذا رؤي في بلد، صح أنهم رأوه؛ فيلزمهم الصوم، وأما على القول الثاني: وهو القول باختلاف المطالع فمعروف، اختلاف المطالع حديث كريب دليل عليه، وإن كان وجه الاستنباط يعني فيه دليل القصة صريح، لكن استدلال ابن عباس مثل ما قلنا: يحتمل أنه أخذه من نص خاص، ويحتمل أنه أخذه من اللفظ العام، ولذا قول من يقول: أن قول الصحابي: "أُمرنا"، أو "نُهينا" نعم يحتمل أنه أمر خاص بمسألة بعينها، ويحتمل أنه استند إلى أمر شرعي، استند إلى أمر شرعي يتناول هذه المسألة بعمومه، لكن ما يقال مثل ما قال داو د الظاهري، وبعض المتكلمين: إن مثل هذا لا يحتج به أصلاً؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً يظنه أمراً، أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر، ولا نهي، هذا الكلام باطل، هذا الكلام باطل؛ لأنه يلزم عليه أن الصحابة لا يفهمون مدلولات الألفاظ الشرعية، وإذا لم يعرف الصحابي من يعرفها بعد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه.
طالب:. . . . . . . . .
يلزم حتى يُرى في البلد الذي هو فيه.
طالب:. . . . . . . . .
ولو صام، حتى يُرى؛ لأنه لا يصدق عليه أن يوم الواحد والثلاثين يوم عيد في هذا البلد، هو من رمضان قطعاً، المقصود أنه يصام، الأمر بالصيام حتى يرى الهلال، يشمله، ويشمل غيره، لكن لا يقل الشهر عن تسعة وعشرين، لو كان العكس مثلاً، صام يوم السبت بالمدينة، وأهل الشام صاموا يوم الجمعة، وذهب إلى الشام، وأفطروا تسعة وعشرين، وهو ما صام إلا ثمانية وعشرين، نقول الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.
طالب:. . . . . . . . .
أي نعم يقضي يوماً، يقضي يوماً.
طالب:. . . . . . . . .
يفطر معهم ما يجو ز الصيام يوم العيد، يفطر معهم، ويقضي يوماً، سم.(8/19)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المرسل
مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير
أو سقط راو منه ذو أقوال ... والأول الأكثر في استعمال
واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعو هما به ودانوا
ورده جماهر النقاد ... للجهل بالساقط في الإسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلم صدر الكتاب أصله
لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت: الشيخ لم يفصل
والشافعي بالكبار قيدا ... ومن روى عن الثقات أبدا
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... وافقهم إلا بنقص لفظ
فإن يقل: فالمسند المعتمد ... فقل: دليلان به يعتضد
ورسموا منقطعاً عن رجل ... وفي الأصول نعته بالمرسل
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فمضى في الدرس السابق كلام على الفروع السبعة التي يتردد في كونها مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو موقوفة على الصحابي، أو من دونه إذا كانت عن التابعي، ومنها ما أتى عن الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه، وهو الفرع السادس:
وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(8/20)
إلى آخره، وتكملنا في المسألة في الدرس السابق، لكن أهل العلم يقيدون ذلك بالصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب، الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب؛ لأنه جاء الأمر بالتحديث عن بني إسرائيل ولا حرج: ((حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج))، وجاء في بعض الروايات عند البزار، وغيره: (( .. فإن فيهم الأعاجيب))، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب على عمر -رضي الله تعالى عنه- لما رأى بيده قطعة من التوراة، وعبد الله بن عمرو بن العاص في اليرموك وقف على زاملة فيها صحف عن أهل الكتاب، وكان يحدث منها، وكعب الأحبار كان يحدث في عصر الصحابة بما في كتب أهل الكتاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غضب لما رأى في يد عمر ما في يده: ((أفي شك يا ابن الخطاب))، المقصود أن مثل هذا الذي يساق، ويتحدث به عن أهل الكتاب، مما لا مخالفة فيه لشرعنا، مما لا مخالفة فيه لشرعنا، ولذا تجدون أهل العلم يتناقلون الأخبار عن أهل الكتاب، وأما ما فيه مخالفة لشرعنا؛ فلا يجوز نقله، ولا التحدث به إلا على سبيل النقد والتفنيد، وكتبهم المحرفة التي فيها خلاف ما جاء عن الله -عز وجل-، هذه لا يجوز النظر فيها، لا يجوز النظر فيها إلا لمن تأهل للرد عليهم، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح، أما من لم يتأهل؛ فلا يجوز له النظر فيها وللسخاوي كتاب اسمه "الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل" استناداً إلى نهي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغضبه على عمر -رضي الله تعالى عنه-، أما ما يتداولونه لاسيما من ينتسب إلى العلم منهم فيُسمع؛ إن كانت فيه مخالفة يرد على صاحبه، يرد على صاحبه كائن من كان، على قائله، وإن كان فيهم موافقة لا مانع من ذكره، والتحدث به لا على سبيل الاعتماد عليه، وإنما العمدة ما جاء في شرعنا، وإن كان لا موافقة، ولا مخالفة، فمثل هذا يترخص فيه، يترخص فيه مع التثبت، مع أنهم انقطعت صلتهم بأنبيائهم؛ فلا أسانيد عندهم لا متصلة ولا منقطعة، ما عندهم أسانيد أصلاً؛ المتأخر منهم والمتقدم سوى في النقل عن أنبيائهم، واتصال الأسانيد من خصائص هذه الأمة، فالمقصود أن ما يتداوله أهل العلم في كتب التفسير،(8/21)
وكتب التواريخ من ما يتلقى عن أهل الكتاب كثير منه فيه مخالفة، وكثير منه لا حاجة إليه، وبعضه في ما .. ، فيه العجائب، وبعض الناس يستروح إلى مثل هذا الأخبار، وهذه القصص التي تنقل عن أهل الكتاب، على طريقة القصاص؛ ولذا إذا سمع بعض الأخبار في التفاسير، كتفسير ابن كثير مثلاً، أو ابن جرير، أو غيرها، أو كتب التواريخ كابن كثير والطبري من قبله يرتاح لمثل هذه الأمور باعتبارها ضرب من القصص المسلية لا أكثر، ولا أقل، لكن في كثير من المخالفات قد يشعر بها، وقد لا يشعر، وقد يكون لها أثرها اللاحق الذي لا يدركه القارئ في وقته، المقصود أن في كتاب الله، وما صح من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- غنية عن هذا كله، لكن إذا جاء الخبر مما لا يتضمن مخالفة؛ فلا مانع من قراءته وسماعه.
هذا يقول: إذا أتانا حديث له حكم الرفع عن عبد الله بن عمرو، وغيره ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل؛ فكيف نعرف أصلاً أن هذا الخبر أنه عن بني إسرائيل، أو عن نبينا؟ ألا ترى أن المسألة غير واقعة فكيف نميز؛ هل هذا عن الكتاب أو غيرهم؟
كثير من المتون متميز بنفسه، متميز بنفسه، يدرك، فمثلا قو ل ابن مسعود: ((من أتى كاهناً، أو عرافاً؛ فقد كفر بما أنزل على محمد))، هل يمكن أن يقول قائل: إن هذا ما تلقي عن أهل الكتاب؟ نعم؟ لا يمكن لكن لو ذكر ابن مسعود، أو غير ابن مسعود؛ عبد الله بن عمرو، أو غيره، أو ابن عباس قصة تتعلق بأهل الكهف مثلاً، قصة تتعلق بأهل الكهف، هذه متميزة بنفسها، ومعروفة أنها متلقاة عنهم، يعني مما له صلة بالتاريخ، مما له صلة بالتاريخ، هذا الذي يغلب على الظن أنه متلقى، والذي له صلة بالأحكام، الذي يغلب على الظن أن الصحابي لا يقوله إلا وقد استند فيه إلى من يلزم قوله، من يعتمد قوله في الشرع، فمن هذه الحيثية يتميز هذا من هذا، لكن هم يقولون: إذا لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب، وقال قولاً لا يدرك بالرأي، مثل هذا له حكم الرفع.(8/22)
هناك أحاديث ذكرت في الواهيات، وذكرت في كتب الموضوعات، ثم وجد في الواقع ما يصدقها، وجد في الواقع ما يصدقها، لو قدر مثلاً أن حديثاً أن سمعته، ولم أقف عليه، سمعته قبل سنين: ((إذا شق أبو قبيس فانتظر الساعة))، نعم هذا الحديث من حيث الإسناد لا أصل له، لكن شق أبو قبيس، وقد قيل هذا قبل أن يشق أبو قبيس، نعم هل نقول أن هذا الحديث يمكن أن يثبت؟ كون الخبر يطابق الواقع، ويكون صدقاً لا يعني أنه تصح نسبته، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلو قال واحد، ركب إسناد على: الواحد نصف الاثنين، كلام صحيح، ولا يختلف فيه أحد، لكن ليس كل كلام صحيح حديثاً، هناك أحاديث ذكرت في الموضوعات فيها شيء من الواقع، بعضها يحكي العصر، أو الوقت الذي نعيشه بأحداثه لكن لا يعني أننا نقول هذه تثبت، وهذا إذا طابقت الواقع فكيف إذا كانت مطابقتها للواقع مظنونة، كمن ألف في مطابقة الاختراعات العصرية لما جاء في الأحاديث النبوية، هو أشبه ما يكون بالنظريات، نظرية يتلقاها عن الغرب عن الكفار، ويقول هذه يشهد لها، قوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يظهر ما هو أقوى منها في مطابقة الخبر، فيضطر إلى نفي الأولى، هناك نظريات غير ثابتة عندهم، فيستطيع أن يؤصل هذه النظرية، ويقيمها بحديث، ثم يظهر عندهم تكذيب هذه النظرية؛ فماذا يصنعوا بالنص؟ مثل هذه الأمور يتحرى فيها، ولا يُجزم بشيء منها، ولا يُجزم بشيء منها، فعلى طالب العلم أن يحتاط لهذا، أن يحتاط لهذا، وبعض الناس يتساهل في هذا الأمر يتساهل في هذا الأمر، بحيث إنه تناقلت وكالات الأنباء، والصحف، وغيرها من وسائل الإعلام: أن الروس قبل كذا سنة يحفرون في الأرض كذا ميل، فسمعوا أصواتاً مزعجة، وسجلوها، وبثوها بين الناس، وسارع بعض من ينتسب إلى العلم إلى أن هذه أصوات المعذبين في قبورهم، ثم هم كتموها، ونفوها، لا يكون ديننا ألعوبة للنفي والإثبات، الأمر هذا أمر عظيم مثل هذا لا يسمعه البشر، يسمع كل مخلوق إلا الثقلين الجن والإنس، وفي الحديث: ((لولا ألا تدافنوا))، وفي رواية: ((لولا أن تدافنوا لأسمعتكم))، مثل هذا لا يمكن أن يسمع، لا يمكن أن يسمع، ولو سمعه الإنسان لصعق، كوننا نتعلق بما يأتينا عن(8/23)
غيرنا، عندي يقين أن الإنسان لو وضع آلة تسجيل في مطار مثلاً، بين أزيز الطائرات، وجلبت الناس، وأصواتهم، وسجل مثل هذه الأصوات؛ صارت أشد مما سجل في هذه الأشرطة، وقل مثل هذا في من يصور ما جاء في أوصاف النار، أو ما قبل النار والجنة، من يصورها في تصوير، يقول هذا الصراط، وهذه القنطرة، وهذا كذا، وهذا كذا؛ لأن هذا يهون من هول تلك المواقف، شيء لا يخطر على البال؛ كيف نصوره؟ نصور مثلاً الجنة فيها أشجار مثل أشجارنا! إيش معنى هذا؟ أو النار فيها لهب نار مثل نارنا هذه؟ هذه معناها الأمر سهل يعني، فمثل هذه الأمور تتقى بقدر الإمكان، وليس لطالب العلم أن يزج نفسه فيها، يبقى أن سماع النصوص الشرعية تقرع القلوب بأهوالها، ولا يمكن أن يتصورها، ويخطر على قلب المسلم.
نأتي إلى موضوع الدرس، درس اليوم: "المرسل" الناظم -رحمه الله تعالى- أنهى الكلام عن الأنواع الثلاثة، التقسيم الإجمالي، ثم تكلم على الأحاديث، والأخبار باعتبار الإضافة، والنسبة، ثم ذكر ما يحتمل من الإضافات، ثم ذكر ما يخل بالشرط الأول الذي هو اتصال الإسناد، فبدأ بالمرسل، ثم ثنى بالمنقطع، والمعضل، والعنعنة، ويأتي –أيضاً- التدليس، والمرسل الخفي فيما بعد، كل هذه لها ارتباط بالدروس السابقة، فمما يختل فيه شرط الاتصال المرسل، المرسل جمعه مراسيل بإثبات الياء، وحذفها: مراسل، مثلما قيل في السابق: مساند ومسانيد، وهو مأخوذ من الإرسال الذي هو الإطلاق: {أنا أرسلنا الشياطين} [(83) سورة مريم] يعني أطلقناهم، {عَلَى الْكَافِرِينَ} [(83) سورة مريم]، وفي حديث الاختلاف في القراءة: "فقال: أرسله" يعني أطلقه، فكأن المرسل، الراوي الذي أرسل الخبر أطلقه، فلم يقيده براوي بعينه:
مرفوع تابع على المشهور ... . . . . . . . . .(8/24)
"مرفوع تابع على المشهور" عند الأئمة "مرسل" هذا تعريفه، المشهور عند الأئمة، كما نقله الحاكم، وابن عبد البر عنه، هذا هو المرسل على القول المشهور عند الأئمة "أو" هذه لتنويع الخلاف "أو قيده بالكبير" أو قيده بالكبير من التابعين، فيكون المرسل ما يرفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى القول الأول: ما يرفعه التابعي، بغض النظر عن كونه كبيراً، أو متوسطاً، أو صغيراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني مقيد بالكبير "أو" أيضاً لتنويع الخلاف، وهو القول الثالث "أو سقط راوٍ منه" أو سقط راوٍ منه، من أي موضع من سنده "ذو أقوال"، "أو سقط راو" من أي موضع، فيكو ن على هذا مقابل للاتصال، فيشمل جميع أنواع الانقطاع، جميع أنواع الانقطاع يقال لها مرسل، فهذا أوسع الأقوال في تعريف المرسل، والذي قبله أضيق الأقوال، والقول المشهور "مرفوع تابع" يعني ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا قول متوسط، يشمل التابعين بطبقاتهم، وهو المشهور، وهو الذي جرى عليه العلماء،
أو سقط راو منه ذو أقوال ... . . . . . . . . .
يعني أقوال ثلاثة في المسألة:
. . . . . . . . . ... والأول الأكثر في استعمال
يعني في استعمال أهل الحديث هو الأكثر، أما إذا قابلوه بالاتصال فيريدون به المنقطع، إذا قيل: وصله فلان، وأرسله فلان، وصله فلان، وأرسله فلان، فالمراد بالإرسال –هنا- الانقطاع، ولا يلزم منه رفع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الانقطاع، وبعضهم يفرق بين أرسل ومرسل، فيجعل الفعل للانقطاع، والمرسل لما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ما قيل في حد المرسل، لكن ماذا عن التعريف الذي قال به بعض العلماء: ما سقط منه الصحابي ما سقط منه الصحابي، يصح تعريف للمرسل، وإلا ما يصح؟ هذا منتقد، نعم منتقد؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ هذا بيجي في مسألة الاحتجاج، غيره.
طالب:. . . . . . . . .(8/25)
نعم ممكن سقط منه صحابي، وبقي صحابي آخر، سقط منه صحابي، ويسقط منه صحابي .. ، سقط منه واحد، وبقي واحد، فهذا يصح أنه منه الصحابي سقط، لكنه مرسل الصحابي كما سيأتي في آخر الباب، وهذا حكمه الوصل.
ماذا عما يرويه التابعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة؟ وهل يتصور، أو لا يتصور؟ يعني هل نقيد القول الأول: ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- نحتاج إلى هذا، أو ما نحتاج؟ نحتاج؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا في المسند نعم، عن إيش؟ عن التنوخي رسول هرقل، الذي جاء إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- في تبوك، وسمع منه بغير واسطة، وهو كافر، ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو تابعي، ما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن به، لكن ما في سقط، السند متصل، وهذا يلغزون به: حديث تابع متصل، وسيأتي مرسل الصحابي، قولهم: ما يرفعه صحابي منقطع، ما يرفعه تابعي متصل، وما يرفعه صحابي منقطع، عرفنا أن ما يرفعه التابعي متصل، وهو في حديث التنوخي، ولا يعرف مثال آخر، نعم قد يسمع الرجل الشخص من النبي -عليه الصلاة والسلام- خبر قبل أن يسلم، ثم يسلم في حياته -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا يقال له: مرفوع تابعي، إنما مرفوع صحابي، كحديث جبير بن مطعم، حينما جاء في فداء أسرى بدر، سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور قبل أن يسلم، ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وتحملها الناس عنه، وخرجت في الصحيحين، وغيرهما، لكن التنوخي ما أسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديثه في المسند:
واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوهما به ودانوا(8/26)
"واحتج مالك كذا النعمان" الإمام مالك بن أنس يحتج بالمرسل، والنعمان بن ثابت، الإمام أبو حنفية يحتج به "وتابعوهما" من المالكية، والحنفية، يحتجون "به" يعني بالمرسل "ودانوا" يعني تدينوا بمضمونه، وعملوا به، وأفتوا به، وقضوا به، والموطأ شاهد على ذلك، كثير من المراسيل، وإن كانت الأحاديث معروفة الاتصال، في غيره مما قد يتيسر للإمام مالك، بل قد روي عن الإمام مالك متصل في غير الموطأ، وفي الموطأ يرسله؛ لأنه لا يرى إشكالاً في الإرسال، فيعمل بالمرسل، فمالك، وأبو حنيفة، وتابعوهما من المالكية، والحنفية يعملون بالمراسيل، وهو حجة عندهم، وهل هي مثل المسانيد؟ أو أعلى منها؟ أو دونها؟ عند من يحتج بها أقوال: منهم من يقول: الإرسال والإسناد واحد، ومنهم من يقول كلاهما يحتج به، لكن الإسناد أقوى، وإن كان المرسل محتج به، ,ومنهم من يقول: المرسل أقوى من المسند، وهذا نقله ابن عبد البر عن بعضهم في مقدمة التمهيد، وقالوا: إن من أرسل فقد ضمن، بخلاف من أسند فقد أحال، من أرسل ضمن، الذي حذفه يضمنه؛ لأنه لو لم يضمنه لكان غاشاً، والمسألة مفترضة في خيار الناس بعد الصحابة، وهم القرن الثاني، الذين جاءت النصوص بأنهم خير القرون بعد الصحابة، لكن هذا القول شاذ، إذا كان المرسل مختلف في الاحتجاج به، وعدم الاحتجاج به؛ فيكف يقول قائل: إنه أفضل، وأقو ى من المسند؟ "وتابعوهما به ودانوا" ونقل ابن عبد البر عن جرير الطبري: أن التابعين بأسرهم، يعني جميع التابعين نقل إجماع التابعين على الاحتجاج بالمرسل، وأنه لا يعرف لهم مخالف إلى رأس المائتين، وأنه لا يعرف لهم مخالف إلى رأس المائتين، يعني إلى أن جاء الإمام الشافعي، مع أن القول برد المراسيل منسوب إلى سعيد بن المسيب، وبعض التابعين معه، فهل يمكن تجاهل سعيد بالنسبة للتابعين؟ الذي هو أفضلهم عند الإمام أحمد؟ يعني هل يرد رد سعيد بن المسيب للمراسيل على الإجماع والاتفاق الذي ينقله الطبري عن التابعين، أو لا يرد؟ هل ينقض إجماعه بسعيد؛ لماذا؟ نعم؟ أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .(8/27)
نعم قول الأكثر نعده إجماعاً، وهذا معروف، تداولته كتب الأصول: أن الطبري يرى الإجماع قول الأكثر، وعليه يدل تصرفه في تفسيره، حينما ينقل حكم، أو معنى، أو قراءة، ينقل قول الأكثر، ثم يذكر المخالف، ويرجح قول الأكثر، والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القراءة على ذلك، وهو ساق الخلاف نفسه لكنه يعد قول الأكثر إجماعاً، هو يعد قول الأكثر إجماعاً، فلا يرد عليه سعيد، وقد لا يخفى عليه قول سعيد، وغير سعيد من التابعين، لكنه يرى أن الإجماع قول الأكثر، وتصرفه في مصنفاته يدل على هذا، وعلى رأسها التفسير، هذا بالنسبة لمن قال به، مالك، وأبو حنفية، والمالكية عمومًا، والحنفية؛ لأن المسألة مفترضة في رفع التابعين، الخبر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم ممن يشملهم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، فهم خير القرون بعد الصحابة، ولا يتصور فيهم أنهم يحذفون من لا يرضونه، وروايتهم عن الصحابة كثيرة، فالمظنون بهم أن من حذفوه صحابي، أن الذي حذفوه صحابي، والقول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور، يشير إليه الحافظ العراقي -رحمه الله- في قوله:
ورده جماهر النقاد ... . . . . . . . . .
"ورده جماهر النقاد" جماهر" جمع جمهور، جماهر وجماهير، أي معظم النقاد، معظم النقاد ردوا المراسيل، منهم من ردها جملة وتفصيلا، ومنهم من اشترط لقبولها شروطاً كالشافعي؛ لماذا قال:
. . . . . . . . . ... للجهل بالساقط في الإسناد(8/28)
"للجهل بالساقط في الإسناد" الساقط مادام الذي رفعه تابعي، فالذي يغلب على الظن أن التابعي يرويه عن صحابي، والصحابة كلهم عدول، لكن الواقع يشهد بأن التابعي يروي عن تابعي، والتابعي الثاني يرو ي عن ثالث تابعي، ورواية التابعين عن بعض كثيرة جداً، يعني يروي في طبقة التابعين اثنان ثلاثة بعضهم عن بعض، وهذا كثير، قد يروي أربعة، وهذا أقل، وقد يروي خمسة من التابعين بعضهم عن بعض، وهذا قليل جداً، وأما رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض فهذا نادر، وقد لا يوجد له مثال إلا في حديث واحد يتعلق بفضل سورة الإخلاص، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهو مخرج في المسند، والنسائي، والنسائي يقول: أطول إسناد في الدنيا، في فضل سورة الإخلاص، وهو: ((أنها تعدل ثلث القرآن))، وإلا الخطيب البغدادي فيه جزء، جزء مطبوع، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وإذا كان هذا الاحتمال قائماً، والتابعون فيهم الثقة، وغير الثقة، فيهم العدل، وغير العدل، وإذا احتمل .. ، أقول إذا كان الاحتمال ضعيفاً في كبارهم، فمن دونه الاحتمال فيه قوي؛ لكثيرة المخالفات بعد الصحابة، وجدت المخالفات في عصر الصحابة من غيرهم، يعني ممن عاصرهم من التابعين فكيف بمن دونهم من صغار التابعين، وإذا وجد هذا الاحتمال قوي فيمن بعده، وكان الاحتمال أقوى فيمن بعدهم، فلا يقال بصحة المرسل مع وجود هذا الاحتمال، الساقط يحتمل أن يكون تابعي، وقد يحتمل أن يكون أكثر من تابعي، وما من واحد منهم إلا وقد يتطرق الخلل إلى الخبر من قِبَلِه؛ فهو مجهول، ولا بد من ثبوت العدالة لقبول الخبر، وإذا جهل حال الراوي؛ لم تثبت العدالة، لا يكفي في أن لا يعرف بضعف، لكن لا بد من معرفته بالعدالة:
. . . . . . . . . ... للجهل بالساقط في الإسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... . . . . . . . . .
"صاحب التمهيد" الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، نقل في مقدمة تمهيده عن أكثر أهل العلم: أنهم ردوا المراسيل للعلة المذكورة "وصاحب التمهيد عنهم" يعني المحدثين "نقله" أي نقل ضعف المرسل، وأنه من قبيل ومن قسم المردود.
. . . . . . . . . ... ومسلم صدر الكتاب أصله(8/29)
"مسلم" الإمام مسلم بن الحجاج، مؤلف الصحيح، مؤلف الجامع الصحيح، الذي سبق الكلام عنه، في مقدمة الكتاب أورد على لسان خصمه أنه قال: والمرسل في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وأقره على هذا، وإن كان على لسان خصمه، لكنه أقره عليه:
. . . . . . . . . ... ومسلم صدر الكتاب أصله
والعلة فيه ما ذكر من احتمال أن يكون التابعي ضعيفاً، أو من يروي عنه ضعيفاً "لكن" هذا استدراك:
. . . . . . . . . إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت: الشيخ لم يفصل
"لكن إذا صح" إذا صح شرطية، فعل الشرط: صح، وجوابه: نَقْبَله، والجزم هذا على أنه جواب الشرط، و"إذا" معروف أنها لا تجزم عند الجمهور، لكن هي جازمة على مذهب الكوفيين، والأخفش، وصرح به عن بعضهم ابن مالك في التسهيل، وأما على مذهب غيرهم أن هذا للضرورة، لضرورة الشعر، للوزن، على أنه لو قال بدل "إذا"، "متى"
لكن متى صح لنا مخرجه ... . . . . . . . . .
"نقبله" متى تجزم، أو ما تجزم؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
تجزم؟
طالب: نعم.
من يجب مثال؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ و:
متى أضع العمامة تعرفوني ... . . . . . . . . .
..
لكن إذا صح لنا مخرجه ... . . . . . . . . .
يعني يعتضد المرسل، ويُقبل بمجيئه من وجوه أخرى، بمجيئه من وجوه أخرى "بمسند" بحيث يجيء هذا المسند من وجه آخر "أو مرسلاً" آخر "يخرجه" يعني يرسله:
من ليس يروي عن رجال الأول ... . . . . . . . . .
شيوخ المرسل الأول، بحيث يكون له طريق آخر، مباين للطريق الأولى، مباين للطريق الأولى، والطريق يذكر ويؤنث، تجدون في كثير من كتب أهل العلم في التخاريج: طريق أخرى، وقد يقولون: طريق آخر، ولعل التذكير أولى، وإن كان استعمالهم للتأنيث أكثر، أهل الحديث يستعملون التأنيث أكثر: طريق أخرى، ولعل التذكير أولى؛ لماذا؟ في القرآن؛ ويش هي؟ {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [(77) سورة طه]، فهذا تذكير، المسألة فيها سعة، ونص أهل العلم على أنه يذكر، ويؤنث.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو مرسل يخرجه(8/30)
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله. . . . . . . . .
يعني إذا اعتضد بمجيئه من طريق أخرى، أو طريق آخر، سواءٌ كان الطريق الآخر مرسلاً، أو مسنداً، فالعلماء نصوا على أن المرسل يقبل الانجبار، يقبل الانجبار؛ لأن ضعفه ليس بشديد، فهو قابل للانجبار، فإذا جاء مرسل آخر اعتضد، فيقبل إذا جاء مسند متصل من وجه آخر يقبل، وسيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد
يأتي هذا ..
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . يخرجه
من ليس يروي عن رجال الأول ... نقبله قلت الشيخ لم يفصل
الشيخ من هو؟ ابن الصلاح "لم يفصل" يفصل في إيش؟ في التابعي؛ هل هو من الكبار، أو من الصغار؟ لكن "الشافعي بالكبار قيدا" يعني بقي مما يعتضد به المرسل إضافة إلى ما ذكره الناظم مسند، أو مرسل ما قاله، زاده بعضهم، بعض الآخذين عن الناظم، وله زيادات على الألفية، والذي يغلب على الظن أنه برهان الدين الحلبي، فقد ذكر في ترجمته من الضوء اللامع، وغيره أنه زاد عن الألفية أبيات؛ فزاد هنا:
أو كان قول واحد من صحب ... خير الأنام عجم وعرب
أو كان فتوى جل أهل العلم ... وشيخنا أهمله في النظم
يعني مما يعتضد به المرسل أن يوافقه قول لصحابي موقوف عليه، يعتضد بالمرسل قول صحابي، أو يفتي بمفاده عوام أهل العلم، يقول:
. . . . . . . . . ... وشيخنا أهمله في النظم(8/31)
فهذا مما يعتضد به المرسل، إذا كان الشيخ ابن الصلاح لم يفصل بين مراسيل الكبار والصغار، فإن الإمام الشافعي قيد التابعين بالكبار "والشافعي بالكبار" منهم يعني من التابعين "قيدا" قيد المرسل المقبول إذا اعتضد، "ومن روى" ما أرسله، أو مطلقاً "عن الثقات أبداً" يعني بحيث إذا روى لا يروي إلا عن ثقة، بحيث يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى من روى عنه؛ لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، بحيث إذا سمى من روى عنه، هو أرسل، لكن قيل له: عن من؟ فإذا قيل له: عن من؟ وسمى من روى عنه، لم يسمي، كذا في الرسالة للإمام الشافعي بالياء، والقاعدة: "لم يسم" بدون ياء "لم يسم" سم حذف حرف العلة، لكن يستدرك على الإمام الشافعي؟ الإمام الشافعي إمام، حجة في اللغة، حجة، والرسالة التي طبع عنها الشيخ أحمد شاكر نسخة عتيقة جداً، صحيحة "لم يسمي مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، وإنما يسمي ثقة، يسمي من ثبتت ثقته:
. . . . . . . . . ... ومن روى عن الثقات أبداً
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... . . . . . . . . .
يشارك الثقات، فإذا شاركهم في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم "إلا بنقص لفظ" إلا بنقص لفظ، نقص لفظ لا يتأثر به المعنى، مثل هذا لا يسلم منه أحد، أما إذا خالفهم فيما يختلف فيه المعنى، يترتب عليه اختلاف المعنى؛ فلا، هذا مخالف لأهل الحفظ، فيكون بكثرة مخالفاته تخلف عنه شرط الضبط، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
بيجيك، ها:
فإن يقل: فالمسند المعتمد ... . . . . . . . . .
نعم؟ نفسه، نفس سؤالك، البيت الذي يليه،
ومن إذا شارك أهل الحفظ ... . . . . . . . . .
في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم "إلا بنقص لفظ" يعني نقصا يسير لا يتأثر به المعنى؛ لا بأس، لكن إذا كثرت مخالفته للثقات؛ فإنه حينئذ يرد حديثه:
وإن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
على ما سيأتي في ميزان الضبط عندهم.(8/32)
الشافعي -رحمه الله- لما رد مراسيل التابعين علل ذلك بأنهم أشد تجوزاً، لما رد المراسيل لصغار التابعين؛ قال: لأنهم أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، يعني صغار التابعين ما هم في التحري، والتثبت مثل كبار التابعين الذين كثرت مخالطتهم للصحابة، أما الصغار الذين رأوا الواحد، والاثنين، والثلاثة من الصحابة؛ هؤلاء طال بهم العهد، والمعروف أنه كلما طال العهد بالنبوة؛ كثر التساهل، كثر التساهل، فالكبار الذين عاصروا الصحابة، وكثرت مخالطتهم للصاحبة؛ كبارهم، وصغارهم -يعني الصحابة- أشد تحرزاً، وتثبتاً فيمن يروون عنه، وأما صغار التابعين الذين أكثروا مخالطتهم للتابعين هؤلاء أشد تجوزاً فيمن يروون عنه، وأيضاً من الأسباب التي جعلت الإمام الشافعي يرد مراسيل صغار التابعين: أنه وُجد الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه، يعني وُجد فيما يرسلونه الشيء الضعيف، وهذا كثير عندهم، والأمر الثالث: كثرة الإحالة، كثرة الإحالة بالأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم، وضعف من يُقبل عنه، إيش معنى كثرة الوسائط، كثرة الإحالة، يعني إذا كان من الكبار؛ فالاحتمال الأقوى أنه رواه عن صحابي؛ لأنه أدرك كثيراً من الصحابة، ما يعوزه أن ينقل الخبر عن صحابي، وهذا هو الذي يغلب على الظن، يحتمل –أيضاً- أنه رواه عن تابعي في سنه، كبير، أو أكبر منه، وهذا الاحتمال قوي، لكن هل يحتمل أن تابعي كبير يروي عن تابعي صغير، عن تابعي متوسط، عن تابعي كبير، عن صحابي هذا قد لا يتصور، توجد رواية الأكابر عن الأصاغر، توجد رواية صالح بن كيسان عن الزهري، وهو اكبر منه، لكن هذا نادر من جهة، والأمر الثاني: أن السبب واضح؛ تأخر صالح بن كيسان في الطلب حتى شاب قبل أن يطلب العلم، وعد من كبار الآخذين عن الزهري، فهو –حكماً- صغير بالنسبة للزهري، وإن كانت حقيقته في سنة كبير، لكنه في الطلب متأخر، إذا كثرت الوسائط، يعني إذا كان الراوي كبيراً من كبار التابعين؛ احتمال أنه رواه عن صحابي، أو عن تابعي كبير ثاني عن صحابي، الوسائط قليلة اثنان، يعني ما يزيدون، وإن زادوا ثلاثة، لكن إن كان من صغار التابعين، وكثرت الوسائط صار في طبقة التابعين أربعة، أو خمسة، ثم الصحابي، كثرة الوسائط(8/33)
لا شك أنها تُغَلِّب على الظن وجود الخلل؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أن يتطرق الخلل إلى الإسناد من قِبله، أقول إذا كثرت الوسائط، وطالت الأسانيد، صار الاحتمال في تطرق الخلل إلى هذا الإسناد أقو ى، ولذا المفضل عند أهل العلم العلو، علو الأسانيد، والنزول مفضول، على ما تقدم في بحث المستخرجات، وسيأتي بحث مخصص للعالي والنازل، والسبب في هذا أنه إذا قلت الوسائط، فمثلاً بين المصنف، وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أو أربعة، أفضل من أن يكون بينه سبعة أو ثمانية؛ لأن هؤلاء الوسائط ما من واحد منهم إلا واحتمال الخطأ وارد عنده، فاحتمال الخطأ في ثلاثة، أو أربعة أقل من وجود احتمال الخطأ في خمسة، أو ستة، أو سبعة، ولذا يقول الشافعي في أسباب رده لمراسيل صغار التابعين كثرة الإحالة، يعني الإحالة، إحالة الخطأ إلى هؤلاء الرواة، فما من راوٍ إلا ويحتمل أن يحال عليه الخطأ، هذه الأسباب جعلت الإمام الشافعي يرد مراسيل صغار التابعين، فالخلاصة أن الشافعي -رحمه الله تعالى- يشترط لقبول المرسل شروطاً أربعة: أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، وإذا شرك أهل الحفظ وافقهم، وأن يكون للحديث المرسل شاهد يقويه، إما مرسل آخر يرويه غير رجال الأول، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يسنده قول صحابي، هذه الأربعة الشروط التي ثلاثة منها في المرسِل، والرابع في المرسَل، والرابع له فروع، هذه يشترطها الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لقبول المراسيل.
طالب:. . . . . . . . .
سنده حديث ضعيف؟ مرسل ثاني، ولو ضعيف الثاني، يدخل في كونه مرسلاً ضعيفاً، المرسل ضعيف، وإذا كان المرسل خفيف الضعف يقبل الانجبار، والضعيف الذي يسنده من غير رجال المرسل الأول، نعم سواء كان متصلاً، وفيه من مُس بضرب من التجريح الخفيف، يكون ضعيفاً ضعفاً محتملاً، يقبل الانجبار، فيرتقي للحسن لغيره، هذه القاعدة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(8/34)
قلنا: إنه يشترط في الراوي ثلاثة شروط: أن يكو ن من الكبار، أن لا يروي إلا عن ثقة، فإذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولاً، ولا مرغوباً عن الرواية عنه، ومن إذا شارك، إذا شرك أحداً من الحفاظ لم يخالفه، وأن يكون للمرسل حديث مرسل شاهد يقويه، من مرسل، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يشهد له قول صحابي، في شروط الإمام الشافعي: له شاهد يقويه من مسند، وتقدم قو ل الناظم -رحمه الله تعالى-:
لكن إذا صح لنا مخرجه ... بمسند أو مرسل يخرجه
جاء الاستدراك الذي سأله الأخ، يقول: ما حاجتنا إلى هذا المرسل، ونحن وجدناه مسنداً متصلاً؟ كيف نحتاج إلى المرسل؟ يقو ل الناظم -رحمه الله تعالى-: "فإن يقل" على وجه الخدش في الاعتضاد بمسند، في اعتضاد المسند بالمرسل، قد يقول قائل: "فالمسند المعتمد"، ولا حاجة لنا حينئذٍ بالمرسل، مو بهذا سؤالك؟
فإن يقل فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد
"فقل دليلان به يعتضد" المسند دليل برأسه، والمرسل الذي اعتضد بهذا المسند قويَ، وصار مقبولاً، فصار في المسألة أكثر من دليل بدل دليل واحد، بحيث يرجح هذان الدليلان على ما إذا ما وجد ما يخالفهما من دليل واحد، الآن المسند حجة برأسه، المرسل لما شهد هذه المسند تقوى؛ فصار في المسألة دليل واحد، أو دليلان؟(8/35)
شرح ألفية الحافظ العراقي (9)
المرسل - المنقطع والمعضل - العنعنة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الآن المسند حجة برأسه، المرسل لما شهد هذا المسند تقوى، فصار في المسألة دليل واحد أو دليلين؟ اثنين، لو عارضهما حديث واحد رجحا عليه.
فَإنْ يُقَلْ فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ ... فَقُلْ دَلِيْلانِ بِهِ يُعْتَضَدُ
وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً عَنْ رَجُلِ ... . . . . . . . . .(9/1)
"ورسموا" يعني أهل الحديث "منقطعاً عن رجل" منقطعاً قولهم: عن رجل أو شيخ، أو بعضهم، المقصود ما يبهم فيه الراوي، حدثنا فلان عن بعضهم، أو عن رجل، هذا المبهم الموجود في الإسناد رسمه بعضهم بأنه منقطع، وفي الأصول يعني في كتب الأصول كالبرهان لإمام الحرمين نعته تسميته بالمرسل، ومثله المهمل الذي لا يستطاع الوصول إلى حقيقته كمحمد مثلاً، المهمل إذا قال: حدثنا محمد، ولم نستطع تمييز محمد هذا سموه مرسل، وأبو داود في المراسيل أخرج المبهمات، أخرج بعض المبهمات في المراسيل، فكأنه يرى أن رواية المبهم مرسلة، لماذا؟ المرسل إسقاط، في راوٍ ساقط أو أكثر، والمبهم والمهمل موجود، قالوا: إن ذكره بما لا يتميز به مثل حذفه، عن رجل كأنه أسقطه، ماذا نستفيد من قولنا، أو من قول الراوي: عن رجل؟ يعني هل نستفيد من الإبهام؟ فيه فائدة؟ يعني لو بحثنا إسناد فيه راوٍ مبهم عن رجل أو عن شيخ نحكم عليه بإيش؟ بأنه ضعيف؛ لجهالة حال الراوي؛ لأن المبهم مجهول، بل هو من أشد أنواع الجهالة، كما سيأتي في أنواع المجهول، جهالة الحال، وجهالة العين، جهالة العين: إذا لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد لكونه مقلاً، هذا يسمونه مجهول العين، وخلا عن التعديل، وجهالة الحال يكون معروف بالرواية، ويروي عنه أكثر من واحد، لكن لا يذكر فيه جرح ولا تعديل، ومجهول الحال ظاهراً وباطناً أو باطناً فقط، على ما سيِأتي تفصيله، لكن هذا مجهول الحال والعين والذات، فهو أشد أنواع الجهالة، إذا قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد الأنصاري أبو زيد المدني يمكن أن نقول: هذا مجهول ومذكور اسمه رباعي وكنيته وبلده يمكن أن نقول: مجهول، لماذا؟ لأنه لم يرو عنه إلا شخص واحد أو روى عنه جمع لكنه لم يعرف بجرح ولا تعديل نسميه مجهول فكيف إذا كانت الرواية عن رجل أو شيخ هذا مبهم أشد أنواع الجهالة فوجود هذا الرجل الذي لم يسمّ، أو الشيخ الذي لم يسم هذا ذكره مثل عدمه، ولذلك سموه منقطعاً، وبعضهم وصفه ونعته بالمرسل، هذه وجهة نظر من يقول: إنه مرسل أو منقطع، وأشار بعض تلامذة الناظم بقوله:
قلت الأصح أنه متصلُ ... لكن في إسناده من يجهلُ(9/2)
وهو متصل، لكن فيه مجهول، والخلاف لفظي وإلا معنوي؟ يعني سواء قلنا: مرسل أو متصل في مجهول هاه؟ النتيجة واحدة، كله الرد، النتيجة واحدة، لكن بناء عل اتصال الإسناد، وأن كل واحد ممن ذكر تلقاه عمن فوقه هو من حيث الاصطلاح متصل، نعم في إسناده مجهول، فمن خلال تطبيق القواعد هو متصل، وإن كانت النتيجة أن هذا الاتصال وجوده مثل عدمه، فتسميته بما لا يعينه لا تنفع، هناك من المبهمات أو من المهمل ما لا يستطاع الوصول إليه، كما لو قال: عن حامد، وعجزنا أن نميز حماد هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ما استطعنا أن نميز هذا لا يؤثر؛ لأن كل منهما ثقة، وقل مثل هذا لو قال: عن سفيان ولم نستطع أن نميز لا يضر، لكن الإشكال فيما إذا اشترك في هذا الاسم المهمل الذي لم نستطع تمييزه أكثر من راوٍ فيهم الثقة وفيهم الضعيف، فيرد الخبر من أجله، أو يتوقف في الحكم عليه حتى يتبين.
أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ(9/3)
مرسل الصحابي: ما يرويه الصحابي عن صحابي آخر، مما لم يسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، إما لصغر سنه، أو لغيبته، أو لتأخر إسلامه، فالصحابي الصغير الذي ما أدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الشيء اليسير أكثر روايته بالوسائط عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه فاته من زمن الرسالة ومدة النبوة سنين ذكر فيها أحاديث ما حضرها، وكذلك من تأخر إسلامه فاته شيء كثير، وروى حديثاً كثيراً أكثر مما يحتمله مدة إسلامه، أو مدة إدراكه للرواية بعد كبره، أو حضوره مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكثرة غيبته، فمثل هؤلاء يروون عن الصحابة، وأحاديثهم تسمى مراسيل الصحابة، وإذا كان ابن عباس لصغر سنه، وهو من أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أحرص الناس على التلقي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- رغم صغر سنه، فقد توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- هو ابن ثلاثة عشر سنة يناهز البلوغ، ولما يحتلم، مع قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وحصره ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وزوج خالته، خالته أم المؤمنين ويبيت عندها، ولقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- صف في صلاة العيد، وأدرك من صفتها ما لم يدركه غيره لهذا القرب، إذا كان هذا ابن عباس بهذه المنزلة وبهذا المثابة اختلف فيما يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة فقيل: أربعة أحاديث فقط، ما يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث، الباقي كلها بواسطة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: عشرون، والحافظ ابن حجر يقول: تتبعتُ ما صرح ابن عباس بسماعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مما صح سنده أو حسن فبلغت الأربعين، وهو من المكثرين وكثير منها لا يصرح بالواسطة بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي من مراسيل الصحابة.(9/4)
ماذا نقول عن هذه المراسيل؟ يعني حديث عائشة في قصة بدأ الوحي، هل أدركت بدأ الوحي؟ ما ولدت -رضي الله عنها- لكن الذي يغلب على الظن أنه سمعته من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها تنقل عنه أنه قال: ((فضمني)) مما يدل على أن المتحدث النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يغلب على الظن أنها سمعته بدون واسطة، يعني أعاده لها، ولا يبعد أن يعيده لها، يعني هذا من أشهر الأخبار أول حدث مما يتعلق بالدين في حياته -عليه الصلاة والسلام-، لا يبعد أن يعيده عليها، وفي ألفاظه ما يدل على أنها سمعته منه مباشرة، المقصود أن بعض الأخبار التي يرويها الصغار تكون بواسطة، وهم يحذفون الواسطة، فيسمى عند أهل العلم مرسل الصحابي.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
فحكمه الوصل المقتضي للاحتجاج به على الصواب، المشهور عند المحدثين؛ لأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي، والصحابي حجة ثقة، الصحابة كلهم عدول، ولو لم يسموا، فإذا كان الصحابي أرسله فالذي يغلب الظن أنه عن صحابي آخر، والصحابة كلهم عدول، فمرسل الصحابي حكمه الوصل في الاحتجاج، فهو حجة، ونقل على ذلك الاتفاق خلافاً لأبي إسحاق الإسفراييني الذي يقول: حكمه حكم المرسل العادي، احتمال أن الصحابي يروي عن تابعي، والتابعي احتمال أن يكون ثقة أو غير ثقة، فيرد ما يرد على مرسل غير الصحابي، هذا بالنسبة للصحابي الذي له رؤية وله رواية، أما الصحابي الذي ليس له سماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- كمحمد بن أبي بكر الذي لم يدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ثلاثة أشهر، ثلاثة أشهر فقط؛ لأن أمه أسماء بنت عميس ولدته في ذي الحليفة في حجة الوداع، فلم يدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ثلاثة أشهر، مثل هذا الذي يغلب الظن أن مخالطته للتابعين أكثر من مخالطته للصحابة، فمثل هذا لا يقبل مرسله، وبهذا يلغز مرسل صحابي لا يقبله من يقبل مرسل الصحابة، وهو مرسل أو مرفوع تابعي يقبله من يرد المراسيل، وهو ما تقدم، مرسل أو حديث محمد بن أبي بكر لا يقبل، ومرفوع التنوخي رسول هرقل الذي سبقت الإشارة إليه مقبول، فيعايا بها من الجهتين، نقف على هذا، ونشوف الأسئلة.(9/5)
يقول: ألا يمكن أن يكون المسند الذي وجدناه لمرسل ضعيفاً، فيكون المرسل شاهداً لهذا المسند الضعيف يقويه؟ فهو ضعيف يسانده ضعيف، فيكون الحديث تقوى بهذا، وخصوصاً إن كان الضيف يقبل الإنجبار؟
نعم، إذا كان ضعيفاً ويقبل الإنجبار، والمرسل يقبل الانجبار نص أهل العلم على أن المرسل مما ينجبر يكون دليل واحد له طرق، أما إذا كان المسند يثبت بنفسه فقل: دليلان به يعتضد، على ما تقدم.
يقول: ألا يتصور سماع الصحابي من كبار التابعين؟
بلى يتصور، لكنه لن يروي عن تابعي وهو يجد صحابي، وقد عاصر الصحابة وأمكن .... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا رواية الأكابر عن الأصاغر، هذا موجود.
ما الضابط في معرفة كبار التابعين من دون غيرهم؟
هذا يمكن بمعرفة طبقات الرواة، وابن حجر بيّن في التقريب هذه الطبقات -رحمه الله تعالى-.
يقول: هل بالإمكان ذكر لطيفة الإسناد الموجودة في حديث التنوخي؛ لأنها لم تتضح؟
التنوخي رسول هرقل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في تبوك، وهو كافر، وانصرف كافراً، ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فحد الصحابي لا ينطبق عليه، من رأي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به، يعني حال كونه مؤمناً به، وهذا رآه حال كونه كافراً به، وأسلم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو تابعي وليس بصحابي، لكنه سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة فليس فيه انقطاع.
يقول: أي التعاريف ترجح في تعريف المرسل؟ وما المقصود بمشاركة الحفاظ وإذا خالف في اللفظ فهل يرد؟
المشهور عند أهل العلم والذي جرى عليه الاصطلاح ومشوا عليه أن المرسل ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمقصود بمشاركة الحفاظ إذا عرضت أحاديثه على أحاديث الحفاظ، يعني روى ما يرويه الناس، ولم يقع في رواياته هذه ما يخالف ما رواه من هو أثق منه، وإذا خالف باللفظ فهل يرد؟
لا يرد إذا كانت المخالفة يسيرة.
يقول: هل ابن عباس -رضي الله عنه- اشتهر بالرواية من أهل الكتاب؟ فبعضهم يرد قوله مثلاً: إن القرآن أنزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ثم نزل منجماً على الوقائع بحجة أنه يأخذ عن أهل الكتاب، وهذا أمر غيبي؟(9/6)
ابن عباس نقل عن كعب، ولكنه أقل من غيره، وعلى كل حال ما يتعلق بالقرآن قد يكون في قوله قوة من أثر الدعوة النبوية.
يقول: هل المالكية يحتجون بالمرسل مطلقاً أم يقيدونه بإرسال الثقة الذي لا يروي إلا عن ثقة؟
إذا كان المرسل ليس بثقة يرد بسببه، وتكون الآفة منه.
هل قول العلماء عن حديث: ولا يصح إلا مرسلاً يعني أنه صحيح؟
لا، يعني الأصح والمرجح عند أهل العلم الإرسال، ولا يعني أنه صحيح، يعني الصحيح من القولين، لا الصحيح في حكم الخبر.
يقول: هل يجوز للخطيب أن يقول في خطبته: أقل الربا كأن يزني أحدكم ستة وثلاثين زنية علماً أنه كما أعرف ضعيف؟
الحديث سواء في اللفظ هذا أو ذاك مضعف عند أهل العلم، ومنهم من قواه وأثبته على أقل درجات القبول، ويبقى أنه إن ثبت فالمراد به التهويل من شأن الربا، والتشديد في أمره.
ما صحت حديث: ((البلاء موكل بالمنطق))؟
اللي أعرف أن هذا مستنبط من جملة أحاديث، مستنبط من قبل أهل العلم من جملة أحادث، يعني مثل من سأل عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ هذا سؤال قبل أن تقع القصة، ثم وقع له، نسأل الله السلامة والعافية، قال أهل العلم: إن البلاء موكل بالمنطق، ومثل هذا السؤال لا يحسن المبادرة به، فإذا وقع نسأل الله السلامة والعافية سئل عنه.
يقول: هل من منهج الشيخ: حمود التويجري -رحمه الله- تصحيح الحديث الضعيف إذا ثبت في الواقع؟
اللي أعرف أنه رد على من نزل الأحاديث على الواقع والاختراعات، أظنه (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) في هذا الموضوع.
يقول: المراسيل إذا تعددت طرقها -نقل عن شيخ الإسلام- المراسيل إذا تعددت طرقها وخلت من المواطئة قصداً أن. . . . . . . . . بغير قصد. . . . . . . . . إن كانت صحيحة قطعاً هل توجب العلم على ذلك؟
المقصود أن مثل هذا مما يعتضد به، إذا جاء من وجوه أخرى، وخلت هذه الوجوه عن المواطئة، بمعنى أنها تباينت طرقها فهي صحيحة.
يقول: قرأت في فتح الباري لابن حجر أن ممن انتقد الصحيحين أبو مسعود الدمشقي، وأبو علي الغساني فمن هاذان العالمان؟ وما هي الكتب التي ألفاها في نقد الصحيحين؟(9/7)
لهما استدراك مثلما استدرك الدارقطني، وهما معروفان، أبو علي الجياني له معرفة وخبرة وعناية بالصحيح بصحيح البخاري، وأيضاً على صحيح مسلم، وله المبهمات، وله في المهملات في أسانيد البخاري الشيء الكثير، ومثل ابن مسعود الدمشقي لهم عناية في الصحيح، ولهم انتقادات، ولكن لا يعني أنهما مصيبان في كل ما يقولان.
هل يقبل المرسل إذا كان على شروط الشافعي؟ أو ماذا الأرجح عندكم؟
المرسل رده ليس بيقين، إنما سببه الجهل بحال الراوي، وبحثنا مسألة الراوي المجهول، وهذا من أهم المسائل التي تبحث في مثل هذا، الراوي المجهول هل الجهالة ضعف، يعني تصريح بجهالة الراوي؟ هل هي قدح وجرح فيه؟ أو هي عدم علم بحاله؟ هل هي جرح؟ إذا قيل في الراوي: مجهول، أو هي عدم علمٍ بحاله، وعلى هذا فهل نقول: إن لفظ مجهول من ألفاظ التجريح؟ أو هي بين التعديل والترجيح عدم علم بحال الراوي؟ في مراتب الجرح يذكر مجهول في مراتب الجرح، سواء كانت عند ابن أبي حاتم، أو عند ابن الصلاح أو النووي أو العراقي أو الذهبي أو ابن حجر، يذكرون المجهول في مراتب الجرح، فعلى هذا هي قدح في الراوي، ويكون الرد لجهالة راويه، وإذا قلنا بالقول الثاني: إن الجهالة عدم علم بحال الراوي، وعليه يدل كلام ابن حجر في النخبة في شرحها "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلاً أو تجريحاً أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للتعديل والتجريح، فعلى هذا لا يجزم بضعف الخبر لراوٍ قيل فيه: إنه مجهول حتى تتبين حاله هل هو مجروح أو معدل؟ ويدل على ذلك قول أبي حاتم في كثير من الرواة: "فلان مجهول أي لا أعرفه" وإذا كانت الجهالة عدم علم بحال الراوي فإنه يتوقف الخبر، فإذا ارتفعت، إذا وجد ما يرجح أحد جانبي التردد في حال الراوي، فإن حديثه ينجبر، والشروط التي اشترطها الإمام الشافعي قوية ترجح أن هذا المجهول رجحت عدلته على ضعفه.(9/8)
يقول: هناك من يفرق بين النظرية وبين ما تكون قاعدة يبنى عليها حيث يقول: إن النظرية قد تختلف من حين لآخر، وعليه فلا يكون هناك على تنزيل هذه النظرية على أية أو حديث شيء من التلاعب أو التناقض في الآية والحديث؛ لأن هذا إنما هو قدح في صاحب النظرية لا في الآية أو في الحديث وعليه يقول: إن هذا إنما هو مما يقوي النظرية فليس من. . . . . . . . .؟
هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا نزلنا الخبر القطعي اليقيني على أمر محتمل للنفي والإثبات فإننا نعرض النص للنفي والإثبات، لا نكن إمعات، قالوا: صعدنا إلى الكواكب، ووصلنا إلى القمر، وقنا: صدقوا، وسعينا جاهدين لتأويل النصوص، ثم بعد ذلك وجد من يكذب منهم هذه الأخبار، ثم نقول بعد ذلك: لا ما وصلوا، بعد ذلك سمعنا قبل سنين، يعني في حرب اللي يسمونها ثلاثة وسبعين، وعداوة اليهود ظاهرة للمسلمين، سمعنا من يقول بتبرئة اليهود من دم المسيح، فوجد من المسلمين من يكذب هذه التبريئة لا تصير علومنا قابلة للاهتزاز، يعني نخالف القرآن على شان عداوة اليهود، لا، نقول: وجد من يبرأ اليهود من دم المسيح من النصارى، ثم يأتي من المسلمين من يقول: لا لا قتلوه، قتله اليهود، والله -جل وعلا- ينفي هذا في القرآن، فالنصوص يجب أن تصان عن مثل هذا.
ما أفضل ذيول كشف الظنون؟
معروف الذيل المعروف في مجلدين كبار، مطبوع معه، وكذلك هدية العارفين.
. . . . . . . . . أسماء الكتب والمصنفين، كلها مطبوعة في سلسلة، ستة مجلدات كبار.
ما هي أسباب الإرسال عند التابعين؟
أسباب الإرسال على ما سيأتي في أسباب التدليس، إما لكونه يريد الاختصار في الإسناد، أو يتفنن في سياق الأسانيد مرة يسند ومرة يرسل، أو لكون من يروي عنه أصغر منه فيأنف في الرواية عنه، أو لكون من يروي عنه من التابعين قد يكون في مكان لا يليق ذكره به لئلا يتسبب في ترك العمل بالحديث، قد يكون في مجتمع لا يريدون مثل هذا الراوي، أو مثلاً في مجتمع نواصب مثلاً والخبر من حديث آل البيت مثلاً أو العكس، فهو يريد أن يعمل بالحديث، ويتلقى عنه الحديث، أو إذا كان بعد من التابعين، وكثر خصومه ومخالفوه قد يحذفه لهذه الغرض.(9/9)
يقول: هل نتعلم مصطلح الحديث لكي نعرف مصطلحات المحدثين، وحكمهم على الأحاديث، أم إذا تمكنا من هذا الفن نحكم على الأحاديث؟
أقول: لا يمنع أن لطالب العلم في مرحلة الطلب يتمرن ويخرج بعض الأحاديث، وينظر في الأسانيد، ويعرض على أهل الاختصاص، لا لإفادة الآخرين، وإنما ليستفيد بنفسه، لا مانع من ذلك، وكلما تجاوز مرحلة زاد في التخريج والنظر في الأسانيد حتى يتأهل.
هذه أسئلة كثيرة من الانترنت تعرض غداً -إن شاء الله تعالى-.
اللهم صل على محمد ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: خوارم المروءة إلى ماذا ترجع؛ لأنه قد تكون خوارم المروءة مختلفة من بلد إلى بلد، مثل تداول بعض أهل العلم أن من نظر خلفه وهو يمشي في الطريق بكثرة فقد أتى خارم من خوارم المروءة، لكن هل يطبق هذا الآن؟
خوارم المروءة هي ما ينتقد على الشخص من قبل الأسوياء الذين سلمت فطرهم، وهي تختلف من بلد إلى بلد وهي في الأصل لا تتناولها النصوص في المنع، لكن الناس يعيبون على فاعلها كالأكل في الأسواق مثلاً، أو سرعة المشي أو غير ذلك مما يعاب به الإنسان من الجري من غير حاجة، أو حاسر الرأس في بلد اعتاد الناس ستر رؤوسهم، أو يمشي على هيئة لا تناسب مثله كالشيخ يمشي مشية الصبيان، أو العكس، كله هذا مما يخرم المروءة عند أهل العلم، وليس لها ضابط إلا أنها مما يعاب على الإنسان في بلده، ولو كان سائغاًَ في بلد آخر، وهي تختلف باختلاف البلدان والأزمان والأشخاص.
يقول: هناك حديث في زيارة نصارى نجران للنبي -عليه الصلاة والسلام-، جاء وفد منهم في سنة الوفود سنة تسع، يقول: وأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بالصلاة في المسجد، فما تخريج هذا الحديث وصحته؟
أما زيارتهم عام الوفود فهذا أمر معروف، وأما إذنه لهم بالصلاة في المسجد فلا أعرفه، ودخول الكافر المسجد للمصلحة الراجحة يقرره أهل العلم أنه لا بأس به لا سيما إذا رجي إسلامه مثل ثمامة بن أثال حيث ربطه النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد؛ ليرى ما عليه المسلمون من تسامح، وحسن خلق، و .... في التعامل، وهذا حقيقة مكنه من الإطلاع على ذلك من كثب ومن قرب بحيث في النهاية أسلم.(9/10)
يقول: إذا قلنا: إن الصحابة كلهم عدول فكيف نجيب عمن يقول: إن الخوارج كانوا من الصحابة، وعلى قول شيخ الإسلام أنهم لا يكفرون فهم مبتدعة أي الخوارج، وأيضاً من الصحابة من زنى وشرب الخمر فإذا كان التوثيق قد يسقط بخوارم المروءة فكيف بالكبائر؟
على كل حال الصحابة بشر وليسوا بمعصومين، وتقع منهم الهفوات، لكنهم يوفقون للتوبة منها، والإقلاع عنها، على أن ذلك نادر جداً منهم، فجميع حوادث الشرب والزنا في عهده -عليه الصلاة والسلام- لا تتجاوز أصابع اليد، يعني وقائع الزنا كلها خمس في مجتمع متكامل، فالخمس حقيقة بالنسبة لكثرتهم بالنسبة لأكثر من مائة ألف هذه يسيرة، لا شك أنها يسيرة، والمجتمع إذا كانت نسبة الرذيلة فيه نادرة جداً هذا مجتمع طيب، ولا يوجد مثل مجتمع الصحابة، وقع من بعضهم ما وقع، ووفق للتوبة بسبب شرف الصحبة، ولما جاء في مدحهم من نصوص الكتاب والسنة، فالنصوص قطعية في مدحهم والثناء عليهم، وكونه وقع منهم ما وقع هم في الجملة ليسوا بمعصومين، لكنهم يوفقون للتوبة لشرف الصحبة، من يقول: إن الخوارج كانوا من الصحابة أصلهم الذي قال: اعدل يا محمد، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه يخرج من ضئضئ هذا الرجل رجال تحقرون صلاتكم مع صلاتهم)) ... إلى آخره، فالذين يخرجون من ضئضئه، وهو لا يبعد أن يكون منافقاً هو، وليس من الصحابة، وكونهم يخرجون من ضئضه نعم الخوارج ظهروا في وقت الصحابة، لا في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بعدم العدل منافق، وهذا حاله نسأل الله السلامة والعافية، والخوارج يختلف أهل العلم في تكفيرهم، وشيخ الإسلام ينقل عن جمهور السلف أنهم لم يكفروهم، وعلى كل حال هم ليسوا من الصحابة، وإن خرجوا من ضئضئ رجل كان في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي يغلب على الظن أنه من المنافقين؛ لأنه متهم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى قول شيخ الإسلام أنهم لا يكفرون فهم مبتدعة أي الخوارج.
وأيضاً من الصحابة من زنى وشرب الخمر، فإذا كان التوثيق يسقط بخوارم المروءة فكيف بالكبائر؟(9/11)
ذكرنا أن مثل هذا لا يضر، يعني مثل الذنب إذا تيب منه فإنه لا أثر له، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، تعود إليه العدالة.
يقول السائل من أثيوبيا: هل هناك رواية بحلق الشارب تثبت؟ وهل هذه الرواية وصلت مالك؟
على كل حال مالك يقول: إنه مثلة، والرواية عند النسائي بسند لا بأس به.
يقول بعد سؤاله هو: إن أخي يريد مني أن أشتري له أسهم بالتقسيط بسمي، وبيعها نقدي، ثم يقوم بأخذ المبلغ النقدي له، ويستفيد منه في بناء عمارته، ويقوم بسداد المبلغ والأقساط عني؛ لأنه لا يستطيع فعل ذلك حيث أنه قد أخذ أقساط سابقة، ولا يسمح له في البنك بأقساط جديدة، علماً بأن هذه الأسهم من الأسهم المباحة اتحاد الاتصالات؟
يعني حكم بإباحتها هو، على كل حال العقود التي لها ظاهر وباطن لا شك أنها تفضي إلى الشقاق والنزاع، فمثلاً هذا الذي أخذ من البنك اشترى أسهم من بنك، والبنك يذكر في عقوده أنه إذا مات المدين يعفى عنه، فإذا أخذ باسم غيره، والتسديد عليه، وهذه مسائل واقعة، حصل فيها شقاق كبير، فمات الذي باسمه القرض وبقي المدين الحقيقي وعفي عنه باعتبار أنه هو المطالب لدى الجهة، وبقي المدين الحقيقي موجود، هل يسدد أو لا يسدد؟ هاه؟ والبنك سمح له، على كل حال عموم العقود التي لها ظاهر وباطن تفضي إلى النزاع والشقاق، وكثير ما يحصل الإنكار في مثل هذه العقود، فالأصل أنها لا تجوز، وأما فتواه باتحاد الاتصالات وأنها مباحة ففيها نظر.
السائل من ألمانيا يقول: ما هو القول في قول شعبة بن الحجاج ومسعر بن كدام في أهل الحديث: يا أهل الحديث إن هذا الحديث يشغلكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟ وكيف نجمع بين هذا وبين الإمام أحمد لما سمع أحدهم يتكلم في أصحاب الحديث فنفض ثوبه وقال: زنديق؟(9/12)
لا شك أن أهل الحديث هم الطائفة المنصورة، وهم الفرقة الناجية، كما قال الإمام أحمد وغيره، فمن لم يكونوا أهل الحديث فمن هم؟ وهم أقرب الناس إلى السنة والعمل بالسنة، وأما قول شعبة ومسعر فهذا محمول على من اشتغل بالحديث بجمعه من طرقه، وشغله هذا عن العمل، كثير من الناس ظاهر الفعل عنده أنه خير وفضل ويمدح به، لكن تجد هذا العمل يشغله عن الواجبات، أو يشغله عن المندوبات التي هي أفضل منه، فماذا يقال في حق مثل هذا؟ ومن خلال الواقع نرى بعض طلاب العلم المغرمين بجمع الكتب تجده مثلاً مفتون بجمع الكتب، وجمع الكتب يحمله أحياناً على أن ينشغل بهذا الجمع عما هو أهم منه من التحصيل، كما قال ابن خلدون: كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، وإلا جمع الكتب في الأصل مذموم وإلا محمود؟ محمود بلا شك، لكن إذا شغلك عما هو أهم، أحياناً يخشى أن تفوت البيعة أو الصفقة، أو تذهب الكتب التي جيء بها، كتب نفيسة ونادرة ولا توجد في الأسواق، وذكر أنها تركة عالم مثلاً، فلو صلى في مسجده أو عند بيته يمكن يسبق إليه وتفوته، فهو يسعى أن يصلي في أقرب مكان ثم تفوته الصلاة، هذا يحصل لمن انشغل بالجمع، فإذا صده هذا عن الصلاة، وعن ذكر الله، وعما هو أهم لا شك أنه يذم من هذه الحيثية.
إذا أورد ابن حبان رجل في الثقات فوثقه، وأرد رجل أخر ولم يوثقه، فهل هما في مرتبة واحدة؟
لا شك أن المراتب مختلفة، فمن نص على توثيقه ابن حبان فهو ثقة، ومن ذكره مجرد ذكر فإن كان من شيوخه الذين خبرهم وعرفهم فله شأن عنده، وإن خرج له في صحيحه قوي أمره، وإلا فمجرد ذكره في الثقات على شرطه، ويدخل في شرطه الواسع، من لم يعرف بجرح، فالمستور يدخل في تعديله.
عندنا حديث مرسل قد جاء من طريقين فهل يقوى بهما أم له شروط؟
إذا كان يرويه غير رجال المرسل الأول، إذا كان المرسل الثاني يرويه غير رجال المرسل الأول فهو يتقوى به كما تقدم في كلام الإمام الشافعي.
ما حال حديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))؟(9/13)
أكثر أهل العلم على تضعيفه، والإمام أحمد يرى أنه لا باس به، يعني في درجة الحسن، وعلى كل حال إذا صح يحمل على إيش؟ على أن ما يحمله الفساق لا يسمى علماً، ليس بعلم في الحقيقة، أو يكون معناه حث العدول الثقات على حمل العلم، وعدم ترك الفرصة لغيرهم من الفساق أن يحملوا العلم الشرعي، وغاية ما هنالك أن يكون معناه: "ليحمل" كما جاء في بعض الطرق بلام الأمر.
في تعارض الجرح والتعديل ذكر الجمهور أن الجرح مقدم؛ لأن الجارح لا يكذب المعدلين، ولكن يوافقهم، ويقول: اطلعت على ما لم تتطلعوا عليه، وذكر الحافظ ابن حجر أن ... ، والحافظ ابن حجر له في ذلك مذهب كما تعلمون: أن الرجل إذا ثبتت له مرتبة سنية فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي.
يقول: وأنا ليس سؤالي في الجرح والتعديل، ولكن سؤالي فيما إذا تعارضت مرتبة كأن يقول في رجل: ثقة وآخر يقول فيه: صالح الحديث وحسن الحديث أو شيخ، وأحد العلماء يجعله في مرتبة الاحتجاج وآخر يجعله في مرتبة الاستشهاد، واللذان تعارض كلامهما من أئمة الشأن ليس لأحدهما فضل على الآخر حتى أرجح كلامه على الآخر، فلا أدري هل أبقيه على مرتبة الثقة، وإلا أنزله إلى مرتبة الاستشهاد أما ماذا؟
تعارض الجرح والتعديل باب كبير في هذا الشأن وله قواعده وضوابطه عند أهل العلم، ويأتي هنا إذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح.
وقدموا الجرح لكن إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
على ما سيأتي، ويطلب تفسير الجرح، فإن فسره بما خفي على المعدل فإنه حينئذٍ هو المعتبر وهو المقدم.
يقول هذا من الإمارات: يعني صغار الصحابة الذين رأوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن لم يكونوا متحملين هل روايتهم تكون مرسلة، والثاني: المخضرم حديثه منقطع أو مرسل؟
ذكرنا بالأمس أن الصغار من الصحابة الذين ليس لهم إلا مجرد رؤية كمحمد بن أبي بكر على خلاف في رؤيته، وهل مثله يرى أو لا يرى؛ لأنه لم يدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ثلاثة أشهر، مثل هذا في ثبوت الصحبة له نظر عند أهل العلم، والمسألة خلافية، لكن حديثه مرسل، ولا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة، وأما المخضرمون فحديثهم مرسل؛ لأنهم معدودين في طبقة كبار التابعين.(9/14)
يقول هذا من ألمانيا: أطلب الإفادة في قبول المحدثين رواية المرأة؟ والله -عز وجل- يقول في كتابه الكريم: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [(282) سورة البقرة]؟
رواية المرأة مقبولة اتفاقاً، وشذ من لم يقبل روية المرأة، وأحاديث أمهات المؤمنين كتب السنة طافحة بها، حتى قبول رواية الأَمَة، وقبول رواية العبد، حديث بلال مقبولة، وحديث بريرة في الصحيح، فهذه مما تختلف في الرواية عن الشهادة.
ما حال ابن لهيعة؟
حال ابن لهيعة جماهير أهل العلم على تضعيفه، ومنهم من وثقه، ثلاثة عشر من أئمة هذا الشأن كلهم ضعفوه، ووثقه بعضهم، ومنهم من يفرق بين رواية العبادلة عنه فيقويها بخلاف رواية غيرهم، ومنهم من يفرق بين حاله قبل احتراق كتبه وبين حاله قبلها، وعلى كل حال المرجح تضعيفه.
الحديث الذي يأتي من طريقين بصحابي واحد أقوى أم الحديث الذي يأتي من طريقين وصحابيين؟ ما ذكر اسم كل منهما؟
يعني هل المتابعة أقوى أم الشاهد؟ لا شك أن الذي يتضافر على روايته أكثر من صحابي أقوى من أن يتفرد به واحد منهم، وإن كانوا كلهم ثقات عدول، فحديثان أقوى من حديث، الحديث الذي يأتي من طريق صحابيين هما أكثر من حديث، بخلاف ما يأتي عن صاحبي واحد ولو تعددت الطرق إليه.
يقول ذكر الصنعاني -رحمه الله- في رسالة له في تعريف العدالة بأنها ملكة تحمل على ملازمة التقوى؟
هذا كلهم ذكره، كلهم ذكروا هذا، العدالة ملكة تحمل على ملازمة التقوى، يعني فعل المأمورات واجتناب المحظورات، ملكة يعني صفة هيئة ثابتة راسخة ليس أمره متذبذب ولا متردد على ملازمة التقوى النسبية، لا يعني أنه معصوم، لكنه إن حصلت منه هفوة بادر بالتوبة منها؛ لأن هذا لا تكون إلا للمعصومين؟ لا ليس الأمر كذلك، هذا قول معتبر ومعتمد عند أهل العلم؛ لأن من لا يلازم التقوى بل يخرج عنها إلى المعاصي هذا فاسق ورواية الفاسق يجب التثبت فيها.
يقول: لو أعدتم لنا شرح قول الناظم:
فأن يقل فالمسند المعتمدُ ... فقل دليلان به يعتضدُ(9/15)
بعضهم يقول: إذا اشترطنا لتقوية المرسل أن يروى من وجه آخر مسند، يقول: ما الفائدة من المرسل إذا وجدناه مسنداً؟ إذا وجدناه مسنداً بسند متصل ما الفائدة؟ وجود المرسل مثل عدمه، والحجة في المسند، "فالمسند المعتمد ... فقل دليلان به يعتضد" المسند حجة قائمة بذاته برأسه، لا يحتاج إلى مرسل، والمرسل عرفنا صحته لما وجدنا ما يدعمه من الحديث المسند، فيكون في المسألة دليلان لا دليل واحد.
يقول: أليس قولهم: "علفتها تبناً وماءً بارداً" وقولهم: "وزججنا الحواجب والعيوانا" من المجانسة اللفظية مثل قول عمر: "نعمت البدعة"؟
لا هذا ليس من المجانسة اللفظية؛ لأنه لا بد له من تقدير: علفتها تبناً، وسقيتها ماءً بارداً، وزججنا الحواجب، وكحلنا العيون، هذا ليس مثله.
ما الفرق بين المرسل والمدلس؟ وما حكم مراسيل الحسن؟
مراسيل الحسن مضعفة عند أهل العلم؛ لأنه يرسل عن الثقات ويرسل عن الضعفاء، فمراسيله مضعفة، وأما الفرق بين المدلس والمرسل فالمرسل إن كان المقصود به المرسل الجلي الذي تقدم شرحه فهو ظاهر، فالمرسل: ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمدلس: ما يرويه الراوي عن شيخ سمع منه ما لم يسمعه منه، أو شيخ لقيه ولم يسمع منه، ويري عنه مباشرة دون واسطة ويسقط الواسطة، وهو إرسال وتدليس، وهذا سقط خفي، وسيأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-، والتفريق بين المدلس والمرسل الجلي، والمدلس والمرسل الخفي.
يقول: قررتم في الدرس السابق أن قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا حجة، وأنه مرفوع عند الجمهور، وأنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري وبعض المتكلمين، وفي هذه النسبة إلى داود نظر ظاهر لكل ناظر غير متعسفٍ ولا مكابر، وبيان ذلك من وجوه:
الأول: أن الحافظ العراقي لما ساق المسألة في شرحه على الألفية قال: إلا ما حكي عن داود الظاهري، فلم يجزم بهذه النسبة مما يدل على أنه لم يقف على كلام داود، علماً بأن مصنفات الإمام داود فقدت في وقت مبكر، ولم يبق منها شيء كما في تاريخ الأدب العربي لبركلمان.
ثانياً: أن الإمام داود حكي عنه التوقف في هذه المسألة كما في الإبهاج في شرح المنهاج للسبكي.(9/16)
ثالثاً: أنكر ابن البيان القصار هذا الرأي المنسوب إلى داود وهو من أهل الظاهر، وحكى عنه خلافه كما في المسودة، قلت: وهذا القول الأخير لعله الأصلح نسبة إلى داود؛ لأن ناقله ظاهري المذهب، وأهل مكة أدرى بشعابها، وصاحب الدار أدرى ما فيه، هذا ما ظهر لي في هذه النسبة، وأنا أعرض هذا الكلام من أجل معرفة خطأه من صوابه، ومنكم أتعلم وأستفيد، وبارك الله فيكم؟
أما كونه ينسب لداود هذا منسوب لداود في كتب مصطلح الحديث وكتب أصول الفقه، أما كونه يصدر بصيغة التمريض لا يعني أنه ثابت أو غير ثابت، فهم لا يعتمدون في هذا على الثبوت وعدمه، لكن كونه ينقل في كتب المصطلح وكتب الأصول لا يعني أننا نجزم بثبوته عنه، لكن ماذا يضيره أن ينسب إليه هذا القول إذا لم يقل به؟ وعلى كل حال كون كتبه ضاعت لا يعني أن أقواله ضاعت، يعني كون كتبه فقدت لا يعني أن الأقوال فقدت، وكون واحد من الظاهرية ينفي عنه هذا القول لا شك أنه أدرى بمذهبه، لكن يبقى أن القول إذا كان شديد الضعف وضعفه ظاهر فنفي التابعي له عن متبوعة دفاعاً عن نفسه قبل إمامه، لا يعني أن كلامه هو الراجح، فالمثبت مقدم على النافي.
مسألة مهمة ومرتبطة بالدرس الماضي، ولعلنا ننتبه لها، وهي مسألة تقوية المرسل بالمتصل، وفيه البيت الذي شرحناه آنفاً.
فإن يقل فالمسند المعتمدُ ... فقل: دليلان به يعتضدُ
يعتضد المرسل بالمسند، وهذا فيه تقوية للمرسل بالمسند والعكس، هذا ظاهر كلام الإمام الحافظ -رحمه الله-الناظم، ظاهره أن المسند يتقوى بالمرسل، وكما أن المرسل يعتضد بالمسند، وكثيراً ما نجد أهل العلم يعلون المسند بالمرسل، يعني يروى الحديث مسنداً، ويروى مرسلاً فتجدهم يقولون: المرسل أصح، فهم يعلون المسند بالمرسل، ولا يقولون: دليلان، فدل على أنهم قد يعلون المسند بالمرسل، وفي هذا ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في تعارض الوصل والإرسال، ما الذي يقدم منهما؟ وأما كونهم يعلون فهم يعلون، كون المسند يعتضد بالمرسل والعكس هذا أيضاً موجود في كلامهم،(9/17)
وليست هناك قاعدة مضطردة لهم في ذلك، فإذا دلت القرائن على أن المرسل محفوظ، وعلى أن المسند محفوظ، وأنه جاء من وجه مرسل، وجاء من وجه مسند، وأنه –أحياناً- يرويه بواسطة، وأحياناً بغير واسطة، وأحياناً يذكر من حدثه، وأحياناً لا يذكر من حدثه، وكلاهما محفوظ يعتضد أحدهما بالآخر، أما إذا دلت القرائن بأن الخبر المسند غير محفوظ، وأن المرسل أصح منه؛ فيعل به حينئذ، ويأتي -إن شاء الله تعالى- بحث هذه المسألة في تعارض الوصل والإرسال مع الوقف والرفع -إن شاء الله تعالى-، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المنقطع والمعضل
وسم بالمنقطع الذي سقط ... قبل الصحابي به راوٍ فقط
وقيل: ما لم يتصل وقالا: ... بأنه الأقرب لا استعمالا
والمعضل الساقط منه اثنان ... فصاعداً ومنه قسم ثان
حذف النبي والصحابي معا ... ووقف متنه على من تبعا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد:(9/18)
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على المرسل، وهو ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أعقبه بالمنقطع والمعضل، ويشمل جميع الانقطاع بعمومه، وعدم الاتصال الذي هو قادح من القوادح في صحة الخبر، فقال -رحمه الله تعالى-: "وسم بالمنقطع" سم أيها الطالب "بالمنقطع الذي سقط" يعني من إسناده "قبل الصحابي به" يعني بالسند "راوٍ فقط" فالمنقطع هو ما سقط من أثناء إسناده، هو ما سقط من أثناء إسناده راوٍ فقط، أو أكثر من راوٍ في أكثر من موضع ما سقط من إسناده راوٍ من أثناء إسناده، راوٍ أو أكثر من راوٍ في أكثر من موضع، فما سقط من أثناء إسناده، يخرج ما سقط من منتهى إسناده من جهة الصحابي، فيخرج بذلك المرسل، وما سقط من مبادئ إسناده، فيخرج بذلك المعلق، وما سقط من أثناء إسناده أكثر من راوٍ على التوالي، يخرج بذلك المعضل، وهذا على المشهور عند أهل الحديث: أن لكل نوع من أنواع السقط اسم يخصه، فإذا رفع التابعي الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بمعنى أنه فقدت الطبقة الأولى من سلسلة الإسناد، يكون مرسلاً، وإذا سقط من مبادئ إسناده من جهة المصنف فهو المعلق، فهو المعلق:
وإن أول الاسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
على ما تقدم، وإذا سقط من أثناء إسناده راويان، أو أكثر على التوالي، فإنه يسمى المعضل على ما سيأتي قريبا -إن شاء الله تعالى-.
وسم بالمنقطع الذي سقط ... قبل الصحابي به راوٍ فقط
وإلا فالأصل أن الانقطاع يشمل جميع أنواع السقط من السند، فالمرسل منقطع، والمعلق منقطع، والمعضل منقطع، والمدلس فيه انقطاع، وإن كان خفياً، والمرسل الخفي فيه انقطاع، وإن كان خفياً، هذا على القول المعروف عند أهل العلم، الذي يجعل لكل نوع من أنواع الانقطاع اسما يختص به، وإلا فالأصل أنه كله منقطع، كل أنواع السقط منقطع "وقيل ما لم يتصل" لهذا قال الخطيب، وابن عبد البر: المنقطع كل ما لم يتصل:
وقيل ما لم يتصل وقالا ... . . . . . . . . .(9/19)
الألف هذه للإطلاق، والقائل هو ابن الصلاح "بأنه الأقرب" من حيث المعنى اللغوي "وقالا" يعني ابن الصلاح "بأنه الأقرب" هذا من حديث المعنى اللغوي؛ لأن الاتصال ضده الانقطاع، وكل ما لم يتصل سواء كان السقط من أول إسناده، أو من أثنائه، أو من آخره بواحد، أو أكثر من واحد هذا منقطع، هذا من حيث الاستعمال اللغوي، الأقرب من حيث المعنى اللغوي:
. . . . . . . . . ... بأنه الأقرب لا استعمالا
"لا استعمالاً" يعني عند أهل الحديث، من حيث اللغة، من حيث المعنى اللغوي؛ هذا أقرب؛ لأن الذي يقابل الاتصال الانقطاع، على أي وجه يكون هذا الانقطاع، هذا الذي يقابل:
وقيل: ما لم يتصل وقالا ... بأنه الأقرب. . . . . . . . .
هذا الأقرب من حيث المعنى اللغوي "لا استعمالاً" اصطلاحياً عند أهل العلم، أما الاستعمال الاصطلاحي عند أهل العلم؛ فإنهم يخصون كل نوع من أنواع الانقطاع باسم يخصه، فإن كان من مبادئ السند فهو المعلق، وإن كان من آخره من جهة الصحابي فهو المرسل، وإن كان من أثنائه فلا يخلو إما أن يكون بواحد فهو منقطع، أو بأكثر على التوالي، فالمعضل، ولا يخلو –أيضاً- السقط إما أن يكون ظاهراً جلياً، كالأقسام الأربعة، أو خفياً لا يدركه إلا النبهاء من الناس، الذين لهم خبرة، ودربة في هذا النوع من السقط، والإسقاط الخفي يشمل المدلس، والإرسال الخفي على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
انتهينا من أنواع الانقطاع الظاهر من المعلق هذا انتهى الكلام فيه، والمرسل، والمنقطع، بقي المعضل، النوع الرابع من أنواع السقط الظاهر:
والمعضل الساقط منه اثنان ... فصاعداً. . . . . . . . .
"والمعضل الساقط منه اثنان، فصاعداً" صاعداً حال أي ذهب السقوط صاعداً، يعني لو سقط منه ثلاثة؛ يكون معضلاً، وإلا ما يكون؟ معضلاً، سقط منه أربعة؛ يكون معضلاً على أنه يشترط أن يكون هذا الإسقاط على التوالي، لا يكون من أكثر من موضع؛ لأنه إذا كان في أكثر من موضع يكون منقطعاً، ولذا يقول بعض الآخذين عن الناظم:
والشرط في ساقطه التوالي ... والإنفراد ليس بالإعضال(9/20)
يعني إذا سقط من أثنائه أكثر من واحد لا على التوالي؛ فلا يسمى حينئذ معضلاً، لا بد أن يكون السقوط على التوالي، والمعضل اسم مفعول من الإعضال، فالمعضل عندهم هو المستغلق الشديد من قولهم: أعضله المرض، وأعياه، وأعجزه، وضاقت به حيلته، فهو معضل، وعضيل، ومستغلق شديد، وذلكم لأن الراوي الذي اسقط من الإسناد أكثر من راوٍ يصعب الوقوف على من أسقط، بخلاف ما لو كان الساقط واحداً، لو كان الساقط واحداً نستطيع أن نعرف هذا الواحد، نستطيع أن نعرف هذا الواحد، بمعنى أننا نبحث في طرق الحديث، ونبحث –أيضاً- في شيوخ من ذكر، وفي تلاميذ من وجد في الإسناد، فإذا اتفق أن من شيخ من روى فلان، ومن تلاميذ من روي عنه فلان نعم، فيغلب على الظن أن هذا هو الساقط، إضافة إلى الطرق الأخرى، فبهذه الطريقة نستطيع أن نحدد، ونصل إلى الساقط، أما إذا كان الساقط أكثر من واحد؛ فإنه يصعب الوقوف عليه، يصعب الوقوف عليه؛ لأننا إذا بحثنا في الموجود نحتاج إلى أن نبحث في شيوخه، وشيوخ شيوخه، وإذا بحثنا في الطبقة الأولى ممن نسب إليه الخبر قبل الساقط؛ نحتاج إلى معرفة تلاميذه، وتلاميذ تلاميذه، وحينئذٍ يصعب علينا التحديد لمن سقط في الإسناد، ولذا سموه معضلاً، أعضله الراوي، وضيق أمره، وشدد فيه بحيث يصعب الوقوف على من أسقط:
والمعضل الساقط منه اثنان ... فصاعداً. . . . . . . . .
وعرفنا أنه لا بد أن يكون على التوالي:
والشرط في ساقطه التوالي ... والإنفراد ليس بالإعضال
"ومنه قسم ثاني" وهذا القسم ذكره الحاكم أبو عبد الله، هذا القسم الثاني ذكره الحاكم، وقال: منه نوع خاص، وهو أن يروى الخبر عن التابعي موقوفاً عليه، يروى الخبر عن التابعي موقوفاً عليه، ويثبت من طرق أخرى متصلاً مضافا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون حينئذ الراوي أسقط الصحابي، والنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم يقولون: هذا باستحقاق اسم الإعضال أولى؛ لأنه إذا أوقفه على التابعي، وحذف الصحابي، فكأنه حذف اثنين: النبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابي، ولذا يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ومنه قسم ثاني
حذف النبي والصحابي معا ... ووقف متنه على من تبعا(9/21)
"ووقف متنه على من تبعا" لكن متى نعرف أن هذا معضل؟ وأنه سقط منه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابي؟ نعرف إذا جاء من طريق أخرى، مضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مسند من طريق صحابي يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونعرف بهذا أنه سقط منه اثنان، فهو باستحقاق اسم الإعضال أولى، كما يقول أهل العلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا وجدا من طريق آخر، يعني إذا ثبت الخبر من طريق آخر عرفنا أنه أسقط الصحابي، والنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا لم يرد من طريق آخر، فلا يخلو: إما أن يكون مما للرأي والاجتهاد فيه مجال، فهذا يمكن إضافته إلى التابعي، فيكون مقطوعاً، وإذا لم يكن للرأي والاجتهاد فيه مجال؛ عرفنا أنه له حكم الرفع مما تقدم، إلا أنه مرسل، نعم.
العنعنة
وصححوا وصل معنعن سلم ... من دلسة راويه واللقا علم
وبعضهم حكى بذا إجماعا ... ومسلم لم يشرِط اجتماعا
لكن تعاصراً وقيل: يشترط ... طول صحابة وبعضهم شرط
معرفة الراوي بالاخذ عنه ... وقيل: كل ما أتانا منه
منقطع حتى يبين الوصل ... وحكم "أنَّ" حكم "عن" فالجُلُّ
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريج
قال: ومثله رأى ابن شيبه ... كذا له ولم يصوب صوبه
قلت: الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما
يحكم له بالوصل كيفما روى ... بـ"قال أو "عن" أو بـ"أنَّ" فسوا
وما حكي عن أحمد بن حنبل ... وقول يعقوب على ذا نزل
وكثر استعمال عن في ذا الزمن ... إجازة وهو بوصل ما قمن
لما أنها الناظم -رحمه الله تعالى- الكلام على الانقطاع الظاهر؛ ذكر مما فيه الخلاف بين أهل العلم؛ هل هو متصل أو منقطع؟ فما يروى بالعنعنة، وهي مصدر عنعن الحديث إذا رواه بلفظ "عن"، إذا رواه بلفظ عن من غير بيان للتحديث، والإخبار، والسماع، العنعنة وما في حكمها من السند المؤنن، أو المؤنأن، والرواية بصيغة "قال"، الرواية بصيغة "قال" تقدم الحديث فيها:
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ"قال" فكذي
عنعنة كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالف(9/22)
الأصل أن يأتي بالسند المعنعن قبل هذا الكلام "أما الذي لشيخه بـ "قال" فكذي عنعنة" والعنعنة ما جاء الكلام فيها، الأصل أن يكون الكلام عن الرواية بصيغة "قال" متأخر عن هذا الفصل الذي فيه العنعنة؛ لأنه أحال على العنعنة، ولما تأتي بعد، والأصل أن تكون الإحالة إلى سابق لا إلى لاحق، يعني معرفة الأبيات الأولى:
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ"قال" فكذي
"عنعنة"، نعم الأصل أن تكون متأخرة؛ لتحيل على ما تقدم، وإلا فالطالب سوف ينتظر في معرفة "قال" حتى يسمع ما في العنعنة من أحكام؛ لكي يحال على أمر يمكن إدراكه.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "وصححوا" يعني أهل الحديث:
. . . . . . . . . وصل معنعن سلم ... من دلسة راويه واللقا علم
وبعضهم حكى بذا إجماعاً ... . . . . . . . . .
يعني السند المعنعن يحكم له بالاتصال بشرطين: الشرط الأول: أن يسلم الراوي من وصمة التدليس، أن يسلم الراوي من وصمة التدليس، والمراد بالتدليس التدليس الذي لم يحتمله أهل العلم، وإلا من الرواة من وصف بالتدليس، لكن احتمل الأئمة تدليسه؛ إما لكون تدليسهم نادراً جداً، فهذا لا يؤثر، أو لإمامتهم بجانب ما دلسوا، فمثل هذا يحتمل الأئمة تدليسه، كما نص على ذلك أهل العلم كابن حجر، وغيره، فإذا سلم الراوي من وصمة التدليس، واللقاء بين الراوي، ومن روى عنه علم بهذين الشرطين:
وبعضهم حكى بذا إجماع ... . . . . . . . . .
هذان الشرطان عرفا عن علي بن المديني، والإمام البخاري، وكتب أهل العلم طافحة بنسبة هذا القول لهذين الإمامين، وبعضهم يحكي على هذا إجماعاً، بعضهم يحكي على هذا إجماعاً، وابن عبد البر كاد أن يسوق الإجماع على هذا:
. . . . . . . . . ... ومسلم لم يشرط اجتماع
فالقول المعروف المستفيض نسبته إلى الإمام البخاري، وعلى بن المديني: اشتراط اللقاء، ولو مرة واحدة، ومسلم يكتفي بمعاصرة مع إمكان اللقاء:
. . . . . . . . . ... ومسلم لم يشرط اجتماع
لكن تعاصراً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(9/23)
في مذهب الإمامين، الإمام البخاري اشتراط اللقاء، ومذهب الإمام مسلم الاكتفاء بالمعاصرة، وإمكان اللقاء، في هذا المذهب معركة قديمة، وحديثة، ولا شك أن الاحتياط في قول البخاري، وفيه احتياط للسنة، وقول مسلم مصحح –أيضاً- عند أهل العلم، وجرى عليه العمل عند جمهورهم، لا يعني أن الإمام البخاري يشترط لشدة تحريه، واحتياطه اللقاء في صحيحه، أو مطلقاً على ما يقول أهل العلم، أن المذهب الثاني ليس بصحيح، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- شنع على من اشترط اللقاء، شنع تشنيعاً بالغاً، وقال: إنه قول مبتدع، مخترع، ساقط من القول، ويوجد من يكتب في هذه المسألة، وينفي اشتراط اللقاء عن الإمام البخاري، وعن علي بن المديني، الذي يسمع كلام الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في هذه المسألة يقول: يستحيل أن يقول مثل هذا الكلام في حق شيخه الإمام البخاري الذي لولاه لما ذهب مسلم، ولا جاء، يعني مثلاً كلام الإمام مسلم شديد، وأطال الكلام في الاحتجاج بالحديث بالسند المعنعن، يقول: وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد، وتسقيمها بقولٍ لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحاً لكان رأياً متيناً، ومذهباً صحيحاً.(9/24)
هل يمكن أن يقول مسلم في حق الإمام البخاري، أو في حق علي بن المديني مثل هذا الكلام؟ مستحيل، يقول: وقد تكلم بعض منتحلي الحديث! هل الإمام البخاري، والإمام على بن المديني من منتحلي الحديث؟ أو هم أهل الحديث؟! وهم أهل الصنعة، يقول: وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهالي عصرنا في تصحيح الأسانيد، وتقسيمها، قد يقول قائل: هو لا يقصد لا علي بن المديني، ولا البخاري؛ لأنه لم يطلع على قولهما، وهذا –أيضاً- بعيد جداً، أنه لا لم يطلع على قولهما، اطلع على قولهما، وذكر هذا الكلام: "بقول لو ضربنا عن حكايته، وذكر فساده صفحاً لكان رأياً متيناً، ومذهباً صحيحاً، إذا الإعراض عن القول المطَّرح أحرى؛ لإماتته، وإخمال ذكر قائله، وأجدر ألا يكون ذلك تنبيهاً للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب، واغترار الجهلة بمحدثات الأمور، وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين، والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام، وأحمد للعاقبة -إن شاء الله تعالى-.(9/25)
وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه أنه قد سمعه منه" يعني مع إمكان اللقاء "وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه، وشافهه به، غير إنه لا نعلم له منه سماعاً، ولم نجد في شيءٍ من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعداً، أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما، وتلاقيهما مرة من دهرهما، فما فوقها فإن لم يكن عنده علم ذلك، ولم تأتي رواية صحيحة تخبر أن هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة، وسمع منه شيئاً؛ لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك، والأمر كما وصفنا حجة، وكان الخبر عنده موقوفاً حتى يرد عليه سماعه منه لشيء من الحديث قل أو كثر في رواية مثل ما ورد، وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع، مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه، ولا مساعد له من أهل العلم عليه، وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار، والروايات قديماً، وحديثاً: أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً، وجائز ممكن له لقاؤه، والسماع منه؛ لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام؛ فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبداً حتى تكو الدلالة التي بينا، فيقال لمخترعي هذا القول الذي وصفنا مقالته وللذاب عنه: قد أعطيت في جملة قولك: أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل، ثم أدخلت فيه الشرط بعد، فقلت: حتى نعلم أنهما قد التقيا مرةً فصاعداً، أو سمع منه شيئاً؛ فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطه عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليل على ما زعمت، وإلا فهلم دليل على ما زعمت، فإن ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من إدخال(9/26)
الشريطة في تثبيت الخبر؛ طولب به، ولن يجد هو، ولا غيره إلا إيجاده سبيلاً، وإن هو ادعى فيما زعم دليلاً يحتج به؛ قيل له: وما ذاك الدليل؟ فإن قال: قلته؛ لأن وجدت رواة الأخبار قديماً، وحديثاً يروي أحدهم عن الآخر، ولما يعاينه، ولا سمع منه شيئاً قط، فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير سماع، والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة" هذا تقدم الحديث عنه:
ومسلم صدر الكتاب أصله ... . . . . . . . . .(9/27)
"والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوي كل خبر عن راويه، فإذا أنا هجمت على سماعه منه لأدنى شيء؛ ثبت عندي بذلك جميع ما يروى عنه بعد، فإن عزب عني معرفة ذلك أوقفت الخبر، ولم يكن عندي موضع حجة لإمكان الإرسال فيه، فيقال له: فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر، وتركك الاحتجاج به؛ لإمكان الإرسال فيه؛ لزمك ألا تثبت إسناداً معنعناً حتى ترى به السماع من أوله إلى آخره" ثم أفاض في ذكر الحجج لقبول السند المعنعن، هذا الكلام لا شك أنه قوي، قوي جداً في حق من اشترط هذا الشرط، ومن نفى أن الإمام البخاري يقول هذا الشرط، أو على بن المديني، وإنما هو شرط اشترطه من اخترعه ليرد به السنن، وليس من قول الإمام البخاري، ولا علي بن المديني، ويستحيل أن يقول الإمام مسلم هذه الألفاظ في حق شيخه، وشيخ شيخه، هذه حجة من نفى القول عن الإمام البخاري، وله حجج أخرى، وكتبت فيه بعض الرسائل، أما بالنسبة لهذه الحجة فليست حقيقةً بحجة؛ لماذا؟ لأن الإمام مسلم لا يرد بذلك على البخاري الذي علم منه صدق النية، والغيرة على السنة، وكون البخاري يشترط هذا؛ ليكون ما يصححه من الحديث يكون في أعلى درجات الصحيح، ولا يعني أن غير ما صححه البخاري ليس بصحيح، ونظير ذلك، نظير احتياط الإمام البخاري للسنن احتياط عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- للسنة، حينما رد خبر أبي موسى في الاستئذان، وقاله له حتى يشهد لك من سمع الخبر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فهل معنى هذا أن عمر -رضي الله عنه- يرد خبر الواحد؟ أو يحتاط للسنة؟! يحتاط للسنة، ولذا الإجماع قائم على قبول خبر الراوي الواحد ممن تقوم به الحجة، تشبث بما ثبت عن عمر -رضي الله تعالى عنه- في خبر الاستئذان، تشبث به المعتزلة وجيروا هذا المأثور عن عمر -رضي الله تعالى عنه- لخدمة مذهبهم في رد السنن، التي تلزمهم بنقض ما ذهبوا إليه من البدع، وقرر ذلك أبو الحسين البصري في كتبه، كالمعتمد، والجبائي، وغيرهما من أئمة المعتزلة، قرروا هذا في كتبهم، واحتجوا بصنيع عمر، ونحن إذا رددنا على هؤلاء، وشددنا النكير عليهم؛ هل معنى هذا أننا نرد(9/28)
على عمر؟ هل معنى هذا أننا نرد على عمر؟ أو نحمل صنيع عمر على الاحتياط للسنة، والغيرة على السنة، ونرد على مبتدع يريد أن يستغل هذا الموقف من عمر -رضي الله تعالى عنه- لرد السنة؟ وإذا رددنا على من يستغل أقوال أهل العلم، وهفوات أهل العلم، وزلات أهل العلم في نصرة ما يذهب إليه من إشاعة للشبهات، أو للشهوات، فإننا نرد على هذا المغرض، ونغلظ القول عليه، وليس معنى هذا أننا نرد على الإمام المجتهد، الذي مأجور؛ سواء أصاب، أو أخطأ، لا يعني هذا، فإذا رددنا على أبي الحسين البصري، أو على غيره من أئمة الاعتزال، فإننا لا نرد على عمر -رضي الله تعالى عنه- بحال من الأحوال؛ لأن عمر الباعث على ما ذهب إليه، وما قرره في هذه القضية الغيرة على السنة، أما في سائر القضايا يقبل خبر الواحد، وما عرف أنه رد من أخبره بحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرف من حاله كما في الصحيح أنه كان يتناوب النزول إلى المدينة مع جار له من الأنصار، فإذا سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- حديثاً بلغه الأنصاري، وإذا سمع الأنصاري من النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه عمر، وهذه الجادة متبعة، عمر أراد أن يحتاط لهذه السنة بخصوصها، فطلب مع أبي موسى شاهداً سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فاستغله المعتزلة، فإذا رددنا على المعتزلة الذين نعرف من هدفهم، ومن قصدهم رد السنن، وإبطال السنن، فإننا لا نرد على عمر بن الخطاب، ونظير ذلك من استغل كلام الإمام البخاري لرد جملة من السنة، يعني استغل احتياط الإمام البخاري لنصر مذهبه في رد جمل من السنن؛ لأنه قول مخترع، وصحابه مخترع ومبتدع، هل يمكن أن يقال: هذا في البخاري؟ لا يمكن لكن يمكن أن يقال في شخص عرفنا من حاله أنه يريد أن يجير ما ذكر عن الإمام البخاري؛ لنصرة مذهبه في إبطال السنن، فنحن إذا رددنا على هذا المخترع، ورددنا على هذا المبتدع، ورد الإمام مسلم، وشدد على هذا الرجل؛ لا يعني أنه يرد على شيخه في مقالته التي الهدف منها، والقصد منها الاحتياط للسنة، والشرط عند أهل العلم، الشرط عند أهل العلم ليس معناه -لاسيما أهل الحديث- ليس معناه أنه ما يلزم من عدمه العدم، الشرط عند أهل الحديث ليس معناه(9/29)
ما يلزم من عدهم العدم، حينما نقول: إن شرط البخاري كذا، وشرط مسلم كذا؛ هل معناه أن شرط مسلم إذا وجد اللقاء أنه لا يخرج الحديث؟ هل معناه هذا؟ وهل معنى إذا قلنا: إن شرط الإمام الترمذي أنه يخرج للضعفاء، وقد خرج لمتهم، بل خرج لوضاع كذاب، أنه يلتزم هذا الشرط، بمعنى أنه لو فقد هذا الشرط؛ فقط المشروط؟ لا، شرط الإمام في كتابه ما يوجد في كتابه، ولا يلزم منه أنه ينتفي المشروط عند انتفاء هذا الشرط، يعني حينما يقسم الحازمي الرواة إلى طبقات، ويقول الرواة خمس طبقات، الطبقة الأولى: من عرف بالحفظ، والضبط، والإتقان، مع ملازمة الشيوخ، يقول: هذا شرط البخاري، الثانية: من عرفوا بالحفظ، والضبط، والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ، وهذه ينتقي منها البخاري، وهي شرط مسلم، الثالثة: من عرف بملازمة الشيوخ مع أنه مس بضرب من التجريح الخفيف، وهي شرط أبي داوود، والنسائي، وينتقي منها مسلم، والطبقة الرابعة: من مسوا بضرب من التجريح الخفيف مع عدم ملازمة الشيوخ، وهي شرط الترمذي، والخامسة: نفر من الضعفاء، والمجهولون، هذه شروط الأئمة عنده، هذه شروط الأئمة عنده، لكن هل يعني مثلاً أن النسائي ما يخرج للثقات؟ ما يخرج إلا لهذا النوع؟ لا، المقصود أنه يوجد في كتابه من هذا النوع، ويوجد ما هو أعلى منه، ويوجد في كتاب مسلم من اكتفي فيه بالمعاصرة، ويوجد من هم أعلى منه، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- اشترط في كتابه أقوى الشروط، وتحرى في الرواة أكثر من تحري غيره، ولذلك قدم على غيره، ولا يعني هذا أنه عند التطبيق .. ، الأئمة العلماء كلهم، أو جلهم عند التطبيق يطبقون على شرط مسلم، لا يبحثون عن "لقي" أو "ما لقي"، المقصود أن الشروط متوافرة إلا من شدد مثل الإمام البخاري، ورأى أنه لا ينقل إلا عن من ثبت لقاؤه عن من روى عنه، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- احتج، وألزم القائل بأن هناك أحاديث لا تروى إلا معنعنة، ما توجد على وجه الأرض إلا معنعنة ذكر أحاديث أربعة، أو خمسة، لكنه في كتابه خرجها بصيغة التحديث، وأشار إليها ابن رشيد في كتاب له نفيس جداً، اسمه "السَنَن الأبْيَن، والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن" هذا هو(9/30)
الكتاب، من أنفس ما كتب في المسألة، ويدل على خبرة، ودقة ويثبت أن البخاري يشترط اللقاء، وغيره من الأئمة كل أهل العلم الذين جاءوا من بعد البخاري ومسلم ينقلون هذا الرأي عنه، ثم يأتي من يأتي محتجاً بأن مسلم ينسب هذا القول لمخترع، وقول مخترع، ويرد بقوة، وهذا قول باطل، ولا يمكن أن يقال مثل هذا، نقول: نعم، لا يمكن أن يواجه الإمام البخاري بمثل هذا، وحاشا مسلماً أن يتهم البخاري بمثل هذا، فالذي يحتاط لا يلام، والذي يتورع عن بعض الأشياء، يعني في حياتنا العادية، يأكل من أوساط ما يؤكل، يسكن من أوساط المساكن، ويركب من أوساط المراكب، ويتورع عن كثير من المباحات؛ هل معنى هذا أننا نقول: إنه يحرم المباحات؟ لا يمكن أن نقول: إنه يحرم المباحات، ولا يمكن أن نرد عليه بأنه يحرم ما أحل الله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ} [(32) سورة الأعراف]، لا يمكن أن نقول هذا، وإنما أحتاط لنفسه، والأمر لا يعدوه، ويمدح بهذا، فأهل التحري، والاحتياط محل مدح، ومحل تقدير من الجميع، ومسلم يحترم البخاري، ويقدر البخاري، ويرى له احتياطه، وتقديره، وتشديده في نقد الرجال، وانتقاء المتون والأسانيد، ولا يعني أنه إذا شدد في مقدمة صحيحه أنه يرد عليه بهذا الكلام؛ إنما يرد على من يجير مثل هذا الكلام، ويستغل مثل هذا الكلام في رد السنين، نظير ما نظرنا به في احتياط عمر للسنة، واستغلال المعتزلة لهذا الاحتياط، قد يحتاط إمام من أئمة المسلمين في عصرنا هذا، يحتاط، ويقرر شيئاً، لكن هذا الشيء له لازم، لكنه لا يلتزم بهذا اللازم، أو غاب عنه اللازم، فلم يلتزم به، والدافع له إلى اختيار هذا القول، الدافع له إلى اختيار هذا القول، هو الغيرة على الدين، والاحتياط لأديان الناس، ثم يأتي من يستغل هذا القول بإثارة اللازم، بإثارة اللازم، ويريد أن يستغل هذا اللازم لما ينصر به ما يذهب إليه، فمثل هذا نرد عليه، ولا نرد على الإمام الذي عرفنا من هدفه، وقصده نصر الحق، في كلام النووي -رحمه الله تعالى- يقول: "باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن إذا أمكن لقاء المعنعنين، ولم يكن فيهم مدلس" حاصل هذا الباب أن مسلماً ادعا إجماع العلماء قديماً، وحديثاً على أن(9/31)
المعنعن، وهو الذي فيه "فلان عن فلان" محمول على الاتصال، والسماع إذا أمكن لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضاً، يعني مع براءتهم من التدليس، ونقل مسلم عن بعض أهل عصره أنه قال: لا تقوم الحجة بها، ولا يحمل على الاتصال حتى يثبت أنهما التقيا في عمرهما مرة، فأكثر، ولا يكفي إمكان تلاقيهما، قال مسلم: وهذا قول ساقط مخترع مستحدث، لم يسبق قائله إليه، ولا مساعده من أهل العلم عليه، وإن القول به بدعة باطلة، وأطنب مسلم -رحمه الله- في الشناعة على قائله، واحتج مسلم -رحمه الله- بكلام مختصره: "أن المعنعن عند أهل العلم محمول على الاتصال إذا ثبت التلاقي مع احتمال الإرسال، وكذا إذا أمكن التلاقي، وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحققون، وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح، الذي عليه أئمة الفن: علي بن المديني، والبخاري، وغيرهما، وزاد جماعة من المتأخرين" كما سيأتي في الأقوال التي أشار إليها الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-" وقد زاد جماعة من المتأخرين على هذا، فاشترط القابسي أن يكون قد أدركه إدراكاً بيناً، وزاد أبو المظفر السمعاني الفقيه الشافعي، فاشترط طول الصحبة بينهما، وزاد أبو عمر الداني المقرئ، فاشترط معرفته بالرواية عنه، ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه ابن المديني، والبخاري، وموافقوهما أن المعنعن عند ثبوت التلاقي إنما حمل على الاتصال؛ لأن الظاهر ممن ليس بمدلس أنه لا يطلق ذلك إلا على السماع، ثم الاستقراء يدل عليه، ثم عادتهم أنهم لا يطلقون ذلك إلا فيما سمعوه إلا المدلس، ولهذا رددنا رواية المدلس، فإذ ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال، والباب مبني على غلبة الظن، فاكتفينا به، وليس هذا المعنى موجوداً فيما إذا أمكن التلاقي، ولم يثبت، فإنه لا يغلب على الظن الاتصال، فلا يجوز الحمل على الاتصال، ويصير كالمجهول، فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه، أو ضعفه بل للشك في حاله، والله أعلم.(9/32)
ثم قال: "قال مسلم -رحمه الله-: (فيقال لمخترعي هذا القول: قد أعطيت في جملة قولك: أن الخبر الواحد الثقة حجة يلزم العمل به) هذا الذي قاله مسلم -رحمه الله- تنبيهاً على القاعدة العظيمة التي يبنى عليها معظم أحكام الشرع، وهي: وجوب العمل بخبر الواحد، فينبغي الاهتمام بها، والاعتناء بتحقيقها وقد أطنب العلماء -رحمهم الله- في الاحتجاج لها، وإيضاحها، وأفردها جماعة من السلف بالتصنيف، واعتنى بها أئمة المحدثين، وأصول الفقه، وأول من بلغنا تصنفيه فيها الإمام الشافعي -رحمه الله-، وقد تقررت أدلتها النقلية، والعقلية في كتب أصول الفقه، ونذكر هنا طرفاً منها .. " ثم ذكر الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد، يقول: " .. وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شرط التواتر .. " إلى آخره، ثم قال: " .. وذهبت القدرية، والرافضة، وبعض أهل الظاهر إلى أنه لا يجب العمل به، ثم منهم من يقول: منع من العمل به دليل العقل، ومنهم من يقول: منع دليل الشرع، وذهبت طائفة إلى أنه يجب العمل به من جهة دليل العقل، وقال الجبائي من المعتزلة: لا يجب العمل إلا بما رواه اثنان عن اثنين، وقال غيره: لا يجب العمل إلا بما رواه أربعة عن أربعة، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم، وقال بعضهم: يوجب العلم، والظاهر من الباطن، وذهب بعض المحدثين إلى أن الآحاد التي في صحيح البخاري، أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدمنا .. " إلى آخره، والمسألة حقيقة طويلة الذيول، لكن لا يعني أن الإمام البخاري لما يحتاط للسنة، واشترط اللقاء، كذلك شيخه على بن المديني أنه لا يُحكم بصحة الخبر إلا إذا ثبت ذلك، فقول مسلم لا شك أن له اعتباره، وأن له نصيب من التطبيق العملي عند أهل العلم، لكن مثل احتياط الإمام البخاري لا يوجد.
طالب:. . . . . . . . .
نفسه، نفسه ما يختلفون في هذا.
طالب: الإمام مسلم يرد على غير البخاري؟
نعم يرد على مبتدع يستغل قول الإمام البخاري، مثل ما نرد على الجبائي، وابن حسين البصري الذين استغلوا احتياط عمر.
طالب: فكيف ينكر وجود سلف له أصلاً في هذا القول؟(9/33)
وين؟ إيه، وجود سلف يستغل هذا في نصر البدعة، أما وجود من يحتاط، فعمر يحتاط، أما وجود من يحتاط، فعمر يحتاط، أنت لو جاءك شخص من الثقات بخبر، وأردت أن تحتاط للسنة؛ يلومك أحد؟! ما يلومك أحد؛ ما في أحد يلومك؛ لأن الاحتياط مطلوب، لا سميا إذا وجد في ظرف، أو في زمان، أو في مكان من يتلاعب بالسنة، فهنا يجب الاحتياط، هنا يجب الاحتياط للسنة، في كلام ابن رشيد -رحمه الله- يقول: "الباب الأول: أعلم أن الإسناد المعنعن، وهو ما يقال فيه: فلان عن فلان، مثل قولنا: مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنقول فيه عن المتقدمين أربعة مذاهب، وحدث المتأخرين فيه مصطلح خامس، فالمذهب الأول: مذهب أهل التشديد، وهو أنه لا يعد متصلاً من الحديث إلا ما نص فيه على السماع، أو حصل العلم به من طريق آخر، وأن ما قيل فيه: فلان عن فلان، فهو من قبيل المرسل، أو المنقطع .. " وسيأتي ذكره في النظم -إن شاء الله تعالى- " .. حتى يتبين اتصاله بغيره، حكاه الإمام أبو عمرو النصري الشهرزوري، شهر بابن الصلاح أحد أئمة المتأخرين المعتمدين، ولم يسم قائله، ولفظ: "ماحكاه فلان عن فلان" عده بعض الناس من قبيل المرسل، والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره، وهذا المذهب، وإن قل القائل به بحيث لا يسمى، ولا يعلم، فهو الأصل الذي كان يقتضيه الاحتياط .. " هذا كلام ابن رشيد " .. وحجته أن (عن) لا تقتضي اتصالاً، لا لغة، ولا عرفاً .. " يعني غاية ما فيه أن هذا القول منسوب عن فلان " .. وحجته أن (عن) لا تقتضي اتصالاً، لا لغة، ولا عرفاً، وإن توهم متوهم فيها اتصالاً لغة، فإنما ذلك بمحل المجاوزة المأخذ عنه، تقول أخذ هذا عن فلان، فالأخذ حصل متصلاً بالمحل المأخوذ عنه، وليس فيها دليل على اتصال المروي بالمروي عنه .. " وهذه مسألة تنفع في كتب تراجم المحدثين، يعني إذا قالوا روى عن فلان وفلان، وفلان وفلان، وعنه فلان، وفلان وفلان، فهم يحكون الواقع الذي وجد في الأسانيد، لكن هل هم يحكون في مثل هذا أنه ثبت سماعه عن فلان عن فلان! أو يحكون الواقع الذي وجدوه في الأسانيد! ويبقى مسألة الاتصال، والانقطاع تأخذ من كتب التي ينص فيها مثل المراسيل(9/34)
لابن أبي حاتم، وغيره " .. وما علم منهم أنهم يأتون بـ (عن) في موضع الإرسال والانقطاع، يخدم ادعاء العرف، وإذا أشكل الأمر وجب أن يحكم بالإرسال؛ لأنه أدون الحالات، فكأنه أخذ بأقل ما يصح حمل اللفظ عليه، وكان ينبغي لصاحب هذا المذهب ألا يقول بالإرسال بل بالتوقف حتى يتبين بمكان الاحتمال.(9/35)
شرح ألفية الحافظ العراقي (10)
العنعنة - تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وكان ينبغي لصاحب هذا المذهب ألا يقول بالإرسال، بل بالتوقف حتى يتبين لمكان الاحتمال؛ لأنه يحتمل أن متصلاً، ويحتمل أن يكون مرسلاً، يعني سقط منه راوٍ، ولعل ذلك مراده، وهو الذي نقله مسلم عن أهل هذا الذهب أنهم يقفون الخبر، ولا يكون عندهم موضع حجة لإمكان الإرسال فيه، وأن هذا القصد ليلوح من قول هذا القائل حتى يتبين اتصاله بغيره، ولكن صدر الكلام يأباه؛ لقوله: عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع، وكأن في ربط العجز بالصدر تنافراً ما، إلا أن هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين، بل جميعهم، يعني أن كل ما جاء بصيغة العنعنة مردود، أو متوقف فيه، هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين، بل جميعهم، وهذا الذي لا إشكال في أن أحد من أئمة السلف مما يستعمل الأخبار كما قال مسلم -رحمه الله تعالى-، ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها، مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ومن سمى معهم لا يشترطه ولا يبحث عنه، ولو اشتُرط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير، فكأن الله تعالى أتاح الإجماع عصمة لذلك، وتوسيع علينا والحمد لله، فهذا المذهب المجهول قائله لا يعرج عليه، ولا يتلفت الليت إليه، الليت إيش هو؟ الليت: صفحة العنق، يعني أن العنق لا تلوى من أجل الاستماع إليه، وقد تولى الإمام أبو عمرو النصري يعني ابن الصلاح، رد هذا المذهب الذي حكاه، وقال: إن الصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الإسناد المتصل، قال: وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم، وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم وقبلوه.(10/1)
وقد نقل أيضاً هذا المذهب مبهماً لقائله أبو محمد بن الخلاد في كتابه: الفاصل له، ابن خلاد الرامهرمزي في كتابه: المحدث الفاصل، ثم ذكره بإسناده إلى أن قال: وقال بعض المتأخرين من الفقهاء كل من روى من أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- خبراً فلم يقل فيه سمعت ولا حدثنا ولا أنبأنا ولا أخبرنا ولا لفظة توجب صحة الرواية إما بسماع أو بغيره مما يقوم مقامه فغير واجب أن يحكم بخبره، وإذا قال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان عن فلان ولم يقل حدثنا فلان أن فلان حدثه ولم يقوم مقامه من هذه الألفاظ احتمل أن يكون بين فلان الذي حدثه وبين فلان الثاني رجل آخر لم يسمه؛ لأنه ليس بمنكر أن يقول قائل: حدثنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا، وفلان حدثنا عن مالك والشافعي وسواء .. إلى آخره، انتهى كلام ابن خلاد، وقد رددنا هذا المذهب بما فيه الكفاية، وإذا بان أنه قول لبعض الفقهاء المتأخرين فهو مسبوق بإجماع علماء الشأن، والله الموفق.
وقد بين ذلك أبو عمر بن عبد البر بما حكاه من الإجماع بعد أن ذكر بإسناده عن وكيع قال: قال شعبة: فلان عن فلان ليس بحديث، قال وكيع: وقال سفيان: هو حديث، قال أبو عمر: ثم إن شعبة انصرف عن هذا القول إلى قول سفيان، قلت: وما نقله مسلم -رحمه الله- عن العلماء الذين سمى ومن جملتهم شعبة من أنهم لا يتفقدون ذلك يدل أيضاً على رجوع شعبة كما ذكر أبو عمر، فقد بان أنه لا يعلم لمتقدم فيه خلاف إذا جمع رواته العدالة واللقاء والبراءة من التدليس، وأن شعبة رجع عن قوله، وقال الحافظ أبو عمرو المقرئ، الداني: وما كان من الأحاديث المعنعنة التي يقول فيها ناقلوها عن وعن فهي أيضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً إلا أن قوله: إدراكاً بيناً فيه إجمال، وسنستوفي الكلام عليه في ذكر المذهب الثالث.(10/2)
المذهب الثاني: وهو أيضاً من مذاهب أهل التشديد إلا أنه أخف من الأول، وهو ما حكاه الإمام أبو عمرو النصري، ابن الصلاح، قال: وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم، قلت: وهذا بلا ريب يتضمن السماع غالباً لجملة ما عند المحدث أو أكثره، ولا بد مع هذا أن يكون سالماً من وصمة التدليس، وحجة هذا المذهب هي الأولى بعينها، ولكنه خفف في اشتراط السماع تنصيصاً في كل حديث حديث لتعذر ذلك؛ ولوجود القرائن المفهمة للاتصال من إيراد الإسناد وإرادة الرفع بعضهم عن بعض عند قولهم: فلان عن فلان مع طول الصحبة.
المذهب الثالث: وهو رأي كثير من المحدثين منهم الإمام أبو عبد الله البخاري، وشيخه أبو الحسن علي بن المديني وغيرهما نقل ذلك عنهم القاضي أبو الفضل عياض وغيره، وهو مذهب متوسط، اشتراط ثبوت السماع أو اللقاء في الجملة لا في حديث حديث، يقول: وهذا هو الصحيح من مذاهب المحدثين، وهو الذي يعضده النظر، فلا يحمل منه على الاتصال إلا ما كان بين متعاصرين يعلم أنهما قد التقيا من دهرهما مرة فصاعداً، وما لم يعرف ذلك فلا تقوم الحجة منه إلا بما شهد لفظ السماع أو التحديث، أو ما أشبه من الألفاظ الصريحة إذا أخبر بها العدل عن العدل، وحجة هذا المذهب أيضاً ما تقدم من إجماع جماهير النقلة على قبول الإسناد المعنعن وإيداعه كتبهم التي اشترطوا فيها إيراد الصحيح مع ما تقرر من مذهبهم أن المرسل لا تقوم به حجة، وأنهم لا يودعون فيها إلا ما اعتقدوه أنه مسند.(10/3)
قال أبو عمر بن عبد البر الإمام الحافظ: وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطاً ثلاثة: عدالتهم، ولقاء بعضهم لبعض مجالسة ومشاهدة، وبراءتهم من التدليس، هكذا ينقل الإجماع ابن عبد البر، قال أبو عمرو بن الصلاح الإمام الناقد: والاعتماد في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على الإدراك واللقاء، قلت: وقد كان ينبغي من حيث الاحتياط أن يشترط تحقق السماع في الجملة لا مطلق اللقاء، فكم من تابعٍ لقي صاحباً ولم يسمع منه، وكذلك من بعدهم، وينبغي أن يحمل قول البخاري وابن المديني على أنهما يريدان باللقاء السماع، وهذا الحرف لن نجد عليه تنصيصاً يعتمد، وإنما وجدت ظواهر محتملة أن يحصل الاكتفاء عندهم باللقاء المحقق وإن لم يذكر سماع، وألا يحصل الاكتفاء إلا بالسماع، وأنه الأليق بتحريهما والأقرب إلى صوب الصواب، فيكون مرادهما باللقاء والسماع معنىً واحداً، وفي قول مسلم حاكياً القول الذي تولى رده ما يقتضي الاكتفاء بمجرد اللقاء، حيث قال في تضاعيف كلامه: ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث ... الفصل، يعني إلى آخر الفصل، فظاهر هذا الكلام أن أحدهما بدل من الآخر، وأن (أو) للتقسيم لا بمعنى الواو، وقد أتى به أيضاً في أثناء كلامه بالواو فقال: وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، وكرره أيضاً بالواو، قال: ثم أدخلت فيه الشرط بعد، فقلت: حتى نعلم أنهما قد كان التقيا مرة فصاعداً، وسمع منه شيئاً، وهذا أبين ألفاظه، وقال الحافظ أبو عبد الله بن البيع الحاكم في كتابه: معرفة علوم الحديث، في النوع الحادي عشر منه المعنعن بغير تدليس متصل بإجماع أهل النقل على تورع رواته عن التدليس.(10/4)
وقال الإمام الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي: وكذلك ما قالوا فيه عن وعن فهو أيضاً من المتصل إذا عرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً ولم يكن ممن عرف بالتدليس، قلت: وقولهما معاً لا يخلو من إجمال، إذ لا بد أن يكون مراد الحاكم ثبوت المعاصرة أو السماع، إذ لا يقبل معنعن ممن لم تصح له معاصرة، فلا بد من قيد، وكأنه اكتفى عنه بقوله: على تورع رواته عن التدليس، وقد سبق له في كتابه هذا من النوع الرابع منه في معرفة المسانيد من الأحاديث تقييد ذلك بما نصه: والمسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن محتملة، وفي كتابه معرفة علوم الحديث: ليس، ولسن أو بسن كأنها أظهر، وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن هذا الموضع من كتاب الحاكم فيه اضطراب بين رواته، فروي ما ذكرناه بسن محتملة، وعند ابن سعدون: بسن يحتمله، والمعنى واحد، أي أنه يكتفى في ظهور السماع بكون السن تحتمل اللقاء، ومعنى هذا أنه يكتفي بالمعاصرة.
وإلى هذا المعنى ذهب مسلم -رحمه الله تعالى- حيث قال: وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكنهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأتِ في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة، إلا أن تكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبداً حتى تكون الدلالة التي بينا، انتهى كلامه.(10/5)
وإلى هذا المعنى أيضاً ذهب الحافظ أبو عمرو المقرئ الداني في جزء له، وضعه في بيان المتصل والمرسل والمنقطع، فقال: المسند من الآثار التي لا إشكال في اتصاله هو ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا نفس كلام الحاكم، فهذا موافق ظاهره لهذه الرواية، وقد يحتمل أن يكون مراده بقوله: يظهر سماعه بسن تحتمله أي أنه يعلم السماع بقوله، وتكون سنه تصدق ذلك، والله أعلم، إلى آخر كلامه حيث نقل نقولاً كثيرة عن أهل العلم في هذا الشأن، ويأتي -إن شاء الله- غداً تحرير القول في هذه المسألة، ولا يعني كون الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يشترط هذا الشرط، وأنه لا يقول باشتراط اللقاء، ولا ثبوت السماع لا يعني أنه طبق هذا في كتابه، أن كتابه مبني على هذا الشرط، لا يلزم من اكتفائه بالمعاصرة أن يكون كتابه مبنياً على هذا، لماذا؟ لأنه يجمع الحديث الواحد في مكان واحد بجميع طرقه، فإذا ساق طريق اكتفي فيه بالمعاصرة لا بد أن يوجد من هذه الطرق طرق يروي بعضهم عن بعض ممن ثبت لقاء بعضهم لبعض، يعني كون الإمام مسلم يكتفي بهذا في التصحيح لا يعني أنه طبقه في كتابه، لا يلزم منه هذا، وكون الإمام البخاري يشترط ويتشدد في هذا الباب ويحتاط للسنة لا يعني أنه يرد تصحيح الآخرين، ومذهب مسلم جرى عليه المتأخرون، فينظرون في ترجمة الراوي، وترجمة من روى عنه فإن وصف بالتدليس ردوها؛ لأنه مدلس حتى يثبت التصريح بالسماع، وإن كان لم يوصف بالتدليس اكتفوا بأن السن يحتمل، هذا مولود سنة مائة، وهذا توفي مثلاً سنة مائة وعشرين، أو مائة وثلاثين، هذا يكتفون بمثله عند التطبيق، وإذا دلت القرائن على أن هذا لم يلتق بهذا ولم يره ولم يسمع عنه ردوه لهذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(10/6)
بدأنا الكلام في الدرس الماضي عن السند المعنعن، وخلاف أهل العلم فيه اتصالاً وانقطاعاً، فقال الناظم -رحمه الله تعالى- في البيت الأول:
وصححوا وصل معنعن سلم ... من دلسة راويه واللقا علم
الناظم -رحمه الله تعالى- كأنه يشير بهذا إلى رأي من يقول بقبول السند المعنعن إذا سلم المعنعِن من التدليس، وعلم لقاء الراوي لمن روى عنه، وفي هذا القول القائل به لا يكتفي بالمعاصرة، ومن أهل العلم كالحاكم والخطيب وابن عبد البر حكوا الإجماع على هذا، أنه موصول إذا توافر فيه هذان الشرطان، السلامة من التدليس، وثبوت اللقاء؛ لأنه قال:
وبعضهم حكى بذا إجماعا ... ومسلم لم يشرط اجتماعا
سمعنا بعض ما قاله الإمام مسلم في المسألة، وأنه يكتفي بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، وأنه شدد في ذلك، وشدد النكير على من اشترط اللقاء، وذكرنا بعض كلامه الشديد في حق من قال بهذا القول المخترع الذي يقصد من ورائه صاحبه هدم السنة، وعرفنا أنه لا يقصد بهذا لا البخاري ولا علي بن المديني، وإن قالا بذلك، وإنما يقصد الرد على مبتدع يريد هدم السنة مستفيداً من قول الإمام البخاري، واحتياط الإمام البخاري واحتياط علي بن المديني، ونظرنا على هذا بما فيه الكفاية -إن شاء الله تعالى-.(10/7)
الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- ذكر حجج لقبول قوله، ومن هذه الحجج أنه ذكر في المقدمة أحاديث لا توجد في أي ديون، وفي أي مصنف من دواوين الإسلام، ومن مصنفات السنة إلا معنعنة، ومع أنه لا يعرف، ولا يمكن إثبات أن كل راوٍ من رواتها قد لقي من روى عنه، ومن هذه الأحاديث ذكر أحاديث هنا بس تطول قراءتها، هذه الأحاديث ثلاثة أحاديث منها رواها الإمام نفسه بصيغة التحديث، منها يقول الموضع الأول -هذا ابن رشيد-: الموضع الأول: ذكرت أيها الإمام في صفة الجنة يسر الله علينا فيها بلا محنة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنضلي قال: أخبرنا المخزومي قال: حدثنا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب فيها مائة عام لا يقطعها)) قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ح وخرجه أيضاً البخاري كذلك؛ لوجود شرطه فيه وهو معرفة السماع، فقال في صفة الجنة: وقال إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة قال: حدثنا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها)) قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش فقال: حدثني أبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن في الجنة)) .. الحديث، فقد اتفقتما على تخريج هذا الحديث عن شيخ واحد منصوص فيه عندكما على سماع النعمان من أبي سعيد، حتى مسلم الذي نفى أن يكون موجود بصيغة التحديث.(10/8)
الموضع الثاني: قريب منه في الباب نفسه من كتابك قلت فيه: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حديثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء)) قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: "كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي" وخرجه البخاري أيضاً في صفة الجنة، قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز عن أبيه عن سهل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء)) قال أبي فحدثت النعمان بن أبي عياش فقال: أشهد لسمعت أبا سعيد الخدري يحدث ويزيد فيه: "كما ترون" ... إلى آخره.(10/9)
الموضع الثالث: قلت في المناقب من كتابك: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم قال: سمعت سهلاً يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض)) فيه قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلاً يقول؟ قال: فقلت: نعم، قال: فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد .. إلى آخره، وخرجه البخاري في موضعين من الفتن، وفي ذكر الحوض، ثم ساق الموضعين في البخاري كلاهما، وكلاهما منصوص به على التصريح بالسماع، ثم قال ابن رشيد: والعذر لك أيها الإمام بادٍ فإن النص على السماع فيما خرجت أنت من هذه الأحاديث ورد مضمناً غضون الحديث ليس مصدراً به ولا ملاقياً للناظر، يعني ما هو في أصل سياق الإسناد إنما عقب به على الحديث بعد الفراغ من متنه، لكن هل مثل هذا يغيب على مسلم بحيث ينفي النفي القاطع البات؟ نعم هذه الأحاديث في آخر صحيحه بعيدة عن المقدمة، والغفلة واردة، هي بعيدة عن المقدمة في أواخر الكتاب، لكن كونه لا ينبته لها لأن هذه الصيغ المصرحة بالسماع ليست في صدر الكلام، ليست في سياق الإسناد الأول، وإنما هي جاءت تعقيباً على الأحاديث، فمسلم ليس من الغفلة بهذه المكانة بحيث يخفى عليه أنه صرح فيها بالسماع تعقيباً، لا، يعني يظن به أنه نسي حينما كتب لبعد العهد، الأحاديث بعيدة كل البعد عن المقدمة.(10/10)
والعذر لك أيها الإمام بادٍ فإن النص على السماع فيما خرجت أنت من هذه الأحاديث ورد مضمناً غضون الحديث ليس مصدراً به، ولا ملاقياً للناظر، يعني الناظر يبي يقرأ الإسناد بيقرأ المتن وينتهي يترك الحديث ما يقرأ التعقيب عليه الذي ورد في الأحاديث الثلاثة، هذا مقتضى كلامه، وإنما ذكرت هذه الأحاديث في المساند في مسند سهل؛ لأن هذه الزيادة إنما وقع ذكرها عن أبي سعيد بحكم التبع، وقد جرت هذه الغفلة عليك -يرحمك الله- غفلة أخر رأينا أن ننبه عليها تتمة للفائدة، وصلة بالنفع عائدة، وهي أنك قلت: وأسند النعمان بن عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا الكلام يفهم ظاهره أنه لم يسند غيرها، وقد أخرجت له في صحيحك ستة أحاديث من رواية النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد، أحدها: المتن المدرج في حديث: ((إن في الجنة شجرة))، والثاني: المدرج أيضاً في حديث: ((إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة)) والثالث: المدرج في حديث: ((أنا فرطكم على الحوض)) والحديث الرابع: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة)) وأنت تفردت به عن البخاري، والخامس حديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أدنى أهل النار عذاباً ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه)) خرجتهما في كتاب الإيمان من كتابك.
طالب:. . . . . . . . .
في المقدمة موجود، كلام مسلم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/11)
إيه ذكره في المقدمة، يحتج به على غيره، نقول: هذه لا توجد بصيغة التصريح أبداً، ما توجد إلا معنعنة، وحديث: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً)) خرجته في الصيام من كتابك، وخرجه البخاري في الجهاد من غير نص منكما على سماع النعمان له من أبي سعيد، وللنعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد حديث سابع، خرجه أبو بكر البزار في مسنده، قال البزار: حدثنا أحمد بن منصور قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا محمد بن أبي حرملة عن النعمان بن أبي عياش الزرقي عن أبي سيعد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) قال الحافظ أبو عبد الله بن أبي بكر: قد ذكر هذا الحديث من طريق البزار إسناده صالح حسن محمد بن أبي حرملة، حدث عنه مالك بن أنس وغيره من الثقات.
قلت: والذي يظهر أن مسلماً -رحمه الله تعالى- إنما عنى بقوله: "ثلاثة أحاديث" الثلاثة الأخيرة مما ذكر التي لم يرد فيها منصوصاً على سماع النعمان بن أبي عياش، ولم تمر بذكره الثلاثة الأحاديث التي نص فيها على سماعه منها؛ لأنها وردت متبعة لحديث سهل بن سعد حسبما بيناه، على أن أبا عبد الرحمن النسائي قد نص في مصنفه على سماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من صام يوماً في سبيل الله)) فقال: أخبرنا مؤمل بن إيهاب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح سمعا النعمان بن أبي عياش قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره.(10/12)
المقصود أن هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم في مقدمته، وأنها لا تروى في أي مصنف ولا ديوان من دواوين الإسلام إلا معنعنة، وأنه لا يذكر ولم ينقل أن راويها قد ثبت لقائه لمن روى عنه، هي موجودة في كتابه بصيغة التحديث، والغفلة واردة لبعد العهد، يعني هذه في أواخر الكتاب، والمقدمة معروف أنها في صدره، هذه احتمال يعني المتقدمين والمتأخرين كلهم على هذا، بل أكثرهم يذكر المقدمة بعد نهاية الكتاب؛ ليكتب عن الكتاب بعد التصور التام له؛ لأنه إذا كتبها قبل لا شك أن تصوره عن كتابه ناقص لاحتمال أن يزيد فيه وينقص، ويقدم ويؤخر، لكن إذا كتبها بعد تمام الكتاب كتبها بعد التصور التام، لكن اللي يظهر من سياق المقدمة أنه كتبها قبل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأنه قال في أولها في أول الكتاب: فإذا عزم لتمامه هنا ... ، نص في المقدمة على أنه قال فيها: فإذا عزم لتمامه فأول من يستفيد منه على ما ذكر هو المصنف نفسه، في المقدمة، فدل على أنه لم يتمه بعد، يعني ما زال يكتب فيه.
العمل عند أهل العلم في تخريجهم وأحكامهم، يعني الجل، جل أهل العلم الذين يخرجون الأحاديث ويحكمون عليها كأنهم جروا على رأي مسلم -رحمه الله-، ولا يعني أن رأي البخاري باطل، أو أنه لا حظ له من النظر، نقل عليه الاتفاق، وأن ما جاء مشتمل للشرطين متصل اتفاقاً، ولا يعني هذا أن ما سواه باطل؛ لأن عرفنا أن الشرط عند أهل العلم ليس معناه ما يشترطه الفقهاء في شروطهم الاصطلاحية، لا، إنما شرطه في كتابه يعني ما دونه فيه من خلال السبر والاستقراء، وسار عليه، يعني تنظر طريقته في كتابه ويستنبط شرطه، ولم ينص عليه، وكون الإمام البخاري صاحب تحري واحتياط هذا لا يشك فيه أحد، وأنه أشد من مسلم في هذا الباب، ولا يعني أن مسلماً حينما لا يشترط اللقاء بل يكتفي بالمعاصرة أن الحديث ليس بصحيح لا أبداً، والمخرجون كأنهم جروا على هذا، يكتفون بذكر الأسانيد ينقلونها من مصادرها الأصلية، وينظرون في اتصالها، في تراجم الشيوخ والتلاميذ، فإذا أمكن اللقاء حملوه على الاتصال، ولم يعرف المعنعِن بالتدليس، جروا على هذا، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/13)
يقول: ما تروى. . . . . . . . . في الدنيا بإسناد صُرح فيه بالتحديث، وهو خرّج بهذا، بالذي نفاه، خرجها بالذي نفاه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا واضح، لا واضح استدراك ابن رشيد عليه، والشراح كلهم جروا على هذا، لكن على ما قال:
. . . . . . . . . ... ومسلم لم يشرط اجتماعا
لكن تعاصراً. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
لكنه اكتفى بالتعاصر مع إمكان اللقاء "وقيل" وهذا قول ثالث "وقيل: يشترط ... طول صحابة" أن يكون الراوي طويل الصحبة لمن روى عنه، وهذا أشد من شرط البخاري "وبعضهم شرط" هذا قول رابع "معرفة الراوي بالأخذ عنه" هذا قول رابع "معرفة الراوي بالأخذ عنه" يعني بالأخذ عمن روى عنه، يكون معروف بالرواية عنه، يعني كأنه يشترط ملازمته ومعرفة العلماء لهذا الراوي بأنه كثير الأخذ عمن روى عنه، وإلا فلا يحكم له بالاتصال "وقيل" وهو القول الخامس "كل ما أتانا منه" يعني من السند المعنعن "منقطع" ويذكر عن شعبة أنه قال: "كل سند ليس فيه حدثنا ولا أخبرنا فهو خل وبقل" يعني لا شيء حتى يصرح فيه بالتحديث.
. . . . . . . . . ... وقيل: كل ما أتانا منه
منقطعٌ حتى يبين الوصلُ ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
الخلاصة: أن السند المعنعن فيه خمسة أقوال.
القول الأول: أنه متصل إذا سلم الراوي من التدليس المعنعِن، وعلم لقاؤه لمن روى عنه.
الثاني: وهو قول مسلم، إذا سلم من وصمة التدليس، وعاصر من روى عنه، وأمكن لقاؤه له.
الثالث: طول الصحابة، طول الصحبة لمن روى عنه.
الرابع: أن يعرف بالآخذ عنه.
والخامس: أنه منقطع حتى يصرح بالتحديث، أنه محمول على الانقطاع حتى يصرح الراوي المعنعِن بالتحدث أو السماع.
منقطعٌ حتى يبين الوصلُ ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
انتهى من السند المعنعن، وبدأ بما عطف عليه من السند المؤنن.
. . . . . . . . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
سووا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(10/14)
يعني بينهما، يعني حكم (أن) أن فلاناً قال، أن فلاناً فعل، حكمها حكم (عن) يحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين، حكم (أن) حكم (عن) فيحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين، وسبق في المعلق أن حكم (قال) حكم (عن) يعني يحكم لها بالشرطين المعروفين.
. . . . . . . . . ... وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ
سووا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني بينهما سووا.
. . . . . . . . . وللقطع نحا (البرديجي) ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
يعني البرديجي يقول: إن السند المؤنأن أو المؤنن منقطع، هذا الأصل فيه.
. . . . . . . . . ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
يعني إذا خرجت الحديث وجمعت طرقه، إذا بان الوصل بطريق صرح فيه بالسماع أو التحديث تحمل على الاتصال، أما قبل ذلك فلا، وقال الذهبي عقب كلام البرديجي: إنه قوي، أن فلاناً فعل أو قال هذه محمولة على الانقطاع، حتى يصرح فيه بالسماع أو التحديث من خلال التخريج وجمع الطرق، فهو منقطع هذا ما قاله البرديجي، وقال الذهبي عقب كلامه: أنه قوي، ولعل البرديجي إنما حكم على السند المؤنن بهذا وقواه الذهبي لما سيأتي عن يعقوب بن شيبة، والإمام أحمد بن حنبل، قال ابن الصلاح: ومثله رأى ابن شيبة، ومثل رأي البرديجي رأي ابن شيبة، يقول الحافظ العراقي:
"كذا له -أي لابن الصلاح- ولم يصوب صوبه"
قال: ومثله رأى ابن شيبه ... كذا له ولم يصوب صوبه(10/15)
يعقوب بن شيبة في حديث لعمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وسلم عليه ورد عليه السلام، مر عليه وسلم عليه ورد عليه السلام، الطريق الأول عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم عليه، قال يعقوب بن شيبة: هذا متصل، والطريق الثاني: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: منقطع، يعقوب بن شيبة مع دقته وحذقه وسعة علمه في هذا الشأن رأى أن الفرق بينهما يعني على زعم ابن الصلاح حينما حكم بالاتصال والانقطاع رأى أن مرد ذلك الصيغة، فلما جاء الخبر بصيغة عن عمار قال: متصل، ولما جاء بصيغة أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: منقطع، هذا ما فهمه ابن الصلاح من تفريق يعقوب بن شيبة بين الصيغتين، فحكم على (عن) بالاتصال، وحكم على (أن) بالانقطاع، قال: "ومثله" يعني قال ابن الصلاح: ومثله رأى ابن شيبة أن (أن) منقطعة، و (عن) محمولة على الاتصال؛ لأنه حكم على طريق بـ (عن) متصل وحكم على طريق بـ (أن) منقطع، فاستنبط ابن الصلاح من هذا اختلاف الحكمين لاختلاف الصيغتين، قال الحافظ العراقي:
"كذا له -يعني لابن الصلاح- ولم يصوب صوبه" يعني ما وجه الوجهة التي اتجهها يعقوب بن شيبة، ما اتجه إلى الجهة التي اتجه إليها يعقوب بن شيبة، يعني هجم على ذهنه هذا الفرق وأعماه عن غيره، لكن لو تأمله أدنى تأمل لبان –للاح- له الفرق، في السند الأول المعنعن محمد بن الحنفية يروي القصة عن صاحبها، يروي القصة التي حصلت لعمار مع النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صاحبها، متصلة وإلا منقطعة؟ متصلة، في الطريق الثاني: محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها، فهي متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، والفرق ظاهر وإلا مو بظاهر؟ الفرق بينهما ظاهر وإلا ما .. ؟ ظاهر جداً، ولذا قال الحافظ العراقي -رحمه الله-:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(10/16)
أنا لو أذكر لكم قصة حصلت لي قبل ثلاثين سنة مثلاً مع شيخ من الشيوخ، وتناقلتم هذه القصة بعضكم قال: عن فلان اللي هو أنا أنه حصل له كذا، فأنتم تنقلون القصة عن صحابها، هذا فيه انقطاع؟ ما فيه انقطاع، لكن لو بعضكم قال: إن فلاناً حصل له كذا، وأنتم ما شاهدتم القصة، في أحد منكم شاهد القصة؟ ما في أحد، متصلة وإلا منقطعة؟ منقطعة، يعني الفرق ظاهر، فكيف يخفى مثل هذا على ابن الصلاح؟ لكن الضعف ملازم لابن آدم، أحياناً يهجم على قلبه شيء يعميه عن وجه الصواب، خلاص إذا هجم على القلب وغطاه صار ما يستطيع أن ينظر ببصيرة إلى ما هو بصدده، ولذا قال:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه
"قلت -يقول الحافظ العراقي-:
. . . . . . . . . الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما
يسلم من التدليس، ويكون قد لقي من روى عنه.
قلت: الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما
يحكم له بالوصل كيفما روى ... . . . . . . . . .
بأي صيغة أدى إذا سلم من التدليس، ولقي من روى عنه.
قلت: الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما
يحكم له بالوصل كيفما روى ... بـ (قال) أو (عن) أو بـ (أن) فسوا
كلها سوى، سواءً روى بـ (قال) وحكمها حكم (عن)، وسواءً روى بـ (عن) وهي موضوع الدرس، أو روى بـ (أن) وحكمها حكم (عن)، ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-: "وما حكى" يعني ابن الصلاح "عن أحمد بن حنبلِ"
وما حكى عن أحمد بن حنبلِ ... وقول يعقوب على ذا نزلِ
ما حكى ابن الصلاح عن الإمام أحمد أنه فرق بين السند المعنعن والسند المؤنن مثل تفريق يعقوب بن شيبة سواء، مثل تفريق يعقوب بن شيبة، فروى عن عروة عن عائشة أنه حصل لها قصة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وروى عن عروة أن عائشة حصل لها كذا، نفس الطريقة، نفس ما سبق في حديث محمد بن الحنفية عن عمار، فحكم على ما رواه بالعنعنة بأنه متصل، وما رواه بـ (أن) بأنه منقطع.
وما حكى عن أحمد بن حنبلِ ... وقول يعقوب. . . . . . . . .(10/17)
الذي تقدم، يعقوب بن شيبة "على ذا نزلِ" على هذه القاعدة التي ذكرتها، الحافظ العراقي يقول: نزل كلام الإمام أحمد وكلام يعقوب بن شيبة في التفريق بين الإسنادين حيث حكم على أحدهما بالاتصال والثاني بالانقطاع نزله على هذه القاعدة التي ذكرتها.
قلت: الصواب أن من أدرك ما ... رواه بالشرط الذي تقدما
يحكم له بالوصل كيفما روى ... بـ (قال) أو (عن) أو بـ (أن) فسوا
يعني إذا كان الشخص قد أدرك القصة يحكيها كيفما شاء، بأي صيغة شاء، إذا كان أدرك القصة، وأدرك صاحب القصة، فمثل هذا يحكيه بأي أداة تفيد المطلوب، أما من لم يدرك القصة فإن رواها عن صاحبها صاحب الشأن عن صاحبها ومقتضى روايتها عن صاحبها أن يرويها بـ (عن) فهي متصلة، وإن رواها أو ساقها من تلقاء نفسه وهو لم يشهدها فهي منقطعة.
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمنْ ... إجازة وهو بوصل ما قمن
"وكثر استعمال (عن) في ذا الزمنْ" يعني بعد الخمسمائة "إجازة" يعني في الإجازة "وهو بوصل ما قمن" الإجازة هي الإذن بالرواية على ما سيأتي تفصيل القول فيها في طرق التحمل، وصيغ الأداء لكل طريق من طرق التحمل، يأتي بسط هذا في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... . . . . . . . . .(10/18)
يعني المتأخر من بعد الخمسمائة كثر اعتماد الناس على الإجازات، صار عمدة الرواية الإجازة، والحاجة داعية إليها؛ لكثرة الطلاب، وكثرة المصنفات، فلا شك أنه إذا جاء شخص ليقرأ على شيخ، يرد أن يقرأ عليه صحيح البخاري مثلاً، ومكنه من ذلك، ثم إذا تجاوز ربع الكتاب جاء ثاني وقال: أبي أقرأ عليك صحيح البخاري، ثم إذا تجاوز نصف الكتاب جاء ثالث قال: أريد أن أقرأ عليك صحيح البخاري، لا يأتي مجموعة يبدؤون من أول الكتاب إلى آخره، ثم بعد ذلك مسلم، ثم بعد ذلك بقية الكتب، وهذه تحتاج إلى أعمار متطاولة، فلما احتاج الناس دونت الأحاديث وضبطت وأتقنت، واحتاج الناس إلى روايتها عن المسندِين، فلما صعُب أن يجلس لكل طالب يقرأ عليه جميع هذه الكتب احتاج الناس إلى الإجازات، فصاروا يروون عن المسندين بالإجازة، بالإذن الإجمالي لا الإذن التفصيلي، وسيأتي ما في الإجازة من خلاف، وما في الرواية بها من ضعف، لكن الحاجة اشتدت إليها، يعني كل الناس احتاجوا إلى هذا الرجل الذي تفرد بعلو الإسناد، وسمع به أهل الشرق والغرب، وصاروا يتزاحمون عليه ليقرؤون، لا يستطيع أن يُقرئ الناس كلهم، فاحتاج الناس إلى الإجازة، فيأذن بالرواية عنه ولو لم يقرؤوا عنه، هذه الإجازة الإذن الإجمالي بالرواية صاروا يتجوزن في صيغ الأداء فيها، فبعضهم -أهل الورع منهم- يقول: أنبأنا إجازة، أو أخبرنا إجازة، أو أجازني، أو أجاز لي، وبعضهم يتعدى هذا فيرويها بـ (عن) عن فلان، وبعضهم يرويها بـ (قال) قال فلان، وبعضهم يشتد تدليسه في الصيغة فيقول: شافهني فلان، وقد يقول: حدثني، ومعلوم أن التحديث إنما هو فيما يسمع من لفظ الشيخ مثل السماع، ويريد بذلك أنه حدثه بالإجازة، يعني حدثه أذن له بالرواية تحديثاً، قال له: ارو عني، فهو سمع منه هذا الإذن الإجمالي، وهذا تدليس؛ لأنه يوقع في لبس، كأن الذي يتبادر إلى ذهن السامع أن هذا الراوي روى عن هذا الشيخ بطريق السماع من لفظه، وهو في الحقيقة إنما سمع منه لفظ الإجازة الإذن الإجمالي، كأنه سمع الكتاب الذي يحتاج إلي وقت طويل أو الكتب التي أجازه بها مما يحتاج إلى سنين قراءة أو سماع من لفظ الشيخ، سمع منه، أذنت لك أن تروي عني الكتب الستة(10/19)
مثلاً، أذنت لك، هو سمعه يأذن له، وقد يقول: كتب لي فلان، ويذكر حديث من الأحاديث ويُظن أنه يرويه عنه بطريق المكاتبة، وهو إنما كتب له الإذن الإجمالي، يكتب الطالب الاستدعاء للشيخ ويقول: أرجو أن تجيزني بكذا وكذا، أو بالكتب الستة، أو بمروياتك، ثم يكتب له: أذنت لك وأجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، ثم في كل حديث يقول: كتب لي، الكتابة طريق من طرق التحمل المعتمد، يروي بها الأئمة من عهد الصحابة إلى شيوخ الأئمة، فالمكاتبة بين الصحابة موجودة، حديث في الصحيحين بطريق المكاتبة، والكتابة من الصحابي إلى التابعي كذلك موجودة، ومن تابع التابعي إلى من بعده موجودة، إلى أن يقول البخاري مثلاً: كتب إليّ محمد بن بشار هذه متصلة، بينما الإجازة ضعيفة، أنكرها جمع من أهل العلم، وبعضهم جعلها من صنوف الكذب، وقال: إن من قال لغيره: أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمعه مني فكأنه قال: أجزت لك أن تكذب عليّ، فبعضهم يدلس يقول: كتب لي، ويُظن أن كتب له بهذا الحديث بعينه، وهو إنما كتب له الإذن الإجمالي بالرواية سطر واحد، أجزت لك أن تروي عني جميع مروياتي، سطر واحد، ففي آخر الزمن صاروا يستصعبون أن يقولوا: أجازني فلان أو أخبرني إجازة، أو فيما أجازني به يصرح بطريق التحمل، والتدليس عند كثير من الناس له نشوة،
يعني وإن كان على ما سيأتي -قريباً إن شاء الله- بحثه، والدوافع الحاملة عليه، ومتى يذم؟ نعم يأتي لكنه له نشوة في نفوس الناس أن يدلس، يعني بعض الناس ما يمتنع عنده أن يقول: حدثني فلان بقرطبة، أو بالحمراء، أو بكذا، حتى يظن الظان أنه سافر، وجاب الأقطار، أو بالقدس، أو بكذا، وهو يريد الأحياء الموجودة في بلده، وهذا تدليس بلدان، وموجود حدث به، فإذ قال: "عن" يعني أدنى من التدليس الذي يُسقط فيه راوٍ ضعيف، أو يظن فيه أنه رحل إلى الأقطار، يستعمل "عن"، وهذه تحتمل أن تكون الرواية بالسماع، أو بالقراءة بالعرض، أو بالمناولة، أو بالإجازة، وبغيرها من طرق التحمل، هي لفظ محتمل على ما سيأتي في التدليس، أن التدليس لا يكون تدليساً إلا إذا كانت الصيغة محتملة:
وكثر استعمال عن في ذا الزمن ... إجازة. . . . . . . . .(10/20)
يعني فيما يروى بالإجازة "وهو بوصل ما قمن" يعني فيها شوب اتصال "قمَن" بفتح الميم، وقد .. ، بفتحها، وكسرها "قمِن" لكن هنا لتتم المقابلة بين الشطرين "زمَن" و"قمَن" يترجح الفتح، قمن يعني جدير، وحري، جدير، وحري أن يكون موصولاً، وإن كان مروياً بالإجازة؛ لأنها محمولة على الاتصال عندما احتيج إليها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو نقل الإجماع، وغيره نقل الإجماع –أيضاً-، الإجماع على القدر المشترك، الإجماع على القدر المشترك، وهو صحة السند المعنعن، ولو لم يثبت اللقاء، الإجماع على القدر المشترك، عند أهل العلم مسألة، يقولون: الأخذ بالأقل؛ هل هو إجماع، وإلا لا؟ أنت معي القدر المشترك أن هذا إجماع، يعني فيما فوقه من باب أولى يدخل فيه، إذا قلت مثلاً، أو شهدت بأن لزيد على عمرو ألف ريال، وجاء شخص واحد، وشهد بأن لزيد على عمرو سبع مائة ريال، وجاء ثالث، وشهد بأن لزيد على عمرو ألف وخمسمائة ريال، السبع مائة كلهم تشهدون بأن في ذمته سبع مائة، هذا إجماع على السبع مائة، لكن ما زاد عنها محل خلاف، وهل شرط البخاري لصحة الخبر عموماً، أو في صحيحه فقط؟ نعم؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، يعني هل إذا صح حديثاً في تاريخه، أو في الأدب المفرد، أو في غيره، أو سأل عن أحاديث خارج الصحيح أن هذا الشرط منطبق عليه؟ أو أنه مشى عليه في صحيح لشدة تحريه، وانتقائه في هذا الكتاب فقط؟ محل .. ، كلام طويل لأهل العلم، المقصود أن العلماء كلهم جروا من بعد الأئمة على تصحيح مجرد ثبوت المعاصرة، وإمكان اللقاء، وعملهم جار على هذا، ولا يمنع أن يكون مسلماً رأى أن هذا مجرد احتياط لا اشتراط، من البخاري مجرد احتياط، وليس باشتراط، مثل ما ذكرنا عن عمر -رضي الله عنه-، السند المعنعن عند البخاري محمول على الاتصال، محمول على الاتصال بشرطه أن يثبت اللقاء، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يحمل على الاتصال، كلهم محمول على الإتصال، السند المعنعن محمول، وكلٌ في شرطه الثاني التفصيل، أما كونه اتصالاً، اتصالاً.
يقول: ما دليل من - .. إيش؟ الخط ردي .. _ إلى البخاري، فقد ورد في صحيحه أحاديث على غير شرطه، كما ذكر مسلم أحاديث في صحيحة على غير شرطه؟(10/21)
يا الإخوان مسألة الشرط عند أهل العلم تعني أن واقع الكتاب هكذا، واقع الكتاب هذا هو، مثل ما نظرنا في تفصيل شروط الأئمة عند الحازمي، واقع الكتاب هكذا، أما كونه الشرط العرفي الاصطلاحي عند أهل العلم: وهو يلزم وجود من عدمه العدم، فلا يريدون هذا، بمعنى أننا لو وجدنا شرط البخاري موجوداً في سنن النسائي مثلاً؛ هل معنى هذا أن النسائي خرج عن شرطه، أو موجوداً في سنن أبي داوود، وهو موجود، لكن النظر إلى الحد الأدنى، النظر في ذلك إلى الحد الأدنى، قد ينزل الإنسان عن شرطه، قد ينزل عن شرطه؛ لماذا؟ وقد نزلوا، كل الأئمة نزلوا عن شروطهم على سبيل الانتقاء من مرويات هذا الراوي، فقد يكون هذا الراوي لم يتحقق فيه شرطه الأصلي، لكنه نزل، وانتقى من أحاديثه ما ووفق عليها، وغلب على الظن أنه ضبط، وأتقن، ووافقه الحفاظ عليها.
كيف نرد على الإجماع الذي نقله كل من الإمام مسلم، والحاكم، وابن عبد البر، والبيهقي؟
على إيش؟ الإجماع الذي:
وبعضهم حكى بذا إجماعا ... . . . . . . . . .
اللي في البيت الثاني؟ نقل الإجماع الحاكم، وابن عبد البر، وأيضاً- الخطيب، نقلوا الإجماع على صحة السند المعنعن بالشرطين: سلم من التدليس، واللقاء، قالوا: هذا متصل إجماعاً، متصل إجماعاً، بالشرطين الذين تقدما، على قوله:
وبعضهم حكى بذا إجماعا ... . . . . . . . . .
هؤلاء حكوا الإجماع، الثلاثة حكوا الإجماع، الخطيب، وابن عبد البر، والحاكم، حكوا الإجماع على أنه إذا كان السند المعنعن سلم راويه من التدليس، وعلم لقاؤه لمن روى عنه، أن هذا إجماع، مثل ما قلنا في الأخذ بالأقل، مثل ما قلنا في الأخذ بالأقل، وهنا الأخذ بالأشد، يعني هل مسلم ينازع فيما إذا ثبت اللقاء؟ لا ينازع، إذاً هو مع الأئمة، لكن الإشكال في من شرط طول الصحبة، ما يدخل في هذا الإجماع، وفي من شرط معرفة الراوي بالأخذ عنه، لا يدخل في هذا الإجماع، يعني من أراد أن ينازع في الإجماع؛ ينازع بهذين القولين، لا فيما نسب إلى الإمام البخاري.
يقول: لم ينسب هذان الشرطان، أو هاذين الشرطين –قال- إلا في القرن الخامس من قبل القاضي عياض، ولم ينسب له من قبل ..(10/22)
الإمام البخاري ما نص عليه، ما نص عليه، وشروط الأئمة متى كتبت؟ يعني كتبت في وقتهم، أو بعدهم بقرون بسبب الاستقراء، وهناك إشارات في تاريخ الإمام البخاري الكبير في تعليله لبعض الأحاديث بهذه الطريقة، بعدم ثبوت اللقاء، أما كون البخاري نص، أو لا بد أن ينص شخص لقي البخاري، وينقل عنه ما يلزم؛ لأن مسألة الشروط شروط الأئمة ما فهيم من صرح بشرطه، كلها مسألة استقراء، قد يلوح لأحدكم مثلاً؛ ينظر بدقة في هذين الكتابين، ويلوح له شرط يستنبطه من الكتاب ما ظهر لغيره، ويش المانع؟ في ما يمنع؟ ما في ما يمنع؛ لأن المسألة مسألة كتاب وجد، تلقته الأمة بالقبول، صار شرطه هذا، أو ما صار، شيء آخر، أما كونه ما صرح به البخاري، أو ما نقل عنه بالسند المتصل، أو ما نقله عن تلاميذه، أو تأخر استنباطه، أنا أقول في هذا العصر احتمال لو أن إنساناً بارعاً، وتفرغ للصحيحين أن يخرج منهما العجائب مما لم يطلع عليه القاضي عياض، ولا من قبل القاضي عياض، ما في ما يمنع؛ لأن هذه أمور استقرائية، أمور استقرائية تثبت بالتتبع، ما هي بالسند؛ لأننا نتفق أن الأئمة ما نصوا على شروطهم، إلا ما جاء في مقدمة مسلم، وما جاء في رسالة أبي داوود إلى أهل مكة، وما جاء في علل الجامع للترمذي، وما عدا ذلك ما في شروط، وإنما شروطهم تستنبط من كتبهم، ولذلك ما زالت محل نزاع، لكن هل هذا النزاع مؤثر على واقع الكتابين؟ لا أثر له على واقع الكتابين، مسألة عمل الناس، وتصحيحهم، وتضعيفهم، كون بعضهم يحتاط ولا يثبت إلا من ثبت له لقاؤه هذه مسألة، وكونه يجري على ما ذهب إليه مسلم، وقد عمل به الأئمة، هذه مسألة أخرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/23)
مثل ما ذكرت، بعضهم ذكر أن هذا شرطه للتصحيح جملة، ولا يصحح حديث إلا إذا ثبت له هذا، وتعليله بعض الأحاديث في تاريخه الكبير يدل عليه، والحافظ ابن كثير يرى أن هذا شرط له في صحيحه فقط، لا للصحة، لا لأصل الصحة، يعني حينما يزعم مثلاً البيهقي، أو ابن العربي، أو الكرماني الشارح مثلاً، أن شرط البخاري في صحيحه ألا يخرج إلا ما رواه عدد عن عدد، ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، ولا يخرج حديث واحد عن واحد، ويش مستندهم في هذا؟ هل نقول هذا استقراء؟ وأول حديث، وآخر حديث يرد هذه الدعوة، لكن هم رأوا من تشديد الإمام البخاري، من تشديد الإمام البخاري في قبول المرويات، وأنه لا يثبت حديثاً إلا بعد أن يصلي، وبعد أن يتحرى، وتثبت مع ما عنده من حفظ، ودقة نظر، قالوا شأنه فوق شأن الناس الذين يكتفون بالواحد، هذا مجرد ميل، واسترواح، وإلا فواقع الحديث يرد ذلك، ولو جاءنا من يقول: إن البخاري لا يخرج إلا حديث الثلاثة، ويستدل بجملة أحاديث من صحيحه؛ يرد عليه، اقرأ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف
واحكم لوصل ثقة في الأظهر ... وقيل: بل إرساله للأكثر
ونسب الأول للنظار ... أن صححوه وقضى البخاري
بوصل: ((لا نكاح إلا بولي)) ... مع كون من أرسله كالجبل
وقيل: الأكثر وقيل: الاحفظ ... ثم فما إرسال عدل يحفظ
يقدح في أهلية الواصل أو ... مسنده على الأصح ورأوا
أن الأصح الحكم للرفع ولو ... من واحد في ذا وذا كما حكوا
يقول الناظم -رحمه الله تعالى- في باب "تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف" سبق الكلام فيما يعتضد به المرسل، وهو أنه إن روي المرسل مسنداً إذا روي له شاهد مسند، أو مرسل آخر يرويه غير رجال المرسل الأول، فإنه يتقوى، وهذا إذا كانا حديثين، إذا كانا حديثين يتقوى أحدهما بالآخر، لكن إذا كان حديثاً واحداً يروى مرة مرسل، ومرة مسند؛ يتقوى، أو لا يتقوى؟ يتقوى إذا كانا حديثين، واحد مرسل، وواحد مسند، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/24)
حديث وحديث ثاني، لكن لو حديث واحد مرة يروى مرسل، ومرة يروى مسند، الذي تقدم فيما يعتضد به المرسل إذا وجد حديث آخر مسند، فهذا يتقوى به بلا إشكال، لكن إذا وجد حديث واحد يختلف رواته في وصله، وإرساله، أو في رفعه، أو وقفه، هذا محل الخلاف الذي معنا، يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
واحكم لوصل ثقة في الأظهر ... . . . . . . . . .
يعني إذا روي حديث مرسلاً، وروي موصولاً، تعارض فيه الوصل والإرسال؛ القول الأول أنه يحكم بوصله، إذا كان راويه الذي وصله ثقة، واحكم لوصل ثقة في الأظهر، وهذا الذي صححه الخطيب، وعزاه النووي للمحققين من أصحاب الحديث أنه يحكم بالوصل؛ لماذا؟ لأن من وصل معه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، يعني إذا قال في الخبر: فلان عن فلان عن فلان عن أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذا، وصله، وروي من طريق آخر ما فيه ذكر لأنس، فالقول الأول ذكر أنس هو الراجح؛ لأنه زيادة على من لم يصل، والزيادة من الثقة مقبولة، وهذا الذي قال فيه الإمام في القول الأول:
واحكم لوصل ثقة في الأظهر ... وقيل: بل إرساله للأكثر
يعني يحكم بإرساله، يحكم لإرساله، وقيل: بل احكم لإرساله للأكثر، يعني احكم للطريق الثاني الذي لم يذكر فيه أنس، وهذا عزاه الخطيب للأكثر، كما نقله الناظم -رحمه الله تعالى-؛ لماذا؟ قالوا: إن عندنا طريقين، طريق ذكر فيه أنس، وطريق لم يذكر فيه أنس، يعني في مثالنا الذي ذكرناه، فذكر أنس متفق عليه، أو مشكوك فيه؟ مشكوك فيه، فنقتصر على ما اتفق عليه من الرواة، ونترك المشكوك فيه، المشكوك فيه لا يذكر؛ لأن ثبوت أنس في السند أمر مشكوك فيه، بينما على القول الأول ثبوت أنس زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ويصرحون بذلك، كما سيأتي في زيادات الثقات، وأما على القول الثاني فأنس مشكوك في ذكره، في ثبوته، فيطرح المشكوك فيه، ويبقى الحكم للإرسال، وهذا هو القول الثاني.
ونسب الأول للنظار ... . . . . . . . . .(10/25)
"ونسب الأول" نسب ابن الصلاح القول الأول للنظار من الفقهاء، والأصوليين أن صححوه، واختاروه، واختاره من أئمة الحديث المتأخرين أبو الحسن ابن القطان، واختاره –أيضاً- ابن سيد الناس، وهو مرجح عند المتأخرين، أنه يحكم بالوصل؛ لأنها زيادة من ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، وسيأتي أن قول المتأخرين في قبول زيادات الثقات مضطرد، وسيأتي ترجيح أنه لا قول مضطرد في الزيادات على ما سيأتي، بل يحكم بالراجح، يحكم للراجح بأنه هو المحفوظ، ويحكم لما عداه بأنه شاذ، والحكم في مثل هذه المسائل للقرائن المرجحة.
ونسب الأول للنظار ... أن صححوه وقضى البخاري
قضى الإمام البخاري لوصل: ((لا نكاح إلا بولي))، الأمام البخاري قضى لوصل، وحكم بأن حديث: ((لا نكاح إلا بولي))، متصل:
. . . . . . . . . ... مع كون من أرسله كالجبل
شعبة وسفيان، شعبة وسفيان، هؤلاء أرسلوا الحديث كما في جامع الترمذي، ووصله جمع من الرواة، جمع من الرواة، فكأن البخاري جعل الكثرة في مقابل الحفظ عند شعبة وسفيان، والإمام الترمذي ذكر العلة في ترجيح غير شعبة وسفيان على شعبة وسفيان حينما خرج الحديث، فشعبة وسفيان رأيهما واحد، في مجلس واحد، فكأنه قول واحد، وهذه علل لا يدركها إلا مثل الترمذي، يعني علل دقيقة جداً، ينسب القول لشعبة وسيفان، وهما تلقياه عن شيخ واحد، في مجلس واحد، فكأنه قول واحد، ما هو بقول اثنين، لكن لو تعدد المجلس؛ صارا قولين، فهل يلاحظ من يصحح، ويرجح، ويحقق مثل هذه الدقائق، يعني الذين يخرجون الأحاديث يلاحظون مثل هذه الدقائق الموجودة عند الأئمة الكبار، يقول: "وقضى البخاري بوصل" حديث:
. . . . . . . . . ((لا نكاح إلا بولي)) ... مع كون من أرسله كالجبل(10/26)
وهل نستطيع أن نقول: إن الإمام البخاري يقول بالقول الأول، أنه يحكم لوصل الثقة؛ لأنه حكم بوصل: ((لا نكاح إلا بولي))، لو بحثنا وجدنا أن الإمام البخاري رجح الإرسال في مواطن كثيرة، ورجح –أحياناً- الوصل كما هنا، فلا يعني أن الإمام البخاري حينما حكم على حديث واحد، أو أحاديث بالوصل، أو بالإرسال أننا نقول: هذا رأي البخاري، ولا غير البخاري، الأئمة الكبار ليست لهم قاعدة مضطردة في هذا، بل ينظرون إلى كل حديث على حدة، فما ترجحه المرجحات، والقرائن يحكمون به، كثير ما يحكم أبو حاتم بالإرسال، والإمام البخاري بالوصل، أو العكس، وقل مثل هذا في ابن معين، وقل مثل هذا في الدارقطني، وغيرهم من الأئمة، يحكمون على الحديث بما يليق به بما ترجحه القرائن التي ترجح أحد الطرفين، إما الوصل، وإما الإرسال، هذان قولان متقابلان، القول الأول: ترجيح الوصل، والثاني: ترجيح الإرسال "وقيل" وهذا القول الثالث:
وقيل: الأكثر وقيل: الاحفظ ... . . . . . . . . .(10/27)
"وقيل الأكثر" يعني يرجح قول الأكثر، كما في حديث: ((لا نكاح إلا بولي))، الأكثر على وصله، وممن أرسله شعبة وسفيان، فرجح قول الأكثر، وهل نستطيع أن نقول: إن البخاري رجح قول الأكثر؟ لا، لا نستطيع أن نقول: الإمام البخاري رجح قول الأكثر لمجرد الكثرة؛ لأنه يقابله القول الرابع: "وقيل الأحفظ" فلا شك أن الكثرة سواء كانت في الأشخاص، أو في الأوصاف لها دور في الترجيح، لكن أحياناً راو واحد من الرواة يعدل عشرة من الرواة، فإن نظرنا إلى وصفه رجحناه، وإذا نظرنا إلى العدد، والعدد كما يقول الإمام الشافعي: أولى بالحفظ من الواحد، ولذا يختلف أهل العلم، تتباين أنظارهم في هذا، فقد يرجح إمام للكثرة، ويرجح بعضهم للحفظ "وقيل: الأكثر" وهذا نقله الحاكم في المدخل عن أئمة الحديث؛ لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد، والإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: العدد أولى بالحفظ من الواحد، العدد أولى بالحفظ من الواحد، يعني والسهو والغفلة يتطرق إلى الواحد أكثر من المجموع "وقيل الأحفظ" وثمة قول خامس ذكره السبكي، وهو تساويهما، تساوي الوصل والإرسال، والمسألة ومحل الخلاف فيما لم يظهر فيه ترجيح، بغير كثرة، وحفظ، وإتقان، يعني الوصل يرويه أكثر، والإرسال يرويه أحفظ، أو العكس، ولم نجد مرجحاً؛ نقول متساويان؛ لأن كثرة الأوصاف تساوي كثرة الأشخاص، والعبرة بالحفظ، والضبط، والإتقان، وإذا تضافر حفظ أكثر من شخص في مقابل شخص يفوق كل واحد منهم على انفراده؛ لا شك أن هذا يحتاج إلى مرجح، يحتاج إلى مرجح، والحق في هذه المسألة: مسالة التعارض على ما ظهر من استقراء صنيع الأئمة، صنيع الأئمة المتقدمين، كأحمد، والبخاري، وابن مهدي، والقطان أنهم لا يحكمون بحكم عام مضطرد، لا يحكمون بحكم عام مضطرد، حكم كلي، بل ذلك دائر مع القرائن، فالذي ترجحه القرائن يرجح، ومثل هذا الترجيح، ومثل هذا، إنما يخاطب به من تأهل، أما الطالب في بداية الطلب، وقد أوصيناه بأن يكثر من التخريج، والنظر في الأسانيد، ويحكم على الأحاديث، ويقارن أحكامه بأحكام الأئمة، ويعرض عمله على أصحاب الشأن، فإنه لابد بأن يتخذ قاعدةً مضطردةً، وإلا كيف يدرك، وهو ما يعرف القرائن، ولا يعرف مرجحات،(10/28)
لكن هذه القرائن، وهذه المرجحات ملكة تتولد عنده بعد الإكثار، وبعد المران، وبعد الدربة، أما في أول الأمر لا يستطيع أن يرجح بالقرائن، وتوجيه الطالب المبتدأ، ومن في حكم المبتدأ إلى أن يحاكي المتقدمين، ويرجح بالقرائن، ولا يحكم بحكم عام مضطرد؛ هذا تضييع له، هذا تضييع، وتوليد للجراءة على العلماء، وعلى السنة –أيضاً-، ففي أول الأمر الطالب يخرج، ويستخرج الأحاديث بطرقها، من مصادرها الأصلية، بأسانيدها، بألفاظها، ثم ينظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال من حيث الاتصال والانقطاع، ومن حيث القوة والضعف، ثم بعد ذلك يرجح على ضوء قواعد مضطردة عند أهل العلم المتأخرين التي قرروها في كتبهم، ثم بعد ذلك إذا تهيأ له، وتيسر أن يحكم على عشرات الأحاديث، ثم مئات الأحاديث بهذه الطريقة تتولد له الملكة، لا سميا إذا اعتنى بأحكام الأئمة، وعرض عمله على أهل الاختصاص، ثم إذا مشينا على القول الرابع، ورجحنا الأحفظ، إذا مشينا على القول الأخير "وقيل: الأحفظ ثم" بعد ذلك "فما إرسال عدل يحفظ" هذا الأحفظ الذي رجحنا روايته، سواء كانت متصلة، أو مرسلة، إذا رجحناه بالمقابل المرجوح؛ هل نقدح فيه، وفي مرويه؛ لأننا رجحنا غيره عليه؟ الآن وجدنا أحفظ، ورجحنا روايته على رواية غيره، الغير هذا الذي رجح الأحفظ عليه، المرجوح، هل هذا قادح فيه، وفي مرويه؟ لأننا رجحنا عليه، يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . ... ثم فما إرسال عدل يحفظ
يقدح في أهلية الواصل .... ... . . . . . . . . .
يعني في ضبطه، اللهم إلا إذا كثرت هذه المخالفة، إذا كثرت هذه المخالفة، يعني رجحنا مرة عليه؛ ما نقدح فيه، رجحنا مرتين؛ ما نقدح فيه، لكن إذا كان ديدنه مخالفة الثقات، كلما قارنا أحاديثه بأحاديث الثقات؛ رجحنا الثقات عليه، معناه أنه مرجوح، لا يحفظ، وعلى هذا يقدح في روايته؛ لأنه يخالف الثقات، ولا يوافقهم:
يقدح في أهلية الواصل أو ... . . . . . . . . .(10/29)
و"أو" هذه بمعنى الواو "أو" في "مسنده"، "أو" في "مسنده على الأصح" أو في مسنده على الأصح، فإن قيل: كيف نرد حديثه، ولا نقدح فيه؟ كيف نرد حديثه، ولا نقدح فيه؟ الجواب: أن الرد إنما هو ميل، واسترواح لا على سبيل القطع، لا على سبيل القطع، وإنما هو مجرد احتياط، يعني بان لنا، وظهر لنا من خلال قرائن، قد يوجد قرائن عند غيرنا؛ ترجح القول الآخر، نعم إنما هو لاحتياط، وعدم القدح فيه؛ لإمكان إصابته، بل قد يوجد ما يرجحه على ما رجحنا "على الأصح ورأوا" أي أهل الحديث "أن الأصح" كما قال ابن الصلاح "أن الأصح الحكم للرفع" لأن راويه مثبت، هذه المسألة الثانية، انتهينا من مسألة تعارض الوصل والإرسال، يعني طريق ذكر في الصحابي، وطريق ما ذكر فيه الصحابي، وذكرنا فيها الأقوال الخمسة، وعرفنا أنه لا يمكن أن يحكم بحكم عام مضطرد؛ لأن أحكام الأئمة لا تؤيد الاضطراد، الذين عليهم المعول، وهم أصحاب الشأن، مسألة تعارض الوقف مع الرفع، يقول: "ورأوا" أهل الحديث أن الأصح كما قال ابن الصلاح: "الحكم للرفع " يعني روي من طريق، ورد من طريق فيه: فلان عن فلان عن فلان عن أنس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وري من طريق آخر: فلان عن فلان عن أنس قال، ما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "رأوا" يعني أهل الحديث "أن الأصح الحكم للرفع" لماذا؟ لأن راويه مثبت، وغيره ساكت، يعني الذي روى الخبر بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصرح برفعه إليه، مثبت للرفع، والذي رواه من دون ذكر للنبي -عليه الصلاة والسلام- هل هو نافٍ للرفع، أو غير نافٍ، أو ساكت؟ ساكت، لو افترضنا أنه نافٍ، لو رواه عن أنس من قوله، وقال: لم يثبت مرفوعاً، والأول أثبت الرفع، قلنا: المثبت مقدم على النافي، فكيف يكون في حالة ما إذا كان الثاني ساكت؟ هاهم "رأوا أن الأصح الحكم للرفع" لأن راويه مثبت، وغيره ساكت "ولو" كان الاختلاف "من واحد" ولو كان الاختلاف من واحد، يعني مرة رواه مرفوعاً، ومرة رواه موقوفاً، ولو كان الاختلاف "من واحد في ذا" في الرفع "وذا" الوصل الذي تقدم، الذي تقدم، المسألة الأولى "كما حكوا" أي الجمهور، وصرح به ابن الصلاح، صرح ابن الصلاح بتصحيحه، وحمل(10/30)
الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- المرفوع على أنه رواية الراوي، والموقوف على أنه رأيه، واستنباطه، واجتهاده، فلا تعارض بينهما، هذا ما حمل عليه الشافعي مثل هذا الاختلاف، مسألة تعارض الإرسال مع الوصل، ومسألة الرفع والوقف، حينما ذكر في المسألة الأولى أربعة أقوال، ولم يسق الأقوال في المسألة الثانية، ألا يمكن أن يقول في تعارض الوقف مع الرفع من الخلاف، ويجرى فيه من الخلاف ما جرى في المسألة الأولى؟ يعني ما هي بنظير المسألة الأولى؟ نعم؟
طالب: تختلف.
كيف تختلف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ هو حديث، هذا حديث واحد؟
طالب: هذا يزيد، وذاك ينقص.
والوصل والإرسال؟ والرفع والوقف؟ لا يذكره.
طالب: لا، الذي يرفع يزيد على الوقف، يزيد على نفس الصحابي.
والذي يصل يزيد على من أرسل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لو دققت النظر ما وجدت فرقاً، المسألة في إثبات النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعدم إثباته في الوقف والرفع، المسالة الثانية في إثبات الصحابي، وعدم إثباته، ويش الفرق بينهما؟ يعني لو أجري الخلاف في الأربعة الأقوال في المسألتين؛ ما يظهر فيه فرق بين المسألتين، لا يظهر فرق في المسألتين؛ لأنه في المسالة الأولى الخلاف في ذكر الصحابي، وعدمه، المسألة الثانية الخلاف في ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعدمه، فما قيل في الأقوال السابقة ترد هنا، لمن قال: يحكم لوصل الثقة، يحكم لرفع من رفع؛ لأنها زيادة الثقة، مثل نضير ذلك، ومن قال: بل الإرسال للأكثر؛ لأن الزائد مشكوك فيه ذكر الصحابي، قال: لأن رفعه مشكوك فيه، وترجيح الأكثر، وترجيح الأحفظ وارد في الموضعين، ولذا يقول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . رأوا
أن الأصح الحكم للرفع ولو ... من واحد في ذا وذا. . . . . . . . .(10/31)
في الرفع، وفي الوصل، يعني في المسألتين "في ذا، وذا كما حكوا" أي الجمهور، وصرح به ابن الصلاح، ومحل الخلاف فيما إذا اتحد السند، على ما ذكرناه سابقاً، فيما إذا اتحد السند، أما إذا اختلف؛ فلا يقدح، فلا يقدح أحدهما في الآخر، إذا كان ثقةً جزماً، إذا كان ثقةً جزماً، وهو الذي يعتضد به المرسل الذي تقدم الكلام فيه، في المسألة الأخيرة حكى الخطيب عن أكثر أهل الحديث أن الحكم لمن وقف، هو ما يقول: إن الأصح الحكم للرفع؟ الخطيب البغدادي حكى عن أكثر أهل الحديث: إن الحكم لمن وقف، كما حكى، وعزا لأكثر أهل الحديث أن الحكم لمن أرسل، فاجتمع القولان على صفة واحدة، ونقلهما واحد في المسألتين، في مسألة الرفع والوقف ألا يمكن أن يحكم للأكثر؟ يعني إذا اتحدت الصفات، ثقة يعارضه أكثر من ثقة كلهم بمنزلة واحدة؛ نرجح الأكثر، وإلا لا؟ نرجح الأكثر، مجموعة من الرواة يعارضهم ثقة يعادلهم ويزيد عليهم في الحفظ، والضبط، والإتقان، ألا يمكن أن نرجحه؟ ممكن، إذاً الأقوال المتأتية في تعارض الوصل، والإرسال يمكن أن تأتي في تعارض الوقف مع الرفع.
هذا يقول: نتمنى أن يكون في الدورات المقبلة أن يكثف في شرح الألفية، فيكون درسان في اليوم مثلاً، وتقليل المشاركات مهم؛ لأنه فيه تأخيراً في إنهاء المقرر؟
على كل حال الدورات المقبلة -إن شاء الله تعالى- موضوعاتها التي تبحث في الألفية ما هي بمثل هذه الموضوعات التي في غاية الأهمية، وعليها معول العمل في هذا الفن، وأيضا مسالة تقليل المشاركات: لا بد منها، تقلل، لكن يبقى أصلها؛ لأنها مهمة، أحياناً تكشف لنا أموراً لابد منها.
واحد يستشكل تخريج الإمام مسلم لأبي الزبير عن جابر، يقول: ما دام يشترط انتفاء التدليس؛ فكيف يخرج بالعنعنة رواية أبي الزبير عن جابر، وهو مدلس؟
يستشكل هذا، وهو موضع إشكال، وقد بعض أهل العلم في رواية أبي الزبير عن جابر، ولو كانت في صحيح مسلم لكن الصواب على ما قرره أهل العلم أن معنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال، محمولة على الاتصال، وكثير منها جاء في كتب أخرى بالتحديث بالتصريح، لا سميا المتسخرجات التي سبق الحديث عنها.(10/32)
بعض الإخوان يكثر السؤال عن كتاب الإجماع على أن .. إيش؟ نعم إجماع المحدثين على إيش؟ معك هو؟ وريني إياه، نعم يقول: إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرَين؟
أعتقد أنني ما قرأت هذا الكتاب، لكن يبقى أن كل له رأيه، والأئمة كلهم تتابعوا على نقل رأي البخاري، وعلي بن المديني، كلهم تتابعوا على نقله، وهو معروف بشدة تحريه، واحتياطه، ولو لم نقل بذلك؛ لقلنا: إنه لا يوجد ما يميز البخاري عن غيره، لا يوجد ما يميز البخاري عن غيره، وأجبنا عن مسألة تشديد الإمام مسلم في الرد على من قال بهذا القول بجواب أظنه مقنع، فإن الإمام مسلم لا يرد على الإمام البخاري، وإنما يرد عل من يستغل هذا القول، وهذا الاحتياط في رد السنن، كما استغل المعتزلة احتياط عمر -رضي الله تعالى- عنه في رد السنة.
اللهم صلى، وسلم على عبدك ورسولك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قلتم: إن الشيخ الألباني عنده شيء من التساهل، وممكن توضيح .. هذا من ألمانيا؟
الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- كغيره من أهل العلم، كغيره من أهل العلم يؤخذ من قوله، وهو الغالب الكثير في أحكامه سواء كان على الرواة، أو على الأحاديث، وهو إمام من أئمة هذا الشأن، وأما كونه قد يصحح بمجموع الطرق ما يحكم بعض العلماء على ضعفه، فهذا موجود، هذا موجود، أو يحسن بطرق قد لا ترتقي إلى رتبة الحسن، هذا موجود، لكن لا يعني أن هذا يقدح في إمامته في هذا الشأن –أبداً-، كما رمي ابن حبان، ورمي الترمذي، ورمي ابن خزيمة، ورمي جمع من أهل العلم، وعلى كل حال التساهل، والتشدد أمور نسيبة، وهذا بالنسبة لما عنده من الإصابة قليل.
في حديث أبي موسى الأشعري: لو أعلم أنك تسمع يا رسول الله؛ لحبرته لك تحبيراً))، هل في هذا تجويز للرياء؟ أو ماذا؟ لأنه أشكل عليَّ تحسين الصوت لأجل القادم؟
هذا ليس برياء، ليس برياء؛ لأن أصل القراءة لله -جل وعلا-، أصل القراءة لله، وتحسين الصوت من أجل تنشيط السامع، تنشيط السامع، وإدخال السرور عليه بتلذذه بالقرآن؛ فكيف إذا كان إدخال السرور على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ليس من الرياء، من قريب، ولا بعيد.(10/33)
بعض العلماء يقول: إن العمل يحبط إذا أدخلت عليه نية دنيوية مع وجود النية الدينية الخالصة، ومثل ذلك من صلى للأجر، والراحة لا شيء له، ومن تصدق للأجر، والخلف لا شيء له؟(10/34)
استدل بقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [(15)، (16) سورة هود]، هذا من كان قصده الدنيا فقط، لا يريد بعمل الآخرة إلا الدنيا فقط، وأما من أراد الآخرة، ثم طرأ عليه شيء من أمور الدنيا، أو كان لحظ شيئاً من أمور الدنيا، لاسيما ما ورد في النصوص، لاسيما ما ورد في النصوص، شخص يعتمد الأذكار الواردة الثابتة، ويرجوا ثوابها من الله -جل وعلا-، ويرجوا مع ذلك ما رتب عليها في النصوص أنه يحفظ مثلاً، في نفسه، وفي أهله، وفي ماله، مثل هذا لا يؤثر في العبادة، ومثَّل –أيضاً- بمن صلى للأجر والراحة، من صلى للأجر والراحة، متى وصل إلى الحد الذي يرتاح فيه للصلاة؟ هذا الشخص متى وصل إلى هذا الحد؟ إلا بعد مجاهدة طويلة، ووصل إلى حد أن يقول: أرحنا بالصلاة، اللهم إلا إذا كان أجيراً عند أحد، وعمله شاق، فقد يقال: إنه يرتاح بالصلاة، يرتاح بالصلاة؛ لأن العمل المقابل الذي يتركه شاق، فالصلاة أريح منه، هنا يقال: إنه شرك، أما إذا كانت راحته في الصلاة، ويطلب هذه الراحة لا لأنه في خارج الصلاة في عمل شاق، ويريد أن يرتاح من هذا العمل الشاق، فإن هذه مرتبة عالية جداً، قل من يصل إليها، كما في حاله -عليه الصلاة والسلام-: ((أرحنا يا بلال بالصلاة))، وواقع كثير من المسلمين -إلى الله المشتكى- يقول لسان حالهم: أرحنا من الصلاة، نسأل الله السلامة، والعافية، ومن تصدق للأجر، والخُلف، الخُلف جاء في الحديث، ولو كانت إرادته مؤثرة في العمل؛ لما ذكر في النص، كما أن الترغيب في كثير من الأعمال بذكر جزائها من الجنة مثلاً، والترهيب بذكر عقابها في النار، يعني ملحظ العامل وهو يعمل أنه يريد بذلك ثواب الله، والجنة مثلاً، أو يريد بذلك النجاة من النار، هذا في الجملة قد يعد تشريكاً، لكنه ما ذكره الشارع إلا لأن إرادته لا تؤثر في العمل، والذي يخاف من النار هو في الحقيقة خائف من خالق النار، الذي يخاف من النار، لا(10/35)
يقال: إنه كيف يخاف من النار، ولا يخاف من الله؟ لا هو خائف من الله -جل وعلا-، وخوفه من النار؛ لأنها عقاب الله -جل وعلا- لمن عمل عملاً، ولذلك لوجد أن شخصاً ظالماً مثلاً، وبيده سيف، أو بيده عصا يضرب، الخوف من العصا، أو من الشخص الذي يضرب به؟ الخوف من الشخص، ولذا الخوف ممن يعذب بالنار، وهو الله -جل وعلا-، فلا يعد هذا تشريك، ثم قال: واستدل بحديث الرجل الذي أتى الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فقال: الرجل يغزوا في سبيل الله يلتمس الأجر والذكر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا شيء له))، أما من يلتمس بذلك الذكر؛ ليقال شجاع، فهذا أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، كالذي يطلب العلم؛ ليقال: عالم، هذا -نسأل الله السلامة والعافية- هذا جزاؤه، ولا يعني أنه يخلد فيها، لا يعني هذا، أما كونه يلتمس الأجر، والغنيمة، يلتمس الأجر، والغنيمة، وهذا تشريك، فإن قتل حصل له -كم جاء في بعض الروايات- نصف أجره، وإن حصل له شيء من الغنيمة تعجل –أيضاً- نصف الأجر، وفي الحديث: ((تكفل الله لمن خرج في سبيل الله أن يرجعه بما نال من أجر، أو غنيمة))، الواو هذه تجعل الغنيمة قسيماً للأجر، يعني إما أجر فقط، أو غنيمة فقط، ولا يمكن الجمع بينهما، مع أن كثيراً من أهل العلم من يرى أن "أو" هنا بمعنى الواو.
وهذا –أيضاً- نظير السؤال الأول من ألمانيا، وكأن السؤال قريب من بعض: قلتم: إن الشيخ يتساهل، ممكن توضيح .. ، وهنا يقول: في ردك على بعض الأسلة الخاصة في تضعيف، وتصحيح الشيخ الألباني قلتم: إن الشيخ -رحمه الله رحمة واسعة- يأخذ بقواعد المتأخرين، ويرقي بعض الأحاديث بمجموع طرقه، وإن كان بعضها لا يصلح للترقية، وحسب تطلعي لكتب الشيخ البسيطة رأيت في مقدمة كتاب تمام المنة، طبعة دار الراية، يقول الشيخ القاعدة العاشرة: تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه؟ السؤال: ممكن توضيح كيف رميَ الشيخ بالتساهل، وهو مخالف للسيوطي كثيراً في كتاب صحيح الجامع، يستدرك الشيخ في تساهله .. ؟
نعم السيوطي أشد تساهلاً، السيوطي أشد تساهلاً، وأحمد شاكر أشد تساهلاً، فلا يمنع أن الشيخ يرد على السيوطي، ويرد على أحمد شاكر.(10/36)
هذا يسأل يقول: ما رأيكم في الدكتور حمزة المليباري، الذي رد عليه الشيخ ربيع، وذلك في تهجمه على صحيح مسلم، ورده لبعض الأحاديث مستدلاً باستدراك الدارقطني؟
على كل حال التطاول على الصحيحين لا شك أنه يفتح باب شر عظيم، وسواء كان من الدكتور حمزة، أو من غيره، التطاول على الصحيحين يفتح باب شر مستطير لا يمكن سده، ومعلوم أن من أهل العلم المتقدمين، الأئمة الفحول الكبار استدرك على الصحيحين، واستثنيت هذه الأحرف اليسيرة التي استدركها أمثال الدارقطني، استثنيت مما يفيد القطع من مرويات الشيخين، وعلى كال حال المسألة معروفة عند أهل العلم، والإصابة في الغالب مع الشيخين، سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته:
التدليس
تدليس الاسناد كمن يسقِط من ... حدثه ويرتقي بـ (عن) و (أن)
وقال: يوهم اتصالاً واختلف ... في أهله فالرد مطلقاً ثُقِف
والأكثرون قبلوا ما صرحا ... ثقاتهم بوصله وصححا
وفي الصحيح عدة كـ الاعمش ... وكـ هشيم بعده وفتش
وذمه شعبة ذو الرسوخ ... ودونه التدليس للشيوخ
أن يصف الشيخ بما لا يعرف ... به وذا بمقصد يختلف
فشره للضعف واستصغار ... وكـ الخطيب يوهم استكثارا(10/37)
شرح ألفية الحافظ العراقي (11)
تابع التدليس - الشاذ - المنكر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فشره للضعف واستصغارا ... وكالخطيب يوهم استكثارا
والشافعي أثبته بمرة ... قلت: وشرها أخو التسوية
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
التدليس: التدليس مأخوذ من الدَلَس، بالتحريك وهو اختلاط الظلام، والغلس والدلس متقاربان في المعنى والوزن، اختلاط الظلام؛ كأن الراوي لتغطيته بمن أسقطه إذا أسقط من إسناد الحديث أو غيَّر في اسم الشيخ الذي اشتهر به إلى ما لم يشتهر به كأنه غطى أمره على الواقف عليه، فأظلم، فصار دلساً؛ ظلمة مختلطة، لا يستطاع التمييز فيها.
والتدليس من أنواع السقط الخفي، من أنواع السقط الخفي الذي لا يتنبه له كثير من المتعلمين، بخلاف السقط الظاهر الذي تقدم الكلام فيه من التعليق والإرسال والانقطاع والإعضال يدرك بالمواليد والوفيات، سهل، لكن التدليس والإرسال الخفي أمره أشد، لا يعرفه إلا من كانت لديه خبرة، ومعرفة، ودربة، واطلاع على الرواة وطبقاتهم وشيوخهم والآخذين عنهم، وإمكان لقاء بعضهم لبعض، وعدم إمكانه، والتدليس خلط بعضهم كابن الصلاح ومن دار في فلكه بينه وبين الإرسال الخفي.
وللتمييز بين النوعين، للتمييز بينهما لابد أن نعرف أحوال الراوي مع من روى عنه، لا بد أن ننتبه لهذا، وإلا لن يتميز لنا التدليس من الإرسال الخفي؛ يعني إذا روى أبو هريرة مثلاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسمعه منه بصيغة موهمة؛ هذا تدليس وإلا إرسال؟ إرسال، ولم يصف أحد أبا هريرة بالتدليس.
المخضرمون الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لم يتمكنوا من لقاءه، ولا السماع منه، إذا رووا عنه بصيغة موهمة؛ تدليس وإلا إرسال؟ إرسال خفي.(11/1)
إذن لا بد من معرفة حال الراوي مع من روى عنه، حال الراوي مع من روى عنه لا تخلو من أربع صور، إذا وجدت في إسناد فلان عن فلان فلا يخلو إما أن يكون الراوي قد سمع من هذا الشيخ، أو يكون لقيه ولم يثبت سماعه، الحال الأولى والصورة الأولى أن يثبت سماع الراوي لمن روى عنه، والحال الثانية أن يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه ولو لم يثبت سماعه منه، الحال الثالثة: أن تثبت المعاصرة، تثبت المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، الحال الرابعة: أن تنتفي المعاصرة، أن تنتفي المعاصرة، فإذا روى الراوي عن شيخ سمع منه أحاديث، روى عنه ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة؛ فهذا تدليس اتفاقاً، إذا روى الراوي عن من سمع منه أحاديث، لكن ما سمع منه هذا الحديث بصيغة موهمة كـ"عن"، و"أن"، و"قال" هذا تدليس اتفاقاً.
إذا روى الراوي عمن لقيه، إذا روى الراوي عمن لقيه، ما لم يروه عنه؛ ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة، والصيغ الموهمة "عن" و"أنَّ" و"قال"، هي التي تحتمل الاتصال والانقطاع.(11/2)
إذا روى عمن لقيه، ما لم يروه عنه، ما لم يسمعه منه بصيغة موهمة فهذه تدليس –أيضاً-، هذا تدليس –أيضاً-، وعليه الجماهير، الحال الثالثة: إذا روى الراوي عمن عاصره، ثبتت المعاصرة، لكن لم يثبت اللقاء، روى عن هذا الشخص الذي عاصره ولم يسمع منه، إذا كان لم يلقه فمن باب أولى لم يسمع منه، فإذا روى عنه بصيغة موهمة فالإرسال الخفي، وعدها ابن الصلاح، ومن تبعه من التدليس، وحكاها ابن عبد البر في مقدمة التمهيد عن بعضهم، وإذا قلنا بأن هذه الصورة من التدليس؛ قلنا: لم يسلم من التدليس أحد، لم يسلم من التدليس أحد، ولا بعض الصحابة، ممن أكثر روايتهم عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالواسطة الذي تقدم ذكرهم في مراسيل الصحابة، الصورة الرابعة: أن يروي الراوي عن من لم يعاصره؛ يعني إذا حثنا في كتب التراجم، ووجدنا هذا الراوي ولد سنة مائة، ومن روى عنه مات سنة مائة، أو مائة وواحد، أو مائة واثنين، أو تسعة وتسعين، أو قبل ذلك "بصيغة موهمة" فهذا انقطاع ظاهر؛ إرسال ظاهر، وليس بإرسال خفي، قال ابن عبد البر عن بعضهم: أنه شذ، وسماه تدليساً، وسمى هذه الصورة تدليساً؛ لماذا؟ لإيهام الصيغة؛ لمجرد أن الصيغة موهمة بهذا الحصر نستطيع أن نفرق بين الأنواع، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ الآن بان لنا الفرق بين التدليس، والإرسال الخفي، والإرسال الظاهر الذي هو الانقطاع؟ بهذه الطريقة يبين، والأحوال الأربعة كلها حجة من يرى أنها كلها تدليس بما في ذلك مع عدم المعاصرة أن الصيغة موهمة، الصيغة محتملة للسماع وغيره، لكن إذا احتملت الصيغة، ولم يحتمل السن؛ هل نقول بأن هذا تدليس؟ أبداً؛ لأن التدليس من الاختلاط، من اختلاط الظلام، فإذا روى الراوي عمن لم يدركه؛ هذا ما فيه اختلاط، هذا معروف بالتواريخ، بالمواليد والوفيات معروف، إذا عرفنا هذا، وأن الصورة الأولى، والثانية تدليس، والثالثة إرسال خفي، والرابعة انقطاع ظاهر، نأتي إلى كلام الناظم -رحمه الله تعالى-:
تدليس الإسناد كمن يسقط من ... حدثه ويرتقي بأن وعن(11/3)
تدليس الإسناد؛ ما الفائدة من التقييد بتدليس الإسناد؟ يعني الناظم تبع ابن الصلاح فجعل تدليس الإسناد قسم، وقسيمه تدليس الشيوخ، تدليس الشيوخ، الشيوخ أليسوا من الإسناد؟ فكيف يكون تدليس الشيوخ في مقابل، وقسيم لتدليس الإسناد؟ لكنه واقع في الإسناد، على كل حال في النوعين، وفي القسمين تدليس، وهما واقعان في الإسناد، فما الداعي لتقسيم هذا النوع إلى قسمين: إسناد، وشيوخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأسباب التي تحمل على التدليس سيأتي متعددة، ويشترك فيها تدليس الإسقاط، وتدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، أنواع التدليس سواءٌ قلنا تدليس الإسناد الذي فيه الإسقاط، أو تدليس العطف، أو تدليس القطع، أو تدليس التسوية، أو تدليس الشيوخ؛ كلها واقعة في الإسناد، فلماذا جعلت هذه الأنواع قسيمة لتدليس الإسناد؟ كلها واقعة في الإسناد، لو قيل مثلاً: تدليس الإسقاط، تدليس الإسقاط، وتدليس العطف، وتدليس القطع؛ لأنها ليس فيها إسقاط، فيها زيادة، وتدليس الإبهام، الذي هو تدليس الشيوخ عندهم، واضح، وإلا ما هو بواضح؟ وأما كون الأول تدليس إسناد، والبقية ليست تدليس إسناد كلها في الإسناد، أليس تدليس الإسقاط في الإسناد؟ تدليس العطف يذكر شيخاً، ويعطف عليه شيخاًً غير مسموع له؛ في الإسناد، وإلا في غير الإسناد؟ في الإسناد، تدليس القطع يذكر شيخاً ثم يسكت، أو يذكر شيخاً بدون صيغة، فهذا في الإسناد، تدليس الشيوخ؛ يسمي شيخه بما لا يعرف به؛ في الإسناد، وإلا في المتن؟ في الإسناد، تدليس التسوية؛ يسقط ضعيفاً بين ثقتين؛ في الإسناد، وإلا في غير الإسناد؟ في الإسناد.(11/4)
نحن استشكلنا فيما سبق تقسيم الانقطاع إلى أربعة أقسام، فذكرنا منها المعلق، وذكرنا منها المنقطع، وذكرنا منها المرسل، وذكرنا منها المعضل، وهي كلها انقطاع، وكل واحد منها يسمى إسناد منقطع، يعني غير متصل، وهذا قلنا: إنهم سموا هذه التسميات من أجل أن يخصوا كل نوع باسمه الخاص، وإلا فالأصل أن الانقطاع يشمل الجميع، ضد الاتصال، وكلها غير متصلة، ونظيره ما عندنا، هم أرادوا أن يسموا كل نوع باسمه الخاص، وإلا فكلها في الإسناد، ولكن منها ما فيه إسقاط، ومنها ما لا إسقاط فيه، فيه إبهام وإيهام، وتلبيس.
على كل حال هم جروا على هذا قالوا: التدليس قسمان: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ، ويأتي أنه أكثر من هذه الأقسام؛ لأن فيه –أيضاً- تدليس البلدان، تدليس البلدان، وفيه –أيضاً- تدليس المتن، تدليس المتن، وهو المدرج؛ يعني لما يضيف الراوي جملة في المتن المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير نسبة إليه، هذا تدليس، سماه بعضهم تدليساً، تدليس المتن، تدليس البلدان؛ حينما يقول الراوي: حدثني فلان بقرطبة، وحدثني فلان بما وراء النهر، حدثني فلان بالقدس، وهو يريد أحياء في بلده، ما سافر، ولا راح ولا جاء، يوهم أنه رحل من أجل طلب الحديث؛ هذا تدليس.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
تدليس الإسناد كمن يسقط من ... حدثه ويرتقي بعن وأن(11/5)
بتسكين النون وإلا فالأصل وأنَّ، والسند المؤنن الذي مضى الحديث فيه ما يقول فيه الراوي أن فلاناً إلى آخره، هذا تدليس الإسناد يسقط من حدثه، ويرتقي إلى شيخ شيخه بعن وأن، ويكون مع ذلك قد ثبت له لقاء من ارتقى إليه، وإلا إذا لم يثبت لقاءه له، يؤثر وإلا ما يؤثر؟ يؤثر في الإسناد لكن ما يكون تدليساً، فإن عاصره فهو الإرسال الخفي، وإن لم تثبت المعاصرة فالانقطاع الظاهر، أما هذا القسم لا يسمى تدليساً إلا إذا ثبت اللقاء، ومن باب أولى إذا ثبت السماع، ويرتقي بعن وأن وقال؛ لأن هذه حكمها واحد محمول على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم أن لا يكون الراوي موصوفاً بالتدليس، وقال: "يوهم اتصالاً" يوهم اتصالاً، يوهم السامع أن السند متصلاً، زيد لقي عمراً، لكن بينهما في هذا الحديث على وجه الخصوص بكر، يأتي زيد ويسقط بكراً، فيرتقي إلى عمرو، بصيغة موهمة ومحتملة، وقد لقي زيد عمراً، فمثل هذا يسمى تدليس، ارتقى لمن فوق شيخه بصيغة موهمة، واللقاء ثابت، ومن باب أولى إذا ثبت السماع، فهذا تدليس اتفاقاً، هذا إذا ثبت السماع، أما إذا كان مجرد لقاء، ولم يثبت السماع فهو عند الجماهير تدليس، وقال: "يوهم اتصالاً واختُلف" واختلف في حكم أهله؛ هل هم عدول لا يؤثر فيهم هذا النوع؟ أو أنهم مضعفون بسبب هذا التدليس؟ وهل ما يروونه مقبول أو مردود؟ "واختلف في أهله، فالرد مطلقاً" الرد مطلقاً كل من ثبت عنه التدليس فهو مردود؛ صرح وإلا ما صرح قليل التدليس، كثير التدليس، مطلقاً مردود فالرد مطلقاً سواءً بين السماع أو لا، وسواءٌ كان تدليسه كثيراً أو نادراً "فالرد مطلقاً ثُقِف" ثقف يعني وجد؛ حيث ثقفتموهم، يعني حيث وجدتموهم، سواءً بين السماع أو لا، وسواءٌ كان تدليسه قليلاً أو كثيراً، وسواءٌ كان لا يدلس إلا عن ثقة أو يدلس عن كل أحد؛ لأن أصل التدليس جرح، أصل التدليس جرح، والقول الثاني يقابله القبول مطلقاً، القبول مطلقاً، ولا يجرح هذا في الراوي المدلس؛ لأن غاية ما في التدليس أنه كالإرسال، غاية ما فيه أنه كالإرسال، والأكثرون وهذا القول الثالث: "والأكثرون قبلوا ما صرحا" ألف الإطلاق "ثقاتهم بوصله وصححا" الأكثرون القول الثالث فرقوا بين(11/6)
ما فيه تصريح بالسماع أو التحديث، وبين ما فيه عنعنة، أو أنأنة، أو قول، يعني ما روي بصيغة موهمة هذا يرد حتى يتبين سماعه بطرق أخرى، وما صرح فيه بالتحديث بالوصل هذا مقبول:
والأكثرون قبلوا ما صرحا ... ثقاتهم بوصله وصححا
يعني من قبل الخطيب وابن الصلاح، صححوا هذا القول الثالث، والقول الرابع التفصيل: فمن كان لا يدلس إلا عن ثقة قبل، وإلا فلا، الرابع التفصيل: فمن كان لا يدلس إلا عن ثقة قبل وإلا فلا، والخامس: إن كان تدليسه نادراً قبل وإلا فلا، ولا شك أن من الأئمة من احتمل تدليسه، احتمل الأئمة تدليسه، من احتمل الأئمة تدليسه كيحي بن سعيد القطان، تدليسه نادر جداً، منهم من لا يدلس إلا عن ثقة كسفيان بن عيينة، هذا احتمل الأئمة تدليس؛ لأن طبقات المدلسين عند الحافظ ابن حجر في كتابه: "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" خمس، الطبقة الأولى: من لم يعرف تدليسه، أو من لم يوصف به إلا نادراً كالقطان مثلاً، وهذا احتمل الأئمة تدليسه، يقبلون كل ما جاء عنه، أو احتمل الأئمة تدليسه لقلة تدليسه بجانب إمامته، وأيضاً لا يدلس إلا عن ثقة كسفيان، وهذا احتمل الأئمة تدليسه، فلا يقال: لا يقبل حتى يصرح، الطبقة الثالثة: من أكثر من التدليس عن الثقات وغيرهم مع كونه ثقة، فمثل هذا هو الذي يتوقف فيه، فلا يقبل منه إلا ما صرح، وهذا كثير:
وفي الصحيح عدة كالأعمش ... وكهشيم بعده وفتش
مثل هؤلاء لا يقبل تدليسهم إلا إذا صرحوا، لكن تدليسهم وعنعناتهم في الصحيحين مقبولة عند أهل العلم، يعني أبو الزبير عن جابر مثلاً مدلس، وإذا دلس في غير الصحيح لا يقبل حتى يصرح؛ لأن ما جاء في الصحيح في صحيح مسلم فهذا مقبول بدون تردد؛ لأن عنعنات المدلسين في الصحيحين مقبولة، إحساناً للظن بالشيخين، ولتحريهما، وإمامتهما، وتلقي الأمة للكتابين بالقبول، ولأنها فتشت ووجد كثير منها مصرح به، أمور كثيرة تحتف بقبول تدليساتهم، الحاصل أن هؤلاء المدلسين فيهم خمسة أقوال، وطبقاتهم خمس، عرفنا الطبقة الأولى والثانية والثالثة، الرابعة: من جرح بغير التدليس، فهذا لا يقبل ولو صرح، الرابعة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(11/7)
الخامسة نعم، الخامسة، ها من يحفظ؟ من أكثر من التدليس، وهو مجروح بغيره، وإذا وقف على تدليسه سمى غير ثقة، الرابع يدلس عن الثقات وغير الثقات، لكن هذا لا يدلس إلا عن ضعفاء، فمثل هؤلاء لا يقبلون، ولو صرحوا "وصححا" يعني صححه الخطيب، وابن الصلاح.
عرفنا تدليس الإسناد وهو أن يروي الحديث عن شيخ، ويرويه الشيخ عن شيخ ثان، ويكون الراوي الأول قد لقي الراوي الثاني، ما هو بشيخه، لقي شيخ شيخه، فيسقط شيخه، ويرتقي إليه بعن، واللقاء موجود، والواقف على الإسناد يقول: ما فيه إشكال، لا سيما إذا كان ليس لديه خبرة، فمثل هذا تدليس إسقاط، تدليس إسناد.
تدليس العطف، تدليس العطف، يقول: حدثني فلان وفلان، حدثني زيد وعمرو عن فلان، يأتي بشيخه الحقيقي سمع منه، زيد سمع منه، ثم يعطف عليه شيخاً لم يسمع منه، ويضمر في نفسه: حدثني فلان وفلان غير مسموعٍ لي، أو فلان لم يحدثني، هذا تدليس عطف، ومنه تدليس القطع، فلا يأتي بصيغة، أو يأتي بصيغة ويسكت، ثم يأتي بالاسم، إما أن يأتي بالاسم بغير صيغة فيقول: زيد عن فلان، عن فلان، لا يأتي بصيغة، أو يقول: حدثني، ويسكت ثم يقول: فلان عن فلان، هذا قطع، وليس من هذا النوع صنيع الإمام النسائي، الحارث بن مسكين، بدون صيغة، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع، يعني صرح أنه سمع، لكنه أسقط الصيغة؛ ما قال: أخبرنا، كما هي عادته، وجادته في غيره من الشيوخ؛ لماذا؟ لماذا يذكره بغير صيغة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/8)
النسائي -رحمه الله- كان يهتم بمظهره كثيراً، ويتهم بالغنى والثراء بسبب هذا، والحارث بن مسكين إمام محدث ثقة، لكنه يأخذ على التحديث أجرة، لما جاء النسائي لحلقة الحارث بن مسكين طلب منه أجرة، وقد يكون طلب منه أجرة زائدة، فما رضي النسائي، فاختفى وراء سارية، وصار يسمع الحديث، ولا يدفع أجرة، فلكونه لم يقصد بالتحديث، هو ما قصد؛ لأنه طرد من الدرس، فلكونه لم يقصد بالتحديث حذف الصيغة؛ لئلا يخبر بغير الواقع، لو قال: أخبرنا، وكثير من أهل العلم يستروح أن أخبرنا وحدثنا إذا كان مقصوداً، مع أن الأكثر لا يشترط القصد، بدليل أنه تكثر الجموع في مجالس الشيوخ، ويحدثون، وكل منهم يصرح بقوله: حدثنا، ولو لم يكن مقصوداً، ولا عُرف، ولا علم به الشيخ أصلاً، لكن لما كان النسائي من الورع بمكان حذف الصيغة، ولكون الحارث بن مسكين ثقة عند الإمام النسائي، ولا يستطيع أن يفوت حديثه، ولو وقعت له من غير طريقه، لم يهدر الرواية عنه، وإلا بعض الناس لو حصل له أدنى مشكلة من الشيخ ما وقف عليه، أدنى إشكال، لو لم تكن مشكلة، بس الشيخ ما احتفى به؛ تجد الطالب يهجر الدرس، فضلاً عن كون الشيخ إما أن يتكلم عليه، أو يأتي بكلمة يضحك منها بعض الحاضرين، ولو لم تكن مقصودة للشيخ، بعض الطلاب ما يتحمل هذا، ولا يصبرون، مع أن من أدب الطلب كما نص على ذلك أهل العلم أن يصبر الطالب على جفاء الشيخ، هذا إذا قدر أن هذا جفاء، وبعض المشايخ يعمد إلى مثل هذه الأساليب لتأديب الطلاب، لتأديب الطلاب، وشيخ من الشيوخ حلقته عامرة، لكن طريقته في القراءة كل واحد يقرأ بكتاب، يعني يقرأ عليه يمكن بعشرين كتاب في الدرس، الدرس يطول بعد صلاة الصبح ويطول، فلاحظ على واحد من الطلاب وهو حديث عهد بزواج، بعرس أنه يقول: الدرس يمتد من صلاة الصبح ثلاث ساعات فيصلي في المسجد الذي بجوار بيته، ما يصلي مع الشيخ، ويأتي بعد ربع ساعة مثلاً ويجلس في الحلقة الطلبة كلهم يحضرون الصلاة مع الشيخ، كل الذين يقرءون يحضرون مع الشيخ، وهذا يتأخر، ويراه الشيخ إذا جاء وجلس، في أول يوم عادي، خلاه الشيخ يقرأ، لما وصله الدور قرأ، في اليوم الثاني قرأ، في اليوم الثالث لما وصله الدور قام الشيخ(11/9)
وتركه، فصار يبادر، هذا أسلوب يربي به الشيخ هذا الطالب الذي فاته من قراءة أربعة كتب أو ثلاثة، ما هي المسألة عبث، ودروس الشيوخ كثير ممن أدركناهم بهذه الطريقة، إفادة الطلاب من سماع القراءات؛ لأن الشيخ يبي يشرح ثلاثين كتاب في حلقة، وفي درس واحد، أو عشرين كتاب تقرأ عليه، أو حتى عشرة كتب، أو خمسة كتب، لكن طريقتهم تقرأ هذه الكتب ويعلق عليها بتعليق خفيف ويصحح اللفظ، ويعدل اللحن وما أشبه ذلك، ويستفيد الحضور فائدة كبيرة، فهذا الذي يتأخر يفوته مثلاً ثلاثة كتب، الشيخ يريد أن يربي الطلاب، إيش معنى أن الشيخ جاء قبل أذان الصبح والطلاب كلهم توافروا في المسجد قبل إقامة الصلاة، وأنت لوحدك تجي؟ ولو كنت قريب عهد بعرس، والشيخ يعرف ذلك؛ لكن العلم لا يعدل به شيئاً.
الآن طلابنا -مع الأسف- أن كثير منهم يأتي وكأنه يدفع دفعاً، وبعضهم هداه الله يترك الكتاب في المسجد، ولا يعرف الكتاب إلا في الدرس، مثل هذا ينص أهل العلم على أنه قل أن يفلح، المسألة تحتاج إلى جد، هو الذي جرنا إلى هذا أن على الطالب أن يصبر على جفاء شيخه، ما هو مخاطب بهذا، وإلا ويش معناه؟ إن لم يصبر الطالب على الشيخ، والمريض على الطبيب، متى يشفى هذا؟ ومتى يتعلم هذا؟ كما جاء في النظم، -أيضاً- بالمقابل الشيخ عليه أن يرحب بطلابه، وقد جاءت الوصية النبوية بهذا، وأن يعاملهم معاملة حسنة، وأن يعدل ببينهم، وإن كان بعد –أيضاً- المطلوب أن ينزل الناس منازلهم، ولو خص بعض الطلاب لمزيد فهم بفائدة لا يدركها من دونه في الفهم لا بأس، وإن كرر من أجل طالب بطيء الفهم، ولو تأذى بذلك سريع الفهم لا بأس، المقصود أنه يسدد ويقارب والطالب يتحمل، الطالب في هذه الأزمان لا يتحمل، لو أثني على أحد الطلاب صار في نفس بعض الطلاب، لو أن الشيخ التفت، أو ناقش أو استمع لواحد، ولم يستمع للثاني، صار في نفسه، فمثل هذه الأمور ينبغي أن تعالج؛ لأنها من أمراض القلوب، وهي بسببها حصل نفرة كثير من طلاب العلم، وعزوفهم عن العلم بهذه الطريقة، لكن على الطالب أن يتحمل، وعلى الشيخ –أيضاً- أن يعدل بقدر الإمكان، وأن يسدد ويقارب ويعامل كل إنسان بما يليق به.(11/10)
وفي الصحيح للبخاري ومسلم عدة من الرواة المدلسين كالأعمش، سليمان بن مهران الأعمش؛ الإمام السيد الجليل، وكهشيم بن بشير الواسطي، وكلاهما من رواة الصحيح، كلهم وصفوا بالتدليس، ودلسوا، وهشيم اجتمع أصحابه، وتعاهدوا أن لا يأخذوا عنه شيئاً يدلس فيه، ففطن لذلك -رحمه الله- فطن لذلك، فصار يقول لهم: حدثني الحكم ومغيرة، وهذا من تدليس العطف، لما انتهى من الأحاديث الذي يريد إملائها عليهم، قال: هل دلست لكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: كل ما حدثتكم عن مغيرة فليس بمسموع لي، استعمل فيه تدليس العطف، التدليس موجود عند أئمة كبار، عند أئمة كالسفيانين مثلاً، ويوجد فيهم شيء من هذا، وإن لم يكن كثيراً، ويكون تدليسهم عن ثقات، لكن مع ذلك أهل العلم يرون أن غاية ما في التدليس أنه كالإرسال، وإن كان الإرسال أمره سهل، والتدليس فيه تلبيس على السامع، وتوعير لطريق معرفة المحذوف، فهو أشد منه، لكن وقوعه من هؤلاء الأئمة لا شك إما أن تتعرض للطعن في هؤلاء، أو تهون من شأن التدليس ما في شيء ثالث، لكن لا يظن بهؤلاء الأئمة أن الحامل لهم على التدليس ما سيأتي من شر أنواع التدليس.
فشره للضعف واستصغارا ... وكالخطيب يوهم استكثارا
.. إلى آخره.
وقد يحمل على التفنن في العبارة، وقد يكون للاختبار أحياناً، قد يكون هشيم -مثلا ًفي مثل هذه القصة- أراد أن يختبر الطلاب، المقصود أن لهم أسباب وأهداف تحملهم على ذلك، ووجد من أئمة، فيحتمل منهم "وكهشيم بعده وفتش" فتش إذا كان هذا في الصحيحين فتش في الكتب الأخرى، تجد من ذلك الشيء الكثير "وذمه" هذا حكم التدليس، "وذمه شعبة ذو الرسوخ" جماعة من أهل الحديث لا يرون بالتدليس بأساً، لا يرون به بأساً، ولعلهم الذين يفعلونه، هم من العلماء، فإذا كانوا يفعلونه فيليق بهم أن لا يروا به بأساً؛ لأنه لو رأوا به بأساً ما فعلوه؛ لأنهم أورع من أن يقدموا على محرم يعلمون تحريمه.(11/11)
"وذمه شعبة ذو الرسوخ" وذمه –أيضاً- ابن المبارك، وأبو أسامة، حماد بن أسامة، وجمع من أهل العلم، وكلام شعبة شديد، التدليس أخو الكذب، لأن يدلس أشد من أن يزني، المقصود فيه كلام شديد لشعبة -رحمه الله- "وذمه شعبة ذو الرسوخ في الحفظ والإتقان "ودونه" دون التدليس؛ تدليس الإسناد الذي فيه الإسقاط، دونه التدليس للشيوخ "ودونه التدليس للشيوخ" والتدليس للشيوخ "أن يصف الشيخ بما لا يُعرف" يعني بما لا يشتهر به، بما لا يعرف يشتهر به، "وذا بمقصد يختلف" هذا يختلف باختلاف المقاصد، فهناك المقاصد الحسنة، وهناك المقاصد المباحة، وهناك المقاصد المذمومة، من المقاصد الحسنة أن الراوي المدلس الذي دلس اسم شيخه، ولم يوضحه للسامع؛ لئلا يعرفه السامع، لماذا؟ لأن الشيخ في نظر المحدث ثقة، وإما من أئمة المسلمين، لكن بينه وبين السامع شيء منافسة، إما اختلاف في مذهب عقدي، أو فرعي، والحديث مما تمس الحاجة إليه، فإذا سماه باسمه الواضح يُرد الحديث، وذكرنا في مناسبات أن الأحاديث أو الكتب أو النقول قد تروج بالحذف، ويمدح فاعلها، يمدح فاعل هذا الحذف، فمثلاً شرح الطحاوية مملوء من النقول عن شيخ الإسلام، وابن القيم، وما صرح باسم شيخ الإسلام، ولا ابن القيم؛ لأنه وجد في عصر تتلف فيه كتب شيخ الإسلام، وابن القيم، ولو صرح باسمهما ما راج الكتاب، والكتاب نفعه عظيم، فمن أجل المصلحة الكبرى تجاوز مرحلة عدم الإفصاح باسمهما، وقد يكون الأمر بالعكس يروج الكتاب بذكر شخص، أو بذكر قد لا يرتضيه، لكن يروج الكتاب باسمه، أو بذكر مذهب، لولا الترويج ما ذكر هذا المذهب، كترويج الكتب بذكر المذاهب التي هي في الأصل فيها بدعة، لكن مع ذلك لم تخرج عن دائرة الإسلام، فإذا نظرنا مثلاً في نيل الأوطار، أو في سبل السلام، وفي غيرهما مذهب الهادي والناصر وفلان، وفلان من الزيدية، والزيدية مبتدعة، فلو ترك النقل عن هذه المذاهب، وهما في بلد غالب سكانه من الزيدية، من الهادوية ما راج الكتاب، فهذا يمدح من هذه الحيثية، لكن لا يمكن الترويج بالباطل، الترويج بالباطل غير مقبول أصلاً، الفيروز أبادي لما شرح البخاري نقل أودع في شرحه الفتوحات والفصوص، وغيرها من مؤلفات ابن عربي(11/12)
المشتملة على القول الباطل "وحدة الوجود" على شان إيش؟ على شان يروج الكتاب، ومقالة ابن عربي سادت في اليمن في وقت الفيروز آبادي، لكن هل هذا مبرر ليروج الكتاب؟ يروج ببدعة عظمى مكفرة -نسأل الله السلامة والعافية- أبداً، لا يروج الكتاب، ومن نعم الله -جل وعلا- أن الأرضة أكلت الكتاب من أول ورقة إلى آخر ورقة حتى الجلود ما وجدت، وهذه نعمة؛ نعمة على المؤلف قبل غيره، نعمة على المؤلف؛ يعني عليه وزورها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فكونه يتلف في وقته نعمة له، المقصود أن المقاصد تختلف، يقول: "فشره للضعف واستصغارا" الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حصل بينه خلاف وبين الذهلي، بينه وبين الذهلي خلاف في مسألة اللفظ بالقرآن، واشتد النزاع بينهما، والذهلي إمام من أئمة المسلمين، حافظ من كبار الحفاظ، لا يمكن أن يتجاهل في الرواية، لا بد أن يروي عنه البخاري، وعنده أحاديث قد لا توجد عند غيره، فلإمامته روى عنه البخاري، وخشية أن يظن البخاري يوافقه في قوله، لم يسمه باسمه الصريح، ما قال ولا في موضع: حدثني محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي، يحيى ما ذكرها أصلاً، فإما أن يقول: حدثني محمد بن عبد الله، أو محمد بن خالد، ينسبه إلى جده، أو إلى جد أبيه، ولذا قالوا عن البخاري في الخلاصة وغيرها: روى له البخاري ويدلسه، التدليس سببه إيش؟ الباعث على هذا التدليس حسن وإلا مذموم؟ أولاً: المدلس ثقة، إمام من أئمة المسلمين، فلا أثر له، هذا تدليس شيوخ، لا يمكن أن يعرف إلا من خلال الطرق الأخرى، والبخاري لم يسمه ولا في طريق واحد، وعلى كل حال صنيع البخاري القصد منه حسن، فمثل هذا لا يسمى تدليساً.
ولعلي أذكر فأحضر قصة ما حصل بين البخاري والذهلي في درس الحائية؛ لأن لها ارتباط بالحائية، لعلي أذكر.(11/13)
وذا بمقصد يختلف "فشره للضعف" فشر أنواع تدليس الشيوخ ما كان الباعث عليه ضعف المروي عنه، ضعف المروي عنه، فيسقط لأنه ضعيف، وفي هذا غش للقارئ، غش لمن يطلع على هذا الحديث "واستصغاراً" واستصغاراً يعني الشيخ أصغر من التلميذ، فالشيخ يأنف أن يقول: حدثني فلان وهو أصغر منه، وهذا موجود في النفوس، موجود في نفوس البشر؛ إلا النفس التي روضت على ما جاء عن الله وعن رسوله، روضت على سلامة القلب، روضت على الأخذ من الكبار والصغار والأقران، ولا ينبل الرجل حتى يأخذ عمن هو فوقه ودونه ومثله، فإذا أخذ عمن دونه واستصغره يحذفه "فشره للضعف واستصغارا" وقد يكون للخوف من عدم أخذه، وانتشاره مع الاحتياج إليه، أو يكون مثلاً لعدم الاتهام بالموافقة على الرأي المخالف كما فعل البخاري "وكالخطيب يوهم استكثاراً" الآن الخطيب الذي روى عن الجمع الغفير من الشيوخ هو بحاجة إلى الاستكثار، يروي عن جموع غفيرة من الشيوخ، الخطيب البغدادي هل هو بحاجة للاستكثار؟ "وكالخطيب يوهم استكثاراً" يعني من الشيوخ، فشيخ واحد يروي عنه على خمسة أوجه، وعلى أربعة أوجه، وعلى ثلاثة أوجه، حدثني الحسن بن محمد الخلال، حدثني الحسن بن أبي طالب، حدثني أبو محمد الخلال، حدثني أبو محمد بن أبي طالب، إلى آخره، يقلب الشيخ الواحد على أوجه، فالناظر قصير النظر يظن هؤلاء خمسة شيوخ، فشيوخه الذين يبلغون الألف بهذه الطريقة يمكن يبلغون ثلاثة آلاف؛ فهل هذا مقصد للخطيب يوهم استكثاراً، أو نقول: يريد أن يتفنن في العبارة، لا سيما في الشيوخ الذين يكثر النقل عنهم، فبدلاً من أن ينقل عن الحسن بن محمد الخلال بهذا الاسم الثلاثي في مائة موضع من كتاب واحد، يمل السامع، فيريد أن يتفنن في العبارة، ويقلب الاسم، والرجل ثقة حيثما كان، وعلى هذا لا يقال أن الخطيب يستكثر بل شيوخه كثر لا يحتاج إلى كثرة، فلعله يريد أن يتفنن في العبارة بحيث لا يمل السامع، يوجد الاستكثار عند بعض الباحثين، فتجده مثلاً يرجع إلى مائة كتاب في بحث مكون من خمسمائة صفحة إلى مائة كتاب، لكن الكتب مرة تذكر باسمها المشهور، ومرة باسمها غير المشهور، مثلاً يقول: تفسير الطبري، في موضع، وفي موضع الجيم يقول: جامع(11/14)
البيان، وفي موضع يقول يسميه باسم آخر، وقل مثل هذا في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيره، مرة باسمه، ومرة بفنه، ومرة بمؤلفه، يقلبه على أنه واحد، فتكون المائة المصدر ثلاثمائة مصدر؛ للاستكثار، هذا مذموم، وهذا قدح في الإخلاص، هذا استكثار، ومرة يكرر تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر، تفسير الطبري طبعة بولاق، تفسير الطبري تحقيق التركي، ويجعل من الكتاب خمسة كتب، ويرقم كل كتاب لتطلع بالنهاية خمسمائة كتاب، ولا يكتفي بالإحالة نعم، يضع تفسير الطبري يضع عليه علامة إحالة على اسمه، جامع البيان، وأما التحقيق فيسرد إذا احتاج إلى أن يرجع إلى أكثر من طبعة، أما إذا لم يحتج إلى أكثر من طبعة، فإنه يوحد الطبعة لئلا يضيع القارئ.
"وكالخطيب يوهم استكثاراً"، "والشافعي" الإمام "أثبته بمرة" أثبت أصل التدليس، يعني أثبت وصف التدليس للراوي الذي دلس مرة واحدة، نقول: هذا مدلس، مادام دلس مرة واحدة فهو مدلس، كما أن الكذب وصف يثبت بمرة؛ يعني إذا كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة؛ يسمى كذاب، ويرد حديثه جملة، والمدلس إذا دلس مرة واحدة عند الإمام الشافعي؛ يترك حديثه، ولو مرة واحدة.
"قلت: وشرها" قال الحافظ العراقي: وشرها؛ يعني شر أنواع التدليس، شر أنواع التدليس "أخو التسوية"، أخو التسوية، يعني صاحب التسوية، ويريد بذلك تدليس التسوية؛ ما معنى تدليس التسوية؟(11/15)
تدليس التسوية أن يأتي الراوي يتجاوز شيخه، ما يكون شيخه؛ لأنه لو كان شيخه دخل في الأنواع السابقة، المسقط ما هو بشيخ الراوي المدلس، يرتقي إلى شيخ شيخه، أو إلى شيخ شيخ شيخه، في الطبقة الثالثة أو الرابعة، فيجد راوياً ضعيفاً بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، فيسقط هذا الضعيف، فيسقط هذا الضعيف، يأتي إلى ضعيف بين ثقتين، والثقتان لقي أحدهما الآخر، بحيث لو سقط هذا الضعيف، وبحثت في الكتب؛ متصل؛ لأنه لقي أحدهما الآخر، على شرط البخاري، على شرط التشديد، ثبت اللقاء، لكن هذا الثقة لم يروه عن هذا الثقة إلا بواسطة هذا الضعيف، هذا شر أنواع التدليس لماذا؟ لأنه وعر المسلك، لا يمكن أن يطلع عليه، نعم وقد يكون الشيخ الذي روى عن هذا الضعيف لم يوصف بتدليس، وتنظر إلى الإسناد الضعيف الذي أسقط الذي يروي عنه ليس بمدلس، ويرتقي إلى شيخ ثقة ليس بمدلس بعن، فإذاً العنعنة محمولة على الاتصال هذا ما دلس، ولا يشترط فيه أن يصرح بالسماع؛ متى نطلع على أن هذا دلس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالطرق، لكن كيف نفرق بين هذا، وبين المزيد في متصل الأسانيد، أنه مرة يرويه عن الضعيف، ومرة يرويه عن الثقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أحياناً يروي بواسطة عن الشيخ، ثم بعد ذلك يتيسر له لقاء الشيخ مباشرة، فيرويه بغير واسطة، وهذا كثير، فإذا صرح بالتحديث في الموضع الذي سقط فيه الراوي؛ قلنا: مزيد في متصل الأسانيد، أما إذا كانت العبارة محتملة بعن، فنقول: إنه .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم أن يكون تدليساً، يكون مرة رواه عنه مباشرة، ومرة رواه بالواسطة فيرويه على الوجهين.(11/16)
تدليس التسوية هذا ليس منه أن يروي الثقة عن شخصين، عن راويين، أحدهما ثقة، والآخر ضعيف، فيسقط الضعيف، ويقتصر على الثقة، الإمام البخاري روى حديث: ((إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفضه بصنفة إزاره)) من طريق مالك، وعبد الله بن عمر العمري المعروف بسوء الحفظ، اقتصر على مالك، يلام مالك يقال: أسقط ضعيف؟ يلام مالك؛ لأنه أسقط ضعيف؟ السند متصل من طريق مالك، يلام الإمام البخاري؛ لأنه أسقط العمري المكبر الضعيف؟ فلا يلام؛ لأن الحديث متصل بدونه، والقدر الزائد على الاتصال بالثقات ما له داعي، والعمري ليس من شرطه، فليس هذا من تدليس التسوية، إنما التدليس إسقاط من يحتاج إليه في السند، وهذا لا حاجة إليه، طيب.
نعرف تدليس التسوية إما بإخبار المدلس، أحياناً يخبر أنه أسقط، وإما بجزم النقاد على أنه لا يمكن أن يثبت هذا الحديث، وليس من حديث فلان عن فلان مباشرة، والنقاد لهم شفوف في اكتشاف مثل هذه الأمور؛ تحقيقاً لما وعد الله به من حفظ هذا الدين، المقصود أنه يعرف مثل هذا، وإلا من يتصور أن شخص في مثل هذا الظرف بيطلع عليه، فالشيخ ما عرف بتدليس؛ ثقة يروي عن ثقة بصيغة موهمة وبعدين؟ محمولة على الاتصال عند أهل العلم، لكن هل يشترط إذا وجد في الإسناد من عرف بتدليس التسوية مثل بقية بن الوليد والوليد بن مسلم، هل يشترط أن يكون مصرح بصيغة التحديث في الإسناد كله؛ لأنه ما من راويين إلا ويحتمل أنه أسقط بينهما واحد؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن متى نعرف أنه ما دلس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أن ما له إلا هذا الطريق،(11/17)
والرواة كلهم ثقات، وفيهم من يدلس تدليس تسوية، هل نقول: يشترط فيه أن يصرح بالسماع بالتحديث في جميع طبقات الإسناد؟ لأنه ما من طبقتين إلا ويحتمل أن هذا المدلس بقية بن الوليد، أو الوليد بن مسلم أنه أسقط واحداً من الاثنين، ما يشترط أن يكون شيخه في تدليس التسوية، ولو اشترط هذا ما بعد، لو اشترط هذا ما بعد، أبو الحسن بن القطان هو أول من سمى هذا النوع تدليس التسوية، فقال: سواه فلان، وكان القدماء من الأئمة يسمونه: تجويد، فيقولون: جوده فلان، جوده فلان، إيش معنى جوده؟ ذكر فيه الأجواد، اقتصر فيه على ذكر الأجواد، وحذف الأدنياء، الضعاف، فيقولون: جوده فلان، وابن القطان يقول: تسوية، سواه فلان، وينبعث من هذا سؤال: هل نقول: إن المصطلحات استقرت، فلا يزاد فيها؟ أو نقول: إن للمتأخر أن يسمي بعض الأنواع باسم لم يسبق إليه؟ ابن القطان سماه، واعتمده العلماء، سماه تدليس التسوية، أول من سماه، وهو متأخر ابن القطان، ابن القطان الفاسي، متأخر، وهو إمام، يعني قوله معتبر، لكن هل له أن يسميه باسم لا يعرف به عند المتقدمين، مجرد تسمية، وإلا الحقيقة واحدة، يعني نظير ذلك عندنا المجهول، المجهول مجهول عين، وهو من عرفت ذاته، عرف اسمه، واسم أبيه، وبلده، ولقبه لكنه مقل في الرواية، ما روى عنه إلا واحد، هذا سموه في الاصطلاح مجهول عين، هناك مجهول حال، عرف اسمه، واسم أبيه، ونسبته، وكنيته، وبلده، وروى عنه أكثر من واحد، لكنه ما يعرف بجرح، ولا تعديل، هذا قالوا: مجهول حال، أنا أقول: أشد من جهالة مجهول العين، ومجهول الحال المبهم مثلاً، المبهم مجهول، أو المهمل الذي لا يستطاع الوصول إليه، لم يستطع الوصول إليه، وسميته أنا مجهول الذات، هل ألام على هذه التسمية، بمعنى أني جئت باصطلاح جديد، لكن ما غيرت من الواقع شيئاً، كما أن ابن القطان جاء باسم جديد لهذا النوع من أنواع التدليس، الواقع ما تغير منه شيء، ونص على أن هذا مبهم فيما يعرفه به أهل العلم، والأمثلة هي الأمثلة، وقلت مثلاً: هو أشد من جهالة العين، وجهالة الحال، فحري به أن يسمى مجهول الذات، ماشي؟ وإلا ما هو بماشي؟ نعم؟
طالب: ما فيه إشكال.(11/18)
ما فيه إشكال، أنا أقول: مثل الاصطلاحات التي يقرر أهل العلم أنه لا مشاحة في الاصطلاح، فمثل هذا الذي لا يغير من الواقع شيئاً، أما لو ترتب عليه تغيير من الواقع، وسميته باسم يقتضي قبوله مثلاً، فلا شك أن مثل هذا الاصطلاح يشاحح فيه، ما صرحوا بهذا لكنهم شددوا في قبول الأسانيد التي يوجد فيها من يدلس تدليس تسوية، صاروا على حذر من أن يكون قد أسقط أحداً في أي طبقة من طبقات الإسناد، ومن باب التحري أن لو اشترط أن يصرح في كل طبقة من طبقات الإسناد بالتحديث لما بُعد، طيب إذا صرح الراوي بالتحديث؛ فلا يخلو إما أن يكون أسقط، أو لم يسقط، إن لم يسقط انتهى الإشكال، وهذا الأصل في الثقات، لكن إن كان أسقط، هو الآن التدليس يشترط فيه أن يكون بصيغة محتملة بـ"عن"، و"أن"، و"قال" هذا دلس، وأسقط، وقال: حدثنا، هذا كذب، هذا كذب بلا شك، لكن احتمل العلماء من قول الحسن: حدثنا أبو هريرة، وقوله: خطبنا عتبة بن غزوان، إمام من أئمة المسلمين، تبي بعد تقول: كذب الحسن، مشكلة؛ لأن مثل هذه الأمور ينظر فيها إلى القول، وينظر فيها إلى القائل، يعني إذا نظرنا إلى القول لا نهدر القائل، لا بد أن يكون متأولاً، يعني خطب أهل بلده، وهو فيها، أو خطب أهل بلده مثلاً، وأشرنا سابقاً إلى أن هناك ما يسمى بمدرج المتن، وهو الإيش؟ تدليس المتن، تدليس المتن، وهو المدرج، تدليس يعني يضيف الراوي سواءٌ كان الصحابي، أو من دون الصحابي جملةً في الحديث من غير تمييز، من غير فصل بينها، وبين المرفوع، هذا نوع من أنواع التدليس، وحصل من الصحابة فمن دونهم، لكن هذا يعرف بجمع الطرق، وبتصريح الراوي، فقد يصرح أحياناً، وقد لا يصرح أحياناً، فهو لا يخفى على الأئمة -إن شاء الله تعالى-.
بقي شيء من مباحث التدليس؟ لأنه مهم جداً، مبحث التدليس في غاية الأهمية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صرح هو، أو في جميع الإسناد؟ ما يكفي، ما يكفي أن يصرح؛ لأنه احتمال أن يكون أسقط طبقة فوقه بطبقتين مثلاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/19)
ما لم يوجد التصريح في جميع الطبقات، ويكونوا ثقات، وأيضاً إن لم يوجد هذا التصريح يوجد هذا المسقط في طرق أخرى، ويكون ممن يقبله أهل العلم، وإلا فضعيف؛ لأنه شر أنواع التدليس.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من أن يصرحوا، لا بد أن يصرح المكثر من التدليس، حتى أبو الزبير عن جابر لا بد أن يصرح في غير الصحيحين، في غير مسلم.
طالب: ولو عرف .. ؟
ولو عرف؛ ما لم .. ، هذا عامة أهل العلم على هذا، أنه لا بد أن يصرح، مادام عرف بالتدليس، فما المانع أن يسقط؟ يعني قبولنا للمدلسين في الصحيحين لا شك أنه من باب أن الصحيحين تلقتهما الأمة بالقبول لشدة تحري الإمامين، وما يحتف بهما مما يوجب القبول.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي، والعجمي فقال: ((اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح؛ يتعجلونه، ولا تأجلونه))، يقول: صححه الألباني في السلسلة برقم مائتين وتسعة وخمسين؛ هل في هذا دليل على أن الأداء في القرآن ليس بواجب، وما شرح الحديث؟(11/20)
أما بالنسبة لأول الأمر، فالأمر كذلك، القرآن نزل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي صحابته الكبير، والصغير، وفيهم من القبائل متعددة اللغات، وكل قبيلة تؤدي على ما يسهل عليها، ولذا جاء قراءة القرآن على سبعة أحرف؛ للتوسعة على الناس، السبعة الأحرف ليست هي القراءات السبع التي هي باقية إلى الآن؛ لا، السبعة الأحرف يختلف بعضها عن بعض في الحروف في الشكل، وبعضها في المعنى؛ هلم، أقبل، تعال، ففيه توسعة على الناس؛ لأن فيهم مثل ما سبق الكبير، والصغير، الكبير لا يطاوعه لسانه، الآن لو أن شخصاً أراد أن يقرأ القرآن، وهو عامي لا يقرأ، ولا يكتب، وعمره سبعون سنة، هل يطاوعه لسانه مثل ما يطاوع الصغير لسانه؟ لا يمكن، شخص شرع في حفظ القرآن، وترك ذلك من أجل كلمة يرددها عليه المقرئ، ولا يستطيع أن ينطقها كما هي: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى} [(6) سورة العلق]، ينطقها ليطقى، المقرئ يقول: ليطغى، يقول: ليطقى، ما في فائدة، وأيس، وترك القراءة، فلوحظ هذا في أول الأمر؛ لأنه ليس هناك تفريط، يعني ما فرط الكبير إلى أن كبر، فعجز، لا، القرآن نزل عليه وهو كبير، فيلاحظ أما الذي يفرط، ويضيع العمر، والفرص، ثم بعد ذلك يلتفت وهو كبير، مثل هذا يلزم، المقصود أن الأحرف السبعة تحتمل مثل هذا، وفيها توسعة، ثم لما حصل ما حصل من الاختلاف الذي كاد أن يهلك الناس بسببه؛ جمع عثمان -رضي الله تعالى عنه- المصاحف على قراءة واحدة، وهي التي ثبتت في العرضة الأخيرة، وعليها القراءات السبع، أو العشر المتواترة، وفي آخر الأمر، واستقرار الأمر، وفي العرضة الأخيرة لا يرد مثل هذا الكلام: ((كل حسن))، في قصة عمر مع هشام بن حكيم ما يدل على شيء من هذا، قال له: اقرأ، كان يقرأ على غير القراءة التي يقرأها عمر، فعمر -رضي الله تعالى عنه، وأرضاه- ما يحتمل مثل هذا الاختلاف، ما يتحمل، فأخذه بردائه، وأتى به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخبره بما حصل، فقال: ((أرسله))، ثم قال له: ((اقرأ))، فقرأ، قال: ((هكذا أنزل))، ثم قال لعمر: ((اقرأ))، فقرأ، فقال: ((هكذا أنزل))؛ لأنه في أول الأمر فيه سعة، والأحرف سبعة، لكن السبعة التي أنزل بها القرآن في أول الأمر(11/21)
فيها توسعة، ثم لما ذلت الألسنة، والألسنة أخذت على القرآن، صاروا يستطيعون أن يقيموا الحروف مع اختلاف يسير بين لهجات القبائل مما تحتمله صورة الكلمة؛ بقي هذا الأمر الذي هو أصل القراءات السبع.
فمثل هذا الحديث يقال: إنه في أول الأمر: ((اقرءوا فكل حسن)).
يقول: هل في هذا دليل على أن الأداء في القرآن ليس بواجب؟
التوسعة فيما تحتمله الكلمة هذا تقتضيه القراءات المتواترة، أما ما لا تحتمله صورة الكلمة، ورسم المصحف الذي أجمع عليه الصحابة، وأرسله عثمان إلى الأمصار، فهذا لا تجوز القراءة به، إذا كانت خارجة عن هذه المصاحف الأربعة التي بعث بها عثمان إلى الأمصار، في هذه المصاحف شيء من الاختلاف، شيء من الاختلاف اليسير الذي قالوا: يحتمل مثل: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [(100) سورة التوبة]، و: {مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [(25) سورة البقرة]، قالوا: إن المصاحف الثلاثة: تحتها الأنهار، وفي المصحف الشامي: من تحتها الأنهار، وإلا في مثل هذا الاختلاف لا يحتمله الرسم، ولولا وجود مثل هذا الحرف لقلنا: إن المصاحف العثمانية واحدة، والعلماء -كما سمعنا سابقاً- يقررون أن القراءة، وأن الصلاة لا تصح بقراءة خارجة عن مصحف عثمان؛ لأن الصحابة أجمعوا عليها، ولا يمكن أن يجمعوا على شيء إلا وقد اعتمدوا فيه على نص، اعتمدوا فيه على نص عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولعل ما أجمعوا عليه هو ما ثبت في العرضة الأخيرة، في السنة الأخيرة من عمره -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .(11/22)
لا، لا الإمام إذا ارتج عليه، وعجز أن يأتي بالآية على وجهها، وهو إمام يصلي بالناس في الصلاة؛ يركع، يركع لا يبدل كلام الله، لا يبدل كلام الله، ولو كانت آية قريبة منها، أو آية مشابهة لها، تختلف عنها بحروف يسيرة، إذا ارتج عليه، ولا يجزم بأن هذه الآية الموجودة في هذا الموضع هي التي يقرأها لا يجوز له ذلك، بل عليه أن يركع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- شرع في القراءة، ثم أخذته سعلة فركع، إذا عجز عن القراءة يركع، ولا يبدل آية بآية، أو مقطع بمقطع، يعني كأن يقرأ في سورة المؤمنون مثلاً، ثم ارتج عليه، وعجز أن يأتي ينتقل إلى سورة أخرى، يعني بعد أن أخذ منها شيئاً، أما إذا كان في أول السورة مثلاً، وأراد أن يضرب عن قراءة هذه السورة، وينتقل إلى غيرها؛ لأنه عجز عنها، هذه محل نظر.
طالب:. . . . . . . . .
يرجع، يرجع فيصحح، يرجع فيصحح ما لم يطل الفصل.
في مسجد معمور بالمصلين في التراويح، أو في صلاة التهجد في آخر الليل، في واحد من المشايخ له كلمة في المسجد، فتكلم هذا الشيخ عن قصة موسى مع ابنتي صاحب مدين، والإمام يقرأ في أواخر القرآن، يعني السورة في القصص، وأظنه في ذلك اليوم يقرأ في يس، أو الصافات، فهذا الذي تكلم عن القصة، فقال: ليت إمامنا وفقه الله قرأ القصة من القرآن في الصلاة ليسمعها المصلون، ويتدبروها، ويتأملوا ما فيها، فشرع الإمام في الصلاة بعد الكلمة فقرأ القصة من سورة القصص، ثم انتقل إلى سورة يس، استجابة لرغبة الشيخ، يعني قرأ القصة فقط، ما قرأ من أول السورة، ولا من آخرها، قرأ القصة فقط، ثم انتقل إلى ما وقف إليه، مثل هذا فيه إشكال، وإلا ما فيه إشكال؟
طالب:. . . . . . . . .
في ركعة واحدة، في ركعة واحدة، لا، هذا لا يجوز هذا تلفيق، هذا تلفيق.
طالب:. . . . . . . . .(11/23)
سورة مستقلة، وأحبها لأنها صفة الرحمن، وأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأقره على ذلك، يقرأ أكثر من سورة ما في مانع، يقرأ أكثر من سورة، لكن يقرأ آيات، ثم ينتقل إلى آيات؛ ما يجي هذا، على كل حال إذا عجز عن شيء يتركه، العلماء يقولون: إذا عجز عن تعلم الفاتحة، إذا عجز عن تعلم الفاتحة يقرأ بقدرها إن استطاع من القرآن، وإلا فمن الذكر.
هذا يقول: ما معنى أن يترك تدليس المدلس، ولو من مرة واحدة مع أن البخاري ومسلماً يحتويان على ذلك، ويعمل بها؟
هذا رأي الإمام الشافعي أن المدلس إذا دلس مرة واحدة حكم عليه بأنه مدلس، وصنف مع المدلسين، صنف مع المدلسين، وإلا فما الضابط إن لم يقل بذلك، ونقل عنه التدليس، وأهل العلم يعدون مثل هذه الهفوة والزلة مرة واحدة أو شيء لا يؤثر، لكن هذا من احتياط الإمام الشافعي، والتنظير بالكذب، أنه إذا ثبت الكذب مرة واحدة في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- استحق هذه المرتبة، وهذا الوصف، ورد حديثه كله؛ لأن الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس كالكذب على غيره، والمسألة مثل ما سقنا في الدرس الماضي خلافية.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يستخلف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني الإمام الأصلي يقرأ سورة، والمستخلف لا يحفظها، يقرأ في سورة، ثم سبقه الحديث، فاستخلف، نعم فاستخلف غيره، وهذا المستخلف لا يقرأ، لا يحفظ هذه السورة، فهل نقول: إن قراءة الإمامين قراءة واحدة؟ أو لكل إمام قراءته؟ هل نقول إنها قراءة واحدة، فإن استطاع أن يكمل وإلا يركع، كالإمام إذا ارتج عليه؟ أو نقول: إن لكل إمام حكمه في قراءته؟ والمتجه أنهما في حكم الإمام الواحد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، خلاص يركع، يركع مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أخذته سعلة فركع، يعني ما استطاع أن يقرأ.
طالب:. . . . . . . . .
قرأ من سورة أخرى؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني انتقل، ما يظهر، هذا تلفيق ذا، في ركعة واحدة، لكن في ركعتين له أن يقرأ من سورة والثانية من سورة كما جاء في ركعتي الصبح؛ يقرأ آية من البقرة، وآية من آل عمران، ما في بأس.(11/24)
ذكرت في الدرس الماضي أن شعبة -رحمه الله- شدد في التدليس، أليس شعبة بن الحجاج موصوفاً عند الأئمة بهذا النوع وهو التدليس؟
لا، أبداً، شعبة أبعد الناس عن التدليس، ويكفينا تدليس المدلسين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
الشاذ
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه
والحاكم الخلاف فيه ما اشترط ... وللخليلي مفرد الراوي فقط
ورد ما قالا بفرد الثقة ... كالنهي عن بيع الولا والهبة
وقول مسلم: روى الزهري ... تسعين فردا كلها قوي
واختار فيما لم يخالف أن من ... يقرب من ضبط ففرده حسن
أو بلغ الضبط فصحِّح أو بعد ... عنه فمما شذ فاطرحه ورد
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على التدليس يقول: "الشاذ" والشاذ في اللغة المنفرد عن الناس المبتعد عنهم، المخالف لهم، فإذا فارق الناس ببدنه سمي شاذاً، إذا انفرد عن الناس بمسكنه سمي شاذاً، إذا انفرد عن الناس بأفعاله قيل له: شاذ، إذا انفرد عن الناس بأقواله، في تصرفاته سمي شاذاً، فالشاذ هو المنفرد، والمتفرد عن الناس، إما بأقواله أو بأفعاله، أو بهيئته، أو ببدنه، هذا يسمونه الناس شاذ، وفي لغة العرب شاذ يعني منفرد، وأما تعريفه في الاصطلاح، فاختلف فيه على ثلاثة أقوال:
قول الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: وهو ما يرويه الثقة مخالفاً فيه الثقات.
أو قول الحاكم: ما يتفرد به الثقة.
أو قول الخليلي: ما يتفرد به الراوي، ثقة كان، أو غير ثقة.(11/25)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وذو الشذوذ" يعني الشاذ "وذو الشذوذ" ذو بمعنى صاحب، نركب عليها صاحب، صاحب الشذوذ "ما يخالف الثقة" تجي؟ تجي، وإلا ما تجي؟ صاحب الشذوذ ما يخالف الثقة؟ لا شك أن ذا الشذوذ هو الشاذ، لكن هل نقول: إنه هو صاحب الشذوذ؟ الكلام على الحديث، وإلا الراوي؟ التعريف للحديث أو للراوي؟ يعني هذا تعريف للراوي، أو لحديثه؟ يعني العلماء حينما يقولون: هذا حديث شاذ، يعني راويه شاذ، وإلا المروي شاذ؟
طالب: المروي.
هم يعرفون الحديث: الذي تفرد به راويه، وخالف فيه الناس، أو تفرد من غير مخالفة على الخلاف.
إذن ذو هذه ما معناها؟ لو كانت تعريف للراوي لقلنا: إن "ذو" بمعنى صاحب، صاحب الشذوذ، صاحب الحديث الشاذ، لكن التعريف للشاذ نفسه، للحديث الشاذ نفسه، مثل أخو التسوية، وشرها أخو التسوية، ماذا يكون معناها؟ "ذو" ما تأتي لمعنىً آخر؟ نعم، ذو طويت، يعني بمعنى الذي، نركب الذي بدل صاحب، ويش يصير؟ الذي وصف بالشذوذ، الذي وصف بالشذوذ، يعني الحديث الذي وصف بالشذوذ، يجي، وإلا ما يجي؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
دليله المقام، يقتضيه، احنا نعرف الحديث الشاذ، ما نعرف صاحب الحديث.
طالب: إيه لكن يمكن أن يقال في الشذوذ أخو التسوية، يعني تعبير عنها أخي بالصاحب، لكن المعنى تعبير ... ، يعني في الأصل ما لها معنى .. ؟
هو ما في شك أن الصحبة، والأخوة قد تطلق على أدنى مناسبة، وأدنى ملابسة: ((لأنتن صواحب يوسف))، يعني بذلك أمهات المؤمنين، صواحب يوسف، وهن أمهات المؤمنين؛ لمشابهة من وجه بعيد، المقصود أن المصاحبة تطلق لأدنى مناسبة، لكن هل هنا مصاحبة؟ هل نقول: إن هذه مصاحبة بين القول، وقائله؟ لكن مقتضى اللفظ أننا إذا قلنا صاحب الشذوذ ما يخالف أننا نخبر عنه، أننا نخبر عن صاحب الشذوذ، ولا شك أن التابع، والوصف المتعقب لمتضايفين قد يكون للمضاف، وقد يكون للمضاف إليه، الوصف عموم التابع، المتعقب لمتضايفين قد يكون للمضاف، وقد يكون للمضاف إليه، فمثلاً: مررت بغلام زيد الفاضل، الفاضل الغلام، وإلا زيد؟ نعم بغلام زيد الفاضل، نعم؟(11/26)
طالب: هي مثل معنى أخو التسوية، بالضبط، يعني أخو ليس له معنى الإطلاق، وإنما فقط لتحليته؟
يعني مقحمة؟
طالب: وأظن أنها في هذه أخص في الإقحام، يعني إقحامها يرد كثيراً "ذو" و"أخو".
هل من شاهد على هذا؟ وإذا قلنا: إنها مقحمة قلنا: زائدة، وسيستقيم الكلام بدونها، والشذوذ ما يخالف الثقة، وكلام صحيح، وشرها التسوية، يعني تدليس التسوية، هذا الكلام صحيح من حيث الجملة، لكن إلغاء الكلمة، هذا إلغاء للكلمة، والإلغاء إذا أمكن توجيه الكلمة، فهو خير من إلغائها، وعلى كل حال عندنا مضاف ومضاف إليه، وتعقبهما ما يمكن إعادته إلى المضاف، وما يمكن إعادته إلى المضاف إليه، فإذا قلت مثلاً: مررت بغلام زيد الفاضل، احتمل أن يعود الوصف إلى غلام، وأن يعود إلى زيد، لا سيما وأن الإعراب ما يبين، أما إذا بين الإعراب انتهى الإشكال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو} [(27) سورة الرحمن]، هذا للمضاف، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي} [(78) سورة الرحمن]، هذا يتبع المضاف إليه، هذا ما فيه إشكال إذا كان الإعراب بالحروف، لكن إذا كان الإعراب بالحركات، وحركة المضاف والمضاف إليه واحدة، كلاهما مجرور، هنا يقع الإشكال، ولا يحدده إلا السياق، السياق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يمكن؛ لأنه ليس بمرفوع، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما تحتمل، الاسم تبارك اسم ربك ذي، فـ"اسم" مرفوع.
طالب: احتمال.
ما يجي احتمال.
طالب: أحسن الله إليك.
ما تجي أبداً، هاه؟
طالب: أحسن الله إليك، هي أخو، وأبو، وذو، إذا ما يتركب المعنى الحقيقي كانوا يطلقونها على نفس الشيء، مثل جاء أبو فلان أبو الكلام، يعرف أنه ليس أبو الكلام، وإنما هو اللي يعني كلامه كثير، حتى صار كأنه هو أبو الكلام.
المهم عندنا أن يستقيم الكلام، فإذا قلنا: صاحب الشذوذ، فنحن نعرِّف الراوي، ولا نعرف المروي، والمقصود بالتعريف المروي، المقصود به الحديث الشاذ.
"وذو الشذوذ" اصطلاحاً: ما يخالف الراوي الثقة:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... . . . . . . . . .(11/27)
الراوي الثقة "ما يخالف فيه الملا" الجماعة الثقات، بحيث لا يمكن الجمع، إذا خالف الثقة الجماعة الثقات، والملأ يطلق على العلية، وهنا العلية من الرواة هم الثقات "ما يخالف الثقة فيه الملا" والمراد الجماعة من الثقات، أو الواحد الأحفظ؛ لأنه ما يخالف من هو أرجح منه، سواءٌ كان في العدد، في الكثرة، أو في الأوصاف بحيث لا يمكن الجمع بالزيادة، أو النقص، في السند، أو في المتن، فإذا خالف من هو أرجح منه، إما بكثرة عدد، أو بوصف بأن يكون أحفظ منه، هذا يسمونه، يسمونه شاذ، فالشافعي حققه، الإمام الشافعي، يقول: ليس الشاذ من الحديث أن يروي ما لا يرويه الناس، وإنما الشاذ أن يروي ما يخالف فيه الناس، فاشترط الإمام الشافعي -رحمه الله- لتسمية الحديث شاذاً شرطين هما: أن يكون الراوي ثقة مع المخالفة، أن يكون الراوي ثقة مع مخالفة من هو أوثق منه، ويقابل الشاذ عند أهل العلم المحفوظ، فحديث الثقة المخالف شاذ، وحديث من خالفهم ممن هم أوثق منه يسمونه محفوظ "فالشافعي" بهذا التعريف "حققه" لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، كما قرره الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-.
هذا التعريف الأول وهو الذي ارتضاه، وجرى عليه المتأخرون، فاشترطوا في الشاذ: أن يكون الراوي ثقة، وأن يخالف من هو أوثق منه.
والحاكم الخلاف فيه ما اشترط ... . . . . . . . . .
"والحاكم الخلاف" للغير "فيه ما اشترط" بل عرفه بما انفرد به ثقة من الثقات، مجرد التفرد، تفرد ثقة من الثقات يكفي في تسمية الحديث شاذاً، هذا التفرد مجرد تفرد الثقة شذوذ عند الحاكم -رحمه الله تعالى-، وأما الشافعي عرفنا أنه يروي الثقة مع المخالفة، ما الذي ينطبق عليه التعريف اللغوي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/28)
تعريف الحاكم هو مجرد تفرد عن الناس؟ نعم، يعني إذا قيل: شذ فلان، وسكن بعيداً عن الناس، وانفرد بمسكنه عنهم، وإن كان يوافقهم في جميع تصرفاتهم، يأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويلبس مما يلبسون، ويسكن ما يسكنون، لكنه انفرد عنهم، لكن لو قدر أنه مع انفراده عنهم نعم، بنى بيتاً على طراز يخالفهم، وركب مركوباً يخالف مركوبهم، ولبس ما يخالف ملبوسهم، هذا قلنا: إنه مثل، ينطبق عليه تعريف الشافعي، أما مجرد أن يتفرد عنهم، ويبعد عنهم هذا يطابق تعريف الحاكم.
ذكر الحاكم أن الشاذ بهذا التعريف، بمجرد تفرد الثقة يغاير المعلل، من حيث أن المعلل وقف فيه على العلة، وقف على علته الدالة على جهة الوهم، والشاذ لم يوقف فيه على علة، وإنما وقف فيه على مجرد التفرد، يعني تفرد بحديث لا يرويه غيره، طيب، هل يستوي تفرد الثقة برواية الحديث كاملاً، أو برواية جملة منه؟ أيهما أقرب بأن يوصف بالشذوذ، حديثاً كاملاً يرويه هذا الراوي، وهو ثقة لا يرويه غيره، وحديث يرويه مع الناس لكنه يزيد فيه جملة يتفرد بها عن غيره؟ أيهما أقرب إلى الوصف بالشذوذ؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الثاني يتضمن مخالفة، الجملة صحيحة: أن غيره ما تعرض لذكرها ولا لنفيها، لكن عدم ذكر المجموع، أو الجماعة لها قد تعل به هذه الزيادة، والكبار يعلون بمثل هذا، فمثلاً على ما سيأتي في زيادات الثقات فيه تداخل بين هذه الموضوعات، زيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد))، ((إن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين))، في من قال: هذه زيادة الثقة، وما تعرض لنفيها، ولا تخالف، قبلها، ومن قال: إن ترك الأكثر لها دليل على أن من ذكرها لم يحفظ، فهي غير محفوظة، إذن هي شاذة، وقيل بهذا، فمثل هذه الدقائق ينتبه لها، الأئمة الكبار ما يحكمون بحكم عام مطرد، وإن كان المتأخرون يحكمون لها، من يقبل زيادات الثقات على ما سيأتي يقبل مثل هذه باطراد، فأقول: إن الزيادة زيادة جملة في الحديث وصفها بالشذوذ أولى من وصف حديث كامل بالشذوذ، الذي يطلق عليه الحاكم الشذوذ "وللخليلي"، "والحاكم الخلاف فيه ما اشترط" ما اشترط الخلاف، بل عرف الشاذ بما انفرد به ثقة من الثقات "وللخليلي" أبي يعلى الخليل بن عبد الله:(11/29)
. . . ... وللخليلي مفرد الراوي فقط
يعني الشاذ هو مفرد الراوي فقط، ثقة كان، أو غير ثقة، فإذا تفرد الراوي برواية خبر؛ فإن كان ثقة توقف فيه، عند الخليلي، وإن كان غير ثقة رد، الثقة يتوقف في خبره، نعم، يتوقف، وعلى كل حال كلاهما شاذ، لكن ما يتفرد به الثقة يتوقف فيه، وما يتفرد به غير الثقة يرد.
كلام الحاكم وهو تفرد الثقة، أو الخليلي تفرد الراوي ثقة، أو غير ثقة، هل يؤيده صنيع الأئمة؟ أما من حيث أحكامهم على الحديث، فقد يطلقون الشذوذ على شيء من هذا، قد يطلقون، قد يقولون بإزاء حديث تفرد به راويه: هذا حديث غير محفوظ، يعني شاذ، لكن ألا يوجد في الصحيحين ما تفرد بروايته راويه؟ يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "ورد ما قالا" يعني ولكن رد ابن الصلاح "ما قالا" الحاكم والخليلي "بفرد الثقة" المخرج في الصحيحين:
. . . . . . . . . ... كالنهي عن بيع الولاء والهبة
لأن تعدد الرواة ليس بشرط لا للصحة مطلقاً، ولا للشيخين في صحيحيهما، فالصحيحان فيهما الغرائب، فيهما الأفراد "كالنهي عن بيع الولاء والهبة" لا يُعرف إلا من طريق واحد، وأول حديث في البخاري: ((إنما الأعمال بالنيات)) تفرد به رواته، وآخر حديث في الصحيح حديث أبي هريرة: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) –أيضاً- تفرد به رواته في أربع طبقات، وبهذا يرد كلام الحاكم، وكلام الخليلي.
طالب:. . . . . . . . .
هو في تعريف الشافعي، في تعريف الشافعي، يعني ومن باب أولى الحاكم؛ لأن الحاكم إذا كان يشترط شرطاً واحداً، فمن باب أولى أن يدخل في تعريفه ما زاد على هذا الشرط.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لأنه هم تكلموا فيه، محمد بن قدامة في سنن أبي داود، نعم هو متكلم فيه، لكن الأصل العام يؤيد هذا، وهو أن اليد اليمين لمثل هذا العمل الجليل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(11/30)
لا، لا هذا تعريف الخليلي؛ لأنه فيه كلام ما هو بثقة، فيه كلام، هذا تعريف الخليلي، وإن قلت: إن فيه مخالفة، فيه مخالفة؛ لأن الأكثر رووه بإطلاق: "يعقد التسبيح بأنامله" لكن تشتمل على مخالفة من وجه، وموافقة من وجه، على ما سيأتي في زيادات الثقات، كما مثلوا بحديث: ((وجعلت تربتها))، "جعلت تربتها" فيه موافقة: ((جعلت لي الأرض))؛ لأن التربة نوع من أنواع الأرض، واليمين فرد من أفراد الأنامل، أو أفراد من أفراد الأنامل، ففيها موافقة من وجه، ومخالفة من وجه، ويأتي تقرير ذلك -إن شاء الله تعالى- فيما بعد يعني في زيادات الثقات.
ورد ما قالا بفرد الثقة ... كالنهي عن بيع الولا والهبة
وقول مسلم روى الزهري ... . . . . . . . . .
يعني وكذا رده ابن الصلاح بقول الإمام مسلم في الأيمان والنذور من صحيحه: "روى الزهري تسعين فرداً" يعني نحو تسعين، وفي بعض النسخ: "سبعين". تقديم التاء أصح، تسعين فرداً لا يشارك الزهري فيها أحد، تفرد بها الزهري "كلها قوي" الزهري إمام حافظ، حتى قال بعضهم: إنه لا يحفظ له خطأٌ، وإن كان هذا بعيداً لكن يدل على تمام حفظه، وضبطه، وإتقانه.
. . . . . . . . . ... تسعين فرداً كلها قوي
لا شك أنه ما دام راوٍ، واحدٍ، ثقة يتفرد بتسعين، إذا كان الزهري، وهو إمام حافظ يتفرد بهذا العدد من الأحاديث، وكلها قوية، يدل على أن تفرد الثقة، مجرد التفرد من غير مخالفة لا يدخل في الشذوذ، وبهذا رد ابن الصلاح على الحاكم، والخليلي "واختار" من؟ ابن الصلاح، واختار ابن الصلاح ما استخرجه، واستنبطه من صنيع الأئمة "واختار فيما لم يخالف" فيما لم يخالف الراوي الذي يروي ما لا يتضمن مخالفة، اختار ابن الصلاح أن هذا له أحوال، إن كان تام الضبط له حكمه، وإن كان دونه له حكم، وإن كان غير ضابط فله حكم، هذا الذي يتفرد، ويروي ما لا يرويه الناس يتفاوت تبعاً لقوة ضبطه، وضعفه:
واختار فيما لم يخالف أن من ... يقرب من ضبط. . . . . . . . .(11/31)
يعني تام "ففرده حسن" إذا كان يقرب من الضبط التام، يعني ليس ضابطاً ضبطاً تاماً، إنما هو قريب من الضبط التام، يعني خف ضبطه قليلاً عن التام "ففرده حسن، أو بلغ الضبط" يعني التام "فصحح" ما تفرد به "أو بعد عنه" يعني عن الضبط التام، فهذا تفرده "مما شذ فاطرحه ورد" فاطرحه ورد ما وقع لك من حديثه الذي تفرد به، ما الذي اختاره ابن الصلاح؟ اختار تقسيم الرواة الذين يتفردون بالأحاديث، فإن كان الراوي الذي تفرد بالحديث يقرب ضبطه من التام هذا "فرده حسن" فرده حسن، والذي يبلغ الضبط التام تفرده، وما تفرد به صحيح، والذي يبعد عن الضبط التام تفرده ضعيف، يقول:
واختار فيما لم يخالف أن من ... يقرب من ضبط ففرده حسن
أو بلغ الضبط. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني التام "فصحح" حديثه الذي تفرد به "أو بعد عنه" بأن لم يكن ضابطاً أصلاً "فمما شذ" يعني ففرده مما شذ "فاطرحه ورد" ما تفرد به، فالشاذ المردود على هذا، الشاذ المردود على هذا، قسمان: قسم ما تضمن المخالفة، ما تضمن المخالفة، فهو شاذ، وإن كان راويه ثقة، على تعريف الإمام الشافعي، والثاني فرد من لا يحتمل تفرده، فرد من لا يحتمل تفرده، وهذا شاذ، هذا الشاذ، ويأتي توضيحه في المنكر؛ لأنه قريب منه، نعم.
طالب: فاطرحه ورد.
رد ما وقع لك من مفرداته؛ لأن هذا لا يحتمل تفرده.
طالب: يعني من الشاذ، كأنه ورَدَّ، يعني.
ورَدَّ؟
طالب: إيه.
فاطرحه، ورَدَّ؛ كيف؟
طالب: ورَدَّ كأنه ضمير يعود ...
ممكن، من الذي يقوله الشارح من؟
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش اللي معاك؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ العراقي نفسه، العراقي نفسه، والذي وقع في اللبس التسمية "فتح المغيث" وهي ليست لشرح العراقي، غلط "فاطرحه ورُدَّ" يقول: ورُد هو أمر معطوف على قوله: فاطرحه، من أين جبت الكلام اللي أنت قلت؟ هاه؟ من أين أتيت بكلامك؟
طالب:. . . . . . . . .
ورد، أمر معطوف على قوله: فاطرحه، قال ابن الصلاح: فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟ هذا اختياره، هذا اختياره، ويأتي في المنكر توضيحه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/32)
ليشمل، ليشمل راوي الصحيح، وراوي الحسن، مثل ما قالوا في زيادة الثقة، يعني الثقة يراد به أعم من الثقة المخرِج للصدوق، نعم أعم من ذلك، وإنما هو رد ما تفرد به الراوي المقبول ليشمل راوي الصحيح، وراوي الحسن على ما سيأتي.
المنكر.
المنكر
والمنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر ... فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر
نحو: ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر ... ومالك سمى ابن عثمان عمر
قلت: فماذا؟ بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلا ووضعه
طالب: أحسن الله إليك، قبل الدخول في موضوع المنكر، الحاكم والخليلي ما رواه ما انفرد به الثقة عن ماذا؟ عن جماعة، أو عن ثقة واحد؟
لا، المقصود في طبقة من الطبقات تفرد به هذا الراوي، إيه سواءٌ كان عن جماعة، أو عن واحد.
طالب: الشافعي مفهوم كلامه أن ما خالف به الثقات، الثقة مخالفاً للثقات، لكن ..
لكن هذا الراوي تفرد به، تفرد به يقال: شاذ، ولذلك ردوا عليهم حديث الأعمال بالنيات شاذ؟ هو شاذ؟ على رأي الحاكم شاذ.(11/33)
شرح ألفية الحافظ العراقي (12)
(المنكر - الاعتبار والمتابعات والشواهد - زيادات الثقات)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولذلك ردوا عليهم، حديث الأعمال بالنيات شاذ؟ هو شاذ؟ على رأي الحاكم شاذ، تفرد به الرواة، تفردوا به في أربع طبقات؛ لأنه لا يثبت إلا من حديث عمر، ولا يثبت عن عمر إلا من حديث علقمة، ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد، وقل مثل هذا في آخر حديث، نفس اللا .. ، التفرد في أربع طبقات، فرد مطلق، ويأتي في الأفراد أيضاً، يأتي بيانه في الأفراد.
المنكر اسم مفعول من أنكر، واسم الفاعل مُنْكِر، والمنكر اسم مفعول ويقابله المعروف، إذا كان الشاذ يقابله المحفوظ، فالمنكر يقابله المعروف.
والمنكر الفرد يعني المنكر الحديث الفرد، وهو الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه:
المنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج
" الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، الذي مر ذكره، "كذا البرديجي أطلق" يعني أطلق على الحديث الفرد منكر، "والصواب في التخريج" يعني في المروي كذلك، والصواب في التخريج يعني في المروي كذلك "إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر" إجراء تفصيل لدى الشذوذ يعني عند الشذوذ فيما تقدم في كلام ابن الصلاح، وأنه قسمان: الفرد المخالف، وليس الفرد على إطلاقه كما قرر البرديجي، وقريب منه كلام الحاكم، إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر، فعلى هذا ينقسم إلى قسمين، فالمنكر بمعنى الشاذ، فهو بمعناه، إذن إذا كان المنكر بمعنى الشاذ فأقسامه أقسامه، وسبق في الشاذ أنه قسمان؛ الشاذ المردود قسمان: الفرد المخالف، والفرد إذا كان لا يحتمل تفرد راويه، إذا كان راويه ممن لا يحتمل تفرده، والصواب في التخريج إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر "فهو بمعناه" فهو يعني المنكر بمعناه يعني بمعنى الشاذ "كذا الشيخ ذكر" الشيخ من؟ ابن الصلاح.
أحياناً يجمع بين اللفظين في الحكم على حديث واحد، فالذهبي أحياناً يقول: هذا حديث شاذ منكر، فماذا يكون المعنى؟ إذا قال: شاذ منكر؟
طالب:. . . . . . . . .(12/1)
يحمل على هذا؟ أولاً: الشذوذ الذي ذكرناه بأقوال العلماء فيه، يعني من خلال ما قرأناه، الشذوذ الذي مر بنا كله في التفرد، إما مع المخالفة، أو مع غيرها، فمرده إلى المتن، وإلا إلى الإسناد؟ تفرد الراوي، والحكم على متنه، الحكم على متنه؛ لأنه تفرد به راويه، لكن يقولون، يجعلون الشذوذ في المتن، والشذوذ في الإسناد، وسيأتي الشذوذ في المتن، والشذوذ في الإسناد في المنكر؛ لأنه بمعناه، فإذا قلنا: هذا حديث شاذ، وقلنا: حديث منكر، ما يفرق عند بعضهم، عند ابن الصلاح لا فرق بينهما، فإذا قال الذهبي هذا حديث شاذ منكر؛ يعني مثل لو قال: صحيح مقبول، يأتي بألفاظ مترادفة، إذا جيء بألفاظ مترادفة إذا قلنا أن رأي الحافظ الذهبي -رحمه الله- هو رأي ابن الصلاح، أنهما بمعنىً واحد، لكن إذا قلنا بما اختاره المتأخرون، وصار عرفاً واصطلاحاً عندهم أن الشاذ مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، والمنكر مخالفة الضعيف للثقات؛ يرد هذا وإلا ما يرد؟ يرد كلام الذهبي وإلا ما يرد؟ إذا قلنا أنهما متباينان؛ ما يمكن أن نجمع بين متباينين، وإذا قلنا هما متداخلان أمكن؛ واضح وإلا ما هو بواضح؟ إذا قلنا: هما متباينان، الشاذ له حقيقة تخالف حقيقة المنكر، وهذا الذي تبناه المتأخرون، واعتمدوه ولم يذكروا غيره، عند المتأخرين ما في غير هذا، وفي أحكامهم على الأحاديث يعتمدون هذا، بينما في أحكام المتقدمين يطلقون النكارة والتفرد والشذوذ بإزاء معنىً واحد، ونرجع إلى ما قرر سابقاً في الصحيح أن الشذوذ ينافي الصحة أو لا ينافيها؟ ما هم يشترطون انتفاء الشذوذ لصحة الخبر؟
عن مثله من غير ما شذوذ ... وعلة قادحة فتوذي(12/2)
والشذوذ فيه مخالفة، وفي الصحيح أحاديث فيها مخالفة من بعض رواتها لبعض، فمثلاً حديث جابر؛ خرجه الإمام البخاري في مواضع كثيرة، وكل موضع يشتمل على مخالفة لا توجد في الموضع الآخر، وخرجها كلها، ومع ذلك رجح، ففيه الراجح وفيه المرجوح، والراجح في اصطلاح المتأخرين هو المحفوظ، والمرجوح في اصطلاحهم هو الشاذ، وهذا ما جعل بعض أهل العلم يقول: في الشاذ الصحيح وغير الصحيح؛ يعني في قسم الشاذ وهو ما تضمن المخالفة فيه الصحيح، وفيه غير الصحيح، ليدخل مثل هذا الاختلاف بين الرواة في أحاديث الصحيحين التي فيها نوع مخالفة، يعني في مخالفة في الثمن، وفي اشتراط الحُملان، فبعض الروايات فيها الاشتراط، وبعضها ما فيها اشتراط، وبعضها الثمن أوقية، وبعضها أكثر، وبعضها أقل، وخرجها البخاري كلها، ورجح اشتراط الحملان، ورجح أن الثمن أوقية، مع ذلك خرج غيره من الوجوه الأخرى، ففيه الراجح، وفيه المرجوح، فيه الراجح وفيه المرجوح، فتعامل هذه الروايات معاملة الأحاديث المختلفة ما يوجد في حديث البخاري راجح ومرجوح؟ يعني راجح من حيث الثبوت، ومرجوح من حيث الثبوت، وراجح من حيث الدلالة، ومرجوح من حيث الدلالة، ما يوجد؟ يوجد، وكونه من رواة متعددين هذا ما فيه إشكال، لكن الإشكال إذا كان في حديث واحد، إذا كان في أحاديث ما في إشكال، وعلى كل حال الشذوذ علة مانعة؛ إما من قبول الخبر، أو من العمل به، الشذوذ علة مانعة، أو قادحة في الخبر؛ إما في قبوله، أو في العمل به بعد قبوله، يعني قد يكون المرجوح مقبول من حيث الرواية، لكنه من حيث العمل غير مقبول كالمنسوخ؛ لأننا رجحنا عليه ما هو أقوى منه، وتوافرت فيه شروط القبول، وعرفنا فيما سبق أن شروط القبول إذا انطبقت على خبر قبلناه والحكم فيه على الظاهر، والحكم فيه على الظاهر:
وبالصحيح والضعيف قصدوا ... في ظاهر لا القطع. . . . . . . . .(12/3)
فنحن إذا طبقنا عليه الشروط قبلناه، وإن كان مرجوحاً، ويوجد ما هو أرجح منه، ولذا تخلصوا من هذا الإشكال بقولهم أن الشاذ منه المقبول ومنه المردود، فمتى توافرت فيه الشروط يبقى أنه في الصحة؛ لكنه مرجوح كالمنسوخ، يعني لا يعمل به، وفي الصحيح –أيضاً- الصحيح والأصح فإذا تعارض حديث صحيح مع حديث أصح منه، ولو كان المعارض صحيحاً من حيث الرواية والنقد، فيرجح عليه الأصح، ومعروف أنه في باب التعارض لابد من أن يبحث عن أوجه للجمع ولو بعدت؛ قبل أن يرجح بعضها على بعض "فهو بمعناه" فالمنكر بمعناه يعني بمعنى الشاذ "كذا الشيخ" ابن الصلاح "ذكر"، فلم يميز بينهما؛ لم يميز بين الشاذ والمنكر، والتمييز بينهما هو المعتمد عند أهل العلم، فالحكم بالنكارة أقوى عندهم من الحكم بالشذوذ، الحكم بالنكارة عندهم أقوى من الحكم على الحديث بالشذوذ، ثم مثل، مثال الثاني: وهو تفرد الراوي الذي لا يحتمل تفرده، مثال تفرد الراوي الذي لا يحتمل تفرده، ويصلح على رأي ابن الصلاح مثالاً للشاذ، ويصلح مثالاً للمنكر:
نحو: ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر ... . . . . . . . . .
((كلوا البلح بالتمر .. )) جاء الأمر بذلك من حديث أبي زكير، وهو مخرج عند النسائي وابن ماجه، وقال النسائي فيه: منكر، ((كلوا البلح بالتمر .. ))، يقول: (( .. فإنه إذا أكله ابن آدم غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق))، هذا لا يحتمل تفرده؛ لأنه من رواية أبي زكير يحيى بن محمد البصري، هو من رواية أبي زكير، وأبو زكير خرج له الإمام مسلم مقرون؛ يعني مع غيره، وإلا فتفرده لا يحتمل، تفرد به عند ابن ماجه، فهو حديث منكر، وعند النسائي، وقال النسائي فيه: منكر؛ لأنه لماذا حكم عليه النسائي بأنه منكر؛ لأنه تفرد به من لا يحتمل تفرده، ومثل به ابن الصلاح على هذا، هذا مثال النوع الثاني.(12/4)
وبالغ ابن الجوزي فأدخله في الموضوعات، لكن هل نكارته، نكارة الخبر بسبب تفرد راويه، أو بسبب نكارة لفظه؟ معناه ضعيف: ((كلوا البلح بالتمر، فإنه إذا أكله ابن آدم غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق))؛ هل الذي يغضب الشيطان طول عمر الإنسان؟ الذي يغضبه العمر المعمور بالطاعة، الذي يغضب الشيطان العمر المعمور بالطاعة، وإلا العمر ولو طال إذا لم يعمر بطاعة، أو عمر بمعصية هذا ما يغضب الشيطان، وفي الحديث الشيطان غضب لما طال عمر ابن آدم: ((عاش ابن آدم)) هذا معنى المنكر، فالذي يغضب الشيطان هو أن يعمر المسلم عمره بطاعة الله -جل وعلا- وبما يرضيه:
نحو: ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر ... . . . . . . . . .
ومثل للأول المخالفة؛ مخالفة الثقة:
. . . . . . . . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر(12/5)
وهو معروف عند سائر الأئمة بعمرو بن عثمان، مالك سماه عمر بن عثمان، كما في الموطأ، وكان مالك -رحمه الله- إذا مر ببيته أشار إليه، كأنه يقول: هذا الشخص الذي يخالفنا فيه الناس، أو نخالف فيه الناس، مالك يراه عمر بضم العين، وغيره يقولون: عمرو، هذا مخالفة من الإمام مالك، هذه مخالفة من الإمام مالك، -رحمه الله-، ابن الصلاح لما جعل الشاذ، وفي معناه المنكر؛ جعلهما قسمين: قسم ما يخالف فيه الثقة، وقسم ما يتفرد به من لا يحتمل تفرده، فالذي يخالف فيه الثقة من هو أكثر مثل مخالفة مالك يسمي الراوي عمر بن عثمان، وغيره يسميه عمرو بن عثمان، وتفرد من لا يحتمل تفرده، مثل الحديث: ((كلوا البلح بالتمر))، فهو يمثل للقسمين "قلت: فماذا؟ " قلت: فماذا، فماذا يلزم من تفرد مالك بتسمية الراوي عمر؟ وإن سماه غيره عمرو، فإن مثل هذه المخالفة لا تضر؛ لماذا؟ لأن عمر بن عثمان، وعمرو بن عثمان، عمر بن عثمان على رأي مالك، وعمرو بن عثمان على رأي غيره، هما أخوان، وكلاهما ثقة، فهل يضر الخبر أن يتردد الراوي بين اثنين كلاهما ثقة؟ يضر وإلا ما يضر؟ لو قيل عن حماد، وما استطعنا أن نميز حماد بن سلمة، وإلا ابن زيد، أو عن سفيان، وما استطعنا أن نميز؛ يتأثر الخبر؟ ما يتأثر، فالخبر سواءً كان عن عمرو بن عثمان، كما قال الأكثر، أو عمر بن عثمان كما قال الإمام مالك ما يتضرر، ولذا قال الحافظ: قلت فماذا يلزم من تفرد مالك، وماذا يترتب عليه؟ لأن كل منهما ثقة "بل مثاله" مثال الصحيح المطابق، "بل مثاله حديث نزعه" -صلى الله عليه وسلم- "خاتمه عند الخلاء ووضعه" هذا الذي يصح أن يكون فيه المثال المطابق للمخالفة:
قلت: فماذا بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلاء ووضعه(12/6)
قال أبو داود: منكر، صوابه عن الزهري عن أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" وهذا هو المحفوظ "اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" لكن الإلقاء لخاتم الذهب، أو لخاتم الورق؟ اللي علق على الكتاب يقول: حديث أنس في نزعه خاتمه عند الخلاء، رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، وأبو داود نص على أنه منكر، والصواب عن الزهري عن أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" والمعروف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ خاتماً من ذهب، فاتخذ الناس خواتم من ذهب ثم ألقاه، ولا يبعد أن يكون في أول الأمر اتخذ خاتم فضة ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتم ذهب ثم ألقاه، ما يبعد، لكن حديث نزعه هذا منكر؛ لأنه مخالفة لمن هو أوثق منه، ولذا حكم عليه أبو داود -رحمه الله- بأنه منكر.
سؤال: يقول: نود إعادة أنواع التدليس.
أنواع التدليِس: ذكرنا في الدرس السابق الضابط الذي يفرق به بين التدليس، والإرسال الخفي، والإرسال الظاهر، هذا يحتاج إلى إعادة وإلا ما يحتاج؟ ذكرنا الصور الأربع التي بواسطتها نفرق بين التدليس والإرسال، تحتاج إلى إعادة وإلا ما تحتاج؟ وذكرنا أن الراوي له مع من يروي عنه أربع حالات: الحالة الأولى: أن يكون قد سمع منه أحاديث، والثانية: أن يكون لقيه، ولم يثبت سماعه منه، والحال الثالثة: أن تثبت المعاصرة، ولم يثبت أنه لقيه، والحال الرابعة: عدم ثبوت المعاصرة، فإن كان من الحال الأولى، أو الثانية فروى عنه ما لم يسمعه منه؛ يعني ما ثبت أنه لم يسمعه منه بصيغة موهمة فهذا تدليس، الصورة الثالثة في حال المعاصرة إذا روى عنه بصيغة موهمة ولم يثبت لقاؤه له، ولا سماعه منه بصيغة موهمة؛ هذا إرسال خفي، وليس من التدليس، وأما الصورة الرابعة وهي انتفاء المعاصرة إذا روى عنه بصيغة موهمة؛ هذا إرسال ظاهر.(12/7)
أنواع التدليس قالوا: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ؛ تدليس الإسناد هو إسقاط الراوي، والالتقاء لمن فوقه بصيغة موهمة؛ يسقط شيخه الضعيف، ويرتقي لمن فوقه، ويكون قد لقي شيخ شيخه، ويرتقي إليه بعن وأنَّ وقال، هذا تدليس؛ تدليس إسقاط، يدلس شيخه إما لكونه صغير، ويأنف من ذكره، أو لكونه أكثر من ذكره، أو لكونه ضعيف، ويريد أن يروج الخبر، المقصود الأهداف الحاملة كثيرة، يسقط شيخه، بهذه الصورة يكون تدليس بالقطع، بالقطع؛ بأن يقول: فلان، ويسكت ثم يقول: عن فلان، أو يقول: حدثني ثم يسكت، إما أن يأتي بالصيغة، ثم يسكت، أو يأتي باسم الراوي ثم يسكت؛ هذا تدليس قطع، وتدليس العطف أن يأتي براوي: حدثني فلان، ويعطف عليه آخر، وهذا ما فيه إسقاط، يعطف عليه آخر، ويقدر للمعطوف خبر، فيقول: حدثني فلان، هذا صحيح حدثه، وفلان غير مسموع لي، أو فلان لم يحدثني، المعطوف، هذا تدليس عطف، وهناك تدليس التسوية، أن يحذف ثقة؛ يحذف ضعيف بين ثقتين، تدليس التسوية أن يحذف ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، لقي أحدهما الآخر، وهذا شر أنواع التدليس، وأيضاً هناك تدليس الشيوخ؛ أن يصف الشيخ بما لا يعرف به، أو يكنيه كنية لا يعرف بها، أو ينسبه نسبة لا يعرف بها، فلو مثلاً قال: حدثني أبو صالح الشيباني، حدثني أبو صالح الشيباني مريداً بذلك من؟ الإمام أحمد، صالح أكبر من عبد الله وهو شيباني، لكن الإمام -رحمه الله- عرف بأبي عبد الله باسمه، وعرف بانتسابه إلى جده أحمد بن حنبل، المقصود أنه إذا كني أو وصف أو نسب إلى شيء لم يشتهر به، هذا تدليس شيوخ، والقصد منه إما التفنن في العبارة، أو امتحان الطلاب، أو تعمية أمر على السامع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حقيقة في إطلاقات الأئمة الكبار قد يطلقون هذا بإزاء هذا، وهذا بإزاء هذا، مما جعل ابن الصلاح يجعلهما شيئاً واحداً، لكن أكثر ما يطلق الشاذ بإزاء مخالفة الثقة، وأكثر ما يطلق المنكر بإزاء مخالفة الضعيف؛ لأن اللفظ لفظ المنكر أقوى من حيث اللغة من لفظ الشاذ، فيجعل الأقوى للأقوى، والأضعف للأضعف، وإلا وجد استعمال هذا مكان هذا، وهذا مكان هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(12/8)
فشره للضعف واستصغارا ... وكالخطيب يوهم استكثارا
طالب:. . . . . . . . .
شر تدليس الشيوخ للضعف واستصغارا، وشر أنواع التدليس مطلقاً تدليس التسوية؛ يعني تدليس الشيوخ يسمي شيخه بما لا يعرف به، أو ينسبه بما لم يشتهر به، إذا كان لضعفه هذا شر أنواع تدليس الشيوخ، إذا كان لضعفه ليوعر الطريق الموصل إليه، هذا شر إذا كان ضعيفاً بيروج الحديث، وراويه ضعيف هذا شرها، واستصغاراً –أيضاً-، استصغاراً لمن روى عنه، واحتقاراً له، وترفعاً عن أن يروي عن من دونه، هذا لا شك أنه قدح في الإخلاص، "وكالخطيب يوهم استكثاراً" وكالخطيب يوهم استكثاراً من الشيوخ، فيورد الشيخ على خمس صور، كل صورة يظن الواقف عليها أنه غير الشيخ الأول، لكن ما يظن بالخطيب هذا، وليس بحاجة إلى مثل هذا، الشيخ الخطيب -رحمة الله عليه- عنده من الشيوخ ما يغنيه عن مثل هذا القصد، وإنما يقصد به التفنن في العبارة، وتنشيط القارئ، يعني لو في مائة موضع من كتاب تقول: حدثني محمد بن سعيد الأنصاري، كلها تسوقها على هذا الأساس، على هذه الصورة، يمل القارئ، لو مرة تقول: حدثني محمد بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن سعيد الأنصاري تنسبه إلى جده، بحيث لا يوقع في لبس، ومرة تقول: حدثني أبو سعيد الأنصاري، وهو هو، ومسلم يفعل هذا، أحياناً يأتي بالاسم خماسي، وأحياناً يأتي به مهملاً من دون نسبة، ولا إلى أبيه، وأحياناً ينسبه إلى أبيه، وأحياناً إلى جده بما لا يوقع في لبس، أما إذا أوقع في لبس فكان في طبقته من ينسب هذه النسبة، ويوافقه في الاسم واسم الأب؛ مثل هذا لا بد من البيان، شرها شر جميع أنواع التدليس، الأول شر أنواع تدليس الشيوخ ما كان الحامل عليه الضعف، ضعف الراوي، واستصغار الراوي؛ لأن هذا يقتضي احتقار الراوي.
طالب:. . . . . . . . .(12/9)
أظن الشذوذ، قالوا مثلاً: ((إن الله يحب التوابين، ويحب المطهرين)) شاذ، لكن يمكن أن يحكم عليه بالشذوذ ويش المانع؟ شاذ، فعلى القول بأنهما مترادفان، ويسنده تصرفات الأئمة، فيطلقون هذا بإزاء هذا، وهذا بإزاء هذا ما في إشكال، ليست هناك قواعد مطردة عند الأئمة الكبار، ليست هناك قواعد مطردة بحيث لا يحيدون عنها بخلاف طريقة المتأخرين عندهم قواعد مطردة ثابتة يمكن أن يربى عليها طالب علم، حتى إذا تأهل بعد المران الكثير، والتخريج للأحاديث، والنظر في الأسانيد، والنظر في أحكام الأئمة؛ تتولد لديه الملكة التي يستطيع بها أن يحاكي المتقدمين، وأما التمرين فيكون على طريقة المتأخرين.
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المصنف -رحمه الله- تعالى:
الاعتبار والمتابعات والشواهد:
الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راو غيره فيما حمل
عن شيخه فإن يكن شورك من ... معتبر به فتابع وإن
شورك شيخه ففوق فكذا ... وقد يسمى شاهداً ثم إذا
متن بمعناه أتى فالشاهد ... وما خلا عن كل ذا مفارد
مثاله لو أخذوا إهابها ... فلفظة الدباغ ما أتى بها
عن عمرو إلا ابن عيينة وقد ... توبع عمرو في الدباغ فاعتضد
ثم وجدنا أيما إهاب ... فكان فيه شاهد في الباب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته؛ التي هي في الأصل نظم لعلوم الحديث لابن الصلاح، ومما مضى شرحه في العام الماضي الشاذ والمنكر، الشاذ والمنكر ويجتمعان في التفرد على ما مضى، فالشاذ يتفرد به الثقة إما مع قيد المخالفة أو لا، والمنكر يتفرد به الضعيف مع المخالفة أو لا، وقد يطلق الشاذ بإزاء المنكر والعكس، وبعد ذلك أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- هذين البابين اللذين فيهما تفرد الراوي:(12/10)
المنكر الفرد كذا البرديجي ... أطلق والصواب في التخريج
إلى آخره.
كيف نعرف التفرد وعدم التفرد؟ لا نعرف ذلك إلا بالاعتبار، فإذا اعتبرنا، وبحثنا في الدواوين، فإن وجدنا شاهداً أو متابعاً؛ انتفى التفرد، وإلا حصل التفرد، ولذا أردف الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- الشاذ والمنكر بالاعتبار والمتابعات والشواهد، ليُعلم، وينظر في الحديث إن وجد له شاهد أو متابع انتفى التفرد، وحينئذٍ لا يصير مجال هناك للشذوذ، ولا النكارة.
أقول: مناسبة هذا الباب، وهذه الترجمة، مناسبة هذه الترجمة لما قبلها مع الترجمتين اللتين قبلها؛ الشاذ والمنكر، الشاذ على ما تقدم تحريره عن الإمام الشافعي وغيره: هو ما يخالف فيه الثقة غيره من الثقات:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
ومنهم من يطلقه على مجرد التفرد، على مجرد التفرد مطلقاً، ومنهم من يطلقه على مجرد تفرد الثقة، والمنكر بإزائه، المنكر بإزائه يطلق، ويراد به الشاذ في تفرد الثقة، أو مع المخالفة، أو مطلقاً، ويطلق ويراد به تفرد الضعيف، مع مخالفة غيره من الثقات، أو مجرد تفرد من لا يحتمل تفرده، وهذا كله مضى.
كيف نعرف هذا التفرد؟ كيف نحكم على الحديث بأنه فرد؟ وسيأتي –أيضاً- ترجمة الأفراد، ترجمة ستأتي الأفراد، وسيأتي –أيضاً- في أواخر الكتاب الغريب، والأفراد هي ما يتفرد به راوٍ واحد، والغريب هو ما يتفرد به –أيضاً- راوٍ واحد، إلا أنهم أكثر ما يطلقون الفرد على التفرد المطلق، والغريب على التفرد النسبي، وهذا كله سيأتي -إن شاء الله تعالى-،(12/11)
فجعل الناظم -رحمه الله تعالى- تبعاً للأصل هذه الترجمة بين البابين السابقين: الشاذ والمنكر، ثم أردفها بالأفراد، ثم أخر الكلام على الغريب مع العزيز، والمشهور في أواخر الكتاب، والأصل، والأنسب أن يأتي بالشاذ، ثم المنكر، ثم الفرد ثم الغريب، ثم بعد ذلك يأتي بالاعتبار، لكنه وسط هذه الترجمة بين بابين فقدمهما، وبابين فأخرهما، وهذا مما يلاحظ على الأصل، الذي هو ابن الصلاح؛ لأنه ألفه، ألف كتابه شيئاً فشيئاً، ألف كتابه ليلقيه على الطلاب في دروس، ولذا جاءت تراجمه هكذا، وابن الصلاح -رحمه الله تعالى- اجتهد في ترتيب كتابه، وتحريره، وجمعه من المصادر المختلفة، فأملاه على الطلاب، ولوحظ عليه بعض الشيء، وهكذا، وهذا هو الشأن في مصنفات البشر، لا بد أن يلاحظ عليه، ولا يمكن أن يكون الكمال، والتمام إلا لكتاب الله -جل وعلا-.
هذه الترجمة: "الاعتبار والمتابعات والشواهد" قد يفهم من النسق بين الثلاث الكلمات الاعتبار، والمتابعات، والشواهد أنها قسائم، فالاعتبار قسيم للمتابعات، والشواهد، فعلى هذا تكون الأنواع ثلاثة، الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، وهذا الفهم ليس بصحيح؛ لأن ما يعتضد به الخبر، وما تتعدد به الطرق هي المتابعات والشواهد فقط، فحق العبارة كما يقول الحافظ ابن حجر: معرفة الاعتبار للمتابعات، والشواهد، معرفة الاعتبار للمتابعات، والشواهد، فالاعتبار ليس قسيماً للمتابعات والشواهد، يعني لا يوجد شيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، وإنما هي المتابعات، والشواهد فقط، وأما الاعتبار، فهو الاختبار، والنظر، والسبر في دواوين السنة؛ للبحث عن المتابعات، والشواهد، ولذا يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- في نظمه، الحافظ العراقي:
"الاعتبار سبرك الحديث":
الاعتبار سبرك الحديث هل ... شارك راوٍ غيره فيما حمل(12/12)
فالاعتبار هيئة التوصل، وطريقة التوصل لمعرفة المتابعات، والشواهد، هيئة التوصل، والطريق إلى التوصل لمعرفة المتابعات، والشواهد "الاعتبار سبرك الحديث" يعني اختبارك، ونظرك الحديث في دواوين السنة، والبحث عن الطرق، هذا هو الاعتبار "هل شارك" راويه الذي يظن تفرده به "راو غيره فيما حمل" فشارك فعل، فاعله معروف، غيره هذا إيش؟ المفعول المشارك، اللي هو إيش؟ غيره، مفعول شارك، مفعول شارك، إذن "راوٍ" إعرابها هذا هو الفاعل؟
. . . . . . . . . هل ... شارك راو غيره فيما حمل
زكريا الأنصاري يشير إلى أن غيره يمكن أن تكون هي الفاعل، فتكون غيرُه، وراوٍ هي المفعول، لكن هل راوٍ كذا بحذف الياء، تأتي في حالة النصب؟ أو أن المنقوص في حالة النصب تثبت ياؤه، ويظهر عليه الإعراب شارك راوياً، ويقول: إن من العرب من يجعل المنقوص محذوف الياء باستمرار، يعني إذا لم تقترن به "أل"، وعلى هذا يكون غيره هو الفاعل، وراوٍ هو المفعول على كلامه هو، لكن ما الداعي لمثل هذا التكلف؟ وبالإمكان أن نقول: "شارك راوٍ" هذا هو إيش؟ الفاعل؛ لأن المنقوص المجرد عن "أل" في حالتي الرفع والجر تحذف ياؤه "وغيره" كما ضبط هنا تكون هي إيش؟ المفعول، والراوي سواءٌ شارك غيره، أو شورك؛ في فرق، وإلا ما في فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
من أين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يا أخي، أنا أقول: إن الشخص سواءٌ شارك إذا وجدت المشاركة، التي هي بين الطرفين، شارك زيد عمراً، هل يختلف التعبير، ويختلف الأسلوب، ويختلف المفهوم من الجملة؛ إذا قلنا: شارك زيداً عمرٌو؟ يعني سواءٌ قدمنا الفاعل، أو المفعول يختلف الأمر، ولا يوجد أي مانع من هذا، وعلى هذا يكون راوٍ هو الفاعل، وغيره هو المفعول فيما حمل، يعني فيما حمله، وما موصولة، يعني في الذي حمل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، الأصل فيما حمله من الحديث "عن شيخه فإن يكن" ذاك الراوي "شورك من معتبر به" معتبر به:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فيما حمل
عن شيخه فإن يكن شورك من ... معتبر به. . . . . . . . .(12/13)
يعني شورك من مثله بأن لا يكون شديد الضعف، بأن لا يكون كل من المشارِك، والمشارَك شديد الضعف؛ لأن رواية شديد الضعف وجودها مثل عدمها، لا يستفيد منها الحديث قوة، فوجودها مثل عدمها إذا كان الراوي شديد الضعف، ولذا قال: "فإن يكن شورك من معتبر به" كثيراً ما يقال: فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به، فإذا كان ممن يعتبر به؛ فضعفه ليس بشديد، وهو الذي يقبل الانجبار، وقد يكون غير ضعيف وإنما، قد يكون ثقة، وقد يكون دونه صدوق، فإن كان ثقة، فمشاركته تفيد الخبر، وإلا ما تفيد الخبر، إن كان الراوي ثقة مشاركته تفيد الخبر، أو لا تفيده؟ الخبر صحيح دون مشاركة، لكن عند الترجيح، عند المعارضة يستفيد خبر الثقة بمشاركة غيره له، يستفيد إيش؟ القوة عند الترجيح، فيرجح على غيره مما لا يشارك فيه، أو ممن لم يشارك فيه راويه الثقة، فمشاركة الثقة تفيد عند الترجيح، عند التعارض، والترجيح، ومشاركة من دون الثقة ممن لم يصل إلى حد الضعف تفيد الحديث الارتقاء إلى درجة الصحيح لغيره، يعني ممن لا يصل إلى حد الضعف، مشاركة هذا الراوي من مثله ممن لا يصلح على حد الضعف تفيده قوة، فيرتقي بذلك إلى درجة الصحيح لغيره، ومشاركة الضعيف ممن يعتبر به تفيد الخبر الارتقاء من الضعيف إلى الحسن، فنستفيد من المتابعات، والشواهد التقوية، نستفيد منها التقوية، والترقية للأحاديث من الضعف إلى الحسن، أو من الحسن إلى الصحة "فإن يكن شورك" إن يكن ذلك الراوي "شورك من معتبر به" يعني ضعفه لا يرجع إلى عدالته، ولا يصل إلى حد من يتهم بالكذب مثلاً، وإنما يرجع ضعفه إلى شيء في حفظه مما لا يصل إلى شدة الضعف في الحفظ بأن يكون سيء الحفظ مثلاً، على خلاف بينهم في سيء الحفظ؛ هل ينجبر، أو لا ينجبر؟ المقصود أن مثل هذا إذا كان ضعفه راجع إلى شيء في حفظه؛ فإنه ينجبر، فإنه ينجبر.(12/14)
"معتبر به فتابع" فتابع هذا هو التابع، فالتابع هو الذي يشارك فيه راويه من قبل معتبر به، هذا هو التابع، والخلاف بين أهل العلم في المتابع، والشاهد، والفرق بينهما، منهم من يخص المتابع إذا كان المتن بلفظه يروى من طريق آخر، ولو اختلف الصحابي، منهم من يطلق المتابع على اتحاد اللفظ، ولو اختلف الصحابي، والشاهد على اختلاف اللفظ، يعني أن يروى الحديث بالمعنى، ولو اتحد الصحابي، هذا قول في هذه المسألة، والذي يختاره أكثر المتأخرين أن المتابع ما اتحد صحابيه، ولو وجد الاختلاف في اللفظ، والشاهد ما اختلف صحابيه، ولو اتحد اللفظ، ولو اتحد اللفظ.
فمن العلماء من ينظر إلى اللفظ والمعنى، فإن اتحد اللفظ؛ فالمتابع، ولو اختلف الصحابي، وإن اختلف اللفظ واتحد المعنى؛ فالشاهد، ولو اتحد الصحابي، ومنهم من ينظر إلى اتحاد الصحابي، واختلافه فما اتحد فيه الصحابي؛ فهو المتابع، وما اختلف فيه الصحابي؛ فهو الشاهد، ولو اتحد المعنى، وهذا هو ما يرجحه أكثر المتأخرين، وعليه عمل المخرجين ممن يخرج الأحاديث من المتأخرين "فإن يكن شورك من معتبر به فتابع" إن شورك فيما حمل عن شيخه مباشرة؛ فتابع متابعة تامة، إن شورك في شيخه، الراوي الأدنى إن شورك في شيخه فمتابعة تامة، وإن شورك في شيخ شيخه فمتابعة لكنها قاصرة، وإن توبع في الشيخ الثالث متابعة لكنها أقصر، وهكذا إلى أن يصل الاتحاد في الصحابي، فعلى سبيل المثال في حديث الأعمال بالنيات، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان، يرويه البخاري -رحمه الله تعالى- عن غير الحميدي عن سفيان، هذه متابعة تامة، وإلا قاصرة؟ متابعة تامة، وإلا قاصرة؟ تامة، تامة يا الإخوان؛ لأنها المشاركة في الشيخ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(12/15)
من بداية السند نعم، الحديث نفسه إذا رواه البخاري من غير طريق الحميدي عن غير سفيان عن يحيى بن سعيد، اتحدوا في شيخ الشيخ هذه متابعة، لكنها أقصر من الأولى، واضح، وإلا ما هو بواضح، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ثم إلى آخر الإسناد، إلى أن يتحدوا في عمر -رضي الله تعالى عنه-، إذا تصور أنه روي من طريق يصح عن غير علقمة عن عمر، لكنه لا يثبت إلا من طريق عمر، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد، وعنه انتشر.
لو قدر أننا وجدنا حديث الأعمال بالنيات من حديث أبي هريرة مثلاً، بلفظه؛ ماذا يكون متابعاً، وإلا شاهداً؟ شاهد على القول الثاني، وإن اتحد اللفظ؛ فمتابع على القول الأول، لو وجدنا حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- مع اختلاف في لفظه، واتحاد في معناه؛ نقول متابعة، وإلا شاهد؟ شاهد على القول الأول، ومتابع على القول الثاني، وهكذا.
"وإن شورك شيخه ففوق" ففوق مبني على الضم لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حذف المضاف إليه مع نيته، وقبل، وبعد، والجهات الست إذا حذف المضاف إليه مع نيته تبنى على الضم، مثل ما تقول: أما بعد، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ} [(4) سورة الروم]، لكن إذا أضيفت أعربت: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران]، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} [(26) سورة النحل]، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(12/16)
نعم، يصير مثل ما يقول شيخ الإسلام عن بعض المبتدعة إذا ذكر قولاً لا يدل له نقل، ولا عقل قال: هذا من باب خر عليهم السقف من تحتهم، يعني لا نقل، لا وافق القرآن، ولا وافق العقل "ففوق فكذا" أي فهو متابع ولكنه قاصر، نعم متابع لكنه قاصر "وقد يسمى" كل من المتابع لشيخه فمن فوقه "يسمى شاهداً" قد يسمى المتابع شاهداً، والشاهد يسمى متابعاً، وبعضهم لا يفرق بين الأمرين، والخطب في هذا كله سهل، سواءٌ سميناه متابعاً، أو شاهداً الأمر سهل؛ لماذا؟ لأن كلاً من المتابع، والشاهد يفيد التقوية، يفيد التقوية، مما يتقوى به الخبر، وقد يسمى شاهداً، ثم بعد فقد المتابعات "ثم إذا متن" آخر في الباب "متن بمعناه أتى" عن ذلك الصحابي، أو غير الصحابي "متن بمعناه أتى" سواءٌ اتحد الصحابي، أو اختلف "فالشاهد" وهذا على القول الأول، أن النظر إلى اللفظ، والمعنى، وهذا هو اختيار الإمام البيهقي، وعليه جمع من أهل العلم، وعرفنا أن اختيار أكثر المتأخرين على التفريق بين المتابع، والشاهد في الصحابي اتفاقاً، واختلافاً، فإن اتحد؛ فهو المتابع، وإن اختلف؛ فالشاهد "وما خلا" يعني تجرد "عن كل ذا" عن كل من التابع، وا لشاهد:
. . . . . . . . . ... وما خلا عن كل ذا مفارد
"مفارد" يعني أفراد، يعني إذا بحثنا، وسبرنا دواوين السنة، فلم نجد ما يتابع الراوي على رواية الخبر، ولا وجدنا ما يشهد للحديث؛ نجزم بأنه فرد، نجزم بأنه فرد "مثاله" أي ما وجد له متابع، وشاهد بعد البحث، والسبر، والتنقيب في الدواوين:
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) ... . . . . . . . . .
لو أخذوا إهابها، المروي عند الإمام مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس، الحديث في مسلم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس،
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) ... فلفظة: "الدباغ". . . . . . . . .
يقول: أصل الحديث: ((لو أخذوا إهابها))، يعني الشاة التي أهديت لمولاة ميمونة، فماتت فرموها، ((لو أخذوا إهابها))، في رواية سفيان: ((فدبغوه)):
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) ... فلفظة: "الدباغ" ما أتى بها(12/17)
يعني ما أتى بها أحد "عن عمرو" يعني ابن دينار "إلا ابن عيينة" إلا ابن عيينة، مصروف، وإلا فالأصل أنه ممنوع من الصرف، لكنه يصرف للوزن، يصرف للوزن "إلا ابن عيينة، وقد توبع" شيخه "عمرو" توبع عمرو، يعني شيخه عمرو بن دينار "في الدباغ" تابعه أسامة بن زيد الليثي عند الدارقطني، والبيهقي، وتابعه –أيضاً- يزيد بن أبي حبيب، وتابعه –أيضاً- ابن جريج، سفيان ما توبع، لكن توبع شيخه عمرو بن دينار "في الدباغ فاعتضد" وعرفنا أنه تابعه ثلاثة: أسامة بن زيد الليثي، ويزيد بن أبي حبيب، وابن جريج، توبع:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . في الدباغ فاعتضد
ثم وجدنا: ((أيما إهاب)) ... فكان فيه شاهد في الباب
"ثم وجدنا" عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس: ((أيما إهاب .. )) يعني (( .. دبغ؛ فقد طهر)):
. . . . . . . . . ... فكان فيه شاهد في الباب(12/18)
لكونه بمعناه، لكونه بمعناه، مع أنه يلاحظ اتحاد الصحابي، كلاهما من حديث ابن عباس، كلاهما من حديث ابن عباس، إذا كان الحديث واحداً، عن صحابي واحدٍ، يعني لا إشكال في تسميته متابع، الرواية الثانية تسمى متابعة، لكن إذا جزمنا أن القصة مختلفة مثلاً، القصة مختلفة، والصحابي متحد، فمثلاً حديث: ((أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر)) حديث ثانٍ لابن عباس يختلف عن حديث الشاه التي أهديت لمولاة ميمونة في قصة أخرى، هل نقول هذه متابعة، وإلا حديث آخر؟ لأن هذا يلتبس، وتجدون في الأطراف، أطراف الأحاديث، كالتي صنعها محمد فؤاد عبد الباقي بالنسبة لصحيح البخاري، تجده –أحياناً- يجعل هذا الحديث، وإن كان مستقلاً طرفاً للحديث الأول، بمعنى أنه جزء منه، أو موضع آخر من رواية البخاري لنفس الحديث، يعني يكون الحديثان في موضوع واحدٍ، لكن المناسبات مختلفة، والقصص، وسبب ورود الحديث مختلف؛ فهل نقول: إنه حديث واحد، أو حديثان لابن عباس في الباب؟ يعني مقتضى قولهم في هذا الخبر، يعني الحديث عن ابن عباس الأول، والثاني، الحديثان عن ابن عباس، لكن القصة مختلفة: ((أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر)) في حديث: ((لو أخذوا إهابها))، في حديث الشاه: ((فدبغوه، فانتفعوا به)) في رواية سفيان بن عيينة، والحديث الآخر: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، بين الحديثين: حديث الشاه، والثاني: ((أيما إهاب)) هذا إيش؟ خاص، وهذا إيش؟ ((هلا انتفعتم بإهابها؟ ))، يعني جلد الشاة الميتة، والثاني: عام في جميع الجلود: ((أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر))، في مثل هذه الصورة يمكن حمل العام على الخاص، وإلا ما يمكن؟ يحمل العام على الخاص، وإلا ما يحمل؟ هل نقول: إن هذا خاص بالشاه، وما عدا ذلك لا يحمل، وفي حكم الشاة جميع ما يؤكل لحمه، أو نقول: لا يحمل العام على الخاص هنا؟ "أيما" من صيغ العموم، والحديث الأول: ((لو أخذوا إهابها)) في الشاة خاصة، في قضية خاصة، وهذا فيه عموم، فهل نقول: إن جميع جلود الميتات إذا دبغت طهرت، وإلا خاص بما يؤكل لحمه؟ نعم، يعني العام إذا ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام؛ فإنه لا يخصص، إذا اتحد الحكم لا يخصص به، إنما يكون التنصيص على الخاص من باب التنصيص على بعض أفراد العام(12/19)
للعناية به، والاهتمام بشأنه، للعناية به، والاهتمام بشأنه، لو قيل: أعطوا الطلاب، ثم قيل: أعطوا زيداً، إذا قيل: أعطوا زيداً؛ هل يعني أنه يختص به هذا العطاء دون غيره من الطلاب، أو نقول: لا، التنصيص على زيد يدل على الاهتمام به، والعناية بشأنه؟ أهل العلم يقررون أن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، نعم.
زيادات الثقات
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم
وقيل: لا وقيل: لا منهم وقد ... قسمه الشيخ فقال: ما انفرد
دون الثقات ثقة خالفهم ... فيه صريحا فهو رد عندهم
أو لم يخالف فاقبلنه وادعى ... فيه الخطيب الاتفاق مجمعا
أو خالف الإطلاق نحو جعلت ... تربة الأرض فهي فرد نقلت
فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... والوصل والإرسال من ذا أخذا
لكن في الإرسال جرحا فاقتضى ... تقديمه ورد أن مقتضى
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي ... الجرح علم زائد للمقتفي(12/20)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "زيادات الثقات"، وهذا الباب من أهم ما يبحث في علوم الحديث، ومعرفته، والإلمام به في غاية الأهمية لطالب العلم، سواءٌ كان من الناحية النظرية، أو من الناحية العملية، يعني معرفة ما قيل فيه نظرياً من قبل أهل العلم، ومعرفة ما وقعت الزيادات فيه من الأحاديث من حيث العمل، فمعرفة الزيادات في المتون، هذه لا يعرفها إلا القليل النادر، وممن له عناية بمعرفة الزيادات في المتون ابن خزيمة، ابن خزيمة، ومنهم –أيضاً- أبو بكر النيسابوري، وله مصنف في الزيادات، له كتاب اسمه "الزوائد"، وأيضاً- أبو الوليد حسان القرشي، وابن عدي، ونظائرهم من الأئمة الذين لهم العناية التامة بحفظ السنة، ومعرفة ما يزاد في الأخبار، ومعرفة ما يزاد في الأخبار، زيادات الثقات تعرف بجمع الطرق، والأبواب، تعرف بجمع الطرق، والأبواب، فالباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين مثل هذه الأمور من الزيادات المقبولة، وغير المقبولة، لا سيما إذا قلنا أن الحكم في القبول والرد لهذه الزيادات؛ إنما مرده إلى القرائن، مرده إلى القرائن، فإذا جمعت الطرق، طرق الحديث الواحد، وأحاديث الباب الواحد؛ عرفت الزيادات المقبولة، والزيادات غير المقبولة، فمرد هذا إلى القرائن، كما هو صنيع أئمة هذا الشأن، ونظيره ما تقدم في تعارض الوصل، والإرسال، والرفع، والوقف.
الزيادة من الثقة؛ لأن الباب زيادات الثقات، كثير من أهل العلم يطلق القبول، يطلق القبول، كثيراً ما تجدون: زيادة من ثقة؛ فهي مقبولة، في كثير من تصرفات أهل العلم، أما زيادات الصحابة فهي مقبولة اتفاقاً، مقبولة اتفاقاً، فمثل زيادة: ((أو زرع))، في حديث أبي هريرة، في اقتناء الكلب هذه مقبولة، وابن عمر -رضي الله تعالى عنه- يؤكد هذا القبول بأن أبا هريرة كان صاحب زرع، يعني أنه إذا كان له عناية بهذا الأمر، فإنه يحفظ ما جاء فيه، خلافاً لبعض المبتدعة، المفتونين، الذين يقولون: إن ابن عمر يشكك في هذه اللفظة من أبي هريرة، ويتهمه بأنه زادها؛ لأنه محتاج إليها، حاشا وكلا أن يظن بحافظ الإسلام، الصحابي الجليل أبي هريرة مثل هذا الظن السيئ، فالزيادات من الصحابة مقبولة اتفاقاً.(12/21)
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: الثقات هنا هل المراد بالثقة هنا حقيقة الثقة، وهو من جمع بين العدالة، والحفظ، والضبط، والإتقان، أو المراد به الراوي المقبول؟ فيدخل فيه من دون الثقة، كالصدوق مثلاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني زيادة من هو دون الثقة، يعني مقبول الرواية مثلاً، هو مقبول الرواية، صدوق جاء بخبر قبلناه، وعلمنا به، فجاء بزيادة: جملة، وإلا لفظة؛ نقبل، وإلا ما نقبل؟
طالب:. . . . . . . . .
الثقة، العنوان "زيادات الثقات"، "واقبل زيادات الثقات" وزيادة الثقة مقبولة، لكن مرادهم بالثقة أعم من كونه عدلاً، حافظاً، ضابطاً، بل المراد بذلك رواية مقبول الرواية، إذا قبلنا حديثه قبلنا زيادته، ومن رد حديثه؛ رد زيادته "واقبل زيادات الثقات" مطلقاً؟ يعني والمراد بذلك في هذا الخلاف من دون الصحابة، أما الصحابة، فلا يدخلون في هذا الخلاف "واقبل زيادات الثقات" مطلقاً "منهم" أي ممن روى الحديث بدون هذه الزيادة، ثم رواه بها، أو العكس، يعني روى الحديث ناقصاً، ثم رواه تاماً، أو رواه تاماً، ثم رواه ناقصاً.
واقبل زيادات الثقات منهم ... . . . . . . . . .
يعني ممن روى الحديث بدونها "ومن سواهم" أي سوى الراوي بدونها، يعني تصور هذه الزيادة، إذا قارنا الروايتين عن الراوي نفسه.(12/22)
شرح ألفية الحافظ العراقي (13)
(زيادة الثقات - الأفراد - المعلل)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني تصور هذه الزيادة إذا قارنا الروايتين عن الراوي نفسه، أو قارنا رواية هذا الراوي بهذه الزيادة مع رواية غيره.
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم. . . . . . . . .
أي سوى الراوين بدونها فعليه المعظم، "فعليه المعظم"، وسواءٌ كانت هذه الزيادة في اللفظ أو في المعنى، وسواء ترتب عليها زيادة حكم شرعي أو لا، سواءٌ اتحد إعرابها أو اختلف، سواءٌ ذكرها في مجلس أو في مجالس، المقصود أن هذه الزيادات مقبولة وعليه المعظم؛ من المحدثين والفقهاء والأصوليين:
واقبل زيادات الثقات منهم ... ومن سواهم فعليه المعظم
وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقاً، وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقاً، سواء كان هذا الذي زادها في مقابل نظيره الذي لم يزد يعني ثقة زاد، وثقة لم يزد، يعني ثقة زاد وثقة نقص، القول الثاني، القول الأول: تقبل الزيادة، القول الثاني: لا تقبل الزيادة ولو كان المقابل له نظير واحد؛ لماذا؟ لأن ما اتفقا عليه؛ القدر المتفق عليه بينهما متيقن، وهذه الزيادة مشكوك فيها، مشكوك فيها، وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقاً، يعني ومن باب أولى إذا كان الزائد واحد، ومن نقص أكثر من واحد، ومن نقص أكثر من واحد، هذا القول الثاني، الأول: القبول مطلقاً، والثاني: الرد مطلقاً.(13/1)
وقيل: لا تقبل منهم، "وقيل: لا منهم" يعني إذا جاء بالحديث مرة ناقصاً، ومرة تاماً فإن هذه الزيادة لا تقبل منهم؛ أي ممن رواه بدونها مرة، ومرة بها؛ يعني مرة بالزيادة، ومرة بدون الزيادة، ما الفرق بين هذا القول والذين قبله؟ هذا القول الثالث فيه القبول، وفيه عدم القبول، فيه القبول إذا كانت الزيادة من واحد والنقص من غيره، وفيه الرد إذا كانت الزيادة والنقص من قبل راوٍ واحد، فهذا الراوي يروي هذا الخبر مرة زائداً ومرة ناقصاً، وسبب الرد أنه لو كان متأكداً منها، ضابطاً لها، متقناً لها؛ ما تركها في المرة الثانية؛ يعني تركه لها في بعض الأحيان يشكك في ثبوتها، وفي ضبطه لها، "وقيل: لا منهم" المسألة كم صار فيها من قول؟ القبول مطلقاً، والرد مطلقاً، والتفصيل، فإن كانت الزيادة ممن رواه ناقصاً؛ ردت وإلا قبلت، إذا أضفنا إلى ذلك القول المعروف عند .. ، أو المحفوظ عن المتقدمين، وأنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد في مثل هذا بل يتركون الحكم للقرائن تكون الأقوال أربعة، في تعارض الوصل والإرسال، الحكم للوصل مطلقاً، والحكم للإرسال مطلقاً، وذكروا –أيضاً- الحكم للأكثر، وذكروا أن الحكم للأحفظ؛ يعني أربعة أقوال، إضافة إلى القول بما ترجحه القرائن.(13/2)
الطالب المبتدئ حينما يسمع هذه الأقوال لا شك أنه يضطرب، ولا يدري ماذا يصنع؟ هل يقبل؟ أو يرد؟ أو يصنع كما صنع الأئمة؟ يعني لا شك أن المرجح هو قول، هو ما عليه عمل الأئمة وأن الحكم للقرائن، لكن هل لطالب العلم المبتدئ في علوم الحديث الذي يدرس قواعد الحديث، ويطبق عليها؛ فيخرج الأحاديث، ويجمع الطرق، وينظر في الأسانيد؟ هل له أن يحاكي المتقدمين، فيحكم بالقرائن، ويترك هذه الأقوال؟ أو يحكم بحكم عام مطرد في بداية الأمر، ثم بعد ذلك إذا تأهل، وساوى المتقدمين في أحكامهم، وصارت لديه أهلية، وملكة يستطيع بها أن يرجح بالقرائن؟ هذا هو الأصل، فطالب العلم عليه أن يتخرج، ويتمرن على قواعد المتأخرين؛ فمثلاً في مثل هذا الباب يقبل الزيادات مطلقاً، أو يردها مطلقاً، المقصود أنه يثبت يرسي على شيء في طور التمرين؛ لتكون أحكامه مطردة، ثم بعد ذلك إذا أكثر من هذا العمل؛ لماذا؟ لأننا نقول لأنه لن يعول على تخريجه، ولا على تصحيحه؛ لأنه طالب علم مبتدئ، المسالة مفترضة في طالب علم مبتدئ ما تمكن، لكن إذا تمكن، وأكثر من التخريج، وجمع الطرق ودراسة الأسانيد، أكثر من ذلك؛ لا شك أن الأهلية تتكون لديه تدريجياً، فإذا تأهل لذلك وصار لديه من الملكة ما يستطيع بها بواسطتها أن يحكم بالقرائن هذا فرضه، وهذا ذكر في مناسبات كثيرة، ونظير التفقه في الأحكام، نظير ذلك التفقه في الأحكام؛ يعني في بداية الأمر هل لطالب العلم المبتدئ أن يتفقه من الكتاب والسنة؟ نقول: في علوم الحديث: المتقدمون هم الأصل، والمتأخرون عالة عليهم؛ لماذا لا يحاكي المتقدمين؟ لأنه لا يستطيع دونه خرط القتاد؛ لا يستطيع أن يحاكي المتقدمين، لكن إذا تأهل هذا فرضه، التفقه من الكتاب والسنة؛ هذا هو الأصل لكن بالنسبة لطالب علم مبتدئ دون ذلك خرط القتاد حتى يتمرن على أقوال العلماء، وينظر في مذاهب علماء الأمصار، ويجمع أدلتهم، ويوازن بينها، ثم إذا تأهل للاجتهاد؛ نقول: فرضه الاجتهاد، ولا يجوز له التقليد، أما في البداية حكمه حكم العامي عليه أن يقلد أهل العلم، فلا نضطرب في مثل هذه المسائل.(13/3)
"وقد قسمه الشيخ" أي قسم ما ينفرد به الثقة من الزيادات؛ الشيخ المراد به ابن الصلاح، من يذكرنا بأبيات المقدمة؟
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
قسمه الشيخ إلى ثلاثة أقسام، "فقال: ما انفرد" ما انفرد برواية دون الثقات سواءٌ كان جمعاً من الثقات أو واحداً على أن يكون أحفظ منه، "ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم" يعني خالف الثقات الجمع المتعددين، أو خالف الثقة الواحد ممن هو أوثق منه "ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه" أي فيما انفرد به "صريحاً" المخالفة صريحة، صريحاً بأن لا يمكن الجمع بينهما، بأن لا يمكن الجمع بينهما "فهو رد عندهم" أي مردود عندهم، أي المحدثين، ويكون حينئذ من قبل الشاذ:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه
"ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه صريحاً" أي فيما انفرد به صريحاً بحيث لا يمكن الجمع بينهما فهو رد أي مردود كما مر في الشاذ عندهم أي عند المحدثين، وهو ما حرره الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، هذا إذا خالف ما عندنا إشكال، إذا كانت هذه الزيادة تتضمن مخالفة فحكمها الرد؛ لأنها من قبيل الشاذ "أو لم يخالف" أو لم يخالف فيه أصلاً؛ يعني هذه الزيادة ما فيها أدنى مخالفة "فاقبلنه" يعني هذا الراوي إذا جاء بحديث مستقل تفرد به عن غيره، وهو ممن يحتمل تفرده؛ تقبل حديثه، يعني مثل الغرائب، غرائب الصحيحين؛ كحديث: ((الأعمال بالنيات))، "أو لم يخالف فاقبلنه" فإذا قبلت حديثه قبلت زيادته؛ لأنها لا تتضمن مخالفة، لأنها لا تتضمن مخالفة، روى جملة زائدة في الخبر؛ كما لو روى حديثاً مستقلاً، أو لم يخالف فيه أصلاً كما يتفرد بحديث وهو ممن يحتمل تفرده فاقبلنه؛ لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا معارض له وحكمة حينئذٍ القبول.(13/4)
"وادعى فيه" أي في القبول "الخطيب الاتفاق مجمعاً" وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعاً؛ يعني حال كونه مجمعاً عليه، فيه أي في القبول الاتفاق من العلماء مجمعاً؛ يعني نقل عليه الخطيب الإجماع، لكن هل يسلم هذا الإجماع؟ أولاً: يقول السخاوي: عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحاً في كلام الخطيب، عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحاً في كلام الخطيب، يعني الخطيب يقول: اتفق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره وجب قبوله، لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره وجب قبوله، فكذلك سبيل الانفراد بالزيادة، يعني نقل الاتفاق على الزيادة، وإلا على حديث مستقل؟ حديث مستقل، ثم بعد ذلك قاس الزيادة على الحديث، فنقل الاتفاق إنما هو على الاستقلال بحديث، لا على الزيادة، فعزو الاتفاق، أو عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا بخصوصها ليس بصريح في كلام الخطيب، إنما هو صريح في المقيس عليه، لا في المقيس، الكلام ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر.
طالب:. . . . . . . . .
اتفق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره؛ وجب قبوله، هذا الاتفاق ظاهر، يعني حديث: ((الأعمال بالنيات))، أجمعت الأمة على قبوله، وهو متفرد به واحد في أربع طبقات، لكن هل قبول زيادة جملة، أو كلمة في حديث رواها من تفرد بحديث الأعمال بالنيات، وخالفه فيها غيره لم يروها؟ بمعنى أنها لا توجد في رواية غيره؛ هل تقبل مثل قبول حديث: ((الأعمال بالنيات))؟ لكنهم يقيسون هذا على هذا من باب القياس، ولا يلزم أن يكون المقيس في قوة المقيس عليه، لا يلزم أن يكون الفرع في قوة الأصل، بل المعروف أن الفرع أقل من الأصل، الفرع أقل من الأصل، ولو كان مثله في القوة لما احتيج إلى القياس، عرفنا أنه إن خالف؛ الرد، أو لم يخالف؛ القبول، "أو خالف الإطلاق":
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت ... تربة الأرض)) فهي فرد نقلت
يعني وافق من وجه وخالف من وجه:
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت ... تربة الأرض)) فهي فرد نقلت(13/5)
"خالف الإطلاق" كزيادة لفظة لم يذكره سائر الرواة، وهذا اللفظ مؤثر، هذا اللفظ مؤثر؛ كزيادة التربة في حديث الخصائص، رواية الأكثر: ((جعلت لي الأرض مسجداً، وطهوراً))، في حديث الخصائص، ((وجعلت لي الأرض مسجداً، وطهوراً))، في رواية عن مسلم تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً))، الآن الموافقة من وجه باعتبار أن التربة من أجزاء الأرض؛ من أفراد الأرض، أو من أوصاف الأرض، وننتبه لهذا؛ هذه هي الموافقة، والمخالفة؛ لأنَّ الأرض تشتمل على تراب وغيره، تشتمل على تراب وغيره، "أو خالف الإطلاق" وننتبه لكلمة الإطلاق هنا، "أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت تربة الأرض)) " يعني في حديث الخصائص "فهي فرد نقلت" وعرفنا أنه تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة، وهذه رواها مسلم، ففيها مخالفة من وجه، وفيها موافقة من وجه، والناظم -رحمه الله تعالى- ذكر الإطلاق، وهذه الكلمة في غاية الأهمية؛ يعني ما قال: أو خالف العموم، أو خالف العموم؛ لأن هذه اللفظة إذا قلنا أن الأرض جنس، والجنس من صيغ العموم، أل هذه جنسية، وما دخلت عليه يكون عاماً شاملاً، والتربة فرد من أفرادها، أو نقول: إن الأرض ذات أوصاف، والتراب وصف من أوصافها، انتبهوا يا الإخوان ترى تقدم إشارة إلى شيء من هذا في الباب الذي قبله؛ في لفظ الدباغ: ((أيما إهاب))، وفي لفظ: ((جلد الشاه))، وقلنا: إن هذا فرد من أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن التنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكمه لا يقتضي التخصيص، وهنا إذا قلنا أن التراب فرد من أفراد الأرض؛ الأرض ذات أفراد، من أفرادها التراب، قلنا: إن هذا يقتضي التخصيص، أو لا يقتضي؟ لا يقتضي؛ لأن الحكم في التراب، وفي الأرض واحد: ((جعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً))، ((وجعلت تربتها لنا طهوراً))؛ الحكم واحد ما يختلف، فإذا قلنا أن التراب فرد من أفراد الأرض، قلنا: إن هذا لا يقتضي التخصيص، إنما ذكر التراب للعناية به، والاهتمام بشأنه؛ فهو أولى ما يتيمم به، أولى من غيره، وإذا قلنا أن التراب قيد إذ أنه وصف من أوصاف الأرض، قيد يقيد به المطلق؛ لماذا؟ هناك لا يخص العام للاتحاد في الحكم،(13/6)
وهنا يقيد المطلق للاتحاد في الحكم، انتبهوا يا الإخوان.
على كل حال هذه المسألة من دقائق المسائل، وتجدون الشراح مرة يقولون .. ، حتى من شخص واحد يعني، مرة يجعلها من العام، ومرة يجعلها من المطلق.
فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... . . . . . . . . .
"فالشافعي وأحمد احتجا بذا" يعني قبلا هذه الزيادة، قبلا هذه الزيادة؛ لما تضمنته من الموافقة "فالشافعي وأحمد احتجا بذا" فخصا التيمم بالتراب؛ خلافاً لمالك، وأبي حنيفة، فيجوز التيمم بكل أجزاء الأرض، قالوا: حتى بالصخرة الملساء المغسولة، فعندنا الشافعي وأحمد قبلوا الحديث، قبلوا هذه الزيادة، قبلوا لفظ التربة، وخصوا بالتراب التيمم، قالوا: لا يصح التيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليدين، عملوا بهذه اللفظة، وجعلوها من باب المطلق والمقيد؟ وإلا من باب العام والخاص؟ انتبهوا يا الإخوان؛ ترى المسألة من الدقائق، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
جعلوها من المطلق والمقيد، فقيدوا لفظ الأرض بالتراب، فقيدوا لفظ الأرض بالتراب، والناظم -رحمه الله تعالى- باعتباره شافعي؛ قال: "أو خالف الإطلاق" ما قال خالف العام، فالشافعي وأحمد احتجا بذا، فخصا التيمم بالتراب، وأما مالك وأبو حنيفة، فجوزوا التيمم بكل أجزاء الأرض حتى الصخرة المغسولة.
موقف الحنفية والمالكية من هذه الزيادة؛ هل معنى هذا أنهم ردوا هذه الزيادة لما تضمنته من مخالفة؟ أو أنهم قبلوها، وجعلوها من باب العام والخاص؟ يعني مقتضى قول الناظم -رحمه الله تعالى-: "فالشافعي وأحمد احتجا بذا" أن غيرهما من الأئمة لم يحتجوا بذا، ما هو بهذا الظاهر من كلامه؟ نعم، لكن لا يلزم أن يكون السبب في التيمم بجميع أجزاء الأرض رداً لهذه اللفظة، نعم قد ترد هذه اللفظة، قد يصرح بعضهم بردها؛ لما تضمنته من مخالفة، لكن ليس مجرد ميلهم، وترجيحهم التيمم بجميع ما على وجه الأرض، وبجميع أجزائها؛ يتضمن رد هذه الرواية، فمن جعلها من باب العام والخاص؛ قال: يُتيمم بالتراب، وهو أفضل من غيره، ويتيمم بغيره من الصعيد الطيب الطاهر، جميع ما تصاعد وعلا على وجه الأرض، سواءً كان تراباً، أو غير تراب، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟(13/7)
فالشافعي وأحمد احتجا بذا ... والوصل والإرسال. . . . . . . . .
يعني في تعارضهما "من ذا" أي: الزيادات "أخذا":
. . . . . . . . . ... والوصل والإرسال من ذا أخذا(13/8)
وقل مثل هذا في تعارض الرفع مع الوقف "الوصل والإرسال من ذا" أي من هذا الباب أخذا؛ لأن الوصل زيادة، والإرسال زيادة وإلا نقص؟ نقص، وقل –أيضاً- في الباب الثاني الرفع زيادة، والوقف نقص، فالذي يقبل الزيادات مطلقاً يقبل الوصل، ويقبل الرفع، يقول: لأن مع من وصل زيادة خفيت على من أرسل، ومع من رفع زيادة خفيت على من وقف، والذي يرد الزيادات مطلقاً يرد الوصل، ويحكم بالإرسال ويرد الرفع ويحكم بالوقف؛ لأن الإرسال والوقف متيقن، وما فوقه من الوصل والرفع مشكوك فيه، ويكون داخلاً في القول الثاني في رد الزيادات، "والوصل والإرسال من ذا أخذ"، "لكن في الإرسال جرحاً" في الحديث، جرحاً في الحديث؛ يعني تضعيف للحديث "فاقتضى" ذلك، أي ذلك الجرح تقديمه "فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على التعديل "فاقتضى تقديمه ورد" رد هذا، وهو تقديم الإرسال، والحكم بأنه قدح في الوصل "ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل" ورد أن؛ يعني ورد تقديم الإرسال بأن مقتضى هذا قبول الوصل –أيضاً-، قبول الوصل –أيضاً-؛ "إذ فيه" أي: في الوصل "وفي الجرح علم زائد للمقتفي" علم زائد للمقتفي أي المتبع، فتعارضا، ظاهر كلامه، وإلا مو بظاهر؟ فيه خفاء؟ الآن هو جعل الوصل والإرسال من هذا الباب من باب الزيادات، وفي مقابلها النقص، فالوصل زيادة والإرسال نقص، وقل مثل هذا في الرفع والوقف، الرفع زيادة، والوقف نقص، فمن يقبل الزيادات؛ يقبل الوصل، ويقبل الرفع، والذي يرد الزيادات؛ يرد الرفع، ويرد الوصل، قال: "لكن في الإرسال جرحاً" في الحديث؛ يعني لا لذات الحديث، إنما هو جرح في راويه مما يقتضي تضعيف الحديث "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى" جرح في الراوي، ويتبع الجرح في الراوي الطعن في المروي "فاقتضى تقديمه" فيقدم الإرسال على الوصل من باب تقديم الجرح على التعديل، من باب تقديم الجرح على التعديل، من باب تقديم الجرح على التعديل، الأصل أن هذا الراوي الذي وصل هذا الخبر ثقة، لكن لما عورض برواية من أرسل، من أرسل؛ نستطيع أن نشكك فيه، وإلا ما نشكك؟ الذي أرسل الخبر؟ متيقن؛ يعني ذكر الحد المتيقَن المتفق عليه بينه وبين من وصل، لكن من وصل زاد؛ زاد راوي على من أرسل، فالقدر المتفق(13/9)
عليه هو الإرسال، القدر المشكوك فيه هو هذا الراوي الذي يقتضي؛ الذي من خلاله حكم بالوصل، بعض أهل العلم يُعِلُّ الخبر الموصول بالمرسل، يعله به؛ فيقتضي الطعن في راويه، إذا أعل الخبر الموصول بالمرسل؛ اقتضى ذلك الطعن في راويه، ولذا قال: "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى" فإذا كان عندنا راو أرسل، وهذا لا يمكن أن يطعن فيه، وراو وصل وهذا محل للطعن؛ لأنه زاد قدراً في الرواة لم يوافقه عليه الثاني، فرواية من أرسل تطعن في رواية من وصل، هذا يقول به بعض أهل العلم؛ لكن لو جئنا من ناحية أخرى؛ من ناحية ثانية، ورجحنا رواية من وصل؛ لماذا؟ بأي وجه يمكن أن ترجح رواية الوصل؟ لأنها زيادة ثقة، ومعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والخطأ والنسيان معرض له الإنسان؛ فيكون احتمال أنه نسي، والثاني ضبط، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على التعديل، لكن كون الأكثر على ما سيأتي يقدمون الجرح؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، هل نقول بأن "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى تقديمه" هذا قول الأكثر؟ يعني كما قلنا في تقديم الجرح على التعديل القول الأكثر؟ أو نقول في هذه نظير ما قلنا في مسألة اتفاق أهل العلم: على أنه لو تفرد الثقة بحديث؛ لا يلزمه منه اتفاقهم على قبول الزيادة عند التفرد؛ لأن عندنا أصل، ومقيس عليه، مقيس ومقيس عليه؛ أصل يقاس عليه، وفرع يقاس، فرواية الراوي الثقة لحديث كامل يتفرد به؛ يتفق أهل العلم على قبوله، زيادة يتفرد بها، وهو ثقة؛ هل نقول أنه يتفق أهل العلم على قبولها مثل ما يتفقون على رواية الحديث كاملاً؟ لا؛ ولذا انتقد نقل الاتفاق، وقال: "وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعا" انتقد هذا الكلام، ونظير ذلك المسألة الأخيرة "لكن في الإرسال جرحاً فاقتضى تقديمه" يعني كما يقدم الجرح على التعديل، وإذا كان تقديم الجرح على التعديل قول الأكثر؛ هل نقول: إن الطعن في رواية من وصل، وإعلالها برواية من أرسل؛ قول الأكثر؟ لا، ما يلزم، لا يلزم، نعم من أهل العلم من طعن بالإرسال؛ من قدح الرواية الموصولة بالرواية المرسلة، ولكن لا يمكن أن يقال أن هذا قول الأكثر؛ لأنه(13/10)
مردود "وردَّ أن مقتضى"، "ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل" أيضاً، مقتضى هذا الكلام الذي هو الطعن في رواية من وصل برواية من أرسل؛ يمكن تعكس القضية؛ لماذا لا يطعن في رواية من أرسل برواية من وصل، وله وجه، له وجه وإلا ما له وجه؟ له وجه؛ لماذا؟ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ومن زاد معه زيادة علم خفيت على من نقص، ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل –أيضاً-، فنجرح الراوي الذي أرسل لمخالفته رواية من وصل، يعني كما ادعي عكس ذلك "أن مقتضى .. "
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي ... الجرح علم زائد للمقتفي
يعني في الجرح زيادة، أو علم خفي على من عدل، فمن جرح الراوي -على ما سيأتي-؛ يذكر فيه وصفاً خفي على من عدله، نعم، إذا قال المعدل: أعرف هذا الجرح؛ لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق يمكن قبوله، نعم، يمكن قبوله، فيكون عنده –أيضاً- علم زائد، المعدِّل عنده علم زائد على الجارح، يكون عند الجارح علم زائد على المعدل من وجه، ويكون عند المعدل علم زائد على من جرح؛ يعني ننظر المسألة؛ لأن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من الإعادة، أنا أشوف بعض الأخوان كأنهم ..
التنظير في طعن الرواية؛ رواية الوصل برواية الإرسال بتقديم الجرح على التعديل؛ لأن رواية الوصل يقدح فيها أو تعل برواية الإرسال، تعل برواية الإرسال، وقلنا إن هذا الكلام ليس بأولى من عكسه، ليس بأولى من عكسه؛ لأنه إذا قيل: إن من وصل أتى بقدر زائد على المتفق عليه فهو مشكوك فيه؛ نقول –أيضاً-: من أرسل احتمال أن يكون نسي هذه الزيادة؛ فتكون رواية من وصل هي المرجحة، ونظير ذلك الجرح والتعديل، الجرح والتعديل، إذا قدمنا قول الجارح، وهو قول الأكثر؛ لأن معه زيادة خفيت على من عدل، الذي يقول: هذا ثقة، والذي يقول: ضعيف؛ لأنه يشرب الخمر؛ مثلاً، أو يترك بعض الواجبات؛ هذا يعرف عن هذا الراوي ما لا يعرفه المعدَّل؛ لكن لو قال المعدل: أنا أعرف السبب الذي جرحه من أجله، أنا أعرف السبب، الجرح مفسر يعني مقبول، لكن يبقى أن يقول: أنا أعرف السبب، لكن أنا أعرف الرجل أنه تاب توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، فيكون حينئذٍ مع المعدل زيادة؛ زيادة علم خفيت على الجارح.(13/11)
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي ... الجرح علم زائد للمقتفي
أي المتبع.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: في منطقة من مناطق المملكة فيها أحناف يصلون العصر في الخامسة والنصف؛ علماً أن العصر يؤذن لها في الثالثة وخمس دقائق، والمغرب في السادسة والنصف مساءً؛ هل تجوز الصلاة معهم في هذه الحالة؟
معروف مذهب الحنفية في دخول وقت صلاة العصر، وأنه مصير ظل الشيء مثليه، ومذهب الجمهور أن وقت صلاة العصر يدخل بعد مصير ظل الشيء مثله؛ مثل واحد، يعني بطوله، وعند الحنفية مثليه، ويلزم على هذا أن الوقت لا يدخل إلا متأخر عند الحنفية.
على كل حال هم في الوقت، هم يصلون في الوقت؛ لأن الوقت وقت الاختيار ينتهي باصفرار الشمس، ووقت الاضطرار ينتهي بغروبها، ينتهي بغروبها، في الحديث الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس؛ فقد أدرك العصر))، وإذا نام الإنسان عن صلاته، وفاته أول الوقت مع جماعته الذين اعتاد الصلاة معهم، والذين يوافقونه على ترجيح مذهب الجمهور؛ له أن يصلي مع الأحناف، ولو تأخروا في صلاتهم، لكن لا يكون هذا ديدن وعادة؛ بحيث تكون سمة له أنه يؤخر الصلاة عن أول وقتها.
يقول: ما أهم كتب أصول الفقه للمبتدئ، وما رأيك بكتاب مختصر التحرير لابن النجار؟
المبتدئ يناسبه الورقات للجويني، وأما مختصر التحرير فهو كتاب فيه عسر؛ فيه صعوبة، لا يناسب المبتدئين، فإذا انتهى من الورقات مع شروحها المطبوعة والمسموعة؛ له أن يدرس في مختصر التحرير، يدرس مختصر التحرير مع شرحه، ومثل ما ذكرنا بالأمس أن التأليف وسيلة للتحصيل؛ يعني لو جاء إلى شرح المختصر المطبوع في أربعة مجلدات، وصاغ منه بأسلوبه شرحاً في مجلد متوسط كفاه، واستفاد فائدة عظيمة.
يقول: ذهب شخص إلى الحلاق، فحلق رأسه، وأخطأ الحلاق فحلق بعض لحيته من جهة واحدة، فعندما ذهب إلى زملائه؛ قالوا له: احلقها كلها، ولا تتركها هكذا.
لا يجوز له أن يحلقها، لا يجوز له أن يحلقها، لا يستجيب لهم.(13/12)
يقول: ما رأيكم بالبعثات الدراسية خارج المملكة لمن تخرج من الثانوية العامة، ومن كانت نيته التعلم والدعوة إلى الله –تعالى-؟
الذهاب إلى الخارج لا سيما في بلاد الكفار بهذه السن مخاطرة؛ مخاطرة بالدين-نسأل الله السلامة والعافية.
هذا يرجو توجيه كلمة للحضور حول فضل طلب العلم، والمصابرة، والرحلة فيه، فإن بعض الحاضرين قدموا من خارج الرياض من مكة، وبعض المدن؛ فنأمل التوجيه حول الإخلاص في طلب العلم، وتجديد النية.
هذا الموضوع فيه أشرطة كثيرة فيرجع إليها؛ لأنه يحتاج إلى شيء من البسط.
هل نقبل زيادة الصدوق على الثقة؟
أما زيادة من تقبل روايته فهي المرادة هنا، في قولهم: في زيادات الثقات، من يقبل حديثه؛ تقبل زيادته إذا دلت القرائن على ثبوتها.
يقول: ما معنى حذف المضاف مع نيته؟
حذف المضاف معلوم؛ لئلا يذكر، مع أنه في نية المتحدث: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم]، أي من قبل ذلك، ومن بعده، وهو ينويه، أما إذا لم ينوه:
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . .
ما نوى المضاف؛ فأعرب ونون.
أي طبعة توصي بها في شرح ألفية الحديث للسخاوي؟
الكتاب طبع مراراً، ومن طبعاته؛ طبعة محققة في رسالتين موجودة في الأسواق.
يقول: ما مراد ابن حبان في قوله: "يعتبر به أو لا يعتبر به إذا وافقه الثقات" أيش معنى هذا؟
الذي يقول: يعتبر به في الغالب الدارقطني؛ يعني أنه ممن يؤنس بروايته، ويركن إليها إذا ووفق؛ بمعنى أنه ليس بشديد الضعف، ويرتفع خبره عند المتابعة، والشاهد.
بعض الإخوان حضر إلى المسجد، وجماعة المسجد يصلون فلم يدخل في الصلاة بناءً على أنه قد صلى الفجر؛ نأمل توضيح ذلك، فقد يكون البعض يجهل أن الأفضل الدخول في الصلاة، وهي نافلة له.
نعم إذا جاء والناس يصلون يصلي معهم، وهي له نافلة.
ما أفضل طبعة لصحيح مسلم؟
أفضل طبعات صحيح مسلم الطبعة العامرة المطبوعة في تركيا سنة ألف وثلاثمائة وثمان أو سبع وعشرين.
ما الذي يبدأ به طالب العلم لحفظ الأسانيد؟(13/13)
يعني لو حفظ الأسانيد من تحفة الأشراف؛ لا سيما السلاسل المطروقة؛ أحاديث المكثرين من الرواة، فيحفظ إسناداً واحداً، ويحفظ بواسطته مائة متن، وهنا يوفر له الوقت والجهد.
قول النحاة في مثل قول الله -جل وعلا-: {خَلَقَ الإِنسَانَ} [(4) سورة النحل]، يقولون: مبني للمجهول، وتعالى الله –تعالى- ليس بمجهول.
هذا بناء الفعل؛ مقصودهم بناء الفعل، وإلا فالله -جل وعلا- أعرف المعارف، مقصودهم بناء الفعل، ولا شك أن الفعل لم يذكر معه فاعله، وإلا فالله –تعالى- كما قال سيبويه أعرف المعارف؛ لأنه حينما يبحث النحاة في بناء الكلمة؛ كما قالوا عن لفظ الجلالة؛ هل هو مشتق، أو غير مشتق؟ والمشتق لا بد أن يكون مشتقاً من شيء آخر، والأصل أن المشتق فرع، والله -جل وعلا- هو الأصل، والموجد للأشياء، لكنهم يدرسون الكلمة من حيث بنائها اللغوي والإعرابي.
يقول: ثبت في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليرقه، وليغسله سبعاً))، وقد حكم الحفاظ؛ منهم النسائي أن لفظة: ((فليرقه)) تفرد بها علي بن مسهر؛ سؤالي: ما موقفي -كطالب علم- من هذه الزيادة؟ هل أقبلها، وأقول: هي في صحيح مسلم، أم أردها؛ لرد الحفاظ لها؟
لا، هي مقبولة على كل حال، وما في الصحيح لا يقبل النقاش إلا إذا ما اتفق الحفاظ على ردها، إذا اتفقوا على ردها؛ نحكم بأنها وهم من بعض الرواة، وليسوا بمعصومين، لكن مع ذلك ما ثبت في الصحيحين؛ في هذين الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول؛ لا مندوحة، ولا مفر من قبولها.
يقول: لو كان الشيخ الثقة يحدث بالزيادة، ثم إنه ذكر بهذه الزيادة، فأعرض عنها؛ فهل هذا من القوادح في رد هذه الزيادة التي يحدث بها؟
هذا الرد، أو الإعراض عن هذه الزيادة، أو ترك هذه الزيادة لما ذكر تذكر أنه أخطأ في نقلها، وفي روايتها؛ هذا خطأ، والخطأ لا يعروا منه أحد، من يعرو من الخطأ والنسيان؟ لكن إذا كثر هذا في حديث الراوي ضعف بسببه.(13/14)
يقول هذا من مصر؛ هذا يقول: يعاني من السحر منذ خمس سنوات، يقول: فقد سحرني أحد القساوسة، وهو رجل يسكن في المسكن الذي بجواري، وأنا من طلبة العلم عن طريق الإنترنت، وأجد الهمة، والنشاط في الأوقات التي أكون فيها طالباً للعلم، ومقيماً للواجبات، وأحياناً أجد حالي عكس ذلك من أفكار غريبة، وأفعال شيطانية مريبة، وبعد عن الالتزام، وغير ذلك كثير حال تلبسي بالسحر؛ فما هو العمل الشرعي، والتحصينات الشرعية؛ القولية، والعملية؛ لدفع ذلك السحر؟
على كل حال هذا الرقى الشرعية بالكتاب والسنة لا سيما إذا كانت على يد معروف بالاستقامة، وتحقيق التوحيد، وتجريده، والبعد عما نهى الله عنه؛ فمثل هذا ينفع بإذن الله، والقرآن شفاء.
يقول: هل يستحب لمن أحب شخصاً في الله؛ لصلاحه أن يخبره؟
نعم، وجاء الأمر بذلك، والحكمة من إخباره أن يتبادل المسلمون هذه المحبة، وأن يوجد النشاط من قبل المحبوب؛ ليبعثه ذلك على العمل، والزيادة منه.
وهل لا بد أن تكون المحبة من الطرفين؛ لينالوا أجر المتحابين في الله المذكور في الحديث؛ إن الله يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أم يكفي محبة الطرف الأول للطرف الثاني، والثاني لا يكون في قلبه محبة للأول؟
إذا وجدت المحبة من الطرفين هذا هو الأصل بين المسلمين، والتحاب في الله، والمتحابين في الله، هذه الصيغة تدل على أنها من الطرفين، لكن لو قدر أن شخصاً أحب آخراً، والثاني لا يعلم به؛ لا يقدح هذا في محبته إياه في الله، وترتب الثواب والأجر عليه، حتى ولو علم به، وأحبه هذا لما عنده من خصال الخير، والثاني كرهه لما عنده مما يمكن أن يكره من أجله، ولو جد فيه خير؛ فهذا لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما حكم إذا وضعت ورقة داخل القرآن الكريم؟(13/15)
هذه الورقة إذا كانت نظيفة، ولا فيها شيء يدل على الاستخفاف بالقرآن؛ فلا شيء في ذلك، لا سيما إذا أراد أن يجعلها علامة على موقفه في القراءة، إذا أراد أن يجعلها علامة على موقفه في القراءة؛ لا بأس، أما إذا أراد حفظ هذه الورقة في المصحف، يعني هذه الورقة؛ إما صك شراء بيت، وإلا شهادة، وإلا شيء من هذا، وإلا وثيقة دين، وأراد حفظها بالمصحف؛ هذا يفعله بعض الناس؛ هذا امتهان للقرآن الكريم.
يقول: ما الحكم لو سلمت على واحد جنب.
إيش معنى جنب؛ يعني ما استقبلته بوجهك، أعطيته يدك وأنت معرضاً عنه؟ هذا يقدح في المقصود من السلام، المقصود من السلام أنه يزرع المحبة بين المسلمين، والسلام بهذه الطريقة على جنب، هذا اللي فهمت من السؤال؛ بأن يمد يده غير ملتفت إليه؛ مثل هذا يقدح في السبب الذي من أجله شرع السلام.
لماذا بعد الصلاة لا نقول حرماً، ونقول بدلاً منها: تقبل الله منك؟
هذا من مصر؛ هذه الألفاظ كلها ما ثبتت بعد الصلاة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عن صحابته الكرام، فلا يقال لا حرماً، ولا تقبل الله منك، إنما بعد الصلاة ينشغل المصلي بالأذكار، وكان الصحابة يعرفون انقضاء صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتكبير، والمراد بذلك الذكر المشروع بعدها من الاستغفار، ثم بقية الأذكار، ولو دعا لإنسان مرة في الشهر، أو مرة في الأسبوع بقبول الأعمال؛ لا على سبيل الاستمرار، ولا على سبيل التعبد بهذا اللفظ المخصوص، أرجو أن يكون لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
الأفراد:
الفرد قسمان ففرد مطلقا ... وحكمه عند الشذوذ سبقا
والفرد بالنسبة ما قيدته ... بثقة أو بلد ذكرته
أو عن فلان نحو قول القائل ... لم يروه عن بكر إلا وائل
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... لم يرو هذا غير أهل البصرة
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... تجوزاً فاجعله من أولها
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية(13/16)
لكن إذا قيد ذاك بالثقة ... فحكمه يقرب مما أطلقه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الأفراد" الأفراد جمع فرد، وهو من التفرد، والتوحد، وعدم المشاركة في الرواية، ومناسبة هذا الباب، أو هذه الترجمة لما قبلها ظاهرة، وصنف في الأفراد جمع من أهل العلم؛ كالدارقطني، وابن شاهين، والأفراد موجودة في الدواوين المشهورة؛ كجامع الترمذي، والبزار، والأوسط، والصغير للطبراني؛ يعني موجودة في جامع الترمذي، وكثيراً ما ينص على التفرد، وعلى الغرابة في الحديث، كما أنها موجودة في معاجم الطبراني الأوسط والصغير دون الكبير، وكذلك موجودة في مسند البزار.
يقول -رحمه الله تعالى-:
الفرد قسمان ففرد مطلقاً ... . . . . . . . . .
يعني الفرد المطلق، والفرد النسبي؛ الفرد المطلق فرد يقع مطلقاً؛ هذا هو القسم الأول، بأن يتفرد به راوٍ واحد عن جميع الرواة، يتفرد بالحديث راوٍ واحد عن جميع الرواة، هذا يسمونه فرد مطلق.
. . . . . . . . . ... وحكمه عند الشذوذ سبقا
حكم الفرد المطلق عند الشذوذ سبق؛ لأنه إن كان مع المخالفة تضمن هذا التفرد؛ مخالفة لما يرويه من هو أوثق منه، أو أكثر، أو أحفظ؛ فهو الشاذ عند الإمام الشافعي، ومطلق التفرد من ثقة وغيره شذوذ عند بعض أهل العلم، وتفرد الثقة شذوذ –أيضاً- عند آخرين على ما تقدم شرحه، هذا حكم التفرد المطلق، أما التفرد مع المخالفة؛ فلا إشكال في الحكم عليه بالشذوذ، فلا إشكال في الحكم عليه بالشذوذ، وأما التفرد مع عدم المخالفة؛ فكثير من الأحاديث مخرجة في الصحيحين(13/17)
مع الاتصاف بهذا الوصف، مع التفرد المطلق من قبل بعض رواته، وبعضهم يشترط التعدد في الرواية، يشترط العدد في الرواية، وهذا تقدم في أوائل الألفية أنه قال به بعض العلماء من شراح البخاري، وغيرهم، يقول به الكرماني، ونص عليه في مواضع من شرح البخاري، ويفهم من كلام البيهقي في بعض المواضع، وقال به أبو بكر بن العربي، وهو المعروف عن أبي الحسين البصري، وأبي هاشم الجبائي من المعتزلة، لاشتراطهم العدد في الرواية، وهذا قول لا شك أنه مرجوح، فالراوي الثقة الحافظ الضابط إذا تفرد بالخبر قُبِل، ما لم يتضمن مخالفة لما يرويه من هو أوثق منه، وحديث الأعمال بالنيات مجمع على قبوله، وصحته مع أنه فرد مطلقاً، وآخر حديث في الصحيح: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن))، -أيضاً- فرد مطلق، وسبق شرح، وبيان هذا هذه المسألة، ثم ذكر القسم الثاني من أقسام الأفراد، وهو الفرد النسبي، فقال: "والفرد بالنسبة" إلى جهة خاصة، وهو القسم الثاني:
. . . . . . . . . ما قيدته ... بثقة أو بلد ذكرته(13/18)
"قيدته بثقة" لا يرويه عن سعيد إلا فلان، لا يرويه عن سعيد بن المسيب إلا صالح بن كيسان، يتفرد بروايته صالح بن كيسان عن سعيد بن المسيب من بين الآخذين عن سعيد، هذا فرد، وتفرد لكنه نسبي، فقد يرويه غير صالح عن غير سعيد، فهو بالنسبة إلى سعيد تفرد بروايته صالح بن كيسان "بثقة أو بلد" معين "ذكرته" كأن يتفرد بالسنة المروية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل مكة، أو أهل البصرة، أو أهل مصر، هذا –أيضاً- تفرد لكنه نسبي، تفرد به أهل مصر، هذا التفرد نسبي، وإن رواه جمع منهم، من المصريين، أو من البصريين، أو من المكيين، أو المدنيين، هذا هو الفرد النسبي؛ لأن التفرد بالنسبة إلى شيء معين، إما إلى راوٍ ثقة، أو إلى جهة معينة، وقد يكون مروياً عن جمع من أهل هذا البلد، أو عن جمع من الرواة عن غير هذا الراوي الثقة الذي قيد به، أو يقيد براوٍ معين "أو عن فلان" بأن يقال: لم يروه عن فلان إلا فلان، يعني مثل ما تقدم في تقييده بالثقة، المراد بالثقة في الأول: لم يروه ثقة إلا فلان، لم يروه ثقة إلا فلان، يعني لو قيل: ما رواه إلا مالك، ومرادنا بهذا التقييد من الثقات، وإن رواه جمع من الضعفاء، وإن رواه جمع من الضعفاء، فالتفرد هنا بالنسبة للوصف بالثقة، وقوله: "أو عن فلان" التقييد براو معين لم يروه عن فلان إلا فلان، مثل ما ذكرنا في المثال السابق، لم يروه عن سعيد إلا صالح بن كيسان، وإن رواه غير صالح عن غيره، فالفرق بين قوله: "من قيدته بثقة" يعني لم يروه من الثقات إلا مالك مثلاً، وإن رواه من الضعفاء غيره، كابن لهيعة، والإفريقي، وجمع ممن ضعف.
أو عن فلان نحو قول القائل ... . . . . . . . . .
"نحو قول القائل" أبي الفضل بن طاهر في حديث أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولم على صفية بسويق وتمر، هذا الحديث في السنن، لم يروه إلا وائل بن داود التيمي عن ولده بكر بن وائل:
. . . . . . . . . ... لم يروه عن بكر إلا وائل(13/19)
القائل هو أبو الفضل بن طاهر في حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولم على صفية بسويق وتمر "لم يروه عن بكر" بكر بن وائل "إلا وائل" أبوه وائل بن داود التيمي، ولم يروه عن وائل إلا ابن عيينة، لم يروِ عن وائل إلا ابن عيينة، رواه ابن عيينة عن وائل بن داود التيمي عن ابنه بكر بن وائل، ولذا قال الترمذي فيه: حسن غريب، حسن غريب يعني من هذا الوجه، من هذا الوجه الذي فيه هذا النوع النادر، وهو رواية الأب عن ابنه، والغالب العكس، رواية الابن عن أبيه، ورواه ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس، والمحفوظ الأول، قاله الدارقطني، والمحفوظ الأول، كما قاله الدارقطني، هذا تفرد نسبي، هذا تفرد نسبي وليس بمطلق.
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... . . . . . . . . .
"لم يروه ثقة إلا ضمرة" في حديث قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاة عيد الأضحى بقاف، واقتربت، رواه مسلم، ما رواه ثقة إلا ضمرة بن سعد المازني، ورواه من غير الثقات ابن لهيعة، وهو مضعف في قول الجمهور، وروايته عند الدارقطني:
لم يروه ثقة إلا ضمرة ... لم يرو هذا غير أهل البصرة
"لم يرو هذا غير أهل البصرة" بحديث أبي سعيد قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة الفاتحة، فاتحة الكتاب، وما تيسر، قال الحاكم: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل البصرة، تفرد بها أهل البصرة، هذا هو التفرد النسبي، وأما التفرد المطلق كأن يستقل الراوي بروايته عن جميع الرواة، لا يتابعه عليها أحد من الرواة، لا من الثقات، ولا من الضعفاء، وأما التفرد النسبي، فهو ما قيد بثقة، أو براوٍ معين، أو ببلد معين، وإن روي من غير هذه الجهة، أو روي عن غير هذا الراوي، أو شاركهم من الرواة غيره ممن لا يتصف بوصفه، كالتوثيق مثلاً.
قال -رحمه الله-:
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... . . . . . . . . .(13/20)
"فإن يريدوا واحداً" فإن يريدوا يعني القائلين "واحداً من أهلها" يعني القائلين كالحاكم في الحديث السابق تفرد به أهل البصرة، فإن يريدوا واحداً من أهل البصرة تفرد برواية هذا الحديث "فإن يريدوا واحداً" فقط "من أهلها" أي من أهل تلك البلدة "تجوزاً" في الإضافة "تجوزاً" في هذه الإضافة "فاجعله من أولها" فاجعله من الفرد المطلق، الأصل أنه فرد نسبي؛ لأنه بالنسبة إلى تلك الجهة، لكن هذا المنسوب إلى هذه الجهة إن تفرد بروايته مجموعة من أهل تلك الجهة؛ صار فرداً نسبياً، وأن تفرد به واحد، يعني رواه مجموعة من أهل البصرة، صار فرداً نسبياً بالنسبة إلى تلك الجهة، تفرد أهل بلد، لكن إن تفرد به واحد من أهل تلك الجهة من أهل البصرة، أو تفرد به واحد فقط من أهل مكة، أو من أهل المدينة "فاجعله من أولها" يكون من النوع الأول، وهو التفرد المطلق، والوصف بكونه من أهل مكة، أو من أهل البصرة لا يؤثر، فالمنظور إليه الراوي غير المشارَك:
فإن يريدوا واحداً من أهلها ... تجوزاً. . . . . . . . .
يعني في الإضافة، فقد ينسب العمل إلى أهل بلد، والعامل به واحد، تنسب الرواية إلى أهل بلد، والراوي واحد من أهلها، ثم قال -رحمه الله تعالى-:
وليس في أفراده النسبية ... . . . . . . . . .
وليس في أفراده، أي في أفراد هذا الباب النسبية، يعني في الأفراد من القسم الثاني، يعني وصف الخبر بأنه تفرد به أهل بلد، أو تفرد به هذا الثقة، أو هذا الراوي عن هذا الراوي بعينه، ووافقه على ورايته رواة آخرون عن غير هذا الراوي "ليس في أفراده النسبية" يعني كون أهل البصرة يتفردون به، ويرويه أكثر من واحد منهم، أو يتفرد به صالح بن كيسان عن الزهري فيما مثلنا، ويرويه آخرون عن غير سعيد بن المسيب:
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية(13/21)
يعني إذا قلنا: إن هذا فرد، وفرد نسبي، وليس بفرد مطلق، فإن هذا لا يدل على ضعف الخبر؛ لوجوده مروياً بروايات أخرى بمجموعة من أهل هذا البلد، أو يرويه جمع آخرون عن غير هذا الراوي بعينه، الذي نسب إليه التفرد؛ لأنه عندنا الصور النسبية يمكن حصرها في ثلاث: في الجهة، في البلد، يتفرد بها أهل مصر، يتفرد بها أهل البصرة، يتفرد بها أهل مكة، لكن يرويه من أهل مكة جمع، نقول: تفرد بها أهل مكة، وإن كانوا جمعاً؛ لأن هذا التفرد بالإضافة إلى الجهة.
الثاني: أن يتفرد به راوٍ معين عن راوٍ، بالنسبة لهذا الراوي لم يروه إلا فلان، وفي مثالنا: لم يروه عن سعيد بن المسيب إلا صالح بن كيسان بغض النظر عن الرواة الآخرين، فقد رواه جمع عن سالم مثلاً، أو عن نافع، فهذا تفرد بالنسبة لمن روي عنه.
الثالث: تفرد الثقة من بين الثقات، ولو وافقه على روايته جمع من الضعفاء:
وليس في أفراده النسبية ... ضعف لها من هذه الحيثية
أي حيثية التفرد النسبية، لكن إذا قيد ذاك بالثقة، يعني إذا قيد القائل من الحفاظ التفرد بالثقة، إذا قيد القائل من الحفاظ التفرد بالثقة، وهي الصورة الثالثة مما ذكرناه، تفرد به فلان، يعني تفرد به فلان بالنظر إلى ما اتصف به من الثقة، ولو وافقه عليه آخرون من الضعفاء:
لكن إذا قيد ذاك بالثقة ... . . . . . . . . .
كقولهم: لم يروه ثقة إلا فلان:
. . . . . . . . . ... فحكمه يقرب مما أطلقه(13/22)
"فحكمه يقرب مما أطلقه" يعني يقرب من حكم القسم الأول الذي مضى في الشاذ، وأشير إليه في البيت الأول "فحكمه يقرب مما أطلقه" أي: يقرب من القسم الأول؛ لأن رواية الثقة كلا رواية، يعني وجود غير الثقة روايته، وجودها مثل عدمها، إذا قيل: تفرد به الثقة فلان، هذا حديث تفرد به مالك، يعني من بين الثقات ما رواه إلا مالك، ورواه من الضعفاء جمع، قالوا: رواية هؤلاء الضعفاء كلا رواية، اللهم إلا إذا نظرنا إليه من حيث التقوية بتعدد الطرق القابلة للانجبار، يعني إذا رواه مثلاً مالك، تفرد به من الثقات، ثم رواه جمع من الضعفاء كلهم ضعفهم غير شديد، أحاديثهم يرقي بعضهم بعضاً إلى أن تكون بمثابة الحديث الواحد القوي، فيرجح بها عند التعارض، فيرجح بها عند التعارض.
المعلل
وسم ما بعلة مشمول ... معللاً ولا تقل: معلول
وهي عبارة عن أسبابٍ طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
تدرك بالخلاف والتفرد ... مع قرائن تضم يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع أو متن دخل ... في غيره أو وهم واهم حصل
ظن فأمضى أو وقَف فأحجما ... مع كونه ظاهره أن سلما
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي: "المعلل" وهذا النوع من أنواع علوم الحديث، من أجل علوم الحديث، وأدقها، وأشرفها، ولا ينوء به إلا القليل من الأئمة الحفاظ، وكم من شخص اشتغل بالحديث السنين الطوال، ولم يدرك علة، وإن حكم، وإن درس الأسانيد، وحكم، لكن هذه العلل لها أهلها، لها أهلها أهل الحفظ، والخبرة، والفهم الثاقب.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وسم ما" يعني من الحديث "بعلة مشمول" بعلة خفية، سواءٌ كانت في سند الحديث، أو متنه:
وسم ما بعلة مشمول ... . . . . . . . . .
يعني بالعلة الخفية في سند الحديث، أو متنه، وسيأتي إطلاق العلة على الظاهرة، لكن العلة إذا أطلقت في كتب علوم الحديث، فإنما يراد بها الأسباب الخفية التي تقدح في المتن، أو في السند الذي ظاهره السلامة:
وسم ما بعلة مشمول ... معللاً. . . . . . . . .(13/23)
كما قال ابن الصلاح: "ولا تقل: معلول" ولا تقل معلول؛ لأنه عندنا المعلل الذي عنون به، وترجم به، هذا لفظ، وعندنا –أيضاً- معلول، وعندنا معل، والألفاظ الثلاثة كلها إيش؟ اسم مفعول، اسم مفعول، مُعَل اسم مفعول، ومُعِل اسم فاعل، ومُعلَّل اسم مفعول، ومُعلِّل اسم فاعل، ومعلول اسم مفعول، واسم الفاعل من ذلك عالٌّ، على وزن فاعل، الحافظ -رحمه الله تعالى- يقول: سمه معللاً، ولا تسمه معلولاً، سمه معللاً، ولا تسمه معلولاً، جاء التعبير بمعلل، هذا حديث معلل، من قبل الأئمة، وأيضاً- جاء التعبير بلفظ معلول، وقع في كلامهم كثيراً، وقع في كلام الحفاظ كثيراً "معلول"، وقع في كلام البخاري، ووقع في كلام الترمذي، والحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: "ولا تقل"، يقول: "ولا تقل معلول" طيب وقع في كلام الحفاظ، ووقع في كلام الأصوليين، ووقع في كلام أهل الكلام المتكلمين، ووقع في كلام أهل العروض، يقولون: معلول، ووقع –أيضاً- في كلام بعض اللغويين، كالزجاج، والحافظ العراقي يقول: "لا تقل معلول" فإذا وقع من المحدثين، كالبخاري، والترمذي، ووقع من الأصوليين، فهم كثيراً ما يعبرون بالعلة، والمعلول، ووقع في كلام المتكلمين، ووقع –أيضاً- في كلام العروضيين، ووقع في كلام بعض اللغويين، والحافظ العراقي يقول: "ولا تقل معلول" لماذا؟ معلول من الفعل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(13/24)
هذا اسم مفعول مبني من الثلاثي، مبني من الثلاثي، الفعل اسم المفعول من ضرب مضروب، من أكل مأكول، من شرب مشروب، علَّ، طيب علَّ ثلاثي، الحرف المضعف من حل حرفين؛ ما الفرق بين علَّ وعلل؟ نعم؟ اسم المفعول من علَّ معلول، طيب، وعلل اسم المفعول منه معلل، وأعلَّ اسم المفعول منه معلّ، عل من العلة، من العلة، وعلل من التعليل، وهو الإشغال، والإلهاء، علله بالطعام، يعني شغله به، وألهاه به، وعل من العلة، فهو معلول، من العلة التي هي في الأصل للأجسام، كما تقول: مجنون، ومسلول من سُلَّ، وجُنَّ، فهو مسلول، ومجنون، الأصل فيها الأجسام، واسم المفعول من أعل معل، وهذا اللفظ هو الذي رجحه الحافظ العراقي، وبعضهم حكم على اللفظ لفظ المعلل، والمعلول أنه شذوذ، وقال النووي: لحن، وقال ابن سيدة: لست منها على ثلج، يعني ما أنا مرتاح لهذه الكلمة، معلل، ولا معلول، وإنما يقال: معل، لكن إذا وجد في كلامهم، وأطلقوه على بعض الأحاديث إذا أطلقوه على بعض الأحاديث، فلا مندوحة، ولا مفر من تقليدهم فيه، ولذا يقول الحافظ ابن حجر: أولى ما يقال في الخبر أنه معلول، وسمى كتابه:: الزهر المطلول في الخبر المعلول" مجاراة، ومتابعة لأهل الحديث الذين أطلقوا، ومنهم إمام الصنعة البخاري، مادام أطلقوه، ووجد في كلام بعض اللغويين؛ إذن له أصل في اللغة، ووجد في كلام الفقهاء، والأصوليين، والمتكلمين، يعني إطلاق اللغويين، وإطلاق الفقهاء، والأصوليين، والمتكلمين؛ هل هو بمعنى إطلاق المحدثين؟ يعني العلة، والمعلول في الأصول، أو في علم الكلام مثلاً، وأوردها شيخ الإسلام بهذا اللفظ معلول، علة ومعلول، في درء تعارض العقل والنقل في أكثر من موضع، هل مرادهم بهذا الإطلاق هو مراد المحدثين في إطلاقهم على الحديث بأنه معلول؟ هم لا يقصدون بذلك الأحاديث، وإنما ينظرون إلى المؤثر والتأثير، والمؤثر فيه، إطلاق هؤلاء كلهم غير إطلاق المحدثين، لكنهم يشتركون في الصيغة، فيقولون: معلول، والأمر سهل، الأرجح عند الحافظ العراقي أن يقال: معل؛ لأنه من الفعل أعله فهو معل، وأما المعلل، فهو من علله بالشيء أي شغله به، والمعلول على إطلاق غير المحدثين المؤثَر فيه، وإذا أردنا أن نوجد(13/25)
مخرج لمن أطلق من الحفاظ على الحديث الذي فيه قادح معلول، فإن الأمر يسير، فالعلة لا شك أنها تشغل بال الحافظ، الذي يبحث في هذا المجال، فالذي أوجد فيه هذه العلة شغل الحفاظ بمعرفتها، وبحثها، والتنقيب عنها، ومعرفتها، ومعرفتها إنما تكون بعد جمع الطرق، فعللهم، وشغلهم بها، وألهاهم بها، وهذا التماس لما صنعه الأئمة، وكوننا نلتمس لهم أفضل من أن نغلطهم، أفضل من أن نغلطهم، والأمر سهل؛ لأنه إذا عرف المقصود من الكلمة التي تداولها أهل العلم ينتفي المحذور، الإشكال إذا كانت هذه الكلمة في استعمالها في أكثر من فن يوقع في لبس، إذا كان استعمالها يوقع في لبس، فلا بد من تمييزها عن غيرها، وقد تكون الكلمة من المشترك، فتطلق الكلمة، ويراد بها أكثر من معنى.
على كل حال الأمر سهل، والحافظ العراقي -رحمه الله- شدد في هذه المسألة، وخطَّأ، والنووي يقول: لحن، وابن سيدة وهو من أئمة اللغة يقول: إنه ليس منها على ثلج، يعني ليس بمرتاح إلى هذا البناء.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وهي" أي العلة:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... . . . . . . . . .
"عن أسباب" جمع سبب، طرت بحذف الهمزة، والأصل فيها: طرأت، فحذفت الهمزة "عبارة عن أسباب طرت" أي ظهرت للناقد، أو وجدت في سند الخبر، أو في متنه طارئة لا أصل، الأصل السلامة منها، ثم طرأت عليه هذه العلة:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها. . . . . . . . .
أي في هذه الأسباب غموض "غموض وخفاء أثرت" وخفاء، عطف تفسير، عطف تفسير، وإلا فالغموض هو الخفاء:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
فالعلة على هذا هي السبب الخفي الغامض الذي يقدح في الخبر الذي ظاهره السلامة منه، سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منها "تدرك" يعني هذه الأسباب، تدرك هذه الأسباب بعد جمع الطرق "بالخلاف" بين الرواة، بمخالفة راويه لغيره:
تدرك بالخلاف والتفرد ... . . . . . . . . .(13/26)
بحيث لا متابع "مع قرائن تضم" لما ذكر من الخلاف، والتفرد "يهتدي" بمجموع ذلك "جهبذها" تدرك هذه العلل بأول مرحلة بجمع الطرق، فإذا جمعت الطرق، ودرست من قبل الدارس النابه اليقظ الجهبذ؛ تبين له ما خفي على غيره، وما يخفى عليه لولا جمع الطرق؛ لأن الحديث من طريق واحد لا يتبين خطؤه حتى تجمع طرقه، فإذا جمعت طرقه تبين خطؤه، ولذا نوصي إخواننا الطلاب بأن يتمرنوا على هذه الطريقة، وأن يبدءوا بالكتب الستة، ماذا يصنعون؟(13/27)
يجعلون مثلاً صحيح البخاري محوراً، يبحثون ويدورون عليه، فيأتون إلى حديث الأعمال بالنيات، أول حديث في الصحيح، ثم ينظرون في مواضعه من صحيح البخاري، ترى هذه من أعظم ما ينفع طالب العلم في معرفة هذه الأسباب التي تقدح في الأخبار، وتؤثر على الأسانيد، والمتون، وهي –أيضاً- من أنفع ما ينفعه في باب التفقه، وفي فهم الأحاديث على وجهها، تأتي إلى الحديث الأول في صحيح البخاري، وتنظر في مواضع تخريجه من الصحيح، وتربط بين الترجمة والخبر، وتنظر فيما ذكره البخاري -رحمه الله- في الترجمة من فقهه الدقيق، وما ذكره في الترجمة من أثر عن صحابي، أو تابعي مما يبين لك بعض الإشكال في الحديث، فإذا جئنا مثلاً إلى حديث معاوية، إلى حديث معاوية، في الصحيح في البخاري، وغيره: ((إنما هلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم القَصَّة))، السامع بيتصور شيئاً، كل من يسمع الخبر بيتصور شيئاً، كأنه يقول: القصة التي، استعمال الناس لقص الشعر، استعمال النساء لقص الشعر هو الذي أهلك بني إسرائيل، وسمعنا من يمنع القصة، ويحرم القصة، ويستدل بهذا الخبر، يعني القصة منتشرة بين النساء، لكن إذا نظرنا إلى ترجمة البخاري على هذا الخبر "باب ما جاء في وصل الشعر" وأورد حديث معاوية، تغيرت النظرة إلى الحديث، وانقلب المعنى "باب ما جاء في وصل الشعر"، ((وهلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم القصة))، ما يختلف المعنى؟ استفدنا، وإلا ما استفدنا؟ أي فائدة يا الإخوان؟ المسالة تحتاج إلى جمع الطرق، والنظر في تراجم العلماء، في فقه العلماء في هذه التراجم، وأورد حديث معاوية في هذا: ((وإنما هلك بنو إسرائيل حينما اتخذ نسائهم القصة))، فتناول كبة من شعر بيد حرسي فوضعها على رأسه، يعني المقصود بها الزيادة في الشعر لا الأخذ منه، استفدنا، وإلا ما استفدنا؟ فائدة عظيمة جداً، لا تقدر بقيمة، يعني بدلاً من أن يقف أمام الناس، وهذا حصل من شيخ له تاريخ في الدعوة، أمضى عمره في الدعوة، ولما انتشرت القصة بين الناس قبل كم سنة؛ أخذ يحذر منها، وينتقل من مسجد إلى آخر، ويشدد في تحريمها، ويستدل بهذا الحديث.(13/28)
أقول: إذا سلك طالب العلم هذه الطريقة، فأخذ الحديث الأول، وعرف أن الإمام البخاري خرجه في سبعة مواضع، أنا شرحت هذه الطريقة في مناسبات، وقد يكون بعض الإخوان حضر أكثر هذه المناسبات، فيمل من تكرارها، لكن لا مانع من تكرارها؛ لأهميتها، ومناسبتها للباب، فإذا جردت الحديث من صحيح البخاري في المواضع كلها بأسانيده، ومتونه، بألفاظه المختصرة، والمطولة التي اقتصر البخاري فيها على بعض الحديث، والتي استوفى فيها البخاري جميع الحديث، جميع ألفاظه بالتراجم الذي هو فقه البخاري، فقه أهل الحديث، بالآثار التي توضح لك المراد من الحديث بفهم السلف، إذا انتهيت من البخاري على هذه الطريقة، وأوردته من سبعة المواضع، وذكرت كل ما ذكر في الباب؛ تبين لك أشياء، تبين لك، المعاني تتكشف لك، قد يورده البخاري في الموضع الأول مختصراً، ويشكل عليك فهمه، وكم وقع من الشراح من الخطأ في فهم الخبر؛ لأنهم لم يحيطوا بجميع ألفاظ الحديث، لم يحيطوا بجميع ألفاظ الحديث، ثم بعد ذلك إذا انتهيت من البخاري على هذه الطريقة في الحديث الأول، تنتقل إلى من خرجه من الأئمة، فتأتي إلى مسلم، فتذكر روايات مسلم لهذا الحديث بأسانيده، ومتونه، ويتبين لك أشياء من خلال تكرار الأسانيد، وتكرار المتون، ثم بعد ذلك تنتقل إلى السنن، سنن أبي داود، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقد يبين لك النسائي في تراجمه بعض العلل التي لم تتكشف لك في صحيح البخاري، ولا في صحيح مسلم، قد يشير الإمام مسلم إلى بعض العلل، قد يشير البخاري إلى شيء من ذلك، قد يوضح النسائي هذه العلة، فبمجموع الصورة المتكاملة على أقل الأحوال، لو من الكتب الستة تكون أحط بالخبر، ولا تحتاج إلى الشروح إلا نادراً؛ إذا سلكت هذه الطريقة، وتكون بهذه الطريقة درست أنت حديثاً واحداً، حديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات)) لكن كم درست من رقم، إذا كانت الكتب الستة بأرقامها تصل مثلاً إلى ثلاثين ألف بالأرقام بالتكرار، أنت درست سبعة من البخاري، وخمسة من مسلم، واثنين عند أبي داود، أو ثلاثة، والنسائي .. ، تصل مثلاً إلى ثلاثين رقم، وهل تستكثر على حديث الأعمال بالنيات بهذه الطريقة يوماً كاملاً، يوماً كاملاً(13/29)
تستكثر عليه هذا؟ وإذا مشينا على هذه الطريقة، ففي ألف يوم أضمن لك أن تكون قد فهمت الكتب الستة، بهذه الطريقة، وجربت من بعض الإخوان، وانتفع بها نفعاً عظيماً، لكننا مع الأسف ما انتبهنا لها إلا بعد أن تقدم السن، وكثرت المشاغل، وصرنا ما نستطيع، لكن أنتم شباب في مقتبل العمر، ليس بكثير أن يمضي طالب العلم ثلاث سنوات، خمس سنوات، عشر سنوات في دراسة الكتب على هذه الطريقة.
فوصيتي لإخواني من طلاب العلم أن يجربوا هذه الطريقة، قد تكون مملة في أول الأمر، لكن الآن الآلات تيسير لكم كثير من هذه الأمور، تطلب هذا الحديث بطرقه من البخاري، وتطلبه من كذا، وفي خمس دقائق تجتمع لك هذه الأمور، أو في ربع ساعة، ونصف ساعة؛ بدلاً من أن تقلب، مع أن البحث بدون آلات، بالجهد الشخصي لا شك أنه أنفع بكثير من استعمال الآلات؛ لأنه كل ما يتعب الإنسان على الشيء يرسخ في ذهنه، وكل ما يكتبه بيده أفضل من أن يكتب له بآلة، لكن الناس لا يصبرون على مثل هذا، وقد وجدوا ما يريحهم، والتعب، والمشقة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي مقصودة لترسيخ العلم، كما أن الأتعاب التابعة للعبادات يثاب عليها، الذي يحج من بغداد، وليس لديه ما يركبه، ليس كمن يحج من نجد مثلاً؛ لأن هذا تعب لكنه من أجل العبادة، ولا يقال للنجدي مثلاً: اذهب إلى العراق وحج من العراق، نقول: لا، هذا تكليف زائد على العبادة، قدر زائد لا تؤجر عليه، لكن إذا تطلبت العبادة هذا التعب فأنت مأجور عليه، ولو أنفقت في عمرك كله في هذه الطريقة ما هو بكثير، فجمع الطرق من أنفع الوسائل لمعرفة العلل، وفهم ألفاظ الأحاديث، وما خفي في بعضها من بعض.
"تدرك بالخلاف" أي بمخالفة راويه لغيره من هو أحفظ، أو أتقن، أو أضبط "والتفرد" حيث لا متابع "مع قرائن تضم" ولا بد من القرائن، وأقول: متى يصل طالب العلم إلى معرفة هذه القرائن التي ترجح له بعض الطرق على بعض؟(13/30)
كثير من طلاب العلم يحتار في هذا الترجيح؛ لأنه لم يصل إلى المرتبة، أو إلى المنزلة التي يدرك بها هذه القرائن، وهذه القرائن هي التي يحكم بها الأئمة الحفاظ الكبار "مع قرائن تضم" لما ذكر "يهتدي" لكن إذا عانى الحديث بهذه الطريقة يتكشف له كثير من القرائن التي تخفى على غيره "مع قرائن تضم" لما ذكر "يهتدي" بمجموع ذلك "جهبذها" الجهبذ هو النقَّاد، الحاذق، الخبير:
جهبذها إلى اطلاعه على ... . . . . . . . . .
يعني على ما لم يطلع عليه قبل ذلك "على تصويب إرسال" قد يكون في أول الأمر صوب الوصل، صوب الوصل، كما هو شأن طالب العلم المبتدئ في هذا الشأن الذي يجري على قواعد المتأخرين مثلاً، وقيل له: إن الحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم، فيتمرن على هذا، لا بأس أن يتمرن على هذه القواعد حتى يهتدي إلى مثل هذه القرائن:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
"تصويب إرسال لما قد وصلا" فيترجح له تصويب الإرسال لما قد وصل، وحديث: ((لا نكاح إلا بولي))، الذي مضى في تعارض الوصل مع الإرسال عبرة، ومثال دقيق لهذا الكلام، فليراجع عليه كلام الترمذي -رحمه الله تعالى-، يعني أرسله شعبة، وسفيان، وهما كالجبل في الرسوخ في هذا الشأن، ومع ذلكم رجح البخاري وصله؛ لأن شعبة، وسفيان أخذهم له في مجلس واحد، فكأنهما راوٍ واحد، وطالب العلم إن أراد أن يدقق في هذه المسألة يرجع إلى جامع الترمذي في كلامه على هذه الحديث، ويتكشف له أمور تخفى عليه من قبل:
. . . . . . . . . إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع ... . . . . . . . . .
أو تصويب الوقف للمرفوع، تصويب الوقف للمرفوع، الإمام أحمد -رحمه الله-، وهو من هذا النوع جهبذ نقاد، خبير مطلع، يحفظ سبعمائة ألف حديث، والحفظ يعين؛ لأن الذي يحفظ ما يحتاج إلى جمع، الطرق مجتمعة عنده، تجاوز هذه المرحلة، فالذي يحفظ، يعني المتون، والأسانيد؛ تتكشف له هذه الأمور.(13/31)
"أو وقف ما يرفع" الإمام أحمد -رحمه الله-، وهو من هذا النوع؛ ترجح عنده وقف حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين قال: وهو موقوف على ابن عمر، بينما الإمام البخاري ترجح له الوصل، وخرجه مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيحه.
من يجرؤ أن يحكم بين هذين الإمامين؟ وبعض الناس يطالب آحاد المتعلمين، ويلقي عليهم أن يقف أمام هذين الجبلين الشامخين، ويرجح، أقول: ما يستطيع أن يرجح إلا إ ذا كان في مصافهم، إذا تعب تعباً شديداً على هذا العلم، وعاناه معاناةً بحيث اختلط بلحمه، ودمه، وصار يستطيع الحكم بالقرائن، اتضح له من القرائن ما لم يتضح لنا، وسببه كثرة الحفظ، كثرة الحفظ، قد يقول قائل: حنا بضغطة زر -ولله الحمد- يجتمع لنا مائة طريق لحديث واحد، لكن كيف تتعامل مع هذه الطرق الذين، حفظوا هذه الأحاديث، وعاصروا الرواة، وعاشروهم، وعرفوا ما يليق بفلان، وما لا يليق به، آلياً يصدرون الأحكام، لكن أنت مراحل، قد يكون ذهنك حاضر في هذه المرحلة، ثم يعزب الذهن في المرحلة التي تليها؛ لماذا؟ لأن المعلومات ليست حاصرة في ذهنك، يعني كأنك تطبخ وجبة غداء، والمواد في البقالة، بينما الأئمة يطبخون هذه الوجبة، والمواد في القدر عندهم، في الذهن حاضرة في الذهن، فشتان، يعني ولا نقفل باب الاجتهاد في هذا الباب –أبداً-، يعني من تأهل لمثل هذه الأمور، لكن دون ذلك خرط القتاد بالنسبة لآحاد الطلاب، يعني من يستطيع أن يقول: الإمام البخاري، يقف أمام البخاري يقول: لا، الخبر موقوف؛ لأن الإمام أحمد قال: هو موقوف، أو العكس، لكن الذي يسلينا في مثل هذا أن الأمة تلقت صحيح البخاري بالقبول، فيرجح ما به، لكن لو افترضنا أن حكم البخاري على الحديث بالرفع منقول عنه في جامع الترمذي مثلاً، سأله أبو عيسى فقال: الصحيح، أو الأصح الرفع، والإمام أحمد يقول: الأصح الوقف، أنت ما لك إلا تقف أمام هذين الإمامين، لكن الحديث موجود في صحيح البخاري مرفوع لا يعدل به شيء، البخاري مع الإمام أحمد ند، كل واحد منهما ند للآخر، لكن ما خرج في هذا الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول لا يرجح عليه غيره.
أو وقف ما يرفع أو متن دخل ... . . . . . . . . .(13/32)
أو تصويب فصل متن دخل كاملاً، دخل متن بمتن كامل، أو بعضه، دخل بعض هذا المتن بالمتن الآخر، فأدرج فيه، من يستطيع أن يفصل هذه الكلمة من هذا الحديث، أو يفصل هذا الحديث من هذا الحديث، وكثير ما يحتار طلاب العلم في الحديث المروي عن صحابي واحد؛ هل هو حديث واحد، أو حديثين؟ أو هذا الحديث قطعة من هذا الحديث، أو حديث مستقل؟ هذا يحتاج إلى معاناة، وتعب، لكنه يسير على من يسره الله عليه، وييسر له أسبابه، وسلك الطريق من أوله "أو متن دخل في غيره" يعني في متن غيره "أو وهم حاصل حصل" أو اطلاعه على وهم واهم حصل، أحياناً يحكم على هذا الخبر بأنه خطأ، أخطأ فيه فلان، أنا، وأنت، والثاني، والثالث لا نستطيع أن نحكم على هذا الخطأ؛ لأن هذا الأصل أن الراوي ثقة حافظ ضابط متقن، فلا نجرؤ على توهيمه إلا إذا حكم الحفاظ بوهمه، بالطرق التي تقدمت "أو وهم واهم حصل" يعني بغير ما ذكر، كإبدال راوي ضعيف بثقة، أو شبه ذلك؛ لأنه قد يأتي الراوي مهمل، فيجتهد بعض الرواة، فينسبه عن موسى، فيقول: ابن عقبة؛ لأنه بحث في كتب التراجم وجد موسى بن عقبة يروي عن هذا الشيخ، ويروي عنه هذا الآخذ، وهو في الحقيقة موسى بن عبيدة الربذي، هذا ثقة، وهذا ضعيف، من يحكم في مثل هذا؟ حكم الأئمة، الأئمة يحكمون بمثل هذا، ومن حاكاهم، ووازاهم في أحكامهم لكثرة معاناته لهذا العلم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء "ظن فأمضى" يعني قد ظن الجهبذ قوة ذلك الذي ترجح عنده بالقرائن؛ فأمضى الحكم بما ظنه من تعليل للخبر فحكم عليه بأنه معل "ظن فأمضى، أو وقف" تردد، القرائن ما بعد، ما رجحت، توجد قرائن مرجِّحة لهذا، وقرائن مرجِّحة لضده "أو وقف فأحجما" عن الحكم بقبول الحديث، وعدمه، تردد "أو وقف فأحجما مع" كل ذلك "مع كونه" أي الحديث المعل، أو الموقوف فيه، أو الموقوف فيه:
. . . . . . . . . ... مع كونه ظاهره أن سلما(13/33)
"مع كونه ظاهره أن سلما" مثاله حديث ابن جريج في الترمذي، وغيره عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً حديث كفارة المجلس، من جلس في مجلس فكثر لغطه، كثير من أهل العلم اغتر بظاهر السند، فصحح الحديث، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أعل الحديث بموسى، وقال: إن موسى ليس هو ابن عقبة، لا يعرف لموسى بن عقبة سماع من سهيل، لكن إذا وجدت التواريخ، والمعاصرة ثابتة، فمن يستطيع أن ينفي رواية شخص عن شخص أثبت الأئمة روايته عنه بالسند، والمعاصرة موجودة من مثل الإمام البخاري، يقول: ما نعرف سماع لموسى بن عقبة من سهيل، أنت ما لك إلا الظاهر يا أخي، أنت عندك موسى أدرك سهيل، والسن يحتمل، والأئمة ذكروه في السند، هل تستطيع أن تعل بمثل هذا؟ لا تستطيع، ولذلك مشى على ظاهره جمع من الحفاظ، وصححوه، والأمام البخاري أدرك هذه العلة.(13/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (14)
(المعلل - المضطرب - المدرج)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولذلك مشى على ظاهره جمع من الحفاظ وصححوه، والإمام البخاري أدرك هذه العلة في قصة معروفة، ومحاورة مشهورة بين الإمامين البخاري ومسلم، ومع ذلك الحافظ العراقي يشكك في هذه القصة إلا أن ابن حجر وغيره من أهل العلم يثبتونها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: كيف نوجه تعليل بعض الأئمة لبعض الأحاديث بأحاديث أخر، وردها إليها مع كوننا لا يظهر لنا وجه تشابه بين الحديثين؟
إذا لم يظهر وجه التشابه، وثبت هذا التعليل عن إمام معتبر؛ فسببه التقصير، أو القصور؛ التقصير أو القصور في فهم كلام الإمام.
يقول: ما ضابط تعليل الأحاديث باتحاد المخرج؛ فترد الأحاديث إلى حديث واحد بناءً على اتحاد المخرج؛ فهل كلما اتحد مخرج الأحاديث، وتشابهت في متونها حكمنا بأنها حديث واحد؟
إذا جاءت مسوقة سياقاً واحداً ولو مرة في كتاب معتبر فإنها تعد حديثاً واحداً، وأما إذا فرقت؛ رويت مفرقة، وذكر لها مناسبات متعددة؛ فإنها حينئذ تكون أحاديث، ولو اتحد مخرجها، وتقاربت معانيها.
يقول: ما الجواب عما رواه الإمام مسلم في صحيحة برقم (68، 69، 70) حيث روى ثلاثة أحاديث كلها من طريق الشعبي عن جرير -رضي الله عنه-، وساقها على أنها ثلاثة أحاديث، فالأول عن منصور عن الشعبي عن جرير: أنه سمعه يقول: "أيما عبد أبق من مواليه، فقد كفر حتى يرجع إليهم"، قال منصور: قد –والله- روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكني أكره أن يروى ههنا بالبصرة.
لما يخشى من روايته، وإلقاءه على بعض الناس التي فيهم ميل إلى مذهب الخوارج؛ لأن هذا يؤيد بدعتهم، ويدفعهم إلى الأمام، ويحملون مثل هذا الكفر على الكفر المخرج، فمثل هذا لا يلقى إلا مبيناً معناه في مثل هذا المجتمع، الذي أشار إليه في وقته؛ أعني البصرة.(14/1)
وهكذا جميع النصوص؛ نصوص الكتاب والسنة هي علاج لآفات تقع في المجتمعات الإسلامية، وللأفراد –أيضاً- فمن شمت منه رائحة الزيادة والغلو، فإنها لا تلقى إليه أحاديث الوعيد مجردة؛ بل لا بد أن يضاف إليها أحاديث الوعد، وأما من كان بضد ذلك؛ عنده شيء من التفريط، عنده شيء من التراخي، عنده شيء من التساهل، فإن أحاديث الوعد لا تلقى إليه مجردة؛ بل لا بد أن يضاف إليها شيء من أحاديث الوعيد، أما من كان متوسطاً في شئونه كلها، سالكاً الصراط المستقيم، والسبيل الأقوم؛ فإن مثل هذا لا مانع أن تلقى إليه أحاديث الوعد وحدها، وأحاديث الوعيد وحدها.
هذا الأول "والثاني: عن داود عن الشعبي عن جرير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة))، والثالث: عن مغيرة عن الشعبي قال: كان جرير بن عبدالله يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة))، وقد ساق الإمام مسلم هذه الأحاديث الثلاثة على أن كلاً منها حديث مستقل؛ مع أن مخرجها متحد، ومتونها متشابهة، لكن الأول: ((فقد كفر))، والثاني: ((برئت منه الذمة)) " هذا حكم آخر "والثالث: ((لم تقبل له صلاة))، فهي أحاديث ثلاثة" وظاهر الاختلاف بينها.
يقول: سؤالي عن كيفية الجمع بين كتب السنة يقصد، هل يلزم من ذلك أني أقرأ صحيح البخاري كاملاً ثم مسلم، ثم أخرج الطرق أم أن هناك طريقة أخرى؟
الطريقة التي شرحناها تقرأ حديثاً حديثاً من البخاري، ثم تخرجه حالاً من الكتب الأخرى الستة إلى أن تنتهي، وجاء من بعض الأخوة أنهم هل يبدءون بهذه الطريقة، أويبدءون بالمتون الصغيرة؟ المسألة مفترضة في طالب علم قد أنهى المتون الصغيرة التي تحفظ؛ لأن هذه طريقة للتفقه في كتب السنة، وهذه من أنفع ما يكون لطالب العلم لا سيما إذا كانت حافظته لا تسعفه للحفظ، فإن هذه المتون ترسخ في ذهنه، بعد معاناتها ترسخ.
يقول: تحاشا الإمام مسلم حديث عكرمة مطلقاً، وأخرج في صحيحه لسويد بن سعيد، ومعروف البون الكبير بين الرجلين؛ فكيف نفسر ذلك؟(14/2)
الإمام مسلم لا يلزم باجتهاد غيره، وإلا عكرمة قد خرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم، والإمام مسلم خرج لأناس لم يخرج لهم البخاري، وكل له اجتهاده، وكل له نظره في أحاديث ومرويات هؤلاء الرواة.
يقول: أرجو لو تذكر الطلاب بالعمل بالعلم فإني أرى على سبيل المثال أن بعضهم قد هجر بعض السنن مثل السلام فلا يسلم إلا على من يعرف، وهذا تجفيف لمنابع الأخوة والمحبة.
لا شك أن بذل السلام لمن يعرف ومن لا يعرف هذا هو السبيل الوحيد لزرع المحبة بين المسلمين، وجاء في الحديث: ((لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))، ومن علامات قرب الساعة أن يكون السلام للمعرفة، وجاء الأمر بإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
يقول: كيف نجمع بين قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الطائفة المنصورة على الحق منصورة، نحن نرى حال أهل الحق اليوم في ضعف، وأعداء الله يظلمونهمـ، ويبغون عليهم فما المقصود بالنصر إذن؟
أولاً مسألة الابتلاء سنة إلهية يبتلى المرء تكفيراً لذنوبه، ورفعاً لدرجاته، ولو كان منصوراً في حقيقة الأمر، ولو أدى ذلك إلى قتله، فالنصر أعم من أن يكون انتصاراً في معركة، أو ظهور كلمة، وقبول بين الناس، النصرة أعظم من ذلك، فالقتل نصر كما جاء في قصة الغلام؛ لم يستطيعوا قتله حتى دلهم على ذلك، وعد هذا نصر مبين، حيث دخل في دين الله أفواج لم يكونوا ليدخلوا لولا أنه قتل، فقتله نصر.
يقول: ذكرت أن البوفية المفتوح حرام؛ لأن المشتري سيأخذ أكثر من حقه ألا يشكل على هذا أن البائع قد رضي بذلك، فهو يعلم أن المشتري قد يأخذ أكثر من حقه، فكأنه خفض له السعر، وقولك: إنه ثمن معلوم بسلعة مجهولة؛ ألا يكون هذا مثل من يؤجر نفسه على شبع بطنه، كما يؤجر أجدادنا؟(14/3)
لا، لا؛ التنظير غير مطابق؛ أولاً: كون البائع يرضى بذلك الرضا لا يكفي، لا بد من توافر شروط البيع السبعة فلا يكفي الرضا، نعم الرضا شرط من شروط صحة البيع، لكن –أيضاً- أن يكون الثمن معلوماً، والمثمن معلوم، هذان شرطان، فلا بد من أن يكونا معلومين، ولا يرضى البائع بمثل هذا إلا إذا طمع بأن أعداداً كبيرة سوف يأخذون من هذا الأكل أقل مما دفعوا، أنتم ترون أن العقود المجهولة في التأمينات وغيرها من العقود لا يقدمون عليها رحمة بالناس ولا رأفة بهم، إنما يقدمون لأن واحداً من هؤلاء المتعاقدين، أو عشرة، أو مائة، أو ألف؛ يأخذون أكثر مما أعطوا، ومائة ألف، أو أكثر من ذلك يأخذون أقل، والجهالة ظاهرة في مثل هذا.
وقولك: إنه ثمن معلوم بسلعة مجهولة ألا يكون هذا مثل من يؤجر نفسه على شبع بطنه، كما يفعل أجدادنا؟
أولاً: هو لا يؤجر نفسه على شبع بطنه، على الأكل، والأكل الذي يتحكم فيه، الأكل الذي يتحكم فيه المطعم، المستأجر فلن يعطيه أكثر مما يعمل عنده، وإذا جربه في اليوم الأول والثاني، ووجده يأكل أكثر فسخ العقد، ولن يتردد بذلك.
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه أن السائل لمسلم لتأليف كتابه صاحب له اسمه أحمد بن سلمة؛ فهل هذا صحيح؟
نعم جاء ذكره؛ جاء ذكره أحمد بن سلمة في ثنايا الكتاب، لكنه قليل، والراوي للكتاب هو إبراهيم بن سفيان.
يقول: ما الراجح في رواية إبراهيم النخعي عن ابن مسعود؟ يعني من حيث الاتصال والانقطاع، وما الراجح في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهل اطلعتم على مخطوط لكتاب البلقيني أو العلائي في الكلام على هذه السلسلة؟(14/4)
على كل حال الكلام في الرواة والاتصال والانقطاع أمر معروف عند أهل العلم، ومدون ومضبوط ومتقن، وأما ما يتعلق برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فالخلاف فيها طويل بين أهل العلم، وأيضاً مشهور ومتداول ومنهم من يضعفها مطلقاً للاختلاف في عود الضمير في جده؛ هل يعود على عمرو؟ فيكون الجد محمد، أو يعود على الأب الذي هو شعيب؟ فيكون الجد عبد الله بن عمرو، وهذا الخلاف لا شك أن له أثر، فإن قلنا إن الجد محمد قلنا: مرسل، وإن قلنا: إن الجد عبد الله بن عمرو بن العاص من أهل العلم من يرى أن شعيب لم يلق جده عبد الله بن عمرو فيكون منقطع من هذه الجهة، وهذه حجة من ضعف السلسلة مطلقاً، وأما من صححها فهو قول لبعض العلماء؛ يقول: إن الضمائر معروفة، وجاء التصريح بالجد في روايات عند أحمد والنسائي وغيرهما عن جده عبد الله بن عمرو، فتحرر الضمير، وأن الضمير في جده يعود إلى شعيب، الذي هو الأب، أما رواية شعيب عن جده عبد الله بن عمرو؛ فأثبتها جمع من أهل العلم، وقالوا: إنه تربى في حجره، وروى عنه، وسمع منه، وحينئذ التوسط في أمر هذه السلسلة أنها من قبيل الحسن.
الذي لا يستطيع أن يحفظ البلوغ، والمحرر، وكتب الحديث الستة؛ فهل يكفي أن يقرأ البلوغ مثلاً؛ حتى يمر على أحاديثه، أم أن ذلك لا ينفعه فيقرأ شيئاً آخراً من كتب العلم، وما هو أفضل شرح لبلوغ المرام؟
الذي لا يستطيع أن يحفظ عليه بالتعب، الذي لا يستطيع أن يحفظ عليه بالتعب، في تحصيل العلم، يعني قد يتعب في الحفظ ولا يستطيع، لكن إذا تعب وراء ذلك، وردد الحديث، وكتبه بيده مراراً، وشرحه، ورجع في شرحه إلى كتب أهل العلم لا بد أن يقر في ذهنه شيء، هذه طريقة المعاناة والحفر، لا بد أن يثبت في ذهنه شيء، مهما بلغت حافظته من الضعف؛ فمثل هذا الذي لا يحفظ بسرعة لا بد من المعاناة والتعب، فإذا كان لا يحفظ بمجرد القراءة يكتب؛ يكتب الحديث مرة مرتين ثلاث عشر حتى يحفظه، وإذا لم يستطيع –أيضاً- يشرح هذا الحديث، ويحلل هذا الحديث كلمة كلمة بالرجوع إلى المصادر، وحينئذ لا بد أن يحفظ، مهما كان ضعف حافظته.(14/5)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-: المعلل:
وسم ما بعلة مشمول ... معللا ولا تقل: معلول
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
تدرك بالخلاف والتفرد ... مع قرائن تضم يهتدي
جهبذها إلى اطلاعه على ... تصويب إرسال لما قد وصلا
أو وقف ما يرفع، أو متن دخل ... في غيره، أو وهم واهم حصل
ظن فأمضى، أو وقف فأحجما ... مع كونه ظاهره أن سلما
وهي تجيء غالبا في السند ... تقدح في المتن بقطع مسند
أو وقف مرفوع، وقد لا تقدح ... : كـ ((البيعان بالخيار)) صرحوا
بوهم يعلى بن عبيد أبدلا ... عمراً بعبد الله حين نقلا
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راو نفيها فنقله
وصح أن أنساً يقول: لا ... أحفظ شيئا فيه حين سئلا
وكثر التعليل بالإرسال ... للوصل إن يقوَ على اتصال
وقد يعلون بكل قدح ... فسق، وغفلة، ونوع جرح
ومنهم من يطلق اسم العلة ... لغير قادح كوصل ثقة
يقول: معلول صحيح كالذي ... يقول: صح مع شذوذ احتذي
والنسخ سمى الترمذي عله ... فإن يرد في عمل فاجنح له
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "وهي" يعني العلة الخفية "تجيء غالباً في السند" يعني موضع العلة الغالب فيها أنها تكون في سند الحديث، وقد تجيء في متنه، وقد تجيء في السند والمتن معاً، وهي يعني العلة الخفية غالباً في السند، وقليلاً في المتن، فالأحاديث المعلة متونها أقل بكثير من الأحاديث التي أعلت في أسانيدها.(14/6)
فالتي في السند إذا كانت العلة في السند كما هو الغالب، العلل تقدح في المتن، تقدح في قبول المتن؛ لأن المتن يتبع السند، والتي في المتن إذا كانت العلة تقدح في السند، العلة الغالبة في السند، العلة الخفية وجودها في سند الحديث، لا بد أن يكون لها أثر في متنه، وإذا كانت في متنه فقد تؤثر في السند، وقد لا تؤثر؛ إلا أن ضعف المروي عموماً يؤثر في الراوي، كما أن ضعف الراوي يؤثر في المروي، إذا كان الخبر لم يرو إلا من طريق واحدة، أما إذا كانت له طرق فلا تلازم بين ضعف السند وضعف المتن، لا تلازم بين ضعف السند وضعف المتن، فقد يضعف السند، ويصح المتن لوروده من طرق أخرى، يضعف السند، ويصح المتن لوروده من طرق أخرى، وقد يضعف المتن والرواة ثقات حفاظ لا سيما إذا لم يكثر مثل هذا الضعف في متون أحاديثهم ومروياتهم؛ لأن الخطأ من الراوي القليل النادر لا يؤثر فيه، فلا تلازم كما قال أهل العلم بين السند والمتن من هذه الحيثية، من هذه الحيثية، وإلا فالأصل التلازم والترابط؛ هذا الأصل، لكن من هذه الحيثية بحيث يروى الخبر من طرق أخرى يصح بها، ولو ضعفت رواته في بعض الأسانيد، وهي تجيء غالباً، يعني العلة تجيء غالباً في السند، وقليلاً في المتن، فالتي في السند "تقدح في المتن" تقدح في قبول المتن "بقطع مسند" يعني مسند متصل "أو وقف مرفوع" بقطع مسند، بقطع سند متصل، فالمسند هنا يراد به السند المتصل، وقد يراد به المرفوع، فالمسند –أحياناً- يقابل به الموقوف، لكن هنا يراد به السند بدليل القطع، فالقطع إنما يكون في الأسانيد "أو وقف مرفوع" وغير ذلك من موانع القبول، هذه العلة الخفية التي لم يطلع عليها إلا الواحد من الجموع تقدح في المسند الذي ظاهره الاتصال، ظاهره الاتصال، وكم من سند يحكم عليه بعض أهل العلم بالاتصال، ويحكم عليه بعض الجهابذة الحفاظ بالانقطاع، وأن الراوي الملازم الحافظ الضابط الملازم لهذا الشيخ لم يسمعه من هذا الشيخ؛ يعني من يشك في رواية نافع عن ابن عمر؟ نعم، ما يشك فيها، فإذا جاءنا في سند مالك عن نافع عن ابن عمر لا نتردد في قبوله، لكن قد يقول بعض الحفاظ إن نافعاً لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، فهذه علة خفية قدحت في(14/7)
هذا المسند الظاهر إسناده واتصاله.(14/8)
أو وقف مرفوع، أو وقف مرفوع، ذكرنا مثال في المرفوع المخرج في صحيح البخاري، وهو حديث ابن عمر الذي يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: أنه يرفع يديه إذا قام من الركعتين، وحكم الإمام أحمد بوقفه، من يجرؤ أن يحكم بوقفه مع أنه مرفوع في صحيح البخاري؟ يعني الإمام أحمد، إمام بلا إشكال ولا منازع، وله أن يحكم بمثل هذا الحكم، وهذا الذي ترجح عنده بالقرائن، وقد يكون ترجيحه عند الإمام أحمد بعلة لا يستطيع التعبير عنها؛ لأن هذه العلل الخفية صرح جمع من الأئمة أن بعضها لا يستطاع أن يعلل، أحكام لا يستطاع أن تعلل، فالذي في نفسه شيء كما يدور بين المثقفين والمتعلمين في هذه الأوقات؛ أنه لا يمكن أن يقتنع بشيء حتى يراه كالشمس، حتى يراه كالشمس، لا يمكن أن يقتنع، مناظرة، مجادلة، محاورة؛ لا يقتنع إلا كالشمس، فأين هو من هذا الباب؟ الذي يأتي إلى الإمام، ويقول لك: الحديث صحيح، أو يقول: الحديث ضعيف؛ طيب ما الدليل على أنه ضعيف؟ قال: لا؛ هكذا الحكم، وثبت هذا عن الأئمة أن هناك أحكاماً لا يستطاع تعليلها، طيب كيف نقلد إمام ما أبدى لنا وجه لتضعيفه؟ يقول: اذهب إلى فلان، واسأله عن الحديث؛ يسأله عن الحديث يقول: ضعيف فيه علة، ما هذه العلة؟ الله أعلم، ويذهب إلى ثالث، ويقول له مثل هذا الكلام، ويتواطئون على مثل هذا الكلام؛ لكن التعليل الله أعلم، ولذا هذا الباب وهذا النوع من أنواع علوم الحديث أشبه ما يكون بالإلهام، وليس في مثل هذا الكلام فتح لباب دعاوى الإلهام؛ لأن من الناس من يسهل عليه بأن يحكم، ويصحح، ويضعف، ويقول: هذا إلهام، لكن متى يصل إلى هذه المنزلة؟ هل بالإمكان أن طالب علم مبتدئ، أو متوسط يصل إلى هذه المرحلة، ويقول: إلهام؛ يدعي أنه يوحى إليه، وهذا مهيع واسع، ومضيعة حصلت لبعض المنتسبين إلى العلم ممن فيه رائحة تصوف؛ تجده يقول: ألقي علي، أو ألقي في روعي، أو جاءني في المنام من يقول: الحديث صحيح، الحديث ضعيف، لكن هذا الكلام مقبول وإلا مردود؟ مردود، مِن مَن ينتسب إلى العلم من المكثرين في هذا الباب؛ كالسيوطي مثلاً، يزعم أنه يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- يقظة، ويصحح له ويضعف، أما رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام-(14/9)
في اليقظة هذه مستحيلة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قد مات: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر]، من شك في موته؛ الموت الذي فيه مفارقة الروح للبدن؛ هذا مكذب للقرآن، لكن حياته -عليه الصلاة والسلام-، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء، لكنها حياة برزخية لا تضاهي حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم، يصححون، وبعضهم يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام، ويسأله عن أحاديث، ويجيبه، ويسأله عن أحكام ويجيبه، النبي -عليه الصلاة والسلام- من رآه في المنام فقد رآه بالفعل؛ لأن الشيطان لا يتلبس به، فهل نقبل مثل هذا التصحيح، ومثل هذا التضعيف، ونقبل مثل هذه الأحكام المنقولة عنه -عليه الصلاة والسلام- في المنام نجزم بأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام؛ لأن الشيطان لا يتلبس به، فهل يقبل النقل عنه -عليه الصلاة والسلام- في المنام؟ أما ما يخالف ما ثبت عنه، فالدين كمل بموته -عليه الصلاة والسلام- فلا حكم يقبل في مثل هذه الحالة، والتصحيح والتضعيف من شرطه أن يكون الناقل حافظاً ضابطاً، والنائم ليست هذه صفته، تخلف فيه شرط الحفظ والضبط والإتقان؛ لأن من شرط الراوي أن يكون يقظاً، أو يقُظاً كما قالوا بضم القاف، والنائم لا يمكن أن يكون على هيئته التامة كاليقظة أبداً، بدليل أنه يرى الرؤيا وإذا قام يقصها نسي أكثرها، لا سيما إذا كانت ذات فصول ومراحل، فلا يقبل مثل هذا الكلام البتة، وقد فتح بعض المتصوفة هذا الباب على مصراعيه ولبسوا على الناس، ثم تدرجوا إلى أن وصلوا إلى حد يجتمعون فيه على حد زعمهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام- متى أرادوا، ولا شك أن هذا ضلال، ووسيلة إلى تعطيل الدين، والتلبيس على المسلمين -نسأل الله السلامة والعافية-، وفي تراجم من يدعى فيهم الولاية وفي طبقاتهم أشياء لا تخطر على البال، وتبدأ من أشياء يسيرة يدعيها الشخص لنفسه، أو تدعى له، ثم بعد ذلك يستدرج إلى أن يدعي لنفسه ما ليس بواقع، وبعضهم كما قال الحافظ الذهبي -رحمه الله- في السير: يجوع نفسه أياماً يصل بعضهم إلى الأربعين -إن ثبت- إن لم يأكل خفية بعد، إن ثبت أنه يمكن أن يعيش الإنسان مدة أربعين يوم بدون(14/10)
أكل؛ يفعلون هذا فيما يدعونه، ثم بعد ذلك يزعمون المكاشفات، والتجليات، والحافظ الذهبي يقول: هذه هلوسة، سببها الجوع، سببها الجوع، وهذا صحيح، أذكر مرة خرجنا مسافرين ومعنا الأكل، الأكل جاهز، وبعد صيام أفطرنا، وخرجنا، وقلنا نأكل هذا الأكل في الطريق، صاحب السيارة يقول: ننتظر ننتظر، ننتظر، فقال واحد معنا من الركاب من الإخوان: لماذا هؤلاء الجماعة يصلون إلى جهة الشرق؟ قلت: كيف يصلون إلى جهة الشرق؟ ماذا يقصد بذلك؟ فيه آلات البنزين هذه التي يعبأ منها مصفوفة إلى جهة الشرق مثلاً؛ يقول: إنهم يصلون إلى جهة، سببه إيش؟ الجوع، سببه الجوع، والإشكال أنهم يبنون على هذا أحكام، ويحكمون على غيرهم من خلال هذه التجليات، وهذه المكاشفات، وتدعى فيهم الولاية وينسب لهم أشياء لا تخطر على عاقل، فمنهم من دخل في هذا الباب وصحح وضعف، ووهم الأئمة بمثل هذه المكاشفات، وهذا لا شك أنه ضلال، نسأل الله السلامة والعافية.
"أو وقف مرفوع" يعني وغير ذلك من موانع القبول "وقد لا تقدح" وقد لا تقدح في المتن بأن يتعدد السند، ويقوى الاتصال من جهة أخرى، أو تكون هذه العلة مؤثرة بالنسبة لضبط الراوي لكن لا أثر لها في واقع الخبر، مؤثرة في ضبط الراوي لكن لا أثر لها في الخبر، يرد في السند مثلاً من الأسماء المهملة سفيان أو حماد؛ مثلاً، ولا يستطاع تمييزه، ولا يوصل إلى حقيقته؛ هل هو سفيان الثوري، أو سفيان بن عيينة، أو حماد بن سلمة، أو حماد بن زيد؟ ويسأل الراوي، ويقال أيهما؟ فلا يدري، الراوي عنه، يقال: من تريد بسفيان؟ يقول: نسيت، لا شك أن هذا فيه خلل في ضبطه، لكنها لا تؤثر في الحديث؛ لأنه سواءٌ كان سفيان الثوري، أو ابن عيينة؛ أينما دار فهو على ثقة، ونقول مثله في حماد.(14/11)
والطريق لتمييز السفيانين والحمادين أشار إليها الحافظ الذهبي -رحمه الله- في أواخر الجزء السابع من السير، الجزء السابع من السير، وعلى كل حال إذا حصل مثل هذا الاختلاف الذي لا يوصل إلى حقيقته، وفي رواة البخاري من هذا النوع كثير، حدثنا محمد، ولا نستطيع أن نميز من محمد؛ لكن جميع المحمدين في صحيح البخاري كلهم ثقات؛ فأينما دار فهو على ثقة؟ فعدم تعيين الراوي، وإهماله من قبل من روى عنه، ونسيانه ممن بعده، أو من الراوي عنه؛ قد يحدث عن سفيان مثلاً، وبعد أربعين سنة قال: -والله- أي سفيان؟ يقول: نسيت، نحن رأينا في كتب أهل العلم أقوال منسوبة إلى سفيان، سفيان في مراتب العلم مثلاً نسبها القرطبي إلى الثوري، وابن حجر قال: قال سفيان بن عيينة مثل هذا لا شك أنه مؤثر؛ لأنه هو مصدر القول، هو مصدر القول، ومن بركة العلم كما يقول العلماء إضافة القول إلى قائله، أما إذا كان ينقله عن غيره، وليس بمصدر للقول، والخلاف بين الاثنين غير مؤثر؛ فإن هذا لا يضر، وهذا هو الموجود في الأحاديث، أما إذا كان القول منسوب إليه، وهو مصدره؛ فلا بد من تعيينه، أو يلقى على الشك والتردد، فيقال: قال سفيان، ولا ندري أهو ابن عيينة أو الثوري؟ فالمراتب التي يتتدرج فيها في التعلم؛ الست التي ذكرت عن سفيان هي في الأصل سفيان مهمل، وقال الحافظ ابن حجر: قال سفيان بن عيينة، والقرطبي يقول: قال سفيان الثوري، وهذا الأمر –أيضاً- حينما ينسب إلى هؤلاء أمره أسهل من جهة أنه كلام غير ملزم؛ كلام منسوب إلى متأخر، فليس بحجة وليس بملزم، لكنه مفيد لطالب العلم، فهو من هذه الحيثية أسهل، ومن جهة أنه هو مصدر الكلام، ولا بد من معرفة القائل لينسب إليه كلامه، ويتحمل تبعات هذا الكلام، فإن تعيينه أشد حاجة من حاجة تعيينه إذا ورد في إسناد؛ لأنه أينما دار فقد دار على ثقة.
أو ووقف مرفوع وقد لا تقدح ... كـ: ((البعيان بالخيار)) صرحوا(14/12)
الكاف هذه جارة؛ جارة وإلا غير جارة؟ تجر مدخولة، وإلا ما تجر؟ تجر؛ هي من حروف الجر، والبيعان؛ مجرور وإلا مرفوع؟ مرفوع على إيش؟ الحكاية، فالناظم يحكي ما جاء في الحديث: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) فهو يحكي ما في الحديث "كالبيعان بالخيار" كحديث: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) المروي عن عبد الله بن دينار، المروي عن عبد الله بن دينار "صرحوا" يعني النقاد صرحوا بوهم راويه، "صرحوا بوهم" راويه "يعلى بن عبيد" الطنافسي إذ "أبدلا" أبدلا ونقلا؛ الألف هذه ألف إيش؟ التثنية:
وهي كل اثنين النحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
نعم، ألف الإطلاق؛ الأصل يعلى بن عبيد أبدل، باللام بدون ألف؛ ألف الإطلاق "بوهم" راويه "يعلى بن عبيد" الطنافسي إذ "أبدلا" هذه ألف الإطلاق، وليست ألف التثنية، فلا نقول: أبدلا المراد بهما البخاري ومسلم على ما جاء في الخطبة في المقدمة:
وهي كل اثنين النحو التزما ... فمسلم مع البخاري هما
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه ألف إطلاق، والضمير يعود إلى واحد، وهو يعلى بن عبيد "أبدلا عمراً" وهو ابن دينار "بعبد الله" بن دينار، أبدل عمرو بعبد الله، الآن الحديث معروف بعبد الله بن دينار من روايته، ويعلى بن عبيد أبدل عمراً بعبد الله، الباء هذه داخلة على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
المتروك، إذا قلت: أبدلت هذا الكتاب بهذا الكتاب؛ فأيهما المأخوذ، وأيهما المتروك؟ أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛ نعم أيهما المأخوذ؟ إذا قلت: أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛ المأخوذ أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
والمتروك؟
طالب:. . . . . . . . .(14/13)
يعني هل هذا هو الصحيح لغةً، أو من باب القياس على ما عندنا؟ لأننا قلنا: إن الباء دخلت على المتروك، فإذا قلنا بصحيح البخاري نظرنا هذه المسألة بهذا المثال قلنا: إن المأخوذ صحيح مسلم، المتروك صحيح البخاري، مع أنه في الأصل العكس، فرق بين التبديل والإبدال عندهم، هنا الباء داخلة على المتروك؛ لأن الواقع يشهد بذلك، الحديث حديث مروي من طريق عبد الله بن دينار، جعل عمرو بن دينار بدلاً من عبد الله بن دينار يعلى بن عبيد، والباء هنا داخلة على المتروك؛ لأن الواقع هو هذا، تشبيهاً للإبدال بالتبديل، أو بالتبدل، وهو خلاف ما عليه أئمة اللغة من أنها تدخل على المأخوذ في الإبدال مطلقاً، إذا قلت: أبدلت صحيح مسلم بصحيح البخاري؛ معناه أنني دفعت صحيح مسلم، وأخذت صحيح البخاري، وهو خلاف ما عليه أئمة اللغة من أنها تدخل على المأخوذ في الإبدال مطلقاً، وفي التبديل، وعلى المتروك في الاستبدال والتبدل، وعلى المتروك في الاستبدال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} فالمتروك الذي دخلت عليه الباء، ولو كان العكس لما ذموا، لمدحوا لاستحقوا المدح لا الذم "بعبد الله" يعني بن دينار "حين نقلا" هل هذه العلة مؤثرة، وإلا غير مؤثرة؟ غير مؤثرة لماذا؟ لأن كلاً من عمرو وعبد الله ثقة، فهي في الحقيقة غير مؤثرة، لكن كونها صدرت من هذا الراوي، وأبدل واحداً بواحد هذا خطأ؛ يعني يحسب عليه، لو كثر الإبدال عنده في أسماء الرواة؛ ولو لم تؤثر على الخبر لقدحت فيه، يعني إذا كثر الخطأ عند الراوي، ولو لم يكن هذا الخطأ مؤثراً؛ لقدح في ضبطه، لكنه لما صار قليلاً، خطأ؛ يعني يقبل القليل، ومن يعرو من الخطأ والنسيان، ومالك نجم السنن حفظت عليه بعض الأوهام:
ومالك سمى ابن عثمان عمر ... . . . . . . . . .
والحفاظ كلهم على أنه عمرو بن عثمان؛ على ما تقدم في المنكر:
نحو كل البلح بالتمر الخبر ... ومالك سمى ابن عثمان عمر
قلت: فماذا بل حديث نزعه ... خاتمه عند الخلاء ووضعه
على ما تقدم في المنكر، ثم بعد هذا ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- العلة في المتن؛ لأنه قال:
وهي تجيء غالباً في السند ... . . . . . . . . .(14/14)
وقليلاً في المتن، ذكر للمتن مثالاً:
وعلة المتن كنفي البسملة ... . . . . . . . . .
وعلة المتن القادحة فيه؛ كحديث نفي البسملة، نفي قراءة البسملة في الصلاة المروي عن أنس في صحيح مسلم، نفي البسملة: "صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان .. "، قبل ذلك قال: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكلهم يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين"، في رواية في بعض روايات الخبر: "لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة، ولا في آخرها" هذه العلة لا شك أنها خلاف الواقع، منشأ هذه العلة أن الراوي توهم من قول أنس: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم لا يذكرونها، إذا كانت القراءة تبدأ بلفظ: "الحمد لله رب العالمين"، فمقتضاه أنها لا تذكر البسملة، هو توهم هذا، ونقله على حسب وهمه، نقله على حسب وهمه:
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راو نفيها فنقله(14/15)
"إذ ظن راو نفيها فنقله" ففهم من قول أنس: "كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين"، "يستفتحون الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" فتوهم وظن أنهم لا يذكرون "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول القراءة، ولا في آخرها "فنقله" نقل ما توهم، وننسبه إلى أنس، وقد أخطأ في وهمه، وفي ظنه؛ لأن معنى "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم يستفتحون القراءة بهذه السورة، بهذه السورة، وليس فيه تعرض للبسملة؛ لا بنفي ولا إثبات، هذا عند من يقول: بأن البسملة ليست بآية من الفاتحة، أما من يقول: إن البسملة آية من الفاتحة، فجعل الحمد لله رب العالمين اسم السورة بما فيها البسملة، أقول يا الإخوان: نفي البسملة المصرح به من قبل الراوي الذي فهم الحديث على غير وجهه، فنفى البسملة، قال: "لا يذكرون بسم الله"، هذه علة المتن التي فيها نفي الذكر، والتنصيص على البسملة، أنس في حديثه يقول: "كانوا يستفتحون الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" ليس فيها تعرض لنفي بسملة ولا إثبات، وكل على مذهبه، من يقول أن البسملة آية من الفاتحة هذا ما عنده مشكلة، ولما وصف أنس -رضي الله عنه- قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كانت قراءته مداً"؛ فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، لما سئل عن قراءته، قال: "كانت قراءته مداً بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم، فدل على أنه يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، على أن المسألة: السؤال هل هو عن القراءة داخل الصلاة، أو خارج الصلاة؟ المسألة يطول بحثها المقصود أن الراوي فهم من حديث: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فصار يحدث به، يحدث على ضوء ما فهم، وهذه آفة دخلت على هذا الراوي، ودخلت على كثير من طلاب العلم، تجده يفهم من شيخه أو عن شيخ في حال من الأحوال لظرف من الظروف؛ يفهم منه أنه لا يصلي تحية المسجد مثلاً، دخل مرة وهو مستعجل أو كذا، أو فعل، أو نسي مثلاً؛ فصار ينقل عنه: إن الشيخ فلان مداوم على عدم تحية المسجد، لا سيما في أوقات النهي مثلاً، فهو غلب، أو(14/16)
فهم أنه لا يصلي؛ يعني توقع هذا منه لظرف من الظروف حصل منه، فصار ينقله بإطلاق، فتبعاً لهذا الوهم صار يشيعه بين الناس، وكم من قول أو فعل ألصق بشخص وهو منه بريء؛ بناء على فهم من نقله، على فهم من نقله.
"إذ ظن راو نفيها" أي البسملة "فنقله" تصريحاً.
وصح أن أنساً يقول: "لا ... أحفظ شيئاً فيه" حين سألا
الألف هذه للإطلاق، سأله أبو سلمة سعيد بن يزيد: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح بالحمد لله رب العالمين، أو ببسم الله الرحمن الرحيم؟ فذكر أنه لا يحفظ شيئاً، وهذا السؤال متأخر جداً؛ يعني بعدما كبرت سنه، ونسي -رضي الله عنه- وأرضاه، وإلا الرواية الثابتة عنه: "أنهم كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ومن مقتضى قراءة الحمد أنهم يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم؛ لإجماع الصحابة على ذكرها في أوائل السور، فلا تقرأ السورة تبعاً لهذا الاتفاق إلا أن تقرأ معها البسملة، وهذا قول جمهور أهل العلم، قول الجمهور، وأما بالنسبة للمالكية فلا يرون في الصلاة لا استفتاح ولا استعاذة ولا بسملة، كما هو معروف، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-، وهو الذي يسعى جاهداً لصيانة الصحيح وجه هذه الرواية على وجه مقبول، فحمل نفي الذكر على نفي السماع، حمل نفي الذكر على نفي السماع، فصحح هذه الرواية، وقال: كون أنس يقول: لا يذكرون؛ يعني أنه لم يسمع، ونفي السماع سببه نفي الجهر، نفي السماع سببه نفي الجهر، فمقتضى الرواية أنهم لا يجهرون، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، لا في أول القراءة، ولا في آخرها، ولا شك أن مثل هذا مبالغة في نفي ما أريد نفيه، إذ البسملة في أول القراءة لا في آخرها، وقد يقول قائل: إن المراد بالقراءة في آخرها للسورة التي تليها، وقد يقول قائل: عن هذا من باب المبالغة في النفي كما جاء في حديث: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) يعني ما قال أحد، ولا العرب في الجاهلية قالوا: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، وإنما تنكسف لموته قالوا، فمن باب المبالغة في النفي قيل: ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)).
وصح أن أنس يقول لا ... أحفظ شيئاً فيه حين سألا(14/17)
وكثر التعليل بالإرسال ... . . . . . . . . .
لما قدم أن العلة الأصل فيها أن تكون خفية:
وهي عبارة عن أسباب طرت ... فيها غموض وخفاء أثرت
فالعلة هي السبب الخفي الغامض الذي يقدح في الحديث الذي ظاهره السلامة منها، لكنهم لا يقتصرون في كتب العلل، وفي تعليل الأخبار لا يقتصرون على الغامض، الغامض هو الأصل في هذا الباب، لكن قد يعللون بالظاهر، والعلة من حيث معناها الأصلي تشمل الظاهرة، وتشمل الخفية، تشمل الظاهرة، وتشمل الخفية، نظير العلل التي تكون في الأبدان، منها الجرح الظاهر، والكسر الظاهر، ومنها العلل الخفية الباطنية التي قد لا يصل إليها كثير من الأطباء؛ كلها علل، كلها تقدح في صحة هذا الشخص، والعلل الظاهرة، والخفية كلها تقدح في صحة المروي، لكنهم في الأصل في هذا الباب الذي يعظم العلماء من شأنه إنما يقصدون به العلل الخفية، ويجعلون الحد والتعريف للعلل قاصر على الخفية، وهنا يقول: كثر التعليل بالإرسال الظاهر، فبعد أن قدم أن العلة تكون خفية بين أنها قد تكون ظاهرة، فقال: "كثر" يعني من الأئمة المتقدمين لا سيما من صنف في العلل تجدون في كتب العلل، العلل الظاهرة كما تجدون العلل الخفية، "وكثر التعليل بالإرسال للوصل" وأيضاً كثر التعليل بالوقف للرفع "إن يقوَ على الاتصال" إن يقوى الإرسال والوقف حيث يرجح على ضده؛ "إن يقوَ" يعني على ضده من الاتصال والرفع، إذا كان أقوى من ضده، بأن دلت القرائن على رجحانه، أو كون رواته أكثر، أو أحفظ، أو أكثر ملازمة لشيوخ "إن يقوَ على اتصال" فهم يعلون بالإرسال.
وقد يعلون الحديث بكل قدح:
وقد يعلون بكل قدح ... . . . . . . . . .
يعلون الحديث بكل قدح، يعني ظاهر "فسق" في راويه "وغفلة" منه "ونوع جرح":
وقد يعلون بكل قدح ... فسق وغفلة ونوع جرح
كسوء حفظ، وفحش غلط، ومخالفة ثقات، وما أشبه ذلك، يعلون بالعلل القادحة، وإن كانت ظاهرة، مثل فسق الراوي، فتجدون في كتب العلل تضعيف حديث؛ لأن فلان فاسق، راويه فاسق، يزاول معصية، ويعلونه بأنه فيه غفلة، أن راويه فيه غفلة، وهذه العلل الظاهرة موجودة في كتب العلل كوجود العلل الخفية، لكن الأصل في هذه الباب هو العلل الخفية:(14/18)
ومنهم من يطلق اسم العلة ... لغير قادح كوصل ثقة
يطلقون اسم العلة، يعني الأصل أن تطلق على الخفية، ثم توسعوا، فأطلقوها على الظاهرة، ثم توسعوا على غير القادح؛ توسعاً، وهذا موجود في كلام أبي يعلى الخليلي في الإرشاد، أطلق العلة لغير قادح، يعني على غير قادح، وزعم أن من الصحيح ما هو صحيح معلول، صحيح معلول:
. . . . . . . . . ... لغير قادح كوصل ثقة
ضابط حيث "يقول: " الخليلي في الإرشاد "معلول صحيح" ومعلول متفق عليه، وصحيح متفق عليه، وصحيح مختلف فيه "معلول صحيح كالذي يقول" وهو الحاكم "صح مع شذوذ" يعني من الصحيح ما هو شاذ، من الصحيح ما هو معلول، يعني بعلة غير قادحة، ومن الصحيح ما هو شاذ، وإن كان مرجوحاً، وإن كان مرجوحاً، وقد تقدم في حد الصحيح أن العلة التي أشير إليها في الحد هي العلة القادحة، فدل على أن العلة غير القادحة لا تنافي الصحة:
. . . . . . . . . ... وعلة قادحة فتوذي
كما أشار الحافظ العراقي في أول الألفية، ومن الصحيح ما هو صحيح شاذ، يعني الأحاديث الصحاح فيها ما هو صحيح، وما هو أصح، الصحاح فيها ما هو صحيح، وما هو أصح، فمثلاً حديث قصة جمل جابر حينما اشتراه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أوردها البخاري في عشرين موضع من صحيحه، واستنبط منها أحكام، وجاء في هذه المواضع اشتراط الحُملان، وعدم اشتراطه، وجاء فيه –أيضاً-، جاء فيها كون الثمن أوقية، وكون الثمن أقل، وكونه أكثر، والقصة واحدة، وهذه كلها مروية بأسانيد صحيحة، رجح كون الثمن أوقية، رجح اشتراط الحُملان، فما رجحه هو الأرجح، وما خرجه صحيح، فإذا قلنا بأن ضابط الشاذ ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه، نعم هذه مخالفة لثقة من ثقة لمن هو أوثق منه، فعندنا حديث الأوثق هو الأرجح، وحديث الثقة راجح صحيح، إذن نقول: حديث الثقة سالم من الشذوذ، وحديث -الحديث المرجح- سالم من الشذوذ، وحديث الثقة الذي صحح، وخرج في الصحيح نعم، صحيح لكنه شاذ لوجود المخالفة، فمن الصحيح ما هو معلول في كلام أبي يعلى الخليلي، وفي الصحيح ما هو صحيح شاذ في كلام الحاكم، وكل هذا مخرج في الصحيح.(14/19)
وعلى كل حال الشذوذ علة، وكون الخبر مرجوح؛ مانع، إما من قبول الخبر عند من يرد الشاذ مطلقاً، أو مانع من العمل به، مانع من العمل به عند من يقول إن الشاذ نوع من الصحيح، لكن كونه شاذاً مانع من العمل به، ولا يعني أنه ما ثبت عن راويه، عن راويه، مثلاً في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة، وهو محرم، تزوج ميمونة، وهو محرم، وفي الصحيح من حديث ميمونة أنه تزوجها، وهو حلال، ومن حديث أبي رافع أن النبي تزوج ميمونة، وهو حلال، وهو السفير بينهما، وصاحبة القصة أدرى من غيرها، وإن كان ابن أختها، لكن هي أعرف بقصتها، والسفير بينهما الواسطة أعرف من غيره بهذه القصة، إذن المرجح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة، وهو حلال، وهو إيش؟ حلال، وحديث ابن عباس هل نقول أنه ضعيف، وهو مخرج في الصحيح؟ لا، ليس بضعيف، لكنه مرجوح، لكنه مرجوح، وثابت عن ابن عباس، ما أحد ينفي ثبوته عن ابن عباس، لكن وهم ابن عباس في هذا، فصحته لا إشكال فيها، يعني ثبوته عن ابن عباس لا إشكال فيها، لكن مخالفة ابن عباس لغيرها شذوذ، والشذوذ مانع، إما من القبول -عند من يرد الشاذ مطلقاً-، أو من العمل -عند من يقول أن الشاذ منه ما هو صحيح-، يعني نظير ما يقال في المنسوخ، نظير ما يقال في المنسوخ، النسخ على ما قال هنا:
والنسخ سمى الترمذي علة ... . . . . . . . . .
نأتي إليه، يقول: "كوصل ثقة"، يقول إيش؟
يقول معلول صحيح كالذي ... يقول صح مع شذوذ احتذي
احتذي: أي اقتدي، واخذ به، وقبل من قبل من شذ به "والنسخ" مفعول مقدم "سمى الترمذي علة" يعني من علل الحديث:
والنسخ سمى الترمذي علة ... فإن يرد في عمل فاجنح له
يعني وافقه، النسخ علة، لكن هل هي علة قادحة في صحة الخبر، كون الحديث منسوخاً؟ علة تقدح في صحته؟ لا، إنما تقدح في العمل به، ولذا قال:
والنسخ سمى الترمذي علة ... فإن يرد في عمل فاجنح له(14/20)
النسخ مفعول مقدم، سمى الترمذي علة من علل الحديث؛ لأنه قال في حديث معاوية في قتل الشارب، قال: وهو حديث منسوخ، وقال عن حديث: ((الماء من الماء)) منسوخ، في كتابه في السنن، بين أن هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ، ثم قال في العلل التي بآخر جامعه: وقد بينا علة الحديث في الكتاب، يعني فيما تقدم، فسمى النسخ الذي أشار إليه في الكتاب، سماه علة في علل جامعه، فالترمذي سمى النسخ علة، لكن هذه العلة ليست مؤثرة في صحته، الحديث الصحيح: ((الماء من الماء)) مخرج في الصحيح، ولا أحد يقدح فيه، بل نجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله، لكنه في مرحلة، في أول الأمر، ثم نسخ، ثم نسخ في الآخر.
قال: وإنما كان: ((الماء من الماء)) في أول الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وقد صحح جملة من الأحاديث، الترمذي صحح جملة من الأحاديث في كتابه، وأحاديث مخرجة في الصحيح في البخاري، ومسلم أحاديث منسوخة، بل من القرآن ما هو منسوخ، فالنسخ ليس بقادح، نعم إن كان القصد أنه يمنع من العمل بالخبر، الكلام صحيح، ولذا قال الحافظ العراقي، مما زاده على ابن الصلاح: "فإن يرد" يعني الترمذي "في عمل" لأنه منسوخ، والمنسوخ لا يعمل به "فاجنح له" أي مل إلى هذا القول، ووافقه عليه، أما إن كان يريد أنه علة مؤثرة في ثبوته فلا، نعم المضطرب.
المضطرب
مضطرب الحديث ما قد وردا ... مختلفاً من واحد فأزيدا
في متن أو في سند إن اتضح ... فيه تساوي الخلف أما إن رجح
بعض الوجوه لم يكن مضطرباً ... والحكم للراجح منها وجبا
كالخط للسترة جم الخلف ... والاضطراب موجب للضعف(14/21)
بعد أن أنهى الحديث عن المُعل أتبعه بالمضطرب؛ لأن الاضطراب علة، وبعض الأمثلة التي أوردها أهل العلم في المضطرب أوردوها في المُعل، فالاضطراب نوع من أنواع العلل، والمضطرب اسم فاعل من الاضطراب، وهو نوعٌ من المعل كما أشرنا، والمضطرب من الحديث هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، لا بد من هذه القيود، يروى على أوجه مختلفة متساوية، فإن روي الحديث على وجه واحد يمكن أن يسمى مضطرباً؟ لا يمكن، إذا روي على وجه واحد لا يمكن أن يسمى مضطرباً، وإن روي على أوجه متفقة غير مختلفة؛ يمكن أن يسمى مضطرباً؟ لا؛ لأن المضطرب ما يروى على أكثر من وجه، وتكون هذه الأوجه مختلفة، لا متفقة، وتكون هذه الأوجه المختلفة متساوية، بحيث لا يمكن الترجيح بينها، فإن أمكن الترجيح بوجه من الوجوه المعروفة عند أهل العلم في التعارض، والترجيح، فإنه حينئذٍ ينتفي الاضطراب، هذا تعريف المضطرب عندهم.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
مضطرب الحديث ما قد وردا ... . . . . . . . . .
"وردا" هذه الألف للإطلاق "مختلفاً" حال "من واحد" يعني من راوٍ واحد؛ بأن من رواه مرة على وجه، ورواه مرة أخرى على وجه آخر، وثالثة على وجه مخالف، وهكذا، وتكون هذه الأوجه متساوية مع اختلافها "مختلفاً من" راوٍ "واحدٍ فأزيدا" يعني أزيد من راوي، سواءٌ كانت هذه الأوجه المختلفة المتساوية تروى عن راو واحد، مرة يرويه على وجه، وأخرى يرويه على وجه، وثالثة يرويه على .. ، وهكذا، وتروى عنه هذه الأوجه مع هذا الاختلاف بالتساوي، يرويها عنه رواة متساوون في درجة واحدة بحيث لا يمكن الترجيح بينهم، أو من أزيد من راو واحد، بحيث يرويه راو على وجه، ويرويه آخر على وجه، ويرويه ثلاث على وجه، وهكذا.
مضطرب الحديث ما قد وردا ... مختلفا من واحد فأزيدا
في متن أو في سند. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(14/22)
الاضطراب قد يكون في المتن، وقد يكون في السند، وهو الغالب، وقد يكون في السند والمتن معاً "في متن، أو في سند" وهو الغالب هذا "إن اتضح"، "إن اتضح فيه تساوي الخلف" فيه تساوي الخلف، يعني تساوي الاختلاف، أما إن لم يتضح فيه التساوي، بأن أمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض، فإنه حينئذٍ ينتفي الاضطراب "أما إن رجح" أما إن رجح "بعض الوجوه" بأي مرجح من المرجحات بأكثرية، أو أحفظية، أو غيرهما "لم يكن مضطرباً" يعني ينتفي الاضطراب عنه "والحكم للراجح منها" أي من الوجوه:
. . . . . . . . . ... والحكم للراجح منها وجبا
إذ لا عبرة للمرجوح، أو لا عبرة بالمرجوح، ولو كانت الأسانيد ظاهرها الصحة، فإن الراجح يكون هو المحفوظ، والمرجوح يكون هو الشاذ، والمرجوح يكون هو الشاذ، هذا إذا أمكن الترجيح.
ثم مثل للعلة في السند، ومضطرب السند، مثاله:
كالخط للسترة جم الخلف ... . . . . . . . . .
هذا اضطراب في سنده، بحيث يروى عن راويه إسماعيل بن أمية على أكثر من عشرة أوجه، على أكثر من عشرة أوجه، وهذا المثال مثل به ابن الصلاح للمضطرب، مثل به ابن الصلاح للمضطرب، لكن الحافظ ابن حجر رجح بعض الوجوه على بعض، وقال في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن؛ لأنه رجح بعض الوجوه على بعض، فإذا أمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض، فإنه حينئذٍ ينتفي الاضطراب، من أمثلته –أعني المضطرب- حديث: ((شيبتني هود، وأخواتها))، فالاختلاف في أسانيده التي تروى عن أكثر من صحابي كثيرة جداً، فمن أهل العلم من لم يستطع الترجيح، فحكم باضطرابه، ومنهم من رجح بعض الطرق على بعض، فجعل الطريق الراجحة مقبولة، يعني حسنة، والمرجوحة شاذة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يعمل به؛ لأن الاضطراب موجب للضعف:
. . . . . . . . . ... والاضطراب موجب للضعف(14/23)
المضطرب نوع من أنواع الضعيف لا يعمل به "والاضطراب" سواءٌ كان في السند، أو في المتن "موجب للضعف" موجب للضعف؛ لأن فيه قدح في ضبط راويه، الذي يرويه على أوجه، وفيه –أيضاً- اختلاف مع عدم الترجيح، وإذا لم نستطع الترجيح، يعني عملنا ببعض الوجوه دون بعض؛ هذا تحكم، هذا تحكم، كوننا نعمل ببعض الوجوه دون بعض.
من الأحاديث التي أعلت بالاضطراب في سندها، ومتنها حديث القلتين، والاضطراب فيه كثير في سنده، وفي متنه –أيضاً-، في متنه من "فيه": ((إذا كان الماء قلتين))، وفيه: ((قلة))، وفيه: ((قلتين، أو ثلاث))، وفيه: ((أربعين قلة))، والاضطراب –أيضاً- في معنى القلة، فمنهم من يفسرها بقلال هجر، وفي تحديد القلة، حتى ولو كانت من قلال هجر، في تحديد القلة، يعني ابن جريج يقول: رأيت القلة من قلال هجر تسع قربتين، وشيئاً، قالوا: الاحتياط أن يجعل الشيء نصفاً، فالقلتان خمس قرب، ومنهم من قال: المراد بالقلة قمة الجبل، فإذا كان الماء يبلغ قمم الجبال، فإنه لا يحمل الخبث، يعني كالطوفان مثلاً، وما عداه يحمل الخبث.(14/24)
الكلام في مثل هذه الأحاديث لا شك أن هذا مؤثر، يعني من يعمل بحديث القلتين، كالشافعية، والحنابلة، لا شك أنهم يستندون على مثل هذا الحديث، والحديث فيه كلام كثير، ثم بعد ذلك يجعلون الخمس القرب خمسمائة رطل، والقرب ليست متناسبة، يعني ما هي باللتر تقاس، أو بشيء من هذا، لا، قربة، قربة خروف، وقربة خروف ثاني، يعني من جلد خروف، ومن جلد خروف، هل نقول: إن جلد هذا الخروف بقدر جلد هذا؟ ويقولون: هل الخمسمائة رطل تحديداً، وإلا تقريباً؟ منهم من يقول: تحديداً، لو نقص شيء يسير خلاص، يحمل الخبث، وكل هذا مبني على مثل هذا الاضطراب، لا شك أن البناء على مثل هذا الحديث بناء هش، الحديث صححه بعض الأئمة، صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، صححه جمع من الحفاظ، لكن مع ذلك، بناء الحكم على مثل هذا، لا شك أن فيه ما فيه، ولذا شيخ الإسلام لما رأى مثل هذا الاضطراب؛ قال: يعمل بمنطوقه، ولا يعمل بمفهومه، بمعنى أنه إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، لكن إذا قل عن القلتين؛ يحمل الخبث؟ لا؛ لأن مفهومه معارض بمنطوق حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، فألغى المفهوم، نعم، ألغى المفهوم؛ لأنه معارض بمنطوق، وبسط هذه المسألة له وقته، وبسطت في مناسبات.
مثلوا للاضطراب في المتن بحديث فاطمة بنت قيس: ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة))، ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة))، مع حديث عائشة، لفظ آخر للحديث، لفظ آخر لحديث فاطمة بنت قيس: ((ليس في المال حق سوى الزكاة))، اللفظان متفقان، وإلا متعارضان؟
طالب: متعارضان.
متعارضان، لكن يمكن الجمع بين اللفظين، يمكن الجمع بين اللفظين بحمل اللفظ الأول: ((إن في المال لحقاً سوى الزكاة)) على المندوب المستحب، الصدقة المندوبة، واللفظ الثاني: ((ليس في المال حق سوى الزكاة)) محمول على الواجبة، ويتحد الحديثان.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا كله من حديث فاطمة بنت قيس، يعني إذا كان في حديث واحد، أما إذا وقع في حديثين، فهو مختلف الحديث، يسمى مختلف الحديث.
طالب:. . . . . . . . .(14/25)
لا، لا أنا وهم، سبق لساني إلى عائشة، هو من حديث فاطمة بنت قيس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل من النصح لإخواني طلبة العلم أني إذا رأيت أحدهم نائماً، أوقظه، أجيبوا مأجورين؟
إذا كان نائماً في الدرس، في حلقة الدرس يوقظ؛ لأنه إن كان يريد المتابعة تابع، وإن كان لا يستطيع المتابعة، ينام نومة مريحة تنفعه، أما الخفقات في الدرس، فهذه تحرمه من الاستماع، والفائدة، ولكنها لا تريحه، ولا تفيد شيئاً في تعبه.
هذا يقول: سؤال بالغ الأهمية يحسم خلافاً بين الأخوة، يقول: اختلف الأخوة في تسمية عالم، وطالب علم، هل يجوز أن يصف طلبة العلم أحد المشتغلين بالعلم بأنه عالم، ولو لم يزكه أحد العلماء؟(14/26)
هذه التسميات لا ينتظر فيها أن تصدر من جهات رسمية، أو يصدر فيها صك شرعي، كان العلماء يعطون إجازات لطلابهم بأنهم بلغوا منزلة من العلم، وهذه بمثابة التزكية، فإذا حصلت التزكية من أحد من العلماء المعتبرين، أو جمع من العلماء المعتبرين لطالب من طلاب العلم بأنه أدرك علماً يستحق أن يوصف به عالم، فهذا شيء جيد، لكن –أحياناً- لا يحصل ذلك، فإذا استفاض أمره بين الناس، واشتهر فضله بين الناس، وعرف بعلمه، وعدم شذوذه عن الجادة؛ هذا يستحق أن يسمى عالماً، شريطة أن يكون علمه بالكتاب والسنة، أن يكون علمه بالكتاب والسنة؛ لأنه هو العلم الذي جاء مدحه في نصوص الكتاب والسنة، ما يتعلق بهما، وما يعين على فهمهما، ويلاحظ أن طلاب العلم في هذه العصور، بل وفيما تقدم من عصور، الذي يحدد عندهم المقدار الذي يسمى به فلان عالم، أو طالب علم، وقد يزيدون، ويقولون: علامة، كل هذا مثاره في كثير من الأحيان الإعجاب، يعجب بشخص من الأشخاص، ثم يضفي عليه من الألقاب ما لا يستحقها، هذا شيء مجرب، ومشاهد بينما يبخل على من هو أفضل من هذا الشخص بأدنى لقب؛ لأنه لا يعجبه، والله المستعان، فالمسألة مسألة إنصاف، لو زل الإنسان، أو أخطأ، أو هفا، أو شذ في مسألة، أو في مسائل يسيرة، هذا يبقى عالماً، يعني إذا كان قصده في ذلك نصر الحق، ولا يسلب اسمه، وأذكر أن شخصاً من شيوخ الأزهر ألف كتاباً انتقد فيه، انتقد فيه من بقية الشيوخ، فأصدروا فتوىً مضمونها أنه ليس من أهل العلم، سلبوا منه الوصف، سلبوا منه الوصف، فإذا هفا هفوة لا تليق بأهل العلم، وأصر على ذلك، وعاند، ونوقش، وبينت له الأدلة لا مانع من أن يسلب عنه الوصف؛ لئلا يغتر به العامة، والله المستعان.
يقول: أتنصح بحفظ صحيح مسلم لطالب العلم المبتدئ؟
المبتدئ عليه أن يسلك الجادة في المتون الصغيرة، التي ألفت لمثله في شتى الفنون، أما أن يتطاول على الكتب المطولة، المسندة، التي ألفت للكبار فلا؛ لأن هذا يحرمه من الاستمرار في طلب العلم.
هذا –أيضاً- من الإمارات يقول: هل نستطيع نحن طلاب العلم الصغار أن نأخذ مقدمة صحيح مسلم، أو يجب علينا أن نتدرج بشيء آخر، وإن كان فما هو؟(14/27)
في إجابة السؤال السابق ما يغني عن إجابة مثل هذا السؤال، على طالب العلم أن يحضر، يحضر الدرس، فإن كان يستفيد تابع، وإن كان لا يستفيد بمعنى أن الكلام وجوده مثل عدمه بالنسبة له، فمثل هذا ينصرف إلى دروس ينتفع منها، فلا يضيع وقته بمثل هذه الدروس التي هي فوق مستواه، وفوق تحصيله، علماً بأنه جرب، جربنا بعض الإخوة الصغار من المرحلة الثانوية، أو قبل الثانوية ممن استمر معنا سنين، مشوا ولله الحمد؛ لأننا بطبيعة الحال نكرر ما يقال في هذا الدرس، يمكن يقال في درس ثاني، فإذا لم يستوعبه هذه المرة استوعبه مرة أخرى، ونلقي المسألة على وجه، ونصورها على وجه آخر، ثم بعد ذلك بعض التصوير يوضح بعض، والشيوخ مدارس –أحياناً- قد لا يستفيد طالب العلم من أول شهر، أو شهرين أو ثلاثة، ثم بعد ذلك يحكم على أنه لن يستفيد من هذا الشيخ، هذا الكلام ما هو بصحيح، العلم لا شك أنه يوضح بعضه بعضاً، والعلوم المتعددة، والفنون المتعددة لا شك أنه يبين بعضها بعضاً، وهي كالحلقة المتواصلة، بعضها مبني على بعض، فإذا حضر هذا الدرس، وحضر درس ثاني، وألقيت عليه هذه المسألة، صورت له على وجه لم يفهمها، ثم صورت من الغد فهمهما، على كل حال شريطة أن يكون طالب العلم قد أخذ المتون التي هي متون المبتدئين، متون المبتدئين لا بد من تحصيلها قبل حضور مثل هذه الدروس.
يقول: هل حكم الإمام الترمذي على أحاديث الجامع تؤخذ على حالها بدون أن يكون لها حكم بصحة، أو ضعف من علماء الحديث سواءٌ المتقدمين، أو المتأخرين؟(14/28)
أحكام الترمذي -رحمه الله تعالى-، على كل حال هو إمام، لا يماري أحد في إمامته إلا ما قاله ابن حزم من جهالته، أنه يجهله، وليس العيب بالترمذي، القصور، أو التقصير من ابن حزم نفسه، فالترمذي أشهر من نار على علم، والخلاف في اعتماد أقواله تصحيحاً، وتضعيفاً معروف عند أهل العلم، ورماه جمع منهم بالتساهل، وذكر ذلك الحافظ الذهبي، وقال: إنه متساهل، فعلى هذا لا بد أن يقرن حكمه بحكم غيره، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يذكر أن الإمام الترمذي إمام من أئمة الحديث، وهذا لا نختلف معه فيه، إلا أنه قال: وتصحيحه معتبر، وزاد على ذلك، فقال: بل تصحيحه توثيق لرجاله، وهذا الكلام لا يمكن قبوله؛ لماذا؟ لأنه قد ينص على حديث بأنه حسن صحيح، وتجد في إسناده ضعيفاً، تجد في إسناده منقطعاً، انقطاعاً، تجد في الإسناد راوٍ ضعيف، فكيف يكون تصحيح الترمذي توثيق للرجال، نعم تصحيح الترمذي لما يلحظهم، ولما يذكره في الشواهد؛ لأن ما يذكره بقوله، يصدر بقوله: وفي الباب عن فلان، وفلان وفلان، ويذكر عدد من الصحابة، هذه شواهد لهذا الحديث يرتقي بها إلى الصحة، ولا يلزم أن يكون صحيحاً لذاته.
يقول: ما هو قصد الإمام الترمذي بكلمة غريب؟ مع ذكر مثال لكل صيغة ترد فيها الكلمة، مثل: حسن صحيح غريب، صحيح غريب، حسن غريب غريب، وجزاكم الله خيراً؟
على كل حال الغرابة هذه هي التفرد الذي سبق الحديث عنه، ويفرقون بين الغرابة، فأكثر ما يطلقونها على النسبية، والتفرد أكثر ما يطلقونه على المطلق، والترمذي قد يطلق الغرابة، ويريد بها المطلق، وقد يطلقها ويريد بها النسبية، حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد يكون معروفاً، قد يكون معروفاً من غير هذا الوجه، لكنه لا يعرفه إلا من هذا الوجه من طريق يصح، أو عن هذا العالم، هذا الإمام، أو هذا الراوي على وجه الخصوص، وأما حسن صحيح، فهذه فيها من الأقوال ما يزيد على ثلاثة عشر قولاً، وتأتي مناسبتها -إن شاء الله تعالى-.
هذه أم إسماعيل من السعودية تقول: ما الفرق بين التفرد والغرابة؟(14/29)
مرت بنا مراراً، التي تكون من الثقة، من ناحية القبول والرد، من يحتمل تفرده، من احتمل الأئمة تفرده بالخبر الكامل هذا لا إشكال في قبول روايته، أما من لا يحتمل الأئمة تفرده، فهذا يحكم على ما يتفرد به بأنه شاذ، هذا من لا يحتمل تفرده، وقد يطلق عليه أنه منكر، وقد يسمى منكراً، وإذا تفرد بجملة لا بحديث كامل فقد مضى الكلام فيها في زيادات الثقات.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
المدرج
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما بلا فصل ظهر
نحو إذا قلت: التشهد وصل ... ذاك زهير وابن ثوبان فصل
قلت: ومنه مدرج قبل قلب ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
ومنه جمع ما أتى كل طرف ... منه بإسناد بواحد سلف
كوائل في صفة الصلاة قد ... أدرج ثم جئتهم وما اتحد
ومنه أن يدرج بعض مسند ... في غيره مع اختلاف السند
نحو ولا تنافسوا في متن لا ... تباغضوا فمدرج قد نقلا
من متن لا تجسسوا أدرجه ... ابن أبي مريم إذ أخرجه
ومنه متن عن جماعة ورد ... وبعضهم خالف بعضاً في السند
فيجمع الكل بإسناد ذكر ... كمتن أي الذنب أعظم الخبر
فإن عمراً عند واصل فقط ... بين شقيق وابن مسعود سقط
وزاد الأعمش كذا منصور ... وعمد الإدراج لها محظور
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"المدرج" اسم مفعول من أدرج الشيء في غيره، فهو مدرج أي مُدخل، ومنه أُدرج فلان في كفنه، أي أُدخل في كفنه، فالإدراج الإدخال، فمعنى الإدراج إدخال شيء في شيء، وإدخال ما ليس من الحديث فيه، فهو الزيادة في الخبر من غير فصل، هذا مدرج المتن، كما أنه يكون –أيضاً- الإدراج في السند، فإدخال شيء في شيء هو الإدراج، ويوجد الإدراج في المتن في أوله، في أثناءه، في آخره كما أنه يوجد الإدراج في السند على صور ثلاث، أو أربع يأتي تفصيلها -إن شاء الله تعالى-.(14/30)
والسبب في الإدراج إما استنباط حكم، أو تفسير غريب، أو غير ذلك، فتفسير الغريب يتسامحون فيه، يتسامحون في تفسير الغريب، والتحنث التعبد، ومثال ذلك –أيضاً- تفسير الشغار، وتفسير المزابنة، من غير ذكر لمن أدرج، من غير فصل بين هذا المدرج، وبين الخبر الذي أدرج فيه، هذا تفسير إما تفسير كلمة غريبة، أو تفسير لمعنى الحديث يلحق به، أو فهم واستنباط يستنبط من الخبر على ما سيأتي في الأمثلة.
يقول -رحمه الله تعالى- في القسم الأول، وهو مدرج المتن:
المدرج الملحق آخر الخبر ... . . . . . . . . .
"المدرج" يعني في المتن "الملحق" يعني المدخل في الخبر مما ليس منه في آخره:
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءٌ كان صحابياً، أو غير صحابي، ويكون الإدراج من الصحابي، وأبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- أدرج، وغيره من الصحابة أدرج، ويعرف الإدراج بأن يأتي مفصولاً في بعض طرق الحديث، في بعض طرق الحديث، وقد يكون هذا المدرج حديثاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في غير هذا الموضع، وفي غير هذه المناسبة: ((فأسبغوا الوضوء))، الأمر بإسباغ الوضوء مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في الحديث: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار))، هذه الجملة: ((أسبغوا الوضوء))، الأمر بالإسباغ ليست من هذا الحديث، وإن جاءت في طرق أخرى، فمثل هذا يسمى إدراج، ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله فليفعل)) فيعرف الإدراج بوروده مفصولاً في طرق أخرى، أو مبيناً منصوصاً عليه في طرق أخرى، كحديث: "أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) "، وقد يعرف الإدراج باستحالة إضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- للمملوك، "للعبد المملوك أجران، ولولا الجهاد في سبيل الله، وبر أمي، أمي .. إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(14/31)
نعم لأحببت أن أموت، وأنا مملوك" فهذا لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أمه قد ماتت، فبهذا نعرف أن هذا اللفظ مدرج، وإن وجه بعضهم هذا الكلام بكون المراد من ذلك تعليم الأمة، تعليم الأمة في هذا، بأن الرق على حساب بر الأم، فبر الأم أولى من الرق، يريد أن يعلم الأمة -عليه الصلاة والسلام-، أو يكون المراد كما قال بعضهم أن المراد بالأم هي أمه من الرضاعة، وعلى كل حال اللفظ مدرج، اللفظ مدرج يستحيل أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا الكلام، كيف يتمنى أن يكون رقيقاً مما يعوقه دون تبليغ ما أرسل به -عليه الصلاة والسلام-، فهذا لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو تأولنا ما جاء في ذكر الأم في هذا الخبر المدرج؛ لأن أمه قد ماتت.
المدرج الملحق آخر الخبر ... من قول راو ما. . . . . . . . .
يعني سواءً كان صحابياً، أو غير صحابي "بلا فصل ظهر" بلا فصل ظهر بين الخبر، والملحق به، يعني من غير فاصل "نحو" قول ابن مسعود:
.... إذا قلت التشهد وصل ... ذاك زهير وابن ثوبان فصل
"نحو" قول ابن مسعود: "إذا قلت" هذا "التشهد" الذي علمه إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، هذا مدرج، وليس من أصل الخبر "وصل ذاك" بالخبر يعني أدرجه بالخبر "زهير" بن معاوية وصله، وهو من قول ابن مسعود، وصله بالخبر المرفوع الذي هو التشهد الذي يرويه ابن مسعود عن النبي -عليه الصلاة والسلام- زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقد فصله عن الخبر "وصل ذاك زهير" ذاك يعني بالخبر زهير بن معاوية، وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فصل ذلك عن الخبر.(14/32)
يقول: قال ابن مسعود، يعني بعد أن أنهى التشهد، وقبل السلام، يقول: قال ابن مسعود: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، واتفق الحفاظ كما قال النووي على أنه مدرج، وليس من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه معارض بما يدل على أن السلام ركن من أركان الصلاة لا بد منه، معارض بحديث: ((تحليلها التسليم))، ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم))، فالتسليم لا بد منه، ومقتضى الخبر الذي ألحق به ما ليس منه أنه إذا فرغ من التشهد له أن يقوم، وعلى هذا عول الحنفية في عدم إيجاب التسليم، وأنه إذا انتهى من التشهد، فقد انتهى من صلاته، فقد قضى صلاته، وتعرفون القصة التي وقعت، والمناظرة التي وقعت بين يدي محمود بن سُبكتُكين، وكان على مذهب أبي حنيفة، فجاء القفال من الشافعية، إن صحت القصة؛ لأنهم يذكرونها في باب المناظرات، فجاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، فأراد أن يحول الأمير محمود بن سبكتكين إلى مذهبه، بدلاً، بعد أن كان حنفياً، يريد أن يكون شافعياً، ولا شك أن المذهب يستفيد، إذا دعمته السلطة، وينتشر، وتيسر أموره، وتعرفون أن انتشار المذاهب إنما تزداد، وتقوى، وتضعف بحسب تبني الدول لها، محمود بن سبكتكين معروف بصلاحه، وحرصه على الخير، جاء هذا الشافعي، إمام من أئمة الشافعية، وأظنه القفال، فقال: أنت على مذهب أبي حنيفة، وأريد أن أصلي بين يديك صلاةً صحيحة على مذهب أبي حنيفة، وهي باطلة عندنا، فإن أعجبك مذهب أبي حنيفة، فاستمر عليه، فأتى بنبيذ، والجو حار، والنبيذ حلو، والجو الحار تكثر فيه الذبان، يكثر فيه الذباب، فتوضأ بهذا النبيذ، فاجتمعت عليه من كل جانب، ثم عمد إلى جلد ميتة غير مدبوغ فلبسه بحيث جعل الشعر مما يليه، وسلخ هذه الشاة، أو هذا الكبش غير متقن، فيه شيء من اللحم، والشحم، فازداد الأمر سوءاً، فاجتمعت عليه الحشرات من كل صوب، ثم صلى صلاة بدون طمأنينة؛ لأن الحنفية يجيزون الوضوء بالنبيذ، ويصلي في الجلد غير المدبوغ، لكن لا يليه، والطمأنينة ليست بركن عندهم، فلما فرغ من التشهد أحدث قبل أن يسلم، هذه الصلاة من يقبلها؟ هذه الصلاة لا يقبلها عاقل، فجمع جميع مساوئ المذهب في صورة واحدة، فمحمود بن(14/33)
سبكتكين سأل الحنفي قال: هذه الصلاة صحيحة عندكم؟ وش لون ما يقدر ينكر، الوضوء بالنبيذ معروف عندهم، والسلام لا يلزم، وأيضاً الصلاة بالجلد غير المدبوغ عندهم إذا لم يلي يباشر المصلي –أيضاً- فيه كلام عندهم، المقصود أن محموداً لما رأى هذه الصورة انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الإمام الشافعي.
وفي دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد وجدي تكلم على هذه القصة، ووجهها توجيهاً عجيباً؛ لأنه هو حنفي، فقال: إن الوضوء بالنبيذ، النبيذ كحول، والكحول مطهرة، فما المانع من أن .. ، لأنها تزيد في التطهير أكثر من الماء العادي؛ لأن الأدوية المطهرة، والعلاجات المطهرة فيها من هذا النوع الكحول، فهي تستعمل في التطهير أقوى من الماء، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، العبرة بما جاء عن الشرع، وأن الوضوء بالماء لا بالنبيذ، واعتمادهم على خبر ابن مسعود في ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الجن، وأنه توضأ بالنبيذ، وأنه قال: ((تمرة طيبة، وماء طهور)) هذا الحديث في غاية الضعف.
الذي جرنا إلى هذا الكلام، هذا الإدراج من قول ابن مسعود: "فقد قضيت صلاتك" يعني إذا قلت هذا التشهد "فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" فلا يجب السلام حينئذٍ، وعرفنا أنه عمدة الحنفية في عدم إيجابه، وإن كان الجمهور على أنه واجب، بل ركن من أركان الصلاة، والخلاف بينهم هل الركن التسليمة الأولى، أو التسليمتين؟ محل هذا كتب الفقه.
"وابن ثوبان فصل" هذا بالنسبة للإدراج في آخر الخبر، وهو أكثر هذا النوع أمثلة، يعني كثير في، يعني أكثر المدرج يكون في آخر الخبر: ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، وتحجيله، فليفعل)) هذا كلام أبي هريرة، وإن كان في كلام لبعض أهل العلم أنه يمكن أن يثبت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، مع أن الغرة لا يمكن إطالتها، الغرة لا يمكن إطالتها، أما التحجيل الواقع في اليدين، والرجلين هذا يكمن إطالته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غسل يديه حتى أشرع في العضد، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، فهذا ممكن أما الغرة، فلا يمكن إطالتها.(14/34)
"قلت" الحافظ العراقي يقول:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب ... . . . . . . . . .
أي من المدرج في المتن عكس ما تقدم، عكس ما تقدم، ما تقدم الإدراج في آخر الخبر، وهنا يقول: "قلت: ومنه مدرج قبل" أي قبل الآخر سواءٌ كان في أوله، أو أثناءه "قُلِب" يعني بدلاً من أن يكون في آخر الخبر صار في أوله:
. . . . . . . . . ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
قلب بالنسبة للمدرج في آخره، يعني عكس، فصار في أوله بدلاً من أن يكون في آخره، ومنه:
قلت: ومنه مدرج قبل قُلِب ... . . . . . . . . .
يعني قبل اللفظ النبوي "قلب" يعني عكس، بدلاً من أن يكون في آخره كالأول هذا صار في أوله: كـ"أسبغوا" كخبر: أسبغوا أي أكملوا، وأتموا:
. . . . . . . . . ... كـ"أسبغوا الوضوء، ويل للعقب"
يعني من النار، وهنا أفرد العقب للوزن، وإلا في الحديث في الصحيحين، وغيرهما: ((ويل للأعقاب من النار))، ويل للأعقاب، على أن الإفراد: ((ويل للعقب من النار)) جاء في رواية الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن.(14/35)
شرح ألفية الحافظ العراقي (15)
(المدرج - الموضوع)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جاء في رواية الطيالسي، لكن عدوله عن رواية الصحيحين إنما هو للوزن، لوزن البيت، هذا إدراج في أول الخبر، والأول إدراج في آخر الخبر، ومنه مدرج في أثناء الخبر، في أثناء الخبر، وهو قليل بالنسبة للمدرج في آخر الخبر كثير بالنسبة للمدرج بالأول، فأكثر هذا النوع الإدراج في آخره، وأقله الإدراج في أثناءه، وأقله الإدراج في أوله، وأما بالنسبة للإدراج في أثناء الخبر فإنه متوسط بين الاثنين كتوسط موقعه من الخبر، من ذلك حديث بسرة بنت صفوان، حديث: ((من مس ذكره فليتوضأ))، ((من مس ذكره فليتوضأ))، هذا هو المحفوظ، وهو المعروف، هذا هو المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، روي مرفوعاً بلفظ: ((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) وهما؛ أعني الأنثيين والرفغ من قول عروة كما بينه جماعات عن هشام ابنه، وروي بتقديم الرفغ والأنثيين على الذكر فهو من سابقه، قاله ابن حجر، فيكون من الإدراج في أول الخبر، يعني جاء بلفظ: ((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) فقدم الإدراج على أصل الخبر، فيكون من النوع الذي سبق، من النوع الثاني الذي سبق وهو الإدراج في أول الخبر، هكذا قال ابن حجر، لكن هل يتم التمثيل به على هذه الرواية للإدراج في أول الخبر، أو لا يتم؟ أصل الحديث: ((من مس ذكره فليتوضأ))، أدرج فيه من قول عروة: ((من مس ذكره، أو أنثييه، أو رفغه فليتوضأ)) جاء من طريق: ((من مس رفغه، أو أنثييه، أو ذكره فليتوضأ)) هل يتم التمثيل به للإدراج في أول المتن على قول ابن حجر، أو لا يتم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ ((من مس)) هذه ثابتة في أصل الخبر المرفوع، فهذه الكلمة تحول دون كونه إدراج في أول الخبر، فأول الخبر: ((من مس))، وهي ثابتة في الخبر المرفوع، هذه بينت الرواية: "أسبغوا الوضوء؛ فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويل للأعقاب من النار)) " هذه التي حكمنا من أجلها أن الجملة مدرجة، هذه بينت الإدراج.
طالب:. . . . . . . . .(15/1)
إيه؛ هذه ما هي مدرجة: "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- قال" هذا ما هو بإدراج، الإدراج: ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) من غير فصل، هذا بالنسبة للإدراج في المتن،
وينقسم إلى ثلاثة أقسام: الإدراج في أوله، في أثناءه، في آخره، ومنه الإدراج في السند، الإدراج في السند، "ومنه" أي من المدرج وهو القسم الثاني، وهذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في القسم الثاني في السند:
ومنه جمع ما أتى كل طرف ... منه بإسناد بواحد سلف
"ومنه" أي: من المدرج، وهو القسم الثاني: الإدراج في السند، "ما" أي خبر، أتى كل طرف منه، عن راويه بإسناد غير إسناد الطرف الآخر "منه بإسناد" يعني غير إسناد الطرف الآخر "بواحد سلف" سلف يعني من الإسنادين متعلق بجمع، وسلف تكملة المقصود أنه جمع بين اللفظين الواردين عن راو واحد بإسنادين مختلفين، فيجمعهما كأنهما بإسناد واحد "كوائل" يعني كخبر وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه زائدة، وغيره عن عاصم بن كليب عن أبيه، فإنه قد أدرج فيه بعض رواته في آخره بهذا السند قطعة من حديث لوائل بن حُجر في غير هذه المناسبة.
كوائل في صفة الصلاة قد ... أدرج. . . . . . . . .(15/2)
فيه بعض رواته في آخره بهذا السند، ثم جئتهم في زمان، أو في زمان برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب، "ثم جئتهم وما اتحد" يعني سند الجملتين، بل الذي عند عاصم بهذا السند الجملة الأولى فقط، وأما الثانية فإنما رواها عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وجمعهما وهم، فكأنه أدرج أحد السندين في الآخر، وائل جاء، وصلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وضبط صلاته، ووصفها، ورويت عنه، ومجيئه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من مرة، فمرة وصف شيئاً، ووصف شيئاً في المرة الثانية، ما وصفه في المرة الأولى يروى عنه بإسناد، وما وصفه في المرة الثانية يروى عنه بإسناد آخر، فجاء من جاء وهو زائدة، زائدة ابن أيش؟ ابن قدامة؛ زائدة بن قدامة، وغيره –أيضاً- وافقه عليه، عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه، أدرج القصة الثانية في القصة الأولى، كلاهما يروى عن وائل بن حجر، إلا أن الأولى تروى عنه بإسناد، والثانية تروى عنه بإسناد آخر، فجاء زائدة وغيره، فجعلوا القصتين ساقوهما مساقاً واحداً بإسناد إحدى القصتين، بإسناد إحدى القصتين، ما المحذور في مثل هذا الإدراج؟ يعني إثبات سند، وحذف السند الآخر، ما المحذور في مثل هذا؟ المحذور أن تكون القصة الثانية المدرجة في الأولى التي حذف إسنادها أن تكون مشتملة على زيادات مؤثرة في الحكم، وفي رواتها ضعف، أو في بعض رواتها ضعف، فإنه إذا حذف هذا الضعيف، وبقيت زيادته ملصقة بخبر من تثبت الحجة بخبرهم؛ هذا لا شك أنه يقتضي الاستدلال والاحتجاج بمن لا يحتج به، يعني لو تصورنا القصة الأولى بسند نظيف كلهم ثقات، رويت عن وائل، القصة الثانية رويت عنه بسند فيه ضعف، فجاء من جمع القصتين بالسند الأول النظيف، أو جمعهما بالسند الثاني؛ اللي فيه ضعف؛ هذا إدراج إسناد في إسناد، صح وإلا لا؟ نعم؛ إدخال إسناد في إسناد، وسياق القصتين مساقاً واحداً، لو كان السندين، لو كان رجال الإسنادين كلهم ثقات؛ الأمر سهل، الأمر سهل؛ لأنه أينما دار فهو على ثقة، ولو كان كلهم، ولو كانوا كلهم ضعفاء –أيضاً- الأمر ما فيه إشكال؛ لأنه مردود، سواء رويناه عن هؤلاء، أو عن هؤلاء، الأثر المترتب عليه أقل،(15/3)
لكن إذا كان رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية فيهم ضعف، وأضفنا القصة الثانية إلى القصة الأولى برجال القصة الأولى؛ ترتب على هذا قبول القصتين، ولولا هذا الإدراج ما قبلت القصة الثانية، لولا هذا الإدراج ما قبلت القصة الثانية، ففي هذا الإدراج تغرير؛ تغرير للواقف على هاتين القصتين بقبولهما معاً، مع أن الأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة؛ لأن رواتها فيهم ضعف، وقد يكون فيها زيادات يتأثر فيها الحكم، فلا بد من فصل القصتين وذكر رواة كل من القصتين، لو عكسنا، وقلنا: إن رجال القصة الأولى ثقات، ورجال القصة الثانية ضعفاء، ثم أدخل رجال القصة الأولى في رجال القصة الثانية، وروى القصتين، وساقهما مساقاً واحداً عن رجال القصة الثانية الذين فيهم ضعف؛ جنايته على الخبر من أي وجه؟ الصورة الأولى: جنايته على الخبر بجعل الناس يعملون بخبر لا يجوز العمل به؛ لأنه ضعيف، والصورة الثانية: جعل الناس يتركون ما تقوم به الحجة، يتركون ما تقوم به الحجة؛ واضح وإلا ما هو بواضح؟ واضح.
يعني ننظر لهذا بصنيع ابن الجوزي في الموضوعات، وصنيع الحاكم في المستدرك؛ صنيع ابن الجوزي في الموضوعات في الحكم بالوضع على أحاديث صحيحة؛ وإن كان نادراً، والحكم بالوضع على أحاديث حسنة؛ وهذا موجود، وحكم بالوضع على أحاديث ضعيفة لا تصل إلى درجة الوضع، هذا أقرب ما يكون بالصورة الثانية؛ يعني يحرم الناس من العمل بأحاديث مقبولة، بينما صنيع الحاكم يقرب من الصورة الأولى، فقد صحح أحاديث ضعيفة، فيجعل المطلع والواقف على كتابه يعمل بأحاديث لا يجوز العمل بها، التنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ وضح لنا الصورتين أو ما وضح؟ اتضحت الصورتان من خلال هذا التنظير، وإلا ما اتضحتا؟
أيهما أبلغ في الضرر؟ صنيع ابن الجوزي، أو صنيع الحاكم؟ يعني كون الناس يحرمون من أحاديث صحيحة حكم عليها ابن الجوزي بالوضع، وفيها أحكام، أو كون الناس يعملون بأحاديث ضعيفة حكم عليها الحاكم بالصحة، أو نقول: هما على حد سواء؟
طالب:. . . . . . . . .(15/4)
يعني أبلغ في الضرر؟ نعم، تصحيح الحاكم أبلغ في الضرر من تضعيف ابن الجوزي؛ لأن الحاكم، أو لأن المصحح قد يكتفي به بعض الناس، يكتفي به بعض الناس، أما بالنسبة للمضعف يُكتفي به؛ فإذا وجد من يصحح نسخ كلامه، بينما إذا صحح الخبر، وعمل به فإن تضعيف المضعف لا ينسخه، وهذا استرواح عند أكثر الناس.
على كل حال هذه هي الصورة الأولى، هذه هي الصورة الأولى من صور الإدراج في السند.
"ومنه" يعني من الإدراج.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حديث إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
حينما جمع، نعم، منه، منه حديث الزهري في قصة الإفك، والقصة مخرجة في الصحيح، لكنها عن رواة كلهم ثقات، فلا أثر لمثل هذا الإدراج:
. . . . . . . . . قد ... أدرج ثم جئتهم وما اتحد
يعني اللفظان "ومنه" يعني من صور الإدراج في الإسناد ..
ومنه أن يدرج بعض مسند ... في غيره مع اختلاف السند
ومنه أن يدرج من قبل الراوي بعض خبر مسند في خبر غيره مع اختلاف السند فيهما:
نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا ... تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا
يعني لفظ: ((لا تنافسوا))، لا يوجد في الأصل في متن: ((لا تباغضوا ولا تحاسدوا)) إلى آخره، ليس فيه: (ولا تنافسوا)، هذه اللفظة، أو هذا النهي: (ولا تنافسوا) لا توجد في: ((لا تباغضوا .. )).
"قد نقلا من متن لا تجسسوا" الأصل يعني أول الحديث: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا))، وفي رواية بالمهملة: ((ولا تحسسوا، ولا تنافسوا))، هذه اللفظة، وهذا النهي: ((ولا تنافسوا)) في الحديث الثاني، وليست في الحديث الأول، والحديث الأول بإسناد، والثاني بإسناد، فبدلاً من أن يأخذ القصة كلها؛ كما في قصة وائل بن حجر في المجيء الثاني، وإلحاقه بقصته في المجيء الأول؛ يأخذ لفظة من حديث، وهذا يحصل عند كثير ممن يعتمد على حفظه في سياق الأحاديث من غير مراجعة؛ تجده يهجم على باله هذا اللفظ، ويرى أنه مناسب لهذا الحديث، فيضعه فيه، وكلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ يعني المتنان اللذين معنا ثابتة في الصحيح، ما فيهما إشكال، لكن على كل حال هو إدراج، وإن كان إدراج شيء يسير، وليس بإدراج حديث كامل، إنما هو إدراج كلمة.(15/5)
ومنها أن يدرج بعض مسند ... في غيره مع اختلاف السند
نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا ... تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا
أي لفظ: ((لا تنافسوا)) مدرج في متن: ((لا تباغضوا)) من متن: ((لا تجسسوا))، وبداية المتن: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا)) جاء إفراد كل واحد منهما عن الأخرى، وجاء جمعهما –أيضاً- بالجيم والحاء.
أدرجه محمد بن الحكم بن أبي مريم "إذ أخرجه" أي حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد وهو وهم، فصيرهما بإسناد واحد وهو وهم، الصورة ظاهرة، وإلا ما هي بظاهرة؟ ما الفرق بينها، وبين الأولى؟
الأولى:
ومنه جمع ما أتى كل طرف ... منه بإسناد بواحد سلف
يعني يأتي إلى قصة، أو إلى حديث يدرجه مع حديث آخر بإسناد أحدهما؛ يقتصر على إسناد أحدهما.
الصورة الثانية: يأتي إلى كلمة، أو جملة ينتزعها من حديث، ويجعلها في حديث، فيرويها بإسناد الحديث الأول وهي لا تروى به في الأصل، هي ثابتة لكنها بإسناد آخر:
ومنها أن يدرج بعض مسند ... في غيره مع اختلاف السند
نحو: ((ولا تنافسوا)) في متن: ((لا ... تباغضوا)) فمدرج قد نُقلا
من متن: ((لا تجسسوا)) أدرجه ... ابن أبي مريم إذ أخرجه
وابن أبي مريم اسمه محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي، أي حين رواه عن مالك فصيرهما بإسناد واحد، وهو وهم، فاللفظ الأول يروى عن مالك بإسناد، واللفظ الثاني يروى عن مالك بإسناد آخر.
الصورة الثالثة:
"ومنه متن" أي خبر "عن جماعة ورد"، "ومنه متن" أي خبر، أو حديث "عن جماعة ورد، وبعضهم خالف بعضاً" بزيادة، أو نقص "في السند"
ومنه متن عن جماعة ورد ... وبعضهم خالف بعضاً. . . . . . . . .(15/6)
تكون هذه المخالفة في الزيادة والنقص "في السند"، "فيجمع" بعض من روى عنهم "الكل" أي الجميع الجماعة "بإسناد" واحد "ذُكر" أي مذكور، ويدرج رواية من خالفهم معهم على الاتفاق "كمتن" أي خبر ابن مسعود: "أي الذنب أعظم؟ " قال: ((أن تجعل لله نداً .. )) " "الخبر"، "فإن عمراً" وهو ابن شرحبيل "عند واصل" بن حيان الأحدب "فقط بين شقيق" أبي وائل "وابن مسعود سقط" فرواه: عن شقيق عن ابن مسعود، وأسقط عمرو بن شرحبيل، الأصل أنه: عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود؛ هذا الأصل فيه، وهو ثابت من رواية الأعمش ومنصور:
وزاد الأعمش كذا منصور ... . . . . . . . . .
يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل كذا منصور، ننتبه لهذه الصورة، واصل ابن حيان الأحدب يروي هذا الخبر المخرج من حديث ابن مسعود: "أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله نداً .. )) " الحديث، يرويه واصل عن شقيق بن .. ، ابن أيش؟ ابن سلمة، أبو وائل، عن أبي وائل شقيق عن ابن مسعود مباشرة، أبو وائل يروي عن ابن مسعود، وإلا ما يروي؟ له رواية عن ابن مسعود، أو لا؟ له رواية عن ابن مسعود، له رواية عن ابن مسعود؛ لكنه في هذا الحديث بينه وبين ابن مسعود عمرو بن شرحبيل، فأسقطه واصل ابن حيان الأحدب، وذكره الأعمش ومنصور، إذا وازنا بين الأعمش ومنصور، وبين واصل الأحدب من نقدم؟ نعم؟ نقدم من؟ واصل وإلا الاثنين؟
طالب:. . . . . . . . .
نقدم الاثنين؛ نقدم الاثنين بلا شك، فما ذكروه من هذه الزيادة -أعني عمرو بن شرحبيل- هو المحفوظ.
طيب لو صرح بالتحديث، فقال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، مع أن رواية الأعمش ومنصور مذكور فيها بين شقيق -أعني أبا وائل- وابن مسعود، مع وجود التصريح بالتحديث والإسنادين كلهم ثقات:
وزاد الأعمش كذا منصور ... . . . . . . . . .(15/7)
يعني زاده، زاد عمرو بن شرحبيل الأعمش ومنصور؛ الأعمش سليمان بن مهران الحافظ الثقة المعروف، ومنصور بن المعتمر؛ يعني لو كان العكس الذي زاده واصل، وأسقطه الأعمش، ولم يذكر صيغة التحديث؛ قلنا: دلسه الأعمش، نعم، دلسه الأعمش، زاده الأعمش كذا منصور فروياه عن شقيق عن عمرو عن ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما، وعن واصل صارت رواية واصل هذه مدرجة على روايتهما، وقد فصل أحد الإسنادين عن الآخر الإمام يحيى بن سعيد القطان؛ يعني وجه الإدراج لما روي عنهما .. ، الآن عندنا في رواية واصل أسقط عمرو بن شرحبيل، في رواية الأعمش ومنصور ذكر عمرو بن شرحبيل بين شقيق، وبين ابن مسعود، فلما رواه الثوري عنهما، وعن واصل يعني عن الثلاثة كلهم، صارت رواية واصل هذه مدرجة، لما رواه الثوري عن الثلاثة؛ أقحم عمرو بين شقيق، وبين ابن مسعود، فذِكْر عمرو بن شرحبيل في رواية واصل إدراج، وفي رواية الأعمش ومنصور إدراج، وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا؛ بقي على الأصل، ففصل الإسنادين، وميز المدرج من غيره الإمام يحيى بن سعيد القطان، لكن الخبر روي من طريق واصل بإثبات عمرو، بإثبات عمرو بين أبي وائل، وبين ابن مسعود؛ كرواية الأعمش ومنصور، فيكون صنيع الثوري صحيحاً، وإلا غير صحيح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، وصنيع يحيى بن سعيد القطان، وهو إمام من أئمة الحديث، صحيح، وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح باعتبار الأشهر، التي هي الراوية الأولى.(15/8)
لو قدر أن واصل ابن حيان قال: عن أبي وائل، قال: حدثنا ابن مسعود، وفي رواية الأعمش، ومنصور: عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، صُرح في الرواية الأولى بالتحديث، فهل نقول إن هذا من المزيد في متصل الأسانيد؟ أو نقول: إنه مرة يرويه أبو وائل عن ابن مسعود بواسطة، ويرويه مرة أخرى بدون واسطة؟ يعني رواه عنه عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود، فلما لقي ابن مسعود أخذه عنه بدون واسطة، فكان يرويه على الأول تارة، ويرويه على الثاني تارة، وهل مثل هذا يقدح في السند أو لا يقدح؟ لأن فيه نوع من أنواع علوم الحديث اسمه: "المزيد في متصل الأسانيد" يعني إذا صرح بالتحديث .. ، يعني كيف نفرق بين هذا النوع: "المزيد في متصل الأسانيد"؟ يعني يأتي السند بصيغة التحديث مصرحاً فيه بالتحديث من طريق أربعة رجال، ويأتي مصرحاً فيه بالتحديث من طريق خمسة رجال، فيهم واحد زائد عن الأربعة؛ هل نقول: إن هذا الواحد مزيد في متصل الأسانيد، ووجوده كعدمه؟ أو نقول: إن الراوي مرة يرويه بواسطة ومرة يرويه بغير واسطة، ومتى يكون مزيداً في متصل الأسانيد؟ عندك المزيد في متصل الأسانيد في الألفية؛ نوعان: "خفي الإرسال، والمزيد في متصل الأسانيد":
وعدم السماع واللقاء ... يبدو به الإرسال ذو الخفاء
كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعن فيه ورد
يعني إذا كان جاء مصرحاً فيه بالتحديث بدونه، وموجود بالعنعنة؛ يعني هو وجوده بغير تصريح بالتحديث، وعدمه مصرح فيه بالتحديث؛ فإنه يحكم "إن كان حذفه بعن فيه ورد"، يقول:
كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعن فيه ورد
وإن بتحديث أتى فالحكم له ... مع احتمال كونه قد حمله
"عن كل" يعني الاحتمال الذي أبديناه سابقاً أنه رواه عن شيخه بواسطة، ورواه مرة بدون واسطة:
إلا حيث ما زيد وقع ... وهماً وفي ذين الخطيب قد جمع(15/9)
يعني إذا كانت الزيادة وهماً، إذا كانت الزيادة وهماً، فإنه يحكم عليه بأنه مزيد، أما إذا كان الاحتمال قائماً، والرواة كلهم ثقات؛ رواة الإسنادين كلهم ثقات، الإسناد الذي فيه خمسة، والإسناد الذي فيه أربعة؛ كلهم ثقات على حد سواء؟ فهذا الزائد بين شيخين لقي أحدهما الآخر، وروي عنهما الحديث بدون هذا الزائد، مصرحاً فيه بالتحديث، فإنه لا يمنع حينئذٍ أن يكون قد سمعه من الشيخ مرة بواسطة؛ فذكر الواسطة، ومرة بدون واسطة؛ فحذف الواسطة.
قالوا: من مدرج الإسناد، من مدرج الإسناد أن لا يذكر المحدث متن الحديث، أن لا يذكر المحدث متن الحديث؛ بل يسوق الإسناد فقط، ثم يعوقه، ويحول دون سياقه لمتن الحديث حدث، يعوقه، ويحول دونه، ودون سياق متن الحديث حدث يطرأ عليه، ثم لا يذكر متن الحديث، فيتكلم بكلام مناسب لهذا الحدث، مناسب لهذا الحدث، فالسامع يسمع الإسناد، ويسمع هذا الكلام المناسب لهذا الحدث، فيركب عليه هذا الإسناد؛ السامع سمع إسناد، وسمع كلام، فظن هذا الإسناد لهذا الكلام، فرواه على هذا النسق، وهو في الحقيقة لا علاقة لهذا الإسناد بهذا الكلام، إنما جاءت مناسبة لذكر هذا الكلام، وهذا يحصل كثيراً، تجد الشيخ يتكلم، ثم بعد ذلك يلحظ على بعض الطلاب شيئاً، فيدخل كلاماً مناسباً لهذه الملاحظة، فيظنه السامع من ضمن ما يقال في هذه المسألة، وهذا إدراج كلام في كلام، كقصة شريك؛ يحدث فذكر إسناداً، فدخل ثابت بن موسى الزاهد، وعلى وجهه النور من أثر العبادة، فلما رآه شريك قال: "من كثرت صلاة بالليل؛ حسن وجهه بالنهار" ويقصد بذلك ثابت هذا الذي دخل، فثابت لغفلته، واشتغاله بالعبادة، وغفلته عن حفظ الحديث؛ ظن أن هذا الكلام يروى بهذا الإسناد، فركَّب عليه الإسناد على ضوء ما سمع، وهو ليس من أهل العناية بالحديث، فيمشي عليه مثل هذا، هذا إدراج متن في سند، متن في سند ليس له.(15/10)
جزم ابن حبان أن مثل هذه القصة من نوع المدرج، هذا القصة تدخل في نوع المدرج، وستأتي في الموضوع أن هذا يسمى شبه وضع، شبه وضع، لكن .. ، بل هو وضع لم يقصد؛ لأنه نسبة كلام إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يقله، والمثال الواحد قد يتجاذبه أكثر من نوع، قد يتجاذبه أكثر من نوع، كما يُمثل للمعل بالمضطرب مثلاً، تجدون بعض الأمثلة موجودة في أكثر من باب، وتكون حينئذٍ علته الاضطراب.
بعد هذا ذكر الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- حكم الإدراج:
. . . . . . . . . ... وعمد الإدراج لها محظور(15/11)
أي: ممنوع؛ لا يجوز الإدراج، إلحاق كلام بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- من غيره؛ من غير فاصل يفصل بين كلام النبوة، وبين كلام غيره -عليه الصلاة والسلام-؛ تعمده حرام، إلا أنهم يتساهلون في مثل تفسير الغريب؛ يعني مرت في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- كلمة غريبة، ففسرها الراوي، كتفسير الشغار، وتفسير المزابنة، وتفسير التحنث بالتعبد، لكن قد يقول قائل: كيف نحكم على الإدراج بأنه حرام، وقد فعله بعض الصحابة؟ فعله بعض الصحابة؟ نقول: نعم فعله بعض الصحابة؛ لكن من فعله من الصحابة، أو من غيرهم من الرواة الثقات الذين لم يجرحوا بهذا؛ فعلوه، أدرجوا في مناسبة بعد أن بينوا في مناسبات، بعد أن بينوا في مناسبات، ولولا هذا البيان لما عرفنا أنه مدرج، فمن حُفظ عنه هذا الإدراج حُفظ عنه الفصل، وبهذا الفصل عرفنا أن هذا الكلام مدرج، فإذا بين الإنسان في موضع لا يلزم أن يبين في كل موضع، لا يلزم أن يبين في كل موضع، وهذا نظير ما جاء في بعض الأحكام الشرعية تجد ما يحتاج إليه من قيد مثلاً أو استثناء يقال في مناسبة، ثم يذكر الحكم بغير هذا القيد في مناسبات أخرى، اعتماداً على أن هذا القيد ذكر، وإلا ما الذي يدرينا عن هذا القيد؟ إلا أنه ذكر في مناسبة أخرى؛ مثاله، مثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، الذي يريد أن يأخذ بهذه الجملة فقط، أو بهذه الآية يحرم جميع أنواع الدم، حتى دماً مأكول اللحم، دماً العروق، أي دم كان: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدةٍ]، لكنه جاء مقيداً في آية أخرى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام]، ولو كان البيان يلزم في كل مناسبة؛ لقلنا: لا بد من أن يذكر القيد في كل مناسبة، فالصحابي إذا أدرج في مناسبة، وقد بين في مناسبة أخرى؛ لا يلزم أن يبين في كل مناسبة، بعض القضايا يختلف فيها العلماء بناءً على مثل هذا البيان؛ هل يكفي، أو لا يكفي؟ قد يكون البيان كافياً؛ فمثل هذا لا يختلف فيه، قد يكون البيان يأتي ما يعارض(15/12)
ويضعفه، فمثلاً حديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) جلد مائة والرجم، الحديث صريح وصحيح في كون الزاني الثيب يجلد ثم يرجم.
القضايا التي حصلت في عهده -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر فيها جلد، لم يذكر فيها جلد،: ((واغدوا يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، وفي حديث ماعز: ((اذهبوا به فارجموه)) في قصة ماعز؛ ما ذكر جلد، وهذا وقت بيان، ووقت حاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فالجمهور يقولون: لا يجلد، يكتفى برجمه؛ لأن القضايا المتعددة لم يذكر فيها الجلد، والذين يقولون بأنه يجلد كالحنابلة؛ يقولون: خلاص ما دام بُيْن في مناسبة واحدة؛ ما احتاج أنه يبين في جميع المناسبات، فاعترى هذا البيان عند بعض أهل العلم ما يضعفه، فيجعله بحاجة إلى تكرار، ومثال ذلك –أيضاً- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ولا يلبس المحرم الخفين إلا أن لا يجد النعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، قاله بالمدينة، ثم بعرفة والحجاج كلهم متوافرون من المدينة، وغيرها لم يذكر القطع، فمن أهل العلم من يقول: ما دام ذكر في مناسبة لا يلزم تكراره في كل مناسبة، فعندنا مطلق ومقيد؛ يحمل المطلق على المقيد، وما في إشكال، لا بد من القطع، وقال بعضهم: لا، ذكره بالمدينة، وقد سمعه بعض الحجاج لا يغني عن ذكره بعرفة حينما سمعه جميع الحجاج، فهذا الموضع موضع حاجة؛ حاجة للبيان، فلا بد من البيان في هذا الموضع، فلا يحتاج حينئذٍ إلى قطع، ولو كان يحتاج إلى قطع لبينه للناس كلهم، وهذا موضعه.
أقول: إن الأصل أنه إذا بين في مناسبة لا يلزم تكرار البيان في جميع المناسبات إلا إذا اعترى هذا البيان، أو عارضه ما يضعفه؛ مثل المثالين الذين ذكرتهما، فليكون للنظر، والاجتهاد فيه مجال.
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/13)
هذا يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة كي يراها، وهذه الأخت تعيش في فرنسا، وهو في المملكة؟
لكن الوسيط هذا الذي يستأذن في إطلاع الخاطب على هذه الصورة ما موقعه من هذه الأخت؟ إن كانت أختاً، له يجوز له أن يراها، وإن كان أجنبياً عنها فالخاطب أولى منه.
يقول: عرضت إحدى الأخوات على أحد طلبة العلم، وطلب أن يراها عبر الإنترنت للزواج، فهل يجوز لي أن أعطيه الصورة لكي يراها؟
أنا أسأل عن علاقة الوسيط هذا الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؟ أولاً المسألة من أصلها أن التصوير محرم، لكن من يسكن في تلك البلاد لا بد أن يصور شاء أم أبى، والتصوير بالنسبة لما يزاول من الأعمال اليومية في تلك البلدان أظنه أمراً لا يناقش فيه، موضوع التصوير في كثير من البلدان أظن أمراً تعدى مسألة المناقشة، وهل يصور، أو لا يصور؟ أما بالنسبة للرجال فأمر ظاهر، وأما بالنسبة للنساء ففي بلاد الكفر –أيضاً- لا فرق.
أنا أسأل عن علاقة الوسيط الذي يستأذن في عرض الصورة على الخاطب؛ ما علاقته بهذه البنت المخطوبة؟ إن كان أخاً لها تجوز له رؤيتها، فحق له أن يستأذن، وحينئذٍ الجواب إذا كان خاطباً، والصورة قد حصلت لا مانع من إطلاعه على الصورة؛ لأن له أن يراها مباشرة، فرؤية صورتها من باب أولى.
وإن كان الوسيط أجنبياً عن هذه المرأة، فالاستئذان ليس في محله؛ لأن الخطاب أولى منه بالرؤية، على كل حال إذا كان جاداً في الخطبة فلا مانع من أن يرى الصورة؛ مادام أن الصورة حصلت، وإلا لو كانت الصورة لم تحصل لقلنا: إن التصوير حرام، والله المستعان.
يقول: شنع الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- على الذين ينتسبون للحديث، ويوردون الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ مع أنه -رحمه الله تعالى- ذكر في مقدمته حديث عائشة -رضي الله عنه- بصيغة التمريض، فقال: ذُكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذه الصيغة تدل على أن الحديث عنده ضعيف؛ فكيف الجواب عن ذلك؟
هو شنع على من يلقي بالأحاديث الضعيفة على الأغبياء والجهال، وأهل الغفلة، أما الكتاب فقد ألفه لطلبة العلم، فينفصل من هذا الإشكال بهذا الجواب.(15/14)
يقول: وهل إيراد الحديث في المقدمة يدل على أن الإمام مسلم يذهب إلى جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؟
لا، لا يدل على ذلك فقد يورد الإنسان الحديث، ولا يرى العمل به، وكتب الفقه مملوءة بالأحاديث الضعيفة، وهم لا يعملون بالضعيف.
هل التزم الإمام مسلم بتقديم أصح الأحاديث على ما دونها على حد قوله في المقدمة بعد أن ذكر الطبقة الأولى من الرواة: فإذا تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً أخرى، أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان يعني من أحاديث الطبقة الثانية؟
لا، ليست له قاعدة مطردة في كون ما يقدم هو الأصل، وما يعطف عليه هو الشاهد أو المتابع، إنما هذا هو الكثير الغالب، وقد يكون الحديث، آخر الأحاديث في الباب وهو أقوها.
هل في مختصرات الكتب من فائدة؟ هل في مختصرات الكتب من فائدة؟
أما المختصرات التي اختصرها العلماء الموجودة الآن في أسواق المسلمين، المختصرات جردوها من الأسانيد، وانتقوها من الكتب لتحفظ فهذه فائدتها عظيمة، وعمل الناس عليها، وأما أن يوجد كتاب متداول مبذول، ويوجد له مختصر، يأتي من يختصره من أهل العلم، ويكون بين أيدي الناس الكتاب ومختصره؛ فالأصل هو الأصل، والمختصر إن اشتمل على فائدة زائدة فذاك، وإلا فالأصل يغني عنه.
يوجد كثير من المختصرات ألغت وهمشت الأصول، فكم بين طبع تهذيب التهذيب، وبين طبع تهذيب الكمال من سنة فضلا ًعن أصله الكمال للحافظ عبد الغني؟ تهذيب التهذيب طبع قبل أصله بما يقرب من ثمانين سنة، طبع الفرع قبل الأصل، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، والفرع –أعني تهذيب التهذيب- فيه فوائد كثيرة لا توجد في الأصل، فلا يستغنى بتهذيب الكمال عن تهذيب التهذيب، كما أنه لا يستغنى بهما عن التقريب، فهذه الفروع وإن كانت فروع لا يمكن الاستغناء عنها.
الكاشف للحافظ الذهبي مختصر من التهذيب، والخلاصة مختصرة من التذهيب، والتذهيب مختصر من التهذيب، وكل كتاب له قيمته وله مزيته، فلا يستغنى ببعضها عن بعض.(15/15)
ابن حجر أيضاً اختصر البدر المنير لابن الملقن في كتاب أسماه: التلخيص الحبير، وطبع قبل أصله بمائة سنة، واستفاد الناس من الفرع فائدة عظيمة، وإن كاد أن يكون لا شيء بالنسبة للأصل، الأصل كتاب عظيم مستوفى فيه التخاريج والطرق، أما المختصر فهو على اسمه، وهناك كتب صارت المختصرات أفضل من أصولها، فدوران مطالع الأنظار مطالع الأنوار لابن قرقول؛ دورانه في كتب أهل العلم أكثر من دوران أصله مشارق الأنوار للقاضي عياض، فلا يعني أن الاختصار ما فيه فائدة، إذا تولى الاختصار بارع صار فيه فائدة، فيحذف من الكتاب ما فائدته أقل، ويضيف إليه ما كانت فائدته أعظم، نعم بعض الناس لا دور له في الاختصار؛ إنما يأتي بقلم ملون، أو يقوس على بعض المقاطع التي يريد حذفها، هذا لا فائدة فيه؛ يعني عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، الخمسة الأجزاء الصغيرة التي تزيد على ربع الكتاب التي تولى تحريرها الشيخ بنفسه، وصاغها بقلمه، وطبعت في وقته؛ هذه من نفائس المختصرات، طبع الكتاب كامل، طبع في ثلاثة مجلدات كامل، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير، لكن هل مستوى الثلثين المجلد الثاني والثالث مثل مستوى المجلد الأول؟ كلا؛ أبداً؛ لأن طريقة الشيخ في الثلث الذي طبع في وقته اختصر بنفسه، وعانى الكتاب بنفسه، وصاغه بأسلوبه، وطبعه، واطمئن عليه؛ البقية له قراءات في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير من طبعة الاستقامة، وصوروا أنموذجاً منها، له قراءة في هذا التفسير، وعمله في المختصر مجرد تقويس على ما يريد نقله فقط؛ يعني ما غير في الأسلوب شيء، ولا حرر، ولا نقح، ولا شيء، هو مجرد تقويس على ما يريد، هذا فائدته أقل بكثير من الثلث الأول الذي صاغه بقلمه -رحمه الله-.
هذا يسأل عن المختصرات، فإن كان سؤاله عن المختصرات الموجودة، وهل يقرأ في الأصل أو في المختصر؟(15/16)
يعني لو نظرنا إلى التجريد مختصر البخاري مع أصله يكاد أن يكون التجريد لا قيمة له بالنسبة للأصل، يعني في كتاب الرقاق أورد الإمام البخاري مائتي حديث فيما يقرب من مائة وخمسين ترجمة بآثار الصحابة والتابعين، مع التكرار مع الأسانيد، مع الدرر التي أوردها الإمام في هذا الكتاب، وبرع فيه براعة فائقة، المختصر اقتصر منها على عشرة أحاديث، بدون أسانيد، وبدون تراجم، وبدون شيء، ما فائدة هذا؛ أي فائدة في هذا الكتاب بالنسبة لأصله؟ نعم أنا أحث الطلاب على أن يختصروا بأنفسهم، يختصروا الكتب، وهذه وسيلة نافعة ناجعة ناجحة من وسائل تحصيل العلم، طالب العلم يعمد إلى كتاب مطول يختصره بنفسه، ويديم النظر فيه، ويكرر النظر فيه ليرى ويستقر رأيه على ما يثبت وما يحذف، وإذا انتهى من الكتاب صار علمه بما حذف كعلمه بما أثبت، يكون لديه إحاطة بالكتاب، وهذه من أنفع وسائل التحصيل، فهناك كتب تصعب قراءتها أكثر من مرة، فإذا قرأها مرة واحدة .. ، فتح الباري مثلاً لو طبع مثل الطبعات الحديثة هذه جاء في خمسين مجلد، أو ما يكفيه، بإمكان طالب علم أن يختصره بقدر ربع؛ لكن بعناية يختصر بعناية ما هو بيقرأ قراءة عابرة، ويقوس وهو ماشي، لا، يفهم ويش اللي يثبت، ويفهم أيضاً -ما يحذف-، لكن لو تولاه غيرك، ما الذي يدريك بما حذف، لعلك تكون في أمس الحاجة إليه، قد تكون حاجتك إلى ما حذف المختصر أكثر من حاجتك إلى ما أثبت، لكن أنت أدرى بنفسك، نعم هذه الطريقة لا يطيقها، أو لا يقدر عليها كثير من طلاب العلم، لكنها مقدورة(15/17)
بالنسبة لجمع غفير من طلاب العلم، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا اختصر كتاب في سنة، خلال شهر مطلعه في المكتبات يباع، لا، لا هو يختصر لنفسه، الاختصار طريقة، وسيلة من وسائل التحصيل، النشر –أيضاً-، والبسط وسيلة، والشرح وسيلة، تأتي إلى كتاب مختصر جداً، فتعلق عليه بتعليقات من شروحه، وما سجل عليه، وبمراجعة الكتب، المسائل اللغوية تراجع عليها كتب اللغة، المفردات تراجع عليها، الفوائد، الأحكام تراجع عليها كتب الفقه، يعني على سبيل المثال عندنا في أحكام القرآن المذاهب الثلاثة كلها ألف فيها، أحكام القرآن على مذهب أبي حنيفة، الجصاص مثلاً، أحكام القرآن على مذهب الإمام مالك ابن العربي، والقرطبي، أحكام القرآن على مذهب الإمام الشافعي، أحكام القرآن لإلكيا الطبري الهراسي، يبقى مذهب الحنابلة يستمر الحال على هذا الوضع؟ طالب العلم بحاجة إلى أن يقارن؛ لأنه لا بد أن يربط أحكامه الفقهية بالقرآن، أولى ما يستنبط منه الأحكام القرآن، فإذا أتيت إلى كتاب أحكام القرآن للجصاص أثبت الحكم باختصار، تقول: هذا رأي الحنفية كما قال الجصاص، ثم تأتي إلى أحكام القرآن لابن العربي فإذا كان ابن العربي ذكر الآية، وذكر الحكم اقتصرت عليه، وقلت: هذا الحكم عند المالكية كما في أحكام القرآن لابن العربي، إذا لم يذكر هذه الآية ابن العربي –وهو مظنة- ترجع إلى القرطبي، ويذكر فيه رأي الإمام مالك، ثم ترجع إلى كتاب إلكيا الطبري الهراسي تذكر الحكم، تقول: هذا مذهب الشافعية من خلال أحكام القرآن لإليكا الهراسي، ثم يبقى الخانة الرابعة مذهب الحنابلة ترجع إلى كتب الحنابلة الفقهية، هذه مسألة فقهية ترجع فيها إلى كتب الفقه تقول: رأي الحنابلة كذا كما في المغني مثلاً، تتم لديك الصورة في المذاهب الأربعة، وتتفقه على هذه الطريقة، إن أضفت قلت: رأي شيخ الإسلام كذا كما في الفتاوى، نور على نور، إن زدت فقلت: رأي الظاهرية كذا كما في المحلى، إذا انتهيت على هذه الطريقة، الآن الثلاثة المذاهب الثلاثة مخدومة ما تتعبك شيء، الذي يتعبك المذهب الرابع مذهب الحنابلة، وهو ليس بمتعب، كتبه مرتبة، ومنظمة، ومتداولة، وموجودة، المسألة مسألة مراجعة، أنا أعتقد أن مثل هذا(15/18)
العمل لا يحتاج إلى بضعة أشهر، وإذا انتهى طالب العلم بهذه الطريقة، وأنتم الآن في وقت التحصيل، أنتم الآن في وقت التحصيل، كنا نقرأ، وندون الساعات في اليوم الواحد، لكن الآن، والله إني لا أتمكن، ولا تحضير الدروس، فضلاً عن أن أقرأ شيئاً آخراً، فالذي يفرط في مثل هذه الأيام سوف يندم، ولات ساعة مندم، يندم بالفعل، كما ندمنا، يعني الواحد يمكن يجي له فترة سنة، سنتين، يقرأ، ويستفيد، ويحصل، ثم بعد ذلك يفتر، ويضيع باقي الأيام، وباقي السنين، لكن على طالب العلم الذي ذاق طعم، وحلاوة العلم أن يستمر، وأن يجد في طلب العلم، فهذه من أنفع الوسائل، يعني أحياناً تطرح آراء يستغربها طالب العلم، وهي من أنفع الوسائل أيضاً، فيأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف يعني شرحنا الطريقة التي تجمع فيها كتب السنة مراراً عن طريق جعل البخاري محوراً للبحث، يأتي طالب العلم إلى تحفة الأشراف، فيمسك الأحاديث حديثاً حديثاً، ويذكر الأحاديث كاملة التي أشار إليها المزي، فإذا ذكر الأحاديث كاملة من مصادرها، رجع إليها من مصادرها؛ فما ينتهي من الكتاب إلى عنده ألوف مؤلفة من الأحاديث، ومن الرجال، ومن حفظ سلاسل الأسانيد التي يروى بها أحاديث كثيرة، لكن هذا يحتاج إلى زمن طويل، ويحتاج إلى معاناة، وصبر، وتخفيف من الارتباطات، والاقتصار على الضروريات، ويستفيد طالب العلم؛ لأن بعض الناس يضيع عمره في التردد، ما يدري ويش يصنع، ويوم يجلس عند هذا العالم، يقول: والله ما استفدت؛ ندور غيره، ويروح لثاني، ثم يقول: والله ما استفدت، وسمعنا كلمة ما استفدت من الكبار، وسمعنا من جلس عند الشيخ ابن باز لمدة شهر قال: والله ما استفدت شيئاً، ما هو بصحيح ما استفدت شيئاً، وسمعنا من قرأ كتاباً كاملاً، ولما انتهى قال: والله ما بذهني شيء، هذا الكلام ما هو بصحيح، نعم لو أراد أن يستذكر ما في الكتاب قد لا تسعفه الذاكرة، لكن لو بحث أي مسألة في مجلس من المجالس شارك فيها؛ لأن عنده مخزون من العلم، وهو لا يشعر، فبعض الناس يصاب باليأس، يقول: قرأت مثلاً شرح النووي، أو شرح كذا، أو ابن رجب، ثم انتهيت لا شيء، طبقت الكتاب مثل ما فتحته، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، نعم قد(15/19)
تستذكر، قد تعتصر الذهن ما يسعفك، لكن إذا بحث مسألة تستذكر -والله المستعان-.
يقول: أنا عمري عشرين سنة، وأريد الزواج من امرأة عمرها ثماني عشرة سنة، تعرفت عليها، وهي ليست من قبيلتي، بل من قبيلة أخرى، ولكن الوالد والوالدة رافضين هذا الشيء قطعياً، يقولون: أنت تعرف واحدة حيوانة، وسافلة، وكلام مشين، مع احترامي الشديد لكن مع أن أبو البنت يشرب دخان، وشيشة، وكذلك يتعاطى القات، يا شيخ، هل أوافق على هذه البنت، أم أتركها؟
لو أطعت والديك، وبحثت عن بنت نشأت في بيئة صالحة، وربيت تربية تعينك على أمر دينك، ودنياك كان أفضل، علماً بأنه إذا كانت البنت متدينة، إذا كانت البنت .. ، فالمسألة تعلقها بها لا بأبويها، ولا شك أن للبيئة تأثيراً على البنت، وكذلك على الولد، لكن النظر إليها بالدرجة الأولى، فإن كانت غير متدينة، فابحث عن غيرها، وغيرها كثير، يعني بر الوالدين في مثل هذا، وطاعتهما أمر لا بد منه، مع أن التعرف بين الشاب، والشابة، البنت التي يمكن التعرف عليها من قبل الشباب هذه قد يرغب عنها.
يقول: أخت متزوجة، وفي شهرها الخامس تسأل هل يجوز لها أن تعمل التحاليل لترى هل الجنين طبيعي، أم مشوه؟ هل تقول: إنها لا تريد أن تعمل هذه التحاليل؛ لأنها قد تتسبب هي نفسها في تشويه الجنين؛ لأنها تأخذ من الرحم، وقد يصاب الجنين بالأذى، لكن هي سمعت شيخاً يقول: إن علم الأبوين بأن الجنين فيه تشويه، ولم يزيلاه، فقد يكونان سبب في تعذيبه، وقتله، وهذا الأمر حيرها هي عندها بنت، وولد، الولد خلق سليم، والبنت خلقت منغولية، لهذا تسأل ماذا تفعل هل تترك الأمر لله، وما تعمل لا تحاليل، ولا شيئاً، أم تعمل التحاليل، وتشوف ما في بطنها؛ هل هو سليم أم لا؟ وفي حالة أخبرت أن الجنين مشوه؛ هل يجب عليها أن تجهض، وجزاكم الله خيراً؟(15/20)
لو تركت الأمر لله، وتركت التحاليل؛ لكان أفضل، وأولى، وهو الأصل، لكن إن حللت، وظهر الحمل الجنين مشوهاً؛ فلا يجوز لها أن تجهضه بحال، والإنسان لا شك أنه يحرص، ويتمنى أن يكون الولد كامل الخلقة، سليماً، لكن وما الذي يدريه في أن العاقبة قد تكون في الولد المشوه، وقد تكون في الولد -كما ذكرت- غير السليم؛ لأن هذا السليم قد يكون سبباً، سبب عذاب، ومحنة، وفتنة لهما في الدنيا، والآخرة، وهذا المشوه قد يكون منحة من الله -جل وعلا-، تصب عليهم الأجور بسبب رعايته صباً، مع الصبر، والاحتساب قد يكون أفضل، نعم الإنسان لا يتمنى أن يكون الولد مشوهاً، لكن إذا حصل، أو معوقاً، إذا حصل؛ فالصبر والاحتساب، وأما الإجهاض فلا يجوز بحال.
أهل العلم يقولون: إذا كان هناك حاجة داعية؛ فيجوز قبل الأربعين بدواء مباح، أما بعد الأربعين، فلا.
يقول: ما هي الطريقة في حفظ القرآن؟
الطريقة في حفظ القرآن كما ذكر أهل العلم، كما جُرب، يعني يحدد الوقت المناسب لقوة الحافظة، وضعفها، ثلاث آيات، خمس آيات، عشر آيات، أكثر، أقل، ثم يردد حتى يحفظ، فإذا حفظ يكرر، ويصلى به، يعني يصلى به، يعني يصلى به نوافل؛ ليثبت، ثم بعد ذلك إذا كان من الغد كرر هذا المحفوظ خمس مرات، ثم ذكر جزءاً، قرر جزءاً مناسباً، فإن كان سَهُل عليه حفظ خمس الآيات يزيد إلى سبع حتى يحفظها، ويكررها كما فعل بالأمس، ثم بعد ذلك في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب الأمس خمس مرات، ويبدأ بحفظ القدر المحدد لليوم الثالث، وهكذا.
هذا يقول: أريد أن أسأل عن حكم أخذ مال الزكاة لكي تعينني في رحلة طلب العلم، وإنني ليست لدي الإمكانية المالية التي تساعدني للذهاب؟
شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى يرى أن طالب العلم، أو طلب العلم في سبيل الله، فهو مصرف من مصارف الزكاة، وطالب العلم يأخذ من الزكاة ليشتري ما يحتاج حتى الكتب، والمراجع، وجمهور أهل العلم على أن مصرف في سبيل الله خاص بالجهاد، وعلى هذا يأخذ من الصدقات، وإن طلب العلم، واقترض إن وجد من يقرضه، وصار غارماً؛ جاز له أن يأخذ من الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .(15/21)
كيف؟ يعني هذا شخص عنده مال، يريد أن يتصدق به، أو يشتري به كتباً؟ هذا على حسب حاجته، إن كان يريد أن يشتري الكتب، ويصفها في الرفوف، ورجوعه إليها نادر؛ فالصدقة بقيمتها أفضل، إيه، وإلا الاستفادة، والعلم أفضل من الصدقة.
هذا يقول: أنا مسافر، ودخل وقت الظهر، وأنا موجود على الحدود السعودية القطرية؛ فهل أصلي الظهر والعصر قصراً، وجمعاً؟ علماً بأنني سوف أصل إلى بيتي قبل صلاة العصر؟
لا، لك أن تصلي صلاة الظهر قصراً في وقتها، وإذا وصلت؛ لأن بعضهم يشترط استمرار العذر إلى دخول وقت الثانية، إلى دخول وقت الثانية، فعلى هذا إذا غلب على ظنك أنك تصل إلى بلدك قبل دخول وقت الثانية؛ فإنه ليس لك أن تجمع.
لحظة يقول هذا: ما مزية، له سؤال سابق، سؤال ثاني في الورقة،
ما مزية جامع الأصول، وقد جمع بعض كتب السنة؟
جامع الأصول جمع الكتب الخمسة التي هي دواوين الإسلام، والسادس بدلاً من ابن ماجه جعله الموطأ، موطأ الإمام مالك، وجمعه جيد، وترتيبه مناسب، لكن الإشكال في مثل جامع الأصول أنه لا يأخذ الأحاديث من الأصول، فقد تجد لفظاً ينسبه إلى البخاري، ولا تجد نفس اللفظ في البخاري، إنما يعتمد على المستخرجات، كالبيهقي، وغيره،
نعم.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
الموضوع
شر الضعيف الخبر الموضوع ... الكذب المختلق المصنوع
وكيف كان لم يجيزوا ذكره ... لمن علم ما لم يبين أمره
وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
والواضعون للحديث أضرب ... أضرهم قوم لزهد نسبوا
قد وضعوها حسبة فقبلت ... منهم ركونا لهم ونقلت
فقيض الله لها نقادها ... فبينوا بنقدهم فسادها
نحو أبي عصمة إذ رأى الورى ... زعماً نأوا عن القران فافترى
لهم حديثا في فضائل السور ... عن ابن عباس فبئسما ابتكر
كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف ... راويه بالوضع وبئسما اقترف
وكل من أودعه كتابه ... كالواحدي مخطيء صوابه
وجوز الوضع على الترغيب ... قوم ابن كرام وفي الترهيب(15/22)
والواضعون بعضهم قد صنعا ... من عند نفسه وبعض وضعا
كلام بعض الحكما في المسند ... ومنه نوع وضعه لم يقصد
نحو حديث ثابت من كثرت ... صلاته الحديث وهلة سرت
ويعرف الوضع بالإقرار وما ... نزل منزلته وربما
يعرف بالركة قلت: استشكلا ... الثبجي القطع بالوضع على
ما اعترف الواضع إذ قد يكذب ... بلى نرده وعنه نضرب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الموضوع" الموضوع اسم مفعول من الوضع، وهو الحط، وضع الشيء، وضع الدين حطه، وسمي الخبر الموضوع المكذوب بهذا الاسم؛ لأنه منحط الرتبة، منحط الرتبة عن مستوى من نسب إليه، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وذكر الموضوع في أنواع علوم الحديث مع أنه ليس بحديث؛ نظراً إلى كونه مما يتحدث به، وتنزلاً على حد زعم واضعه، واضعه سماه حديثاً، والعلماء إنما ذكروه لتفنيده، وبيانه "شر الضعيف" يعني شر أنواع الضعيف "الخبر الموضوع" يعني المحطوط المنحط "الخبر الموضوع الكذب" يعني المكذوب "المختلق المصنوع" من قبل واضعه، وأتى بهذه الألفاظ: الموضوع، الكذب، المختلق، المصنوع؛ لكي يخاطب جميع الجهات من جهات المسلمين، فبعض الناس يعرف موضوع لكن ما يعرف .. ، لعل الكل يعرفون الكذب، لكن منهم من لا يعرف معنى الموضوع، ومنهم من لا يعرف معنى المختلق، ومنهم من لا يعرف معنى المصنوع، المصنوع.(15/23)
الموضوع: من الوضع وهو الحط، والانحطاط، كما قالوا في حط الدين، والكذب الذي هو المكذوب، والكذب مصدر كذب يكذب كَذِباً، وكِذْباً، وكِذَاباً، وكِذَّاباً، نقيض الصدق، نقيض الصدق، الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، والصدق الإخبار عن الشيء بما يطابق الواقع، ولا واسطة بينهما، كما تقول المعتزلة، لا واسطة بين الصدق، والكذب، فالكلام إما صدق، وإما كذب، الخبر عموماً إما صدق، وإما كذب، ذكرنا بالأمس في درس مسلم أن المعتزلة احتجوا على قولهم بأن هناك واسطة بين الصدق، والكذب بقول الله -جل وعلا-: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ]، وهذا من قول المشركين، ذكره الله -جل وعلا- عنهم، فقابل الكذب بالجنة، وما قابله بالصدق، فدل على أن للكذب مقابلاً غير الصدق، فليس بنقيض للصدق بل هو ضد له؛ لأنهما قد يرتفعان، ويحل محلهما ما لم يقصد، الكلام الذي لم يقصد، ككلام المجنون، لا يطابق الواقع، مع عدم قصده، ومع ذلك قوبل بالكذب في الآية، عرفنا أن هذا لا مستمسك به، ولا دليل فيه، الكلام الذي لم يقصد؛ هل يصح أن يطلق عليه كلاماً، أو لا؟ الكلام الذي لم يقصده صاحبه، يقال: هو كلام، وإلا لا؟ نعم، يعني في تعريفهم للكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، اللفظ المركب المفيد بالوضع، المركب المفيد هذا معروف، يعني مركب من أكثر من كلمة، ومفيد فائدة يحسن السكوت عليها، بالوضع، من الشراح قال: بالقصد، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يسمى كلاماً، ككلام النائم، والساهي، والغافل، وكلام الطيور، وما أشبه ذلك، وذلكم حينما يقول الفقهاء: تبطل الصلاة بالكلام، تبطل الصلاة بالكلام، وفي حال الركوع، أو السجود يعتدي شخص على آخر، فيضربه على ظهره، ثم يتكلم بكلمة من غير قصد، يعني لو ضرب، وهو ساجد، وإلا راكع وقال: أح، هذا كلام، وإلا ليس بكلام؟ تبطل به الصلاة، أو لا تبطل؟ قالوا: لا تبطل به الصلاة؛ لأنه غير مقصود، فلا يدخل في الكلام الذي يبطل الصلاة، فعلى هذا الكلام غير المقصود لا يدخل في الكلام، وكلام المجنون الذي لا يعي ما يقول لا يدخل، ولذا تصرفات المجانين، ومن خلال كلامهم لا يرتب عليها شيئاً، قل:(15/24)
مثل هذا فيما يقرب من الجنون، كالغضبان، إذا تكلم لا يؤاخذ، يقع طلاقه، أو لا يقع؟ والسكران كذلك؛ لأنه لا يقصد، وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم.
ومنهم من يقول: إن مراد النحاة في قولهم بالوضع يعني بوضع العربي، بالوضع العربي، بالوضع العربي، فيدخل في الحد الكلام غير المقصود، لكن يخرج منه كلام الأعاجم، كلام الأعاجم يدخل في الكلام على الأول، لكن لا يدخل في الكلام على القول الثاني، مادام قلنا بالوضع العربي، فكلام الأعاجم ليس بكلام، وعلى هذا لو تكلم الأعجمي في الصلاة؛ ما تبطل صلاته، على كل حال هذا الكلام عند النحويين، وعند الفقهاء له تعريف، وعند المتكلمين له تعاريف، الذي يهمنا منه قولهم بالوضع، وأن من أهل العلم من قال: أن المراد بالوضع القصد، فلا بد أن يكون مقصوداً، فكلام المجنون لا يدخل في الكلام، ولذا قوبل بالكذب به، لا يدخل في الكلام أصلاً، فليس بكلام.
الكذب حكمه، والوضع على النبي -عليه الصلاة والسلام- حرام إجماعاً، حرام إجماعاً، وهفوة وزلة عظيمة، وموبقة من الموبقات، بدليل ما تواتر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ((من كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار))، وإذا كان الكذب على غيره محرم إجماعاً، فالكذب عليه -عليه الصلاة والسلام- أشد: ((إن كذباً علي ليس ككذب على غيري))، ولكنه لا يصل إلى حد الكفر، مع عدم الاستحلال، كما قال الجويني، والد إمام الحرمين، وما نقل الذهبي عن ابن الجوزي أنه قال: "لا شك أن من كذب على الله، وعلى رسوله بتحليل حرام، أو تحريم حلال؛ فإنه يكفر"، أو "من فعل ذلك؛ فإن ذلك كفر محض"، على ما ذكرناه بالأمس، والمرجح هو قول الجمهور، ويختلفون في الكاذب الذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ هل تقبل توبته، ويقبل حديثه بعد ذلك؟ المسألة أشرنا إليها بالأمس، فأظن إعادتها لا داعي لها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .(15/25)
لا، لا ما نقول تخيير، هل هي للتقسيم، هل هي للتقسيم، والتنويع؟ يعني تكون الجِنة مقابلة، أو تكون بمعنى: "بل" للإضراب، للإضراب: "افترى على الله كذباً بل به جنة" ممكن هذا؛ لأن "أو" تأتي بمعنى "بل"، مائة ألف أو يزيدون، يعني بل يزيدون.
طالب:. . . . . . . . .
إي، نعم إذا قلنا: إنها بمعنى بل؛ انتفى الإشكال، انتفى الإشكال.
. . . . . . . . . ... الكذب المختلق المصنوع
من قبل واضعه "وكيف كان" الموضوع، وفي أي معنىً كان، سواءٌ كان في الأحكام، أو في الفضائل، أو الترغيب، أو في القصص، أو في غيرها "كيف كان لم يجيزوا" يعني العلماء "ذكره" يعني روايته:
. . . . . . . . . ... لمن علم ما لم يبين أمره
"لمن علم" مفهوم هذا الكلام أنه يجوز ذكره لمن لم يعلم، والجاهل معذور على هذا فالمؤاخذ الذي يعلم، وهذا مبني على ضبط من حدث عني بحديث يرى أنه يُرى أنه كذب، فإذا قلنا أن الضبط يَرى أنه كذب لا يجوز، إذا كان يعلم، وإذا قلنا: يُرى، لا يجوز، ولو كان لا يعلم، ولو رآه غيره، وهو لم يره، وعلى هذا يلزم المسلم أن يتثبت، فيكون الأصل العدم، لا الأصل الوجود، لا، الأصل العدم، لا تحدث إلا إذا تأكدت، وعلى الرواية الأولى يَرى أنه كذب، أنك تحدث ما لم تنتقد، أو تطلع على أن هذا الحديث ليس بصحيح.
ولا شك أن الأحفظ، والأحوط للسنة أن يكون الأصل عدم التحديث إلا بعد التأكد، والصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يهابون الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقصص في ذلك، والمروي عنهم في هذا كثير.
وكيف كان لم يجيزوا ذكره ... لمن علم ما لم يبين أمره
لا بد أن يبين أمره، فيوضح للناس أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكون بيانه لا للإفادة منه، بل للتحذير، بل للتحذير، والبيان إنما يكون بما يتم به هذا البيان بخلاف الألفاظ المجملة، أو التي يعرفها البعض دون البعض، بل لا بد أن يبين بأسلوب يستوي الجميع في معرفته، والقصة التي ذكرناها بالأمس تدل على أنه لا يبرأ، ولا يخرج من عهدة البيان إلا بأمر يتفق الجميع على فهمه، المتعلم، والعامي، وكل أحد يعرف أنه مكذوب، ومختلق، ومصنوع.(15/26)
ذكرنا أن الحافظ العراقي سئل عن حديث، فقال: لا أصل له، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فاعترض عليه شيخ من الأعاجم ينتسب إلى طلب العلم، وقال له: كيف تقول الحديث مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ فأحضره من موضوعات ابن الجوزي، قال: فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، ويوجد من طلاب العلم لا سيما الذين لا يد لهم في الحديث، وهو في غير هذه البلاد كثير، يأتينا تعليقات على بعض الكتب من طلاب العلم يحضرون دروس على مشايخ، فيملون عليهم المشايخ أحاديث موضوعة، ويتداول الناس من العامة، والخاصة أحاديث في المناسبات لا أصل لها، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هفوة، وزلة عظيمة، وليست كالكذب على غيره، وإذا كان الأصمعي يرى أن من يلحن يدخل في الحديث، الذي يلحن يدخل في الحديث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلحن، فمهما لحنت قولته ما لم يقل، لكن إذا جيء بالحديث باللهجة الدارجة مثلاً عند الناس، عامي يتكلم بحديث يريد أن يعظ الناس، أو يعظ زوجته، أو ولده، ثم جاء بالحديث بلهجته، وبعض الناس يتنزل مع العامة، ويحدثهم بأحاديث بلهجاتهم، ويرتاد مسجده كثير من الناس، ويطيل الكلام بين الأذان، والإقامة في صلاة العشاء إلى ما يقرب من ساعة، وهو يحدث على الناس بأحاديث بعضها مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضها قصص حصل لبعض الصحابة، ويلقيها عليهم بما يفهمون بأساليبهم، نقول: نعم، أنت قلت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، فعليك أن تحتاط لهذا الأمر أنت، وغيرك؛ لأن أهل العلم إذا منعوا اللحن، فلأن يمنعوا تغيير الألفاظ بالكلية من باب أولى.
أحياناً يكون بعض من ينتسب إلى العلم، أو الدعوة لديه شيء من المرح، ويريد أن يجذب الناس بأسلوبه، فيقع في شيء من هذا، ويقص على الناس، ويدخل حديث في حديث ليضحك الناس، هذا لا شك أنه لا يجوز، فيدخل حديث لأدنى مناسبة، ولو كانت المناسبة ضد هذا الحديث، ولا داعي لذكر الأمثلة؛ لئلا يعرف الشخص، والأمثلة موجودة، ومضبوطة، والله المستعان.(15/27)
وبعض الناس يقوم ليعظ الناس، ويتحدث بأحاديث، ويتكلم بآيات، ويؤثر في الناس، حتى إذا أقبل الناس على البكاء أردف ذلك بنكتة، فضحكوا، هذا أسلوب لبعض من ينتسب إلى الدعوة، فلا شك أن في كلامه مؤثر، ولديه قدرة على التأثير، لكن مع ذلك يخلط الجد بالهزل، ثم بعد ذلك تضيع الفائدة، وهذا الأسلوب، وإن كان فيه جذب لبعض الناس، لكنه إدخال مثل هذا بين النصوص نصوص الكتاب والسنة؛ لا شك أنه ليس بجيد، بل أمر سيء.(15/28)
"وأكثر الجامع" أكثر من ذكر الأحاديث، الجامع الذي جمع مصنفاً في الموضوعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه؛ لأن موضوع الكتاب في الموضوعات التي لا تصح نسبتها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وأكثر الجامع" فصنف مصنفاً، يقول الشراح: نحو مجلدين، وهو مطبوع في ثلاثة، وفي أربعة بعض الطبعات "إذ خرج" عن موضوع كتابه "لمطلق الضعف" فذكر أحاديث ضعيفة، بل تعدى ذلك، فذكر أحاديث حسنة، بل تجاوز ذلك إلى بعض الأحاديث الصحيحة، فذكر منها، أو ذكر في كتابه ما هو في صحيح مسلم، وبعض كتب الحديث تشير إلى أنه أورد حديثاً في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر، لا في الروايات المشهورة، وإنما الحديث الذي أورده في صحيح مسلم موجود فيه "لمطلق الضعف عنا" يعني ابن الصلاح "أبا الفرج" ابن الجوزي "عنا أبا الفرج" يعني ابن الجوزي، الحنبلي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، الواعظ المشهور، صاحب المصنفات الكثيرة، والسبب في ذلك مجيء هذا الحديث الذي لا يبلغ إلى درجة الوضع، إنما هو ضعيف، أو حسن، أو صحيح هذا الحديث أدخله في الموضوعات؛ لأنه جاء من طريق من رمي بالوضع، من طريق فيه من رمي بالوضع كذاب، لكن المؤلف غفل عن وروده من طرق يصح بها، غافلاً عن مجيئه بسند صحيح، أو حسن، أو ضعيف آخر، يعني يمكن يأتي يكون لا يصل إلى درجة الوضع، ثم يأتي حديث يرقيه؛ فيكون حسناً لغيره، وأورد فيه من الأحاديث الحسنة لذاتها، وأورد فيه –أيضاً- أحاديث صحيحة، وقلنا أن عمله نقيض عمل الحاكم في مستدركه، والضرر واقع بالعملين معاً، فعمل ابن الجوزي يحرِم الناس من أحاديث، من العمل بأحاديث ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمل الحاكم الذي صحح بعض الأحاديث الضعيفة، بل بعض الأحاديث الموضوعة يجعلهم يعملون، ويتدينون بشيء لا يثبت، لا تثبت نسبته إلى الشرع، وفي كلا العملين خطر عظيم "عنا أبا الفرج"، "والواضعون للحديث" كثيرون:
والواضعون للحديث أضرب ... . . . . . . . . .(15/29)
عددهم كثير لا كثرهم الله، ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن شخص من المتكلمين أنه أنكر الوضع في الحديث، وقال: كل ما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو صحيح؛ لأن الوضع في الحديث، والكذب، التمكين من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ينافي حفظ الدين، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، والسنة بيان للقرآن، فكيف يبين المحفوظ بغير محفوظ، فأنكر أن يوجد الوضع في الحديث، فانبرى له شخص، وذكروا أنه كان صغير السن هذا الشخص، فقال له: ما رأيك في حديث: "سيكذب علي"؟ فالرد حاصل بالنفي والإثبات، إن قال: صحيح، طبعاً أنت قلت: ما يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصححت أنه سيكذب عليه؛ تناقضت، وإن قال: ليس بصحيح، أنت قلت: ما يكذب عليه، والآن كذب عليه، هاه، هذا الحديث، وبعضهم ينكر مثل هذا الكلام، بعضهم ينكر مثل هذا الكلام، وأنه لا يصح، ولا يثبت عن أحد، لكن إنكاره، وعدم إنكاره هو لا يترتب عليه حكم، فالحديث ليس بصحيح، لكن إلزام المتحدث من عدم التزام المحدث الذي حدث بهذا الحديث لا يلتزم به، إنما جاء به ليلزم به المتحدث، ومثل هذا في باب المناظرة يقبل؛ لأن قلب الأحاديث، القلب في الأسانيد، والمتون يجيزه أهل العلم للامتحان، لامتحان الطالب ما لم يثبت عليه، بل ينفى في المجلس، في المكان، امتحان الطالب، كما امتحن الطالب من قبل أهل العلم ببعض الأحاديث المقلوبة التي لا يجوز قلبها لغير الامتحان، وهذا من باب الرد، والإلزام جوازه من باب أولى، ولا شك أن مثل هذا الكلام رد واضح عملي على هذا الذي لا علم له بعلم الحديث، لا علم له بعلم الحديث، فمثل هذا لا بد أن يرد عليه، ومن تعاطى غير فنه أتى بالعجائب، والواقع يشهد بخلاف ما قال، فالواضعون للحديث كثر، لا كثرهم الله، بعض الناس يورد الأحاديث، ولا بضاعة له من الحديث، لا من قريب، ولا من بعيد، فالغزالي في مؤلفاته يورد أحاديث، ويرتب عليها أحكام، ويستنبط منها، ومع ذلك يقول: بضاعته في الحديث مزجاة، وواقع كتبه يشهد بذلك، والإحياء على رأسها فيه أحاديث موضوعة كثيرة، والرازي يبني بدعه(15/30)
الموجودة في تفسيره على أحاديث، وهو لا حظ له، ولا نصيب من الرواية، وأورد في تفسير سورة العصر حديثاً عن امرأة تجوب شوارع المدينة، وتقول: أين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتدل عليه، فتذكر له أنها شربت الخمر، وزنت وولدت ولداً من زنى فقتلته، هذا أورده الرازي في تفسير سورة العصر، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أما الشرب فالجلد، وأما قتل الولد فالحد، وأما كونك زنيت، فلكونك لم تصل العصر"، أورد هذا الخبر، ولا أصل له، ولا وجود له في دواوين الإسلام، ونقله عنه الألوسي، وقال: أورده الإمام، الفقهاء، والأصوليون، والمفسرون يسمونه الإمام، وإذا أطلق أريد به، انصرف إليه، قال: أورد الإمام، ولعمري أنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، هذا مدح، وإلا ذم؟ ذم، ذم بليغ، فإيراد هذه الموضوعات في كتب التفسير، كما يشير إليه المؤلف فيما سيأتي لا شك أنه هفوة عظيمة، فلا يجوز للإنسان أن يعتمد على ما لا يعتمد عليه من الثابت.
والواضعون للحديث أضرب ... . . . . . . . . .
فمنهم الزنادقة الذين يريدون إفساد الدين على أهله، ومنهم مرتزقة يتكسبون، قصاص، يتكسبون بوضع الأحاديث، ومنهم سمار، ومهرجون متحدثون يزينون كلامهم لتتسع مجالس الناس لهم، لا سيما الخلفاء، ومنهم متعصبة تبع لأئمة إما في العقائد، والأصول، أو في الفروع -نسأل الله العافية-، يتعصب لإمامه إذا قال قولاً، وقوبل به هذا الشخص، وقيل: إنه لا دليل له، أثبت له دليل، وضع له دليل، وهذا شنيع، وذكر القرطبي في "المفهم": أن من الحنفية من أهل الرأي من يجيز أن يوضع للحكم الذي يثبت بالقياس الجلي أن يركب له إسناد، ويرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نسأل الله السلامة والعافية، فالزنادقة وضعوا أحاديث، واعترف واحد منهم بأنه وضع أربعة آلاف حديث، والمرتزقة من القصاص، وغيرهم –أيضاً- ساهموا، والمتعصبة من المذاهب الأصلية، والفرعية –أيضاً- ساهموا، ووضعوا أحاديث في مناقب أئمتهم، وفي مثالب مخالفيهم، وأما طوائف البدع، فحدث ولا حرج، فجل أقوالهم مبني على هذا.
. . . . . . . . . ... أضرهم قوم لزهد نسبوا(15/31)
أضر هذه الأضرب، والأضرب جمع ضرب، والضرب، والقسم والنوع ألفاظ متقاربة، وأورد أبو هلال العسكري في فروقه اللغوية بعض الفروق الدقيقة بين هذه الألفاظ.
. . . . . . . . . ... أضرهم قوم لزهد نسبوا
ينتسبون إلى زهد، وصلاح، لكنهم يغفلون عن معرفة الحديث، والناس يثقون بمثل هذا النوع، أهل العبادة، وأهل الزهد، والفضل، والصلاح، الناس يثقون بهم، ويركنون إلى أقوالهم، ومروياتهم، فمشت موضوعاتهم على كثير من الناس "قد وضعوها" هؤلاء القوم الزهاد، وضعوا أحاديث في الفضائل، والرغائب "قد وضعوها حسبة" يبتغون بذلك الأجر والثواب من الله -جل وعلا- "فقبلت" موضوعاتهم؛ إحساناً للظن بهم "فقبلت منهم ركوناً" وميلاً، ووثوقاً بهم، "ركوناً لهم، ونقلت" عنهم، ونقلت عنهم من قبل من لا علم عنده، من قبل من لا علم عنده "فقيض الله" يعني هيأ الله -جل وعلا- "لها" أي لهذه الموضوعات "نقادها" جمع ناقد، ممن خصه الله -جل وعلا- بقوة البصيرة في علم الحديث:
فقيض الله لها نقادها ... فبينوا بنقدهم فسادها(15/32)
وقاموا بأعباء ما تحملوه على الوجه الأكمل، قيل لابن المبارك: هذه الموضوعات، يعني يشتكي بعضهم لابن المبارك، ويقول: هذه الموضوعات، الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال ابن المبارك: تعيش لها الجهابذة، فتصدى له أهل العلم، وفندوها، وردوها، وبينوا وضعها، وكشفوا عوارها، وأقوال أهل العلم في هذا، ومصنفاتهم كثيرة، والله -جل وعلا- قيضهم لهذا الأمر، حتى قال قائلهم: لو أن شخصاً هم بالليل أن يضع حديثاً؛ لأصبح الناس يتحدثون بأن فلاناً كذاب، قبل أن يكذب، وهذا كله لحفظ هذا الدين الذي وعد الله -جل وعلا- ببقائه إلى قيام الساعة، لكن على أهل العلم أن يقوموا بما كلفوا به، وإلا إذا تخاذلوا لا شك أن الشر ينتشر، إذا تراخوا وتخاذلوا، واتكل كل واحد، وتوكل كل واحد على غيره، فإن لا شك أن التبعة على أهل العلم عظيمة، وسواءٌ كان في مثل هذا الباب من تفنيد الشبه، وما يلصق بالدين مما لا يصح، أو كان –أيضاً- بإنكار الشهوات، والمعاصي، والمنكرات، كل هذا لا بد من التصدي له، وإلا فالنتيجة أن يكثر الخبث، وتحل العقوبة، كما قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أنهلك، وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث))، مع وجود الصالحين، ولا يكثر الخبث إلا إذا تواطأ الناس على إنكاره، أما إذا وجدت سنة المدافعة، وقام كل إنسان بما أوجب الله عليه، فإن هذا الخبث ضعيف لن يصمد أمام قوة الحق.
. . . . . . . . . ... فبينوا بنقدهم فسادها
"نحو" يعني مثل "أبي عصمة" نوح بن أبي مريم الجامع، يعني جمع بين علوم كثيرة، فهو جامع، هذا لقبه، وابن حبان، وغيره يقولون: جمع كل شيء إلا الخير -نسأل الله السلامة والعافية-،
نحو أبي عصمة إذ رأى الورى ... . . . . . . . . .
"إذ رأى الورى" يعني الخلق "زعماً" يعني على حد زعمه "نأوا" يعني أعرضوا "عن القرآن" أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي ابن إسحاق، مع أنه من تلاميذ أبي حنيفة، وابن إسحاق، هو من طلابهم، فرآهم اشتغلوا عن القرآن بغيره، بالفقه، وبالمغازي، فأراد أن يردهم إلى القرآن؛ لأن القرآن أعظم ما يعتنى به.(15/33)
وفي عصرنا نأوا عن القرآن بأي شيء؟ بالجرائد، والمجلات، والقنوات، ليتهم اشتغلوا بفقه، ومغازي، لكن هل مثل هذا مبرر لأن نروج الدين، ونرد الناس إلى حضيرة الدين بالكذب، والزور، وإلصاق ما لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدينه؟ أبداً، بل هذه، بل هذه الزلة أعظم من انصراف بعض الناس عن القرآن، وإلا فالانصراف واضح، وموجود، حتى بعض طلاب العلم انصرفوا عن القرآن، حتى من طلاب العلم من لا يفتح المصحف إلا في رمضان، وهو على حد زعمه يشتغل بالسنة، أو يشتغل بالفقه، أو يتخصص بأي علم من العلوم الشرعية، لكن القرآن رأس المال، وهو أصل الأصول، فينبغي أن يعتنى به قبل غيره.
. . . . . . . . . ... زعماً نأوا عن القرآن فافترى
أي: اختلق أحاديث، أو "حديثاً في فضائل السور"، "فافترى لهم" يعني من عند نفسه "حديثاً في فضائل السور" يعني في قراءة السور، عن عكرمة "عن ابن عباس" -رضي الله عنهما- "فبئس ما ابتكر" فبئس ما ابتكر، يعني من وضعه لهذا الخبر الذي فيه فضائل السور مرتبة، بدءاً من الفاتحة إلى الناس، من قرأ كذا؛ فله كذا، يرغب الناس في القرآن، وممن صرح بوضعه الحاكم، وابن حبان، ولا شك أنه موضوع، وعلامات الوضع عليه تلوح للعامة فضلاً عن من ينتسب إلى العلم.
"كذا الحديث" الطويل "عن أبيٍّ"
كذا الحديث عن أبيٍّ اعترف ... . . . . . . . . .
يعني الحديث الطويل، المروي عن أبي بن كعب في فضائل السور "اعترف راويه بالوضع" له، "اعترف راويه بالوضع" فتصدى له من نذر نفسه للدفاع عن السنة، فذهب، فسأل عنه من ألقاه، فدله، فقال: حدثني به شيخ بالبصرة، فذهب إليه.(15/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (16)
(الموضوع – المقلوب - تنبيهات - معرفة من تقبل روايته ومن ترد)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فدله، فقال: حدثني به شيخ بالبصرة؛ فذهب إليه، فقال: حدثني به شيخ ببغداد، فذهب إليه، ثم قال: حدثني شيخ بواسط؛ فذهب إليه، ثم قال: حدثني به شيخ بعبادان؛ فذهب إليه، فدله على قوم في خلوة من الخلوات من المتصوفة، فدلوه على شيخ كبير، فقيل له: من أين لك: فلان عن فلان عن فلان في فضائل السور؟ قال: إنه هو الذي وضعه -نسأل الله السلامة والعافية-، فالعبادة مع الجهل تضر صاحبها أكثر مما تنفعه، فهؤلاء المساكين الذين انقطعوا للعبادة؛ هل انتفعوا بهذه العبادة، وهذا واقعهم؟ لو اشتغلوا بأمور المعاش بأمور الدنيا في أسواق المسلمين عن هذه العبادة التي تضرهم، ولا تنفعهم كان أفضل لهم، يعني أدى بهم الجهل إلى هذا الحد أن يوضع الحديث -نسأل الله السلامة والعافية-:
كذا الحديث عن أبي اعترف ... راويه بالوضع له وبئسما اقترف
يعني اكتسب من وضعه:
وكل من أودعه كتابه ... . . . . . . . . .
يعني من المفسرين "وكل من أودعه كتابه" في التفسير، أو في غيره "كالواحدي" أبي الحسن، والثعلبي، والزمخشري، والبيضاوي، وإسماعيل حقي، وأبو السعود، وكثير من المفسرين الذين لا علم لهم بالحديث، هؤلاء أوردوا هذا الحديث في أواخر السور، الواحدي والثعلبي يوردونه بالإسناد؛ بإسناده المركب، ومن ذكر كالزمخشري، والبيضاوي، وأبو السعود، وإسماعيل حقي هؤلاء أوردوه مجرداً عن الإسناد، وجزموا به؛ فلا شك أن هذا أشد، وإسماعيل حقي ذكرنا بالأمس أنه يبرر ذكر هذه الأحاديث في هذه السور، ويقول: إن ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فبها ونعمت، وإن لم تثبت، فقد قال القائل: إنا نكذب له، ولا نكذب عليه، ولا شك أن هذا ضلال.
وكل من أودعه كتابه ... كالواحدي مخطئ صوابه
مخطئ؛ مخطئ في ذلك الصواب، إذ الصواب تجنب هذا الحديث؛ لأنه موضوع مكذوب مختلق على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من ذكره للتحذير منه فهو مأجور، على أن يتم البيان، والتحذير بأسلوب لا يختلف فيه.
وجوز الوضع على الترغيب ... . . . . . . . . .(16/1)
جوز الوضع في الحديث على الترغيب للناس في الفضائل "قوم ابن كَرَّام" محمد بن كرام السجستاني؛ صاحب المذهب الذي ينتسب إليه الكرامية "قوم ابن كرَّام" بالتشديد، ويذكر بالتخفيف "كرَام" بالفتح، ويذكر –أيضاً- على لفظ جمع كريم "كِرَام"، ويقول محمد بن الهيصم من أتباعه:
. . . . . . . . . إن الذين لم يقتدوا ... بمحمد بن كِرَام غير كرام
البيت لمن؟ معكم الشرح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأبي الفتح البستي، نعم لكن الذي ضبطه بالتخفيف ابن الهيصم، نعم والبيت لأبي الفتح البستي، يمدح فيه محمد بن كرَّام، ويقول: إنه بن كِرَام، وعلى كل حال لا يعنينا تشديده، أو تخفيفه إنما مذهبه مذهب مبتدع، وفيهم صلاح، وفيهم زهد، لكن هذا الزهد ضرهم، وهذه الغفلة عن تعلم العلم الشرعي ضرتهم، وفيهم شوب ابتداع في مسائل من مسائل العقيدة؛ الكلام فيهم يطول.(16/2)
"قوم ابن كرام وفي الترهيب" جوزه أيضاً في الترهيب؛ لأنه "جوز الوضع على الترغيب" يعني للناس في الفضائل "قوم ابن كرام" وجوزوه –أيضاً- "في الترهيب" زجراً عن المعصية، زجراً عن المعصية؛ محتجين في ذلك بأن هذا كذب له لا عليه، بأن هذا كذب له لا عليه؛ تقوية للشريعة وترويجاً لها، وأما الكذب عليه الوارد في الحديث في قوله: ساحر مثلاً، أو شاعر، أو كذاب؛ هذا الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما أن يُكذب، ويُختلق أحاديث تروج الخير، وتكف الناس على الشر؛ فلا -على حد زعمهم-، وهذا الكلام في غاية السخف، والبطلان، تمسكوا أيضاً برواية: ((من كذب علي متعمداً ليضل الناس))، فالذي هدفه الإضلال هو الذي يدخل في المنع، وأما من كان هدفه الإصلاح؛ فلا يدخل في الحديث، هذه الرواية ضعيفة، ليضل الناس هذه ضعيفة، والدين كامل؛ كمل قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة]، فليس بحاجة إلى ترويج، واقتصار الناس على ما ثبت عن الله، وعن رسوله كافٍ، والتذكير بالقرآن وحده يكفي: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق]، ومع الأسف أن الناس انصرفوا عن التذكير بالقرآن إلى التذكير بالقصص، هذه الرواية: ((ليضل الناس)) ضعيفة، ولو قدر ثبوتها اللام فيها ليس لام التعليل، وإنما هي لام الصيرورة، والعاقبة؛ معنى ذلك لتكون عاقبة الناس الضلال؛ كما في قوله -جل وعلا-: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [(8) سورة القصص]، عدواً وحزناً؛ هل هم التقطوه ليكون لهم عدواً وحزناً؟ أو التقطوا ليستفيدوا منه؛ ليكون ولداً لهم؟ ليستفيدوا منه؛ لكن العاقبة صارت؛ صار عدواً لهم وحزناً، فهذه لام العاقبة، وليست لام التعليل.
"والواضعون" أيضاً "بعضهم قد صنعا" كلاماً؛ يعني وضعه على النبي -عليه الصلاة والسلام- "من عند نفسه" من تلقاء نفسه؛ هو الذي اختلق الكلام، "وبعضٌ" منهم قد "وضعا"
كلام بعض الحكما في المسند ... . . . . . . . . .(16/3)
كلام بعض الحكماء، أو كلام بعض الزهاد، أو كلام بعض الصحابة، ركب له إسناد، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو الإسرائيليات "كلام بعض الحكماء في المسند" المرفوع يجعلوه مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ترويجاً له، كما ركب إسناد على حديث على خبر: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، ركب له إسناد، ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنه من كلام مالك بن دينار، أو من كلام عيسى بن مريم، ولا يروى مرفوعاً إلا من مراسيل الحسن البصري، ومراسيل الحسن عند أهل العلم في غاية الضعف، شبه الريح، المقصود أنه ركب له إسناد، ورفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "ومنه" يعني الموضوع "نوع وضعه لم يقصد"، "نحو حديث ثابت" بن موسى الزاهد الذي حدث به شريكاً: ("من كثرت" صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)،
نحو حديث ثابت من كثرت ... صلاته الحديث وهلة سرت
: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وذكرناه بالأمس في المدرج؛ لأن شريكاً يحدث بالخبر يحدث أصحابه، وأورد إسناداً لحديث صحيح: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد))، لما أتم الإسناد، وقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ دخل ثابت بن موسى الزاهد، فأراد شريك أن يلفت إليه الأنظار؛ لأنه صاحب زهد، وعبادة، وصلاة بالليل، وقيام، وظهر أثر ذلك على وجهه، فقال -مريداً بذلك ثابت-: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" ثابت صاحب زهد وعبادة؛ لكنه يغفل عن تعاني هذا العلم، فظن أن هذا الإسناد لهذا المتن، فصار يرويه بهذه الطريقة، بالإسناد الذي ذكره شريك، ويريد به حديث: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم))، فصار يرويه به: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار".(16/4)
"وهلةٌ" يعني غفلة "سرت" منه إلى غيره، منه إلى غيره، وهنا جعلوه من الموضوع، ولا شك أنه ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو من هذه الحيثية موضوع، وأما إدخاله في المدرج -كما نبهنا عليه بالأمس- فإنه إلصاق شيء لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ إلصاق كلام لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلامه، لا سيما إذا كان يروى بعد رواية الحديث الصحيح، إذا كان يروى: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)) إلى آخره، "ومن كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" كما ساقه بعضهم هذا لا شك أنه إدراج، وليس بوضع؛ إدراج، وليس بوضع، أما إذا كان يورد كاملاً من غير عطف على غيره، فإن هذا وضع، وإن كان غير مقصود، وبعضهم يقول: إنه شبه الوضع، شبه الوضع؛ بما يعرف الوضع؟
ويعرف الوضع بالإقرار وما ... نزل منزلته وربما(16/5)
"ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه؛ بأن يعترف الواضع بأنه هو الذي وضعه، واعترف بعض الزنادقة بأنه وضع أحاديث، واعترف بعض المبتدعة أنهم إذا هووا شيئاً صيروه حديثاً، فهذا الاعتراف وهذا الإقرار يكفي للحكم على الخبر بأنه موضوع "ويعرف الوضع" يعني للحديث "بالإقرار" من واضعه "وما نزل منزلته" كأن يحدث بحديث يرويه عن شيخ يعرف أن هذا الشيخ مات قبل ولادة المحدث عنه، ومن الأحاديث ما لا يحتاج إلى إقرار ولا اعتراف: اختلف بعض الناس في الحسن؛ هل سمع من أبي هريرة، أو لم يسمعه؟ فوراً قال بعضهم: حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سمع الحسن من أبي هريرة" هذا ما يحتاج إلى إقرار، مثل هذا لا يحتاج إلى إقرار، هذا ينزل منزلة الإقرار "وربما"، "يعرف" وضعه "بالرِّكَّة" للفظة بأن يكون لفظه ركيك، لا سيما إذا ادعى المحدث أنه يرويه باللفظ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غاية الفصاحة، أو بركة معناه؛ بأن يشتمل على اجتماع نقيضين، أو يكون فيه كلام لا يليق بمقام النبوة، فإن هذا يعرف به أن الخبر موضوع، ولا شك أن للأخبار الصحيحة نوراً؛ كما قال الربيع بن خثيم وغيره: "إن للحديث ضوءاً كضوء الشمس يعرف به، ولغيره ظلمة كظلمة الليل يعرف بها"، وللموضوعات ظلمة يقشعر منها سامعها -والله المستعان-.(16/6)
قلت -يقول الحافظ العراقي-: "قلت: استشكلا" يعني قد استشكلا، والألف للإطلاق، ابن دقيق العيد "الثبجي" الثبجي نسبة إلى ثبج البحر؛ لأنه ولد على ثبج البحر قرب ساحل ينبع، ابن دقيق العيد ولد هناك؛ قرب ساحل ينبع على ثبج البحر، وأخطأ محقق "الطالع السعيد في معرفة علماء الصعيد" فإنه .. ، "الثبجي" هذه ابن دقيق العيد كان يكتبها، فقال الأدفوي صاحب "الطالع السعيد" قال: الثبجي، وكان يكتب بخطه الثبجي، وكان -يعني ابن دقيق العيد- يكتب بخطه الثبجي؛ يعني هذه النسبة كان يكتبها بخطه؛ لأنه ولد على ثبج البحر، فالمعلق قال: الخط الثبجي هو الذي تختلط حروفه بعضها ببعض، وهو نوع يعرف بالتعليق إلى آخر الكلام الذي علق به، فجعل الخط هو الثبجي، والمراد أن ابن دقيق العيد ينتسب إلى ثبج البحر، ويكبت هذه النسبة بخطه.
"قلت: استشكلا" يعني ابن دقيق العيد "الثبجي" عرفنا نسبة إلى ثبج البحر،
. . . . . . . . . ... الثبجي القطع بالوضع على
"ما اعترف الواضع" يقول: ما يكفينا أن يعترف الواضع؛ لأن الواضع كذاب، فكيف نصدقه بوضع الخبر، يعني هذا يلزم عليه أننا نصدق شخص كذاب، استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالوضع بمجرد الاعتراف بالوضع "على"
ما اعترف الواضع إذ قد يكذب ... . . . . . . . . .
قد يكذب في اعترافه؛ ومتى يكذب في اعترافه؟ يكذب في اعترافه إذا أراد تنفير الناس عن الحديث؛ يعني حديث يستدل به إمام، فيأتي من أتباع الإمام الثاني؛ ممن يعترف أنه وضع هذا الحديث؛ ليرده الناس، فيبطل استدلال من يتبع الإمام على هذا الحديث؛ ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ يعني بعض الناس يعترف أنه قاتل؛ هو الذي قتل فلان، وهو كذاب في اعترافه، هو من الأصل يريد أن ينتحر، فيقول: بدلاً من أن أنتحر بدون مقابل؛ نعتق لنا شخصاً من القتل، فيعترف بأنه قتل؛ يقتل بهذا الاعتراف، والحديث يرد بهذا الاعتراف؛ يعني هذا الذي اعترف، وكذب في اعترافه، إذا لم يردنا الحديث إلا من طريقه؛ نرده، وإلا ما نرده؟ هل يستحق مثل هذا أن يقبل حديثه؟ أبداً، ولو كذب في اعترافه.
يقول -رحمه الله تعالى-: "بلى نرده" بلى نرده أي المروي لاعتراف راويه بأقل الأحوال بما يقتضي الفسق،(16/7)
. . . ... بلى نرده وعنه نضرب
أي نعرض؛ فلا نحتج به مؤاخذة له باعترافه، لكنه ليس بقاطع بالفعل، لكن إذا وجد من طريق آخر يثبت به، فلا عبرة بهذا الحديث، وبهذا الاعتراف، وإن دار الحديث على هذا الذي اعترف، فإنه لا تجوز روايته على أي حال.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: المقلوب:
وقسموا المقلوب قسمين إلى: ... ما كان مشهوراً براو أبدلا
بواحد نظيره كي يرغبا ... فيه للإغراب إذا ما استغربا
ومنه قلب سند لمتن ... نحو: امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا ... فردها وجوَّد الإسنادا
وقلب ما لم يقصد الرواة ... نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. ))
حدثه في مجلس البناني ... حجاج اعني ابن أبي عثمان
فظنه عن ثابت جرير ... بينه حماد الضرير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(16/8)
"المقلوب" وهو اسم مفعول من القلب، وهو تبديل شيء بآخر، وهو من أقسام الضعيف، المقلوب من أقسام الضعيف، ويقع في السند والمتن، والقلب في السند له أقسام، ولذا قال: "وقسموا" يعني المحدثين "المقلوب" سنداً "قسمين" يعني إلى قسمين: عمداً وسهواً، قسموه إلى قسمين: أحدهما "ما كان" يعني الحديث الذي كان "مشهوراً براوٍ" شهرته براوي؛ كسالم بن عبد الله بن عمر "أبدلا"، "بواحد" من الرواة "نظيره" في الطبقة كنافع؛ يعني أبدل سالم بنافع أو العكس؛ هذا قلب، هذا قلب سواءٌ كان هذا القلب عمداً، أو سهواً؛ لكنه من العلل غير المؤثرة؛ لأن سالماً، ونافعاً كلاهما ثقة، فأينما دار فهو على ثقة، نظير ما إذا أهمل الراوي، ولم يتوصل إلى حقيقته؛ كسفيان مثلاً، أو حماد، فأينما دار فهو على ثقة، سواءٌ كان الراوي سالم، ثم أبدل بنافع، أو العكس فكلاهما ثقة، وإن كان سالم عند الأكثر أجل من نافع، أجل من نافع، فمثل هذا قد يترتب عليه نزول يسير في الحديث لكنه لا يترتب عليه رد الحديث فمثل هذا الإبدال، وإن قدح في حفظ الراوي، وضبطه، وإتقانه إلا أنه لا يقدح في المروي على ما تقدم في بعض العلل التي لا تقدح، والمشترط انتفاءها لصحة الخبر هي العلل القادحة، إذا كان عن عمد، أو سهو؛ فإن كان عن عمد فأبدل سالم بنافع؛ كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
بواحد نظيره كي يُرغبا ... . . . . . . . . .(16/9)
والألف هذه للإطلاق "فيه" لأنه قد يكون محفوظاً عن سالم عن عشرة من الرواة، ثم يأتي واحد منهم، فيجعله عن نافع، والمحدثون إذا ظفروا بطريق غير المشهور، غير المتداول بين الرواة فرحوا به؛ لأنه طريق جديد للخبر، فكون الحديث يروى عن سالم، وعن نافع معا؛ أقوى من كونه يروى عن أحدهما، فإذا كان عشرة يروونه عن سالم، ثم أورده واحد منهم عن نافع قلباً؛ يرغب فيه المحدثون؛ لأنه طريق آخر للحديث، ووقوفهم على طريق لا شك أنهم يفرحون به أشد الفرح، ما يقولون: هذا الأمر لا يعنينا ما دام ثبت الخبر عن سالم فلا داعي لنقله عن نافع، لا؛ فهم يفرحون بمثل هذه الطرق؛ كثرتها، إذا كان للحديث أكثر من مخرج، وأكثر من راوٍ؛ فرحوا به فرحاً شديداً، كما أن العلماء إذا ظفروا بفوائد علمية، أو حل إشكال في مسألة علمية؛ يفرحون بذلك فرحاً شديداً، وهذا الأمر يعنيهم، وهو جل اهتمامهم، وقصدهم، ولذلك تجدون من يكرر الحمد إذا وقف على شيء لم يقف عليه غيره، من حل الإشكال، أحياناً يكون هناك بين بعض النصوص اختلاف، فيقف عليه العالم، ويوفق لحل هذا الاختلاف، والجمع بين هذه النصوص المختلفة، وكم وجدنا للحافظ ابن حجر يقول: وهذا توفيق من الله -جل وعلا-، فله الحمد، وله الحمد، وله الحمد، وله .. ، يكرر الحمد، والشكر؛ لأنه انحل عنده هذا الإشكال، وقد تطلب حله مدداً متطاولة، ثم يقف عليه، أو يحله بنفسه هذه من نعم الله -جل وعلا-، على العالم، وينبغي أن يكون طالب العلم على هذه الحالة، وعلى هذا المستوى محباً للعلم، مكتشفاً، محرراً، منقحاً، يفرح إذا ما وقف على فائدة عزيزة، يدونها، ويكتبها، ولا يتركها بحيث ينساها، فإذا وجد طريق غير الطريق المشهورة، فالحديث معروف بسالم، وتداوله الرواة على هذا الأساس، ثم يأتي به راوٍ عن نافع، يفرحون بهذا "كي يرغبا" يرغبون ..
. . . . . . . . . ... فيه للإغراب إذا ما استغربا(16/10)
يعني الراوي الذي يقلب السند عمداً من أجل الإغراب؛ كي يرغب فيه أهل الحديث؛ لا شك أنه آثم، ومغرر بأهل الحديث، وإذا كان ثقة، وأكثر من ذلك فإنه يجرح، وإن كان عن سهو، وكثر ذلك في حديثه لا شك أنه مؤثر في ضبطه، وحفظه أحياناً يكون القلب بهذه الطريقة بإبدال راوٍ براو نظيره من طبقته كما مثلنا بسالم ونافع، وقد يكون القلب في الراوي الواحد، الراوي الواحد يُقلب، فيجعل الأب ابناً، والابن أباً، فيجعل نصر بن علي؛ علي بن نصر، ومرة بن كعب؛ كعب بن مرة؛ هذا قلب، إذا قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، جاء واحد من الرواة قال: حدثنا علي بن نصر الجهضمي، وأحدهما أب للآخر، لكن كلاهما يشتركان في الرواية عن بعض الرواة، فيجعل الحديث المروي عن الأب حديثاً مروياً عن الابن والعكس، وقل مثل هذا في كعب بن مرة، ومرة بن كعب؛ حصل قلبه من بعض الرواة، وهذا قلب في الإسناد.(16/11)
ومنه وهو القسم الثاني من قلب الإسناد، وهذا يدخل في العمد؛ في القلب المتعمد "ومنه قلب سند" يعني سند تام "لمتن" فيجعل لمتن آخر مروي بسند آخر؛ يعني يركب على هذا المتن سنداً آخراً غير السند الذي روي من طريقه، "ومنه" يعني القسم الثاني من العمد "قلب سند" تام "لمتن" فيجعل هذا المتن يركب له سنداً آخراً تام "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن"، وشيخ الصنعة البخاري -رحمه الله تعالى- "نحو امتحانهم" يعني المحدثين ببغداد "إمام الفن" فإنهم لما سمعوا بمقدمه ضربوا له مجلساً، اجتمعوا فيه، ووعدوه يوماً يحضر فيه، ويحضر معه المحدثون ببغداد، وامتحنوه في هذا المجلس، تم امتحانه في هذا المجلس في مائة حديث، في مائة حديث، وكَلُوا أمرها إلى عشرة من طلاب الحديث، عشرة من الطلاب، وزعوا عليهم مائة حديث، وكل هذه الأحاديث مقلوبة الأسانيد والمتون، جعلوا متن الحديث الأول لسند الحديث الثاني والعكس إلى تمام المائة، فلما تم اجتماعهم، وحضروا، وجاء إمام الفن -رحمة الله عليه-، انتدب له الأول من العشرة، فسأله عن الحديث الأول، ما تقول فيما رواه فلان عن فلان عن فلان عن فلان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا؟ فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثاني فقال: لا أعرفه، ثم سأله عن الحديث الثالث إلى العاشر، وفي كلها يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثاني من العشرة، وصنع كما صنع الأول، والإمام البخاري في ذلك كله يقول: لا أعرفه، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فلما تم العشرة؛ أتموا أحاديثهم التفت إلى الأول، قال: أما حديثك الأول الذي قلت فيه كذا وكذا؛ صوابه كذا وكذا، فرد المتن إلى إسناده، والإسناد إلى متنه، والثاني قلت كذا وكذا، على الترتيب الذي ألقيت عليه الأحاديث بخطئها، بقلبها، فأعادها على الصواب إلى أن أتم العشرة بالنسبة للأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع إلى العاشر، فتمت المائة حديث على الصواب، على الصواب، لما كان -رحمه الله تعالى- في العرض الأول، وهو يقول: لا أعرفه، لا أعرفه، الجهال قضوا عليه بأنه لا يفهم شيئاً؛ يعني مائة حديث ما يعرف منها ولا حديث، ويقال له: محدث، ويقال له: محدث، والذين يفهمون،(16/12)
ويعرفون الحديث على وجهه، وأهل الشأن من أول واحد منهم، قالوا: فهم الرجل؛ فهم يعني انتبه الرجل لما دبر له -رحمه الله-، وبعد أن ردها إلى صوابها، أذعنوا له، واعترفوا له بالفضل.
ومنه قلب سند لمتن ... نحو امتحانهم إمام الفن
في مائة لما أتى بغدادا ... . . . . . . . . .
بغداد البلد المشهور العظيم، والألف فيه للإطلاق، ويقال: بالدال بغداد، وبالذال المعجمة وبالنون؛ بغداد بالدال المهملة، وبالذال المعجمة وبالنون، بغذان، وهذه الألف للإطلاق "فردها" -رحمه الله تعالى- رد المتون إلى أسانيدها في المائة كلها "وجود الإسنادا" وجود الإسنادا، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه، أو ركبوه، ولم يخف عليه موضع مما قلبوه وركبوه، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالإمامة، وأغرب من حفظه لها؛ أغرب من حفظه لها، أغرب من حفظه لها يعني كونه يردها إلى الصواب؛ حفظه لخطئها مرتبة؛ على الترتيب الذي أورد عليه، وردها إلى صوابها مرتبة –أيضاً-، وهذا النوع يفعله العلماء بقصد الامتحان، بقصد الامتحان، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بهذه المثابة، ولا يستغرب منه أن يصنع مثل هذا.
والآن لو يطلب من مجموعة من طلاب العلم الذين حفظوا الأربعين النووية من صباهم بدون أسانيد؛ يعني بالصحابي فقط، يجعل صحابي الحديث الأول للحديث الثاني، والعكس إلى تمام الأربعين، فمن ردها يعد إمام الوقت، وأنا أعرف من يطلق عليه المحدث الفاعل التارك، وهو لا يحفظ الأربعين، بيننا وبين القوم مفاوز؛ يعني مجرد كون الإنسان عنده ميل إلى الحديث، أو رغبة في الحديث، أو يقرئ بعض كتب الحديث؛ يوصف بأنه المحدث الفاعل التارك، تجدون بعض الشباب يكتب عنهم كذا، وإذا كتبوا، أو قدموا، أو فعلوا؛ أشيد بهم ورفعوا فوق منازلهم، وهم في لا زالوا في مصاف طلاب العلم، ومع ذلك لا ننكر أن من طلاب العلم من قطع شوطاً طيباً في هذا الشأن، لكن دون وصولهم إلى مصاف الأئمة خرط القتاد.(16/13)
وهذه القصة وهذا الامتحان المتعمد جوزه أهل العلم شريطة أن لا يثبت حديثاً، وأن لا يتفرق أهل المجلس إلا بعد الاطلاع على الصواب، وإذا كانت مكتوبة، والامتحان تحريري فيها لا بد أن تتلف الأوراق في مكانها؛ لئلا يطلع عليها؛ فيظن أن هذه الأسانيد صحيحة لهذه الأحاديث، فلا بد من بيان الصواب، وبيان الحق في موضعه؛ في المكان الذي يجرى فيه الامتحان، وهذه القصة امتحان أهل بغداد للإمام البخاري أنكرها بعض من ينتسب إلى التحقيق؛ لماذا؟ لأن ابن عدي يرويها في جزء له سماه شيوخ البخاري، وقال في مطلع السند: "حدثنا عدة من شيوخنا" عدة من شيوخنا، وهؤلاء الشيوخ أبهمهم ابن عدي، فهم مجاهيل، فهم مجاهيل، ومن يصحح مثل هذه القصة، وليست بغريبة أن يقع امتحان لمثل هذا الإمام الذي طار سيطه في الآفاق، وطبق المشارق والمغارب؛ لا يبعد أن يمتحن بمثل هذا، الذي يصحح مثل هذه القصة، الذي يصححها يقول: إن هؤلاء الشيوخ، وإن كانوا مجاهيل إلا أنهم جمع، ولا يمكن أن يقول ابن عدي عدة لواحد أو لاثنين؛ بل لجمع، وجمع المجاهيل؛ الجمع من المجاهيل يجبر بعضهم بعضاً، يجبر بعضهم بعضاً، فعلى هذا تكون القصة ثابتة، ولام مانع من ثبوتها، المتن متن القصة ليس فيه ما ينكر؛ لأن هذا معروف امتحان معروف، وفعله العلماء بعد هذه القصة، وفعلوه قبل هذه القصة، مسألة الامتحان معروفة.
والقسم الثاني الذي هو قسم السهو من المقلوب في السند:
قلب ما لم يقصد الرواة ... . . . . . . . . .
قلب ما لم يقصد الرواة؛ يعني قلبه بل وقع سهواً، ووهماً
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة .. )) ... . . . . . . . . .
نحو: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))، ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني)).
"حدثه" يعني حدث الحديث "في مجلس البناني" ثابت بن أسلم المعروف نسبة إلى بنانة؛ محلة بالبصرة
حدثه في مجلس البناني ... حجاج. . . . . . . . .
فاعل "حدث"
. . . . . . . . . ... حجاج أعني ابن أبي عثمان
وعثمان هنا مصروف للوزن، حجاج بن أبي عثمان الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
حدثه في مجلس البناني ... حجاج أعني ابن أبي عثمان(16/14)
كما قلنا: عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه –أبي قتادة- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني))، وبهذا يعلم أن السنة أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، أن لا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، وبعض الفقهاء كالحنابلة يرون أن القيام إنما يشرع عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وفيه حديث مخرج عند البيهقي، وفي إسناده الحجاج ابن أرطأة، وهو مضعف؛ فالخبر ضعيف، وهذا الحديث صحيح، في الصحيحين، وغيرهما: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لأنه قد يبدأ بإقامة الصلاة منذ دخول الإمام المسجد، والمسافة بعيدة حتى يصل إلى مكانه بحيث من كان في الصف الأول لا يرون الإمام إلا إذا وصل إلى المحراب، وحينئذٍ فلا يقومون حتى يروه؛ لأنه قد يطرأ للإمام.
طالب:. . . . . . . . .
حديث القيام عند قد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ مضعف إيه، القيام عند قد مخرج عن البيهقي، وفي إسناده الحجاج بن أرطأة مضعف؛ لأنه قد يطرأ للإمام ما يطرأ له، ثم يستمر المأموم قائماً؛ فيشق عليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مرة إلى المسجد فأقام بلال، فذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن عليه غسلاً، وذهب ليغتسل، ثم رجع وهم قيام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني))؛ لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام- فيطول بهم القيام، يعرض لأحد حاجة بالإمام، فيكلمه، ويحتاج إلى أن ينتظره الناس؛ فمثل هذا ينبغي للإمام أن لا يشق على المأمومين، أن لا يشق على المأمومين:
حدثه في مجلس البناني ... حجاج أعني ابن أبي عثمان
"فظنه" أي الحديث "عن ثابت" البناني "جرير" جرير بن حازم أبو النظر، فرواه عن ثابت عن أنس، فرواه عن ثابت عن أنس "بينه حماد الضرير":
فظنه عن ثابت جرير ... بينه حماد الضرير
فظنه أي ظن الحديث جرير بن حازم، فظنه عن ثابت حينما حدث به في مجلسه، فظنه عنه كما بين ذلك حماد بن زيد الضرير، حماد بن زيد الضرير، وقال: وهم أبو النظر جرير بن حازم فيما قاله، وهم في ذلك.(16/15)
هذا بالنسبة لمقلوب السند، أما مقلوب المتن فله أمثلة، له أمثلة منها: حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفيهم ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))، وهذه هي الجادة، وهذا هو الصواب، وهو المتفق عليه، وجاء في رواية في الصحيح: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، ومعلوم أن الإنفاق، والأخذ، والإعطاء إنما يكون باليمين، والرواية في مسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله))، والحفاظ حكموا على هذه الرواية بأنها مقلوبة، وعندي أنه يمكن توجيهها على وجه تسلم به من الحكم بالقلب، ويصان الصحيح من الحكم على هذه الرواية بالضعف؛ لأن المقلوب من قسم الضعيف، ويصان الرواة الثقات من الوهم في هذا الحديث، فيقال: إن الإنسان الأصل فيه أن ينفق بيمينه، وعلى هذا جاءت رواية الأكثر، وقد يحتاج في بعض المواطن أن ينفق بشماله لا سيما، والمقام مقام إخفاء، المقام مقام إخفاء، فقد يحتاج إلى الإنفاق بشماله، في الحديث الصحيح في البخاري، وغيره: ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً؛ تأتي علي ثالثة، وعندي منه دينار إلا ديناراً أرصده لدين، حتى أقول به هكذا، وهكذا، وهكذا؛ عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه)) فإذا كان الشخص مكثراً من النفقة؛ قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، قد يعطي أكثر من واحد في آن واحد، فيحتاج إلى أن ينفق بالشمال إضافة إلى اليمين، وقد يضطر لإخفاء الصدقة أن تكون بالشمال لا باليمين؛ كأن يكون عن يمينه أناس وعن يساره سائل، فإذا أخرج الصدقة بيمينه، ثم سلمها للسائل اطلع من عن يمينه، لكنه إن أخرجها بشماله، وأعطاه إياها بشماله؛ لم يطلع عليها من بيمينه لا سيما والمقام مدح إخفاء الصدقة، وبهذا نصون الصحيح، بمثل هذا الكلام نصون الرواة الثقات من الوهم، فالمنفق يحتاج –أحياناً- إلى أن ينفق بشماله، وفي سورة المائدة: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، وهم راكعون؛ قالوا: إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب؛ إذ جاء سائل وهو راكع، وفي أصبعه خاتم، فمد يده إلى السائل، وهو راكع، ليأخذ الخاتم، وهذا من وضع الشيعة، ولا يثبت، وليس له إسناد يثبت به،(16/16)
وهذا من وضعهم، وليس المراد بقوله: وهم راكعون الحالية، أنهم ينفقون: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [(55) سورة المائدة]، حال كونهم راكعين؛ أبداً، بل في هذه الآية مدح لمن يتصف بالإنفاق، ويؤدي الزكاة، ويتصدق على الناس، وأيضاً يحافظ على الصلوات.
من الأحاديث التي يمثل لها بالقلب في المتن: ((إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) حتى يؤذن ابن أم مكتوم، جاء في بعض الروايات العكس: ((إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال))، ومنهم من يحاول أن يجمع بين هاتين الروايتين فيقول: أن الأذان نوب؛ مرة يؤذن بلال قبل، ومرة يؤذن ابن أم مكتوم قبل؛ لكن الحفاظ حكموا على الرواية الثانية بالوهم، والقلب، ومن أهل العلم يقول: إن الإجابة على مثل هذه الروايات التي حكم الحفاظ عليها بالقلب يقضي على كثير من علل الحديث التي أبداها الأئمة، من علل الحديث التي أبداها الأئمة، الأئمة إنما حكموا على هذه الأحاديث التي رأوا أنها مقلوبة؛ لماذا؟ لأنها عارضت ما هو أقوى منها، فحكموا عليها بالقلب، لكن إذا أمكن الجمع بين هذه الروايات، وحمل كل منها على وجه يصح؛ فلا داعي للقول بالقلب، لا سيما وأن القلب ضعف في الخبر، فالجمع إذا أمكن أولى من الترجيح.(16/17)
مما قيل بأنه مقلوب حديث البروك، حديث البروك: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال ابن القيم: إنه مقلوب، وأجلب على ذلك بجميع ما أوتي من قوة بيان، -رحمه الله-، وأطال في تقرير ذلك، وقلده علماء كبار، ولا شك أنه أهل لأن يقلد، وإمام من أئمة المسلمين، وفهمه للنصوص يكاد أن يبلغ الكمال، لكن الكمال لله، والعصمة لرسله، ابن القيم قرر أنه مقلوب، مع أنه مصحح من قبل جمع من الحفاظ المتقدمين من الأئمة الكبار، ومرجح على حديث وائل بن حجر الذي قال فيه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، القلب الذي ادعاه ابن القيم حقيقةً من صححه من الأئمة يرد القلب، ومن رجحه على حديث وائل ينفي القلب؛ لأنه لو كان مقلوباً لاتفقوا على ضعفه، ولا ما رجح على ما جاء ماثلاً على الجادة، فمقتضى قول من صححه إنه لا قلب فيه، إذ لو كان مقلوباً لاقتضى ذلك أن يكون ضعيفاً، ولاقتضى أن يكون مرجوحاً.
طيب كيف يكون هذا الخبر غير مقلوب، والبعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟ أشرنا إلى نفي هذا القلب في مناسبات كثيرة، ولا مانع من أن نشير إشارة سريعة؛ لأننا بسطناها في مواضع، وملها كثير من الإخوان.(16/18)
أنا أقول: لا قلب في هذا الحديث؛ بل آخره يشهد لأوله: ((إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني فلا يرمي بنفسه على الأرض بقوة، كما يفعل البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصى، بل يضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإنه حينئذٍ لا يقال له أنه برك، وإذا وضع يديه على الأرض بقوة يقال برك، وإذا وضع ركبتيه على الأرض بقوة يقال برك، وفي الصحيح في صحيح البخاري: "فبرك عمر -رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه نزل على الأرض بقوة، من هول الموقف فبرك على ركبتيه، الصورة في تقديم اليدين على الركبتين لا يمكن أن تشابه، لأن البعير من الأصل يديه على الأرض ما كانت يداه مرفوعتان ثم يهوي بهما إلى الأرض فلا مطابقة بين من قدم يديه على ركبتيه، وبين بروك البعير، المشابهة إنما تكون إذا هوى على الأرض بقوة فإنه حينئذٍٍ يشبه بروك البعير؛ لأن البعير إذا برك أثار الغبار، وفرق الحصى، فإذا أثار الغبار، وفرق الحصى؛ قلنا: برك كما يبرك البعير، ولو قدم ركبتيه على يديه بقوة، وسمع لركبتيه صوت، وبعض الناس يخلخل البلاط إذا نزل على الأرض بقوة، نقول: هذا برك مثل ما يبرك الحمار؛ لأنه يقدم ركبتيه على يديه.
ليس وجه الشبه في تقديم اليدين على الركبتين، ولا داعي أن نقول إن ركبتي البعير في يديه، أو في غير ذلك، إنما نقول: المنهي عنه أن نشابه البعير في نزولنا على الأرض بقوة، أما إذا نزلنا على الأرض برفق، وهون فلا مشابهة؛ لأن اليدين مرفوعتان فوق قبل ذلك، ويدي البعير على الأرض من الأصل، فلا مشابهة بوجه من الوجوه اللهم إلا إذا نزلنا بقوة، نكون حينئذٍ أشبهنا البعير، يقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى.(16/19)
مقتضى قول من رجح تقديم اليدين على الركبتين لا بد أن يقول مثل هذا الكلام، ومن يصحح الحديث لا بد أن يقول مثل هذا الكلام، وإلا إذا قلنا أن الحديث مقلوب كيف يصححه وهو مقلوب، الذي يرجح حديث وائل، ولحديث أبي هريرة شاهد عن ابن عمر، وبهذا رجح على حديث وائل، الذي يرجح يقول بمثل ما قلناه في تقديم اليدين على الركبتين، يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، فالمنظور إليه هو مجرد الوضع، والنزول إلى الأرض برفق وهون؛ سواءٌ كان باليدين، أو بالركبتين؛ ولذا شيخ الإسلام يرى التخيير بينهما، يرى التخيير بينهما، فهو مخير إن شاء قدم يديه، وإن شاء قدم ركبتيه، المنظور إليه هو مجرد الوضع،
وفرق بين الوضع، وبين البروك سواءٌ كان على اليدين، أو على الركبتين، وفرق بين أن تضع المصحف على الأرض، وبين أن ترمي المصحف على الأرض، وضع المصحف على الأرض جائز ما في إشكال، يعني تحمل المصحف بيدك، وتريد أن تسجد مثلاً، وتضعه على الأرض، هكذا ما في إشكال، لكن إذا رميت المصحف على الأرض؛ هذا ما فيه إشكال؟ لا، هذا خطر عظيم، هذا استخفاف بكلام الله -جل وعلا-، فينتبه لمثل هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة، وإمكان الإجابة عليها –أيضاً- سهل يعني.
اقرأ الذي بعده؟
تنيهات
وإن تجد متناً ضعيف السند ... فقل: ضعيف أي بهذا فاقصد
ولا تضعف مطلقا بناءا ... على الطريق إذ لعل جاءا
بسند مجوَّد بل يقف ... ذاك على حكم إمام يصف
بيان ضعفه فإن أطلقه ... فالشيخ فيما بعده حققه
وإن ترد نقلاً لواه أو لما ... يشك فيه لا بإسنادهما
فأت بتمريض كيُروى واجزم ... بنقل ما صح كقال فاعلم
وسهلوا في غير موضوع رووا ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي وغير واحد
هذه التنبيهات الثلاثة التي ذكرها المؤلف تبعاً للأصل ابن الصلاح، توضح بعض الأحكام المتعلقة بما مر مما حكم بضعفه، وغير ذلك.(16/20)
تضعيف السند لا يقتضي تضعيف المتن، وراية الضعيف من غير إسناد الجزم بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- خطأ، بل يروى عنه -عليه الصلاة والسلام- بصيغة التمريض، لا بصيغة الجزم، ورواية الأحاديث الضعيفة غير الموضوعة لا تجوز في الأحكام، والعقائد، وتجوز فيما سوى ذلك، هذه التنبيهات الثلاثة هي التي تحدث عنها الناظم تبعاً للأصل في هذا الموضع، فأحد هذه التنبيهات الثلاثة، قال -رحمه الله-: "وإن تجد متناً" يعني حديثاً "ضعيف السند؛ فقل: ضعيف" أي قل: هذا الحديث ضعيف "أي بهذا" السند فقط "فاقصد" ذلك، فإن صرحت به فهو أولى، يعني أقصده في نفسك، فإن صرحت به فهو أولى، وأقول: لا بد من التصريح بذلك، إذا وجدت حديثاًً درسته، درست إسناده الذي بين يديك، أنت تدرس أحاديث كتاب، كسنن ابن ماجه مثلاً، ومر بك حديث لما درست رجال هذا الإسناد خمسة، أو ستة؛ وجدت فيهم رجلاً ضعيفاً، فالخلاصة تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن في رواته فلان، وهو مضعف، فأنت تقول: الحديث بإسناده ضعيف، وهل يعني الحكم على السند الخاص حكم على المتن بالعموم؟ لا يلزم، اللهم إلا إذا كان لا يوجد له غير هذا الإسناد، ويكون مداره على هذا الراوي الضعيف، فالحكم على هذا المتن ملازم للحكم على هذا الإسناد.(16/21)
الطريقة المثلى في دراسة الأسانيد: أن تدرس السند الذي بين يديك، وتحكم عليه بما يليق به، فإن كان له ثقات، وسنده متصل، فتقول: الحديث بهذا الإسناد صحيح؛ لأن رواته ثقات، وبإسناد متصل ليس فيه انقطاع، ومتنه لا شذوذ فيه، ولا علة، فالحديث بهذا الإسناد صحيح، ثم إن ورد عليك متابعات تذكرها، وتخرجها، وتدرس أسانيدها، ثم تذكر الشواهد المروية عن غير صحابي الحديث، ثم تدرسها، تدرس أسانيدها، وتبين ما فيها من علل، ثم النتيجة النهائية الحكم العام، الأول الحكم الخاص على السند الذي بين يديك، ثم الحكم العام بعد جمع الطرق من متابعات، وشواهد إن كان الحديث أصله يحتاج إلى تقوية، بأن كان بإسناده الخاص ضعيف، فتحتاج إلى المتابعات، والشواهد؛ ليرتقي بها إلى الحسن، أو إلى الصحيح على ما قررناه سابقاً، وأشرنا إليه من أن الضعيف، هل يرتقي درجة، أو درجتين؟ هل يمكن أن يرتقي درجة واحدة؟ هذا قول الكل أنه يرتقي، لكن هل بالإمكان أن يرقَّى درجتين، بأن صحت متابعاته، وشواهده، فبدلاً من أن يقال: ضعيف، يقال: صحيح؟ أو يقال: حسن لغيره؛ لأنه لا يمكن أن يرتقي درجتين، كما هو قول الأكثر؟ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يرى أنه لا مانع من أن يرقَّى درجتين إذا كانت المتابعات، والشواهد صحيحة.(16/22)
وأقول: لا مانع من ذلك إذا كان شيء من هذه المتابعات، أو الشواهد في الصحيحين، أو في أحدهما؛ لأنه لا يمكن أن يقال: حديث حسن لغيره، والشاهد، أو المتابع في البخاري، أو في مسلم، يعني في النتيجة النهائية، فالطريقة المثلى أن يذكر الحديث بإسناده، ثم يدرس هذا الإسناد من أوله إلى آخره، من حيث التوثيق، والتضعيف للرواة، ثم ينظر فيه من حيث الاتصال، والانقطاع، ثم ينظر في متنه من حيث الشذوذ، والعلة، والمخالفة، ثم يحكم عليه بإسناده الخاص، إن كان صحيحاً، فبها ونعمت، وإن كان حسناً –كذلك- يطلب له من الشواهد، والمتابعات ما يرقيه إلى الصحيح، وإن كان ضعيفاً يطلب له من هذه الأمور من الشواهد، والمتابعات ما يرقيه إلى درجة الاحتجاج، وهو الحسن لغيره، فأنت تقول: ضعيف بهذا الإسناد، ولا تحكم على الحديث بأنه ضعيف حتى تجمع طرق الحديث من المتابعات، والشواهد، فإذا جمعت جميع ما ورد به الحديث من متابعات، وشواهد، وحكمت عليه، ولك أن تحكم، وإن كنت متمرناً، يعني في حال التمرين تحكم على الأحاديث بهذه الطريقة، ثم تعرض حكمك على أحكام العلماء، فإذا طابق حكمك ما قيل في الحديث من قبل أهل العلم، فاحمد ربك أنك نجحت في الطريق، وإن اختلف حكمك عن حكمهم فانظر السبب، سبب الاختلاف بين حكمك، وحكمهم، والمتمرن، المتدرب، ولو كان في أول الأمر له أن يفعل ذلك إلى أن يستقل بنفسه، إلى أن يستقل بنفسه بعد كثرة الممارسة، وإدامة النظر في أحكام أهل العلم، على الطرق، والقواعد المعتبرة عند أهل العلم "ولا تضعف" يعني لا تضعفه "مطلقاً بناءً على الطريق" يعني على ضعف ذلك السند الذي درسته، أو وقفت عليه، يعني لا تقول: هذا حديث ضعيف؛ لأنه بلغك بسند فيه رجل مضعف، أو فيه انقطاع، عليك أن تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه كذا، إما ضعف بعض الرواة، أو انقطاع في الإسناد، أو مخالفة في المتن، تقول: بهذا الإسناد ضعيف "ولا تضعف" يعني لا تضعفه:
. . . . . . . . . مطلقاً بناءا ... على الطريق إذ لعل جاءا(16/23)
على ضعف الطريق الذي درسته "إذ لعل" يعني لعله يعني الحديث جاء والألف هذه للإطلاق في الشطرين، "بسند" يعني آخر "مجود" يثبت به بمثله، أو بمثلهما الحديث بسند آخر "مجود بل يقف" يعني يثبت بمثله، أو بالسندين معاً الخبر، بل إطلاق الحكم جوازه يقف على حكم إمام من الأئمة "بل يقف ذاك" أي الإطلاق "على حكم إمام يصف بيان ضعفه" يعني الإمام المطلع لا يمكن أن يقول: الحديث ضعيف، أو إسناده ضعيف، وله ما يتقوى به؛ لأنه لو قال: ضعيف، وهو يعرف أن له متابعاً، أو شاهداً يصح به، أو يرتقي به عن درجة الضعف يكون غاشاً، والمسألة مفترضة في إمام ناصح، والأئمة المعروفون، أئمة الحديث، والسنة كلهم ناصحون، بل يقف ذاك على حكم إمام من أئمة الحديث "يصف بيان ضعفه" أي المتن بأنه شاذ، أو منكر "فإن أطلقه" فإن أطلقه أي أطلق ذلك الإمام يعني الضعف، يعني لو قال: ضعيف "فالشيخ" من هو؟ ابن الصلاح، "فالشيخ" يعني ابن الصلاح "فيما بعد حققه"، وعندكم "فيما بعده حققه"، وبعض النسخ الصحيحة "فيما بعد قد حققه"، وكلاهما صحيح، والوزن مستقيم:
. . . . . . . . . ... فالشيخ فيما بعد قد حققه
سيأتي في البيت رقم: مائتين واثنين وسبعين:
فإن يقل: قل بيان ما انجرح ... كذا إذا قالوا لمتن: لم يصح
وسيأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-، شيء يتعلق بهذا الكلام، ويوضحه -إن شاء الله تعالى-.
التوقف على إطلاق إمام، وأما غير الأئمة ليس لهم ذلك، هذا ميل من ابن الصلاح إلى ما يؤيد مذهبه في انقطاع التصحيح، والتضعيف في العصور المتأخرة، وتقدم الكلام في هذه المسألة، وأن ابن الصلاح لم يوافَق على ذلك -رحمه الله-.
. . . . . . . . . ... فالشيخ فيما بعده حققه
وإن ترد. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وهذه ثانية، أو ثاني التنبيهات، ثانيهما ما تضمنه قوله: "وإن ترد نقلاً لواهٍ" يعني لمتن واهٍ ضعيف، لكنه لم يبلغ الوضع "لواهٍ أو لما يشك فيه" يعني من قِبَل أهل الحديث، أهو صحيح، أم ضعيف؟
. . . . . . . . . ... يشك فيه لا بإسنادهما(16/24)
"لا بإسنادهما" يعني لا بذكر إسنادهما، يعني إذا ذكرت الحديث الضعيف الذي لا يصل إلى درجة الوضع بدون إسناد ذكرت الضعيف، والواهي، أو ما يشك فيه بدون إسناد، بل بمجرد الإضافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو إلى غيره ممن ينسب إليه، فإنك لا تجزم بنسبته، حديث ضعيف، أو تشك في ثبوته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا تذكر له إسناداً تبرأ به عهدتك من نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإنك لا تجزم، ولا تقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما ائت بصيغة تمريض "فأت بتمريض" يعني بصيغة تمريض، فيكتفى بها عن التصحيح بمعاني التصريح بالتضعيف، تقول: يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُذكر، ذُكر، رُوي "فأت بتمريض كيُروى" يعني ويُذكر، فلا تجزم بنقله، وإضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ خوفاً من الوعيد، من أن تضيف إليه، تقول عليه ما لم يقل "واجزم بنقل" بلا سند "ما صح كقال فاعلم" فاعلم ذلك فأت به بصيغة الجزم، ولا تأت به بصيغة التمريض، عكس الأول، يعني إذا رويت حديثاً بدون إسناد، فإن كان ضعيفاً تعلم ضعفه، أو تشك في صحته، فلا تجزم به، بل أت بصيغة التمريض، فقل: يُروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يُذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، رُوي عنه، ذُكر عنه، أما إذا كان صحيحاً، تجزم بصحته، فلا تقل: يُروى، وُيذكر، بل اجزم بنسبته، فقل: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكثير من الفقهاء لا يراعي مثل هذا الاصطلاح، كثير من الفقهاء لا يراعي مثل هذا الاصطلاح، وفي كتب الفقه كثير مما يجزم به بنسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا، وهو ضعيف، أو العكس، قد يكون في الصحيحين، فيقولون: والدليل على ذلك ما يُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال، أو يُذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال، وفي هذا تضييع لطالب العلم القارئ في هذه الكتب، فلا بد من مراعاة هذا الاصطلاح؛ لأن المؤلف إذا جزم بالنسبة أخذه الطالب المتعلم على جهة القبول من غير نظر فيه، وتسبب في ذلك بعمل هذا الطالب بهذا الخبر الذي لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المؤلف جزم به،(16/25)
وإذا جاء به بصيغة التمريض، وهو صحيح جعل الطالب يزهد، ويترك العمل بهذه الحديث، وهو صحيح.
التنبيه الثالث: ما أشار إليه المؤلف الناظم -رحمه الله تعالى- بقوله: "وسهلوا" أي جوزوا التساهل "في غير موضوع رووا" يعني في رواية غير موضوع من الحديث حيث رووه بإسناده:
وسهلوا في غير موضوع رووا ... . . . . . . . . .
فإذا رووه بإسناده، فإنهم يبرئون من عهدته "من غير تبيين لضعف" إن كان في الترغيب، والترهيب، والفضائل، وغيرها من الأبواب التي جاء عن أئمة الحديث التساهل فيها،
. . . . . . . . . ... من غير تبيين لضعف ورأوا
بيانه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
وعدم التساهل في ذكره إلا مقروناً ببيان درجاته "بيانه"، "ورأوا بيانه في الحكم" يعني في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام، لا في الفضائل، والترغيب، والترهيب "والعقائد" والعقائد أمرها أشد، كالصفات، ونحوها مما يضاف إلى الله -جل وعلا-.
ورأوا بيانه في الحكم والعقائد ... عن ابن مهدي. . . . . . . . .
عبد الرحمن بن مهدي "وغير واحد" كأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المبارك، بل هذا قول جمهور العلماء، أنهم إذا رووا في الفضائل تساهلوا، وإذا رووا في الأحكام تشددوا، يتساهلون في رواية الأحاديث الضعيفة في الفضائل، ويقبلون الأحاديث الضعيفة غير شديدة الضعف في الفضائل، فضائل الأعمال، وأما الأحكام، فلا يقبلون فيها إلا ما صح، أو حسن، ويشددون في الأحكام، وفي العقائد، وأما في الفضائل، والترغيب، والترهيب، فيتسامحون، ويتساهلون فيها.(16/26)
وهذا يجرنا إلى القول بحكم العمل بالحديث الضعيف؛ لأن عندنا أبواب الدين: العقائد، والأحكام، والفضائل، والتفسير، وإثبات قراءة من قراءات القرآن، والمغازي، والسير، هذه أبواب الدين التي يطلب الدليل لها، فالجمهور يشددون في الأحكام، والعقائد، ويتساهلون فيما عدا ذلك، يتساهلون في التفسير، وهذا مروي عن الإمام أحمد -رحمه الله-، يتساهلون في الفضائل، يتساهلون في المغازي والسير، فيقبلون فيها الضعيف، وإذا رووا في الأحكام، واستدلوا للأحكام، وطلبوا دليل للأحكام، والعقائد يشددون، وهذا مأثور عن من ذكرنا، كابن مهدي، وابن المبارك، وابن معين، والإمام أحمد، وغيرهم من لفظهم.(16/27)
والنووي في مقدمة الأربعين، وفي الأذكار نقل الاتفاق على هذا القول، وأن العلماء اتفقوا على قبول الأحاديث الضعيفة في الفضائل، في فضائل الأعمال، وهذا النقل فيه تساهل، فقد وجد من يمنع كالبخاري، ومسلم أيضاً، يشددون في رواية الأحاديث الضعيفة، ولا يستدلون بها، والبخاري -رحمه الله تعالى- في تراجمه من الإشارات الكثيرة في رد الأحاديث الضعيفة في جميع أبواب الدين في التراجم، أبو حاتم -رحمه الله- لا يقبل الحسن، ولا يحتج به، فكيف بالضعيف؟ أبو بكر ابن العربي يرد الضعيف، ويوصي طلابه كما في أحكام القرآن أن لا يشتغلوا من الحديث إلا بما صح، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كرر ذلك في كثير من كتبه، وأنه لا يعتمد على غير الصحيح، والحسن، يعني ما يقبل من الأحاديث، فهو يرد الضعيف، والشوكاني كذلك صرح في مقدمة تفسيره أنه لا يعول على الضعيف، لا في الأحكام، ولا في إثبات التفسير لكتاب الله -جل وعلا-، ولا في شيء من أبواب الدين، والسبب في ذلك أن الظن غالب في عدم ثبوته، والصحيح، والحسن الظن غالب في ثبوته، ومناط الأحكام إنما هو على غلبة الظن، وإضافة إلى أن الاشتغال بالأحاديث الضعيفة يلهي، ويشغل عن الأحاديث الصحيحة، وفيما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غنية عن الاشتغال بالضعاف، وما دخل المبتدعة من صوفية، وغيرهم إلا من قبل الأحاديث الضعيفة، والذين يستدلون بالضعيف جرهم ذلك الاستدلال إلى أن تساهلوا فرووا الأحاديث شديدة الضعف، بل بعضهم استدل بما هو شديد الضعف الواهي، ولا شك أن مثل هذا الاسترسال غير مرضي.
الجمهور الذين يستدلون بالضعيف يشترطون له شروطاً، أن يكون في فضائل الأعمال لا في الأحكام والعقائد، وأن يكون الضعف غير شديد، فإن كان الضعف شديداً؛ فلا، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط، بل يعتقد الاحتياط، لكن هذا الاحتياط –أحياناً- يترتب عليه ترك مأمور، وأحياناً يترتب عليه ارتكاب محظور، وإذا ترتب على الاحتياط شيء من هذا، ترك مأمور، أو فعل محظور، فالاحتياط كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ترك هذا الاحتياط.(16/28)
فالمرجح أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، يعني الضعيف الباقي على ضعفه، وليس له ما يشهد له، بعضهم يرى أن الحديث الضعيف تلقي بالقبول مثلاً، فيعمل به للتلقي بالقبول، وهذه جادة معروفة عند أهل العلم، بعضهم يقول: إذا كان الضعيف مندرجاً تحت أصل عام، وهذا من شروط الجمهور في قبوله، أو يندرج تحت قاعدة كلية؛ فإنه يعمل به، وعلى كل حال هذا القول، والتوسع فيه جعل كثير ممن ينتسب إلى العلم لا يعنى بالصحيحين، وغيرهما، بل يعنى بأحاديث تسند، وتدعم ما يذهب إليه من أقوال، فلو كان معوله على الأحاديث الصحيحة، أو على الأقل الأحاديث المقبولة من صحيحة، وحسنة، ولا يتشاغل بالضعيف؛ لا شك أنه لن يقع في مخالفة بإذن الله -جل وعلا-، ولن يصده ذلك عن تحصيل الدين على وجهه كما أنزل، وما أوتيت الأمة في كثير من تصرفات المبتدعة إلا من قبل الأحاديث الضعيفة، ومع الأسف أن الأحاديث الضعيفة تملأ كتب التفسير، وتملأ كتب الفقه، وتجدهم يستدلون بالضعيف، فضلاً عن كتب التواريخ، والأدب، والكتب غير المتخصصة، ففيها من ذلك الشيء الكثير، بل فيها بعض الموضوعات.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام العراقي -رحمه الله تعالى-:
معرفة من تقبل روايته، ومن ترد
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقُظاً ولم يكن مغفلاً
يحفظ إن حدث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
يعلم ما في اللفظ من إحاله ... إن يرو بالمعنى وفي العدالة
بأن يكون مسلماً ذا عقل ... قد بلغ الحلم سليم الفعل
من فسق أو خرم مروءة ومن ... زكَّاه عدلان فعدل مؤتمن
وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كمالك نجم السنن
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن(16/29)
فإنه عدل بقول المصطفى: ... ((يحمل هذا العلم)) لكن خولفا
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
وصححوا قبول تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
ولم يرو قبول جرح أبهما ... للخلف في أسبابه وربما
استفسر الجرح فلم يقدح كما ... فسره شعبة بالركض فما
هذا الذي عليه حفاظ الأثر ... كشيخي الصحيح مع أهل النظر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "معرفة من تقبل روايته، ومن ترد" معرفة من تقبل روايته، ومن ترد، يعني وما يتبع ذلك، وفيه ثلاثة عشر فصلاً، فيه ثلاثة عشر فصلاً:
الأول، الفصل الأول: أشار إليه الناظم بقوله -رحمه الله تعالى-:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
"أجمع جمهور" بين هاتين الكلمتين تنافر معنوي، تنافر معنوي، وإن كانت هي عبارة ابن الصلاح أصل النظم، لكن التنافر المعنوي موجود، فالإجماع الأصل فيه أنه قول الكل، والجمهور قول الأكثر، الإجماع قول الكل، والجمهور قول الأكثر، فكيف يقول: "أجمع جمهور"؟! فيجمع بين هاتين اللفظتين المتنافرتين، لا شك أنه تساهل في التعبير، وتجوز فيه، وإلا إذا قصد الإجماع الذي هو قول الكل امتنع كونه قول الأكثر، وإذا قصد أن الجمهور يقولون بهذا امتنع حكاية الإجماع، فالجمع بينهما تنافر معنوي، بلا شك؛ لأن مفاد الإجماع غير مفاد قول الجمهور، والعكس.
وليس الناظم، وقبله ابن الصلاح ممن يرى أن الإجماع قول الأكثر، كما أشرنا إلى قول ابن جرير سابقاً، فإنهما مع الجمهور، مع جماهير أهل العلم في كون الإجماع قول الكل:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... . . . . . . . . .(16/30)
يعني من أهل الحديث "والفقه" يعني اتفق أهل الأثر، وأهل النظر، اتفقوا "في قبول ناقل الخبر" أي على قبوله، على قبول ناقل الخبر، أي الراوي له، الآثر له "في قبول ناقل الخبر" المحتج به، يعني قبول ناقل الخبر الذي يحتج به؛ لأن الخبر أعم من أن يكون محتجاً به، أو غير محتج به، لكن القبول خاص بالمحتج به، القبول للاحتجاج أخص من كلمة خبر، الخبر يعم المقبول، وغير المقبول، والقبول قد يكون الاحتجاج به لذاته، وهو المراد هنا، وقد يكون القبول لا لذاته بل لما يشهد له كالحسن لغيره، لا تنطبق هذه الشروط على راويه؛ لأنه في الأصل ضعيف، ضعيف تعددت طرقه، وجبر بعضها بعضاً، فقبل لا لذاته، ولا لأن الشروط المذكورة اكتملت في راويه، إنما هذه الشروط لرواة الخبر المحتج به، المقبول، وهو أعم من أن يكون صحيحاً ليتناول الحسن –أيضاً-؛ لأنه مقبول.
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... . . . . . . . . .
"بأن يكون" أي بشرط أن يكون راويه "ضابطاً معدلاً" ضابطاً لما يرويه، معدلاً من قِبَل أئمة الحديث، فالضبط والعدالة شرطان لا بد منهما لقبول خبر الراوي، لا يكفي الضبط وحده؛ لأنه قد يكون ضابطاً، والعدالة مجروحة؛ فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب، ولا تكفي العدالة وحدها؛ لأنه قد يكون عدلاً مرضياً في دينه، لكنه قد يخطئ مع عدالته، وديانته، ولذا لا بد من اجتماع الأمرين، وإذا اجتمع العدالة مع الضبط صار الراوي ثقة، فالثقة من الرواة من يجمع بين شرطي القبول اللذان هما العدالة مع الضبط.
وهذا تقدم في تعريف الصحيح:
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... . . . . . . . . .
ثم شرح الأخير، ثم عرج على الأول على سبيل اللف، والنشر المشوش، يعني غير المرتب، أو مرتب؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم على سبيل اللف، والنشر المرتب؛ لأنه قدم الضبط، ثم ثنَّى بالعدالة، ثم فصل، ونشر ما يتعلق بالضبط، ثم ثنَّى بما يتعلق على سبيل التفصيل بالعدالة.
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقُظاً. . . . . . . . .(16/31)
بضم القاف، وكسرها، كما قال الجوهري في صحاحه، أي أن يكون في الضبط، أي بأن يكون في الضبط يقُظاً، يعني متيقظاً لما يتحمل؛ فلا يخل بشيء مما يسمع، وأيضاً- متيقظاً عند الأداء، فإذا أخذ عن الشيوخ في حال التحمل لا بد أن يكون يقُظاً، يعني متيقظاً منتبهاً، لا غافلاً، ولا ساهياً، ولا لاهياً، وكذلك الحال عند الأداء للآخذين عنه أن يكون متيقظاً "ولم يكن مغفلاً" ولم يكن مغفلاً لا يميز الصواب من الخطأ "ولم يكن مغفلاً" يعني لا يميز الصواب من الخطأ، ولا يلقَن فيتلقن؛ لأن هذا هو مغفل، بعض الناس عنده غفلة، يقبل التلقين، فإذا قيل له: إن هذا الحديث من حديثك، ووثق بالقائل حدث به، قيل له: هذا حديثك عن فلان، فإذا وثق به حدث عنه، وتوجد –أيضاً- مثل هذه الغفلة، وقبول التلقين في الشهود، يعني في حياة الناس العامة قديماً، وحديثاً، فبالإمكان أن تكسب شخصاً يشهد لك شهادة زور، وهو من خيار عباد الله، وينفر عن شهادة الزور أشد النفرة، لكنه يشهد إذا لُقِّن، يعني يأتي إليك زائراً، فتقول له: أبشرك بأننا اشترينا هذه الأرض، وتصف له مكانها فيعرفه، ويقول: هذه أرض طيبة، وموقعها ممتاز على شوارع، وتصلح للاستثمار، وينتهي الحديث عند هذا، ثم تزوره، في المرة الأولى زارك، وفي المرة الثانية تزوره أنت، ثم تقول له: هذه الأرض دفعنا نصف قيمتها الآن، ثم بعد ذلك مرة ثالثة: والله أنا متردد في أن أنشئ عليها عمارة سكنية، أو تجارية، أو أسكنها، أو أبيع ما أدري –والله- إلى الآن ما بعد قررت شيئاً، ثم تأتي مرة ثالثة، أو رابعة، وتقول له: هذه الأرض ثيمت بكذا لكني عازم على استثمارها، وقد دفعنا بقية الثمن، ثم عشر زيارات، ثم تقول له: الآن نريد الإفراغ دفعنا القيمة، ومن خلال ما كررت عليه من الكلام تقرر في نفسه بما لا مجال فيه للشك أن الأرض لك، ثم تطلب منه الشهادة، ويذهب معك إلى المحكمة، ويشهد؛ لأنه مغفل يقبل التلقين، لكن لو قلت له من أول مرة: أنا عندي أرض تشهد عليها، ما قِبَل؛ لأنه رجل صالح، لكنه بهذا التلقين التدريجي قبل، فقر في نفسه أنك صادق، وأنت كل ما دار، والحاصل، ومن كثر ما تكرر عليه مثل هذا الكلام يزداد بك ثقة، ويقتنع بملكك للأرض، هذا(16/32)
هو معنى التلقين.
فتجد بعض الناس إذا قيل له: هذا حديثك عن فلان، ثم مرة ثانية، أو ثالثة، المرة الرابعة يحدث به عن فلان، هذا مغفل لا تقبل روايته.
وأن يكون مع ذلك "يحفظ" يعني متيقظ حال التحمل، وحال الأداء، وأن يكون غير مغفل، وهذا توضيح لليقظة وأن يكون –أيضاً- يحفظ، حافظته تسعفه يحفظ ما سمعه بأن يثبته في حفظه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء "يحفظ إن حدث حفظاً" يعني حفظ صدر "يحفظ إن حدث حفظاً" أي من حفظه في صدره عن ظهر قلبه:
. . . . . . . . . يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
"يحوي كتابه" يصونه عن تطرق التغيير إليه، وتكون صيانته، وحفظه له بنفسه، بنفسه يتولاه بنفسه، أو بثقة يعني طرأ عليه سفر، أو شيء يشغله عن حفظه بنفسه يودعه عند ثقة، وكم من شخص وقع الخلل في كتابه؛ لأنه يفرط فيه، فيعيره إلى غير ثقة، أو يحفظه غير ثقة، أو يكون له ولد يعبث بالكتب، أو ربيب، أو نسيب، صهر، أو ما أشبه ذلك، وهذا حصل لبعض الرواة، حصل لبعض الرواة أن أدخل في كتبهم ما ليس منها من قبل من يدخل على بيته دون استئذان، ويقلب النظر في كتبه، وقد يزيد، وقد ينقص، هذا ليس بضابط، الذي يهمل الكتاب الذي يروي منه إذا كان يعتمد عليه، إذا كان يعتمد على الرواية من الكتاب، وهذا هو النوع الثاني من أنواع الضبط، كما تقدم بيانه، وهو ضبط الكتاب.(16/33)
إذا كان يحفظ عن ظهر قلب، وضبطه ضبط صدر، فلا بد أن يكون يحفظ بحيث يتمكن من الأداء، والاستحضار في أي وقت شاء، وإن كان ضبطه ضبط كتاب، يحدث من كتابه، فهذا، ولو لم يضبط، ولو لم يضبط في صدره، ولا يحفظ عن ظهر قلب، وإنما يتقن كتابه، بأن يعنى به أثناء الرواية، والكتابة، ثم بعد ذلك يحفظه، ويصونه عن أن يتطرق إليه خلل بزيادة، أو نقصان "إن كان منه يروي" يعني إن كان من كتابه يروي، وضبط الصدر هو الأصل، وضبط الكتاب معتبر عند عامة أهل العلم، ومنهم من شدد، فقال: لا يقبل إلا ضبط الصدر؛ لأنه الأصل، لكن المقرر عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث أن ضبط الكتاب إن لم يكن أتقن من ضبط الصدر، فإنه ليس بدونه؛ لأن الحفظ خوَّان، قد يحاول يستذكر، فلا يذكر، أما ضبط الكتاب فهو يستحضره متى ما أراده يفتح الكتاب، وينظر فيه، ويحدث منه:
. . . . . . . . . يحوي ... كتابه إن كان منه يروي
وأن يكون إضافة إلى ذلك إن كان يروي باللفظ لا بد أن يكون كما تقدم، وإن كان يروي بالمعنى، فلا بد بأن يكون، فلا بد من أن يكون:
يعلم ما في اللفظ من إحالة ... . . . . . . . . .(16/34)
يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه "إن يروي بالمعنى" إن يروي الخبر بالمعنى، إن كان يروي باللفظ، فلا بد أن يؤديه بحروفه كما سمعه، وإن كان يروي بالمعنى لا بد أن يكون ممن يعلم ما في اللفظ من إحالة، بحيث يأمن من تغيير ما يرويه، بعض الناس إذا روى بالمعنى خلط، وخبَّط في الحقائق، خبط، وخلط في الحقائق، فيرد عليه في اللفظ حقيقة شرعية، ثم يحيلها إلى حقيقة عرفية، أو لغوية، وهي غير مرادة في هذا السياق، لا بد أن يعرف ما يحيل المعاني، واللفظة الواحدة عند من يريد الرواية بالمعنى قد تحتمل معاني في لغة العرب، فلا بد أن يكون من تجوز له الرواية بالمعنى أن يعرف المعنى المراد في هذا السياق، المعنى المراد في هذا السياق، وقد يكون للفظة الواحدة أكثر من حقيقة شرعية، فمثلاً إذا روى حديث: ((من وجد ماله عند رجل قد؛ أفلس فهو أحق به))، لو فسر هذا الإفلاس بحديث: ((المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال))، يقول: هذا الرجل مفلس، قد تكون عنده الأرصدة، والأموال، يعني غني من كبار الأغنياء، لكن يقول: هذا ليس هو المفلس في الحقيقة الشرعية، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال -وترى مثل هذه النغمة لا بد أن تغير؛ لأنها أشد من نغمة جرس الدواب الذي جاء منعه، فلا بد من تغييرها، وإن نازع من نازع أنها ليست موسيقى، إلا موسيقى يا أخي، هذه أشد من جرس الدواب الذي جاء المنع منه، فلا بد أن تغير، والحكم بيننا، وبينهم، نعم لا نعرف موسيقى، لكن قد ينازعون أنكم لا تعرفون تقولون: هذه موسيقى، لا، عندنا نصوص شرعية نحتكم إليها، جرس الدواب ممنوع، والذي نعتقده أن هذه أشد من جرس الدواب، فتمنع-.(16/35)
هذا الذي روى هذا الحديث: ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس))، وأراد أن يرويه بالمعنى، وقد سمع بحديث: ((أتدرون من المفلس؟ ))، قالوا: من لا درهم له، ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال، يأتي، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا)) يقول: هذا هو المفلس يا أخي، فإذا كان من هذا النوع، إذا وجد ماله عند رجل موصوف بهذا الفلس الذي هو ظلم الناس، يقول: أنا أحق بمالي، طيب مالك أنت بعته، وهذه قيمته، قال: لا، لا هذا مفلس، وأنا أحق به، مثل هذا يعلم ما يحيل المعاني؟ لا، فمثل هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى.
المحروم، إذا أراد أن يفسر المحروم، ويفهم المحروم في النص على حقيقته العرفية التي مفادها أنه هو الرجل الذي عنده الأموال الطائلة، لكنه مقتِّر على نفسه، في العرف يسمى محروم، ولا شك أن مثل هذا حرمان، فيقول: مثل هذا تصرف له الزكاة، فيروي، ينزل المحروم على هذا، وقد يرويه بالمعنى، فيزيد الطين بلة، فمثل هذا الذي لا يعرف ما يحيل المعاني لا يجوز له أن يروي الحديث بالمعنى:
يعلم ما في اللفظ من إحالة ... إن يروي بالمعنى. . . . . . . . .(16/36)
يعني لا باللفظ، انتهينا من الشرط الأول، وهو الضبط "وفي العدالة" الشرط الثاني، أحد شقي التوثيق "وفي العدالة" بأن يكون في العدالة، والعدالة كما عرفها أهل العلم: ملكة تحمل صاحبها على ملازمة التقوى، والمروءة، ملكة تحمل على ملازمة التقوى، والمروءة، والملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، ليست الصفة التي تطرأ، وتزول، بل هي الثابتة، الراسخة التي لا تتغير، وليس معنى هذا أنه يكون معصوماً ملازماً للتقوى، بمعنى أنه لا يعصي، ولا يترك مأموراً، لا، قد يعصي، قد يزل، ويتوب من ذلك، ويندم عليه، ليس بمعصوم، العصمة ليست مفترضة، ولا مشترطة في الرواة، وأنتم ترون بعض الناس، يعني يعيش سبعين سنة، ثمانين سنة بين الناس، وهو يحكم له بأنه رجل تقي، لكن لا يعني هذا أنه معصوم، لكن حاله مستقيمة على الجادة في الجملة، قد تحصل منه المعصية، قد تجده في مجلس، قد يذكر أحداً بما لا يرضى، ويقع في عرضه، لكنه في الجملة مطيع لله -جل وعلا-، فحصل منه هذه الهفوة، وإذا تذكر ندم، ولذا لا يقال: إن هذه الملكة، وهي الصفة الثابتة الراسخة، التي لا تتغير، ليس معناها أنه لا يخطئ، بمعنى أنه لا يعصي، لا يترك مأموراً، أو لا يرتكب محظوراً، قد يحصل منه شيء من هذا، لكنه في جملته ماثل مستقيم "وفي العدالة بأن يكون" يعني متصفاًً بأوصاف:
بأن يكون مسلماً ذا عقل ... . . . . . . . . .(16/37)
"مسلماً ذا عقل" والإسلام شرط مجمع عليه، فلا تصح رواية، ولا تجوز رواية الكافر بحال، والمقصود بذلك حال الأداء، أما في حال التحمل، فقد يتحمل الخبر، وهو كافر، أما إذا أدى، فإنه لا يقبل خبره إلا إذا كان مسلماً بالإجماع، في حال التحمل قد يتحمل، وهو كافر، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور، في صلاة المغرب بالطور، وهو كافر جاء في فداء أسرى بدر، لكنه أدى هذه السنة بعد أن أسلم، وتلقاها الناس منه، وحملوها عنه، وأخرجت في الصحيح؛ لأن هذه الشروط شروط الأداء "بأن يكون مسلماً" فلا يقبل الكافر، سواءٌ كان الكافر أصلياً، أو قد ارتكب بدعة مكفرة، على ما سيأتي في رواية المبتدع، فلا بد أن يكون مسلماً ذا عقل، فالكافر لا تصح روايته، وكذلك المجنون لا تصح روايته، لا تصح روايته، لا بد أن يكون ذا عقل، والعقل هو مناط التكليف؛ لأن المجنون غير مكلف، فلا يؤمن أن يكذب، فلا يؤمن أن يكذب على من ينسب الخبر إليه، فلا بد أن يكون مسلماً عاقلاً "قد بلغ الحلم" قد بلغ الحلم، يعني بلغ سن التكليف، والتكليف يكون بالإنزال، ويكون ببلوغ، بتمام الخمس عشرة سنة، ويكون بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهذا مشترك.(16/38)
شرح ألفية الحافظ العراقي (17)
(معرفة من تقبل روايته ومن ترد)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ويكون بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهذا مشترك، وتزيد المرأة بالحيض، فإذا حاضت كلفت، فإذا بلغ الحلم بمعنى أنه بلغ سن التكليف بواحد من هذه الأشياء، واتصف بالإسلام والعقل، وسلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة فإنه تصح روايته "قد بلغ الحلم" وعلى هذا فرواية الصغير غير مقبولة، أما غير المميز فمحل إجماع، وأما المميز فجماهير أهل العلم على أن روايته لا تقبل ولو راهق، يعني قارب الاحتمال، ما لم يحتمل، يعني ما لم يكلف، فإن روايته حينئذٍ لا تكون مقبولة؛ لأنه يعرف أنه غير مكلف، قلم التكليف لم يجر عليه، وعلى هذا لا يكتب عليه سيئاته، ولا آثامه، فلا يؤمن حينئذٍ أن يكذب.
ما الذي يمنعه عن الكذب؟ الذي يمنع عن الكذب خشية الإثم، وهو لا إثم عليه؛ لأنه غير مكلف، إذن لا شيء يمنعه، ويردعه عن الكذب، قبل بعضهم شهادة الصبيان بعضهم على بعض؛ ما لم يتفرقوا، ولا يوجد غيرهم من المكلفين، وبعضهم قبل شهادة المراهق، ومن باب أولى قبلوا روايته، المقصود أن غير المكلف لا تقبل روايته، غير المكلف لا تقبل روايته، يعني هل حمل عن ابن عباس قبل التكليف شيء؟ هل حمل عن ابن الزبير قبل تكليفه شيء؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- مات قبل أن يكلفوا، سيأتي في وقت التحمل والأداء؛ متى يصح التحمل؟ فإن المحمود بن الربيع عقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مجة مجها في وجهه من دلو، وهو ابن خمس سنين، أو أربع سنين على روايات، فيصح تحمل الصغير، لكن أداءه وروايته غير صحيحة، ولذا قال الناظم -رحمه الله- تعالى: "قد بلغ الحلم" بأن صار مكلفاً "سليم الفعل" سليم الفعل "من فسق" لا يرتكب كبيرة، ولا يصر على صغيرة "أو خرم مروءة" من فسق أو خرم مروءة، المروءة التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، التخلق بخلق أمثاله في زمانه وفي مكانه، فلا يشذ عن بني جنسه، وبني بلده بشيء ينتقد فيه.(17/1)
وفهم من كلام الناظم -رحمه الله تعالى- عدم اشتراط الحرية، ولا الذكورية، ولا العدد، ولا العدد، فالمرأة تصح روايتها، وتحمل الناس عن أمهات المؤمنين، وغيرهن من الصحابيات، ومن التابعيات؛ تحملوا الحديث عنهن، وتداولوه فيما بينهم، فالذكورة لا تشترط فتصح رواية المرأة، وكذلك الحرية ليست بشرط؛ لأن الأحاديث والسنن نقلت عن أرقاء، فنقلت عن بلال، ونقلت عن بريرة، وهي أمة، وامرأة –أيضاً-، خلافاً لمن اشترط شيئاً من ذلك، وأن الرواية كالشهادة، وبما أن الشهادة لا تقبل من امرأة منفردة، ولا من رقيق فالرواية مثلها، والصواب أن هذا مما تختلف فيه الرواية مع الشهادة، فتقبل رواية المرأة، وكتب السنة طافحة بروايات النساء، وتقبل رواية الرقيق، فلا شرط الحرية، ولا للذكورة، واشترط بعضهم أن يكون الراوي فقيهاً أن يكون الراوي فقيهاً، ولا عبرة بهذا الاشتراط؛ لأننا لو تأملنا أحوال الرواة الذين حمل أهل العلم عنهم الأخبار وجدنا الفقهاء منهم قلة، حتى بعض الصحابة ممن يخفى عليه الأحكام الشرعية، تحملت عنهم الأخبار لا سيما ما يتعلق بهم، فبعضهم اشترط فقه الراوي، والحقيقة أن هذا الشرط لا دليل عليه، بل الواقع يرده، فمن الأعراب الذين وفدوا على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يعرفون من الأحكام إلا الشيء القليل نقلوا عنه -عليه الصلاة والسلام- بعض الأحكام وتحملت عنهم.
الفصل الأول انتهى من الفصول الثلاثة عشر.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: العمر مشترط؟
العمر، إذا لم يكلف قبل ذلك بإنزال، أو إنبات؛ لا بد من استكمال خمسة عشر سنة.
طالب:. . . . . . . . .(17/2)
المميز نعم سيأتي إن شاء الله تعالى في متى يصح تحمل الصغير، المميز هو الذي يفهم الخطاب، ويرد الجواب هذا في الأمور التي ليست عامة، ليست عامة للأمة أما في الأمور التي تشمل الناس كلهم، فحدت بتمام سبع سنين، يعني في الرواية لو اختبرنا صبي عمره ثلاث سنين، ووجدناه يضبط؛ ما المانع من تصحيح تحمله إذا وجدناه يضبط، وقد يصل إلى العشر، وهو لا يضبط، كما قال ابن الصلاح: وإن كان لا يفهم الجواب، ولا يرد الخطاب لم تصح روايته، ولو كان ابن خمس، بل ابن خمسين، بينما الصغير إذا اختبر وابتلي صحت روايته، وهذا في الأمور التي يصح التفرد فيها، أما الأمور التي جاءت أحكام عامة للمسلمين فإنها تحدد بحد: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين)) يعني لو قيل: مروا أولادكم المميزين، على كل أب أن يأمر ولده إذا ميز؛ فتجد الولد عمره عشر سنوات وهو بباب المسجد، وإذا سئل أبوه قال: والله ما ميز، وتجد الآخر يؤذي الناس بطفله ذي السنتين، أو الثلاث، ويقول: مميز، فما تترك هذه لاجتهاد الناس؛ لا، لكن في الرواية الله يقويه، قدامه الأداء، وقدامه الشروط عند التحديث، كونه يحضر مجلس السماع، ويستمع إن استفاد؛ وإلا ما هنا نقص، وما هنا مضرة، لكن كونه يصف مع الناس، ويؤذيهم، ويقطع الصفوف، ويشوش على الناس سنتين، ثلاث كما يأتي بعضهم بولده يتأذى الناس به، وقد شهدنا من ذلك ما يندى له الجبين، ويعتصر له القلب أسىً وألماً، شخص جايب طفل عمره ثلاث سنوات، ومعه بالصف لما كبر الناس ذهب الولد إلى المصاحف، وصار يعبث بها، يعبث بها عبث لا يقبله أحد، وأبوه لم يتحرك، ولا يقدم ولا .. ، لما ذهب الولد إلى المروحة، مروحة بإمكانه أن يتناولها، فتؤذيه قطع الأب صلاته، وذهب يجيبه خوفاً عليه، فمثل هذا لا شك أنه يمنع، ولا يترك مثل هذا لاجتهادات الناس؛ لأن كل واحد يبي يقول: والله ولدي مميز الحمد لله، وبعضهم يقول: لا، ما مميز، إذا ما جاء قال: ما ميز، وإن حضر قال: مميز، ولو كان صغيراً، فمثل هذه الأمور تضبط بضابط عام، ومثله التكليف، خلاص في أمور واضحة، فاصلة.
الفصل الثاني: ما تعرف به العدالة:
قال -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن(17/3)
"ومن" والذي يزكيه؛ أي يعدله في روايته، ويشهد له بأنه عدل ضابط "عدلان" يعني اثنان "فعدل مؤتمن" تقبل روايته اتفاقاً، عدل، ضابط، إذا تناولت تزكيته العدالة، والضبط؛ قبلت روايته،
. . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن
والمؤتمن تأكيد تكملة "وصحح اكتفائهم" أي جمهور أئمة الأثر بالواحد، وصحح اكتفائهم بالواحد، أي قبول التعديل، التزكية من شخص واحد، والواحد سواءٌ كان حراً، أو عبداً، ذكراً كان أو أنثى:
وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد
الصحيح عندهم في الرواية أن التزكية يكتفى فيها بواحد، ولو امرأة، ولو أمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سأل بريرة عن عائشة، فأثنت عليها خيراً، وزكتها، فتقبل تزكية المرأة، ولو كانت أمة، فضلاً عن كونها ذكراً حراً، أو عبداً "خلاف الشاهد" فالصحيح عدم الاكتفاء بالواحد، الصحيح عندهم عدم الاكتفاء بتزكية الواحد للشاهد كالأصل، الرواية تقبل من واحد، فالتزكية تبعاً لها تقبل من واحد، الشهادة لا تقبل من واحد، فالتزكية لا تقبل بالنسبة للشاهد من واحد، وكل فرع له حكم أصله، هذه التزكية، وهي التي يحتاج إليها في معرفة ارتفاع الجهالة الباطنة "وصححوا" يعني مما تثبت به العدالة –أيضاً-، "صححوا استغناء ذي الشهرة" بها بين أهل العلم والاستفاضة، إذا كان مشهوراً مستفيضاً بين أهل العلم أنه ن أهل العدالة، ومن أهل الثقة، ومن أهل العلم، ومن أهل الفضل:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية صريحة كمالك نجم السنن
كمالك نجم السنن، كما وصفه الإمام الشافعي بذلك، ومثل ما لك شعبة، وأحمد، وابن معين، والسفيانين، وغيرهم، هؤلاء إذا وردوا في سند؛ جاءك في السند أحمد بن حنبل، أو سفيان بن عيينة، أو سفيان الثوري، أو مالك, أو .. الأئمة الكبار؛ هؤلاء هل تحتاج إلى أن تذهب إلى كتب الجرح والتعديل؛ لتنظير ما قيل فيهم؟ ما يحتاج، ما يحتاج، هؤلاء استفاض فضلهم، وعلمهم، وضبطهم، وإتقانهم، وحفظهم فلا يحتاجون إلى تزكية، بينما لو وجد في السند شخص لم يشتهر؛ أنت ما تعرفه؛ لا بد أن تبحث عنه في كتب الرجال، ولا بد أن تسأل عنه، لا بد من التزكية.(17/4)
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية صريحة كمالك نجم السنن
فلا بد من التزكية في حق من لم يشتهر بها، ولم يستفض أمره بها، الإمام أحمد -رحمه الله- سئل عن إسحاق، سئل عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: إسحاق يسأل عنه؟! إسحاق يسأل عن الناس، ومثل هذا قال في أبي عبيدة وغيره، فالذين استفاض ذكرهم، واشتهر أمرهم لا يسأل عنهم، وتجدون –الآن- بعض الناس يسأل عن العلماء الكبار، يأتي سؤال ما رأيك بالشيخ ابن باز؟ هذا سؤال يُحتاج إليه؟! والله هذا حاصل، ومرة واحد يسأل في شرح أحاديث الفتن، يسأل يقول: ما رأيك بالشيخ ابن جبرين؟ قلت: لولا أن هذا السؤال من الفتن ما أجبت عنه، ويسألون عن مشايخ كبار، هؤلاء يحتاج، هؤلاء يسألون عن الناس، ما يسأل عنهم، فالذي استفاض في الناس ذكره، واشتهر فضله لا يسأل عنه، لا يسأل عنه مثل هذا؛ ولذا:
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية صريحة كمالك نجم السنن
ثم قال -رحمه الله-: "ولابن عبد البر" لأبي عمر يوسف ابن عبد البر النمري الحافظ المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، ثلاث وستين وأربعمائة، وهي السنة التي توفي فيها الخطيب الحافظ، هذا حافظ المغرب، وذاك حافظ المشرق:
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن
يعني لم يضعف "كل من عني" أي اهتم بحمل العلم بحيث صار من أهل العلم "ولم يوهن" لم يضعف، رأي ابن عبد البر أن مثل هذا عدل، لا يحتاج فيه إلى تزكية، ولا يحتاج إلى أن تراجع كتباً، ولا شيء:
ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهن
فإنه عدل بقول المصطفى ... . . . . . . . . .
-صلى الله عليه وسلم-: ((يحمل هذا العلم .. ))، يعني (( .. من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) هذا الحديث استدل به ابن عبد البر على أن كل من عرف بحمل العلم أنه عدل:
فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا(17/5)
خولف ابن عبد البر -رحمه الله- في رأيه هذا، خولف؛ لماذا؟ لأن الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ لوجود من يحمل العلم، وهو غير عدل، ولا ثقة، ولا مرضي، يحمل العلم، ويفتي في الأحكام، وقد يفسر القرآن، وقد يشرح السنة، ومع ذلك ليس بعدل، ولا مرضي؛ لأنه يرتكب محرمات، ويتساهل في واجبات، ولا نحتاج في عصرنا إلى تمثيل، يعني إذا وجد في السابق نادراً فإنه في عصرنا كثيراً، كثير من يرحل إليه، ويشار بأنه المحدث، وتطلب منه الإجازات؛ لأن سنده عالي، وسماعه قديم، ومع ذلك الناس يصلون، وهو في بيته مع كل أسف، ويوجد من علامات الفسق عليه ظاهرة، وهو يدرس التفسير، أو الحديث، أو الفقه، أو غير ذلك، فالواقع يشهد بخلاف ما قاله ابن عبد البر -رحمه الله-، "ولم يوهن"،
فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا(17/6)
لأن ابن عبد البر توسع في التعديل توسع غير مرضي، والحديث مضعف عند أهل العلم، الأكثر على تضعيفه، وإن صححه الإمام أحمد فيما نقله الخطيب في شرف أهل الحديث، لكن طرقه كلها ضعيفة، قد يقال: إن تعدد الطرق تدل على أن له أصلاً، لكن مفرداتها ضعيفة ضعفاً شديداً، فمن قبله نظراً لكثرة طرقه، ومن رده فلضعف أفراده، ومع ذلكم لو صح هذا الخبر لكان أمراً، وليس بخبر، لكان أمراً للعدول؛ بأن يحملوا هذا العلم، ولا يتركوا فرصة للفساق أن يحملوا هذا العلم، ويتصدروا الناس، لا يترك أهل العلم، أهل العدالة، أهل الفضل، أهل الاستقامة فرصة للفساق أن يتصدروا الناس، فيكون معنى الحديث: ((ليحمل .. )) يعني لفظه لفظ الخبر، ومفاده الأمر: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، وجاءت هذه الرواية باللام عند ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل، فدل على أن الحديث أمر للثقات بحمل العلم، وأن لا يتركوا المجال للفساق، ومن أهل العلم من ينازع من ينازع في تسمية ما يحمله الفساق علم، بل الفاسق جاهل، ولو عرف جميع ما دون من أحكام، يعني لو حفظ الكتب كلها بأدلتها فهو جاهل؛ لأن العلم الذي لا ينفع صاحبه وجوده مثل عدمه، الوصف ما ارتفع؛ لأن العبرة بالعلم النافع، وهذا ليس بنافع علمه، الأمر الثاني: أن الله -جل وعلا- سمى الذي يعصي جاهلاً: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء]، هذا حصر للتوبة في الذين يعملون السوء حال جهلهم، طيب الذي يعرف أن الشرب شرب الخمر حرام، ومعه دليله من الكتاب والسنة، يحفظ الدليل من الكتاب والسنة؛ هذا جاهل، وإلا عالم؟ هذا يعرف الحكم بدليله؛ عالم، وإلا جاهل؟ لو قلنا عالم قلنا: ما له توبة؛ لأن التوبة خاصة بالفساق، ولم يقل أحد بهذا القول، فدل على أنه جاهل، ولو عرف الحكم بدليله، فالفاسق الذي يحمل من العلم ما يحمل هذا جاهل، فالذين يحملون العلم هم العدول، يعني العاملون به، العاملون به، وأما الفساق فعلمهم ليس بعلم، ولذلك قال: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) الفاسق حينما يحمل العلم؛ هل حمله بهذه(17/7)
النية: لينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، أو ليتخذه مصدر رزق؟ لأنه لو جاء بهذه النية ارتدع عما يفعله من جرائم، أو يتركه من أوامر، فدل على أنه جاهل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [(17) سورة النساء]، يعني قبل الموت، وقبل نزول علاماته "لكن خولف" عامة أهل العلم على خلافه، ووافقه بعض العلماء، كابن المواق، وابن سيد الناس، وقال الحافظ الذهبي: إنه حق، لكن من يقول بأنه حق، أو يوافق ابن عبد البر، أو حتى ابن عبد البر نفسه لا يمكن أن يصف فاسقاً بأنه عالم، إنما يحمل العلم على ما نفع؛ لأنه يقول: "ولم يوهن" ولم يوهن يعني ولم يضعف، والفاسق مضعف، فلا يدخل الفاسق في كلام ابن عبد البر، وعلى هذا يوافق إذا لم يدخل الفاسق، إذن هو من الأصل عدل، وإنما قد يستدل على عدالته بحمله العلم، ولو لم يزكى.
ثم في الفصل الثالث من الفصول الثلاثة عشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وافقه ابن الموَّاق، كتاب اسمه: "بغية النقاد" لابن المواق، هذا على كتاب ابن القطان، ووافقه –أيضاً- ابن سيد الناس اليعمري أبو الفتح، ووافقه –أيضاً- الحافظ الذهبي.
قال -رحمه الله- في الفصل الثالث: ما يعرف به الضبط:
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
يعرف الضبط بالامتحان كما تقدم في المقلوب، بما عرف ضبط الإمام البخاري؟ لما امتحنه أهل بغداد، فالامتحان أقرب وسيلة لمعرفة الضبط، وكثير ممن ينتسب إلى العلم، أو يدعي العلم إذا امتحن رسب في الامتحان، يسأل كم سؤال ثم لا يجيب، أو يجيب جواباً يدل على جهله، فيستدل به على أنه ليس بضابط، كما أنه يعرف الضبط بعرض رواية الراوي على روايات الثقات، فإن وافقهم فهو ضابط، إن وافقهم في جميع ما يرويه، أو في غالب ما يرويه فإنه ضابط، وإن وافقهم نادراً، أو لم يوافقهم "فمخطي" يعني ليس بضابط.
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط. . . . . . . . .
"من يوافق" دائماً، أو "غالباً" في المعنى، أو اللفظ "ذا الضبط فضابط" يحتج به "أو" يوافقه "نادراً فمخطي" ليس بضابط؛ فلا يحتج به، فلا يحتج به.(17/8)
ثم بعد ذلك الفصل الرابع: الفصل الرابع في الجرح والتعديل، وهل يقبلان دون بيان أو لا بد من بيانهما:
يعني بيان الأسباب؛ هل يقبل الجرح والتعديل من غير بيان الأسباب، أو لا بد من بيان أسباب الجرح والتعديل، أو لا بد من بيان أسباب الجرح دون التعديل، أو لا بد من بيان أسباب التعديل دون الجرح فالقسمة رباعية:
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
"وصححوا" يعني جمهور أئمة الأثر "قبول تعديل" هذا هو القول الأول في المسألة، قبول تعديل "بلا ذكر لأسباب له" خشية "أن تثقلا" ويشق ذكرها؛ لأنها كثيرة، إذا لزم بيان أسباب التعديل فإذا قال أحمد: ثقة؛ ثقة لماذا؟ يحتاج الإمام أحمد أن يقول: ثقة؛ لأنه لم يتلبس ببدعة، ثقة؛ لأنه يصلي، لأنه يزكي، لأنه يصوم، لأنه يحج، لأنه يأمر بالمعروف، لأنه لا يرتكب كذا، ولا يفعل كذا، ولا يغش، ولا يرابي، ولا .. ، فيلزمه أن يعدد جميع الواجبات؛ لإثباتها، ويعدد جميع المحرمات؛ لنفيها، هذا إذا اشترطنا بيان سبب التعديل، ولذا قال:
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
يعني مخالفة أو خشية أن تثقل؛ لأن كل راوي من الرواة يحتاج إلى أن يسرد فيه ما يسرد في جميع الرواة في التعديل، فينفى عنه كل ما يجرح في العدالة بالتفصيل، ولهذا قال جمهور أهل العلم: إن أسباب العدالة لا يلزم ذكرها بل يكتفى بقول الإمام عدل، أو ثقة، ثم إن عورض هذا القول بقول إمام آخر اطلع على ما لم يطلع عليه هذا الإمام من جرح ننظر، فإن فسر الجرح بأمر مقبول قدم على التعديل على ما سيأتي في تعارض الجرح والتعديل؛ لأن الجارح معه زيادة علم، هذا ما عرف أنه يشرب الخمر، المعدل، لكن الجارح يقول: يشرب، أنا رأيته، والمسألة مفترضة في معدل ثقة، فهذا معه زيادة علم خفيت على المعدل.
وصححوا قبل تعديل بلا ... ذكر لأسباب له أن تثقلا
ولم يروا قبول جرح أبهما ... للخلف في أسبابه وربما(17/9)
ولم يرو قبول جرح أبهما من غير ذكر لسببه، يعني جرح غير مفسر لا يقبل، بل لا بد من ذكر سبب الجرح؛ لأن ذكر سبب الجرح لا يثقل، كذكر سبب التعديل؛ لأنه يحصل بواحد، العدالة لا تحصل بواحد؛ لو قال: يصلي ما يكفي، لكن الجرح لو قال: يشرب الخمر، أو يفعل كذا، أو يفعل كذا من المحرمات، أو يخل ببعض الواجبات يكفي، ما يحتاج يعدد:
ولم يروا قبول جرح أبهما ... للخلف. . . . . . . . .
بين الناس "في أسبابه" أسباب الجرح؛ أولاً: لكونه لا يثقل كأسباب التعديل، ولأن الناس يختلفون في أسباب الجرح، قد يجرح يقول: ليس بثقة، وليس بعدل، ولا مرضي، طيب ويش السبب؟ قد يذكر سبباً ليس بجارح، فلذا لا بد من بيان الجرح:
. . . . . . . . . ... للخلف في أسبابه وربما
يعني مما يدل على عدم قبول الجرح مبهماً أنه ربما استفسر الجرح كما قال -رحمه الله-:
استفسر الجرح فلم يقدح كما ... فسره شعبة بالركض فما
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من .. ، تأتي الأقوال الأخرى، لكن هذا قول معتبر عند أهل العلم، وقول الأكثر؛ لأنه قد يستفصل، ويقال: ليس بثقة لماذا؟ شعبة قال: فلان لا يؤخذ عنه العلم، يعني ليس بثقة؛ لماذا؟ قال: رأيته يركض على برذون، رأيته يركض على برذون، يعني يسرع، يسرع في دابته.(17/10)
الآن ثلاثة أرباع طلاب العلم ما تقبل رواياتهم، إذا ركبوا السيارة جابوا الطبلون، رأيي هذا ليس بجارح هذا، اللهم إلا من جهة مخالفة الولي، ولي الأمر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا وجد فجوة نص، وعلى كل حال ربما استفسر الجارح؛ لأن بعض الناس يصير عنده شيء من التشدد، فيجرح بما ليس بجارح، وبعض الناس تخطب منه ابنته، وتمكث السنين، ويردد الأخيار؛ لأن له نظرة تختلف عن نظرات الناس، جماعة في مسجد يطلبون إماماً، فجاءهم إمام من خيار الشباب، وقراءته طيبة، لكنه نسي أن يطفئ مكبر الصوت؛ لأن في فيش جنبه نسي وقام، قال واحد من الجماعة: هذا ما يصلح؛ قام ما طفأ، هذا جرح ذا، يعني بعض الناس لهم نظرات غريبة، يعني يقدح بما ليس بقادح، فلهذا جمهور أهل العلم يقولون: لا بد من بيان سبب الجرح، ولذا قال: "وربما استفسر الجرح" يعني عن الجرح من قبل الجارح ببيان سببه فذكر ما لم يقدح "استفسر الجرح فلم يقدح" بناءً على ما يعتقد أنه يقدح "كما فسره شعبة" ابن الحجاج، وهو إمام من أئمة المسلمين
. . . . . . . . . كما ... فسره شعبة بالركض فما(17/11)
يعني حين قيل له: لم تركت حديث فلان؟ لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون! رأيته يركض على برذون! وأيضاً سئل بعضهم: لم تركت الرواية عن فلان؟ قال: لأنه رأيته يبول قائماً، رأيته يبول قائماً، نعم إن كان بمرأى من الناس هذا ترد روايته، وإن كان لذات البول قائماً، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، ويروى عن شعبة أنه أتى المنهال ابن عمرو يعني ليروي عنه، فسمع صوتاً من داره؛ فتركه، فتركه، يعني سمع صوت، ويختلفون في هذا الصوت؛ بعضهم يقول: صوت طمبور، يعني آلة لهو، وهذا إن كان هو الذي يستعملها، أو تستعمل بعلمه قادح، ومنهم من يقول: إنه يقرأ بالألحان، يقرأ القرآن بالألحان، يعني يمد مدود زائدة، ويقرأ بالتطريب، يعني كصنيع كثير من القراء الآن، فلم يسمع منه شعبة، وهذا جرح إذا ترتب عليه زيادة في المدود ينشأ عنها زيادة حروف؛ قادح هذا، والمنهال هذا وثقه جماعة من أهل العلم منهم ابن معين، والنسائي، واحتج به البخاري، بل وعلق عنه البخاري في صحيحه من رواية شعبة نفسه، فعلى هذا شعبة لم يترك الرواية عنه، ومنهم من يقول: السبب في ذلك أن الرواية لهذا الخبر عن شعبة عن المنهال كانت قبل هذه الحادثة، قبل أن يسمع منه صوت الطمبور أو الصوت، أو لعله تاب من ذلك، فحمل عنه شعبة؛ لأنه زال المانع، فبان بما ذكر أن البيان مزيل لهذا المحذور، يعني قد تختلف أنت وشخص، يعني قد تسمع شخصاً يقول حكماً شرعياً؛ إما حرام، أو يقول: يجب، ثم إذا قلت له: ما الدليل، ذكر دليل لا ترضى به أنت، فإذا استفسرته ذكر ما لا يصلح أن يكون دليلاً كما هنا، قد يذكر ما لا يصلح أن يكون قادحاً.
من العجائب أن ابن حزم ضعف المنهال في أوائل المحلى، وتضعيفه إنما هو بسبب سماع الصوت، وابن حزم يحرم الصوت، وإلا يجيزه؟ يجيزه بجميع آلاته، وأشكاله، وألحانه؛ فكيف يضعف المنهال وهو مضعف بأمر لا يراه؟! هذه من العجائب.(17/12)
القول الثاني في هذه المسألة عكسه، أنه لا بد من ذكر سبب التعديل دون الجرح، دون الجرح قالوا: لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها، يكثر التصنع فيها، فلا بد من ذكر العدالة، يعني تجد الإنسان هيبة؛ لحية وثوب قصير، ولحية حمراء محناة، وما أدري أيه .. ؟ كل ما تشترطه موجود، لكنه في حقيقة الحال ليس على مظهره، ليس على ظاهره، ولذا قال بعضهم -عن عبد الله بن عمر العمري المكبر المضعف عند أهل العلم-: لا يجرحه إلا رافضي مبغض لآبائه، ولو رأيت هيئته، ولحيته علمت أنه ثقة، وسئل مالك -رحمه الله- عن روايته عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، فقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فأسباب العدالة قد يتصنع فيها الراوي، ويظهر على خلاف حقيقته، فعلى هذا من عدل يقال له: فسر تعديلك هذا؛ على شان ما يفسره بشيء ظاهر، مثل ما قيل عن عبد الله بن عمر العمري، هذا قول ثاني في المسألة.
القول الثالث: أنه لا بد من تفسير الأمرين التعديل والتجريح؛ لأن تفسير التجريح قد يذكر فيه ما ليس بجارح، فلا بد منه، وتفسير التعديل قد يذكر فيه ما لا يقتضي العدالة كالاغترار بالظاهر، فلا بد من تفسيرهما، والقول الرابع عكسه أنه لا يفسر لا جرح ولا تعديل، وهذا إذا أطلقه إمام عارف بأسباب الجرح والتعديل، عارف بأسباب الجرح والتعديل.
القول الأول: وهو أنه لا بد من تفسير الجرح دون التعديل قال عنه الحافظ العراقي:
هذا الذي عليه حفاظ الأثر ****. . . . . . . . .
يعني هذا هو تفسير الجرح دون التعديل، هذا الذي عليه حفاظ الأثر "كشيخي الصحيح" البخاري ومسلم "مع أهل النظر" مع أهل النظر الذي هم أهل الرأي، كالفقهاء مثلاً، ومنهم الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، فالناظم كم ذكر من قول؟ قولاً واحداً، وعكسه معروف، والجمع بين القولين في التفسير معروف، وعكسه –أيضاً- هو القول الرابع لا سيما إذا صدر الجرح، أو التعديل من عارف بأسبابهما من إمام معروف عند أهل العلم، وهو عارف بصير بالأسباب، يعني لا يجرح بغير جارح، ولا يعدل بالظاهر، والإشكال على القول الذي ذكره أنه لا بد من التفسير، يأتي في قوله:
فإن يقل قل بيان من جرح ... . . . . . . . . .(17/13)
لأنك تقرأ في كتب الرجال تجد الإمام أحمد يقول: ضعيف، يقول: ابن معين: ثقة، لا الإمام أحمد يفسر، ولا ابن معين يفسر، وهذه مسألة، وهو إشكال يأتي بيانه غداً -إن شاء الله تعالى-.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: نحن هنا في البرازيل نتابع الدروس، وسؤالي: كيف نشرح للعوام معنى الحديث الضعيف؟
العوام يقال لهم بما يفهمون من أن هذا الحديث لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بالأسلوب المناسب لهم، ولا شرع إلا فيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعمل به.
سم.
أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل قل بيان من جُرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
"بيان من جَرح" قل بيان من "جَرح" لأن البيان مطلوب من الجارح، لا من المجروح،
فإن يقل قل بيان من جَرح ... . . . . . . . . .
لأن البيان إنما يطلب من من؟ هل المجروح هو الذي يطلب منه البيان؟ الجارح هو الذي يطلب منه البيان، نعم.
فإن يقل قل بيان من جرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
وأبهموا فالشيخ قد أجابا ... أن يجب الوقف إذا استرابا
حتى يبين بحثه قبوله ... كمن أولو الصحيح خرجوا له
ففي البخاري احتجاجا عكرمه ... مع ابن مرزوق وغير ترجمه
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى
قلت وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
وقدموا الجرح وقيل إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
وقيل يكفي نحو أن يقالا ... حدثني الثقة بل لو قالا
جميع أشياخي ثقات لو لم ... أسم لا نقبل من قد أبهم
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحا له
وليس تعديلا على الصحيح ... رواية العدل على التصريح(17/14)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر ما يلزم من بيان سبب الجرح، وقبول التعديل من غير بيان، والسبب في ذلك أن الجرح لا يصعب بيانه؛ لأنه يثبت بأمر واحد، وأما التعديل فلا بد من تعديد جميع ما يكون به عدلاً مما يجب فعله، أو يجب تركه، فيذكر جميع الواجبات وينص على أنه يفعلها، ويذكر جميع المحرمات، وينص على أنه يتركها؛ ليكون عدلاً، و "خشية أن تثقلا" كما تقدم، نعم، يثقل ذكر وتعداد جميع ما يكون به عدلاً مما يجب أو يحرم.(17/15)
أما بالنسبة للجرح يكفي بجرح واحد، بجرح واحد، ولذا تجدون في أحكام الأئمة، في أحكام الأئمة على الأحاديث لا يستوعبون العلل في الحديث؛ قد يكون الحديث مضعف من عشرة أوجه يقتصرون على واحد؛ لماذا؟ لأنه إذا ضعف انتهى إشكاله خلاص، يذكرون أوضح، وأشد أسباب التعليل، ضعيف؛ لأن فيه فلان، انتهى الإشكال، لو في غيره، لكن هذا أعظمهم ضعفاً يكفي، فكون الشخص مشتملاً على جوارح؛ أمور تجرح؛ يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يكذب في حديثه مع الناس في كلامه العادي، ومع ذلك يشرب الخمر، وقاطع لرحمه؛ هل يحتاج أن يقال: هذا الراوي ضعيف، أو وضاع؛ لأنه يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويشرب الخمر، ويقطع الرحم؟ يكفي أن يقال: يكذب على النبي –عليه الصلاة والسلام-، فهذه علة تقضي على ما دونها، يعني لو تعددت أسباب الجرح في الشخص؛ هل لمن أراد أن يجرح راوٍ، أو شاهد أن يسبر حال هذا الشخص في جميع ما يفعله من المنكرات، ويتركه من الواجبات؟ ما يلزم، هو إذا جرحه بواحد انتهى الإشكال، لكن يكون هذا أقوى الجوارح، أقوى ما يجرح به، يعني شخص لا يصلي، ومع ذلك يشرب الدخان، إذا راح عند القاضي، بيقول: هذا يدخن ما تقبل شهادته، يا أخي اجرح بالأعظم على شان، نعم لأن هذه هي الجادة المعروفة، لا يلزم في الجرح أن يعدد كل شيء، فالجرح يكتفى بأمر واحد ينزله عن العدالة إلى الضعف وينتهي، يكفي، على أن يكون هذا الجرح أقوى ما عند هذا الرجل، ولذا يثبت الجرح بأمر، واحد فطلبوا –أعني أهل العلم- طلبوا بيان السبب، وأيضاً الجوارح قد يختلف فيها الناس، يعني ما يجرح به الراوي قد يختلف فيه الناس، فقد يجرحه بشيء، وهو عند غيره ليس بجرح، مثل ما تقدم ذكره عن شعبة، وغيره، فالجرح لا بد من بيانه على ما تقدم، والتعديل لا يحتاج فيه إلى بيان، ومنهم من يعكس كما تقدم؛ لأن المسألة فيها أربعة أقوال، منهم من يعكس يقول: يجب بيان سبب التعديل دون سبب الجرح؛ لأن أسباب التعديل يكثر التصنع فيها، يمكن يمشي بين الناس على أنه ثقة، ويموه عليهم، ويخفي ما عنده من الجوارح عنهم، فأسباب التعديل لا بد من بيانها، كما قيل في عبد الله بن عمر العمري المكبر ضعيف عند أهل العلم،(17/16)
ومع ذلك يقول: لا يقدح فيه إلا رافضي مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته، وهيئته عرفت أنه ثقة، هذا ما يكفي في التعديل، واغتر بظاهره، فلا بد من بيان التعديل؛ لأنه كيف عدله؟ عدله بغير ما يعدل به الراوي، والإمام مالك رغم شدة تحريه، ونقده للرجال استدل، أو روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، وقال: غرني بكثرة جلوسه في المسجد، فعلى هذا بيان التعديل أمر لا بد من على هذا القول، ومنهم من قال في القول الثالث: يبين الجميع، يبين الجميع، والعلة مركبة من علتي القولين، من علتي القولين، والقول الرابع عكسه: لا يبين شيء، لا يبين شيء، لا سيما إذا صدر الجرح، أو التعديل من عالم؛ عارف بأسباب الجرح والتعديل، مع أن هذا القول، وإن كان هو الواقع العملي -على ما سيأتي- إلا أن هذا الشرط، هذا الشرط الذي ذكروه أن يكون من عالم؛ عارف بأسباب الجرح والتعديل هو مطلوب على كل حال بين أو لم يبين؛ لأن غير العالم العارف بأسباب الجرح والتعديل لا يقبل قوله أصلاً، ولو بين، فهذا القيد لا حقيقة له؛ لأنه يشترط في المعدل، والمجرح أن يكون عارفاً بالأسباب؛ الأسباب التي بها يجرح، والأسباب التي بها يعدل.
إشكال أورده ابن الصلاح وأجاب عنه: إننا لو نظرنا في كتب الرجال في تاريخ البخاري، في الجرح والتعديل، في الكمال، في الكامل لابن عدي، تهذيب الكمال، تهذيب التهذيب، كتب الرجال قاطبة ليس فيها بيان، إلا في القليل النادر، في القليل النادر يذكر البيان: ضعفه فلان؛ لأنه يفعل كذا، لكن الغالب أنه لا يذكر السبب، فيترتب على هذا إذا اشترطنا تفسير الجرح، أو تفسير التعديل أننا نلغي هذه الكتب، ولا نستفيد منها؛ لأن الأحكام فيها مجردة عن بيان السبب.
"فإن يقل" قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل قل بيان من جرح ... . . . . . . . . .
يعني على القول بأن الجرح لا يقبل إلا مفسراً "فإن يقل" على القول السابق "قل بيان من جرح" يعني سبب الجرح، قل بيان سبب الجرح من قبل الأئمة الذين تنقل أقوالهم، بل يقتصرون على الجرح، ويقولون: ضعيف، متهم، واهم، .. ، إلى غير ذلك من الألفاظ التي تأتي -إن شاء الله تعالى- في ألفاظ الجرح.(17/17)
فالكتب المعول عليها في التجريح، والتعديل ليس فيها بيان إلا في القليل النادر "فإن يقل" يعني هذا إشكال يورد على القول السابق:
فإن يقل قل بيان من جرح ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
يقل بيانهم سبب ضعف الحديث، فيذكر الحديث في السؤالات عن الأئمة؛ عن الإمام أحمد، عن البخاري، عن ابن معين، عن أبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم: حديث ضعيف، حديث منكر، حديث ضعيف، حديث منكر، حديث موضوع، لا أصل له؛ طيب لماذا؟ ضعيف لماذا؟ ما يذكرون، ما يذكرون السبب،(17/18)
فهل تقبل أقوالهم، أو لا بد من بيان السبب؟ لأننا نقول: يمكن أن هذا الإمام، يعني إذا قلنا فيه: إنه قد يضعف الراوي بما لا يوجب الضعف، قد نقول: إنه قد يضعف الحديث بما لا يوجب التضعيف، يمكن يقال هذا، وإلا ما يمكن أن يقال؟ لا سيما إذا وجد كما يوجد في عصرنا هذا من لا قيمة لأهل العلم عنده؛ لأنه قد يواجه الكبير من أهل العلم، يقول: لا بد من البيان؛ ليش ضعف؟ وليش صحح؟ ليش وثق؟ ما نقبل شيئاً بغير تعليل، ولا نقبل حكم بغير دليل، الآن هذه حجج يعني في ظاهرها أنها الحامل عليها التثبت، لكنها حق أريد به باطل، أريد به باطل، الآن "كذا إذا قالوا" في كتبهم، أو فيما ينقل عنهم "لمتن لم يصح" بل اقتصروا على مجرد قولهم: هذا حديث ضعيف، هذا حديث ضعيف، يعني كما قالوا في الراوي ضعيف، هل يطالبون ببيان السبب؟ هؤلاء أئمة كبار، يعني لو طالبناهم، ولن نقبل أقوالهم إلا ببيان السبب؛ معناه تعطلت أحكامهم، عطلنا أحكامهم من أثرها في الراوي، والمروي، وهم الأصل في هذا الباب، وعليهم المعول في التصحيح، والتضعيف في التوثيق، والتضعيف، في التصحيح، والتضعيف معول عليهم، وقد يقال للعالم: لما ضعفت حديث كذا؟ فلا يستطيع أن يجيب، كما تقدم في المعلل، الحديث ضعيف، ويكفي، لكن اذهب إلى فلان، وشوف ماذا يقول لك؟ يقول لك –أيضاً-: ضعيف، وثالث يقول: ضعيف، أنت بدورك إذا وقفت على كلام للأئمة فيه تضعيف لحديث، ادرس هذا الحديث، ادرس هذا الحديث، واجمع طرقه، وسوف تقف على العلة إن كان تعلمك لهذا العلم على الجادة، إن كانت طريقة تعلمك لهذا العلم على الجادة، فسوف تقف على العلة، وقد تعجز عن الوقوف عنها، وقد تعجز عن الوقوف على هذه العلة، قد يقول قائل: إننا بإمكاننا الإمام أعل هذا الحديث؛ لأنه لم يقف من الطرق على الطرق التي وقفنا عليها، التي ترتفع بها هذه العلة، أو لا توجد فيها هذه العلة التي من أجلها ضعف، نقول: أين أنت من هؤلاء الأئمة الذي يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، فينبغي أن لا يتسرع الإنسان في الحكم حتى يتأكد من أحكام الأئمة، نعم إذا وجد في الراوي أكثر من قول فلك أن تنظر، إذا وجد في الحديث أقوال فلك أن تنظر إذا تأهلت، أما إذا اتفقوا على(17/19)
تضعيف راوي، أو تضعيف حديث فليس لك أن تنظر؛ لأنك مهما رحت، أو جئت؛ فرجوعك إليهم.
هذا الإشكال الذي أورده ابن الصلاح أجاب عنه:
. . . . . . . . . ... كذا إذا قالوا لمتن لم يصح
وأبهموا. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
"أبهموا" بيان السبب في الأمرين، في تضعيف الراوي، أو تضعيف الحديث، فاشتراط البيان يفضي إلى تعطيل هذه الكتب التي تشتمل على الرواة، أو على الأحاديث التي تكلم فيها الأئمة، ككتب العلل "فالشيخ" يعني ابن الصلاح "قد أجابا" ألف الإطلاق، أجاب عن ذلك، بـ:
. . . . . . . . . ... أن يجب الوقف إذا استرابا
"يجب الوقف" لأننا ولو لم نعتمد هذا القول في رد الخبر، أو تضعيف الراوي، ولو لم نعتمد هذا القول في الرد لكننا نعتمده في التوقف، في التوقف بالاحتجاج بالراوي، أو بالحديث، نتوقف بـ:
. . . . . . . . . ... أن يجب الوقف إذا استرابا
لا نحتج بهذا الراوي، ولا نحتج بهذا الخبر حتى نقف على السبب:
حتى يبين بحثه قبوله ... . . . . . . . . .
يقول: إذا وقفت على هذا التضعيف لهذا الراوي ابحث، زد في البحث، أو تضعيف الحديث، ابحث، اجمع الطرق والأسانيد، وادرس الرجال:
حتى يبين بحثه قبوله ... . . . . . . . . .
يستمر التوقف "حتى يبين" يظهر "بحثه" عن حال الراوي، أو الحديث "قبوله" والثقة بعدالته،
. . . . . . . . . ... كمن أولو الصحيح خرجوا له
"كمن" أي كالراوي من الرواة الذين "أصحاب الصحيح" أصحاب الصحيح البخاري، ومسلم "خرجوا له" فيه، يعني في صحيحيهما، يعني البحث في راو ضعف من غير ذكر سبب، وجدنا له رواية في الصحيح، فأبان بحثنا، وتنقيبنا في الصحيحين، ووجودنا لهذا الراوي رواية في الصحيحين أنه مقبول، وأن جرح الجارح الذي لم يفسر جرحه لا يؤثر فيه؛ لأننا بحثنا، توقفنا في هذا الراوي، توقفنا في هذا الراوي حتى وجدنا له رواية في الصحيح مخرج له، ومن خرج له في الصحيحين فقد جاز القنطرة:
. . . . . . . . . ... كمن أولو الصحيح خرجوا له(17/20)
مع أنه قد ضعف من قبل غيرهم، مس بضرب من التجريح من قبل غيرهم، الجرح المبهم "ففي البخاري" يعني في صحيح البخاري "احتجاجاً" يعني على سبيل الاحتجاج، لا على سبل المتابعة، والاستشهاد:
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... . . . . . . . . .
مولى ابن عباس، وعكرمة هذا مضعف، مضعف؛ لأنه كما قيل: كان يرى السيف، إيش معنى كان يرى السيف؟ يعني يرى رأي الخوارج، البخاري خرج له، مما يدل على أن هذا القول فيه ما فيه، ولو ثبت أنه كان يرى رأي الخوارج، فهذا النوع من الابتداع عند أهل العلم لا يؤثر في الرواية، لا يؤثر في الرواية، لماذا؟ لأن المعروف من رأي الخوارج أنهم يكفرون بالكبيرة، والكذب كبيرة، فلا يجرؤون على الكذب، فلا يجرؤون على الكذب، وحينئذ يكون هذا النوع من المبتدعة ممن يرى تعظيم شأن الكذب أولى بالقبول من غيره، وإن كانت البدعة قادحة على ما سيأتي تفصيل الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-، على أن الأئمة دافعوا عن عكرمة، دافعوا عنه، وذكروا ما يضعف هذا القول، كالحافظ الذهبي -رحمه الله- في السير، وابن حجر في مقدمة "فتح الباري"، دافعوا عنه، ونفوا عنه هذه التهمة، وعلى كل حال البخاري احتج به، ومادام احتج به البخاري؛ فقد جاز القنطرة:
. . . . . . . . . ... كمن أولي الصحيح خرجوا له
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق. . . . . . . . .
عمرو بن مرزوق الباهلي، لكنه لا على سبيل الاحتجاج، وإنما على سبيل المتابعة:
. . . . . . . . . ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
كإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، فيهم كلام لأهل العلم، ومع ذلك خرج لهم في الصحيح، فدل على أن البخاري لم يلتفت إلى هذا التضعيف، ونحن إذا وقفنا على مثل هذا التضعيف، ووجدنا البخاري -رحمه الله-، إذا وجدنا مثل هذا التضعيف توقفنا حتى نجد مثل هذا الاحتجاج من البخاري، وحينئذٍ لا نلتفت إلى مثل هذا التضعيف "واحتج" يعني وكذا احتج الإمام "مسلم" في صحيحه " بمن قد ضعف":
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... . . . . . . . . .(17/21)
يعني من غيره، يعني من غيره "نحو سويد" وهو ابن سعيد الحدثاني أبو محمد "إذ بجرح" يعني مطلق غير مفسر "إذ بجرح ما اكتفى" مسلم؛ لأن سويداً صدوق في نفسه، كما قاله جماعة من أهل العلم، وقد ضعفه آخرون؛ لأنه لما عَمَي صار يلقن فيتلقن، لما عمي صار يلقن فيتلقن، ولا شك أن هذا جرح، لكن تخريج الإمام مسلم له لعله خرج له ما تحمله قبل ذلك، ما تحمله قبل ذلك؛ لأنهم قد ينتقون من أحاديث الراوي المختلط مثلاً، مما يجزمون بأنه حدث به قبل الاختلاط، أو قبل قبول التلقين، يعني قبل اختلال الضبط عنده، وأداه على الوجه الصحيح قبل ذلك، والدليل على ذلك موافقة الرواة الثقات له، لكن لو خولف من قبل الثقات قلنا: إن هذا إنما حدث به بعد الاختلاط، أو حدث به بعد أن عمي، وصار يقبل التلقين:
واحتج مسلم بمن قد ضعفا ... نحو: سويد إذ بجرح ما اكتفى
قلت:. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
القائل الحافظ العراقي، وهو من زوائده على ابن الصلاح:
قلت: وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
"قلت: وقد قال" في رد السؤال المذكور "أبو المعالي" الجويني في البرهان "واختاره تلميذه" أبو حامد "الغزَّالي" بالتشديد، وإن اشتهر على ألسنة الناس التخفيف، وإلا الأصل التشديد، عكس الباقِلاني، يعني اشتهر على ألسنة الناس التشديد، وهو بالتخفيف.
قلت: وقد قال أبو المعالي ... . . . . . . . . .
إما الحرمين في البرهان،
. . . . . . . . . ... واختاره تلميذه الغزالي
يعني في المستصفى "وابن الخطيب" فخر الدين الرازي محمد بن عمر، اختاروا وقالوا:
. . . . . . . . . الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
يعني يحكم بما أطلقه، سواءٌ في الجرح، أو في التعديل إذا "أطلقه العالم بأسبابهما" أي بأسباب الجرح، والتعديل، وهذا هو القول الرابع الذي أشرنا له في أصل المسألة.(17/22)
قد يقول قائل: هؤلاء ويش علاقتهم بعلوم الحديث من أجل أن تنقل أقوالهم؟ هؤلاء أهل نظر، وليسوا من أهل الأثر، وبضاعتهم في الحديث مزجاة، صرحوا بذلك، أو لم يصرحوا، منهم من صرح، ومنهم من واقع كتبهم يدل على ذلك، الغزالي يذكر عن نفسه أن بضاعته في الحديث مزجاة، والرازي ذكرنا قصة أظن ذكرناها لكم في تفسير سورة العصر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(17/23)
لا، هو الرازي الأصل ثم الألوسي، الأصل الرازي في هذه المسألة، يعني ذكر قصة في تفسير سورة العصر: أن امرأة في أسواق المدينة تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تسأل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فدلت عليه، فقالت: إنها شربت الخمر، ثم زنت، فولدت من الزنا، فقتلته، وقال لها ما قال على حسب هذا الحديث المخترع، المختلق، المصنوع، ولم يذكره غيره، مع أن الرازي نفسه ذكر أن الحديث إذا لم يوجد في الدواوين المعتبرة، دواوين السنة المعتبرة أن هذا من علامات الوضع، وهو ما عزاه لأحد، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- على حسب هذا الخبر فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: "أما شرب الخمر ففيه الحد، وأما القتل ففيه الوعيد الذي جاء في سورة النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [(93) سورة النساء]، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر"، هذا ذكره الرازي في تفسيره، ونقله عنه الألوسي، والرازي يطبقون على تسميته الإمام، كل من فسر القرآن على طريقة التأويل، التي لا تعتمد على الأثر، يعني التفسير بالرأي، كل أصحاب التفسير بالرأي، أو من أهل الفقه، والأصول، وأهل النظر يسمونه الإمام، فإذا قالوا: قال الإمام انتهى، انتهى الإشكال، انطلق إلى الرازي، ولا ينازع في ذلك عندهم، وإلا هو ليس بإمام، نعم إمام، إمام فيما؟ في بدعته، نعم إمام، منظر لمذهبه، لكن الألوسي نقل الخبر، وقال: تفرد بذكره الإمام، ولعمري إنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث، الذي لا يعرفه أهل الحديث موضوع بلا شك، وهو إمام في ذكر الموضوعات التي لا يعرفها أهل الحديث، على أن تفسير الرازي -يعني كاملاً- لا يمكن نسبته إلى الرازي، نعم الرازي له قسم كبير منه، له قسم كبير منه، وفيه خروم أُلحقت به، يعني كمل التفسير، وليست متواصلة، وإن كان بعضهم يرى أن الربع الأخير، أو ما يقرب من الثلث، أو أقل من ذلك، يعني يختلفون في تحديد ما صاغه الرازي مما صيغ بعده، وأساليب الكتاب تتفاوت من موضع إلى آخر، يدل على أنه تعاقب على تأليف الكتاب أكثر من شخص.(17/24)
على كل حال هؤلاء المذكورون لا علاقة لهم بعلم الحديث، ولذا ينادي بعض الغيورين على السنة بترك، وهجر أقوالهم في هذا العلم الشريف؛ كيف ننقل كلام الغزالي، وهو يقول: إن بضاعته في الحديث مزجاة؟ كيف ننقل كلام الرازي، وقد سلط على أهل السنة، وأهل الأثر، وقدح في ابن خزيمة، إمام الأئمة؟ يعني عند قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، قال: "وألف محمد بن إسحاق بن خزيمة .. " ورماه بأبشع الأوصاف " .. كتاباً أسماه كتاب التوحيد، وحري به أن يسمى كتاب الشرك" هذا ليس من أهل السنة، بل عدو للسنة هذا -نسأل الله العافية-؛ لأن بعض الناس يرتكب مذهباً، لكن ما ينازع، ويشاق، ويورد شبه، وينظر، ويدافع بقوة مثل الرازي، فيختلف حكمه عن حكمه، فهل يعتبر أقوال مثل هؤلاء؟ أقول: ينادي بعض الغيورين بتجريد كتب علوم الحديث من أقوال هؤلاء، وأنا أقول: إن ذكر أقوالهم لا مانع منه؛ لماذا؟ لأن علوم الحديث فيها ما عمدته الرواية، والنقل، هذا لا علاقة لهم به، ما عمدته الرواية، والنقل، هذا لا علاقة لهؤلاء به، وما عمدته على الرأي، والنظر، فهؤلاء أقوالهم تفيد في هذا الباب، يعني طالب العلم الذي عنده من الغير ما يقول: ليش، لماذا نذكر أقوال هؤلاء؟ إذا دققنا في المسألة، وجدنا أننا، ونحن نتصدى لعلم الحديث مثلهم، هم بضاعتهم مزجاة، ويمكن محفوظاتهم أكثر من محفوظاتنا، يعني طالب العلم الذي ينادي بمثل هذا إن كان لديه من المحفوظ ما يؤهله لأن يقول مثل هذا الكلام، ويتكلم في علوم الحديث بعمق، ويعتمد على أقوال الأئمة، ويدرك أقوال الأئمة؛ نقول: ما يخالف، لك الحق أن تقول .. ، لكن إذا كنت لا تحفظ شيئاً من الحديث، وتعاملك مع علوم الحديث مثل تعاملهم، إنما هو بالرأي، يعني تظنون أن كثيراً ممن تخصص في علوم الحديث يصنَّف مثل أبي حاتم، ومثل أبي زرعة، أو مثل الرازي، والغزالي ومثل غيره، المسألة مسألة رأي؛ لأن من مباحث علوم الحديث ما يدرك بالرأي، منه ما يعتمد على الرواية، هذا لا دخل لنا لا نحن، ولا هؤلاء فيه، ما عندنا من المحفوظات ما يؤهلنا إلى أن ندخل في مثل هذا المجال، مثل الأئمة الكبار الذين(17/25)
يحفظون مئات الألوف، لكن هناك أمور، يعني مثل مسألة: ذكر السبب، ذكر السبب، ما ذكر فيها لا في الحديث، ما في حديث يدل على أنه يذكر السبب في الجرح، أو يذكر السبب في التعديل، ولا فيه نقل عن الأئمة أنه يذكر كذا، أو كذا، إنما فيه رأي، الذين قالوا لا بد من ذكر السبب، وهم الجمهور؛ لأن الجرح يحصل بشيء واحد، والتعديل يحصل بأمور كثيرة، والذين قالوا العكس، يعني هل هذا مرده رواية، أو نظر؟ نظر بلا شك، فعندهم من النظر مثل ما عندنا في هذه الأمور، يعني ابن الصلاح حينما نسب إلى الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة نسب لهما أن صيغة "أنَّ" تختلف عن "عن"، فـ"عن" محمولة على الوصل، و"أنَّ" محمولة على القطع، يعني منقطعة:
. . . . . . . . . ... وحكم "أنَّ" حكم "عن" فالجل
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريج(17/26)
فقال: قال أحمد، ويعقوب بن شيبة: أنها لا تفيد الاتصال، وإنما هي منقطعة، ثم أورد خبراً، ثم أورد خبراً يستدل به على أن الإمام أحمد يرى أن "أنَّ"، و"عن" مختلفتين، مختلفتان فـ"أنَّ" تفيد القطع، ولا تفيد الوصل، و"عن" تفيد الوصل، ففي حديث عن محمد بن الحنفية: "أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-" قال الإمام أحمد، ويعقوب بن شيبة: منقطع، وعن محمد بن الحنفية عن عمار: "أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-"، قال: متصل، فهم نظروا إلى الصيغة بين إيش؟ الخبرين، بين الروايتين، لكن هل هذا هو المحس، هل هذا هو سبب اختلاف الحكم؟ أو أن المسألة تدرك برأي؟ هذه المسألة لا يكفي فيها رواية، هذه لا بد من إعمال الذهن فيها، ليش حكم الإمام أحمد على الرواية الأولى بأنها منقطعة، والثانية متصلة؟ حكم على الأولى بأنها منقطعة أن محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها: أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يحكي قصة لم يشهدها، والقصة الرواية الثانية عن عمار عن محمد بن الحنفية يحكي القصة عمن حصلت له، يرويها عنه، يعني أنا لما أحدثك بحديث عن شيخ أنت ما أدركته، مات قبل أربعين سنة مثلاً، أنت ما أدركته، وأحكي القصة لك، وتنقلها عني، أنه حصل لي كذا، تنقلها عني، أنت ما شاهدت القصة، لكن أنت تنقلها عن طريقي، لكن لما تقول: أن فلاناً حصل له مع الشيخ الفلاني كذا، أنت تروي قصة لم تشهدها، ولم ترويها عن صاحبها، إذن هي منقطعة، فمثل هذه الأمور تدرك بالرأي، لو الواحد ما يروي ولا حديث؛ عرف الفرق بين الصيغتين، بينما هناك أمور معتمدة على الرواية لا دخل لهؤلاء، ولا لأمثالهم ممن ليس من الحفاظ في مثلها بل تترك للأئمة، عرفنا الفرق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(17/27)
هم يطالبون بتجريد، تجريد كتب المصطلح، لو جردت ما ضرها يعني، لكن ما في إشكال في أنها فيها لفتات، وفيها شيء من الإدراك لهؤلاء الأصوليين، وقد عرفوا بشيء من إعمال النظر، ولذلك يقال لهم: أهل النظر في مقابل أهل الأثر، فننتبه لمثل هذا؛ لأن هذه الدعوة ما في شك أنها دعوة مردها، وسببها الغيرة على السنة، الغيرة على السنة، وهؤلاء عندهم شيء من مخالفة السنة، فلا ينبغي أن يعول عليهم في مثل هذه المباحث، لكن أنا أقول: إذا كان مرد المسألة، ومناطها رأي؛ فهم يدخلون بلا شك، ودخولهم مثل دخولنا، اللي ما نحفظ من السنة إلا مثل ما يحفظون، وإذا كانت المسألة مناطها أثر ورواية؛ فلا مدخل لهم فيها، يعني هل يمكن يعارض أبو حاتم إذا قال: الصواب مرسل، قال الغزالي: الصواب متصل، يمكن يعارض هذا بهذا؟ أبداً، ما يمكن أن يعارض هذا بهذا أحد، ولا يمكن أن يجرؤ أحد، ولو كان ممن يتبع الرازي على بدعته، أو الغزالي، أو غيره، ما يمكن أن يجرؤ أحد على مثل هذا، يعارض الأئمة بمثل هؤلاء أبداً، لكن الأئمة أطلقوا أحكام منها ما لا يدرك البتة إلا بمثل ما يصنعون، هم جمعوا الطرق، وخزنوها في أذهانهم، يضاهيهم، أو يقرب منهم من يجمع الطرق في الأوراق، أو في الآلات قد، فمن يجمع الطرق يصل إلى ما وصلوا إليه إذا تأهل، هناك أشياء لا يمكن الوصول إليها إلا إذا ساويناهم، يعني هل بإمكان شخص من تلقاء نفسه، يقول أبو حاتم: الصواب مرسل، ثم يقول: لا، الصواب متصل، من أجل أن ينقل عن إمام يضاهي أبا حاتم؟ فمثل هذه الأمور لا بد من النظر فيها، وأحياناً يحذف قول في باب من الأبواب، فيبقى الباب غير مترابط، يبقى الباب غير مترابط، يعني لو الأقوال الأربعة التي ذكرناها في مسألة بيان الجرح، والتعديل، إذا حذف قول من هذه الأقوال ما يكون في المسألة خلل؟ نعم، لكن غير متكاملة؛ لأنها أقوال متقابلة، وعللها متقاربة، فإذا حذفت هذا القول لأنه اختاره الغزالي مثلاً، أو الباقلاني على ما تقدم ذكره، يعني المسألة تختل، لكن إذا سردت جميع ما قيل في المسألة تصورتها على وجهها، تصورتها على وجهها، وأعود، وأكرر أن هؤلاء تلبسوا ببدع، تلبسوا ببدع، وبعض الناس يطالب، وهذا لا شك أن سبب(17/28)
مرده الغيرة على السنة، يقول: تنقح كتب المصطلح حتى من مسائل الأصول، حتى من مسائل الأصول، لكن هناك تداخل بين مسائل المصطلح، ومسائل الأصول، يعني بحث السنة مبحث كبير بل قطب يبحث في كتب الأصول، هل نقول: لا ندرس الأصول، أو نحذف السنة من كتب الأصول، ونحرم من أراد أن يتخصص؟ وهو لا بد من دراسة المصطلح في كتب الأصول؛ لأنه لا يتم له الاستدلال إلا بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والأصول المختلف فيها عاد معروفة، فإذا أراد أن يحتج لا بد أن يبحث له في كتب الأصول نعم عن مباحث السنة، أو نقول: نرفع هذا القسم من كتب الأصول، وندخل فيه متن من متون المصطلح المعروفة عند أهل العلم، يعني نقرأ كتب الأصول، وننظر فيها، ونتفحصها، ونقبل الحق، ونرد غيره، والمتأهل حقيقة لا يقف في طريقه مثل هذه الأقوال.
قلت: وقد قال أبو المعالي ... واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق أن يحكم بما ... أطلقه العالم بأسبابهما
أي بأسباب الجرح والتعديل، وقلنا: أن هذا القيد، واشتراط كونه عالماً بالأسباب لا أثر له؛ لأنه لا يقبل الجرح، والتعديل إلا من العالم بأسبابهما، سواء بيَّن، أو لم يبيِّن، لا بد أن يكون عارفاً بأسبابهما على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
الفصل الخامس من الفصول الثلاثة عشر:
وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر(17/29)
أي الجمهور، جمهور أئمة الأثر قدموا الجرح على التعديل مطلقاً، وإن كان المعدلون أكثر عدداً؛ لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، يعني إذا قال فلان، عالم من أهل العلم: فلان ثقة، وقال الثاني: ضعيف، وقال الثاني: ضعيف، فهذا المضعف عنده زيادة علم خفيت على المعدل، هو يقول: أنا مع المعدل في كل ما يقول، يصوم، ويصلي، ويزكي، وظاهره الخير -إن شاء الله تعالى-، ولا يرتكب محظوراً في الظاهر، لكن أنا اطلعت منه على أشياء ما عرفها المعدل، ولذا قدموا الجرح؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، إذا كثر عدد المعدلين منهم من يقول: نحتاج إلى مرجح؛ لأن هذا ترجيحه بالكثرة، وهذا ترجيحه بزيادة العلم التي خفيت، لكن الخطيب على ما سيأتي يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل الواحد، وتعديل المائة واحد، يشهدون له بالظاهر، أما هذا الأمر الذي خفي على الواحد مما يجرح به يخفى على المائة، يخفى، وإلا ما يخفى؟ جرح ما اطلع عليه إلا شخص، وقال: هذا الشخص يشرب، وأنتم ما تدرون عنه، اللي ما يدري عن هذا الشخص يبي يعدله، والذي يعرف عنه هذا الجرح بيجرح، ويضعف، فالذي يخفى على الواحد يخفى على العدد.
وقدموا الجرح وقيل: إن ظهر ... من عدل الأكثر فهو المعتبر
"من عدل الأكثر" حال بزيادة "أل" حال، هاه، من عدل الأكثر؛ هل يجوز أن يكون الحال معرفة؟ يجوز، وإلا ما يجوز؟ "جاء زيد راكباً" يجوز، وإلا ما يجوز؟ إلا إذا أول بنكرة:
والحال إن عرف لفظاً فاعتقد ... تنكيره معنىً كـ"وحدك اجتهد"
لا بد أن يؤول نكرة، وهنا الأكثر فيه "أل" حال كونهم أكثر، فهو أي التعديل المعتبر؛ لأن الكثرة تقوي الظن بعدالته، والخطيب يقول: هذا خطأ؛ لأن تعديل واحد، أو أكثر لا فرق في مقابل قول الجارح؛ لأن عنده زيادة علم خفيت على المعدل.(17/30)
وبعده الفصل السادس في تعديل المبهم: عرفنا المسألة السابقة في تقديم الجرح والتعديل، يعني راوٍ وجد فيه جرح، وتعديل، راوٍ وجد فيه جرح، وتعديل، فيقدم الجرح؛ لأن مع الجارح زيادة علم، وهذا يتطلب تفسير الجرح، تفسير الجرح؛ لأنه في مقابل تعديل، أما إذا لم يكن في مقابل تعديل؛ فيقبل من العالم، فيقبل ممن يقبل قوله في الجرح، أما إذا كان في مقابل تعديل، فلا بد من بيان السبب؛ ليكون، لنعرف هل خفي على المعدل، أو لا؟
في هذه المسألة –أيضاً- لو قال المعدل: أنا عرفت السبب الذي من أجله جرح، لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق معتبر، بأن قال: أنا أعرف أنه كان يشرب الخمر، لكن على يدي منذ شهر ما شرب، وتاب، وندم، وأقلع فوراً، فنقول: إنه إن ما مع الجارح لم يخف على المعدل، بل عرفه المعدل، وحكم بأنه حسنت حاله، واستقام بعد هذا الجرح، فمثل هذا يعتبر.
لو نفاه بطريق معتبر، لو نفى الجرح، قال الجارح: ضعيف مجروح؛ لماذا؟ قال: لأنه قتل فلان يوم الخميس، فقال المعدل: أنت تقول قتله متى؟ قال: يوم الخميس، قال: صلى بجواري يوم الجمعة، هذا اللي تزعم أنه مقتول، فنفاه بطريق معتبر، فهل يعتبر قول الجارح، أو لا يعتبر؟ لا يعتبر؛ لأنه لا قيمة له، فمثل هذه الأمور لا شك أن لها أثر في مثل هذا.
الفصل السادس: في تعديل المبهم:
قال -رحمه الله-:
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
"ومبهم التعديل" أي تعديل المبهم، لو قال: حدثني الثقة، عدله على الإبهام، لو قال العالم المحدث: حدثني الثقة.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب. . . . . . . . .(17/31)
البغدادي أبو بكر "والفقيه" أبو بكر "الصيرفي" وأبو نصر بن الصباغ؛ لأنه لا يلزم من كونه عدلاً عنده أن يكون عدلاً عند غيره، لا بد أن يسميه، لا يقول: حدثني الثقة، ويسكت، بل لا بد أن يذكر اسمه؛ لأنه، لكي يعرض أمره، ويعرف؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، لكن ليس بثقة عند غيره، فكم من شخص قال: حدثني الثقة، فلما سماه صار عند غيره ليس بثقة، الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: حدثني الثقة، ويقصد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى، والحفاظ كلهم على تضعيفه، وتفرد بتوثيقه، حتى من يقلد الإمام الشافعي يضعف إبراهيم بن أبي يحيى، فلا بد من تسميته، ويقال في هذا البيت، يعني حينما اقتصر على الفقيه الصيرفي، واقتصر –أيضاً- كل أهل المصطلح نسبوا هذا القول للصيرفي، وابن الصباغ، وغيرهم من أهل النظر، قالوا: إن مثل هذا يدرك بمثل هذا النظر، يعني كون الراوي، أو الإمام يروي عن راوٍ، ويبهمه، ويقول: حدثني الثقة، هذا كلٌ يدركه، يدرك أنه قد يكون ثقة عنده، وقد لا يكون ثقة عند غيره، والدليل في ذلك الاختلاف بين العلماء في الرواة المسمَّين، تجد هذا العالم يقول: ثقة، والآخر يقول: ضعيف، فيحتمل –أيضاً- أن هذا المبهم من هذا النوع، بل قال بعضهم: إن عدم التسمية تقوي الظن بضعفه، تقوي الظن بضعفه، يعني كما هو شأن المدلسين الذين يدلسون على الضعفاء؛ لأنه لو ذكر اسمه ما قبل الخبر، ومثل هذا يقول: حدثني الثقة، لا يظن بالإمام أنه يريد أن يغش الأمة بهذا الخبر، لا، وإنما هو ثقة عنده، هو ثقة عنده، والخبر ثابت عنده، ولذا لا يتصور منه الغش، والمسألة مفترضة في إمام من أئمة المسلمين، حماة الدين، حماة السنة، فمثل هذا قالوا: يقوي الظن بضعفه؛ لأنه ما أبهمه إلا لغرض، كما أن المدلس ما أسقط الراوي الذي حدثه إلا لغرض، قد يكون غرض -وهو الأصل- أنه غرض حسن؛ لكي لا يرد الحديث الذي تحتاج إليه الأمة مع جزمه بصحته عنده، لكن قد لا يصح عند غيره "وقيل يكفي" وقيل يكفي يعني تعديله، كما لو عينه؛ لأنه مأمون في الحالين، مأمون في الحالين، إمام ثقة، إمام من أئمة المسلمين، وهو مؤتمن على السنة، سواءٌ سمى، أو لم يسمِّ، وقيل: يكفي، وهذا القول ماشي على قول من يحتج بالمرسل، بل هو(17/32)
أولى، بل هو أولى من قبول المراسيل،
وقيل: يكفي نحو: قالا ... . . . . . . . . .
ألف الإطلاق "حدثني الثقة" أو العدل، أو المرضي "بل" صرح الخطيب بأنه "لو قالا" بالإطلاق –أيضاً-: "جميع أشياخي ثقات" لو قال:
جميع أشياخي ثقات ولو لم ... أسمِّ لا يُقبل من قد أبهم
يعني لو قعد قاعدة قال: جميع أشياخي ثقات، فلا يلزم إن سميت فهو ثقة، وإن ما سميت فهو ثقة "لا يقبل من قد أبهم" لما ذكر قبله؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، يعني اجتهاده أداه إلى هذا، اجتهاده الذي رأى أن ذمته لا تبرأ إلا به أداه إلى هذا؛ لأن الكلام في الرواة لا يمكن فيه الاحتياط، لا يمكن فيه الاحتياط، ما فيه إلا جزم يضعف، وإلا يوثق، ليش؟ لماذا؟ لأنك إن احتطت، وضعفته احتياطاً للسنة، وأن لا يثبت منها إلا ما هو ثابت بيقين حرمت الناس من العمل بحديث قد يكون ثابتاً، وإن احتطت من الطرف الآخر، ووثقت هذا الراوي، وقلت: بدلاً من أن يترك الناس العمل بهذه السنة من أجل تضعيفي لهذا الراوي، فقد جعلتهم يعملون بما لا يجوز العمل به.
إذا قال الشيخ، أو العالم، أو الإمام: جميع أشياخي ثقات، يعني ولو لم أسمهم، ثم روى عمن لم يسمه لا نقبل –أيضاً- من قد أبهم؛ لما ذكر؛ لأنه قد يوثق من ليس بثقة، لا لهوى في نفسه، حاشا، ومعاذ الله أن يتهم أئمة الإسلام بهذا، لا لهوى في نفسه، وإنما لمخالفة باجتهاد، اجتهاده أداه إلى هذا، وهناك من يقول: يُقبل، من العلماء من يقول: يقبل مطلقاً، مثل ما قالوا في الأول: يكفي، هذا قعد قاعدة، فقال: يقبل، أشياخه ثقات، القول الأول أنه لا يقبل، الثاني أنه يقبل.
أيهما أولى بالقبول إذا حدثني الثقة، ويريد به شخصاً واحداً، أو قال: جميع أشياخي ثقات؟ الأول أولى بالقبول؟
طالب:. . . . . . . . .
أولى؟
طالب: نعم.
لماذا؟
طالب: جميع أشياخي، الإشكال في الجميع؟(17/33)
لا، من جهة أخرى، يعني الأول أولى بالقبول؛ لأنه حينما قال: حدثني الثقة يذكره، يعرف، ويذكره، وحكم عليه بالتوثيق، لكن لو قال، وقعد قاعدة، وقال: جميع أشياخي ثقات، نعم، قد يغفل عن هذه القاعدة التي قعدها، قد يغفل عن هذه القاعدة التي قعدها، لكن لو نص عليه في السند أنه ثقة، أولى بالقبول؛ لأنه يتذكر حال كتابته حال هذا الراوي، لكن قعد قاعدة، يعني أنا أعرف مثلاً على من باب التنظير الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- ذكر في المقدمة أنه لا يذكر في الشرح حديثاً، ويسكت عنه إلا وهو صحيح، أو حسن، هذه قاعدة عنده، لكن وهو يشرح في أثناء الكتاب قد يغفل عن هذه القاعدة، ولذا استدرك عليه أحاديث سكت عنها في الفتح، ومع ذلك لا تصل إلى درجة الحسن، بل فيها الضعيف، واضح، وإلا ما هو بواضح؟ لأن الإنسان قد يقعد قاعدة، أو يشترط شرطاً في كتابه، ويغفل عنه في أثناء الكتابة، ولا يلام؛ لأنه بشر، فالتنصيص على الواحد أولى بالقبول من الحكم العام.
وبعض من حقق لم يرده ... . . . . . . . . .
أي تعديل المبهم إن صدر "من عالم" مجتهد متبوع، كمالك، والشافعي، وأحمد "في حق من قلده":
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
يعني قال الإمام أحمد: حدثني الثقة، يلزم جميع الحنابلة أن يوثقوا هذا الراوي، وأن يقبلوا هذا الخبر؛ لأنهم يقلدون الإمام في الحكم، في الخلاصة يقلدون الإمام، فكيف بوسائل الحكم؟ وقل مثل هذا في حق الشافعية، على الشافعية أن يقبلوا قول الإمام في توثيق الراوي، ولو تفرد بتوثيقه، أو لم يسمه، بل وثقه على الإبهام، وقل مثل هذا في المالكية، يلزمهم أن يقبلوا قول إمامهم؛ لأنهم يقبلون في النتائج، فكيف بالوسائل، يقبلون قول الإمام إذا قال الإمام يحرم كذا تبعوه، فعلى هذا يلزمهم التقليد في الوسائل، وأظن هذا القول ظاهر.
وبعض من حقق لم يرده ... من عالم في حق من قلده
يعني في مذهبه؛ لأن تقليده في الحكم؛ لأنه يقلده في الحكم ففي التصحيح، أو التضعيف من باب أولى.
ثم بعد هذا قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له(17/34)
"ولم يروا فتياه" لم يرو الضمير يعود على جمهور أئمة الأثر، فتياه، أو فتواه، يجوز هذا، وهذا، أو فتواه أي العالم، سواءٌ كان هذا عن المجتهد، أو مقلد، وهي في المجتهد أظهر:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له
"تصحيحاً لهذا المتن" يعني أفتى الأئمة، وأجمعوا على أن الماء، الماء إذا خالطته النجاسة، ولم تغير لونه، ولا طعمه، ولا ريحه أنه طاهر، وبالمقابل أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه نجس، هذا محل إجماع، أما في الأصل، في المسألة الأولى منهم من يفرق بين القليل والكثير، ومنهم من لا يفرق، هذه مسألة ثانية، لكن مسألة المفهوم، أنها إذا غيرت أحد أوصافه أنه ينجس بالإجماع، وفي الباب حديث، حديث أبي أمامة، وغيره أن: ((الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه)) إجماع العلماء على مفاد هذه -هذا الاستثناء- لا يعني أن هذا الاستثناء صحيح، وإن أفتوا بموجبه، ففتوى العالم بمقتضى حديث لا يعني تصحيح الحديث، كما أن فتواه بمخالفة حديث لا تعني تضعيف الحديث، لماذا؟ لأنه حال الفتوى بالمقتضى، بمقتضى الخبر احتمال أن يكون عمل بحديث آخر، أو بمجموع طرق، أو بقواعد عامة، لا يعني أن هذا الحديث هو معوله، وعمدته، وبالمقابل فيما إذا أفتى بمخالفة الحديث؛ لأنه قد يفتي بمخالفة حديث صحيح لمعارض راجح؛ لأن عنده من الحديث ما يخالفه مما هو أرجح منه، أو لناسخ مثلاً:
ولم يروا فتياه أو عمله ... على وفاق المتن تصحيحاً له
يعني ولا تعديلاً لراويه؛ لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطاً، أو لدليل آخر، أو لدليل آخر، ويجوز أن يروي عن غير عدل، يجوز أن يروي عن غير عدل، وقيل: تعديل مطلقاً، يعني تعديل للراوي تصحيحه للحديث، وعمله بالحديث، عمله بالحديث تصحيح له، وتوثيق لراويه، وقيل: إن كان، هذه المسألة مسألة العمل بمقتضى خبر من قبل العالم، أو خلاف الخبر.(17/35)
شرح ألفية الحافظ العراقي (18)
(تابع معرفة من تقبل روايته ومن ترد)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير(18/1)
هذه المسألة، مسألة العمل بمقتضى خبر من قبل العالم، أو خلاف الخبر، لا تقتضي التصحيح في حال العمل بمقتضاه؛ لأنه قد يعمل به مع غيره، أو لدخوله في قواعد عامة، ومثلنا بالاستثناء إلا ما غلب على لونه، أو طعمه، أو ريحه، ضعيف باتفاق الحفاظ، ومع ذلك الحكم متفق عليه، فلا يعني هذا أنه صحيح، ومسألة العكس، إذا ترك العمل بحديث، فلا يعني أن هذا تضعيف؛ لأنه قد يعمل بمخالفه مما هو أرجح منه، وقد يكون منسوخاً عنده، وقد يكون كما يعتذر به عن الأئمة، قد يكون الخبر قد خفي عليه، ما بلغه الخبر، ولذلك تجدون الأئمة قد تكون لهم فتاوى، يصدر منهم فتاوى مخالفة لأحاديث صحيحة، فإما لكونه معارض بما هو أرجح منه، أو لكونه لم يبلغه، أو لأن فهمه للخبر غير فهمك للخبر، أنت تظن أن هذا الإمام رد الخبر، وهو في الحقيقة قد عمل بالخبر على فهمه، ففي حديث: ((وعرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة))، لما تسمع أنه عند المالكية أن عرنة موقف، هل تقول إن الإمام مالك رد هذا الخبر، أو ما بلغه الخبر؟ بلغه الخبر، وعمل بالخبر، لكن على حسب فهمه هو، لا تفرض فهمك عليه، يقول: لو لولا أن عرنة من عرفة ما استثنيت، ما قال ارفعوا عن مزدلفة، ولا ارفعوا عن منى، لكن هي منها، يأثم الذي يقف؛ لأنه خالف الأمر، لكن وقوفه صحيح، هو فهم هذا، والجمهور قالوا: لما نهي عن الوقوف فيها إذن ليست من عرفة، فقد يكون عدم أو عمله بالخبر على خلاف ما تفهم أنت، ولشيخ الإسلام -رحمه الله- من الاعتذارات عن الأئمة في كتابه: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" كلام طيب جداً؛ لأن بعض طلاب العلم، بعض طلاب العلم يقعون في الأئمة وأنهم يخالفون النصوص، لا سيما بعد الهجمة على التقليد، على التقليد، ومطالبة الناس كلهم بما فيهم الطلاب المبتدئون بالتفقه من الكتاب والسنة، شوف الشافعي كم خالف من حديث، أحمد كم خالف من حديث؟ انظر كتب الحنابلة، ويش تشتمل عليه؟ كتب الحنفية حدث، ولا حرج، وهكذا، نقول: لا يا أخي، شوف الإمامة لشيخ الإسلام ابن تيمية حين اعتذر عن هؤلاء الأئمة، يعني هل يظن بالإمام أحمد أنه يخالف خبراً صحيحاً لا يحتمل تأويلاً، وهو ناصر السنة؟ هل يظن بمالك نجم السنن مثل هذا؟ أبداً(18/2)
ما يظن بالأئمة مثل هذا، لكن لا بد لهم من عذر، وهذه الأعذار جاء على كثير منها شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام، فعلى كل طالب علم أن يراجع هذا الكتاب، ويفيد منه.
وليس تعديلاً على الصحيح ... رواية العدل على التصريح
يعني إذا قال إمام من الأئمة: حدثنا فلان، هل هذا يقتضي عدالة هذا الراوي عند من روى عنه؟ لا "وليس تعديلاً" لمن يروي عنه العدل، المحدث العدل "على الصحيح" الذي عليه أكثر العلماء "رواية العدل على" وجه "التصريح" باسمه؛ لأنه يجوز أن يروي عن غير عدل، يجوز أن يروي عن غير عدل، وكتب السنة باستثناء الصحيحين فيها من الرواة الضعفاء، وفيها من الرواة شديدي الضعف، وفيها من الرواة متوسطي الحال، وفيها من الرواة الثقات الكثير، فرواية الإمام أحمد عن راوٍ في مسنده لا يعني أنه يوثق هذا الراوي، رواية الترمذي ليست توثيقاً، رواية النسائي ليست توثيقاً، وهكذا.
الشيخ أحمد شاكر يرى -رحمه الله- أن تصحيح الترمذي معتبر، وأن تصحيحه تعديل وتوثيق للرواة، هذا رأي الشيخ أحمد شاكر، ولا شك أن هذا تساهل شديد أكثر من تساهل الترمذي الذي يرمى به، فالترمذي قد يصحح الخبر، ويقول: حسن صحيح؛ لما سيذكره من الشواهد، وفي الباب عن فلان، وفلان وفلان، ويكون في سند الحديث الأصل من فيه ضعف، فليس تصحيح، وتضعيف، تصحيحه توثيق لرواة الخبر، وإن قال الشيخ أحمد شاكر ما قال -رحمه الله-.
. . . . . . . . . ... رواية العدل على التصريح(18/3)
ومنهم من يقول: المسألة مفترضة في إمام يروي حديثاً من طريق رواة، إذا روى عن ضعيف؛ معناه أنه غش الأمة، كيف يروي عن ضعيف؟ إلا أنه ثقة عنده، ولكن هذا القول يرده واقع كتب السنة، يرده واقع كتب السنة، منهم من يقول: إن كان لا يروي إلا عن ثقة؛ لأن من أهل العلم من لا يروي إلا عن ثقة، يعني هذه قاعدته، وهذه جادته، أنه لا يروي إلا عن ثقة، يكون توثيقاً، وحصر من لا يروي إلا عن ثقة، وجد جمع يقربون من عشرين لا يروون إلا عن ثقة، لكن الواقع في كتبهم، وفي مروياتهم أنهم يروون عن الثقة، وغير الثقة، لكن الغالب الثقات، فممن قيل فيه أنه لا يروي إلا عن ثقة الإمام أحمد -رحمه الله-، وبقي بن مخلد، حتى قالوا في أبي داود أنه لا يروي إلا عن ثقة، لكن أشدهم تحرياً في الرواة مالك، مالك -رحمه الله- هو الذي أشدهم تحرياً، وهو أقربهم إلى تطبيق هذه القاعدة، ومع ذلك روى عن غير ثقات، كما ذكرنا في ابن أبي المخارق، وواقع المسند فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، بل فيه ما حكم بوضعه، وهي تسعة أحاديث، وإن نازع من نازع في مسألة الوضع، وأنه قد يكون فيه الخطأ، لا ما تعمده الرواة بالكذب، قد يقع فيه الخطأ، وفيه تسعة أحاديث، هناك كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والحافظ العراقي له كراسة في بيان الأحاديث الموضوعة، وللحافظ ابن حجر القول المسدد في الذب عن المسند، وكلام كثير يعني في المسألة، فرواية العدل الثقة عن الراوي لا تعتبر توثيقاً له، ولا تعديلاً له، نعم رواية الشيخين تعديل، وتوثيق عملي، توثيق عملي للراوي.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .(18/4)
يعني رواية الراوي من الصحابة مثلاً، هذا الكلام في الأئمة الذين يفتون، إذا روى الصحابي حديثاً، وأفتى بخلافه، كما روى أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- حديث: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعاً، ويعفر الثامنة بالتراب)) روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يفتي بأن الإناء يغسل ثلاثاً، يغسل ثلاثاً، وأهل العلم يقولون: العبرة بما روى لا بما رأى، العبرة بما روى لا بما رأى، هذا معروف عند أهل العلم، هذا إذا اختلفت الرواية عن الرأي، هذا فيما رواه، لكن البحث الذي معنا حديث ثابت عند هذا العالم، ولو لم يكن من روايته، فأفتى بخلاف ذلك، لا يعتبر تضعيفاً له، وفتواه، وإن كانت محل عناية من أهل العلم، وطلاب العلم، لكن العبرة بالحديث ما لم يظهر، أو يبين أنه منسوخ، أو مرجوح.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: ما حكم البيع والشراء باللحم يعني المذبوح بغير الطريقة الشرعية؟
أولاً: ذبيحة غير المسلم، والكتابي في حكم الميتة، والمسلم عليه أن يذبح بالطريقة الشرعية، فإن ذبح بغير الطريقة الشرعية كان ذبيحته ميتة اتفاقاً، والكتابي جماهير أهل العلم على أنه لا بد أن يذبح على الطريقة المشروعة لنا، فيوافقنا في الذبح، فإن ذبح على غير طريقتنا، فهي ميتة –أيضاً-، فهي ميتة –أيضاً-، ومن أهل العلم كابن العربي من يرى أننا نأكل ذبيحة الكتابي على الطريقة التي يتدين بها، ولا يلزم بطريقتنا، فتؤكل ذبيحته، ولا تسمى ذبيحة كتابي إلا إذا ذبحها على طريقته.
وعلى كل حال عامة أهل العلم على أنها لا بد أن تكون، أن يكون ذبحها على الطريقة الشرعية عندنا، وسواءٌ تولى الذبح مسلم، أو كتابي يهودي، أو نصراني، وأما من عداهم، فذبيحته ميتة، فلا بد من اعتبار الذبح عندنا، سواءٌ كان الذابح مسلم، أو يهودي، أو نصراني، هذا قول عامة أهل العلم.
هذا رجل عليه كفارة جماع في شهر رمضان، صام من أول يوم شهر أربعة، وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً، واليوم من شهر خمسة ثلاثين؛ فهل عليه الإكمال ستين يوماً، أم ماذا عليه؟(18/5)
لا، يكفيه أن يكمل شهرين قمريين، فإذا كان الشهر تسعة وعشرين، إذا بدأه من أوله، فيكفيه تسعة وعشرون؛ الشهر تسعة وعشرون، ثم الثاني كذلك، وإن كمل ثلاثين لزمه إكمال الشهر ثلاثين، فالذي عليه شهران متتابعان، وليس عليه ستون يوماً، لا.
يقول: أنا مؤذن، وأستلم مكافئة كل شهر، فهل يجوز لي أن أذهب لأداء العمرة نافلة، أو أقوم ببعض الزيارات الخاصة بي، أم أن الحق العام مقدم على الحق الخاص؟(18/6)
أولاً: أنت ليست بأجير، وإنما هذه مكافئة من بيت المال، بواسطة ولي الأمر لك لأنك تقوم بهذا العمل، وليست هذه أجرة كما هو معلوم، فلو كانت أجرة، لو كنت موظفاً للزمك أن تفي على ما تعاقدت عليه، كل يوم في مقابله جزء من هذه الأجرة، لكن هذا الجعل الذي يجعل للأئمة، والمؤذنين من بيت المال ليس بأجرة، فليس كل يوم، أو كل وقت من أوقات الصلوات في مقابل جزء من هذا الراتب، أو هذه المكافئة، أو هذا الجعل، لكن عليه أنه مادام تعاقد مع ولي الأمر، أو من ولاه ذلك على أن يقوم بالأذان في هذا المسجد، أو بالإمامة في هذا المسجد أن لا يخل بهذا الشرط، فالمسلمون على شروطهم إلا فيما جرت العادة بالتسامح به، يعني لا يتصور أن إمام مسجد يبي يؤم الناس في من كل سنة ثلاثمائة وخمسين يوماً، عدد أيام السنة بحيث لا يخل، ولا بيوم، هذا ما هو بصحيح، إنما عليه أن يفي بقدر الإمكان، لكن ما تعارف الناس على أنهم يتعافونه بينهم، فلا بأس به، لكن عليه –أيضاً- بعد أن يحرص على أن لا يفرط بهذا العمل الذي وكل إليه، فكونه يأتي بعمرة نافلة، ولا يطيل، ويحصل على ثواب العمرة، ولا يخل بما تعارف الناس عليه في هذا الأمر، فإنه لا شيء عليه، وإن تعوقد على أنه لا يسافر حتى يستأذن، فعليه أن يستأذن، لكن لا، هم لا يتعاقدون على هذا، ولا يشترطون أن لا يسافر حتى يستأذن، وإذا نظرنا إلى الشيوخ الكبار يفعلون هذا، والأمة تفعله، كل يذهب إلى ما أوجب الله عليه، أو ما سن الله له من العبادات، وصلة القرابات من غير نكير، لكن يبقى أن شخصاً يترك المسجد شهراً كاملاً، أو شهرين، أو كذا، أو الإجازة كاملة، هذا إخلال بما تعاقد عليه مع الجهات، لكن لو قال: أنا أريد أن أعتمر يوماً، أو يومين، أو ثلاثة هذا لا يحتاج إلى إذن، ولا شيء، هذا تعارف الناس على أنه يتسامح فيه.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
واختلفوا هل يقبل المجهول؟ ... وهو على ثلاثة مجعول
مجهول عين من له راو فقط ... ورده الأكثر والقسم الوسط
مجهول حال باطن وظاهر ... وحكمه الرد لدى الجماهر(18/7)
والثالث المجهول للعدالة ... في باطن فقط فقد رأى له
حجية في الحكم بعض من منع ... ما قبله، منهم سُليم فقطع
به وقال الشيخ: إن العملا ... يشبه أنه على ذا جُعلا
في كتب من الحديث اشتهرت ... خبرة بعض من بها تعذرت
في باطن الأمر وبعض يشهر ... ذا القسم مستوراً وفيه نظر
والخلف في مبتدع ما كفرا ... قيل: يرد مطلقاً واستنكرا
وقيل: بل إذا استحل الكذبا ... نصرة مذهب له ونسبا
للشافعي إذ يقول: أقبل ... من غير خطابية ما نقلوا
والأكثرون ورآه الأعدلا ... ردوا دعاتهم فقط ونقلا
فيه ابن حبان اتفاقاً ورووا ... عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الفصل السابع: "واختلفوا" يعني العلماء، علماء الأثر، والفقه، يعني أهل الأثر، والنظر "هل يقبل المجهول؟ "
واختلفوا هل يقبل المجهول؟ ... . . . . . . . . .
يعني الراوي المجهول "وهو على ثلاثة"
. . . . . . . . . ... وهو على ثلاثة مجعول
يعني على ثلاثة أقسام "وهو على ثلاثة" يعني ثلاثة أقسام "مجعول" يعني جعله أهل العلم على ثلاثة أقسام، والمجهول المراد به هنا من ذُكر اسمه، من ذُكر اسمه، وأغرق منه في الجهالة من لم يذكر اسمه، كالمبهم، كقولهم: حدثني رجل، أو حدثت عن فلان، أو حدثني بعض من لقيت، أو بعض الآخذين عن الزهري مثلاً، هذا أغرقُ في الجهالة من قولهم: حدثني زيد بن سعيد الأنصاري مثلاً، ممن هو مقل في الرواية بحيث لا يروي عنه إلا واحد.(18/8)
القسم الأول: مجهول العين، مما ذكره مجهول العين، لكن عينه في الحقيقة، وذاته معروفة، أبو يزيد محمد بن سعيد الأنصاري مثلاً، أو مثل ما مر بنا في رسالة أبي داود الاسم سباعي مع الكنية مع النسبة، ومع ذلك لم يوقف له على ترجمة، هذا مجهول عين، مقل في الرواية ما روى عنه إلا واحد في القسم الأول عندنا، لكن من لم تعرف ذاته، من لم تعرف ذاته، وهو المبهم، مبهم يعني محمد بن سعيد الأنصاري هذا له اسم يميزه بين الناس، وأنت معك طرف للبحث عنه، لكن رجل كيف تبحث عنه في كتب التراجم؟ نعم فيه المبهمات، مبهمات المتن والإسناد، لكن يبقى أنك في الجهالة بالنسبة لمثل هذا أشد ممن عرف اسمه، واسم أبيه، ولقبه، وكنيته، ونسبته، فالأول الذي لم يعرف اسمه ممن أبهم سواءٌ قيل فيه رجل، أو امرأة، أو بعض الآخذين عن فلان، أو حدثت عن فلان، هذا مغرق في الجهالة، ولو أطلق عليه مجهول الذات، مجهول الذات، ذاته غير معروفة، ولا في ذلك ما يدل عليه إلا من خلال كتب المبهمات، أو جمع الطرق، لكن ما تذهب ابتداءً إلى كتب الرجال تبحث عن رجل، إيش رجل؟ قد يذكرون في المبهمات رجلاً يروي عن فلان، في المبهمات، ترجمة رجل يروي عن فلان، قد يقول المؤلف: والمراد به كذا، أو لم أقف على اسمه، كما هو الواقع كثيراً، لم أقف على اسمه.
هذا المجهول –أعني مجهول الذات كالمبهم- هذا لا بد من تعيينه، لا بد من تعيينه، ولا يختلف فيه، ولا يقبله إلا من يقبل المرسل، أما بالنسبة لأنواع الجهالة، وأقسامها مما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى-، فقد ذكر ثلاثة أقسام:
واختلفوا هل يقبل المجهول ... وهو على ثلاثة مجعول(18/9)
الأول: "مجهول عين" وهو "من له راوٍ فقط" يعني هذا يعرف اسمه، ويعرف أبوه، وتعرف كنيته، ونسبته، كل هذا مذكور في السند، لكن هو مقل في الرواية، مقل بحيث لم ير عنه إلا راو واحد، وهو "من له راو فقط" لم يرو عنه إلا واحد، كجبار الطائي، وعبد الله بن أعز لم يرو عنهما إلا أبو إسحاق السبيعي "ورده" أي هذا النوع من المجاهيل "ورده" يعني مجهول العين "الأكثر" من العلماء، فلا يقبلونه مطلقاً، وهو الصحيح، وهو الصحيح، أورد على هذا، أورد على هذا الرد أن في الصحابة من لم يرو عنه إلا واحد، وفي رواة الصحيح من لم يرو عنه إلا واحد، من لم يرو عنه إلا واحد، نقول: الجهالة ترتفع بالتوثيق، الجهالة ترتفع بالتوثيق، فإذا وثق الراوي الذي لم يرو عنه إلا واحد ارتفعت الجهالة عنه، ترتفع الجهالة عنه، والصحابة موثقون، وثقهم الله -جل وعلا-، أعظم من توثيق البشر، ووثقهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يدخلون في مثل هذا البحث.
رواة الصحيح، رواية البخاري عن راوي ليس له إلا راو فقط ترفع عنه الجهالة، وهو توثيق عملي لهذا الراوي، وقل مثل هذا في رواية مسلم، فلا يرد رواية في الصحيحين في مثل هذا الخلاف، ومن باب أولى لا يرد المقلون من الصحابة ممن ليس لهم إلا راو واحد، وهذه الجهالة يطلقها أبو حاتم حتى على الصحابة، وذكرنا في حديث سبق أنه قال في أحد الصحابة، قال: من المهاجرين الأولين مجهول، لماذا؟ لأنه قد يطلق الجهالة بإزاء قلة الراوية، معناه أنه قليل الرواية "ورده الأكثر" يعني من العلماء، فلا يقبلونه، وهذا هو الصحيح "والقسم الوسط" مجهول العين حينما رده الأكثر فلم يقبلوه؛ لماذا؟ لأن شرط العدالة المشترط في قبول الرواية لم يتحقق، لم يتحقق، وبعضهم يقول: إن كان مجهول العين مشهوراً بغير العلم، يعني روى عنه واحد، واشتهر بالزهد مثلاً، كمالك ابن دينار، ترتفع عنه الجهالة؛ لأن شهرته بغير العلم ترفع الجهالة، أو مشهور بالشجاعة، كمعد .. ، إيش؟ نعم، مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
عمرو بن معدي كرب، مشهور بالنجدة، والشجاعة.(18/10)
كون هذا الراوي الذي لم يرو عنه إلا واحد استعمله ثقة، استعمله ثقة، بمعنى عامل، أو خليفة، أو والي ثقة يتحرى في عماله، كأن يتولى إمارة في عهد عمر بن عبد العزيز مثلاً، أو قضاءً، أو ما أشبه ذلك؛ ترتفع عنه الجهالة؛ لأن من ولاه يتحرى فيمن يوليه، ويجب على ولي الأمر أن يتحرى فيمن يوليه من تبرأ به الذمة، فإذا كان هذا ما والاه عمر بن عبد العزيز على جهة من الجهات لا يظن بعمر بن عبد العزيز أنه يولي غير ثقة، لكنه لم ينص على توثيقه، فلا يقطع بثقته لكن الجهالة ترتفع عنه.
"والقسم الوسط" يعني الثاني:
مجهول حال باطن وظاهر ... . . . . . . . . .
"مجهول حال باطن وظاهر" هذا يروى عنه، روى عنه أكثر من واحد، روى عنه اثنان ثلاثة أكثر، لكنه لم يعرف بجرح، ولا تعديل، لكنه لم يعرف بجرح، ولا تعديل، هذا مجهول الحال، يعني عينه معروفة، وجهالة العين ارتفعت عنه برواية اثنين، فأكثر، فعرفت عينه، بقيت حاله، تبحث عنه في كتب الرجال يذكرون له رواة، لكنه لم يذكر بجرح، ولا تعديل "والقسم الوسط" يعني الثاني الوسط من الثلاثة هو الثاني:
مجهول حال باطن وظاهر ... . . . . . . . . .
يعني من الجهالة من العدالة والجرح مع معرفة عينه برواية عدلين عنه، وهذا النوع من المجاهيل حكمه الرد، فلا يقبل مطلقاً كسابقه:
. . . . . . . . . ... وحكمه الرد لدى الجماهر(18/11)
يعني عند جماهير العلماء حكمه الرد، مع أن أمره أخف من الذي قبله، مع أن أمره أخف من الذي قبله، والقسم الثالث: "المجهول للعدالة" أي مجهول العدالة "في باطن الأمر فقط" لا في الظاهر، لا في الظاهر، الأول: مجهول العين، الثاني: مجهول الحال ظاهراً، وباطناً، والثالث: مجهول الحال باطناً فقط، وقد عرفت عدالته، والعدالة الباطنة التي يحتاج فيها إلى أقوال المزكين، إلى أقوال المزكين، يعني نضرب مثالاً، نضرب مثالاً بمن يقدم على بلد مثلاً، ويصلي في مسجد من مساجد هذا البلد، ويجد فيه المصلين، بعضهم يظهر عليه ما يدل على عدالته، يظهر عليه ما يدل على عدالته، وبعضهم لا يظهر عليه ما يدل على عدالته، لا يظهر عليه ما يدل على عدالته، يعني بعض الناس تراه، وهو لا يستعمل منكر، ولا تفرق بينه في ظاهره، وبين الفساق، يعني أمرد أطلس، لا لحية له يستدل بها على أنه محسوب على المتدينين، بينما الثاني بجانبه له لحية كثيفة، وثوب قصير، يعني ظاهره العدالة، والاستقامة، والثاني ما تدري ويش هو وضعه؟ ليس في ظاهره ما يدل على العدالة، هذا يُحتاج فيه إلى من يثبت أن ظاهره العدالة، يعني فرق بين شخص، يعني لو وجدت شخصاً أنت الآن .. ، في السابق الناس في الجملة ظاهرهم العدالة، في الجملة، يعني ما يزاولون منكرات ظاهرة، اللحية حتى أفجر الناس السكير العربيد ما يحلق لحيته، يعني إلى وقت قريب، وأما في هذه الأزمان انعكست الأمور، فقد يفعله من هو محسوب على أهل الدين، والعلم، فاختلت الموازين، وتغيرت، فترى الشخص لا يعجبك مظهره، وهو في حقيقة الأمر من أهل الخير، وتجد الشخص فيعجبك منظره، ومظهره، وهو في الحقيقة من المفسدين في الأرض، فمثل هذه الأمور يحتاج فيها إلى الخبرة الباطنة، إلى الخبرة الباطنة، مجهول الحال ظاهراً، وباطناً، ظاهراً، وباطناً، من ليست عليه علامات تدل على ثقته، وعدالته، ومجهول العدالة باطناً فقط من ظهرت عليه العلامات التي تدل على ثقته، وعدالته بحيث لا يُبقى إلا أن يسأل عن باطنه من قبل المزكين.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . والقسم الوسط
مجهول حال باطن وظاهر ... وحكمه الرد. . . . . . . . .(18/12)
يعني فلا يقبل مطلقاً عند الجماهر من العلماء، والقسم الثالث: "المجهول للعدالة في باطن فقط" لا في الظاهر "فقد رأى له حجية" أي احتجاجاً:
حجية في الحكم بعض من منع ... . . . . . . . . .
قبول "ما قبله" يعني من القسمين مجهول العين، ومجهول الحال ظاهراً، وباطناً "حجيةً بعض من منع" قبول "ما قبله" من القسمين "منهم سُليم فقطع" منهم الفقيه سُليم بن أيوب الرازي "فقطع به"، وعزاه النووي لكثير من المحققين؛ لأن الناس إنما كلفوا الحكم على الظاهر، لأن الناس إنما كلفوا الحكم على الظاهر، وأدق من هذا الحكم بالظاهر فقط، لو جاء من يزكي، وقال: فلان عدل، وقيل له: هل عاشرته، هل سافرت معه، قال: لا، والله هو يصلي معنا، ولا لاحظنا، ولا نشهد إلا بما علمنا، ولا شاهدنا عليه إلا كل خير، والثاني شهد لآخر، وقيل له، قال: نعم، أنا صحبته حضراً، وسفراً، وباطنه مثل ظاهره، هذا في التزكية، هذا في التزكية يزكي الباطن كما يزكي الظاهر، والثاني يزكي الظاهر فقط.
إذا حصلت التزكية ارتفعت الجهالة، إذا حصلت التزكية ممن يعتد بقوله من عارف بأسبابها ترتفع الجهالة، وهل يطلب من المزكي أن يزكي الباطن، والظاهر، أو يكتفى بتزكية الظاهر؟ إذا كان الظاهر العدالة، هذا القسم الثالث، وظهور العدالة إما بالشكل الذي يدل على الاستقامة، والالتزام، أو بتزكية من لم يشهد على باطنه، يقول: أنا والله ما أعرف إلا الظاهر، ولا ظهر لنا إلا كل خير، مثل هذا قبله من الفقهاء سُليم بن أيوب الرازي، قطع به، وعزاه النووي لكثير من المحققين؛ لأن الناس إنما كلفوا الحكم على الظاهر.
"وقال الشيخ" يعني ابن الصلاح: "إن العملا" ألف إطلاق:
. . . . . . . . . ... يشبه أنه على ذا جُعلا
يعني على هذا القول "يشبه أنه على ذا جعلا"، "في كتب" كثيرة "من الحديث اشتهرت" بين الأئمة، وغيرهم، حيث خرج منها لرواة:
. . . . . . . . . ... خبرة بعض من بها تعذرت(18/13)
يعني خبرة المطلع، والذي يريد أن يعرف حكم هذا الخبر، خبرته ببعض الرواة قد تعذرت، لا يستطيع الوصول إليها، لكنه في ظاهره عدل، وليس في حديثه ما ينكر، فإنه حينئذٍ العمل على قبول أخبارهم، كما قال ابن الصلاح "وقال الشيخ: إن العَمَلا" يعني ابن الصلاح،
. . . . . . . . . ... يشبه أنه على ذا جُعلا
يعني على هذا القول،
في كتب من الحديث اشتهرت ... . . . . . . . . .
كتب كثيرة من الحديث اشتهرت يعني بين الأئمة، وغيرهم، حيث خُرج فيها لرواة:
. . . . . . . . . ... خبرة بعض من بها تعذرت
يعني خُرج لهم فيها "بها" أي بالكتب "تعذرت"، "في باطن الأمر" في باطن الأمر؛ لتقادم العهد بهم فاكتفي بالعدالة الظاهرة، وهذا النوع الذي عرفت عدالته في الظاهر، وخفيت عدالته الباطنة، بعض العلماء كالبغوي يشهره، يشهر هذا النوع، ويسميه مستوراً:
في باطن الأمر وبعض يشهر ... ذا القسم مستوراً وفيه نظر
البغوي يقول: هذا النوع مستور، وتبعه الرافعي، والنووي "وفيه نظر" يعني في هذه التسمية، تسمية مجهول العدالة باطناً فقط المستور فيه نظر، فيه نظر؛ لماذا؟ لأن الإمام الشافعي نص على قبول شهادته، شهادة المستور، والشافعي لا يمكن أن ينص على شخص -لا سيما في الشهادات- تُجهل عدالته الباطنة؛ لأن القاضي إذا جهل عدالة الراوي باطناً يطلب المزكين، والمزكين هي التي يستدل بها على العدالة الباطنة، ولذا قال الحافظ العراقي: "وفيه نظر" يعني هذا الإطلاق، وهذه التسمية فيها نظر، وأطلق بعضهم المستور بإزاء مجهول الحال بقسميه، قال: مستور، مجهول الحال يعني لا يدرى عن حاله شيء، أو سُتر بعض حاله دون بعض، وبعضهم أطلق المستور بإزاء المجهول بأقسامه الثلاثة، فيكون المستور على قول البغوي، ومن تبعه من استترت، وخفيت عدالته الباطنة فقط، وعلى القول الثاني: من خفيت عدالته فالظاهر والباطن، وعلى القول الثالث: المستور هو المجهول؛ لشبهه بما يستتر عن ناظره، فالذي وراء هذا الجدار مستور، وإلا غير مستور؟ مستور في الجدار يعني حاجز الجدار، حاجز بينك، وبينه، ستره الجدار، وهو –أيضاً- مجهول، لا تدري ما وراء هذا الجدار، فتطلق الستارة بإزاء الجهالة.(18/14)
جاء إطلاق السِتارة في مقدمة مسلم، وفي غيره على ألسنة أهل العلم، ويراد بها العدالة، ويراد بها العدالة، ولا يريدون بها المعنى الموجود هنا.
فالخلاصة أن المجهول، أو الجهالة مراتب بعضها أشد من بعض، فعلى سبيل الترقي من الأدنى إلى الأعلى، من حيث القبول، والرد مجهول الذات أشدها، إذا أدرنا أن .. ، هو إذا قلت على سبيل الترقي، يعني من حيث الحكم الأدنى، ثم الأعلى، ثم الأعلى ثم الأعلى، وإن أردت على سبيل التدلي من حيث الإغراق في الجهالة، فتقول: الأول: مجهول الذات الذي لم يطلع على اسمه، والثاني: مجهول العين الذي عرف اسمه، لكن لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، والثالث: مجهول العدالة، مجهول الحال ظاهراً، وباطناً، والرابع: مجهول الحال باطناً فقط، مجهول الحال باطناً فقط، فإذا قلنا: تدلي من الأشد في الحكم إلى الأدنى، أشد في الحكم الذي هو الرد، هذا تدلي، وإن أردت الترقي في أعلى أنواع الجهالة من حيث القبول، فتبدأ بمجهول الحال باطناً فقط.(18/15)
مجهول الحال باطناً فقط مع أن عدالته الظاهرة سواءٌ كانت بما يستدل به عليها مما يدركه من له خبرة بهذه الأمور، أو نص عليها أهل العلم ممن خفي عليه الحال الباطنة، هذا قَبِله جمع من أهل العلم، وابن حبان في ثقاته جارٍ عليه، جارٍ عليه، ولذا قال أهل العلم: إنه يوثق المجاهيل، وذكر في ثقاته بعض المجاهيل، هو ماش على أن الناس إنما كلفوا الحكم على الظاهر، وأما السرائر، فالذي يتولاها الله -جل وعلا-، وهذا الذي يترجح، أن مجهول الحال باطناً فقط مقبول حتى يظهر خلاف الظاهر، حتى يظهر خلاف الظاهر، والذي يرد مثل هذا النوع حتى نعرف العدالة الباطنة، يقول: إن الناس قد يتصنع لهم أحد زمناً طويلاً، ويثقون به، ويثقون به، ويعدلونه بناءً على هذا التصنع، كما سبق في أمثلة الدرس الماضي ممن اشترط بيان سبب التعديل، وقالوا: إن عبد الله بن عمر العمري المكبر قال فيه يعقوب بن سفيان: إنما يضعفه رافضي مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته، وهيئته؛ عرفت أنه ثقة، فكون الإنسان يتصنع، ويظهر للناس خلاف ما يبطن هذا لا شك أنه يقدح في هذا القول، لكن الأصل في المسلمين العدالة، يعني يندر أن يوجد مثل هذا، والنادر لا حكم له، بل وجد من دخل بين المسلمين ممن ليس بمسلم، وسكن في المسجد، وأم الناس دهراً طويلاً، وهو ليس بمسلم، وجد، فهل مثل هذه الأمثلة النادرة، يعني إذا وجد مثال من هذا، أو ذاك؛ هل يؤثر على القاعدة، والحكم الأصلي؟ إننا إنما كلفنا في أحكامنا على الناس بالظواهر، ونكل السرائر إلى الله -جل علا-، ولذا لو كلفنا الحكم بالباطن لكلفنا أمراً عسيراً، ولما شُك في أحكام القضاة، لو كُلفنا التعديل على الباطن، وبيان العدالة الباطنة، والقاضي يطلب المزكين الذين يشهدون بأن هذا باطنه كظاهره؛ لما وجد في الأحكام خلل، ووجود الأحكام الشرعية الصحيحة النافذة التي تكون على خلاف، قد تكون على خلاف الواقع، وهي صحيحة شرعاً، ونافذة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي يقول: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقتطع له قطعة من نار، فليأخذها، أو ليدعها))؛ فهل كلامهم في العدالة الباطنة تقتضي مطابقة الأمر، أو الحكم(18/16)
بغلبة الظن؟ أما إذا قلنا مطابقة الأمر، فهذا مستحيل، مستحيل أن يوجد من يوثق في الباطن، في كل لحظة من حياة هذا الرجل؛ لأنه قد يكون عدلاً ظاهراً، وباطناً في أوقات، لكن قد يطرأ عليه في وقت من الأوقات، ولو في أقل الأحوال حين أداء هذا الخبر، أو حين أداء هذه الشهادة ما يخدش هذه العدالة الباطنة؛ لأن السرائر إلى الله، ولا يمكن أن يصل أحد إلى ما في حقيقة الأمر، لا يمكن الوصول إليها، يعني إذا توصل في قضايا بواسطة فطنة القاضي، استطاع، واستدرج هذا الشاهد إلى أن يعرف حقيقة الأمر، وباطنه، هذا ليس متاحاً لكل الناس، لا للقاضي، ولا للمزكي، فإصابة حقيقة الأمر هذه لم يشترطها أحد، لكن قالوا: إنما يشهد على ما يغلب على الظن في الظاهر، والباطن، وحينئذٍ يقرب الأمر، يقرب الأمر.
والفصل الثامن فيما يقول الحافظ العراقي: "والخلف" يعني الاختلاف بين الأئمة "في مبتدعٍ" يعني في قبول رواية "مبتدعٍ ما كفرا" ببدعته:
والخلف في مبتدع ما كفرا ... . . . . . . . . .
الاختلاف في المبتدع الذي لا تخرجه بدعته عن الإسلام، وعلى هذا الغلاة من المبتدعة الذين بدعهم كبرى تخرجهم عن الدين، يعني مكفرة ما دخلوا في هذا الاختلاف، ما يدخلون في هذا الاختلاف؛ لأنه يقول:
والخلف في مبتدع ما كفرا ... . . . . . . . . .(18/17)
مفهومه أن المبتدع الذي يكفر ببدعته لا يدخل في هذا الاختلاف، والخلف المراد به الاختلاف بين أهل العلم في قبول رواية مبتدع لا تصل به بدعته إلى أن يخرج من الدين، يعني بدعته غير مكفرة "قيل: يرد مطلقاً" يرد مطلقاً، ولو كانت بدعته غير مكفرة، ولو كان غير داعية إلى بدعته، ولو كان غير داعية إلى بدعته، ولو روى ما ينقض بدعته، فضلاً عن كونه يروي ما لا علاقة له ببدعته، فالمبتدع لا يقبل منه شيء، يرد مطلقاً، ولا شك أن مثل هذا فيه إخماد لبدعة هذا المبتدع، يعني عدم التعريج عليه فيه إخماد لبدعته، وعدم الرواية عنه لا شك أنه سبب لتركه، وهجره، وهجر بدعته، والرواية عنه، الرواية عنه قد يكون فيها شهر له، وشهر لبدعته، وعلى هذا إذا أمكن أن يؤخذ العلم عن غير مبتدع، ولو كانت بدعته غير مكفرة، ولو لم يدع إليها، إذا أمكن أن يأخذ هذا العلم من غير مبتدع، فهو الأصل، فهو الأصل، "إن هذا العلم دين، فانظر عمن تأخذ دينك"، فلا ينبغي أن تأخذ عن مبتدع، لكن هذا القول "استنكرا" الرد مطلقاً "استنكرا" هذا له أنصار من أجلهم، وأعظمهم الإمام مالك، وقال به جمع من أهل العلم، لكن هذا القول كما قال الناظم: "استنكرا" كيف "استنكرا"؟ أي أنكره أهل العلم، كابن الصلاح، وغيره، فقال: إنه بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة، بما في ذلك الصحيحان، فيها الرواية عن بعض المبتدعة "واستنكرا"، "وقيل: " لا يرد مطلقاً إلا "إذا استحل الكذب":
وقيل: بل إذا استحل الكذبا ... . . . . . . . . .
سواءٌ كان في الرواية، أو في الشهادة،
. . . . . . . . . ... نصرة مذهب له ونسبا
للشافعي إذ يقول: أقبل ... من غير خطابية ما نقلوا
إذا استحل الكذب لنصرة مذهبه؛ فإن هذا لا تقبل روايته، ولا كرامة،
لأن مدار القبول على الصدق، مدار القبول على الصدق، فإذا انتفى ما مدار القبول عليه؛ لم يبق للقبول أدنى نظر؛ لأن نقل الأخبار المعول فيها على الصدق، صدق الرواة، فإذا انتقض هذا الشرط الأساس فإنه لا قيمة للرواية:
وقيل: بل إذا استحل الكذبا ... نصرة مذهب له ونسبا(18/18)
هذا القول من يستحل الكذب يدخل في الخلاف، أو لا يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
ليش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا استحل الكذب كفر، إذا استحل الكذب كفر، فتكون بدعته، واستحلاله للكذب مخرجاً له، مخرجاً له عن الخلاف؛ لأن "الخلف في مبتدع ما كفرا" في مبتدع ما كفر، وهذا الذي يستحل الكذب يكفر باستحلاله ما أجمع عليه أهل العلم، ما أجمع على تحريمه، وعلم تحريمه من الدين بالضرورة، لكن استحلاله بمعاندة، أو بشبهة، أما إذا كان بمعاندة يعني حرم الحلال المجمع على حله، أو حل الحرام المجمع على تحريمه بأن قال: الخبز حرام، أو قال: لحم الخنزير حلال، هذا يكفر بلا إشكال، لكن من وجدت لديه شبهة، وجد خنزير نازع في كونه خنزيراً؛ لأن فيه نوع من الاختلاف عن شكل الخنازير، الأكثر يقولون: هذا خنزير، كل من رآه قال: هذا خنزير، وهو نازع في كونه خنزيراً، وقال: حلال، هل نقول: يكفر؛ لأنه أحل الخنزير؟ لا، مثل هذا استحل الكذب عنده شبهة، عنده شبهة، لا بمعاندة، ولذا البدعة عند أهل العلم، نعم البدعة عند أهل العلم ما أحدث في الدين من غير أن يسبق له شرعية، والمبتدع المبتدع من عمل عملاً ليس عليه دليل شرعي بنوع شبهة لا بمعاندة، بنوع شبهة لا بمعاندة، فإذا وجدت الشبهة لا يحكم بكفره، لكن إذا جليت هذه الشبهة؛ لأن الكلام كلام الشافعي -رحمه الله تعالى- فيه إشكال من جهات، الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: أقبل شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية، فإنهم يشهدون بالزور لموافقيهم، ويشهدون بالزور على مخالفيهم، والخطابية نوع من الروافض، طائفة من الرافضة، فمقتضى كلامه أنه يقبل شهادة الرافضة غير الخطابية، ومقتضى كلامه أنه يدخل الخلاف فيمن كفر ببدعته في الخلاف في قبول الرواية، وأصل المسألة أن من كفر ببدعته لا تقبل روايته، ولا يدخل الخلاف.
وقيل: بل إذا استحل الكذبا ... نصر مذهب له. . . . . . . . .
"له" أو لأهل مذهبه سواءٌ كان هو مؤسس المذهب، أو تابع لإمام أسس المذهب، أو لمذهبه، أما إذا لم يستحل ذلك لاعتقاده حرمة الكذب؛ فإنه حينئذٍ تقبل روايته على كلام الإمام على مفهوم كلام الإمام الشافعي:(18/19)
. . . ... نصرة مذهب له ونسبا
يعني هذا القول "للشافعي" الإمام محمد بن إدريس:
. . . . . . . . . إذ يقول: أقبل ... من غير خطابية ما نقلوا
وعبارته: "أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم" لموافقيهم، ولا شك أن مثل هذا لا يمكن قبوله، وبعض أهل الغفلة، قد يوجد من بعض أهل الغفلة ممن ظاهره الصلاح، لكن مع غفلة، قد يثق ببعض الناس فإذا ادعى شيئاً صدقه، وشهد به، ثقة به، فيدخل في مثل هذا، لا شك أن هذا زور، هذه شهادة زور مهما بلغت ثقتك بمن شهدت له: ((على مثلها فاشهد))، وليس من هذا النوع شهادة خزيمة للمعصوم -عليه الصلاة والسلام-، حينما شهد له بالعقد بالبيع، وهو لم يحضر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم، يصدق في خبر السماء، فكيف بخبر الأرض، ليس هذا من هذا، لكن لو شهد، أدعى أعلم الناس، أو أورع الناس، أو أزهد الناس، ادعى شيئاً بيد غيره، ثم جاء شخص ثقة بهذا العالم، وشهد له، وانتصر له، وشهد، نقول: لا، أنت شاهد زور، أنت شاهد زور، مهما بلغت ثقتك بهذا العالم.
. . . . . . . . . إذ يقول: أقبل ... من غير خطابية ما نقلوا
والأكثرون. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
"والأكثرون" من العلماء "ورآه" الضمير يعود على من؟
طالب: لابن الصلاح.
نعم لابن الصلاح:
فحيث جاء الفعل والضمير ... لواحد ومن له مستور
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما
فالمراد ابن الصلاح "ورآه" يعني ابن الصلاح "الأعدلا" أي أعدل الأقوال:
والأكثرون ورآه الأعدلا ... ردوا دعاتهم. . . . . . . . .
ردوا الدعاة فقط، وهذا مذهب الجمهور، رد الدعاة من المبتدعة، أما المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته، فمثل هذا لا ترد روايته:
والأكثرون ورآه الأعدلا ... ردوا دعاتهم فقط ونقلا
فيه ابن حبان اتفاقاً ورووا ... عن أهل بدْع في الصحيح ما دعوا(18/20)
"والأكثرون" من أهل العلم "ورآه" ابن الصلاح "الأعدلا ردوا دعاتهم فقط" وهذا مذهب الأكثر، والجمهور، "ونقلا" للإطلاق "فيه ابن حبان اتفاقاً" حيث قال: "الداعية إلى البدعة لا يجوز الاحتجاج به، الداعية إلى البدعة لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه اختلافاً" وأئمته يحتمل أنهم أئمة الحديث، أو أئمة مذهب- الشافعي -رحم الله الجميع-.
فعلى كل حال هذا كلام ابن حبان، ونقل فيه ابن حبان اتفاقاً، يقول: "الداعية إلى البدعة لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم فيه بينهم اختلافاً".
"ورووا" يعني الأئمة الأحاديث بما فيهم البخاري ومسلم عن هؤلاء المبتدعة الذين لم يدعوا إلى بدعهم "ورووا عن أهل بِدْع" يعني بِدَع، سكنت، خفف، فسكن، أصله أهل بدع، جمع بدعة، فسكن للوزن "عن أهل بدع في الصحيح" يعني على سبيل الاحتجاج، رووا عن المبتدعة ما دعوا إلى بدعهم، وأيضاً على سبيل الاستشهاد من باب أولى، رووا عن المبتدعة، فتجد في التقريب علامات الخاء والميم فيمن يقول فيهم: رُمَي بالإرجاء، رمي بالقدر، فيه تشيع، وهكذا، فيه نصب، إيش معنى فيه نصب؟ نعم يعني بعض الجهال اللي ما يدرك هذه الاصطلاحات، رأى في ترجمة: ثقة وفيه نصب، قال: كيف يكون نصاب، وثقة، هذه ما تجتمع، نعم ما تجتمع، لا، يعني هو من النواصب الذين هم في مقابل الروافض.
هذا القول الذي نقل عليه ابن حبان الاتفاق، وهو رد الدعاة، يشكل عليه تخريج البخاري لبعض الدعاة، لبعض الدعاة، كعمران بن حِطَّان خرج له الإمام البخاري في موضعين، عمران ابن حطان من الخوارج، ومن رؤوسهم، ومن دعاتهم، من القعدية من الصفرية، يعني من الخوارج الغلاة، ومع ذلك يدعو إلى بدعته، وهو داعية إلى مذهب الخوارج، ومع ذلك خرَّج له الإمام البخاري في صحيحه.(18/21)
أولاً: الخوارج معروف مذهبهم في التشديد على العصاة، حتى أنهم يكفرون مرتكب الكبيرة، والكذب عندهم من عظائم الأمور، فهم أهل صدق، فقبول رواياتهم جار على القاعدة العامة أن المعول في الرواية على صدق اللهجة، وأجاب بعضهم بأن البخاري إنما خرج لعمران بن حطان ما عُرف أنه تحمله قبل ابتداعه، أو أنه أداه قبل ابتداعه، أو تحمله، أو أداه بعد ما تاب، ونقل عنه أنه تاب عن مذهب الخوارج، وابن حجر -رحمه الله تعالى- يقول: ما الذي يضير في تخريج رواية شخص مبتدع يدعو إلى بدعته قد عرف بصدق اللهجة؟ هذا كلام ابن حجر، يقول: عمران قد عرف بصدق اللهجة، والعيني يرد عليه، وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي -رضي الله عنه وأرضاه-، صادق اللهجة، وإلا ما هو بصادق؟ الذي يمدح قاتل علي يطلق عليه أنه صادق اللهجة، وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .(18/22)
نعم، هذا ليس بصادق اللهجة بلا شك، لكن عدم صدقه في لهجته في هذا الموضع؛ هل هو انتصار للكذب، أو لما يراه حقاً؟ لما يراه حقاً، فهو يتدين بهذا، فهو ينتصر لما يراه الحق، والذي نعتقده، وندين الله به أن هذا هو الضلال بعينه؛ لكن كونه هو يراه حقاً، ويدافع عنه، هذا شيء ثاني، وشيخ الإسلام يسأل عن رؤوس المبتدعة ممن يظن فيهم أنهم أن في نواياهم سوء من خلال كلامهم، يعني تقرأ لرأس من رؤوس المبتدعة يقشعر جلدك، ويرد الحق، ويدافع عن الباطل، وينافح عنه، ويورد الشبه بقوة، ثم بعد ذلك أنت تجزم، يعني تكاد تجزم أن عنده سوء طوية، وأنه يكيد للإسلام، وأهله، ثم يسأل عنه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- كالرازي مثلاً، كالرازي مثلاً، ويقول: وأما الرازي ابن الخطيب، فكثير من الناس يطعن في قصده، والذي يطعن في قصده من خلال ما يشمه من كلامه لا شك أن هذا كالصريح من كتاباته، يقول: والذي أراه أنه ينصر ما يراه حقاً، ينصر ما يراه الحق، لكن هذا اجتهاده، على أن الرازي له كتاب ذكره شيخ الإسلام، وغيره إن ثبت عنه فهو هو الشرك بعينه؛ لأنه في السحر، والاستعانة بالكواكب، وغيرها، إن ثبت عنه، وتذكر توبته، ورجعته، لكن الذي جرنا إلى هذا أن كون الإنسان ينصر ما يراه الحق، ويخطئ في اجتهاده غير كونه ينصر الباطل، فنصره لما يراه الحق يختلف عن نصره فيما يجزم أنه بأنه باطل، ولذا يقول ابن حجر: وما المانع من قبول روايته، وإن كان داعية؛ لأنه ينصر ما يراه حقاً، والعيني يتتبع ابن حجر، ويحرص على التتبع لمثل هذه المواطن، ولا شك أن هذه الملاحظة من العيني لها حظ من النظر، وهي دامغة بالنسبة لمن لم يحقق في حقيقة الأمر، يقول: وأي نصر للحق، وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ هل يمكن أن يوصف بصدق اللهجة؟ وابن حجر يقول: صادق اللهجة،
يا ضربة من تقي ما أراد بها ... . . . . . . . . .
يعني ابن ملجم.
طالب:. . . . . . . . .
هاه.
طالب:. . . . . . . . .
ثابت، ثابت نعم، ثابت مدحه لقاتل علي، ويمكن لو تيسر له تولاه، خارجي من الخوارج.
طالب:. . . . . . . . .(18/23)
لا، ما في إشكال، لا، ثابت، ثابت نعم، ما في أدنى إشكال، المسألة عقيدة، عقيدة المسألة مسألة عقيدة، هو يرى هذا الرأي، ويرى هذا هو الحق، يرى هذا الحق، ولذلك مذهب الخوارج أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنهم ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) يمرقون من الدين يعني إذا اقتنع، ويرى أن هذا هو الحق، وهو الدين، ويرى أن في قتله قربة، ففي مدح قاتله قربة، لكن أهل العلم أكثرهم لم يكفروا الخوارج مع صحة الخبر: أنهم ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))، وقالوا: إن المراد بالدين هنا التدين، لا أصل الدين، يمرقون من حضيرة التدين، والاستقامة إلى الفسق بهذه البدعة، ولا يصلون إلى حد الكفر، وهذا كلام شيخ الإسلام، وينقله عن جمهور السلف، وأن الصحابة ما تتبعوهم لما غلبوهم كتتبع الكفار، ولا خمسوا أموالهم، ولا .. ، ما فعلوا بهم ما يُفعل بالكفار، ومنهم من يكفرهم، ويقول: إن المراد ((يمرقون من الدين)) يخرجون منه بالكلية، وعلى كل حال ليس هذا أصل مبحثنا، يبقى أنه ينصر ما يراه حقاً، ينصر ما يراه حقاً، والله المستعان.
منهم من يقول: البخاري خرَّج عنه في الشواهد لا في الأصول، وهذا صحيح، ولعل هذا هو أقوى الأجوبة، فيما توبع عليه، ولعل هذا هو أقوى الأجوبة.(18/24)
هذا بالنسبة لمن لم يصل إلى حد الكفر ببدعته، أما من كفر ببدعته كالفلاسفة الذين ينكرون علم الرب -جل وعلا- بالجزئيات، يقولون: هو يعلم الكليات، ولا يعلم الجزئيات، ومثلهم غلاة المتصوفة الذين يتجردون عن التكاليف، ويزعمون أنهم وصلوا إلى حد ترفع فيه عنهم التكاليف، وأن الولي فوق الرسول، ويدعون، ومن يدعو من دون الله -جل وعلا- من الأولياء، والأضرحة، أو غيرهم هؤلاء لا يدخلون في الخلاف؛ لأن هذه بدع مكفرة، وابن الصلاح لم يذكر هذا النوع في الخلاف السابق، لكن ابن حجر يقول: التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، لا يرد كل مكفَّر ببدعته؛ لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ بتكفيرها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، تكفير جميع الطوائف، فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، معلوماً من الدين بالضرورة، كلام ابن حجر يقول: لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ بتكفيرها، يعني هذا الكلام من ابن حجر لا يجعل عند المسلم مرجعاً يرجع إليه في وزن الناس سواءٌ كانوا أفراداً، أو جماعات، مادام الرافضة يكفرون السنة، والسنة يكفرون الرافضة، والخوارج منهم من يكفرهم، وهم يكفرون الناس، والطائفة تكفر، وتفعل، نعم، إذن كل واحد يدعي أن خصمه كافر، فلا نحكم برد الرواية، ولا نحكم بالتكفير لأجل هذا؛ لأننا لو حكمنا بهذا لقلنا: كل الناس كفار، لكن هل يضير المسلم المتمسك بدينه، المعتصم بالكتاب والسنة، وعلى مثل ما كان عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأصحابه أن يكفره غيره، هل يضيره هذا؟ هل يقدح فيه أن يكفره غيره؟ وإلا ما صار عندنا ميزان، إذا بغينا إننا –والله- هذا كفر هذا، وذاك كفر هذا إذن يلزم عليه تكفير الجميع، لا، عندنا حكم، عندنا الكتاب والسنة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(18/25)
لا يلزم من كلامه التعميم، شوف ويش يقول؟ وقد تبالغ بتكفيرها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف، يعني أهل السنة يكفرون غلاة الرافضة مثلاً، وكفروا الجهمية، ومن قال بخلق القرآن قيل: كافر، ومن قال بنفي الرؤية كُفِّر، إلى آخره، ومن نفى العلو، أهل السنة أطلقوا الكفر على طوائف من المبتدعة من الغلاة، وبالمقابل أولئك المبتدعة كفروا أهل السنة، مقتضى كلامه أننا مادام كل واحد يكفر الثاني؛ ما نرد الرواية بهذا السبب، حتى ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، طيب معلوم عند من؟ نعم، إذا ذهب الميزان على ما قررناه، حتى على ما قرره ما يمكن أن يثبت، لا بد لنا من ميزان، وما اختلفتم فيه من شيء فردوه إلى.، نعم عندنا ميزان، ولا يضيرنا أن يوجد من يكفرنا من المبتدعة، يعني شيخ الإسلام ابن تيمية أنا وقفت بنفسي على كتاب من كتبه مكتوب كتاب كذا لشيخ الإسلام، وماسح الإسلام، وكاتب الكفار، ممن ينتسب إلى العلم، وممن ينتسب إلى خدمة السنة، لكنه مبتدع، وغالي في بدعته، فإذا قلنا: إن هذا كفر شيخ الإسلام، وشيخ الإسلام لو هو موجود، ومن يقول بأقوال شيخ الإسلام يكفر هذا ببدعته؛ لأن عنده بدع مغلظة، يعني ثقته بالأولياء تجعلهم يقربون من الألوهية، هذا الشخص، هوما كتب هذا الكلام من فراغ، فإذا قلنا: إن هذا موجود، هذا يكفر هذا، وهذا يكفر هذا، إذن نأخذ بالقدر المشترك بينهما، ونترك ما زاد على ذلك، هذا الكلام ما هو بصحيح، لنا ميزان نزن به الناس، الموافقين، والمخالفين.(18/26)
الأمر الثاني: كوننا نقبلهم، أو هم يقبلوننا، مصادرهم غير مصادرنا، يعني هل عند الخوارج من الأحاديث ما يروى من طريق أهل السنة بحيث نحتاج إلى ثبوتها، يعني حينما يعتمد الإباضية على كتاب مسند الربيع، لو ضعفوا حديثاً بأنه يوجد فيه شخص من أهل السنة، ألا عندنا ما يكفي بدل هذا الحديث مما نعمل به، أو من كتب الرافضة، والشيعة من كتبهم الكبيرة التي تبلغ مئات المجلدات، وألوف مؤلفة من المؤلفات، هم لا يقبلوننا أصلاً في الرواية، ولو وجدنا في كتبهم حديثاً بسند فيه منهم، أو منا لكنه لا يوجد إلا عندهم، يعني الاختلاف جذري، الاختلاف في مصادر التلقي، فكوننا نقول: إنهم يكفروننا، ونحن نكفرهم، فإذن نأخذ بالقدر المشترك، مثل ما قال ابن حجر: إذا أنكر أمراً معلوماً من الشرع بالضرورة، أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، إذا فعل هذا يكفي، إن كان يريد أن يخرج أهل السنة من هذا الكلام نعم، قد يكون له وجه، لكن عموم كلامه يدخل أهل السنة؛ لأنه في مع الناس يكفرون من يستحق التكفير، ويكفرهم من يخالفهم، فالمسألة تحتاج إلى دقة، أما من كفر ببدعته بمعاندة لا بنوع شبهة؛ لأن الإنسان قد يرتكب مكفراً، ولا يكفر به، يعذر بجهله، يعذر بشبهة، ما بلغه الدليل، ما فهم الدليل بحيث يكون فهمه للنصوص كفهم الأعاجم، مثل هذا لا بد أن يبين له الدليل، يعني بعض العوام من المبتدعة، بعض العامة يطوف بقبر مثلاً، وتورد له من الأدلة ما تورد، يقول: والله ما أدري ويش أنت تقول؟ لأنه إذا وجد هذا في عوام أهل السنة ما يفهمون بعض النصوص، فلأن يوجد في عوام المبتدعة من باب أولى، فمثل هؤلاء لا يجزم بتكفيرهم، ولو كان عملهم كفراً، الكلام في أهل العلم الذين يعرفون النصوص، تبلغهم الحجج، ولذا صار لبلوغ الحجة، وظهورها عند الخصم أثراً في قبول دعواه، وعدم قبولها، لو نظرنا إلى أبي طالب، أبو طالب لا شك أن نفعه للرسول، وللرسالة ظاهر، صح، وإلا لا؟ نعم ظاهر، لكنه مات على ملة أبيه، هو يموت على ملة عبد المطلب، فهو كافر، هل نقول إن نصره للدين نفعه، أو ما نفعه؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .(18/27)
لا، نفعه شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما نفعه نصره للدين، نصره للدين جعله يقرب من الدين، ومن الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وتقوم عليه الحجة بأجلى صورها، ما له أدنى عذر، ولذلك قال عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ولولا أنا، أو لولاي لكان في الدرك الأسفل من النار)) صار مع المنافقين أشد عذاب من الكفار؛ لأنه بلغه من الحج ما لم يبلغ غيره من الكفار، فلولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لصار مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار -نسأل الله السلامة والعافية-.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: زاد المستقنع للحجاوي يقول: ألف بعض العلماء عليه نظماً، فهل الأفضل لديكم حفظ المتن المنثور، أم حفظ النظم لمن يرغب، وينشط في حفظ النظم أكثر من غيره، وهل نظم الشيخ سعد بن عتيق أفضل وأحب إليكم، أم نظم الشيخ سليمان بن عطية؟ وهل حفظ نظم السبل السوية للشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- يغني عن حفظ بعض المتون المذاهب الأربعة بعد حفظ متن في مذهبنا؟ أجيبوا مأجورين ... إلى آخره؟
أولاً: كما هو معروف، ومشتهر، ومستفيض أن الزاد -أعني زاد المستقنع- متن متين محرر منقح، لا يدانيه أي متن من متون الحنابلة في كثرة مسائله، وإن كان الترجيح بينه، وبين الدليل، وبينه، وبين العمدة محل عناية بين أهل العلم، وكان الدليل مقدماً لدى حنابلة الشام، والزاد مقدم لدى حنابلة هذه البلاد، لكن الدليل لما شرح، واعتني به، وبينت أدلته من قبل الشيخ ابن ضويان في منار السبيل؛ حضي بعناية في هذه البلاد –أيضاً-، وإلا قبل الزاد هو المعول عليه، والمعتمد عليه في هذه البلاد، ومسائله كثيرة جداً، أكثر بكثير من مسائل الدليل فضلاً عن العمدة، والعمدة إمامة مؤلفها لا ينازع فيها أحد، وعندي أن تقديم الكتاب لإمامة مؤلفه وجه من وجوه الترجيح، وجه من وجوه الترجيح، فهذا العلم دين، إذا وازنت بين شخص عالم عامل أفضل بكثير من أن تعتمد على من هو دونه في العلم، ولو كان الكتاب من وجه أفضل.(18/28)
على كل حال كل كتاب له ميزة، فالعمدة مصدرة جميع أبوابها بدليل صحيح، ثم يفرع على هذا الدليل من الأحكام ما يفرعه الموفق -رحمه الله-، وهو اللبنة الأولى في تقدير الإمام الموفق -رحمه الله- بالنسبة لطالب الفقه، ثم يليه كتابه المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، وألفها على هذه الطريقة على التدرج، والترقي من الصغير إلى ما هو أكبر منه، فطالب العلم الذي يريد أن يتفقه، وهو يريد كتاباً محرراً متقناً مضبوطاً، ولا أقول: معصوم ما فيه أخطاء، لا، كل الكتب فيها، وفيها: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء]، لكن حفظ الطالب، وتعويده على كتاب متين صعب يعوزه إلى شرح، ويعوزه إلى مراجعة الشيوخ بهذا يتربى طالب العلم، أما الكتب التي تقصد لسهولة أسلوبها، فهذه ليست بطريقة لطلب العلم من وجهه، ومن أبوابه، وعلى الجادة، فالعلماء حينما يعصرون الكتب عصر ليقل الكلام فيها، وتكثر معانيها، ومحتوياتها ليس من فراغ هذا، وليس المراد منه تعذيب الطالب، لا، إنما المقصود منه تدريب الطالب على هذه الأساليب القوية المتينة، بحيث لا يشكل عليه فيما بعد فهم أي كتاب، وعلى هذا فزاد المستقنع من هذه الحيثية مقدم؛ لأنه أمتن عبارة، وأصعب على طالب العلم مما يجعل طالب العلم يحرص، ويتعب في فهمه، وإذا تعب في فهمه رسخ في ذهنه بخلاف الكتاب الذي كتب بأسلوب سهل، هذا لا يثبت في ذهن طالب العلم، وعندي أن من يربي الطلاب على كتب المعاصرين التي كتبت بلهجاتهم، وطرائقهم، يعني لا تخفى معانيها على طالب العلم، هذه ليست منهجية، من حيث المنهجية ليست مستقيمة، ومن هذا ما يتلقاه الطلاب في المدارس النظامية من مذكرات في الجامعات، مثلاً يكتب الأستاذ مذكرة، يصوغها بأسلوبه، يفهمها الطلاب، والمنتسب، والمنتظم على حد سواء، ثم ما يلبث أن ينساها بعد الامتحان، لكن لو كان بيده كتاب متين من كتب أهل العلم، وحرص على الحضور، وعلق، وراجع الشروح، وسأل عما يشكل عليه ثبت العلم في ذهنه.(18/29)
الزاد معروف أنه فيه أكثر من ثلاثين مسألة، اثنتين وثلاثين مسألة خالف فيها المذهب، خالف فيها المذهب، فضلاً عن المسائل المرجوحة من حيث الدليل؛ لأن هذه الكتب، وهذه المتون ليست دساتير ملزمة، بل هي كخطة بحث لطالب العلم، يدرس مسائل هذه المتون مسألة مسألة، في المرة الأولى يتصور المسألة إلى أن ينتهي الكتاب يتصور مسائل الكتاب، ثم بعد ذلك مرحلة ثانية يستدل لهذه المسائل، ثم عرضة ثالثة يذكر، أو يحرص على الوقوف على من وافق المؤلف، ومن خالفه داخل المذهب، وخارج المذهب بعد ذلك إذا انتهى بهذه الكيفية، واطلع على المذاهب بأدلتها، ووزان بين هذه الأدلة، واستطاع أن يرجح انتهى، صار فقيهاً، لا سيما إذا كان مجبولاً على فقه النفس، يعني بعض الناس يستمر يطلب العلم، ويقرأ الكتب، ويراجع الشيوخ، لكن ليس مؤهلاً في تركيبه أن يكون فقيهاً، فمثل هذا لا يحرم، ولا يخسر هذا التعب، وهذا الجهد، ولو لم يكن له إلا أنه سلك السبيل، والطريق يلتمس فيه العلم، وله أجره -إن شاء الله تعالى-.
إذا تقرر هذا فإن الزاد حظي بعناية من أهل العلم، وإن كان مؤلفه متأخراً في القرن العاشر، لكن صارت له عناية، وله رواج بين العلماء، والمتعلمين، وصار كأنه صارت له شبه قدسية لدى المتفقهه من الحنابلة لا سيما المقلدة، لكنه مع ذلك مثل ما قلنا: أنه ينبغي أن يجعله طالب العلم كخطة بحث، أو عناصر بحث يبحث هذه المسائل، ولا يعني أنه لا يخرج عنها، ولا يحيد عنها أبداً.
له شروح، له شروح، وكان الكتاب فيه عسر على بعض طلاب العلم، حتى المتوسطين منهم في بعض عباراته عسر، لا يحلها الشرح، ولا حواشيه، حتى ذلَّله، وسهله الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شرحه الممتع، صار أمره ميسوراً، ولله الحمد بهذا الشرح، فرحمة الله على الشيخ.(18/30)
هذا من حيث الشروح، والدروس، والتدريس هذا الكتاب حظي، وعني به عناية فائقة، -أيضاً- الكتاب نُظم، وله أكثر من نظم، منها نظم الشيخ ابن عتيق، ومنها نظم الشيخ سليمان بن عطية، نظم الشيخ سليمان بن عطية "روضة المرتاد في نظم مهمات الزاد"، وهما متقاربان متعاصران يعني، أما نظم الشيخ ابن عتيق، فهو مطبوع طبع متأخراً، وأما نظم الشيخ سليمان بن عطية، فأنا وقفت له على نسخة خطية أيام الطلب، ونسختها، ثم طبع بعد ذلك بمدة، نظم الشيخ سليمان بن عطية سهل، سهل جداً جداً، يعني من بحر الرجز، وسهل يعني العناية به ما تكلف طالب العلم، وأمتن منهما من النظمين "مختصر عِقد الفرائد" للشيخ حمد بن ناصر بن معمر، عِقد الفرائد الأصل لابن عبد القوي، نظم مطول جداً، مطبوع في مجلدين النظم، يعني تزيد أبياتهما على اثني عشر ألف بيت، ثم اختصر النظم، النظم للمقنع للأصل الشيخ ابن معمر اختصر هذا النظم بما يتناسب مع الزاد، فالذي ليس في الزاد من المقنع حذفه، لكن الإشكال في هذا النظم رغم جودته، وقوته، ومتانته أنه راعى في الاختصار مسائل الزاد، واحتاج ليطابق نظمُه الزاد احتاج أن يحذف في بعض الأحيان شطر بيت، فيجعل البيت نصف بيت، وهذا لا شك أنه مقلق بالنسبة للحافظ، يقلق الحافظ أن يحفظ نصف بيت، والنصف الثاني ما هو موجود؛ لأن النصف الثاني عند ابن عبد القوي موجود كلام في المقنع يناسبه، ولا يوجد في الزاد ما يناسبه، وفي الزاد مسائل زادها مؤلفه، فنظم لها الشيخ حمد بن معمر ما يناسبها، فلو كان نظمه ابتداءً للزاد كان النظم رائعاً جداً، دالية ممتازة جداً، ونظم المقنع هذا الذي ذكرت المطول، نظم خليق، وجدير بطالب العلم أن يُعنى به، لكن دون تحصيله مع كثرة العلوم، وكثرة المشاغل، دون تحصيله خرط القتاد، اثنا عشر ألف بيت، أو أكثر من اثنا عشر ألف بيت يحتاج، لكن أنا عندي أنَّ طالب العلم لو قرأ هذا النظم، وصور مسائله من دون حفظ، صور مسائله، ثم إذا جاء إلى بيت فيه قاعدة، أو ضابط، أو شيء مما يدور على ألسنة الفقهاء، يحتاجونه بكثرة حفظه، واستدل لمسائله، صور المسائل، واستدل لها يكفي.(18/31)
الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى- كتب النظم، يكتب الباب من النظم، ثم يكتب تحته ما يناسبه من الإنصاف، والكتاب موجود بخطه يعني، موجود بخط الشيخ، النظم أبيات يذكر عشرين بيتاً مثلاً في الباب، ثم يذكر ما يقابله من الإنصاف؛ لأن النظم نظم للمقنع، والإنصاف شرح للمقنع، هو مجرد توفيق بين الكتابين، لا أقول تلفيق، أقول: توفيق بين الكتابين، وعمل جيد يسهل، لكن لو كانت العناية بالشرح الكبير بدل الإنصاف الذي فيه الاستدلال، وفيه مع الإنصاف فهو مجرد، يعني مجرد عن الدليل، ومجرد عن .. ، يعني كتاب فقه جاف، فيه جميع روايات المذهب، يعني الذي يريد أن يتخصص بمذهب الحنابلة لا يستغني عنه، لكن الذي يريد أن يدرس الفقه على طريقة الفقهاء، أهل الحديث متعب جداً له، حتى ذكر عن بعض الكبار أنه قيل له: لا نراك تعتني بالإنصاف؟ قال: الكتاب في اثني عشر مجلداً ما فيه -صلى الله عليه وسلم- إلا أربع مرات، يعني ما فيه دليل إطلاقاً، فمثل هذا يصرف طالب العلم إلا شخص له عناية، ومتخصص في المذهب، ويريد أن يستغرق في هذا الباب.
على كل حال النظم نظم ابن عبد القوي لو يعني عنى به طالب العلم، وإن كان يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى مدارسة، وفهم للأبيات، ويحتاج إلى نسخ صحيحة؛ لأن النسخة المطبوعة فيها أخطاء كثيرة، والنسخ الموجودة من المخطوطات كلها متأخرة، كلها متأخرة، وعلى كل حال بعض الناس يبخل بالوقت على العناية بكتب الفقه، ويقول: إن العمر لا يستوعب العناية بالكتاب والسنة، ومع ذلك نعتني بكتب الفقه، هذا كلام له وجه، بل وجيه، ومع ذلك من كان لديه فضل وقت، وفضل في الفهم، والحفظ إذا اعتنى بهذا الكتاب انتفع -إن شاء الله تعالى-.(18/32)
حفظ "السبل السوية" للشيخ حافظ الحكمي -رحمة الله عليه-، نظمه جيد في غاية الجودة -رحمه الله- لكنه لم يلتزم بكتاب معين، ولا بمذهب معين، وطالب العلم في بداية الطلب يحتاج إلى أن يتفقه على وتيرة واحدة؛ لتنتسق عنده القواعد، والضوابط على هذه الطريقة، ثم بعد ذلك يختار ما شاء، ولذا بعض طلاب العلم من المعاصرين يجعل لطلاب صغار دروس في "الدرر البهية" للشوكاني، "الدرر البهية" للشوكاني، أو يجعل الدرس في "الدراري المضيئة" له، أو في "الروضة الندية" لصديق، أو في "السيل الجرار" للشوكاني، هذه لا يمكن أن يتفقه عليها الطالب، هذه لا شك أنها متحررة عن المذاهب، وعمدتها الدليل لكن يبقى أنه من وجه نظر مؤلفيها، يعني هذه الأحكام من وجهة نظر مؤلفيها، يعني بدلاً من أن يقلد أحمد فيتفقه على مذهبه يقلد الشوكاني، أو يقلد صديق حسن خان، يعني ما أبعد، نعم هي أقرب إلى الدليل، هي أقرب إلى الدليل، وأكثر تحرر من المذاهب، وأقوال الناس؛ لكن يبقى أن طالب العلم ينبغي أن يكون على جادة، ولا يعني؛ لأن طالب العلم المبتدئ فرضه هو فرض العامي، فرضه التقليد، وسؤال أهل العلم، فإما أن يقلد أحمد في بداية الطلب، لا أقول إن التقليد شيء مرغوب عند طلاب العلم، أو منهج مستقيم لطالب الآخرة أبداً، لكن في بداية الأمر كونه يتفقه على جادة، وعلى طريقة معينة، ولا ألزمه أن يتفقه على مذهب أحمد، لكن هذا هو السائد في هذه البلاد، وهو الذي جرينا عليه، وجرى عليه شيوخنا، تفقهوا في بداية الطلب على مذهب أحمد، ثم بعد ذلك تحرروا، وعملوا بالدليل، فالسبل السوية نظم رائع جداً، يعني سلس من أفضل ما وقفت عليه في نظم الفقه، وفيه –أيضاً- توجيهات.(18/33)
وأعود إلى نظم ابن عبد القوي في مقدمات الكتب نظم أشبه ما يكون بالوعظ، أشبه ما يكون بالوعظ، فمثلاً في بداية كتاب الزكاة مثلاً، أو في بداية كتاب الصيام، أو في الحج، أو في البيوع، أو غيرها من الأبواب تجده يصدر الباب بأبيات تدخل القلب من أول وهلة، وإذا حفظها طالب العلم، ورددها حقيقة مؤثرة جداً، فهذه الكتب يعني؛ لأن الناس جاءهم وقت وانصرفوا عن هذه الكتب، وراجت دعاوى في صفوف طلاب العلم تدعو إلى نبذ هذه الكتب، والذي يقول: والله الوقت لا يستوعب، وأنا أريد أن أتفقه من الكتاب والسنة إذا تأهل لذلك نقول: هذا فرضك، هذا فرضك تفقه من الكتاب والسنة، لكن في بداية الأمر لا بد من التفقه على مذهب معين.
في متن عند الحنابلة، وهو متن صعب أصعب من الزاد بكثير، وهو متن "مغني ذوي الأفهام" لابن عبد الهادي، كتاب صغير ممكن بحجم الزاد، وفيه الإشارة إلى المذاهب كلها "مغني ذوي الأفهام" بالرموز، ولذا لو أخطأ الطابع، أو الناسخ في رمز تلخبط القارئ إلا أن يراجع كتب المذاهب، وبدأ مؤلفه في شرحه، فقالوا: إنه شرح العبادات في أربعين مجلداً، وما كمل الكتاب، هذه الكتب، صحيح أن العمر لا يستوعب، وعناية طالب العلم ينبغي أن تنصرف، وهمته إلى الكتاب والسنة، لكن التفقه في بداية الطلب على هذه الطريقة مجدي، ثم إذا أنهى كتاب بهذه الطريقة ينسى الفقه خلاص يرتاح، وأنتم تلاحظون من يفتي، من يفتي الناس إذا كان له عناية في بداية أمره بكتب الفقه تجدون الألفاظ قوية.(18/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (19)
(تابع معرفة من تقبل روايته ومن ترد)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وأنتم تلاحظون من يفتي، من يفتي الناس إذا كان له عناية في بداية أمره بكتب الفقه، تجدون الألفاظ قوية، ما في كلام زائد، أو إنشاء، أو شيء ما لا دعي له، يعني اسمعوا فتاوى الشيخ ابن حميد مثلاً -رحمه الله-؛ تجدون كأنه يقرأ من كتب أهل العلم، لا يزيد، ولا ينقص، وكل مسألة جوابها حاضر، ثم بعد ذلك يزيد عليها الاستدلال، ووجه الاستنباط، لكن اسمعوا لبعض الناس اليوم، أنا قرأت في جريدة كلام مفرغ سئل عنه شخص عن مسألة ما، سجلوه، وفرغوه، يعني لو تركوه يكتب كان أفضل؛ لأنه وهو يكتب لا بد أن يكون يعتني بالكتابة، لكن لو قيل: هناك جائزة لكلام معمى، يمسح أوله آخره، وآخره أوله لاستحق، كلام لا خطام له، ولا زمام، وهو يتحدث عن مسألة، حكم شرعي، واضح اللي له عناية بكتب أهل العلم، واللي ما له عناية، والله المستعان.(19/1)
ونكرر على الإخوان، وطلاب العلم أن المعول أولاً، وأخراً على الدليل، ولذلك نوصي طلاب العلم حتى من أراد أن يتفقه على كتاب فقهي مجرد أن يربطه بالدليل، وأن يبحث عن أدلته، يعني في أول مرحلة يتصور المسائل، ويبحث عن أدلة لهذه المسائل؛ ليكون معوله على الدليل، لا يعني هذا أن طالب العلم خلاص هذا الكتاب دستور ما يحيد عنه يمين، ولا .. ، لا، لكنه أشبه ما يكون بخطة البحث، خطة بحث، مسائل يسير عليها؛ لأن بعض الإخوان مع الأسف يفهم خطأ، يفهم خطأ، حينما نقرر مثل هذه المسائل، أنا عانيت من مثل هذه الأمور، فإما أن يسكت الإنسان، ولا يبلغ طلاب العلم ما يفيدهم، أو يصبر على ما يجيه، بعض الناس يبي يطلع من ها الجلسة، أو غيرها من المجالس، يقول: إن فلان يقول: أبداً ما في فقه إلا من كتب الفقه، وتعلم على المتون، واتعب في تحصيل المتون، وامض عمرك في تحصيل هذه المتون، تدرون أنه قيل ما قيل، نقل عن بعض أهل العلم، وهو ما قال، أنه يقول: من حفظ الزاد صار حكماً على العباد، يقول هذه المقالة لعنايته بالزاد، والله المستعان، لا يقول هذا أحد، هذه كتب البشر، إذا كان الزاد على صغر حجمه بقدر الكف فيه أكثر من، فيه اثنين وثلاثين مسألة محررة، كلها يخالف فيها المذهب، فما بالك فيما يخالف فيه الدليل؟ لكن الطالب إذا قرأ هذه المسألة التي خالف فيها المذهب، ثم راجع عليها الكتب، واستدل لها عرف وجهة نظر المؤلف، وهل الأرجح المذهب، أو ما سار عليه المؤلف، ثم بعد ذلك إذا نظر في دليل هذه المسألة؛ تحرر له القول الراجح من المرجوح، فأريده بهذه الطريقة، بهذه الطريقة أن يجمع بين الفقه والحديث، وقد يقول قائل: لماذا لا يكون العكس؟ لماذا لا يكون العكس؟ يتفقه بهذه الطريقة على البلوغ، ويحفظ البلوغ، ويراجع كلام أهل العلم في أحاديث البلوغ، نقول: له ذلك، لكن كتب الفقه أكثر مسائل، أكثر مسائل من كتب المتون الحديثية المختصرة، أكثر مسائل، وعند العلماء ما ألفوا هذه الكتب إلا بعد أن نظروا في نصوص الكتاب والسنة، وتفقهوا على الكتاب والسنة، أعني الكبار، وجمعوا أقوال من تفقه على الكتاب والسنة، كأحمد، والشافعي، ومالك، وغيرهم، فننتبه لهذا الأمر، ونضع النقاط(19/2)
على الحروف، ونفهم الكلام على وجهه، نفهم الكلام على وجهه، وسمعتم منا في الدروس، وفي غيرها في تقرير المسائل أنا ما نقلد أحد، اللهم إلا إذا أعوزنا الدليل، والله المستعان.
اللهم صلى علي محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
وللحميدي والإمام أحمدا ... بأن من لكذب تعمدا
أي في الحديث لم نعد نقبله ... وإن يتب والصيرفي مثله
وأطلق الكذب وزاد أن من ... ضعف نقلاً لم يقو بعد أن
وليس كالشاهد والسمعاني ... أبو المظفر يرى في الجاني
بكذب في خبر إسقاط ما ... له من الحديث قد تقدما
ومن روى عن ثقة فكذبه ... فقد تعارضا ولكن كذبه
لا تثبتن بقول شيخه فقد ... كذبه الآخر واردد ما جحد
وإن يرده بلا أذكر أو ... ما يقتضي نسيانه فقد رأوا
الحكم للذاكر عند المعظم ... وحكي الإسقاط عن بعضهم
كقصة الشاهد واليمين إذ ... نسيه سهيل الذي أُخذ
عنه فكان بعد عن ربيعه ... عن نفسه يرويه لن يضيعه
والشافعي نهى ابن عبد الحكم ... يروي عن الحي لخوف التهم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في الفصل التاسع من الفصول الثلاثة عشر:
وللحميدي والإمام أحمدا ... بأن من لكذب تعمدا
أي في الحديث لم نعد نقبله ... وإن يتب والصيرفي مثله
من تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هل تقبل توبته، أو لا تقبل؟ توافرت الشروط في قبول التوبة، أقلع عن ذلك، وندم، وأسف على ما صنع، وعزم أن لا يعود، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، لا خوفاً، ولا رغبة من أحد، توافرت شروط التوبة التي لو كان مشركاً بالله -جل وعلا-، فتاب مثل هذه التوبة لقبلت، وبدلت السيئات حسنات، لكنه تعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل تقبل هذه التوبة المستجمعة للشروط، أو لا تقبل؟(19/3)
يقول -رحمه الله- تعالى: "وللحميدي" أما من كان كذبه في كلامه العادي، ويتعمد الكذب في كلامه العادي، فإن هذا توبته مقبولة، الكلام فيمن يتعمد الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيضع الحديث في أي موضوع كان، سواءٌ كان وضعه للحديث في العقائد، أو في الأحكام بالحلال والحرام، أو في الفضائل، والترغيب، والترهيب، وغيرها، لكنه ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقول عليه ما لم يقله -صلى الله عليه وسلم-، هذا الذي فيه الخلاف في هذه المسألة.
يقول: "وللحميدي" شيخ الإمام البخاري، عبد الله بن الزبير، أول شيخ يروي عنه البخاري في صحيحه، وهو غير الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين؛ لأن هذا متقدم، متوفى سنة تسعة عشرة ومائتين، يعني قبل الإمام أحمد باثنين وعشرين سنة، ولذلك قُدم عليه في النظم؛ لأنه قبله، وأما صاحب الجمع بين الصحيحين الحميدي محمد بن أبي نصر فتوح، هذا متأخر، متأخر في الخامس، أربعمائة وزيادة، فهو غيره؛ لأن الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين اشتهر بين الناس لكتابه، وتقدم الحديث عنه في العام الماضي، في قول الناظم:
. . . . . . . . . ... وليت إذ زاد الحميدي ميزا
"وليت إذ زاد الحميدي ميزا" لأن الحميدي جمع بين الصحيحين، واعتمد على المستخرجات، والمستخرجات فيها زيادات، ونقل هذه الزيادات، وعلى حد زعم الناظم أن الحميدي زاد هذه الزيادات، ولم يميز بين الأصل والمزيد، وواقع الكتاب يشهد بخلاف ذلك، فإنه يميز هذه الزيادات، فالحميدي المتأخر ليس هو المقصود، إنما المقصود شيخ البخاري، شيخ الإمام البخاري، عبد الله بن الزبير المكي.
وللحميدي والإمام أحمدا ... . . . . . . . . .
وغيرهما –أيضاً-،
. . . . . . . . . ... بأن من لكذب تعمدا
أي في الحديث. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(19/4)
يعني في الحديث النبوي خاصة، أما إذا تعمد الكذب في كلامه العادي، فهي معصية من المعاصي تهدمها التوبة، وتجبها "أي في الحديث" يعني النبوي "لم نعد نقبله" في شيء أبداً، خلاص يحكم عليه بأن وجوده مثل عدمه، ما دام تجرأ، وكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو تاب، واستقام، وحسنت حاله، ولزم الصدق في جميع أحواله؛ فإنه لا يقبل، "لم نعد نقبله، وإن يتب" يعني وإن تاب، وحسنت توبته؛ تغليظاً عليه، لما ينشأ على فعله من المفسدة العظيمة، وهي تصيير ذلك، يعني تصيير ما كذبه شرعاً، شرعاً يدان الرب به -جل وعلا-، وهو من فريته، هذه مفسدة عظيمة، ويخرج بالتعمد:
. . . . . . . . . ... بأن من لكذب تعمدا
أن من يحصل الخطأ في كلامه، ويصدر منه ما يخالف الواقع من غير قصد، ومن غير عمد "وإن يتب" تغليظاً لفعله الشنيع "والصيرفي" أبو بكر الصيرفي الشافعي، من أئمة الشافعية، شارح الرسالة "والصيرفي مثله" يعني مثل كلام، مثل الكلام المنقول عن الحميدي، وأحمد، أي مثل الكلام المنقول عن الحميدي، وأحمد، يعني أنه لا تقبل توبته، ولكن "أطلق الكذب" ولم يقيده بالحديث النبوي، يعني ما ضُم إلى من قبله؛ لأن الحميدي، والإمام أحمد خصوا عدم قبول التوبة في الحديث النبوي، والصيرفي أطلق، ولم يقيد بالحديث النبوي حيث قال: كل من أسقطنا حديثه من أهل النقل بكذب لم نعد لقبوله لتوبته، يعني ما .. ، خلاص مادام كذاب، ولو في حديثه مع الناس؛ لأنه ما الذي يؤمننا أنه في يوم من الأيام يكذب "وزاد أن من" يعني زاد الصيرفي:
. . . . . . . . . أن من ... ضُعف نقلاً لم يقو بعد أن(19/5)
يعني بعد أن حكم بضعفه، وإن رجع إلى التحري، والإتقان، يعني مادام حكم عليه بالضعف؛ خلاص لم نعد نقبله "لم يقو" لم يقبل، ولو كان جرحه بسبب ذنب، ثم تاب منه، يعني تضعيف هذا الراوي بسبب ذنب، يشرب الخمر مثلاً، ثم تاب، هذا كلام الصيرفي، ومعروف أن الصيرفي -رحمه الله- متأخر عن أئمة النقد، وأئمة الجرح من عصور الرواية، متأخر، فالأئمة كلهم على أن من تاب من الذنب، وهو مقتضى النصوص الشرعية، كمن لا ذنب له، بل إذا تاب توبة نصوحاً بدلت سيئاته حسنات، ولنعلم أن كلام الحميدي، والإمام أحمد في عدم قبول توبة الكذاب الوضاع الدجال الذي يفتري على النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما هو في أحكام الدنيا، إنما هو في أحكام الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، لكن لا تقبل روايته بناءً على أنه جرح بأمر عظيم، فلا تقبل توبته ظاهراً، أما في الباطن فالله يتولاه.(19/6)
أصل هذه المسألة مفرع عن شهادة القاذف، القاذف ارتكب جرماً عظيماً، والقذف شأنه عظيم، وخطير، وجاء في الخبر مضعف عند أهل العلم، لكن يبين خطورة القذف: ((قذف محصنة .. )) قال: ((يحبط عبادة ستين سنة))، لا شك أن القذف للمحصنات الغافلات المؤمنات شأنه خطير، ولذا وجب فيه الحد، حد الفرية ثمانين جلدة، ولو أحضر من أحضر، لو شهد له واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، لا بد أن يأتي بأربعة شهداء؛ لأن الأمر عظيم، ليس كغيره من الذنوب يتعلق بتدنيس عرض، بتدنيس عرض، وهذا العرض لا يقتصر على شخص، بل يتناول أشخاص، وقد يتناول قبيلة مثلاً، إذا دنس عرض واحد، أو واحدة منهم، فالأمر عظيم، وجاء فيه الحد: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور]، هذا تاب، قذف محصنة، وتاب، قذف محصنة، قذف محصنة، وقد رأى العمل بأم عينيه، يعني كلامه مطابق للواقع، مطابق للواقع، وأحضر ثلاثة من الشهود العدول الثقات أنهم رأوا العمل بما لا يحتمل مجالاً للشك، أو التردد، نستحضر هذه الأمور كلها، يعني رأى الميل في المكحلة بنفسه، ومعه ثلاثة، فقذف، وشهد له هؤلاء الثلاثة الثقات يترتب عليه ثلاثة أحكام؛ لأن الأمر ليس بالسهل، يجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل شهادته أبداً، مع التأبيد، ويتصف بالفسق: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور]، ومعروف الخلاف في الاستثناء، هل يرجع إلى الجمل الثلاث، أو يرجع إلى الأخيرة فقط، أو على ما يرجع؟ في مثل هذا، أما في هذه الآية، فرجوعه إلى الأخيرة محل اتفاق، أما رجوعه إلى الأولى –أيضاً- لا يرجع اتفاقاً، بل لا بد من جلده، ولو تاب، الخلاف في المسألة الثانية، وهي قبول شهادته، قبول شهادته، فهل تقبل شهادته ليعود الاستثناء على الجملتين الثانية، والثالثة؟ أو لا تقبل؛ لأن رد الشهادة اقترن بالتأبيد؟ فمن قبل شهادته قال: إن رد الشهادة سببه الفسق، وارتفع الفسق اتفاقاً، وإذا ارتفع الفسق، وهو الوصف المؤثر في رد الشهادة؛ ارتفع ما ترتب عليه، وهو رد الشهادة، ومنهم من يقول: إن هذا(19/7)
التأبيد قيد مؤثر، فإلغائه ليس بالسهل، وإمكان إعادة الاستثناء إلى الجملة الأخيرة قول معتبر عند أهل العلم، فلا تقبل شهادته أبداً، وإن تاب.
هذه المسألة هي أصل للمسألة التي معنا، فإذا ردت شهادة القاذف، وتأبد رد شهادته، ولو تاب توبة نصوحاً بشروطها، ترد شهادته، فالذي يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أعظم، وأشد، فينبغي أن ترد روايته، والذين قالوا: إن الاستثناء يعود إلى الأمرين، فتقبل شهادته، قالوا: إن من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتكب جريمة، وموبقة من الموبقات، لكن التوبة تهدم ما كان قبلها، وإذا كانت تمحو أثر الشرك، وأثر المعاصي، والجرائم الكبار، فلأن تمحو مثل هذا الأثر من باب أولى، ولذا يقول النووي في شرح مسلم: "وما ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد، والمختار القطع بصحة توبته، كالكافر إذا أسلم، كالكافر إذا أسلم" يعني هذه القواعد العامة أنها تقتضي أن من تاب تاب الله عليه، والنصوص تدل على هذا، لكن رد الشهادة إنما هو زيادة في تشنيع الفعل "وأطلق" الصيرفي "الكذب" ولم يقيده بالحديث النبوي:
. . . . . . . . . وزاد أن من ... ضُعف نقلاً لم يقو بعد أن
بعد أن حكم بضعفه، يعني بعد أن حكم بضعفه لم يقو، وإن رجع إلى التحري، والإتقان، يعني ضعف بأي ذنب من الذنوب، قيل: فلان فاسق؛ لأنه شرب الخمر، حكم عليه بهذا الحكم، أو سرق، أو فعل، خلاص لا يعود إلى القبول، والتوثيق ما دام وصف بهذا الوصف، هذا الوصف لا يرتفع، لكنه قول ضعيف، قول ضعيف، وإلا لزم عليه أن جمهور المسلمين ممن زاول المعاصي أنهم كلهم ضعفاء، ووصف الفسق لا يرتفع عنهم، وهذا الكلام لم يقل به أحد "وليس كالشاهد" يعني وليس الراوي كالشاهد، يعني فإن شهادته تقبل بعد توبته بخلاف روايته، بخلاف روايته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، تقبل، كلامه واضح في هذا، كمن أسلم بعد كفره، شخص مسلم، ثم ارتد، ثم تاب، ورجع إلى الإسلام، تقبل، تقبل توبته، وتقبل روايته، يعني ما هو بأعظم من الردة –نسأل العافية-.
"وليس كالشاهد" يعني الراوي في ذلك، فإن شهادته تقبل بعد توبته بخلاف روايته "والسمعاني أبو المظفر يرى في" الراوي "الجاني" يرى:(19/8)
. . . والسمعاني ... أبو المظفر يرى في الجاني
بكذب في خبر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
نبوي
. . . . . . . . . إسقاط ما ... له من الحديث قد تقدما
أبو المظفر السمعاني، الآن هذا الحديث، أو هذا الراوي روى مائة حديث، مائة حديث، وحاله مستقيمة، يعني كل من سُئل عنه قال: ثقة، فوضع حديثاً بعد هذه المائة، وضع حديثاً بعد هذه المائة، أبو المظفر السمعاني يرى أن كل ها المائة كلها باطلة، ولا تقبل منه، ولو رواها في حال استقامته، ولو رواها في حال استقامته؛ لأن العبرة بالخواتيم، العبرة بالخواتيم:
. . . . . . . . . والسمعاني ... أبو المظفر يرى في الجاني
بكذب في خبر. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
يعني نبوي
. . . . . . . . . إسقاط ما ... له من الحديث قد تقدما(19/9)
من الحديث ما قد تقدما، مثل ما ذكرنا، يعني لو افترضنا أنه روى مائة حديث في حال الاستقامة، ثم كذب في حديث واحد؛ ترد كل المائة لماذا؟ لأن العبرة بالخاتمة، وتبين لنا من خلال ما ختم له به أن استقامته في الظاهر، وأنه في الباطن ليس بمستقيم، ولو كان مستقيماً ظاهراً، وباطناً لما خذل في آخر الأمر، وهذا يذكرنا بحديث: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه، وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) لا سيما إذا استحضرنا رواية: ((يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))، فالذي يعمل بعمل أهل الجنة، ثم يرتد في آخر العمر؛ هل نقول أن عمله الأول صحيح؟ كونه يحبط يحبط، لكن هل هو صحيح هذا العمل، أو أننا نحكم بأنه في الظاهر، وأما في الباطن لا بد أن يكون فيه دخن؟ وقد انطوى هذا العامل، وإن كان عمله في الظاهر سليم، إلا أنه قد انطوى على شيء، على طوية، ودخيلة تؤثر على هذا العمل، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، والفواتح كما يقول أهل العلم عنوان الخواتم، يعني لو كان في عمله هذا صادقاً مع الله -جل وعلا- لما خذل، وجه الارتباط بين قول السمعاني، وبين الحديث، ما وجه الارتباط؟ السمعاني يقول: باعتبار أنه كذب في آخر شيء نعم، أبطلنا أحاديثه الأولى؛ لأن كونه ثقة إنما هو فيما يبدو للناس، وهو في الحقيقة ليس بثقة، بدليل أنه خذل في آخر الأمر، وختم له بهذه الخاتمة السيئة، يعني الربط بين كلام السمعاني، وبين هذا الحديث ظاهر، لكن هل يجرؤ الإنسان أن يبطل عمل؛ لأن صاحبه في آخر الأمر ارتد؟ الإحباط منصوص عليه، لكن هل يحبط مطلقاً، أو حبوطه معلق بموته على الكفر؟ وهذا –أيضاً- له أثر فيما نحن فيه، افترضنا راوٍ روى مائة حديث، وهو موثق، ثم كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تاب، توبة نصوحاً، هل نقول: إن المائة الحديث الأولى باطلة باعتبار أنه تعقبها كذب، ولو تاب بعده، أو نقول: إن هذه المائة الحديث التي رواها في حال الاستقامة لا علاقة لها بكذبه بدليل أنه ختم له بخير؟ فهذا فرع عن الردة، فهل هي محبطة مطلقاً؟ هل هي محبطة للعمل مطلقاً؟ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر]؟(19/10)
أو الإحباط موقوف على الموت على الكفر؟ {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة]؟، ويظهر مثل هذا الخلاف فيمن حج، مسلم وحج، ثم حصل له ردة، ثم رجع إلى الإسلام، هل نقول: يعيد الحج، أو لا يعيد الحج؟ إحباط العمل مربوط بقوله -جل وعلا-: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة]، والآية الأخرى فيها قيد، وإلا ما فيها قيد؟ ما فيها قيد الآية الأخرى، بدون قيد، والثانية: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [(217) سورة البقرة] مقيدة، فهل نقول: إن المطلق يحمل على المقيد؟ وبهذا قال جمع من أهل العلم: إن الأعمال صحيحة موقوفة على الخاتمة، أن الأعمال موقوفة على الخاتمة، فإن ختم له بخير أعماله التي قبل الردة صحيحة، ولا يؤمر بإعادتها كالحج مثلاً، والذي يقول: لا، الردة بمجردها محبطة للعمل؛ يأمره بأن يعيد الحج، يأمره بأن يعيد الحج، وهل لمثل هذه الردة الطارئة التي مات على دينه، وإسلامه أثر في العقد، في عقد النكاح مثلاً، يعني لو أن مسلماً -نسأل الله السلامة، والعافية- ارتد، تبين زوجته منه، وإلا ما تبين؟ نعم، يعني لو أسلمت قبله هذه المسالة معروفة، ينتظر كما في قصة زينب بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجها أبي العاص، ينتظر حتى يسلم، أو ينتظر حتى تنتهي من العدة على خلاف بين أهل العلم في المسألة، لكن هذا مسلم، وفي عصمته امرأة مسلمة، ثم ارتد، ثم تاب بعد ذلك، هل نقول: إن هذه الردة أحبطت العقد؛ فلا بد من تجديده، أو نقول: مازالت في عصمته؛ لأن العبرة في الخاتمة؟ يعني مثل هذه المسائل توضح ما نحن فيه، والنظائر تكشف القواعد، والمسائل هذه كلها خلافية، هل تبين منه بمجرد الردة؟ أو ينتظر في أمره حتى تخرج من العدة، فإن خرجت بانت منه، بانت منه، فتحتاج إلى عقد جديد؟ أو أنه بمجرد ردته أحبط العقد، فيحتاج إلى عقد جديد، ولو أسلم في يومه، وقل مثل هذا في الحج، إذا حج في حال إسلامه، ثم ارتد -نسأل الله السلامة، والعافية-، ثم رجع إلى الإسلام، فهل يضر؟ المسألة الخلاف فيها ظاهر بين أهل العلم، ولكل دليله، والإعادة هو الأحوط في الأمرين، لكن كونه يرتد لا شك أن هذا يثير في النفس ما يثير في أعماله السابقة، ولأن القيد في الحديث:(19/11)
((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس))، وإلا لو كان عاملاً، مخلصاً لله -جل وعلا-؛ لكان الله -جل وعلا- ألطف به، وأرأف من أن يذهب عمله سدى، لكن لا بد أن يكون قد انطوى على دخيلة في نفسه.
. . . . . . . . . والسمعاني ... أبو المظفر يرى في الجاني
بكذب في خبر إسقاط ما ... له من الحديث قد تقدما
ترى هذه المسائل عملية، ويتفرع عليها مسائل كثيرة جداً، ما هي بمسألة –والله- راوٍ أسقطنا أحاديثه، وانتهينا.
السلف عموماً حينما يقرءون حديث ابن مسعود لا يستحضرون القيد: ((فيما يبدو للناس))، ولا يحملون المطلق على المقيد، فتجد الإمام العالم العامل المخلص على خوف شديد من سوء العاقبة؛ لأنه ما يستحضر أنه، أن عمله هذا: ((فيما يبدو للناس))، لا، يتهم نفسه، ويتهم عمله، ويخشى، وابن أبي مليكة يقول: "أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخشى النفاق على نفسه"، فما يقول: أنا –والله- الآن أنا مستقيم، ومخلص، ولا يقول مثل هذا إلا من في قلبه شيء ينافي الإخلاص، بحيث يأمن من سوء العاقبة، فالسلف كلهم، وأقوالهم منقولة، ومتداولة، ومشهورة في الخوف من سوء الخاتمة.
بالنسبة للأحكام في مثل ما ذكرنا من كلام السمعاني، كوننا نسقط المائة الحديث التي تقدمت استرواحاً منا إلى أن عمله، واستقامته غير صحيحة؛ لأنه خذل، هذا لا شك أنه عمل بما في القلب، استناداً إلى مثل هذا، وليس للناس أن يكلفوا إلا الظاهر، فما دام مستقيماً، وروى في حال الاستقامة؛ تقبل رواياته في حال الاستقامة، وترد رواياته إذا اختل هذا الشرط، ونظير ذلك شخص من أهل العلم ألف تفسيراً مثلاً، وتفسير في غاية الجودة، تفسير قوي، ومتين، ومن أبدع .. ، أو شرح للبخاري، أو شرح للسنة، أو ما أشبه ذلك، أو أي كتاب في فنون العلم الشرعي، كتاب يستفاد منه، ثم في النهاية ارتد -نسأل الله السلامة، والعافية-، نستفيد من كتابه هذا، أو نقول: إنه مادام ارتد، فعلمه مدخول، وليس تأليفه لله، فلا نستفيد منه، ويمكن أن يمثل لهذا بكتب، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ من؟
طالب: القصيمي.(19/12)
القصيمي نعم "الصراع بين الوثنية والإسلام" كتاب رائع جداً، رائع في غاية الجودة، ثم بعد ذلك حصل له ما حصل -نسأل الله السلامة والعافية-، فهل نرمي بجميع كتبه، ولا نستفيد منها؟ أو نقول: يستفاد، يؤخذ الكلام الصحيح، والقوي يستفاد منه، وما عدا ذلك بعد ردته ما نستفيد منه، ويش المتجه هنا؟ لأن عندك العلم دين، تكرر مراراً: "إن هذا العلم دين؛ فانظر عن من تأخذ دينك"، هل نقول: إن القصيمي حينما ألف كتاب الصراع، على الجادة، وفي استقامة من أمره، وفي إخلاص لله -جل وعلا- بدليل أن الكتاب عظيم، ومتين، أو نقول: إنه من الأصل فيه ما فيه، ثم بعد ذلك أظهر ما عنده؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو كونه الإعجاب ظاهر من أساليبه، الإعجاب بعلمه، ونفسه ظاهر، يعني في مقدمة البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية، في مقدمة القصيدة يمدح فيها نفسه، ومثل هذا لا شك أنه يورث، أو يوجد في القلب ريبة لطالب العلم المخلص، فهل نقول: إن هذا العلم دين؛ فلا تأخذ علمك، ودينك من مثل هذا، أو نقول: إن الحكمة ضالة المؤمن، ويستفاد من الكلام الحق على أي جهة كانت؟
طالب:. . . . . . . . .
أما كونها فيها فوائد، كتبه التي ألفها في أول الأمر فيها فوائد، فيها قوة، ومتانة، وأمر عجب، ولذلك الإنسان لا يأمن على نفسه، مهما بلغ من العلم، والتدين، ليكن على وجل دائم من سوء العاقبة، والله المستعان.
الخلاصة: إن من تاب من الكذب الجمهور على قبول توبته، وما الذي يحول بينه، وبين التوبة، فالذي يسلم بعد الشرك، أو يرتد، ويرجع إلى الدين تقبل توبته، والذي قتل مائة نفس ما الذي يحول بينه، وبين التوبة؟ وهكذا الجادة، والقواعد العامة تدل على أن توبته مقبولة، وأن روايته بعد ذلك بعد الاستقامة مقبولة، وأن الإنسان قد تتغير حاله أفضل، أو إلى أسوأ، ولكل حالة حكها، وليس للناس إلا الظاهر.
الفصل العاشر الذي يليه:
ومن روى عن ثقة فكذبه ... فقد تعارضا ولكن كذبه
لا تثبتن بقول شيخه فقد ... كذبه الآخر واردد ما جحد(19/13)
"من روى عن ثقة فكذبه" من روى وهو ثقة من الأصل، من روى من الثقات عن شيخ ثقة، حديثاً فكذبه الأصل، صريحاً كقوله: كذب علي، يقول: حدثني زيد، يقول عمرو: حدثني زيد، وعمرو ثقة، وزيد ثقة، فقال زيد: أبداً، كذب أنا ما نقلت له هذا الخبر، الثقة مفترضة في الاثنين، في الراوي، والمروي عنه، في الأصل والفرع،
ومن روى عن ثقة فكذبه ... فقد تعارضا. . . . . . . . .(19/14)
في قولهما، كالبينتين إذا تكاذبتا "فقد تعارضا" يعني في قولهما كالبينتين إذا تكاذبتا، ولكل واحد، أو لكل قول واحد منهما ما يرجحه، ما يرجحه، فالأصل المروي عنه يرجحه أنه مصدر الخبر، فإذا كذب المصدر، إذا سقط المصدر سقط الفرع، كالشهادة، لو قال: أشهد أن فلاناً يشهد على فلان، ثم قال: الأصل أبداً أنا ما أشهد، تسقط شهادة الفرع، وهنا الرواية إذا قال عمرو: حدثني زيد، فقال زيد: كذب أنا ما حدثته، فالأصل زيد، ومادام الأصل كذَّب الفرع إذن، مادام هو الأصل، فالرجوع إليه أولى، وأحرى؛ لأنه منبع الخبر، يعني لو أن -على خلينا بالواقع- إذاعة نقلت عن إذاعة خبراً، ثم الإذاعة المنقول عنها قالت: أبداً، نحن ما قلنا هذا، أو صحيفة نقلت عن صحيفة، لكن مثل هذا في وقتنا يمكن الوصول إلى الحقيقة، بخلاف الكلام الشفوي الذي لا يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة، الكلام الشفوي لا يمكن الوصول فيه إلى الحقيقة، يحدثه شفوياً، ثم ينكر كيف تثبت أنه بالفعل حدث، أو لم يحدثه؟ لكن لو أن إذاعة أخذت من إذاعة خبراً، ثم نفوا كما يقال على .. ، باستمرار يقولون: إن هذا الخبر عار عن الصحة تماماً، ثم قد يثبت من جهة أخرى، وقد ينفى، يثبت النفي، الوصول إلى الحقيقة ممكن في هذه الوسائل، لكن يبقى أنه إذا حدثه شفوي، قال عمرو: حدثني زيد، ثم قال زيد: كذب علي أنا ما حدثته، وهو الأصل، وهو المنبع، هذا يرجح جانب الأصل، وإذا قال الراوي عنه حدثني، وهو ثقة المفترض في الثقة أنه لا يكذب، واحتمال أنه ضبط، وحفظ، والأصل نسي، نسي، حدث ونسي، ما يمكن أن يحدث، وينسى؟ يمكن، يعني في المجلس الواحد يحدث شخصاً، ثم يحفظ عنه هذا الشخص ما حدث به، وبعد سنين يذكر هذا الخبر، فيكون الأصل قد نسيه، يقول: أنت قلت لنا هذا؟ قال: أبداً أنا ما قلت، لا قلت يا أخي نذكرك في بيت فلان، في يوم كذا، في مناسبة كذا، ثم لا يتذكر، هذا يحصل، ينسى الأصل.
ومن روى عن ثقة فكذبه ... فقد تعارضا. . . . . . . . .
يعني كالبينتين، ولكل واحد منهما ما يرجح قوله "ولكن كذبه" أي الراوي "لا تثبتن" بنون التوكيد الخفيفة، وإذا اقترن الفعل المضارع بنون التوكيد سواءٌ كانت خفيفة، أو ثقيلة يبنى؟ يبنى على الفتح:(19/15)
. . . ... وأعربوا مضارعاً إن عريا
عن نون توكيد مباشر ومن ... نون إناث كيرعن من فتن
إذا التصقت به نون التوكيد سواءٌ كانت خفيفة، أو ثقيلة؛ فإنه يبنى على الفتح "لا تثبتن" بقوله، أو "بقول شيخه"، "لا تثبتن بقول شيخه" هذا بحيث يكون جرحاً له، يعني ما تقول: ما دام قال الشيخ، وهو ثقة: كذب علي، أننا نثبت أنه كذب، يعني ما دام حكم عليه شيخه بأنه كذاب؛ هل نأخذ بقول شيخه؟ وهو يقول: حدثني وهو ثقة، وكلاهما ثقة، ما يحكم على طرف من قبل الطرف الآخر "فقد كذبه الآخر" فقد كذبه الآخر أيضاً، فإنه يقول: بل سمعته منه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من قبول قول الآخر:
. . . . . . . . . فقد ... كذبه الآخر واردد ما جحد
"اردد ما جحد" نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الحديث الذي جزم الشيخ بأنه كذب عليه، هذا يرد، لكن لا يلزم أنت ترد بقية أحاديثه؛ لأنه ثبت أنه كذاب، واردد ما جحد، يعني إذا جحد بعزم، بجزم قال: أبداً أنا ليس من مروياتي هذا الحديث، ليس من مروياتي هذا الحديث "وإن يرده بـ" قوله "لا أذكر"، "وإن يرده بلا أذكر" يعني لا أذكر هذا الحديث، ولا أعرف أني حدثته به "أو" نحوهما من العبارات "ما يقتضي" يعني ما يحتمل "نسيانه" كـ: لا أعرف أنه من حديثي "فقد رأوا" "الحكم للذاكر" يعني جمهور المحدثين رأوا أن الحكم للذاكر، يعني إذا روى عمرو عن زيد، ثم قال زيد: والله أنا ما أذكر شيئاً نسيت، ما أذكر شيئاً؛ فالحكم لمن؟ "للذاكر" لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فقد رأوا
الحكم للذاكر عند المعظم ... . . . . . . . . .(19/16)
"الحكم للذاكر عند المعظم" وهو الراوي، كما هو قول المعظم من الفقهاء، والعلماء، وصححه جماعات منهم ابن الصلاح؛ لأن الراوي مثبت، والشيخ نافٍ، ولأنه ثقة، ثقة جازم غير متردد، والمروي عنه كلامه محتمل، متردد؛ لأنه يقول: لا أذكر، فلا ترد، يرد هذا الجزم من الراوي بالاحتمال، والتردد من قبل الشيخ، لاحتمال نسيانه "وحكي الإسقاط" في المروي أي عدم قبوله بذلك "عن بعضهم" وهم قوم من الحنفية؛ لأن الراوي فرع للشيخ، فهو تابع له، مادام الشيخ نسي، وقال: ما أذكر هذا الحديث، فكيف يثبت حديث من طريق شخص متردد فيه؟ الشيخ متردد، فكيف يثبت هذا الحديث، والراوي متردد؟ هذا "حكي الإسقاط عن بعضهم" لكن القول الأول هو قول الأكثر، والنسيان يطرأ على الإنسان، فإذا كان الراوي عنه ثقة، ومتأكد من أنه حدثه به، فيقبل قوله، ويثبت الخبر.
هذا الشخص الذي حدث، ونسي ألا يحتمل أنه من الأصل ضعيف الحافظة، فلو كان حافظاً، جازماً، حازماً في حفظه ما نسي، نقول: النسيان لا يعرو منه أحد، لكن إن كثر، فهذا في حديثه أثر عليه "كقصة الشاهد، واليمين" مثال ذلك: قصة الشاهد، واليمين المروي بلفظ: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى باليمين مع الشاهد" إذ نسيه سهيل، يعني ابن أبي صالح الذي أُخذ عنه عن أبيه عن أبي هريرة، سهيل ابن أبي صالح يروي عن أبيه عن أبي هريرة: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى بالشاهد، واليمين"، لكن سهيل نسي:
كقصة الشاهد واليمين إذ ... نسيه سهيل الذي أخذ
عنه. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .(19/17)
يعني عن أبيه عن أبي هريرة "فكان" سهيل "بعد عن ربيعة" بن أبي عبد الرحمن "عن نفسه يرويه" عن ربيعة الذي يرويه عنه، ربيعة يرويه عن سهيل، فنسي سهيل الحديث، فكان سهيل يقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته بكذا "فكان بعد" يعني سهيل بعد "عن ربيعة" بن أبي عبد الرحمن، ربيعة الرأي "عن نفسه يرويه" فيقول: أخبرني ربيعة أنني حدثته بهذا الحديث، حدثني ربيعة عني أني حدثته بهذا الحديث "يرويه لن يضيعه" يرويه لن يضيعه؛ لأن سهيلاً ثقة، وربيعة ثقة، والحديث مروي عن ثقات، فإضاعة هذا الخبر بسبب النسيان الذي هو ملازم للإنسان نعم، لا لشك أنه تضييع لحكم شرعي "لن يضيعه" يعني لن يتركه لمجرد نسيانه، وقد ألف الخطيب البغدادي، والدارقطني فيمن حدث ونسي، فيمن حدث ونسي، وللسيوطي "تذكرة المؤتسي في من ذكر من حدث ونسي"، هذه المسألة، وهي نسيان الأصل، نسيان الأصل، جعلت بعض العلماء ينهى عن الرواية عن الأحياء، ينهى عن الرواية عن الأحياء؛ لأن الأحياء ينسون، ثم إذا روى عن هذا الحي الذي نسيَ، وقال: إني ما أذكر أني حدثته، يقع الراوي عنه في حرج عظيم، يعني تصور أنك نقلت فتوى عن شيخ، قبل .. ، أيام الطلب، يعني قبل عشرين سنة، أو ثلاثين سنة، تقول: والله الشيخ فلان أفتانا بكذا أيام كنا طلاباً، ثم يذهبون الناس إلى الشيخ ليتأكدوا من هذه الفتوى، قال: أبداً أنا ما قلت شيء، ويش موقفك؟ ويش موقفك عند من نقلت عنهم: إن الشيخ قال كذا؟ يعني مهما بلغت من الثقة، والإتقان الشيخ هو الأصل، يعني إذا كذب الأصل، فالفرع تبعاً له، والنسيان كما يطرأ على الشيخ يطرأ على الطالب أيضاً، فلأجل هذا نهى بعضهم عن الرواية عن الأحياء، أنت إن بغيت أن تنقل عن أحد اصبر لين يموت؛ على شان ما يكذبك، وتقع في حرج.
والشافعي نهى ابن عبد الحكم ... . . . . . . . . .
نهى محمد بن عبد الله بن الحكم حينما روى عنه حكاية فأنكرها، ابن عبد الحكم نقل عن الشافعي كلاماً حكايةً، فقال الشافعي: ما أدري أنا قلت، أبداً ما أذكر أني قلت هذا الكلام، ثم قال له: إياك، والرواية عن الأحياء؛(19/18)
لأنه لا سيما إذا كان المنقول عنه محل ثقة من الناس، يعني أنت بالنسبة له يعني كالطالب، لكن لو كان العكس الشيخ هو محل الثقة، وهو اللي ينقل عنك أنك مثلاً مشاغب في القاعة أيام الطلب، يقول: فلان كان أيام الطلب مشاغب، وآذانا، وآذى زملاءه، ثم تقول، ثم أنت فيما بعد يراك الناس على هيئة تامة، وشيخ، ولا يستنكرون من تصرفاتك شيئاً، ثم يقولون إذا قال الشيخ في مجلس: كان فلان آذانا في أيام الطلب، فلا شك أن الشيخ هو محل الثقة في الغالب، وإن تغيرت حالك فيما بعد.
فالشافعي -رحمه الله- نهى ابن عبد الحكم حينما روى عنه حكاية، فأنكرها على أنه لا يروي عن الحي:
نهى ابن عبد الحكم ... يروي عن الحي لخوف التهم
"لخوف التهم" هذا إذا كان للخبر الذي يرويه عن هذا الشيخ الحي طريق أخرى، تقوم به الحُجة، تقوم به الحجة، ويثبت به الخبر، أما إذا لم يكن له طريق آخر، ما في إلا عن طريقي، وعن طريق هذا الشيخ، وكلكم ثقات، والشيخ احتمال يكون ينسى، أو ما ينسى هذا أمر إليه، لكن تضيع السنة من أجل أنك تخشى أن الشيخ ينسى، ثم تقع في حرج، لا، لا بد من التبليغ، لا بد من تبليغ الخبر، ولو خشيت ما خشيت، والله المستعان.
اللهم صلي على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
ومن روى بأجرة لم يقبل ... إسحاق والرازي وابن حنبل
وهو شبيه أجرة القرآن ... يخرم من مروءة الإنسان
لكن أبو نعيم الفضل أخذ ... وغيره ترخصاً فإن نبذ
شغلا به الكسب أجز إرفاقا ... أفتى به الشيخ أبو إسحاقا
ورد ذو تساهل في الحمل ... كالنوم والأدا كلا من أصل
أو قبل التلقين أو قد وصفا ... بالمنكرات كثرة أو عرفا
بكثرة السهو وما حدث من ... أصل صحيح فهو رد ثم إن
بين له غلطه فما رجع ... سقط عندهم حديثه جمع
كذا الحميدي مع ابن حنبل ... وابن المبارك رأوا في العمل
قال: وفيه نظر نعم إذا ... كان عناداً منه ما ينكر ذا
وأعرضوا في هذه الدهور ... عن اجتماع هذه الأمور(19/19)
لعسرها بل يكتفى بالعاقل ... المسلم البالغ غير الفاعل
للفسق ظاهراً وفي الضبط بأن ... يثبت ما روى بخط مؤتمن
وأنه يروي من أصل وافقا ... لأصل شيخه كما قد سبقا
لنحو ذاك البيهقي فلقد ... آل السماع لتسلسل السند
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي في الفصل الحادي عشر من الفصول التي ذكرها -رحمه الله تعالى- قال:
ومن روى بأجرة لم يقبل ... . . . . . . . . .
من روى الحديث بأجرة، بأن قال: لا أحدث إلا بكذا، أو كل حديث بكذا، أو كل يوم بكذا، من روى الحديث بأجرة، أو جعالة بأن يكون الأجر على عموم العمل، سواءٌ كان في زمن قصير، أو طويل، من أراد أن يعلمه كتاب كذا، فبكذا "لم يقبل" روايته "إسحاق" بن راهوية، إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهوية، الإمام العلم المشهور، والإمام أبو حاتم الرازي، والإمام أحمد بن حنبل:
ومن روى بإجرة لم يقبل ... إسحاق والرازي وابن حنبل
"وهو" يعني المأخوذ على ذلك من أجرة، أو جعالة، ونحوهما "وهو شبيه أجرة":
وهو شبيه أجرة القرآن ... . . . . . . . . .
وهو يعني المأخوذ على ذلك شبيه بأجرة معلم القرآن، شبيه بأجرة معلم القرآن، ونحوه في الجواز، وعدمه، ولا شك أن العلم عبادة، العلم الذي يبتغى به وجه الله، علم الوحيين عبادة، ولذا لا يجوز التشريك فيه، فهل الأجرة تؤثر فيه، أو لا تؤثر؟ يعني لو قال: لا أصلي بكم إلا بكذا، لا أصلي بكم إلا بكذا، أهل العلم يمنعون من هذا، والإمام أحمد يقول: من يصلي خلف هذا؟! في العبادات المحضة، لا سيما وأنها لا تعوق عن تحصيل الرزق، أعني مثل الصلاة، لكن العلم، وهو عبادة محضة قد يعوق عن تحصيل الرزق له، ولمن تحت يده، فيكون له عذر، ومبرر، إضافة إلى أنهم شبهوا هذه الأجرة التي يأخذها المحدث بأجرة معلم القرآن، وجاء فيها النص الصحيح الصريح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) فماذا عن الأجرة على التحديث؟ هل نقول: إذا جاز ذلك في كتاب الله جاز في الحديث من باب أولى، أو لا؟
يقول:
وهو شبيه أجرة القرآن ... يخرم من مروءة الإنسان(19/20)
"يخرم من مروءة الإنسان" يعني شبيه بأخذ الأجرة على القرآن في الجواز وعدمه، في الجواز وعدمه، وفي الجواز الحديث الصحيح الذي سمعتم، وفي عدمه حديث عبادة في القوس الذي أهدي له من قبل من علمه، وأفتى، ذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فمنعه، ولكن الحديث فيه مقال، لا يقاوم حديث: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) "يخرم" الأخذ على التحديث يخرم، أي: ينقص من مروءة الإنسان، والمقصود بالإنسان الآخذ لذلك الأجر، إذ قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، إذ قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، وأنهم يتكلمون فيمن يأخذ الأجر على التحديث، وأن هذا لا شك أنه محل لكلامهم، قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، وتنزيه العرض عن النظر إليه؛ لأن الذي يأخذ، الذي يأخذ الأجرة على مثل هذه الأعمال لا شك أن نفسه قد تنازعه إلى ما وراء ذلك، إلى ما وراء ذلك، وبعض الناس يمتنع من الأخذ على الرقية، وفيها حديث أبي سعيد الصحيح، وأنه أخذ ثلاثين رأساً من الغنم في مقابل رقية رئيس القوم الذي لدغ، بعض الناس يتورع من هذا يقول: لأني إذا أخذت ما انتهيت، والنفس لا نهاية لها، حتى أن بعض الكبار الأثرياء الذين لا يؤثر عليهم أن يدفعوا له، يمتنع من الأخذ منهم، يقول: إذا أخذت من الكبار أخذت من الصغار، إذا أخذت من الأغنياء دعتني نفسي إلى الأخذ من الفقراء، فلا شك أن النفس تحتاج إلى فطام، تحتاج إلى فطام، وإذا دخلت، وولجت في مثل هذه الأمور لم تنته، إذا ولجت في مثل هذه الأمور ما انتهت، فالإنسان عليه أن يتورع عن مثل هذه الأمور، وإن كان الأصل في المسألة الجواز، فأبو سعيد أخذ الأجرة ثلاثين رأس من الغنم، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي منها بسهم))، والخضر أقام الجدار، ولم يأخذ أجراً مع أنهم استضافوا أهل القرية، ومنعوهم، استضافوهم، فمنعوهم، فأيهما أكمل، صنيع أبي سعيد الذي أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ منه: ((اضربوا لي بسهم))، أو صنيع الخضر؟ أو صنيع موسى لما سقى للمرأتين، هاه؟ مكلف بأن يبني الجدار، وما فعلته عن أمري، وما فعلته عن أمري، لكن ما الذي يمنعه من أخذ الأجرة، كما استدرك عليه موسى -عليه السلام-؟ لا شك أن(19/21)
صنيعه بالنسبة لفعله كامل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لأن عندنا قضايا منها قصة الخضر حينما أقام الجدار، ولم يأخذ أجراً، مع أنهم استضافوهم، فلم يضيفوهم، وقصة أبي سعيد نعم لم يضيفوهم، وأخذ الأجر، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وموسى -عليه السلام- سقى للمرأتين بدون أجرة، اللهم إلا إذا كان تزويجه بإحداهما مكافئة له، لكن الذي يظهر أن المكافئة للتزويج في مقابل .. ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم العمل عند أبيهما ثمان، أو عشر سنين، وأتم الأكمل اللي هو العشر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
شارط هو، وقال: ما أقرأه عليه إلا بكذا، ما أقرأ عليه إلا بكذا، الإباحة لا إشكال فيها، والجواز: ((وإن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله))، أو كلام الله، هذا ما فيه إشكال أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي بسهم))، فهو مال مباح لا شبهة فيه، وكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقره، وقال: ((اضربوا لي بسهم)) لا تدل على الجواز، وإذا دل على الجواز لا يعني أنه الأكمل، فقد ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، ثم يفعله لبيان الجواز، ولا يعني أن فعله أكمل من عدم فعله، ولا شك أن ترك مثل هذه الأمور، والتعامل مع الناس بشيء من التسامح أكمل، وأولى.
وهو شبيه أجرة القرآن ... يخرم من مروءة الإنسان
جرت عادة الناس أن الذي يعلم الناس القرآن بأجرة لا يخرم من مروءته، والذي يعلم الحديث بأجرة يخرم من مروءته، هكذا قال أهل العلم:
وهو شبيه أجرة القرآن ... . . . . . . . . .
لكنه:
. . . . . . . . . ... يخرم من مروءة الإنسان(19/22)
وليس قوله: يخرم من مروءة الإنسان، عائد إلى الأمرين؛ لأن أجرة القرآن فيها النص، فيها النص الصحيح الصريح، وأما الأجر على التحديث؛ فإن قلنا بالقياس أجزناه من باب أولى؛ لأنه إذا جاز في كلام الله جاز في كلام غيره، كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- فضلاً عن غيره؛ لأن من أهل العلم من يأخذ الأجرة على غير العلوم الشرعية، يعني يمتنع من أخذ الأجرة على القرآن، والتفسير، والحديث، وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، والفقه، والعقيدة، وما يخدم ذلك، يعني من العلوم الشرعية، يمتنع امتناعاً شديداً، ويأخذ الأجرة على علوم العربية، والتواريخ، وما أشبه ذلك، فيرى أن هذه عبادة لا يؤخذ عليها أجر، وتلك فن من فنون المعرفة، مثل الصناعة، والتجارة، والزراعة، وغيرها.
لكن أبو نعيم الفضل أخذ ... . . . . . . . . .
لكن الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين، شيخ الإمام البخاري أخذ الأجرة، أخذ عوضاً عن التحديث، وكذا أخذ غيره، كعفان بن مسلم شيخ البخاري، وهما من الثقات الأثبات "ترخصاً" يعني للحاجة للحاجة، قال علي بن الخشرم: سمعت أبا نعيم -يعني الفضل بن دكين- يقول: يلومنني على الأخذ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفساً، وفي بيتي ثلاثة عشر نفساً، وما فيه رغيف، وما فيه رغيف، فمثل هذا أيهما أفضل يأخذ أجرة في مقابل حبسه عن التكسب، أو يتكفف الناس، ويسألهم، أو يترك التحديث بالكلية، يعني ثلاثة خيارات؛ إما أن يترك التحديث بالكلية، وينصرف إلى طلب الرزق، أو يتكفف الناس، ويسألهم من أموالهم، أو يأخذ أجرة في مقابل انحباسه للطلاب، وهذا أخفها، هذا أخفها، ومنهم من جوز الأخذ من غير طلب، يعني إن جاءه شيء أخذه، وإن ما جاءه شيء ما سأل، ومنهم من كان يأخذ من الأغنياء فقط، من الأغنياء فقط، ومنهم من يأخذ من أهل البلد، ولا يأخذ من الغرباء، وهذا موجود في سير أهل العلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهذا القول قلناه، منهم من يأخذ بغير طلب، ومنهم من يأخذ بغير طلب، إن جاءه شيء أخذه، وإن لم يأت شيء ما سأل.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
المشارطة؟
طالب: إيه.(19/23)
لا، لا؛ أصل الأخذ، أصل الأخذ من أهل العلم من يمنعه بالكلية، ومنهم كالحافظ أبي نعيم الفضل بن دكين أخذ عوضاً عن التحديث، وكذلك عفان بن مسلم، وهما من شيوخ البخاري الثقات الأثبات "ترخصاً" يعني للحاجة "فإن نبذ" أي ألقى، أو أوجد "شغلاً به" أي بالتفرغ للتحديث "شغلاً به الكسب" الكسب لنفسه، وعياله "أجز" الأخذ "أجز إرفاقاً" أجز الأخذ لمن حدث ممن شغل عن الكسب لنفسه، ولأولاده إرفاقاً به في معيشته، عوضاً عما فاته من الكسب بدلاً من أن يترك الحديث، وينصرف إلى التكسب، أو يتكفف الناس، ويسألهم من أموالهم "أفتى به الشيخ" أي فقد أفتى به أي بجواز الأخذ "الشيخ أبو إسحاقا" يعني الشيرازي، الشيرازي لما سأله ابن النقور لكون أصحاب الحديث يمنعونه من الكسب، فكان يأخذ كفايته، فكان يأخذ كفايته فقط، ولا يزيد على ذلك، فالحاصل أن الأخذ أخذ الأجرة على التحديث لكونها تشغل الإنسان، وتأخذ من وقته جائز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف المروءة، اللهم إلا إذا اضطر إلى ذلك كحال أبي نعيم الفضل بن دكين، الذي بيته مملوء من النساء، والذرية، وليس فيه رغيف، فمثل هذا يعذر، لكن الذي يأخذ تكثراً، عنده الأموال، وعنده الأزواد التي تكفيه لسنته، ولأولاده، ثم يشارط الناس على هذا، وللمحدثين قصص تدل على تمام الورع، من بعضهم، من بعضهم، والبعض الآخر لا شك أن لديه حرص، شيء من الحرص على الدنيا، فيشارط، وإذا أعطي شيئاً قليلاً رده، ومنع الطالب من التحديث، منعه من السماع، وعلى كل حال الناس يتفاوتون في هذا، وما جبلوا عليه من حب للدنيا، وانصراف عنها، من الناس الدنيا ما تهمه، ومن الناس من دخل حبها قلبه، فمثل هذا يأخذ، وذاك يتورع، ولو كان بأمس الحاجة.
المقصود أن مثل هذا يخرم المروءة لا سيما إذا كان مع عدم الحاجة.
ثم قال في الفصل الثاني عشر: "ورد" يعني من قبل أهل الحديث:
ورد ذو تساهل في الحمل ... . . . . . . . . .(19/24)
أي تحمل الحديث "كالنوم" يعني كالذي ينعس، أو ينام في الدرس، هذا متساهل في التحمل، كالتحمل في حال النوم، الواقع منه، أو من شيخه، يعني إذا كان الطالب ينعس؛ هذا لا شك أن تحمله فيه ما فيه، وكذلك إذا كان الشيخ ينعس، والطالب يتحمل منه في هذا الحال؛ لا شك أن تحمله رديء، وبالنسبة للشيخ يكون أداؤه رديئاً:
. . . . . . . . . ... كالنوم والأداء كلا من أصل
"والأداء كلا من أصل" يعني أي: كالذي يحدث، أو كالذي يروي من أصل غير صحيح، وهو غير حافظ لكتابه؛ لأن بعض الناس عنده مرويات، وهذه المرويات يدونها في كتابه، الشيخ يملي إما من حفظه، أو من كتابه، ثم بعد ذلك هذا ينقل، فهذا النقل قد لا يكون صحيحاً، يكون فيه أخطاء، ولذا يشترطون المقابلة، يشترطون المقابلة على أصول:
. . . . . . . . . ... وقال يحيى النووي: أصل فقط
يعني تكفي المقابلة على أصل واحد، وأما أكثر أهل العلم على أنه لا بد من المقابلة على أصول؛ ليخرج أصله، وكتابه صحيحاً، والكتاب الذي لا يقابل تكثر فيه الأخطاء، والشواهد كثيرة في المخطوطات، تجد أن الكتاب المقابل على نسخ تجده جيد، وهو نادر الأخطاء، أما الكتاب الذي نسخ من غير مقابلة، ثم ينسخ ثانية من غير مقابلة، ثم يخرج أعجمي، يخرج أعجمي، وقل مثل هذا في المطبوعات، المطبوعات التي لا يراجعها أهل الاختصاص، وأهل العلم يكون فيها أخطاء كثيرة، يكون فيها أخطاء كثيرة، وأحياناً الأخطاء تبين لأدنى الناس معرفة، يعني قد يكون الخطأ في عنوان الكتاب، عنوان الكتاب، الإمام البخاري له "جزء القراءة خلف الإمام"، طبع على غلاف الكتاب "جزء القراءة خلف الصلاة"! فإذا كان العنوان الكبير هذا عنوان الكتاب خطأ، فما بالك بالمضمون؟ يعني هذه نتيجة النشر من غير مراجعة، ولا يراجعها، لو يراجعها أدنى الناس، يعني من يعرف القراءة، والكتابة يراجع المطبوع على ما طبع منه أدرك مثل هذا، لكن هناك أمور لا يدركها إلا أهل الاختصاص، ولذا تميزت بعض المطابع بأن فيها لجان علمية تراجع، وقل مثل هذا في الكتب التي تنسخ باليد، لا بد من مقابلتها على الأصول، فالذي يحدث من كتاب غير مقابل، وفيه من الأخطاء ما فيه هذا رُدَّ؛ لأنه متساهل في تحديثه.(19/25)
"كلا من أصل" يعني كالمروي لا من أصل صحيح، وهو غير حافظ له "أو قبل التلقين" ورد المحدثون –أيضاً- رواية من قبل التلقين في الحديث، بأن يلقن الحديث، فيحدث به، يلقن الحديث، فيحدث به، فيقال له: هذا حديثك عن فلان، هذا حديثك عن فلان؟ فيقول: نعم، فيحدث به، يلقن، فيقبل التلقين، وهذا مر بنا قبل ذلك:
أو قبل التلقين أو قد وصفا ... . . . . . . . . .
من الأئمة "بالمنكرات" يعني برواية المنكرات، أو برواية الشواذ "كثرة" يعني لا نادراً؛ لأن التحديث بالمنكرات، والشواذ النادر لا يخرم في حفظ الراوي؛ لأن الضابط عندهم قبل في معرفة الضبط، وعدمه عرض مروياته على روايات غيره من الثقات:
ومن يوافق غالباً ذا الضبط ... فضابط أو نادراً فمخطي
فإذا كثرت الشواذ، والمخالفات، والمنكرات؛ فإنه يرد "أو قد وصفا بالمنكرات" يعني بروايتها، ومثلها الشواذ "كثرة" يعني لا نادراً، "أو عرفا" أو عرف هذا الراوي "بكثرة السهو" أو الغلط في روايته، يعني بعض الناس غلطه كثير، من يسلم، ومن يعرو من الخطأ والنسيان، لكن إذا كثر الخطأ، والغلط في مرويات الراوي بغض النظر عن صوابه، يعني أهل الحديث ينظرون إلى الخطأ فقط، فإذا كثر ردت أحاديثه، يعني شخص يروي ألف حديث غلط في مائتي حديث، هذا يرد حديثه، هذا عند أهل الحديث لا ينظرون إلى الصواب، وأهل النظر، وإن كانوا لا عبرة لهم في مثل هذه المسألة، يقولون: ينظر إلى الخطأ والصواب، فإن كان الأكثر الصواب قبل، وإن كان الأكثر الخطأ رد، ومثل هذا لا يعول فيه على أهل النظر، ولذا حد بعضهم الكثرة بالسبع، بسبع المرويات "أو عرف بكثرة السهو" أو الغلط في روايته، والحالة أنه "ما حدث من أصل صحيح" يعني يحدث من حفظه، فيستدل بذلك على أن حفظه ضعيف، على أن حفظه ضعيف، فإن حدث من حفظه، أو من أصل غير صحيح؛ فإنه حينئذٍ يرد "فهو ردٌّ" يعني مردود، رد مصدر، ويراد به اسم المفعول، رد يعني مردود، كالحمل يراد به المحمول:
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم إن
بين له غلطه فما رجع ... سقط عندهم. . . . . . . . .(19/26)
بين له غلطه، قيل له: أنت أخطأت في هذا الحديث، أخطأت في هذا الحديث، في حديث مثلاً، الذي مر بنا: "نهى أن تتخذ الروح عرضاً"، قيل له: الصواب: "نهى أن تتخذ الروح غرضاً"، يعني للسهام، قال: لا، أبداً، كلامي هو الصواب، وقيل له، قال له واحد، واثنين، وثلاثة، وعشرة، ويصر على ذلك، يصر على غلطه؛ هذا يسقط عندهم، عند المحدثين يسقط الاحتجاج به.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . ثم إن
بين له غلطه فما رجع ... سقط عندهم. . . . . . . . .(19/27)
أي عند المحدثين "حديثه جُمَع" يعني جميع حديثه يسقط، فلا يُحتج بشيء منه؛ لأنه يحكم عليه بالضعف، لأنه يحكم عليه بالضعف، وإذا حكم عليه بالضعف انتهى، لا يقبل "كذا الحميدي" عبد الله بن الزبير، شيخ البخاري "مع ابن حنبل" يعني مع الإمام أحمد بن حنبل "وابن المبارك" يعني ومع عبد الله بن المبارك المروزي "رأوا" إسقاط حديثه بذلك، رأوا إسقاط حديثه بذلك، يعني بكونه يصر على الغلط، أما من يخطئ، فإذا نبه تنبه، ولم يكثر الخطأ في روايته، فمثل هذا مقبول، ومن يصر، ولو قل خطأه، إذا بين له الخطأ وأصر مثل هذا يرد حديثه، رأوا إسقاط حديثه بذلك "في العمل" احتجاجاً، وروايةً، احتجاجاً، وروايةً، حتى تركوا الكتابة عنه، يعني صار ضعفه شديداً، ولا يكتب عنه؛ لأن من الرواة من يكتب حديثه للاحتجاج، والعمل، ومنهم من يكتب حديثه للاستشهاد، فيعتبر به "قال" يعني ابن الصلاح، قال يعني ابن الصلاح: "وفيه نظر" لأنه ربما يعتقد صدق ما قيل له، ربما لا يعتقد صدق ما قيل له؛ لأن له وجهة نظر؛ لأنه ما كل من يرد .. ، ما كل من يرد يكون الصواب معه، وكم من شخص رد على غيره، والصواب مع المردود عليه، نعم، فإذا امتنع من القبول؛ لأنه يرى أن الصواب معه، فإنه حينئذٍ لا يرد حديثه، ثم يرجح بين الأمرين لا يرد مباشرة، وإنما بعد الترجيح يرد حديثه هذا؛ لأنه خالف فيه "نعم إذا"، "نعم إذا كان" عدم رجوعه إلى قول من ينبهه على الخطأ "عناداً منه" لا حجة له فيه، ولا مطعن عنده يبديه، إذا رد عليه، وبين له الخطأ، إذا لم يقبل؛ لأن عنده وجهة نظر، هذا لا يرد كما قال ابن الصلاح، وإن كان عدم انقياده، وإذعانه مجرد عناد، مجرد عناد، يقول: أبداً الصواب معي، ولا يبدي وجهة نظر، ولا شيء:
. . . . . . . . . نعم إذا ... كان عناداً منه ما ينكر ذا
يعني القول برد حديثه، وسقوط حديثه، وعدم الكتابة عنه على ما تقدم.
ثم بعد ذلك الفصل الثالث عشر: "وأعرضوا" يعني المحدثين "في هذه الدهور" يعني في العصور المتأخرة:
وأعرضوا في هذه الدهور ... . . . . . . . . .
يعني في العصور المتأخرة بعد عصر الرواية:
. . . . . . . . . ... عن اجتماع هذه الأمور(19/28)
"عن اجتماع هذه الأمور" يعني الشرائط التي تقدمت، التي ذكرها الناظم في صفة من تقبل روايته، ومن ترد في أول الفصل:
أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
ثم بعد ذلك سرت هذه الشروط، هذه تشترط في الرواة الذين يعول عليهم في التصحيح والتضعيف، في التصحيح والتضعيف، فسنن أبي داود مثلاً، الأحاديث فيه مروية بالأسانيد من أبي داود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومروية بالأسانيد منَّا إلى أبي داود، من أبي داود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من تطبيق الشروط، لماذا؟ لأن هذه السلسلة من أبي داود إلى الصحابي، هذه معول عليها في ثبوت الخبر، وعدمه، يعني ضعف بعضهم، أو عدم انطباق، أو اختلال بعض الشروط في هذا القسم هذا من المصنف إلى الصحابي مؤثر هذا، مؤثر في صحة الحديث، وضعفه، لكن من بعد أبي داود إلينا يعني ما يقرب من خمسة عشر راوٍ مثلاً، هؤلاء هل يتأثر الحديث المخرج في سنن أبي داود بضعف أحدهم؟ ما يتأثر، يعني لو وجدنا شخصاً وضاعاً في طريق شخص معاصر إلى البخاري، ثم من هذا الطريق خمسة عشر شخص منهم هذا الوضاع، أو أكثر من واحد، وفيهم المتهم، وفيهم كذا، إلى أن قال محمد بن إسماعيل البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان إلى آخره، هل يتأثر حديث الأعمال بالنيات بوجود وضاع دون البخاري؟ لا، إذن هل يلزم من استيفاء الشروط في أناس لا يتأثر الخبر بهم، يعني تطبق الشروط التي اشترطت لرواة يتأثر الخبر بهم صحة، وضعفاً؟ لا، ولذا قال:
وأعرضوا في هذه الدهور ... عن اجتماع هذه الأمور(19/29)
يعني الأمور السابقة من شروط من تقبل روايته ومن ترد "لعسرها" لعسرها؛ لأن الأئمة حرصوا على ضبط الرواة الذين لهم أثر في الصحة والضعف، ومن عداهم ما حرصوا عليهم، من عداهم ما حرصوا عليهم؛ لأن حفظهم ليس من حفظ السنة، أما من له أثر في التصحيح والتضعيف؛ فحفظه من حفظ السنة، سواءٌ كان ثقة، أو كان ضعيفاً "لعسرها" ولذا في الأسانيد المتأخرة في شيوخ البيهقي مثلاً، أو شيوخ الحاكم، يعني ممن تأخر بعد عصور الرواية، أو شيوخ الطبري مثلاً تجد في الوقوف عليهم عسراً شديداً، يعني قد لا تجد من يترجم لهم، تحتاج أن تديم النظر في كتب التواريخ -لا سيما تواريخ البلدان- حتى تجد ترجمة لشيخ الحاكم، أو شيخ البيهقي، أو شيخ الطبري، أو شيخ البغوي، لكن هؤلاء في الغالب لا يترتب عليهم حفظ السنة، في الغالب، ولذا لم يهتم أهل العلم بتراجمهم كما اهتموا بتراجم رجال الكتب التي هي الدواوين الأصلية "لعسرها" وتعذر الوفاء بها، يعني بوجودها "بل يكتفى" بل يكتفى في الرواية عنه –يعني هذا المتأخر- بشروط يسيرة، إذ لا يليق بطالب الحديث أن ينزل عنها "بالعاقل" يعني ما يمكن أن يروى عن مجنون، ولو لم يكن له أثر "المسلم" نعم لا يروى عن كافر "البالغ" البالغ؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم، والتكليف "غير الفاعل"، "غير الفاعل للفسق" يعني ولما يخرم المروءة ظاهراً، يعني يكتفى بظواهر الناس، أما العدالة الباطنة التي يحتاج فيها إلى أقوال المزكين، والخبرة الدقيقة في بواطن الأمور، مثل هذا لا يشترط، بل تنازلوا أكثر من ذلك، فأخذوا عن فساق، وأخذوا عن من بدعته مفسقة، بل بدع مغلظة؛ لأن المسألة ما صار لها كبير الأثر كما تقدم تقريره.
"للفسق ظاهراً" بأن يكون مستوراً، ويكتفى "في الضبط بأن يثبت" سماع "ما روى بخط مؤتمن" يعني بالنسبة للعدالة تساهلوا في الشروط، تساهلوا في الشروط، وكذلك في الضبط:
. . . . . . . . . وفي الضبط بأن ... يثبت ما روى بخط مؤتمن(19/30)
يعني يكفي أن يثبت اسم هذا الراوي في الطباق الذي يذكر فيه أسماء من سمع الكتاب من الشيخ، أو سمع قراءة الكتاب على الشيخ، يثبت سماع "ما روى بخط" ثقة "مؤتمن" سواءٌ الشيخ، أو القارئ، أو بعض السامعين إذا كان الكاتب ثقة؛ لأنهم جرت العادة بأنه إذا قرئ الكتاب، قرأه الشيخ على الطلاب، أو قرأه بعض الطلاب بحضور البقية على الشيخ يثبت في الطباق، يقول: قرأ فلان كتاب كذا على فلان بحضور فلان، وفلان، أو سماع فلان، وفلان وفلان، ويعدد من حضر، ثم الشيخ يقول: صحيح ذلك، وكتب فلان، إذا وجد هذا بخط ثقة يكفي، تروي بهذه الطريقة، وأما بالنسبة للإجازات فإذا وجد الاسم في الاستدعاء كفى، الاستدعاء يطلب من الشيخ أن يجيز فلاناً، فيجيزه، أو يجيز مجموعة من الطلاب: فلان، وفلان وفلان، أو لي ولأولادي، وأولادهم، وهكذا، ثم يقول: أجزت فلان، وأولاده، وأولاد أولاده، إلى آخره، فإذا وجدت هذه الكتابة؛ كفى في العصور المتأخرة يكفي.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه موجود، يعني لو تراجع الكتب كتب الحديث الموجودة المخطوطة؛ وجدت كثيراً من هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الفهارس، والأثبات؟
طالب:. . . . . . . . .
موجودة كتب الفهارس، الفهارس والأثبات فيها مرويات الشيوخ، أو مرويات المؤلف عن شيوخه، قرأ كتاب كذا على فلان، وقرأ كتاب كذا على فلان، وفلان قرأه إلى آخره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
"وأنه يروي" يقول:
. . . . . . . . . وفي الضبط بأن ... يثبت ما روى بخط مؤتمن
وأنه يروي من أصل وافقا ... لأصل شيخه كما قد سبقا
لابد أن يكون الأصل الذي يروى منه مطابقاً لأصل الشيخ، وذلك بالنسخ منه، أو من إملاء الشيخ، والمقابلة عليه:
وأنه يروي من أصل وافقا ... لأصل شيخه كما قد سبق
لنحو ذاك. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
الحافظ "البيهقي" فاكتفى بما سبق مع خفة هذه الشروط، وسبقه شيخه الحاكم لنحوه:
لنحو ذاك البيهقي فلقد ... آل السماع لتسلسل السند(19/31)
"آل السماع" منه، والرواية عنه، الآن "لتسلسل السند" يعني تبقى هذه الخصيصة، وهي اتصال الأمة بنبيها -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل، ولو لم يكن من النظافة بالمستوى الذي كانت عليه قبل ذلك في عصور الرواية، فإبقاء هذه الخصيصة التي خصت بها هذه الأمة، إبقاء سلسلة الإسناد، يعني تجعل الشروط أخف، بناءً على أن الأثر ليس كالأثر في المرويات سابقاً التي تثبت بثقة رواتها، وتضعف بضعفهم.
غداً -إن شاء الله- لعلنا نستطيع إكمال مراتب الجرح والتعديل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: نحن مجموعة نعمل في منطقة تبعد عن محل إقامتنا مائتين وخمسين كيلو نمكث في عملنا من صبيحة يوم الأحد حتى مساء يوم الخميس، نرجع إلى محل إقامتنا الأصلية، هذه حالنا كل أسبوع، ولا ندري متى ينتهي عملنا، ونرجع إلى منطقتنا علماً بأننا مقيمين في مسكن صحي خاص بالعمل، وبه جميع وسائل الراحة من مأكل، ومشرب، ومنام، سؤالي هل نقصر الصلاة في فترة إقامتنا؟
أما في مقامهم، وبلدهم الذين هم ينسبون إليه، وهم مقيمون فيه، فهم لا يجوز لهم أن يجمعوا، ولا أن يقصروا، ولا يترخصوا برخص السفر، الذي يرجعون إليه في نهاية كل أسبوع؛ لأنه هو بلد الإقامة بالنسبة لهم، ولا يمكن أن يسموا لا شرعاً، ولا عرفاً بأنهم مسافرون في هذا البلد الذي هو محل إقامتهم.
وأما بالنسبة لمحل العمل الذي يقيمون فيه أكثر من أربعة أيام، ويسمعون فيه النداء، ويسكنون في مسكن على ما ذكروا مريح، وصحي، المقصود أنهم يمكثون فيه أكثر من أربعة أيام، هذا حكمهم حكم الإقامة عند أكثر أهل العلم، وإذا سمعوا النداء لزمهم الإجابة، فلا يجوز لهم أن يجمعوا، ولا أن يقصروا الصلاة، لا في محل إقامتهم، ولا في محل عملهم.
يقول: الملاحظ لواقع الناس اليوم، أو الملاحِظ لواقع الناس اليوم يرى أن الناس الذين يعيشون في البلاد كافرة يصيرون كفاراً، ومن ينشأ في بلاد المسلمين يصبح مسلماً.(19/32)
الذي ينشأ يعيش في بلاد الكفار يصير كافراً، لا، لا هذا ليس بصحيح، قد يعيش المسلم من يولد إلى أن يموت في بلاد الكفار، ولا يستطيع الهجرة، ويعذر في ذلك، ويعيش مسلماً، ويموت مسلماً، وإن استطاع الهجرة، ولم يهاجر أثم، وهو مسلم.
ومن ينشأ في بلاد المسلمين يصبح مسلماً، إن كان كافراً مجرد عيشه في بلاد المسلمين، ولم يرد الله له الهداية لا يصير مسلماً، فهذا الكلام ليس بصحيح لا طرداً، ولا عكساً.
يقول: إذا كانت الدعوة لم تصل هؤلاء الكفار؛ فإن الله سيعفو عنهم، فكيف يجدر بنا أن نكرههم مع أنهم قد يكونون من أصحاب الجنة؟
ما يلزم يا أخي، مثل هؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة المرجح عند أهل العلم أنهم حكمهم كفار، لكن هل يعذرون بجهلهم؟ وحينئذ لا يدخلون الجنة؛ لأنهم ليسوا بمسلمين، وإنما يمتحنون، يمتحنون كأهل الفترة، كما قرر ذلك ابن القيم في طريق الهجرتين، يخرج لهم لهب من نار، ويمتحنون؛ فإن دخلوا فيه على ما ذكروا إلى آخر ما .. ، على السائل أن يرجع إلى طريق الهجرتين، أما كلامه ليس بصحيح، هؤلاء الكفار أن الله يعفو عنهم، الكافر حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار، لكن هل يعذر باعتبار أنه لم يبلغه شيء، ثم يمتحن بعد ذلك؟ أو لا يعذر؟ المسألة خلاف بين أهل العلم، من أهل العلم من يرى أن لا أحد يعذر، خلاص بعد نزول القرآن لا عذر.
يقول لي أحد الدعاة: إنه يجب علي أن أتبع عالماً معيناً، وأتبعه بكل شيء؛ لأني لست بطالب علم، هل هذا الكلام صحيح، أم الصحيح أن أتبع العلماء الموثوقين، وإن اختلفوا أخذت بالأقرب للدليل، أو الأغلب منهم، أو الأحوط، وهل صحيح أن الناس في السعودية يقلدون المذهب الحنبلي، يقول: إنه يجب علي أن أتبع أحد المذاهب؟(19/33)
العامي فرضه التقليد، لابد أن يقلد عالماً تبرأ الذمة بتقليده، وفرضه سؤال أهل العلم، كما قال الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل]، ولا يلزم أن يقلد شخصاً واحداً، إنما إذا قلد من تبرأ الذمة بتقليده برأت ذمته على أن لا يكون في ذلك متبعاً لهواه، متتبعاً للرخص، فيأخذ من قول كل عالم أسهل ما يقول به، هنا يضيع، وحينئذ يخرج من الدين، قد يخرج من الدين، وهو لا يشعر، ويقول أهل العلم: "من تتبع الرخص فقد تزندق"، على كل حال إذا شاع في الناس أن هذا .. ، من أن هذا الشخص من أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم، وأنه عرف بالتحري، والتثبت فقلده في جميع ما يقول من غير نظر إلى دليل تبرأ ذمته -إن شاء الله تعالى-.
يقول: وإن اختلفوا أخذت بالأقرب للدليل.
كيف تعرف الأقرب للدليل، وأنت لست بطالب علم، أو الأغلب منهم، أو الأحوط؟ على كل حال تنصل من اتباع هواك، وإذا قلدت من تبرأ الذمة بتقليده، واستفاض في الناس علمه، وفضله، وعرف بتحريه، وورعه بالعلم، والديانة، والورع، فإنه حينئذٍ تبرأ ذمتك -إن شاء الله-.
يقول: وهل صحيح أن الناس في السعودية يقلدون المذهب الحنبلي؟
نعم كان الناس على المذهب جارين عليه، ماشين على المذهب، لكن لما وجد من يعمل بالدليل، ويعمل بالراجح من الأقوال؛ تبعه الناس، ووثقوا بعلمه، فخف تمسك الناس بمذهب، وكثير من الناس الآن لا يعرف أن هناك شيء اسمه المذهب، إنما يقلدون العلماء المعاصرين الذين اتفقت ألسنة الناس على مدحهم.
ما الفرق بين أهل الحديث، وأهل الرأي من الفقهاء؟
الفرق من التسمية ظاهر، الفرق من كلامك يظهر، فإن أهل الحديث هم الذين يروونه، ويعملون به، ويستنبطون منه، ويعتمدون عليه اعتماداً كلياً، ولا يعني هذا أنهم لا يأخذون بالأقيسة، ولا يستعملون آرائهم للتوفيق بين النصوص، لكن الغالب غليهم الصبغة الحديثية، وعكسهم أهل الرأي، فإن اعتمادهم على الأقيسة، والآراء، والقواعد يظهر في مذاهبهم، وأقوالهم أكثر من اعتمادهم على النص.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال العراقي -رحمه الله تعالى-: "مراتب التعديل".(19/34)
شرح ألفية الحافظ العراقي (20)
(مراتب التعديل - التجريح)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال العراقي -رحمه الله تعالى-:
مراتب التعديل
والجرح والتعديل قد هذبه ... ابن أبي حاتم إذ رتبه
والشيخ زاد فيهما وزدت ... ما في كلام أهله وجدت
فأرفع التعديل ما كررته ... كثقة ثبت ولو أعدته
ثم يليه ثقة أو ثبت أو ... متقن أو حجة أو إذا عزوا
الحفظ أو ضبطاً لعدل ويلي ... ليس به بأس صدوق وصل
بذاك مأموناً خياراً وتلا ... محله الصدق رووا عنه إلى
الصدق ما هو كذا شيخ وسط ... أو وسط فحسب أو شيخ فقط
وصالح الحديث أو مقاربه ... جيده حسنه مقاربه
صويلح صدوق إن شاء الله ... أرجو بأن ليس به بأس عراه
وابن معين قال: من أقول: لا ... بأس به فثقة ونقلا
أن ابن مهدي أجاب من سأل: ... أثقة كان أبو خلدة؟ بل
كان صدوقاً خيراً مأموناً ... الثقة الثوري لو تعونا
وربما وصف ذا الصدق وسم ... ضعفاً بصالح الحديث إذ يسم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "مراتب التعديل" مراتب التعديل، يعني مراتب ألفاظ التعديل، والمراد بألفاظ التعديل: هي الكلمات، والجمل التي تصدر عن أهل العلم في منزلة الرواة الثقات المعدَّلين، بينما مراتب الجرح مثلها إلا أنها في حق المجروحين.
مراتب التعديل إما أن تكون ألفاظاً، وإما أن تكون جملاً يوزن بها الرواة، وينزلون بها منازلهم من الثقة والأمانة، والحفظ، والضبط، والإتقان، وما يضاد ذلك في الباب الثاني، هذه الألفاظ في غاية الأهمية في معرفة منازل الرواة، ومن يقبل منهم في الرواية، ومن يرد.(20/1)
جمع أهل العلم بعض الألفاظ، وهي كثيرة جداً في كتب الرجال، ذكروا هذه الألفاظ مرتبة حسب قوتها، وضعفها، ورتبوها على أربعة مراتب كما هو الشأن عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح، أو خمس مراتب كما هي عند الذهبي في مقدمة الميزان، والعراقي هنا في ألفيته، أو ست مراتب كما هو صنيع الحافظ ابن حجر في تقريبه، ومثله تلاميذه السخاوي، والسيوطي، ومن جاء بعدهم، هذه المراتب كل مرتبة فيها ألفاظ تناسبها، وتلاحظون التدرج، التدرج في هذه المراتب، أول ما جعلت المراتب أربع، ثم زيد فيها خامسة، ثم زيد سادسة، والمسألة اصطلاح، ولو جاء شخص، وجعلها عشراً ما يلام على ذلك؛ لأن النظر في هذه الألفاظ، وهذه الجمل حسب قوتها، وضعفها إنما يتم، ويكمل إذا استطعنا جمع جميع هذه الألفاظ، والحافظ ابن حجر جمع بعض الألفاظ الزائدة، وزاد المراتب إلى ست، والسخاوي زاد عليه بعض الألفاظ، لكن المراتب عنده ست، ولو فصلت لجاءت سبعاً، وقل مثل هذا عند السيوطي، ولو تتبعت هذه الألفاظ جميعها من كتب الرجال، من التواريخ تواريخ ابن معين، وسؤالات الإمام أحمد، وتواريخ الإمام البخاري، والجرح والتعديل، والضعفاء والمجروحين، والثقات، وغيرها من الكتب، وتواريخ البلدان، وفيها أشياء كثيرة من هذا النوع؛ لكثر عدد الألفاظ والجمل، وتبعاً لذلك تكثر المراتب؛ لأن لبعض الألفاظ من الدلالة ما ليس لغيره، لبعض الألفاظ من الدلالات ما ليس لغيره، وأنتم تلاحظون ألفاظ المدح والذم الموجودة الآن المستعملة، يبتكر ألفاظ لم تكن موجودة، ودلالتها على المدح ظاهرة، أو دلالتها على الذم ظاهرة، ثم بعد ذلك هذه الألفاظ المبتكرة الجديدة تختلف؛ لأن بعض الناس يبالغ في المدح، وبعضهم يبالغ في الذم، وبعضهم يتوسط، وبعضهم يأت بما لم يأت به من قبله، ودلالة لفظه قد تكون أقوى من دلالة من تقدم، وتبعاً لهذه القوة، وهذا الضعف تتفاوت هذه المراتب، قد يقول قائل: ماذا للمتأخر من هذا العمل؟ هل للمتأخر أن يجتهد في مثل هذا؟ يعني هل لأحد أن يأتي فيجعل المراتب عشراً، مراتب التعديل عشراً، أو مراتب الجرح عشراً؟ نقول: إذا كان ذلك تبعاً لتفاوت ما جمعه من الألفاظ، بحيث جمع من كتب الرجال ما لم يجمعه غيره له(20/2)
ذلك؛ لأنه قد يقف على لفظ ما ذكر في هذه المراتب الست مثلاً، يقف على لفظ لا يصلح أن يلحق بأي مرتبة من هذه المراتب، إما أن يكون أشد منها في التوثيق، أو أقل منها في التضعيف، فنحتاج إلى زيادة مرتبة، وعلى كل حال جمع الألفاظ، والجمل مطلب تمناه الحافظ ابن حجر، تمناه السخاوي، لو اعتنى بارع بتتبع هذه الألفاظ -يعني ألفاظ الجرح والتعديل-، فجمعها من كتب الرجال، بحيث لا يترك شيئاً، بحيث لا يترك شيئاً، ثم بعد ذلك تكلم عليها لغةً، واصطلاحاً، وعرف مدلولات هذه الألفاظ حسب سياقاتها، وحسب القرائن التي تدل على منزلتها، ورتبها هذا مطلب تمناه الحافظ ابن حجر، ومن بعده السخاوي، المقصود أن مثل هذا لم يتم.(20/3)
وأعرف قبل عشرين سنة أن شخصاً من البارعين على شرط ابن حجر جمع كمية طيبة من الألفاظ، أظن يقرب من خمسمائة لفظ في البابين، وينوي ترتيبها، ولا أدري هل أكملها، أو لم يكملها، المقصود أن هذه أمنية لم تتحقق بعد، هذه الأمنية لم تتحقق بعد، فمثل هذه الأمور قابلة للزيادة، وصُنف، أو أُلف في بعض الألفاظ النادرة، بعض الألفاظ النادرة في الجرح والتعديل أُلف فيها بعض الرسائل، المقصود أن مثل هذا الموضوع في غاية الأهمية؛ لأن فيه ألفاظاً تشكل على كثير من طلاب العلم، حتى أن بعضها أشكل على أهل العلم هل هو تعديل، أو تجريح؟ تعديل، أو تجريح يشكل؛ لأن الناس حينما يذم، أو يمدح الأحوال، والقرائن التي تحيط به، وبمن قال فيه الكلام له دور كبير في تحديد منزلة هذا اللفظ، يعني على سبيل المثال، وهذه من ألفاظ التي أشكلت على الحافظ العراقي، ومن بعده ابن حجر مدة ما قاله أبو حاتم في جبارة بن المغلس: "بين يدي عدل"، الحافظ العراقي يقول: مدح، هذه في ألفاظ التعديل، وينطقها: "بين يديَّ عدل" الحافظ ابن حجر أوجس من هذه الكلمة خيفة، يعني ظاهرها التعديل، لكنه أوجس منها خيفة باعتبار أن هذا الرجل الذي قيلت فيه ليس بعدل، ولا ثقة، ضعيف، فكيف أبو حاتم مع شدته يقول في جبارة بن المغلس: بين يديَّ عدل، أنا أجيب مثل هذا المثال لكي ندلل أن هذا الموضوع ليس بالسهل، وأنه لم يتم تتبعه، واستقراءه استقراءاً تاماً، وأن الطلب مازال ملحاً، والأمنية مهمة لكنها لم تتحقق بعد، قد يقول قائل: هل معنى هذا أن السنة ما حررت، ولا نقحت، ولا عرف رجالها؟ لا، السنة محفوظة، ولله الحمد، محفوظة، والصحيح مصحح مفروغ منه، والضعيف مضعف، ما عاد في إشكال، لكن كون المسألة تتم من جميع جوانبها هذا أفضل، وإلا ما يحتاج إليه من السنة محفوظ، ولله الحمد.
الحافظ ابن حجر أوجس خيفة من هذا اللفظ الذي رأى شيخه أنه يدل على تعديل "بين يديَّ عدل" يدل على التعديل.(20/4)
يقول ابن حجر: فوقفت في إصلاح المنطق لابن السكيت، وأدب الكاتب لابن قتيبة أن العدل اسم شخص، بين يدي عدل، عدل اسم شخص، عدل بن جزء بن سعد العشيرة، هذا عدل، وكان على شرطة تبَّع، فإذا أراد تبع أن يقتل أحداً سلمه للعدل هذا، ماذا يمكن أن يقال في هذا الرجل الذي سلم إلى هذا رئيس الشرطة من أجل أن يقتل؟ هل هذا لإكرامه، أو لإهلاكه؟ فإذا قيل: "بين يديْ عدل" فمعناه أنه هالك، هالك؛ لأنه يراد قتله، ولذا قالوا: "بين يدي عدل" هذا مَثَل قديم يطلق على الهالك، ثم إن ابن حجر وقف على قصة لأبي عيسى ابن هارون الرشيد مع القائد طاهر، طاهر كان أعوراً، وكان يأكل على مائدة مع أبي عيسى ابن هارون الرشيد، في عهد المأمون، وعلى المائدة أخذ أبو عيسى هندبات، إما من الدباء، أو من الكوسة، أو من أي نوع من هذه البقول، أخذ شيئاً فضرب به عين طاهر السليمة، ضرب به عينه السليمة، الأخرى لا تبصر، فضرب السليمة، فشكاه إلى المأمون، وقال له: إن أبا عيسى ضرب عيني بالهندبات، والأخرى "بين يدي عدل"، فقال المأمون: إنه يفعل معي أكثر من ذلك، ماذا يفيد هذا الكلام؟ إنه أطلق "بين يدي عدل" على العين التالفة التي لا تبصر، فدل على أنه مدح، وإلا ذم؟ ذم، ومثل هذا لا بد أن ينتبه له، يعني بعض الألفاظ قد يقرأها القارئ، ويظنها تعديل، وهي في الواقع تجريح، وهذا يدلنا على أن هذا العلم متين بجميع فروعه، وأن الإحاطة به دونها خرط القتاد، يعني كون الإنسان يريد أن يكون محدثاً لا يقلد أحداً، هذا إمكانه من إمكان الإحاطة بالعلم كله، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء]، فلا يمكن الإحاطة بالعلم من كل وجه، وما نقص علم موسى، والخضر إلا كما نقص العصفور -بالنسبة لعلم الله- إلا كما نقص العصفور من البحر، فالعلم بعض الناس يأتي إلى العلم بشره، ويريد أن يأخذ العلم كله في وقت قصير، ومثل هذا يتعب نفسه، وقد لا يحصل شيئاً.
لو قيل لشخص، أو قيل عن شخص: إنه مجتهد اجتهاداً مطلقاً، يعني هل يتصور اجتهاداً مطلقاً من كل وجه، نعم؟
طالب: صعب.(20/5)
ما يمكن، ما يمكن؛ لأنه إن اجتهد في توثيق كل راوٍ بعينه، خلونا نبدأ من الدرجة الأولى، كل الرواة يريد أن يكون له رأي في كل راوي من الرواة، هذه مرتبة درجة أولى من مراتب الاجتهاد، من أجل إيش؟ أن يكون له حكم في كل حديثٍ حديث من الأحاديث، كم عدد الرواة؟ وهل يستطيع أن يجتهد في كل راوٍ راو من الرواة؟ ما يمكن، لا بد أن يقف عند بعض الرواة الذين لا يتحرر له القول في حكمه، ثم إذا جمع من الرواة، لو تصورنا خمسين ألف راوي، وجمع جميع ما قيل فيهم، ووازن بين هذه الأقوال على ضوء الضوابط التي وضعها أهل العلم، ثم خرج بالنتيجة التي يستقل بها، لا يُقلد فيها أحد في هؤلاء الرواة كلهم، ثم المرحلة الثانية جاء إلى الأحاديث بأسانيدها، ونزل حكم كل راوٍ ممن اجتهد فيهم على هذه الأسانيد، ونظر فيها النظر الثاني، وهو الاتصال، والانقطاع، ونظر في المتون من حيث المخالفة، والموافقة، والشذوذ، والنكارة، والإعلال، في كل حديث حديث، ثم خرج برأي يستقل به في جميع الأحاديث، هذا على سبيل التنزل، وإلا هذا يمكن، وإلا غير ممكن؟ لا يمكن؛ لأنه لو افترضنا كتاباً واحداً، سنن البيهقي، يمسك سنن البيهقي بمتونه، وأسانيده، ويتكلم على كل جزئيه برأيه المستقل الذي لا يقلد فيه أحداً، هذا ما يكفيه عمره، ما يكفيه عمره، فنزلنا هذه الأقوال التي استقل بها، وأداه إليه اجتهاده لقوله المستقل في كل راو من الرواة، ثم نزل هؤلاء الرواة على هذه الأحاديث، وخرج بنتائج يستقل بها في أحكامه على جميع الأحاديث، هذا إذا تصورنا إمكان الإحاطة، ثم يعود إلى هذه الأحاديث مرة ثانية ليتفقه فيها، ويستنبط منها، ويستخرج أحكام لم يسبق إليها، أو سبق إليها، ووافق، أو خالف، لا يعني أن يخالف إذا كان مجتهداً، لا يلزمه المخالفة، قد يوافق وهو مجتهد، لا يقال إنه إذا وافق حكمه حكم غيره صار مقلداً له، وقد نظر على جهة الاستقلال في الحديث، ثم وافق غيره، هذا ليس بمقلد، كم يحتاج من العمر إلى أن يدرس –مثلاً- خمسين ألف حديث بهذه الطريقة؟ لأن بعض الناس ينادي بالاجتهاد المطلق، وأن تقليد الرجال مذموم، ولا تقلد في أي باب من أبواب الدين، هذا ليس بصحيح، حتى شيخ الإسلام -رحمه الله- مع(20/6)
إحاطته بالعلوم، والفنون، وأقوال من تقدم من المحدثين، والفقهاء، والمفسرين، وغيرهم من أصحاب المقالات، والمذاهب كثيرا ًما يفتي بقول غيره، نعم هو لا يقلد التقليد المذموم بحيث يأخذ قول غيره من غير نظر في دليله، لكن قد يضيق عليه الوقت، قد يضيق عليه الوقت، ويحتاج إلى أن ينظر نظراً عاجلاً لا يعني أنه اجتهد فيه الاجتهاد الذي يطلبه أهل العلم في هذه المسائل، فالاجتهاد المطلق دونه خرط القتاد؛ لأنه إن اجتهد في استنباط المسائل، ولا قلد الأئمة في أقوالهم في الأحكام؛ لا بد أن يقلد في الوسائل، وسائل الإثبات، وتجدون كبار الأئمة الذين وصفوا بالاجتهاد تجد معولهم في الرجال على أئمة الحديث الذين تكلموا في الرجال، وتجد معولهم في أحكامهم على الأحاديث على الأئمة الذين تكلموا في الأحاديث تصحيحاً، وتضعيفاً، لكن يكفي طالب العلم أن ينبذ التقليد المذموم الذي هو قبول قول الغير من غير نظر في دليله، عليك أن تنظر في دليله، أفتى الشيخ فلان، في حكم كذا، ما تقول: أخذ به؛ لأن فلان ثقة عندي، وأنت طالب علم تستطيع أن تصل إلى القول الصحيح بدليله، يعني تعارض عندك قول للشيخ الألباني، أو الشيخ ابن باز مع الشيخ ابن عثيمين، أو فلان، أو علان، وكل واحد من هؤلاء يذكر الحكم بدليله، هؤلاء يذكرون الأحكام بأدلتها، فأنت لا تنظر إلى الأشخاص أنفسهم، انظر إلى أدلتهم، انظر إلى أدلتهم، واتبع الدليل، ودر مع الدليل، وإذا فعلت ذلك؛ فأنت متبع لا مقلد، أنت متبع لا مقلد، وهذا اجتهاد جزئي، وإلا فالأصل أن تنظر أنت بنفسك من غير فلان، أو علان، تنظر في الأحكام بنفسك، وتنظر في أدلتها، والموازنة بين الأدلة في المسألة المثبتة، والنافية على ضوء القواعد التي حررها أهل العلم، وعلى كل حال الاجتهاد .. ، الشروط التي يضعها أهل العلم للاجتهاد، إن نظرنا إلى معنى الاجتهاد المطلق، إيش معنى الاجتهاد؟ أنك لا تقبل قول أحد، إنما أنت الذي تنظر في المسائل بأدلتها، وتوازن بينها، وقبل ذلك تنظر في هذه الأدلة من حيث الثبوت، وعدمه، وقبل ذلك تنظر في رواة هذه الأدلة من حيث التوثيق، والتضعيف، هذا كله مطلوب لطالب العلم، وينبغي أن يبدأ به من وقته، ولا يلزم أن يحيط(20/7)
إحاطة بالعلم كله، عندك حديث اجتهد في أن تنظر في سنده، ومتنه، وتصحح، وتضعف هذه مرحلة، ثم بعد ذلك انظر فيما يستنبط من هذا الحديث إذا ثبت عندك، وإن ثبت عندك ضعفه؛ فإن استدل به أحد على مسألة ما تبين له أنه ضعيف، وهكذا يجتمع العلم شيئاً، فشيئاً إلى أن تكون من أهله الذين هم على الجادة، على اتباع الدليل من غير تقليد، فالتقليد مذموم، لكن لا يتصور أن الإنسان في يوم من الأيام يبي يصل إلى أن يحيط بكل شيء: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء]، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(20/8)
إيه، لابد من التقليد؛ لأن مثل هذا العلم، لأن مثل هذا العلم لا بد فيه من التقليد، لكنه تقليد مع نظر، ما هو بتقليد من غير نظر في دليله، يعني أنت إذا نظرت في أحكامهم على الرجال، قال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال فلان، وفلان، أنت إذا نظرت بين هذه الأقوال أنت لا يمكن أن تأتي بقول غير هذه الأقوال إلا أن يكون نتيجةً لهذه الأقوال، يعني معتمد على هذه الأقوال، وإلا فمن أين لك؟ هم عاصروا الرواة، عاصروهم، وعايشوهم؛ لأنهم في زمن الرواية، وحكموا على كل راوٍ بما يليق به بالنظر إلى ذاته، وبالنظر إلى مرويه، ومعارضته، ومقابلته على روايات الثقات، فأنت لا يمكن أن تأتي، لو وجدت راوٍ ما تكلموا فيه، ويش تبي تقول؟ توجد له حكم؟ من أين تجيب حكم؟ مستحيل، لكن هم ذكروا في الراوي ابن لهيعة فيه ثلاثة عشر قول مثلاً، أو خمسة عشر قول، أنت بإمكانك أن تأتي بخلاصة لهذه الأقوال على ضوء ما درست من قواعد، وقد توفَّق، وقد لا توفَّق، وقد يتبين لك في وقت، وقد يتبين لك في وقت، وتستروح إلى أن هذا القول هو الراجح قول فلان من هؤلاء الأئمة، وقد يترجح لك في وقت آخر أنه مرجوح، وهكذا حصل، يعني لو نظرت في أحكام ابن حجر في فتح الباري، وأحكامه في التقريب، وجدت فرق، وجدت أنه قد يحكم على الراوي في الفتح بحكم، وفي التقريب بحكم، لكن قد يكون حكمه عليه في التقريب حكم عام على جميع مروياته، وحكمه عليه في الفتح؛ لأنه جاء في سند معين، وقد يحكم على الراوي بالنسبة لحديث، أو ضبطه، وأتقنه، ويحكم عليه بالنسبة على جهة العموم بحكم ثاني، فمثلاً ابن لهيعة الذي ذكرنا اسمه في فتح الباري ضعفه ابن حجر في مواضع، وقال عنه في موضع: أخرجه، حديث فيه ابن لهيعة قال: أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن، وفيه ابن لهيعة، وضعفه في مواضع، وقال في التقريب: صدوق ربما وهم، المقصود أن الأحكام تأتي على هذه الكيفية، الإحاطة، الإحاطة والتصور، والاستحضار باستمرار هذا ليس في مقدور كل أحد، قال في عبيد الله بن الأخنس في فتح الباري: ثقة، وهو من رواة البخاري، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وقال عنه في التقريب: صدوق،(20/9)
وقال ابن حبان: يخطئ كثيراً، يعني اعتمد قول ابن حبان، وهناك قال: شذ ابن حبان، لماذا؟ لأنه ينظر في هذا الموضع إلى روايته في الصحيح، وفي التقريب يحكم عليه حكم إجمالي بحيث يحكم على أحاديثه التي هي خارج الصحيح، فلا بد من هذه الأنظار أن الإنسان يستحضر هذه الأمور، ويستحضرها، لا بد من استحضارها أثناء أحكامه على الرواة، وعلى الأحاديث، ولذلك تجدون بعض الشباب -يعني في مرحلة الطلب- يتصدى لكتاب يجبن عنه الكبار، ثم بعد ذلك ينظر في أحاديثه، وأسانيدها، ويجزم، ويحكم، ويضعف، ويصحح، ويوهم، هذه جرأة، فطالب العلم ينبغي أن يكون مع حرصه على هذا الاجتهاد أن يكون على الجادة، لا يحمله هذا الاجتهاد على الجرأة التي قد يخطِّئ فيها الأئمة، أو يجرؤ فيصحح ما ضعفه الأئمة، أو يضعف ما صححه الأئمة، فالإنسان لا يستقل بأمره من أول الأمر، لا بد أن ينظر في الأسانيد، والمتون يعني مع قراءته لعلوم الحديث يطبق، ويزيد شيئاً فشيئاً، وينظر في أحكام الأئمة، ومواقع استعمالهم في ألفاظهم للرواة، وللأحاديث، ثم تتكون لديه الأهلية، والله المستعان.(20/10)
في مقدمة الألفية التي كتبناها، أظنها معكم الألفية الطبعة هذه، في المقدمة قلت: "ولكثرة ما صنف في هذا العلم من كتب مطولة، ومختصرة، منظومة، ومنثورة من قبل المتقدمين، والمتأخرين، والمعاصرين كثرة تجعل طالب العلم المبتدئ يحتار في اختيار ما يدرسه من كتب هذا الفن؛ فكثر سؤال طلاب العلم عن الترتيب، والتدرج في دراسة هذه الكتب، كغيره من الفنون الذي صنف العلماء كتبها، ملاحظين مستويات الطلاب حيث جعلوهم على طبقات، وجعلوا لكل طبقة ما يناسبها من المؤلفات، وكنت أنصح الطلاب المبتدئين بالبداءة بكتاب (نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر؛ لأنه متن متين شامل مختصر حاو لكثر مما يحتاجه الطالب في هذه المرحلة، على أن يقرأه على أحد الشيوخ المتقنين الذين يحسنون التعامل مع الطلاب في هذه السن، ويقرؤوا ما كتب عليها من شروح وحواشي، ويسمعوا ما سجل عليها من دروس، ويكثر في هذه المرحلة مع ذلك من حفظ المتون المجردة كالأربعين، والعمدة، والبلوغ، وغيرها، ولا مانع أن يتمرن فيبدأ بتخريج بعض الأحاديث تخريجاً مختصراً تحت نظر، وإشراف أستاذ متمكن يوجهه، ويسدده، ثم يرتقي بعد ذلك إلى ما يناسب الطبقة الثانية، والكتاب المرشح عندي هو كتاب (اختصار علوم الحديث) للحافظ ابن كثير، ويصنع فيه نظير ما صنع في النخبة بقراءة الشروح، والحواشي، وسماع الأشرطة، والسؤال عما يشكل، وفي هذه المرحلة يبدأ بحفظ المتون بأسانيدها، ويحرص على حفظ السلاسل المشهورة التي يروى بواسطتها كثير من الأحاديث، ومع ذلك يستمر في التخريج، ويكثر منه، وينظر في الأسانيد من خلال كتب الرجال المختصرة، كالتقريب، والكاشف، والخلاصة، ونحوها، ويعرض عمله على شيخ معروف من شيوخ الفن، ويكون عمله من تخريج، ودراسة، ويكون عمله من تخريج، ودراسة، للتمرين لا للنشر، كما يفعله بعض الطلاب الذين تعجلوا النتائج، ثم ندموا على ذلك، ثم يرتقي الطالب إلى المرحلة التي تليها، والكتاب المرشح عندي لهذه الطبقة هو (ألفية العراقي) الشهيرة التي نظم فيها الحافظ العراقي (علوم الحديث) لابن الصلاح، وزاد عليه ما يحتاجه طالب العلم مما أغفله ابن الصلاح، وهذه الألفية كتب الله لها القبول؛ فلا تكاد تقرأ ترجمة عالم(20/11)
بعد تأليفها إلا وتجد في ترجمته، ومن بين محفوظاته، ومقروءاته (ألفية العراقي) لإمامة مؤلفها، وجودت نظمها، وما حوته، واشتملت عليه مما يحتاجه طالب العلم، ولا أرى ما يدعو إلى تفصيل القول، والحديث عن أهميتها، ومزاياها .. إلى آخره"، "فإذا أتقن الطالب النخبة، واختصار الحافظ ابن كثير لعلوم الحديث، ثم سمت همته إلى ألفية العراقي، وحفظ منها ما يحتاج إليه إن قصرت همته عن حفظ جميعها، وقرأ شروحها بدءاً من شرح الناظم، ثم شرح الشيخ زكريا الأنصاري، وهو على اختصاره فيه فوائد، ولطائف تفرد بها، ثم ختم بشرح السخاوي (فتح المغيث) الذي يستحق أن يسمى موسوعة المصطلح مع إكثاره" يعني مع إكثار الطالب "في هذه المرحلة من حفظ الأحاديث بأسانيدها، وتخريج الأحاديث، ودراسة أسانيدها بمراجعة كتب الرجال التي تعنى بنقل لأقوال الأئمة في الرواة جرحاً وتعديلاً، ولا ينسى مع ذلك مراجعة كتب المصطلح الأخرى، كـ (تدريب الراوي)، (وتوضيح الأفكار) للصنعاني، وغيرها، ومع ذلك يعنى بقراءة، ودراسة ما يكتبه العلماء المهتمون بنقل أقوال الأئمة الذين عليهم المعول في هذا الشأن، ككتب ابن رجب، وأيضاً كتب ابن عبد البر -رحمه الله-، وكتب العلل، فإذا سار على هذا المنهج، وأكثر من الحفظ للمتون، والأسانيد، والسؤال عما يشكل مخلصاً في ذلك كله لله -عز وجل-؛ صارت لديه الأهلية -بإذن الله تعالى- للمشاركة في هذا العلم العظيم.
ومع كثرة الممارسة، والنظر في كتب الأئمة، ومحاكاتهم في أحكامهم، والنظر في دقائق علومهم يتأهل للحكم بالقرائن على طريقة المتقدمين التي ينادي بها بعض الغيورين على هذا العلم، إذا تقرر هذا .. إلى آخره".
فهذه طريقة لدراسة هذا الفن أعتقد أنها مفيدة، وكل فن من فنون المعرفة بحاجة إلى مثل هذه المقدمة، يعني كل فن يكتب له ما يناسبه من مثل هذه المقدمة، كيفية طلب هذا الفن، والنية موجودة أنا نكتب لجميع الفنون بهذه الطريقة -إن شاء الله تعالى-، يعني بطلب من بعض المشايخ الكبار، قالوا: لو كتب للعلوم كلها بهذه الطريقة يستفيد الطلاب -إن شاء الله تعالى-.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والجرح والتعديل قد هذبه ... . . . . . . . . .(20/12)
"الجرح والتعديل" المنقسمان إلى: أعلى، ووسط، وأدنى، إلى مراتب متفاوتة: الضعيفة، والقوية "قد هذبه" أي نقاه، وصفاه، معتمداً على أقوال الأئمة في الرواة، الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي "إذ رتبه" في مقدمة "الجرح والتعديل" صفحة (37) من المقدمة، فأجاد، وأحسن -رحمه الله-، يعني قبل ابن أبي حاتم المراتب ما هي موجودة، مع أن ابن أبي حاتم في أوائل الرابع، المراتب غير موجودة، إذن كيف يوازن الأئمة المتقدمون بين الرواة، هم ليسوا بحاجة إلى هذه المراتب؛ لأنها محفوظة لديهم، معروفة، الألفاظ معروفة، والكلام في الرواة معروف؛ فليسوا بحاجة إلى هذه المراتب، إنما هذه المراتب احتيج إليها لما انطوى عصر الرواية الذي يحد بالثلاثمائة، والرواة يكاد يكون الكلام فيهم استقر؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً: كتب النحو، أو كتب أصول الفقه كلها حادثة ما يوجد في عصر السلف منها، كتب علوم الحديث، يعني أول كتاب أُلف في علوم الحديث على جهة الاستقلال: "المحدث الفاصل"، وهذا متأخر يعني في القرن الرابع فهل معنى هذا أن هذا محدث لا يوجد في أصل السلف؟ نقول: لا، الحاجة دعت إلى الكتابة فيه، وكان قواعد محفوظة في الصدور عند أهل العلم، يعني كغيره من العلوم، كانت القواعد محفوظة، يعني في أول الأمر ما يحتاجون لكتب عربية، هم عرب أقحاح، ثم لما اختلطوا بالناس، ورأوا أن الحاجة داعية إلى التصنيف في العربية ما قصروا ألفوا، ورأوا الناس بحاجة إلى أن يكتب لهم في مبادئ العلوم، وفي علوم الآلة التي يحتاج إليها، كتبوا ما قصروا؛ لأنه قد يقول قائل: ابن أبي حاتم سنة ثلاثمائة، وزيادة، وهل علم الحديث ضائع قبل أن يكتب ابن أبي حاتم ما كتب؟ لا، لكن الحاجة دعت في عصره إلى أن يكتب فكتب "والشيخ" يعني ابن الصلاح "زاد" عليه، زاد عليه في الألفاظ لا في المراتب، عند ابن أبي حاتم المراتب أربع، التعديل أربع، والجرح أربع، ابن الصلاح أبقاها كما هي، أربع، وأربع، لكنه زاد ألفاظاً، ما زاد مراتب "والشيخ زاد فيهما" يعني في الجرح، والتعديل ألفاظاً من كلام الأئمة "فيهما وزدت"، يقول الحافظ العراقي: "وزدت" يعني أنا عليهما:(20/13)
. . . ... ما في كلام أهله وجدت
ما في كلام من أئمة أهله يعني أئمة الحديث وجدت من الألفاظ في ذلك، ثم بدأ في مراتب التعديل.
فأرفع "فأرفع التعديل" يعني أرفع مراتب التعديل ما أتى عنده هنا "ما كررته" يعني:
. . . . . . . . . ... كثقة ثبت ولو أعدته
فقلت: ثقة ثقة، هذا بالنسبة له، هذه هي المرتبة الأولى، هذه هي المرتبة الأولى عند الناظم، وعند الذهبي، ما كرر فيه لفظ التعديل:
. . . . . . . . . ... كثقة ثبت ولو أعدته
يعني قلت: ثقة ثقة، أو ثبت ثبت، هذه المرتبة هي الأولى عنده؛ لأن المراتب خمس، وهي مما زادها على ابن أبي حاتم، وابن الصلاح، هي المزيدة، المزيدة عند ابن حجر، ومن يقول بقوله، مرتبة قبل هذه لتكون المراتب ست، ما أتى بأفعل التفضيل: أوثق الناس، أصدق الناس، ما جاء بأفعل التفضيل، وفي حكمها إليه المنتهى في التثبت، هذا ما زاده الحافظ ابن حجر في النخبة، وشرحها، وأما التقريب، فجعل المرتبة الأولى للصحابة، المرتبة الأولى من مراتب التعديل الصحبة، يعني إذا أثبت الصحبة فمجرد هذا اللفظ أفضل من: إليه المنتهى في التثبت؛ لأن الصحابة كلهم عدول لا يبحث عن عدالتهم.
فأرفع التعديل ما كررته ... كثقة ثبت ولو أعدته
هذه المرتبة الأولى عند الناظم، وهي الثانية عند ابن حجر، ثم يليه ما هو المرتبة الأولى عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح، والثانية عند الناظم، والذهبي والثالثة عند ابن حجر.
ثم يليه ثقة أو ثبت أو ... . . . . . . . . .
يعني بمفرد:
. . . . . . . . . ... متقن أو حجة أو إذا عزوا
نسبوا يعني الأئمة "الحفظ أو ضبطاً لعدل" الحفظ، أو ضبطاً لعدل، إذا قالوا: عدل حافظ، أو عدل ضابط، هل هذا من هذه المرتبة، أو التي قبلها؟ من المكرر، أو من غير المكرر؟ إذا قالوا: عدل حافظ، أو عدل ضابط؛ مكرر، أو غير مكرر؟ نعم؟ غير مكرر؛ لأننا إذا قلنا: عدل ضابط يساوي ثقة، لفظ واحد؛ لأن الثقة هو العدل الضابط،
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . أو إذا عزوا
الحفظ أو ضبطاً لعدل ويلي ... . . . . . . . . .(20/14)
هذه المرتبة، وهي الثانية عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح، الثالثة عند الناظم، والرابعة عند ابن حجر، ويلي هذه المرتبة "ليس به بأس" أو لا بأس به "صدوق وصل" وصل بكسر اللام مما لم يذكره ابن الصلاح "بذاك" أي بما ذكر في هذه المرتبة التي هي الرابعة عند ابن حجر "مأموناً خياراً وتلا" هذه المرتبة خامسة وهي "محله الصدق رووا عنه" محله الصدق يعني هذه عند الناظم، وعند الذهبي "رووا عنه إلى" أو يعني أو "إلى الصدق ما هو" يعني ببعيد "إلى الصدق ما هو" ببعيد "كذا شيخ وسط أو وسط فحسب" أي بدون شيخ "أو شيخ فقط" أي بدون وسط.
وصالح الحديث أو مقارِبه ... . . . . . . . . .
هذه إن شئت أن تفتح الراء، أو تكسرها على أن تفعل بالثانية عكس ما فعلت بالأولى:
وصالح الحديث أو مقارَبه ... جيده حسنه مقارِبه
يعني وكذا صالح الحديث يلحق بهذه المرتبة، وهذه عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح الرابعة، وهي الخامسة عند الناظم، بتردد، والسادسة عند ابن حجر:
وصالح الحديث أو مقارِبه ... . . . . . . . . .
أي الحديث بكسر الراء، يعني يقارب حديثه حديث غيره، يقاربه أي يقارب حديثه حديث غيره،
. . . . . . . . . ... جيده حسنه مقاربه
يعني جيد الحديث، إذا قال: فلان جيد الحديث، قيل: فلان حسن الحديث مقاربه، بفتح الراء أي يقارب حديثه حديث غيره، الأولى اسم فاعل، يعني حديثه يقارب حديث الناس، والثانية اسم مفعول أي حديث الناس يقارب حديثه.
صويلح صدوق إن شاء الله ... . . . . . . . . .
يعني أو صويلح، أو صدوق -إن شاء الله-،
. . . . . . . . . ... أرجو بأن ليس به بأس عراه(20/15)
أو أرجو بأن لا بأس به، ليس به بأس، وعراه أي غشيه، هذه هي المراتب، والحكم في أهلها أنه مما قبل صدوق، ما قبل صدوق يعني المراتب الأربع عند ابن حجر، هذه يحتج بأهلها ابتداءً، ولا يحتاج فيهم إلى من يشهد له، مادون مرتبة صدوق يكتب حديثهم للاعتبار؛ فيحتاجون إلى متابع، وأما صدوق ففيه الخلاف الذي أشرنا إليه سابقاً، فيه الخلاف الذي أشرنا إليه سابقاً، فابن أبي حاتم يرى أن الصدوق لا يحتج به، وهو ينقل ذلك عن أبيه، هو رأي أبي حاتم أن الصدوق لا يحتج به، سئل عن فلان؟ قال: صدوق، قيل: أتحتج به؟ قال: لا، وما ذلكم إلا لأن صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، وهذا ما يرجحه السخاوي، صدوق لا تشعر بشريطة الضبط، فما أدري أنه في هذا الدرس فصلناها، أو في غيره، أظن في درس ابن ماجه، أذكر أنه ذكرناها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، نحتاج إلى التفصيل في صدوق؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صدوق ذكرنا أن أبا حاتم، وابن أبي حاتم، والسخاوي قالوا: صدوق لا يحتج به؛ لأنه لا يشعر بشريطة الضبط، كيف لا يشعر بشريطة الضبط، وصدوق فعول صيغة مبالغة؟، قالوا: نعم، ولو كان فيه مبالغة ما يشعر بشريطة الضبط، وأنا أوردت مثالاً يؤيد كلامهم، وقلت: إنه في يوم مناسبة، إما عيد، أو عزاء، أو شيء من هذا مما يكثر فيه الوارد على شخص ما، فيطرق الباب، فيقول لولده: انظر من في الباب، فيأتيه فيقول: فلان، فيقول: ائذن له، ثم يكون الكلام مطابق للواقع، ثم يأتي يطرق ثانية، وثالثة، وعاشرة، ومائة، ومائتين، وفي كل مرة يقول: افتح، وانظر من، ويجي يقول، يأتيه فيقول له: فلان بالباب، يكون كلامه مطابق، يعني إذا صدق في يوم مائة مرة؛ يستحق أن يوصف بأنه صدوق، يعني مبالغة لكن من الغد، سأله أبوه قال: من جاءنا بالأمس؟ فيعد من المائة واحد اثنين ثلاثة عشرة، وينسى الباقي، هذا ضابط، وإلا غير ضابط، نعم؟ غير ضابط، شريطة الضبط متخلفة، يعني الصدق نعم موجود صادق، ما خالف الواقع، ولا وقع الخطأ في كلامه، لكن الضبط غير ضابط، هذه حجة من يرى أن الصدوق لا يحتج به استقلالاً، بل لا بد له من متابع، وشاهد يشهد له.(20/16)
أما حجة من يرى الاحتجاج به استقلالاً، وأنه يحتج به، وإن لم يكن في منزلة الثقة حجته يقول: إن عدول أهل العلم من صادق إلى صدوق، التي هي صيغة مبالغة ليس من فراغ، ولا عبث، ليس من فراغ، ولا عبث، هم ما عدولوا إلى صيغة المبالغة إلا لأن الكذب لا يقع في كلامه، لا الكذب المتعمد، ولا الكذب غير المتعمد الذي هو الخطأ، فملازمته للصدق، ومطابقة كلامه للواقع في غالب أحواله يدل على أنه عنده ضبط، إذ لو لم يكن عنده ضبط لوقع الخطأ في كلامه، ولما استحق الوصف بصيغة المبالغة، ظاهر، وإلا مو بظاهر؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: عدولهم من صادق إلى صدوق يدل على أن الخطأ، والكذب لا يقع في كلامه، فمادام الخطأ، والكذب لا يقع في كلامه، كلامه مطابق للواقع كما تدل عليه صيغة المبالغة، والعدول من صادق إلى صدوق، فيكون حينئذٍ كلامه مطابق للواقع، فلا يقع الكذب في كلامه مما يخالف الواقع لا عمداً، ولا سهواً، وبهذا يكون ضابطاً، وبهذا يكون ضابطاً، وبهذا يحتج من يقول: إنه يُحتج به، يحتج به.(20/17)
وابن حجر في كتابه "التقريب" -وهو يرى الاحتجاج بالصدوق- كيَّف حال الراوي على هذا التصور، الحافظ ابن حجر قد يأتي بلفظ يعطيه الراوي لم يُسبق إليه، لم يُسبق إليه، يعني ابتدعه، أو عرف عن الراوي ما لم يعرفه الغير، لا، هو أخذ من أقوال أهل العلم، ونزل هذا الراوي هذه المنزلة، واستحضر أن الصدوق يحتج به، فمن يُحتج به ممن دون الثقة، وفوق الضعيف أعطاه هذا اللفظ صدوق؛ لأنه قبل حكمه، قبل حديثه، حكم عليه بقبول الروايات، يعني لو تنظر في ترجمة راوٍ قيل فيه: صدوق، ما تجد في كلام الأئمة التي تزيد على العشرة –أحياناً- كلمة صدوق، من أين جاء بها ابن حجر؟ من نظره في مجموع أقوالهم، وفي مرويات هذا الرجل أن مرويات هذا الرجل في دائرة القبول إلا أنها ليست في القبول في الدرجة العليا، ولا تنزل عن درجة القبول، وهو يحتج بالصدوق، إذن يوضع في هذه المرتبة، فهو كيَّف الرواة، ما كيَّف الألفاظ، كيَّف الرواة على هذا اللفظ، مستصحباًَ الحكم الأصلي الذي استقر عنده، ظاهر، وإلا مو بظاهر؟ لأنك تجد مثلاً في كتابه مئات قيل فيهم صدوق، وترجع إلى تراجمهم ما تجد أهل العلم قالوا فيه صدوق، وابن حجر متأخر ما عاصر الرواة، من أين جاء بهذه الأحكام؟ ابتكرها من عنده؟ لا، هو نظر في الألفاظ التي قيلت في هذا الرجل التي بواسطة هذه الأقوال المجموعة،
ومن خلال قواعد الجرح والتعديل؛ رأى أن منزلة هذا الراوي .. ، لو افترضنا أن الرواة رقم: واحد، اثنين، ثلاثة، رقم واحد ثقة، رقم اثنين حسن الحديث، ورقم الثلاثة ضعيف الحديث، فرأى أن هذا الراوي يقبل حديثه لكن مثله ليس مثل قبول الثقات الضابطين المتقنين، لا، ولا يرد حديثه، يعني هو في دائرة القبول، إذن يتوسط في أمره، وكذلك إذا اختلف أهل العلم في راوٍ من الرواة، ولم يستطع الناظر الترجيح بين هذه الأقوال، منهم من يوثقه، ومنهم من يضعفه، تبي راجح من هذا ما تستطيع، إذن أعطه المرتبة المتوسطة وهي صدوق، كما إذا اختلفوا في حديث، وأنت من أهل النظر، اختلفوا في حديث بعضهم صححه، وبعضهم ضعفه، ولم تستطع الترجيح إذن تعطه المرتبة الوسط الذي هو الحسن.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . وصل(20/18)
بذاك مأموناً خياراً وتلا ... . . . . . . . . .
وهي محله:
. . . . . . . . . ... محله الصدق ورووا عنه إلى
الصدق ما هو كذا شيخ وسط ... . . . . . . . . .
يعني من يقبل صدوق، وصدوق أرفع من "محله الصدق، ورووا عنه" وشيخ وسط، أو وسط، أو شيخ فقط، هذه دون صدوق.
"وصالح الحديث"
صالح الحديث أو مقارِبه ... جيده حسنه مقارَبه
يجعلون هذه المراتب ملحقة بالصدوق، وإن كانت دونها، فهذه كلها تحتاج إلى متابع عند من يرد الصدوق، ويقبل حديثه، ويكون من قبيل الحسن عند من يقبل الصدوق.
صويلح صدوق إن شاء الله ... أرجو بأن ليس به بأس عراه
وابن معين قال: من أقول: لا ... بأس به فثقة ونقلا
الإمام يحيى بن معين سوى بين ثقة، ولا بأس به، مع أن لا بأس به من مرتبة متأخرة، من المرتبة الرابعة عند ابن حجر، نعم، مثل صدوق، وثقة في المرتبة التي قبلها من الثالثة، وسوى بينهما ابن معين يقول:
وابن معين قال: من أقول: لا ... بأس به فثقة. . . . . . . . .
هذا اصطلاح خاص، فإذا جاءنا في سند من قال فيه ابن معين: لا بأس به، يعني ثقة، يعني ثقة، ومن أقول فيه ضعيف فليس بثقة "ونقلا" مما يؤيد أن ثقة أرفع من "لا بأس به"، عند الأئمة قاطبة أن ثقة أرفع من "لا بأس به"، لكن ابن معين يسوي بينهما.
"ونقلا أن ابن مهدي" الإمام عبد الرحمن بن مهدي لما روى عن أبي خلدة خالد بن دينار التميمي، سُئل عنه "أجاب من سأل" وهو عمرو بن علي الفلاس "أثقةً كان أبو خلدة؟ " روى عنه، فقيل له: أثقة كان أبو خلدة؟ أجابه بقوله: "بل"
كان صدوقاً خيِّراً مأموناً ... . . . . . . . . .
يعني صدوق، أروي عنه، وهو صدوق، خيِّراً مأموناً، يعني وكان خيراً، وروي خياراً، وكان مأموناً –أيضاً-.
. . . . . . . . . ... الثقة الثوري لو تعونا
لما قيل له: أكان أبو خلدة ثقة؟ قال: لا، أبو خلدة صدوق، خيَّر، مأمون، لكن الثقة شعبة، وسفيان، فدل على أن الثقة عنده أرفع من لا بأس به، وأرفع –أيضاً- من صدوق، وأرفع من مأمون، وخيِّر.
. . . . . . . . . ... الثقة الثوري لو تعونا(20/19)
أي: لو كنتم تعون، يعني تفهمون مراتب الرواة، ومواقع الاستعمال؛ ما سألتم عن ذلك "وربما وصف" يعني ابن مهدي –أيضاً- "ذا الصدق" أي: الصدوق الذي "وُسِم ضعفاً" يعني الذي قيل فيه صدوق ربما وهم، أو سيء الحفظ "ضعفاً بصالح الحديث" المنحط عن مرتبة "ليس به بأس"، "إذ يَسِم" أي حين يعلم على الرواة بما تتميز به مراتبهم "وربما وصف" يعني ابن مهدي "ذا الصدق وُسِم ضعفاً" يعني أضيف إلى كلمة "صدوق" ما ينزله، لو قيل: صدوق؛ ربما وهم، صدوق له أوهام، قد يسِمُه بأنه صالح الحديث، يعني وهذه المرتبة منحطة عن الوصف بأنه "لا بأس به" أو "صدوق" من غير وصف آخر، نعم.
مراتب التجريح
وأسوأ التجريح كذاب يضع ... يكذب وضاع ودجال وضع
وبعدها متهم بالكذب ... وساقط وهالك فاجتنب
وذاهب متروك أو فيه نظر ... وسكتوا عنه به لا يعتبر
وليس بالثقة ثم رُدَّا ... حديثه كذا ضعيف جدا
واهٍ بمرة وهم قد طرحوا ... حديثه وارم به مطرح
ليس بشيء لا يساوي شيئاً ... ثم ضعيف وكذا إن جيئا
بمنكر الحديث أو مضطربه ... واه وضعفوه لا يحتج به
وبعدها فيه مقال ضعف ... وفيه ضعف تنكر وتعرف
ليس بذاك بالمتين بالقوي ... بحجة بعمدة بالمرضي
للضعف ما هو فيه خلف طعنوا ... فيه كذا سيئ حفظ لين
تكلموا فيه وكل من ذكر ... من بعد شيئاً بحديثه اعتبر
بعد أن أنهى الكلام على مراتب التعديل أردفها مراتب التجريح، وهي كسابقتها عند ابن أبي حاتم، وابن الصلاح أربع، وخمس عند الذهبي، والعراقي، وست عند ابن حجر في التقريب، وكذلك السخاوي، والسيوطي.
قال -رحمه الله-:
وأسوأ التجريح كذاب يضع ... . . . . . . . . .(20/20)
كذاب بصيغة المبالغة، يضع الحديث، "يكذب، وضاع" يعني إذا قيل في الراوي: كذاب، أو يضع الحديث، أو يكذب، أو وضاع، أو قيل فيه: "دجال" أو "وضع" ولو قيل: وضع حديثاً هذه هي المرتبة الأولى عند الناظم، وكلها تدل على أن الراوي يضع الحديث، ويكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما يرويه فهو موضوع، أي: مكذوب، وقبل هذه المرتبة عند ابن حجر ما جاء بأفعل التفضيل كالسابقة، كمرتبة التعديل "أكذب الناس"، "إليه المنتهى في الكذب"، "إليه المنتهى في الكذب"، "وبعدها" أي بعد هذه المرتبة ثانية عنده، أي عند الناظم، وثالثة بالنسبة لترتيب ابن حجر:
وبعدها متهم بالكذب ... . . . . . . . . .
إذا قيل: فلان متهم بالكذب، أو بالوضع، وفلان "ساقط"، وفلان "هالك فاجتنب" يعني الرواية عنه، وفلان "ذاهب"، أو فلان ذاهب الحديث، أو فلان "متروك"، أو متروك الحديث، أو تركوه "أو فيه نظر"، وفلان "سكتوا عنه"، أو "به لا يعتبر" عند أهل الحديث، وفلان "ليس بالثقة"، أو غير ثقة، أو غير مأمون، ثم مرتبة رابعة عند ابن حجر، وهي عنده ثالثة "رُدَّا" البناء للمفعول، والألف للإطلاق "حديثُه"، أو ردوا حديثه، أو مردود الحديث، و "كذا" فلان "ضعيف جداً"، "واهٍ" إذا قالوا: فلان "واهٍ بمرة" أي جزماً؛ لأنه تردد، وفلان "همُ" يعني المحدثين، هم يعني المحدثين "قد طرحوا حديثه"، وفلان "ارم به مطَّرح" يعني أو مطرح، أو، فمثل هذا لا يكتب حديثه؛ لأنه مطَّرح.
ليس بشيء لا يساوي شيئاً ... . . . . . . . . .
يعني ما ذكر إلى هذا الحد، يعني ما ذكر من المراتب إلى نهاية هذا الشطر، هؤلاء وجودهم مثل عدهم، يعني لا يكتب حديثهم لا لاختبار، ولا لاعتبار، ولا لشيء، فضلاً عن الاستشهاد، أو الاعتضاد، فضلاً عن الاحتجاج، هؤلاء وجود أحاديثهم مثل عدمها.
ثم بعد ذلك:
. . . . . . . . . ... ثم ضعيف وكذا إن جيئا
بمنكر الحديث أو مضطربه ... . . . . . . . . .(20/21)
"وكذا إن جيئا" في وصف الراوي بأنه منكر الحديث، أو حديثه منكر، أو له ما يُنكر، أو له مناكير، "أو مضطربه" أي الحديث، أو "واه"، وفلان "ضعفوه" أو "لا يحتج به"، هذه المرتبة يعني ثم ضعيف، وتكون خامسة عند ابن حجر، وهي رابعة عند الناظم "وبعدها" وهي السادسة عند ابن حجر، والخامسة عند الناظم:
وبعدها فيه مقال ضعف ... . . . . . . . . .
"فيه مقال" أو أدنى مقال "ضُعِّف" بالتشديد مبني للمفعول، وفلان "فيه ضعف"، أو في حديثه ضعف، أو فلان "تنكر" منه مرة "وتعرف" منه مرة أخرى؛ لكونه –أحياناً- يأتي بما يعرف، وأحياناً- يأتي بما ينكر.
"ليس بذاك" يعني فلان ليس بذاك، يعني ليس بذاك القوي، أو ليس "بالمتين"، أو ليس "بالقوي"، الأولى: ليس بذاك القوي، أو ليس بذاك، أو ليس بالمتين، أو ليس بالقوي، أو ليس "بحجة"، أو ليس "بعمدة"، أو ليس بأمون، أو ليس "بالمرضي"، ليس بالمرضي، فمثل هذا لا يحتج به استقلالاً، وإنما يكتب حديثه للاعتبار، وكذا إذا قالوا: فلان مجهول، أو فيه جهالة، أو "للضعف ما هو" يعني ما هو ببعيد، أو "فيه خلف" يعني فيه خلاف، أو "طعنوا فيه"، أو مطعون فيه، "كذا سيء حفظ لين" يعني لين الحديث، أو فيه لين، "تكلموا فيه"، أو سكتوا عنه، هذه الألفاظ أخف من الألفاظ التي قبل:
ليس بشيء لا يساوي شيئاً ... ثم ضعيف. . . . . . . . .
إلى آخره، هذه تختلف حكمها عما قبلها، المراتب التي قبلها، التي هي الأربع عند ابن حجر لا يلتفت إليها، ولا يكتب حديثهم، لا للاحتجاج، ولا للاستشهاد، ولا للاعتبار، ولا للاختبار.
أما من بعد ذا شيئاً فإنه كما قال الناظم:
. . . . . . . . . وكل من ذكر ... من بعد شيئاً بحديثه اعتبر(20/22)
يعني أن الحكم في هذه المراتب الأربع الأولى لا يحتج بأحد منهم، ولا يستشهد به، ولا يعتبر به، ولا يكتب حديثه "وكل من ذكر من بعد شيئاً" يعني من قوله: "لا يساوي شيئاً" "بحديثه اعتبر"؛ لإشعاريه بصلاحية المتصف بمضمونها لذلك، يعني من اتصف بمضمونها ضعيف ينجبر، لكن ضعيف جداً لا ينجبر، معروف عند أهل العلم ترقية الأحاديث بالطرق، بالشواهد، بالمتابعات، فمنها ما يقبل الانجبار، ومنها ما لا يقبل الانجبار، فما كان ضعفه شديد هذا لا يقبل الانجبار، وما كان ضعفه ليس بشديد، فإنه يجبر بعضه ببعض، يجبر بعضه ببعض، وترتقي إلى مرتبة الحسن لغيره، وذكرنا فيما تقدم أن الترقية هل يمكن أن تكون بدرجة واحدة فقط -كما هو قول الأكثر-؟ أو بدرجتين؟ بمعنى أن الضعيف القابل للانجبار إذا وجد له طرق تشده، وترقيه؛ هل نقول إنه حسن لغيره؟ لأنها هي المرتبة التي تلي ضعيف، فنكون رقيناه درجة واحدة، أو يرقى درجتين حسب قوة هذه الشواهد، وهذه المتابعات، وهذه الطرق، ابن كثير يرى أنه لا مانع أن يقال: صحيح، إذا كان له من الطرق ما يرقيه إلى درجة الصحيح، لا سيما أننا وجدنا طريق رقاه إلى الحسن لغيره، وإن وجدنا طريقاً حسناً لغيره، أو طريقاً حسناً مع هذا الحسن لغيره، بعد ذلك رقيناه إلى صحيح لغيره، وقد نجد الشاهد، أو المتابع في الصحيح في أحد الصحيحين في صحيح البخاري، أو مسلم، وهنا لا ينبغي التردد في أنه يقال فيه: صحيح.
يقول: إني رجل أريد أن أحفظ القرآن، ولكن رأيت الجهل بالقرية التي أسكن فيها، وقلت: سوف أتعلم العلم، وأعطي القرآن قليلاً من الوقت، فما رأيكم بهذا العمل؟ وهل تنصحوني بحفظ القرآن أولاً؟ أم تعلم العلم؟(20/23)
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن طريقة المشارقة أنهم لا يجعلون للقرآن وقتاً مستقلاً، وإنما يتعلمونه مع بقية العلوم، فتجد الطالب في بداية الطلب يحفظ المفصل مثلاً، مع كتب المبتدئين، كتب الطبقة الأولى، ثم يترقى إلى حفظ قدر ثاني من القرآن، مع كتب الطبقة الثانية، ثم هكذا يترقى، وأما طريقة المغاربة فهم يخصصون أول الوقت لحفظ القرآن، ولا يدخلون معه غيره، يتفرغون لحفظ القرآن ولا يتعلمون من العلم شيئاً حتى إذا ضمنوا حفظ القرآن تعلموا العلوم الأخرى، ولا شك أن مثل هذا يضمن للطالب حفظ القرآن، يضمن له حفظ القرآن، والحفظ في الصغر لا شك أنه أضمن، وأبقى، أبقى في الذاكرة، فالمسألة مثل ما سمعنا، المغاربة يقولون: تبدأ بحفظ القرآن قبل أن تدخل عليه شيئاً من العلوم، والمشارقة يحفظون القرآن تدريجياً مع العلوم الأخرى، ولذا تجدون في المشارقة من لا يحفظ القرآن؛ لأنه تساهل في حفظ القرآن من أول الأمر، ثم كثرت عليه العلوم، وتزاحمت عليه المشاغل، ثم لم يستطع أن يتم حفظ القرآن، بينما المغاربة كما ذكر ذلك ابن خلدون عنهم أنهم يضمون حفظ القرآن، ثم يبدءون بالعلوم الأخرى، فإذا حصل نقص، أو انشغال يكون على حساب العلوم الأخرى، لا على حساب القرآن؛ لأن الإنسان ما يضمن المستقبل، وما يعرض له من الشواغل والصوارف، قد يبتلى بأمر لا يستطيع معه متابعة التعلم، فيكون حينئذٍ ضمن حفظ القرآن، فعلى طالب العلم أن يحرص عليه قبل كل شيء، وإذا كان ممن تقدمت به السن، والآن في المرحلة الجامعية، ووقت الطلب يفوت، وهناك دروس يمكن أن لا تعوض في المستقبل، فيحرص على حضورها، ويخصص لحفظ القرآن وقتاً، يخصص لحفظ القرآن وقتاً كافياً، ولو خصص له ما بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس هذا يكفيه، بسنة واحدة ينهي القرآن، ومع ذلك يحضر الدروس في آخر النهار، ويحافظ عليها، ويكون قد جمع بين الطريقتين.(20/24)
إذا كانت قريته بحاجة إلى معرفة مبادئ العلوم بحيث يرشدهم إلى ما أوجب الله عليهم، وأن يعبدوا الله على مراد الله -جل وعلا- مما جاء عنه، وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ورأى الشخص أنه يتعلم من العلم ما يفيد به أصحاب أهل قريته، ويتعلم العلم بالتدريج، ويحفظ القرآن –أيضاً- بالتدريج، فكلام نافع، وجيد.
كتاب اسمه شفاء العليل في ألفاظ الجرح والتعديل، لأبي الحسن مصطفى بن إسماعيل المأربي.
أنا عندي من هذه الكتب شيء كثير من مؤلفات المعاصرين، عندي شيء كثير، لكنني لا وقت عندي بحيث أطالعها، إنما أكتفي بكتب المتقدمين، وما في –والله- وقت، وإلا قد يكون بعض الكتب متعوب عليها، وفيها فوائد قد تقرِّب علوم المتقدمين.
يقول: شخص لديه مبلغ من المال يقوم بإعطائه شخص يتَّجِر به، على أن الشخص الثاني يعطي الأول مبلغ معين كل شهر زيادة على رأس المال، ورأس المال مضمون غير قابل للخسارة، فما الحكم؟
لا، ضمان الربح لا يجوز، ضمان الربح لا يجوز، وإنما مثل هذه الشركة خاضعة للربح والخسارة.
يقول: نتفق على عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-، لكن كيف نعرف من كان ضابطاً منهم، ومن خف ضبطه، وحفظه، إذ من المعلوم تفاوتهم في درجة التحمل، والضبط كلامي في الصحابة من رواة، وغيرهم، فمعروف؛ كيف يعرف ضبطهم؟
كل شيء مضبوط عند أهل العلم، وأخطاء، وأوهام بعض الصحابة، وما رد به بعضهم على بعض مضبوط، ومتقن -ولله الحمد-، ومحرر، والإجابة للزركشي فيما استدركته عائشة على الصحابة يعطينا شيئاً من هذا، وفي كتب السنة من المبثوث، والمنثور في ثناياها ما يدلنا على أن هذا الصحابي ضبط هذا الحديث، أو أخطأ فيه، كحديث ابن عباس في زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من ميمونة، وهو حلال، يعني ما ضبطه.
يقوم بعض الأخوة بالاتصال بي في أوقات غير مناسبة على الجوال، أو الهاتف الثابت سواءٌ في العمل، أو المنزل، فهل عدم الجواب فيه شيء عليَّ، وأنا أعلم أنه قد يكون لهم مصالح في الاتصال؟ وأحياناً أكون مع أهلي، وأولادي، ومنشغل معهم في المنزل، فهل أرد درءاً للشبهات، وظنهم بي عدم الاهتمام بهم، وعدم الرد عليهم؟(20/25)
على كل حال الأصل أن ترد، الأصل أن ترد؛ لئلا يظن بك، ومن أجل أن تقضي حاجة المحتاج، لكن إذا كنت مشغولاً، فأمرك أهم من أمر غيرك، وهذا على حسب الشغل، وحسب الفراغ، واتصل مرة شخص في الساعة الواحدة والنصف، يعني ما هو مناسب الوقت، فرفع السماعة واحد من الأولاد، وقال له: يا أخي أنت تدري كم الساعة؟ قال: اسمع ظرفي، واحكم، أنا طلقت الزوجة، وهي الآن في الطلق، يعني احتمال بعد ربع ساعة تخرج من العدة، فلا أستطيع مراجعاتها، فهل لي مراجعة، وإلا ما لي مراجعة؟ يعني ظروف الناس تتفاوت، وتختلف، يعني لو ترك هذا إلى الصبح خلاص فاتت زوجته، إذا ولدت خرجت من العدة، فهذا معذور.
يقول: كما تعلمون أن علوم الحديث لابن الصلاح هي الأصل، فلو بدأ الطالب بالنخبة، ثم كتاب ابن الصلاح؛ أليس في ذلك غنية، سيما وهذا العلم من علوم الآلة، ولا يجب التوسع فيه؟
على كل حال اختصار علوم ابن الصلاح للحافظ ابن كثير أتى بمقاصده، وفي الألفية ما لا يوجد في علوم الحديث، ما لا يوجد في علوم الحديث، ثانياً، وفي علوم الحديث أشياء مكررة تقبل الاختصار.
ثانياً: بالنسبة لحفظ الأسانيد، والمتون لا شك أن هذا هو الأفضل، ولكن لا يلزم محدِّث أن يحدث من حفظه، وهناك كثير من المحدثين الأعلام باعترافهم بأنفسهم أنهم ما حفظوا شيئاً.
إيش لون المحدثين، كيف يكونوا محدثين أعلاماً، وهم ما حفظوا، قد يحفظون، ويحدثون من الكتب، التحديث من كتاب معروف، ولا شك أن مثل هذا أضبط.
ويقول: حتى إيش؟ اعترفوا بأنفسهم أنهم ما حفظوا شيئاً، حتى ما حفظوا القرآن الكريم.(20/26)
على كل حال هناك ما يسمى بحفظ الكتاب، ولا شك أن حفظ الصدر أولى، وهو الأصل، إن لم يتيسر، فحفظ الكتاب، وبعض الناس يمتاز بالفهم، وفي حفظه ضعف، وبعض الناس يمتاز بالحفظ، وفي فهمه ضعف، وذكرنا عن الجلالين المحلي، والسيوطي، وقلنا: إن المحلي قيل في ترجمته: أن ذهنه، وفهمه يثقب الماس، يعني عنده فهم دقيق جداً، وحفظه ضعيف جداً، فمثل هذا إذا شرح من كتاب يفيد، إذا شرح من كتاب يفيد، لكن إذا شرح من حفظه خلَّط، فهذا لا بد أن يعتمد على كتاب، وهناك الضبط الذي يسمى ضبط الكتاب، وبعض الناس -ما شاء الله- أوتي حفظاً قوياً لكن فهمه أقل، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وقل أن يجمع الله لنوادر من الناس بين الأمرين، تجد أنه لا بد أن يكون شيء على حساب شيء، ونظير ذلك أننا نوصي الطلاب بالحفظ كثيراً، وبمراجعة الشروح كثيراً، الحفظ ليكون لديه مخزون يحل معه حيثما حل، ومراجعة الشروح تولد لديه ملكة لفهم السنة، لكن كل واحد على حساب الثاني، إن انشغل بالحفظ ما تمكن من مداومة النظر في الشروح، إن أدام النظر في الشروح، وكل كتاب يحتاج إلى سنة، أو سنتين صار على حساب الحفظ، كل شيء له ضريبة، فإما أن يهتم بهذا، أو بهذا، أو يسدد، ويقارب فيحفظ ما يحتاج إلى حفظه، ويراجع ما يحتاج مراجعته، فمثل هذا الذي يقول: إن بعضهم الذي لا يحفظ القرآن من أهل الحديث نادر جداً، ونبهوا عليه في ترجمة ابن أبي شيبة لا يحفظ القرآن، فكونهم ما نبهوا إلا على هذا الحافظ الإمام في السنة يدل على أن من عداه يحفظ.(20/27)
الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- في مجموع جمع له من علم الشيخ الألباني في مجلد كبير، جمعه شخص مصري، فلان بن فلان الشيخ، نعم ذكر أن الشيخ قدم لصلاة الصبح في يوم الجمعة، في يوم الجمعة، فقال: أردت أن أقرأ سورة السجدة، ما أسعفتني، ما استطعت، فقرأت من الكهف، فلما وقفت على رأس آية سجدوا، يظنون أنها سورة السجدة، وهذا يأتي به أن الناس يربون أحياناً على الغفلة، وهو مجرد التقليد من غير نظر فيما يُقرأ، فكون الشيخ يعني قدم لصلاة الفجر يوم الجمعة، وما أسعفه حفظ سورة السجدة، لا يعني أن الشيخ معصوم، ويحفظ كل شيء، ويعرف كل شيء، الشيخ يعني يكفيه أنه خلال ستين سنة لا نظير له في علم السنة، ولو قيل إنه هو المجدد في هذا العلم، بل لا منازع في كونه هو المجدد لهذا الفن، لا منازع لكونه هو المجدد، لكن لا يعني أنه معصوم، يحفظ كل شيء، بل لو يقال: إن من طلاب العلم من هو أقوى منه حافظة ما هو ببعيد، يعني الآن يشتغلون في زوائد المستدرك، والبيهقي؛ هل يقال: إن الألباني، أو حتى الشيخ ابن باز، أو غيره يحفظون هذه الكتب؟ ما يظن بهم هذا، لكن يكفيهم أنهم أئمة، عملوا على الجادة، وربوا طلاباً، وخدموا العلم -لا سيما علم السنة-، ولا يفترض في الإنسان أنه إمام في كل باب، أما قوله: "إن هذا كثير في المحدثين" ليس بكثير، والحفظ هو العلم.(20/28)
ومثلوا لمن علمه محفوظ، أو علمه مكتوب بمن زاده التمر، أو زاده البر، من زاده التمر متى ما أراد يأخذ من هذا التمر، ويأكل، ما يحتاج إلى أن يقف، وهو سائر في طريقه، وينصب القدر على الأثافي، ويوجد النار، ويجهز الطعام، لا، ما يحتاج، يأخذ، ويأكل من الإناء إذا كان زاده تمر، هذا الحفظ، لكن إن كان زاده البر؛ ماذا يصنع؟ يحتاج إلى تنقية، وقبل ذلك يحتاج إلى زراعة، ثم بعد ذلك تخليص من الشوائب، ثم بعد ذلك طحن، ثم بعد ذلك عجن، ثم بعد ذلك نار يوقد عليها، ثم بعد ذلك .. ، يعني مراحل، وهذا مثل من علمه في الكتب، يحتاج إلى أن يذهب إلى المكتبة، ويحتاج إلى أن يبحث عن المظنة، ويحتاج إلى أن يقلب في هذه المظنة، يحتاج إلى أن ينظر في أكثر من مظنة، ثم يستخرج المسألة، فهذه تحتاج إلى معاناة، ولا شك أن الحفظ لمن وفقه الله إليه من أول الأمر؛ لأن بعض الناس عنده حافظة لكن ما وجد من يدله على الطريق، يعني بعض الناس في الدراسة النظامية تجده الأول على دفعته، وعنده حافظة قوية، لكن ما وجد من يدله، ثم إذا تخرج من الجامعة، وأراد أن يطلب العلم من أبوابه، وجد أنه أمضى من عمره ثلاث وعشرين سنة ما حفظ شيئاً إلا هذه المقررات، فإما أن يتابع من بعد منزلته التي حصل، وهي الجامعة, ويقول: أنا خلاص، أنا طالب علم منتهي، خريج جامعة، وترتيبه الأول، وقد يكون بعد واصل الدراسة، وصار دكتور، وقد يصل إلى دكتور، وهو يعيش، أو يموج في صحراء ما وصل إلى الطريق، وهذا ملاحظ، لكن من الناس من وفق بمدرس من المتوسط، يعني من طلاب المعهد عندهم مدرس، حريص على الطلاب، ويدلهم على الطريقة، ويحفظهم متون الطبقة الأولى، ثم يعلمهم كيف يرجعون، وكيف يحضرون دروس فلان، أو فلان .. إلى أن يسلكوا الطريق، هؤلاء لا يلبثون –بإذن الله- إلا سنوات يسيرة إلا أن يكونوا علماء.
هذا يدعو لمن ساهم في نقل هذه الدورة على الإنترنت يقول: على البالتوك، والذي أفاد منه الكثير جداً.(20/29)
نقول: مثل هذا أجره على الله، وقد دل هؤلاء على هذا إن كان فيه فائدة، سواءٌ كان من دروسنا، أو دروس غيرنا، فالذي يدل على الهدى له مثل أجر فاعله، والله -جل وعلا- يدخل في السهم الواحد -كما جاء في الحديث الصحيح- ثلاثة، فكل على خير، فهذا الذي ينقل هذه الدروس، سواءٌ كانت دروسنا، أو غيرها من دروس أهل العلم مما فيه نفع أجره على الله، وله أجره الكامل -إن شاء الله-، وهذا أمر معروف، ومقرر كمن رتب لهذه الدورة، وأعان عليها، وهيأ الأسباب لقيامها، أو غيرها من دورات المشايخ، لا شك أنه شريك في الأجر.
ما حكم زواج السني من الإسماعيلية؟
الإسماعيلية بدعتهم مغلظة فلا يجوز الزواج منهم.
يقول: وهل لمن أفتى بجوازه وجه بحيث أنه قد وجد من الفضلاء من أفتى بذلك، وقال: أن من يؤمن برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- خير ممن لا يؤمن بها، وقد أباح الله الزواج من أهل الكتاب، وهم لا يؤمنون بها، والإسماعيلية يؤمنون بها؟
زواج الكتابية بالنص، زواج الكتابية بالنص، وزواج المشركة بالنص تحريمه، وسواءً مشرك شركاً أصلياً، أو عن ردة، وارتكاب مكفر، والله المستعان.
على كل حال قد يوجد في عوامهم كما يقول شيخ الإسلام من هو على التوحيد؛ لأنه جاهل، من هو على التوحيد، وعلى كل حال السني عليه أن يتزوج مثله سنية، ولا يتزوج امرأة مبتدعة قد تدعوه إلى بدعتها، ويتأثر بها لا سيما إن أعجبته، وفتن بها كما حصل لعمران بن حطَّان، عمران بن حطان تزوج امرأة خارجية، وكان على الجادة؛ ليدعوها، ويحصل على أجر دعوتها! ّ كما يزعم، وكما يقوله كثير من الإخوان الآن، يقول: الدين يحصل بالدعوة، لكن الجمال كيف يحصل؟ فيدعو هذه المرأة التي دعاه إلى نكاحها الجمال، ثم بعد ذلك نأخذ أجر دعوتها، ثم لا يلبث أن تدعوه، فيستجيب، وقد دعت امرأة عمران بن حطان دعته إلى بدعة الخوارج، فاستجاب، وأثر المرأة على الرجل لا ينكر، كما أن أثر الرجل إذا وفق على المرأة لا ينكر –أيضاً-.
الظاهر أن السند المعنعن ما له نصيب.
يقول: هل من توجيه إلى طلاب العلم للعناية بالتفسير وعلومه، وحضور دروسه، وما هو سبب قلة دروس العلماء في التفسير؟(20/30)
لا شك أن التفسير ما أعطي حقه، ولا نصيبه، ولا علوم القرآن، ولا القراءات، الناس همتهم في الغالب إلى الأحكام العملية، وهذه في الفقه، والحديث، ومنهم من يتجه إلى دراسة العقيدة، وهذا كله طيب، ولا ينكر على شخص أن يعنى بالعقيدة، أو بالسنة، أو بالفقه، أو غيرها من العلوم، لكن العناية بكتاب الله -جل وعلا- ينبغي أن تكون أكثر، والتفسير لا شك أنه مهضوم مظلوم، يعني إن وجد دروس في التفسير ففي قراءة، قراءة في كتاب، وتعليق عليه، أما تفسير بمعنى كلمة تفسير ينشئه العالم كما ينشئ شرح لمتن من المتون، هذا قل أن يوجد، والناس بأمس الحاجة إليه، والناس بأمس الحاجة إليه، فعلى من يستطيع ذلك أن يهتم به.
يقول: ما رأيكم فيمن يقول في حديث: ((إن أبي وأباك في النار))، يقول في هذا الحديث، ولو رواه مسلم، فما ذنب عبد الله بن عبد المطلب أن يكون في النار، ويقول كذلك في حديث: ((النساء ناقصات عقل ودين))، يقول: هذه مزحة من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
هذا كلام خطير، هذا كلام صدر عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ويحكم على شخص أنه في النار، ونقول: لا، هذه معاندة، وهذه مكابرة، مادام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا كلام لأحد، وأما قوله: ((النساء ناقصات عقل ودين))، فلا يمكن أن يؤتى بامرأة تساوي الرجال، والنظر إلى المجموع لا إلى الأفراد، النظر إلى المجموع، مقابلة مجموع النساء بمجموع الرجال، إذا قارنا مجموع النساء بمجموع الرجال؛ وجدنا هذا النقص ظاهراً، أما لو قارنا امرأة متميزة برجل غير متميز؛ قد يوجد امرأة أفضل من كثير من الرجال، وكمل من الرجال كثير، ومن النساء قليل، والله المستعان.
يقول: تردد في تحقيقكم على فتح المغيث لفظ شيخنا فما المقصود بهذا اللفظ؟
أنا ما أظنه تردد، بالنسبة للتعليق، والحواشي، أما بالنسبة لفتح المغيث، فمراد السخاوي شيخه ابن حجر، هذا ما فيه إشكال، أما في التعليق ما أذكر أنه، إلا أظن مرة، أو مرتين أنقل عن الشيخ ابن باز فقط، يعني مقروناً باسمه ما هو مع إبهام، أما في أصل الكتاب في فتح المغيث للسخاوي فالمراد بقوله: شيخنا، ابن حجر.(20/31)
يقول: ذكرتم بالأمس أن الواجب تغطية الفخذ إلا إذا انحسر الثوب عن الفخذ بدون قصد، وذكرتم قبل هذه المرة أن تغطية الفخذ ليست بواجبة، فكيف الجمع؟
الجمع الاجتهاد يتغير.
يقول: في ختام هذه الدورة يرجى منكم حث الطلاب على المداومة على طلب العلم، والحرص، وأيضاً التنبيه على التحلي بآداب طالب العلم خاصة عند حضور الدورس، وأمام الشيخ، كمد الأرجل، وإحسان الجلسة وسط الحلقة، كذا حسن التعامل مع الإخوان.
والله هذه أمور لا بد من التنبيه عليها، ولو وضع فيها محاضرة مستقلة، ومع أنه يوجد -ولله الحمد- في آداب طالب العلم أشرطة كثيرة.
يقول: هل من كلمة حول ما يصيب إخواننا الفلسطينيين في هذه الأيام؟
لهم علينا الدعاء، أن الله -جل وعلا- يكشف عنهم ما أصابهم، وأن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته.
بعض الناس يتحفظ على مقولة: من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، هذا في عصر الحفظ أما في هذا العصر، والناس اليوم زادهم الحفظ بل الكتب ما رأيكم؟
الكتب وحدها لا تكفي بل لا بد من المثول بين يدي الشيوخ، لا بد من أن يجلس على شيخ يتعلم من طريقته، وهديه، وسمته، ويتعلم كيفية تصرفه مع النصوص، ثم بعد ذلك يستقل بالقراءة.
هل يجوز قتل النمل إذا كان يؤذي في البيت؟
من آذى طبعاً قُتل شرعاً، إذا كان يؤذي نعم.
وهل يصح في تحذير النمل أن يغادر مكانه، وإعطائه مهلة ثلاثة أيام؟
يعني مثل ما جاء في جنان البيوت، لا، هذا لا يصح فيه شيء.
يقول: الواضح من كلامكم أن مسلم والبخاري كتابهما معصومان، وأن ما أخطئوا فيها ... ؟
غير واضح الكلام. الأمة تلقت كتاب البخاري، وكتاب مسلم بالقبول، حتى أفتى بعض العلماء بأن لو أن رجلاً طلق امرأته أن ما في الصحيحين صحيح فإن امرأته لا تبين منه، ولا تطلق، وتلقاهم بلا شك، تلقتهما الأمة بالقبول، وهناك أحرف يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ، كالدارقطني، وغيره، لكن الصواب في الغالب مع الشيخين، وأما العصمة فلرسول الله -عليه الصلاة والسلام-.(20/32)