بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن بفضلك وكرمك
مقدمة التحقيق:
توطئة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعين ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].
أما بعد.
لقد كان للعلم في الإسلام شأن عظيم ومقام خطير، ولقد حث الإسلام على طلب العلم، والترقي في مدارجه فقال تعالى:(1/7)
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وقال تعالى:
{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} [الزمر: 9].
والأخبار الواردة في فضل العلم وأهله كثيرة، ولقد أوردها الحافظ ابن عبد البر في كتابه.
ولذلك رأينا الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم أقبلوا على العلم رغبة بما عند الله من ثواب عظيم، وأثمرت جهودهم وآتت أكلها؛ لأنهم ولجوا البيوت من أبوابها، وأقبلوا على التعلم والتعليم وفق ما تعلموه من سنة الحبيب, صلى الله عليه وسلم.
والإسلام دين الله تعالى، وضع الله لكل شيء من تشريعاته ضوابط وحدودًا.
ولقد اعتنى علماؤنا -رحمهم الله تعالى- ببيان طرق التعلم والتعليم فألفوا في هذه المسائل المؤلفات, ومن أهم تلك المؤلفات:
- الفقيه والمتفقه، للخطيب البغدادي.
- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب أيضًا.
- اقتضاء العلم والعمل، للخطيب.
- تذكرة السامع، لابن جماعة.
- تعليم المتعلم طرق التعلم، للزرنوجي.
- أخلاق حملة القرآن، للآجري.
- أخلاق العلماء، للآجري أيضًا.
- ذم من لا يعمل بعلمه، لأبي القاسم بن عساكر.
- كتاب العلم، لأبي خيثمة زهير بن حرب.
- المدخل إلى السنن الكبرى، للحافظ البيهقي.(1/8)
- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، للقاضي عياض.
- ومن أهم تلك الكتب، وأجمعها، وأدقها تبويبًا، وتنسيقًا: كتاب جامع بيان العلم وفضله للحافظ ابن عبد البر.
وكل هذه الكتب مطبوعة ومتوافرة بحمد الله تعالى.
وما أحوجنا في هذه الأيام إلى قراءة مثل هذه الكتب، ليتوضح لنا الطريق في كيفية تلقي العلم، واختيار فروعه، وما هي شروط نشر العلم، وصفات العالم، وآداب المتعلم... إلى غير ذلك.
ما أحوجنا في هذا العصر الذي طغت فيه الفوضى العلمية وتفشت، فنشأ من نتاج ذلك أدعياء، لبسوا لبوس العلم، ما تربوا بالعلم، وما تأدبوا بأدبه، فأفتوا فضلوا وأضلوا...
ولقد استوقفني أثر رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم "20448" 11/ 246: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتحدثون مخانة وملاذة ويعاب قائلهم وإن لم يشعب
قال: ثم تقول عائشة: فكيف لو أدرك لبيد من نحن بين ظهرانيه؟!
قال معمر: فكيف لو أدرك الزهري من نحن بين ظهرانيه؟!
قال فواز: فكيف لو أدرك هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- من نحن بين ظهرانيه؟!!!(1/9)
ترجمة المؤلف:
اسمه - مولده:
هو الإمام الرباني، العلامة العلم أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي.
ولد يوم الجمعة -والإمام يخطب- لخمس بقين من شهر ربيع الآخرة سنة 368هـ. كما نقل صاحبه أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري، عن ابن عبد البر نفسه1. وقيل غير ذلك.
فقد قال الحميدي في جذوة المقتبس2: مولده في رجب سنة 362هـ.
وتابعه الضبي في بغية المتلمس3، فقال: مولده في رجب سنة 362هـ.
نشأته:
نشأ رحمه الله بمدينة قرطبة، وكانت عاصمة الخلافة بالأندلس في ذلك الحين.
وكانت الأندلس مدينة العلم، واحتضنت عددًا كبيرًا من العلماء، إذ نزلها جماعة من التابعين وتابعيهم حتى أصبحت مركز الحضارة الإسلامية في المغرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفيات الأعيان 6/ 764 وانظر تذكرة الحفاظ 3/ 1128، وجذوة المقتبس ص344.
2 جذوة المقتبس ص344.
3 ص489.(1/11)
ففي هذا الأفق العلمي الزكي نشأ وترعرع رحمه الله تعالى، وتفقه على كثير من الشيوخ.
وقرطبة عرفت بكثرة المكتبات فيها حتى بلغت -فيما يقال- ستين مكتبة.
كما أنه نشأ في أسرة عرفت بالعلم والعبادة، فوالده عبد الله تتلمذ على كثير من علماء الأندلس، وكذا جده محمد فقد ذكر أنه كان من العباد الزهاد.
وهذا مما هيأ للعلامة ابن عبد البر السبيل لترقيه في مسالك العلم ومدارجه.
نسبه الثلاث:
النمري, الأندلسي, القرطبي:
أما نسبته: النمري: فهي نسبة إلى النمر بن قاسط -بفتح النون وكسر الميم, والنمري -بفتح النون والميم، وإنما تفتح الميم في النسبة خاصة. كما جاء في وفيات الأعيان.
وأما الأندلسي: نسبة إلى الأندلس.
وأما القرطبي: فنسبة إلى بلده الذي ولد فيه وتربى, قرطبة.
طلبه للعلم، وشيوخه:
لم يغادر العلامة أبو عمر بلاد الأندلس، ولكنه تنقل في أرجائها شرقًا وغربًا.
فرحل عن وطنه قرطبة أيام الفتنة العظمى بها، فجال في غربي الأندلس، ثم تحول إلى شرقيها كذلك فتردد فيه ما بين دانية وبلنسية وشاطبة.
يقول تلميذ الحافظ ابن عبد البر، أبو علي الغساني, رحمه الله: إن أبا عمر -رحمه الله- من النمر بن قاسط بن ربيعة من أهل قرطبة بدأ طلبه للعلم بها، وتفقه عند أبي عمر بن المكون، وكتب بين يديه، ولزم كذلك أبا الوليد ابن الفرض الحافظ، وعنه أخذ كثيرًا من علم الرجال والحديث. وهذا الفن كان الغالب عليه، وكان قائمًا يعلم القرآن.(1/12)
وسمع من سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، وأحمد بن قاسم البزاز، وأبي محمد بن أسد، وخلف بن سهل الحافظ, وابن عبد المؤمن، وأبي زيد عبد الرحمن بن يحيى، وسعيد بن القزاز، وأبي زكريا الأشعري، وأبي عمر الباجي، وأبي القاسم بن أبي جعفر، وابن الجسور، وأجازه أبو الفتح ابن سيبخت وعبد الغني بن سعيد الحافظ ولم تكن له رحلة خارج الأندلس.
وقبل رحيله -رحمه الله- من بلده قرطبة كان قد أقبل على كبار العلماء من أهل قرطبة ومن الوافدين إليها يلازمهم، ويأخذ عنهم حتى نبغ في القراءات والحديث والفقه والأخبار والأنساب، لكن الحديث والفقه قد غلبا عليه فكان فيهما أشهر.
وقال الحافظ الذهبي: قد أجاز لأبي عمر ابن عبد البر في مصر, المسند أبو الفتح بن سيبخت والحافظ عبد الغني، ومن مكة أجازه أبو القاسم عبيد الله بن السقطي.
أشهر مصنفاته:
اشتهر ابن عبد البر بالتأليف.
وكانت له اليد الطولى في ذلك، وألف المؤلفات المفيدة في شتى أنواع وفروع العلم.
ومن مؤلفاته:
1- البيان عن تلاوة القرآن.
2- المدخل إلى علم القرآن.
3- الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلاء.
4- الإنصاف فيما بين العلماء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من الخلاف.
5- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد.(1/13)
6- الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار.
7- التقصي، أو تجريد التمهيد.
8- اختلاف أصحاب مالك بن أنس، واختلاف رواياتهم عنه.
9- الكافي في الفقه المالكي.
10- الأجوبة عن المسائل المستغربة.
11- الدرر في اختصار المغازي والسير.
12- الاستيعاب في أسماء الأصحاب.
13- القصد والأمم في معرفة أنساب العرب والبربر والعجم.
14- الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء.
15- جامع بيان العلم وفضله, وهو كتابنا الذي نقدمه للقراء.
16- الإنباه على قبائل الرواة... وغيرها.
ثناء الأئمة عليه:
اتفق المؤرخون على الإشادة بعلمه، والاعتراف بفضله، وفيه يقول تلميذه الحميدي: أبو عمر، حافظ مكة، عالم بالقراءات، وبالخلاف في الفقه، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، كثير الشيوع.
- ويقول الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر ابن عبد البر في الحديث.
- ويقول ابن بشكوال: إمام عصره، وواحد دهره، دأب في طلب العلم، وافتن فيه، وبرع براعة فاق من تقدمه من رجال الأندلس.
- وقال ابن العماد: أحد الأعلام، وصاحب التصانيف... إلى أن قال:
وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار.(1/14)
- وقال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه.
- وقال ابن فرحون: شيخ علماء الأندلس، وكبير محدثيها، وأحفظ من كان فيها لسنة مأثورة، ساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
وفاته: انتهى المطاف بأبي عمر -رحمه الله- إلى مدينة شاطبة، وبها أدركته المنية ليلة الجمعة آخر ربيع الثاني سنة 463هـ.
عن خمس وتسعين سنة.
عملي في تحقيق الكتاب:
لقد اتبعت في تحقيق الكتاب الخطوات التالية:
1- رقمت أحاديث وآثار الكتاب التي أسندها ابن عبد البر من قبله، دون المعلقات، والبلاغات، وما ذكره لغيره، أو بدون سند.
2- خرجت آياته ووضعتها في متن الكتاب.
3- خرجت أحاديثه على كثرتها وتتبعت مظانها، ونقلت أقوال أهل العلم بالحديث في صحتها أو ضعفها ما استطعت لذلك سبيلًا.
وكذلك خرجت آثاره الواردة في الكتاب وبذلت الجهد في تخريجها، ولكن أهل التحقيق يدركون ما في تخريج الآثار من صعوبة، وقد فاتني من تلك الآثار الشيء القليل -إن شاء الله تعالى.
4- علقت على النص بما يقتضيه من تعليق على مسألة، أو توضيح مشكل أو بيان غريب وما شابه ذلك.
5- قمت بعمل فهرست لأحاديث الكتاب وآياته.(1/15)
6- وضعت ترجمة موجزة لابن عبد البر توضح أهم معالم حياته وآثاره العلمية.
هذا مما كان من صواب فمنة من الله تعالى عليَّ.
وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان. أستغفر الله منه.
وأرجو من أخ كريم وجد خطأً أن يصحح ويسدد وينصح، ويدعو لأخيه المحقق بظهر الغيب.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
أبو عبد الرحمن
فواز أحمد زمرلي
صباح يوم الخميس 16 ربيع الثاني 1420 هجرية.(1/16)
بسم الله الرحمن الرحيم
"رب يسر يا كريم. بك نستعين"
مقدمة المؤلف:
قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري:
الحمد لله المبتدئ بالنعم بارئ النسم، ومنشر الرمم1، ورازق الأمم، الذي علمنا ما لم نكن نعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين، والحمد لله رب العالمين.
"أما بعد"
فإنك سألتني -رحمك الله- عن معنى العلم، وفضل طلبه، وحمد السعي فيه، والعناية به, وعن تثبيت الحجاج بالعلم، وتبيين فساد القول في دين الله بغير فهم، وتحريم الحكم بغير حجة، وما الذي أجيز من الاحتجاج والجدل، وما الذي كره منه؟ وما الذي ذم من الرأي وما حمد منه؟ وما يجوز من التقليد وما حرم منه؟ ورغبت أن أقدم لك قبل هذا من آداب التعلم وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وكيف وجه الطلب، وما حُمد ومدح فيه من الاجتهاد والنصب، إلى سائر أنواع آداب التعلم والتعليم وفضل ذلك وتلخيصه بابًا بابًا مما روي عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: محيي العظام البالية.(1/17)
سلف هذه الأمة -رضي الله عنهم أجمعين- لتتبع هديهم وتسلك سبيلهم وتعرف ما اعتمدوا عليه من ذلك مجتمعين أو مختلفين في المعنى منه، فأجبتك إلى ما رغبت، وسارعت فيما طلبت رجاء عظيم الثواب، وطمعًا في الزلفى يوم المآب، ولما أخذه الله -عز وجل- على المسئول العالم بما سئل عنه من بيان ما طلب منه، وترك الكتمان لما علمه، قال الله, عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من سئل علمًا علمه فكتمه جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار".
1- قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سُفْيَانَ ، أَنَّ قَاسِمَ بْنَ أَصْبَغَ ، حَدَّثَهُمْ قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نا عَبْدُ الْوَارِثِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ رَجُلٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ فَكَتَمَهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ لِجَامٌ مِنْ نَارٍ "1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "6358"، والترمذي "2649"، وابن ماجه "261"، وأحمد 2/ 263-305-344-353-495، وابن أبي شيبة 9/ 55، والطيالسي في مسنده "2534"، وابن حبان في صحيحه "95"، من طريق علي بن الحكم، عن عطاء، عن أبي هريرة. ورواه الحاكم في المستدرك 1/ 101، وابن عبد البر "1" من طريق عبد الوارث، عن علي، عن رجل, عن عطاء به. ورواه من طريق قتادة، عن عطاء بن أبي رباح: العقيلي في الضعفاء 1/ 257. ومن طريق الحجاج بن أرطاة, عن عطاء به: أحمد في المسند 2/ 296-499-508. وابن عبد البر "2"، والخطيب في الكفاية ص37، وفي تاريخ بغداد 2/ 268، وابن الجوزي في العلل 1/ 102. ومن طريق كثير بن شنظير، عن عطاء به: الطبراني في الصغير 1/ 60. ومن طريق الأعمش, عن عطاء به: الحاكم في المستدرك 1/ 101. ومن طريق سماك بن حرب، عن عطاء به: البغوي في شرح السُّنة "140" 1/ 301. ومن طريق ليث بن أبي سليم، عن عطاء به. ابن عدي في الكامل 4/ 1596، وابن عبد البر "5". وأبو خيثمة في العلم "142" ص33، وابن الجوزي في العلل 1/ 104. ومن طريق سليمان التيمي، عن عطاء به: الطبراني في الصغير 1/ 114. ومن طريق مالك بن دينار, عن عطاء به: الطبراني في الصغير 1/ 162, وابن الجوزي في العلل 1/ 103. ومن طريق ابن جريج، عن عطاء به: الطبراني في الصغير 1/ 162. والخطيب في الكفاية ص37. وابن عدي في الكامل 4/ 1410. وابن الجوزي في العلل 1/ 103. وقد أعل الحافظ ابن حجر هذا الحديث فقال في النكت الظراف 10/ 265- =(1/18)
وقَالَ أَبُو عُمَرَ : "" الرَّجُلُ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ يَقُولُونَ 1: إِنَّهُ الْحَجَّاجُّ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَيْسَ عِنْدِي كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مَشْهُورٌ أَيْضًا بِالتَّدْلِيسِ عِنْدَهُمْ 2.
2- حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَوَّامِ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ "" ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ .
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ عَطَاءٍ , لَمْ يَقُلْ : عَنْ رَجُلٍ .
3- أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا أَبُو دَاوُدَ نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ , عَنْ عَطَاءٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُمَارَةُ الصَّيْدَلَانِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" مَا مِنْ رَجُلٍ حَفِظَ عِلْمًا فَسُئِلَ عَنْهُ فَكَتَمَهُ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 266: "خالف عبد الوارث بن سعيد: حماد بن سلمة. فأدخل بين عطاء وعلي رجلًا لم يسم: أخرجه مسدد في مسنده عنه. وأخرجه أبو عمر في العلم من طريق مسدد، وهذه علة خفية وأخرجه من طريق يزيد بن هارون، عن الحجاج بن أرطاة، عن عطاء. ومن طريق عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، عن ليث بن أبي سليم، عن عطاء. قلت: فيحتمل أن يكون المبهم أحد هذين. والعلم عند الله تعالى". قلت: هناك أسانيد لا علاقة لها بهذه العلة، والحديث ورد عن عدة من الصحابة -كما سيأتي- فيصح بها إن شاء الله تعالى. وانظر تخريجنا لسنن ابن ماجه برقم "261"، وبيان الوهم 2/ 424-425.
1 قال القطان في بيان الوهم 2/ 425: "وقد قيل: إنه حجاح بن أرطاة".
2 انظر طبقات المدلسين ص125، والكاشف 1/ 147، والمغني 1/ 149، والتقريب 2/ 152، والتبيين لأسماء المدلسين "12".(1/19)
4- نَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ ، وَرَوَاهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءٍ .
5- نَا خَلَفُ بْنُ جَعْفَرٍ نا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِلَابِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خُرَيْمِ بْنِ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ كَتَمَ عِلْمًا عِنْدَهُ "" ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ :
6- نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْرُورٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ , ثنا سُحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ "1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث عبد الله بن عمرو: رواه ابن حبان "96"، والحاكم 1/ 102، والطبراني في الكبير "33" ص20 ملحق "الجزء 13"، والأوسط "5023"، ونعيم بن حماد في زوائد الزهد "399"، والخطيب في تاريخه 5/ 38-39، والبيهقي في المدخل "575" ص347، وابن الجوزي في العلل "123".
قلت في سنده:
عبد الله بن عياش: قال أبو حاتم: صدوق، ليس بالمتين. وضعفه أبو داود والنسائي.
انظر التهذيب 5/ 351-352، والكاشف 2/ 104. وقال في التقريب 1/ 439: "صدوق، يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد" اهـ.
ولكنه يرتقي بما قبله، وبما له من شواهد لدرجة الحسن لغيره. والله أعلم.(1/20)
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ هَذَا مِثْلَهُ.
[وَهَذَا يُخَرَّجُ فِي رِوَايَةِ النَّظِيرِ عَنِ النَّظِيرِ , وَالصَّغِيرِ عَنِ الْكَبِيرِ]
7- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ , نا ابْنُ الْمُبَارَكِ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ كَتَمَ عِلْمًا "" ، فَذَكَرَهُ .
وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ حَدِيثِ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَجَّمًا بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ "1.
8- نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ : أنا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَسَعِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ قَالَا : أنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةِ قَالَ : قَالَ الْحَسَنُ : "" دَخَلْنَا فَاغْتَمَمْنَا وَخَرَجْنَا فَلَمْ نَزْدَدْ إِلَّا غَمًّا : اللَّهُمَّ إِلَيْكَ نَشْكُو هَذَا الْغُثَاءَ الَّذِي كُنَّا نُحَدِّثُ عَنْهُ ، إِنْ أَجَبْنَاهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا وَإِنْ سَكَتْنَا عَنْهُمْ وَكَلْنَاهُمْ إِلَى عِيٍّ شَدِيدٍ ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي عِلْمِهِمْ مَا أَنْبَأْنَاهُمْ بِشَيْءٍ أَبَدًا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث ابن مسعود: رواه الطبراني في المعجم الكبير، كما في المجمع 1/ 163، والأوسط "2117"، والخطيب في تاريخه 6/ 77، وابن حبان في المجروحين 3/ 97 في ترجمة هيصم بن الشداخ، وابن الجوزي في العلل "115-116-117-118" 1/ 96-97 من طرق عن ابن مسعود.
وسنده ضعيف، وفي سند ابن عبد البر, سوار بن مصعب: متروك.
2 ذكره ابن الأثير في النهاية 3/ 309 ثم قال: يريد: أرذال الناس وسقطهم. وسفيان لم يسمع من الحسن. وانظر تحفة التحصيل ص131. وجامع التحصيل ص186، والمراسيل لابن أبي حاتم ص85، وتهذيب الكمال 11/ 177.(1/21)
9- وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ أنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ، أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : "" لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى هَذِهِ الْآيَةَ وَالَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ قَالَ : إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ "" ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ 1.
10- نَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، نا خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنْجَرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ : كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ خَمْسِ خِلَالٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : "" إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ : إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُكَاتِبُ الْحَرُورِيَّةَ وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَكْتُمَ عِلْمًا مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ "" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ 2.
- وَقَالَتِ الْحُكَمَاءُ : مَنْ كَتَمَ عِلْمًا فَكَأَنَّهُ جَاهِلُهُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "118" 2047-2350-27354، ومسلم "2492"، والنسائي في الكبرى "5866-5867-5868"، 3/ 439-440، وابن ماجه "262" وأحمد 2/ 240-274، وأبو خيثمة في العلم و"96" ص24 "107" ص26، والبيهقي في المدخل "571" ص346، وسيأتي برقم "383" بأتم منه.
2 رواه مسلم "1812" 3/ 1444-1447، وأبو داود "2727-2728"، والنسائي 7/ 128-129، والترمذي "1556" 3/ 125-126، وأحمد في مسنده 1/ 235-303-304-308-320-344-349-352، وابن أبي شيبة "33217-33652"، وأبو عوانة في مسنده 4/ 334-335-336-337-338، وعبد الرزاق في المصنف 10/ 158 والشافعي في مسنده 1/ 207-319، وفي الأم 4/ 257، والبيهقي في سننه 6/ 232، و9/ 22-53، والدارمي "2471" 2/ 296-297، وابن الجارود "1085-1086" 3/ 340-341، والطحاوي 3/ 235-303-304، ومالك في المدونة 3/ 6، والحميدي "532"، وسعيد بن منصور "2782"، وأبو يعلى "2550-2551"، والمروزي في السنة ص48-49، والخطيب في موضح أوهام الجمع 1/ 335-336 من طرق عن ابن عباس.(1/22)
وَقَدْ جَمَعَ أَقْوَامٌ فِي مِثْلِ مَا سُئِلْنَا عَنْهُ وَذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَبْوَابًا لَوْ رَأَيْتُهَا كَافِيَةً دَلَّلْتُ عَلَيْهَا وَلَكِنِّي رَأَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمَعَ مَا حَضَرَهُ وَحَفِظَهُ وَمَا خَشِيَ التَّفَلُّتَ عَلَيْهِ وَأَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ الْمُسْتَرْشِدُ إِلَيْهِ وَلَوْ أَغْفَلَ الْعُلَمَاءُ جَمْعَ الْأَخْبَارِ وَتَمْيِيزَ الْآثَارِ وَتَرَكُوا جمع1 كُلِّ نَوْعٍ إِلَى بَابِهِ وَكُلِّ شَكْلٍ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى شَكْلِهِ لَبَطَلَتِ الْحِكْمَةُ وَضَاعَ الْعِلْمُ وَدَرَسَ وَإِنْ كَانَ لَعَمْرِي قَدْ دَرَسَ مِنْهُ الْكَثِيرُ لِعَدَمِ الْعِنَايَةِ وَقِلَّةِ الرِّعَايَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا ، وَالْكَلَبِ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْقِي لِهَذَا الْعِلْمِ قَوْمًا وَإِنْ قَلُّوا يَحْفَظُونَ عَلَى الْأُمَّةِ أُصُولَهُ وَيُمَيِّزُونَ فُرُوعَهُ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ، وَلَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ مِنْهُ الْآخِرُ , فَإِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَتَرَى هَذَا الْمَعْنَى وَشِبْهَهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فَالْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ لِلَّهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
1 - بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "" :
[قَالَ أَبُو عُمَرَ : هَذَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ , كُلَّهَا مَعْلُولَةٌ , لَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ]
11- قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَهْلٍ الْحَافِظِ ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ عُمَرَ الْمَغْرِبِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ، ح وَأنا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، ثنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ بِمِصْرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ قَالَا جَمِيعًا : أنا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالَ : أنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ الضَّبِّيُّ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المطبوعة: حجة. ولعله جمع كما أثبتناه. والله أعلم بالصواب.
2 حديث أنس روي من طرق عديدة، والحديث أيضًا ورد عن عدة من الصحابة، جمعها شيخنا العلامة الألباني في كتابه "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" ص48-62، وكذلك فعل الأخ أبو إسحاق الحويني في كتابه "جنة المرتاب" ص83-104، والأخ علي بن عبد الحميد الحلبي, =(1/23)
12- ونَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ عَلَّانُ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ .
13- وَأَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ الْكِلَابِيُّ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْفَلَّاسُ ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ ، ثنا حَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَطَالِبُ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ "" حَدَّثَ بِهِ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ كَيْلَجَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ , عَنِ ابْنِ وَهْبٍ , ثنا حَسَّانُ بْنُ سِيَاهٍ , عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "" فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ .
14- وأرَنَا خَلَفُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بِدِمَشْقَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ يُوسُفَ ، ثنا أَبُو التَّقِيِّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، نا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ : حَدَّثَنِي حُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ ، عَنْ مُسْلِمٍ الْأَعْوَرِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".
15- وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ خَلَفِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ سَهْلٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْعَبَّاسِ بْنِ وَصِيفٍ الْأَبْزَارِيَّ حَدَّثَهُ بِغَزَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= حفظ الله الجميع. ولقد لخصت كلامهم في تخريجنا لسنن ابن ماجه برقم "224".
وانظر الموضوعات 1/ 215، واللآلئ 1/ 193، وتنزيه الشريعة 1/ 258، والمقاصد الحسنة ص63، والتمييز ص24، وكشف الخفاء 1/ 154، وميزان الاعتدال 1/ 107، وتاريخ بغداد 9/ 364، والغماز على اللماز ص43، ومعرفة التذكرة ص101، وتذكرة الموضوعات ص17، والدرر المنتثرة ص67، وفيض القدير 1/ 542، ومختصر المقاصد ص61، وسلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 413، واللؤلؤ المرصوع ص40.(1/24)
قَالَ : حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ ، ثنا طَرِيفُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَاتِكَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "" وَرَوَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ , عَنْ عَبَّاسِ الدُّورِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلَّانِ قَالَا : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي عَاتِكَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ : "" إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلَبُ ".
16- وَأَخْبَرَنَا يَعِيشُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَبُو الْقَاسِمِ الْوَرَّاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ الْبَزَّازُ بِالْكُوفَةِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَاتِكَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".
17- وَحَدَّثَنَا يَعِيشُ نا قَاسِمٌ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ التَّمْتَامُ قَالَ : أنا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ أَبُو أَحْمَدَ ، ثنا زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، وَاللَّهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ ".
18- وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ ، نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ قَالَ : نا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ : نا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَّامٌ الطَّوِيلُ قَالَ : أنا زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".
19- وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نا مَسْلَمَةُ بْنُ الْقَاسِمِ ، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أُبَيٍّ السَّرِيُّ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ : ثنا عَبْدُ الْقُدُّوسِ الْوُحَاظِيُّ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا سَمِعْتُهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "" وَرَوَاهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا عَبَّاسٌ نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ نا عَبْدُ الْقُدُّوسِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ سَوَاءً .(1/25)
وَذَكَرَ أَبُو عَرُوبَةَ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ الْحَرَّانِيُّ ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ ، نا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "" "" وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ إِلَّا الْخَبَائِرِيُّ وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْخَبَائِرِيُّ الْحِمْصِيُّ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْخَبَائِرِيُّ وَلَيْسَ سُلَيْمَانُ هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْقَوِيِّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ بَقِيَّةَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسٍ ، وَيَرْوُونَهُ عَنْ بَقِيَّةَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ الْوُحَاظِيِّ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْخَبَائِرِيِّ ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ ، عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ الْخَبَائِرِيَّ قَدْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ كُلَّهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ بَقِيَّةَ .
20- وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي بِالْقُلْزُمِ إِمْلَاءً ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْقُلْزُمِيُّ ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".
21- وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ نا مَسْلَمَةُ ، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَسْقَلَانِيُّ ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".
22- حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ أنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ".(1/26)
23- وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد وعبيد بن أحمد بن محمد بن عبيد، قالا: نا أبو علي الحسن بن سلمة بن سلمون، قال: نا أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود، قال: نا إسحاق بن منصور الكوسج، قال: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: طلب العلم واجب، ولم يصح فيه الخبر إلا أن معناه أنه يلزمه طلب علم ما يحتاج إليه من وضوئه وصلاته وزكاته إن كان له مال، وكذلك الحج وغيره1.
قال: وما وجب عليه من ذلك لم يستأذن أبويه في الخروج إليه، وما كان فضيلة لم يخرج إليه حتى يستأذن أبويه.
قال أبو عمر: يريد إسحاق -والله أعلم- أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم بالنقل، ولكن معناه صحيح عندهم. وإن كانوا قد اختلفوا فيه اختلافًا متقاربًا على ما نذكره ههنا إن شاء الله تعالى.
24- أرنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال: نا محمد بن إبراهيم بن جامع بمصر، قال: نا المقدام بن داود بن تليد، قال: نا عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، قال: سئل مالك عن طلب العلم أهو فريضة على الناس؟ فقال: لا, ولكن يطلب من المرء ما ينتفع به في دينه2.
- وروينا عن الحسن بن الربيع، قال: سألت ابن المبارك، قلت: قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"؟ قال: ليس هو الذي يطلبونه، ولكن فريضة على من وقع في شيء من أمر دينه أن يسأل عنه حتى يعلمه.
25- نا عبد الوارث، نا قاسم، نا ابن وضاح، نا محمد بن معاوية الحضرمي، قال: سئل مالك بن أنس -وأنا أسمع- عن الحديث الذي يذكر فيه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المدخل للبيهقي ص242.
2 روى معناه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 45-46، وأبو نعيم في الحلية 6/ 319، والبيهقي في المدخل ص242.(1/27)
"طلب العلم فريضة على كل مسلم"؟ فقال: ما أحسن طلب العلم فأما فريضة فلا1.
- وذكر عبد الملك بن حبيب أنه سمع عبد الملك بن الماجشون، قال: سمعت مالكًا وسئل عن: طلب العلم أواجب؟ فقال: أما معرفة شرائعه وسننه وفقهه الظاهر فواجب، وغير ذلك منه من ضعف عنه فلا شيء عليه.
هكذا ذكر ابن حبيب، ولا يشبه هذا لفظ مالك ولا معنى قوله، والله أعلم.
26- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: نا قاسم، قال: نا أحمد بن زهير، قال: نا أبو الفتح نصر بن المغيرة, قال سفيان -يعني: ابن عيينة-: طلب العلم والجهاد فريضة على جماعتهم ويجزئ فيه بعضهم عن بعض، وتلا هذه الآية {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم} [التوبة: 122].
27- نا خلف بن القاسم، نا محمد بن أحمد بن كامل، نا أحمد بن محمد بن رشدين، قال: سمعت أحمد بن صالح، وسئل: عما جاء في طلب العلم فريضة على كل مسلم؟ فقال أحمد: معناه عندي: إذا قام به قوم سقط عن الباقين، مثل الجهاد.
28- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، أنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد، ثنا أبو يوسف يعقوب سفيان الفسوي، قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، قال: قلت لابن المبارك: ما الذي لا يسع المؤمن من تعليم العلم إلا أن يطلبه؟ وما الذي يجب عليه أن يتعلمه؟
قال: لا يسعه أن يقدم على شيء إلا بعلم، ولا يسعه حتى يسأل3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل ص242-243، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 45.
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 44-45 بنحوه.
3 روى نحوه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 45، وقد سبق نحوه قريبًا.(1/28)
قال أبو عمر: قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع1، واختلفوا في تلخيص ذلك، والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو: الشهادة باللسان، والإقرار بالقلب، بأن الله وحده لا شريك له لا شبه له ولا مثل، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، خالق كل شيء وإليه مرجع كل شيء المحيي المميت، والحي الذي لا يموت.
والذي عليه جماعة أهل السنة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء وهو على العرش استوى، والشهادة بأن محمدًا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق، وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق، وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه، واستعمال محكمه, وأن الصلوات الخمس فرض، ويلزمه من علمها علم ما لا يتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها، وأن صوم رمضان فرض ويلزمه علم ما يفسد صومه وما لا تتم إلا به، وإن كان ذا مال وقدرة على الحج لزمه فرضًا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة، ومتى تجب؟ وفي كم تجب؟ ويلزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع إليه سبيلًا، إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها، نحو تحريم الزنا، والربا، وتحريم الخمر، والخنزير، وأكل الميتة، والأنجاس كلها، والغصب، والرشوة على الحكم، والشهادة بالزور، وأكل أموال الناس بالباطل، وبغير طيب من أنفسهم، إلا إذا كان شيئًا لا يتشاحّ فيه ولا يرغب في مثله، وتحريم الظلم كله، وهو كل ما منع الله -عز وجل- منه ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومن ذكر معهن، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق الكتاب به، وأجمعت الأمة عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر المدخل للبيهقي ص244-246، وقد سبق نحوه قريبًا، وشعب الإيمان 2/ 252.(1/29)
ثم سائر العلم وطلبه والتفقه فيه، وتعليم الناس إياه، وفتواهم في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فهو فرض على الكفاية يلزم الجميع فرضه، فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين، لا خلاف بين العلماء في ذلك، وحجتهم فيه قول الله, عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم} [التوبة: 122] فألزم النفير في ذلك البعض دون الكل، ثم ينصرفون فيعلمون غيرهم، والطائفة في لسان العرب: الواحد فما فوقه، وكذا الجهاد فرض على الكفاية، لقول الله, عز وجل: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه} إلى قوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] ففضل المجاهد ولم يذم المتخلف، والآيات في فرض الجهاد كثيرة جدًّا، وترتيبها مع الآية التي ذكرنا على حسب ما وصفنا عند جماعة أهل العلم، فإن أظل العدو بلدة لزم الفرض حينئذ جميع أهلها وكل من قرب منها إن علم ضعفها عنه، وأمكن نصرتها لزمه فرض ذلك أيضًا.
قال أبو عمر: ورد السلام عند أصحابنا من هذا الباب فرض على الكفاية لقول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "وإن رد واحد من القوم أجزأ عنهم"1. وخالفهم العراقيون فجعلوه فرضًا متعينًا على كل واحد من الجماعة إذا سلم عليهم، وقد ذكرنا وجه القولين والحجة لمذهب الحجازيين في كتابنا كتاب "التمهيد لآثار الموطأ"2 والآية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في سننه "5210" 4/ 353-354، وأبو يعلى في مسنده "441"، وأبو بكر الشافعي في الفوائد "781" ص275، وابن السني في عمل اليوم والليلة "223" ص93، والضياء في المختارة 1/ 214-215، والدارقطني في العلل 4/ 21-22 نحوه من حديث علي, رضي الله عنه. قال الدارقطني: الحديث غير ثابت، تفرد به سعيد بن خالد المدني، عن عبد الله بن الفضل، وليس بالقوي -يعني: سعيد بن خالد. اهـ.
وأعله ابن عبد البر بالانقطاع, فقال: هذا حديث حسن، ولكن عبد الله بن الفضل لم يسمع من عبيد الله بن أبي رافع، وسعيد بن خالد ليس به بأس عند بعضهم، وضعفه بعضهم, وجعلوا حديثه منكرًا لأنه انفرد به, نقلًا عن النكت الظراف 7/ 429، وانظر الإرواء "778".
2 التمهيد 5/ 287-293.(1/30)
المثبتة لرد السلام بإجماع هي قوله عز وجل: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
ومن هذا الباب أيضًا تكفين الموتى وغسلهم والصلاة عليهم ومواراتهم، والقيام بالشهادة عند الحكام، فإن كان الشاهدان عدلين ولا شاهد له غيرهما تعين إذًا عليهما وصار من القسم الأول.
ومن هذا الباب عند جماعة من أهل العلم الأذان في الأمصار، وقيام رمضان، وأكثر الفقهاء يجعلون ذلك سنة وفضيلة، وقد ذكر قوم من العلماء في هذا الباب عيادة المريض وتشميت العاطس، قالوا: هذا كله فرض على الكفاية، وقال أهل الظاهر: بل ذلك كله فرض متعين، واحتجوا بحديث البراء بن عازب، قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، وتشميت العاطس، ونصر المظلوم، وإبرار القسم" الحديث1.
وقد ذكرنا هذه السبع وغيرها على اختلاف أحكامها عند العلماء في كتاب "التمهيد"2 وخالفهم جمهور العلماء فقالوا: ليس تشميت العاطس من هذا الباب، وكذلك عيادة المريض، وإنما ذلك ندب وفضيلة وحسن آداب أمر به للتحاب والألفة، ولا حرج على من قصر عنه إلا أنه مقصر عن حظ نفسه في اتباع السنة وأدبها.
وذكر ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن البصري، قال: ست إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "1239-2445-5175-5635-5650-5838-5849-5863-6222-6235-6654"، ومسلم "2066"، والترمذي "1760-2809"، والنسائي 4/ 54 و7/ 8 و8/ 201, وابن ماجه "2115-3589"، وأحمد 4/ 284-287-299، والطيالسي "746"، والبخاري في الأدب المفرد "924"، والطحاوي في المشكل "677-678"، وابن حبان "3040"، والبيهقي 3/ 223.
2 انظر التمهيد 1/ 274 و16/ 106 و17/ 97.(1/31)
أداها قوم كانت موضوعة عن العامة، وإذا اجتمعت العامة على تركها كانوا آثمين: الجهاد في سبيل الله -يعني: سد الثغور- والضرب في العدو، وغسل الميت، وتكفينه، والصلاة عليه، والفُتيا بين الناس، وحضور الخطبة يوم الجمعة، ليس لهم أن يتركوا الإمام ليس عنده من يخطب عليه، والصلاة في جماعة، قال الحسن: وإذا جاءهم العدو في مصرهم, فعليهم أن يقاتلوا -يعني: أجمعين-.
- قال ابن المبارك: بهذا كله أقول.
- وقد جاء عن أبي الدرداء ما يعضد قول الحسن، قال أبو الدرداء: لولا أن الله يدفع بمن يحضر المساجد عمن لا يحضرها، وبالغزاة عمن لا يغزو، لجاءهم العذاب قبلًا.
قال أبو عمر: قد ذكرنا قول من قال: شهود الجماعة فرض متعين، ومن قال: ذلك فرض على الكفاية، ومن قال: ذلك سنة مسنونة، في كتاب التمهيد1، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا، ولم نقصد في كتابنا هذا إلى هذا المعنى، فلذلك أضربنا تقصيه واستيعاب القول فيه، وبالله التوفيق.
والقول عندنا في شهود الجماعة أنه سنة. والذي عليه جمهور العلماء وجماعة الفقهاء: أن الجمعة واجب إتيانها على كل من كان في المصر وعلى من خرج عن المصر إذا كان يسمع النداء من كل بالغ حر من الرجال في المصر أو خارج منه، بموضع يسمع منه نداء، وسترى الحجة لذلك في كتاب الاستذكار, إن شاء الله تعالى.
- وروى يونس بن عبد الأعلى، وابن المقرئ، وابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت جعفر بن محمد، يقول: وجدنا علم الناس كله في أربع:
أولها: أن تعرف ربك.
الثاني: أن تعرف ما صنع بك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 التمهيد 18/ 332-335.(1/32)
والثالث: أن تعرف ما أراد منك.
والرابع: أن تعرف ما تخرج به من ذنبك.
وقال بعضهم: ما يخرجك من دينك.
2 - تفريع: أبواب فضل العلم وأهله
29- حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل بن أسود وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى بن محمد، وأبو القاسم أحمد بن فتح بن عبد الله -قراءة مني عليهم- أن حمزة بن محمد الكناني أملى عليهم بمصر، قال: نا محمد بن جعفر ابن الإمام البغدادي، وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن عثمان الفسوي، نا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، قالا: نا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: نا زائدة -وهو ابن قدامة- عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يسلك طريقًا يلتمس فيها علمًا إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به حسبه"1.
30- وقرأت على أبي الفضل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، أن قاسم بن أصبغ، حدثه، قال: نا الحارث بن أبي أسامة، قال: نا معاوية بن عمرو، نا زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من قوم يجتمعون في بيت من بيوت الله يتعلمون القرآن ويتدارسونه بينهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "2696"، والترمذي "2646-29465"، وأبو داود "3643"، وابن ماجه "225"، وأحمد في المسند 2/ 252-325-407، والدارمي "344"، وابن حبان "84"، والحاكم 1/ 88-89، والبيهقي في الشعب 2/ 261-263، وفي المدخل ص249، والآجري في أخلاق العلماء "47"، والبغوي في شرح السنة "127-130"، والقضاعي "393-394". منهم من طوله، ومنهم من اقتصر فيه على نحو لفظ المصنف هنا.(1/33)
إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده، وما من رجل يسلك طريقًا يلتمس فيها علمًا إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"1.
31- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا محمد بن وضاح، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأرنا خلف بن القاسم، قال: أرنا الحسن بن رشيق، قال: نا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: نا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قالا: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة"2.
32- قال أبو بكر: ونا أبو الأحوص، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: "ما سلك رجل طريقًا يلتمس فيها علمًا إلا سهل الله له طريقًا إلى الجنة"3.
33- وحدثنا عبد الله بن محمد، ثنا الحسين بن محمد، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن، عن ابن الزبير، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد يغدو في طلب العلم مخافة أن يموت جاهلًا، أو في إحياء سنة مخافة أن تدرس، إلا كان كالغازي الرابح في سبيل الله -عز وجل- ومن بطأ به علمه، لم يسرع به نسبه".
34- وأرنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال: نا سعيد بن السكن، قال: نا محمد بن يوسف، قال: نا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: نا محمد بن العلاء،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 انظر ما قبله.
3 رواه ابن أبي شيبة "26114" 5/ 284، والدارمي "345-356" وهو موقوف.(1/34)
قال: أنا أبو أسامة، عن بريد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعمل وعلم, ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"1.
35- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى، ثنا الحسن بن محمد بن عثمان، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني، ثنا المفضل بن فضالة، عن أبي عروة، عن زياد أبي عمار، عن أنس، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الملائكة تبسط أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع"2.
- قال: وسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر".
3 - باب قوله, صلى الله عليه وسلم ينقطع عمل المرء بعد موته إلا من ثلاث:
36- حدثنا أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث، قال: نا أبو بكر محمد بن معاوية الأموي، قال: نا جعفر بن محمد الفريابي، قال: نا أبو كريب، قال: أرنا خالد بن مخلد، قال: نا محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "79"، ومسلم "2282"، والنسائي "5843"، وأحمد 4/ 399، وابن حبان "4"، والرامهرمزي في الأمثال "12"، والبيهقي في الدلائل 1/ 368، وأبو الشيخ في الأمثال "326"، وأبو يعلى "7311"، والبغوي "135".
2 في سنده زياد أبو عمار: متروك وسيأتي تخريجه -إن شاء الله تعالى- من حديث صفوان برقم "119-120" 1/ 76-77 فيما سيأتي.(1/35)
أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به بعده، أو ولد صالح يدعو له"1.
37- وحدثنيه أحمد بن فتح، قال: نا أبو الفضل جعفر بن محمد بن يزيد الجوهري، قال: نا أحمد بن شعيب النسائي، قال: أرنا علي بن حجر، ونا محمد بن عبد الله، قال: نا محمد بن معاوية، قال: أرنا الفضل بن الحباب، القاضي بالبصرة، قال: نا موسى بن إسماعيل، قال: نا إسماعيل بن جعفر، قال: نا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله عنه إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به بعده، أو ولد صالح يدعو له".
38- وذكر أبو بكر بن مجاهد المقرئ، قال: نا محمد بن مسلم بن وارة، قال: حدثني محمد بن يزيد بن سنان، قال: حدثني يزيد -يعني: أباه- عن زيد بن أبي أنيسة، عن فليح بن سليمان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث تتبع المسلم بعد موته: صدقة أمضاها يجرى له أجرها، وولد صالح يدعو له، وعلم أفشاه فعمل به من بعده"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "1631"، وأبو داود "3880"، والترمذي "1376"، والنسائي 6/ 251، وأحمد 2/ 372، والدارمي "558"، والبخاري في الأدب المفرد "38"، والطحاوي في المشكل "246-247"، وابن حبان في صحيحه "3016-4902"، وفي الثقات 1/ 8-9، واللالكائي "2172"، وابن أبي الدنيا في العيال "430"، وأبو يعلى "6457"، وابن خزيمة "2494"، والبيهقي في سننه 6/ 278، وفي المدخل "361-362-363"، وفي الشعب "3447"، والبغوي "139"، وابن الجوزي في البر "172".
وللحافظ ابن رجب رسالة في شرح هذا الحديث حري بالمؤمن أن يقرأها ويفهمها. وانظر شرح الحديث أيضًا في المفهم 4/ 554-555، وعون المعبود 8/ 61-63، وفيض القدير 1/ 437-438، ومعالم السنن 4/ 82، وشرح المشكل 1/ 228-233.
2 رواه ابن ماجه "241"، والنسائي في عمل اليوم والليلة كما في التحفة 9/ 248، وابن حبان "93"، وابن خزيمة "2495" 4/ 122، والطبراني في الصغير 1/ 141، والأوسط "3472".
قال الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة 4/ 138: "زاد يزيد بن سنان بين زيد بن أبي أنيسة =(1/36)
- وروى يزيد بن أبي خصيفة وعمران بن أبي أنس، عن أبي سعيد مولى المهري1، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ثلاث تنال المؤمن بعد وفاته: الولد الصالح يدعو له بعد وفاته فيناله أجر دعائه، والرجل يترك الصدقة في الموضع الصالح فتنفذ لوجهها، والرجل يعلم العلم الصالح فينتهي به عن المعاصي"2.
- وروي من حديث الزهري، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "يلحق المسلم -أو ينفع المسلم- ثلاث: ولد صالح يدعو له، وعلم ينشره، وصدقة جارية"3.
- وقالت الحكماء: علم الرجل ولده المخلد1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وزيد بن أسلم فيه: فليح بن سليمان.
والإسناد الأول أصح" اهـ.
وفي سنده انقطاع بين زيد بن أبي أنيسة، وزيد بن أسلم، فإنه لم يرو عنه اهـ, وانظر تهذيب الكمال 10/ 18-20، وتهذيب التهذيب 3/ 397-398 و8/ 303.
وقد خالف فيه يزيد بن سنان حيث زاد في سنده: فليح بن سليمان, أبا عبد الرحيم. واسمه خالد بن أبي يزيد وهو ثقة.
ويزيد: ضعيف، انظر التقريب 2/ 366. وابنه محمد: ليس بالقوي، كما في التقريب 2/ 219. ولذلك صحح الحافظ ابن حجر السند بدون ذكر فليح. ولكن الحديث يرتقي لما سبق لدرجة الحسن لغيره. والله تعالى أعلم.
1 في المطبوعة: ابن أبي سعيد مولى المهري.
والمثبت من الكنى للبخاري ص35، والثقات لابن حبان 5/ 588، والتهذيب 1/ 12-13.
2 فيه: أبو سعيد المهري: ذكره ابن حبان في الثقات. انظر التهذيب 11/ 12-13، والثقات 5/ 588، والكنى للبخاري ص35. ولم يوثقه غيره.
ولكنه يتأيد بما قبله.
3 رواه ابن ماجه "242"، وابن خزيمة "2490".
والبيهقي في الشعب "3448" 3/ 247-248, بأتم منه ولفظه: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا علمه ونشره، أو ولدًا صالحًا تركه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا كراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته".
وفي سنده مرزوق بن أبي الهذيل: لين الحديث، كما في التقريب 2/ 237، وانظر الضعفاء للعقيلي 4/ 209، والميزان 4/ 88.
وله شاهد من حديث أنس: ولفظه: "سبعة يجري للعبد أجرهن بعد موته وهو في قبره: من علم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته":
رواه البزار "149" 1/ 89، وأبو نعيم في الحلية 2/ 343-344، والبيهقي في الشعب "3449" 3/ 248، ثم قال: "محمد بن عبيد الله العرزمي: ضعيف, غير أنه قد تقدمه ما يشهد لبعضه, والله أعلم". والديلمي في الفردوس "3310".
وانظر مجمع الزوائد 1/ 167، وفيض القدير 4/ 88.(1/37)
4 - باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم الدال على الخير كفاعله:
39- أرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: نا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، قال: أرنا أبو جعفر محمد بن عبيد الله المنادي، قال: نا محمد بن عبيد الطنافسي، قال: نا الأعمش، عن سعد بن إياس، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله احملني، فإنه قد أبدع بي.
قال: "ما أجد ما أحملكم عليه فأت فلانًا"، فأتاه فحمله، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فأخبره، فقال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "الدال على الخير له مثل أجر فاعله"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "1854" 2/ 280، عن عبد الله بن المعتز به.
2 رواه مسلم "1893"، وأبو داود "5129" والترمذي "2671"، وأحمد 4/ 120 و5/ 272-273-274، والطيالسي "611"، والبخاري في الأدب المفرد "242"، وعبد الرزاق "20054"، وتمام في فوائده "1280" "الروض البسام"، وابن حبان "289-1668".
وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال"507"، والطبراني "622-623-624-625-626-627-628-629-630-631-632/ 17، وابن الأعرابي في معجمه "878"، وأبو الشيخ في الأمثال "175"، وفي طبقات المحدثين 4/ 277، والطحاوي في المشكل 1/ 484، والبيهقي 9/ 28، وابن عدي في الكامل 2/ 342، والخرائطي في مكارم الأخلاق ص17، والقضاعي "86"، والبغوي "2625"، وأبو عبيد في غريب الحديث 1/ 9، والدولابي في الكنى 2/ 44، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 2/ 265، والخطيب في تاريخه 7/ 383.(1/38)
40- ونا عبد الوارث بن سفيان قراءة عليه، عن قاسم بن أصبغ، قال: نا بكر بن حماد، قال: نا مسدد، قال: نا عبد الوارث، وحفص بن غياث، قالا: نا الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله أبدع بي، فاحملني. قال: "ليس عندي، ولكن ائت فلانًا" فأتاه فحمله، فقال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"1.
41- ونا خلف بن القاسم، قال: أرنا ابن السكن، قال: نا الحسن بن علي بن زكريا، قال: نا خالد بن يزيد السباري، قال: نا زياد بن ميمون الثقفي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "الدال على الخير كفاعله"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه البزار في مسنده "1951"، وأبو يعلى "4296"، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج "27"، وابن شاهين في الترغيب "508"، والإسماعيلي 1/ 465-466 بزيادة: "والدال على الشر كفاعله" وفيه: زياد النميري: ضعيف.
وقال الحافظ في المطالب "المسندة": زياد بن أبي حسان، هو زياد بن ميمون: متروك.
وانظر اللسان 2/ 494-497، والميزان 2/ 94.
ورواه الترمذي "2670"، والضياء في المختارة "2193" من طريق أحمد بن بشير، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك به:
ورواه أبو الفضل الزهري في حديثه "411" من طريق أم سلمة أخت معبد بن خالد الأنصارية، عن أنس به:
وفي الباب عن:
1- بريدة: عند أبي نعيم في مسند أبي حنيفة ص150-151، وابن عدي في الكامل 3/ 298 =(1/39)
42- أخبرنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، أنا يعقوب بن سفيان، نا أبو اليمان، نا أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن الأشياخ أن أبا الدرداء قال: العالم والمتعلم شريكان، والمعلم والمستمع شريكان, والدال على الخير وفاعله شريكان1.
5 - باب قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين:
43- حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى، نا محمد بن يحيى بن عمر بن حرب، ثنا علي بن حرب الطائي، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و7/ 12، وتمام في فوائده "1282" "الروض البسام".
وسنده ضعيف جدًّا، فيه: الشاذكوني كذبه أحمد وابن معين.
2- سهل بن سعد: رواه الطبراني في الأوسط "2405" 3/ 196، وابن عدي في الكامل 5/ 89-90. وفي سنده: عمران بن زيد: لين، انظر التهذيب 8/ 117، والميزان 3/ 237.
3- ابن مسعود: رواه البزار في مسنده "1742" البحر الزخار 5/ 150. وفي سنده ابن أبي ليلى. وانظر مجمع الزوائد 1/ 90.
4- أبي هريرة: رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 333-334. وفيه الشاذكوني: كذبه أحمد وابن معين.
5- ابن عمر: رواه ابن عدي في الكامل ثم قال: وهذا رواه غير سفيان بن وكيع فأرسله، ولم يذكر في إسناده ابن عمر. وفيه: موسى بن عبيدة: ضعيف.
6- ابن عباس: بلفظ: "كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله، والله يحب إغاثة اللهفان".
رواه تمام في فوائده "1281" "الروض"، وابن جميع في معجمه ص183-184، والبيهقي في الشعب 6/ 116.
وفي سنده: طلحة بن عمرو الحضرمي: متروك، انظر التقريب 1/ 379، وتهذيب الكمال 2/ 630، وتهذيب التهذيب 5/ 23-24.
1 رواه أبو خيثمة في العلم ص15 وسيأتي إن شاء الله تعالى.(1/40)
النهار"1.
- وروى يزيد بن الأخنس, وكانت له صحبة, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث ابن عمر هذا سواء2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الحديث ليس في المطبوعة.
وقد رواه البخاري "5025-7529"، ومسلم "815"، والترمذي "1936"، والنسائي في الكبرى "8072"، وابن ماجه "4209"، وأحمد 2/ 9-36-88-133، والبخاري في خلق أفعال العباد "620"، والحميدي "617"، وعبد الرزاق "5974"، وفي التفسير 2/ 71، وعبد بن حميد "729"، وأبو يعلى "5417-5478-5543"، وابن أبي شيبة "30281"، وابن حبان "125"، والطبراني في المعجم الكبير "13162-13351"، وفي الأوسط "2709"، والرازي في فضائل القرآن "57-58-59"، والفريابي في فضائل القرآن "97-98-99-100"، وابن نصر في قيام الليل ص28، والخرائطي في مساوئ الأخلاق "764-765"، وابن المبارك في الزهد "1203"، وفي مسنده "59"، والبيهقي في سننه 4/ 188-189، وفي الشعب 4/ 529، وفي الأسماء ص263، والخطيب في تاريخه 3/ 432 و7/ 85، والبغوي في شرح السنة "3537"، وفي التفسير 4/ 549, وأبو نعيم في الحلية 2/ 195، والديلمي "7892".
2 هذا الحديث ليس في المطبوعة.
والحديث رواه أحمد في المسند 4/ 104-105، والفريابي في فضائل القرآن "107" ص201-202، وابن قانع في معجم الصحابة "1214" 3/ 232-233، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "626" 22/ 239، وفي مسند الشاميين "1212" 2/ 214-215، وفي المعجم الأوسط، حديث رقم "2292" 3/ 142.
ولفظه: "لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ويتبع ما فيه فيقول رجل: ليت أن الله أعطاني من العلم ما أعطى فلانًا فأقوم به كما يقوم به. ورجل أعطاه الله مالًا، فهو ينفق منه ويتصدق، فيقول رجل: لو أن الله أعطاني من المال كما أعطى فلانًا فأتصدق به".
ويزيد بن الأخنس: له صحبة، انظر الإصابة 3/ 651، وتعجيل المنفعة ص448، ومعجم الصحابة 3/ 232، والإكمال ص470. ورجاله ثقات سوى سليمان بن موسى فيه خلاف، وإلا ما وقع في سنده من خلاف: فرواه الهيثم بن حميد، عن زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة به. وخالفه: محمد بن عيسى، عن زيد بن واقد: عن مكحول، عن كثير بن مرة به. ولعل لزيد فيه شيخان. والله تعالى أعلم.
وقد أشار أبو مسهر إلى أن سليمان بن موسى لم يدرك كثير بن مرة.
انظر التهذيب 4/ 226، وتحفة التحصيل ص137، وجامع التحصيل ص190، والثقات 6/ 389، وتهذيب الكمال 12/ 92، والتاريخ الكبير 4/ 224. ويتأيد بما قبله, والله أعلم بالصواب.(1/41)
44- نا سعيد بن نصر قراءة مني عليه، أن قاسم بن أصبغ حدثه، قال: نا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: نا عبد الله بن الزبير الحميدي، قال: نا سفيان، قال: نا إسماعيل بن أبي خالد بهذا الحديث، قال: غير ما حدثنا به الزهري، قال: سمعت قيس بن أبي حازم يقول: سمعت عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"1.
45- ونا عبد الوارث، قال: أخبرنا قاسم، قال: أرنا ابن وضاح، قال: نا حامد بن يحيى، قال: أرنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها"2.
46- حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أسد، نا سعيد بن عثمان بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "73-1409-7141-7316"، ومسلم "816"، والنسائي "5840"، وأحمد 1/ 385-432، وابن ماجه "4208"، وأبو يعلى "5078-5186-5227"، والحميدي "99"، والطيالسي "369"، وهناد في الزهد "1389"، ووكيع في الزهد "440"، والخرائطي في المساوئ "766"، وابن المبارك في الزهد "994-1205"، والمسند "60"، وأبو نعيم في الحلية 7/ 363، وابن حبان "90"، والطحاوي في المشكل 1/ 190، والفريابي في فضائل القرآن "103-104" ص199، والبيهقي في سننه 10/ 88، وفي المدخل "363" والبغوي "138".
2 انظر ما قبله.(1/42)
السكن، نا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل البخاري، نا محمد بن المثنى، نا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، ثنا قيس بن أبي حازم، عن ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"1.
47- وأرنا عبد الوارث بن سفيان، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال: نا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: نا سلمة بن شبيب، قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة} [الأحزاب: 34] قال: من القرآن والسنة2.
قال أبو عمر: وكذلك رواه محمد بن ثور وابن المبارك، عن معمر، عن قتادة.
- وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة} [الأحزاب: 34] قال: يريد السنة يمنّ عليهن بذلك3.
48- وأرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد، قالا: نا عبد الله بن مسرور، قال: نا عيسى بن مسكين، قال: نا محمد بن سنجر، قال: أرنا أسباط، قال: نا أبو بكر الهذلي، عن الحسن, في قوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة} [البقرة: 129] قال: الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة4.
49- أرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: نا ابن أبي دليم، قال: نا ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هذا الحديث ليس في المطبوعة, وقد سبق تخريجه.
2 رواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 2/ 116.
3 رواه الطبري في تفسيره، برقم "28504" 10/ 299, وابن أبي حاتم في تفسيره، برقم "17681" 9/ 3133. وانظر الدر المنثور 6/ 605.
4 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، برقم "1269-1272"، وفي سنده أبو بكر الهذلي، واسمه سلمى بن عبد الله بن سلمى، ضعيف جدًّا.
وانظر تفسير ابن كثير 1/ 269، والدر المنثور 1/ 139.(1/43)
وضاح، قال: نا محمد بن يحيى، قال: نا ابن وهب، قال لي مالك, وذكر قول الله -عز وجل- في يحيى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] وقوله في عيسى: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَة} [الزخرف: 63]، وقوله: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيل} [آل عمران: 48] وقوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة} [الأحزاب: 34] قال مالك: الحكمة في هذا كله طاعة الله، والاتباع لها، والفقه في دين الله، والعمل به1.
- وقال ابن وهب: وسمعت مالكًا مرة أخرى يقول: الذي يقع في قلبي: إن الحكمة هي الفقه في دين الله.
- قال: ومما يبين ذلك: أن الرجل تجده عاقلًا في أمر الدنيا ذا نظر فيها وبصر بها ولا علم له بدينه، وتجد آخر ضعيفًا في أمر الدنيا عالمًا بأمر دينه بصيرًا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين الله.
- قال ابن وهب2: وسمعته يقول: الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل3.
50- أرنا خلف بن القاسم، قال: أرنا أبو بكر أبو محمد بن أحمد المفيد البغدادي، قال: نا محمد بن زكريا التميمي، قال: نا يوسف بن سعيد، قال: نا عمرو بن حمزة، عن صالح المري، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الحكمة تزيد الشريف شرفًا، وترفع المملوك حتى تجلسه مجلس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر شرح السنة 1/ 384.
2 روى الرامهرمزي في المحدث الفاصل، برقم "755" ص558. وأبو نعيم في الحلية 6/ 319, بسنده عن الإمام مالك قوله: ليس العلم بكثرة الرواية، ولكنه نور يجعله الله في القلوب. وانظر شرح السنة 1/ 384, ورواه البيهقي في الشعب 2/ 294 عن إبراهيم الخواص قوله.
3 نعم، إن العلم -كما سيأتي- ليس بكثرة المعلومات، وإنما هو بفهمها والعمل بها والتنور بها. وسيأتي مزيد لهذا الكلام النوران, فاعضض عليه بالنواجذ.(1/44)
الملوك"1.
قال أبو عمر: أخذه الشاعر فقال:
العلم ينهض بالخسيس إلى العلى والجهل يقعد بالفتى المنسوب
6 - باب قوله صلى الله عليه وسلم الناس معادن:
51- نا سعيد بن نصر، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا ابن وضاح، قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا عبيد بن سعيد، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن, خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"2.
52- وأرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: نا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرني محمد بن علي بن محرز، قال: نا محمد بن بشر، قال: نا عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: من أكرم الناس؟
قال: "أتقاهم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 173، والديلمي في الفردوس "2591" 2/ 243، وابن عدي في الكامل 5/ 143، وأعله بالإرسال، ثم رواه عن الحسن مرسلًا، وابن حبان في المجروحين 1/ 373، ورواه القضاعي في مسند الشهاب "979" 2/ 105, من حديث علي، وفي نسخة: من حديث أنس بدل علي, كما أشار المحقق، ولفظه: "إن الحكمة تزيد الشريف شرفًا".
قال العراقي: سنده ضعيف.
وقال العسكري: ليس هذا من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بل من كلام الحسن وأنس. انظر فيض القدير 3/ 416. وفي المطبوعة: عمير, والصواب عمرو, كما في المصادر المخرجة للحديث.
ورواه ابن أبي حاتم في الجرح 3/ 510، والبيهقي في المدخل "398" ص276 عن ابن عباس قوله. وانظر تذكرة الحفاظ 1/ 62، والسير 4/ 209، وتهذيب الكمال 9/ 217.
2 رواه أحمد في المسند 3/ 367، والطحاوي في مشكل الآثار "3353" 8/ 421، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 9. ورجاله ثقات. وانظر ما بعده.(1/45)
قالوا: ليس عن هذا نسألك؟
قال: "فأكرم الناس نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله -يعني: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم, صلوات الله عليهم".
قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: "فعن معادن العرب تسألوني؟ إن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"1.
53- وحدثنيه أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل الخفاف الدينوري، قال: نا محمد بن أحمد بن منير، قال: نا أبو زنباع روح بن الفرج القطان، قال: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن أبي معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة في حديث رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مثله2.
54- وعن عبد الوارث بن سفيان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا بكر بن حماد، قال: نا مسدد، قال: نا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "تجدون الناس معادن فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"3.
55- ونا أحمد بن عبد الله، قال: نا الميمون بن حمزة، قال: نا الطحاوي، قال: نا المزني، قال: نا الشافعي، قال: نا سفيان، فذكر بإسناد مثله سواء4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "3353-3374-3383-3490" ومسلم "2378" 4/ 1846-1847"، و"2526" 4/ 1958، وأحمد 2/ 257-260-391-438-485-498-525-539، وفي الفضائل "1518-1519-1673"، والبخاري في الأدب المفرد "129"، والدارمي "223" 1/ 84-85، والنسائي في الكبرى "11249-11250" 6/ 367، والحميدي "1045-1046"، وابن حبان "92-93"، والقضاعي في مسند الشهاب "196-606"، والبغوي في شرح السنة "3844-3845" من طرق عن أبي هريرة.
2 انظر ما قبله.
3 سبق تخريجه.
4 رواه الطحاوي "3351" 8/ 420، ومن طريقه البغوي "133" 1/ 286. ورواه البيهقي في المدخل "353" ص253-254. وقد سبق تخريجه.(1/46)
56- وقرأت على أحمد بن قاسم، أن قاسمًا حدثهم، قال: نا الحارث بن أبي أسامة، قال: نا كثير بن هشام، قال: أرنا جعفر بن برقان، قال: نا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة في حديث رفعه، قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"1.
ورواه أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مثله حدث به عنه أبو حصين.
7 - باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين:
57- نا خلف بن القاسم، قال: نا محمد بن أحمد المفيد بمكة، قال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: أرنا أحمد بن صالح, قال: نا عبد الله بن وهب، قال: نا عمرو بن الحارث، أن عباد بن سالم، حدثه عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه"2.
قال أبو عمر: لم يحدث أحد بهذا الحديث بهذا الإسناد غير ابن وهب، ورواه عنه يونس بن عبد الأعلى، فجعله عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي, صلى الله عليه وآله وسلم.
58- حدثنيه خلف بن القاسم، وعلي بن إبراهيم، قالا: نا الحسن بن رشيق، قال: نا علي بن سعيد بن بشير الرازي، قال: نا يونس بن عبد الأعلى، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 رواه البخاري في التاريخ الكبير 3/ 2/ 38 وقد اختلف في سنده، كما أشار ابن عبد البر إلى ذلك. فجعل من مسند ابن عمر، عن عمر -رضي الله عنهما- كما سيأتي الحديث الذي بعده.(1/47)
أرنا ابن وهب، قال: أرنا عمرو بن الحارث: أن عباد بن سالم، حدثه عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله أن يهديه يفقهه".
59- أرنا محمد بن خليفة، قال: نا محمد بن الحسين، قال: نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي، قال: نا سليمان بن داود الشاذكوني، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: نا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"1.
وفي هذا الباب حديث معاوية صحيح أيضًا:
60- نا عبد الوارث بن سفيان، قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا بكر بن حماد، قال: نا مسدد بن مسرهد، قال: نا يحيى القطان، عن ابن عجلان، قال: نا محمد بن كعب القرظي، قال: كان معاوية بن أبي سفيان يخطب بالمدينة، يقول: أيها الناس إنه لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين, سمعت هذه الكلمات من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على هذه الأعواد2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "220"، وأحمد 2/ 234، والنسائي في الكبرى "5389" 3/ 425-426، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 2-3، والطبراني في المعجم الصغير 2/ 18، والأوسط "5424"، وإسحاق في مسنده "439"، وأبو يعلى في مسنده "5855"، والطحاوي في مشكل الآثار، والآجري في أخلاق العلماء "28" ص25، وابن بطة في إبطال الحيل ص24، والقضاعي "345". وهو صحيح بما بعده.
2 رواه البخاري "71-3116-3641-7312-7460"، ومسلم "1037"، وأحمد 4/ 92-93-98-99-101، وابن ماجه "221"، والدارمي "224-226"، ومالك في الموطأ "1599" 2/ 900، وابن أبي شيبة "31045-31046"، وعبد بن حميد "412-416-417"، والطبراني في المعجم الكبير "755-756" 19/ 329-330، "869-870-871" 19/ 370-371، والأوسط "1436"، "6794"، "7957"، "8614"، "8766"، والدولابي في الكنى 1/ 51، وأبو نعيم في الحلية 5/ 132-175 و9/ 306 و10/ 366، والخطيب في تاريخه 1/ 5-6-7، والآجري في أخلاق العلماء "29"، والبيهقي في المدخل "351"، والقضاعي "346-954"، وابن حبان "89-3401"، والبغوي في شرح السنة "131"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 6-7 من طرق عن معاوية, رضي الله تعالى عنه.(1/48)
61- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت معاوية وخطبنا فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على الحق، أمر الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله".
62- وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد، حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، قال: سمعت معاوية خطبنا فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" وذكر الحديث.
63- وحدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر بن برقان، قال: حدثنا يزيد -يعني: ابن الأصم- قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وذكر حديثًا رواه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لم أسمعه: روى عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على منبره حديثًا غيره، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" وذكر تمام الحديث.
64- وقرأت على سعيد بن سيد وخلف بن سعيد، أن عبد الله بن محمد حدثهما، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن جبلة بن عطية، عن عبد الله بن(1/49)
محيريز، عن معاوية، أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين".
ورواه معبد الجهني، عن معاوية.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل فيه ثلاث خلال: فقَّهه في الدين، وزهَّده في الدنيا، وبصَّره عيوبه"1.
8 - باب تفضيل العلم على العبادة:
65- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن إسحاق بن أسيد، عن ابن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "قليل العلم خير من كثير العبادة، وكفى بالمرء علمًا إذا عبد الله، وكفى بالمرء جهلًا إذا أُعجب برأيه، إنما الناس رجلان عالم وجاهل، فلا تمار العالم ولا تحاور الجاهل"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الديلمي في الفردوس "936" 1/ 299 عن أنس, وابن أبي شيبة "31049"، والبيهقي في الشعب "10535" 7/ 347 عن محمد بن كعب القرظي، قال في فيض القدير 1/ 256: قال العراقي: وإسناده ضعيف جدًّا. وقال غيره: واهٍ.
وفي الباب عن ابن مسعود: رواه البزار في مسنده "1700" 5/ 117 "البحر الزخار"، والطبراني في الكبير "10445" 10/ 243، وابن أبي الدنيا في الأشراف "27" ص70، وأبو نعيم في الحلية 4/ 107.
ولفظ البزار: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين، وألهمه رشده".
قال في مجمع الزوائد 1/ 121: "ورجاله موثقون" اهـ.
2 رواه تمام في فوائده "95" 1/ 152 "الروض البسام"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 15، والطبراني في الكبير، وفي الأوسط "8693"، وأبو نعيم في الحلية 5/ 173-174، والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 381 ببعضه، والبيهقي في المدخل "453" ص302، وفي سنده إسحاق بن أسيد, قال أبو حاتم: شيخ ليس بالمشهور، ولا يشتغل به. وانظر مجمع الزوائد 1/ 120، وفيض القدير 4/ 56. ورواه البخاري في التاريخ 8/ 331 عن رجاء مرسلًا، وقال في الإصابة 2/ 480: "وهذا إسناد مجهول" اهـ.(1/50)
66- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو سفيان السروجي عبد الرحيم بن مطرف ابن عم وكيع، قال: حدثنا أبو عبد الله العذري، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "خير دينكم أيسره، وخير العبادة الفقه"1.
قال أبو سفيان: ويكره الحديث عن العذري.
67- وقرأت على خلف بن القاسم، أن أبا علي سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ حدثه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الله بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 22، والديلمي في الفردوس "2698" 2/ 279، وفي سنده عبد الرحمن بن العذري, قال العقيلي: مجهول. انظر الميزان 4/ 545، ولسان الميزان 3/ 443.
وله متابع بالجملة الأولى فقط:
رواه ابن عدي في الكامل 3/ 406 من طريق ابن أخي الزهري، وعبد الله بن عامر، عن الزهري، عن أنس مرفوعًا: "خير دينكم أيسره".
وفي سنده سعيد بن هاشم: مدني، ليس بمستقيم الحديث. انظر الميزان 2/ 161، ولسان الميزان 3/ 46، والمغني في الضعفاء 1/ 266، والكامل 3/ 406-407.
ورواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين برقم "707" 3/ 554-555، "727" 3/ 577 من طريق همام، عن قتادة، عن أنس، والطبراني في الصغير 2/ 107، من طريق همام، عن قتادة، عن أنس.
والطبراني في الكبير "704" 20/ 296، والصغير 2/ 107، والطيالسي "1296"، والضياء في المختارة "2565"، وابن أبي عاصم في الآحاد "2383"، والقضاعي في الشعاب "1224-1225" 2/ 219-220 من طريق سلام بن مسكين, عن قتادة، وسنده جيد، كما قال الحافظ العراقي.
وللجملة الأولى فقط شواهد: من حديث محجن بن الأدرع: عند أحمد 4/ 338 و5/ 32، والبخاري في الأدب المفرد "341"، والطيالسي ص183، والطبراني "704" 20/ 296-297، والروياني "58"، والمزي 9/ 160.(1/51)
عون الخراز سنة ست وعشرين ومائتين، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن عطية، قال: حدثني زيد العمي، عن جعفر العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي"1.
68- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا ابن السكن، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: أخبرنا عمرو بن بزيغ أبو سعيد الطيالسي، عن الحارث بن الحجاج بن أبي الحجاج، عن أبي معمر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدى الفريضة وعلم الناس الخير كان فضله على المجاهد العابد كفضلي على أدناكم رجلًا، ومن بلغه عن الله فضل فأخذ بذلك الفضل الذي بلغه أعطاه الله ما بلغه وإن كان الذي حدثه كاذبًا"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن حبان في المجروحين 1/ 336، والديلمي في الفردوس "4241" 3/ 152، والحربي في "حديث أبي القاسم البغوي" "19" ص50، وابن الجوزي في العلل المتناهية "79" 1/ 87 ثم قال: هذا حديث لا يصح وسلام الطويل مجمع على ضعفه. قال النسائي والدارقطني: هو مكذوب, اهـ. وتابعه من هو أضعف منه: محمد بن الفضل بن عطية. وزيد العمي: ضعيف.
وفي الباب عن: أبي أمامة: رواه الترمذي "2685" 5/ 50، وابن شاهين في الترغيب "215" ص232، والطبراني في المعجم الكبير "7911" 8/ 287، وفيه الوليد بن جميل: صدوق يخطئ، كما في التقريب 2/ 332. وكذلك الراوي عنه سلمة بن رجاء. وقد خالفه يزيد بن هارون فرواه مرسلًا كما سيأتي. وانظر مجمع الزوائد 1/ 124-125.
مكحول مرسلًا: رواه الدارمي برقم "289" 1/ 100.
أنس: رواه الخطيب في تاريخه 8/ 107، وابن الجوزي في العلل "80" 1/ 78 ثم قال: هذا حديث لا يصح. قال يحيى بن معين: سليمان بن أبي سلمة: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وأما البزري: فكذاب, اهـ.
2 رواه أبو يعلى في مسنده "3443" 6/ 163، وابن عدي في الكامل 2/ 59، وابن حبان في المجروحين 1/ 199، والطبراني في الأوسط "5125".
وفي سنده: بزيغ بن حسان. قال ابن حبان: يأتي عن الثقات بأشياء موضوعة كأنه المتعمد لها، كما في المجروحين 1/ 199، وانظر الميزان 1/ 306، ومجمع الزوائد 1/ 149. =(1/52)
قال أبو عمرو: هذا الحديث ضعيف؛ لأن أبا معمر: عباد بن عبد الصمد انفرد به وهو متروك الحديث، وأهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كلٍّ، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام1.
69- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني أبي، قال: حدثني زياد بن خيثمة، عن ابن جحادة، قال: قال ابن مسعود: "الدراسة صلاة".
70- حدثنا أحمد بن فتح، نا الحسن بن رشيق، نا أحمد بن محمد بن عبد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وفي سنده عند ابن عبد البر: عباد بن عبد الصمد، أبو معمر: منكر الحديث. فيه نظر، كما قال البخاري، وانظر الميزان 2/ 369.
وفي الباب عن جابر: رواه ابن عرفة في جزئه "63", والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 8/ 296، والخلال في فضائل شهر رجب "19" ص78، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 258. وفي سنده: خالد بن حيان، وفرات بن سليمان: فيهما مقال.
وأبو رجاء: لا يعرف. كما قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص405، وانظر اللآلئ 2/ 214. وعمر بن الخطاب: رواه الحاكم في المدخل ص85.
1 عقد الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية ص133-134 لذلك بابًا، حيث قال: باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجوز في فضائل الأعمال.
وقال ص133: "قد ورد عن غير واحد من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلا عمن كان بريئًا عن التهمة، بعيدًا عن المظنة.
وأما أحاديث الترغيب والترهيب، والمواعظ ونحو ذلك فإنه يجوز كتبها عن سائر المشايخ".
وانظر فتح المغيث 1/ 267، والكفاية ص133-134.
ولكن العلماء اشترطوا لذلك شروطًا دقيقة يحسن معرفتها وهي:
1- أن يكون الضعف في الحديث غير شديد.
2- أن يندرج تحت أصل عام.
3- أن لا يشهر ذلك.
4- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
انظر تفصيل ذلك، وبيان الوجه في هذه المسألة في رسالتنا "القول المنيف في حكم العمل بالحديث الضعيف" ص48-70، وتبيين العجب ص6-7، والقول البديع ص95، وفتح المغيث 1/ 268، وتدريب الراوي 1/ 298-299.(1/53)
العزيز، قال: حدثنا يحيى بن بكير، نا يحيى بن صالح الأيلي، عن إسماعيل بن أمية، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "فضل المؤمن العالم على المؤمن العابد سبعون درجة"1.
71- وحدثنا سعيد بن نصر، نا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن قيس الملائي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العلم خير من فضل العبادة، وملاك الدين الورع"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في سنده: يحيى بن صالح الأيلي, أحاديثه مناكير. انظر الميزان 4/ 386، واللسان 6/ 262. ورواه أبو الشيخ في فوائده "15" ص45 عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلًا.
وفي الباب عن:
1- عبد الرحمن بن عوف: رواه أبو يعلى في مسنده "856" 2/ 163، وابن عدي في الكامل 3/ 60-61، والديلمي في الفردوس "4239" 3/ 151.
وفي سنده: الخليل بن مرة, قال البخاري: منكر الحديث.
انظر التهذيب 3/ 146-147، والكامل 3/ 58، ومجمع الزوائد 1/ 122, وفيض القدير 4/ 433، وكشف الخفاء 2/ 112.
2- أبي هريرة: رواه ابن عدي في الكامل 4/ 134 ثم قال: "وهذا بهذا الإسناد منكر، لا أعلم يرويه عن الزهري، إلا ابن محرز، ومحمد بن عبد الملك، وجميعًا ضعيفان" اهـ.
ورواه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال "208" ص227-228، وابن حبان في المجروحين 2/ 23، والديلمي في الفردوس "4238" 3/ 151 بأتم فيه، والخطيب في تلخيص المتشابه "313"، وفي الموضح 2/ 196-197. وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني الإرسال فيه. انظر العلل للدارقطني 9/ 267، والميزان 2/ 500.
ورواه الدارمي "352" من قول الزهري.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26115" 5/ 284، وعمرو بن قيس الملائي ثقة متقن، إلا أنه أدرك التابعين.
وفي الباب عن:
1- حذيفة: رواه الحاكم في المستدرك 1/ 92-93، والبزار في مسنده "2969" 7/ 371 "البحر الزخار" ثم قال: "وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من هذا الوجه، وإنما يعرف هذا الكلام من كلام مطرف. =(1/54)
72- حدثني خلف بن القاسم، قال: حدثنا علي بن أحمد بن سعيد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ولا نعلم رواه عن الأعمش إلا عبد الله بن عبد القدوس، ولم نسمعه إلا من عباد بن يعقوب" اهـ.
وابن عدي في الكامل 4/ 198، وأبو نعيم في الحلية 2/ 211-212، والطبراني في المعجم الأوسط "3972"، وابن الجوزي في العلل المتناهية "76" 1/ 76، والبيهقي في المدخل "45" ص303-304، وسنده ضعيف، فيه:
1- عبد الله بن عبد القدوس: قال ابن معين: ليس بشيء رافضي خبيث. وضعفه أبو داود والنسائي والدارقطني، ووثقه البخاري وابن حبان.
2- اختلف في سنده: فقد رواه الأعمش, واختلف عنه:
أ- فرواه مالك بن وابض، عن أبي مطيع البلخي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة:
رواه الدارقطني في العلل 10/ 146.
وابن الجوزي في العلل "78" 1/ 77.
ب- وخالفه عبد الله بن عبد القدوس: رواه عن الأعمش، عن مطرف بن عبد الله الشخير، عن حذيفة, وهو حديثنا.
جـ- وخالفه حمزة الزيات، واختلف عنه:
1- فرواه سعيد بن زكريا المدائني، عن حمزة، عن الأعمش, عن مصعب بن سعد.
2- وقال غيره: عن حمزة، عن الأعمش، عن رجل، عن مصعب بن سعد، عن سعد.
وسيأتي تخريجه.
د- وقيل: عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان.
هـ- وقال المسيب بن شريك: عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال الدارقطني في العلل 10/ 146: "ولا يصح منها شيء... والصحيح أنه من قول مطرف الشخير" اهـ. انظر العلل 10/ 145-146 و4/ 318-320، والبيهقي في المدخل ص304.
وحديث سعد: رواه الهيثم بن كليب في مسنده "75" 1/ 137-138، والإسماعيلي في المعجم 1/ 355-356، والحاكم في المستدرك 1/ 92، والدارقطني في العلل 4/ 319-320، والبيهقي في الزهد الكبير "817" ص329، وفي المدخل "454" ص302-303.
وحديث مطرف الموقوف: رواه أبو خيثمة في العلم "13" ص112، وأبو نعيم في الحلية 2/ 212، والبيهقي في الشعب "1706" 2/ 265، وفي المدخل "457" ص304، وسيأتي عند المصنف برقم "76-78". =(1/55)
زكير، قال: حدثنا علي بن يعقوب، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن أبي المدور، قال: أخبرنا حبيب بن إبراهيم، قال: حدثنا شبل بن عباد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "يبعث الله العالم والعابد فيقال للعابد: ادخل الجنة، ويقال للعالم: اشفع للناس كما أحسنت أدبهم"1. قال شبل: يعني: تعليمهم.
- وروي عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "نعمت العطية ونعمت الهدية كلمة حكمة تسمعها فتنطوي عليها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها تعدل عبادة سنة"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وحديث ابن عباس: رواه الطبراني في المعجم الكبير "10969" 11/ 38، والخطيب في تاريخه 4/ 436، والقضاعي في مسند الشهاب "40" 1/ 59 "1292" 2/ 149-250، وابن عدي في الكامل 3/ 455، وابن الجوزي في العلل "78" 1/ 77. والمصنف فيما سيأتي "75". وفي سنده ليث بن أبي سليم: ضعيف. وسوار بن مصعب: متروك. انظر العلل المتناهية 1/ 77، ومجمع الزوائد 1/ 120. ورواه القضاعي "1290" 2/ 249 من طريق معلى، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر وابن عباس نحوه.
وفي الباب عن عائشة: رواه ابن عدي في الكامل 6/ 160، والبيهقي في الشعب 2/ 273، وفي سنده: محمد بن عبد الملك الأنصاري: قال النسائي: متروك. انظر اللسان 5/ 265، وضعفاء العقيلي 4/ 103، والكامل لابن عدي 6/ 156-161.
عن أبي قلابة مرسلًا: رواه أبو مسهر في حديثه "7" ص27، وأغلب الظن أن فيه تحريفًا.
وعلى كلٍّ فهو يزيد الاختلاف على الأعمش: فقد رواه أبو نوفل, عن الأعمش عن أبي قلابة.
عن ابن عمر: رواه القضاعي في مسند الشهاب "1290" 2/ 249. كما سبق تخريجه عند تخريجنا لحديث ابن عباس. والطبراني في المعجم الصغير 2/ 123-124، وفي الأوسط "9260"، والديلمي "1422"، وفي سنده: محمد بن أبي ليلى: ضعيف.
1 رواه ابن عدي في الكامل 2/ 412-413، وفي سنده حبيب بن أبي حبيب: كان وضاعًا للحديث. انظر التهذيب 2/ 158-159، والكامل 2/ 411. ورواه ابن عدي 6/ 438. والبيهقي في الشعب 2/ 268 من طريق بقية، عن مقاتل بن سليمان، عن أبي الزبير. وشرحبيل بن سعد. عن جابر به. وبقية ضعيف. ومقاتل: متروك. انظر التهذيب 10/ 249، واللسان 6/ 82، والمغني 2/ 675، والكامل 6/ 435.
2 رواه الطبراني في الكبير "12421" 12/ 43، والديلمي في الفردوس "7035" 5/ 16، وفي =(1/56)
73- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا بكر بن خنيس، عن ضرار بن عمرو، عن قتادة، قال: باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة حول1.
74- وحدثني خلف بن القاسم، قال: حدثني ابن السكن، ثنا أحمد بن محمد بن هارون الربعي بالبصرة، قال: حدثني صهيب بن محمد بن عباد، قال: حدثنا بشر بن إبراهيم، قال: حدثنا خليفة بن سليمان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "العلم خير من العبادة، وملاك الدين الورع"2.
75- وأخبرنا خلف بن سعيد، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد: "ح".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= سنده عمرو بن الحصين: تركوه. انظر فيض القدير 6/ 287، ومجمع الزوائد 2/ 166.
وفي الباب عن:
1- أنس بن مالك: رواه تمام في فوائده "105" 1/ 160، وابن عساكر في تاريخه "5/ ق 347أ"، وفي سنده عبد العزيز بن عبد الرحيم: اتهمه الإمام أحمد.
2- عن ابن عمرو: رواه البيهقي في الشعب "1764" 2/ 280، وقال: فيه إرسال. وسيأتي عقيب حديث "224".
3- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه مرسلًا: رواه القضاعي في مسند الشهاب "1311" 2/ 258. وهناد في الزهد "529". وابن المبارك في الزهد "487". فضلًا عن إرساله، فيه موسى بن عبيدة الربذي وعبد الرحمن بن زيد ضعيفان.
4- محمد بن المنكدر مرسلًا: رواه ابن عبد البر, كما سيأتي برقم "154"، وسنده لا بأس به.
5- عن أبي عبد الرحمن الحبلي قوله: رواه الدارمي "351" 1/ 112.
6- الحسن مرسلًا: رواه أبو خيثمة في العلم "138" ص32. وسيأتي 1/ 123.
1 رواه البغوي في مسند ابن الجعد "1047" ص163. وانظر سير أعلام النبلاء 5/ 275.
2 سبق تخريجه ضمن حديث رقم "71".(1/57)
وحدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي: قالا: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: نا معلى بن مهدي، قال: أخبرنا سوار بن مصعب، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "فضل العلم أفضل من العبادة، وملاك الدين الورع"1.
76- حدثنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان نا الحجاج، نا جرير بن حازم، قال: سمعت حميد بن هلال، قال: سمعت مطرفًا يقول: فضل العلم خير من فضل العمل، وخير دينكم الورع2.
ورواه قتادة وغيلان بن جرير عن مطرف مثله بمعناه.
77- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد الفهري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي مريم، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي، قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن زيد بن واقد، عن حرام بن حكيم، عن عمه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه، قليل خطباؤه، قليل سائلوه، كثير معطوه، العمل فيه خير من العلم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، قليل معطوه، كثير سائلوه، العلم فيه خير من العمل"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ضمن حديث رقم "71".
2 سبق تخريجه ضمن حديث رقم "71".
3 رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "3111" 3/ 221، وفي مسند الشاميين "1225" 2/ 221-222. والخطيب في موضح أوهام الجمع 1/ 110. وابن ماكولا في تهذيب مستمر الأوهام 1/ 181. وفي سنده صدقة بن عبد الله السمين: ضعيف، منكر الحديث. انظر مجمع الزوائد 1/ 127. ورواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني "864" 2/ 144. من طريق الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه. ورواه البخاري في التاريخ 2/ 374 عن أبي ذر مرفوعًا.
وقد ورد من قول ابن مسعود:
رواه الطبراني في المعجم الكبير "9496" 9/ 345-346, و"8566-8567" 9/ 113، وعبد الرزاق في المصنف "3787"، والبخاري في الأدب المفرد "789"، وأبو خيثمة في العلم "109" ص27، والحاكم 4/ 529، وهناد في الزهد "670"، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة "1038" من طرق عن ابن مسعود بعضها صحيح. انظر مجمع الزوائد 2/ 90.(1/58)
78- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو سلمة التبوذكي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا قتادة، أن مطرفًا -يعني: ابن الشخير- قال: فضل العلم أفضل من فضل العبادة، وخير دينكم الورع1.
79- وحدثني عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: وحدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثني أبو هلال الراسبي، عن قتادة قال: قال مطرف: فضل العلم أعجب إلي من فضل العبادة2.
80- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أرنا معمر، عن قتادة, عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: حظ من علم أحب إلي من حظ من عبادة، ولأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر، ونظرت في الخير الذي لا شر فيه فلم أر مثل المعافاة والشكر3.
- "قال": وقال قتادة: قال ابن عباس: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 انظر ما قبله.
3 رواه عبد الرزاق في المصنف "20468" 11/ 253، وأبو نعيم في الحلية 2/ 200، والفسوي في المعرفة 2/ 82، والبيهقي في المدخل "458" ص304-305، وفي الشعب "4435-4437".
4 أثر قتادة، عن ابن عباس تابع للأثر السابق.
وما بين القوسين من المدخل والمصنف، وقد رواه البيهقي مفردًا برقم "459-460" عن قتادة، عن مطرف، عن ابن عباس، وعن عطاء، عن ابن عباس. وله طرق أخرى عند الدارمي "614" 1/ 157، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 16. وانظر شرح السنة 1/ 279.(1/59)
81- حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد وعبيد بن محمد، قالا: أرنا الحسن بن سلمة، قال: حدثنا عبد الله بن الجارود، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: قلت لأحمد بن حنبل، قوله: "تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها":
أي علم أراد؟
قال: هو العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم.
قلت: في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا؟
قال: نعم.
- قال إسحاق بن منصور: وقال إسحاق بن راهويه: هو كما قال أحمد.
- وروى يزيد بن هارون، عن يزيد بن عياض، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أنه قال: لأن أجلس ساعة فأفقه في ديني أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الصباح1.
- وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: ما عبد الله بمثل الفقه2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 25-26. وفي الجامع 2/ 151، وسيأتي عقيب "94" والبيهقي في الشعب "1712-1713" 2/ 266-267 موقوفًا ومرفوعًا، وفي سنده يزيد بن عياض: كذبوه.
ورواه البيهقي في الشعب "1721" 2/ 269 بأتم منه بلفظ: "لأن أخرج في شيء من طلب العلم أريد صلاحي وصلاح من أعود إليه أحب إلي من صيام حول وقيام حول"... إلى آخره.
رواه من طريق الوليد بن شجاع, عن ضرار بن عمرو، عن قتادة، عن أبي هريرة.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "20479" 11/ 256، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 23، والبيهقي في الشعب "4697" 4/ 169، وفي المدخل "467" ص308. ورواه أبو نعيم في الحلية 3/ 365، وابن عبد البر, كما سيأتي, من طريق أخرى. ورواه ابن حبان في الثقات 7/ 141 عن مكحول.(1/60)
82- أخبرني خلف بن القاسم، نا ابن أبي الخصيب، نا أبو عقيل أنس بن سلم بن الحسن بن سلم، قال: حدثنا المزداد بن جميل، قال: سمعت رجلًا يسأل المعافى بن عمران، فقال: يا أبا عمران, أيما أحب إليك: أقوم أصلي الليل كله، أو أكتب الحديث؟ فقال: حديث تكتبه أحب إلي من قيامك من أول الليل إلى آخره1.
83- وروى عيسى بن سعيد المقرئ شيخنا -رحمه الله- نا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم ببغداد، قال: حدثنا أبو هشام الحمصي، قال: حدثنا مزداد بن جميل, قال: سأل عمرو بن إسماعيل -وهو رجل من أهل الحديث- المعافى بن عمران: أي شيء أحب إليك: أصلي أو أكتب الحديث؟
فقال: كتاب حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة.
- وروى أبو قطة، عن أبي حرة، عن الحسن: العالم خير من الزاهد في الدنيا المجتهد في العبادة.
84- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن، قال: حدثنا أحمد بن عيسى الخواص ببغداد, قال: حدثنا عباس الترقفي، قال: حدثنا عبد الله بن غالب العباداني, قال: حدثنا خلف بن أعين، عن عبد الله بن زياد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لأن تغدو فتتعلم بابًا من العلم خير لك من أن تصلي مائة ركعة"2.
85- وأخبرنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا الحجاج بن نصير، نا هلال بن عبد الرحمن الحنفي، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص84.
2 رواه ابن ماجه "219"، وفي سنده عبد الله بن غالب، وعبد الله بن زياد: مستوران. وزيد بن علي: ضعيف. ورواه ابن شاهين في الترغيب "218" من طريق علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب أن أصحاب أبي ذر... والديلمي "8362" 5/ 338 "العلمية" وفي سنده: داود بن المحبر: متروك. وعلي بن زيد: ضعيف.(1/61)
عطاء بن أبي ميمونة مولى أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وأبي ذر، قالا: باب من العلم يتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع، وباب من العلم يعلمه عمل به أو لم يعمل به أحب إلينا من مائة ركعة تطوع.
وقالا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على تلك الحال مات شهيدًا"1.
86- وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، قال: كنت عند مالك بن أنس فجاءت صلاة الظهر -أو العصر- وأنا أقرأ عليه، وأنظر في العلم بين يديه فجمعت كتبي وقمت لأركع، فقال لي مالك: ما هذا؟ قلت: أقوم إلى الصلاة. قال: فقال: إن هذا لعحب، ما الذي قمت إليه بأفضل من الذي كنت فيه، إذا صحت النية فيه.
87- وحدثني قاسم بن محمد أبو محمد، قال: حدثنا خالد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن فطيس، فذكره بإسناده مثله.
88- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، حدثنا يحيى بن مالك، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: سمعت الربيع بن سليمان، يقول: سمعت الشافعي، يقول: طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البزار في سنده "138" 1/ 84 كشف الأستار. والطبراني في الأوسط، والعقيلي 4/ 350، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 16. قال في مجمع الزوائد 1/ 124: "فيه هلال بن عبد الرحمن الحنفي، وهو متروك" اهـ. وانظر فيض القدير 1/ 324-325، والتاريخ الكبير 8/ 211، والميزان 7/ 100، واللسان 6/ 202 وقال العقيلي: "وكل هذا مناكير لا أصول لها..." اهـ. وسيأتي مسندًا برقم "162".
2 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 119، والبيهقي في المدخل "474" ص310، وذكره البغوي في شرح السنة 1/ 280. ورواه البيهقي بنحوه "475-476" ص310 وانظر تفسير القرطبي 8/ 296.(1/62)
89- حدثنا أحمد بن محمد بن هشام، قال: حدثنا علي بن عمر، قال: حدثنا الحسن بن سعيد العسكري، قال: حدثنا ابن منيع، قال: حدثنا سريج بن يونس، قال: حدثنا يحيى بن يمان أو وكيع، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: ما من عمل أفضل من طلب العلم, إذا صحت النية1.
90- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا ابن شعبان، نا إبراهيم بن عثمان، نا أحمد بن عمرو، نا نعيم بن حماد، نا وكيع، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: لا أعلم من العبادة شيئًا أفضل من أن يعلم الناس العلم.
91- حدثنا خلف بن أبي جعفر، نا عبد الله بن الحسن الكلابي، قال: حدثنا أحمد بن عمير، نا محمد بن الوزير، قال: حدثنا الوليد -يعني: ابن مسلم- قال: حدثنا أبو سعد روح بن جناح، عن مجاهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"2.
92- وأخبرنا عبد الوارث، حدثنا القاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا علي بن بحر بن بري، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي سعد روح بن جناح،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص438، وأبو نعيم في الحلية 6/ 366، وتمام في الفوائد "97" 1/ 154، والبيهقي في المدخل "470" ص309, والخطيب في شرف أصحاب الحديث "298-299"، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "25" ص177، وسنده صحيح.
2 رواه الترمذي "2681"، وابن ماجه "222"، والبخاري في التاريخ 2/ 1/ 308، وابن حبان في المجروحين 1/ 296، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 24، وفي التلخيص 2/ 643، والطبراني في المعجم الكبير "11099" 11/ 78، وفي مسند الشاميين "1109", والآجري في أخلاق العلماء "25" ص23، وابن عدي في الكامل 3/ 145، وابن الجوزي في العلل "192" 1/ 134، وابن ماسي في فوائده "29" ص96، وابن المقرئ في المعجم "953" ص291، والبيهقي في الشعب "1715" 2/ 267، والديلمي "4398"، والمزي في تهذيب الكمال 9/ 237، وسنده ضعيف جدًّا، فيه روح بن جناح. قال ابن الجوزي في العلل 1/ 134: هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمتهم برفعه روح بن جناح، وانظر تهذيب التهذيب 3/ 292-293، والميزان 2/ 58، والعلل للدارقطني 9/ 132-133.(1/63)
عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد". كذا قالا: عن الوليد بن مسلم، عن أبي سعد روح بن جناح.
وخالفهما هشام بن عمار فقال: مروان بن جناح.
93- وأخبرنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد، نا يعقوب بن سفيان، نا هشام بن عمار، نا الوليد بن مسلم، نا مروان بن جناح أبو سعد، عن مجاهد، أنه سمع ابن عباس، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
94- وقرأت على خلف بن القاسم، أن سعيد بن السكن، حدثهم قال: حدثنا الحسين بن الحسن أبو علي البزاز ببخارى، قال: حدثنا عبيد بن واصل البيكندي، قال: حدثنا الحسن بن الحارث البيكندي، قال: حدثنا عثمان بن مخارق الكوفي -وأثنى عليه خيرًا- قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رفعه، قال: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"1.
- وروى يزيد بن هارون، عن يزيد بن عياض، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل شيء عماد, وعماد هذا الدين الفقه، وما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في الأوسط "6162"، والدارقطني في سننه 3/ 79، والبيهقي في الشعب "1716" 2/ 267، والخطيب في الفقيه 1/ 21، وابن عدي في الكامل 1/ 378، وابن الجوزي في العلل "195" 1/ 135 من طرق عن أبي هريرة.
قال في مجمع الزوائد 1/ 121: "فيه يزيد بن عياض، وهو كذاب" اهـ.
وفي الطريق الأخرى: أبو الربيع السمان. قال يحيى: ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك.
كما في العلل لابن الجوزي 1/ 135.
2 رواه الخطيب في الجامع "1365" 2/ 151، وأحمد بن منيع، كما في إتحاف الخيرة المهرة 1/ 200. وانظر المطالب العالية 3/ 328، والتعليق السابق. ويزيد بن عياض: كذاب, كما سبق. وانظر ما قبله.(1/64)
- قال عمر بن الخطاب, رضي الله عنه: لموت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت العاقل البصير بحلال الله وحرامه.
- وروي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: إن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالم, ما تفرح بموت العابد؟ فقال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد قائم يصلي فقالوا له: إنا نريد أن نسألك، فانصرف، فقال له إبليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: لا. فقال: أترونه كفر في ساعة.
ثم جاء إلى عالم في حلقة يضاحك أصحابه ويحدثهم فقال: إنا نريد أن نسألك, فقال: سل.
فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ قال: نعم. قال: وكيف؟ قال: يقول لذلك إذا أراده: كن فيكون1.
قال إبليس: أترون ذاك لا يعدو نفسه وهذا يفسد علي عالمًا كثيرًا.
- وقال عبد الله بن وهب صاحب مالك: وكان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم فولع مني الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم: كيف خلقه الله, عز وجل؟ ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ، فقال لي: ابن وهب؟ قلت: نعم. قال: اطلب العلم، فكان سبب طلبي للعلم.
- ومن حديث ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "بين العالم والعابد مائة درجة, بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة"2 ومن دون ابن عون لا يحتج به.
- وقال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 26.
2 سبق تخريجه ضمن حديث رقم "70".(1/65)
رواه أبو حمزة، عن محمد بن علي.
- وروى معاوية بن عمارة، عن جعفر بن محمد، أنه قال: رواية الحديث وبثه في الناس أفضل من عبادة ألف عابد.
95- وحدثنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، نا أبو الفتح البخاري نصر بن المغيرة، قال: قال سفيان بن عيينة، قال عمر بن عبد العزيز: من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح1.
9 - باب قوله صلى الله عليه وسلم: العالم والمتعلم شريكان:
96- قرأت على أبي بكر يحيى بن عبد الرحمن، أن محمد بن أبي دليم حدثهم، نا محمد بن وضاح، نا عبد الملك بن حبيب المصيصي، نا ابن المبارك، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان فيها من ذكر الله أو آوى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر، وسائر الناس همج لا خير فيهم"2.
هكذا رواه عبد الملك بن حبيب المصيصي عن ابن المبارك مسندًا، ورواه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة برقم "35098" 7/ 175، وأحمد في الزهد "1742" ص422، والبيهقي في الشعب "1819" 2/ 293 و"5021" 4/ 263 بزيادة في أوله، والدارمي برقم "305" 1/ 103، والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 349، وابن سعد في الطبقات 5/ 572. ورواه الخطيب في الفقيه 1/ 19 بسند آخر.
2 قد اختلف في سنده -كما أشار إليه- ابن عبد البر:
أ- فرواه عبد الملك بن حبيب المصيصي، عن ابن المبارك، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي سعيد الخدري, وعبد الملك: مقبول، كما في التقريب 1/ 518.
ب- ورواه عبد الله بن عثمان، ويعقوب بن سفيان وغيرهما: عن ابن المبارك، عن ثور، عن خالد، عن أبي الدرداء موقوفًا. وهو الصواب, عند المصنف "97" الآتي.
وتابع ابن المبارك: عبد الرزاق، عن ثور، عند ابن الأعرابي وغيره. وانظر ما بعده.(1/66)
عبدان -وهو عبد الله بن عثمان- عن ابن المبارك، عن ثور، عن خالد بن معدان، من قول أبي الدرداء.
97- حدثنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا عبد الله بن عثمان، نا عبد الله بن المبارك، نا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال: قال أبو الدرداء: الدنيا ملعونة وملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما آوى إليه، والعالم والمتعلم في الخير شريكان، وسائر الناس همج لا خير فيهم1.
98- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا عتبة بن حماد، حدثني ابن ثوبان، حدثني عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو معلم أو متعلم"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص199-200، وأبو نعيم في الحلية 1/ 212, وابن المبارك في الزهد "543" ص191-192، وأبو داود في الزهد "224" ص223-224، وابن الأعرابي في صفة الزاهدين ص46، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص67-68، والبيهقي في الشعب 7/ 342-381، وفي المدخل "383" ص269-270، والآجري في أخلاق العلماء "53" ص38 بالجزء الثاني.
2 رواه الترمذي في كتاب الزهد "2322" 4/ 561، وابن ماجه "4112" والعقيلي في الضعفاء 2/ 326، والدارقطني في العلل 5/ 89، والبيهقي في الشعب 2/ 265، وابن الجوزي في العلل 2/ 796-797، والديلمي في الفردوس، "2923" 2/ 354.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1- عبد الله بن ضمرة: وثقه العجلي. انظر التقريب 1/ 424، والتهذيب 5/ 266-267.
2- عطاء بن قرة السلولي: قال ابن المديني: لا أعرفه. وذكره ابن حبان في الثقات. انظر التهذيب 7/ 210-211، والتقريب 2/ 22، والكاشف 2/ 23.
3- عبد الرحمن بن ثابت: ضعفه أحمد وغيره. انظر التهذيب 6/ 150-152، والتقريب 1/ 474. =(1/67)
99- وحدثني سعيد بن سيد، نا محمد بن معاوية الأموي، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4- فيه خلاف في سنده:
أ- فقد رواه عبد الرحمن بن ثابت، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة وهو حديثنا.
ب- وخالف عبد الرحمن: وهيب بن الورد العابد, فرواه عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة مرسلًا.
رواه البغوي في شرح السنة، حديث رقم "4028" 14/ 229-230، ووهيب: ثقة عابد.
كما في التقريب 2/ 339، وروايته أولى.
جـ- ورواه أبو المطرف عنه, فقال: عن عبدة, عن أبي وائل، عن ابن مسعود, كما سيأتي.
وهناك اختلاف آخر وسيأتي. انظر العلل للدارقطني 11/ 44-45.
وفي الباب:
1- عن جابر: رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 157 و7/ 90، وابن الأعرابي في صفة الزاهدين، حديث رقم "65" ص45، وفي معجمه، حديث رقم "977" 4/ 232-233، وحديث رقم "1069" 6/ 292، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 124، والبيهقي في الشعب 7/ 341-342.
قلت: اختلف في سنده:
فرواه سفيان الثوري، واختلف عنه:
1- رواه عبد الملك بن عمرو العقدي: عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به, وقد سبق.
2- ورواه مهران بن أبي عمر: عن الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن أبيه مرسلًا. رواه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا، حديث رقم "7" ص14، وابن الأعرابي في وصف الزاهدين، حديث رقم "66-67" ص46، والبيهقي في الشعب 7/ 342، وابن الجوزي في العلل المتناهية 2/ 797، والدارقطني في العلل، وانظر العلل لابن أبي حاتم 2/ 124، ومهران: ضعيف، كما في التقريب 2/ 279، وقال ابن معين: كان عنده غلط كثير في حديث سفيان. انظر التهذيب 10/ 327-328. والرواي عنه: محمد بن حميد: ضعيف.
3- ورواه يحيى، عن الثوري، عن ابن المنكدر مرسلًا. عند أحمد في الزهد ص37، وذكره ابن أبي حاتم في العلل 2/ 124، وقد أعل أبو حاتم طريق جابر، وقال: "هذا خطأ، إنما هو محمد بن المنكدر، أن النبي, صلى الله عليه وسلم...".
وأعل الدارقطني طريق جابر، وطريق ابن المنكدر، عن أبيه. وقال: كلاهما غير محفوظين =(1/68)
جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا صدقة بن خالد، قال: أرنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض وقبل أن يرفع".
ثم قال: "العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في سائر الناس بعد, وجمع بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام"1.
100- وحدثنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= فالصواب طريق يحيى، عن الثوري، عن ابن المنكدر مرسلًا. والله أعلم.
2- عن عبد الله بن مسعود: رواه الطبراني في مسند الشاميين، حديث رقم "163" 1/ 107-108. وفي المعجم الأوسط، حديث "4084" 5/ 49. والبزار في مسنده، حديث رقم "3310" 4/ 108، والدارقطني في العلل 5/ 89.
قال: الدارقطني في علله 5/ 89: "يرويه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. واختلف عنه:
أ- فرواه أبو المطرف، مغيرة بن مطرف، عن ابن ثوبان، عن عبدة بن أبي لبابة، عن شقيق، عن عبد الله.
ب- وهذا إسناد مقلوب، وإنما رواه بن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، وهو الصحيح" اهـ.
3- كعب موقوفًا: رواه الدارمي "322" 1/ 106. وهو داخل ضمن الخلاف على ابن ثوبان: فقد رواه ابن يمان، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن عبد الله بن ضمرة، عن كعب به موقوفًا.
وانظر العلل للدارقطني 11/ 45.
4- عن أبي بكر موقوفًا: رواه أبو داود في الزهد "224" ص224. من طريق معاوية بن صالح. عن سعيد بن سديد، عن أبي بكر به.
فيبقى الحديث على ضعفه وإرساله من طريق ابن المنكدر مرسلًا. وصح عن أبي الدرداء موقوفًا. والله تعالى أعلم بالصواب.
1 رواه ابن ماجه "228"، والطبراني في المعجم الكبير "7875" 8/ 262، والحاكم في المعرفة ص90، وتمام في فوائده "68" 1/ 130 "الروض البسام"، والآجري في أخلاق العلماء "52" ص37-38، وابن عدي في الكامل 5/ 165، والخطيب في تاريخه 2/ 212، والقاضي عياض في الغنية ص165-166، وسنده واه. فيه علي بن يزيد: متروك. انظر تهذيب الكمال 21/ 179. وعثمان بن أبي العاتكة: ضعيف في روايته عن علي. وانظر فيض القدير 4/ 352.(1/69)
حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، نا هشام بن عمار الدمشقي، نا صدقة بن خالد، نا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع، ثم جمع بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم قال: إن العالم والمتعلم شريكان في الأجر، ولا خير في سائر الناس بعد".
101- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا عيسى بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا بشر بن ثابت البزار، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: العالم والمتعلم في الأجر سواء ولا خير في سائر الناس بعدهم1.
102- حدثنا أحمد بن عبد الله، أن أباه حدثه، قال: أخبرنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي تميم بن سلمة، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد بين ذلك2.
103- قال أبو بكر: وحدثنا وكيع، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال أبو الدرداء: تعلموا قبل أن يرفع العلم؛ فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه "245-246-247" 1/ 90-91، وقد سبق تخريجه برقم "97".
2 رواه ابن أبي شيبة "26120" 5/ 284، والدارمي "248" 1/ 91، والبيهقي في المدخل "378" ص267، و"380" ص268-269، والفسوي 3/ 399، والبخاري في التاريخ 2/ 2/ 99. والطبراني "8752" 9/ 163، ووكيع في الزهد "513"، وأبو خيثمة في العلم "1" ص6 و"166" ص137 من طرق عن ابن مسعود. وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه ابن مسعود.
والحسن أيضًا لم يسمعه من ابن مسعود. وعبد الملك بن عمير: لم يدرك ابن مسعود. ورواه الدارمي "337" 1/ 109، والذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 463 من طريق الضحاك، عن ابن مسعود.
3 سبق برقم "97".(1/70)
104- قال: وحدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سالم، قال: قال أبو الدرداء: معلم الخير ومتعلمه في الأجر سواء1.
105- وحدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد، نا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا حجاج بن منهال، نا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، أن أبا الدرداء قال: كن عالمًا أو متعلمًا أو محبًّا أو متبعًا، ولا تكن الخامس فتهلك.
قال: قلت للحسن: وما الخامس؟ قال: المبتدع2.
106- وحدثنا عبد الله، نا الحسن، نا يعقوب، نا زيد بن بشر الحضرمي، وعبد العزيز بن عمران الخزاعي، قالا: أنا ابن وهب، قال: أنا حنظلة، أن عون بن عبد الله، حدثه قال: حدثت عمر بن عبد العزيز أنه كان يقال: إن استطعت فكن عالمًا، فإن لم تستطع فكن متعلمًا، وإن لم تستطع فأحبهم، وإن لم تستطع فلا تبغضهم.
فقال عمر بن عبد العزيز: لقد جعل الله -عز وجل- له مخرجًا إن قبل3.
107- حدثنا عبد الله، نا الحسن، ثنا يعقوب، ثنا أبو الوليد خالد بن الوليد، ثنا خالد بن عبد الله، عن عطاء بن السائب، عن الحسن؛ قال: اغد عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا، ولا تكن رابعًا فتهلك4.
108- وحدثنا عبد الله، ثنا الحسن، نا يعقوب، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عاصم، عن زر، قال: قال عبد الله: اغد عالمًا أو متعلمًا ولا تغد إمعة بين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "97".
2 رواه البيهقي في المدخل "381" ص269, والفسوي 3/ 398.
3 رواه الفسوي في المعرفة 3/ 398-399، وأبو خيثمة في العلم "2" ص6-7.
4 رواه الفسوي في المعرفة "الملحق" 3/ 399، وانظر لسان الميزان 4/ 58، والضعفاء للعقيلي 3/ 28 من طريق أخرى.(1/71)
ذلك1.
- قال أبو يوسف: قال أهل العلم: الإمعة: أهل الرأي2.
109- وأخبرنا عبد الله، ثنا الحسن، نا يعقوب، قال: حدثنا صفوان بن صالح، ثنا عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، قال: حدثني هارون بن رئاب، قال: كان ابن مسعود يقول: اغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تغد فيما بين ذلك، فإنما بين ذلك: جاهل، أو جهل، وإن الملائكة تبسط أجنحتها لرجل غدا يطلب العلم, من الرضى لما يصنع3.
110- وحدثنا عبد الله، نا الحسن، نا يعقوب، نا ابن نمير، نا وكيع، نا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن أبي عبيدة، قال عبد الله: اغد عالمًا أو متعلمًا, ولا تغد بين ذلك4.
111- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: أنا سليمان بن أبي شيخ، قال: قال أبو سفيان الحميري: ليس الأدب إلا في صنفين من الناس: رجل تأدب بالسلطان، ورجل تأدب بالفقه، وسائر الناس همج.
- وروي عن علي -رضي الله عنه- قال: الناس ثلاث: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة, والباقي همج رعاع أتباع كل ناعق5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي "ملحق المعرفة" 3/ 399، وابن حزم في الإحكام 6/ 234، والبيهقي في المدخل "378" ص267. وسنده حسن لأجل عاصم, وله طريق أخرى. رواه الطبراني "8752" 9/ 163, من طرق عبد الملك بن عمير، عن ابن مسعود, ولم يدركه، كما في المجمع 1/ 122. ورواه أبو خيثمة في العلم "1" ص19 وفيه انقطاع، وقد سبق "102".
2 انظر غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 49-50.
3 رواه الدارمي "339" 1/ 109، والفسوي 3/ 399.
4 سبق برقم "102-108".
5 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 49-50, وأبو نعيم في الحلية 1/ 79-80.(1/72)
112- وأرنا أبو القاسم خلف بن القاسم، قال: أنا الحسن بن رشيق، أبو محمد بمصر، قال: أنا يموت بن المزرع، قال: أنشدنا عمرو بن بحر الجاحظ لصالح بن جناح في العلم:
تعلم إذا ما كنت ليس بعالم فما العلم إلا عند أهل التعلم
تعلم فإن العلم زين لأهله ولن تستطيع العلم إن لم تعلم
تعلم فإن العلم أزين بالفتى من الحلة الحسناء عند التكلم
ولا خير فيمن راح ليس بعالم بصير لما يأتي ولا متعلم
113- أخبرنا خلف بن القاسم -رحمه الله- قال: أنا محمد بن الحسين بن صالح السبيعي الحلبي أبو بكر بدمشق، قال: أنا أبو بكر محمد بن جعفر بن سفيان بن يزيد الرقي وأبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين المقرئ الفنادقي وأبو محمد بيان بن أحمد بن علي القطان، قالوا: حدثنا عبيد بن جناد الحلبي، قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف، عن خالد بن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اغد عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا أو محبًَّا، ولا تكن الخامسة فتهلك"1.
- قال عطاء: قال لي مسعر بن كدام: يا عطاء زدتنا في هذا الحديث زيادة لم تكن في أيدينا وإنما كان في أيدينا: اغد عالمًا أو متعلمًا. يا عطاء, ويل لمن لم يكن فيه واحدة من هذه.
قال أبو عمر: الخامسة التي فيها الهلاك: معاداة العلماء وبغضهم ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب ذلك، وفيه الهلاك، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البزار "134" 1/ 83 "كشف الأستار"، و"3626" 9/ 94 "البحر الزخار"، والبيهقي في الشعب "1709-1710" 2/ 265-266، والطبراني في المعجم الصغير 2/ 9. وفي الأوسط "5167"، وأبو نعيم في الحلية 7/ 236-237.
قال الآجري: سألت أبا داود: عن عطاء بن مسلم الحلبي. فقال: ضعيف، روى حديث خالد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة, عن أبيه, عن النبي, صلى الله عليه وسلم: "اغد عالمًا" وليس هو بشيء اهـ. سؤالات الآجري "1816" 2/ 270، وانظر تاريخ بغداد 12/ 294، 295، وتهذيب الكمال 2/ 936، والتهذيب 7/ 262.
وانظر الميزان 3/ 76، والكامل 5/ 367-368، ومجمع الزوائد 1/ 221.(1/73)
10 - باب تفضيل العلماء على الشهداء:
114- حدثني خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز:
وأخبرناه أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا أحمد بن إبراهيم بن جامع السكري، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز: نا أحمد بن يونس، نا عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، عن علاق بن أبي مسلم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء"1.
115- وقرأت على خلف بن القاسم، أن أحمد بن إبراهيم بن عطية الحداد حدثه، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن موسى بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المستنير، قال: حدثنا أبو عصمة عاصم بن النعمان البلخي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي يونس القشيري، عن سماك بن حرب، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "4313". والحسن بن محمد الخلال في أماليه "6" ص20، وابن عدي في الكامل 5/ 262، والخطيب في تاريخه 11/ 177-178، والبزار "3471" 4/ 172 "كشف الأستار"، والآجري في أخلاق العلماء "49" ص36، وفي الشريعة ص350، والعقيلي في الضعفاء 3/ 367. وسنده ضعيف جدًّا، فيه:
1- عنبسة القرشي: رماه أبو حاتم بالوضع. انظر التقريب 2/ 88.
2- علاق بن مسلم: مجهول. انظر الميزان 3/ 107، والتهذيب 7/ 195، والتقريب 2/ 94.
2 في سنده: إسماعيل بن أبي زياد السكوني: منكر الحديث. انظر الكامل 21/ 314-315، التهذيب 1/ 261-263.
وانظر المقاصد الحسنة ص377, ومختصر المقاصد ص172، وكشف الخفاء 2/ 262، وتاريخ بغداد 2/ 192، والدرر المنتثرة ص219، والأسرار المرفوعة ص303، والتمييز ص152، والفوائد المجموعة ص287، والغماز على اللماز ص200، واللؤلؤ المرصوع ص167، وأسنى المطالب ص275، وتحذير المسلمين ص113، والنخبة البهية ص111.(1/74)
- وروي من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "للأنبياء على العلماء فضل درجتين، وللعلماء على الشهداء فضل درجة"1.
116- أنشدني بعض شيوخي لأبي بكر بن دريد:
أهلًا وسهلًا بالذين أحبهم وأودهم في الله ذي الآلاء
أهلًا بقوم صالحين ذوي تقًى غر الوجوه وزين كل ملاء
يسعون في طلب الحديث بعفة وتوقر وسكينة وحياء
لهم المهابة والجلالة والنهى وفضائل جلت عن الإحصاء
ومداد ما تجري به أقلامهم أزكى وأفضل من دم الشهداء
يا طالبي علم النبي محمد ما أنتم وسواكم بسواء
- وروي من حديث أبي هريرة، وأبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على حاله مات شهيدًا"2.
وبعضهم يقول في ذلك الحديث: لم يكن بينه وبين الأنبياء إلا درجة واحدة في الجنة3. وروى -أيضًا- مرفوعًا من حديث ابن عباس. وقد ذكرنا هذا الحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 سبق برقم "85"، وسيأتي مسندًا برقم "162".
3 رواه ابن شاهين في الترغيب "213" ص231 عن الحسن مرسلًا بلفظ: "من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيا به الإسلام، كان بينه وبين الأنبياء درجة واحدة". ورواه الدارمي "354" 1/ 112، والخطيب في تاريخه 3/ 78. ووقع في هذا الحديث اضطراب, كما أشار إلى ذلك ابن عبد البر. وانظر ما سيأتي برقم "168" فإنه سيذكره بسنده.(1/75)
بإسناده في كتابنا هذا في باب استدامة الطلب وفي باب "جامع فضل العلم"، وفي إسناده اضطراب؛ لأن منهم من يجعله عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس، ومنهم من يجعله عن سعيد عن أبي هريرة، وأبي ذر، ومنهم من يرسله عن سعيد، والفضائل تروى عن كل أحد، والحجة من جهة الإسناد، إنما تتقصى في الأحكام وفي الحلال والحرام.
- وبلغني من حديث علي بن عاصم، عن الجريري، عن ابن أبي الهذيل، قال: قال أبو الدرداء، من رأى الغدو والرواح إلى العلم ليس بجهاد فقد نقص عقله ورأيه.
117- حدثنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا آدم، نا شريك، نا ليث بن أبي سليم، عن يحيى بن أبي كثير، عن الأزدي، قال: سألت ابن عباس عن الجهاد؟ فقال: ألا أدلك على خير من الجهاد؟ فقلت: بلى.
قال: تبني مسجدًا وتعلم فيه الفرائض والسنة والفقه في الدين1.
118- وبه عن يعقوب بن سفيان، نا أبو اليمان وآدم، قالا: حدثنا حريز بن عثمان الرحبي، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن عبد الرحمن بن مسعود الفزاري، أن أبا الدرداء, قال: ما من أحد يغدو إلى المسجد لخير يتعلمه أو يعلمه إلا كتب له أجر مجاهد لا ينقلب إلا غانمًا2.
11 - باب ذكر حديث صفوان بن عسال في فضل العلم:
119- قرأت على أبي عثمان سعيد بن نصر، حدثهم قاسم بن أصبغ، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا عارم بن الفضل، قال: حدثنا الصعق بن حزن، عن علي بن الحكم، عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش, قال: جاء رجل من مراد يقال له: صفوان بن عسال إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي 3/ 400، وليث: ضعيف. وسيأتي.
2 رواه الفسوي في المعرفة 3/ 400.(1/76)
وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، قال: فقلت: يا رسول الله, إني جئت أطلب العلم، قال: "مرحبًا بطالب العلم, إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظله بأجنحتها فيركب بعضها بعضًا حتى تعلو إلى السماء الدنيا من حبهم لما يطلب، فما جئت تطلب؟" قال: قلت: يا رسول الله لا أزال أسافر بين مكة والمدينة فأفتني عن المسح على الخفين"1, وذكر الحديث.
120- وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن خليفة رحمه الله، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن البغدادي بمكة، قال: حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، قال: حدثنا علي بن سهل بن المغيرة البزار أبو الحسن، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان بن عسال فقال: ما جاء بك؟
قال: قلت: طلب العلم.
قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يطلب"2.
121- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا بكر بن حماد،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه الآجري في أخلاق العلماء "45" ص33، والحاكم في المستدرك 1/ 101، والطبراني في الكبير "7347" 8/ 63-64 وزاد عبد الله بن مسعود بين زر، وبين صفوان.
نقل المزي في التحفة 4/ 194, عن الخطيب أنه قال: ذكر عبد الله بن مسعود في هذا الإسناد زيادة غير صحيحة؛ لأن زرًّا سمعه من صفوان نفسه. وسنده حسن. وانظر من بعده.
2 رواه ابن ماجه "226"، والنسائي 1/ 98، وفي الكبرى "132" 1/ 92, و"146" 1/ 95، والترمذي "3535-3536". وأحمد 4/ 239-240-241. وعبد الرزاق في المصنف "792-793-795"، وابن حبان "85" 1/ 285-286. والطبراني في المعجم الكبير "7352-7353-7359-7365-7366-7368-7371-7373-7379-7382-7388"، والحميدي "881"، والدارقطني 1/ 196-197، والدارمي "357" 1/ 113، والطيالسي "1665" ص160، والشافعي 1/ 33، وابن خزيمة "17-193-196"، والطحاوي 1/ 82، وابن الجارود "4" 1/ 17، والبيهقي 1/ 276-282، والبغوي "161"، والخطيب في الرحلة ص83، وابن المبارك في الزهد ص387، وأبو خيثمة في العلم "5"، من طرق عن عاصم، منهم من ساقه بطوله ومنهم من اختصره.(1/77)
نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان بن عسال... فذكر مثله بتمامه.
122- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، نا يعقوب بن سفيان، نا آدم بن أبي إياس، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، نا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟
قلت: ابتغاء العلم. قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من خرج من بيته ابتغاء العلم, وضعت الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع".
123- حدثنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا حجاج بن منهال، نا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش, قال: غدوت على صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟ فقلت: ابتغاء العلم. فقال: ألا أبشرك. ورفع الحديث.
قال أبو عمر: حديث صفوان بن عسال هذا وقفه قوم عن عاصم ورفعه عنه آخرون، وهو حديث صحيح حسن ثابت محفوظ مرفوع، ومثله لا يقال بالرأي، وممن وقفه سفيان بن عيينة:
124- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: نا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن حرب الطائي، نا علي بن حرب الطائي، نا سفيان بن عيينة، عن عاصم بن أبي النجود، سمع زرًّا يقول: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟
فقلت: ابتغاء العلم.
فقال: إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا لما يطلب.
فقلت: حكّ في نفسي مسح على الخفين.
وذكر الحديث مرفوعًا في المسح على الخفين. وذكره يونس بن عبد الأعلى(1/78)
وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: نا سفيان بن عيينة... بإسناده مثله سواء.
ورواه عن عاصم جماعة منهم: همام، وزيد بن أبي أنيسة، وأبو جعفر الرازي.
قال أبو عمر: قد ظن قوم أن هذا الحديث لم يرفعه إلا حماد بن سلمة وأبو جعفر الرازي, وليس كما ظنوا.
12 - باب ذكر حديث أبي الدرداء في ذلك وما كان في مثل معناه:
125- قرأت على عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح، أن حمزة بن محمد، حدثهم إملاء بمصر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا غسان بن الربيع، عن إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن جميل بن قيس، أن رجلًا جاء من المدينة إلى أبي الدرداء وهو بدمشق، فسأله عن حديث. فقال له أبو الدرداء: ما جاءت بك حاجة ولا جئت في طلب التجارة، ولا جئت إلا في طلب الحديث؟
فقال الرجل: بلى.
فقال له أبو الدرداء: أبشر، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "ما من عبد يخرج يطلب علمًا إلا وضعت له الملائكة أجنحتها، وسلك به طريق إلى الجنة، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3641-3642" 3/ 317، والترمذي "2682" 5/ 48-49، وابن ماجه "223"، والدارمي "342" 1/ 110، وأحمد 5/ 196، والبزار "136" "كشف الأستار" =(1/79)
قال حمزة: كذا قال إسماعيل بن عياش في هذا الحديث: جميل بن قيس، وقال محمد بن يزيد وغيره: عن عاصم بن رجاء، عن كثير بن قيس.
قال: والقلب إلى ما قاله محمد بن يزيد أميل1.
قال حمزة: وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن عبد السلام بن سليم، عن يزيد بن سمرة وغيره من أهل العلم، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء، عن النبي, صلى الله عليه وآله وسلم: رواه عن الأوزاعي بشر بن بكر، قال حمزة: ولا أعلم أحدًا من أصحاب الأوزاعي حدث به عن الأوزاعي غيره، وهو حديث حسن غريب.
قال أبو عمر: أما قول حمزة: إن إسماعيل بن عياش يقول في هذا الحديث: جميل بن قيس فليس كما قال، وإنما رواه عن داود بن جميل لا عن جميل بن قيس، ومن قال: جميل بن قيس فقد جاء بواضح من الخطأ، وإنما هو داود بن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء: هذا هو الصواب، وكذلك رواه كل من قوم إسناده وجوده: إسماعيل بن عياش وغيره.
126- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد، نا يعقوب بن سفيان الفسوي، نا عبد الوهاب بن الضحاك، نا إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، قال: جاء رجل من المدينة إلى أبي الدرداء بدمشق ليسأله عن حديث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والطحاوي في المشكل 1/ 429، والفسوي 3/ 401، وابن حبان "88" 1/ 289-290، وأبو خيثمة في العلم "5"، والبغوي "129"، وابن شاهين في الترغيب "207" ص227 و"214" ص231-232، والبيهقي في الآداب "1188"، وفي المدخل "347-348" ص250-251 والخطيب في الرحلة في طلب العلم "77-78".
من طرق عن أبي الدرداء يرتقي بها لدرجة الحسن، والله أعلم, انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه, وانظر كلام الحافظ ابن عبد البر فيما سيأتي.
1 انظر التهذيب 8/ 426.(1/80)
بلغه أنه يحدث به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له أبو الدرداء: ما جاء بك تجارة؟
قال: لا.
قال: ولا جئت طالب حاجة؟ قال: لا.
قال: وما جئت تطلب إلا هذا الحديث؟ قال: نعم.
قال: فأشهد إن كنت صادقًا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من رجل يخرج من بيته يطلب علمًا إلا وضعت الملائكة أجنحتها..." وساق الحديث بنحو ما تقدم.
127- وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن بكر بن عمران، نا محمد بن الحسين الأزدي الموصلي، نا أحمد بن سهل، قال: أنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، قال: أقبل رجل من أهل المدينة إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة" وذكر الحديث.
وهكذا إسناد الحديث عند من يتقنه ويجوده، كذلك رواه عبد الله بن داود الخريبي، وإسماعيل بن عياش على ما ذكرنا، وحديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام خاصة مستقيم، وعاصم بن رجاء بن حيوة هذا ثقة مشهور روى عنه إسماعيل بن عياش، والخريبي عبد الله بن داود، وأبو نعيم، وعبد الله بن يزيد بن الصلت، وغيرهم من أهل الشام وأهل العراق، ويروي عاصم بن رجاء بن حيوة هذا، عن أبيه، وعن مكحول، وعن محمد بن المنكدر.
وأما داود بن جميل: فمجهول، ولا يعرف هو ولا أبوه، ولا نعلم أحدًا روى عنه غير عاصم بن رجاء.
وأما كثير بن قيس: فروى عن أبي الدرداء وابن عمر، وسمع منهما، وروى عنه داود بن جميل والوليد بن مرة وليسا بالمشهورين.(1/81)
وأما إسناد حديث حمزة ففاسد فيه إسقاط رجل وتصحيف اسم آخر.
128- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى، نا محمد بن بكر، حدثنا أبو داود، نا مسدد، نا عبد الله بن داود، قال: سمعت عاصم بن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء فجاء رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لحديث بلغني عنك أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما جئت لحاجة.
قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم, فمن أخذه أخذ بحظ وافر".
129- أخبرنا أبو بكر وسيم بن أحمد بن محمد، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن إسماعيل بن محمد الضراب بمصر إملاء علينا منه، نا أحمد بن عبد الله بن بهزاد، نا إبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري سنة سبع وستين ومائتين، قال: نا عبد الله بن داود الخريبي، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء فأتى رجل فقال: يا أبا الدرداء جئتك من المدينة، من مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
قال: وما جئت لحاجة؟ قال: لا.
قال: ولا لتجارة؟
قال: لا.
قال: ولا جئت إلا لهذا؟(1/82)
قال: نعم.
قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض وكل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، وإن العلماء ورثة الأنبياء, إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
130- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن يونس الكديمي، نا عبد الله بن داود بن عامر، نا عاصم بن رجاء بن حيوة، نا داود بن جميل، عن كثير بن قيس، قال: كنت مع أبي الدرداء بمسجد دمشق فأتاه رجل، فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: ما جاء بك حاجة غيره، ولا جئت لتجارة، ولا جئت إلا فيه؟
قال: نعم.
قال: فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من سلك طريق علم سهل الله له طريقًا إلى طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن السموات والأرض لتستغفر له، والحوت في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم, فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
131- وأخبرنا عبد الوارث، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، قالا: نا أبو نعيم، نا عاصم بن رجاء، عمن حدثه عن كثير بن قيس، قال: كنت عند أبي الدرداء بدمشق فأقبل رجل من أهل المدينة فقال: جئتك في حديث بلغني عنك أنك تحدثه عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم.(1/83)
قال: ماجاء بك تجارة؟
قال: لا.
قال: ولا طلب حاجة؟ قال: لا.
قال: ولا جئت إلا في طلب هذا الحديث، وذكر مثله.
132- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد، نا أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، نا أبو نعيم الفضل بن دكين، نا عاصم بن رجاء بن حيوة، عمن حدثه عن كثير بن قيس، قال: كنت عند أبي الدرداء بدمشق، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإنه ليستغفر للعالم من في السموات والأرض حتى الحيتان في البحر، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر".
وأما قول حمزة أيضًا: إنه لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر بن بكر، فقد رواه عنه ابن المبارك على أني أقول: إن الأوزاعي لم يقمه وقد خلط فيه.
133- حدثنا عبد الله بن محمد، نا الحسن بن محمد، نا يعقوب بن سفيان، نا الحماني، نا ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن كثير بن قيس، عن يزيد بن سمرة، عن أبي الدرداء، عن النبي, صلى الله عليه وآله وسلم... بنحو ما تقدم.
ومن حديث الوليد بن مسلم، عن خالد بن يزيد، عن عثمان بن أيمن، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من غدا لعلم يتعلمه سهل الله له طريقًا إلى الجنة وفرشت له الملائكة أجنحتها، وصلت عليه حيتان البحر، وملائكة السماء، وللعالم على العابد من الفضل كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، والعلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، فمن(1/84)
أخذ به أخذ بالحظ الوافر، وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم"1.
134- أخبرني خلف بن أحمد، نا أحمد بن مطرف، نا أيوب بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة، قالا: أنا عبد الرحمن بن إبراهيم أبو زيد، قال: نا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: معلم الخير يستغفر له -أو يشفع له- كل شيء حتى الحيتان في البحر2.
135- وأخبرنا محمد بن رشيق، نا الحسن بن علي، نا علي بن أحمد بن سليمان، نا سلمة بن شبيب، قال: نا عبد الرزاق، نا معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: معلم الخير تصلي عليه دواب الأرض حتى الحوت في البحر.
136- حدثني خلف بن القاسم الحافظ، نا أبو علي بن السكن الحافظ، نا حاتم بن محبوب الهروي، نا سلمة بن شبيب، نا أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا موسى بن أعين، عن خالد بن أبي يزيد، عن خالد بن عبد الأعلى، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "علماء هذه الأمة رجلان: فرجل أعطاه الله علمًا فبذله للناس ولم يأخذ عليه صفرًا ولم يشتر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
ورواه من طريق عثمان بن أبي سودة, أيضًا: البيهقي في المدخل ص250-251. ورواه أيضًا ابن شاهين في الترغيب "214" ص231-232. وعنده وفي المطبوعة عثمان بن أيمن, والصواب: عثمان بن أبي سودة.
2 رواه الدارمي "343" 1/ 110-111، وابن أبي شيبة في المصنف "26113" 5/ 284، وأبو خيثمة في العلم "6" ص110-111، والبيهقي في المدخل "391" ص274-275، من طريق شمر بن عطية، عن ابن جبير، عن ابن عباس، وسنده حسن.
ورواه البيهقي في المدخل "390" ص274 من طريق الأعمش, عن رجل، عن سعيد بن جبير فأدخل بين الأعمش وابن جبير رجلًا مبهمًا. وقد روي مرفوعًا: رواه ابن شاهين "217"، وسنده ضعيف جدًّا، فيه حفص بن سليمان الأسدي: متروك. وانظر مجمع الزوائد 1/ 124.(1/85)
به ثمنًا، أولئك يصلي عليهم طير السماء وحيتان البحر ودواب الأرض والكرام الكاتبون.
ورجل آتاه الله علمًا فضن به عن عباده وأخذ به صفرًا واشترى به ثمنًا، فذلك يأتي يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار1".
137- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا سلمة بن رجاء، عن الوليد بن جميل، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير"2.
قال أبو عمر: الصلاة ههنا: الدعاء والاستغفار، وهو بمعنى قوله: الملائكة تضع أجنحتها, أي: تدعو، والله أعلم.
13 - باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمستمع العلم وحافظه ومبلغه:
138- قرأت على أبي القاسم أحمد بن عمر، أن عبد الله بن محمد بن علي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في الأوسط "7183" 8/ 92 نحوه. وسنده ضعيف، فيه: عبد الله بن خراش, ضعفوه، وشهر بن حوشب: ضعيف، وانظر مجمع الزوائد 1/ 124.
2 رواه الترمذي "2685"، وتمام في فوائده "69" 1/ 130-131، والطبراني في المجمع الكبير "7912" 8/ 278، وابن شاهين في الترغيب "215" ص232، وسنده ضعيف، الوليد بن جميل: قال أبو حاتم: شيخ روى عن القاسم أحاديث منكرة, وقال أبو داود: ما به بأس، وسلمة بن رجاء: ضعفه النسائي, وقال ابن معين: ليس بشيء, ومشاه أبو حاتم وأبو زرعة.
وانظر مجمع الزوائد 1/ 124-125.
ورواه الدارمي "289" 1/ 100 من طريق الوليد بن جميل، عن مكحول مرسلًا، وقد سبق ضمن حديث رقم "67".(1/86)
حدثهم، قال: ثنا محمد بن قاسم، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: ثنا عمرو بن مرزوق، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت عمر بن سليمان، يحدث عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه وبلغه غيره فرب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"1.
وقال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من كانت نيته الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له"1.
139- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا صالح بن حاتم بن وردان، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا شعبة، عن عمر بن سليمان، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان قريبًا من نصف النهار فقمت إليه فقلت: عن أي شيء سألك الأمير؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2656"، وأبو داود "3660"، وابن ماجه "230-4105"، والدارمي "229"، وأحمد في المسند 5/ 183، وفي الزهد 1/ 67، والنسائي في الكبرى "5847" 3/ 431، وابن أبي حاتم في مقدمة الجرح 1/ 1/ 11، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "352" ص120-121، وابن حبان "67-979"، والطحاوي في المشكل 2/ 232، وابن أبي عاصم في السنة "94"، وفي الزهد "163" ص62، والطبراني في الكبير "4890-4891" 5/ 143، و"4925" 5/ 154-155، والبيهقي في الاعتقاد ص245-246، وفي الآداب "1118" ص494-495، والبكري في الأربعين ص49-50-162-163، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص17-18، وفي الفقيه والمتفقه 2/ 71. والقاضي عياض في الإلماع ص12-13، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "3-4"، وأبو عمرو المديني في جزئه "9-10-11" ص24-25، والمزي في تهذيب الكمال 14/ 128، منهم من ذكره بطوله, ومنهم من اقتصر على جزئه الأول، ومنهم من اقتصر على جزئه الثاني, وانظر تفصيل ألفاظه في تخريجنا لسنن ابن ماجه "230".
وسنده صحيح إن شاء الله تعالى.(1/87)
فقال: سألني عن أشياء سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "نضر الله امرأ سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
قال أحمد بن زهير: عمر بن سليمان هذا الذي حدث عنه شعبة من ولد عمر بن الخطاب, رضي الله عنه.
قال أبو عمر: هو عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قتل أبوه سليمان يوم الحرة.
- قال أحمد بن زهير: وأخبرنا مصعب بن عبد الله، قال: عبد الرحمن بن أبان بن عثمان كان من خيار المسلمين وكان كثير الصلاة زعموا أنه صلى في مسجد له يومًا ثم نام فوجدوه ميتًا.
140- وقال أحمد بن زهير: حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: نا عبيد الله بن عمرو، عن ليث بن أبي سليم، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "نضر الله امرأً سمع منه حديثًا فأداه كما سمعه، فإنه رب حامل فقه غير فقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب المسلم" وذكر الحديث1.
141- أخبرنا عبد الله بن محمد، نا محمد بن بكر، نا أبو داود، نا مسدد، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن شعبة فذكر مثل حديث ابن زريع، عن شعبة بإسناده.
قال أبو عمر: روى هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عبد الله بن مسعود:
142- حدثنيه سعيد بن نصر، نا قاسم بن أصبغ. نا محمد بن إسماعيل، نا الحميدي، نا سفيان بن عيينة، قال: نا عبد الملك بن عمير غير مرة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في سنده ليث, وهو ضعيف، ولكنه يتقوى بما قبله وبما بعده.(1/88)
"نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم الجماعة، فإن الدعوة تحيط من ورائهم"1.
143- وأخبرنا خلف بن قاسم، نا الحسن بن رشيق، نا عبد الله بن محمد بن سلم، نا أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد النحوي، نا غندر، عن شعبة عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب مبلغ أوعى من سامع".
144- حدثنا سعيد بن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي، نا إبراهيم بن بكر بن عمران، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الأزدي الموصلي الحافظ بالموصل، قال: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، نا عبد الله بن محمد بن سالم المفلوج، نا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن الحارث العكلي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2657-2658"، والنسائي "4127"، وابن ماجه "232-3815-4157"، وأحمد 1/ 437، وابن أبي حاتم في الجرح 1/ 1/ 9-10، والحميدي "88"، وابن حبان "66-68-69"، والشافعي في الرسالة "1102"، وفي المسند 1/ 14، وأبو يعلى "5126-5296-5326"، والبزار "1519-1520-3350" "كشف الأستار".
وأبو نعيم في الحلية 7/ 331، وابن جميع ص83، والطبراني "10301"، وفي الأوسط "1326-5175"، والبيهقي في المعرفة 1/ 15-16-432، وفي الدلائل 1/ 23، والحاكم في المعرفة ص260، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "6-7-8"، والخليلي في الإرشاد 2/ 699، والقضاعي "1419-1420"، والخطيب في الموضح 2/ 294، وفي الكفاية 87-173، وفي شرف أصحاب الحديث ص18-19. والعلائي في بغية الملتمس ص33، والبغوي "112" 1/ 235-236، وأبو عمرو المديني في جزئه "1-2-4-5" ص16-19، من طرق عن ابن مسعود يصح بعضها ببعض. والله أعلم. وانظر ما بعده.(1/89)
- وذكر العقيلي، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الفريابي، وعبد الله بن حنبل، قالا: نا عبد الله بن محمد بن سالم المفلوج، قال: أخبرنا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد, عن الحارث العكلي, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -قال: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها، فإنه رب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقيه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
قال أبو عمر: وروى هذا الحديث أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أبو بكرة:
145- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، أن قاسمًا أخبرهم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، نا عبيد الله بن عمر، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، قال: نبئت أن أبا بكرة حدث قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بمنًى فقال: "ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإنه لعله أن يبلغه من هو أوعى له منه, أو من هو أحفظ له".
قال أبو بكرة: فقد كان هذا قد بلغه أقوام من هو أوعى له منهم1.
قال أحمد بن زهير: كذا قال أيوب عن محمد: نبئت أن أبا بكرة، وقال ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث أبي بكرة حديث طويل رواه بعضهم مطولًا, والآخر مقطعًا: رواه البخاري "67-105-1741-4406-5550-7078-7447"، ومسلم "1678"، وأبو داود "1947"، وابن ماجه "233"، والبخاري في خلق أفعال العباد "396-397"، وأحمد 5/ 4-37-49، والنسائي في الصغرى، وفي الكبرى "5850-5851" 3/ 432-433.
وابن حبان "3848-5973-5975". وفي المجروحين 1/ 15-16. والبيهقي في الدلائل 1/ 539، وفي السنن 5/ 14-265-266 و8/ 19-20 والنسائي في الصغرى، وفي الكبرى "5850-5851" 3/ 432-433، والقضاعي "1718"، والبغوي "1965" 7/ 215-216, وعياض في الإلماع ص14-15، وأبو عمرو المديني في جزئه "17-18-19-20-21" ص33-35، وابن أبي عاصم في الآحاد "1565" 3/ 208، والطبراني في الأوسط "963" 1/ 292.(1/90)
عون: عن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه.
146- حدثنا هوذة بن خليفة، نا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: "ليبلغ الشاهد الغائب, فرب مبلَّغ أوعى من مبلِّغ".
قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: أيوب ثبت وابن عون ثبت، وهو عبد الله بن عون بن أرطبان.
147- قال أحمد بن زهير: نا أبي، نا عبد الملك بن عمرو أبو عامر، عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: "ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع".
- قال أحمد بن زهير: ورأيت في كتاب علي بن المديني، قال يحيى بن سعيد القطان: قرة بن خالد من أثبت شيوخنا.
قال أبو عمر: وروى هذا الحديث أيضًا، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جبير بن مطعم:
148- أخبرني خلف بن أحمد قراءة مني عليه، أن أحمد بن مطرف حدثهم، نا أبو صالح أيوب بن سليمان، ومحمد بن عمر بن لبابة، قالا: نا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا أصبغ بن الفرج، نا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالخيف من منى يقول: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والطاعة لذوي الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث جبير بن مطعم: رواه أحمد 4/ 80-82، وابن ماجه "231-3056", وابن أبي حاتم =(1/91)
149- وحدثنا أحمد بن قاسم، نا قاسم بن أصبغ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، نا محمد بن عمر الواقدي، نا محمد بن إسحاق، عن الزهري، فذكر بإسناده مثله.
ورواه القدامي وهو: عبد الله بن محمد بن ربيعة خراساني، عن مالك، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه, عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مثله1. والقدامي: ضعيف، وله عن مالك أشياء انفرد بها لم يتابع عليها.
150- أخبرناه محمد بن علي بن عمر، نا أحمد بن نصر بن طالب، نا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1/ 1/ 10-11، وابن حبان في المجروحين 1/ 4-5، والحاكم في المستدرك 1/ 86-87، والدارمي "228"، والطحاوي في المشكل 2/ 232، والطبراني "1542-1543-1544"، والقضاعي "1421"، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص18, وتمام في الفوائد "104"، وأبو يعلى "7413-7414" 13/ 408-411، وأبو عمرو المديني في جزئه "14" ص29.
من طرق عن ابن إسحاق. وقد اختلف عنه:
أ- فرواه عيسى بن يونس، وسعيد بن يحيى، ويعلى وغيرهم عنه، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه.
ب- ورواه عبد الله بن نمير، عنه، عن عبد السلام بن أبي الجنوب، عن الزهري به.
جـ-ورواه يونس بن بكير، عنه، عن عمرو بن أبي عمرو، عن محمد بن جبير، عن أبيه.
د- ورواه إبراهيم بن سعد، عنه، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الرحمن بن الحويرث, عن محمد به.
وأغلب الظن أن هذا الاختلاف من ابن إسحاق نفسه.
لكن له طريق أخرى فيها متابعة لابن إسحاق:
فقد رواه الطبراني "1544" 3/ 127، والحاكم في المستدرك 1/ 87، من طريق نعيم بن حماد، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري به. فيرتقي بها الحديث مع ما تقدم لدرجة الحسن لغيره.
ورواه الدارمي "227" من طريق إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الرحمن بن الحويرث، عن محمد بن جبير به.
1 الواقدي: متهم بالكذب, ويغني عنه ما تقدم.(1/92)
محمد بن عبد الرحمن بن يونس، نا القدامي، ثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعن، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيف من منى، فقال: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لذوي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
ورواه أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنس:
151- وجدت في أصل سماع أبي بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم، نا سعيد بن عثمان، نا نصر بن مرزوق، نا أسد بن موسى، نا الوليد بن مسلم، نا معاذ بن رفاعة، قال: حدثني عبد الوهاب بن بخت، قال: حدثني أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مؤمن: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"1.
152- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، نا أبو بكر أحمد بن محمد بن سهل البغدادي المعروف ببكير أو ابن بكير الحداد بمكة، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، نا عبد الجبار بن عاصم، نا هانئ بن عبد الرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، نا عقبة بن وساج، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "نضر الله من سمع قولي ولم يزد فيه، وأداه إلى من لم يسمعه، ثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث أنس: رواه ابن ماجه "236"، وأحمد 3/ 225، وابن أبي حاتم 1/ 1/ 11، والطبراني في الأوسط "9440", وابن شاهين في الأفراد "80"، وأبو عمرو المديني في جزئه "36-37-38-40" ص47-50.
من طرق عن أنس بن مالك يرتقي بعضها ببعض. وانظر مجمع الزوائد 1/ 139، وتخريجنا لسنن ابن ماجه.(1/93)
لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم"1... وذكر مثله سواء.
قال أبو عمر: ورواه -أيضًا- عبد الله بن عمرو بن العاص:
153- أخبرنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، نا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، نا إسماعيل بن عياش، نا عبد العزيز بن عبيد الله، عن شهر بن حوشب، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "رب حامل فقه غير فقيه، ومن لم ينفعه فقهه ضره جهله"2.
ومن حديث أبي هريرة, قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من تعلم فريضة أو فريضتين فعمل بهما أو علمهما من يعمل بهما".
154- وحدثنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، قال: نا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا يحيى بن سليم، نا محمد بن مسلم الطائفي، عن محمد بن المنكدر وغيره, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أفاد المسلم أخاه فائدة أحسن من حديث حسن بلغه فبلغه"3.
155- أخبرنا عبد الله بن محمد، نا محمد بن بكر، نا أبو داود، نا زهير بن حرب ونا عثمان بن أبي شيبة، قالا: نا جرير، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم"4.
وفي هذا الحديث -أيضًا- دليل على تبليغ العلم ونشره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى هذه الطريق ابن عساكر في تاريخ دمشق ص421 "ترجمة أبي طالب عبد الجبار بن عصام", وأبو عمرو المديني في جزئه "40" ص50. وسنده حسن إن شاء الله تعالى.
2 سنده ضعيف، فيه:
1- عبد العزيز بن عبيد الله: ضعيف، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش. كما في التقريب ص299 "الرسالة".
2- شهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام. انظر التقريب 1/ 355، والكاشف 2/ 14-15، والتهذيب 4/ 369-372، والمغني 1/ 301.
3 سبق عقيب حديث رقم "72" ضمن شواهده.
4 رواه أبو داود "3659" 3/ 321-322، وأحمد 1/ 321 و4/ 340، والحاكم 1/ 95، وفي معرفة علوم الحديث ص60-67، وابن حبان "62" 1/ 263 "الإحسان"، والبيهقي في الدلائل 6/ 539، وفي الشعب 2/ 275، والقاضي عياض في الإلماع ص9-10، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "91-92"، وابن أبي حاتم في الجرح 1/ 8-9، والخطيب في شرف أصحاب الحديث "69-70"، والسخاوي في فتح المغيث ص217، ورجاله ثقات.(1/94)
14 - باب قوله صلى الله عليه وسلم من حفظ على أمتي أربعين حديثًا:
156- أخبرنا خلف بن قاسم، نا علي بن أحمد بن سعيد بن بكر، نا علي بن يعقوب بن سويد، نا إبراهيم بن عثمان بن سعيد بن منصور، نا محمد بن عوف بن سفيان الطائي، ويحيى بن عثمان بن كثير بن دينار، نا بقية، عن المعلى، عن السدي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من حمل من أمتي أربعين حديثًا, لقي الله يوم القيامة فقيهًا عالمًا"1.
قال أبو عمر: علي بن يعقوب بن سويد, ينسبونه إلى الكذب ووضع الحديث، وإسناد هذا الحديث كله ضعيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البكري في الأربعين ص43-44-45، وتمام في فوائده "101" 1/ 155-156، والنسوي في الأربعين "44" ص86، وابن عدي 5/ 56، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص20, وابن الجوزي في العلل "180-181-182-183" 1/ 125، من أربع طرق عن أنس:
1- في طريقه الأول: حفص بن جميع، ضعيف. انظر التهذيب 2/ 397، والخلاصة ص74, وابن أبي عياش: متروك. انظر الكامل 1/ 381-387، والتهذيب 1/ 97-101، والتقريب 1/ 31.
2- وفي طريقه الثاني: سليمان بن سلمة, وقد كذبوه.
3- وفي طريقه الثالث: نفيع بن الحارث, كذبه قتادة وقال النسائي والفلاس والدارقطني: متروك.
4- وفي طريقه الرابع: السدي, ضعفه جماعة.
وانظر العلل المتناهية 1/ 128-129.(1/95)
157- وأخبرنا أحمد بن عبد الله، نا مسلمة بن القاسم، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن حجر العسقلاني بعسقلان، قال: حدثنا أبو أحمد حميد بن مخلد بن زنجويه، نا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة حتى يؤديها إليهم كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة"1.
قال أبو عمر: هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث، ولكنه غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك، ومن رواه عن مالك فقد أخطأ عليه، وأضاف ما ليس من روايته إليه.
158- وحدثني خلف بن القاسم، نا أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي ببيت المقدس، نا أحمد بن جمهور، نا عمرو بن الحصين، نا أبو علاثة، نا حصيف، عن مجاهد، عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من حفظ على أمتى أربعين حديثًا فيما ينفعهم في أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة"2 يعني: فقيهًا عالمًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البكري في الأربعين ص33-34 من طريقين عن ابن عمر، وفي سند الأولى: يعقوب بن إسحاق العسقلاني: كذبه الحافظ الذهبي، انظر الميزان 4/ 449، واللسان 6/ 304-305، والمغني. وفي سند الثاني: مجاهيل.
انظر العلل المتناهية 1/ 124.
2 رواه البكري في الأربعين ص38-39، وابن الجوزي "169-170" 1/ 121-122، وأبو يعلى في مسنده، كما في إتحاف السادة، والسلفي في الأربعين "2" ص31, والرامهرمزي ص173, وابن عدي في الكامل 5/ 150 و6/ 222 و7/ 66، وابن عساكر في الأربعين في الحث على الجهاد ص48-49، والبيهقي في الشعب "21724" 2/ 2780.
وفي سنده: عمرو بن الحصين, كذبه جماعة. انظر التهذيب 8/ 21، والخلاصة ص244.
وابن علاثة: وثقه ابن معين, وتركه الدارقطني. وقال البخاري: في حفظه نظر. انظر التاريخ الكبير 1/ 1/ 132-133، والتهذيب 9/ 269-271، وانظر إتحاف السادة المتقين 1/ 75-76، والعلل المتناهية 1/ 127, وميزان الاعتدال 3/ 253 و3/ 595.(1/96)
159- وأخبرنا أحمد، أنا مسلمة، أنا يعقوب بن إسحاق المعروف بابن حجر، نا محمد بن أحمد بن عمر، قال: حدثنا أحمد بن صالح، نا علي بن عيسى، عن عمرو بن الأزهر، عن أبان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من مسلم يحفظ على أمتى أربعين حديثًا يعلمهم بها أمر دينهم إلا جيء به يوم القيامة فقيل له: اشفع لمن شئت"1.
160- وحدثنا أحمد، قال: حدثنا مسلمة، نا أبو الحسن يعقوب بن إسحاق العسقلاني، نا محمد بن أحمد بن عمر أبو عبد الله الطوسي، نا علي بن حجر، نا إسحاق بن نجيح، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة, كنت له شفيعًا يوم القيامة"2.
- ورواه ابن أبي رواد، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من تعلم أربعين حديثًا من أمر دينه, بعثه الله في زمرة الفقهاء والعلماء"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "156".
2 رواه ابن عدي في الكامل 1/ 330 و3/ 18، وتمام في فوائده "100" 1/ 155، وابن حبان في المجروحين 1/ 134، والرافعي في التدوين 4/ 125، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص20، والسلفي في الأربعين البلدانية "3" ص32، والنسوي في الأربعين "45" ص86، والبكري في الأربعين ص30-31، والقاضي عياض في الإلماع ص22-23، وابن عساكر في الأربعين "2-3" ص22-23، وابن الجوزي في العلل "175"، والذهبي في تذكرة الحفاظ 4/ 35.
وفي سنده: إسحاق بن نجيح, كذبه جماعة. انظر الميزان 1/ 200-201، وتذكرة الحفاظ 4/ 35.
3 رواه البكري ص32-33، وص35-36، وابن الجوزي في العلل "163" 1/ 120، والآجري في الأربعين ص134-135، والرامهرمزي ص173، والقاضي عياض في الإلماع ص19-22، وابن عساكر في "الأربعون البلدانية" "2" ص22. وفيه: محمد بن إبراهيم الشامي, اتهم بالكذب. انظر الميزان 3/ 446، والتهذيب 9/ 14، وانظر إتحاف السادة 1/ 76, والعلل المتناهية 1/ 126.(1/97)
161- وحدثني خلف بن القاسم، نا أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، نا سعدان بن نصر، نا خالد بن إسماعيل المدني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، رفعه قال: "من تعلم من أمتي أربعين حديثًا يفقه بها في دينه, كان فقيهًا عالمًا"1.
قال أبو علي بن السكن: خالد بن إسماعيل أبو الوليد المخزومي: منكر الحديث، روى عن هشام بن عروة وعبيد الله بن عمر وجماعة، أحاديث لا يتابع عليها.
قال أبو علي: وليس يروى هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من وجه ثابت2.
15 - باب جامع في فضل العلم:
162- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا الحسن بن محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا الحجاج بن نصر، نا هلال بن عبد الرحمن الحنفي، عن عطاء بن أبي ميمونة مولى أنس بن مالك، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وأبي ذر، قالا: باب من العلم يتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوع، وقالا: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على تلك الحال, مات وهو شهيد"3.
163- قال يعقوب: ونا الحجاج بن منهال، نا جرير بن حازم، قال: سمعت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "158".
2 انظر التلخيص الحبير 3/ 202 "المصرية", والعلل المتناهية فقد أوردها عن ثلاثة عشر من الصحابة وبين ضعفها 1/ 119-129, والأربعين للبكري ص28-46 فقد أوردها كذلك، والمقاصد الحسنة ص411، والنووي في فتاويه ص272-276، والأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر ص33، وإتحاف السادة 1/ 76، والأربعين البلدانية لابن عساكر ص25، وكشف الخفاء 2/ 323، والشعب للبيهقي 2/ 270-271، ومختصر إتحاف السادة المهرة 1/ 148.
3 سبق تخريجه برقم "85" ص61-62.(1/98)
حميد بن هلال، قال: سمعت مطرفًا يقول: فضل العلم خير من فضل العمل، وخير دينكم الورع1.
164- وحدثنا خلف بن جعفر، نا عبد الوهاب بن الحسن الدمشقي بدمشق، نا محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول ببيروت، نا إسحاق بن سويد، نا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم، نا يزيد بن ربيعة، نا ربيعة بن هرمز، عن واثلة بن الأسقع: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من طلب علمًا فأدركه كتب الله -عز وجل- له كفلين من الأجر، ومن طلب علمًا فلم يدركه كان له كفل من الأجر"2.
قال أبو عمر: أحاديث الفضائل تسامح العلماء قديمًا في روايتها عن كل، ولم ينتقدوا فيها كانتقادهم في أحاديث الأحكام، وبالله التوفيق3.
165- حدثني أحمد بن فتح، نا الحسن بن رشيق، نا الحسين بن حميد، نا محمد بن روح بن عمران القشيري، نا مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، عن عباد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه.
2 رواه الدارمي "335" 1/ 108-109، وأبو يعلى في مسنده كما في إتحاف السادة المهرة 1/ 141-142، وتمام في الفوائد "65" 1/ 127 "الروض البسام"، والطبراني في المعجم الكبير "165" 22/ 68، والقضاعي في مسند الشهاب "481" 1/ 292، وابن عساكر في تاريخه 65/ 171، والبيهقي في سننه 10/ 119، وابن حبان في المجروحين 3/ 38، والخطيب في الجامع "38" 1/ 135-136.
وسنده ضعيف جدًّا، واهٍ، فيه:
1- يزيد بن ربيعة: قال البخاري: حديثه مناكير. وقال الجوزجاني: أحاديث يزيد بن ربيعة أباطيل، أخاف أن تكون موضوعة.
انظر اللسان 6/ 286، والكامل 7/ 259، ومجمع الزوائد 1/ 123، والترغيب والترهيب 1/ 96، والمطالب العالية "3066"، والميزان 4/ 437.
2- قال في الميزان 4/ 437: والصحيح وقفه.
وأشار إلى ذلك ابن حبان في المجروحين 3/ 83.
3 سبق التعليق على هذا.(1/99)
عبد الصمد، عن أنس بن مالك، قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟
قال: "العلم بالله, عز وجل".
قال: يارسول الله، أي الأعمال أفضل؟
قال: "العلم بالله".
قال: يارسول الله، أسألك عن العمل، وتخبرني عن العلم؟
فقال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "إن قليل العمل ينفع مع العلم وإن كثير العمل لا ينفع مع الجهل"1.
وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن مسعود أيضًا بإسناد صالح2.
166- وأخبرنا -أيضًا- عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني المكي، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، نا أبو علي عبد الله بن جعفر الرازي، نا محمد بن سماعة، عن أبي يوسف، قال: سمعت أبا حنيفة -رحمه الله- يقول: حججت مع أبي سنة ثلاث وتسعين ولي ست عشرة سنة، فإذا شيخ قد اجتمع الناس عليه فقلت لأبي: من هذا الشيخ؟
فقال: هذا رجل قد صحب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقال له: عبد الله بن الحارث بن جزء، فقلت لأبي: فأي شيء عنده؟
قال: أحاديث سمعها من رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سنده ضعيف جدًّا، فيه:
محمد بن روح: منكر الحديث، وقوبل: ضعيف. وعباد: قال البخاري: منكر الحديث.
2 عزاه في مختصر إتحاف السادة المهرة 1/ 145, إلى أبي داود الطيالسي, وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي يعلى الموصلى. ثم قال: "وفي أسانيدهم عقيل الجعدي: وهو ضعيف" اهـ.
وعقيل: قال البخاري عنه: منكر الحديث. وانظر مجمع الزوائد 1/ 90 و1/ 162. ورواه الطبراني في الأوسط "4476"، وفي الصغير 1/ 223.(1/100)
فقلت لأبي: قدمني إليه حتى أسمع منه، فتقدم بين يدي وجعل يفرج الناس حتى دونت منه، فسمعته يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من تفقه في دين الله كفاه الله همه، ورزقه من حيث لا يحتسب"1.
قال أبو عمر: ذكر محمد بن سعد كاتب الواقدي أن أبا حنيفة رأى أنس بن مالك، وعبد الله بن الحارث بن جزء.
- وروى يحيى بن هاشم، عن مسعر بن كدام، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من غدا في طلب العلم صلت عليه الملائكة وبورك له في معيشته، ولم ينقص من رزقه، وكان علمه مباركًا"2.
167- أخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، أنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، نا محمد بن يزيد الرفاعي، نا يحيى بن اليمان، عن خارجة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن كعب، قال: ما خرج رجل في طلب علم إلا ضمن الله السموات والأرض رزقه3.
168- وأخبرنا خلف بن أحمد، نا أحمد بن سعيد، نا محمد بن أحمد، نا ابن وضاح، نا أحمد بن عمرو، قال: حدثني ابن أبي خيرة، نا عمرو بن أبي كثير، عن أبي العلاء، عن الحسن، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيا به الإسلام فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة ص25، والخوارزمي في جامع المسانيد 3/ 32، والخطيب في تاريخه 3/ 32. وسنده ضعيف جدًّا. انظر تخريج العراقي 1/ 16، وتنزيه الشريعة 1/ 271.
2 رواه ابن بشران 2/ 154، والعقيلي في الضعفاء 1/ 77، وابن الجوزي في العلل المتناهية "87" 1/ 73، وانظر الدر المنثور 5/ 612، وأورده الذهبي في الميزان 1/ 221، وانظر الأجوبة المرضية للسخاوي 3/ 1130. ويحيى بن هاشم: متروك، متهم بالكذب، وإسماعيل بن إسحاق الأنصاري: منكر الحديث، وفي المطبوعة: وكان عليه.
3 قلت: سنده ضعيف جدًّا: خارجة: متروك الحديث. ومحمد بن يزيد: ضعفوه. انظر الأجوبة المرضية للسخاوي 3/ 1130.(1/101)
واحدة"1.
169- وبهذا الإسناد عن الحسن، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "رحمة الله على خلفائي, ثلاث مرات".
قالوا: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟
قال: "الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله"2.
- وقد روي من حديث علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من تعلم العلم يحيي به الإسلام لم يكن بينه وبين الأنبياء إلا درجة"3.
- وروي -أيضًا- بهذا الإسناد مثل لفظ مرسل الحسن سواء، ومنهم من يرويه عن سعيد، عن أبي ذر مرفوعًا، وهو مضطرب الإسناد جدًّا.
170- حدثنا خلف بن قاسم، نا ابن شعبان محمد بن القاسم الفقيه القرطبي بمصر، نا إبراهيم بن عثمان، نا الحسن بن مكرم بن حسان، نا علي بن عاصم، قال: حدثنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: بلغني أنه إذا كان يوم القيامة توضع حسنات الرجل في كفة وسيئاته في الكفة الأخرى فتشيل حسناته، فإذا أيس وظن أنها النار جاء شيء مثل السحاب حتى يقع في حسناته فتشيل سيئاته، قال: فيقال له: أتعرف هذا من عملك؟ فيقول: لا.
فيقال: هذا ما علمت الناس من الخير، فعمل به من بعدك. قال: فسمعني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ص75 عقيب حديث رقم "115".
2 انظر ما سبق.
ورواه مرفوعًا عن علي: القاضي عياض في الإلماع ص17، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 81، والطبراني في الأوسط "5842"، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "2" ص163، وهو حديث موضوع. المتهم به أحمد بن عيسى, انظر نصب الراية 1/ 348, وشرح الإحياء 1/ 117، والميزان 1/ 126-127.
3 هذا ضمن الخلاف في الحديث السابق.(1/102)
رجل من أهل الحديث فذكر أن حماد بن زيد كتب هذا الحديث عن أبي حنيفة فشككت فيه حتى حدثوني به عن مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن زيد، قال: حدثني أبو حنيفة... وذكر الحديث.
171- وحدثنا محمد بن عبد الله، نا محمد بن معاوية، نا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي بالبصرة، نا مسلم بن إبراهيم، نا حماد بن زيد، نا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَة} [الأنبياء: 47] قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فتخف، فيجاء بشيء أمثال الغمام -أو قال: مثل السحاب- فيوضع في كفة ميزانه فيرجح، فيقال له: أتدري ما هذا؟ فيقول: لا.
فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس أو نحو هذا.
172- وأخبرنا أبو القاسم أحمد بن فتح بن عبد الله -رحمه الله- نا حمزة بن محمد بمصر، نا محمد بن جعفر ابن الإمام البغدادي، نا إسحاق بن أبي إسرائيل، نا حماد بن زيد، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم قال: بلغني أنه توضع موازين القسط يوم القيامة فيوزن عمل الرجل فيخف، فيجاء بشيء مثل الغمام أو السحاب فيوضع في ميزانه فيرجح فيقال له: أتدري ما هذا؟ فيقول: لا.
فيقال: هذا من علمك الذي علمته الناس فعملوا به وعلموه من بعدك.
173- حدثنا خلف بن قاسم، نا محمد بن القاسم بن شعبان، نا إبراهيم بن عثمان، نا حماد بن عمرو بن نافع، نا نعيم بن حماد، نا وكيع، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: لا أعلم من العبادة شيئًا أفضل من أن يعلم الناس العلم1.
174- أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، حدثني أبي، نا محمد بن عمر بن لبابة، قال: سمعت العتبي محمد بن أحمد، يقول: حدثني سحنون بن سعيد، أنه رأى عبد الرحمن بن القاسم في النوم فقال له: ما فعل بك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل "471" ص309. وعنده: محمد بن عمرو بن نافع، وانظر حلية الأولياء 6/ 261-268، وشرف أصحاب الحديث ص80-81.(1/103)
ربك؟ فقال: وجدت عنده ما أحببت.
فقال له: أي أعمالك وجدت أفضل؟
قال: تلاوة القرآن.
قال: قلت له: فالمسائل؟ فكان يشير بأصبعيه يلشيها قال: فكنت أسأله عن ابن وهب، فيقول لي: هو في عليين.
175- وأخبرنا أبان، أنا مسلمة بن القاسم، نا أسامة بن علي بن سعيد يعرف بابن عليك، نا محمد بن حماد، نا جعفر بن بسام، عن حبيش بن مبشر، قال: رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت: يا أبا زكريا، ما صنع بك ربك؟ قال: زوجني مائة حوراء وأدناني، وأخرج من كمه رقاعًا كان فيها حديث، فقال بهذا.
176- حدثنا خلف بن القاسم، نا أبو عبد الله محمود بن محمد الوراق، نا أحمد بن مسعدة، نا محمد بن حماد المصيصي، نا أحمد بن القاسم، نا أحمد بن أبي رجاء، قال: سمعت أبي يقول: رأيت محمد بن الحسن في المنام، فقلت: إلى ما صرت؟ قال: غفر لي، ثم قيل لي: لم نجعل هذا العلم فيك إلا ونحن نريد أن نغفر لك.
قال: قلت: وما فعل أبو يوسف؟ قال: فوقنا بدرجة.
قلت: وأبو حنيفة؟ قال: في أعلى عليين.
177- حدثنا أحمد بن فتح، نا حمزة، نا عاصم بن عتاب، قال: سمعت زيد بن أخزم، يقول: سمعت عبد الله بن داود، يقول: إذا كان يوم القيامة -وعزل الله عز وجل العلماء عن الحساب- فيقول: ادخلوا الجنة على ما كان فيكم، إني لم أجعل حكمتي فيكم إلا لخير أردته بكم1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل "568" ص344 عن عبد الله بن داود، عن أبي عمرو الصغاني قوله.
وفي الباب عن ابن عباس: رواه ابن شاهين في الترغيب "211" ص230، وعن ثعلبة: رواه البيهقي في المدخل "568" ص344 ثم قال: ولا أراه محفوظًا. وانظر ما بعده.(1/104)
وزاد غيره في هذا الخبر: إن الله يحشر العلماء يوم القيامة في زمرة واحدة حتى يقضي بين الناس ويدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ ثم يدعو العلماء فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع حكمتي فيكم وأنا أريد أن أعذبكم، قد علمت أنكم تخلطون من المعاصي ما يخلط عليكم فسترتها عليكم وقد غفرتها لكم، وأنا كنت أعبد بفُتياكم وتعليمكم عبادي، ادخلوا الجنة بغير حساب، ثم قال: لا معطي لما منع الله، ولا مانع لما أعطى الله".
وقد روي نحو هذا المعنى بإسناد مرفوع متصل:
178- أخبرناه عبد الرحمن بن مروان، نا أحمد بن سليمان، نا طاهر بن محمد بن الحكم، نا هشام بن عمار، نا منبه بن عثمان، عن صدقة، عن طلحة بن يزيد، عن موسى بن عبيدة، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "يبعث الله العباد يوم القيامة، ثم يميز العلماء، ثم يقول لهم: يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم لأعذبكم، اذهبوا فقد غفرت لكم"1.
179- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا محمد بن عثمان، نا يعقوب بن سفيان، نا أبو كلثم سلامة بن بشر بن بديل العدوي الدمشقي، نا صدقة بن عبد الله، نا طلحة بن زيد، عن موسى بن عبيدة، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "يبعث الله العباد يوم القيامة، ثم يميز العلماء فيقول: يا معشر العلماء إني لم أضع فيكم علمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل "567" ص343 -344 ثم قال: "قال أبو أحمد: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل" وجعل الحمل فيه على طلحة بن زيد؛ لأن الراوي عنه صدقة بن عبد الله، وإن كان ضعيفًا فابن شابور ثقة، وقد رواه عنه. اهـ.
قلت: وموسى: ضعيف. وانظر مجمع الزوائد 1/ 126 ورواه الفسوي في المعرفة 3/ 402، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 263، وابن عدي في الكامل 4/ 111، والطبراني في الصغير 1/ 213.(1/105)
إلا لعلمي بكم، ولم أضع علمي فيكم لأعذبكم، انطلقوا فإني قد غفرت لكم"1.
180- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبع، نا أحمد بن زهير بن الأصفهاني، قال: أنا عفيف بن سالم الموصلي، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، في قوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] قال: في العلم2.
- وينسب إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من قوله, وهو مشهور من شعره، سمعت غير واحد ينشده له:
الناس في جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
فإن يك لهم من أصلهم حسب يفاخرون به: فالطين والماء
ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال أسماء
وضد كل امرئ ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء
- وروى عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "أوحى الله -عز وجل- إلى إبراهيم عليه السلام: يا إبراهيم إني عليم، أحب كل عليم".
181- وأنشدني أبو القاسم أحمد بن عمر بن عبد الله بن عصفور -رحمه الله- لنفسه، شعره هذا في العلم، وهو أحسن ما قيل في معناه:
مع العلم فاسلك حيث ما سلك العلم وعنه فكاشف كل من عنده فهم
ففيه جلاء للقلوب من العمى وعون على الدين الذي أمره حتم
فإني رأيت الجهل يزري بأهله وذو العلم في الأقوام يرفعه العلم
يعد كبير القوم وهو صغيرهم وينفد منه فيهم القول والحكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الحديث السابق.
2 انظر تفسير الطبري 8/ 94، والوسيط 3/ 112، ومعالم التنزيل 3/ 119-120، وزاد المسير 5/ 48.(1/106)
وأي رجاء في امرئ شاب رأسه وأفنى سنيه وهو مستعجم فدم1
يروح ويغدو الدهر صاحب بطنة تركب في أحضانها اللحم والشحم
إذا سئل المسكين عن أمر دينه بدت رحضاء العي في وجهة تسمو
وهل أبصرت عيناك أقبح منظر من أشيب لا علم لديه ولا حكم2
هي السوءة السوءاء فاحذر شماتها فأولها خزي وآخرها ذم
فخالط رواة العلم واصحب خيارهم فصحبتهم زين، وخلتطهم غنم
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم نجوم إذا ما غاب نجم بدا نجم
فوالله لولا العلم ما اتضح الهدى ولا لاح من غيب الأمور لنا رسم
182- أنشدنا محمد بن خليفة، قال: أنشدنا محمد بن الحسين، قال: أنشدنا عبد الله بن محمد العطشي، قال: أنشدنا عمر بن محمد بن محمد بن عبد الحكم لبعض الحكماء:
بنور العلم يكشف كل ريب ويبصر وجه مطلبه المريد
فأهل العلم في رحب وقرب لهم مما اشتهوا أبدًا مزيد
إذا عملوا بما علموا فكل له مما ابتغاه ما يريد
فإن سكتوا ففكر في معاد وإن نطقوا فقولهم سديد
183- حدثنا خلف بن أحمد، نا أحمد بن سعيد، نا محمد بن أحمد، نا ابن وضاح، نا أبو نعيم، عن عطاء بن مسلم، عن أبي المليح، قال: سمعت ميمون بن مهران، يقول: العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بغيتي إذا لم أجدهم وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: بعيد الفهم غير فطن.
2 في نسخة: ولا حلم.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 85.
وفي المطبوعة: بنفس العلماء.
وانظر تهذيب الكمال 35/ 355، والنووي في تهذيب الأسماء 2/ 623.(1/107)
- وقال سابق البلوي المعروف بالبربري في قصيدة له:
والعلم يجلو العمي عن قلب صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها ولا البصير كأعمى ما له بصر
184- أخبرنا أحمد، نا مسلمة، نا محمد بن خالد بن يزيد البرذعي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصاري المعروف, بابن أبي الخناجر، يقول: كنا على باب محمد بن مصعب القرقسائي جماعة من أهل الحديث وفينا رجل عراقي بصير بالشعر، ونحن نتمنى أن يخرج إلينا فيحدثنا حديثًا واحدًا أو حديثين، إذ خرج إلينا فقال: قد خطر على قلبي بيت من الشعر فمن أخبرني لمن هو حدثته ثلاثة أحاديث، فقال الفتى العراقي: يرحمك الله, أي بيت هو؟ فقال الشيخ:
العلم فيه حياة للقلوب كما تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
فقال الفتى: هو لسابق البربري.
فقال الشيخ: صدقت, فما بعده؟ فقال:
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه كما يجلي سواد الظلمة القمر
فقال الشيخ: صدقت فحدثه ستة أحاديث سمعناها معه.
185- أخبرني عبد الرحمن بن يحيى، نا علي بن محمد، نا أحمد بن داود، نا سحنون بن سعيد، نا ابن وهب، نا ابن أنعم، عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلسين في مسجده, أحد المجلسين يدعون الله، ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه، فقال رسول الله: "كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من الآخر صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل، وإنما بعثت معلمًا"، ثم أقبل فجلس معهم1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "349" 1/ 111-112، والطيالسي في مسنده "2251" ص298، والبزار في =(1/108)
- وقال ابن وهب: وحدثني عبد الرحمن بن شريح، قال: سمعت عبيد الله بن أبي جعفر، يقول: العلماء منار البلاد منهم يقتبس النور الذي يهتدى به.
186- حدثني خلف بن قاسم، نا الحسن بن رشيق، نا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، نا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا قرة، ثنا عون، قال: قال ابن مسعود: نعم المجلس مجلس تنشر فيه الحكمة وتجرى فيه الرحمة1.
187- قال: وحدثنا علي بن عبد العزيز، نا سعيد بن منصور، نا خالد بن عبد الله، عن هشام، عن الحسن، قال: من طلب الحديث يريد به وجه الله كان خيرًا مما طلعت عليه الشمس.
188- قال: ونا علي، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي، نا هشام بن يوسف،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مسنده "2458" 6/ 428، والحارث في مسنده "40" 1/ 185 "زوائده"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 11، والطبراني في المعجم الكبير "125" ص51 "التكملة"، وابن المبارك في الزهد "1388"، والبيهقي في المدخل "462" ص306.
وسنده ضعيف، فيه:
1- عبد الرحمن بن رافع: ضعيف. انظر التقريب 1/ 479، والمغني 2/ 379، والكاشف 2/ 145.
2- ابن أنعم: ضعيف، وهو مدلس. انظر طبقات المدلسين ص143، والميزان 2/ 561، 564، والتقريب 1/ 480، والتهذيب 6/ 173-176.
ورواه ابن ماجه "229"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 11 من طريق ابن أنعم، عن عبد الله بن يزيد، عن ابن عمرو.
وفي سنده: داود بن الزبرقان: متروك. انظر تهذيب الكمال 8/ 392-396, والتقريب 1/ 231, وابن أنعم: ضعيف, وقد سبق قريبًا.
1 رواه الدارمي "287" 1/ 99، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "8925" 9/ 211.
من طريق عون، عن ابن مسعود. وفي مجمع الزوائد 1/ 167: "وإسناده حسن". ولكن فيه عون بن عبد الله: لم يسمع من ابن مسعود.
انظر جامع التحصيل "249"، وتهذيب الكمال 22/ 453، وتحفة التحصيل ص251.(1/109)
عن معمر، عن الزهري، قال: ما عبد الله بمثل العلم1.
189- قال: ونا علي، قال: أخبرنا الزبير بن بكار، نا إبراهيم بن حمزة، عن إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس، قال: قال لي عمر مولى غفرة: يا إسحاق عليك بالعلم فإنه لا يعدمك منه كلمة تدل على هدى أو أخرى تنهى عن ردى.
190- وأخبرني عبد الرحمن بن يحيى قراءة مني عليه، أن أبا الحسن علي بن محمد بن مسرور حدثهم، نا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي عبيد، عن ابن سيرين، قال: دخلت المسجد والأسود بن سريع يقص وقد اجتمع أهل المسجد وفي ناحية أخرى من المسجد حلقة من أهل الفقه يتحدثون بالفقه ويتذاكرون، فركعت ما بين حلقة الذكر وحلقة الفقه، فلما فرغت من السبحة قلت: لو أني أتيت الأسود بن سريع فجلست إليه فعسى أن يصيبهم إجابة أو رحمة فتصيبني معهم، ثم قلت: لو أتيت الحلقة التي يتذاكرون فيها الفقه فتفقهت معهم لعلي أسمع كلمة لم أسمعها فأعمل بها، فلم أزل أحدث نفسي بذلك وأشاورها حتى جاوزتهم فلم أجلس إلى واحد منهم وانصرفت، فأتاني آت في المنام فقال: أنت الذي وقفت بين الحلقتين؟
قلت: نعم.
قال: أما إنك لو أتيت الحلقة التي يذاكرون فيها الفقه لوجدت جبريل معهم.
- ولما حضرت معاذ بن جبل -رضي الله عنه- الوفاة قال لجاريته: ويحك هل أصبحنا؟ قالت: لا، ثم تركها ساعة، ثم قال: انظري، فقالت: نعم. فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار، ثم قال: مرحبًا بالموت، مرحبًا بزائر جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، ولظمأ الهواجر في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه، وانظر شعب الإيمان 4/ 169.(1/110)
الحر الشديد، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر1.
191- حدثنا خلف بن القاسم، نا محمد بن أحمد بن كامل، نا محمد بن الحارث، نا محمد بن عمرو، نا محمد بن حسين، نا يعقوب بن إبراهيم الضرير، نا عمار بن الواهب -وكان من العاملين لله عز وجل في دار الدنيا- قال: رأيت مسكينة الطقاوية في منامي, وكانت من المواظبات على حلق الذكر, قلت: مرحبًا يا مسكينة، قالت: هيهات ذهبت والله ياعمار المسكنة وجاء الغناء الأكبر.
قلت: هيه.
قالت: عم تسأل؟ عمن أتيح له الجنة بحذافيرها فتذهب حيث شاءت.
قال: قلت: بم ذلك؟
قالت: بمجالس الذكر، والصبر على الفقر.
192- أخبرنا أحمد بن عبد الله، نا مسلمة، نا يعقوب بن إسحاق العسقلاني، حدثنا محمد بن أحمد بن عمير بن سنان، قال: أنا حسين بن منصور النيسابوري، قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم الهاشمي، نا الحكم بن عبيد الله، نا عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "العالم أمين الله في الأرض"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد "1008" ص265، وابن أبي الدنيا في المحتضرين "127" ص110-111، وأبو نعيم في الحلية 1/ 239، وانظر إحياء علوم الدين 4/ 698، وصفة الصفوة 1/ 501. وفي سنده رجل مبهم.
2 رواه الديلمي في الفردوس "4036" 3/ 101، وأبو يعلى، كما في فيض القدير 4/ 370، قال العراقي: وسنده ضعيف. كما في فيض القدير 4/ 370. وانظر كشف الخفاء 2/ 114.
قلت: فيه يعقوب العسقلاني: كذاب، وعيسى بن إبراهيم: متروك.
وفي الباب: عن عثمان: عن الديلمي "4030" 3/ 100.
2- وأنس: رواه الديلمي "4029" 3/ 100، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 262-263، وانظر تنزيه الشريعة 1/ 267، وفيض القدير 4/ 382.(1/111)
193- وحدثنا إبراهيم، بن شاكر، نا عبد الله بن محمد بن عثمان، نا سعيد بن خمير، وسعيد بن عثمان، قالا: نا أحمد بن عبد الله بن صالح، نا روح بن عبادة، نا هشام، عن الحسن، في قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} [البقرة: 200] قال: العلم والعبادة {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَة} قال: الجنة1.
194- وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، نا أبو محمد الحسن بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر الجلاد، نا محمد بن إسماعيل الصائغ، نا سنيد، قال: نا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين وهشام بن حسان، جميعًا عن الحسن، في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} [البقرة: 201] قال: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة، والحسنة في الآخرة: الجنة2.
- وقال ابن وهب: سمعت سفيان الثوري، يقول: الحسنة في الدنيا الرزق الطيب والعلم، والحسنة في الآخرة الجنة3.
195- وحدثني محمد بن رشيق قراءة عليه مني، أن الحسن بن علي بن داود حدثهم، قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن جابر، نا أبو بكر ابن أبي الدنيا، نا هاشم بن الوليد، نا فضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن: أن الرجل ليتعلم الباب من العلم فيعمل به خير من الدنيا وما فيها.
- وروى عبد الملك بن عبد ربه الطائي، عن عطاء بن يزيد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "3488" 5/ 522، والبيهقي في الشعب "1887" 2/ 306، والآجري في أخلاق العلماء "50" ص37، والطبري في تفسيره 2/ 312، وابن أبي حاتم "1879" 2/ 358، و"1884" 2/ 359. وانظر الدر المنثور 1/ 234. وهشام بن حسان: في روايته عن الحسن مقال. فقد قيل: إنه لم يسمع منه. انظر التهذيب 11/ 35.
2 رواه الطبري في تفسيره 2/ 312، وابن أبي حاتم "1879" 2/ 358.
3 رواه الطبري في تفسيره "3884" 2/ 312, وتفسير سفيان الثوري ص65، وانظر تفسير ابن أبي حاتم "1880" 2/ 358.(1/112)
قال: "من حدث بحديث فعمل به كان له أجر ذلك"1.
- وروينا عن عبد الله بن مسعود من طرق أنه كان يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم: مرحبًا بينابيع الحكمة ومصابيح الظلم خلقان الثياب جدد القلوب حبس البيوت ريحان كل قبيلة2.
196- وحدثنا أحمد بن عبد الله، نا مسلمة بن القاسم، نا يعقوب بن إسحاق، نا محمد بن أحمد بن عمير، نا سريج بن يونس البغدادي، نا أبو قطن عمرو بن الهيثم:
وحدثنا أحمد، حدثنا مسلمة، نا يعقوب، نا محمد بن سليمان بن هشام، عن أبي قطن, عن أبي حرة، عن الحسن، قال: العالم خير من الزاهد في الدنيا المجتهد في العبادة.
قال ابن عمير: وزادني أبو عبد الله محمد بن أسلم في حديث الحسن هذا ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله3.
- وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: لا يزال الفقيه يصلي, قالوا: وكيف يصلي؟ قال: ذكر الله تعالى قلبه ولسانه.
197- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أنا يحيى بن مالك بن عائذ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زكريا، قال: أنا أحمد بن سعيد بن عبد الله الدمشقي، نا الزبير بن بكار، نا أبو الحسن المدائني، قال: خطب زياد ذات يوم على منبر الكوفة، فقال: أيها الناس, إني بت ليلتي هذه مهتمًّا بخلال ثلاث: بذي العلم, وبذي الشرف، وبذي السن، رأيت أن أتقدم إليكم فيهن بالنصيحة: رأيت إعظام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في المدخل ص86-87. وفي سنده عبد الملك الطائي: منكر الحديث. انظر الميزان 2/ 658، واللسان 4/ 66.
2 رواه الدارمي "256" 1/ 92، وسيأتي الحكم عليه وباقي طرقه عقيب حديث رقم "488" ص249، نحوه.
3 انظر الزهد للإمام أحمد ص279.(1/113)
ذوي الشرف، وإجلال ذوي العلم وتوفير ذوي الأسنان، والله لا أوتى برجل رد علي ذي علم ليضع بذلك منه إلا عاقبته، ولا أوتى برجل رد على ذي شرف ليضع بذلك منه شرفه إلا عاقبته، ولا أوتى برجل رد على ذي شيبة ليضعه بذلك إلا عاقبته، إنما الناس بأعلامهم، وعلمائهم، وذوي أسنانهم.
- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس منا: من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا, يعني: حقه"1.
198- حدثنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، نا الحوطي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بكر بن زرعة الخولاني، عن لقمان بن عامر، عن أبي عتبة الخولاني، قال: رب كلمة خير من إعطاء المال.
199- قال: وأخبرنا الحوطي، قال حدثنا أبو حيوة شريح بن يزيد، عن أبي سبأ عتبة بن تميم، عن أبي عمير الصوري إبان بن سليم قال: كلمة حكمة لك من أخيك خير لك من مال يعطيك؛ لأن المال يطغيك والكلمة تهديك2.
- وقال صالح المري: سمعت الحسن -يعني: البصري- يقول: الدنيا كلها ظلمة إلا مجالس العلماء.
200- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير، نا عبد الجبار بن عاصم، نا أبو المليح، عن ميمون، قال: إن مثل العالم في البلد كمثل عين عذبة في البلد.
- وروينا عن عبد الله بن المبارك أنه قال: خير سليمان بن داود بين الملك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أحمد في المسند 5/ 323، والبيهقي في المدخل "666" ص383 عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: "ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا".
والطبراني في الكبير "7922" 8/ 281، والحاكم 1/ 122، وابن أبي الدنيا في العيال "185" 1/ 347. وفي مجمع الزوائد 8/ 14: "وإسناده حسن". وله شواهد كثيرة: انظر الإحسان 2/ 203-204، والعيال 1/ 346-350.
2 رواه البيهقي في الشعب "1763" 2/ 280.(1/114)
والعلم فاختار العلم، فأتاه الله الملك والعلم معه باختياره العلم.
201- وجدت في كتاب أبي -رحمه الله- بخطه: أنشدنا أبو عمر أحمد بن سعيد لبعض الأدباء:
رأيت العلم صاحبه شريف وإن ولدته آباء لئام
وليس يزال يرفعه إلى أن يعظم قدره القوم الكرام
ويتبعونه في كل أمر كراع الضأن تتبعه السوام
ويحمل قوله في كل أفق ومن يك عالمًا فهو الإمام
فلولا العلم ما سعدت نفوس ولا عرف الحلال ولا الحرام
فبالعلم النجاة من المخازي وبالجهل المذلة والرغام
هو الهادي الدليل إلى المعالي ومصباح يضيء به الظلام
كذاك عن الرسول أتى عليه من الله التحية والسلام
- وفي رواية أخرى:
وإن طلابه حق على من له عقل وليس به سقام
فإما عالمًا تغدو وإما إلى التعليم يخرجك اغتنام
وسائر ذاك من لا خير فيه ومن يك عالمًا فهو الإمام
كذاك عن النبي أتى عليه من الله التحية والسلام
وهذه الأبيات نسبها بعض الناس إلى منصور بن الفقيه، وليست له، وإنما هي لبكر بن حماد صحيحة، وأنشدناها عنه جماعة.
202- وحدثنا أبو عبد الله عبيد بن محمد، نا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن القاضي القلزمي، نا محمد بن أيوب بن يحيى القلزمي، نا عبيد الله بن محمد بن خنيس الكلاعي بدمياط، حدثنا موسى بن محمد بن عطاء القرشي، قال: حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن الحسن، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة،(1/115)
ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الإخلاء، يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وأئمة، تقتص آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل والعمل تابعه، ويلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء"1.
هكذا حدثنيه أبو عبد الله عبيد بن محمد -رحمه الله- مرفوعًا بالإسناد المذكور، وهو حديث حسن جدًّا، ولكن ليس له إسناد قوي.
ورويناه من طرق شتى موقوفًا منها:
203- ما حدثنيه أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى، نا أحمد بن مطرف، نا سعيد بن عثمان الأعناقي، نا عبد الله بن محمد بن خالد، نا علي بن معبد، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في سنده: عبد الرحيم بن زيد العمي: كذبه ابن معين. انظر التقريب 1/ 504، والتهذيب 6/ 305-306، والمجروحين 2/ 161-162، والكامل 5/ 281-283، والضعفاء للعقيلي 3/ 78-79، والعلل لابن أبي حاتم 1/ 250، وزيد العمي: ضعيف. انظر الضعفاء للعقيلي: 2/ 74، والكاشف 1/ 265، والتقريب 1/ 274.
وموسى بن محمد: متهم.
ثم اختلف في رفعه ووقفه.
فرواه موقوفًا الآجري في أخلاق العلماء "42" ص31-32، وأبو نعيم في الحلية 1/ 239.
وابن عبد البر,كما سيأتي.
وفي سنده: نوح بن أبي مريم: متهم بالكذب والوضع.(1/116)
حدثني موسى، قال: سمعت هاشم بن مخلد، قال: سمعت أبا عصمة نوح بن أبي مريم، يحدث عن رجاء بن حيوة، عن معاذ بن جبل، قال: تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية... وذكر الحديث بحاله سواء موقوفًا على معاذ1.
204- حدثنا خلف بن القاسم، نا أحمد بن الحسين بن عتبة الرازي، نا هارون بن كامل، نا علي بن معبد، قال: رأيت في المنام كأن أصحاب الحديث عندي وأنا أذم طلاب الحديث كما كنت أذمهم في اليقظة، فكنت أتكلم فيهم فجاءني شيخ أبيض الرأس واللحية فقام بين يدي ورفع يديه، وقال: قال ابن مسعود: يرفع حجاب ويوضع حجاب لطالب العلم حتى يصل إلى الرب, عز وجل.
205- أخبرنا عبد الله بن محمد، نا إسماعيل بن محمد، نا إسماعيل بن إسحاق، نا نصر بن علي الجهضمي، نا خالد بن يزيد، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"2.
206- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، نا إسحاق بن إبراهيم بن النعمان بالقيروان، نا أبو بكر محمد بن علي بن مروان البغدادي بالإسكندرية، نا الحسن بن الربيع، قال: قال ابن المبارك: قال لي سفيان الثوري: ما يراد الله -عز وجل- بشيء أفضل من طلب العلم، وما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه الترمذي "2647"، والطبراني في المعجم الصغير 1/ 136 "382"، والعقيلي في الضعفاء 2/ 17، والآجري في أخلاق العلماء "48" ص35-36، وأبو نعيم في الحلية 10/ 290، وابن شاهين في الترغيب 212 ص230، والبيهقي في المدخل "371" ص264.
وسنده ضعيف؛ فيه:
1- أبو جعفر الرازي: صدوق، سيئ الحفظ، انظر التهذيب 12/ 56-57، والتقريب 2/ 406.
2- وخالد بن يزيد: صدوق يهم، كما في التقريب 1/ 220.
3- وأشار الترمذي عقيبه إلى اختلاف في وقفه ورفعه.(1/117)
طلب العلم في زمان أفضل منه اليوم1.
207- وحدثاني قالا: نا أحمد بن سعيد، نا إسحاق بن إبراهيم، نا محمد بن علي بن مروان، نا محمد بن السابق، نا زائدة، عن هشام، عن الحسن، قال: إن كان الرجل ليصيب الباب من أبواب العلم فينتفع به فيكون خيرًا له من الدنيا لو جعلها في الآخرة2.
قال أبو عمر: حسبك بقوله: لو جعلها في الآخرة.
208- وحدثاني قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، نا إسحاق بن إبراهيم، نا محمد بن علي، حدثني عبد الله بن الضحاك، أن عبد الرزاق قال: سمعت سفيان يقول لرجل من العرب: ويحكم اطلبوا العلم، فإني أخاف أن يخرج العلم من عندكم فيصير إلى غيركم فتذلون، اطلبوا العلم فإنه شرف في الدنيا وشرف في الآخرة3.
209- قال: وحدثنا محمد بن علي، قال: سمعت خالد بن خداش البغدادي ثقة، قال: ودعت مالك بن أنس، فقلت: يا أبا عبد الله أوصني.
فقال: عليك بتقوى الله في السر والعلانية والنصح لكل مسلم، وكتابة العلم من عند أهله4.
210- أنشدني أبو بكر قاسم بن مروان الوراق لنفسه:
ما لي بقيت وأهل العلم قد ذهبوا عنا وراحوا إلى الرحمن وانقلبوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى نحوه البيهقي في المدخل "471" ص309، ورواه "472" ص309، والخطيب في تاريخه 10/ 160 عن ابن المبارك قوله. وانظر شرف أصحاب الحديث ص81، والحلية 6/ 365-368، وسيأتي برقم "221".
2 رواه أحمد في الزهد ص261، وابن المبارك في الزهد "79" ص26-27، والدارمي "385" 1/ 118-119، والآجري في أخلاق العلماء "104" ص59-60، وابن حبان في روضة العقلاء ص39-40، والبيهقي في المدخل "502" ص321. وقد مر أن هشام: اختلف في ساعة من الحسن. انظر التهذيب 11/ 35.
3 رواه في الحلية 6/ 368.
4 رواه في الحلية 6/ 319.(1/118)
أصبحت بعدهم شيخًا أخا كبرٍ كالسلك تعتادني الأسقام والوصب
صحبتهم وزمام الطرف يجمعنا دهرًا دهيرًا فزانوا كل من صحبوا
في قصيدة طويلة يذكر قومًا من فقهاء قرطبة سلفوا -رحمهم الله- وفي شعره ذلك:
والعلم زين وتشريف لصاحبه أتت إلينا بذا الأنباء والكتب
والعلم يرفع أقوامًا بلا حسب فكيف مَنْ كان ذا علم له حسب
فاطلب بعلمك وجه الله محتسبًا فما سوى العلم فهو اللهو اللعب
- ولي معارضة لقول القائل وهو أبو حاطب:
وإذا طلبت من العلوم أجلها فأجلها منها مقيم الألسن
العلم يرفع كل بيت هين والفقه يجمل باللبيب الدين
والحر يكرم بالوقار وبالنهى والمرء تحقره إذا لم يرزن
فإذا طلبت من العلوم أجلها فأجلها عند التقي المؤمن
علم الديانة وهو أرفعها لدى كل امرئ متيقظ متدين
هذا الصحيح ولا مقالة جاهل فأجلها منها مقيم الألسن
لو كان مهتديًا لقال مبادرًا فأجلها منها مقيم الأدين
- ولبعض الأدباء1:
يعد رفيع القوم من كان عالمًا وإن لم يكن في قومه بحسيب
وإن حل أرضًا عاش فيها بعلمه وما عالم في بلدة بغريب
- وفي حكمة داود, عليه السلام: العلم في الصدر كالمصباح في البيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدينوري في المجالسة "303" 2/ 182-183، وابن عساكر في تاريخ دمشق 18/ 177، والبرزالي في مشيخة ابن جماعة 2/ 595.
وانظر إتحاف السادة 1/ 72، وعيون الأخبار 2/ 136.(1/119)
- وقيل لبعض حكماء الأوائل: أي الأشياء ينبغي للعالم أن يقتبسها؟
قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينته سبحت معه, يعني: العلم.
- وقال غيره منهم: من اتخذ العلم لجامًا اتخذه الناس إمامًا، ومن عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار.
- قال عبد الملك بن مروان لبنيه: يا بني تعلموا العلم، فإن استغنيتم كان لكم كمالًا، وإن افتقرتم كان لكم مالًا.
- عن أبي الدرداء أنه قال: يرزق الله العلم السعداء ويحرمه الأشقياء.
- وفي رواية كميل بن زياد النخعي، عن علي -عليه السلام- قال: العلم خير من المال؛ لأن المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تفنيه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة1.
قال أبو عمر: من قول علي هذا أخذ سابق البربري قوله, والله أعلم:
موت التقي حياة لا انقطاع لها قد مات قوم وهم في الناس أحياء
- قال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي: عجبت لمن لم يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة.
211- وأنشدنا أبو القاسم محمد بن نصر بن حامد الرومي الكاتب لنفسه في أبيات ذوات عدد:
إنما العلم منحة ليس في ذا منازع هو للنفس لذة وهو للقدر رافع
يعرف الناس ربهم وهو ميت وشاسع فضل الناس كلهم فاضل فيه بارع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.(1/120)
- وقال آخر:
لا بارك الله في قوم إذا سمعوا ذا اللب ينطق بالأمثال والحكم
قالوا وليس بهم إلا نفاسته أنافع ذا من الإفلاس والعدم؟
- ولأبي سليمان جليس ثعلب:
لقد ضلت حلوم من أناس يرون العلم إفلاسًا وشوما
كسانا علمنا فخرًا وجودًا وبالجهل اكتسوا عجزًا ولوما
هم الثيران إن فكرت فيهم فكيف بأن ترى ثورًا عليما
فجانبهم ولا تعتب عليهم وكن للكتب دونهم نديما
- وقال آخر:
العلم بلغ قومًا ذروة الشرف وصاحب العلم محفوظ من الخرف
يا صاحب العلم مهلًا لا تدنسه بالموبقات فما للعلم من خلف
- وقال آخر:
لو أن العلم مثل كان نورًا يضاهي الشمس أو يحكي النهارا
كذاك الجهل أظلم جانباه ونور العلم أشرق واستنارا
212- وجدت في كتاب أبي -رحمه الله- بخطه: حدثنا أحمد بن سعيد، نا محمد بن موسى بن عيسى الحضرمي، حدثنا أبو الطاهر، حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: سمعت معتمر بن سليمان، يقول: كتب إلي أبي وأنا بالكوفة: يا بني اشتر الورق واكتب الحديث، فإن العلم يبقى والدنانير تذهب1.
213- قال أبي: قال أحمد بن سعيد: وأنشدني غير واحد في هذا المعنى لبعض المحدثين:
العلم زين وكنز لا نفاد له نعم القرين إذا ما عاقلًا صحبا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في الشعب "1730" 2772.(1/121)
قد يجمع المرء مالًا ثم يسلبه عما قليل فيلقى الذل والحربا
وجامع العلم مغبوط به أبدًا فلا يحاذر فوتًا لا ولا هربا
يا جامع العلوم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به درًّا ولا ذهبا
214- وأنشدنا أبو العيناء وغيره للجاحظ. ويقال: إنه ليس له غير هذه الأبيات:
يطيب العيش إذ تلقى لبيبًا غذاه العلم والرأي المصيب
فيكشف عنك حيرة كل جهل ففضل العلم يعرفه الأريب
سقام الحرص ليس له دواء وداء الجهل ليس له طبيب
- وقال بعض العلماء: من شرف العلم وفضله أن كل من نسب إليه فرح بذلك وإن لم يكن من أهله، وكل من دفع عنه ونسب إلى الجهل عز عليه ونال ذلك من نفسه وإن كان جاهلًا.
215- أخبرنا خلف بن أحمد، نا أحمد بن سعيد، نا أحمد بن خالد، نا مروان بن محمد، نا العباس بن الفرج الرياشي، نا العتبي، عن أبي يعقوب الخطابي، عن عمه، عن ابن شهاب، قال: العلم ذكر يحبه ذكورة الرجال ويكرهه مؤنثوهم1.
216- حدثني خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: نا أحمد بن سعيد، نا إسحاق بن إبراهيم، نا محمد بن علي بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الرحمن الضرير، يقول: سمعت وكيعًا، يقول: سمعت سفيان، يقول: ما من شيء أخوف عندي من الحديث، وما من شيء أفضل منه لمن أراد به الله عز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص70-71، وفي الجامع 1/ 18، وأبو نعيم في الحلية 3/ 265، والدولابي في الكنى 2/ 16، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص179.
والقاضي عياض في الإلماع ص23-25.(1/122)
وجل1.
217- وحدثاني، قالا: نا أحمد بن سعيد، نا إسحاق، نا محمد، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا قبيصة بن عقبة، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: ما على الرجل لو جعل هذا الأمر بينه وبين نفسه, يعني: الفقه والآثار.
- قال بعض الحكماء: من الدليل على فضيلة العلماء أن الناس تحب طاعتهم.
- وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيها الناس عليكم بطلب العلم، فإن لله رداء محبه فمن طلب بابًا من العلم رداه الله بردائه ذلك، فإن أذنب ذنبًا استعتبه، وإن أذنب ذنبًا استعتبه لئلا يسلبه رداءه ذلك، وإن تطاول به ذلك الذنب حتى يموت.
218- حدثنا خلف بن القاسم، نا أحمد بن إبراهيم الحذاء البغدادي بمصر، قال: نا أبو خبيب العباس بن أحمد بن محمد البرتي، نا محمود بن غيلان، نا أبو داود الطيالسي، نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أخوين كانا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحدهما يحضر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ومجلسه، وكان الآخر يقبل على صنعته، فقال: يا رسول الله أخي لا يعتني بشيء؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "فلعلك ترزق به"2.
219- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، نا محمد بن أبي دليم:
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، قالا جميعًا: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق نحوه برقم "89".
ورواه أحمد من الزهد ص438، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص81، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "25" ص177.
2 رواه الترمذي "2345" 4/ 574، والحاكم في المستدرك 1/ 93-94، والبيهقي في المدخل "335" ص245، والضياء في المختارة "1665" 5/ 49-50، والروياني في مسنده "1374" 2/ 387، وأبو نعيم في الحلية 8/ 302، وابن عدي في الكامل 2/ 17-264 والجرجاني في تاريخ جرجان 1/ 542، وسنده صحيح.(1/123)
محمد بن وضاح، نا زهير، عن سفيان، قال: إن من كمال التقوى أن تبتغي إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم.
هكذا جعله من قول الثوري، ورواه سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن عون بن عبد الله، قال: من كمال التقوى أن تطلب إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم.
وزاد فيه: واعلم أن التفريط فيما قد علمت ابتغاء ترك الزيادة فيه، وإنما يحمد الرجل على ترك انتفاع الزيادة فيما قد علم قلة الانتقاع بما علم1.
- وقال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي: عجبت لمن لم يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟!
- قال جعفر بن محمد الكمال: كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتدبير المعيشة، قال: وما موت أحد أحب إلى إبليس من موت فقيه.
- وقال بعض الحكماء: من الدليل على فضيلة العلماء أن الناس تحب طاعتهم.
- وكان يقال: العلم أشرف الأحساب، والأدب والمروءة أرفع الأنساب.
- وقال بعض الحكماء: أفضل العلم وأولى ما نافست عليه منه علم ما عرفت به الزيادة في دينك ومروءتك.
- وقال الأحنف: كاد العلماء أن يكونوا أربابًا، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ما يصير.
- ويقال: مثل العلماء مثل الماء حيثما سقطوا نفعوا.
- وقال أبو الأسود الدؤلي: الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك.
- وقيل لبزرجمهر: أيما أفضل الأغنياء أم العلماء؟ فقال العلماء. قيل له: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء؟ قال: لمعرفة العلماء بفضل الغني وجهل الأغنياء بفضل العلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 246.(1/124)
- وقالت امرأة لإبراهيم النخعي: يا أبا عمران أنتم معشر العلماء أحد الناس وألوم الناس؟ فقال لها: أما ما ذكرت من الحدة فإن العلم معنا والجهل مع مخالفينا وهم يأبون إلا دفع علمنا بجهلهم، فمن ذا يطيق الصبر على هذا، وأما اللوم فأنتم تعلمون تعذر الدرهم الحلال وأنا لا نبتغي الدرهم إلا حلالًا فإذا صار إلينا لم نخرجه إلا في وجهه الذي لا بد منه.
- وقالوا: العلماء في الأرض كالنجوم في السماء، والعلماء أعلام الإسلام، والعالم كالسراج من مر به اقتبس منه ولولا العلم كان الناس كالبهائم.
220- وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل، نا نعيم بن حماد، نا ابن المبارك، نا زائدة، عن هشام، عن الحسن، قال: كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وصلاته وزهده، وإن كان الرجل ليصيب الباب من أبواب العلم فيعمل به فيكون خيرًا له من الدنيا وما فيها لو كانت له فجعلها في الآخرة1.
- وكان الحسن يقول: والله ما طلب هذا العلم أحد إلا كان حظه منه ما أراد به. ذكره أبو فاطمة، عن هشام، عن الحسن.
221- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير، قال: أخبرنا مصعب بن عبد الله، قال: قال لنا أبي: اطلبوا العلم فإن يكن لك مال أجداك جمالًا، وإن لم يكن لك مال أكسبك مالًا.
222- حدثنا خلف بن القاسم، نا الحسين بن جعفر، نا يوسف بن يزيد، حدثنا المعلى بن عبد العزيز القعقاعي، نا بقية، نا الحكم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علمًا يقربني من الله -عز وجل- فلا بورك لي في طلوع الشمس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "207".(1/125)
ذلك اليوم"1.
- ورواه يزيد بن هارون، قال: حدثنا بقية، نا الحكم بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، قالت: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "كل يوم يمر علي لا أزداد فيه علمًا يقربني من الله فلا بلغني الله طلوع شمس ذلك اليوم".
قال أبو عمر: أخذه بعض المتأخرين، وهو علي بن محمد الكاتب البستي:
فقال:
دعوني وأمري واختباري فإنني بصير بما أبدي وأبرم من أمري
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدًا ولم أقتبس علمًا فما هو من عمري
223- أخبرنا أحمد بن محمد بن هشام، حدثنا علي بن عمر، حدثنا الحسن بن سعيد، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا كثير بن يحيى، حدثنا يحيى بن سليم، حدثنا عمر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من أفضل الفوائد حديث حسن يسمعه الرجل فيحدث به أخاه"2.
- وكتب رجل إلى أخ له: إنك قد أُوتيت علمًا فلا تطفئ نور علمك بظلمات الذنوب فتبقى في ظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم إلى الجنة3.
- ومن حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في الأوسط "6632"، وابن عدي في الكامل 2/ 79، وأبو نعيم في الحلية 8/ 188، وابن حبان في المجروحين 1/ 335، والخطيب في تاريخه 6/ 100. وفي سنده: الحكم بن عبد الله, قال أبو حاتم: كذاب.
وقال ابن عدي عقيبه: وهذا حديث منكر المتن، وهو عن الزهري منكر، لا يرويه عنه غير الحكم.
2 وهو مرسل, وقد سبق.
3 رواه البيهقي في الشعب "1764" 2/ 281 وقال: "في إسناد هذا الحديث إرسال بين عبيد الله، وعبد الله" وقد سبق نحوه.(1/126)
أهدى المرء لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة يزيده الله بها هدًى أو يرده بها عن ردًى".
224- أخبرنا أحمد بن قاسم، حدثنا ابن أبي دليم، حدثنا ابن وضاح، حدثنا هارون الحمال، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن ابن عبد السلام، عن كعب، قال: أوحى الله -عز وجل- إلى موسى, عليه السلام: تعلم الخير وعلمه الناس؛ فإني منور لمعلم العلم ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا لمكانهم1.
225- أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن عمر بن موسى القاضي، حدثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، حدثنا أحمد بن يحيى بن زهير، حدثنا محمد بن عمرو بن عون، قال: حدثني أبي، حدثنا شريك، عن ليث، عن يحيى بن أبي كثير، عن علي الأزدي، قال: سألت ابن عباس عن الجهاد؟ فقال: ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد: تبني مسجدًا تعلم فيه القرآن، وسنن النبي, صلى الله عليه وسلم, والفقه في الدين2.
226- وحدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم، حدثنا أبو صالح أحمد بن عبد الرحمن بمصر، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن البخاري، حدثنا الحسين بن الحسن بن وضاح البخاري السمسار، حدثنا حفص بن داود الربعي، قال: حدثنا معاذ بن خالد، قال: حدثنا بقية، قال: حدثنا صفوان بن رستم أبو كامل، حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي عبد الرحمن، عن تميم الداري، قال: تطاول الناس في البنيان زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا معشر العرب الأرض الأرض، إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، ألا فمن سوده قومه على فقه كان ذلك خيرًا له، ومن سوده قومه على غير فقه كان ذلك هلاكًا له ولمن اتبعه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص86.
2 سبق.(1/127)
227- أخبرنا عيسى بن سعيد المقرئ إجازة، حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، حدثنا العاقولي، حدثنا المبرد، قال: كان يقال: تعلموا العلم، فإنه سبب إلى الدين، ومنبهة للرجل، ومؤنس في الوحشة، وصاحب في الغربة، ووصلة في المجالس، وجالب للمال، وذريعة في طلب الحاجة.
- وقال ابن المقفع: اطلبوا العلم، فإن كنتم ملوكًا برزتم، وإن كنتم سوقة عشتم.
- وقال أيضًا: إذا أكرمك الناس بمال أو سلطان فلا يعجبك ذلك، فإن زوال الكرامة بزوالها، ولكن ليعجبك إذا أكرموك لعلم أو دين.
- ويقال: ثلاثة لا بد لصاحبها أن يسود: الفقه، والأمانة، والأدب.
- وقيل للقمان الحكيم: أي الناس أفضل؟
قال: مؤمن عالم إن ابتغي عنده الخير وجده.
- وقال الحجاج لخالد بن صفوان: من سيد أهل البصرة؟ فقال له: الحسن.
فقال: وكيف ذلك وهو مولى؟ فقال: احتاج الناس إليه في دينهم واستغنى عنهم في دنياهم، وما رأيت أحدًا من أشراف أهل البصرة إلا وهو يروم الوصول في حلقته إليه؛ ليستمع قوله ويكتب علمه.
فقال الحجاج: هذا والله السؤدد.
- وروينا أن معاوية بن سفيان حج في بعض الحجات فابتنى بالأبطح مجلسًا فجلس عليه ومعه زوجته ابنة قرظة بن عبد عمرو بن نوفل، فإذا هو بجماعة على رحال لهم، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يغني:
وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدًا يملأ الدلو إلى عقد الكرب
فقال معاوية: من هذا؟ فقالوا: فلان ابن جعفر بن علي بن أبي طالب.(1/128)
قال: خلوا له الطريق فليذهب، ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني:
بينما يذكرنني أبصرتني عند قد الميل يسعى بي الأغر
قلن: تعرفن الفتى؟ قلن: نعم قد عرفناه، وهل يخفى القمر؟
قال: من هذا؟
قالوا: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة.
قال: خلوا له الطريق فليذهب.
ثم إذا هو بجماعة حول رجل يسألونه فبعضهم يقول: رميت قبل أن أحلق، وبعضهم يقول: حلقت قبل أن أرمي، يسألونه عن أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج، فقال: من هذا؟
قالوا: هذا عبد الله بن عمر، فالتفت إلى زوجته ابنة قرظة فقال: هذا وأبيك الشرف، وهذا والله شرف الدنيا والآخرة1.
228- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة البخاري، قال: قال سفيان بن عيينة في قوله, عز وجل: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْم} [الأحقاف: 4] قال: الرواية عن الأنبياء, عليهم السلام2.
16- باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف:
229- حدثنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، نا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، نا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص245-246.
2 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، انظر تفسيره 10/ 3293.
انظر زاد المسير 7/ 369، وتفسير ابن كثير 4/ 154، ورواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "98" ص209-210 عن مطر في قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْم} قال: إسناد الحديث.(1/129)
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمحه"1.
230- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، حدثنا محمد بن بكر بن داسة, وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، نا أحمد بن سعيد، نا ابن الأعرابي, قالا: نا أبو داود، نا نصر بن علي، قال: أخبرني أبو أحمد، نا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث فأمر إنسانًا أن يكتبه، فقال له زيد: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن لا نكتب شيئًا من حديثه، فمحاه2.
231- أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبي، نا عبد الله، نا بقي، نا أبو بكر، نا أبو أسامة، عن شعبة، عن جابر، عن عبد الله بن يسار، قال: سمعت عليًّا يخطب يقول: أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم3.
232- قال أبو بكر: ونا أبو أسامة، عن كهمس، عن أبي نضرة، قال: قيل لأبي سعيد: لو اكتتبنا الحديث؟ فقال: لا نكتبكم، خذوا عنا كما أخذنا عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "3004" 4/ 2298-2299، والترمذي "2665" 5/ 38، والنسائي في الكبرى "5848" 3/ 431, و"8008" 5/ 10-11، وأحمد 3/ 12-21-39-56، والدارمي "450-451" 1/ 130-131، وأبو يعلى "1288" 2/ 466، والطحاوي 4/ 318، والحاكم 1/ 126-127، وابن حبان "64" 1/ 265، والبيهقي في المدخل "724" ص405، والخطيب في تقييد العلم ص29-32، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ "603" ص276، وابن أبي داود في المصاحف ص9، ولوين في حديثه "55" ص69، والرامهرمزي "362" ص379، وعياض في الإلماع ص148-149.
2 رواه أبو داود "3647"، وأحمد 5/ 172، والقاضي عياض في الإلماع ص148، والخطيب في تقييد العلم ص35، وفي الفقيه والمتفقه 1/ 203، والبيهقي في المدخل "729" ص406، وابن شاهين في الناسخ "604" ص276، والمطلب لم يسمع من زيد بن ثابت.
انظر تحفة التحصيل ص307، والمراسيل ص209، وجامع التحصيل ص281.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26439" 5/ 314, وفي سنده: جابر الجعفي: ضعيف.(1/130)
نبينا, صلى الله عليه وسلم1.
233- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا عمر بن محمد المكي بمكة، نا علي بن عبد العزيز, وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، نا أحمد بن زهير, قالا: نا مسلم بن إبراهيم، نا المستمر بن الريان، عن أبي نضرة، قال: قلت لأبي سعيد الخدري: ألا نكتب ما نسمع منك؟ قال: أتريدون أن تجعلوها مصاحف؟ إن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كان يحدثنا فنحفظ، فاحفظوا كما كنا نحفظ2.
234- وحدثنا عبد الوارث، عن قاسم، نا أحمد بن زهير، نا عبيد الله بن عمر، نا عبد الأعلى، نا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، قال: قلت لأبي سعيد الخدري, رضي الله عنه: إنك تحدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا عجيبًا وإنا نخاف أن نزيد فيه أو ننقص؟ قال: أردتم أن تجعلوه قرآنًا لا، لا، ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم 3.
235- حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر، حدثنا ابن أبي دليم، نا ابن وضاح، نا محمد بن يحيى المصري، نا ابن وهب، قال: سمعت مالكًا يحدث أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أراد أن يكتب هذه الأحاديث -أو كتبها- ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله.
- قال مالك, رحمه الله: لم يكن مع ابن شهاب كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه.
قال: ولم يكن القوم يكتبون إنما كانوا يحفظون، فمن كتب منهم الشيء فإنما كان يكتبه ليحفظه فإذا حفظه محاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26440" 5/ 314، والخطيب في تقييد العلم ص36، والبيهقي في المدخل "725" ص405 من طريق كهمس به.
2 رواه البيهقي في المدخل "727" ص406، والخطيب في التقييد ص36 من طريق المستمر.
3 رواه الدارمي "471" 1/ 133، وأبو خيثمة في العلم "95" ص24، والبيهقي في المدخل "726" ص405-406، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "379" ص363، من طريق الجريري به.(1/131)
236- أخبرنا خلف بن سعيد، نا عبد الله بن محمد، نا أحمد بن خالد، نا إسحاق بن إبراهيم، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن الزهري، عن عروة، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا1.
236م- قال عبد الرزاق: وأنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه قال: إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه2.
237- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا عمر بن محمد، نا علي بن عبد العزيز، نا سعيد بن عبد الرحمن القرشي، قال: نا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه3.
- وذكر أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن سليم بن الأسود المحاربي، قال: كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يكره كتابة العلم4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "20484" 11/ 257-258، والبيهقي في المدخل "731" ص407، والخطيب في تقييد العلم "49" وعروة لم يسمع من عمر. ورواه أبو خيثمة في العلم "26" ص11، والخطيب في تقييد العلم ص52-53، والدارمي "478" 1/ 134-135، من طريق يحيى بن جعدة عن عمر ولم يدركه, وسيأتي قريبًا "239".
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "20485" 11/ 258، والخطيب في تقييد العلم ص42، والبيهقي في المدخل "734" ص408.
3 سبق ضمن "236".
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26441" 5/ 314، والخطيب في التقييد ص38-39، والبيهقي في المدخل "732" ص407، وفي المصنف سليمان بن الأسود, كما في المطبوعة هنا, والصواب: سليم بن الأسود. انظر التهذيب 4/ 165، والتقريب 1/ 320، والسير 4/ 179، والجرح 2/ 1/ 211. ورواه الدارمي نحوه من قول ابن مسعود "469" 1/ 133 و"481" 1/ 135.(1/132)
- قال: وأنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن أبي بردة، قال: كتبت عن أبي كتابًا كثيرًا فقال: ائتني بكتبك، فأتيته بها فغسلها1.
- قال: وأنا وكيع، عن الحكم بن عطية، عن ابن سيرين، قال: إنما ضلت بنو إسرائيل بكتب ورثوها عن آبائهم2.
- قال: وحدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبي، أن مروان دعا زيد بن ثابت وقومًا يكتبون وهو لا يدري فأعلموه، فقال: أتدرون لعل كل شيء حدثتكم به ليس كما حدثتكم؟3.
- قال: وحدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، قال: أتي عبد الله بصحيفة فيها حديث فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها، ثم أمر بها فأحرقت ثم قال: أذكر بالله رجلًا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها, بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون4.
238- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا القاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان، عن سنان البرجمي، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26444" 5/ 315، وأبو خيثمة في العلم "153" ص35، والخطيب في تقييد العلم ص40-41، وفي المطبوعة: طلحة بن عمرو, وهو خطأ, والصواب طلحة بن يحيى, كما هو في المصنف لابن أبي شيبة وغيره.
2 رواه ابن أبي شيبة "26445" 5/ 315، وأبو خيثمة في العلم "152" ص35، والخطيب في التقييد ص61.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "46446" 5/ 315، والدارمي "474" 1/ 133-134.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26447" 5/ 3415، والدارمي "479" 1/ 135. ورواه أيضًا، نحوه "469-477" من طرق عن ابن مسعود نحوه.(1/133)
الضحاك، قال: يأتي على الناس زمان يكثر فيه الأحاديث حتى يبقى المصحف بغباره لا ينظر فيه.
239- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، نا ابن أبي دليم، نا ابن وضاح، نا محمد بن نمير، نا روح بن عبادة، قال: حدثنا ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس, رضي الله عنهما: أنه كان ينهى عن كتابة العلم، وقال: إنما ضل من كان قبلكم بالكتب1.
240- وقرأت على سعيد بن نصر، أن قاسمًا حدثه، قال: حدثنا ابن وضاح، نا ابن نمير، فذكره بإسناده حرفًا بحرف.
241- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، نا عمر بن محمد الجمحي، نا علي بن عبد العزيز، نا أبو يعقوب المروزي، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، قال: كتب إليَّ أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر، فلقيته فسألته عن الكتاب، ولو علم أن معي كتابًا لكانت الفيصل بيني وبينه2.
242- وحدثنا أحمد بن عبد الله، نا أبي، نا عبد الله بن يونس، نا بقي بن مخلد، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا سفيان بن عيينة، عن أيوب، قال: سمعت سعيد بن جبير، قال: كنا نختلف في أشياء فنكتبها في كتاب، ثم أتيت بها ابن عمر أسأله عنها خفيًّا، فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه3.
243- وأخبرني عبد الرحمن، نا عمر، نا علي بن عبد العزيز، نا حجاج، نا أبو هلال، قال: حدثني حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: كان أبو موسى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في تقييد العلم ص43، والبيهقي في المدخل "736" ص408-409.
وفي المطبوعة: ابن جرير, والصواب ابن جريج كما أثبتناه من المصادر المخرجة للأثر.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26450" 315، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "364" ص379، والبيهقي في المدخل "737" ص409، والخطيب في تقييد العلم ص43-44، وابن سعد في الطبقات, مختصرًا 6/ 258.
3 انظر ما قبله.(1/134)
يحدثنا بأحاديث فقمنا لنكتبها، فقال: أتكتبون ما سمعتم مني؟ قلنا: نعم.
قال: فجيئوني به، فدعا بماء فغسله، وقال: احفظوا عنا كما حفظنا1.
244- وأخبرنا عبد الرحمن، نا عمر، نا علي بن عبد العزيز، نا الحسن بن بشر البجلي الكوفي، نا المعافى، عن الأوزاعي، عن أبي كثير، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: نحن لا نكتب, ولا نكتب2.
245- وأخبرنا عبد الرحمن، حدثنا عمر، نا علي، نا أبو عبيد، عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: أصبت أنا وعلقمة صحيفة فانطلق معي إلى ابن مسعود بها وقد زالت الشمس أو كادت تزول، فجلسنا بالباب، ثم قال للجارية: انظري من بالباب؟ فقالت: علقمة والأسود، فقال: ائذني لهما، فدخلنا فقال: كأنكما قد أطلتما الجلوس؟ قلنا: أجل.
قال: فما منعكما أن تستأذنا؟ قالا: خشينا أن تكون نائمًا قال: ما أحب أن تظنوا بي هذا، إن هذه ساعة كنا نقيسها بصلاة الليل، فقلنا هذه صحيفة فيها حديث حسن، فقال: يا جارية هاتي بطشت واسكبي فيه ماء، قال: فجعل يمحوها بيده، ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَص} [يوسف: 3] فقلنا: انظر فيها، فإن فيها حديثًا عجيبًا، فجعل يمحوها، ويقول: إن هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "369" ص381، والدارمي في سننه "743" 1/ 133، والخطيب في التقييد ص39-40، والبيهقي في المدخل "838" ص409.
2 رواه الدارمي "472" 1/ 133، وأبو خيثمة في العلم "140" ص33، والخطيب في تقييد العلم ص42، والبيهقي في المدخل "733" ص408.
3 رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص73، وانظر غريب الحديث 4/ 48. والخطيب في التقييد ص53-54.(1/135)
قال أبو عبيد1: نرى أن هذه الصحيفة أخذت من أهل الكتاب، فلهذا كره عبد الله النظر فيها.
246- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ, نا ابن وضاح، نا يوسف بن عدي، نا هشام بن علي، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قال مسروق لعلقمة: اكتب لي النظائر. قال: أما علمت أن الكتاب يكره؟
قال: بلى، إنما أريد أن أحفظها ثم أحرقها2.
247- حدثنا عبد الرحمن، نا عمر، نا علي، نا عارم أبو النعمان، نا حماد بن زيد، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: قلت لعبيدة: أكتب ما أسمع منك؟ قال: لا. قلت: وإن وجدت كتابًا أقرؤه عليك؟ قال: لا3.
248- وأخبرنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير,حدثني أبي, نا وكيع, عن ابن عون, عن محمد, قال: قلت لعبيدة... فذكره حرفًا بحرف.
249- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان, نا قاسم بن أصبغ, نا أحمد بن زهير بن الأصبهاني، نا شريك وجرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كنت أكتب عند عبيدة فقال: لا تخلدن عني كتابًا4.
250- قال أحمد بن زهير: وحدثني أبي، نا جرير، عن أبي يزيد المرادي قال: لما حضر عبيدة الموت دعا بكتبه فمحاها.
251- قال أحمد: وحدثنا الوليد بن شجاع، نا أبو زبيد عبثر بن القاسم، عن النعمان بن قيس، عن عبيدة، أنه دعا بكتبه عند الموت فمحاها، فقيل له في ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فضائل القرآن لأبي عبيد ص74.
2 رواه الخطيب في التقييد ص58-59.
3 رواه الدارمي في سننه "471" 1/ 133، والخطيب في تقييد العلم ص45.
4 رواه الدارمي "459-462-463" 1/ 132، وابن أبي شيبة في المصنف "26443" 5/ 315 و"26452" 5/ 315. والخطيب في التقييد ص46-47.(1/136)
فقال: أخشى أن يليها قوم يضعونها غير موضعها1.
252- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، نا عمر بن محمد القرشي، نا علي بن عبد العزيز، نا خلف بن هشام، نا أبو عوانة، عن سليمان بن أبي العتيك، عن أبي معشر، عن إبراهيم، أنه كان يكره أن يكتب الأحاديث في الكراريس2.
253- أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، نا بقي، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا معاذ، نا ابن عون عن القاسم، أنه كان لا يكتب الحديث3.
254- وأخبرنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، حدثنا سليمان بن أحمد، قال: سمعت أبا مسهر، يقول: سمعت سعيد بن عبد العزيز، يقول: ما كتبت حديثًا قط4.
255- وحدثنا عبد الرحمن، نا عمر، نا علي، نا أبو غسان، نا محمد بن فضيل، عن ابن شبرمة، قال: سمعت الشعبي، يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء قط، ولا استعدت حديثًا من إنسان مرتين5.
256- وأخبرنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، وأحمد بن حنبل والأخنسي محمد بن عمران، قالوا: حدثنا محمد بن فضيل، نا ابن شبرمة، قال: سمعت الشعبي، يقول: ما كتبت سوادًا في بياض قط، وما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "465" 1/ 132، وأبو خيثمة في العلم "112" ص27، والخطيب في تقييد العلم ص61.
2 رواه الدارمي "464" 1/ 132، وابن أبي شيبة في المصنف "26309" 5/ 302، والخطيب في تقييد العلم ص48.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26449" 5/ 315، والخطيب في التقييد ص46.
4 رواه الدارمي "461" 1/ 132.
5 رواه الدارمي "482" 1/ 135، وأبو خيثمة في العلم "28" ص12، والخطيب في الجامع "1831-1832" 2/ 380، وفي التاريخ 12/ 229، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "365" ص380، وأبو نعيم في الحلية 4/ 321، والدينوري في المجالسة "317" 2/ 191-192، وابن سعد 6/ 249.(1/137)
سمعت من رجل حديثًا فأردت أن يعيده علي.
زاد الأخنسي: ولقد نسيت من الأحاديث ما لو حفظها إنسان كان بها عالمًا1.
257- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، نا عمر بن محمد، نا علي بن عبد العزيز، ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، قال: قلت لجرير, يعني: ابن عبد الحميد: أكان منصورًا -يعني: ابن المعتمر- يكره كتاب الحديث؟ قال: نعم، منصور، ومغيرة، والأعمش، كانوا يكرهون كتاب الحديث2.
258- وأخبرنا محمد بن إبراهيم، نا محمد بن معاوية، نا جعفر بن محمد الفريابي، نا صفوان بن صالح، نا الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي، يقول: كان هذا العلم شيئًا شريفًا إذا كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله3.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني، نا عبد الله بن صالح، نا الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: أدركت الناس يهابون الكتب حتى كان الآن حديثًا، قال: ولو كنا نكتب لكتبت من علم سعيد وروايته كثيرًا.
- وذكر الحلواني، قال: نا دحيم، نا الوليد بن مسلم، عن عطاء بن مسلم، عن عمرو بن قيس، عن إبراهيم، قال: لا تكتبوا فتتكلوا.
- قال الحلواني: وأخبرنا آدم، نا أبو شهاب، نا الحسن بن عمرو، عن الفضيل بن عمرو، قال: قلت لإبراهيم: إني آتيك وقد جمعت المسائل، فإذا رأيتك كأنما تختلس مني وأنت تكره الكتابة، قال: لا عليك، فإنه قل ما طلب إنسان علمًا إلا آتاه الله منه ما يكفيه، وقل ما كتب رجل كتابًا إلا اتكل عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما سبق.
2 رواه الخطيب في تقييد العلم ص48.
3 رواه الدارمي "467" 1/ 132-133 نحوه, والخطيب في التقييد ص64, والبيهقي في المدخل "741" ص410.(1/138)
قال أبو عمر: من كره كتابة العلم إنما كرهه لوجهين:
أحدهما: ألا يتخذ مع القرآن كتابًا يضاهي به.
ثانيهما: ولئلا يتكل الكاتب على ما كتب فلا يحفظ فيقل الحفظ، كما قال الخليل, رحمه الله:
ليس بعلمك ما حوى القِمَطْرُ ما العلم إلا ما حواه الصدر1
259- وأنشدني بعض شيوخي لمحمد بن بشير بإسناد لا أحفظه:
أما لو أعي كلّ ما أسمع وأحفظ من ذاك ما أجمع
ولم أستفد غير ما قد جمعت لقيل: هو العالم المقنع
ولكن نفسي إلى كل فن من العلم تسمعه تنزع
فلا أنا أحفظ ما قد جمعت ولا أنا من جمعه أشبع
ومن يك في علمه هكذا يكن دهره القهقرى يرجع
إذا لم تكن حافظًا واعيًا فجمعك للكتب لا ينفع
أأحضر بالجهل في مجلس وعلمي في الكتب مستودع2
- وقال أبو العتاهية:
من منح الحفظ وعى من ضيع الحفظ وهم
260- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، نا أحمد بن سعيد، نا صالح بن محمد بن شاذان، نا إسحاق بن هبيرة بن معبد الخراساني، قال: قال أبو معشر في الحفظ:
يا أيها المضمن الصحائفا ما قد روى يضارع المصاحفا
احفظ وإلا كنت ريحًا عاصفا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "1822" 2/ 374، وفي التقييد ص140-141، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "382"، ص387 والبيهقي في المدخل "744" ص410.
2 رواه الخطيب في الجامع "1825-1826" 2/ 376-377، والرامهرمزي "385" ص387-388 ذكر البيتين الأخيرين.(1/139)
- وقال أعرابي: حرف في تامورك خير من عشرة في كتبك.
قال أبو عمر: التامور: علقة القلب.
261- أخبرنا سعيد بن عثمان، قال: أخبرنا إسماعيل بن القاسم، نا ابن درير، قال: حدثنا أبو حاتم، عن الأصمعي، قال: سمع يونس بن حبيب رجلًا ينشد:
استودع العلم قرطاسًا فضيعه وبئس مستودع العلم القراطيس
فقال يونس: قاتله الله، ما أشد صيانته للعلم وصيانته للحفظ، إن علمك من روحك، وإن مالك من بدنك، فصن علمك صيانتك روحك، وصن مالك صيانتك بدنك.
- ومما ينسب إلى منصور الفقيه من قوله:
علمي معي حيث ما يممت أحمله بطني وعاء له لا بطن صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق1
قال أبو عمر: من ذكرنا قوله في هذا الباب، فإنما ذهب في ذلك مذهب العرب؛ لأنهم كانوا مطبوعين على الحفظ مخصوصين بذلك، والذين كرهوا الكتاب كابن عباس، والشعبي، وابن شهاب، والنخعي، وقتادة، ومن ذهب مذهبهم وجبل جبلتهم كانوا قد طبعوا على الحفظ، فكان أحدهم يجتزئ بالسمعة، ألا ترى ما جاء عن ابن شهاب أنه كان يقول: إني لأمر بالبقيع فأسد آذاني مخافة أن يدخل فيها شيء من الخنا، فوالله ما دخل أذني شيء قط فنسيته.
- وجاء عن الشعبي نحوه.
وهؤلاء كلهم عرب، وقال النبي, صلى الله عليه وسلم: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه الخطيب في الجامع "1821" 2/ 374.(1/140)
نحسب1".
وهذا مشهور أن العرب قد خصت بالحفظ، كان أحدهم يحفظ أشعار بعض في سمعة واحدة.
- وقد جاء أن ابن عباس -رضي الله عنه- حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة:
أمن آل نعم أنت غاد فمبكر
في سمعة واحدة على ما ذكروا، وليس أحد اليوم على هذا، ولولا الكتاب لضاع الكثير من العلم، وقد أرخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتاب العلم ورخص فيه جماعة من العلماء، وحمدوا ذلك، ونحن ذاكروه بعد هذا بعون الله إن شاء الله.
- وقد دخل على إبراهيم النخعي شيء في حفظه لتركه الكتاب، وذكر الحلواني قال: حدثنا معاوية بن هشام وقبيصة, قالا: حدثنا سفيان، عن منصور، قال: كان إبراهيم يحذف الحديث، فقلت له: إن سالم بن أبي الجعد، يتم الحديث. قال له: إن سالمًا كتب وأنا لم أكتب2.
قال أبو عمر: فهذا النخعي مع كراهيته لكتاب الحديث قد أقر بفضل الكتاب3.
17- باب ذكر الرخصة في كتاب العلم:
262- أخبرني عبد الله بن محمد، أخبرني محمد بن بكر، قال: أخبرنا أبو داود، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد، قال: أخبرني أبي، عن الأوزاعي،عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، ثنا أبو هريرة، قال: لما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "1913"، ومسلم "1080"، وأبو داود "2319"، والنسائي 4/ 139-140.
وأحمد 2/ 43-129-132، والبغوي "1715"، والديلمي "152".
2 رواه الدارمي "475" 1/ 134.
3 انظر في أقوال أهل العلم حول جواز كتابة الحديث: المدخل للبيهقي ص405-424 والإلماع ص146-149، وسنن الدارمي 1/ 130-140، والمحدث الفاصل ص379-402, وفتح المغيث، والسنة قبل التدوين.(1/141)
فتحت مكة قام رسول الله, صلى الله عليه وسلم... فذكر الخطبة, خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فقام رجل من اليمن يقال له: أبو شاة، فقال: يارسول الله اكتبوا لي.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "اكتبوا لأبي شاة" يعني: الخطبة1.
263- أخبرني خلف بن سعيد، نا عبد الله بن محمد، نا أحمد بن خالد، نا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثني عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبه، أنه سمع أبا هريرة يقول: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر حديثًا مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كتب ولم أكتب2.
264- قرأت على أبي القاسم خلف بن القاسم، أن أبا الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي الدمشقي، حدثهم بدمشق، قال: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي، قال: حدثنا أحمد بن خالد الوهبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يارسول الله، أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: "نعم".
قلت: في الرضا والغضب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "112-2434-6880"، ومسلم "1305"، وأبو داود "2017" و"3649-3650-4505"، والترمذي "1405-2667"، والنسائي في الكبرى "5855" 3/ 434-435، وابن ماجه "2624", وأحمد 2/ 238، وابن الجارود "508"، والطحاوي 2/ 621 و3/ 174-328، والرامهرمزي "314" ص363-364، وابن حبان "3707"، والدارقطني 3/ 96-97، والبيهقي 3/ 409 و5/ 177-195 و8/ 53، والخطيب في تقييد العلم ص86، وفي الكفاية ص53، وفي الفقيه والمتفقه 2/ 91-92، وابن حزم في المحلى 7/ 278 و8/ 168.
2 رواه البخاري "113"، والترمذي "2668-3841"، والنسائي في الكبرى "5853" 3/ 434، والدارمي "483" 1/ 136، وأحمد 2/ 248-249، وعبد الرزاق 11/ 259، والخطيب في التقييد ص82، والرامهرمزي "328" ص368، والبيهقي في المدخل "748-749-750-751" ص412-413.(1/142)
قال: "نعم، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقًّا"1.
265- وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن الأخنس، عن الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكلم في الرضا والغضب؟ فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأومأ بأصبعه إلى فيه وقال: "اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق"2.
266- وقرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ، حدثهم قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحميدي:
وقرأت على أبي عبيد الله بن محمد بن عبد الملك، أن أحمد بن محمد بن زياد البصري، حدثهم بمكة، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني: قالا جميعًا: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا مطرف بن طريف، قال: سمعت الشعبي، يقول: أخبرني أبو جحيفة، قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء سوى القرآن؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه، وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3646"، وأحمد في المسند 2/ 162-192-207-215, وابن أبي شيبة في المصنف "26428" 5/ 313. والدارمي "484" 1/ 116، وابن أبي عاصم في الأوائل "141" ص67، والحاكم في المستدرك 1/ 105-106، والخطيب في تقييد العلم ص80، والبيهقي في المدخل "752-753-754-755-756" ص413-415. وعياض في الإلماع ص146، وابن شاهين في الناسخ "602" ص275، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "316-317-319-320-321-322" ص364-366. وسنده صحيح بطرقه.
2 انظر ما قبله.(1/143)
قال: العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر1.
- وقد روي عن علي -رضي الله عنه- في هذه الصحيفة وجهان:
أحدهما: تحريم المدينة، ولعن من انتسب إلى غير مواليه في حديث فيه طول، وفيه: المسلمون تتكافأ دماؤهم... الحديث. رواه عن علي يزيد التيمي وخلاس.
وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاب الصدقات، والديات، والفرائض، والسنن لعمرو بن حزم وغيره.
267- وأخبرني أحمد بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموال، عن يزيد بن زياد، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: وجد في قائم سيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيفة فيها مكتوب: "ملعون من أضل أعمى عن السبيل، ملعون من سرق تخوم الأرض، ملعون من تولى غير مواليه, أو قال: ملعون من جحد نعمة من أنعم عليه"2.
268- وأخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "111-3047-6903-6915"، والترمذي "1412"، وابن ماجه "2658"، والنسائي 8/ 19-23، وأحمد 1/ 79-122، والطيالسي "91-184"، وعبد الرزاق "18508"، والحميدي "40"، وأبو يعلى "338-628"، والطحاوي 3/ 192، والشافعي 2/ 104، والدارمي "2356" 2/ 249-250، والبزار "486-714"، وابن حبان "3716"، والبيهقي 8/ 28-29، والبغوي "2531".
2 رواه مسلم "1978"، والنسائي 7/ 232، وأبو يعلى "602"، وابن حبان "5896-6604" وأحمد 1/ 118-152، والبخاري في الأدب المفرد "7" عن أبي الطفيل نحوه، والبيهقي 6/ 99, والبغوي "2788" بلعن من أهلّ لغير الله، ومن تولى غير مواليه ومن سرق تخوم الأرض ومن آوى محدثًا ومن لعن والديه. ورواه أحمد في المسند 1/ 217-309-317، وابن حبان "4417"، والحاكم في المستدرك 4/ 356 به, ورواه البخاري في الأدب المفرد "892" بلعن من كمه أعمى عن السبيل فقط.(1/144)
أخبرنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، قال: حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: ما يرغبني في الحياة إلا خصلتان: الصادقة، والوهط، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها1.
269- وقرأت على خلف بن القاسم، أن علي بن أحمد بن علي الحربي، حدثهم قال: حدثنا محمد بن عبدة، قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين، قال: حدثنا عبد الحميد بن سليمان، عن عبد الله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "قيدوا العلم بالكتاب"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "496" 1/ 138، والرامهرمزي في المحدث الفاصل"323" 366-367، والخطيب في تقييد العلم ص84.
وفيه: ليث, ضعيف. انظر الكاشف 3/ 13، والمغني 2/ 536، والتقريب 2/ 536، والتهذيب 8/ 465-468.
2 رواه من حديث أنس مرفوعًا: لوين في حديثه "54" ص67، وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ "599" ص274، والحربي في فوائده "112" ص424، والخطيب في تاريخ بغداد 10/ 46، وفي الجامع "442" 1/ 351، وفي التقييد ص69-70، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "327" ص368، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين "909" 4/ 142، وابن الجوزي في العلل المتناهية "94" 1/ 86.
قلت: سنده ضعيف, فيه:
1- عبد الحميد بن سليمان: ضعفوه جدًّا. انظر المغني 1/ 369، والكاشف 2/ 134، والتهذيب 6/ 116، والكامل 5/ 319، والتقريب 1/ 468 وقال: "ضعيف" اهـ.
2- اختلف في وقفه ورفعه، والصواب وقفه. فقد رواه الثقات موقوفًا على أنس:
رواه الدارمي "491" 1/ 137، وأبو خيثمة في العلم "120"، والطبراني في الكبير "700" 1/ 246، والحاكم في المستدرك 1/ 106، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "326" ص368، وابن ماسي في جزء الأنصاري "60" ص59, وابن عبد البر كما سيأتي، وعياض في الإلماع ص147, والخطيب في التقييد ص96-97، والبيهقي في المدخل "761" ص417 وسنده حسن.
وله طريق أخرى عن أنس مرفوعًا:
أبو نعيم في أخبار أصبهان 2/ 228، والقضاعي في مسند الشهاب "367"، قال لوين: "هذا لم يكن يرفعه أحد غير هذا الرجل" أي: عبد الحميد بن سليمان. وقال عياض ص147: "قال موسى: اتفق الأنصاري ومسلم بن إبراهيم وسعيد على هذا في قول أنس، ورفعه عبد الحميد، ولا يصح رفعه" اهـ.
وقال البيهقي في المدخل ص417: "ورواه بعض الضعفاء، عن الأنصاري فأسنده، وليس بشيء" اهـ.
وانظر المقاصد الحسنة "100".(1/145)
270- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثني بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج، عن عبد الملك بن أبي سفيان، عن عمه، أنه سمع عمر بن الخطاب، يقول: قيدوا العلم بالكتاب1.
271- قال أبو بكر: وحدثنا حسين بن علي، عن الربيع عن سعد، قال: رأيت جابرًا يكتب عند ابن سابط في ألواح2.
272- قال: وحدثنا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قال ابن عباس: قيدوا العلم بالكتاب3.
273- قال: حدثنا أبو أسامة، عن مسعر، عن معن، قال: أخرج إلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة "26427" 5/ 313، والدارمي "497" 1/ 138، والحاكم في المستدرك 1/ 106, والخطيب في تقييد العلم ص88, والبيهقي في المدخل "758" ص416, والرامهرمزي "358" ص377، وسنده ضعيف، فيه:
1- عبد الملك بن عبد الله: مجهول.
2- أشار البيهقي في المدخل ص416 إلى علة في سندة: فقال: "ورواه غيره عن أبي عاصم، عن ابن جريج، قال: حدث عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان, وكأنه أرسله عنه" اهـ. يعني: ابن جريج.
وابن جريج مشهور بالتدليس، وأشار البيهقي إلى الانقطاع بينه وبين عبد الملك بن عبد الله.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26425" 5/ 313, والخطيب في التقييد ص109.
3 رواه أبو خيثمة في العلم "148"، والخطيب في التقييد ص92. ورواه البيهقي في المدخل "760" ص416 من طريق أبي بكر النهشلي، عن محمد بن عبد الرحمن المرادي، قال: سمعت ابن عباس يقول: ما قيد العلم بمثل الكتاب.(1/146)
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كتابًا وحلف لي أنه خط أبيه بيده1.
274- قال: وحدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: لا بأس بكتاب الأطراف2.
275- قال: وحدثنا وكيع، عن أبي كبران، قال: سمعت الضحاك يقول: إذا سمعت شيئًا فاكتبه ولو في حائط3.
276- قال: وحدثنا وكيع: عن حسين بن عقيل، قال: أملى علي الضحاك مناسك الحج4.
277- قال: وحدثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم5.
278- قال: وأخبرنا يحيى بن آدم، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، عن ابن سيرين، قال: كنت ألقى عبيدة بالأطراف فأسأله6.
279- قال: وحدثني ابن نمير، عن عثمان بن حكيم، عن سعيد بن جبير، أنه كان يكون مع ابن عباس فيستمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرحل، فإذا نزل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26429" 5/ 313.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف, حديث رقم "26430" 5/ 313، وأبو خيثمة في العلم "136-161" والخطيب في الجامع "438" 1/ 340.
3 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "354-355" ص376، وأبو خيثمة في العلم "146" ص34، والخطيب في التقييد ص100، عن الشعبي قوله, من طريق عن أبي كبران به.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26431" 5/ 314.
5 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26432" 5/ 314، والدارمي "494" 1/ 138، وأبو خيثمة في العلم "137" ص32، والبيهقي في المدخل "771" ص420، والرامهرمزي "702" ص538، وابن سعد في الطبقات 7/ 162، والخطيب في الكفاية ص275-276، وتقييد العلم ص101.
6 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26433" 5/ 314.(1/147)
نسخه1.
280- قال: وحدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: الكتاب أحب إلينا من النسيان2.
281- قال: وحدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي المليح، قال: يعيبون علينا الكتاب وقد قال الله: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَاب} [طه: 52]3.
282- قال: وحدثنا وكيع، عن أبيه، عن عبد الله بن حنش، قال: رأيتهم عند البراء يكتبون على أيديهم بالقصب4.
283- قال: وحدثنا ابن إدريس، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه أرخص له أن يكتب5.
وأحاديث أبي بكر بن أبي شيبة هذه كلها عندي بالإسناد الذي في أولها عنه.
284- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، قال: كان أنس يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتاب6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26434" 5/ 314، والدارمي "499" 1/ 138، والخطيب في التقييد ص102.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف حديث رقم "26435" 5/ 314، والخطيب في التقييد ص103.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26436" 5/ 314، والدارمي "489" 1/ 137، والبيهقي في المدخل "769" ص419-420، والخطيب في التقييد ص110.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26438" 5/ 314، والدارمي "503" 1/ 139، وأبو خيثمة في العلم "147" ص34، والبيهقي في المدخل "777" ص442، والخطيب في تقييد العلم ص104-105.
5 رواه الدارمي "504" 1/ 139.
6 سبق ضمن تخريج حديث رقم "271".(1/148)
285- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا عبد الله بن ذكوان، قال: حدثنا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر، قال: سألت أبا أمامة عن كتاب العلم فلم ير به بأسًا1.
286- أخبرني عبيد بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن مسرور، قال: حدثنا عيسى بن مسكين، قال: حدثنا محمد بن سنجر، قال: حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو يرفعه، قال: "قيدوا العلم". قلت: وما تقييده؟
قال: "الكتاب"2.
287- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: أخبرنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن عمرو، قلت: يا رسول الله, أأقيد العلم؟
قال: "قيد العلم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "493" 1/ 137-138، والخطيب في تقييد العلم ص98، وابن سعد في الطبقات 7/ 412.
2 رواه الحاكم في المستدرك 1/ 106، والخطيب في التقييد ص68-69، وفي الجامع "441" 1/ 350، والطبراني في الأوسط "852" 1/ 469، وابن الجوزي في العلل "95-96-97" 1/ 86-87، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "315" ص364، وسنده ضعيف، فيه:
1- عبد الله بن المؤمل: ضعيف. انظر الكامل 4/ 135-138، والضعفاء للعقيلي 2/ 302-303، والكاشف 2/ 120، والمغني 1/ 359، والتقريب 1/ 454.
2- اختلف على عبد الله بن المؤمل فيه:
أ- فتارة يروى عنه، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عمرو به.
ب- وتارة: عنه، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عمرو به.
جـ- وتارة يروى عنه, عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
3- ابن جريج: مدلس.(1/149)
قال عطاء: قلت: وما تقييد العلم؟
قال: "الكتاب".
288- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قراءة مني عليه، أن أحمد بن سعيد حدثه، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: حدثنا يحيى بن معين.
وحدثنا أحمد، حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن حرملة، قال: كنت سيئ الحفظ فرخص لي سعيد بن المسيب في الكتاب1.
289- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عباس، قال: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا محمد بن حسن، عن عبد العزيز بن محمد الداروردي، قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب.
289م- قال الزبير: وحدثني أبو غزية وغيره، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس.
290- وحدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم, قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان, حدثنا محمد بن حمير, حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا سوادة بن حيان، قال: سمعت معاوية بن قرة، يقول: من لم يكتب العلم فلا تعدوه عالمًا2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26426" 5/ 313، والخطيب في تقييد العلم ص99، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "356" ص376.
2 رواه الدارمي "490" 1/ 137، والخطيب في تقييد العلم ص109، والرامهرمزي "341-342" ص372.(1/150)
291- وحدثاني قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: سمعت خالد بن خداش البغدادي -ثقة- قال: ودعت مالك بن أنس فقلت: يا أبا عبد الله أوصني, فقال: عليك بتقوى الله في السر والعلانية، والنصح لكل مسلم، وكتابة العلم من عند أهله1.
292- أخبرنا أبو بكر بن يحيى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن زبان، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، قال: حدثنا ابن القاسم، عن مالك، قال: سمعت يحيى بن سعيد، يقول: لأن أكون كتبت كل ما كنت أسمع أحب إليَّ من أن يكون لي مثل مالي2.
293- وأخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا علي بن محمد بن مسرور، قال: حدثنا أحمد بن أبي سليمان، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا مالك، سمع يحيى بن سعيد، مثله سواء في جامعه.
293م- قال ابن وهب: وأخبرني السري بن يحيى، عن الحسن، أنه كان لا يرى بكتاب العلم بأسًا، وقد كان أملى التفسير فكتب.
293م- قال ابن وهب: وأخبرني عبيد الله بن أبي جعفر، عن الفضل بن حسن بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، قال: تحدثت عند أبي هريرة بحديث فأنكره، فقلت: إني قد سمعته منك؟ فقال: إن كنت سمعته مني فهو مكتوب عندي، فأخذ بيدي إلى بيته فأرانا كتبًا كثيرة من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد ذلك الحديث.
فقال: قد أخبرتك أني إن كنت حدثتك به فهو مكتوب عندي.
هذا خلاف ما تقدم في أول الباب عن أبي هريرة, أنه لم يكتب وإن عبد الله بن عمرو كتب، وحديثه بذلك أصح في النقل من هذا؛ لأنه أثبت إسنادًا عند أهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "209".
2 رواه الخطيب في تقييد العلم ص111، والبيهقي في المدخل "781" ص423.(1/151)
الحديث إلا أن الحديثين قد يسوغ التأول الجمع بينهما.
294- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، قال: قال الحسن: إن لنا كتبًا نتعاهدها1.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة بحديث ثم قال: هذا وجدته مكتوبًا عندي في الصحيفة.
- قال: وسمعت شبابة، يقول: سمعت شعبة، يقول: إذا رأيتموني أثج2 الحديث فاعلموا أني تحفظته من كتاب.
- وروى جرير، عن الأعمش، عن الحسن، أنه قال: إن لنا كتبًا نتعاهدها3.
295- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، أخبرنا الخشني، قال: أخبرنا الرياشي، قال: قال الخليل بن أحمد: اجعل ما تكتب بيت المال، وما في صدرك للنفقة4.
- وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه احترقت كتبه يوم الحرة، وكان يقول: وددت لو أن عندي كتبي بأهلي ومالي5.
296- أنبأنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "337" ص371، وأبو خيثمة في العلم "66" ص18، والخطيب في الجامع "1047" 1/ 669، وفي تقييد العلم 100-101.
2 أي: أصب الكلام صبًّا.
3 سبق قريبًا برقم "294".
4 روى الخطيب في جامعه "1048" 1/ 670، عن الخليل قوله: تعهد ما في صدرك أولى بك من تحفظ ما في كتبك. وفي تقييد العلم ص141 نحوه.
5 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "353" ص376 نحوه، والخطيب في تقييد العلم ص60.(1/152)
الأصبهاني، قال: حدثنا شريك، عن أبي روق، عن عامر الشعبي، قال: الكتاب قيد العلم1.
297- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر، قال: أخبرنا أبو زرعة، قال: أخبرنا أبو مسهر، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: يجلس إلى العالم ثلاثة:
1- رجل يأخذ كل ما سمع فذلك حاطب ليل.
2- ورجل لا يكتب ويسمع فذلك يقال له: جليس العالم.
3- ورجل ينتقي وهو خيرهم. وقال مرة أخرى: وذلك العالم2.
- قال أبو عمر: العرب تضرب المثل بحاطب الليل للذي يجمع كل ما يسمع من غث وسمين، وصحيح وسقيم، وباطل وحق؛ لأن المحتطب الليل ربما ضم أفعى فنهشته وهو يحسبها من الحطب.
- وفي مثل هذا يقول بشر المعتمر:
وحاطب يحطب في بجاده في ظلمة الليل وفي سواده
يحطب في بجاده الاسم الذكر والأسود السالح مكروه النظر
298- أخبرني أحمد بن محمد وعبيد بن محمد، قالا: حدثنا الحسن بن سلمة، قال: حدثنا ابن الجارود، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: قلت لأحمد بن حنبل: من كره كتاب العلم؟ قال: كرهه قوم ورخص فيه آخرون.
قلت له: لو لم يكتب العلم لذهب؟
قال: نعم، ولولا كتابة العلم أي شيء كنا نكون نحن3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "350" ص375، والخطيب في تقييد العلم ص99.
2 رواه الخطيب في الجامع "1510-1511" 2/ 219.
3 رواه الخطيب في تقييد العلم ص115.(1/153)
- قال إسحاق بن منصور: وسألت إسحاق بن راهويه، فقال كما قال أحمد سواء.
299- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان: كل من لم يكتب العلم لا يؤمن عليه الغلط1.
300- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: سمعت أبا نعيم -وذكر له حماد بن زيد وابن علية وأن حماد بن زيد حفظ عن أيوب وابن علية- كتب له فقال: ضمنت لك أن كل من لا يرجع إلى الكتاب لا يؤمن عليه الزلل1.
301- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر وأحمد بن قاسم، قالوا: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي إملاء، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا حاتم الفاخر -وكان ثقة- قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: إني أحب أن أكتب الحديث على ثلاثة أوجه: حديث أكتبه أريد أن أتخذه دينًا، وحديث رجل أكتبه فأوقفه لا أطرحه ولا أدين به، وحديث رجل ضعيف أحب أن أعرفه ولا أعبأ به.
- وقال الأوزاعي: تعلم ما لا يؤخذ به كما تتعلم ما يؤخذ به.
302- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو مسلم، قال: قال سفيان: قال بعض الأمراء لابن شبرمة: ما هذه الأحاديث التي تحدثنا عن النبي, صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: كتاب عندنا.
303 -وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن الحسن، عن مالك بن أنس، قال: أول من دون العلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "1030" 1/ 622، وانظر تهذيب التهذيب 3/ 11.(1/154)
ابن شهاب1.
304- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا سعيد بن زياد مولى الزبيريين قال: سمعت ابن شهاب، يحدث سعد بن إبراهيم قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترًا دفترًا, فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا.
305- وحدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا ألا نمنعه أحدًا من المسلمين2.
305م- قال: وأخبرنا معمر، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير بأحاديث فقال: اكتب لي حديثًا كذا وحديثًا كذا. فقلت: أما تكره أن تكتب العلم؟ قال: اكتب، فإنك إن لم تكن كتبت فقد ضيعت أو قال: عجزت3.
305م- قال: وأخبرنا معمر، عن صالح بن كيسان، قال: كنت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: اكتب بنا ما جاء عن أصحابه، فقلت: لا ليس بسنة، وقال هو: بل هو سنة، فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق، وابن زبالة: كذبوه.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "20486" 11/ 258، والخطيب في تقييد العلم ص107، والدارمي في سننه "404" 1/ 122، والبيهقي في المدخل "739" ص409، وأبو نعيم في الحلية 3/ 363 وسيأتي برقم "600" إن شاء الله تعالى.
3 رواه عبد الرزاق في المصنف "20488" 11/ 259، والخطيب في تقييد العلم ص110، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "345" ص373، والبيهقي في المدخل "780" ص423.
4 رواه عبد الرزاق "20487" 11/ 258-259، والخطيب في تقييد العلم ص106-107، وأبو نعيم في الحلية 3/ 360-361، وابن سعد في الطبقات 1/ 168 "المتمم" و2/ 389 وانظر التمهيد 16/ 280، والسير 5/ 455، وتهذيب التهذيب 9/ 397، وتهذيب الكمال 13/ 83، والتعديل للباجي 2/ 783.(1/155)
306- وأخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، قال: أخبرني صالح بن كيسان، قال: اجتمعتُ أنا والزهري ونحن نطلب العلم فقلنا: نكتب السنن، فكتبنا ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: نكتب ما جاء عن أصحابه؛ فإنه سنة، وقلت أنا: ليس بسنة، فلا نكتبه، فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت1.
307- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء, فرأينا ألا نمنعه أحدًا من المسلمين2.
308- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا روح بن عبادة، قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حرة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن الزهري، قال: استكتبني الملوك فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبها الملوك ألا أكتبها لغيرهم.
- وذكر ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، قال: قلت للزهري: أخرج إليَّ كتبك، فأخرج إليَّ كتبًا فيها شعر.
- وذكر محمد بن عبد الله بن الحكم، عن خالد بن نزار، قال: أقام هشام بن عبد الملك كاتبين يكتبان عن الزهري، فأقاما سنة يكتبان عنه.
- وذكر المبرد، قال: قال الخليل بن أحمد: ما سمعت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الذي قبله.
2 سبق قريبًا.
3 رواه الخطيب في تقييد العلم ص114.(1/156)
18- باب معارضة الكتاب:
309- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، أن أباه قال له: كتبت؟ قال: نعم. قال: عارضت؟ قال: لا.
قال: لم تكتب1.
310- وأخبرنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي، قال: حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، قال: قال لي أبي: يا بني كتبت؟ قلت: نعم.
قال: عارضت؟
قلت: لا.
قال: لم تكتب2.
311- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا أبان العطار، عن يحيى بن أبي كثير، قال: الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26659" 5/ 337، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "718-719" ص544، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي "577" 1/ 428، وفي الكفاية ص237، والقاضي عياض في الإلماع ص160، والبيهقي في المدخل "778" ص423، والسمعاني في أدب الإملاء ص79، وانظر التبصرة والتذكرة 2/ 34، وإسماعيل بن عياش روى عن حجازي وهو هشام, وهو ضعيف في روايته عن الحجازيين.
2 انظر ما قبله.
3 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "720" ص544، والخطيب في الجامع "578" 1/ 428، وفي الكفاية ص237، والقاضي عياض في الإلماع ص161، والسمعاني في أدب الإملاء ص78-79.(1/157)
312- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الحوطي:
وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا سليمان بن سليم الحمصي, قالا: حدثنا بقية، عن الأوزاعي، قال: مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي1.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب "المعرفة" قال: سمعت عبد الرزاق، يقول: سمعت معمرًا يقول: لو عورض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط, أو قال: خطأ.
19- باب الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث وتتبع ألفاظه ومعانيه:
313- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ, قال: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا ابن الأصبهاني، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر -يعني: الشعبي- قال: لا بأس بإقامة اللحن في الحديث2.
314- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: أخبرنا أبو الميمون البجلي بدمشق، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا الوليد بن عتبة, قال: حدثنا الوليد بن مسلم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "662" ص524.
والقاضي عياض في الإلماع ص184، والخطيب في الكفاية ص195.
في سنده:
1- جابر هو الجعفي: ضعيف، رافضي. انظر التقريب 1/ 123، والتهذيب 2/ 46-51، والكاشف 1/ 122.
2- شريك: صدوق، يخطئ كثيرًا. انظر التقريب 1/ 351.(1/158)
قال: سمعت الأوزاعي، يقول: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربًا1.
315- وأخبرنا محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي يقول: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربًا.
316- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا ابن الأصبهاني، قال: حدثنا ابن نمير، عن شريك، عن جابر، قال: سأل عامرًا يعني: الشعبي, وأبا جعفر يعني: محمد بن علي، والقاسم يعني: ابن محمد، وعطاء يعني: ابن رباح, عن الرجل يحدث بالحديث فيلحن أأحدث به كما سمعت أم أعربه؟ قالوا: لا بل أعربه2.
317- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمر الدمشقي، قال: حدثنا أبو زرعة, قال: حدثنا هشام، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي يقول: لا بأس بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث3.
318- حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت معاوية بن صالح، يحدث عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، قال: سمعت واثلة بن الأسقع، يقول: حسبكم إذا جئناكم بالحديث على معناه4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "663" ص524، والخطيب في الكفاية ص195، والقاضي عياض في الإلماع ص185.
2 انظر الكفاية ص195.
3 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "663" ص524، والخطيب في الكفاية ص195، وفي الجامع "1067-1068" 2/ 7-8، والقاضي عياض في الإلماع ص185.
4 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "685" ص533 بنحوه، وانظر "712" ص542 والدارمي "315" 1/ 104-105، والخطيب في جامعه "1098" 2/ 20-21، وفي أوله قصة، والكفاية ص203-204 بالقصة. وص204 بدون القصة، وانظر ص210، وسيأتي برقم "327" بذكر القصة.(1/159)
319- قال: وسمعت معاوية بن صالح، يحدث عن ربيعة بن يزيد، أن أبا الدرداء كان إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم فرغ منه، قال: اللهم إن لم يكن هذا فكشكله1.
320- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا معن، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي الدرداء... فذكر مثله سواء.
321- قال: وحدثنا أبي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: كان أنس بن مالك إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا ففرغ منه، قال: أو كما قال رسول الله, صلى الله عليه وآله وسلم2.
322- قال: وحدثنا أبو غسان، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله أنه حدث يومًا بحديث فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أرعد، وأرعدت ثيابه، قال: أو نحو هذا أو شبه هذا3.
قال أبو عمر: كلها حدثني بها عبد الوارث، عن قاسم، عن أحمد بن زهير أبي خيثمة.
- وروى عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود معنى حديث مسروق هذا إلا إنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "269-270" 1/ 95، والخطيب في الكفاية ص205-206، وفي الجامع "1114-1115" 2/ 26-27، وأبو خيثمة في العلم "105" ص26، والطبراني في مسند الشاميين "790" 1/ 448-449.
2 رواه الدارمي في سننه "276-277" 1/ 96، وابن ماجه في سننه "24"، والخطيب في الجامع "1116-1117" 2/ 27-28، وفي الكفاية ص206.
3 رواه ابن ماجه "23", والدارمي "270-271" 1/ 95-96, وأحمد 5/ 245، والحاكم في المستدرك 1/ 111 و3/ 314، والخطيب في الكفاية ص205، وفي الجامع "1020-1021" 1/ 658-659، و"1113" 2/ 26، والقاضي عياض في الإلماع ص176-177، والشاشي في مسنده "394" 1/ 394، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "699" ص536 من طرق عن ابن مسعود.(1/160)
قال: أو نحو ذلك، أو قريبًا من ذلك.
323- حدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: كنت أسمع الحديث من عشرة: اللفظ مختلف والمعنى واحد1.
324- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن محمد، قال: كنت أسمع الحديث من عشرة, المعنى الواحد واللفظ مختلف.
325- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا المقدام بن داود بن عيسى بن تليد، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع فقلنا: يا أبا الأسقع حدثنا بحديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس فيه وهم ولا زيادة ولا نقصان, قال: هل قرأ أحد منكم من القرآن الليلة شيئًا؟
فقلنا: نعم، وما نحن بالحافظين له حتى إنا لنزيد الواو والألف, فقال: هذا القرآن مذ كذا بين أظهركم لا تألون حفظه، وإنكم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون فكيف بأحاديث بمعناها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عسى ألا يكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا حدثتكم بالحديث على المعنى2.
326- حدثنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "690" ص534، والخطيب في الكفاية ص205-206، وابن سعد في الطبقات 3/ 157.
2 سبق برقم "318".(1/161)
أبو صالح أيوب بن سليمان وأبو عبد الله محمد بن عمر بن لبابة، قالا: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا معاذ بن الحكم الواسطي، عن عبد الرحمن بن زياد، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، قال: قلنا: يا أبا سعيد، إنك تحدثنا بالحديث أنت أجود له سياقًا منا.
قال: إذا كان المعنى واحدًا فلا بأس1.
327- وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن بكر، قال: حدثنا محمد بن الحسين الأزدي، قال: حدثنا عمران بن موسى بن فضالة، قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، قال: سألت أبا الوليد، عن الرجل يصيب في كتابة الحرف المعجم غير معجم، أو يجد الحرف المعجم تغير تعجيمه نحو: التاء ثاء، والباء ياء، وعنده في ذلك التصحيف، والناس يقولون: الصواب؟ قال: يرجع إلى قول الناس، فإن الأصل الصحة.
- قال أبو موسى: وسألت عبد الله بن داود، عن الرجل يسمع الحديث فيذهب من حفظه أو يذهب عنه فيذكره صاحبه أيصير إليه؟ قال: نعم، قال الله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282].
قال الأزدي: فأخبرنا الغلابي، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: لا بأس أن يقوم الرجل حديثه على العربية2.
328- أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: سمعت ابن عون، يقول: أدركت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "686-687" ص533، والخطيب في جامعه "1100-1101-1102" 2/ 21-22, وفي الكفاية ص207، من طرق عن الحسن يصح بها.
2 رواه الخطيب في الكفاية ص196-197.(1/162)
ثلاثة يشددون في الحروف، وثلاثة يرخصون في المعاني: فأما الذين يشددون في الحروف: فالقاسم، ورجاء، وابن سيرين، وكان أصحاب المعاني: الحسن، والشعبي، وإبراهيم1.
329- وحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس: قال: حدثنا بقي بن مخلد: قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا ابن عون، قال: كان من يتبع أن يحدث بالحديث كما يسمع: محمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، وكان ممن لا يتبع ذلك: الحسن، وإبراهيم، والشعبي.
قال ابن عون: فقلت لمحمد: إن فلانًا لا يتبع الحديث أن يحدث به كما يسمع؟ فقال: أما إنه لو اتبعه كان خيرًا له2.
330- وبه عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان بأسًا بتقديم الحديث وتأخيره، وكان ابن سيرين يتكلفه كما يسمع3.
331- وبه عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك، عن جابر، عن عامر، قال: قلت له: أسمع اللحن في الحديث؟ فقال: أقمه4.
332- وأخبرنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "692" ص535، وابن أبي شيبة في المصنف "26455" 5/ 316, والدارمي "319" 1/ 105-106، والخطيب في الكفاية ص186 وص206، وفي الجامع "1056" 1/ 673-674، وأبو خيثمة في العلم "134" ص32.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26455" 5/ 316، وانظر التعليق السابق.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26456" 5/ 316، والرامهرمزي "698" ص536، والخطيب في الكفاية ص186.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26460" 5/ 316، والخطيب في كفايته ص195، وانظر ما سبق برقم "313".(1/163)
أحمد بن سعيد، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أشهب، قال: سألت مالكًا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر، والمعنى واحد؟ قال: أما ما كان من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فإني أكره ذلك، وأكره أن يزاد فيه، أو ينقص، وما كان منها من غير قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا أرى بذلك بأسًا.
قلت: وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد؟ قال: أرجو أن يكون هذا خفيفًا1.
333- أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: أخبرنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن علي المدائني بمصر، قال: حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي، قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: قلت لابن المبارك: يكون في الحديث لحن أقومه؟ قال: نعم؛ لأن القوم لم يكونوا يلحنون اللحن2 منا.
قال أبو عمر: كان ممن يأبى أن ينصرف عن اللحن فيما روى عنهم نافع مولى ابن عمر، وأبو معمر، وأبو الضحى مسلم بن صبيح، ومحمد بن سيرين.
- ذكر أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، قال: كنا نرد نافعًا على إقامة اللحن في الحديث فيأبى3.
334- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا هشام بن علي، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر قال: إني لأسمع الحديث لحنًا فألحن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الكفاية ص188-189، وفي الجامع "110-111" 2/ 25، والقاضي عياض في الإلماع ص179-180، وانظر تدريب الراوي 2/ 101.
2 رواه الخطيب في الكفاية ص196.
3 رواه الخطيب في الكفاية ص187، وفي الجامع "1062" 2/ 5، وابن أبي شيبة في المصنف "26458" 5/ 316، والقاضي عياض في الإلماع ص188، ورواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "675" ص528 عن ابن جريج قوله.(1/164)
اتباعًا لما سمعت1.
335- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري، قال: أخبرنا الزبير بن بكار الزبيري، قال: حدثنا عياش بن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، عن أبيه، أنه جاءه الدراوردي عبد العزيز بن محمد يعرض عليه الحديث، فجعل يقرأ ويلحن لحنًا منكرًا فقال له المغيرة: ويحك يا دراوردي، كنت بإقامة لسانك قبل طلب هذا الشأن أحرى2.
والقول في هذا الباب ما قاله الحسن، والشعبي، وعطاء، ومن تابعهم وهو الصواب وبالله التوفيق3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه "320" 1/ 106، وابن أبي شيبة في المصنف "26456" 5/ 316، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "707" ص540، والخطيب في الجامع "1060-1061" 2/ 5، والكفاية ص186، والقاضي عياض في الإلماع ص185.
2 رواه الخطيب في الجامع "1077" 2/ 11-12.
3 اختلف أهل العلم في حكم رواية الحديث بالمعنى:
أ- فأوجب بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين نقل ألفاظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجهها، ولم يجيزوا مخالفتها، ولا تقديم بعض الكلام على بعض. وإن كان المعنى في الجميع واحدًا، وشددوا في ذلك آكد التشديد، حتى إنهم يسمعون الحديث ملحونًا ويعلمون ذلك ولا يغيرونه.
وذهب إلى هذا القول ابن سيرين، وثعلب النحوي، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وعلي بن المديني, وإليه مال القاضي عياض.
وحكاه الخطابي عن ابن عمر، والقاسم بن محمد، ورجاء بن حيوة، ومالك، وابن علية، وعن عبد الوارث ويزيد بن زريع.
ب- وقال جمهور من السلف والخلف: يجوز رواية الحديث بالمعنى، إذا قطع بأداء معنى اللفظ الذي بلغه.
قال ابن كثير: فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفًا وخلفًا, وعليه العمل.
وقد اشترطوا لذلك شروطًا، وهي:
1- أن يكون الراوي عالمًا بمدلولات الألفاظ ومقاصدها، وعالمًا بالفرق بين المحتمل =(1/165)
20- باب في فضل التعلم في الصغر والحض عليه:
336- أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي، قال: حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري، قال: حدثنا أبو عيسى الرملي، قال: حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد، قال: حدثني محمد بن أبي السري، حدثنا يوسف بن عطية، قال: حدثنا مرزوق أبو عبد الله، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أيما ناشئ نشأ في طلب العلم والعبادة حتى يكبر وهو على ذلك, كتب الله له أجر سبعين صديقًا"1.
337- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد بن جعفر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والظاهر والأظهر والعام والأعم.
2- أن يكون اللفظ الثاني مفيدًا لما يفيده الأول من غير زيادة ولا نقصان.
3- أن تكون الترجمة مساوية للأصل في الجلاء والخفاء؛ لأن الخطاب تارة يقع بالمحكم؛ وتارة بالمتشابه، لحكم وأسرار استأثر الله بعلمها؛ فلا يجوز تغييرها عن وضعها.
4- أن لا يكون في حديث متعبد بتلاوته.
5- أن لا يكون من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
انظر الكفاية ص198، وعلوم الحديث لابن الصلاح ص191، والباعث الحثيث ص141، وتدريب الراوي 2/ 98-99، وفتح المغيث 2/ 214-215، وإرشاد الفحول ص57، والمسودة ص281 وشرح الكوكب المنير 2/ 531-532، والمحدث الفاصل ص538-539، والكفاية ص171-179، والإلماع ص174-188، ورسالتنا "رواية الحديث باللفظ والمعنى وموقف العلماء منه" يسر الله طبعها.
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "7590" 8/ 153، وفي مسند الشاميين "3424" 4/ 318، وفي سنده:
1- يوسف بن عطية: متروك الحديث, كما في المجمع 1/ 124-125، والتقريب 2/ 381.
ورواه في المعجم الكبير "7589" 8/ 152، وفي مسند الشاميين "3423" 4/ 318 من طريق أبي سنان، عن مكحول به, وفي سنده:
1- يحيى الحماني: ضعيف, انظر التقريب 2/ 352.
2- أبو سنان الشامي: لين الحديث, انظر التقريب 2/ 98, والكاشف 2/ 315.(1/166)
الفهري بمصر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن طلحة بن زيد، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تعلم العلم وهو شاب كان كوشم في حجر، ومن تعلم العلم بعدما يدخل في السن كان كالكاتب على ظهر الماء"1.
338- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو سليمان البخاري، قال: حدثنا شيخ من أهل البصرة، عن معبد، عن الحسن، قال: طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 218 ثم قال: "هذا حديث لا يصح، هناد بن إبراهيم لا يوثق به, وبقية مدلس".
وأقره السيوطي في اللآلئ 1/ 196، ثم قال: له شاهد من مرسل إسماعيل بن رافع، وحديث أبي الدرداء.
وفي سند ابن عبد البر هنا: صدقة، وهو متروك، وطلحة بن عبد الله: منكر الحديث.
وحديث أبي الدرداء عزاه في مجمع الزوائد 1/ 125، للطبراني في الكبير ثم قال: "وفيه مروان بن سالم الشامي، ضعفه البخاري ومسلم وأبو حاتم".
قلت: بل هو منكر الحديث. انظر الميزان 4/ 90، والمجروحين 2/ 317، والجرح 4/ 1/ 274، والضعفاء الصغير ص109، والتاريخ الكبير 7/ 273.
ومرسل -بل معضل- إسماعيل بن رافع: رواه البيهقي في المدخل "641" ص375 ثم قال: هذا منقطع. وفي سنده إسماعيل بن رافع: ضعيف، انظر الجرح والتعديل 1/ 1/ 168، والمجروحين 1/ 124، والميزان1/ 227، والتهذيب 1/ 294، والتقريب 1/ 69.
وفي سنده من هو ضعيف أيضًا.
وبالجملة هو حديث ضعيف جدًّا، لا يرتقي بغيره لشدة ضعفه.
وانظر المقاصد الحسنة ص287، وكشف الخفاء 2/ 85، والدرر المنتثرة ص191، والشذرة 1/ 395، والكشف الإلهي 2/ 486، والجد الحثيث ص147 بتحقيقي.
2 فيه رجل مبهم. ورواه البيهقي في المدخل "640" ص375، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 91، من طريق المفضل بن نوح، عن يزيد بن معمر، عن الحسن به. ورواه ابن أبي الدنيا في العيال "599" 1/ 800 عن يزيد قوله.(1/167)
339- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز, قالا: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: أما ما حفظت وأنا شاب فكأني أنظر إليه في قرطاس أو ورقة1.
340- أخبرنا قاسم بن محمد أبو محمد -رحمه الله- قال: أخبرنا خالد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن حيون، قال: حدثنا عبد الله بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا مطلب بن زياد، قال: حدثنا محمد بن أبان، قال: قال الحسن بن علي لبنيه ولبني أخيه: تعلموا العلم فإنكم إن تكونوا صغار قوم تكونوا كبارهم غدًا، فمن لم يحفظ منكم فليكتب2.
341- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثني أحمد بن شبويه، قال: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، قال: قال لي إبراهيم وأنا شاب في فريضة: احفظ هذه لعلك أن تسأل عنها3.
342- وحدثنا خلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثني أبي، عن الأعمش، قال: قال لي إبراهيم وأنا غلام في فريضة: احفظ هذه لعلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن سعد في الطبقات 6/ 87. والفسوي في المعرفة 2/ 554، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 92، وأبو نعيم في الحلية 2/ 100-101، وأبو خيثمة في العلم "156" ص36.
والبيهقي في المدخل "642" ص376. ورجاله ثقات.
2 رواه الدارمي "511" 1/ 140، والبيهقي في المدخل "632" ص371-372، وسنده حسن, فيه شرحبيل بن سعد: صدوق اختلط بأخرة. انظر التقريب 1/ 348، والتهذيب 4/ 320-322.
3 رواه أبو خيثمة في العلم "36" ص13.(1/168)
تسأل عنها1.
343- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عمارة بن غزية، عن عثمان بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، أنه كان يقول لبنيه: يا بني, إن أزهد الناس في عالم أهله، فهلموا إلي فتعلموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم إني كنت صغيرًا لا ينظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله2.
344- أنشدني هارون بن موسى، قال: أنشدنا إسماعيل بن القاسم، قال: أنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدني أبي في أبيات ذكرها:
فهبني عذرت الفتى جاهلًا فما العذر فيه إذا المرء شاخا
- وكان يقال: من أدب ابنه صغيرًا أقرت به عينه كبيرًا.
- ولابن أغبس في أبيات له:
ما أقبح الجهل على من بدا برأسه الشيب وما أشنعه
- ولغيره:
رأيت العلم لم يكن انتهابًا ولم يقسم على عدد السنين
ولو أن السنين تقاسمته حوى الآباء أنصبة البنين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه الدارمي, مختصرًا "552" 1/ 147، والبيهقي في المدخل "415" ص284-285 و"633" ص372، وابن أبي الدنيا في العيال "601" 1/ 801، والفسوي في المعرفة 1/ 551، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 90، وأبو نعيم في الحلية 2/ 177 بأتم منه, من طرق عن هشام وسنده صحيح.(1/169)
- وقال آخر:
يقوم من ميل الغلام المؤدب ولا ينفع التأديب والرأس أشيب
- وقال أمية بن أبي الصلت:
إن الغلام مطيع من يؤدبه ولا يطيعك كهل حين يكتهل
- وقال آخر:
يقوم بالشاف العود لدنا ولا يتقوم العود الصليب
- وقال آخر:
إن الغلام مطيع من يؤدبه ولا يطيعك ذو شيب بتأديب
- وقال سابق البربري, رحمه الله:
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل وليس ينفع عند الكبرة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشب
- وقال محمد بن مناذر:
وإذا ما يبس العود على أود لم يستقم منه الأود
- ويقال في المثل في مثل هذا: إنما يطبع الطين إذا كان رطبًا.
- وقد أخذه منصور في غير هذا المعنى فقال:
ولم تدم قط حال فاطبع وطينك رطب
- ومما ينشد لخلف الأحمر:
خير ما ورث الرجال بنيهم أدب صالح وحسن ثناء
هو خير من الدنانير والأوراق في يوم شدة أو رخاء
تلك تفنى والدين والأدب الصالح لا يفنيان حتى اللقاء
إن تأدبت يا بني صغيرًا كنت يومًا تعد في الكبراء
وإذا ما أضعت نفسك ألفيـ ـت كبيرًا في زمرة الغوغاء(1/170)
ليس عطف القضيب إذا كان رطبًا وإذا كان يابسًا بسواء
هكذا أنشدها غير واحد لخلف الأحمر. وأنشدها الخشني -رحمه الله- لإبراهيم بن داود البغدادي في قصيدة له مطولة يوصي فيها ابنه أولها:
يا بنيَّ اقترب من الفقهاء وتعلم تكن من العلماء
- وكان يقال: من أدب ولده أرغم أنف عدوه.
345- أخبرنا أحمد، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله، حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، قال: كانوا يقولون: أكرم ولدك وأحسن أدبه1.
345م- قال أبو بكر: وحدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قال سليمان بن داود لابنه: من أراد أن يغيظ عدوه فلا يرفع العصا عن ولده2.
346- وأنشدني أحمد بن محمد بن هشام، قال: أنشدني علي بن عمر بن موسى القاضي، قال: أنشدنا أبو الحسين محمد بن عبيد الله المقرئ، قال: أنشدنا أبو عبيد الله نفطويه لنفسه, رحمه الله:
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر ولست بناسٍ ما تعلمت في الصغر
وما العلم إلا بالتعلم في الصبا وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر
ولو فلق القلب المعلم في الصبا لألفي فيه العلم كالنقش في الحجر
وما العلم بعد الشيب إلا تعسف إذا كل قلب المرء والسمع والبصر
وما المرء إلا اثنان: عقل ومنطق فمن فاته هذا وهذا فقد دمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "25653" 5/ 240، والبيهقي في الشعب "8672" 6/ 403 وابن أبي الدنيا في العيال "331" 1/ 504.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "25652" 5/ 240.(1/171)
- وقال آخر:
إذا ما المرء لم يولد لبيبًا فليس بنافع قدم الولادة
- وقال آخر:
إن الحداثة لا تقـ ـصر بالفتى المرزوق ذهنًا
لكن تذكِّي عقله فيفوق أكبر منه سنًّا
347- وحدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدائني، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا يحيى بن حسان، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، قال: قال لنا ابن شهاب ونحن نسأله: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان, فاستشارهم يتبع حدة عقولهم1.
- وذكر الحسن الحلواني في "كتاب المعرفة" قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا يوسف بن الماجشون، قال: قال لي ابن شهاب ولأخ لي وابن عم ونحن فتيان نسأله عن العلم: لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان, فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم.
- وقال الحلواني: وحدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت يعلى بن حكيم، يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شاب، قلت لشاب من الأنصار: يا فلان هلم فلنسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولنتعلم منهم فإنهم كثير.
قال: العجب لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الأرض من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 364، والبيهقي في المدخل "634" ص372-373، وفي سننه 10/ 113، وأبو نعيم في الحلية 3/ 364، والخليلي في الإرشاد 1/ 309، وانظر السير 8/ 373، ورجاله ثقات.(1/172)
ترى من أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ قال: فتركت ذلك، وأقبلت على المسألة، وتتبع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن كنت لآتي الرجل في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجده قائلًا، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح على وجهي، حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما لك؟
فأقول: بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأحببت أن أسمعه منك.
قال: فيقول: فهلا بعثت إلي حتى آتيك؟
فأقول: أنا أحق أن آتيك، فكان الرجل بعد ذلك يراني وقد ذهب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحتاج الناس إلي فيقول: كنت أعقل مني1.
348- وأخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا أبو عبيد، قال: حدثنا ابن علية ومعاذ، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر -رضي الله عنه- قال: تفقهوا قبل أن تسودوا2.
349- وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن يونس، حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه، برقم "570" 1/ 150-151، والخطيب في الجامع "219" 1/ 235-236، وانظر سير أعلام النبلاء 3/ 230، ورجاله ثقات.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26116" 5/ 284، والدارمي "250" 1/ 91، وأبو عبيد في غريب الحديث 3/ 369، وعلقه البخاري في كتاب العلم، باب "15" 1/ 165. وقال الحافظ في الفتح 1/ 166: "وإسناده صحيح" اهـ. ووكيع في الزهد "102"، وأبو خيثمة في العلم "9" ص8، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 78، والبيهقي في الشعب "1669"، وفي المدخل "373" ص265، وانظر المقاصد الحسنة ص159، وتغليق التعليق 2/ 82، ومختصر المقاصد ص87، والتمييز ص60، وكشف الخفاء 1/ 370، والأسرار المرفوعة ص174، والمصنوع ص81، والشذرة 1/ 214، وتذكرة الموضوعات ص19، والنوافح العطرة ص105، والجد الحثيث ص78، وتحذير المسلمين ص84.(1/173)
عون، عن ابن سيرين "عن الأحنف" قال: قال عمر: تفقهوا قبل أن تسودوا.
349م- قال أبو بكر: وحدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه1.
350- قرأت على عبد الوارث، أن قاسمًا حدثهم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الغازي، قال: أخبرني عبد الله بن شبيب، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: أخبرني عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، قال: أتيت المنذر بن عبد الله الحزامي وأنا حديث السن، فلما تحدثت اهتز إلي على غيرة لما رأى فيَّ بعض الفصاحة، فقال لي: من أنت؟ فقلت له: عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة, فقال: اطلب العلم، فإن معك حذاءك وسقاءك.
وذكر ابن وهب، عن موسى بن علي، عن أبيه، أن لقمان الحكيم، قال لابنه: يا بني, ابتغِ العلم صغيرًا؛ فإن ابتغاء العلم يشق على الكبير.
351- قال أبو عمر: أنشدني غير واحد لصالح بن عبد القدوس في شعر له:
وإن من أدبته في الصبا كالعود يسقي الماء في غرسه
حتى تراه مونقًا ناضرًا بعد الذي أبصرت من يبسه
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله كذا الضنا عاد إلى نكسه
352- أخبرني عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن الغازي، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ما رأيت شابًّا قط لا يطلب العلم ولا سيما إذا كانت له حدة إلا رحمته2.
353- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي مسندًا قريبًا برقم "356". وما بين القوسين في المصنف ليس في المطبوعة.
2 في سنده عبد الله بن شبيب: واهٍ. انظر الميزان 2/ 438.(1/174)
زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: أخبرني بقية بن الوليد، قال: حدثني محمد بن سماعة، قال: حدثني أبو عثمان القرشي، عن مكحول، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا يستحي الشيخ أن يتعلم من الشاب"1.
354- حدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا مالك بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا الفضيل بن عياض، عن الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله بن مسعود: يا أيها الناس تعلموا العلم؛ فإن أحدكم لا يدري متى يختل إليه2.
- وذكر عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود سواء.
- وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود، قال: عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه أو إلى ما عنده.
21- باب: حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذم ما منع منه
- قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "شفاء العي السؤال"4.
- وقالت عائشة, رحمها الله: رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو مرسل ضعيف.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26119" 5/ 284، والدارمي "156" 1/ 69، وعبد الرزاق في المصنف 4/ 323 بزيادة في آخره و"20465" 11/ 252، وأبو خيثمة في العلم "8" ص7-8، والبيهقي في المدخل "386" ص271، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 189 "8846".
ويختل أي: متى يحتاج الناس إلى ما عنده. وانظر مجمع الزوائد 7/ 168.
3 سيأتي.
4 سيأتي.
5 سيأتي "355" قريبًا.(1/175)
- وقالت أم سليم: "يا رسول الله, إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من الغسل؟"1.
- واستحيا علي أن يسأل عن المذي، لمكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من ابنته التي كانت عنده، فأمر المقداد وعمارًا فسألا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك2.
- وهذه الأحاديث مشهورة الأسانيد، وقد ذكرتها من طرق في التمهيد.
- وقال عبد الله بن مسعود: زيادة العلم الابتغاء، ودرك العلم السؤال، فتعلم ما جهلت، واعمل بما علمت.
- وقال ابن شهاب: العلم خزانة مفاتحها المسألة3.
355- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا محمد بن بكر بن داسة، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "130-282-3228-6091-6121"، ومسلم "313"، والترمذي "122"، والنسائي 1/ 114، وابن ماجه "600"، وأحمد 2/ 292 و6/ 302-306، والحميدي "298"، ومالك 1/ 51، وعبد الرزاق "1049"، وابن حبان "1165-1167"، وابن خزيمة "2235"، وابن الجارود "88".
وابن المنذر في الأوسط "588" 2/ 82، والبيهقي في سننه 1/ 167-168، والبغوي في شرح السنة "244-245".
2 رواه البخاري "132-178-269"، ومسلم "303"، وأبو داود "206"، والترمذي "114"، وابن ماجه "504"، والنسائي 1/ 96-97-111-192-214، ومالك "53" 1/ 40، وأحمد في المسند 1/ 80-82-124-129-140-145، وأبو يعلى "314" 1/ 166، والطيالسي 1/ 44، وابن خزيمة "18"، وابن الجارود "6"، وعبد الرزاق "602-603-604"، وابن المنذر في الأوسط "20-21" 1/ 133-134، وابن حبان "1102-1104" والبغوي "158".
3 سيأتي قريبًا.(1/176)
عائشة -رضي الله عنها- قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه1.
356- قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الله، أن محمد بن معاوية القرشي أخبرهم قال: حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبد الحميد، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت ابن عباس يخبر: أن رجلًا أصابه جرح على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أصابه احتلام فأمر بالاغتسال فقر2 فمات، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال؟"3.
هكذا رواه عبد الحميد بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس.
ورواه عبد الرزاق، عن الأوزاعي، عن رجل، عن عطاء، عن ابن عباس، مثله سواء.
وعبد الرزاق أثبت من عبد الحميد، وزاد عبد الرزاق: قال عطاء: وبلغني أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه البخاري "314" 1/ 414، و"315" 1/ 416-417، ومسلم "332" 1/ 260-261، وأبو داود "314-315-316" 1/ 85، والنسائي 1/ 135-137، وفي الكبرى "241"، وابن ماجه "642"، وأحمد 1/ 122-147-188، والدارمي "733" 1/ 219، والحميدي "167"، والطيالسي 1/ 60، وابن خزيمة "248"، وأبو يعلى "4733"، وابن الجارود "117"، وابن حبان "1199"، والبيهقي 1/ 180، والبغوي "253".
2 أي: برد.
3 رواه أبو داود "337" 1/ 93، وابن ماجه "572"، والدارمي "752" 1/ 210، وأحمد 1/ 330، وعبد الرزاق "867" 1/ 223، والبخاري في التاريخ 8/ 288، وأبو يعلى "2420" 4/ 309، والرامهرمزي "297-298" ص358. والطبراني في المعجم الكبير "11472" 11/ 194.
والدارقطني 1/ 190-191-192. والحاكم في المستدرك 1/ 165-178، وأبو نعيم في الحلية 3/ 317، والبيهقي 1/ 227، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 68، وانظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "572"، وبيان الوهم 2/ 236-238.(1/177)
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو اغتسل وترك موضع الجراح".
- وأنشدت لبعض المتقدمين:
إذا كنت في بلد جاهلًا وللعلم ملتمسًا فاسأل
فإن السؤال شفاء العمي كما قيل في المثل الأول
- وقال الفرزدق:
ألا خبروني أيها الناس إنما سألت، ومن يسأل عن العلم يعلم
سؤال امرئ لم يعقل العلم صدره وما السائل الواعي الأحاديث كالعمي
- وقال أمية بن الصلت:
لا يذهبن بك التفريط منتظرًا طول الأناة ولا يطمح بك العجل
فقد يزيد السؤال المرء تجربة و يستريح إلى الإخبار من يسل
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها ولا البصير كأعمى ما له بصر
فاستخبر الناس عما أنت جاهله إذا عميت فقد يجلو العمى الخبر
- وله أيضًا:
وقد يقتل الجهل السؤال ويشتفي إذا عاين الأمر المهم المعاين
وفي البحث قدمًا والسؤال لذي العمى شفاء وأشفى منهما ما تعاين
357- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن عبد الله بن بريدة، أن معاوية بن أبي سفيان دعا دغفلًا النسابة فسأله عن العربية وسأله عن أنساب الناس وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم فقال: يا دغفل: من أين حفظت هذا؟ قال: حفظت هذا بقلب عقول، ولسان سئول... وذكر تمام الخبر1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في العيال "349" 1/ 528, من طريق كامل بن طلحة، حدثنا أبو بلال -هلال- عن ابن بريدة، أن معاوية به، وفيه سقط في سنده, كما هو ظاهر.
والبيهقي في المدخل "428" ص291 وسقط من سنده قتادة، ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب 1/ 462, وابن عساكر في تاريخ دمشق 17/ 291-292، ورواه الدينوري في المجالسة "306" 2/ 185-186، وابن قتيبة في عيون الأخبار 2/ 134. وانظر الإصابة 2/ 389.(1/178)
- وذكر ابن مجاهد، قال: حدثني موسى بن إسحاق، قال: حدثنا هارون بن حاتم، قال: حدثنا عبد الرحمن، عن عيسى الهمداني، عن المسيب بن عبد خير، عن أبيه، قال: قال عمر: من علم فليعلم، ومن لم يعلم فليسأل العلماء، ألا إن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف.
- وروى علي بن حوشب، قال: سمعت مكحولًا، يقول: قدمت دمشق وما أنا بشيء من العلم أعلم مني بكذا لباب -ذكره من أبواب العلم- قال: فأمسك أهلها عن مسألتي حتى ذهب.
- وذكر الحلواني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، عن ابن شهاب، قال: العلم خزائن ومفاتيحها السؤال.
358- حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: إن هذا العلم خزائن تفتحها المسألة1.
359- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عمرو بن عثمان بن عمر بن موسى، قال: حدثني أبي، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، قال: إن هذا العلم خزائن تفتحها المسألة2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "549" 1/ 147، وأبو نعيم في الحلية 3/ 263، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 32، والبيهقي في المدخل "429" ص291-292، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص360، ورجاله ثقات.
2 انظر ما قبله.(1/179)
360- وأخبرنا عبد الله بن محمد الصفار، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد ببغداد، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: كان الخليل يقول: العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها.
- قال أبو عمر: كان الأصمعي ينشد:
شفاء العمي طول السؤال، وإنما تمام العمي طول السكوت على الجهل
- وقال سابق:
والعلم يشفي إذا اشتفى الجهول به وبالدواء قديمًا يحسم الداء
- وقال آخر:
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي يسائل من يدري فكيف إذًا تدري؟!
- وروينا عن الخليل -رحمه الله- أنه قال: إن لم تعلم الناس ثوابًا فعلمهم لتدرس بتعليمهم علمك، ولا تجزع من تفريع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم.
361- وأخبرني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا داود بن أيوب بن أبي حجر، قال: قدم رجل على ابن المبارك وعنده أهل الحديث فاستحيا أن يسأل، وجعل أهل الحديث يسألونه، قال: فنظر ابن المبارك إليه فكتب بطاقة وألقاها إليه فإذا فيها:
إن تلبثت عن سؤالك عبد الله ترجع غدًا بخفي حُنين
فأعنت الشيخ بالسؤال تجده سلسًا يلتقيك بالراحتين
وإذا لم تصح صياح الثكالى قمت عنه وأنت صفر اليدين
- وأنشد ابن الأعرابي:
وسل الفقيه تكن فقيهًا مثله من يسع في علم بفقه يمهر
وتدبر الذي تعني به لا خير في علم بغير تدبر
- وروينا عن وهب بن منبه، وسليمان بن يسار، أنهما قالا: حسن المسألة(1/180)
نصف العلم والرفق نصف العيش1.
- وسئل الأصمعي: بم نلت ما نلت؟ قال: بكثرة سؤالي وتلقفي الحكمة الشرود.
362- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن معن، قال: قال لي عبد العزيز بن عمر: ما شيء إلا وقد علمت منه إلا أشياء, كنت أستحي أن أسأل عنها فكبرت وفيّ جهالتها.
363- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: قال لي علي, رضي الله عنه: خمس احفظوهن لو ركبتم الإبل لأنضيتموها قبل أن تصيبوهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي جاهل أن يسأل، ولا يستحي عالم إن لم يعلم أن يقول: الله أعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "174" ص228.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 75-86. والبيهقي في المدخل "795" ص431، وفي الشعب، "9718"، وابن شمس في الآداب ص51. وروى ابن أبي الدنيا في "الصبر والثواب عليه" "8" ص24 من طريق السري، عن الشعبي، عن مسروق، عن علي، مقتصرًا على ذكر الصبر فقط. ووكيع في الزهد "199" 2/ 450-451 بقصة الصبر. وابن أبي شيبة في الإيمان "130" ص44 بالصبر، والبيهقي في الشعب 1/ 26، بالصبر، ورواه الدينوري في المجالسة "309" 2/ 187، وعبد الرزاق "21031" 11/ 465، واليزيدي في أماليه "105" ص141، والقاضي عياض في الإلماع ص214-215 من طريق أبي إسحاق، عن علي ولم يسمع منه.
وانظر هامش المجالسة للأهمية.
وقد رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 75-76 من طريق الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر.
عن ابن طاوس, عن عكرمة بن خالد, عن علي.
ومن طريق أبي الزغل، وفيه عيسى بن مسلم لين الحديث، كما في التقريب 2/ 101، وثابت ضعيف رافضي، كما في التقريب 1/ 116، والمجروحين 1/ 206، والميزان 1/ 363.(1/181)
364- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، قال: قال علي بن أبي طالب: خذوا عني هؤلاء الكلمات فلو رحلتم فيهن المطي حتى أنضيتموهن لم تبلغوهن: لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي إذا كان لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وذكر تمام الخبر مثله1.
- وقال علي -رضي الله عنه- قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان.
- وقال الحسن: من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله، فاقطعوا سرابيل الجهل عنكم بدفع الحياء في العلم، فإنه من رق وجهه رق علمه2.
- وقال الخليل بن أحمد: الجهل منزلة بين الحياء والأنفة.
- وكان يقال: من رق وجهه عن السؤال رق علمه عند الرجال، ومن ظن أن للعلم غاية فقد بخسه حقه3.
365- حدثنا أحمد بن فتح، قال: حدثنا أبو أحمد بن المفسر الدمشقي بمصر، قال: حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد، قال: حدثنا موسى بن أيوب، قال: حدثنا بقية، عن هشام بن عبيد الله، عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه، قال: ميراث العلم خير من ميراث الذهب والفضة، والنفس الصالحة خير من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السري: متروك. وانظر تخريجه فيما سبق.
2 رواه ابن عربي في محاضرة الأبرار 1/ 380، وابن قتيبة في عيون الأخبار 2/ 139، والدينوري في المجالسة "1636" 4/ 439 من طريق يوسف بن عبد الله الحلواني، عن عثمان بن الهيثم، عن عوف عن الحسن به.
3 ورد عن سفيان الثوري، وابن عمر، وعمر، والشعبي، انظر الفقيه والمتفقه 2/ 44، والمعرفة 3/ 113، وسنن الدارمي "550" 1/ 147، والمدخل للبيهقي ص280-281.(1/182)
اللؤلؤ، ولا يستطاع العلم براحة الجسم1.
- ورواه مسدد ويحيى بن يحيى قالا: حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: لا ينال العلم براحة البدن2.
366- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن النعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا مسدد، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه، قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم3.
- وقد روي مثل هذا القول عن زيد بن علي بن حسين، أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
قال أبو عمر: ذهب هذا القول مثلًا عند العلماء وقد نظمته ونظمت قول الأصمعي: يعد من العلماء وليس منهم المعدد ما عنده، وهو الذي إذا سئل عن الشيء قال: هو عندي في الطاق أو في الصندوق، مع معنى قول الحسن، والخليل في الحياء على ما ذكرناه في هذا الباب عنهما، في أبيات قلتها وهي:
يا من يرى جمع المال والكتب خدعت والله، ليس الجد كاللعب
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه حفظًا وفهمًا وإتقانًا فداك أب
لا ما توهمه العبدى من سفه إذ قال: ما تبتغي عندي وفي كتب
قال الحكيم مقالًا ليس يدفعه ذو العقل من كان من عجم ومن عرب
ما إن ينال الفتى علمًا ولا أدبًا براحة النفس واللذات والطرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 66، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 103، والبيهقي في المدخل "400" ص277 والخطيب في الموضح 2/ 532 من طرق عن يحيى به، وسنده صحيح.
2 انظر ما قبله. وقد رواه مسلم في صحيحه "175" 1/ 428، والبيهقي في المدخل "40" ص277، والقاضي عياض في الإلماع ص343، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "83" ص202.
3 انظر ما قبله.(1/183)
نعم ولا باكتساب المال تجمعه شتان بين اكتساب العلم والذهب
أليس في الأنبياء الرسل أسوتنا عليهم صلوات الرب ذي الحجب؟
حازوا العلوم وعنهم حملة ورثت وعاش أكثرهم جهلًا بلا نشب
إن الحياء لخير كله أبدًا ما لم يحل بين نفس المرء والطلب
وكل ما حال دون الخير لم يك في ما بين ذاك وبين الخير من نسب
- وأنشدت لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي في أبي مسلم بن فهد:
أبا مسلم إن الفتى بجنانه ومقوله لا بالمراكب واللبس
وليس ثياب المرء تغني قُلامة إذا كان مقصورًا على قِصَر النفس
وليس يفيد العلم والحلم والتقى أبا مسلم طول القعود على الكرسي
في أبيات له.
367- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أبو إسحاق الشيرازي، قال: أنشدني العتبي أحمد بن سعيد للحسن بن محمد في أبيات له:
علمك ما قد جمعت حفظكه ليس الذي قلت عندنا كتبه
في قصيدة عجيبة محكمة له.
- وقال إبراهيم بن المهدي: سل مسألة الحمقى، واحفظ حفظ الأكياس.
قال أبو عمر: وبسؤال العلماء يأمر القائل:
عليك بأهل العلم فارغب إليهم يفيدوك علمًا كي تكون عليما
ويحسب كل الناس أنك منهم إذا كنت في أهل الرشاد مقيما
فكل قرين بالمقارن مقتدي وقد قال هذا القائلون قديما
- وقال الفريابي، عن الثوري؛ قد بلغنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ويل لمن يعلم ولم يعمل، وويل ثم ويل لمن لا يعلم ولا يتعلم, مرتين"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 111، والخطيب في اقتضاء العلم العمل "64" ص46. وابن عساكر في "ذم من لا يعمل بعلمه" "7" ص36-38 عن حذيفة مرفوعًا. وفي سنده قيس بن الربيع: ضعيف، كما في التقريب 2/ 128، والميزان 3/ 393، وعبد الله بن محمد بن وهب: متروك، وقد اختلف في رفعه ووقفه. انظر ما سيأتي برقم "655".(1/184)
22- باب: ذكر الرحلة في طلب العلم
قد تقدم في كتابنا من حديث صفوان بن عسال، وحديث أبي الدرداء، مما يدخل في هذا الباب ما يغني عن إعادته ههنا.
368- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا صالح بن صالح الهمداني، قال: حدثنا الشعبي، قال: حدثنا أبو بردة، عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها وأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، وأعتقها فتزوجها، فله أجران، وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وأيما مملوك أدى حق مواليه وأدى حق ربه فله أجران".
خذها بغير شيء، قد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة. والشعبي يقوله1.
369- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا محمد بن سعيد، أخبرنا شريك، عن صالح بن حيي، عن عامر، قال: حدثني أبو بردة، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "97-2544-3011-3446-5083". ومسلم "154"، وأبو داود "2053"، والترمذي "1116"، والنسائي 6/ 115، وابن ماجه "1956"، والدارمي "2244-2245" 2/ 206، وأحمد 4/ 395-402-405-414, والطيالسي في مسنده "501-502"، وسعيد بن منصور في سننه "913-914"، والطحاوي في المشكل 2/ 394-395-396، والطبراني في المعجم الصغير 1/ 44، والحميدي "768"، وأبو عوانة 1/ 103، وابن حبان "227" 1/ 463-465، وابن منده "395-396-397-398-399-400"، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص7، والبخاري في الأدب المفرد "203"، والبيهقي في 7/ 128، والبغوي "25-26".(1/185)
قال: وقال عامر: أخذتها مني بلا شيء، وقد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة.
370- أخبرنا أحمد بن قاسم، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة، قال: أخبرنا هدبة ويزيد بن هارون -واللفظ لهدبة- قالا: حدثنا همام، قال: حدثنا القاسم بن عبد الواحد، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عقيل، يحدث عن جابر بن عبد الله، قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فابتعت بعيرًا فشددت عليه رحلي، ثم سرت إليه شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري، فأتيت منزله وأرسلت إليه أن جابرًا على الباب، فرجع إلي الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم، فخرج إلي فاعتنقته واعتنقني. قال: قلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المظالم لم أسمعه أنا منه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يحشر الله تبارك وتعالى العباد -أو قال: الناس, شك همام، وأومأ بيده إلي الشام- حفاة عراة غرلًا بهمًا".
قال: قلنا: ما بهمًا؟ قال: ليس معهم شيء "فيناديهم بصوت يسمعه من بعد ويسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة".
قال: قلنا له: كيف وإنما نأتي الله -عز وجل- حفاة عراة غرلًا؟ قال: "بالحسنات والسيئات"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 3/ 495، والبخاري في الأدب المفرد "970"، وخلق أفعال العباد "463"، والحارث بن أبي أسامة "45" "الزوائد"، والحاكم في المستدرك 2/ 437-438 و4/ 574-575، والبيهقي في الأسماء والصفات "131-600"، والطبراني في المعجم الكبير "331" ص132-133 "التتمة"، وفي الأوسط "4793" "مجمع البحرين"، والمزي في تهذيب الكمال 23/ 292-293، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن أبي عاصم في السنة "514"، وفي الآحاد والمثاني "2034"، والخرائطي في المساوئ "643"، والخطيب في الرحلة "31-32", وفي الجامع "1686"، وابن أبي الدنيا في الأهوال "249"، وابن حجر في التغليق 5/ 355، وابن ناصر الدين في مجلس في حديث حابر ص27-35, وسنده حسن. ورواه الطبراني في مسند الشاميين "156"، وتمام "928" من طريق أخرى، انظر الفتح 1/ 174-209، والتغليق 5/ 355-357.(1/186)
371- وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن محفوظ الدمشقي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثني همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل، أن جابر بن عبد الله حدثه قال: بلغني... فذكره.
- وروى سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، قال: سمعت شيخًا من أهل المدينة -قال سفيان: هو أبو سعيد الأعمى- يحدث عطاء أن أبا أيوب رحل إلى عقبة بن عامر، فلما قدم مصر أخبروا عقبة فخرج إليه، قال: حدثنا ما سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ستر المسلم, لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك.
قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ستر مسلمًا على خزية1 ستره الله يوم القيامة".
فأتى أبو أيوب راحلته فركبها وانصرف إلى المدينة، وما حل رحله2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خزية: هو الشيء الذي يستحيا منه.
2 رواه أحمد في المسند 4/ 153، والحميدي في مسنده "384"، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص7-8، والخطيب في الرحلة ص118-120، وابن ناصر الدين في مجلس في حديث حابر ص43-44.
وفي سنده أبو سعد الأعمى: مجهول. انظر البخاري في الكنى ص36، وابن أبي حاتم في الجرح 9/ 379, ومجمع الزوائد 1/ 134, وفتح الباري 1/ 210. وله طرق أخرى:
رواه الخطيب في الرحلة "35"، وابن ناصر الدين في مجلس في حديث جابر ص44-45,
من طريق عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم بن يسار، وابن زياد: ضعيف.
ورواه أحمد 4/ 62 و5/ 375، من طريق منيب، عن عمه به، وأبو الشيخ في التوبيخ "119". ومنيب: لا يعرف. انظر تعجيل المنفعة ص270، والثقات 7/ 509. فبمجموع هذه الطرق يرتقي الحديث إن شاء الله، لدرجة الحسن لغيره.(1/187)
- وذكر الحلواني، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن ابن عباس، قال: كان يبلغنا الحديث عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو أشاء أن أرسل إليه حتى يجيئني فيحدثني فعلت، ولكني كنت أذهب إليه، فأقيل على بابه حتى يخرج إلي فيحدثني1.
372- أخبرنا أبو عبد الله محمد بن رشيق -رحمه الله- قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثني عباس بن محمد قال: حدثني ابن أبي مريم، قال: حدثنا خالد بن نزار، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، قال: قال سعيد: إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد2.
- قال أبو عمر: روينا هذا الخبر من طرق عن مالك، من رواية ابن وهب، وعبد الرحمن بن مهدي، عن مالك أن سعيد بن المسيب، قال: إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد.
ووصله خالد بن نزار، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب. وخالد بن نزار: مصري ثقة.
373- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل لم يسمه: أن مسروقًا رحل في حرف وأن أبا سعيد رحل في حرف3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد سبق نحوه عن ابن عباس. وفي هذا السند ابن لهيعة، وهو مختلط، وابن شهاب, الظاهر أنه لم يسمع من ابن عباس.
2 رواه ابن سعد في الطبقات 2/ 381 و5/ 120، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 468-469، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص8. والخطيب في الرحلة "40-41-42-43" وفي الجامع "1750-1751" 2/ 339، والبيهقي في المدخل "401" ص277-278.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "6129" 5/ 285.(1/188)
374- قال أبو بكر: وحدثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن مجالد، عن الشعبي، قال: ما علمت أن أحدًا من الناس كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق1.
374م- قال: وحدثنا وكيع، حدثنا علي بن صالح، عن أبيه، قال: حدثنا الشعبي بحديث ثم قال لي: أعطيتكه بغير شيء، وإن كان الراكب ليركب إلى المدينة فيما دونه2.
374م- قال: وحدثنا عبدة بن سليمان، عن رجل، قال: قال لنا الشعبي في حديث: أعطيناكها بغير شيء وإن كان الراكب ليركب فيما دونها إلى المدينة.
374م- قال: وحدثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن عمارة، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، قال: خرجت إلى المدينة أطلب العلم والشرف3.
375- حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث، قال: حدثنا محمد بن معاوية المرواني، حدثني أحمد بن أبي الحواري الدمشقي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن بسر بن عبيد الله الحضرمي، قال: إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه4.
- وروى جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار، قال: أوحى الله تعالى إلى موسى -عليه السلام- أن اتخذ نعلين من حديد وعصا من حديد ثم اطلب العلم والعبر حتى تخرق نعليك -أو تخلق نعلاك- وتنكسر عصاك5.
- وقال الشعبي: لو أن رجلًا سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة حكمة ما رأيت أن سفره ضاع6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26128" 5/ 285، وفي سنده مجالد: وهو ضعيف، وتابعه أيوب بن عائذ الطائي, عند أبي خيثمة في العلم "32" ص12, وأبي نعيم في الحلية 2/ 95.
2 سبق قريبًا برقم "370"، وانظر المصنف لابن أبي شيبة برقم "26130-26131" 5/ 285.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26132" 5/ 285, والفسوي في المعرفة 1/ 455.
4 رواه الدارمي في سننه "563" 1/ 149، والفسوي في المعرفة 2/ 386، والخطيب في الرحلة ص148، قال الحافظ ابن حجر في الفتح 1/ 192: "بسند صحيح" اهـ.
5 رواه الدارمي في سننه "565" 1/ 149-150 عن داود -عليه السلام- وابن العديم في بغية الطلب 7/ 3420، والدينوري في المجالسة "313" 2/ 189-190، وفي سنده نعيم بن حماد، وبقية: مدلس تدليس تسوية، والإعضال, وانظر معناه مرفوعًا في تنزيه الشريعة 1/ 284، وهو حديث موضوع.
6 رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 313.(1/189)
23- باب: الحض على استدامة الطلب والصبر على اللأواء والنصب
376- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: سمعت سعد بن عبد الحميد بن جعفر يقول: سمعت مالك بن أنس، يقول: لا ينبغي لأحد يكون عنده العلم أن يترك التعلم.
377- وأخبرنا يعيش بن سعيد الوراق، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله الكشي، قال: حدثنا المسور بن عيسى أبو سعيد البصري، قال: حدثنا القاسم بن يحيى، قال: حدثنا ياسين الزيات، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن من معادن التقوى تعلمك إلى ما قد علمت علم ما لم تعلم، والنقص فيما علمت قلة الزيادة فيه، وإنما يزهد الرجل في علم ما لم يعلم قلة انتفاعه بما علم"1.
378- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في تاريخ بغداد 1/ 414، وابن جميع في معجم الشيوخ ص340، والطبراني في الأوسط "2513"، وابن الجوزي في العلل "110" 1/ 93-94. وذكره الذهبي في الميزان 4/ 258، والسيوطي في الجامع الصغير 1/ 99، قال ابن الجوزي عقيبه 1/ 94: "هذا حديث لا يصح، والمتهم به ياسين. قال يحيى: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث" اهـ.(1/190)
عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: منهومان لا تنقضي نهمتهما: طالب علم وطالب دنيا1.
وروي مرفوعًا من حديث أنس وغيره2.
379- حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا عثمان بن السماك ببغداد، قال: حدثنا جعفر بن هاشم البزاز قال: حدثنا عباس بن بكار، قال: حدثنا محمد بن أبي الجعد القرشي، عن الزهري، وعلي بن زيد الجدعاني، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه برقم "334" 1/ 108. وعبد الله في زوائد الزهد ص264، وابن أبي شيبة في المصنف، رقم "26118" 5/ 284، وليث صدوق، اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك. انظر الكاشف 3/ 13، والتهذيب 8/ 465-468؛ والتقريب 2/ 138، والمغني 2/ 536، وقد اضطرب فيه:
أ- فرواه مرفوعًا: عند ابن الجوزي، في العلل "112" 1/ 94-95، والبزار في مسنده "163" 1/ 95 "كشف الأستار".
ب- ورواه موقوفًا من طريق طاوس، عن ابن عباس.
جـ- ورواه من طريق ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس موقوفًا.
رواه الطبراني في الكبير "11095" 11/ 77-86، وفي الأوسط "5666"، وأبو خيثمة في العلم "141" ص33، ولكن عنده: أحسبه رفعه إلى النبي, صلى الله عليه وسلم.
وابن أبي عاصم في الزهد ص142، وعنده أحسبه رفعه إلى النبي, صلى الله عليه وسلم.
2 رواه ابن الجوزي في العلل "112" 1/ 94-95، وابن عدي في الكامل 6/ 296، والحاكم في المستدرك 1/ 92، والبيهقي في الشعب "10279"، وفي المدخل "450-451" ص300-301.
وفي الباب عن ابن مسعود: عند ابن عدي في الكامل 4/ 139، وابن الجوزي في العلل "111" 1/ 94، والطبراني في الكبير "10388" 10/ 223، والقضاعي "322" 1/ 212-213، وابن حبان في المجروحين 2/ 28.
وسنده واه.
وانظر المقاصد الحسنة ص434، ومجمع الزوائد 1/ 135.(1/191)
"من جاءه أجله وهو يطلب علمًا ليحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة"1.
380- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عامر بعسقلان, قال: حدثنا خالد بن النضر قال: حدثنا موسى بن العباس، قال: حدثنا حجاج بن نصير، قال: حدثنا هلال بن عبد الرحمن الحنفي، عن عطاء بن أبي ميمونة مولى أنس بن مالك، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وأبي ذر جميعًا سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على تلك الحال مات شهيدًا"2.
- وروي أن المسيح -عليه السلام- قيل له: إلى متى يحسن التعلم؟ قال: ما حسنت الحياة.
381- أخبرني سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟
قال: حتى الممات إن شاء الله.
- وقيل له مرة أخرى مثل ذلك فقال: لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد ذلك3.
- ورأيت في كتاب جامع القراءات لأبي بكر بن مجاهد -رحمه الله- قال: حدثنا أبو أحمد محمد بن موسى، قال: حدثنا الفضل بن محمد، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا ابن مناذر، قال: سألت أبا عمرو بن العلاء4: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم عقيب حديث رقم "115" 1/ 75، و"168".
2 تقدم رقم "85".
3 رواه الخطيب في الجامع "1727" 2/ 329. وباللفظ الثاني برقم "1326" 2/ 328-329.
وانظر تذكرة الحفاظ 1/ 275-277، وتهذيب التهذيب 5/ 384.
4 هو إمام القراءة في البصرة، وأحد السبعة الذين ميزهم ابن مجاهد، واسم أبي عمرو: زبان.
ولد بمكة سنة 68, ونشأ بالبصرة وتوفي بالكوفة سنة 154هـ. انظر السبعة ص79-83.(1/192)
فقال: ما دام تحسن به الحياة.
- ومن غير ذلك الكتاب سئل سفيان بن عيينة: من أحوج الناس إلى طلب العلم؟ قال: أعلمهم؛ لأن الخطأ منه أقبح1.
- وقال المنصور بن المهدي للمأمون: أيحسن بالشيخ أن يتعلم؟ فقال: إن كان الجهل يعيبه فالتعلم يحسن به.
382- وأخبرنا محمد بن عبد الملك، قال: أخبرنا الحسن بن سعد، قال: حدثنا عبيد بن محمد الكشوري، قال: سمعت ابن أبي غسان، يقول: لا تزال عالمًا ما كنت متعلمًا فإذا استغنيت كنت جاهلًا2.
- وروينا عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: وجدت عامة علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند هذا الحي من الأنصار، إن كنت لأقيل بباب أحدهم ولو شئت أذن لي، ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه3.
383- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا مالك، عن ابن هشام، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثًا ثم تلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة: 174] و{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] وإن إخواننا المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإخواننا الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 281 وفيه قصة، والبيهقي في الشعب 2/ 260.
2 روى الدينوري في المجالسة "308" 2/ 186، وابن قتيبة في عيون الأخبار 2/ 134 عن ابن المبارك نحوه.
3 سبق.
4 سبق برقم "9".(1/193)
قال أبو عمر: في هذا الحديث من الفقه معان:
منها: أن الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكمه حكم كتاب الله المنزل.
ومنها: إظهار العلم ونشره وتعليمه.
ومنها: ملازمة العلماء والرضى باليسير للرغبة في العلم.
ومنها: الإيثار للعلم على الاشتغال بالدنيا وبكسبها.
- وروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يأتي عبيد الله بن عبد الله يسأله عن علم ابن عباس فربما أذن له وربما حجبه.
384- وأنشدني خلف بن القاسم، لابن المبارك في أبيات لا أقوم بحفظها في وقتي هذا:
آخر العلم لذيذ طعمه وبذيء الذوق منه كالصبر1
385- وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن مالك وعبد الله بن محمد، قالا: حدثنا عمر بن أبي تمام، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، عن ابن القاسم، قال: كان مالك يقول: إن هذا الأمر لن ينال حتى يذاق فيه طعم الفقر.
وذكر ما نزل بربيعة من الفقر في طلب العلم حتى باع خشب سقف بيته في طلب العلم، وحتى كان يأكل ما يلقى على مزابل المدينة من الزبيب وعصارة التمر.
386- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت شعبة، يقول: من طلب الحديث أفلس2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ترتيب المدارك 1/ 306، وروضة العقلاء ص141، وفيه:
غاية الصبر لذيذ طعمها
ورديء الذوق منه كالصبر
2 رواه الخطيب في الجامع "55-56" 1/ 146-147. وورد عن الشافعي قوله: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس. انظر الجامع لأخلاق الراوي "73" 1/ 155، وانظر المحدث الفاصل "84" ص202. وما سيأتي برقم "389".(1/194)
- وروي عن شعبة -أيضًا- أنه قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب: من ألح في طلب العلم -أو قال: في طلب الحديث- أورثه الفقر.
387- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أخبرني يحيى بن مالك، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا علي بن أحمد الفقيه، قال: حدثنا جعفر بن أحمد بن الوليد أبو الفضل، قال: حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، قال: حدثنا إبراهيم بن الجراح، قال: سمعت أبا يوسف، يقول: لقد طلبنا هذا العلم وطلبه معنا من لا نحصيه كثرة، فما انتفع به منا إلا من دبغ اللبن قلبه، وذلك أن أبا العباس لما أفضى إليه الأمر بعث إلى المدينة فأقدم إليه عامة من كان فيها من أهل العلم فكان أهلنا يعدون لنا خبزًا يلطخونه لنا باللبن فنغدو في طلب العلم، ثم نرجع إلى ذلك فنأكله، فأما من كان ينتظر أن تصنع له هريسة أو عصيدة فكان ذلك يشغله حتى يفوته كل ما كنا نحن ندركه.
- وقال أبو بكر بن اللباد: قال لنا زيدان: سمعت سحنون يقول: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع ولا لمن يهتم بغسل ثوبه.
388- وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن مالك، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن يوسف الهروي بدمشق، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحكم المصري، قال: سمعت الشافعي، يقول: قال محمد بن الحسن: لا يفلح في هذا الأمر إلا من أحرق اللبن قلبه1.
389- وأخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الكرجي القاضي إجازة لنا بخطه، وأخبرنا بذلك عنه بعض أصحابنا، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 119، والخطيب في الجامع "74" 1/ 156 وعنده: إلا من أقرح البر قلبه.(1/195)
محمد بن أبي غسان، قال: حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، قال: حدثنا أحمد بن مدرك، قال: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: لا يطلب هذا العلم أحد بالمال وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وحرمة العلم أفلح1.
390- حدثني أحمد بن محمد وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو عبيدة بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن إدريس المكي، قال: سمعت الحميدي، يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: كنت يتيمًا في حجر أمي فدفعتني في الكتاب ولم يكن عندها ما تعطي المعلم، فكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وكنت أسمع الحديث أو المسألة فأحفظها، ولم يكن عند أمي ما تعطيني أشتري به قراطيس، فكنت إذا رأيت عظمًا يلوح آخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحته في جرة كانت لنا قديمًا.
قال: ثم قدم والٍ على اليمن فكلمه لي بعض القرشيين أن أصحبه ولم يكن عند أمي ما تعطيني أتجمل به، فرهنت رداءها بستة عشر دينارًا فأعطتني، فتجملت بها معه، فلما قدمنا اليمن استعملني على عمل فحمدت فيه، فزادني عملًا فحمدت فيه، فزادني عملًا وقدم العمار مكة في رجب فأثنوا علي فطار لي بذلك ذكر فقدمت من اليمن، فلقيت ابن أبي يحيى، فسلمت عليه فوبخني، وقال: تجالسوننا وتصنعون وتصنعون، فإذا شرع لأحدكم شيء دخل فيه، ونحو هذا من الكلام، قال: فتركته ثم لقيت سفيان بن عيينة فسلمت عليه فرحب بي وقال: قد بلغتنا ولايتك فما أحسن ما انتشر عنك وما أديت كل الذي لله عليك ولا تعد، قال: فكانت موعظة سفيان إياي أبلغ مما صنع بي ابن أبي يحيى، وذكر خبرًا طويلًا له في دخوله العراق وملازمته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "84" ص202، وانظر مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 141، وتهذيب الأسماء 1/ 54، وسير أعلام النبلاء 10/ 91، ومناقب الشافعي للمناوي ص121.(1/196)
محمد بن الحسن ومناظرته له تركته لأنه ليس مما قصدنا في هذا الباب1.
- وكتب الشافعي -رحمه الله- إلى محمد بن الحسن إذ منعه كتبه:
قل لمن لم تر عين من رآه مثله ومن كأن من رآه قد رأى من قبله
العلم يأبى أهله أن تمنعوه أهله لعله يبذله لأهله لعله
فوجه إليه محمد بن الحسن بما أراد من كتبه فكتبها2.
- وكان الشافعي يقول: سمعت من محمد بن الحسن -رحمه الله- وقر بعير.
- وقالوا: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدًا3.
391- حدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، وحدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: إنك لا تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره4.
392- أخبرنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا علي بن سعيد بن بشير، حدثنا أبو ياسر عمار بن عمر بن المختار، قال: حدثني أبي، قال: حدثني غالب القطان، قال: أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبًا من الأعمش، فكنت أختلف إليه، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ هذه الآية {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: 18-19].
قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة، وهي لي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في مناقب الشافعي 2/ 140، وأبو نعيم في الحلية 9/ 73، وانظر مناقب الشافعي للمناوي ص50، وتاريخ بغداد 2/ 59.
2 انظر الخبر في توالي التأسيس ص55، ومناقب الشافعي للمناوي ص60.
3 رواه البيهقي في المدخل "403" ص278 عن الأصمعي قوله.
4 رواه الدارمي في سننه برقم "643" 1/ 161.(1/197)
عند الله وديعة وإن الدين عند الله الإسلام، قالها مرارًا، فغدوت إليه فودعته ثم قلت: إني سمعتك تقرأ هذه الآية ترددها فما بلغك فيها -أنا عندك منذ سنة- لم تحدثني به؟
قال: والله لا أحدثنك به سنة. قال: فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم، فلما مضت السنة، قلت: يا أبا محمد قد مضت السنة، قال: حدثني أبو وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى: عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفّى بالعهد, أدخلوا عبدي الجنة"1.
- وروى ابن عائشة وغيره أن عليًّا -رضي الله عنه- قال في خطبة خطبها: واعلموا أن الناس أبناء ما يحسنون، وقدر كل امرئ ما يحسن، فتكلموا في العلم تتبين أقداركم.
ويقال: إن قول علي بن أبي طالب: قيمة كل امرئ ما يحسن، لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها، قالوا: ولا كلمة أضر بالعلم وبالعلماء والمتعلمين من قول القائل: ما ترك الأول للآخر شيئًَا.
قال أبو عمر: قول علي, رحمه الله: قيمة كل امرئ ما يحسن، من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس إليه كل مطير ونظمه جماعة من الشعراء إعجابًا به وكلفًا بحسنه، فمن ذلك ما يعزى إلى الخليل بن أحمد قوله:
لا يكون السري مثل الدني لا، ولا ذو الذكاء مثل الغبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن عدي في الكامل 5/ 35-36، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "10453" 10/ 245, والبيهقي في الشعب "2414" 2/ 464-465، والخطيب في تاريخه 7/ 193-194، وابن النجار في الذيل، كما في الدر المنثور 2/ 12، وأبو نعيم في الحلية 6/ 187، والعقيلي في الضعفاء 3/ 325، وابن الجوزي في العلل المتناهية "146-147-148" 1/ 110-111, وأبو الشيخ في الثواب, كما في المغني للعراقي 1/ 345.
وفي سنده: عمر بن المختار: يحدث بالبواطيل, وهو متهم بالوضع. انظر الكامل 5/ 35-36، ولسان الميزان 4/ 329، وميزان الاعتدال 3/ 223. وانظر لسان الميزان 4/ 273، والزوائد 6/ 326-329. وأبوه: ضعيف.(1/198)
لا يكون الألد ذو المقول المر هف عند القياس مثل العيي
قيمة المرء كل ما يحسن المرء قضاء من الإمام علي
في أبيات له قد ذكرتها في غير هذا الموضع.
- وقال غيره:
يلوم علي أن رحت للعلم طالبًا أجمع من عند الرواة فنونه
فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي1 فقيمة كل الناس ما يحسنونه
- وقال أبو العباس الناشئ:
تأمل بعينك هذا الأنا م فكن بعض من صانه عقله
فحلية كل فتى فضله وقيمة كل امرئ نبله
فلا تتكل في طلاب العلا على نسب ثابت أصله
فما من فتى زانه قوله بشيء يخالفه فعله
- وروى ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج بن السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة"2.
- وقال قتادة: لو كان أحد يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى -عليه السلام- ولكنه قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66].
24- باب: جامع في الحال التي تنال بها العلم
393- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في هامش المطبوعة: وفي نسخة: بمهجي.
2 رواه الترمذي في سننه "2686" 5/ 50-51، والحاكم في المستدرك 4/ 129-130، وابن حبان في صحيحه، برقم "903" 3/ 185، وسنده ضعيف، لضعف دراج، في روايته عن أبي الهيثم. انظر تهذيب التهذيب 3/ 208-209، والتقريب 1/ 235.(1/199)
قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد الله: إن الرجل لا يولد عالمًا وإنما العلم بالتعلم1.
394- وبه عن أبي بكر، قال: حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، عن عبد الله مثله2.
395- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، قال: العلم بالتعلم3.
- وذكر أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، عن ابن شبيب، أنه قال: لا يكون طبع بلا أدب، ولا علم بلا طلب.
- ومن جزء لسابق البربري:
قد قيل قبلي في الكلام الأقدم إني وجدت العلم بالتعلم
- وقال كثير:
وفي الحلم والإسلام للمرء وازع وفي ترك أهواء الفؤاد المتيم
بصائر رشد للفتى مستبينة وأخلاق صدق علمها بالتعلم
- وروينا عن علي -رحمه الله- أنه قال في كلام له: العلم ضالة المؤمن،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "26123-26124" 5/ 284، ووكيع في الزهد "518" 3/ 831، وأحمد في الزهد "162-163"، وأبو خيثمة في العلم "115" ص136، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "198" ص301-302، والبيهقي في المدخل "377" ص267، ورجاله ثقات. وانظر المقاصد الحسنة ص180.
2 انظر ما قبله.
3 رواه أبو خيثمة "114" ص136، وابن حبان في روضة العقلاء ص210، وابن أبي الدنيا في الحلم "47" ص43، والبيهقي في المدخل "385" ص270-271، وسيأتي بأتم منه. ورجاله ثقات.(1/200)
فخذوه ولو من أيدي المشركين، ولا يأنف أحدكم أن يأخذ الحكمة ممن سمعها منه.
- وعنه -أيضًا- أنه قال: الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو في أيدي الشرط.
وروى يزيد بن هارون، عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، قال علي, رضي الله عنه: تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث، فإنكم إن لم تفعلوا يدرس علمكم1.
- وذكره أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، قال: قال علي, رضي الله عنه: تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث، فإنكم ألا تفعلوا يدرس علمكم2.
396- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا إبراهيم بن عثمان، حدثنا حمدان بن عمرو بن نافع، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، حدثنا سفيان، عن ابن جرير، قال: لم أستخرج الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به.
397- حدثنا أحمد، حدثنا أبي, حدثنا عبد الله، حدثنا بقي، قال أبو بكر: أخبرنا وكيع، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: تحدثوا، فإن الحديث يهيج الحديث3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه "626" 1/ 158، وابن أبي شيبة في المصنف، برقم "26134" 5/ 285. والرامهرمزي في المحدث الفاصل "721" ص545، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي "467-468" 1/ 364، وفي شرف أصحاب الحديث ص94، والبيهقي في المدخل "420" ص288، والحاكم في المستدرك 1/ 95، وفي معرفة علوم الحديث ص60-141.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه الدارمي في سننه برقم "595-596-597-598" 1/ 155، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "26133" 5/ 285، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "722-723" ص545-546، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص140. وفي المستدرك 1/ 94، والبيهقي في المدخل، برقم "422" ص289، والخطيب في جامعه "1882-1883" 1/ 404-405، وفي شرف أصحاب الحديث "95-96".(1/201)
397م- قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا قطر، عن شيخ، قال: سمعت علقمة، يقول: تذاكروا الحديث، فإن إحياءه ذكره1.
- وقال ابن مسعود: تذاكروا الحديث فإنه يهيج بعضه بعضًا2.
- وذكر ابن أبي شيبة، قال: أخبرنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، أنه كان يأتي صبيان الكتاب فيعرض عليهم حديثه كي لا ينسى3.
- قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا عيسى بن المسيب، قال: سمعت إبراهيم، يقول: إذا سمعت حديثًا فحدث به حين تسمعه، ولو أن تحدث به من لا يشتهيه، فإنه يكون كالكتاب في صدرك4.
- قال: وحدثنا ابن فضيل، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إحياء الحديث مذاكرته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه برقم "603" 1/ 156، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "26135" 5/ 280 "وقع في المطبوعة: عكرمة"، والحاكم في المستدرك 1/ 95، وفي معرفة علوم الحديث ص141، وأبو خيثمة في العلم "71" ص126، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "724-725" ص546، والخطيب في جامعه، عقيب رقم "472" 1/ 366 و"1884" 3/ 405. وفي شرف أصحاب الحديث "97"، والبيهقي في المدخل برقم "423-424" ص289-290.
2 رواه الدارمي برقم "619" 1/ 158، والرامهرمزي في المحدث الفاصل، برقم "726" ص436، والبيهقي في المدخل "421" ص288-289، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص94، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص141.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26136" 5/ 286، والدارمي في سننه، برقم "605" 1/ 156، وأبو خيثمة في العلم "73" ص20، والفسوي في المعرفة 2/ 610، والخطيب في جامعه، برقم "362" 1/ 306-307 وبرقم "680-681" 1/ 485. والرامهرمزي في المحدث الفاصل "69" ص194-195، والبيهقي في المدخل "431" ص292.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26137" 5/ 286، والدارمي في سننه، برقم "606" 1/ 156، والخطيب في جامعه برقم "1885-1886" 2/ 405-406، والبيهقي في المدخل برقم "432" ص292.(1/202)
فقال له عبد الله بن شداد: يرحمك الله كم من حديث أحييته في صدري1؟
- وسئل بعض العلماء أو الحكماء: ما السبب الذي ينال به العلم؟
قال: بالحرص عليه يتبع، وبالحب له يستمع، وبالفراغ له يجتمع.
398- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: أخبرنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عبد الكريم الجزري أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لقد كان ابن عباس يحدثني بالحديث لو يأذن لي أن أقوم فأقبل رأسه لفعلت2.
399- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري أنه سمع سعيد بن جبير... فذكره مثله سواء.
400- وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو الحسين عبد الباقي بن قانع القاضي ببغداد، قال: حدثنا خالد بن النضر القرشي، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت حفص بن غياث، يقول: سمعت عبد الله بن إدريس، يقول: غضبت على الأعمش في شيء فما أتيته سنة. قال: فقلت له: إن ذاك عليك لهين.
قال: وسمعته يقول: ما أهتدي لمنزل سفيان الثوري. فقلت له: إن ذاك عليك لهين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، برقم "26138" 5/ 286، والدارمي في سننه برقم "602-610" 1/ 156-157، وأبو خيثمة في العلم برقم "72" ص19-20، والخطيب في جامعه برقم "472" 1/ 365-366، وبرقم "1895" 2/ 410، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "727" ص546، والبيهقي في المدخل برقم "435" ص294.
2 رواه الخطيب في جامعه برقم "319" 1/ 287-288.(1/203)
- وقال الخليل بن أحمد: كن على مدارسة ما في صدرك أحرص منك على مدارسة ما في كتبك1.
- وذكر الحلواني، قال: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، قال: قال إبراهيم: إنه ليطول عليّ الليل حتى أصبح، فألقاهم فربما أدسه بيني وبين نفسي أو أحدث به أهلي.
- وقال أبو أسامة: يعني بقوله: أدسه, يقول: أحفظه2.
- قال: وحدثنا الأخنسي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، أنه كان يجمع صبيان الكتاب فيحدثهم لئلا ينسى حديثه3.
- قال: وحدثنا الأخنسي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إن إحياء الحديث مذاكرته. قال: فقال عبد الله بن شداد: يرحمك الله, كم من حديث أحييته في صدري قد كان مات4.
401- وجدت في كتاب أبي -رحمه الله- بخطه، حدثنا مسلمة بن القاسم، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا حسين بن الحسن، عن عون بن عبد الله بن عتبة، قال: لقد أتينا أم الدرداء فتحدثنا عندها، فقلنا: أمللناك يا أم الدرداء؟ فقالت: ما أمللتموني لقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئًا أشفى لنفسي من مذاكرة العلم, أو قالت: من مذاكرة الفقه.
- وقال الرياشي: سمعت الأصمعي وقيل له: كيف حفظت ونسي أصحابك؟
قال: درست وتركوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه بنحوه الخطيب في جامعه برقم "1048" 1/ 670، وقد سبق.
2 رواه الخطيب في جامعه برقم "1890" 2/ 470 بلفظ: إنه ليطول عليّ الليل حتى ألقى أصحابي فأذاكرهم.
3 سبق قريبًا.
4 سبق قريبًا.(1/204)
- وقال الفراء: لا أرحم أحدًا كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإني لأعجب ممن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم.
- ورأيت في بعض كتب العجم: سُئل جالينوس بم كنت أعلم قرنائك بالطب؟
قال: لأني أنفقت في زيت المصباح لدرس الكتب مثل ما أنفقوا في شرب الخمر.
- وروي مثل هذا القول عن أفلاطون، والله أعلم.
- وقيل لبزرجمهر: بم أدركت ما أدركت من العلم؟ قال: ببكور كبكور الغراب، وصبر كصبر الحمار، وحرص كحرص الخنزير1.
- وسئل أبو عثمان سعيد بن محمد بن الحداد عن رجل من أهل أفريقية من جيرانه منسوب إلى العلم قيل له: كيف منزلته من العلم؟ فقال: ما أدري ما هو, بالليل يشرب، وبالنهار يركب، فأنى له بالعلم.
402- وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: حدثنا محمد بن عمرون أبو عبد الله بمصر، قال: حدثنا أحمد بن مسعود، قال: حدثنا إبراهيم بن جميل، قال: حدثنا ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سألت فضيل بن عياض عن الصبر على المصيبات؟ فقال: أن لا تبث.
وسألته عن الزهد؟ فقال: الزهد هو القناعة وهو الغنى.
وسألته عن الورع؟ قال: اجتناب المحارم.
وسألته عن التواضع؟
فقال: أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته، ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه.
قال: وكان يقال: علم علمك من يجهل، وتعلم ممن يعلم، فإنك إذا فعلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدينوري في المجالسة برقم "310" 2/ 188، وابن قتيبة في عيون الأخبار 2/ 139، وانظر بستان العارفين ص11.(1/205)
ذلك علمت ما جهلت وحفظت ما علمت1.
- وقال محمد بن مناذر:
أبذل العلم ولا تبخل به وإلى علمك علمًا فاستفد
وتلق العلم من مستوثق ليس يعتاد من العلم الصفد
واغتنمها حكمة بالغة ليس فيها للألدين مرد
- وقال آخر:
لا يدرك العلم إلا كل مشتغل بالعلم همته القرطاس والقلم
403- وفيما رواه شيخنا عيسى بن سعيد المقرئ، عن أبي بكر محمد بن صالح الأبهري، أنه أنشده لبعضهم:
إذا لم يذاكر ذو العلوم بعلمه ولم يستزد علمًا نسي ما تعلما
وكم جامع للعلم في كل مذهب يزيد على الأيام في جمعه عما
- وقال رجل لأبي هريرة: إني أريد أن أتعلم العلم، وأخاف أن أضيعه؟
فقال أبو هريرة: كفى بتركك له تضييعًا.
25- باب: كيفية الرتبة في أخذ العلم
404- حدثني أبو عبد الله محمد بن رشيق -رحمه الله- قال: حدثنا أبو علي الحسن بن علي بن داود بمصر، قال: حدثنا علي بن أحمد بن سليمان، قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس بن يزيد، قال: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر العلم؛ فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الورع لابن أبي الدنيا رقم "33" ص52، و"55" ص60 بالورع فقط.(1/206)
الشيء مع الأيام والليالي1.
405- وأخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أحمد بن عمرو، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا يونس بن يزيد، قال: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر هذا العلم، فإنما هو أودية، فأيها أخذت فيه قبل أن تبلغه قطع بك، ولكن خذه مع الليالي والأيام2.
- وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، بعض هذا الكلام، ورواية يونس أتم.
406- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري، قال: حدثنا الزبير بن بكار القاضي، قال: حدثنا سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، قال: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من أشعاركم, هاتوا من أحاديثكم، فإن الأذن مجاجة، وإن النفس حمضة3.
- وقال الأصمعي: وصلت بالعلم وكسبت بالملح.
- وقالوا: من رق وجهه رق علمه4.
- وذكر نعيم بن حماد، عن عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، قال: الأذن مجاجة والنفس حمضة، فأفيضوا في بعض ما يخف علينا5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه القاضي عياض في الإلماع ص120 بلفظه، ورواه بنحوه الخطيب في جامعه برقم "454" 1/ 356-357، وأبو نعيم في الحلية 3/ 364.
2 انظر ما قبله.
3 رواه الخطيب في جامعه "1430" 2/ 184 عن رجل يجالس أصحاب رسول الله، وبرقم "1431" 2/ 184 عن الزهري قوله, والبيهقي في المدخل "606" ص360 عن رجل يجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والذهبي في السير 5/ 341.
4 سبق, وانظر المدخل للبيهقي ص280-281.
5 رواه الخطيب برقم "1431" 2/ 184، وانظر التعليق ما قبل السابق.(1/207)
407- قال عبد الوارث: حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا محمد بن خمير، عن النجيب بن السري، قال: قال علي, رضي الله عنه: أجمعوا هذه القلوب، وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملّ كما تملّ الأبدان1.
- وذكر ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، قال: كان بعض العلماء يقول: هاتوا من أحاديثكم، هاتوا من أشعاركم، فإن الأذن مجاجة والنفس حمضة2.
- قال أبو عمر: لقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول في مثل معنى هذا الباب:
لا يصلح النفس إذا كانت مصرفة إلا التنقل من حال إلى حال
لا تلعبنَّ بك الدنيا وأنت ترى ما شئت من عِبَر فيها وأفعال
408- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، قال: كان القاسم بن محمد إذا كثروا عليه من المسائل قال: إن لحديث العرب وحديث الناس نصيبًا من الحديث, فلا تكثروا علينا من هذا.
408م- قال ابن وهب: وحدثنا يحيى بن أيوب، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه كان يقول: رَوِّحوا القلوب ساعة وساعة3.
409- حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا ابن الأعرابي, وأخبرنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم بن أصبغ, قالا: حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في جامعه برقم "1428" 2/ 183، والسخاوي في فتح المغيث 2/ 309، وابن السمعاني في أدب الإملاء 1/ 68.
2 سبق قريبًا.
3 روى ابن أبي شيبة "35115" 7/ 177، وأبو نعيم في الحلية 3/ 104، والخطيب في جامعه برقم "1429" 2/ 184، عن قسامة بن زهير: روحوا القلوب تَعِ الذكر، وروي مرفوعًا عند القضاعي "672"، والديلمي "3181"، وسنده ضعيف جدًّا.(1/208)
وكيع، عن الأعمش قال: حدثنا أبو خالد الوالبي، قال: كنا نجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيتناشدون الأشعار ويتذاكرون أيامهم في الجاهلية1.
410- وقرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال: حدثنا أبو إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت أبا وائل شقيق بن سلمة، يقول: خرج علينا عبد الله بن مسعود قال: إني لأخبرُ بمجلسكم فما يمنعني من الخروج إليكم إلا كراهية ملكم, وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا2.
411- وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا المهراني، قال: حدثنا الرياشي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: قال أبو عمرو بن العلاء: العلم نتف.
- رواه ثعلب، عن الثوري، عن الأصمعي, وأبو عبيدة، قالا: قال أبو عمرو بن العلاء: الحق نتف3.
- قال ثعلب: وحدثت, عنى إسماعيل الموصلي قال: دخلت على الأصمعي فرأيت بين يديه قميطرًا فقلت: هذا علمك كله؟ فقال: إن هذا من حق لكثير.
- وروينا عن عبد الله بن عباس أنه قال: العلم أكثر من أن يحاط به فخذوا منه أحسنه.
- وعن الشعبي مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الجامع لأخلاق الراوي برقم "1432-1433" 2/ 184-185.
2 رواه البخاري "68-70-6411"، ومسلم "2821"، والترمذي "2855"، وأحمد 1/ 377-378-425-440-343-463-465-466، والحميدي "107"، والخطيب في جامعه برقم "1419" 2/ 180، والبيهقي في المدخل "599" ص357.
3 رواه البيهقي في المدخل "595" ص355.(1/209)
412- أنشدني محمد بن مصعب لابن أغنس:
ما أكثر العلم وما أوسعه من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالبًا محاولًا فالتمس أنفعه
- وأحسن منصور الفقيه في قوله:
قالوا: خذ العين من كل، فقلت لهم: في العين فضل، ولكن ناظر العين
حرفان في ألف طومار مسودة وربما لم تجد في الألف حرفين
- وكان يقال: العالم النبيل الذي يكتب أحسن ما يسمع، ويحفظ أحسن ما يكتب، ويحدث بأحسن ما يحفظ.
26- باب: ما روي عن لقمان الحكيم من وصية ابنه وحضه إياه على مجالسة العلماء والحرص على العلم
413- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا السري بن يحيى، عن سليمان التيمي، قال: قال لقمان لابنه: يا بني ما بلغت من حكمتك؟ قال: لا أتكلف ما لا يعنيني.
قال: يا بني, إنه قد بقي شيء آخر: جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل من السماء.
- وعن لقمان أو عيسى -عليه السلام- أنه قال: كما ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.
414- وقرأت على أبي محمد عبد الله بن محمد، أن أحمد بن محمد المكي حدثهم، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، أنه بلغه: أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله(1/210)
يحيي القلوب بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء1.
415- وحدثني إبراهيم بن شاكر, قال: حدثنا عبد الله بن عثمان، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح، قال: حدثنا يعقوب بن كعب، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن كلثوم بن زياد، عن سليمان بن حبيب المحاربي، قال: قال لقمان لابنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء.
416- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا أبو اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن أبي حسين، قال: بلغني أن لقمان الحكيم كان يقول: يا بني لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء وتماري به السفهاء وترائي به في المجالس، ولا تدع العلم زهدًا فيه ورغبة في الجهالة.
يا بني اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت قومًا يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تك عالمًا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يعلموك، ولعل الله يطلع عليهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مالك في الموطأ في كتاب العلم، باب "1" ما جاء في طلب العلم، حديث "1" 2/ 1002 بلاغًا, وعبد الله في زوائد الزهد ص107، والبيهقي في المدخل "445" ص297-298 من طريق القعنبي، عن عبد الله بن عمر العمري، عن عبيد الله بن عمر، قال: قال لقمان لابنه... نذكره.
وعبد الله العمري: ضعيف. انظر الجرح 2/ 2/ 109، والمجروحين 2/ 6، وتاريخ بغداد 10/ 16، والميزان 2/ 465، والتهذيب 5/ 326، والتقريب 1/ 434. ولكنه توبع عليه.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "7810" 8/ 235-236، ورواه مالك في الموطأ بلاغًا "الزرقاني 5/ 125"، والديلمي في الفردوس برقم "4586" 3/ 247، والبيهقي في المدخل "447" ص298-299، عن أبي أمامة وسنده ضعيف جدًّا. فيه عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم.
قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد خبر: عبيد الله وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم، انظر المجروحين 2/ 63، والميزان 3/ 6، والتهذيب 7/ 12، والتقريب 1/ 533، والجرح 2/ 2/ 315.(1/211)
برحمة فتصيبك معهم، وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؟ فإنك إن تك عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يزيدوك غيًّا، ولعل الله أن يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم.
417- وحدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا سعيد بن منصور -أراه: عن ابن عيينة- عن داود بن شابور، عن شهر بن حوشب، قال: قال لقمان لابنه, فذكر مثل حديث ابن أبي حسين سواء1.
418- وحدثنا أحمد بن فتح، قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، أن لقمان قال لابنه: يا بني لا تتعلم العلم لثلاث، ولا تدعه لثلاث: لا تتعلمه لتماري به، ولا لتباهي به، ولا لترائي به، ولا تدعه زهادة فيه، ولا حياء من الناس، ولا رضًا بالجهالة.
- قال زيد بن أسلم: كان لقمان من النوبة.
- ومن مواعظ لقمان لابنه أيضا: لا تجادل العلماء فتهون عليهم ويرفضوك، ولا تجادل السفهاء فيجهلوا عليك ويشتموك، ولكن اصبر نفسك لمن هو فوقك في العلم ولمن هو دونك، فإنما يلحق بالعلماء من صبر لهم ولزمهم، واقتبس من علمهم في رفق.
419- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة عن السري، قال لقمان لابنه: يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه برقم "377" 1/ 117، ورقم "381" 1/ 118 عن شهر قال: قال لقمان لابنه، ورواه أبو نعيم في الحلية 9/ 55 عن عبيد بن عمير قال: قال لقمان لابنه...
2 رواه الدارمي برقم "389" 1/ 119 ولفظه: يا بني عليك بالحكمة، فإن الخير في الحكمة كله، وتشرف الصغير على الكبير، والعبد على الحر، وتزيد السيد سؤددًا، وتجلس الفقير مجالس الملوك، وقد سبق.(1/212)
27- باب: آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه عند من ليس بأهله
420- حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني قراءة مني عليه، أن أبا يعقوب يوسف بن محمد البجيرمي، حدثه قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن مقبل، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، قال: إن للعلم غوائل، فمن غوائله: أن يترك العلم حتى يذهب بعلمه، ومن غوائله: النسيان، ومن غوائله: الكذب فيه، وهو شر غوائله1.
421- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة2.
- وقال بعضهم:
إذا لم يذاكر ذو العلم بعلمه ولم يذكر علمًا نسي ما تعلما
422- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن عبد الله بن بريدة، أن دغفل بن حنظلة قال لمعاوية في حديث ذكره: إن غائلة العلم النسيان3.
423- حدثنا خلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "792" ص571، وأبو نعيم في الحلية 3/ 364، والقاضي عياض في الإلماع ص218-219، وانظر تهذيب الكمال 26/ 439.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 364، والدارمي في سننه "621" 1/ 158، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 128، والبيهقي في المدخل "433" ص293.
3 سبق قريبًا برقم "357".(1/213)
كهمس، عن ابن بريدة، قال: قال علي: تذاكروا هذا الحديث فإنكم إن لم تفعلوا يدرس1.
424- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا أبو سلمة إمام التمارين، قال: قال الحسن: غائلة العلم النسيان وترك المذاكرة2.
425- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثني بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله"3.
425م- قال: وحدثنا وكيع، عن أبي العميس، عن القاسم، قال عبد الله: آفة العلم النسيان4.
- وقال علي بن ثابت:
العلم آفته الإعجاب والغضب والمال آفته التبذير والنهب
426- وأخبرنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا مالك بن سيف، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا خالد بن يزيد، عن عبد الله بن المختار، قال: نكر الحديث الكذب فيه، وآفته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة برقم "26134" 5/ 285، وغيره، وقد سبق.
2 رواه الدارمي في سننه برقم "625" 1/ 158، وذكره المزي في تهذيب الكمال 6/ 121.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26139" 5/ 286، والدارمي في سننه "624" 1/ 158، وفيه إرسال وإعضال. انظر ضعيف الجامع 1/ 60، والمقاصد الحسنة ص5، وقد ورد عن الأعمش قوله: عند الرامهرمزي برقم "793" ص572.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، حديث رقم "26140" 5/ 286، والدارمي في سننه، برقم "622-623" 1/ 158، والبيهقي في المدخل "449" ص299-300.(1/214)
النسيان، وإضاعته أن تحدث به من ليس من أهله1.
427- وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا إبراهيم بن بكر، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا العباس بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان، يقول عن شعبة، قال: رآني الأعمش وأنا أحدث قومًا فقال: ويحك يا شعبة تعلق اللؤلؤ على أعناق الخنازير2.
428- أخبرنا هارون بن موسى، قال: حدثنا إسماعيل بن القاسم، قال: أنشدنا أبو محمد النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد قال: أنشدنا عمرو بن بحر، قال أبو محمد: والشعر لصالح بن عبد القدوس:
وإن عناء أن تفهم جاهلًا فيحسب جهلًا أنه منك أفهم
متى يبلغ البنيان يومًا تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
متى ينتهي عن سيئ من أتى به إذا لم يكن منه علية تقدم
- ولصالح بن عبد القدوس أيضًا من شعره الذي قد ذكرنا منه بعضه في هذا الكتاب في مواضعه:
لا تؤتين العلم إلا امرأً يعين باللب على نفسه
- وقال أنس بن أبي شيخ: من كان حسن الفهم رديء الاستماع لم يقم خيره بشره.
429- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني عبد الله بن وهب، قال: حدثني معاوية بن صالح، قال: حدثني أبو فروة: أن عيسى ابن مريم كان يقول: لا تمنع الحكمة أهلها فتأثم، ولا تضعها عند غير أهلها فتجهل، ولكن طبيبًا رفيقًا يضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه نحوه الخطيب في الجامع برقم "735" 1/ 514 عن مسروق قوله.
2 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "799" ص573، والخطيب في جامعه برقم "371" 1/ 311.(1/215)
دواءه حيث يعلم أنه ينفع1.
- وذكر ضمرة، عن ابن شوذب، قال: قال الحسن: لولا النسيان لكان العلم كثيرًا2.
430- قرأت على عبد الوارث بن سفيان، أن قاسم بن أصبغ، حدثهم، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا أبو بكر الصاغاني، قال: حدثنا سليمان بن أيوب، عن يزيد بن زريع، عن الحجاج بن أرطاة، قال: قال عكرمة: إن لهذا العلم ثمنًا. قيل: وما ثمنه؟
قال: أن تضعه عند من يحفظه ولا يضيعه3.
431- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا الرياشي، عن الأصمعي، عن العلاء بن إسماعيل4، عن رؤبة بن العجاج، قال: أتيت النسابة البكري قال: قال لي: من أنت؟ قلت: رؤبة بن العجاج.
قال: قصرت وعرفت، فما جاء بك؟
قلت: طلب العلم.
قال: لعلك من قوم أنا بين أظهرهم إن سكت لم يسألوني، وإن تكلمت لم يعوا عني. قلت: أرجو ألا أكون منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه برقم "379" 1/ 117، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "808" ص576 بآخره فقط, والخطيب في جامعه برقم "791" 1/ 542 بطوله بمعناه، وانظر ما سيأتي برقم "434". ورواه البيهقي في المدخل "618" ص366، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "804" ص575، والخطيب في جامعه برقم "790" 1/ 542 عن كثير بن مرة قوله.
2 انظر سير أعلام النبلاء 4/ 569، وتهذيب الكمال 6/ 121.
3 رواه الخطيب في جامعه برقم "736" 1/ 514، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "805" ص575.
4 في المروءة: أسلم, وإن كان هو العطار: فمجهول. انظر اللسان 4/ 182-183.(1/216)
ثم قال: أتدري ما آفة المروءة؟ قلت: لا.
قال: فأخبرني. قال: جيران السوء إن رأوا حسنًا دفنوه، وإن رأوا سيئًا أذاعوه. ثم قال لي: يا رؤبة إن للعلم آفة وهجنة ونكرًا، فآفته نسيانه، وهجنته أن تضعه عند غير أهله، ونكره الكذب فيه1.
432- وأخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن رجل، عن عكرمة، قال: قال عيسى, عليه السلام: لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير؛ فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئًا، ولا تعطِ الحكمة لمن لا يريدها؛ فإن الحكمة خير من اللؤلؤ، ومن لا يريدها شر من الخنزير2.
- ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قام أخي عيسى -عليه السلام-خطيبًا في بني إسرائيل فقال: يا بني إسرائيل لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم"3.
- وقد نظم هذا المعنى بعض الحكماء فقال:
من منع الحكمة من أهلها أصبح في الناس لهم ظالما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في الشعب 2/ 278-279، ومحمد بن خلف في المروءة برقم "92" ص72-73، وابن عدي في الكامل 3/ 180، وروى آخره البيهقي في المدخل برقم "579" ص348.
وانظر المنتقى من أخبار الأصمعي "47" ص126، ومختصر تاريخ دمشق 8/ 204، وتهذيب الكمال 8/ 489، وكشف الخفاء 1/ 16، والفهرست ص131.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف، برقم "20482" 11/ 257، والدينوري في المجالسة، برقم "311" 2/ 188-189، والبيهقي في المدخل برقم "615" ص365.
3 رواه الديلمي في الفردوس برقم "4668" 3/ 270 بزيادة في آخره، وعزاه ابنه للحارث, والقاضي عياض في الإلماع ص233، والملا في سيرة عمر بن عبد العزيز برقم "26" كما في هامش المجالسة 2/ 188، وفي سنده هشام بن زياد أبو المقدام: متروك. انظر الكامل 7/ 105-107، والتهذيب 11/ 38-39، والمجروحين 3/ 88-89، والتقريب 2/ 371.(1/217)
أو وضع الحكمة في غيرهم أصبح في الحكم لهم غاشما
لا خير في المرء إذا ما غدا لا طالب العلم ولا عالما
- ورحم الله القائل:
أأنثر درًّا بين سائمة النعم أم أنظمه نظمًا لمهملة الغنم
ألم ترني ضيعت في شر بلدة فلست مضيعًا بينهم درر الكلم
فإن يشفني الرحمن من طول ما أرى وصادفت أهلًا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدًا واستفدت ودادهم وإلا فمخزون لدي ومكتتم
433- حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الملك بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا سنيد، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن جرير بن عثمان، عن سليمان بن سمير، عن كثير بن مرة الحضرمي، أنه قال: إن عليك في علمك حقًّا كما أن عليك في مالك حقًّا: لا تحدث العلم غير أهله فتجهل، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك1.
- ولقد أحسن القائل:
قالوا: نراك طويل الصمت, قلت لهم: ما طول صمتي من عي ولا خرس
لكنه أحمد الأشياء عاقبة عندي وأيسره من منطق شكس
أأنشر البز فيمن ليس يعرفه أم أنثر الدر بين العمي في الغلس
- ولقد أحسن صالح بن عبد القدوس في قوله, ويروى لسابق:
وإذا حملت إلى سفيه حكمة فلقد حملت بضاعة لا تنفق
- ومن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا: "واضع العلم في غير أهله كمقلد الخنازير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "804" ص575، والخطيب في جامعه برقم "790" 1/ 542، ورقم "762" 1/ 525-526، والبيهقي في المدخل برقم "618" ص361، وفي الشعب 2/ 280-281.(1/218)
اللؤلؤ والذهب"1.
434- حدثنا خلف بن محمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، حدثنا فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إن إحياء الحديث مذاكرته، فتذاكروا.
فقال له عبد الله بن شداد: يرحمك الله كم من حديث أحييته في صدري قد مات2.
435- حدثنا خلف، حدثنا أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنا محمد، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: تذاكروا الحديث، فإن الحديث يهيج الحديث3.
- فإن قال قائل: إن بعض الحكماء كان يحدث بعلمه صبيانه وأهله، ولم يكونوا لذلك بأهل؟
قيل له: إنما فعل ذلك من فعله منهم لئلا ينسى.
436- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي وابن الأصبهاني والأخنس، قالوا: حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش: أن إسماعيل بن رجاء كان يجمع صبيان الكتاب يحدثهم لئلا ينسى حديثه4.
437- قال: وأخبرني أبو محمد التميمي، قال: حدثنا أبو مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز، أن عطاء الخراساني كان إذا لم يجد أحدًا أتى المساكين فحدثهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق ضمن حديث: "طلب العلم فريضة". وهو عند ابن ماجه برقم "224".
2 سبق.
3 سبق.
4 سبق.(1/219)
يريد بذلك الحفظ1.
438- وبه عن سعيد بن عبد العزيز أن خالد بن يزيد بن معاوية، كان إذا لم يجد أحدًا يحدثه يحدث جواريه ثم يقول: إني لأعلم أنكن لستن بأهل, يريد بذلك: الحفظ2.
- وقد كانوا يكرهون تكرير الحديث3، وكان بعضهم وهو علقمة يقول: كرروه لئلا يدرس4، ولكل وجه لا يدفع، وبالله التوفيق.
28- باب: في هيبة المتعلم للعالم
439- حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، أنه سمع ابن عباس يقول: مكثت سنة -وأنا أشك في ثنتين- وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما أجد له موضعًا أسأله فيه حتى خرج حاجًّا وصحبته حتى إذا كنا بمر الظهران وذهب لحاجته وقال: أدركني بإداوة من ماء، فلما قضى حاجته ورجع أتيته بالإداوة أصبتها عليه فرأيت موضعًا، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان المتظاهرتان على رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة.
قال أبو عمر: لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلا هيبته وذلك موجود في حديث ابن شهاب5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في جامعه برقم "361" 1/ 306.
2 رواه البيهقي في المدخل برقم "430" ص292 عن الزهري.
3 انظر الجامع للخطيب 1/ 654-655.
4 سبق.
5 رواه البخاري "89-2468-4913-4914-4915-5191-5218-5843-7256-7263"، ومسلم "1479"، والترمذي "3315"، والنسائي 4/ 137، وأحمد 1/ 33-48، وأبو يعلى "164-197"، وبعضهم ذكر قول ابن عباس, وبعضهم ذكر الحديث مطولًا.(1/220)
440- قرأت على عبد الوارث بن سفيان، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس، قال: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن حديث ما منعني منه إلا هيبته حتى تخلف في حج أو عمرة في الإراك الذي ببطن مر الظهران لحاجته، فلما جاء وخلوت به قلت: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن حديث منذ سنتين ما يمنعني إلا هيبة لك، قال: فلا تفعل، إذا أردت أن تسأل فسلني، فإن كان منه عندي علم أخبرتك، وإلا قلت: لا أعلم، فسألت من يعلم. قلت: من المرأتان اللتان ذكرهما أنهما تظاهرتا على رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟
قال: عائشة وحفصة.
ثم قال: كان لي أخ من الأنصار وكنا نتعاقب النزول إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنزل يومًا وينزل يومًا فما أتى من حديث أو خبر أتاني به، وأنا مثل ذلك، ونزل ذات يوم وتخلفت فجاءني... وذكر الحديث بطوله وتمامه1.
قال أبو عمر: الذي آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب من الأنصار عتبان بن مالك.
441- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، قال: قلت لسعد بن مالك: إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أهابك, فقال: لا تهبني يا ابن أخي، إذا علمت أن عندي علمًا فسلني عنه، قال: قلت: قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي في غزوة تبوك حين خلفه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الحديث السابق.(1/221)
فقال سعد: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"1.
442- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا شعبان، حدثنا إبراهيم بن عثمان، حدثنا حمدان بن عمر، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: إن من السنة أن توقر العالم2.
29- باب: في ابتداء العالم جلساءه بالفائدة وقوله: سلوني وحرصهم على أن يؤخذ ما عندهم
443- أخبرني عبد الله بن محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا أبو داود، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا: الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 1/ 173، وفي فضائل الصحابة 2/ 610 "1041"، وابن سعد في الطبقات 3/ 24، والشاشي في مسنده "147-148" 1/ 195، والدورقي في مسنده سعد برقم "102" ص177، وفي سنده علي بن زيد: ضعيف. انظر التقريب 2/ 37، وللحديث طرق أخرى يرتقي بها. وانظر مسند البزار "1074-1076"، والعلل للدارقطني "638" 4/ 373-376، ومسند سعد "80-101".
2 وراه عبد الرزاق في المصنف "20133" 11/ 137، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 179، والبيهقي في المدخل "664" ص382، وفي الشعب "7893" 6/ 198 بلفظ: "من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه".
وسيأتي برقم "500" إن شاء الله تعالى.
3 رواه أحمد في المسند 1/ 173، وفي فضائل الصحابة 2/ 610 "1041"، وابن سعد في الطبقات 3/ 24، والشاشي في مسنده "147-148" 1/ 195، والدورقي في مسنده سعد برقم "102" ص177، وفي سنده علي بن زيد: ضعيف. انظر التقريب 2/ 37، وللحديث طرق أخرى يرتقي بها. وانظر مسند البزار "1074-1076"، والعلل للدارقطني "638" 4/ 373-376، ومسند سعد "80-101".
2 وراه عبد الرزاق في المصنف "20133" 11/ 137، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 179، والبيهقي في المدخل "664" ص382، وفي الشعب "7893" 6/ 198 بلفظ: "من السنة أن يوقر أربعة: العالم، وذو الشيبة، والسلطان، والوالد، ومن الجفاء أن يدعو الرجل والده باسمه".
وسيأتي برقم "500" إن شاء الله تعالى.
3 رواه مسلم "1690"، وأبو داود "4415-4416"، والترمذي "1434"، والنسائي في فضائل الصحابة "5"، وابن ماجه "2550"، وأحمد 5/ 313-317-318-320، والدارمي "2327-2328"، وابن الجارود "810"، والطحاوي 3/ 134، وابن حبان "4425- 4426-4427-4443". والبيهقي في سننه 8/ 222.(1/222)
- وروى ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمى الجمرة يوم النحر على راحلته وقال: "خذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه"1.
444- حدثنا عبد الله محمد بن محمد بن أسد، قال: حدثنا سعيد بن السكن، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا البخاري، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر ومعه معاذ بن جبل رديفه على الرحل فقال: "يا معاذ".
قال: لبيك يا رسول الله وسعديك, ثلاثًا.
قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صادقًا من قلبه إلا حرم الله عليه النار".
قلت: يا رسول الله ألا أخبر به الناس فيستبشروا؟
قال: "إذًا يتكلوا" وأخبر بها معاذ عند موته2.
445- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "1297"، وأبو داود "1970"، والنسائي 5/ 270، وابن ماجه "3023", وأحمد 3/ 301-313-318-319-332-337-355-356-367-371-391، والدارمي "1915" 2/ 92-93، وابن خزيمة "2862-2875"، وأبو يعلى "2108-2147"، والبيهقي 5/ 125-127، والمديني في جزء: نضر الله امرأً "35" ص46، وهو جزء من حديث جابر الطويل في حجة النبي, صلى الله عليه وسلم. انظر تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجه.
2 رواه البخاري "118"، ومسلم "32"، وأحمد 5/ 229-240-241، والنسائي في عمل اليوم والليلة "1134" ص604-605، وابن منده في الإيمان برقم "93-94-95-97-98-99".(1/223)
عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معاذ".
قال: لبيك يا رسول الله وسعديك, قالها ثلاثًا.
قال: "بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله, دخل الجنة"1.
446- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا جعفر بن محمد الصائغ، قال: حدثنا محمد بن سابق، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة التيمي، قال: سمعت علي بن أبي طالب، يقول: ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساءه2.
447- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب3.
448- حدثني أحمد بن فتح، قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، قال: شهدت عليًّا -رضي الله عنه- وهو يخطب ويقول: سلوني، فوالله لا تسألونني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل.
فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين علي فقال: ما {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا، فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا، فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} [الذاريات: 1- 4]؟ فقال: ويلك, سل تفقُّهًا ولا تسل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26419" 5/ 312 وفي أوله قصة، والبيهقي في الشعب 3/ 437، وانظر ما بعده برقم "448-451".
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، برقم "26420" 5/ 312.(1/224)
تعنتًا: الذاريات ذروًا: الرياح، فالحاملات وقرًا: السحاب، والجاريات يسرًا: السفن، فالمقسمات أمرًا: الملائكة. قال: أفرأيت السواد الذي في القمر قال: أعمى سأل عن عمياء، أما سمعت الله -عز وجل- يقول: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْل} [الإسراء: 12] فمحوه السواد الذي فيه. قال: أفرأيت ذا القرنين أنبيًّا كان أم ملكًَا؟ قال: لا واحدًا منهما، ولكنه كان عبدًا صالحًا أحب الله فأحبه وناصح الله فناصحه الله، ودعا قومه إلى الهدى فضربوه على قرنه ثم دعاهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الآخر، ولم يكن له قرنان كقرني الثور. قال: أفرأيت هذا القوس ما هو؟ قال: هي علامة بين نوح وبين ربه وأمان من الغرق.
قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو؟ قال: الصراح فوق سبع سموات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعدون فيه إلى يوم القيامة.
قال: فمن الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار؟
قال: هما الأفجران من قريش, كفيتهم يوم بدر.
قال: فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا؟
قال: كان أهل حروراء منهم1.
- وروى أبو سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة، قال: قيل لعلي: يا أمير المؤمنين إن ههنا قومًا يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون؟ فقال: ثكلتهم أمهاتهم من أين قالوا ذلك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 241-242، والطبري في تفسيره 8/ 45-46 و11/ "441-442-443"، وابن أبي حاتم 7/ 2320 "13203" و"18649" 10/ 3311، والحاكم 2/ 466-467، والآجري في أخلاق العلماء "185" ص90-91، والبيهقي في الشعب 3/ 437-438. وعزاه في إتحاف الخيرة المهرة 6/ 275-276 لإسحاق بن راهويه في مسنده، وأحمد بن منيع. وانظر 7/ 207-209 فلقد ساق الحديث بطوله. وانظر المطالب العالية 4/ 162-164.(1/225)
قيل: يتأولون القرآن في قوله, عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] فقال: علي, رضي الله عنه: من لم يعلم هلك، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس تعلموا العلم واعملوا به، ومن أشكل عليه شيء من كتاب الله فليسألني عنه, إنه بلغني أن قومًا يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله, عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} الآية، وإنما قوله -عز وجل- حتى نعلم: يقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه.
449- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عمر بن سعد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، قال: سألت ابن مسعود عن أشياء ما أحد يسألني عنها1.
- وذكر الحلواني، قال: حدثنا عبد الملك الجدي وابن أبي مريم، قالا: أخبرنا نافع بن عمر الجمحي، قال: سمعت ابن أبي مليكة، قال: دخلنا على ابن عباس فقال: سلوني فإني قد أصبحت طيبة نفسي، أخبرت أن الكوكب ذا الذنب قد أطلع, فخشيت أن يكون الدخان: أو قال: الدجال، قد طرق. وسلوني عن سورة البقرة وسورة يوسف.
قال ابن أبي مريم: في حديثه يخصهما بين السور.
- قال: أخبرنا أبو أسامة، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فقرأ سورة البقرة، فجعل يفسر ويقرأ فما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، إني أقول: لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، برقم "26418" 5/ 312.
2 رواه الطبري في تفسيره 1/ 60، والحاكم في المستدرك "6290" 3/ 618 "طبعة عطا"، وأبو نعيم في الحلية 1/ 324. وانظر السير 3/ 351، والإصابة 4/ 149، وسنده صحيح.(1/226)
- وذكر ابن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة، عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم، قال: قال ابن عباس: ما سألني رجل عن مسألة إلا عرفت أفقيه هو أو غير فقيه1.
450- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا جرير، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: ألا تسألني عن آية فيها مائة آية؟ قال: قلت: ما هي؟
قال: قوله, عز وجل: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] قال: كل شيء أوتي من خير أو شر كان فتنة، وذكر حين حملت به أمه، وحين وضعته، وحين التقطه آل فرعون حتى بلغ ما بلغ، ثم قال: ألا ترى قوله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة}2 [الأنبياء: 35].
451- أخبرنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا أبو قطن, قال: حدثنا شعبة، عن أبي عون، عن أبي صالح، قال: قال علي, رضي الله عنه: سلوا ولو أن إنسانًا يسأل، فسأله ابن الكوَّا عن الأختين المملوكتين وعن بنت الأخ، والأخت من الرضاعة، قال: إنك لذهاب في التيه, سل عما ينفعك أو يعنيك. قال: إنما نسأل عما لا نعلم. قال: فقال في ابنة الأخ أو الأخت من الرضاعة: أردت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26414" 5/ 312.
2 رواه النسائي في سننه الكبرى، حديث رقم "11326" 6/ 396-406, وأبو يعلى في مسنده، حديث رقم "2618" 5/ 10-29، والطبري في تفسيره 8/ 415-417، وذكره ابن كثير في تفسيره 3/ 148-153.
ثم قال 3/ 153: "وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس -رضي الله عنهما- مما أبيح نقله من الإسرائيليات, عن كعب الأحبار، أو غيره، والله أعلم.
وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضًا" اهـ.
وانظر الإتقان 2/ 568 بتحقيقي, ومختصر إتحاف السادة المهرة 8/ 390-403، ومجمع الزوائد 7/ 56.(1/227)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بنت حمزة فقال: "هي ابنة أخي من الرضاعة"، وقال في الأختين المملوكتين: أحلتهما آية وحرمتهما آية, لا آمر ولا أنهى، ولا أحل ولا أحرم، ولا أفعله أنا ولا أهل بيتي1.
- وذكر الحلواني، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: إن مما يهمني أني وددت أن الناس قد أخذوا ما معي من العلم.
- وروينا عن الحسن أنه كان يبتدئ الناس بالعلم ويقول: سلوني.
- وكان ابن سيرين وإبراهيم لا يبتدئان أحدًا حتى يسألا2.
452- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو هلال الراسبي، قال: حدثنا قتادة، قال: أتى على الحسن زمان وهو يعجب ممن يدعو إلى نفسه. قال: فما مات حتى دعا إلى نفسه.
- وقال لقمان الحكيم: إن العالم يدعو الناس إلى علمه بالصمت والوقار.
453- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال لي عروة: ائتوني فتلقوا مني. وكان عروة يستألف الناس على حديثه.
قال أحمد بن زهير: كذا قال مصعب، أدخل حديث الزهري في حديث عمرو بن دينار صيرهما واحدًا وما صنع شيئًا:
حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق قريبًا.
2 روى الخطيب في جامعه برقم "365" 1/ 308 عن مغيرة قال: كان إبراهيم لا يحدث حتى يسأل.(1/228)
قال عروة: ائتوني فتلقوا مني. قال سفيان بمكة1.
وحدثنا أحمد بن حنبل وأبي، قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، قال: كان عروة يستألف الناس على حديثه2.
- حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، عن عكرمة، قال: ما لكم لا تسألوننا أفلستم3.
- قال أبو بكر: وحدثنا عمر بن سعد، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: ما أحد يسألني؟4.
- قال أبو بكر: وحدثنا ابن عيينة، عن عمرو، قال: قال لنا عروة: ائتوني فتلقوا مني5.
- قال: وحدثنا ابن عيينة، عن الزهري، قال: كان عروة يتألف الناس على حديثه6.
- وذكر ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، قال: قال لي أبي: والله ما يسألني الناس عن شيء حتى لقد نسيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "36416" 5/ 312، وأبو خيثمة في العلم برقم "23" ص10، وأبو نعيم في الحلية 2/ 176.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، برقم "26417" 5/ 312, وأبو خيثمة في العلم برقم "22" ص10، وأبو نعيم في الحلية 2/ 176، والخطيب في جامعه برقم "786" 1/ 540-541، وانظر تهذيب الكمال 20/ 16.
3 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26413" 5/ 312, والدارمي في سننه برقم "548" 1/ 147. وفي المطبوعة: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله, فالله أعلم.
4 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26415" 5/ 312, والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "308" ص361.
5 رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26416" 5/ 312.
6 رواه ابن أبي شيبة برقم "26417" 5/ 312، وقد سبق قريبًا.(1/229)
قال هشام: وكان أبي يقول لنا: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار قوم، وإنكم اليوم أصاغر قوم وستكونون كبارًا, فتعلّموا العلم تسودوا به قومكم ويحتاجون إليكم1.
قال هشام: وكان أبي يدعونني وعبد الله بن عروة وعثمان وإسماعيل وإخوتي وآخر قد سماه هشام فيقول: لا تَغْشوني مع الناس، وإذا خلوت فسلوني، فكان يحدثنا يأخذ في الطلاق، ثم الخلع، ثم الحج، ثم الهدي، ثم كذا، ثم يقول: كرروا عليّ فكان يعجب من حفظي.
قال هشام: والله ما تعلمنا منه جزءًا من ألف جزء من أحاديثه2.
454- وأخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: كان زائدة يخرج إليهم فيقول: اكتبوا اكتبوا, قبل أن أنسى.
455- أخبرنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح بن عمر المقرئ، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله المنادي، حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: حدثنا حاتم الطويل، حدثنا يحيى بن يمان العجلي، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: والله لو لم يأتوني لأتيتهم في بيوتهم, يعني: أصحاب الحديث3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في التاريخ الكبير 7/ 31 به، ورواه البيهقي في المدخل برقم "633" ص372، و"415" ص284-285 وليس فيه قصة النسيان, والفسوي في المعرفة 1/ 551، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 90.
2 رواه البخاري في التاريخ الكبير 7/ 31، وابن عبد البر في التمهيد 8/ 8. وانظر تهذيب الكمال 20/ 16.
3 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "41-42" 183-184، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص127، وفي الجامع برقم "777" 1/ 537. وانظر حلية الأولياء 6/ 366.(1/230)
456- وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن مالك، قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن يوسف الهروي، قال سمعت الربيع بن سليمان، يقول: قال لي الشافعي: يا ربيع لو قدرت أن أطعمك العلم لأطعمتك إياه1.
- قال أبو عمر: أخذه الخاقاني، فقال:
ألا فاحفظوا وصفي لكم ما اختصرته ليدريه من لم يكن منكم يدري
ففي شربة لو كان علمي سقيتكم ولم أخف عنكم ذاك العلم بالدخر
- وقال الربيع بن سليمان: كان الشافعي -رحمه الله- يملي علينا في صحن المسجد فلحقته الشمس فمر به بعض إخوانه فقال: يا أبا عبد الله في الشمس؟ فأنشأ الشافعي يقول:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ولن تكرم النفس الذي لا تهينها2
- وقال ابن عباس, رحمه الله: ذللت طالبًا فعززت مطلوبًا3.
457- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا الحسن بن ربيع قال: قال ابن المبارك: قال سفيان: لو لم يأتوني لأتيتهم.
فقيل لسفيان: إنهم يطلبونه بغير نية؟ فقال: إن طلبهم إياه نية1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 118، وفيه: لو قدرت، والبيهقي في المدخل برقم "646" ص377، وفي مناقب الشافعي 2/ 147. وقد ورد عن هشام الدستوائي قوله: وددت أن الحديث ماء فأسقيكموه. رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "44" ص184.
2 رواه البيهقي في المدخل برقم "645" ص376-377 وفي مناقب الشافعي 2/ 147 والخطيب في جامعه، وأبو نعيم في الحلية 9/ 148، وانظر تذكرة السامع ص66، ومسند الشافعي 1/ 375، والسير 12/ 61، وتاريخ بغداد 14/ 302، والفهرست ص298.
3 رواه الدينوري في المجالسة برقم "1635" 4/ 439 وفيه انقطاع. وانظر عيون الأخبار 2/ 137.(1/231)
30- باب: منازل العلم
458- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي، قال: سمعت فضيل بن عياض، يقول: أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.
459- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت سعيد بن يزيد يقول: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.
460- وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد, قال: حدثنا علي بن عبد العزيز, قال: حدثنا أبو يعقوب المروزي:
وحدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا قاسم, قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا ابن عياش بن غليب الوراق, قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن محمد بن النضر الحارثي، قال: أول العلم الاستماع.
قيل: ثم ماذا؟
قال: الحفظ.
قيل: ثم ماذا؟
قال: العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي برقم "358" 1/ 113، والخطيب في جامعه برقم "778-779" 1/ 538، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "40" ص183.(1/232)
قيل: ثم ماذا؟
قال: النشر1.
461- حدثنا أحمد بن محمد بن هشام، قال حدثنا علي بن عمر، قال: حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن الخطاب التستري، قال: حدثنا الخوارزمي، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان، قال سفيان: كان يقال: أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر2.
462- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة قال: قال سفيان: أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر3.
31- باب: طرح العالم المسألة على المتعلّم
463- حدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ بن جبل، قال: كنت رِدْفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هل تدري يا معاذ ما حق الله على الناس؟".
قال: قلت الله ورسوله أعلم.
قال: "حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. تدري يا معاذ ما حق الناس على الله إذا فعلوا ذلك؟".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 8/ 217-218, والخطيب في الجامع برقم "330" 1/ 293، والبيهقي في المدخل برقم "581" ص349، وفي شعب الإيمان 2/ 288-289.
2 رواه الدارمي في سننه برقم "330" 1/ 107، وأبو نعيم في الحلية 7/ 274، والخطيب في جامعه "787" 1/ 541 بمعناه, والقاضي عياض في الإلماع ص221، والبيهقي في الشعب 2/ 289.
3 انظر التعليق السابق.(1/233)
قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "حق الناس على الله أن لا يعذبهم".
قال: قلت: يا رسول الله، ألا أبشر الناس؟
قال: "دعهم يعملوا"1.
464- وقرأت على أبي محمد عبد الله بن محمد بن أسد، أن بكر بن العلاء القاضي، حدثهم قال: حدثنا أحمد بن موسى الشامي، قال: حدثنا القعنبي، قال: قرأت على مالك بن أنس، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل الرجل المسلم حدثوني ما هي؟".
قال عبد الله: فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال: فاستحييت.
فقالوا: يا رسول الله ما هي؟
قال: "النخلة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري برقم "2856" 6/ 58. وحديث رقم"5967" 10/ 397-398. وحديث رقم "6267" 11/ 60-61، وحديث رقم "6500" 11/ 337، وحديث رقم "7373" 13/ 347، ومسلم برقم "30" 1/ 58-59. وأبو داود برقم "2559" 3/ 25 بقصة إرداف النبي -صلى الله عليه وسلم- له دون المرفوع. والترمذي برقم "2643" 5/ 26-27، والنسائي في الكبرى برقم "5877" 3/ 443-444. وفي عمل اليوم والليلة برقم "186" ص224. وأحمد في المسند 5/ 228-229-230-234-236-238-242، وابن ماجه برقم "4296"، وأبو يعلى في مسنده برقم "4239" 7/ 236-237، وأبو عوانة 1/ 17، وأبو نعيم في الحلية 8/ 122، والدارقطني في العلل 6/ 62، والطبراني في المعجم الكبير "81-83-84-85-86-87-88" 20/ 48-50. وحديث رقم "140" 20/ 75، وحديث رقم "245" 20/ 122، وحديث رقم "254-255-256-257" 20/ 126-127، وحديث رقم "273- 274-275-276" 20/ 135-136، وحديث رقم "317-318-319-320" 20/ 152-153. وحديث رقم "372" 20/ 174.(1/234)
قال عبد الله بن عمر: "فحدثت عمر بن الخطاب بالذي وقع في نفسي. قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا"1.
465- وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن النعمان بن مرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟" وذلك قبل أن ينزل فيهم. قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: "هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته".
قالوا: يارسول الله وكيف يسرق صلاته؟
قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "61-62-72-131-2209-4698-5444-5448-6122-6144" ومسلم "2811"، والترمذي "2867"، وأحمد 2/ 12-31-41-115-123-157. والرامهرمزي في الأمثال ص68-69. والحميدي في مسنده "676-677"، والبزار في مسنده "43"، وابن منده في الإيمان "178-188-189-190"، وابن حبان "243-244-245-246" 1/ 478-481، والبغوي في شرح السنة "143".
2 رواه مالك في الموطأ "72" 1/ 167، وعبد الرزاق في المصنف برقم "3740" 2/ 371، والبيهقي في سننه 8/ 209 وهو مرسل، ولآخره شواهد من حديث:
أ- أبي هريرة: رواه أحمد بن منيع، كما في إتحاف المهرة 2/ 195، وابن حبان في صحيحه برقم "1888" 5/ 209، وأحمد في المسند 2/ 425، والطبراني في الأوسط "4665" 5/ 59، وإسحاق في مسنده "391" 1/ 274، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى "ق: 227"، والحاكم في المستدرك 1/ 229، والبيهقي في سننه 3/ 386، وفي الشعب "3115-3116-3117" 3/ 135 من طرق عن أبي هريرة، وسنده صحيح، رجاله ثقات.
ب- أبي قتادة: رواه أبو يعلى في معجم شيوخه برقم "150" ص196-197، وأحمد في المسند 5/ 310، والدارمي برقم "1328" 1/ 350، والطبراني في المعجم الكبير "3283" 3/ 242، وفي الأوسط برقم "8175"، وابن خزيمة في صحيحه "663" 1/ 331-332، والحاكم في المستدرك 1/ 229، والبيهقي في سننه 2/ 385-386، والخطيب في تاريخه 8/ 227، وفيه تدليس بقية بن الوليد، انظر إتحاف الخيرة المهرة 2/ 195. ورجح الدارقطني في العلل 6/ 141 حديث أبي هريرة على حديث أبي قتادة.
ج- أبي سعيد الخدري: رواه ابن أبي شيبة "2960" 1/ 257، وأحمد 3/ 56، والطيالسي "2219" ص294، وابن عدي في الكامل 5/ 199، وأبو يعلى "1311" 2/ 481، وأبو نعيم في الحلية 8/ 302.
د- عن الحسن مرسلًا: رواه ابن أبي شيبة "2967".
هـ- عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل: رواه الطبراني في الأوسط "3392" 3/ 355. والصغير "335" 1/ 209.(1/235)
466- وقرأت على أحمد بن محمد وسعيد بن نصر وأحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان أن وهب بن مسرة، حدثهم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال حدثنا يحيى بن يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: ما ترون في رجل يقع بامرأته وهو محرم؟ فلم يقل له القوم شيئًا. فقال سعيد: إن رجلًا وقع بامرأته وهو محرم... وذكر الحديث1.
467- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن مطرف وأحمد بن سعيد، قالا: أخبرنا عبيد الله بن يحيى، قال: حدثنا أبي, يحيى بن يحيى، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ ثم قال سعيد: هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة.
قال: وكذلك سنة الصلاة كلها2.
قال أبو عمر: يعني: إذا فاتتك منها ركعة أن تجلس مع إمامك في ثانيته وهي لك أولى، وهذه سنة الصلاة كلها إذا فاتتك منها ركعة.
468- وأخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يحيى، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، أن سعيد بن المسيب، قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف, فلم ينقطع عنه؟ قال: يحيى بن سعيد: ثم قال سعيد:
أرى أن يومئ برأسه إيماء1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مالك في الموطأ برقم "152" 1/ 382 مطولًا.
2 رواه مالك في الموطأ برقم "1280" 1/ 169.
3 رواه مالك في الموطأ برقم "52" 1/ 40.(1/236)
32- باب: فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه
469- قرأت على أبي عمر أحمد بن محمد، أن محمد بن عيسى حدثه، قال: حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا رشدين بن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: قلت لمعاذ بن جبل: أرأيت قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]؟ فقال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا أبا بكر وعمر حين أراد أن يبعثني إلى اليمن، فقال: "أشيروا علي فيما آخذ من اليمن".
قالا: يا رسول الله أليس قد نهى الله أن يتقدم بين يدي الله ورسوله فكيف نقول وأنت حاضر؟
فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكما فلم تتقدما بين يدي الله ورسوله".
قال عبد الرحمن بن غنم: فقلت لمعاذ بن جبل: فللرجل العالم أن يقول ومعه عداده من الناس في الأمر لا بد منه؟ قال: إن شاء الله أمسك حتى يكفيه أصحابه فذلك أحب إلي2.
قال أبو عمر: هذا حديث لا يحتج بمثله لضعف إسناده، ولكنه حديث حسن نقله الناس وذكرناه لتقف على ذلك وتعرفه.
470- وقرأت على عبد الله بن محمد، أن أحمد بن محمد المكي حدثهم قال: حدثنا علي بن عبد العزيز:
وأن بكر بن العلاء حدثهم، قال: أخبرنا أحمد بن موسى الشامي: قالا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مالك في الموطأ برقم "52" 1/ 40.
2 رشدين بن سعد، وابن أنعم ضعيفان. ونعيم بن حماد فيه ضعف.(1/237)
أخبرنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: أن لا تخالف عبد الله بن عمر في أمر الحج. فلما كان يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه فصاح عند سرادقه: أين هذا؟ فخرج إليه الحجاج وعليه ملحفة معصفرة. فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: الرواح إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم.
فقال: هذه الساعة:
قال: نعم.
قال: فأنظرني أفيض علي ماء ثم أخرج إليك، فنزل عبد الله حتى خرج إليه الحجاج فسار بيني وبين أبي، فقلت له: إن كنت تريد أن تصيب السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف. قال: فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك منه، فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق1.
471- وقرأت على أبي عمر أحمد بن محمد، أن محمد بن عيسى حدثهم، قال: حدثنا يحيى بن عمر ويحيى بن أيوب، قالا: حدثنا ابن عبد الله يحيى بن بكير: وقرأت على عبد الوارث بن سفيان، أن قاسم بن أصبغ، حدثهم، قال: حدثنا مطرف بن عبد الرحمن بن قيس، قال: حدثنا ابن بكير, قال: أخبرنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن حجاج بن عمرو بن غزية، أنه كان جالسًا عند زيد بن ثابت فجاءه ابن فهد رجل من اليمن، فقال: يا أبا سعيد إن عندي جواري، ليس نسائي اللائي أكن بأعجب إلي منهن، وليس كلهن يعجبني أن تحمل مني، أفأعزل؟
فقال زيد: أفته يا حجاج. قال: قلت: غفر الله لك، إنما نجلس إليك لنتعلم منك. فقال: أفته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "1660-1663"، والنسائي 6/ 252-254، ومالك في الموطأ برقم "194" 1/ 399، وابن خزيمة في صحيحه "2810" 4/ 252 و"2814" 4/ 253.(1/238)
قال: قلت: هو حرثك إن شئت سقيته، وإن شئت عطشته. وكنت أسمع ذلك من زيد بن ثابت.
فقال زيد: صدق1.
33- باب: جامع لنشر العلم
- روى سهل بن سعد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم"2.
- ومن حديث أبي رافع، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لعلي: "يا علي, لأن يهدي الله على يديك رجلًا واحدًا خير لك مما طلعت عليه الشمس"3.
472- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن دراج أبي السمح، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يتعلم العلم ولا يحدث به, كمثل الذي يكنز الكنز ولا ينفق منه"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مالك في الموطأ برقم "99" 2/ 595.
2 رواه البخاري "2942-3009-3701-4210", ومسلم "2406", وأبو داود "3661"، وأحمد في المسند 5/ 333، وفي الفضائل "1037"، وسعيد بن منصور "2472-2473"، وحديث رقم "2482"، والنسائي في الفضائل "46"، وفي الخصائص "17"، وابن حبان "6932" 15/ 377-378، والطبراني "5877-5950-5991"، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 207، والبغوي في شرح السنة "3906"، وأبو نعيم في الحلية 1/ 62، وأبو عوانة في مسنده، كما في إتحاف المهرة 6/ 119، منهم من طوله، ومنهم من اختصره.
3 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "930" 1/ 315، وفيه يزيد بن زياد, كما في المجمع 5/ 334. ورواه برقم "994" 1/ 332 من طريق أخرى بأتم منه, ويتأيد بما قبله.
4 رواه الطبراني في الأوسط "693" 1/ 394-395، وأبو خيثمة في العلم برقم "162" =(1/239)
473- وبه عن ابن وهب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن عبيدة، عن ابن عباس، قال: مثل علم لا يظهره صاحبه كمثل كنز لا ينفق منه صاحبه1.
474- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا إسحاق بن الفرات، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن دراج، عن عبد الرحمن بن حجيرة، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يتعلم العلم لا يحدث به الناس كمثل الذي رزقه الله مالًا لا ينفق منه"2.
475- وحدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا علي بن عمر، حدثنا الحسن بن عبد الله، حدثنا أبو يعلى بن زهير، حدثنا عمر بن يحيى بن نافع، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ص36-37. والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي برقم "725" 1/ 509، ورواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة, انظر الاغتباط ص72-73 بتحقيقنا، ودراج، هنا لا يروي عن أبي الهيثم, فروايته مقبولة. وله طريق أخرى:
فقد رواه الدارمي برقم "556" 1/ 148، وأحمد في المسند 2/ 499، وأبو نعيم في الحلية 7/ 227، من طريق أبي عياض، عن أبي هريرة. وفي سنده: إبراهيم بن مسلم الهجري: ضعيف.
وقد وقع في رفعه ووقفه خلاف: فقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي وابن فضيل، عن إبراهيم، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قوله. كما سيأتي.
ولكن يشهد له الذي يأتي بعده, من حديث ابن عمر. وانظر تخريج المشكاة 1/ 92 ومن حديث ابن مسعود: عند القضاعي "263" 1/ 180 وفيه إبراهيم الهجري: ضعيف.
1 رواه البيهقي في المدخل برقم "578" ص348، وفي سنده:
1- القاسم بن عبد الله: متروك. رماه أحمد بالكذب. انظر المغني 519، والكامل 2/ 336، والتهذيب 8/ 320-321، والتقريب 2/ 118 ولكن تابعه عليه روح عند البيهقي.
2- موسى بن عبيدة: ضعيف. انظر الكاشف 3/ 164، والتاريخ الأوسط 2/ 87، والمغني 2/ 685، والتهذيب 10/ 356-360، والتقريب 2/ 286.
2 سبق قريبًا وسيأتي برقم "589".(1/240)
عيسى بن شعيب، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه"1.
476- وقرأت على سعيد بن سيد، أن محمد بن أحمد بن خالد حدثه، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا قاسم بن محمد، قال: حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا الأعمش، عن صالح بن خباب، عن حصين بن عقبة، عن سلمان الفارسي، قال: علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه2.
- وقال علي, رضي الله عنه: لم يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهال؛ لأن العلم كان قبل الجهل.
- وروى أبو يزيد بن أبي الغمر، عن ابن القاسم، قال: كنا إذا ودعنا مالكًا يقول لنا: اتقوا الله وانشروا هذا العلم وعلموه ولا تكتموه.
477- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي، قال: أخبرنا معاذ بن معاذ، قال: أخبرني أشعث، عن الحسن، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من الصدقة أن يتعلم الرجل العلم فيعمل به، ثم يعلمه"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن جميع في معجمه ص341، والذهبي في سير أعلام النبلاء 18/ 523، ثم قال: عيسى لا يوثق به, والرافعي في التدوين 3/ 6. وانظر ما سبق برقم "472".
2 رواه أبو خيثمة في العلم برقم "12" ص8، والدارمي برقم "555" 1/ 148، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "34665" 7/ 121، والبيهقي في المدخل برقم "576" ص347-348، ورواه مطولًا الدارمي "557" 1/ 148، وابن أبي شيبة برقم "34666" 7/ 121.
3 رواه البيهقي في المدخل برقم "397" ص276، من طريق عوف، عن الحسن. ورواه أبو خيثمة في العلم "138" ص132من طريق أشعت، عن الحسن. وهو مرسل حسن الإسناد. ورواه الآجري في أخلاق العلماء برقم "57" ص41، وابن المبارك في الزهد "1385" من طريق الحسن بن ذكوان، عن الحسن. ورواه ابن ماجه في سننه "243"، والمزي في تهذيب الكمال 19/ 60، من طريق عبيد الله بن طلحة، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة. وفي سنده إسحاق بن إبراهيم: لين الحديث. والحسن لم يسمع من أبي هريرة وانظر ما سيأتي ص244.(1/241)
478- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: أخبرنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، سمعه يقول: سمعت عبد الملك بن مروان خطيبًا يوم الفطر فقال: إن العلم يقبض قبضًا سريعًا فمن كان عنده علم فلينشره غير خاف عنه ولا غال فيه.
- وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كان أنس بن مالك يقول: بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة كما تسأل الأنبياء, يعني: عن تبليغه1.
- ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ألا أخبركم عن أجود الأجواد؟".
قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: "الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علمًا فنشر علمه يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى قتل"2.
- ويروى هذا من حديث نوح بن ذكوان، عن أخيه أيوب، عن الحسن، عن أنس رفعه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 319.
2 رواه أبو يعلى في مسنده، برقم "2790" 5/ 176، وابن حبان في المجروحين 2/ 301، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 230، والبيهقي في شعب الإيمان "1767" 2/ 281 والشجري في أماليه 1/ 56، والديلمي في الفردوس، حديث رقم "450" 1/ 165, وأبو الشيخ، كما في تسديد القوس "ق: 65" وسنده مسلسل بالضعفاء:
1- محمد بن إبراهيم الشامي: منكر الحديث. وقد توبع.
2- سويد بن عبد العزيز: لين الحديث.
3- نوح بن ذكوان: ضعيف.
4- أيوب بن ذكوان: ضعيف.
5- الحسن عنعن عن أنس.
وانظر تنزيه الشريعة 1/ 256، وفيض القدير 3/ 104، وضعيف الجامع 2/ 244، ومجمع الزوائد 9/ 13، والمقصد العلي "104".(1/242)
479- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن عمار، قال: حدثنا المعافى، عن صفوان بن عمر، عن سليم بن عامر، قال: كان أبو أمامة يحدثنا فيكثر، ثم يقول: عقلتم؟
فنقول: نعم.
فيقول: بلغوا عنا فقد بلغناكم, يرى أن حقًَّا عليه أن يحدث بكل ما سمع.
قال المعافى: أو نحو هذا.
- ومن حديث معاذ الجهني، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من علم علمًا فله أجر ذلك ما عمل به عامل لا ينقص من أجر العامل شيء"1.
480- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن أيوب الموصلي، عن جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فمر أهل الفقه والعلم من عندك فلينشروا ما علمهم الله في مجالسهم ومساجدهم والسلام2.
- ويقال: ما صين العلم بمثل العمل به وبذله لأهله.
- وقالوا: النار لا ينقصها ما أخذ منها ولكن ينقصها ألا تجد حطبًا وكذلك العلم لا ينقصه الاقتباس منه، ولكن فقد الحاملين له سبب عدمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه برقم "240"، وسنده ضعيف. قال البوصيري في مصباح الزجاجة 1/ 103: "هذا إسناد فيه, فقال:
1- سهل بن معاذ: ضعفه ابن معين, ووثقه العجلي. وذكره ابن حبان في الثقات والضعفاء.
2- وأما يحيى بن أيوب: لم يدرك سهل بن معاذ. قاله المزي.
3- وقال: قد رواه محمد بن عبد الله بن الحكم: عن ابن وهب، عن يحيى بن أيوب, عن زياد بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس, عن أبيه" اهـ.
2 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "873" ص603، والخطيب في جامعه، وانظر فتح الباري 1/ 204.(1/243)
- وروي عن علي أنه قال: من علم وعمل وعلم دعي في ملكوت السموات عظيمًا.
- وقد روي هذا من كلام المسيح, عليه السلام1.
- أخذه بكر بن حماد، فقال:
إذا ما امرؤ عملت يداه بعلمه نودي عظيمًا في السماء مسودا
- ومن حديث مندل بن علي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق رجل بصدقة أفضل من علم ينشره"2.
- وذكر ابن بكير، عن الليث، عن ابن شهاب، قال: ما صبر أحد على العلم صبري ولا نشره أحد نشري3.
481- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن يونس، عن بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن شمر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر4.
- وقال ابن مسعود في قول الله, عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: 120]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص59، وأبو خيثمة في العلم "7" ص7، والخطيب في الجامع "36" 1/ 134، والبيهقي في الشعب 2/ 289، وفي المدخل برقم "582" ص349، وأبو نعيم في الحلية 6/ 93 و8/ 340.
2 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "6964" 7/ 280 من طريق عون بن عمارة، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن، عن سمرة. وسنده ضعيف جدًّا. فيه:
1- أبو بكر الهذلي: متروك.
2- عون بن عمارة: ضعيف. وانظر مجمع الزوائد 1/ 166.
3 الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. وانظر ما سبق برقم "477"، وعقيب حديث رقم "72".
3 رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 366.
4 سبق تخريجه.(1/244)
قال: الأمة: المعلم للخير، والقانت: المطيع1.
قال أبو عمر: وقد ذكرنا قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع مقالتي, أو سمع منا حديثًا فوعاه ثم بلغه غيره".
وذكرنا من فضل نشر العلم كراهية كتمانه في كتابنا هذا في غير موضع منه ما أغنى عن إعادته ههنا.
- وقال ابن وهب: سمعت سفيان بن عيينة، يقول في قول الله, عز وجل: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] قال: معلمًا للخير2.
482- وأخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس، قال: حدثنا سفيان في قوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] قال: معلم للخير.
- وفيما كتب بعض الحكماء إلى أخ له قال: واعلم يا أخي أن إخفاء العلم هلكة وإخفاء العمل نجاة.
- وسئل سهل بن عبد الله التستري, رحمه الله: متى يجوز للعالم أن يعلم الناس؟ قال: إذا عرف المحكمات من المتشابهات.
483- حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا مسلمة بن قاسم، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي رجاء الزيات بمكة، قال: سمعت محمد بن إسماعيل الصائغ، يقول: رأيت يزيد بن هارون في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي.
قلت: بأي شيء؟
قال: بهذا الحديث الذي نشرته في الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبري في تفسيره 7/ 659-660، وأبو نعيم في الحلية 1/ 229-230، والحاكم في المستدرك 2/ 358، والطبراني في المعجم الكبير "47" 20/ 34 بسياق أتم، وانظر مجمع الزوائد 9/ 311، والدر المنثور 5/ 174-175.
2 رواه الطبري في تفسيره 8/ 339، وابن أبي حاتم في تفسيره 7/ 2408، وانظر الدر المنثور 5/ 509.(1/245)
34- باب: جامع في آداب العالم والمتعلم
484- حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم، قال: حدثنا أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن مروان البغدادي بالإسكندرية، قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا ابن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "علموا ويسروا ولا تعسروا, ثلاثًا"1.
485- وحدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن الحسن الرازي، قال: حدثنا أزهر بن زفر بن صدقة، قال: حدثنا عبد المنعم بن بشير، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 1/ 239-265-283، وإسحاق في مسنده. كما في إتحاف المهرة 7/ 305. وانظر 1/ 208، والبخاري في الأدب المفرد "245-1320"، والطيالسي في مسنده "2607" ص340، والبزار "152" والقضاعي "764"، وليث: ضعيف. انظر الكاشف 3/ 13، والمغني 2/ 536، والتهذيب 8/ 465-468، والتقريب 2/ 138. وله شواهد كثيرة.
2 في سنده عبد المنعم بن بشير: اتهم بالوضع. وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ضعيف. وضعفوه جدًّا في روايته عن أبيه, كما هنا, انظر التهذيب 6/ 177-179, والمغني 2/ 381، والضعفاء للعقيلي 2/ 331-332، والبخاري في التاريخ الكبير 3/ 1/ 283، والميزان 2/ 565، والمجروحين 2/ 57، والتقريب 1/ 480.
وهو محفوظ عن عمر قوله، كما قال البيهقي في المدخل ص371: رواه الأجري في أخلاق حملة القرآن "42" ص61، وأحمد في الزهد "120"، ووكيع في الزهد برقم "275" 2/ 538-539، وابن عبد البر فيما سيأتي برقم "516"، والبيهقي في المدخل "539- =(1/246)
- قال موسى بن عبيد الله الخاقاني:
علم العلم لمن أتاك لعلم واغتنم ما حييت منه الدعاء
وليكن عندك الفقير إذا ما طلب العلم والغني سواء
486- وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو علي بن السكن، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الداودي بطبرية، قال: حدثنا حسين بن مبارك، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله شيئًا أقل من اليقين، ولا قسم بين الناس شيئًا أقل من الحلم، وما أووي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
629"، وفي الشعب 2/ 287، والدينوري في المجالسة برقم "1197" 4/ 39-41، والخطيب في جامعه "42" 1/ 138.
وقد روي مرفوعًا: رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 342، وإسناده واه بمرة. فيه:
1- عبد المنعم بن بشير: قال الخليلي: هو وضاع على الأئمة.
2- كان نعيم بن بشير يضطرب فيه:
فرواه مرة وجعله عن أبي سعيد الخدري, كما عند ابن عبد البر. ورواه مرة وجعله عن عمر مرفوعًا.
ورواه الشجري في أماليه 1/ 69 عن ابن عمر مرفوعًا, وفي سنده سعدويه بن سعد الجرجاني له أحاديث لا يتابع عليها. انظر الميزان 2/ 212.
ورواه الشجري 1/ 68 عن علي قوله ضمن خبر. وفي سنده هانئ بن المتوكل: لا يجوز الاحتجاج به. انظر المجروحين 3/ 97، والجرح 9/ 102، والميزان 4/ 291.
ورواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "88" ص205 عن عمرو بن قيس الملائي قال: كان يقال... فذكره.
ورواه الطبراني في الأوسط برقم "6180" 7/ 105. وابن عدي في الكامل 4/ 336، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 113، وفي الجامع "818" 1/ 554-555، عن عباد بن كثير، عن الأعرج، عن أبي هريرة رفعه: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة...".
وفي سنده: عباد بن كثير: متروك الحديث. وانظر مجمع الزوائد 1/ 29. وقد استفدت مما سطره الأخ مشهور سلمان على حاشية المجالسة 4/ 39-41 جزاه الله خيرًا.
1 روى ابن أبي الدنيا في اليقين "5" ص94 عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الأشياخ قال: ما نزل في الأرض شيء أقل من اليقين، ولا قسم بين الناس شيء أقل من الحلم. وأبو بكر بن أبي مريم: ضعيف، انظر التقريب 2/ 398، والميزان 4/ 497، والمجروحين 3/ 146. وروي في كتاب الحلم برقم "14" ص26 عن حبيب بن حجر القيسى قال: كان يقال: ما أضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم.
وفي سند ابن عبد البر: الحسين بن مبارك: متهم.(1/247)
487- وحدثنا ابن القاسم، قال حدثنا ابن المفسر، قال: حدثنا أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: ما أووي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم1.
488- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد، قال: حدثنا أسلم بن عبد العزيز، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: لم يئوي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم2.
- وقال بقية: عن إبراهيم بن أدهم، ومحمد بن عجلان: ما من شيء أشد على الشيطان من عالم حليم, إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم، يقول الشيطان: انظروا إليه كلامه أشد علي من سكوته.
- وذكر ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن ابن عجلان، عن رجاء بن حيوة، قال: يقال: ما أحسن الإسلام ويزينه الإيمان، وما أحسن الإيمان ويزينه الرفق، وما أحسن التقوى ويزينها العلم، وما أحسن العلم ويزينه الحلم، وما أحسن الحلم ويزينه الرفق3.
- وقال بعض الأدباء في هذا المعنى:
العلم والحلم حلتا كرم للمرء زين إذا هما اجتمعا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو خيثمة في العلم "81" ص21، والدارمي في سننه برقم "576" 1/ 152، والبيهقي في المدخل برقم "507" ص323.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 5/ 173، ورواه الخطيب في جامعه برقم "43" 1/ 138 عن حبيب بن حجر القيسي، قال: كان يقال....(1/248)
كم من وضيع سما به العلـ ـم والحلم فنال السمو وارتفعا
صنوان لا يستتم حسنهما إلا بجمع لذا وذاك معا
كل رفيع البنا أضاعهما أخمله ما أضاع فاتضعا
- وكان يقال: لقاح المعرفة دراسة العلم.
- وذكر الحسين بن علي بن الأسود أبو عبد الله النخعي، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن عون الخراساني، عن إبراهيم بن عيسى، عن عبد الله مسعود، أنه قال لأصحابه: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض1.
- قال الحسين: وحدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن مسعر، عن سلمة بن كهيل، عن أبي جحيفة، قال: كان يقال: جالس الكبراء, وخالل العلماء، وخالط الحكماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي في سننه رقم "256" 1/ 92. وابن أبي الدنيا في التواضع برقم "11" ص34-35، والعزلة "137" ص128-129، والديلمي "6501" 4/ 161 "العلمية" وسنده ضعيف جدًّا, فيه محمد بن عون: متروك الحديث.
ورواه ابن أبي الدنيا في التواضع برقم "14" ص39-40، وفي العزلة برقم "76" ص91 من طريق عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن مسعود. وسنده ضعيف. فيه:
1- عامر بن عبد الله بن يساف: قال ابن عدي: منكر الحديث عن الثقات.
انظر الميزان 2/ 361، والتقريب 1/ 388، والتهذيب 5/ 76، والتاريخ الكبير 6/ 458، والجرح والتعديل 6/ 329.
2- يحيى بن أبي كثير: عن ابن مسعود مرسل. انظر تحفة التحصيل ص346-347، والمراسيل لابن أبي حاتم "240"، وجامع التحصيل ص299.
ورواه ابن أبي الدنيا في العزلة برقم "179" ص153 من طريق سعيد القطعي، عن ابن مسعود.
ورواه البيهقي في الشعب 2/ 371 من طريق عبيد الله بن أبي العيزار، عن ابن مسعود.
ورواه أبو نعيم في الحلية 1/ 77 من طريق محمد بن كثير، عن عمرو بن قيس, عن عمرو بن مرة، عن علي به وإسناده مظلم، فيه مجاهيل، وانقطاع، وانظر صفة الصفوة 1/ 416.(1/249)
وهذا لفظ حديث ابن نمير.
ولفظ حديث أبي أسامة: وخالل الحكماء وخالط العلماء1.
- قال: وأخبرنا الحسين بن علي الجعفي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قال: عيسى ابن مريم: جالسوا من يذكركم بالله ورؤيته، ومن يزيد في علمكم منطقه، ومن يرغبكم في الآخرة عمله.
489- وحدثنا أحمد بن فتح: قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن موسى بن نصر، قال: سمعت عيسى بن حماد، يقول: كثيرًا ما كنت أسمع الليث بن سعد يقول لأصحاب الحديث: تعلموا الحلم قبل العلم.
490- وحدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: سمعت ابن وهب يقول: ما تعلمت من أدب مالك أفضل من علمه.
- ولقد أحسن عبد الله بن المبارك حيث يقول:
أيها الطالب علمًا ائت حماد بن زيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "354" 22/ 133، والبيهقي في المدخل برقم "442" 297 من طريق علي بن الأقمر، عن أبي جحيفة. قال في مجمع الزوائد 1/ 125: "إسناده صحيح".
وقد ورد عن أبي جحيفة مرفوعًا:
رواه البيهقي في المدخل برقم "444" ص297، والطبراني في المعجم الكبير برقم "323-324" 22/ 125، من طريق عبد الملك بن حسين، عن سلمة بن كهيل، عن أبي جحيفة. وسنده ضعيف جدًّا، فيه:
1- عبد الملك بن حسين: متروك. انظر التقريب 2/ 468، والتهذيب 12/ 219، والمجروحين 2/ 124، والميزان 2/ 653، والجرح والتعديل 2/ 2/ 347.
2- وخالف عبدُ الملك مسعرًا: حيث رواه مسعر، عن سلمة، عن أبي جحيفة موقوفًا.
كما عند ابن عبد البر هنا.
وانظر مجمع الزوائد 1/ 125.(1/250)
فاقتبس علمًا وحلمًا ثم قيده بقيد1
- وذكر محمد بن الحسن الشيباني، عن أبي حنيفة، قال: الحكايات عن العلماء ومجالستهم أحب إلي من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم.
قال محمد: ومثل ذلك ما روي عن إبراهيم، قال: كنا نأتي مسروقًا فنتعلم من هديه ودله.
491- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير الحوطي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن شريك بن نهيك الخولاني، قال: قال أبو الدرداء: من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه مع أهل العلم2.
492- وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو الحسن بن بهزاد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي، يقول: من حفظ القرآن عظمت حرمته، ومن طلب الفقه نبل قدره، ومن عرف الحديث قويت حجته، ومن نظر في النحو رق طبعه، ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم3.
- وقال عمر مولى غفرة: لا يزال العالم عالمًا ما لم يجسر في الأمور برأيه ولم يستحي أن يمشي إلى من هو أعلم منه.
- وقال الخليل بن أحمد: إذا أخطأ بحضرتك من تعلم أنه يأنف من إرشادك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر حلية الأولياء 6/ 258، وتاريخ بغداد 6/ 29، والكفاية ص217، والعقد الفريد 2/ 238.
2 رواه ابن المبارك في الزهد "988" ص351، وأحمد في الزهد ص46، والبخاري في التاريخ 6/ 16، وأبو نعيم في الحلية 1/ 211.
3 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 36، وفي شرف أصحاب الحديث ص69، وأبو نعيم في الحلية 9/ 123، والقاضي عياض في الإلماع ص221، والبيهقي في المدخل برقم "511" ص324. وفي مناقب الشافعي 1/ 182.(1/251)
فلا ترد عليه خطأه؛ لأنك إذا نبهته على خطئه أسرعت إفادته واكتسبت عداوته.
- وقال أبو الأسود الدؤلي: إذا أردت أن يكذبك الشيخ فلقنه. ذكره قتادة وغيره عن أبي الأسود.
493- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: سمعت شعبة، يقول: كل من سمعت منه حديثًا فأنا له عبد1.
494- وحدثنا سعيد بن سيد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن خالد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا قاسم بن محمد، قال: حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا هشام بن حسان، عن الحسن، قال: كان طالب العلم يرى ذلك في سمعه وبصره وتخشعه2.
495- وأخبرنا أحمد بن قاسم وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا حيوة بن شريح، قال: سمعت عقبة بن مسلم، يقول: الحديث مع الرجل والرجلين والثلاثة، فإذا عظمت الحلقة فأنصت3.
495م- قال ابن المبارك: وأخبرنا رباح بن زيد، عن رجل، عن وهب بن منبه، قال: إن للعلم طغيانًا كطغيان المال4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في جامعه برقم "321-322" 1/ 288-289 بأتم منه. ورواه القاضي عياض في الإلماع ص227، وأبو نعيم في الحلية 7/ 154.
2 رواه أحمد في الزهد ص261، وابن المبارك في الزهد "79" ص26-27، والدارمي في سننه برقم "385" 1/ 118، والبيهقي في الشعب 2/ 291، والخطيب في جامعه برقم "178" 1/ 216, والآجري في أخلاق العلماء "104" ص59-60. وانظر ما سبق برقم "207".
3 رواه ابن المبارك في الزهد برقم "55" ص18-19.
4 رواه ابن المبارك في الزهد برقم "56" ص19، وأبو نعيم في الحلية 4/ 55، وأبو خيثمة في العلم برقم "103" ص26.(1/252)
- وروينا من وجوه عن الشعبي، قال: صلى زيد بن ثابت على جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله.
فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء.
وزاد بعضهم في هذا الحديث: إن زيد بن ثابت كافأ ابن عباس على أخذه بركابه أن قبل يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا1.
وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها، والجنازة كانت جنازة أم زيد بن ثابت صلى عليها زيد وكبر أربعًا وأخذ ابن عباس بركابه يومئذ.
496- وقرأت على عبد الرحمن بن يحيى، أن عمر بن محمد حدثهم، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا حميد بن أبي سويد المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "علموا ولا تعنتوا؛ فإن المعلم خير من المعنت"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 484. والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 99، وفي الجامع "310-311" 1/ 283، وابن سعد في الطبقات 2/ 360، والطبراني في المعجم الكبير برقم "4746" 5/ 107-108، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 325-326 "دار الفكر"، والبيهقي في المدخل "93" ص137، و"670" ص385، وأورده الحافظ ابن حجر في الإصابة 1/ 543 وصحح إسناده, أي: بدون الزيادة. وانظر مجمع الزوائد 9/ 345.
ورواه بذكر الركاب فقط: ابن سعد في الطبقات 2/ 360، والحاكم في المستدرك 3/ 423، وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 325. ورواه بالزيادة التي تكلم عليها ابن عبد البر, الحافظ ابن المقرئ في جزئه: "الرخصة في تقبيل اليد" برقم "30" ص95.
وابن عساكر في تاريخ دمشق 19/ 326، والدينوري في المجالسة برقم "1314" 4/ 146-147.
2 رواه ابن عدي في الكامل 2/ 247، والطيالسي في مسنده برقم "2536" ص331، والآجري في أخلاق حملة القرآن "40" ص60، والبيهقي في المدخل برقم "627" ص370، وفي الشعب 2/ 276، والحارث بن أبي أسامة في مسنده، كما في إتحاف الخيرة 1/ 205 ثم ضعفه. وسنده ضعيف، فيه:
1- حميد بن أبي سويد: مجهول. انظر التقريب 21/ 602، والتهذيب 3/ 43، والجرح والتعديل 1/ 2/ 223.
2- رواية إسماعيل عن غير أهل بلده. فهو يروي هنا عن مكي. وانظر المقاصد الحسنة ص289، وفيض القدير 4/ 328، وكشف الخفاء 1/ 88.(1/253)
هكذا قال، وغيره يقول في هذا الحديث: "تعلموا ولا تعنتوا؛ فإن المتعلم خير من المعنت".
497- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا مسدد، حدثنا حماد عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "علموا ويسروا، ولا تعسروا -ثلاث مرات- وإذا غضبت فاسكت، وإذا غضبت فاسكت"1.
ورواه عبد الله بن هارون البجلي الكوفي، عن ليث بن أبي سليم، بإسناد مثله وقال في آخره: "وإذا غضبتم فاسكتوا, كررها ثلاث مرات".
498- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن يونس -أراه: يعني: ابن عبيد- عن ميمون بن مهران، قال: لا تمار عالمًا ولا جاهلًا، فإنك إذا ماريت عالمًا خزن عنك علمه، وإن ماريت جاهلًا خشن بصدرك2.
498م- قال أحمد بن زهير: وحدثنا يحيى بن يوسف الزمي، قال: حدثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران، قال: لا تمار من هو أعلم منك، فإذا فعلت ذلك خزن عنك علمه ولم تضره شيئًا.
498م- قال: وحدثنا مؤمل بن إهاب، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علمًا كثيرًا3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "486".
2 رواه الدارمي في سننه برقم "302" 1/ 102 بأتم فيه. وأبو نعيم في الحلية 4/ 82.
3 روى نحوه الخطيب في الجامع برقم "384-385" 1/ 316-317. وسيأتي قريبًا.(1/254)
498م- قال: وحدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا أبو المليح، عن ميمون، قال: لا تمار من هو أعلم منك، فإنك إن ماريته خزن عنك علمه ولا يبالي ما صنعت.
499- وحدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا إبراهيم بن عثمان، قال: حدثنا أحمد بن عمرو، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، قال: لم أستخرج الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به1.
500- وحدثنا خلف، قال: حدثنا ابن شعبان، قال: حدثنا إبراهيم بن عثمان، قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن نافع، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: من السنة أن يوقر العالم2.
501- وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الله بن سليمان الأسواني، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي، قال: حدثنا محمد بن حفص الطالقاني، قال: حدثنا صالح بن محمد الترمذي، قال: حدثنا سليمان بن عمرو النخعي، عن شريك -يعني: ابن عبد الله بن أبي نمر- عن سعيد بن المسيب، أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال ولا تعنته في الجواب، وأن لا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشين له سرًّا، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.
2 سبق برقم "442".
3 رواه القاضي عياض في الإلماع ص47-48 بأتم منه. ورواه الخطيب في الجامع "350" 1/ 300-301، وفي الفقيه والمتفقه 2/ 99. وسيأتي نحوه ص291.(1/255)
502- أنشدني يوسف بن هارون لنفسه في قصيدة له:
وأجله في كل عين علمه فيرى له الإجلال كل جليل
ولذلك العلماء كالخلفاء عند الناس في التعظيم والتبجيل
- قال أبو عمر: وروينا من وجوه كثيرة عن أبي سلمة، أنه قال: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علمًا كثيرًا1.
- وقالت الحكماء: إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول.
- وقال الحسن بن علي لابنه: يا بني إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثًا وإن طال حتى يمسك.
- وقال الشعبي, رحمه الله: جالسوا العلماء فإنكم إن أحسنتم حمدوكم، وإن أسأتم تأولوا لكم وعذروكم، وإن أخطأتم لم يعنفوكم، وإن جهلتم علموكم، وإن شهدوا لكم نفعوكم.
35- فصل: في الانتفاع بالمناظرة
- قال الخليل بن أحمد: اجعل تعليمك دراسة لك، واجعل مناظرة العلم تنبيهًا بما ليس عندك، وأكثر من العلم لتعلم، وأقلل منه لتحفظ2.
- وروي عنه أنه قال: أقلوا من الكتب لتحفظوا وأكثروا منها لتعلموا3.
ويقال: إذا أردت أن تكون عالمًا فاقصد لفن من العلم، وإن أردت أن تكون أديبًا فخذ من كل شيء أحسنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق قريبًا.
2 سبق قريبًا.
3 رواه البيهقي في المدخل برقم "596" ص355، ولفظه: يكثر الكلام ليفهم، ويقلل ليحفظ.(1/256)
- وقال غيره: من أراد أن يكون حافظًا نظر في فن واحد من العلم، ومن أراد أن يكون عالمًا أخذ من كل علم بنصيب.
503- وفيما أجاز لنا عيسى بن سعيد المقرئ، عن ابن مقسم، قال: سمعت أحمد بن نابل الزعفراني، يقول: سمعت علي بن عبد العزيز، يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام، يقول: ما ناظرني رجل قط وكان مفننًا في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجل ذو فن واحد إلا غلبني في علمه ذلك1.
- وقال يحيى بن خالد بن برمك لابنه: يا بني خذ من كل علم بحظ وافر، فإنك إن لم تفعل جهلت، وإن جهلت شيئًا من العلم عاديته، وعزيز علي أن تعادي شيئًا من العلم.
504- وأنشدني عبد الله بن محمد بن يوسف:
فلا تلمهم على إنكار ما نكروا فإنما خلقوا أعداء ما جهلوا
505- حدثنا خلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير الدمشقي -ثقة- يعرف: بابن ذكوان المقرئ، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة قال: حدثنا ابن شوذب، عن مطر الوراق، قال: مثل الذي يروي عن عالم واحد مثل الذي له امرأة واحدة إذا حاضت بقي2.
- وروينا مثل قول مطر هذا عن أيوب السختياني، قال: الذي له في الفقه معلم واحد كالرجل له امرأة واحدة.
- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ارحموا من الناس ثلاثة: عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالمًا بين جهال"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه القاضي عياض في الإلماع ص221.
2 رواه القاضي عياض في الإلماع ص225، والخطيب في الجامع برقم "1289" 2/ 116.
3 رواه ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 236، وابن حبان في المجروحين 3/ 74 من حديث ابن عباس. فيه وهب بن وهب: رموه بالكذب.(1/257)
- وكان يقال: لا يكون الرجل عالمًا حتى تكون فيه ثلاث خصال: لا يحقر من دونه في العلم ولا يحسد من فوقه في العلم ولا يأخذ على علمه ثمنًا1.
- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس من أخلاق المؤمن التملق إلا في طلب العلم"2.
- وقال بلال بن أبي بردة: لا يمنعكم سوء ما تعلمون منا أن تقبلوا أحسن ما تسمعون منا3.
- وقال الخليل بن أحمد:
اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري4
36- فصل: في الإنصاف في العلم
قال أبو عمر: من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم، ولم يتفهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي برقم "290" 1/ 100، وأبو نعيم في الحلية 1/ 306، من قول ابن عمر. وفيه ليث. ورجل مبهم. ورواه الدارمي برقم "292" 1/ 100، والبيهقي في الشعب 2/ 288 عن أبي حازم قوله.
2 رواه البيهقي في شعب الإيمان برقم "4863"، وابن عدي في الكامل 2/ 298، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 219، والقضاعي في مسند الشهاب برقم "1188" من حديث معاذ وفيه: الحسن بن دينار، والخصيب بن جحدر: متهمان بالكذب.
ورواه ابن عدي في الكامل 5/ 10، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 219 من حديث أبي أمامة وفيه: عمر بن موسى: متروك.
ورواه ابن عدي في الكامل 6/ 222، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 219. والخطيب في الجامع "1473" 2/ 201، وفي التاريخ 13/ 275. وفيه عمرو بن الحصين: كذاب.
3 انظر الإلماع ص228، والمدخل للبيهقي ص446-447.
4 ذكره البيهقي في المدخل برقم "842" ص446-447 لابن عيينة، وكذا رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 276، وذكره القاضي عياض في الإلماع ص228 بدون عزو لأحد.(1/258)
- قال بعض العلماء: ليس معي من العلم إلا أني أعلم أني لست أعلم.
- وقال محمود الوراق:
أتم الناس أعرفهم بنقصه وأقمعهم لشهوته وحرصه
506- حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، حدثنا العائذي، حدثنا محمد بن الحسن بن زكريا الباذنجاني، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا عمي، عن جدي عبد الله بن مصعب، قال: قال عمر بن الخطاب: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة, يعني: يزيد بن الحصين الحارثي, فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال.
فقامت امرأة من صف النساء طويلة فيها فطس فقالت: ما ذاك لك.
قال: ولم؟
قالت: لأن الله -عز وجل- يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود برقم "2106" 2/ 235، والترمذي برقم "1114" 3/ 422-423، والنسائي 6/ 117 وفي آخره زيادة، وأحمد في المسند 1/ 48، وفي آخره زيادة. والدارمي برقم "2200" 2/ 190 وفيه الزيادة. والطيالسي في مسنده، برقم "64" ص12 بالزيادة. وعبد الرزاق في المصنف برقم "10399-10400" 6/ 175 بالزيادة، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "16371-16372" 3/ 492-493، وسعيد بن منصور في سننه برقم "595-596-597" 1/ 165-166، وحديث "2547" 1/ 212 بالزيادة، والحاكم في المستدرك 2/ 175-176، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1626 من طرق عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، عن عمر:
قلت: سنده ضعيف فيه:
1- أبو العجفاء: قال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس حديثه بالقائم. وقال ابن معين والدارقطني: ثقة. ووثقه ابن حبان. انظر التاريخ الأوسط 1/ 268-269، وتهذيب التهذيب 12/ 165، والتقريب 2/ 450، وتهذيب الكمال 3/ 1626، والكاشف 2/ 443، والثقات 5/ 514. =(1/259)
507- حدثنا خلف بن القاسم وعبد الله بن محمد بن أسد، قالا: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ومثله يحسن حديثه -إن شاء الله- فيما لم يهم فيه. وهنا صرح البخاري، وغيره بوهمه في هذا الحديث. والله أعلم.
2- وقع في سنده اختلاف: فقيل:
أ- عن ابن سيرين، عن ابن أبي العجفاء، عن أبي العجفاء، عن عمر.
ب- عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، عن عمر. وقد سبق تخريجه.
جـ- عن ابن سيرين. نبئت عن أبي العجفاء. عن عمر: فقد اختلف على أيوب فيه:
أ- فرواه ابن عيينة، وحماد بن زيد، وابن علية، وعبد الوهاب الثقفي، وغيرهم: عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، عن عمر: وقد سبق تخريجه.
ب- وخالف هؤلاء: عمرو بن أبي قيس, فقال: عن أيوب، عن ابن سيرين، عن ابن أبي العجفاء، عن أبي العجفاء، عن عمر:
ورواه البخاري في التاريخ الأوسط 1/ 269، والدارقطني في العلل 2/ 236، والبيهقي 7/ 234، وذكره المزي في تهذيب الكمال 3/ 1626.
وعمرو بن أبي قيس الرازي: قال أبو داود: في حديثه خطأ، وقال في موضع آخر: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به، كان يهم في الحديث قليلًا. وقال البزار: مستقيم الحديث.
انظر التهذيب 8/ 93-94، والتقريب 2/ 77. ومثل هذا لا يرجح على الأئمة السابق ذكرهم.
ورواه البخاري في التاريخ الأوسط 1/ 269 من طريق هشيم بن عبد الله، عن ابن أبي العجفاء، عن أبي العجفاء، عن عمر:
قال الدارقطني: كأن عمرو بن أبي قيس حفظه عن أيوب، فيشبه أن يكون ابن سيرين سمعه من أبي العجفاء، وحفظه عن ابن أبي العجفاء، عن أبيه، والله أعلم.
وذلك لقول منصور بن زاذان -وهو من الثقات الحفاظ- عن ابن سيرين، ثنا أبو العجفاء، ولكثرة من تابعه فمن رواه عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، والله أعلم.
3- وقد اختلف عن ابن سيرين -أيضًا- فيه:
أ- فرواه أيوب وغيره، عن ابن سيرين، عن أبي العجفاء، كما سبق.
ب- وخالف هؤلاء: سلمة بن علقمة: فرواه عن ابن سيرين، فقال: نبئت عن أبي العجفاء، عن عمر: رواه أحمد 1/ 40-41.
والنسائي 6/ 117-119، وسعيد بن منصور "597" 1/ 166، والحاكم في المستدرك 2/ 176، وسلمة: ثقة. كما في التقريب 1/ 318. قال الدارقطني في علله 2/ 236: "ففي =(1/260)
محمد بن عبد الله بن أشتة المقرئ الأصبهاني، قال: حدثنا المعدل، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رواية سلمة بن علقمة تقوية لرواية عمرو بن أبي قيس، عن أيوب".
د- ورواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: فرواه عن أيوب، عن ابن سيرين مرسلًا عن عمر: ذكره الدارقطني في العلل 2/ 236.
وتابع عبد الرحمن: جرير بن حازم، وعبد الرحمن: ضعيف، انظر التهذيب 6/ 150-152، والتقريب 1/ 474.
وللحديث طرق أخرى:
رواه ابن عباس، عن عمر: الحاكم في المستدرك 2/ 176.
وقد ذكره الدارقطني في العلل 2/ 327. تفرد به سعيد بن عبد الملك بن واقد الحراني, قال أبو حاتم: يتكلمون فيه، روى أحاديث كذب. وقال الدارقطني: ضعيف، لا يحتج به. انظر اللسان 3/ 237.
ورواه عن ابن عمر، عن عمر:
الحاكم في المستدرك 2/ 177، وذكره الدارقطني في العلل 2/ 238. وفي سنده عيسى بن ميمون البصري: متروك. انظر اللسان 4/ 497، والتقريب 2/ 102.
ورواه عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع مرسلًا. عن عمر: رواه عبد الرزاق في المصنف برقم "10401" 6/ 175-176. وانظر العلل للدارقطني 2/ 238. وفيه الانقطاع المذكور. ورواه عن الزبير بن بكار, كما عند ابن عبد البر في الجامع -هنا- وانظر تفسير ابن كثير 1/ 478.
ورواه الشعبي واختلف عنه:
أ- فرواه أشعث، عن الشعبي، عن شريح، عن عمر: ذكره الدارقطني في العلل.
وأشعث: ضعيف، انظر تهذيب التهذيب 1/ 352-354، والتقريب 1/ 79.
وخالفه: مجالد. ضعيف، انظر التهذيب 10/ 39-41، والتقريب 2/ 229، والكاشف 3/ 106: فرواه عن الشعبي، عن مسروق, عن عمر. وزاد فيه ألفاظًا لم يأت بها غيره: رواه أبو يعلى: انظر المقصد العلي "753" 2/ 334.
واختلف عن مجالد:
أ- فرواه هشيم، عنه، عن الشعبي, عن عمر, بدون ذكر مسروق: رواه سعيد بن منصور "598" 1/ 166-167، والبيهقي في سننه 7/ 233، والدارقطني في العلل 2/ 239-240. وفيه زيادة القصة المشهورة المنكرة في مجادلة المرأة لعمر بن الخطاب, رضي الله عنه. وهذه الزيادة ضعيفة منكرة، لتفرد مجالد بها، وللانقطاع بين الشعبي وعمر.
قال البيهقي في سننه 7/ 233: هذا منقطع.
ورواه سعيد بن المسيب، عن عمر: الحاكم في المستدرك 2/ 176-177، وسعيد عن عمر: =(1/261)
محمود بن محمد، قال: حدثنا أبو الشعثاء، قال: حدثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب القرظي، قال: سأل رجل عليًّا عن مسألة فقال فيها. فقال الرجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا.
فقال علي, رضي الله عنه: أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم1.
- وروى سفيان بن عيينة، عن ابن أبي حسين، قال: اختلف ابن عباس وزيد في الحائض تنفر: فقال زيد: لا تنفر حتى يكون آخر عهدها الطواف بالبيت، وقال ابن عباس: إذا طافت طواف الإفاضة فلها أن تنفر ولا تودع البيت, فرد عليه زيد قوله، فقال ابن عباس لزيد: سل نساءك أم سليم وصويحباتها، فذهب زيد فسألهن ثم جاء وهو يضحك فقال: القول ما قلت2.
- وروى يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت ابن وهب، يقول: سمعت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مرسل. انظر جامع التحصيل ص184-185. ورواه أبو عبد الرحمن السلمي، قال: قال عمر به: عبد الرزاق في المصنف "10420" 6/ 180. ومن طريقه ابن المنذر, كما في تفسير ابن كثير 1/ 478، وفي سنده قيس بن الربيع: صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. انظر التهذيب 8/ 391-395. والكاشف 2/ 347-348، والتقريب 2/ 128.
قلت: فيصح الحديث بمجموع طرقه:
الأولى: طريق أبي العجفاء، عن عمر.
والثانية: طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، به.
والثالثة: طريق عبد العزيز بن أبي رواد.
والرابعة: طريق سعيد بن المسيب.
والخامسة: طريق أبي عبد الرحمن السلمي.
والسادسة: طريق هشيم، عن أبيه، عن جده أبي العجفاء.
لكن تبقى قصة مناقشة المرأة لعمر ضعيفة جدًّا منكرة. والله تعالى أعلم بالصواب.
1 رواه الطبري في تفسيره، برقم "19593" 7/ 263.
2 رواه البخاري في كتاب الحج، باب "145" إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت، حديث رقم "1758-1759" 3/ 586، والبيهقي في سننه 5/ 164، والطيالسي "1095" 1/ 227 "منحة المعبود", وابن حجر في التغليق 3/ 112-113.(1/262)
مالك بن أنس، يقول: ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف.
- وذكر ابن عبد الحكم، عن ابن وهب، عن مالك، قال: قال ابن هرمز: ما طلبنا هذا الأمر حق طلبه.
قال مالك: وأدركت رجالًا يقولون: ما طلبناه إلا لأنفسنا، وما طلبناه لنتحمل به أمور الناس.
508- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جرير قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر، قال: سمعت مالك بن أنس، يقول: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه فحدثته وسألني فأجبته، فقال: إني قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها -يعني: الموطأ- فننسخ نسخًا ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وآمرهم أن يعملوا بما فيها لا يتعدوها إلى غيرها ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدث، فإني رأيت أصل هذا العلم رواية أهل المدينة وعلمهم.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم.
فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به1.
وهذا غاية في الإنصاف لمن فهم.
- وذكر الحسين بن أبي سعيد في كتابه "المعرب عن المغرب"، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن سعد في الطبقات 1/ 440-441 "القسم المتمم" من طريق الواقدي، وانظر سير أعلام النبلاء 8/ 78-79.(1/263)
عبد الله بن سعيد بن محمد الحداد، عن أبيه، قال: سمعت سحنون، يقول: قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال لمالك: ما أعلم أحدًا أعلم بالبيوع من أهل مصر.
فقال له مالك: وبم ذلك؟
قال: بك.
قال: أنا لا أعرف البيوع فكيف يعرفونها بي؟
- وقال خالد بن يزيد بن معاوية: عنيت بجمع الكتب فما أنا من العلماء ولا من الجهال.
- وقال يزيد بن الوليد بن عبد الملك:
إذا تحدثت في مجلس تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم أعد علمي إلى غيره وكان إذا ما تناهى سكت
- وروينا عن الشعبي أنه قال: ما رأيت مثلي ما أشاء أن أرى أعلم مني إلا وحدثته.
- وقال غيره: علمنا أشياء وجهلنا أشياء فلا نبطل ما علمنا بما جهلنا.
- وقال حماد بن زيد: سئل أيوب عن شيء، فقال: لم يبلغني فيه شيء.
فقيل له: قل فيه برأيك. قال: فقال: لا يبلغه رأيي1.
509- أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن بكر، قال: حدثنا محمد بن الحسين الأزدي الحافظ الموصلي، قال: حدثنا عبيد الله بن جرير، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: ذاكرت عبيد الله بن الحسين القاضي بحديث وهو يومئذ قاض فخالفني فيه، فدخلت عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 2/ 8.(1/264)
وعنده الناس سماطين، فقال لي: ذلك الحديث كما قلت أنت, وأرجع أنا صاغرًا1.
- وقال الخليل بن أحمد: أيامي أربعة: يوم أخرج فألقى فيه من هو أعلم مني فأتعلم منه فذلك يوم فائدتي وغنيمتي, ويوم أخرج فألقى فيه من أنا أعلم منه فذلك يوم أجري, ويوم أخرج فألقى فيه من هو مثلي فأذاكره فذلك يوم درسي، ويوم أخرج فألقى فيه من هو دوني وهو يرى أنه فوقي فلا أكلمه وأجعله يوم راحتي.
- وكان يقال: إذا علمت عاقلًا علمًا حمدك، وإن علمت الجاهل ذمك ومقتك، وما يعلم مستحٍ ولا متكبر قط2.
- وروي أن بزرجمهر أخذت امرأة بلجامه وهو خارج من عند كسرى، فقالت: أخبرني عمَّا يحبط الناس فيه من معاشهم أعلى قدر كيسهم أم بتقدير من خالقهم لهم؟ فقال لها: هذه مسألة قد اختلف فيها من مضى من سلفنا.
فقالت له: فأنت على كثرة ما تأخذ من بيت المال تعيا بالجواب في هذه المسألة؟
فقال لها: إنما آخذ من بيت المال على قدر ما أحسن، ولو أخذت على قدر ما لا أحسن أنفدته سريعًا.
فقالت له المرأة: أما إنك إذا عييت عن جواب هذه المسألة لقد أحسنت الحيلة في بقاء هذا الرزق عليك.
- وقال غيره من الحكماء: لم أطلب العلم لأبلغ أقصاه، ولكن لأعلم ما يسعني جهله.
- وقال الشاعر:
إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده أطال فأملى أم تناهى فأقصرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 41.
2 رواه البيهقي في الشعب 2/ 277 نحوه.(1/265)
ويخبرني عن غائب المرء فعله كذا الفعل عما غيب المرء مخبرا
510- وأخبرني غير واحد عن أبي محمد قاسم بن أصبغ، قال: لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان فأخذت على بكر بن حماد حديث مسدد، ثم رحلت إلى بغداد ولقيت الناس، فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد، فقرأت عليه فيه يومًا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قدم قوم من مصر مجتابي النمار.
فقال لي: إنما هو مجتابي الثمار.
فقلت له: إنما هو مجتابي النمار هكذا قرأته على كل من قرأت عليه بالأندلس وبالعراق.
فقال لي: بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا أو نحو هذا. ثم قال لي: قم بنا إلى ذلك الشيخ لشيخ كان بالمسجد، فإن له بمثل هذا علمًا، فقمنا إليه وسألناه عن ذلك فقال: إنما هو مجتابي النمار كما قلت، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم، والنمار جمع نمرة.
فقال بكر بن حماد, وأخذ أنفه: رغم أنفي للحق، رغم أنفي للحق وانصرف1.
- وروى الزبير بن بكار، عن الحارث بن مسكين، عن عبد الله بن وهب،
قال: سمعت مالكًا يقول: المراء يقسي القلب ويورث الضغن2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث جرير: رواه مسلم "1017"، والترمذي "2675"، والنسائي 5/ 75، وابن ماجه "203"، وأحمد 4/ 357-358-359-361.
والطيالسي "670"، وعلي بن الجعد "531"، والطحاوي في المشكل "243-244"، وابن حبان "3308".
والطبراني "372-373-374-375", والبيهقي في سننه 4/ 175-176، والزهري في حديثه "187-188" 1/ 227-228، والبغوي "1661" 6/ 159 منهم من رواه بطوله، ومنهم من اختصره.
انظر تفصيل ذلك في تخريجنا لسنن ابن ماجه.
2 انظر ما رواه الدارمي برقم "303" 1/ 102 عن سليمان بن داود -عليه السلام- قال لابنه: دع المراء، فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان. وانظر أخلاق العلماء ص50-51.(1/266)
37- فصل: طلب العلم لفائدة نفسه
511- حدثنا خلف بن القاسم وعبد الله بن محمد بن أسد، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن أشتة الأنصاري المقرئ، قال: حدثنا المعدل، قال: حدثنا محمود بن محمد، قال: حدثنا أبو الشعثاء، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث بن أبي سليم، قال لي طاوس: ما تعلمت، فتعلمه لنفسك، فإن الأمانة والحياء قد ذهبا من الناس2.
- وقال مالك بن دينار: من طلب العلم لنفسه فقليل العلم يكفيه، ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة3.
- وقالت امرأة للشعبي: أيها العالم أفتني.
فقال: إنما العالم من خاف الله, عز وجل4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما رواه الدارمي برقم "303" 1/ 102 عن سليمان بن داود -عليه السلام- قال لابنه: دع المراء، فإن نفعه قليل وهو يهيج العداوة بين الإخوان. وانظر أخلاق العلماء ص50-51.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 11، والدارمي برقم "540" 1/ 145، وابن سعد في الطبقات 5/ 541، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص539. وانظر تهذيب الكمال 13/ 360، والآجري في أخلاق العلماء "167" ص82-83, وليث بن أبي سليم: صدوق, اختلط جدًّا. ولم يتميز حديثه فترك. انظر الكاشف 3/ 13، والتهذيب 8/ 465-468، والمغني 2/ 536، والتقريب 2/ 138.
3 رواه أحمد في الزهد ص390.
4 رواه الدارمي في سننه برقم "258" 1/ 93، وأبو نعيم في الحلية 4/ 311.(1/267)
38- فصل: التحديث بما يعرفه الناس
512- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن ابن مسعود، قال: أنت محدث قومًا حديثًا لا يبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة1.
513- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، قال: ما حدثت قومًا حديثًا قط لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم2.
- قال ابن وهب: وحدثنا ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، قال: قال لي أبي: ما حدثت أحدًا بشيء من العلم قط لم يبلغه علمه إلا كان ضلالًا عليه3.
- وذكر ابن أبي الأسود، عن عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: لا تحدث بحديث من لا تعرفه، فإن من لا يعرفه يضره ولا ينفعه4.
- وقال ابن عباس: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم 1/ 11، والخطيب في الجامع "1358" 2/ 148، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "809" ص577.
2 سبق.
3 رواه مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 11.
4 رواه أبو نعيم في الحلية 2/ 286، ورواه الخطيب في جامعه برقم "1359" 2/ 148-149 عن أيوب قوله، وانظر فتح المغيث 2/ 307.
5 رواه البخاري برقم "127"، والخطيب في جامعه برقم "1355" 2/ 147، عن علي قوله.(1/268)
39- فصل: تعلموا العلم
514- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن عمران بن مسلم، أن عمر بن الخطاب، قال: تعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا له الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم جهلكم بعلمكم1.
515- حدثنا خلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، قال: سمعت أبا مسلم، يقول: كان سفيان على المروة فنظر إلى أصحاب الحديث يعدون حين رأوه كأنهم مجانين، فقال: مثلهم مثل أصحاب الجنائز لهم لذة في شيء, لو أرادوا الله به لقاربوا الخطأ.
- ويقال: أربعة لا يأنف منهن الشريف: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته لضيفه، وقيامه على فرسه وإن كان له عبيد، وخدمته العالم ليأخذ من علمه.
- ويقال: ارحموا عالمًا يجري عليه حكم الجاهل.
- ويروى أن بعض الأكاسرة كان إذا سخط على عالم سجنه مع جاهل في بيت واحد.
- ومن حديث جابر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يستخف بحقهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، والإمام المقسط، ومعلم الخير"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ضمن رقم "485".
2 رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "7819" 8/ 238، والديلمي في الفردوس برقم "2321" 2/ 148، قال المناوي: وهذا ضعيف.
قال في مجمع الزوائد 1/ 127: "رواه الطبراني في الكبير من رواية عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد, وكلاهما ضعيف" اهـ.
وعزاه في الجامع الصغير 3/ 328 لأبي الشيخ في التوبيخ عن جابر. قال المناوي: ضعيف. انظر فيض القدير 3/ 328.(1/269)
- وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: إن حقًّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية, وأن يكون متبعًا لآثار من مضى قبله1.
- وروى زيد بن الحباب، قال: حدثني الحارث بن عبيد أبو قدامة الإيادي، قال: حدثني مالك بن دينار، قال: قال أبو الدرداء: من يزدد علمًا يزدد وجعًا2.
- وقال سفيان الثوري: لو لم أعلم كان أقل لحزني3.
- وقال منصور بن إسماعيل:
عيش الفقيه بعلمه متنغص وكذا الطبيب وعابر الرؤياء
أما الفقيه فخشية من ربه والآخران فخشية الدنياء
وكذا المنجم عيشه من عيشهم فيما يقول ذوو النهى أشقاء
الشك أول حاصل في كفه والبعد من زهد ومن تقواه
516- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن أبي سليمان، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدرداء، قال: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يُوقَه، ثلاث من فعلهن لم يسكن الدرجات العلا, لا أقول الجنة: من تكهن، أو استقسم, أو رجع من سفره لطيرة4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 320، والخطيب في جامعه برقم "212" 1/ 232، والقاضي عياض في الإلماع ص51-52، والبيهقي في المدخل برقم "510" ص324.
2 رواه الدارمي في سننه برقم "263" 1/ 94، والبيهقي في المدخل برقم "1523" ص327-328، وذكره الذهبي في السير 7/ 255 من قول الثوري, ورواه أبو نعيم في الحلية 6/ 363 عنه.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 363, وانظر السير 7/ 255, والتعليق السابق.
4 سبق برقم "397".(1/270)
- وقال الحسن: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح, فاطلبوا العلم طلبًا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضروا بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا.
- وروى صالح بن مسمار والأشعث بن عبد الملك، عن الحسن، قال: إن من أخلاق المؤمن قوة في الدين، وحزمًا في لين، وإيمانًا في يقين، وحرصًا على علم، وشفقة في تفقه، وقصد في عبادة، ورحمة للمجهود، وإعطاء للسائل، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالذي له، ينطق ليفهم، ويسكت ليسلم، ويقر بالحق قبل أن يشهد عليه.
- وعن أبي حمزة الثمالي، قال: دخلت على علي بن الحسين بن علي، فقال: يا أبا حمزة ألا أقول لك صفة المؤمن والمنافق؟ قلت: بلى جعلني الله فداك.
فقال: إن المؤمن من خلط علمه بحلمه، يسأل ليعلم وينصت ليسلم، لا يحدث بالسر والأمانة الأصدقاء، ولا يكتم الشهادة البعداء، ولا يحيف على الأعداء، ولا يعمل شيئًا من الحق رياء، ولا يدعه حياء، فإذا ذكر بخير خاف ما يقولون واستغفر لما لا يعلمون.
وإن المنافق ينهى ولا ينتهي، ويؤمر ولا يأتمر، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمته العشاء ولم يصم، ويصبح وهمته النوم ولم يسهر.
40- فصل: في فضل الصمت وحمده
- ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صمت نجا"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2501" 4/ 660، والدارمي "2713" 2/ 387، وأحمد 1/ 177-195، وابن وهب في جامعه برقم "302" 1/ 416، وأبو الشيخ في الأمثال برقم "207" ص125، وابن أبي الدنيا في الصمت، برقم "10" ص48-49، وابن أبي عاصم في الزهد "1" ص11، وابن =(1/271)
- وأنه قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت"1.
وقد ذكرنا هذا المعنى مجودًا في التمهيد.
517- حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا رجل من أهل الشام، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المبارك في الزهد "385" ص130، والبكري في الأربعين "23" ص116-117، والقضاعي في مسند الشهاب "334" 1/ 219، والطبراني في المعجم الأوسط برقم "1954", والبيهقي في الشعب برقم "4983"، وابن شاهين في الترغيب، حديث برقم "387" ص327، وابن البنا في "الرسالة المغنية في السكوت" برقم "1" ص21، والبغوي في شرح السنة "4129" 14/ 318، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص258، وانظر فيض القدير 6/ 171، والمقاصد الحسنة ص416-417، وكشف الخفاء 2/ 258، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 62-63. وسنده حسن:
فقد رواه عن عبد الله بن لهيعة: سبعة من الثقات: ابن وهب، وابن المبارك، وإسحاق بن عيسى، ويحيى بن إسحاق، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وقتيبة بن سعيد، وحسن بن موسى الأشيب.
وهذا مما يبعد عن ابن لهيعة الاختلاط. انظر الاغتباط ص103.
1 رواه البخاري "5887-6018-6110-6136"، ومسلم "47"، وأبو داود "5154"، والترمذي "2500"، وأحمد 2/ 267-269-433. وابن ماجه "3971"، وعبد الرزاق 11/ 7، والطيالسي "2347"، وابن حبان "506" 2/ 259، و"516" 2/ 273-274، وابن البنا في السكوت "2-3" ص23-25، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم "40" ص63، و"553" ص260-261، وفي مكارم الأخلاق ص102، وابن منده في الإيمان "298-299-300-301"، والبيهقي في سننه 8/ 164، وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم "170-171-172-173" 1/ 135، وأبو عوانة 1/ 34، والطبراني في الأوسط "3058" 3/ 251، و"8846" 8/ 351، وابن المبارك في الزهد "368" ص125، والبغوي في شرح السنة برقم "4121" 9/ 162.(1/272)
وقال: وفي الاستماع سلامة وزيادة في العلم والمستمع شريك المتكلم، وفي الكلام توهن وتزين وزيادة ونقصان.
قال: ومن العلماء من يرى أنه أحق بالكلام من غيره.
ومنهم من يزدري المساكين ولا يراهم لذلك موضعًا. ومنهم من يخزن علمه ويرى أن تعليمه ضعة. ومنهم من يحب ألا يوجد العلم إلا عنده. ومنهم من يأخذ في علمه مأخذ السلطان حتى يغضب أن يرد عليه شيء من قوله أو يغفل عن شيء من حقه. ومنهم من ينصب نفسه للفتيا فلعله يؤتى بأمر لا علم له به فيستحي أن يقول: لا علم لي فيرجم فيكتب من المتكلفين.
ومنهم من يروي كل ما سمع حتى يروي كلام اليهود والنصارى إرادة أن يغزر علمه1.
قال أبو عمر: روي مثل قول يزيد بن أبي حبيب هذا كله من أوله إلى آخره عن معاذ بن جبل2 من وجوه منقطعة يذم فيها كل من كان في هذه الطبقات من العلماء ويوعدهم على ذلك بالنار، فالله أعلم.
518- وحدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا حيوة بن شريح، قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب، يقول: إن المتكلم لينتظر الفتنة، وإن المنصت لينتظر الرحمة3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن المبارك في الزهد برقم "48"، وابن أبي الدنيا في الصمت برقم "98" ص88-89، ورواه الدينوري في المجالسة برقم "2195" 8/ 322، عن سفيان بن عيينة بأوله فقط.
2 رواه الديلمي في الفردوس "810" 2/ 262، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 265-266.
وانظر اللآلئ 1/ 223، والإحياء 1/ 60، والمصنوع ص197، وتنزيه الشريعة 1/ 269.
3 رواه ابن وهب في الجامع برقم "323" 1/ 439، وابن المبارك في الزهد برقم "54" ص17-18، وسنده صحيح.
وروي مرفوعًا من حديث ابن عمرو بلفظ: القاص ينتظر... رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "13567" 12/ 426-427، والخطيب في تاريخه 9/ 424، والقضاعي "311" 1/ 205-206، وابن عدي 2/ 14 وقال: وهو باطل. والرافعي في التدوين 2/ 77، وابن الجوزي في الموضوعات 2/ 142، وفي سنده عبد الوهاب: كان الثوري يرميه بالكذب. وعبد الله بن أيوب: متروك. وانظر مجمع الزوائد 1/ 190.(1/273)
- وقالوا: فضل العقل على المنطق حكمة, وفضل المنطق على العقل هجنة.
- وقالوا: لا يجترئ على الكلام إلا فائق أو مائق.
- وكان عمر بن عبد العزيز كثيرًا ما يتمثل بهذه الأبيات:
يرى مستكينًا وهو للهو ماقت به عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كله وما عالم شيئًا كمن هو جاهله
عبوس عن الجهال حين يراهم فليس له منهم خدان يهازله
تذكر ما يبقى من العيش آجلًا فيشغله عن عاجل العيش آجله
قال أبو عمر: قد أكثر الناس النظم في فضل الصمت، ومن أحسن ما قيل في ذلك ما ينسب إلى عبد الله بن طاهر، وهو قوله:
أقلل كلامك واستعذ من شره وإن البلاء ببعضه مقرون
واحفظ لسانك واحتفظ من عيه حتى يكون كأنه مسجون
وكل فؤادك باللسان وقل له: إن الفؤاد عليكما موزون
فزناه وليك محكمًا في قلة إن البلاغة في القليل تكون
- وقد قيل: إن هذا الشعر لصالح بن جناح -والله أعلم- وهو أشبه بمذهب صالح وطبعه.
- ومن أحسن ما قيل في ذلك قول نصر بن أحمد الخبزرزي:
لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل وكل امرئ ما بين فكيه مقتل
إذا ما لسان المرء أكثر هدره فذاك لسان بالبلاء موكل
وكم فاتح أبواب شر لنفسه إذا لم يكن قفل عليه مقفل
ومن أمن الآفات عجبًا برأيه أحاطت به الآفات من حيث يجهل(1/274)
أعلمكم ما علمتني تجاربي وقد قال قبلي قائل متمثل
إذا قلت قولًا كنت رهن جوابه فحاذر جواب السوء إن كنت تعقل
إذا شئت أن تحيا سعيدًا مسلمًا فدبر وميز ما تقول وتفعل
- ولأبي العتاهية:
وفي الصمت المبلغ عنك حكم كما أن الكلام يكون حكما
إذا لم تحترس من كل طيش أسأت إجابة وأسأت فهما
أشد الناس بفعلهم ادعاء أقلهم بما هو فيه علما
أرى الإنسان منقوصًا ضعيفًا وما يألو لعلم الغيب رجما
قال أبو عمر: الكلام بالخير غنيمة، وهو أفضل من السكوت؛ لأن أرفع ما في السكوت السلامة، والكلام بالخير غنيمة، وقد قالوا: من تكلم بخير غنم ومن سكت سلم1. والكلام في العلم من أفضل الأعمال، وهو يجري عندهم مجرى الذكر والتلاوة إذا أريد به نفي الجهل ووجه الله -عز وجل- والوقوف على حقيقة المعاني.
519- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام، حدثنا قتادة، قال: مكتوب في الحكمة: طوبى لعالم ناطق أو لباغ مستمع2.
520- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ورد عن ابن عباس: رواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم "439" ص224، وأبو نعيم في الحلية 1/ 327-328، وقد ورد مرفوعًا: عند ابن أبي الدنيا برقم "41" ص63-64، ورقم "64" ص71, وهناد في الزهد برقم "1106"، والقضاعي في مسند الشهاب برقم "581-582"، وسنده ضعيف.
2 رواه الطبري في تفسيره 4/ 203 "دار الفكر"، والبيهقي في الشعب "1755" 2/ 278 عن قتادة. ورواه الدينوري في المجالسة برقم "1832" 5/ 38 عن الحسن قوله بنحوه، وانظر عيون الأخبار 2/ 141.(1/275)
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: سمعت أبا الذيال يقول: تعلم الصمت كما تتعلم الكلام فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك، ولك في الصمت خصلتان: خصلة تأخذ بها من علم من هو أعلم منك، وتدفع بها جهل من هو أجهل منك.
وقال الحوطي: كان أبو الذيال يتكلم بالحكمة ولم أسمع منه غير هذا في الصمت1.
- وقال أبو العتاهية:
من لزم الصمت نجا من قال بالخير غنم
من صدق الله علا من طلب العلم علم
من ظلمك الناس أسا من رحم الناس رحم
من طلب الفضل إلى غير ذوي الفضل حرم
من حفظ العهد وفا من أحسن السمع فهم
41- فصل: في رفع الصوت في المسجد وغير ذلك من آداب العلم
521- أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا ابن جامع، قال: حدثنا المقدام بن داود، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الحكم، عن أشهب، قال: سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره؟ قال: لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره, ولقد أدركت الناس قديمًا يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه، ومن كان يكون ذلك في مجلسه كان يعتذر منه، وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرًا2.
قال أبو عمر: أجاز ذلك قوم منهم أبو حنيفة:
522- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد "93" ص51 "العلمية".
2 رواه أحمد في الزهد "93" ص51 "العلمية".(1/276)
قال: مررت بأبي حنيفة وهو مع أصحابه في المسجد، وقد ارتفعت أصواتهم، فقلت: يا أبا حنيفة هذا في المسجد والصوت لا ينبغي أن يرفع فيه؟
فقال: دعهم فإنهم لا يفقهون إلا بهذا.
- وقيل لأبي حنيفة: في مسجد كذا حلقة يتناظرون في الفقه.
فقال: ألهم رأس؟
قالوا: لا.
قال: لا يفقهون أبدًا.
قال أبو عمر: احتج بعض من أجاز رفع الصوت في المناظرة بالعلم وقال: لا بأس بذلك، بحديث عبد الله بن عمرو، قال: تخلف عنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا, فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثًا1. ذكره البخاري وغيره.
وواجب على العالم إذا لم يفهم عنه أن يكرر كلامه ذلك حتى يفهم عنه: وقد كان بعضهم يستحب أن لا يكرره أكثر من ثلاث مرات، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات2.
وذلك عندهم كان ليفهم عنه كل من جالسه من قريب وبعيد، وهكذا يجب أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "60-96-163"، ومسلم "241"، وأبو داود "97"، والنسائي 1/ 77-78-89. وفي الكبرى "136". وابن ماجه "450"، وأحمد 2/ 164-192-201، والطيالسي 1/ 53، والدارمي "706" 1/ 191، وابن خزيمة "161"، وابن حبان "1055" 3/ 335، والطحاوي 1/ 38-39، والبيهقي في سننه 1/ 69.
2 جزء من حديث رواه البخاري برقم "94-95" 1/ 188، و"6244" 11/ 26، والترمذي برقم "2723" 5/ 72، وحديث رقم "3640" 5/ 600-601، وفي الشمائل برقم "224" ص282-283 بتحقيقي، والحاكم في المستدرك 4/ 273، وأبو الشيخ في أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- ص83. والبيهقي في المدخل برقم "597" ص356، والبغوي في الشمائل برقم "334" 1/ 266، وفي شرح السنة برقم "141" 1/ 204.(1/277)
يكرر المحدث حديثه حتى يفهم عنه أنه قال وأما إذا فهم عنه، فلا وجه للتكرير.
- وذكر سلمة بن شبيب، عن عبد الرزاق، عن معمر، قال: ما سمعت قتادة يقول لأحد قط: أعد علي1. وتكرير الحديث في المجلس يذهب بنوره2.
- وقد كان ابن شهاب يقول: تكرير الحديث أشد علي من نقل الحجارة.
523- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو مسلم، قال: حدثنا سفيان، قال: قال الزهري: إعادة الحديث أشد علي من نقل الصخر3.
524- وحدثنا أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن علي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرزاق، أخبرني معمر، قال: سمعت الزهري، يقول: نقل الصخر أيسر من تكرير الحديث4.
- قال معمر: قال قتادة: إذا أعدت الحديث في مجلس ذهب نوره5.
- وقالت جارية لابن السماك الواعظ له: ما أحسن حديثك إلا أنك تكرره.
فقال: أكرره ليفهمه كل من سمعه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع برقم "1011" 1/ 654، والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "779" ص567.
2 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "778" ص567، وعلي بن الجعد في مسنده، "1030" 1/ 161، والبخاري في تاريخه الكبير 7/ 186، وأبو نعيم في الحلية 2/ 334، والخطيب في جامعه برقم "1010-1011" 1/ 654، و"1453" 2/ 182-193. والبيهقي في المدخل برقم "609" ص361.
3 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "776-777" ص566-567، والبيهقي في المدخل برقم "608" ص361 والخطيب في تاريخه 3/ 260، وفي الجامع "344-345" 1/ 298، و"1452-1453" 2/ 192-193، والسمعاني في أدب الإملاء ص79.
4 انظر التعليق السابق.
5 سبق قريبًا.(1/278)
فقالت: إلى أن يفهمه كل من سمعه يمله من فهمه.
- ولا بأس أن يسأل العالم قائمًا وماشيًا في الأمر الخفيف لحديث ابن مسعود، قال: بينا أنا أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خرب المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه مر بنفر من يهود خيبر، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح؟ فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ وذكر الحديث1 خرجه البخاري عن بشر بن حفص، عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله.
42- فصل: ذم المباهاة والاستحياء في طلب العلم
- وذكر الغلابي، عن ابن عائشة، عن أبيه، قال: قال العباس لابنه عبد الله: يا بني لا تعلم العلم لثلاث خصال: لا تراء به، ولا تمار به، ولا تباه به، ولا تدعه لثلاث خصال: رغبة في الجهل، وزيادة في العلم، واستحياء من التعلم2.
وقد روي هذا المعنى أو نحوه عن لقمان الحكيم أنه خاطب ابنه3 به.
- أنشدت لبعض المحدثين:
كن موسرًا إن شئت أو معسرًا لا بد في الدنيا من الهم
وكلما ازددت بها ثروة زاد الذي زادك في الغم
وإني رأيت الناس في دهرهم لا يطلبون العلم للفهم
إلا مباهاة لأصحابهم وعدة للخصم والظلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "125-4721-7297-9456-7462", ومسلم "2794"، والترمذي "3140"، وأحمد 1/ 410-444-445, والنسائي في الكبرى "11299" 6/ 383، وابن حبان "97-98"، وأبو يعلى في مسنده "5390"، والواحدي في أسباب النزول ص291، والطبري في تفسيره 15/ 155-156، والطبراني في الصغير 2/ 86، وأبو نعيم في الدلائل 2/ 126، وابن أبي عاصم في السنة "592".
2 رواه الدينوري في المجالسة برقم "1831" 5/ 37-38 نحوه.
3 سبق برقم "488".(1/279)
- وقال علي بن أبي طالب, رضي الله عنه: تعلموا العلم فإذا تعلمتموه فاكظموا عليه، ولا تخلطوه بضحك، ولا يلعب فتمجه القلوب، فإن العالم إذا ضحك ضحكة مج من العلم مجة1.
- وروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: تعلموا العلم وتزينوا معه بالوقار والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ولمن تعلمون له، ولا تكونوا جبابرة العلماء فيذهب باطلكم حقكم2.
- وروينا عن معاذ بن جبل أنه كان يقول مثل قول علي على هذا سواء إلا أن في آخر لفظه: ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم.
قال أبو عمر: قد روي هذا المعنى بنحو هذا اللفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن عمر بن الخطاب -أيضًا- وقد تقدم ذلك كله في هذا الباب3.
43- فصل: في مدح التواضع وذم العجب وطلب الرياسة
ومن أفضل آداب العالم، تواضعه وترك الإعجاب بعلمه، ونبذ حب الرئاسة عنه.
وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة, فتواضعوا يرفعكم الله"4.
525- وحدثنا أحمد بن فتح، حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 300، والدارمي في سننه برقم "582" 1/ 152، والبيهقي في المدخل برقم "495-496" ص319.
2 سبق "487"، وانظر رقم "516".
3 انظر ما سبق برقم "487".
4 عزاه السيوطي في الجامع الصغير 3/ 285 لابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن محمد بن عميرة العبدي.
قال في فيض القدير 3/ 285: "ورواه الأصفهاني في الترغيب والديلمي في مسند الفردوس، عن أنس".
قال الحافظ العراقي: "وسنده ضعيف" اهـ.(1/280)
النيسابوري، قال: حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي، حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"1.
- وروينا من وجوه عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: إن العبد إذا تواضع لله رفعه الله بحكمته.
وقيل له: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه حقير وفي أعين الناس كبير2.
- وكان يقال: إذا كان علم الرجل أكثر من عقله، كان قمنًا أن بصره.
526- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد بن سعيد الكندي، عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- يأمركم أن تتواضعوا، ولا يبغ بعضكم على بعض"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "2588" 4/ 2001، والترمذي "2029" 4/ 376، والدارمي "1676" 1/ 486، وأحمد 2/ 235-386-438، وابن حبان "3248" 8/ 40، وابن أبي الدنيا في التواضع "74" ص96-97، وابن خزيمة برقم "2438"، والبيهقي في سننه 4/ 187 و8/ 162 و10/ 235, وفي الشعب "3411-8071-8134-8328"، والبغوي في شرح السنة، برقم "1633".
2 رواه ابن أبي شيبة "34461" 7/ 96، والطبراني في الأوسط "8307" 8/ 172 "المصرية"، وأبو نعيم في الحلية 7/ 129، والخطيب في تاريخه 2/ 110، وابن الجوزي في العلل "1357" 2/ 811، ورواه ابن أبي الدنيا في التواضع برقم "78" ص102-104 بسياق أتم، والبيهقي في الآداب "264" ص165-166، وفي الشعب 6/ 275-276، وابن حبان في روضة المحبين ص59-60.
3 رواه البخاري في الأدب المفرد "426" ص153، وابن ماجه برقم "4212", وابن أبي الدنيا في ذم البغي برقم "4" ص52.
وله شاهد من حديث عياض بن حمار, رواه مسلم "2685"، وأبو داود "4895"، والنسائي في الكبرى "8070-8071"، وابن ماجه "4179"، وعبد الرزاق "20088"، وأحمد 4/ 161-162-266، والطيالسي "1079"، وابن حبان "653-654"، وأبو نعيم في الحلية 2/ 17، والخطيب في تاريخه 4/ 168 و13/ 219-220، والبخاري في الأدب "428"، والطبراني "987-992-993-994-995-996-1000"، والبيهقي في الآداب "260" ص164، وفي السنن 10/ 234.(1/281)
- وروينا عن أيوب السختياني، أنه قال: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله1.
- وقالوا: المتواضع من طلاب العلم أكثر علمًا كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماءً2.
- وقيل لبزرجمهر: ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها؟ قال: التواضع.
قيل له: فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه؟ قال: العجب.
وقال: التواضع مع السخافة والبخل أحمد من الكبر مع السخاء والأدب3، فأعظم بحسنة عفت عن سيئتين وأفظع بعيب أفسد من صاحبه حسنتين.
- ولقد أحسن المرادي في قوله:
وأحسن مقرونين في عين ناظر جلالة قدر في خمول تواضع
- وأحسن منه قول بعض العراقيين يمدح رجلًا:
فتى كان عذب الروح لا من غضاضة ولكن كبرًا أن يكون به كبر
- وقال البحتري:
وإذا ما الشريف لم يتواضع للأخلاء فهو عين الوضيع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الآجري في أخلاق العلماء رقم "103" ص659، وأخلاق حملة القرآن ص65، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 113، والبيهقي في المدخل "509" ص324، وفي الشعب 2/ 300، وابن بطة ص30.
ورواه الخطيب في الجامع برقم "819" 1/ 555 من قول حماد بن زيد.
2 رواه الخطيب في الجامع برقم "348" 1/ 299-300 عن عبد الله بن المعتز قوله.
3 رواه الدينوري في المجالسة برقم "1628" 4/ 434، و"2557" 6/ 205.(1/282)
527- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا عوف، عن أبي الورد بن ثمامة، عن وهب بن منبه، قال: كان في بني إسرائيل رجال أحداث الأسنان قد قرءوا الكتب وعلموا علمًا، وإنهم طلبوا بقراءتهم وعلمهم الشرف والمال، وإنهم ابتدعوا بها بدعًا أدركوا بها المال والشرف, فضلوا وأضلوا.
- وقال ابن عبدوس: كلما توقر العالم وارتفع كان العجب إليه أسرع إلا من عصمه الله بتوفيقه وطرح حب الرياسة عن نفسه.
528- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، عن يزيد بن قوذر، عن كعب أنه قال لرجل رآه يتبع الأحاديث: اتق الله وارض بالدون من المجلس، ولا تؤذِ أحدًا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العجب ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصانًا.
529- وحدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد، نا محمد بن حميد، حدثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه1.
530- حدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا عبيد الله بن إدريس، قال: حدثنا يحيى بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل، قال: حدثنا يغنم بن سالم، عن أنس بن مالك، قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ثلاث مهلكات وثلاث منجيات:
فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
والثلاث المنجيات: تقوى الله في السر والعلانية، وكلمة الحق في الرضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف، برقم "37572" 7/ 503.(1/283)
والسخط، والاقتصاد في الغنى والفقر"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 له عن أنس طرق، وهذه إحداها, وفيه يغنم بن سالم: كان يضع على أنس، كما في المجروحين 3/ 145.
والثانية: عن الحسن، عن أنس:
رواه الطبراني في الأوسط برقم "5448" 6/ 214 ثم قال 6/ 215: لم يرو هذا الحديث عن الحسن إلا حميد بن الحكم تفرد به محمد بن عرعرة. والدولابي في الكنى 1/ 151، وأبو نعيم في الحلية 2/ 160، وابن حبان في المجروحين 1/ 263، وحميد: منكر الحديث جدًّا.
والثالثة: زائدة بن أبي الرقاد, عن زياد النميري، عن أنس: رواه البزار في مسنده، برقم "80" 1/ 59-60, وابن شاهين في الترغيب برقم "33" ص102، و"525" ص403، وابن بشران في الأمالي، وأبو ذر الهروي في ذم الكلام ص310-311، وأبو نعيم في الحلية 6/ 268-269، وأبو العلاء العطار في جزئه: "فتيا وجوابها" برقم "13" ص59، وسنده ضعيف جدًّا، وفيه: زائدة: ضعيف منكر الحديث، زياد النميري: ضعيف.
والرابعة: أيوب بن عتبة، عن الفضل بن بكر العبدي, عن قتادة، عن أنس رواه العقيلي في الضعفاء 3/ 447، والبزار في مسنده، برقم "81" 1/ 60، والخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم "362"، والقضاعي في مسند الشهاب برقم "325-326-327" 1/ 214-215، والدينوري في المجالسة برقم "899" 3/ 256-262، وابن الجوزي في ذم الهوى ص23، وأبو ذر الهروي في ذم الكلام ص310، وأبو نعيم في الحلية 2/ 343. والديلمي في الفردوس، حديث رقم "2294" 2/ 139-140، والبيهقي في شعب الإيمان "475" 1/ 471، والفضل بن بكر العبدي: لا يعرف، وحديثه منكر، كما في الميزان 3/ 349، واللسان 4/ 437, وأيوب بن عتبة: ضعيف. انظر تهذيب التهذيب 1/ 408-410، والتقريب 1/ 90، والكامل 1/ 351-353.
رواه يحيى بن أبي كثير، عن قتادة، عن أنس به: رواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين برقم "121" 2/ 59-60، وبرقم "330" 2/ 270، والشجري في أماليه 2/ 218. وفي سنده عكرمة بن إبراهيم: كان ممن يقلب الأخبار ويرفع المراسيل، كما في المجروحين 2/ 188.
وفي الباب عن:
1- ابن عمر: رواه الطبراني في الأوسط برقم "5750" 6/ 351-352.
وفي سنده محفوظ بن بحر: له أحاديث يرفعها، يوصلها. انظر المغني 2/ 544, وابن لهيعة ضعيف.
2- ابن عباس: رواه البزار في مسنده، برقم "82" 1/ 60، وأبو نعيم في الحلية 3/ 219، وابن عدي في الكامل 5/ 241، والهروي في ذم الكلام ص311. =(1/284)
- وقال إبراهيم بن الأشعث: سألت الفضيل بن عياض عن التواضع؟ فقال: أن تخضع للحق وتنقاد له ممن سمعته، ولو كان أجهل الناس لزمك أن تقبله منه"1.
531- أخبرنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا أبو بكر بن محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، قال: حدثنا خلف بن هشام البزار المقرئ، قال: حدثنا أبو شهاب، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعلمه.
قال أبو عمر: إنما أعرفه بعمله2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي سنده: عيسى بن ميمون: متروك الحديث. انظر الكامل 5/ 241.
ورواه الرافعي في التدوين 4/ 405-406 من طريق سلمة بن كهيل، عن الضحاك، عن ابن عباس, رضي الله عنهما.
ورواه من طريق محمد بن زيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: الخطيب في تاريخه 3/ 89-90.
3- ابن أبي أوفى: رواه البزار في مسنده، حديث رقم "83" 1/ 60، وفي سنده: محمد بن عون الخراساني: ضعيف جدًّا. انظر مجمع الزوائد 1/ 90-91.
4- أبي هريرة: رواه البيهقي في الشعب برقم "7252" 5/ 452-453, والهروي في ذم الكلام ص311. وسنده ضعيف جدًّا، فيه: بكر بن سليم: يحدث عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وعن غيره ما لا يوافقه أحد عليه, كما في الكامل 2/ 462, وهنا يروي عن أبي حازم. وانظر الميزان 1/ 345.
5- عمرو بن سفيان: رواه -مختصرًا- ابن قانع في معجم الصحابة 2/ 206-207.
6- عن نبي الله داود: رواه الطبري في تفسيره 25/ 18، وابن وهب في الجامع "عبد الرزاق" 11/ 304 "20606".
1 رواه ابن أبي الدنيا في التواضع برقم "88" ص118, وغيره. وقد سبق برقم "404".
2 رواه الدارمي برقم "314" 1/ 104، وبرقم "383" 1/ 118، وأبو نعيم في الحلية 2/ 95. ورواه ابن المبارك في الزهد ص15, وأحمد في الزهد ص158, والطبراني في الكبير 9/ 211-212، والبيهقي في المدخل برقم "487" ص314-315 عن ابن مسعود.
قال في مجمع الزوائد 5/ 210: والقاسم لم يدرك ابن مسعود.(1/285)
- قال أبو الدرداء: علامة الجهل ثلاث: العجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.
- وقالوا: العجب يهدم المحاسن.
- وعن علي -رحمه الله- أنه قال: الإعجاب آفة الألباب.
- وقال غيره: إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله.
- ولقد أحسن علي بن ثابت حيث يقول:
المال آفته التبذير والنهب
والعلم آفته الإعجاب والغضب
- وقالوا: من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط الأندال حقر، ومن جالس العلماء وقر.
- وقالوا: لا ترى المعجب إلا طالبًا للرياسة.
- وقال الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد، وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير.
- وقال أبو نعيم: والله ما هلك من هلك إلا بحب الرياسة.
- وقال أبو العتاهية:
أأخي من عشق الرياسة خفت أن يطغى ويحدث بدعة وضلالا
- وقال أيضًا1:
حب الرياسة أطغى من على الأرض حتى بغى بعضهم فيها على بعض
- ولي في هذا المعنى2:
حب الرياسة داء يخلق الدينا ويجعل الحب حربًا للمحبينا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ديوانه ص300. وعنده: منها على بعض.
2 وهو في ديوان أبي العتاهية ص398:
حب الرئاسة داء يخلق الدنيا ويجعل الحب جرمًا للمحبينا
ينفي الحقائق والأرحام يقطعها فلا مروءة يبقي لا، ولا دينا(1/286)
يفري الحلاقم والأرحام يقطعها فلا مروءة يبقي لا ولا دينا
من ساد بالجهل أو قبل الرسوخ فلا تراه إلا عدوًّا للمحقينا
يبغي ويحسد قومًا وهو دونهم ضاهى بذلك أعداء النبيينا
- وقال ابن أبي الحواري: سمعت إسحاق بن خلف، يقول: والله الذي لا إله إلا هو لإزالة الجبال الرواسي أيسر من إزالة الرياسة.
- وقال بشر بن المعمر البصري المتكلم:
إن كنت تعلم ما أقو ل وما تقول فأنت عالم
أو كنت تجهل ذا وذا ك فكن لأهل العلم لازم
أهل الرياسة من ينا زعهم رياستهم فظالم
لا تطلبن رياسة بالجهل أنت لها مخاصم
لولا مقامهم رأيـ ـت الدين مضطرب الدعائم
وهذا معناه: فيمن رأس بحق وعلم صحيح أن لا يحسد ولا يبغى عليه.
- وللخليل بن أحمد:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
- وقال الثوري: من أحب الرياسة فليعد رأسه للنطاح1.
- وقال بكر بن حماد:
تغاير الناس فيما ليس ينفعهم وفرق الناس آراء وأهواء
- وقال آخر:
حب الرياسة داء لا دواء له وقل ما تجد الراضين بالقسم
532- حدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في جامعه برقم "714" 1/ 505 بلفظ: تحب الرياسة، تهيأ للنطاح.(1/287)
أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن مروان، حدثنا أحمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن اليمان، قال: سمعت سفيان، يقول: كنت أتمنى الرياسة وأنا شاب وأرى الرجل عند السارية يفتي فأغبطه، فلما بلغتها عرفتها.
- وقال المأمون: من طلب الرياسة بالعلم صغيرًا, فاته علم كثير1.
- وقال منصور بن إسماعيل الفقيه2:
الكلب أكرم عشرة وهو النهاية في الخساسة
ممن تعرض للريا سة قبل إبان الرياسة
- وروي عن علي أنه خرج يومًا من المسجد فاتبعه الناس فالتفت إليهم، وقال: أي قلب يصلح على هذا، ثم قال: خفق النعال مفسدة لقلوب نوكى الرجال3.
وقال عمر بن الخطاب: هي مفسدة للمتبوع, مذلة للتابع4.
- وقال زيد بن الحباب: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، قال: سمعت مالك بن دينار، يقول: من تعلم العلم للعمل كسره، ومن تعلمه لغير العمل زاده فخرًا5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدينوري في المجالسة برقم "1830" 5/ 37 عن الثوري. وانظر عيون الأخبار 2/ 140.
2 رواه الخطيب في جامعه برقم "719" 1/ 506.
3 رواه الدارمي في سننه برقم "534" 1/ 144, والبيهقي في المدخل برقم "496" ص319.
4 رواه الدارمي في سننه برقم "523" 1/ 143، وابن أبي شيبة "26134" 5/ 302، و"30603" 6/ 193، والخطيب في جامعه برقم "931" 1/ 620-621، ونعيم بن حماد في زوائد الزهد لابن المبارك برقم "48"، والبيهقي في المدخل برقم "499" ص320، وفي الزهد "303" ص148-149.
5 رواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل برقم "31-32-33" ص32-33، وأحمد في الزهد 2/ 304، والبيهقي في الشعب 2/ 294-295، وأبو نعيم في الحلية 2/ 278.
ورواه الآجري في أخلاق العلماء برقم "144" ص78، وأبو نعيم في الحلية 2/ 379 بسياق أتم بمعناه.(1/288)
44- فصل: من أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه
قال أبو عمر: ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه، وترك الفخر بما يحسنه إلا أن يضطر إلى ذلك، كما اضطر يوسف -عليه السلام- حين قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] وذلك أنه لم يكن بحضرته من يعرف حقه فيثني عليه بما هو فيه ويعطيه بقسطه، ورأى أن ذلك المقعد لا يقعده غيره من أهل وقته إلا قصر عما يجب لله من القيام به من حقوقه، فلم يسعه إلا السعي في ظهور الحق بما أمكنه، فإذا كان ذلك فجائز لعالم حينئذ الثناء على نفسه والتنبيه على موضعه فيكون حينئذ يحدث بنعمة ربه عنده على وجه الشكر لها.
- وقال عمر بن الخطاب في حديث صدقات النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تنازع فيها العباس وعلي: والله لقد كنت فيها بارًّا تابعًا للحق صادقًا1. ولم يكن ذلك منه تزكية لنفسه, رضي الله عنه.
وأفضح ما يكون للمرء دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديمًا وحديثًا وقالوا فيه نظمًا ونثرًا فمن ذلك قول أبي العباس الناشئ:
من تحلى بغير ما هو فيه عاب ما في يديه ما يدعيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "3094" 6/ 197-198، ورقم "4033" 7/ 334-335، ورقم "4885" 8/ 629-630، ورقم "5357-5358" 9/ 501-503، ورقم "6728" 12/ 6، ورقم "7304" 13/ 277-278، ومسلم برقم "1757" 3/ 1376-1379، وأبو داود برقم "2965" 3/ 141، والترمذي برقم "1610" 4/ 158، وبرقم "1719" 4/ 216، وفي الشمائل "404-405-406-407-408" و"411-412-413-414" ص501-503 بتحقيقنا.
والنسائي في الكبرى في كتاب الفرائض، باب "2" ذكر مواريث الأنبياء. وفي عشرة النساء باب "71" ادخار قوت العيال، وفي كتاب التفسير.
وأحمد 1/ 25-47-48-49-60-162-164-179-191-208، والبيهقي في سننه 6/ 297-298-299. وابن حبان برقم "6574" 8/ 207-208 "العلمية".
والخطيب في تاريخه 12/ 377 من طرق عن مالك بن أوس به منهم من طوله. ومنهم من اقتصر على بعضه. وله طرق أخرى, انظر تخريجنا للشمائل.(1/289)
وإذا حاول الدعاوى لما فيه أضافوا إليه ما ليس فيه
ويحسب الذي ادعى ما ادعاه أنه عالم بما يعتديه
ومحل الفتى سيظهر في الناس وإن كان ذائبًا يخفيه
- وأحسن من قول الناشئ في هذا المعنى قول الآخر:
من تحلى بغير ما هو فيه فضحته شواهد الامتحان
وجرى في العلوم جري سكيت خلفته الجياد يوم الرهان
45- فصل: وصية رسول الله بتعليم الناس العلم
- وروينا عن أبي هارون العبدي وشهر بن حوشب، قالا: كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري يقول: مرحبًا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ستفتح لكم الأرض ويأتيكم قوم -أو قال: غلمان- حديثة أسنانهم، يطلبون العلم ويتفقهون في الدين ويتعلمون منكم، فإذا جاءوكم فعلموهم والطفوهم، ووسعوا لهم في المجلس وأفهموهم الحديث".
فكان أبو سعيد يقول لنا: مرحبًا بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نوسع لكم في المجلس وأن نفهمكم الحديث1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي في سننه برقم "2650-2651" 5/ 30، وابن ماجه في سننه "247-249"، وعبد الرزاق في المصنف برقم "20466" 11/ 252-253، وتمام في الفوائد "82-92" 1/ 147-150 "الروض البسام". والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "22" ص176. وابن أبي حاتم في مقدمة الجرح 2/ 12، والبغوي في شرح السنة "134" 1/ 286، والقاضي عياض في الإلماع ص35-36، والخطيب في شرف أصحاب الحديث "33-35"، وفي الجامع برقم "810" 1/ 551، ورقم "816" 1/ 554، والبيهقي في المدخل برقم "622-623" ص368-369، وفي سنده: أبو هارون العبدي. واسمه: عمارة بن جوين. متروك. ومنهم من كذبه. انظر التقريب 2/ 49، والكامل 5/ 77-79، وتهذيب الكمال 21/ 232-236 والجرح 3/ 1/ 363، والمجروحين 2/ 177، والميزان 3/ 173.
وقد روي عن أبي سعيد بلفظ آخر ومن طرق عنه يرتقي بعضها ببعض لدرجة الحسن لغيره:
1- فقد رواه من طريق الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أنه قال: مرحبًا بوصية =(1/290)
- ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال: من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة وعلى القوم عامة، وتجلس قدامه، ولا تشر بيديك ولا تغمز بعينيك، ولا تقل: قال فلان خلاف قولك، ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال، فإنه بمنزلة النخلة المرطبة، لا يزال يسقط عليك منها شيء1.
- وقالوا: من تمام آلة العالم أن يكون مهيبًا وقورًا بطيء الالتفات قليل الإشارة لا يصخب، ولا يلعب، ولا يجفو، ولا يلغو.
وقد قيل: إن هذا لا يحتاج إليه مع أداء ما لله عليه.
- بلغني أن إسماعيل بن إسحاق قيل له: لو ألفت كتابًا في آداب القضاة؟ فقال: وهل للقاضي أدب غير أدب الإسلام!!!؟ ثم قال: إذا قضى القاضي بالحق فليقعد في مجلسه كيف شاء ويمد رجليه إن شاء.
- وقالوا: الواجب على العالم أن لا يناظر جاهلًا ولا لجوجًا؛ فإنه يجعل المناظرة ذريعة إلى التعلم بغير شكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوصينا بكم: تمام في فوائده، برقم "93" 1/ 150 "الروض". والرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "20-21" ص175-176، وابن أبي حاتم في المقدمة 2/ 12، والحاكم في المستدرك 1/ 88، والبيهقي في المدخل برقم "621" ص368 ثم قال ص369: "وأبو هارون وإن كان ضعيفًا، فرواية أبي نضرة له شاهدة" اهـ.
ورواه من طريق أبي خالد مولى ابن الصباح، عن أبي سعيد: الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "23" ص176، لكن في سنده: يحيى الحماني: قال أحمد: كان يكذب جهارًا. انظر الميزان 3/ 295-296.
ورواه من طريق عبد الله بن زحر، عن ليث، عن شهر، عن أبي سعيد: الخطيب في الجامع برقم "360" 1/ 305-306 وليث ومن دونه ضعفاء.
وفي الباب عن:
1- جابر: رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "24" ص176-177، وفيه رواد: اختلط بأخرة. وفيه رجل لم يسم.
2- أبي هريرة: رواه ابن ماجه "248"، والخطيب في جامعه برقم "815" 1/ 553-554، وفي سنده إسماعيل بن مسلم: اتفقوا على ضعفه.
1 سبق برقم "503".(1/291)
وقال أيوب بن القرية: أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء والإخوان، والسلاطين، فمن استخف بالعلماء أفسد دينه، ومن استخف بالإخوان أفسد مروءته ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد.
- قال: والعاقل الدين شريعته، والحلم طبيعته، والرأي الحسن سجيته.
قال أبو عمر: وآداب المناظرة يطول الكتاب بذكرها وقد ألف قوم في أدب الجدل وأدب المناظرة كتبًا من طالعها وقف على المراد منها، وفيما ذكرنا في هذا الباب عن السلف من جهة الآثار ما يغني ويكفي لمن وفق لفهمه.
وأحسن ما رأيت في آداب التعلم والتفقه من النظم ما ينسب إلى اللؤلؤي من الرجز، وبعضهم ينسبه إلى المأمون وقد رأيت إيراد ما ذكر من ذلك لحسنه ولما رجوت من النفع به لمن طالع كتابي هذا نفعنا الله وإياه به قال:
واعلم بأن العلم بالتعلم والحفظ والإتقان والتفهم
والعلم قد يرزقه الصغير في سنه ويحرم الكبير
فإنما المرء بأصغريه ليس برجليه ولا يديه
لسانه وقلبه المركب في صدره وذلك خلق عجب
والعلم بالفهم وبالمذاكرة والدرس والفكرة والمناظرة
فرب إنسان ينال الحفظا ويورد النص ويحكي اللفظا
وما له في غيره نصيب مما حواه العالم الأديب
ورب ذي حرص شديد الحب للعلم والذكر بليد القلب
معجز في الحفظ والرواية ليست له عما روى حكاية
وآخر يعطى بلا اجتهاد حفظًا لما قد جاء في الإسناد
يهزه بالقلب لا بناظره ليس بمضطر إلى قماطره
فالتمس العلم وأجمل في الطلب والعلم لا يحسن إلا بالأدب
والأدب النافع حسن السمت وفي كثير القول بعض المقت
فكن لحسن السمت ما حييتا مقارفًا تحمد ما بقيتا(1/292)
وإن بدت بين أناس مسألة معروفة في العلم أو مفتعلة
فلا تكن إلى الجواب سابقًا حتى ترى غيرك فيها ناطقا
فكم رأيت من عجول سابق من غير فهم بالخطأ ناطق
أزرى به ذلك في المجالس عند ذوي الألباب والتنافس
والصمت فاعلم بك حقًّا أزين إن لم يكن عندك علم متقن
وقل إذا أعياك ذاك الأمر: ما لي بما تسأل عنه خبر
فذلك شطر العلم عند العلما كذاك ما زالت تقول الحكما
إياك والعجب بفضل رأيكا واحذر جواب القول من خطائكا
كم من جواب أعقب الندامة فاغتنم الصمت مع السلامة
العلم بحر منتهاه يبعد ليس له حد إليه يقصد
وليس كل العلم قد حويته أجل ولا العشر ولو أحصيته
وما بقي عليك منه أكثر مما علمت والجواد يعثر
فكن لما سمعته مستفهمًا إن أنت لا تفهم منه الكلما
القول قولان: فقول تعقله وآخر تسمعه فتجهله
وكل قول فله جواب يجمعه الباطل والصواب
وللكلام أول وآخر فافهمهما والذهن منك حاضر
لا تدفع القول ولا ترده حتى يؤديك إلى ما بعده
فربما أعيا ذوي الفضائل جواب ما يلقى من المسائل
فيمسكوا بالصمت عن جوابه عند اعتراض الشك في صوابه
ولو يكون القول في القياس من فضة بيضاء عند الناس
إذًا لكان الصمت من خير الذهب فافهم هداك الله آداب الطلب
533- أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: سمعت أبا عبيدة، يقول: قال أكثم بن صيفي: ويل عالم أمر من جاهله من جهل شيئًا عاداه، ومن أحب شيئًا استعبده.(1/293)
- وقال غيره: علم لا يعبر معك وادي لا تعمر معه نادي1.
- إذا ازدحم الجواب خفي الصواب.
- اللغط يكون منه الغلط.
- لو سكت من لا يعلم سقط الاختلاف.
- وقال الخليل, رحمه الله: ما سمعت شيئًا إلا كتبته ولا كتبته إلا حفظته وما حفظته إلا نفعني.
- من أكثر من مذاكرة العلماء لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم.
- أوصى يحيى بن خالد ابنه جعفرًا فقال: لا ترد على أحد جوابًا حتى تفهم كلامه، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ويؤكد الجهل عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمته فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ولا تستحي أن تستفهم إذا لم تفهم، فإن الجواب قبل الفهم حمق، وإذا جهلت فاسأل فيبدو لك واستفهامك أجمل بك وخير من السكوت على العي.
46- باب: ما روي في قبض العلم وذهاب العلماء
534- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن سعيد الحمال، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن كناسة، قال: حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تظهر الفتن ويكثر الهرج".
قيل: وما الهرج؟
قال: "القتل، القتل، ويقبض العلم".
فسمعه عمر يأثره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن قبض العلم ليس شيئًا ينتزع من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل برقم "743" ص410 عن عيسى, عليه السلام.(1/294)
صدور الرجال ولكنه فناء العلماء1.
535- وقرأت على عبد الرحمن بن يحيى، أن علي بن محمد أخبرهم، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا مالك وسعيد بن عبد الرحمن الجحشي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"2.
536- أخبرنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا إسحاق بن عيسى بن الطباع، عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا ينتزع العلم..." فذكر مثله سواء.
537- وأخبرني أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة وأحمد بن سعيد الحمال، قالا: حدثنا محمد بن كناسة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل برقم "849" ص450، وأحمد 2/ 481، والبزار "236" من طريق جعفر، وانظر مجمع الزوائد 1/ 202، والحارث في مسنده "البغية" "58" ص37، وانظر إتحاف الخيرة 1/ 256.
ورواه من طرق عن أبي هريرة: البخاري "85" 1/ 182، ورقم "1036-1412-3608-4685-6037-7061"، ومسلم "157" 4/ 2057-2058، وأبو داود "4255" 4/ 98-99، وابن ماجه "4047-4052"، وأحمد 2/ 233-525، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "37278" 7/ 466، وعبد الرزاق في المصنف برقم "20751" 11/ 364-365، والبيهقي في المدخل "847" ص449، و"849" ص450 وسيأتي برقم "544".
2 رواه البخاري "100-7307"، ومسلم "2673"، والترمذي "2652"، والنسائي في الكبرى "5097-5908" 3/ 455-456، وابن ماجه "52"، والدارمي "239" 1/ 89، وأحمد 2/ 162-190-203، والحميدي "581"، والطيالسي "2292"، وابن حبان "4571" 10/ 432، والبغوي "147"، والبيهقي في المدخل برقم "850-851-852" ص450-451.(1/295)
قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا".
538- وأخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ, قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة:
ح: وأخبرني عبد الوارث بن سفيان، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: أخبرنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد، قال حدثنا حماد بن زيد:
ح: وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد الجمحي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد:
ح: وأخبرنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا الفضل بن الحباب القاضي بالبصرة، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة:
ح: وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد المكي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الدراوردي:
ح: وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عمر بن أبي تمام، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أنس بن عياض, قالوا كلهم, أخبرنا هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من قلوب الرجال ولكنه يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسألوهم، فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا".
وهذا لفظ حديث ابن عيينة، وزاد في حديثه قال عروة: ثم لبثت سنة ثم لقيت(1/296)
عبد الله بن عمرو بالطواف فسألته عنه فأخبرني به، وليست هذه الزيادة التي في حديث ابن عيينة في حديث غيره مما ذكرنا معه.
وروى هذا الحديث -أيضًا- عن هشام بن عروة جماعة منهم: الأوزاعي، ومسعر، وشعبة، وابن عجلان، ومعمر، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وحسان بن إبراهيم الكرماني، ويحيى القطان، كلهم عن هشام بن عروة بمعنى واحد، وإسناد واحد، وروى الزهري ويحيى بن أبي كثير وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة كلهم عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحو رواية هشام بن عروة ومعناها.
539- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينتزع العلم من الناس بعد أن يعطيهم إياه، ولكن يذهب بالعلماء، كلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى يبقى من لا يعلم فيضلوا ويضلوا".
539م- قال عبد الرزاق: وأخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا يرفع العلم بقبض يقبضه ولكن يرفع بقبض العلماء بعلمهم حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا، فحدثوا بغير علم فضلوا وأضلوا".
- ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعنى حديث مالك، وابن عيينة.
540- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، وعبد الرحمن بن شريح، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث بتمامه، وسنذكره في باب(1/297)
ذم الرأي إن شاء الله؛ لأن فيه من رواية أبي الأسود ما يوجب ذكره هناك.
541- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن عبد الله بن محمد بن علي إجازة، قالا: حدثنا مسلمة بن قاسم، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني، قال: حدثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر الزبيري، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود، قال: حدثنا هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا يرفع العلم بقبض يقبضه، ولكن يرفع العلماء بعلمهم، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا, فسئلوا فحدثوا فضلوا وأضلوا".
542- حدثنا يونس بن عبد الله, قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا الفريابي جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن أبي كثير، قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يخرج من أمتي ثلاثون دجالًا كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض المال، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج".
قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، القتل"1.
543- أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن السكن، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا البخاري، قال: حدثنا عمران بن ميسرة، قال: حدثنا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويبث الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه ضمن "534".
2 رواه البخاري "80"، ومسلم "2671"، والترمذي "2205"، والنسائي في الكبرى، حديث رقم "5905-5906" 3/ 455، وابن ماجه "4045"، وعبد الرزاق في المصنف برقم "20801" 11/ 381، وأبو يعلى "2892-2931-2961-3040-3062-3070-3085-3178"، وأحمد 3/ 151، والطيالسي "1984"، وعبد بن حميد "1193"، وابن حبان "6768"، والبيهقي في المدخل برقم "846" ص448، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة "388" 4/ 779، وأبو نعيم في الحلية 2/ 342، والخطيب في الجامع برقم "1319" 2/ 132-133.(1/298)
543م- قال البخاري: وأخبرنا مسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: لأحدثنكم بحديث لا يحدثكم به أحد بعدي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، ويكثر النساء، ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد".
543م- وحدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا حنظلة، عن سالم، قال: سمعت أبا هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج".
قيل: يا رسول الله, وما الهرج؟ فقال -بيده- كأنه يريد القتل1.
544- وحدثني يونس بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود: قراؤكم وعلماؤكم يذهبون، وتتخذ الناس رؤساء جهالًا. وذكر الحديث2.
- وذكر عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود، قال: عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه ذهاب أهله3.
545- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق قريبًا برقم "536-544".
2 فيه مجالد بن سعيد: ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره. انظر التقريب 2/ 229، والتهذيب 10/ 39-41، والكاشف 3/ 106.
3 رواه عبد الرزاق في المصنف برقم "20465" 11/ 252، والطبراني في المعجم الكبير، برقم "8845" 9/ 189، والدارمي برقم "142-143" 1/ 66، والخطيب في الفقيه 1/ 43, والبيهقي في المدخل برقم "387" ص371-372، من طريق أبي قلابة، عن ابن مسعود. وأبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود. وانظر مجمع الزوائد 1/ 126 وله طريق أخرى يرتقي بها, فقد رواه البيهقي في المدخل برقم "388" من طريق عائذ الخولاني، عن ابن مسعود.(1/299)
أحمد بن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا: الاعتصام بالسنن نجاة والعلم يقبض قبضًا سريعًا، فنعش العلم ثبات الدين والدنيا، وذهاب ذلك كل في ذهاب العلم1.
546- وأخبرناه عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، أخبرنا أحمد بن داود، حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب... فذكره سواء2.
547- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا الحسن بن علي الأشناني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن حمير، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، قال: حدثني جبير بن نفير، عن عوف بن مالك الأشجعي، أنه قال: بينا نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم إذ نظر إلى السماء فقال: "هذا أوان يرفع العلم".
فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد: يرفع عنا يا رسول الله وفينا كتاب الله وقد علمناه أبناءنا ونساءنا؟
فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة"... وذكر له ضلالة أهل الكتاب وعندهم ما عندهم من كتاب الله.
فلقي جبير بن نفير شداد بن أوس بالمصلى فحدثه هذا الحديث عن عوف بن مالك، فقال: صدق عوف ثم قال شداد: هل تدري ما رفع العلم؟ قال: قلت: لا أدري.
قال: ذهاب أوعيته، هل تدري أي العلم يرفع أول؟ قال: قلت: لا أدري,
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 369، والدارمي برقم "96" 1/ 58، وابن المبارك في الزهد "817" والبيهقي في المدخل "860" ص454.
2 انظر ما قبله.(1/300)
قال: الخشوع حتى لا يرى خاشعًا1.
548- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القاضي القزويني، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن قال: موت العالم ثُلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما طرد الليل والنهار2.
549- وأخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا حماد بن أسامة، عن إسماعيل -يعني: ابن مسلم- عن ابن سيرين، قال: ذهب العلم فلم يبق إلا غبرات في أوعية سوء.
550- حدثنا يونس بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن معاوية الأموي، قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ثابت بن يزيد، قال: أنبأنا هلال بن خباب أبو العلاء، قال: سمعت سعيد بن جبير، قلت: ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: إذا ذهب علماؤهم3.
ًـ
1 رواه النسائي في سننه الكبرى برقم "5909" 3/ 456، وأحمد 6/ 26-27، والطبراني "75" 18/ 43-44، والبزار "232"، وابن حبان "4572" 10/ 433، والحاكم في المستدرك 1/ 98-99، والطحاوي في المشكل 1/ 122-123، والخطيب في اقتضاء العلم العمل "89" ص58، والبيهقي في المدخل برقم "853" ص451-452.
وفي الباب عن:
1- أبي الدرداء: رواه الترمذي "2653" 5/ 31-32، والدارمي "288" 1/ 99، والبيهقي في المدخل برقم "854" ص452، وفي سنده عبد الله بن صالح كاتب الليث.
2- زياد بن لبيد: رواه أحمد 4/ 160-218-219، وابن ماجه "4048"، وأبو خيثمة في العلم "52"، والحاكم 1/ 100، والطحاوي في شرح المشكل "305"، والمزي في تهذيب الكمال 9/ 508، وفيه انقطاع: سالم بن أبي الجعد, لم يسمعه من زياد بن لبيد.
2 رواه الدارمي برقم "324" 1/ 101 عن الحسن: قال: كانوا يقولون. ورواه البيهقي في الشعب 2/ 268 عن الحسن، عن ابن مسعود قوله.
3 رواه الدارمي برقم "241" 1/ 90، وابن أبي شيبة "37206" 7/ 458، وأبو نعيم في الحلية 4/ 276، وابن وضاح في البدع "213" ص152، وابن سعد 6/ 262، والمزي في التهذيب 10/ 365، والبيهقي في الشعب 2/ 253.(1/301)
551- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني سليمان بن سليم أبو سلمة، أن كعبًا كان يقول: واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه أن تذهب رواته.
552- قرأت على أحمد بن قاسم، أن قاسم بن أصبغ، حدثهم، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الفزاري، قال: حدثنا عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين، وأمرني ربي أن أمحق المزامير والمعازف والخمر والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية، وأقسم ربي بعزته: لا يشرب عبد الخمر في الدنيا إلا سقيته من حميم جهنم معذبًا أو مغفورًا له، ولا يدعها عبد من عبيدي تحرجًا عنها إلا سقيته إياها من حظيرة القدس"1.
553- قال أبو أمامة، وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء إقبالًا وإدبارًا، وإن لهذا الدين إقبالًا وإدبارًا، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به، حتى إن القبيلة لتنفقه من عند أسرها -أو قال: آخرها- حتى لا يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان، فهما مقموعان ذليلان، إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا"، ثم ذكر أن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة كلها العلم من عند أسرها حتى لا يبقى إلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود الطيالسي برقم "1134" ص154-155، وأحمد بن منيع, وأحمد بن حنبل 5/ 257، و5/ 268، والطبراني "7803-7852"، والحارث في مسنده برقم "770" 2/ 243.
ومداره على علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. انظر إتحاف الخيرة 4/ 372-374، ومختصره 6/ 313، والمجمع 5/ 69.(1/302)
الفقيه أو الفقيهان، فهما مقموعان ذليلان إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا، وقيل: أتطغيان علينا، وحتى تشرب الخمر في ناديهم ومجالسهم وأسواقهم، وتنحل الخمر اسمًا غير اسمها، وحتى يلعن آخر هذه الأمة أولها، ألا فعليهم حلت اللعنة"... وذكر تمام الحديث1.
- قال أبو عمر: لقد أحسن أبو العتاهية حيث يقول:
ماذا يفوز الصالحون به سقيت قبور الصالحين ديم
صلى الإله على النبي لقد محيت عهود بعده وذمم
لولا بقايا الصالحين عفا ما كان انتبه لنا ورسم
554- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار ومحمد بن إسماعيل، قالا: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "بعثت رحمة وهدى للعالمين"... فذكر مثله سواء في الأوثان والمعازف والمزامير والخمر آخر قصته في الخمر، ولم يذكر ما بعده2.
555- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: أخبرنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا عوف الأعرابي، عن رجل، عن سليمان بن جابر الهجري، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه: "تعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان أحدًا يفصل بينهما"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو بنفس السند السابق. انظر ما قبله. ورواه أيضًا الطبراني "7807" 8/ 234.
2 انظر ما قبله.
3 رواه الترمذي عقيب "2091" 4/ 361، والدارمي "221" 1/ 83-84، وأبو يعلى "5028" 8/ 441، والطيالسي "403" ص53، وابن أبي عمر، والنسائي في الكبرى "6305-6306" =(1/303)
556- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح، في قول الله, عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّه} [الرعد: 41] قال: ذهاب فقهائها وخيار أهلها1.
- وذكره سنيد، عن وكيع، بإسناد مثله.
- وقال عكرمة2 والشعبي3: هو النقصان وقبض الأنفس.
قالا جميعًا: ولو كانت الأرض تنقص قال أحدهما: لضاق عليك حشك. وقال الآخر: لضاق عليك حش تتبرز فيه4.
- وقال مجاهد5: نقصانها خرابها وموت أهلها.
- وقال الحسن6: هو ظهور المسلمين على المشركين.
- وذكر قتادة في تفسيره قول عكرمة والحسن عنهما على ما ذكرناه ولم يزد من رأيه شيئًا، وقول عطاء في تأويل الآية حسن جدًّا تلقاه أهل العلم بالقبول، وقول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4/ 63-64، والبيهقي 4/ 333، والحاكم 4/ 333.
وفي الباب عن:
1- أبي هريرة: رواه الترمذي "2091" 4/ 360-361 وقال: هذا حديث فيه اضطراب. وابن ماجه برقم "2719". والدارقطني 4/ 67 وأشار إلى اختلاف فيه: هل هو عن أبي هريرة أم ابن مسعود؟ والحاكم 4/ 332, والبيهقي في سننه 6/ 208-209.
2- عن عبد الله بن عمرو: رواه أبو داود برقم "2885" 3/ 119، وانظر إتحاف الخيرة 1/ 256-257.
1 رواه الطبري في تفسيره برقم "20533" 7/ 408 عن عطاء، عن ابن عباس.
2 رواه الطبري في تفسيره برقم "20530" 7/ 407.
3 رواه الطبري في تفسيره برقم "20525" 7/ 407.
4 رواه الطبري برقم "20528" 7/ 407 عن عكرمة، وسبق قول الشعبي.
5 رواه الطبري برقم "20520-20521" 7/ 407.
6 رواه الطبري في تفسيره برقم "20517" 7/ 406.(1/304)
الحسن -أيضًا- حسن المعنى جدًّا1.
وقال ابن عباس لما مات زيد بن ثابت: من سره أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه2.
557- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا مروان بن جناح، قال: حدثنا يونس بن ميسرة، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، أنه كان يقول:
تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب بأصحابه، والعالم والمتعلم شريكان في الخير، وسائر الناس لا خير فيهم، إن أغنى الناس رجل عالم افتقر إلى علمه فنفع من افتقر إليه، وإن استغني عن علمه نفع نفسه بالعلم الذي وضع الله -عز وجل- عنده، فما لي أرى علماءكم يموتون، وجهالكم لا يتعلمون، ولقد خشيت أن يذهب الأول، ولا يتعلم الآخر.
ولو أن العالم طلب العلم لازداد علمًا وما نقص العلم شيئًا، ولو أن الجاهل طلب العلم لوجد العلم قائمًا؟
فما لي أراكم شباعًا من الطعام جياعًا من العلم3؟!
558- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن أبي سليمان، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت خلاد بن سليمان الحضرمي، يقول: سمعت دراجًا أبا السمح، يقول: يأتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في أقوال أهل العلم زاد المسير 4/ 340، ومعالم التنزيل 3/ 24، والوسيط 3/ 20-21.
2 وراه الحاكم في المستدرك 3/ 422، والطبراني في الكبير "4751" 5/ 109.
3 رواه مقطعًا، الدارمي "245-246-247" 1/ 90-91، وأحمد في الزهد ص180، وأبو نعيم في الحلية 1/ 212-213، والبيهقي في المدخل "857" ص453.
وقد سبق: العالم والمتعلم شريكان... برقم "101".(1/305)
على الناس زمان يسمن الرجل راحلته حتى تعقد شحمًا، ثم يسير عليها في الأمصار حتى تصير نقضًا، يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها فلا يجد إلا من يفتيه بالظن1.
559- وحدثنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن المبارك، عن صالح المري، قال: سمعت الحسن، يقول: لا عالم ولا متعلم، طفئت والله.
- وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: لا يزال عالم يموت وأثر للحق يدرس حتى يكثر أهل الجهل، وقد ذهب أهل العلم يعملون بالجهل ويدينون بغير الحق ويضلون عن سواء السبيل.
560- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، عن كثير بن زياد، في تفسير الحديث: "لا يزداد الأمر إلا شدة"، قال: ذهاب العلماء.
561- وهذا الحديث: حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني بمصر، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا المزني، قال: حدثنا الشافعي، قال: حدثنا محمد بن خلد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحًّا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن وضاح في البدع برقم "261-262" ص174-175، وسنده صحيح.
2 رواه ابن ماجه "4039". والحاكم في المستدرك 1/ 441، والقضاعي في مسند الشهاب "898-899-900" 2/ 68-70، والخطيب في تاريخه 4/ 220-221، وأبو نعيم في الحلية 9/ 161, والذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 527-528. وسنده ضعيف، فيه: =(1/306)
.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1- محمد بن خالد الجندي: مجهول. انظر التقريب 2/ 157, والتهذيب 9/ 143-145، والمغني 2/ 576، والكاشف 3/ 43.
قال الحافظ ابن حجر في تهذيبه 9/ 144-145: "اختلفوا عليه في إسناده، فرواه صامت بن معاذ، قال: ثنا يحيى بن السكن، ثنا محمد بن خالد... فذكره. قال صامت: عدلت إلى الجندي مسيرة يومين من صنعاء فوجدت هذا الحديث عنده، عن محمد عن خالد، عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن مرسلًا.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي -وهو مجهول- عن أبان بن أبي عياش -وهو متروك- عن الحسن، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-... وهو منقطع.
وقال الحافظ ابن حجر: قلت: وذكر الذهبي أنه وقف على جزء عتيق فيه: عن يونس حدثت عن الشافعي. وقال أبو الفتح الأزدي في الضعفاء، وذكر محمدًا: وحديثه لا يتابع عليه، وإنما يحفظ عن الحسن مرسلًا: رواه جرير بن حازم عنه" اهـ.
وانظر البعث والنشور للبيهقي ص209-211، والضعيفة 1/ 103-104.
وفي الباب عن:
1- أبي أمامة: مرفوعًا بلفظ: "لا يزداد الأمر إلا شدة, ولا المال إلا إفاضة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" رواه أبو يعلى، والحاكم 4/ 440، والقضاعي "901" 2/ 70-71، والطبراني في الكبير "7757"، وابن عدي في الكامل 6/ 405-406، قال في مجمع الزوائد 8/ 285 "رواه الطبراني, ورجاله وثقوا وفيهم ضعف. ورواه بإسناد آخر ضعيف".
قلت: وفيه معاوية بن صالح: صدوق له أوهام. انظر التهذيب 10/ 209-212، والتقريب 2/ 259، والكامل 6/ 404-407.
والعلاء بن الحارث صدوق ولكنه اختلط، انظر التقريب 2/ 91، والاغتباط ص84 بتحقيقي.
2- معاوية: ولفظه: "لا يزداد الأمر إلا شدة, ولا يزداد الناس إلا شحًّا, ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".
قال في المجمع 8/ 13-14: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح" اهـ. فيرتقي بحديث أبي أمامة لدرجة الحسن لغيره.
وجملة: "ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق" لها شواهد عند البخاري "7067"، ومسلم "2949" 4/ 2268، والإمام أحمد "3735"، والبيهقي في البعث ص117-350، والخطيب في تاريخه 14/ 442, والقضاعي في مسند الشهاب. لكن جملة: ولا مهدي إلا عيسى: فهي منكرة. والله أعلم بالصواب.(1/307)
562- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: حدثنا تليد بن أعين، عن أبي الصباح عبد الغفور بن عبد العزيز بن سعيد، عن أبيه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيار أمتي القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم لا يزداد الأمر إلا شدة"1.
563- وحدثني أحمد بن فتح، قال: حدثنا حمزة بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن عبد الأعلى بن القاسم، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن درّاجًا أبا السمح حدثه، عن ابن حجيرة، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سيأتي على أمتي زمان يكثر القراء ويقل الفقهاء ويقبض العلم ويكثر الهرج".
قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟
قال: "القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق الكافر المشرك بمثل ما يقول"2.
564- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد، قالا: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بكر بن حماد، حدثنا أبو حاتم بشر بن حجر، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء، قال: ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون؟! تعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء، ما لي أراكم تحرصون على ما قد توكّل لكم به وتدعون ما وكّل لكم به، لأنا بشراركم أبصر من البياطرة بالخيل, هم الذين لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي سنده: عبد الغفور بن سعيد: متروك.
2 رواه الطبراني في الأوسط برقم "3301" 4/ 171 من طريق عبد الله بن يوسف، عن ابن لهيعة، عن دراج، والحاكم 4/ 457 من طريق ابن وهب. عن عمرو بن الحارث، عن دراج, ودراج هنا يروي عن غير أبي الهيثم، فروايته مقبولة. وقد سبق نحوه برقم "534-543".(1/308)
يأتون الصلاة إلا دبرًا ولا يسمعون القرآن إلا هجرًا1.
- وذكر ابن مقسم، عن أبي داود، عن محمد بن خلف العسقلاني، قال: سمعت رواد بن الجراح، يقول: قدم سفيان الثوري عسقلان، فمكث ثلاثًا لا يسأله أحد في شيء. فقال: أكثر لي اخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم2.
565- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الغفار بن أبي خليدة البصري، عن رجل، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: إن القرن الأول من هذه الأمة على منهاج من لا يتهم، والقرن الثاني يظهر فيه الحيف والأثرة، والقرن الثالث يظهر فيهم الفساد وسفك الدماء، والقرن الرابع ينتقلون عن دينهم حتى يكون أعز كل قبيلة فاسقهم ومنافقهم وأذله عالمهم.
وهذا أيضًا ليس بالقوي.
- وروينا عن تمام بن أبي نجيح، قال: كنت جالسًا عند محمد بن سيرين إذ جاءه رجل فقال: إني رأيت الليلة أن طائرًا نزل من السماء على ياسمينة فنتف منها ثم طار، حتى دخل في السماء فقال ابن سرين: هذا قبض العلماء.
قال تمام: فلم تمض تلك السنة حتى مات: الحسن، وابن سيرين، ومكحول، وستة من العلماء بالآفاق، ماتوا تلك السنة.
47- باب: حال العلم إذا كان عند الفساق والأرذال
566- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن الهيثم، قال: حدثنا محمد بن عائذ، قال: حدثنا الهيثم، قال: حدثنا حفص -يعني: ابن غيلان- عن مكحول، عن أنس بن مالك، قال: قيل: يا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "101-561"، وهذه رواية البيهقي في المدخل برقم "857" ص453.
2 رواه الخطيب في جامعه برقم "1910" 2/ 420.(1/309)
رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم".
قيل: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أرذالكم"1.
567- وأخبرنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا الهيثم بن حميد، عن حفص، عن مكحول، عن أنس، قال: قيل: يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل قبلكم".
قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفاحشة في شراركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في أرذالكم"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "4015"، وأحمد في المسند 3/ 87، وابن وضاح في البدع "211" ص150-151، وأبو نعيم في الحلية 5/ 185، والضياء في المختارة "2667-2668"، والطحاوي في المشكل برقم "3350" 8/ 417، والبيهقي في الشعب 6/ 84.
وسنده حسن:
مكحول: كان كثير الإرسال، وقد سمع من أنس، كما صرح بذلك جماعة من العلماء. انظر التاريخ الأوسط للبخاري 1/ 307، وتهذيب التهذيب 10/ 289-293، والمراسيل ص211-213، والتقريب 2/ 273. ولم يكن مدلسًا، وهو ثقة.
ولم يصفه بالتدليس سوى ابن حبان، وأطلق الذهبي أنه كان يدلس، وكأن ابن حبان عنى به الإرسال.
وفي الباب عن:
1- عائشة: رواه ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف برقم "27" ص71. والمقدسي في الأمر بالمعروف برقم "11" ص13، والعقيلي في الضعفاء 2/ 91. وفيه الخليل بن يزيد، والزبير بن عيسى: مستوران. انظر اللسان 2/ 472.
2- حذيفة: رواه الطبراني في الأوسط "144" 1/ 128، وفيه: عمار بن سيف ضعفه جماعة. انظر مجمع الزوائد 7/ 276.
2 انظر ما قبله.(1/310)
568- أخبرنا خلف بن جعفر، قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسين بدمشق، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد السلام مكحول ببيروت، قال: حدثنا محمد بن خلف الرازي، قال: حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد، قال: حدثنا الهيثم بن حميد، عن أبي معبد، عن مكحول، عن أنس، قال: قيل: يا رسول الله متى يدع الائتمار بالمعروف والنهي عن المنكر؟
قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم: الملك في صغاركم، والعلم في أرذالكم، والفاحشة في كباركم"1.
569- حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عفيف بن سالم، عن ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي أمية الجمحي، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أشراط الساعة.
فقال: "إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر"2.
570- حدثنا أحمد بن قاسم وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا نعيم، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن أبي أمية الجمحي، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أشراط الساعة ثلاثًا: إحداهن أن يلتمس العلم عند الأصاغر".
قال: نعيم: قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه عبد الله بن المبارك في الزهد رقم "61" ص20-21، والطبراني في المعجم الكبير "908" 22/ 361-362، وأبو نعيم في المعرفة "2/ 251/ 1"، واللالكائي في أصول الاعتقاد برقم "102" 1/ 85، والحافظ عبد الغني في العلم 2/ 16، والهروي في ذم الكلام 2/ 137، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن، برقم "435" 4/ 848، وهو من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة عند بعضهم وعند المصنف في الحديث التالي، وروايته عنه حسنة.(1/311)
قال: الذين يقولون برأيهم، فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير1.
وذكر أبو عبيد في تأويل هذا الخبر عن ابن المبارك، أنه كان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى السن.
قال أبو عبيد: وهذا وجه.
قال أبو عبيد: والذي أرى أنا في الأصاغر: أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقدم ذلك على رأي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمهم فذاك أخذ العلم عن الأصاغر.
571- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا محمد بن مكي، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البركة مع أكابركم"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه ابن حبان برقم "559" 2/ 319، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات برقم "935" 1/ 688، والحاكم في المستدرك 1/ 62، والطبراني في الأوسط برقم "8986"، وأبو نعيم في الحلية 8/ 171-172، والبزار في مسنده "1957"، وابن عدي في الكامل 2/ 77 و5/ 259 قال: والأصل فيه مرسل. والخطيب في جامعه "250" 1/ 252، وفي تاريخ بغداد 11/ 165، والقضاعي في مسند الشهاب "36-37" 1/ 57، والديلمي في الفردوس برقم "2014" 2/ 45، والرافعي في التدوين 4/ 109، والسمعاني في أدب الإملاء 1/ 120، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص149، وأعله ابن عدي في الكامل، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 313 بالإرسال.
وانظر كشف الخفاء 1/ 336، وفيض القدير 3/ 220.
وفي الباب:
1- عن أبي أمامة: رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم "7895"، وفي سنده علي بن يزيد الألهاني، كما في المجمع 8/ 15.
2- عن أنس: رواه ابن عدي في الكامل 1/ 374، وفي سنده سعيد بن بشير: ضعيف. انظر التهذيب 4/ 8، المغني في الضعفاء 1/ 256.(1/312)
572- قرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هلال الوزان، عن عبد الله بن عكيم، قال: كان عمر يقول: ألا إن أصدق القيل قيل الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، ألا إن الناس لن يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم1.
573- أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا عمر، قال: أخبرنا علي، قال: أخبرنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن سعد بن أوس العبسي، عن بلال -يعني: ابن يحيى- أن عمر بن الخطاب، قال: قد علمت متى صلاح الناس ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا.
574- قرأت على عبد الوارث، عن قاسم، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سعيد بن أوس الكاتب، قال: حدثنا بلال بن يحيى، أن عمر بن الخطاب، قال: قد علمت متى صلاح الناس... فذكره حرفًا بحرف إلى آخره.
575- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قراءة مني عليه، أن عمر بن محمد حدثه بمكة، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، قال: لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد برقم "100" 1/ 84، وابن وضاح في البدع "56" ص62, وابن نصر في السنة "1054"، وقاسم بن أصبغ في المصنف، كما في الفتح 13/ 301-302 بسند صحيح.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف برقم "20446" 11/ 246، ورقم "20483" 11/ 257، وابن المبارك في الزهد 1/ 281، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط, وأبو خيثمة في العلم برقم "155" ص35، والبيهقي في المدخل برقم "275" ص217، وانظر مجمع الزوائد 1/ 135، وفتح الباري 13/ 291.(1/313)
576- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن صالح المقرئ، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا الحسن بن مكرم البزاز، قال: حدثنا الحسن بن قتيبة، قال: حدثنا المغيرة بن مسلم وفطر بن خليفة ومالك بن مغول وسفيان الثوري ويونس بن أبي إسحاق وشعبة بن الحجاج وشريك والمسعودي وإسرائيل وأبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال عبد الله بن مسعود: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أكابرهم، فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم هلكوا1.
577- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد الجمحي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا أحمد -يعني: ابن طلحة- عن مطرف، قال: سمعت سلمة بن كهيل، ذكر عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير2.
578- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، قال: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا3.
قال أبو عمر: قد تقدم من تفسير ابن المبارك وأبي عبيد لمعنى الأصاغر في هذا الباب ما رأيت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 انظر ما قبله.
3 انظر التعليق السابق.(1/314)
وقال بعض أهل العلم: إن الصغير المذكور في حديث عمر وما كان مثله من الأحاديث: إنما يراد به الذي يستفتى ولا علم عنده، وإن الكبير هو العالم في أي سن كان، وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا. واستشهدوا بقول الأول:
تعلم فليس المرء يولد عالمًا وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت إليه المحافل
واستشهدوا بأن عبد الله بن عباس كان يستفتى وهو صغير، وأن معاذ بن جبل وعتاب بن أسيد كانا يفتيان الناس وهما صغيرا السن، وولاهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الولايات مع صغر سنهما، ومثل هذا في العلماء كثير.
ويحتمل أن يكون معنى الحديث على ما قاله ابن المعتز: عالم الشباب محقور وجاهله معذور، والله أعلم بما أراده.
- وقال آخرون: إنما معنى حديث عمر وابن مسعود في ذلك أن العلم إذا لم يكن عن الصحابة كما جاء في حديث ابن مسعود، ولا كان له أصل في القرآن والسنة والإجماع فهو علم يهلك به صاحبه، ولا يكون حامله إمامًا ولا أمينًا ولا مرضيًا، كما قال ابن مسعود، وإلى هذا نزع أبو عبيد, رحمه الله1.
- ونحوه ما جاء عن الشعبي: ما حدثوك عن أصحاب محمد فشد عليه يديك وما حدثوك به من رأيهم فبل عليه2.
ومثله -أيضًا- قول الأوزاعي: العلم ما جاء عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وما لم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر شرح أصول الاعتقاد 1/ 85، وفتح الباري 13/ 291.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف، برقم "20476" 11/ 256، والدارمي في سننه برقم "200" 1/ 78، وأبو نعيم في الحلية 4/ 319، والخطيب في جامعه برقم "1632" 2/ 279-280، والبيهقي في المدخل برقم "814" ص437.(1/315)
يجيء عن واحد منهم فليس بعلم1.
- وقد ذكرنا خبر الشعبي وخير الأوزاعي بإسناديهما في باب معرفة ما يقع عليه اسم العلم حقيقة من هذا الكتاب والحمد لله، وقد يحتمل حديث هذا الباب أن يكون أراد أن حق الناس بالعلم والتفقه أهل الشرف والدين والجاه، فإن العلم إذا كان عندهم لم تأنف النفوس من الجلوس إليهم، وإذا كان عند غيرهم وجد الشيطان إلى احتقارهم السبيل، وأوقع في نفوسهم أثرة الرضا بالجهل أنفة من الاختلاف إلى من لا حسب له ولا دين وجعل ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها، ومن أسباب رفع العلم، والله أعلم أي الأمور أراد عمر بقوله، فقد ساد بالعلم قديمًا الصغير والكبير، ورفع الله درجات من أحب.
- وروى مالك، عن زيد بن أسلم، أنه قال في قول الله, عز وجل: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاء} [يوسف: 76] قال: بالعلم.
579- حدثنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم، قالا: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا محمد بن زريق بن جامع، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرني ابن القاسم، قال: قال مالك بن أنس، سمعت زيد بن أسلم، يقول في هذه الآية: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاء} [يوسف: 76] قال: بالعلم, يرفع الله -عز وجل- من يشاء في الدنيا2.
ومما يدل على أن الأصاغر ما لا علم عنده: ما ذكره عبد الرزاق وغيره، عن معمر، عن الزهري، قال: كان مجلس عمر مغتصًّا من القراء شبابًا وكهولًا، فربما استشارهم ويقول: لا يمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأيه، فإن العلم ليس على حداثة السن وقدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي.
2 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره برقم "11828" 7/ 2176-2177.
3 رواه عبد الرزاق في المصنف، حديث رقم "20946" 11/ 440-441 بسياق أتم.(1/316)
580- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا إسماعيل بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن نصر بن عبد الله، قال: أخبرنا نصر بن باب، عن الحجاج، عن مكحول، قال: تفقه الرعاع فساد الدين، وتفقه السفلة فساد الدنيا.
581- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: حدثني الأعين، قال: سمعت الفريابي، يقول: كان سفيان إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون العلم يتغير وجهه.
فقلت له: يا أبا عبد الله نراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك؟ فقال: كان العلم في العرب وفي سادات الناس، فإذا خرج عنهم وصار إلى هؤلاء -يعني: النبط والسفلة- غير الدين1.
48- باب: ذكر استعاذة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من علم لا ينفع وسؤاله العلم النافع
582- حدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي:
وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن جعفر غندر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي: قالا: حدثنا أبو نصر التمار، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ودعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ومن الجوع فإنه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع برقم "374" 1/ 312-313، وانظر نحوه عند الرامهرمزي في المحدث الفاصل برقم "803" ص574-575، وانظر البدع لابن وضاح "212" ص151-152.(1/317)
بئس الضجيع"1.
غيره يزيد في هذا الحديث بعد قوله: بئس الضجيع: "وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة".
583- وأخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا خيثمة بن سليمان، قال: حدثنا هلال بن العلاء بن هلال بن العلاء بن هلال، قال: حدثنا أبي وعبد الله بن جعفر، قالا: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن يونس بن خباب، قال: سمعت طاوسًا، يقول: سمعت ابن عباس، يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ودعاء لا يسمع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، اللهم إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع"2.
584- وأخبرنا خلف بن جعفر، قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن الدمشقي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب، قال: حدثني عيسى بن حماد زغبة في سنة ست وأربعين ومائتين -ويكنى: أبا موسى- قال: أخبرنا الليث بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود برقم "1549" 2/ 92، والنسائي 8/ 263-264، وأحمد في المسند 3/ 192-255-283، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "29128" 6/ 18، والطيالسي برقم "2007" ص268، وعبد الرزاق في المصنف برقم "19635" 10/ 439، وأبو يعلى في مسنده برقم "2845" 5/ 232، وأبو خيثمة في العلم برقم "165" ص37، وأبو نعيم في الحلية 6/ 255، والحاكم في المستدرك 1/ 104، وابن حبان في صحيحة برقم "83" 1/ 283-284 و"1015" 3/ 293-294، وفي الثقات 9/ 280, والقضاعي في مسند الشهاب برقم "1466-1467-1468" 2/ 332-333، والطبراني في الدعاء برقم "1367-1368-1369-1370-1371-1372" 3/ 1441-1443، والبيهقي في الشعب 2/ 285، وفي المدخل برقم "482" ص313، والبغوي في شرح السنة برقم "1359" 5/ 159، وفي الشمائل برقم "1170" 2/ 729-730، وسنده حسن، ويتأيد بما في الباب لدرجة الصحيح لغيره.
2 رواه ابن عدي في الكامل 5/ 132. وفي سنده:
1- عمرو بن مجمع: ضعفوه, انظر اللسان 4/ 375, والكامل 5/ 132.
2- ويونس بن خباب: ضعيف.(1/318)
سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه عباد بن أبي سعيد، أنه سمع أبا هريرة، يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع"1.
- ومن حديث وكيع، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سلوا الله علمًا نافعًا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود برقم "1548" 2/ 92، والنسائي 8/ 263 و8/ 284-285، وابن ماجه "3837"، وأحمد 2/ 340- 365-451، وإسحاق في مسنده، برقم "436" 1/ 392، والبخاري في التاريخ الكبير 3/ 2/ 36، والآجري في أخلاق العلماء "202" ص101، والخطيب في الفقيه 2/ 88, والحاكم في المستدرك 1/ 104, وفي سند عباد بن أبي سعيد: مقبول، كما في التقريب 1/ 392، والتهذيب 5/ 94، والكاشف 1/ 530.
وقد اختلف في سنده.
فرواه من طريق ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة: النسائي 8/ 284، وابن ماجه "250" 1/ 92، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "29126" 6/ 17، والطبراني في الدعاء برقم "1365" 3/ 1440-1441، وأبو يعلى في مسنده برقم "6537" 11/ 412، والحاكم في المستدرك 1/ 104.
ورواه من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: الطبراني في الدعاء برقم "1365" 3/ 1440-1441. ورجح الدارقطني في علله 10/ 395 طريق الليث التي معنا.
ورواه من طريق أبي ذئب، عن سعيد، عن أبي هريرة، الطيالسي في مسنده، برقم "2323" ص305. ويتأيد بما قبله وبما بعده.
2 رواه ابن ماجه برقم "3843"، وعبد بن حميد في المنتخب برقم "1093" ص330، وابن أبي شيبة في المصنف، برقم "29122" 6/ 17، وأبو يعلى في مسنده برقم "1927" 3/ 437، وبرقم "1980" 3/ 469، وبرقم "2169" 4/ 139-140، وابن حبان في صحيحه برقم "82" 1/ 283، والطبراني في الأوسط برقم "1337" 2/ 187، وبرقم "9046" 10/ 21، والبيهقي في الشعب 2/ 285، والآجري في أخلاق العلماء "203" ص102، والديلمي في الفردوس، رقم "3195" 2/ 431، وفي سنده: أسامة بن زيد: صدوق يهم، كما في التقريب 1/ 53، ولكن الحديث يرتقي بما قبله وبما له من شواهد، ففي الباب: عن:
1- عبد الله بن عمرو بن العاص: رواه النسائي 8/ 254-255، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "29150" 6/ 20، وأبو نعيم في الحلية 4/ 362، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 200.
2- زيد بن أرقم: رواه مسلم "2722" 4/ 2088، والترمذي "3572" 5/ 566، والنسائي =(1/319)
585- حدثناه سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع... فذكره بإسناده سواء.
586- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن مولى لأم سلمة، أن رسول الله, صلى الله عليه وسلم:
ح وحدثنا سعيد، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا الترمذي، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عمر بن سعيد الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن مولى لأم سلمة، عن أم سلمة: أن رسول الله, صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا" ولفظ الحديثين سواء1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 8/ 285، وأحمد في المسند 4/ 371، وابن أبي شيبة في المصنف برقم "29124" 6/ 17، والطبراني في الكبير برقم "5085-5086-5087-5088" 5/ 201-202، وفي الدعاء برقم "1364" 3/ 1440، والبيهقي في المدخل برقم "484" ص313-314، والبغوي في شرح السنة برقم "1358" 5/ 158-159، وفي التفسير 4/ 493، وفي الشمائل برقم "1169" 2/ 728-729.
3- جرير: رواه ابن عدي في الكامل 3/ 14، والطبراني في الكبير برقم "2270" 2/ 305.
4- ابن مسعود: رواه ابن أبي شيبة برقم "29127" 6/ 17-18، والحاكم في المستدرك 1/ 533-534.
5- عائشة: رواه الطبراني في الأوسط برقم "7135" 8/ 68.
6- حبيب بن أبي ثابت مرسلًا: رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "29143" 6/ 19.
1 رواه أحمد في المسند 294-305-318-323، والنسائي في عمل اليوم والليلة "102"، وعبد الرزاق في المصنف "3191"، وابن ماجه برقم "925"، والبيهقي في الشعب 2/ 285-286، وابن السني في عمل اليوم والليلة "109"، والحميدي في مسنده "299"، وعبد بن حميد في المنتخب "1535"، وأبو يعلى في مسنده "6930-6950-6997"، وفي سنده: مولى أم سلمة: قال في التقريب 2/ 583 اسمه عبد الله بن شداد. وقع في الأفراد للدارقطني. وانظر التهذيب 12/ 387. وله طريق أخرى عند الطبراني في المعجم الصغير 1/ 260 من طريق منصور, عن الشعبي, عن أم سلمة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 111: "ورجاله ثقات" اهـ.(1/320)
587- أخبرنا أحمد بن قاسم وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا رجل من الأنصار، عن يونس بن سيف، قال: حدثني أبو كبشة السلولي، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالمًا لا ينتفع بعلمه"1.
- وذكر ابن وهب قال: حدثني عثمان بن مقسم البري، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالمًا لا ينفعه الله بعلمه"2.
588- حدثناه عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب... فذكره، وهو حديث انفرد به عثمان البري لم يرفعه غيره وهو ضعيف الحديث معتزلي المذهب ليس حديثه بشيء.
- وروينا عن سلمان الفارسي أنه قال: إن العلم لا ينفد، فاتبع منه ما ينفعك3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن المبارك في الزهد "40"، وأبو نعيم في الحلية 1/ 223 وفيه الرجل المبهم. والدارمي برقم "262" 1/ 93-94 وعنده عبد الغفار بن القاسم: متروك.
2 رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق، كما في كنز العمال "29099"، والطبراني في الصغير 1/ 182-183، والبيهقي في الشعب 2/ 284-285، والآجري في أخلاق العلماء "128-129" ص71-72، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "4-5-6" ص33-36، وابن عدي في الكامل 5/ 1843، وفي سنده: عثمان البري: قال الدارقطني والنسائي: متروك. واتهمه ابن معين والجوزقاني بالوضع والكذب. انظر الميزان 2/ 56-57.
3 رواه أبو خيثمة في العلم "58" ص17 بسياق أتم, وابن المبارك في الزهد "822"، وأبو نعيم في الحلية 1/ 189-199.(1/321)
ويقال: من لم ينفعه قليل علمه ضره كثيره1.
589- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا بشر بن حجر، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن إبراهيم بن أبي عياض، عن أبي هريرة، قال: مثل علم لا ينفع كمثل كنز لا ينفق في سبيل الله2.
وقال ابن المبارك:
حسبي بعلمي إن نفع ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله رجع عن سوء ما كان صنع
ما طار شيء فارتفع إلا كما طار وقع
590- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني مالك وغيره أن عبد الله بن سلام، قال لكعب: ما ينفي العلم عن صدور العلماء بعد أن يعلموه؟ قال: الطمع3.
591- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا هارون، حدثنا ضمرة، عن كثير، قال: كان مكحول يقول: اللهم انفعنا بالعلم، وزينا بالحلم، وجملنا بالعافية.
592- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة، قال سفيان, يعني: ابن عيينة: ليس شيء أنفع من علم ينفع، وليس شيء أضر من علم لا ينفع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الخطيب في الاقتضاء برقم "84" ص55-56 عن ابن عيينة قوله: "العلم إن لم ينفعك ضرك".
2 سبق برقم "474". وانظر اقتضاء العلم العمل "12" ص24.
3 رواه القاضي عياض في الإلماع ص231، ورواه الدارمي برقم "575" 1/ 152 أن عمر قال لعبد الله بن سلام... وبرقم "584" 1/ 152-153 أن عمر قال لكعب.(1/322)
- وقال علي بن أبي طالب, رضي الله عنه: إنما زهد الناس في طلب العلم ما يرون من قلة الانتفاع من علم بما علم.
- وأنشد أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة نفطويه لمحمود بن الحسن الوراق:
إذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد لعلمك مخلوقًا من الناس يقبله
وإن زانك العلم الذي قد حملته وجدت له من يجتنيه ويحمله
49- باب: ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم
593- قرأت على أبي عثمان سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ حدثه، قال: حدثنا ابن وضاح وأحمد بن يزيد، قالا: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن أبي موسى، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود برقم "2859" 3/ 111، والترمذي برقم "2256" 4/ 523، والنسائي 7/ 195-196، وأحمد في المسند 1/ 257، والبخاري في الكنى ص70، والطبراني في الكبير برقم "11030" 11/ 56-57، والبيهقي في السنن 10/ 101، وأبو نعيم في الحلية 4/ 72.
وفي سنده: أبو موسى اليماني: مجهول. انظر التقريب 2/ 479، والتهذيب 12/ 252.
وله طريق أخرى يرتقي بها: فقد رواه من طريق إسماعيل بن أمية، عن عطاء، عن ابن عباس: البيهقي في الشعب برقم "9402" 7/ 47.
وفي الباب عن أبي هريرة: ذكره الترمذي 4/ 523، ورواه أحمد في المسند 2/ 371 بزيادة في آخره, وابن عدي في الكامل 1/ 318 بالزيادة، والبزار في مسنده "1618"، وإسحاق "429" 1/ 394، والقضاعي في مسند الشهاب برقم "339" 1/ 222، والبيهقي في سننه 10/ 101 بالزيادة، وفي الشعب 7/ 47، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 246، والدارقطني في سننه 8/ 240، وابن حبان في المجروحين 1/ 233، من طريق إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم, عن أبي هريرة:
قال الدارقطني في العلل 8/ 240-241: "يرويه الحسن بن الحكم النخعي, واختلف عنه:
أ- فرواه إسماعيل بن زكريا: عن الحسن بن الحكم, عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن =(1/323)
594- حدثنا سعيد، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي موسى، عن ابن منبه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل"1.
إلى ههنا انتهى حديث وكيع، وكان يختصر الأحاديث ويحذفها كثيرًا.
595- وحدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، قال: حدثنا زهير بن عباد، قال: حدثنا مصعب بن ماهان، عن سفيان الثوري، عن أبي موسى اليماني، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن اتبع السلطان افتتن"2.
596- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا بكر، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن المعلى بن زياد وهشام بن حسان، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أبي هريرة.
ب- ورواه حاتم بن إسماعيل ويعلى بن عبيد، ويحيى بن عيسى الرملي: عن الحسن بن الحكم، عن عدي بن ثابت، عن شيخ من الأنصار، عن أبي هريرة.
جـ- وروي عن شريك: عن الحسن بن الحكم، عن عدي, عن البراء" اهـ.
وطريق شيخ من الأنصار, عن أبي هريرة: عند أبي داود "2860" 3/ 11 من طريق محمد, وأحمد 2/ 440-441 من طريق يعلى، ومحمد، والبيهقي في الشعب 7/ 48 من طريق محمد، وإسحاق من طريق عدي بن ثابت، والدارقطني في العلل 8/ 240-241 من طريق حاتم ويعلى، ويحيى، وابن أبي حاتم في العلل 2/ 246، قال أبو حاتم: وهو أشبه.
ورواية شريك، عن الحسن بن الحكم، عن عدي, عن البراء: عند أحمد في المسند 4/ 297، وأبي يعلى في مسنده برقم "1654" 3/ 215، والدارقطني في العلل 8/ 241، بلفظ: "من بدا جفا"، وفيها شريك: ضعيف، وقد خالف, كما سبق.
1 انظر ما قبله.
2 انظر ما قبله.(1/324)
الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع فأبعده الله".
قيل: يا رسول الله أفلا نقتلهم؟ قال: "لا ما صلوا"1.
597- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة البخاري، قال: قال سفيان بن عيينة، قال أبو حازم، وجدت الدنيا شيئين.... فتكلم بكلام طويل ذكره ابن أبي خيثمة. قال سفيان: فقال الزهري: إنه جاري مات كنت أرى أن هذه عنده، فقال أبو حازم: لو كنت غنيًّا لعرفتني، إن العلماء كانوا يفرون من السلطان ويطلبهم، وإنهم اليوم يأتون أبواب السلطان والسلطان يفر منهم2.
598- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أحمد بن إبراهيم الحداد، حدثنا زكريا بن يحيى السجزي، حدثنا عبد الله بن محمد بن هانئ النحوي, حدثنا الحكم بن سنان, قال: حدثنا أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة: يا أبا أيوب احفظ عني ثلاث خصال؛ إياك وأبواب السلطان، وإياك ومجالسة أصحاب الأهواء، والزم سوقك، فإن الغنى من العافية3.
599- حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم برقم "1854" 3/ 1480-1481. وأبو داود برقم "4760-4761" 4/ 242.
والترمذي برقم "2265" 4/ 529، وأحمد في المسند 6/ 295-302-305-321، واللالكائي في أصول الاعتقاد رقم "1523" 4/ 823.
2 رواه ابن المبارك في الزهد برقم "632"، والبيهقي في المدخل برقم "562" ص341-342، وأبو نعيم في الحلية 3/ 233-247 من طرق عنه. وانظر سنن الدارمي برقم "646" 1/ 162-163 عن وهب بن منبه نحوه. وكذا البيهقي في المدخل "560" ص340، وأبو نعيم في الحلية 2/ 92.
3 روى نحوه بالنهي عن مجالسة أهل الأهواء الدارمي "391" 1/ 120، وبرقم "100" 1/ 58-59 بسياق أتم, ورواه برقم "302" 1/ 102 عن ابن مسعود, رضي الله عنه.(1/325)
حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا صالح بن عبيد، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: عن حماد بن زيد، قال: قال ابن عون: كان الرجل يفر بما عنده من الأمراء جهده، فإذا أخذ لم يجد بدًّا.
600- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو مسلم، عن سفيان، قال: تخبرون عن الزهري، قال: كنا نكرهه حتى أكرهنا عليه الأمراء، فلما أكرهونا عليه بذلناه للناس1.
- وذكر الكشوري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي غسان، قال: حدثنا علي بن أبي سالم، قال: حدثنا أبو محمد بكر بن محمد الليثي، قال: سمعت سفيان، يقول: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك2.
601- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا أبو الميمون محمد بن عبد الله العسقلاني بعسقلان، قال: حدثنا هارون بن عمران، قال: حدثنا محمد بن داود البصري، قال: لما ولي إسماعيل بن علية على العشور -أو قال: على الصدقات- كتب إلى عبد الله بن المبارك يستمده برجال من القراء يعينونه على ذلك فكتب إليه عبد الله:
يا جاعل العلم له بازيًا يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونًا بها بعدما كنت دواء للمجانين
أين رواياتك فيما مضى عن ابن عون وابن سيرين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف برقم "20486" 11/ 258، والدارمي في سننه برقم "404" 1/ 122، والخطيب في تقييد العلم ص107، وأبو نعيم في الحلية 3/ 363، والبيهقي في المدخل برقم "739" ص409، وقد سبق برقم "307".
2 روى أسد بن موسى في الزهد "24" ص27، وابن وضاح في البدع "284" ص187، عن ثور بن يزيد مرسلًا، وسنده ضعيف، فيه: بكر بن خنيس واه. وحديث جب الحزن: رواه ابن ماجه "256" وغيره. وهو ضعيف، وانظر مجمع الزوائد 8/ 167.(1/326)
ودرسك العلم بآثاره وتركك أبواب السلاطين
تقول: أكرهت، فماذا كذا، زل حمار العلم في الطين
602- وأخبرنا خلف بن القاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان القرظي، حدثنا أحمد بن الحسين الجريجي، قال: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، قال: حدثنا أبو مسلم المستملي، قال: لما أن ولي إسماعيل بن علية الصدقة بالبصرة كتب إليه ابن المبارك:
يا جاعل الدين له بازيًا يصطاد أموال المساكين
فذكر الأبيات إلا أنه قال في آخرها:
تقول: أكرهت فما حيلتي زل حمار العلم في الطين
وزاد فيها:
لا تبتغ الدنيا بدين كما يفعل ضلال الرهابين1
603- وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا الحسين بن روح ومحمد بن أحمد بن حماد زغبة، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثني سالم الخواص، قال: أنشدني ابن المبارك2:
رأيت الذنوب تميت القلوب ويورثك الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل بدل الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
وباعوا النفوس فلم يربحوا ولم تغل في البيع أثمانها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه وكيع في أخبار القضاة 3/ 169، وابن حبان في روضة العقلاء ص23، والخطيب في تاريخ بغداد 6/ 236، وانظر طبقات الحنابلة 1/ 100، وصفة الصفوة 4/ 140، وسير أعلام النبلاء 8/ 364، وطبقات الشافعية 1/ 285، والمنهج الأحمد 1/ 56.
2 انظر حلية الأولياء 8/ 279، وبهجة المجالس 2/ 334، والآداب الشرعية 1/ 163، وأعلام الموقعين 1/ 11.(1/327)
لقد رتع القوم في جيفة يبين لذي العقل أنتانها
- وقال محمود الوراق:
ركبوا المراكب واغتدوا زمرًا إلى باب الخليفه
وصلوا البكور إلى الرواح ليبلغوا الرتب الشريفه
حتى إذا ظفروا بما طلبوا من الحال اللطيفه
وغدا المولى منهم فرحًا بما تحوي الصحيفه
وتعسفوا من تحتهم بالظلم والسير العنيفه
خانوا الخليفة عهده بتعسف الطرق المخوفه
باعوا الأمانة بالخيانة واشتروا بالأمن جيفه
عقدوا الشحوم وأهزلوا تلك الأمانات السخيفه
ضاقت قبور القوم واتسـ ـعت قصورهم المنيفه
من كل ذي أدب ومعـ ـرفة وآراء حصيفه
متفقه جمع الحديـ ـث إلى قياس أبي حنيفه
فأتاك يصلح للقضاء بلحية فوق الوظيفه
لم ينتفع بالعلم إذ شغفته دنياه الشغوفه
نسي الإله ولاذ في الدنيا بأسباب ضعيفه
- وفي معنى قول محمود: من كل ذي أدب ومعرفة وآراء حصيفة، قول أبي العتاهية1:
عجبًا لأرباب العقول والحرص في طلب الفضول
سلاب أكسية الأرا مل واليتامى والكهول
والجامعين المكثريـ ـن من الخيانة والغلول
والمؤثرين لدار رحلـ ـتهم على دار الحلول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ديوان أبي العتاهية ص423.(1/328)
وضعوا عقولهم من الد نيا بمدرجة السيول
ولهوا بأطراف الفرو ع وأغفلوا علم الأصول
وتتبعوا جمع الحطا م وفارقوا أثر الرسول
في شعر له.
604- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن عمارة بن عبد الله، عن حذيفة قال: إياكم ومواقف الفتن.
قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه1.
604م- قال: وأنبأنا معمر، عن قتادة، عن ابن مسعود، قال: إن على أبواب السلاطين فتنًا كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا يصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله, أو قالوا: مثليه2.
- وقال وهب بن منبه: إن جمع المال وغشيان السلطان لا يبقيان من حسنات المرء إلا كما يبقى ذئبان جائعان ضاريان سقطا في حظار فيه غنم فباتا يجوسان حتى أصبحا.
- وهذا المعنى قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حب المال والشرف لدين المرء"3 أو نحو هذا من قوله, صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف، برقم "20643" 11/ 316-317.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف برقم "20644" 11/ 317.
3 رواه الترمذي برقم "2376" 4/ 588، والنسائي في الرقائق من الكبرى، كما في التحفة 8/ 316، والدارمي برقم "2730" 2/ 394، وأحمد 3/ 456-457-460، وابن حبان "3228" 8/ 24، وابن المبارك "زيادة نعيم" "181" ص50، والبخاري في التاريخ 1/ 1/ 150، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "14" ص145-146، وابن أبي شيبة برقم "34380" 7/ 74، والطبراني في المعجم الكبير، برقم "189" 19/ 96، والبيهقي في الآداب برقم "1113" ص492-493، والبغوي في شرح السنة برقم "4054" 14/ 257-258، من حديث كعب بن مالك, وسنده صحيح. وفي الباب عن عدة من الصحابة. انظر رسالة الحافظ ابن رجب في شرح الحديث وتحقيقها للأخ بدر البدر حفظه الله تعالى.(1/329)
- وروى عبد الرزاق، عن أبيه، قال: قلت لوهب بن منبه: كنت ترى الرؤيا فتخبرنا بها فلا تلبث أن تراها كما وصفت. قال: ذهب ذلك عني مذ وليت القضاء.
قال عبد الرزاق: حدثت معمرًا بهذا الحديث فقال: والحسن مذ ولي القضاء لم يحمدوا فهمه.
605- وأخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو طالب محمد بن زكريا ببيت المقدس، قال: حدثنا إبراهيم بن معاوية القيساراني، قال: حدثنا محمد بن يونس الفريابي، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: كان خيار الناس وأشرافهم والمنظور إليهم في الدين الذين يقومون إلى هؤلاء فيأمرونهم وينهونهم -يعني: الأمراء- وكان آخرون يلزمون بيوتهم ليس عندهم ذلك فكانوا لا ينتفع بهم ولا يذكرون، ثم بقينا حتى صار الذين يأتونهم فيأمرونهم شرار الناس والذين لزموا بيوتهم ولم يأتوهم خيار الناس1.
606- حدثنا أحمد بن محمد بن هشام، قال: حدثنا علي بن عمر بن موسى القاضي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله العسكري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سلمة العطار، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحكم القزاز، قال: حدثنا محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس: الأمراء، والفقهاء"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 79، وانظر ما رواه الدارمي برقم "646" 1/ 162-163، عن وهب بن منبه.
2 رواه تمام في فوائده برقم "901" 3/ 102، وأبو نعيم في الحلية 4/ 96، والديلمي في الفردوس برقم "3600" 2/ 599، وسنده ضعيف جدًّا، فيه: محمد بن زياد اليشكري: كذبوه. انظر التقريب 2/ 162.(1/330)
607- وحدثنا أحمد، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا الحسن، قال عبدان، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت الأمة، وإذا فسدا فسدت الأمة: السلطان والعلماء"1.
قال أبو عمر: ههنا والله أعلم. قال الفضيل: لو أن لي دعوة مجابة لجعلتها في الإمام2.
608- أنشدني أحمد بن عمر بن عبد الله لنفسه في قصيدة له:
نسأل الله صلاحًا للولاة الرؤساء
فصلاح الدين والد نيا صلاح الأمراء
فيهم يلتئم الشمـ ـل على بعد الثناء
وبهم قامت حدود اللـ ـه في أهل العداء
وهم المغنون عنا في مواطين العناء
وذهاب العلم عنا في ذهاب العلماء
فهم أركان دين الله في الأرض الفضاء
فجزاهم ربهم عنا بمحمود الجزاء
- وفي سماع أشهب، قال مالك: قال عمر بن الخطاب: اعلموا أنه لا يزال الناس مستقيمين ما استقامت لهم أئمتهم وهداتهم.
- ومن حديث إسماعيل بن سميع، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "العلماء أمناء الرسول على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان: يعني: في الظلم، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم" ذكره أبو جعفر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه في الحلية 8/ 91-92 ضمن قصة طويلة.(1/331)
العقيلي1.
- قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن سعدويه المروزي، قال: حدثنا علي بن الحسن المرزوي، قال: حدثنا إبراهيم بن رستم، قال: حدثنا حفص الأبري، عن إسماعيل بن سميع، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم... فذكره.
قال أبو جعفر: حفص هذا كوفي حديثه غير محفوظ.
- وقال قتادة: العلماء كالملح، إذا فسد الشيء صلح بالملح، وإذا فسد الملح لم يصلح بشيء.
- وقيل للأعمش: يا أبا محمد، قد أحييت العلم بكثرة من يأخذه عنك.
فقال: لا تعجبوا فإن ثلثًا منهم يموتون قبل أن يدركوا، وثلثًا يلزمون السلطان فهو شر من الموتى، ومن الثلث الثالث قليل من يفلح2.
- وقال: شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء.
- وقال محمد بن سحنون: كان لبعض أهل العلم أخ يأتي القاضي والوالي باليل يسلم عليهما فبلغه ذلك فكتب إليه: أما بعد فإن الذي يراك بالليل يراك بالنهار وهذا آخر كتاب أكتب به إليك.
قال محمد: فقرأته على سحنون فأعجبه، وقال: ما أسمجه بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيه فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير.
- وقال سحنون: إذا أتى الرجل مجلس القاضي ثلاثة أيام بلا حاجة فينبغي أن لا تقبل شهادته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه القضاعي "115" 1/ 100 بأوله، والديلمي "4210" 3/ 75 "العلمية"، وابن الجوزي في الموضوعات، وانظر الميزان 8/ 84، وكشف الخفاء 2/ 84. وفيه حفص الأبري: قال أبو حاتم: كان شيخًا كذابًا. وانظر المجروحين 1/ 258.
2 رواه الخطيب في الجامع "96" 1/ 170-171.(1/332)
قال أبو عمر: معنى هذا الباب كله في السلطان الجائر الفاسق، فأما العدل منهم الفاضل فمداخلته ورؤيته وعونه على الصلاح من أفضل أعمال البر، ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز إنما كان يصحبه جلة العلماء مثل: عروة بن الزبير وطبقته، وابن شهاب وطبقته، وقد كان ابن شهاب يدخل إلى السلطان عبد الملك وبنيه بعده، وكان ممن يدخل إلى السلطان الشعبي، وقبيصة، وابن ذؤيب، ورجاء بن حيوة الكندي، وأبو المقدام، وكان فاضلًا عالمًا، والحسن، وأبو الزناد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي وجماعة يطول ذكرهم.
وإذا حضر العالم عند السلطان غبا فيما فيه الحاجة وقال خيرًا، ونطق بعلم كان حسنًا، وكان في ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه، ولكنها مجالس الفتنة فيها أغلب والسلامة منها ترك ما فيها. وحسبك ما تقدم في هذا الباب من قوله, صلى الله عليه وسلم: "من أنكر فقد برئ، ولكن من رضي وتابع فأبعده الله عز وجل"1.
- وذكر الزبير بن بكار، قال: حدثني يحيى بن عبد الملك الهديري، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن أبيه، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، قال: العلم لواحد من ثلاثة: لذي حسب يزينه به، أو لذي دين يسوس به دينه، أو لمن يختلط بالسلطان يدخل إليه بتحفة بعلمه وينفعه به.
قال: ولا أعلم أحدًا جمع هذه الخلال إلا عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز، فكلاهما جمع الحسب والدين ومخالطة السلطان.
- وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام عدل...." فبدأ به.
- وقال: "المقسطون على منابر من نور يوم القيامة".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق قريبًا.(1/333)
- وقال: "الإمام العادل لا ترد دعوته" ومثل هذا كثير.
- وروى محمد بن خالد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: أن أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم للطلب.
فهذا ومثله سيرة الإمام العدل وبالله التوفيق.
- وذكر ابن أبي حاتم الرازي قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد المتعالي بن صالح من أصحاب مالك، قال: قيل لمالك: إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون، فقال: يرحمك الله فأين الكلام بالحق؟!!
- قال: وحدثني أبي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا الحسين بن علي، قال: لما حج هارون وقدم المدينة بعث إلى مالك بكيس فيه خمسمائة دينار، فلما قضى نسكه وانصرف وقدم المدينة بعث إلى مالك أن أمير المؤمنين يحب أن تنتقل معه إلى مدينة السلام، فقال للرسول: قل له: إن الكيس بخاتمه.
وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون".
50- باب: ذم الفاجر من العلماء وذم طلب العلم للمباهاة والدنيا
609- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، وأحمد بن قاسم، وأحمد بن محمد، قالوا: حدثنا وهب بن مسرة، قال: حدثنا محمد بن وضاح: ح.
وحدثنا يعيش بن سعيد الوراق قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم: قالا جميعًا: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "254"، وابن حبان "77" 1/ 278-279، وتمام في فوائده "111" 1/ 173، والحاكم 1/ 86، وابن عدي في الكامل 7/ 216، والبيهقي في الشعب "1635"، وفي =(1/334)
...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المدخل "480" ص312، والآجري في أخلاق العلماء "126" ص70، والخطيب في الجامع "24" 1/ 128، وفي الفقيه والمتفقه 2/ 88.
وفي الباب عن:
1- أم سلمة: رواه الطبراني في الكبير "619" 23/ 284، والأزدي في أوهام الحاكم 1/ 61، وتمام في الفوائد "110" 1/ 172 "الروض"، وفي سنده: عبد الخالق بن زيد: منكر الحديث, وعبد الملك بن مروان: قال الذهبي: أنى له العدالة وقد سفك الدماء وفعل الأفاعيل؟!!! وانظر مجمع الزوائد 1/ 184.
2- كعب بن مالك: رواه الترمذي "2654" 5/ 32، وابن عدي في الكامل 1/ 333، والآجري في أخلاق العلماء "127" ص70-71، والخطيب في الجامع "125" 1/ 128-129، والعقيلي في الضعفاء 1/ 104، والحاكم 1/ 86، وابن حبان في المجروحين 1/ 133-134. والبيهقي في الشعب، وابن الجوزي في العلل "86" 1/ 81، وفي سنده: إسحاق بن يحيى: ضعيف.
3- عبد الله بن عمر: رواه ابن ماجه "253"، وفي سنده: حماد بن عبد الرحمن ضعيف. وأبو بكر: مجهول.
ورواه النسائي كما في التحفة 5/ 342، والترمذي "2655"، وابن ماجه "258" من طريق خالد بن دريك, عن ابن عمر, ولم يدركه.
4- أنس: رواه العقيلي في الضعفاء 2/ 130، والبزار "178"، والطبراني في الأوسط "5708" 6/ 22، والحاكم 1/ 81-86، والضياء في المختارة "2480-2481" 7/ 72-73، وبحشل في تاريخ واسط 1/ 129، والإسماعيلي في معجمه "135" 1/ 486، والخطيب في اقتضاء العلم العمل "101" ص65، وفي الرحلة ص36، وانظر مجمع الزوائد 1/ 183.
5- حذيفة: رواه ابن ماجه "259"، وابن قانع في معجم الصحابة 1/ 191، والخطيب في الاقتضاء "100" ص64, وفي الجامع 22-23" 1/ 127، من طرق عن حذيفة, وانظر مجمع الزوائد 1/ 184.
6- بهز بن حكيم، عن أبيه: رواه الخطيب في الجامع "26" 1/ 129، وفي سنده: حوشب بن عبد الكريم: أتى بخبر باطل عن عبد الله بن واقد الهروي، كما في الميزان 1/ 622.
7- أبو هريرة: رواه أبو داود "3664" 3/ 323، وابن ماجه "252"، وأحمد 2/ 338، وابن حبان "78" 1/ 279-280، والحاكم 1/ 85، وابن أبي شيبة "26127" 5/ 285، والبيهقي في المدخل "477-478" ص311، والآجري في أخلاق العلماء "137" ص75، والخطيب في الجامع "18" 1/ 125، وفي الاقتضاء "102" ص65-66، وفي الفقيه والمتفقه 2/ 88-89، وفي تاريخ بغداد 5/ 346-347 و8/ 78، والقاضي عياض في الإلماع ص55.
8- عبد الله بن عمرو: رواه الخطيب في الجامع "17" 1/ 124-125.(1/335)
وهذا الوعيد لمن لم يرد بعلمه شيئًا من الخير، والله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
610- قرأت على سعيد بن نصر، أن قاسمًا حدثهم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير، عن معاوية النصري -وكان ثقة- عن نهشل، عن الضحاك بن مزاحم، عن الأسود، قال: قال عبد الله بن مسعود: لو أن أهل العلم صانوا علمهم ووضعوه عند أهله لسادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا على أهلها. سمعت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من جعل الهموم همًّا واحدًا كفاه الله هم آخرته، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها وقع"1.
611- حدثني أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا زائدة بن قدامة -وكان من خيار الناس- قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، قال: حدثني رجل من أهل العراق أنهم مروا على أبي ذر فسألوه يحدثهم، فقال لهم: تعلمن أن هذه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "257" بطوله و"4106" بالمرفوع, وابن أبي شيبة "34313" 7/ 76، والبزار في مسنده "1638" 5/ 68-69، والآجري في أخلاق العلماء "138" ص75-76، وأحمد في الزهد "274" ص138، والشاشي في مسنده "317" 1/ 338، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ص29، وأبو نعيم في الحلية 2/ 105، والبيهقي في المدخل "559" ص339-340، وفي الشعب "1888" 2/ 306-307، وابن أبي عاصم في الزهد ص22، والدارقطني في العلل 5/ 42-43, وفي سنده نهشل بن سعيد: متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه، انظر التقريب 2/ 307، والمغني 702، والكاشف 3/ 185، والتهذيب 10/ 479، وكذا أعله ابن أبي حاتم في العلل 2/ 122-123، وانظر العلل للدارقطني 5/ 41-43.(1/336)
الأحاديث التي يبتغي بها وجه الله تعالى لا يتعلمها أحد يريد بها عرض الدنيا -أو قال: لا يريد بها إلا عرض الدنيا- فيجد عرف الجنة أبدًا1.
قال عبد الله بن المبارك: عرفها ريحها.
612- وبإسناده عن ابن المبارك، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن سيار، عن عائذ الله، قال: من يبتغي العلم -أو قال: الأحاديث- ليحدث بها لم يجد ريح الجنة.
- وذكره أبو بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن التيمي، عن سيار عن عائذ الله، قال: الذي يبتغي الأحاديث ليحدث بها لا يجد ريح الجنة2.
قال أبو عمر: عائذ الله هو أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله.
613- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، أن أباه حدثه، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن برد، عن مكحول، قال: من طلب الحديث ليماري به السفهاء، أو ليباهي به العلماء، أو ليصرف به وجوه الناس فهو في النار3.
614- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا مقدام بن داود بن عيسى بن تليد، قال: حدثنا علي بن معبد: ح.
وحدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا سحنون: قالا: حدثنا ابن وهب، عن عبد الله بن عياش، عن يزيد بن قودر، قال: يوشك أن ترى رجالًا يطلبون العلم فيتغايرون عليه كما يتغاير الفساق على المرأة هو حظهم منه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن المبارك في الزهد "44" ص15.
2 رواه ابن المبارك في الزهد "45" ص15، وابن أبي شيبة برقم "26125" 5/ 285.
3 رواه الدارمي "373" 1/ 116 عن مكحول قوله, ورواه "374" 1/ 116 عن مكحول مرسلًا. وعبد الله في زوائد الزهد ص264، وابن أبي شيبة برقم "26126" 5/ 285.(1/337)
615- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو الفضل صالح بن عبيد، قال: حدثنا سعيد بن عامر الضبعي -سيد أهل البصرة غير مدافع- عن صالح بن رستم أبي عامر الخزاز، عن أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة: إذا أحدث الله لك علمًا فأحدث له عبادة ولا يكن همك أن تحدث به1.
616- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: كيف أنتم إذا لبستم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم الكبير وتتخذ سنة مبتدعة يجري عليها الناس، فإذا غير منها شيء قيل: قد غيرت السنة.
قيل: متى ذاك يا أبا عبد الرحمن؟
قال: إذا كثر قراؤكم، وقل فقهاؤكم، وكنز أمراؤكم، وقل أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير العمل2.
617- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن عمر، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: بلغنا عن ابن عباس أنه قال: لو أن حملة العلم أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله وملائكته والصالحون ولها بهم الناس، ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي في المعرفة 2/ 66، والخطيب في الاقتضاء "37-38" ص34-35، والبيهقي في المدخل "527" ص329.
2 رواه الدارمي "185-186" 1/ 75-76، وعبد الرزاق "20742"، وابن وضاح في البدع "85" ص187-188، والخطابي في العزلة ص111، وابن حزم في الإحكام 7/ 881، والحاكم 4/ 541، وابن بطة في الإبانة "758" 2/ 594، والبيهقي في المدخل "858" ص453.(1/338)
على الناس1.
- وذكر عمر بن شبة قال: حدثنا حماد بن واقد، قال: حدثنا أبو حازم، قال: قدم هشام بن عبد الملك المدينة فاجتمع إليه فقهاء الناس وإلى جنبي الزهري، فقال لي الزهري: يا أبا حازم ألا تحدث الناس بعض أحاديثك؟
فقلت: بلى, كان الناس الفقهاء مرة يستغنون بعلمهم عن أهل الدنيا ويقضون في علمهم ما لا يقضي أهل الدنيا في دنياهم، فكان أهل الدنيا يقربونهم ويعظمونهم على ذلك، فأصبح العلماء اليوم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في دنياهم، فلما رأى أهل الدنيا موضع العلم عند أهله زهدوا فيه وازدادوا رغبة في دنياهم.
- كان يقال: أشرف العلماء من هرب بدينه عن الدنيا واستصعب قياده على الهوى.
618- حدثنا أحمد بن محمد بن هشام، قال: حدثنا علي بن عمر بن موسى، قال: حدثنا الحسن بن عبد الله أبو أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن المغيرة المخزومي، قال: حدثني أخي، عن أبيه، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أنزل الله في بعض الكتب, أو أوحى إلى بعض الأنبياء: قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون للناس مسوك الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب، وألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، إياي يخادعون وبي يستهزءون، لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيرانًا"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى نحوه الآجري في أخلاق العلماء "139" ص76-77، وأبو نعيم في الحلية 2/ 29-30، عن وهب قوله, ورواه البيهقي في المدخل "548" ص336-337 عن ابن عيينة نحوه.
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 162، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "9" ص48-49، وابن النجار في الذيل على تاريخ بغداد 2/ 37, وسنده ضعيف جدًّا, فيه: عثمان بن عبد الرحمن: كان يكذب. انظر الجرح والتعديل 6/ 157، والتهذيب 7/ 133-134.(1/339)
619- حدثنا أحمد بن قاسم، وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا يحيى بن عبيد الله، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله, عز وجل: أبي يغترون أم علي يجترءون؟ فبي حلفت: لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم منهم حيرانًا"1.
620- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، أنه بلغه عن كعب، قال: إني أجد في بعض الكتب نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، يلبسون جلود الضأن، وقلوبهم أمر من الصبر، فبي يغترون وإياي يخادعون فبي حلفت: لأتيحن لهم فتنة تترك الحليم حيرانًا2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2404" 4/ 604، وابن المبارك في الزهد "50" ص17، وهناد في الزهد "860" 12/ 437، والبغوي في شرح السنة "4199" 14/ 394، وسنده ضعيف جدًّا، فيه: يحيى بن عبيد الله: متروك الحديث. انظر الجرح والتعديل 9/ 167-168, والتهذيب 11/ 252-254.
2 رواه الدارمي "299" 1/ 102.
وفي الباب عن:
1- محمد بن كعب القرظي: رواه الطبري في تفسيره "3967" 2/ 325، وسعيد بن منصور "361" 3/ 830-831 "التفسير"، وابن أبي حاتم في تفسيره "1912" 2/ 364، والبيهقي في الشعب "6956" 5/ 362، وسنده ضعيف، فيه أبو معشر: نجيح بن عبد الرحمن: ضعيف.
2- نوف البكالي: رواه الطبري في تفسيره "3968" 2/ 325-326، وسنده صحيح إلى نوف البكالي.
3- ابن عمر: رواه الترمذي في كتاب الزهد "2405" 4/ 604-605، والطبراني في الأوسط "8931" 8/ 379 "المصرية" والديلمي "4473" 3/ 75 "العلمية"، و"8919" 5/ 510، وسنده ضعيف، فيه:
حمزة المدني: ضعيف، انظر التهذيب 3/ 32-33، والجرح والتعديل 3/ 215، وانظر تفسير ابن كثير 1/ 246.
4- أبي عبيدة مرسلًا: رواه سعيد بن منصور "362" 3/ 837 "التكملة"، وفيه ليث بن أبي سليم.
5- وهب بن منبه قوله: رواه ابن أبي شيبة "35624" 7/ 235، والآجري في أخلاق العلماء "134" ص73-74، وابن المبارك في الزهد "470"، وأبو نعيم في الحلية 4/ 38-39، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "120" ص78-79.(1/340)
621- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم، قال: حدثنا أبو سفيان ثابت بن نعيم، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: مكتوب عندهم في الكتاب الأول: ابن آدم علم مجانًا كما علمت مجانًا"1.
قال أبو عمر: معناه عندهم كما لم تغرم ثمنًا فلا تأخذ ثمنًا والمجان عندهم: الذي لا يأخذ لعلمه ثمنًا.
622- حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن منير بمصر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البردي، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة", يعني: ريحها2.
623- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: حدثنا سعيد بن منصور الخرساني بمكة، قال: حدثنا فليح بن سليمان...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو خيثمة في العلم "68" ص19.
2 سبق قريبًا، وما له من شواهد.(1/341)
فذكره بإسناده سواء1.
624- حدثنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم، حدثنا ابن وضاح:
ح وحدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن بكر، حدثنا أبو داود: قالا: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا سريج بن النعمان، قال: حدثنا فليح... فذكره بإسناده حرفًا بحرف.
- وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي سليمان الخزاعي، عن أبي طوالة بإسناده مثله.
625- حدثناه عبد الرحمن، حدثنا علي، حدثنا أحمد، حدثنا سحنون، عن ابن وهب... فذكره2.
626- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا ابن السكن، قال: أخبرنا هارون بن عيسى، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الصاغاني، قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير، قال: سمعت حسن بن صالح، يقول: إنك لا تفقه حتى لا تبالي في يدي من كانت الدنيا.
627- وحدثنا عبد الوارث، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا مقدام، قال: حدثنا علي بن معبد، قال: حدثنا عبد الغفار بن الحسن الضبي، عن عبد الله بن أبي صالح، قال: قال عيسى: يا معشر القراء والعلماء كيف تضلون بعد علمكم، أو تعمون بعد بصركم، من أجل دنيا دنية وشهوة ردية، فلكم الويل عليها ولها الويل منكم.
628- وأخبرنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم، قال: أخبرنا ابن الزراد:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 انظر التعليق السابق.(1/342)
ح وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، أخبرنا ابن أبي دليم قالا: أخبرنا بن وضاح قال: أخبرنا زهير بن عباد، قال: أخبرنا ابن المغيرة، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشهوة الخفية.
فقال: "هو الرجل يتعلم العلم يجب أن يجلس إليه"1.
629- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد الجمحي، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا علي بن الجعد، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام، عن الحسن، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "العلم علمان: علم في القلب فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان فذلك حجة الله -عز وجل- على ابن آدم"2.
ورواه يوسف بن عطية، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس مرفوعًا3.
630- حدثنا سلمة بن سعيد، وعلي بن إبراهيم، قالا: أخبرنا الحسن بن رشيق، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حماد، قال: أخبرنا نصر بن علي، قال: أخبرنا أبو داود، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: إنما يطلب الحديث ليتقى به الله -عز وجل- فلذلك فضل على غيره من العلوم، ولولا ذلك كان كسائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 معضل ضعيف. انظر فيض القدير 1/ 188-189، وانظر ما سيأتي برقم "651" عن شداد.
2 رواه الدارمي "365" 1/ 114، وابن أبي شيبة في المصنف "34361" 7/ 82، والديلمي "4019" 3/ 98، وأبو الشيخ والحكيم، كما في فيض القدير 4/ 391، والمروزي في زوائد الزهد "1161" ص407، عن الحسن مرسلًا، وقد اختلف في سنده:
أ- فروي عن الحسن مرسلًا.
ب- وروي عن الحسن قوله: عند الدارمي "364" 1/ 114.
جـ- وروي عن الحسن، عن أنس، رواه أبو نعيم، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين 4/ 101, وابن الجوزي في العلل "89" 1/ 83, والديلمي "4018" 3/ 97, وفي سنده: أبو الصلت الهروي. انظر العلل المتناهية 1/ 83.
3 انظر التعليق السابق.(1/343)
الأشياء1.
631- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري، قال: أخبرنا سليمان بن عبد الجبار، قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: سمعت حماد بن سلمة، يقول: من طلب الحديث لغير الله مكر به2.
632- أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا عثمان بن السماك، قال: أخبرنا إسحاق بن يعقوب العطار، قال: سمعت يحيى بن أيوب:
ح وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثني أحمد بن زهير، قال: حدثنا يحيى بن أيوب, قال: سمعت ابن السماك، قال: قال مسعر: من أراد الحديث للناس فليجتهد، فإن بلاءهم شديد، ومن أراده لنفسه فقد اكتفى.
وكان شعبة حاضرًا فقال: هذا والله ينبغي أن يكتب3.
633- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: أخبرنا أحمد بن صالح، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن عبيد الله المنادي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا قبيصة.
قال ابن المنادي: وحدثنا الصاغاني، قال: حدثنا علي بن قادم, قالا: أخبرنا سفيان، عن ليث، قال: قال لي طاوس: ما تعلمت فتعلمه لنفسك، فإن الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس4.
- وروى جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عمرو العقيمي، عن إبراهيم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 362.
2 رواه الخطيب في الجامع "20" 1/ 126، وأبو نعيم في الحلية 6/ 251، وانظر فتح المغيث 2/ 312، وتذكرة الحفاظ 1/ 203، والميزان 2/ 364، وتهذيب الكمال 7/ 266، وتدريب الراوي 2/ 141.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 7/ 216.
4 رواه الدارمي "540" 1/ 145، وأبو نعيم في الحلية 4/ 11، وقد سبق برقم "513" فانظره.(1/344)
التيمي، قال: من طلب العلم لله -عز وجل- آتاه الله منه ما يكفيه.
634- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن صالح بن عمر المقرئ، حدثنا أحمد بن جعفر بن عبيد الله المنادي، حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرئ، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم العبدي، قال: حدثني بعض أصحابنا -واسمه: محمد بن إبراهيم- قال: قال سفيان الثوري: زينوا العلم ولا تزينوا به1.
635- وحدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن المنادي، حدثنا جعفر الدوري، عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني محمد بن عبيد الطنافسي، قال: بلغني أن سفيان الثوري، قال: زينوا الحديث بأنفسكم، ولا تزينوا بالحديث2.
636- وبه عن ابن الدورقي، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا عبد الله بن داود، عن أبي إسحاق الفزاري، قال: قال سفيان الثوري: إنما يتعلم العلم ليتقى به الله، وإنما فضل العلم على غيره لأنه يتقى به الله3.
637- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا محمد بن الصلت، قال: سمعت أبا كدينة، يقول: قال سفيان: زين علمك بنفسك ولا تزين نفسك بعلمك4.
638- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن مقاتل، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "44" 1/ 138-139، وأبو نعيم في الحلية 6/ 361، وانظر السير 7/ 244.
2 انظر التعليق السابق.
3 سبق قريبًا "630".
4 انظر ما سبق برقم "636".(1/345)
مفتون1.
- ومن حديث ابن وهب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هلاك أمتي: عالم فاجر وعابد جاهل، وشر الشر أشرار العلماء، وخير الخير خيار العلماء"2.
- وروينا عن الأوزاعي -رحمه الله- قال: شكت النواويس إلى الله -عز وجل- ما تجد من نتن الكفار، فأوحى الله إليها: بطون علماء السوء أنتن مما أنتم فيه.
- وروينا عن فضيل بن عياض وأسد بن الفرات، قالا: بلغنا أن الفسقة من العلماء ومن حملة القرآن يبدأ بهم يوم القيامة قبل عبدة الأوثان.
وقال فضيل بن عياض: لأن من علم ليس كمن لم يعلم3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه نعيم بن حماد في زيادات الزهد "75" ص18، وأحمد في العلل "4501" 3/ 118، والآجري في أخلاق العلماء "131" ص73، وأبو نعيم في الحلية 7/ 36، والبيهقي في المدخل "544" ص335 عن ابن المبارك، قال: كان سفيان الثوري يقول...
2 قال علي القاري: لم يوجد.
انظر الأسرار المرفوعة ص364، وكشف الخفاء 2/ 442، والمصنوع ص203، والفوائد المجموعة ص288، واللؤلؤ المرصوع ص213، وتحذير المسلمين ص183، وروى شطره الثاني الدارمي "370" 1/ 116، وهو مرسل، وسنده واه. انظر تخريج المشكاة 1/ 89، وروى ابن عدي في الكامل 2/ 446، وابن عساكر في تاريخ دمشق 10/ 29، وفي جزء ذم من لا يعمل بعلمه "3" ص28-30. وذكره الذهبي في الميزان 1/ 311-313، عن أبي أمامة مرفوعًا: "رب عابد جاهل، ورب عالم فاجر، فاحذروا الجهال من العباد، والفجار من العلماء، فإن أولئك فتنة الفتناء". وفي سنده: بشر بن إبراهيم: وضاع. وانظر الميزان 1/ 311-313. ورواه ابن عدي 6/ 2433 من طريق عمر بن موسى، عن خالد بن معدان به. وعمر: متروك الحديث. ذاهب الحديث، كان يضع الحديث. انظر الجرح 3/ 133، والميزان 3/ 244. ورواه الحاكم 4/ 315 عن أنس مرفوعًا: "يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق".
وفي سنده: يوسف بن عطية: متروك، انظر الميزان 4/ 468-470، التهذيب 11/ 419.
3 رواه القرطبي في كتابه التذكار ص217-218، والخطيب في الاقتضاء "113" ص74-75، بسنده إلى بكر بن خنيس, ضمن حديث طويل, وهو مع ضعفه معضل.(1/346)
- وقال الحسن: عقوبة العالم موت القلب.
قيل له: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة1.
639- وأنشدني محمد بن إبراهيم بن مصعب، لأحمد بن بشر، في شعر له:
أحسن شيء قيل في عالم: ما أصدق المرء وما أورعه
وشر ما عيب به أن يرى عبدًا من الدنيا لما أطعمه
- وقال بعض الصالحين: اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع.
640- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا الحسن بن روح، قال: أنشدني عبيد الله لابن المبارك:
يا طالب العلم بادر الورعا وهاجر النوم واهجر الشبعا
يا أيها الناس أنتم عشب يحصده الموت كلما طلعا
لا يحصد المرء عند فاقته إلا الذي في حياته زرعا2
- وقال الحسن: من أفرط في حب الدنيا ذهب خوف الآخر من قلبه، ومن ازداد علمًا ثم ازداد على الدنيا حرصًا لم يزدد من الله إلا بغضًا، ولم يزدد من الدنيا إلا بعدًا3.
وقد روي مثل هذا من قول الحسن مرفوعًا، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن معين في معرفة الرجال "142" 2/ 70، والبيهقي في الشعب 2/ 296، وفي المدخل "503" ص322، وابن أبي عاصم في الزهد ص265، وابن المبارك في الزهد "1514" ص532.
2 انظر روضة العقلاء ص22.
3 رواه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "79" ص34، ورواه الدارمي بشطره الثاني "2386" 1/ 119 عن سفيان قوله و"387" 1/ 119 عن حسان بن عطية.(1/347)
- وروي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "مَن طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار"1.
- وعنه, صلى الله عليه وسلم: "أنه سئل عن شر الناس, فقال: العلماء إذا فسدوا"2.
وهذه الأحاديث -وإن لم يكن لها أسانيد قوية- فإنها قد جاءت كما ترى والقول عندي فيها كما قال ابن عمر في نحو هذا: عش ولا تغتر3.
- وقال جعفر بن محمد: إذا رأيتم العالم محبًّا لدنياه فاتهموه على دينكم، فإن كل محب لشيء يحوط ما أحب.
- وروي أن الله -عز وجل- أوحى إلى داود: يا داود لا تجعل بيني وبينك عالمًا مفتونًا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قطاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة المناجاة من قلوبهم4.
641- حدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون لهم: ما أدخلكم النار, وإنما أدخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ قالوا: إنا كنا نأمركم بالخير ولا نفعله5.
642- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا مقدام، حدثنا علي بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق, انظر "611".
2 انظر ما سبق قريبًا 1/ 192 عقيب "640".
3 رواه عبد الرزاق في المصنف "20553" 11/ 285، وابن المبارك في الزهد "922-923" ص324-325، وأبو نعيم في الحلية 1/ 311، ضمن قصة.
4 رواه البيهقي في المدخل "545" ص335.
5 رواه ابن المبارك في الزهد "64" ص21، وأبو نعيم في الحلية 4/ 312, وأحمد في الزهد "442"، وقد روي من حديث إسماعيل، عن الشعبي، عن الوليد بن عقبة مرفوعًا, انظر ما بعده.(1/348)
معبد، حدثنا يزيد بن عمير التيمي، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أبي هريرة، قال: إن في جهنم أرحاء تدور بعلماء السوء، فيشرف عليهم بعض من كان يعرفهم في الدنيا فيقول: ما صيركم في هذا وإنما كنا نتعلم منكم؟
قالوا: إنا كنا نأمركم بالأمر ونخالفكم إلى غيره1.
قال أبو عمر: قد ذم الله في كتابه قومًا كانوا يأمرون الناس بأعمال البر ولا يعملون بها ذمًّا وبخهم الله بها توبيخًا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
- قال أبو العتاهية:
وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثناياك تسطع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الديلمي في الفردوس "844" 1/ 271، وفي الباب عن:
1- أنس: رواه ابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "12" ص49-50، وابن عدي في الكامل 3/ 1262، وابن عساكر في تاريخ دمشق 10/ 356.
وفي سنده: سويد بن عبد العزيز: متروك. انظر التقريب 1/ 340، والميزان 2/ 251-252.
2- ابن عمر: رواه ابن عساكر، كما في الكنز 10/ 29101، وفي سنده: إبراهيم بن عبد الله بن هام: كذاب، كما قال المتقي الهندي.
3- جابر: رواه ابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "13" ص50-52، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "72" ص50.
وفي سنده: محمد بن القاسم, وضاع. انظر اللسان 5/ 344-346.
4- الوليد بن عقبة: رواه الطبراني في الكبير "450" 22/ 150، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "73" ص50-51. وفي سنده: عبد الله بن حكيم الداهري: ضعيف جدًّا, انظر مجمع الزوائد 1/ 185. ويغني عن كل هذه الأحاديث الضعيفة جدًّا، ما رواه عن:
5- أسامة بن زيد: البخاري "3267-7098"، ومسلم "2989" 4/ 2290-2291، وأحمد 5/ 205-206-207-209، والخطيب في الاقتضاء "74" ص51-52.
6- ابن مسعود: رواه الديلمي "1652" 1/ 409 "العلمية".
7- قتادة: رواه أبو نعيم في الحلية 2/ 340، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة 3/ 359.(1/349)
- وقال سلم بن عمرو المعروف بالجاسر:
ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقًا أضحى وأمسى بيته المسجد
إن يرفض الدنيا فما باله يستمنح الناس ويسترفد
الرزق مقسوم على من ترى يسعى به الأبيض والأسود
- وقال أبو العتاهية1:
يا واعظ الناس قد أصبحت متهمًا إذ عبت منهم أمورًا أنت تأتيتها
كلبس الثوب من عري وخزيته للناس بادية ما إن يوليها
وأعظم الذنب بعد الترك فعله في كل نفس عماها عن ماويها
عرفناها بعيوب الناس تبصرها منهم ولا تبصر العيب الذي فيها
وقد ذكرنا الأبيات في باب "قول العلماء بعضهم في بعض" من هذا الديوان.
643- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمد بن الحسن الأنصاري، قال: أخبرنا الزبير بن أبي بكر القاضي، قال: أخبرنا الحسين بن الحسن المروزي، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن عروة بن الزبير، قال: أشكو إلى الله عيبي ما لا أترك، ونعتي ما لا آتي.
وقال: إنما يبكي بالدين للدنيا2.
قال: وقد قال عبد الله بن عروة شعرًا يشبه هذا الحديث، فقال:
يبكون بالدين للدنيا وبهجتها أرباب دين عليها كلهم صادي
لا يعلمون لشيء من معادهم تعجلوا حظهم في العاجل البادي
لا يهتدون ولا يهدون تابعهم ضل المقود وضل القائد الهادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ديوانه ص419.
2 رواه ابن المبارك في الزهد "193" ص64.(1/350)
- وقال:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا نصحًا وأنت من الرشاد عديم
- ولأبي العتاهية1:
يا ذا الذي يقرأ في كتبه ما أمر الله ولا يعمل
قد بين الرحمن مقت الذي يأمر بالحق ولا يفعل
من كان لا تشبه أفعاله أقواله فصمته أجمل
من عذل الناس فنفي بما قد قارفت من ذنبها أعذل
إن الذي ينهى ويأتي الذي عنه نهى في الحكم لا يعدل
وراكب الذنب على جهله أعذر ممن كان لا يجهل
لا تخلطن ما يقبل الله من فعل بقول منك لا يقبل
- وروى عبد الله بن المبارك، عن عوف، عن أبي المنهال، قال: حدثني صفوان بن محرر، سمع جندب بن عبد الله البجلي، يقول في حديث ذكره: إن مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه كالمصباح يحرق نفسه ويضيء لغيره2.
- قال أبو عمر: أخذه بعض الحكماء، فقال:
وبخت غيرك بالعمى فأفدته بصرًا وأنت محسن لعماكا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ديوانه ص286-287.
2 رواه الطبراني في معجمه الكبير "1681" 2/ 165-166 و"1685" 2/ 167، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "70" ص49، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "9" ص41-44, وأبو الشيخ في الأمثال "276" ص181-182، والديلمي "4037" 3/ 102.
وفي الباب:
1- عن أبي برزة: رواه الخطيب في اقتضاء العلم والعمل "71" ص49-50، والطبراني في الكبير، كما في المجمع 1/ 184. وفي سنده: محمد بن جابر السحيمي: ضعيف.
2- وسليك الغطفاني: رواه ابن قانع في معجم الصحابة "395" 1/ 321-322. وفي سنده أبو داود النخعي، سليمان بن عمرو: كذاب، انظر اللسان 3/ 97-99.(1/351)
كفتيلة المصباح تحرق نفسها وتنير موقدها وأنت كذاكا
- وقد أخذه في غير هذا المعنى عباس بن الأحنف، فقال:
صرت كأني ذبالة نصبت تضيء للناس وهي تحترق
- ولقد أحسن أبو الأسود الدؤلي في قوله, ويروى للعرزمي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تعذر إن وعظت ويقتدى بالقول منك ويقبل التعليم
- ولأبي العتاهية:
إذا عبت أمرًا فلا تأته وذو اللب مجتنب ما يعيب
- وقال محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله:
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئًا وأتى مثله فإنما يزرى على عقله
أنشدها الزبير.
- وقال منصور الفقيه:
إن قومًا يأمرونا بالذي لا يفعلونا
لمجانين وإن هم لم يكونوا يصرعونا
- وقال غيره:
إذا أنت لم تعرف لذي السن فضله عليك، فلا تنكر عقوق الأصاغر
- وروي عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله, عز وجل: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُون} [الشعراء: 94] قال: قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره.
644- أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى،(1/352)
قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن، عن القاسم المسعودي، قال: قال ابن مسعود: إني لأحسب أن الرجل ينسى العلم قد علمه, بالذنب يعمله1.
- يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى بالعلم منك وينفع التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنا كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تلقح بالرشاد عقولنا نصحًا وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
- ولي من قصيدة أولها:
نطق الكتاب بفصل حكم باهر أن التقي مباين للفاجر
لم يجعل الأبرار كالفجار لا ما الرجس في التمثيل مثل الطاهر
ومتى أمرت بما تخالف فعله فاعلم بأنك حزت صفقة خاسر
وإذا جهلت الفرق بين جلي ما يتلى به أبدًا وبين الداثر
فاعمد إلى حبر له زهد فخذ بمقاله واعدده خير موازر
واهرب عن المستأكلين بدينهم والجائرين فبئس مثوى الجائر
والزهد في الدنيا يلقن حكمه أكرم به من ذي اقتدار صابر
إلي نفاس بعالم متنزه ذي رغبة وفم -فديتك- فاغر
وأدل برهان على جهل الفتى جمع الحرام ورغبة في الحاشر
645- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي برقم "376" 1/ 117، والخطيب في الجامع برقم "185" 2/ 388، وفي الاقتضاء "96" ص61، ووكيع في الزهد "269"، وأحمد في الزهد ص156، وابن المبارك في الزهد ص28، وأبو خيثمة في العلم "132" ص140، وأبو نعيم في الحلية 1/ 131، والبيهقي في المدخل "487" ص315.(1/353)
راشد بن سعد, عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله, عز وجل"1, يريد: العالم الفاضل، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير "7497" 8/ 121، وفي مسند الشاميين "2042"، وأبو نعيم في الحلية 6/ 118، وفي الأربعين على مذاهب الصوفية "54" ص104، والبيهقي في الزهد برقم "359" ص78، والخطيب في تاريخه 5/ 99، والقضاعي في مسند الشهاب برقم "663" 1/ 387-388، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 146-147.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
عبد الله بن صالح: صدوق, كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. انظر تهذيب الكمال 15/ 98-109، وتهذيب التهذيب 5/ 156-281، والتقريب 2/ 423، وراشد بن سعد: ثقة كثير الإرسال، ولكن العلماء لم ينصوا على أنه أرسل عن أبي أمامة. انظر جامع التحصيل ص174، والمراسيل ص59, وتهذيب التهذيب 3/ 225-226.
وانظر مجمع الزوائد 10/ 268.
قلت: في الباب عن:
1- أبي سعيد الخدري: رواه الترمذي برقم "3127" 5/ 298، والبخاري في التاريخ الكبير 4/ 2/ 354، والعقيلي في الضعفاء 4/ 129، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين 3/ 418-419، وفي الأمثال "127" ص78، وأبو زرعة ص733-735، وابن جرير في تفسيره 14/ 46, والسلمي في الأربعين "35" ص133-135، وأبو نعيم في الحلية 10/ 281-282، والخطيب في تاريخه 3/ 191, و7/ 241-242, وابن جميع في معجمه ص233، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 146.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1- عطية العوفي: صدوق يخطئ كثيرًا، كان شيعيًّا مدلسًا، انظر التقريب 2/ 24، والكاشف 2/ 235، وطبقات المدلسين ص130.
2- وقع في سنده اختلاف على عمرو بن قيس:
أ- فرواه مصعب بن سلام، ومحمد بن كثير: عن عمرو، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعًا. ومصعب: صدوق له أوهام، كما في التقريب 2/ 251، وتهذيب الكمال 3/ 3132-3133، وتهذيب التهذيب 10/ 161,
ومحمد بن كثير: ضعيف. انظر التقريب 2/ 203، والتهذيب 9/ 418-419.
ب- وخالفهما سفيان: فرواه عن عمرو، قال: كان يقال: اتقوا فراسة المؤمن... عند العقيلي 4/ 129، والخطيب 3/ 191-192، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 148.
وهذا أولى، فأين هم من سفيان؟ قال العقيلي 4/ 129: "وهذا أولى" أي: رواية سفيان. =(1/354)
..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وقال الخطيب في تاريخه 3/ 191: "والصواب ما رواه سفيان, عن عمرو بن قيس الملائي، قال: كان يقال: اتقوا فراسة المؤمن... وساق الحديث كذلك" اهـ. فالحديث: الصواب فيه الإعضال, والوقف. وانظر الموضوعات لابن الجوزي 3/ 147.
3- وقع فيه اختلاف آخر:
أ- فرواه موسى بن زياد، عن محمد بن كثير، عن سفيان، عن عمرو به: عند الخطيب في تاريخه 3/ 191.
ب- وخالفه موسى بن داود: فرواه عن محمد بن كثير، عن عمرو به بدون ذكر سفيان.
وتابعه الحسن بن عرفة: عند أبي نعيم في الحلية 1/ 281، وكذلك عبد الحميد بن بيان عنده 10/ 282.
وهو المحفوظ، كما قال الخطيب في تاريخه 3/ 191.
2- ثوبان: رواه أبو نعيم في الحلية 4/ 81, وفي الأربعين "55" ص105, وأبو الشيخ في طبقات المحدثين "583" 4/ 419-420، وفي الأمثال "128" ص78، والطبري في تفسيره 14/ 46-47، وابن حبان في المجروحين 3/ 33. وسنده ضعيف جدًّا، فيه:
1- سليمان الخبائري: متروك. انظر الميزان 3/ 209، واللسان 3/ 93- 94.
2- المؤمل بن سعيد الحمصي: قال أبو حاتم: منكر الحديث. انظر المجروحين 3/ 32-33، والميزان 4/ 229، واللسان 6/ 137. ومثل هذا لا يرتقي بغيره لشدة ضعفه.
3- عن ابن عمر: رواه الطبري 14/ 46، وأبو نعيم في الحلية 4/ 94، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 145-146، وسنده ضعيف جدًّا، فيه:
1- فرات بن السائب: قال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. انظر اللسان 4/ 430-431.
2- أحمد بن محمد اليماني: قال أبو حاتم: كان كذابًا. انظر الموضوعات 3/ 147.
4- أبو هريرة: رواه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 147. وسنده ضعيف جدًّا, فيه: سليمان بن أرقم, قال أبو حاتم وأبو داود والترمذي وابن خراش وأبو أحمد الحاكم والدارقطني: متروك الحديث. انظر الموضوعات 3/ 147.
قلت: فيبقى الحديث على ضعفه؛ لعدم وجود شواهد صالحة للتقوية فتقويه, والله تعالى أعلم بالصواب.(1/355)
- وقال أبو العتاهية:
بكى شجوة الإسلام من علمائه مما أكثروا لما رأوا من بكائه
فأكثرهم مستقبح لصواب من يخالفه, مستحسن لخطاياه
فأيهم المرجو فينا لدينه رأيهم الموثوق فينا برأيه
- وقال أبو العتاهية عبد الله بن محمد الناشئ:
أصح مواقع الآراء ما لم يكن مستوصبًا عند الجهول
تم والحمد لله الجزء الأول
من كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله
للإمام العلامة الحافظ المجتهد
أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي
ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني
وأوله "باب ما جاء في مساءلة الله -عز وجل- العلماء" إلخ.(1/356)
فهرس موضوعات الجزء الأول:
- مقدمة التحقيق 5
- توطئة 7
- ترجمة المؤلف 11
1- اسمه - مولده 11
2- نشأته 11
3- نسبه الثلاث 12
4- طلبه للعلم، وشيوخه 12
5- أشهر مصنفاته 13
6- ثناء الأئمة عليه 14
7- وفاته 15
- عملي في تحقيق الكتاب 15
- مقدمة المؤلف 17
- باب "1" قوله, صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 23
- باب "2" تفريع أبواب فضل العلم وأهله 33
- باب "3" ينقطع عمل المرء بعد موته إلا من ثلاث 35
- باب "4" قوله, صلى الله عليه وآله وسلم: "الدال على الخير كفاعله" 38
- باب "5" قوله, صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين" 40
- باب "6" قوله, صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن" 45
- باب "7" قوله, صلى الله عليه وآله وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" 47
- باب "8" تفضيل العلم على العبادة 50(1/357)
- باب "9" قوله, صلى الله عليه وسلم: "العالم والمتعلم شريكان" 66
- باب "10" تفضيل العلماء على الشهداء 74
- باب "11" ذكر حديث صفوان بن عسال في فضل العلم 76
- باب "12" ذكر حديث أبي الدرداء في ذلك 79
- باب "13" دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمستمع العلم وحافظه ومبلغه 86
- باب "14" قوله, صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا" 95
- باب "15" جامع في فضل العلم 98
- باب "16" ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف 129
- باب "17" ذكر الرخصة في كتاب العلم 141
- باب "18" معارضة الكتاب 157
- باب "19" الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث وتتبع ألفاظه ومعانيه 158
- باب "20" في فضل التعلم في الصغر والحضّ عليه 166
- باب "21" حمد السؤال، والإلحاح في طلب العلم وذم ما منع منه 175
- باب "22" ذكر الرحلة في طلب الحديث 185
- باب "23" الحض على استدامة الطلب والصبر على اللأواء والنصب 190
- باب "24" جامع في الحال التي تُنال بها العلم 199
- باب "25" كيفية الرتبة في أخذ العلم 206
- باب "26" ما روي عن لقمان الحكيم في وصية ابنه وحضه
إياه على مجالسة العلماء والحرص على العلم 210
- باب "27" آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه عند من ليس بأهله 213
- باب "28" في هيبة المتعلم للعالم 220
- باب "29" في ابتداء العالم جلساءه بالفائدة وقوله:
سلوني، وحرصهم على أن يؤخذ ما عندهم 222
- باب "30" منازل العلم 232
باب "31" طرح العالم المسألة على المتعلم 233
- باب "32" فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه 237(1/358)
- باب "33" جامع لنشر العلم 239
- باب "34" جامع في آداب العالم والمتعلم 246
- باب "35" في الانتفاع بالمناظرة 256
- باب "36" في الإنصاف في العلم 258
- باب "37" طلب العلم لفائدة نفسه 267
- باب "38" التحديث بما يعرفه الناس 268
- باب "39" 269
- باب "40" في فضل الصمت وحمده 271
- باب "41" في رفع الصوت في المسجد وغير ذلك من آداب العلم 276
- باب "42" 279
- باب "43" في مدح التواضع وذم العجب وطلب الرياسة 280
- باب "44" من أدب العالم 289
- باب "45" 290
- باب "46" ما وري في قبض العلم وذهاب العلماء 294
- باب "47" حال العلم إذا كان عند الفساق والأراذل 309
- باب "48" ذكر استعاذة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
من علم لا ينفع وسؤاله العلم النافع 317
- باب "49" ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم 323
- باب "50" ذم الفاجر من العلماء وذم طلب العلم للمباهاة والدنيا 334(1/359)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
51- باب ما جاء في مسائلة الله -عز وجل- العلماء يوم القيامة عما عملوا فيما علموا:
646- حدثنا سعيد بن نصر وأحمد بن قاسم، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا شريك بن عبد الله، عن هلال -يعني: الوزان- عن عبد الله بن عُكَيْم، قال: سمعت ابن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث، فقال: والله ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه -عز وجل- كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر -أو قال: لليلته- ثم يقول: يابن آدم ما غرك بي، ابن آدم ما غرك بي، ما عملت فيما علمت، يابن آدم ماذا أجبت المرسلين1.
647- وبهذا الإسناد عن ابن المبارك، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن الهلال، قال: قال أبو الدرداء: إن أخوف ما أخاف إذا وقفت على الحساب أن يقال لي: قد علمت، فماذا عملت فيما علمت2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في زوائد الزهد لابن المبارك "326" ص93، وأحمد في الزهد ص164، وأسد بن موسى في الزهد "96" ص76، والطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "8899-8900" 9/ 203-204، والآجري في أخلاق العلماء "117" ص66، وأبو نعيم في الحلية 1/ 131، وعبد الله في السنة "474-475" 1/ 285-259، و"1150، 1151، 1152" 2/ 498-499، وفي سنده شريك، ولكن تابعه عليه أبو عوانة عند الطبراني "8899"، وأبي نعيم.
2 رواه أحمد في الزهد "730" ص199، وابن المبارك "39"، وابن أبي شيبة في المصنف =(2/5)
648- حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، قال: حدثنا إبراهيم بن علي بن محمد بن غالب، قال: حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان الأسدي الجيزي، قال: حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم, قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, قال: أخبرني يونس بن يوسف، عن سليمان بن يسار، قال: تفرج الناس عن أبي هريرة، فقال له: ناتل الشامي: أيها الشيخ حدثنا حديثا سمعته من رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أول الناس يُقضي فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد في سبيل الله فأتى به ربه فعرّفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت حتى قُتلت، قال: كذبت، ولكن قاتلت ليقال: هو جريء، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار. ورجل أوسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن أنفق فيها إلا أنفقت فيها قال: كذبت ولكن ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 13/ 311 "الطبعة الهندية"، وعبد الرزاق في المصنف 11/ 253، والآجري في أخلاق العلماء "118" ص67، والبيهقي في شعب الإيمان "1783" 2/ 286 من طريق كثير بن مرة، عن أبي الدرداء، و"1852" 2/ 299 من طريق لقمان، عن أبي الدرداء، وفي المدخل "489" ص316 من طريق معمر، عن قتادة، عن أبي الدرداء، و"492" ص317 من طريق أبي الزاهرية، والشاموخي في أحاديثه عن شيوخه "21" ص41، وأبو نعيم في الحلية 1/ 213-214، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "53-54-55" من طرق عن أبي الدرداء يصح بعضها.(2/6)
أُلقي في النار"1.
وهذا الحديث فيمن لم يرد بعلمه ولا عمله وجه الله، وقد قيل في الرياء: إنه الشرك الأصغر، ولا يزكو معه عمل، عصمنا الله برحمته.
649- حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن محمود، قال: لما حضرت شداد بن أوس الوفاة، قال: أخوف ما أخاف على هذه الأمة: الرياء والشهوة الخفية2.
قال يونس: وأخبرني خالد بن نزار، عن سفيان، قال: الشهوة الخفية: الذي يحب أن يحمد على البر3.
650- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء، قال: لا أخاف أن يقال لي يوم القيامة: يا أبا الدرداء ما عملت فيما جهلت، ولكن أن يقال لي: يا عويمر ما عملت فيما علمت4.
- ومن حديث عطاء، عن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تزول قدما العبد يوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "1905"، والنسائي 6/ 23-24، وفي الكبرى "8083" 5/ 30، وأحمد 2/ 321-322، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "107" ص69-70، والبيهقي في المدخل "481"، وفي الشعب "6805-6806" 5/ 325-326، والحاكم في المستدرك 2/ 110.
2 رواه أحمد 4/ 124، 125، 126، والضراب في ذم الرياء "19" ص113-114 و"21-22" ص116-117، وأبو نعيم في الحلية 1/ 268، وابن المبارك في الزهد "1114" ص393، ونعيم بن حماد في زوائد الزهد "65" ص16، والبيهقي في الشعب "6829" 5/ 333، وانظر المعجم لابن المقرئ "1129" ص140.
3 رواه الضراب في ذم الرياء "23" ص117.
4 سبق قريبا برقم "647".(2/7)
القيامة حتى يسأل عن خمس خصال: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه"1.
- ومن حديث ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله2.
- وعن أبي الدرداء أنه قال: إنما أخاف أن يقال لي يوم القيامة: أعلمت أو جهلت؟ فأقول: علمت، فلا تبقى آية من كتاب الله -عز وجل- آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها, فتسألني الآمرة: هل ائتمرت، والزاجرة: هل ازدجرت؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع3.
651- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي, قال: حدثني عبد الله بن يونس، قال: حدثني بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ليث، عن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ، قال: لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عن ابن عمر، عن ابن مسعود: رواه الترمذي "2416"، وأبو يعلى "2571"، وابن عدي في الكامل 2/ 763-764، والطبراني في الكبير "9772" 1/ 8-9، وفي الصغير 1/ 268-269، والبيهقي في الشعب 2/ 286، والبزار في مسنده "1435" 4/ 266 "البحر الزخار"، والخطيب في تاريخه 12/ 440، والآجري في أخلاق العلماء "116" ص65-66. وسنده ضعيف: حسين بن قيس, يضعف في الحديث. كما قال الترمذي. وقد قال أحمد: متروك. وكذا قال البخاري والنسائي. ويغني عنه ما في الباب من حديث أبي برزة، ومعاذ -رضي الله عنهما- والله تعالى أعلم.
وحديث أبي برزة: رواه الترمذي "2417"، والدارمي "537" 1/ 144-145، وأبو يعلى "6414"، والخطيب في اقتضاء العلم "1" ص16-17، وفي الجامع لأخلاق الراوي 1/ 131، والبيهقي في شعب الإيمان 2/ 286، وفي المدخل "494" ص318، وأبو نعيم في الحلية 10/ 232، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "1" ص23-24، والآجري في أخلاق العلماء "115" ص65، والمزي في تهذيب الكمال 1/ 495.
وحديث معاذ: سيأتي قريبا برقم "651".
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 213-214، وعبد الله في زوائد الزهد 2/ 65، وقد سبق نحوه قريبا برقم "647".(2/8)
جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وعن علمه كيف عمل فيه؟1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "111" 20/ 60-61، والآجري في أخلاق العلماء "114" ص64، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "2" ص25-27، والبيهقي في المدخل "493" ص317-318، وفي الشعب 2/ 162، والخطيب في تاريخ بغداد 11/ 441-442، وفي اقتضاء العلم والعمل "2" ص17، وفي الجامع 1/ 24.
وسنده ضعيف, فيه:
1- صامت بن معاذ: قال ابن حبان: يهم ويغرب. انظر اللسان 3/ 178.
2- عبد المجيد بن عبد العزيز: صدوق يخطئ. انظر التقريب 1/ 517.
3- وقد اختلف في وقفه ورفعه: فقد رواه الدارمي "539" 1/ 145، ووكيع في الزهد "10"، وهناد في الزهد "724"، وأبو خيثمة في العلم "89"، والخطيب في الاقتضاء "3"، وابن عساكر في ذم من لا يعلم بعلمه عقب حديث رقم "2" ص27-28، رووه عن طريق ليث، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ موقوفا، إلا أن الخطيب ذكر رجاء بن حيوة مكان الصنابحي.
قال الدارقطني في العلل 6/ 47-48: "يرويه عدي بن عدي، واختلف عنه:
فرواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن الثوري، عن صفوان بن سليم، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل، عن النبي, صلى الله عليه وسلم.
ووهم في قولهم: عن صفوان، وإنما روى الثوري هذا الحديث عن ليث بن أبي سليم، عن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ موقوفا.
ورواه محمد بن حسان الأزرق، عن قبيصة، عن الثوري، عن ليث بهذا الإسناد، فقال فيه: قال قبيصة: أراه رفعه.
ورواه هناد بن السري، عن قبيصة، عن الثوري بهذا الإسناد موقوفا غير مرفوع.
وهو الصحيح عن الثوري.
ورواه سيف بن محمد -ابن أخت سفيان الثوري- عن ليث، عن عدي بن عدي، عن الصنابحي، عن معاذ، عن النبي, صلى الله عليه وسلم.
وخالفه أخوه عمار بن محمد، روى عن ليث بهذا الإسناد موقوفا وكذلك رواه عبد الله بن إدريس وحماد بن سلمة، عن ليث.
ورواه زهير بن معاوية، عن ليث، عن عدي، فقال: عن رجاء بن حيوة أو غيره، عن معاذ بن جبل، وإنما أراد: عن الصنابحي. والصحيح أنه موقوف" ا. هـ.
وللموقوف طريق آخر: رواه الدارمي "538" 1/ 145، والبيهقي في المدخل "490" ص316-317 من طريق يحيى بن راشد، حدثني فلان العرني، عن معاذ به، وفيه رجل مبهم.
ولكنه يؤيد ترجيح الموقوف فيه، والله تعالى أعلم بالصواب.(2/9)
652- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا يحيى بن يوسف الزمي، قال: سمعت أبا الأحوص سلام بن سليم، يقول: سمعت الثوري، يقول: وددت أني قرأت القرآن.
ثم وقفت وسمعته يقول: وددت أني أفلت من هذا الأمر لا لي ولا علي.
قال سفيان: وما أدركت أحدا أرضاه إلا قال ذلك1.
653- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير, قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني ابن وهب، قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن الزاهرية، قال: بلغني أن في بعض الكتب: أن الله يقول: أبث العلم في آخر الزمان حتى يعلمه الرجل والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير، فإذا فعلت ذلك بهم أخذتهم بحقي عليهم2.
52- باب جامع القول في العمل بالعلم:
654- أخبرنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن المطعم -وهو: ابن المقداد- وعنبسة بن سعيد الكلاعي، عن نصيح العنسي، عن ركب المصري، قال: قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الخطيب في الاقتضاء "83" ص55 عن سفيان قوله: ليتني لم أكتب العلم وليتني أنجو من علمي كفافا لا علي ولا لي.
وروى "135" ص84-85 قوله: وددت أني لم أطلب الحديث, وأن يدي قطعت من ههنا، لا بل من ههنا وأشار إلى الكتف، ثم أشار إلى المنكب قال: لا بل من ههنا، وسيأتي "663" إن شاء الله تعالى.
2 رواه الدارمي "253" 1/ 92 عن أبي الزاهرية يرفع الحديث. وروى نحوه أبو نعيم في الحلية 6/ 100.(2/10)
رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه في غير مسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن طاب نسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله"1.
655- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا محمد بن يونس الكديمي، قال: حدثنا عبد الله بن داود الخريبي، قال: حدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: قال أبو الدرداء: ويل لمن لا يعلم ولا يعمل مرة، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات2.
- وقال بعض الحكماء: لولا العقل لم يكن علم، ولولا العلم لم يكن عمل، ولأن أدع الحق جهلا به خير من أن أدعه زهدا فيه3.
- وقالوا: من حجب الله عنه العلم عذبه على الجهل، وأشد منه عذابا مَن أقبل عليه العلم فأدبر عنه، ومن أهدى الله إليه علما فلم يعمل به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في التواضع "76" ص99-100، وفي الإخلاص "31"، وفي الصمت "43" بجزئه الأخير ص64-65، والبخاري في التاريخ الكبير 2/ 1/ 338-339، والطبراني في المعجم الكبير "4615-4616" 5/ 71-72، والبيهقي في سننه 4/ 182، وفي شعب الإيمان "3388" 3/ 225، والقضاعي في مسند الشهاب "615"، والديلمي "3928" 2/ 446، والسلمي في طبقات الصوفية "391-392"، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني "2782" 5/ 255-256، وابن الأثير في أسد الغابة 2/ 189، وانظر الثقات 3/ 130، والإصابة 4/ 498، ومجمع الزوائد 10/ 229، وفيض القدير 4/ 278.
وسنده ضعيف، فيه:
- ركب المصري: مختلف في صحبته.
- نصيح العنسي: ضعيف.
2 رواه ابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه ص37، والآجري في أخلاق العلماء ص68، والخطيب في الاقتضاء "66-67-68"، ص47-48، وأبو نعيم في الحلية 1/ 211، وقد سبق نحوه.
3 رواه الدينوري في المجالسة برقم "1831" 5/ 37-38، وانظر عيون الأخبار 2/ 141.(2/11)
- وقالوا: قالت الحكمة: ابن آدم إن التمستني وجدتني في حرفين، تعمل بخير ما تعلم، وتدع شر ما تعلم1.
- وروي عن ثور بن يزيد، عن عبد العزيز بن ظبيان، قال: قال عيسى, عليه السلام: من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السموات2.
- أخذه بكر بن حماد، فقال:
وإذا امرؤ عملت يداه بعلمه نودي عظيما في السماء مسودا
وهذا البيت في قصيدة له يرثي بها أحمد بن حنبل.
- ويقال: إن في الإنجيل مكتوبا: لا تطلبوا علم ما لم تعلموا حتى تعملوا بما علمتم.
- وقال عيسى -عليه السلام- للحواريين: يحق أن أقول لكم: إن قائل الحكمة وسامعها شريكان، وأولاهما بها مَن حققها بعمله، يا بني إسرائيل ما يغني عن الأعمى معه نور الشمس وهو لا يبصرها، وما يغني عن العالم كثرة العلم وهو لا يعمل به3.
- وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: قال الله, عز وجل: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم} فما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال إبراهيم: من أجل خمسة أشياء: قال: وما هي؟ قال:
1- عرفتم الله فلم تؤدوا حقه.
2- وقرأتم القرآن فلم تعملوا بما فيه.
3- وقلتم: نحب الرسول وتركتم سنته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في اقتضاء العلم "50" ص40، عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: تقول الحكمة.. فذكره.
2 رواه البيهقي في الشعب 2/ 289، والخطيب في الجامع "36" 1/ 134، وقد سبق.
3 رواه الخطيب في الاقتضاء "106" ص68 ضمن كلام طويل.(2/12)
4- وقلتم: نلعن إبليس وأطعتموه.
5- والخامسة: تركتم عيوبكم وأخذتم في عيوب الناس1.
- وقال عبد الله بن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها، وإن العالم مَن يخشى الله وتلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}2 [فاطر: 28].
656- حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير, قالا: حدثنا يونس, قال: أخبرني سفيان, عن خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: أتيتك يا رسول الله لتعلمني من غرائب العلم.
فقال له رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما صنعت في رأس العلم؟".
قال: وما رأس العلم؟
قال: "هل عرفت الرب؟".
قال: نعم.
قال: "فما صنعت في حقه؟".
قال: ما شاء الله.
قال: "هل عرفت الموت؟".
قال: نعم.
قال: "فما أعددت له؟".
قال: ما شاء الله.
قال: "اذهب فأحكم ما هنالك ثم تعالى نعلمك من غرائب العلم"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الدعاء المأثور للطرطوشي ص125-126.
2 سبق برقم "644" 1/ 352-353، وانظر الجامع للخطيب "1850" 2/ 388.
3 رواه وكيع في الزهد "14" 1/ 237-238، وأبو نعيم في الحلية 1/ 24، والقاضي عياض في الإلماع ص213-214، وعزاه العراقي في تخريجه للإحياء 1/ 64 لابن السني وأبي نعيم في كتاب الرياضة لهما.
ثم قال: وهو ضعيف جدا.
وفي سنده: أبو جعفر المدائني: قال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد وغيره: أحاديثه موضوعة.
انظر الميزان 2/ 504-405، والمغني 1/ 358، والضعفاء الصغير ص67، والتاريخ الكبير 5/ 95، وتاريخ بغداد 10/ 171-172، ولسان الميزان 3/ 360-361، وتنزيه الشريعة 1/ 277.(2/13)
657- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة، قال: قال سفيان: كتب ابن منبه إلى مكحول: إنك امرؤ قد أصبت فيما ظهر من علم الإسلام شرفا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله محبة وزلفى، واعلم أن إحدى المحبتين سوف تمنع منك الأخرى1.
- وقال الحسن البصري: يبعث الله لهذا العلم أقواما يطلبونه ولا يطلبونه حسبة، وليس لهم فيه نية يبعثهم الله في طلبه كيلا يضيع العلم حتى لا يبقى عليه حجة.
- وروينا من حديث ابن عباس الدوري، عن محمد بن بشر خارجة بن مصعب، عن أسامة بن زيد، عن أبي معن، قال: قال عمر لكعب: ما يذهب العلم من قلوب العلماء بعد أن حفظوه ووعوه؟ فقال: يذهبه الطمع، وتطلب الحاجات إلى الناس2.
- وعن أُبي بن كعب، قال: تعلموا العلم واعملوا به ولا تتعلموه لتتجملوا به، فإنه يوشك إن طالب بكم زمان أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه3.
658- حدثنا أحمد بن قاسم وسعيد بن نصر، قالا: حدثنا قاسم، قال: حدثنا الترمذي، قال: حدثنا نعيم، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز, عن يزيد بن يزيد بن جابر، قال: قال معاذ بن جبل: اعلموا ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الحلية 4/ 54.
2 رواه القاضي عياض في الإلماع ص231 وغيره. وقد سبق.
3 رواه الدارمي "369" 1/ 116، وأحمد في الزهد ص386، وابن المبارك في الزهد "1345-1442"، والخطيب في الاقتضاء "35"، وأبو نعيم في الحلية 6/ 102 عن حبيب بن عبيد. وسنده صحيح.(2/14)
شئتم أن تعلموا، فلن يأجركم الله بعلمه حتى تعملوا1.
- وعن مكحول، عن عبد الرحمن بن غُنم، قال: حدثني عشرة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: كنا نتدارس العلم في مسجد قباء إذ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فلن يأجركم الله حتى تعملوا".
- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل قول معاذ من رواية عباد بن عبد الصمد، عن أنس, وفيه زيادة: "إن العلماء همتهم الوعاية، وإن السفهاء همتهم الرواية"2.
659- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان, قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن الجهم، قال: حدثنا كامل بن طلحة، قال: حدثنا عباد بن عبد الصمد، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: تعلموا ما شئتم أن تعلموا، فإن الله لا يأجركم على العلم حتى تعملوا به، إن العلماء همتهم الوعاية وإن السفهاء همتهم الرواية3.
هكذا حدثنا به موقوفا وهو أولى من رواية مَن رواه مرفوعا، وعباد بن الصمد: ليس ممن يحتج به.
- وروينا عن إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- قال: مررت بحجر مكتوب عليه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "260" 1/ 93، وابن المبارك في الزهد "62" ص21، وأبو نعيم في الحلية 1/ 236.
وقد اختلف في رفعه ووقفه، فقد رواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل برقم "7-8" ص21، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن أبيه، عن معاذ به مرفوعا.
وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي، قال ابن عدي: عامة ما يرويه مناكير، ورواه أبو نعيم في الحلية 1/ 236، والخطيب في تاريخه 10/ 94، وفيه بكر بن خنيس وحمزة النصيبي: متروكان.
2 رواه الخطيب في جامعه "28" 1/ 130 من حديث الحسن مرسلًا بلفظ: همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية. ورواه في الاقتضاء "39" ص35. وفي الجامع "37" 1/ 134-135 من قول الحسن، وفي سنده عند ابن عبد البر عباد بن عبد الصمد: منكر الحديث.
3 رواه الخطيب في جامعه "37" 1/ 134-135 عن الحسن قوله بهذا اللفظ.(2/15)
فقلبته، فإذا عليه مكتوب: أنت بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب علم ما لم تعلم؟!!1.
- وقال مكحول: كان رجل يسأل أبا الدرداء فقال: كل ما تسأل عنه تعمل؟
قال: لا.
قال: فما تصنع بزيادة حجة الله عليك؟!2.
660- حدثنا أحمد، حدثنا قاسم، حدثنا محمد، حدثنا نعيم، حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عمران بن أبي الجعد، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الناس أحسنوا القول كلهم، فمن وافق فعله قوله فذلك الذي أصاب حظه، ومَن خالف قوله فعله فإنما يوبخ بنفسه3.
661- وبه عن ابن المبارك، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن، قال: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولًا إلا جعل عليه دليلًا من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولًا حسنا فرويدا بصاحبه، فإن وافق قوله فعله فنعم ونعمة عين4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الاقتضاء "91" ص59-60 عن إبراهيم بن أدهم قال: خرج رجل يطلب العلم فاستقبله حجر في الطريق فإذا فيه منقوش: اقلبني تر العجب وتعتبر.
قال: فأقلبُ الحجر، فإذا فيه مكتوب: أنت بما تعلم لا تعمل، كيف تطلب ما لا تعلم؟!!
قال: فرجع الرجل.
2 ورد مثله عن عائشة, رضي الله عنها: رواه الخطيب في الاقتضاء "92" ص60.
3 رواه ابن أبي الدنيا في الصمت "627" ص281، ووكيع في الزهد "266" 2/ 528، وأحمد في الزهد ص160، والبخاري في التاريخ 3/ 2/ 414-415 وابن أبي عاصم في الزهد ص160 وفيه: عمران بن أبي الجعد: ذكره البخاري في التاريخ 3/ 2/ 414، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 295، ولم يذكراه بجرح أو تعديل.
4 رواه ابن المبارك في الزهد "77" ص26 ضمن كلام طويل، وروى أحمد ص282 جزءا منه: ابن آدم إن لك قولًا وعملًا.(2/16)
- وذكر مالك أنه بلغه، عن القاسم بن محمد، قال: أدركت الناس وما يعجبهم القول إنما يعجبهم العمل.
- وقال المأمون: نحن إلى أن نوعظ بالأعمال أحوج منا أن نوعظ بالأقوال1.
- وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم مَن علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله,عز وجل.2
- وعن ابن مسعود، قال: كونوا للعلم وعاة ولا تكونوا له رواة فإنه قد يرعوي ولا يروي ولا يرعوي.
- وذكر ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء، قال: لا تكون تقيا حتى تكون عالما، ولا تكون بالعلم جميلًا حتى تكون به عاملًا3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الجامع 1/ 122.
2 رواه الدارمي "382" 1/ 118، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "9" ص22، وفي الجامع "32" 1/ 132-133، وسنده ضعيف منقطع فيه:
1- ثوير بن أبي فاختة: ضعيف، رمي بالرفض. انظر التهذيب 2/ 36-37، والتقريب 1/ 121.
2- بين يحيى بن جعدة وعلي انقطاع.
انظر التهذيب 11/ 192-193، والمراسيل "245"، وجامع التحصيل "297"، وتحفة التحصيل ص342.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 213 وسنده صحيح. ورواه الآجري في أخلاق العلماء "119" ص67-68 بلفظ: لا تكون عالما حتى تكون بالعلم عاملًا.
وسنده ضعيف لانقطاعه بين حبيب بن عبيد، وبين أبي الدرداء.
ورواه الدارمي "293" 1/ 100-101، وابن سعد 2/ 357، والخطيب في الاقتضاء "16-17" ص26 من طريقين وفيهما انقطاع ولكنه يتأيد بهذه الطرق.(2/17)
- قال أبو عمر: من قول أبي الدرداء هذا -والله أعلم- أخذ القائل قوله: كيف هو متقٍ ولا يدري ما يُتقى؟!
- وعن الحسن، قال: العالم الذي وافق علمه عمله، ومَن خالف علمه عمله فذلك راوية حديث سمع شيئا فقاله.
- ويُروى أن سفيان الثوري كان ينشد متمثلًا، وهو لسابق البربري في شعر له مطول:
إذا العلم لم تعمل به كان حجة عليك ولم تعذر بما أنت جاهله
فإن كنت قد أوتيت علما فإنما يصدق قول المرء ما هو فاعله
- ويُروى أن الحسن بن أبي الحسن البصري كان يتمثل بها، والله أعلم.
- وأنشد الرياشي, رحمه الله1:
ما مَن روى أدبا فلم يعمل به ويكف عن زيغ الهوى بأديب
حتى يكون بما تعلم عاملًا من صالح فيكون غير معيب
ولقلما تجدي إصابة عالم أعماله أعمال غير مصيب
- وقال منصور:
ليس الأديب أخا الروا ية للنوادر والغريب
ولشعر شيخ المحدثيـ ـن أبي نواس أو حبيب
بل ذو التفضل والمرو ءة والعفاف هو الأديب
662- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت أخي مزاحم بن زفر يذكر عن سفيان، قال: ما عملت عملًا أخوف عندي من الحديث.
قال مزاحم, أو غيره عنه: ولوددت أني قرأت القرآن وفرضت الفرائض ثم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الاقتضاء "99" ص62-63.(2/18)
كنت من عرض بني ثور1.
663- قال: وحدثنا عثمان بن زفر، قال: سمعت شريح العابد يذكر عن أبي أسامة، عن سفيان، قال: وددت أنها قطعت من ههنا ولم أرو الحديث2.
664- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن مكحول، في قول الله, عز وجل: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا} [الفرقان: 74]. قال: أئمة في التقوى تقتدي بنا المتقون3.
- وقال الثوري: العلماء إذا علموا عملوا، فإذا عملوا شغلوا، فإذا شغلوا فقدوا، فإذا فقدوا طلبوا، فإذا طلبوا هربوا4.
وقال بشر بن الحارث: إنما أنت متلذذ تسمع وتحكي، إنما يراد من العلم العمل، اسمع وتعلم واعلم وعلم واهرب، ألم تر إلى سفيان كيف طلب العلم فعلم وعلم وعمل وهرب، وهكذا العلم إنما يدل على الهرب عن الدنيا ليس على طلبها5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الخطيب في الجامع "15" 1/ 123-124 عن سفيان نحوه وقد سبق "652" نحوه.
2 سبق "652".
3 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره "15489" 8/ 2743 ولفظه: أئمة في التقوى حتى نأتم بمن كان قبلنا ويأتم بنا من بعدنا. وانظر تفسير الطبري 9/ 425.
4 ذكره الشاطبي في الموافقات 1/ 102 عن سفيان قوله. ورواه البيهقي في المدخل "534" ص331، وابن عساكر في تاريخ دمشق 14/ 27 عن الفضيل بن عياض قال: بلغني أن العلماء... فذكره.
وذكره الذهبي في السير 8/ 439-440.
ورواه الدينوري في المجالسة "353" 2/ 231 عن ابن عائشة قال: كان يقال: العلماء إذا علموا عملوا... فذكره.
5 رواه في الحلية 8/ 347.(2/19)
- قال الحسن: لا ينتفع بالموعظة مَن تمرّ على أذنيه صفحا كما أن المطر إذا وقع في أرض سبخة لم تنبت.
- وأنشد ابن عائشة:
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة كالأرض إن سبخت لم يحيها المطر
والقطر تحيا به الأرض التي قحطت والقلب فيه إذا ما لان مزدجر
- وقال مالك بن دينار: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب1.
- وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: إذا دخلت الموعظة أذن الجاهل مرقت من الأذن الأخرى.
- وقال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا2.
- وكان سوار يقول: كلام القلب يقرع القلب، وكلام اللسان يمر على القلب صفحا.
- وقال زياد بن أبي سفيان: إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الأذان.
- وأنشد رجاء بن سهل:
وكأن موعظة امرئ متنازح عن قوله بفعاله هذيان
- وعن سلمان، قال: يوشك أن يظهر العلم ويخزن العمل, يتواصل الناس بألسنتهم ويتقاطعون بقلوبهم، فإذا فعلوا ذلك طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص448.
2 رواه الإمام أحمد في الزهد ص451، وابن أبي عاصم في الزهد ص323، وأبو نعيم في الحلية 6/ 288، والخطيب في اقتضاء العلم والعمل "98" ص62.
3 رواه البيهقي في المدخل "524" ص328، وأحمد في الزهد ص154، وهناد في الزهد "1019"، 2/ 495-496.(2/20)
وبعضهم يروي هذا الحديث عن سلمان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعا1.
- وقال بعض الحكماء: إذا كانت حياتي حياة السفيه وموتي موت الجاهل فما يغني عني ما جمعت من غرائب الحكمة2.
- وقال الحسن بن آدم: ما يغني عنك ما جمعت من حكمة الحكماء وأنت تجري في العمل مجرى السفهاء.
- وقال أبو عبد الرحمن العطوي: أي شيء تركت يا عارفا بالله للممترين والجهال؟!
- وقال منصور الفقيه:
أيها الطالب الحريص تعلم أن للحق مذهبًا قد ضللته
لو ركبت السحاب في نيل ما لم يقدر الله نيله ما أخذته
أو جرت عاصفات ريحك كي تسبق أمرًا مقدرا ما سبقته
فعلام العناء إن كان في الحق سواء طلبته أو تركته
ليس يجدي عليك علمك إن لم تك مستعملًا لما قد علمته
قد لعمري اغتربت في طلب الـ ـعلم وحاولت جمعه فجمعته
ولقيت الرجال فيه وزاحمت عليه الجميع حتى سمعته
ثم ضيعت أو نسيت وما ينـ ـفع علم نسيته أو أضعته
وسواء عليك علمك إن لم يجد علما عليك أو ما جهلته
يابن عثمان فازدجر والزم البيـ ـت وعش قانعا بما رزقته
كم إلى كم تخادع النفس جهلًا ثم تجري خلاف ما قد عرفته
تصف الحق والطريق إليه فإذا ما عملت خالفت سمته
قد لعمري محضتك النصح يا عمرو بن عثمان جاهدا إن قبلته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير، حديث رقم "6170" 6/ 263-264، وفي الأوسط "1601".
قال في مجمع الزوائد 7/ 287: "وفيه جماعة لم أعرفهم" ا. هـ.
2 رواه الآجري في أخلاق العلماء "105" ص60، وأبو نعيم في الحلية 7/ 271 عن ابن عيينة.(2/21)
- وقال عبد الملك بن إدريس الحزيري الوزير الكاتب:
والعلم ليس بنافع أربابه ما لم يفد عملًا وحسن تبصر
سيان عندي علم مَن لم يستفد عملًا به وصلاة مَن لم يطهر
فاعمل بعلمك توف نفسك وزنها لا ترض بالتضييع وزن المخسر
665- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا بشر بن حجر، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله بن مسعود: تعلموا تعلموا، فإذا علمتم فاعملوا1.
666- حدثنا خلف بن القاسم، حدثني يحيى بن الربيع، حدثنا محمد بن حماد المصيصي، حدثنا حسين بن علي الجعفي، قال: حدثنا عباد التمار، قال: رأيت أبا حنيفة في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك يا أبا حنيفة؟ فقال: غفر لي.
فقلت له: بالعلم؟
فقال: هيهات للعلم شروط وآفات قَل مَن ينجو منها.
قلت: فبم ذا؟
قال: بقول الناس فيّ ما لم يعلمه الله أو ما لم أكن عليه2.
667- وأنشدني ابن الأنباري قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن مسروق:
إذا كنت لا ترتاب أنك ميت ولست لبعد الموت تسعى وتعمل
فعلمك ما يجدي وأنت مفرط وذكرك في الموتى معد محصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روه الدارمي "366" 1/ 115، والخطيب في الاقتضاء "10-11" ص22-24، وأبو خيثمة في العلم "4" ص7، والبيهقي في المدخل "485" ص314 من طرق عن ابن مسعود يرتقي بها.
2 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص2، وانظر مناقب الأئمة ص77 لابن عبد الهادي.(2/22)
- وقال منصور بن إسماعيل الفقيه:
إذا كنت تعلم أن الفرا ق فراق الحياة قريب قريب
وأن المعد جهاز الرحيل ليوم الرحيل مصيب مصيب
وأن المقدم ما لا يفوت على ما يفوت معيب معيب
وأنك عن ذاك لا ترعوي فأمرك عندي عجيب عجيب
- وقال الحسن: الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل.
- وقال فضيل بن عياض: قال لي ابن المبارك: أكثركم علما ينبغي أن يكون أكثركم خوفا1.
- وقال بعض الحكماء: ما هذا الاغترار مع ما نرى من الاعتبار؟!
- وعن الحسن في قوله, عز وجل: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} [الأنعام: 91]. قال: علمتم فعلمتم، ولم تعلموا، فوالله ما ذلكم بعلم2.
- وقال سفيان الثوري: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل3.
وروى أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة: مَن عبد الله ما استغنى أحد بالله إلا احتاج إليه الناس، وما عمل أحد بما علمه الله، إلا احتاج الناس إلى ما عنده.
668- وأخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا وهب بن مسرة، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في الشعب 1/ 512، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "323" ص114، وأبو نعيم في الحلية 8/ 110، عن الفضيل قوله: رهبة العبد من الله تعالى على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر شوقه إلى الجنة.
2 ذكر نحوه البغوي في تفسيره 2/ 115، والواحدي في الوسيط 2/ 298.
3 رواه الخطيب في الاقتضاء "40" ص35-36، وابن عساكر في ذم من لا يعمل بعلمه "14" ص52-54 عن علي.
ورواه الخطيب في الاقتضاء "41" ص36، عن ابن المنكدر قوله: وفي سنده: إسحاق النخعي كذاب. انظر الميزان 1/ 196.(2/23)
ابن وضاح، قال: حدثنا زهير، عن سفيان، قال: قال إبراهيم: مَن تعلم علما يريد به وجه الله والدار الآخرة آتاه الله من العلم ما يحتاج إليه.
- ويروى أن عيسى -عليه السلام- قال للحواريين: لست أعلمكم لتعجبوا، إنما أعلمكم لتعملوا, ليست الحكمة القول بها إنما الحكمة العمل بها.
- وكان بعض الحكماء يقول: نفعنا الله وإياكم بالعلم ولا جعل حظنا منه الاستماع والتعجب.
- وقال أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أبا أيوب إذا أحدث الله لك علما له فأحدث له عبادة ولن يكون همك أن تحدث به1.
- وقال علي بن الحسين: كان نقش خاتم حسين بن علي: علمت فاعمل.
وعن مالك بن مغول في قوله: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] قال: تركوا العمل به.
- ومن حديث علي -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله من ينفي عني حجة الجهل؟
قال: "العلم".
قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: "العمل"2.
- وقال الحسن: إن أشد الناس حسرة يوم القيامة رجلان رجل نظر إلى ماله فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل "37-38" ص34-35، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 66، والبيهقي في المدخل "527" ص329، وقد سبق "615".
2 رواه الخطيب في الجامع "30" 1/ 131، وفي اقتضاء العلم والعمل "4" ص18-19، وسنده ضعيف جدا فيه:
1- عبد الله بن خراش: ضعيف، وأطلق عليه ابن عمار: الكذاب. انظر التقريب 1/ 412، والكاشف 2/ 74، والتلخيص 3/ 65، والمغني 2/ 336.
2- أبو صادق، عن علي مرسل.
انظر تحفة التحصيل ص367-368.(2/24)
ميزان غيره سعد به وشقي هو به، ورجل نظر إلى علمه في ميزان غيره سعد به وشقي هو به.
- وروينا عن الشعبي أنه قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به وكنا نستعين على طلبه بالصوم1.
- وقال ابن وهب، عن مالك، إنه سمعه يقول: إن حقا على مَن طلب الحديث أن يكون له وقار وسكينة وخشية وأن يكون متبعا لآثار من مضى قبله2.
- قال: وقال لي مالك: إن من إزالة العلم أن يكلم العالم كل من يسأله ويجيبه.
53- فصل في كسب طالب العلم المال، وما يكفيه من ذلك:
- وقال يحيى بن يمان: سمعت سفيان الثوري يقول: العالم طبيب هذه الأمة والمال داؤها فإذا كان الطبيب يجتر الداء إلى نفسه فكيف يعالج غيره1؟
قال أبو عمر: المال المذموم عند أهل العلم هو المطلوب من غير وجهه والمأخوذ من غير حله، والآثار الواردة بذم المال نحو قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الدينار والدرهم أهلكا مَن كان قبلكم وإنهما مهلكاكم"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 361 من طريق يحيى بن يمان به.
ورواه البيهقي في المدخل "558" ص339 من طريق ابن المبارك، عن سفيان به.
وفي المطبوعة: يجر الدواء. والمثبت من المدخل.
2 روى ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "33" ص158، و"20"
ص150-151.
عن أبي مسعود البدري أنه ذكر الدنانير والدراهم فقال: ألزقوها بأكبادكم، والذي نفس عقبة بن عمرو بيده، لا تصلون إلى الآخرة منها بدينار ولا درهم، ولتتركنها في بطن الأرض =(2/25)
ونحو قوله, عليه الصلاة والسلام: "ما ذئبان جائعان أرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حب المرء للمال والشرف"1 وما كان في معناه من حديثه, صلى الله عليه وسلم.
ونحو قول عمر بن الخطاب: ما فتح الله الدينار والدرهم أو الذهب والفضة على قوم إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم.
ونحو هذا مما روي عنه وعن غيره من السلف في هذا المعنى فوجه ذلك كله عند أهل العلم والفهم في المال المكتسب من الوجوه التي حرمها الله ولم يبحها وفي كل مال ما لم يطع الله جامعه في كسبه وعصى ربه من أجله وبسببه واستعان به على معصية الله وغضبه ولم يؤد حق الله وفرائضه فيه ومنه، فذلك هو المال المذموم والمكسب المشئوم، وأما إذا كان المال مكتسبا من وجه ما أباح الله وتأدت منه حقوقه، وتقرب فيه إليه بالإنفاق في سبيله ومرضاته، فذلك المال محمود ممدوح كاسبه ومنفقه لا خلاف بين العلماء في ذلك، ولا يخالف فيه إلا مَن جهل أمر الله وقد أثنى الله على إنفاق المال في غير آية ومحال أن ينفق ما لا يكتسب. قال الله, عز وجل: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى} الآية [البقرة: 262].
وقال: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [البقرة: 274].
وقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10].
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 72] الآية.
وقال: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
وقال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وعلى ظهرها كما تركها الذين من قبلكم، فتناحروا عليها تناحركم، وتذابحوا تذابحكم، ولتهلك دينكم ودنياكم.
وقد ورد أحاديث في النهي عن التنافس على الدنيا، وأنها مهلكة للأمة.
1 سبق تخريجه 1/ 129.(2/26)
وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} الآية [البقرة: 245].
وما في القرآن من هذا المعنى كثير جدا. وكذلك السنن الصحاح كلها تنطق بهذا المعنى وهو الثابت عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.
قال صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة"1.
- وقال: "اليد العليا خير من اليد السفلى, واليد العليا المعطية والسفلى السائلة"2.
- وقال لسعد بن أبي وقاص: "لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت فيها" الحديث3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه من حديث جابر: البخاري "6021". وفي الأدب المفرد "224"، وعبد بن حميد "1083"، والطيالسي "1713"، وأبو يعلى "2040"، والطبراني في الصغير "672"، وابن حبان "3379" 8/ 172، والبغوي في شرح السنة "1642"، وابن الجوزي في البر "406"، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج "9"، وابن عدي في الكامل 5/ 1959، والدارقطني 3/ 28، والخرائطي في المكارم ص13-14، والحاكم في المستدرك 2/ 50، والقضاعي "88-94"، والدينوري في المجالسة "3178" 7/ 285-287، والبيهقي في سننه 10/ 242، وفي الآداب "162"، وفي الشعب 3/ 264.
ورواه من حديث حذيفة:
مسلم "1005"، والبخاري في الأدب "233"، وأبو داود "4947"، وأحمد 5/ 383-397-398-405، وأبو الشيخ في الأمثال "35"، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج "7"، والدينوري في المجالسة "3179" 7/ 287-288، وابن حبان "3378" 8/ 172، وأبو نعيم في الحلية 7/ 194، والبيهقي 1/ 188، وفي الآداب "119"، والخرائطي في المكارم "73"، والخطيب في تاريخ بغداد 1/ 291 من طرق عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة.
2 رواه البخاري "1429"، ومسلم "1033"، وأبو داود "1648"، والنسائي 5/ 61"، وأحمد 2/ 67-98، والدارمي 1/ 389، ومالك في الموطأ 2/ 998، وابن حبان "3361" 8/ 148، و"3364" 8/ 151، والخطيب في تاريخه 3/ 435، والبيهقي 4/ 197-198، والقضاعي "1231"، والبغوي "1614".
3 رواه البخاري "56-2742-3936-5354-5668-6373-6733"، ومسلم "1628"، والترمذي "2116"، والنسائي 6/ 241-242، وابن ماجه "2708"، وأحمد =(2/27)
وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل درهم درهم تنفقه على عيالك"1، والآثار في هذا متواترة جدا.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: "هل لك أن أرسلك في جيش يغنمك الله ويسلمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة فنعم المال الصالح للرجل الصالح"2.
- وقال أبو بكر الصديق لعائشة, رضي الله عنها: ما أحد من خلق الله أحب إلي إلى غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقرا بعدي منك.
- وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخر مما أفاء الله عليه من صفاياه من فدك وغيرها قوت سنة ويجعل الباقي في الكراع والسلاح في سبيل الله3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1/ 172-173-176-179، والطيالسي "195-197"، والحميدي "66"، وابن سعد 3/ 144، وأبو يعلى "747"، والطحاوي 4/ 379، وابن الجارود "947"، وعبد الرزاق "16357-16358"، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "416" ص342، وفي العيال "14-15" 1/ 149-150، وابن حبان "4249" 10/ 60-61، و"6026" 13/ 384-385، والبيهقي 6/ 268-269، والبغوي "1458" من طرق عن سعد.
1 رواه مسلم "994"، والترمذي "1966"، والنسائي في عشرة النساء "300"، وابن ماجه "2760"، والطيالسي "987"، وأحمد 5/ 279-284، والبخاري في الأدب المفرد "748"، وابن أبي الدنيا في العيال "28" 1/ 163، وابن حبان "4242" 10/ 53، والبيهقي 4/ 178 و7/ 467.
2 رواه أحمد في المسند 4/ 197-202-203، والبخاري في الأدب المفرد "299"، والحاكم 2/ 2-236، وأبو يعلى في مسنده "7336"، وأبو عوانة، كما في إتحاف المهرة 12/ 496-497، والقضاعي "1315"، والطبراني في الأوسط "3213"، وابن حبان "3210" 8/ 6 بدون القصة و"3211" 8/ 7، وفي روضة العقلاء ص223، والبغوي "2495"، ورجاله ثقات.
3 رواه البخاري "2904-3094-4033-4885-5357-5358-7304"، ومسلم "1757"، وأبو داود "2965-2966-2967" 3/ 141-142، والنسائي 7/ 132، والترمذي "1719"، وأحمد 1/ 25-48، والحميدي "22"، وأبو عبيد في الأموال "17"، والشافعي ص322، وفي السنن المأثورة "672"، وأبو عوانة، كما في إتحاف الخيرة 12/ 362، والطحاوي 2/ 6، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "90" ص187، وابن حبان =(2/28)
وهذه آثار مشهورة كرهت سياقتها بأسانيدها خشية التطويل.
669- حدثني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا محمد بن بشار بندار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت قتادة، يحدث عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن حكيم بن قيس بن عاصم، أن أباه قال: يا بني عليكم بالمال، فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم1.
670- وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن الفضل بن العباس، قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري، قال: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن عبد الله بن صفوان، قالا: حدثنا عبد الله بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة: قال: سمعت مطرفا يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم، أن أباه حين حضرته الوفاة قال لبنيه: يا بني عليكم بالمال واصطناعه؛ فإنه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم2.
671- قال: وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف، عن حكيم بن قيس، عن أبيه مثله3.
672- قال: وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا ليث، عن مجاهد، عن امرأة من نساء عبد الرحمن بن عوف، أنها أصابها في ربع الثمن نيف وثمانون4 ألفا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في صحيحه 8/ 92 "طبعة الحوت". وابن الجارود "1097" 3/ 347-348، والبيهقي 6/ 296 عن عمر -رضي الله عنه- وله طرق أخرى, انظر تخريجها في تخريجنا للشمائل "411-412-413-414".
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "52" ص169، و"102" ص193، وابن عبد البر في بهجة المجالس 1/ 172-195، وذكره المزي في تهذيب الكمال 2/ 1136.
2 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "102" ص193. وانظر ما قبله.
3 انظر ما قبله.
4 انظر الذي بعده.(2/29)
رواه يونس بن الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مثله سواء إلا أنه قال: من ثلث الثمن.
673- حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا مطرف، حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس... فذكره1.
674- قال: وحدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا ابن عون، عن ابن سيرين، قال: كان ممن ترك الصامت عبد الرحمن بن عوف، وكان ممن لم يدع صامتا أبو بكر وعمر.
675- قال: وحدثنا أحمد بن حماد الدولابي، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن صالح بن إبراهيم، قال: صالحنا امرأة عبد الرحمن بن عوف التي طلقها في مرضه من ربع الثمن على ثلاثة وثمانين ألفا2.
676- قال: وحدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سمعت الأوزاعي، يحدث قال: حدثني رجل منا نهيك بن يريم، عن مغيث، عن كعب، قال: كان للزبير ألف مملوك يؤدون الخراج لم يكن يدخل بيته منها درهم.
677- قال: وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا أيوب، عن نافع، أن ابنا لعمر باع ميراثه من ابن عمر بمائة ألف درهم3.
678- وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: حدثنا قرة بن خالد، قال: سألنا الحسن: أوصى عمر بن الخطاب بثلث ماله أربعين ألفا4؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "111" ص196-197 "427" ص346، والمزي في تهذيب الكمال 2/ 809.
2 سبق برقم "672-673-674".
3 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "420" ص343.
4 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "419" ص343 بنحوه.(2/30)
قال: لا والله لماله كان أيسر من أن يكون ثلثه أربعين ألفا، ولكنه لعله أوصى بأربعين ألفا فأجازوها.
679- قال: وحدثنا إسماعيل بن سيف العجلي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عاصم، عن زر، قال: مات عبد الله بن مسعود وترك سبعين ألف درهم1.
680- قال: وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: لا خير فيمن لا يجمع المال يكف به وجهه ويؤدي أمانته2.
681- قال: وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه ترك أربعمائة دينار. وقال: إني والله ما تركتها إلا لأصون بها عرضي أو وجهي3.
682- قال: وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: لا تضركم دنيا إذا شكرتموها لله.
قال أيوب: وكان أبو قلابة يقول لي: يا أيوب الزم سوقك، فإن الغنى من العافية4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال برقم "417"، ص342 من طريق أحمد بن عمران الأخنسي، عن أبي بكر بن عياش به.
2 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "55-56" ص171 و"103" ص193، وأبو نعيم في الحلية 2/ 173، وأورده الذهبي في السير 4/ 238، وابن عبد البر في بهجة المجالس 1/ 196، وانظر العقد الفريد 2/ 336.
3 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "68" ص177، وذكره الذهبي في السير 4/ 239.
4 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "222"، ص251، وأبو نعيم في الحلية 2/ 286 و3/ 10، وذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار ص29، والغزالي في الإحياء 2/ 62 وسيأتي برقم "687".(2/31)
683- قال: وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مسلم بن قتيبة، قال: حدثنا أيوب، عن يونس بن أبي إسحاق, عن أبيه، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبزى، يقول: نعم العون على الدين اليسار1.
684- قال: وحدثني الحسين بن الزبرقان النخعي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن عبد الله بن الوليد المزني، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الأنصاري، عن أبي ظبيان الأزدي، قال: قال لي عمر بن الخطاب: ما مالك يا أبا الظبيان؟ قال: قلت: أنا في ألفين وخمسمائة.
قال: فاتخذ سابياء فإنه يوشك أن يجيء أغيلمة من قريش يمنعون هذا العطاء2.
685- قال: وحدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، عن يونس، قال: قال ابن شهاب: أخبرني سليمان بن عبد الملك أن عبد الرحمن بن هبيرة أخبره أن عبد الله بن عمر ركب الغابة فمر على ابن هبيرة وهو في بيته فقال: ألا تركب معنا؟ فركبت معه حمارا، فسرنا قال: فسكت أحدث نفسي, قال عبد الله بن عمر: ما لك؟
قلت: سكت أتمنى.
قال ابن عمر: لو كان عندي أحد ذهبا أعلم عدده وأخرج زكاته ما كرهت ذلك أو ما خشيت أن يضر بي.
686- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا يعقوب بن المبارك بن أحمد الكوفي بمصر، حدثنا الفضل بن جعفر بن همام البصري، حدثنا نصر بن علي الجهضمي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "58" ص172، عن ابن المنكدر، وبرقم "67" ص177 عن داود, عليه السلام.
2 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "66" ص176، والدولابي في الكنى 2/ 19، وذكره ابن الأثير في النهاية 2/ 341.
والسابياء: الزراعة والنتاج.(2/32)
حدثنا أبو أحمد الزبيري، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: $"من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راضٍ"1.
687- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، أخبرنا إبراهيم بن عثمان بن سعيد، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا أيوب السختياني، قال: قال لي أبو قلابة: يا أيوب الزم سوقك؛ فإن فيها غنى عن الناس وصلاحا في الدين2.
- وذكر أبو حاتم الرازي، قال: كتب إليّ عبد الله بن خبيق الأنطاكي، قال: سمعت يوسف بن أسباط، قال: قال لي سفيان الثوري: لأن أخلف عشرة آلاف درهم يحاسبني الله عليها أحبّ إليّ من أن أحتاج إلى الناس3.
688- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف وعبد الرحمن بن مروان، قالا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "70"، والطبري في تفسيره 10/ 78، والحاكم في المستدرك 2/ 331-332، وابن نصر في الصلاة "1-2" 1/ 86-87، والحارث في مسنده "7" 1/ 152 "الزوائد" والضياء في المختارة "2122-2123" 6/ 126-127، والبزار وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه كما في الدر المنثور 3/ 213، والبيهقي في الشعب "6856".
قلت: سنده ضعيف, فيه:
1- أبو جعفر الرازي: صدوق، سيئ الحفظ، كما في التقريب 2/ 406.
2- الربيع بن أنس: صدوق، له أوهام. كما في التقريب 1/ 243 لكن في رواية أبي جعفر عنه اضطراب، كما قال ابن حبان.
انظر الثقات 4/ 228، والتهذيب 3/ 238-239، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 257.
وفي المطبوعة: من رزق الدنيا.
والصواب ما أثبتناه من المصادر المخرجة للحديث.
2 سبق قريبا برقم "682".
3 رواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح ص89-90. وانظر نحوه في إصلاح المال "71" ص179.(2/33)
حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو بكر بن البنا بمصر، قال: حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي، قال: حدثنا سليمان بن داود ابن أخي رشدين، قال: حدثنا سعيد بن الجهم الجيزي، قال: جمع عبد الرحمن بن شريح وعمرو بن الحارث الصف في المسجد، فلما سلم الإمام, قال ابن شريح لعمرو بن الحارث: يا أبا أمية ما تقول في رجل ورث مالا حلالا فأراد أن يخرج من جميعه إلى الله زاهدا في الدنيا ورغبة فيما عنده؟ قال: لا يفعل.
قال ابن شريح: فقلت لعمرو: سبحان الله لا يفعل لا يزهد في الدنيا؟
فقال عمرو بن الحارث: ما أدب الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- أفضل من ذلك، قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]. ولكن يقدم بعضا ويمسك بعضا.
قال أبو عمر: هذه الآثار كلها إنما أوردناها ههنا لئلا يظن ظانّ جاهل بما يقرأ في هذا الباب أن طلب المال من وجهه للكفاف والاستغناء عن الناس هو طلب الدنيا المكروه الممنوع منه فإنه ليس كذلك، رحم الله أبا الدرداء حيث يقول: من فقه الرجل المسلم استصلاحه معيشته1.
- وقال أبو الدرداء أيضا: صلاح المعيشة من صلاح الدين، وصلاح الدين من صلاح العقل.
- وقال الشاعر الحكيم:
ألا عائذا بالله مِن بَطَر الغني ومن رغبة يوما إلى غير مرغب
689- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "165" ص223، ووكيع في الزهد "465" 3/ 782، وابن أبي شيبة "34606" 7/ 113، وأحمد في الورع ص13، وهناد في الزهد "1285"، والبيهقي في الشعب 2/ 365، و5/ 254، ورواه ابن أبي الدنيا "162" ص66-67، عن الحسن قوله.(2/34)
أحمد بن زهير، حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة، عن علي بن أبي جملة، قال: لما قفل الناس من القسطنطينية لقيت يحيى بن راشد أبا هشام الطويل قال: فقال لي: وجدت الدين الخير.
- قال علي بن أبي جملة: رأيت بلال بن أبي الدرداء أميرا على دمشق.
- وقال أبو الدرداء: ليس من حبك الدنيا التماسك بما يصلحك منهما1.
- وكان يقول: من فقهك عويمر إصلاحك معيشتك2.
- وقال عمر بن الخطاب, رضي الله عنه: يا معشر القراء استبقوا الخيرات، وابتغوا من فضل الله، ولا تكونوا عيالا على الناس3.
- ولقد أحسن منصور الفقيه في قوله, وقد تنسب لغيره:
أفضل من ركعتي قنوت ونيل حظ من السكوت
ومن رجال بنوا حصونا تصونهم داخل البيوت
غَدْوُ عبد إلى معاش يرجع منه بفضل قوت
ثم يقول: إن الزهد في الحلال وترك الدنيا مع القدرة عليها أفضل من الرغبة في حلالها.
وهذا ما لا خلاف فيه بين علماء المسلمين قديما وحديثا، وقد اختلف الناس في حدود الزهد والعبارة عنه بما يطول ذكره، وأحسن ما قيل فيه قول ابن شهاب: الزهد في الدنيا أن لا يغلب الحرام صبرك ولا الحلال شكرك4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال "217" ص248، وأبو نعيم في الحلية 7/ 71، والبيهقي في الشعب "1216-1217"، وابن الجوزي في مناقب عمر ص193.
ورواه أبو نعيم 6/ 382، والبيهقي في الشعب "6968" عن سفيان الثوري.
4 رواه ابن الأعرابي في الزهد "4-5" ص19-20، وأبو نعيم في الحلية 7/ 287، والخطيب في تاريخه 6/ 274.(2/35)
- وكان سفيان الثوري ومالك بن أنس يقولان: الزهد في الدنيا قصر الأمل.
690- حدثنا سعيد، حدثنا قاسم، حدثنا محمد، حدثنا موسى، حدثنا وكيع، قال: سمعت سفيان الثوري -وسئل عن الزهد في الدنيا- فقال: قصر الأمل.
قال: وقال مالك بن أنس مثل ذلك1.
- وذكر ابن أبي الدنيا، قال: حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا إبراهيم بن الأشعث، قال: سألت فضيل بن عياض عن الزهد, فقال: الزهد القناعة، وفيها الغنى.
قال: وسألته عن الورع.
فقال: اجتناب المحارم2.
والآثار عن السلف من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من علماء المسلمين في فضل الصبر عن الدنيا والزهد فيها وفضل القناعة والرضا بالكفاف والاقتصار على ما يكفي دون التكاثر الذي يلهي ويطغى, أكثر من أن يحيط بها كتاب أو يشتمل عليها باب، والذين زوى الله عنهم الدنيا من الصحابة أكثر من الذين فتحها عليهم أضعافا مضاعفة.
روينا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله -عز وجل- ليحمي عبده الدنيا كما يحمي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه وكيع في الزهد "6" 1/ 222 بدون ذكر سنده، وابن أبي الدنيا قصر الأمل "32" ص42، وابن أبي شيبة في المصنف "35683" 7/ 240-241، وابن الأعرابي في الزهد "8" ص20-21، وابن أبي حاتم في الجرح 1/ 101، وأبو نعيم في الحلية 6/ 381-386، وأخبار أصبهان 2/ 141، والبيهقي في الزهد الكبير "160-466"، وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد "194".
2 رواه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "291"، ص105 بدون السؤال عن الورع، وفي الورع "55" ص60 بالسؤال عن الورع فقط، وأبو نعيم في الحلية 8/ 91، وابن الأعرابي في الزهد "9" ص21.
وفي سنده إبراهيم بن الأشعث: انظر الميزان 1/ 20-21.(2/36)
أحدكم مريضه الطعام يشتهيه"1.
وهذا والله أعلم نظر منه -عز وجل- لذلك العبد، فرب رجل كان الغنى سبب فسقه وعصيانه لربه وانتهاكه لحرمه، ورب رجال كان الفقر سبب ذلك كله له، وربما كان سبب كفره وتعطيل فرائضه وهما طرفان مذمومان عند العلماء.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على ذلك قوله, عليه السلام: "اللهم إني أعوذ بك من غنى مبطر مطغٍ وفقر منسٍ"2.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2036" 4/ 381، وأحمد في الزهد ص17، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "38" ص23، والحاكم في المستدرك 4/ 207-208 و309، وابن حبان في صحيحه "669" 2/ 443-444، عن محمود بن لبيد، عن قتادة بن النعمان مرفوعا ورجاله ثقات. إلا أنه اختلف في إرساله ووصله.
فقد رواه الترمذي عقيب "2036" 4/ 381، والحاكم 4/ 208، وأحمد في الزهد ص17.
عن محمود بن لبيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدون ذكر قتادة بن النعمان، ورجحه أبو حاتم حيث قال: "حدثنا محمد بن المثنى، عن محمد بن جهضم هكذا, أي: موصولا بذكر قتادة بن النعمان.
وحدثنا علي، عن أبيه هكذا.
لكن حدثني داود الجعفري، عن الدراوردي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود بن لبيد: أن النبي, صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: أيهما أصح.
قال: حديث الدراوردي". انظر العلل 2/ 108.
2 جزء من حديث رواه الترمذي "2306" 4/ 552.
وفي سنده محرز بن هارون: قال البخاري: منكر الحديث. وانظر الجرح 8/ 345.
ورواه معمر، عمن سمع سعيدا المقبري, عن أبي هريرة: ابن المبارك في الزهد "7" ص3-4، والحاكم 4/ 321، والبغوي "4022" 14/ 224-225، وأشار إليه الترمذي عقيب "2306".
3 رواه أبو داود "1547" 2/ 19، والنسائي 8/ 263، وفي الكبرى "7903-7904" 4/ 452، والطبراني في الدعاء "1360" 3/ 1438-1439 بزيادة في أوله. وابن حبان "1049" =(2/37)
وكان من دعائه, صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر والفاقة والقلة والذلة وأن أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجهل علي"1.
وكان من دعائه, صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعافية والغنى"2.
والدليل على أن التقلل من الدنيا والاقتصاد فيها والرضا بالكفاف منها والاقتصار على ما يكفي ويغني عن الناس أفضل من الاستكثار منها والرغبة فيها وأقرب إلى السلامة ما:
691- حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن إسماعيل الترمذي، قالا: حدثنا هوذة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 3/ 304، وابن سعد 1/ 408-409 بذكر الاستعاذة من الجوع فقط من طريق المقبري، عن أبي هريرة.
وفي سنده: محمد بن عجلان: صدوق, إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وهو موصوف بالتدليس.
انظر التقريب 2/ 190، والتهذيب 9/ 341-342، وطبقات المدلسين ص103، والكاشف 3/ 69.
ولكن تابعه عليه: أبو معشر، عند الطبراني وابن سعد، وأبو معشر: ضعيف. أسن واختلط. انظر التقريب 2/ 298، والكاشف 2/ 175. فيحسن الحديث.
وله طرق أخرى يتأيد بها, انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "3354".
1 رواه أبو داود "1544" 2/ 91، والنسائي 8/ 261-262، وفي الكبرى "7896-7897-7898-7899" 4/ 450-451.
وأحمد في المسند 2/ 305-325-354.
والبخاري في الأدب المفرد "678"، وابن ماجه "3842"، وابن حبان "1003" 3/ 284 و"1030" 3/ 305، والحاكم 1/ 531، والبيهقي 7/ 12، والذهبي في السير 15/ 291-292، والطبراني في الدعاء "1341" 3/ 1426، والديلمي "2104" 2/ 74، وسنده صحيح. انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "3842".
2 رواه مسلم "2721"، والترمذي "3489"، وابن ماجه "3832"، والبخاري في الأدب المفرد "674"، وأحمد 1/ 411-416-437، وابن حبان "900" 3/ 182-183.(2/38)
ح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يزيد بن هارون: قالا: حدثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قمت على باب الجنة فإذا عامة مَن يدخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون إلا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار, وقمت على باب النار فإذا عامة مَن يدخلها النساء"1.
ورواه عن سليمان التيمي معمر بن راشد وخالد بن عبد الله الواسطي وجماعة بإسناد مثله سواء. والجد: عندهم الغنى في هذا الموضع، لا يختلفون فيه، وقد جاء في هذا الحديث منصوصا:
292- وجدت في أصل سماع أبي -رحمه الله- بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن بلال حدثهم، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "قمت على باب الجنة فإذا عامة مَن دخلها المساكين وأصحاب الجد -يعني الأغنياء- محبوسون إلا أصحاب النار، وقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار فإذا عامة مَن دخلها النساء".
693- وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد، قال: حدثنا يوسف بن يزيد، قال: حدثنا أسد بن موسى، فذكره بإسناده سواء إلى آخره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "5196-6547"، ومسلم "2736"، وأحمد 5/ 205-209، وفي الزهد ص32، وأبو عوانة، كما في إتحاف المهرة 1/ 295، وعبد الرزاق "20611"، والطبراني في الكبير "421"، وابن حبان "675" 2/ 450، والخطيب في تاريخ 5/ 149، والبغوي "4064".(2/39)
694- حدثنا عثمان بن أبي بكر، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصفهاني، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي أمامة الباهلي، قال: أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة ومعها صبي تحمله، وبيدها آخر، قال: لا أعلمه إلا قال - وهي حامل، فلم تسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا إلا أعطاها - ثم قال: "حاملات والدات، رحيمات بأولادهن، لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة"1.
695- وحدثنا أحمد بن قاسم، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة... فذكره بإسناده.
696- وحدثنا يعيش، قال: أخبرنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن غالب، قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لقيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "2013"، وأحمد 5/ 252-253-257-268-269، والطيالسي "1126" ص154، والحاكم 4/ 173-174، وأحمد بن منيع، كما في إتحاف الخيرة 4/ 76 ثم قال: هذا حديث رجاله ثقات، وفيه مقال.
حكى الترمذي في العلل عن البخاري أنه قال: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي أمامة. ا. هـ.
وقال أبو حاتم: "أدرك أبا أمامة"، أي: ولم يسمع منه.
وانظر تحفة التحصيل ص120، وجامع التحصيل "179"، والجرح 4/ 181.
2 رواه الترمذي "3013" 5/ 232-233، و"3292" 5/ 400، والدارمي "2820" 2/ 428-429، وأحمد 2/ 438، والحاكم 2/ 299، وأبو نعيم في صفة الجنة "53"، وهناد في الزهد "113"، والطبراني في الأوسط "3038"، وابن حبان "7417" 16/ 433-434، و"7418" 16/ 435.
وفي سنده محمد بن عمرو، صدوق، له أوهام. انظر التقريب 2/ 196، والتهذيب 9/ 375- =(2/40)
- وروينا عن عبد الرحمن بن عوف، أنه لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديدا، فقيل له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ فقال: كان مصعب بن عمير خيرا مني، توفي ولم يترك ما يكفن فيه، ولم توجد له إلا بردة كان إذا غطى بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطت بها رجلاه بدت رأسه، وبقيت بعده حتى أصبت من الدنيا وأصابت مني، وما أحسبني إلا سأحبس عن أصحابي بما فتح الله علي من ذلك، وجعل يبكي حتى فاضت نفسه وفارق الدنيا, رحمة الله عليه.
697- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن أسامة بن زيد، عن ابن أبي لبيبة، عن سعد، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "خير الرزق ما يكفي، وأفضل الذكر الخفي"1.
698- حدثنا سعيد، قال حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمارة بن القعقاع، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 377، والكاشف 3/ 75، وله طرق أخرى نحوه عند البخاري "2793-3253"، وأحمد 2/ 482.
1 رواه وكيع في الزهد "118" 1/ 341-342، و"339" 2/ 616، وابن أبي شيبة "34377" 4/ 84، وأحمد 1/ 172-180-187، وفي الزهد ص10، وعبد بن حميد في المنتخب "137" ص76، وابن حبان "2323"، وأبو يعلى "731" 2/ 81-82، وابن السني في القناعة "38-39" ص61-63، وابن الأعرابي في الزهد "94-95"، ص56-57، والقضاعي في مسند الشهاب "1218-1219" 2/ 217، والدورقي في مسند سعد "74" ص134، وابن أبي عاصم في الزهد ص10، والديلمي في الفردوس "2906" 2/ 180، والحربي في غريب الحديث 2/ 845، والشاشي في مسنده "183" 1/ 221، والبيهقي في الشعب 1/ 330-407، والدارقطني في العلل 4/ 393-394، وسنده ضعيف، فيه:
1- ابن أبي لبيبة: قال ابن معين: ليس حديثه بشيء.
2- ابن أبي لبيبة لم يدرك سعدا. قاله أبو زرعة وأبو حاتم. انظر الضعفاء للدارقطني "455"، وجامع التحصيل "266"، والمراسيل "185"، وتهذيب الكمال 25/ 622، وتحفة التحصيل ص281، وتهذيب التهذيب 9/ 301، والتقريب 1/ 184.
انظر مجمع الزوائد 10/ 81، والعلل لابن أبي حاتم 2/ 143، وانظر ما بعده.(2/41)
أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا"1.
699- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا وهب بن مسرة، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ألا أبشركم يا معشر الفقراء, إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام"2.
700- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "6460" 11/ 283، ومسلم "1055" 2/ 730، و"1055" 4/ 2281، والترمذي "2361" 4/ 580، وابن ماجه "4139"، والنسائي في الرقاق من الكبرى، كما في التحفة 10/ 442، وأحمد 2/ 232, 446, 481، وفي الزهد ص13، ووكيع في الزهد "119" 1/ 343-344، وأبو يعلى "6113" 10/ 489، وابن حبان "4343-6344" 14/ 254-255، وأبو الشيخ في أخلاق النبي, صلى الله عليه وسلم ص224-225، وابن أبي شيبة في المصنف "43378" 7/ 84، وابن السني في القناعة "59, 60, 61, 62" ص77-79، والبيهقي 2/ 150، و7/ 46، والبغوي "4042" 14/ 244، وفي الشمائل "426" 1/ 323.
2 رواه ابن ماجه "4124"، وعبد بن حميد في المنتخب "797" ص254، وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف "34387" 7/ 85، وابن المبارك في الزهد "1477" ص520-521.
وفي سنده: موسى بن عبيدة الربذي: ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار.
وهنا يروي عنه. انظر التهذيب 10/ 356-360، والكاشف 3/ 164، والتاريخ الأوسط 2/ 87، والمغني 2/ 685، والتقريب 2/ 286.
ويتأيد بما في الباب عن:
1- عثمان أبي العاص: رواه المحاملي في أمياله "405" ص361، والخطيب في تاريخه 14/ 79.
2- أبي هريرة: انظر الحديث الآتي.(2/42)
رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام"1. فهذه الآثار يؤيد بعضها في فضل القناعة والرضى بالكفاف.
701- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمر بن كثير بن أفلح، عن عبيد سنوطا، عن خولة بنت حكيم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدنيا خضرة حلوة فمن أخذها بحقها بورك له فيها ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم يلقاه"2.
702- وحدثنا سعيد، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: دخل معاوية على خاله أبي هشام بن عتبة يعوده, فبكى, فقال له معاوية: ما يبكيك يا خالي، أوجع تجده أم حرص على الدنيا؟
قال: كلا ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- عهد إليّ فقال: "يا أبا هاشم، إنها لعلك تدرك أموال مؤتاها أقوام فإنما يكفيك من المال خادم ومركب في سبيل الله"، وأراني قد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2353-2354" 4/ 578، والنسائي في الكبرى "11348" 6/ 412، وابن ماجه "4122"، وأحمد في المسند 2/ 296, 343, 451، وأبو يعلى في مسنده "6018"، 10/ 411، وابن أبي شيبة "34392" 7/ 86، وابن حبان "676" 2/ 451، وهناد في الزهد "589"، والخطيب في تاريخ بغداد 5/ 34 و7/ 225، وأبو نعيم في الحلية 7/ 91 و8/ 212-250، وسنده حسن. وله طرق أخرى عن أبي هريرة. انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "4122".
2 رواه البخاري "3118"، والترمذي "2480"، وأحمد 6/ 364, 378, 410، وابن أبي شيبة في المصنف "34382" 7/ 85، والطبراني "577-إلى- 587" 24/ 227-231، و"617" 24/ 242، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني "3259, 3260, 3261" 6/ 55-56، وحديث رقم "3272" 6/ 62، وفي الزهد "152" ص58، وابن حبان "4512" 10/ 370، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "2" ص138، وابن الأعرابي في الزهد "96, 97, 98, 99" ص57-58.(2/43)
جمعت"1.
703- وحدثنا سعيد، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا محمد, قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا حسين, عن زائدة، عن منصور, عن أبي وائل، عن سمرة بن سهم، قال: دخل معاوية على خاله... فذكر مثل حديث أبي معاوية، عن الأعمش2.
704- وحدثنا سعيد، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا محمد، قال: أبو بكر، قال: حدثنا أبو عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن عبد الله بن مولة، عن بريدة الأسلمي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يكفي أحدكم من الدنيا خادم ومركب"3.
705- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر الصايغ، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "2327"، وأحمد 3/ 443-444، و5/ 290، وابن ماجه "4103"، والنسائي 8/ 218-219، وفي الكبرى "9810-9811" 5/ 507، وابن السني في القناعة "40" ص63-64، والحاكم 3/ 638، وأبو عبيد في غريب الحديث 4/ 294، وابن حبان "668" 2/ 442، وابن جرير في تهذيب الآثار "436"، وابن أبي شيبة، والطبراني في الكبير "7199, 7200, 7201" 7/ 302-303، والدولابي في الكنى 1/ 60، وابن الأعرابي في الزهد "85" ص53، وهناد في الزهد "564" 1/ 315، وابن عبد البر في الاستيعاب 12/ 166، والبيهقي في الشعب 7/ 305، والدارقطني في العلل 7/ 45.
وفي سنده: سمرة بن سهم: مجهول، كما في التقريب 1/ 333، لكن يشهد للمرفوع ما في الباب. انظر ما بعده.
2 انظر الذي قبله.
3 رواه النسائي في الكبرى "9812" 5/ 507، وأحمد في المسند 5/ 360، وابن أبي شيبة "34310-34311" 7/ 76، و"34388" 7/ 85، والدارمي "2718" 2/ 389، وأبو نعيم 6/ 206، وابن أبي عاصم "171" ص65-66، و"232" ص94، والديلمي في الفردوس "8350" 5/ 417.
وفي سنده عبد الله بن مولة: مقبول. كما في التقريب 1/ 454. ويرتقي بما قبله.(2/44)
سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن ابن مسعود وسعد بن مالك عادا سلمان, قال: فبكى.
فقالا له: ما يبكيك؟
قال: عهد عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحفظه أحد قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص82، وابن أبي عاصم في الزهد "169" ص65، وابن سعد 4/ 91، وابن جرير في تهذيب الآثار "440"، والطبراني في الكبير "6160" 6/ 261، وابن السني في القناعة "23-24" ص52-53، والدولابي في الكنى 1/ 78-79، وأبو نعيم في الحلية 1/ 196، والخطابي في غريب الحديث 2/ 352، والقضاعي "728". وفي سنده علي بن زيد: ضعيف.
وله عن سلمان طرق:
1- مورق العجلي: رواه أحمد في الزهد ص82، وابن أبي عاصم في الزهد "169" ص65، وابن جرير في تهذيب الآثار "440"، والطبراني "616" 6/ 261، وابن السني في القناعة "23" ص52-53، والدولابي في الكنى 1/ 78-79، وأبو نعيم في الحلية 1/ 196.
من طريق حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن مورق به. ورواه المروزي في زوائد زهد ابن المبارك "967" عن محمد بن أبي عدي، حدثنا حميد الطويل، عن مورق العجلي، عن بعض أصحابه، ممن أدرك سلمان به.
2- عامر بن عبد الله بن لحي: رواه ابن جرير في تهذيب الآثار "439"، وابن حبان "706"، والطبراني "6182" 6/ 268، وابن السني في القناعة "25" ص53-54، وأبو نعيم في الحلية 1/ 197، وفي سنده: عامر بن عبد الله: مستور.
3- أبو سفيان طلحة بن نافع، عن أشياخه: رواه أحمد في الزهد ص152، وهناد في الزهد "566" 1/ 316، وأبو عبيد في غريب الحديث 4/ 133-134، وابن أبي شيبة 3/ 220، وابن سعد 4/ 90-91، والحاكم في المستدرك 4/ 317، وأبو نعيم في الحلية 1/ 195-196، وفيه إبهام شيوخ أبي سفيان، ورواه ابن الأعرابي في الزهد "87" ص54 عن أبي سفيان قال: دخل سعد.
4- الحسن البصري: وكيع في الزهد "67" 1/ 290، وأحمد في المسند 5/ 438، وفي الزهد ص28-29، وابن سعد 4/ 91، وعبد الرزاق 11/ 313، وابن السني في القناعة "19" ص48، و"20" ص51 و"26" ص54، والمروزي في الزهد لابن المبارك "966"، وأبو =(2/45)
أخذه أبو العتاهية فأحسن في قوله:
إذا كنت بالدنيا بصيرا فإنما بلاغك منها مثل زاد المسافر
706- حدثنا خلف القاسم، قال: حدثنا محمد بن القاسم أبو إسحاق، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك، قال: حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده، قال: أتي عبد الرحمن بن عوف بطعام فقال: قتل مصعب بن عمير وكان خيرا مني، فلم يوجد له إلا بردة يكفن فيها، وقتل حمزة أو رجل - قال إبراهيم: أنا أشك- وكان خيرا مني فلم يوجد له إلا بردة يكفن بها، ما أظننا إلا قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا وجعل يبكي1.
فإن ظنّ ظانّ جاهل أن الاستكثار من الدنيا ليس به بأس أو غلب عليه الجهل فظن أن ذلك أفضل من طلب الكفاف منها وشبه عليه بقول الله, عز وجل: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] فيما عدد الله -عز وجل- على النبي -صلى الله عليه وسلم- من نعمة عنده فإن ذلك ليس كما ظن. وفي الآثار التي قدمنا ما يوضح لك أن الغنى ليس ما ذهب إليه واحتسبه بل هو غنى القلب، فمن وضع الله الغنى في قلبه فقد أغناه.
وكان صلى الله عليه وسلم أغنى عباد الله قلبا.
وقد روي عنه بذلك صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة تدل على ما قلنا, منها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= نعيم في الحلية 1/ 196، وابن أبي الدنيا في ذم الدنيا، والبيهقي في الشعب 2/ 357-358.
والحسن: يبعد لقاؤه لسلمان وسماعه منه. فالسند منقطع.
5- أنس: رواه أحمد 5/ 438، وابن ماجه "4104"، والطبراني في المعجم الكبير "6069" 6/ 227، وأبو نعيم في الحلية 1/ 197. وسنده جيد.
انظر هامش القناعة لابن السني تحقيق الأخ الفاضل عبد الله الجديع حفظه الله تعالى.
1 رواه البخاري "1274, 1275, 4045"، وابن المبارك في الزهد "521"، وفي الجهاد "96"، والبزار في مسنده "1009" 3/ 222، والبرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف "26" ص68، وأبو نعيم في الحلية 1/ 100.(2/46)
707- ما حدثناه عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي غالب بمصر، قال: حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي، قال: حدثنا رزق الله بن موسى، قال حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا ورقاء بن عمر:
ح: وحدثنا أحمد بن قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن أبي أسامة، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق:
ح: وحدثنا سعيد، حدثنا قاسم، حدثنا محمد، حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا ابن عيينة: كلهم عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى من كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس"1.
- ورواه مالك عن أبي الزناد بإسناده مثله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "1051" 2/ 726، وابن ماجه "4137"، وأحمد 2/ 243، وابن حبان "679" 2/ 453، وأبو يعلى "6259" 11/ 132-133، والحميدي "1063" 2/ 458، وأبو الشيخ في الأمثال "74" ص47-48، والصيداوي في معجم الشيوخ ص274، والبيهقي في الآداب "1087" ص481، والقضاعي "1208" 2/ 211، و"1211" 2/ 212، والديلمي في الفردوس "5267" 3/ 448 من طريق الأعرج، عن أبي هريرة.
- ورواه من طريق أبي حصين، عن ذكوان، عن أبي هريرة: البخاري "6446" 11/ 271، والترمذي "2373" 4/ 586، وأحمد في المسند 2/ 389-390، والقضاعي "1207" 2/ 211.
- ورواه من طريق يزيد الأصم، عن أبي هريرة: أحمد 2/ 443, 539, 540، وأبو نعيم في الحلية 4/ 98-99.
- ورواه من طريق همام، عن أبي هريرة: أحمد 2/ 315، والبغوي في شرح السنة "4040" 14/ 243، وفي التفسير "4/ 499.
- ورواه من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة: أحمد 2/ 261-438، والبغوي "4041" 14/ 244.
- ورواه من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة أبو يعلى في مسنده "6583" 11/ 461 بزيادة، و"6599" 11/ 478، والقضاعي "1209" 2/ 211-212.
- رواه من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: القضاعي "1210" 2/ 212.(2/47)
- ورواه شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد بإسناده -أيضا- مثله.
708- وحدثنا إبراهيم بن شاكر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا سعيد بن خمير وسعيد بن عثمان، قالا: حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس"1.
- ولقد أحسن عثمان بن سعدان الموصلي في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول:
تقنع بما يكفيك واستعمل الرضى فإنك لا تدري أتصبح أم تمسي
فليس الغنى عن كثرة المال إنما يكون الغنى والفقر من قبل النفس
- وأخذه الخليل بن أحمد أيضا فقال في جوابه سليمان بن حبيب بن المهلب:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخي بنفسي أني لا أرى أحدا يموت هزلا ولا يبقى على حال
الرزق عن قدر لا العجز ينقصه ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر في النفس لا في المال تعرفه كذا يكون الغنى في النفس لا المال
709- وأنشدني عبد الله بن يوسف:
تقنع كل ما فاتك ولا تيأس لما فاتك
ولا تغتر بالدنيا أما تذكر أمواتك
- وقال بكر بن أذينة:
كم من فقير غني النفس تعرفه ومن غني فقير النفس مسكين
- قال أبو عمر: كان فضيل بن عياض -رحمه الله- يقول: إنما الفقر والغنى بعد العرض على الله، أي: ذلك هو الفقر حقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو يعلى "3079"، والطبراني في الأوسط "7270"، والبزار "3617"، ورجاله ثقات. انظر مجمع الزوائد 10/ 237.(2/48)
- وقال محمود الوراق:
الفقر في النفس وفيها الغنى وفي غنى النفس الغنى الأكبر
مَن كان ذا مال كثير ولم يقنع فذاك الموسر المعسر
وكل مَن كان قنوعا وإن كان مقلا فهو المكثر
وقال -أيضا- محمود:
غنى النفس يغنيها إذا كنت قانعا وليس يغنيك الكثير مع الحرص
- وقال أبو حاتم:
إن كان ما يكفيك لا يغنيك فليس شيء في الدنيا يغنيك
- وقال أبو العتاهية في هذا المعنى:
إن كان لا يغنيك ما يكفيكا فكل ما في الأرض لا يغنيكا
- وقال:
حسبك مما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت
- وقال أبو فراس الحمداني:
غنى النفس لمن يعقـ ـل خير من غنى المال
وفضل الناس في الأنفـ ـس ليس الفضل في الحال
710- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي بن مخلد، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال سليمان بن داود, عليه السلام: كل العيش جربناه لينه وشديده، فوجدناه يكفي منه أدناه1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة "34266" 7/ 70، وأبو نعيم في الحلية 4/ 118، وأحمد في الزهد ص139، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "329" ص304، وابن المبارك في الزهد "573" ص201، والبيهقي في الشعب 2/ 270، وهناد في الزهد "562" 1/ 314، ووكيع في الزهد "116" 1/ 340، وابن الأعرابي في الزهد "101" ص59.(2/49)
711- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، قال: قال سليمان بن داود: أوتينا مما أوتي الناس، وما لم يؤتوا، وعلمنا مما علم الناس ومما لم يعلموا، فلم نجد شيئا أفضل من تقوى الله في السر والعلانية، وكلمة العدل في الرضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر1.
قال يونس: قال سفيان: وزادني فيه غير ابن أبي نجيح: قال: وقال سليمان: لا يضر مع هذا ملك.
والكلام في هذا الباب وتقصي القول فيه والآثار فيه لا سبيل إليه لخروجنا بذلك عن تأليفنا وعما له قصدنا، وإنما حملنا على أن عرجنا على ذكر ما ذكرنا فيه المعنى الذي اعترضنا مما وصفنا، وبالله التوفيق.
باب الخبر عن العلم أنه يقود إلى الله -عز وجل- على كل حال:
712- أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن زهير القاضي بالأبلة، قال: حدثنا الحسن بن زياد العتكي, قال: حدثنا عبد الله بن غالب، قال: حدثنا الربيع بن صبيح، قال: سمعت الحسن, يقول: كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة2.
713- وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن معاوية الأموي، قال: حدثنا أبو يعلى القاضي، قال: حدثنا الحسين بن مهدي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص51، وأبو نعيم في الحلية 7/ 299-300، وابن عساكر في تاريخ دمشق 22/ 281-282، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال "325" ص302، الدينوري في المجالسة "2928" 7/ 66، وابن الجوزي في الحدائق 1/ 135، وانظر الدر المنثور 5/ 648.
2 رواه الدارمي "360" 1/ 114.(2/50)
قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت معمرا، يقول: كان يقال: مَن طلب العلم لغير الله يأبى عليه العلم حتى يصيره إلى الله1.
714- حدثنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم، قالا: أخبرنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي، قال: حدثنا سويد بن سعيد ح:
وحدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون الله2.
715- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله3.
716- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن النعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني، قالوا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرني معمر, قال: كان يقال: إن الرجل ليتعلم العلم لغير الله فيأبى العلم عليه حتى يكون لله4.
717- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: طلبنا هذا الأمر وليس فيه نية, ثم جاءت النية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "20475" 11/ 256، والخطيب في جامعه "777, 781, 782" 1/ 537-539، والبيهقي في المدخل "519" ص326.
2 انظر الذي قبله.
3 انظر الذي قبله.
4 انظر الذي قبله.(2/51)
بعد1.
718- أخبرنا محمد بن إبراهيم ويوسف بن محمد بن يوسف، قالا: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا محمد بن زهير القاضي الأبلي، قال: سمعت ابن زكريا الواسطي، قال: سمعت وكيع بن الجراح، يقول: سمعت سفيان الثوري، يقول: كنا نطلب العلم للدنيا فجرّنا إلى الآخرة2.
719- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا مسلمة بن قاسم، حدثنا أسامة بن علي بن سعيد يعرف: بابن عليك، قال: حدثنا عباس بن السندي، قال: سمعت أبا الوليد الطيالسي، يقول: سمعت ابن عيينة منذ أكثر من ستين سنة يقول: طلبنا هذا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون3.
- وقال الحسن: لقد طلب أقوام هذا العلم ما أرادوا به الله وما عنده فما زال بهم حى أرادوا به الله وما عنده4.
55- باب معرفة أصول العلم وحقيقته، وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقا:
720- حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن خليفة -رحمه الله- قال: حدثنا محمد بن الحسين البغدادي بمكة، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد البردعي، قال: حدثنا بحر بن نصر الخولاني:
ح: وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في جامعه "777" 1/ 537-538، و"7080" 1/ 538-539، وأبو نعيم في الحلية 5/ 61، والبيهقي في المدخل "521" ص327.
2 رواه الذهبي في السير 7/ 272.
3 انظر المحدث الفاصل "38" ص183.
4 رواه الدارمي "360" 1/ 114 وقد سبق "712.(2/52)
أحمد بن أبي سليمان، قال: حدثنا سحنون: قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة"1.
ورواه عن عبد الرحمن بن زياد جماعة كما رواه ابن وهب.
721- وفيما أجاز لنا أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي -بخطه وأذن لي في روايته عنه- قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بدمشق، قال: أخبرنا أبو أيوب سليمان بن محمد الخزاعي، قال: حدثنا هشام بن خالد أبو مروان القرشي، قال: حدثنا بقية, عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فرأى جمعا من الناس على رجل فقال: "وما هذا؟" قالوا: يا رسول الله رجل علامة. قال: "وما العلامة؟" قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب، وأعلم الناس بعربية، وأعلم الناس بشعر، وأعلم الناس بما اختلف فيه العرب. فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "هذا علم لا ينفع، وجهل لا يضر"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "2885" 3/ 119، وابن ماجه "54"، والدارقطني في سننه 4/ 67-68، والحاكم في المستدرك 4/ 332، والبيهقي 6/ 208، والحارث في مسنده "58" 1/ 199، والبغوي في شرح السنة "136" 1/ 290-291.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1- عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المعافري: ضعيف في حفظه.
انظر التهذيب 6/ 173-176، وطبقات المدلسين ص143، والميزان 2/ 561-564، والتقريب 2/ 480.
2- عبد الرحمن بن رافع التنوخي: ضعيف. انظر المغني 2/ 379، والكاشف 2/ 145، والتقريب 1/ 479.
2 رواه الديلمي "6968" 4/ 334، وذكره في لسان الميزان 3/ 103-104 وعزاه للجامع. وهو حديث باطل، فيه:
1- بقية بن الوليد: صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، انظر التبيين "5"، وطبقات المدلسين =(2/53)
وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "العلم ثلاثة، وما خلا فهو فضل علم: آية محكمة، أو سنة قائمة, أبو فريضة عادلة".
قال أبو عمر: في إسناد هذا الحديث رجلان لا يحتج بهما، وهما: سليمان وبقية، فإن صح كان معناه أنه علم لا ينفع مع الجهل بالآية المحكمة، والسنة القائمة، والفريضة العادلة، ولا ينفع في وجهٍ ما، وكذلك لا يضر جهله في ذلك المعنى وشبهه وقد ينفع ويضر في بعض المعاني؛ لأن العربية والنسب عنصرا علم الأدب.
722- حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي بمصر، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري، قال: حدثنا الزبير بن بكار, قال: حدثنا سعيد بن داود بن أبي زنبر، عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن طاوس، عن عبد الله بن عمر، قال: العلم ثلاثة أشياء: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري.
ورواه أبو حذافة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، قال: العلم ثلاثة فذكره1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ص121، وتهذيب الكمال 4/ 192-200، والتقريب 1/ 105.
2- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج: ثقة، فقيه، فاضل، كان يدلس ويرسل.
قال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح.
انظر طبقات المدلسين ص195، والكاشف 2/ 185، والتقريب 1/ 520.
3- سليمان بن محمد الخزاعي: لا يحتج به، كما قال ابن عبد البر.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا الباطل لا يحتمله بقية وإن كان مدلسا، فإن توبع سليمان عليه احتمل أن يكون بقية دلسه على ابن جريج وما عرفت سليمان بعد.
انظر لسان الميزان 3/ 103-104، وقال في الفتح 6/ 527: "ولا يثبت" ا. هـ.
1 رواه الطبراني في الأوسط "1005"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 172، وفي تاريخه 4/ 23، والديلمي في الفردوس "4197" 3/ 70 "العلمية"، وابن عبد البر في التمهيد 4/ 266، وابن أبي حاتم في الجرح 6/ 128، والذهبي في تذكرة الحفاظ 3/ 808، وفي =(2/54)
723- حدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن عمار القرظي، قال: حدثنا المعافى بن عمران، قال: حدثنا موسى بن خلف العمي، عن أبي المقدام، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه، وأمر تبين لك زيغه فاجتنبه، وأمر اختلف فيه فكله إلى عالمه"1.
724- حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا أحمد بن دحيم، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الدؤلي، قال: حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: حدثنا الحنيني، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه, صلى الله عليه وسلم"2.
725- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= السير 15/ 61، وفي الميزان 1/ 217، وابن عدي في الكامل 1/ 175، منهم من يرفعه ولا يصح، وابن حزم في الأحكام 8/ 509-510، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 18-19. وقال: هذا موقوف حسن الإسناد. وانظر مجمع الزوائد 1/ 172.
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير "10774" 10/ 386-387 بسنده عن النبي, صلى الله عليه وسلم: أن عيسى بن مريم -عليه السلام- قال...، قال في مجمع الزوائد 1/ 157: "ورجاله موثقون".
2 رواه مالك في الموطأ بلاغا 2/ 899، وسيأتي برقم "951" إن شاء الله تعالى.
وسنده ضعيف جدا، فيه:
1- كثير بن عبد الله: ضعيف، منهم من نسبه إلى الكذب. انظر التقريب 2/ 132، والكاشف 3/ 5، التهذيب 8/ 421-423.
2- أبوه: عبد الله بن عمرو بن عوف: مقبول. انظر التقريب 1/ 437، والكاشف 2/ 101، والتهذيب 5/ 339-340.
3- إسحاق بن إبراهيم الحنيني: ضعيف. انظر التهذيب 1/ 222-223، والتقريب 1/ 55. وفي الباب ما يغني عنه.(2/55)
أبي هانئ الخولاني، عن رجل، عن أبي بصرة الغفاري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سالت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها"1.
- وفي كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عروة: كتبت إليّ تسألني عن القضاء بين الناس، وإن رأس القضاء اتباع ما في كتاب الله، ثم القضاء بسنة رسول الله، ثم بحكم أئمة الهدى، ثم استشارة ذوي العلم والرأي2.
- وذكر ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، قال: كان ابن شبرمة، يقول:
ما في القضاء شفاعة لمخاصم عند اللبيب ولا الفقيه العالم
هون علي إذا قضيت بسنة أو بالكتاب برغم أنف الراغم
وقضيت فيما لم أجد أثرا به بنظائر معروفة ومعالم3
726- حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن مالك، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف، قال: حدثنا أبو الحسين بن المنتاب القاضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 6/ 396، والطبراني في المعجم الكبير "2171" 2/ 281، وفيه رجل مبهم.
وفي الباب عن: معاذ بن جبل:
رواه أحمد 4/ 195-196، و5/ 240-245، والطبراني "243" 20/ 21، والداني في الفتن "9" 1/ 193-194.
قال في مجمع الزوائد 2/ 311: "أبو قلابة، لم يدرك معاذ بن جبل".
وللحديث شواهد يرتقي بها.
وقع في المطبوعة: أبو نضرة والصواب أبو بصرة: انظر أسد الغابة 2/ 61، وتهذيب الكمال 7/ 423، والإصابة 2/ 130، والتهذيب 3/ 56.
ووقع في المسند: أبو وهب الخولاني، وكذا في إتحاف المهرة 14/ 39.
2 رواه الدينوري في المجالسة "3071" 7/ 168-169، وابن قتيبة في غريب الحديث 2/ 587-588، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 78 نحوه، وانظر عيون الأخبار 1/ 126، والفائق 2/ 38، والنهاية 2/ 196.
3 رواه وكيع في أخبار القضاة 1/ 96-97، وعنده: ولا الفقيه الحاكم.
أهون علي ما قد قضيت...(2/56)
المالكي، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا أبو ثابت، عن ابن وهب، قال: قال مالك: الحكم حكمان: حكم جاء به كتاب الله، وحكم أحكمته السنة.
قال: ومجتهد رأيه، فلعله يوفق.
قال: ومتكلف، فطعن عليه1.
727- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن دليم ووهب بن مسرة، قالا: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن ابن وهب قال: قال لي مالك: الحكم الذي يحكم به بين الناس حكمان: ما في كتاب الله، أو أحكمته السنة، فذلك الحكم الواجب ذلك الصواب، والحكم الذي يجتهد فيه العالم برأيه فلعله يوفق، وثالث متكلف، فما أحراه ألا يوفق.
- وقال مالك: الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل2.
- وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب: سمعت مالكا يقول: ليس الفقه بكثرة المسائل ولكن الفقه يؤتيه الله من يشاء من خلقه.
- قال ابن وضاح: وسئل سحنون: أيسع العالم أن يقول: لا أدري فيما يدري؟ فقال: أما ما في كتاب قائم أو سنة ثابتة فلا يسعه ذلك، وأما ما كان من هذا الرأي فإنه يسعه ذلك؛ لأنه لا يدري أمصيب هو أم مخطئ.
- وذكر ابن وهب في كتاب العلم من جامعه، قال: سمعت مالكا يقول: إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور جعله الله في القلوب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "755" ص558، والقاضي عياض في الإلماع ص217.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 319، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص558، والخطيب في الجامع "1526" 2/ 174 "الطحان". وذكره في السير 8/ 107، وفي صفوة الصفوة 2/ 179.(2/57)
- وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب، وقال مالك: العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء وليس بكثرة المسائل.
728- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن منير، قال: حدثنا أبو بكر بن جناد، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا قرة، عن عون بن عبد الله، قال: قال عبد الله بن مسعود: ليس العلم عن كثرة الحديث إنما العلم خشية الله1.
- وذكر ابن وهب، عن ابن مهدي، عن قرة بن خالد، عن عون بن عبد الله، قال: قال ابن مسعود: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم خشية الله.
729- حدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى وعبد العزيز بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان بالقيروان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان البغدادي بالإسكندرية، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي فزارة، قال: قال ابن عباس: إنما هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فمن قال بعد ذلك شيئا برأيه فما أدري أفي حسناته يجده أم في سيئاته؟2.
730- وحدثنا إبراهيم بن شاكر، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن عبد العزيز، قال: حدثنا أسلم بن عبد العزيز، قال: حدثنا المزني والربيع بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في الزهد ص185، والورع ص80، وأبو نعيم في الحلية 1/ 131، والطبراني "5834" 9/ 105، والبيهقي في المدخل "486" ص314.
وعون لم يدرك ابن مسعود. انظر تحفة التحصيل ص251، وتهذيب الكمال 22/ 453، وجامع التحصيل ص249، وانظر مجمع الزوائد 10/ 235.
2 رواه الدارمي "158" 1/ 69، والبيهقي في المدخل "190" ص180 بنحوه، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 183، وسيأتي برقم "1046".(2/58)
سليمان، قالا: قال الشافعي: ليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهة العلم، وجهة العلم: ما نص في الكتاب أو في السنة أو في الإجماع أو القياس على هذه الأصول ما في معناها1.
قال: قال أبو عمر: أما كتاب الله فيغني عن الاستشهاد عليه، ويكفي من ذلك قول الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3].
وكذلك السنة يكفي فيها قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]. وقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
أما الإجماع فمأخوذ من قول الله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]؛ لأن الاختلاف لا يصح معه هذا الظاهر، وقول النبي, صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة". وعندي أن إجماع الصحابة لا يجوز خلافهم والله أعلم؛ لأنه لا يجوز على جميعهم جهل التأويل، وفي قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]؛ دليل على أن جماعتهم إذا اجتمعوا حجة على من خالفهم كما أن الرسول حجة على جميعهم، ودلائل الإجماع من الكتاب والسنة كثير ليس كتابنا هذا موضعا لتقصيها، وبالله التوفيق.
وقال محمد بن الحسن: العلم على أربعة أوجه: ما كان في كتاب الله الناطق وما أشبهه، وما كان في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المأثورة وما أشبهها، وما كان فيما أجمع عليه الصحابة -رحمهم الله- وما أشبهه، وكذلك ما اختلفوا فيه لا يخرج عن جميعه، فإن أوقع الاختيار فيه على قول فهو علم تقيس عليه ما أشبهه، وما استحسنه عامة فقهاء المسلمين وما أشبهه، وكان نظيرا له.
قال: ولا يخرج العلم عن هذه الوجوه الأربعة. قال أبو عمر: قول محمد بن الحسن: وما أشبهه يعني ما أشبه الكتاب، وكذلك قوله في السنة وإجماع الصحابة يعني: ما أشبه ذلك كله فهو القياس المختلف فيه الأحكام، وكذلك قول الشافعي:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما رواه البيهقي في المدخل ص175، وفي معرفة السنن والآثار 1/ 67.(2/59)
أو كان في معنى الكتاب والسنة، هو نحو قول محمد بن الحسن، ومراده من ذلك القياس عليها، وليس هذا موضع القول في القياس، وسنفرد لذلك بابا كافيا في كتابنا هذا إن شاء الله.
وإنكار العلماء للاستحسان أكثر من إنكارهم للقياس، وليس هذا موضع بيان ذلك.
731- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة والقعنبي، قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة، أنه قال: يا رسول الله، مَن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
قال: "لقد ظننت يا أبا هريرة أنه لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، إن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة مَن قال: لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه"1.
- وذكره البخاري، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو بإسناده مثله.
732- أخبرنا سعيد، قال: أخبرنا قاسم، قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا عاصم، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن أبي سالم، عن معاوية الهذلي، عن أبي هريرة, قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا رد إليك ربك في الشفاعة؟
فقال: "والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول مَن يسألني عن ذلك لما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "99-6570"، والنسائي "5842" 3/ 426-427، وأحمد 2/ 373، وابن منده في الإيمان "904, 905, 906" 2/ 862-863، وابن أبي عاصم في السنة "825" 2/ 394، وابن سعد في الطبقات 2/ 363-364، و4/ 330، والذهبي في السير 2/ 596، والرافعي في التدوين 2/ 428، وابن خزيمة في التوحيد ص291.(2/60)
رأيت من حرصك على العلم..." وذكر الحديث1.
قال أبو عمر: في الخبر الأول: "لما رأيت من حرصك على الحديث". وفي هذا: "لما رأيت من حرصك على العلم" فسمى الحديث علما على الإطلاق.
ومثل ذلك قوله, صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها غيره، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه"2: فسمى الحديث فقها مطلقا وعلما، وقد ذكرنا أسانيد هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا هذا.
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص إذ أذن له أن يكتب حديثه: "قيد العلم". فقال له: يا رسول الله وما تقييده؟
قال: "الكتاب"3. فأطلق على حديثه اسم العلم لمن تدبره وفهمه.
733- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أُبي بن كعب، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أبا المنذر أي آية معك في كتاب الله أعظم؟"- "مرتين" قال: قلت: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. قال: فضرب في صدري وقال: "ليهنك بالعلم أبا المنذر" وذكر تمام الحديث4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد 2/ 307، وفي سنده:
1- سالم الجيشاني: مقبول، كما في التقريب 1/ 279.
2- معاوية بن مغيث: مجهول، انظر تعجيل المنفعة ص307، والجرح 4/ 1/ 379 وفيه: ابن عتبة.
2 سبق تخريجه.
3 سبق تخريجه.
4 رواه مسلم "810" 1/ 556، وأبو داود "1460" 2/ 72، وأحمد 5/ 141-142، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني "1847" 3/ 424، وابن الضريس في فضائل القرآن ص90-91، وأبو نعيم في المستخرج "1836" 2/ 406، والحلية 1/ 250، والطيالسي في مسنده "550" =(2/61)
734- أخبرنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم:
ح: وحدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، قال: حدثنا إبراهيم بن علي: قالا: حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان، قال: حدثنا يوسف بن سعيد، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني داود بن أبي عاصم، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن، قال: بينا أنا وأبو هريرة عند ابن عباس جاءته امرأة فقالت: توفي عنها زوجها وهي حامل، فذكرت أنها وضعت لأدنى من أربعة أشهر من يوم مات عنها زوجها.
فقال ابن عباس: أنت لآخر الأجلين.
قال أبو سلمة: فقلت: إن عندي من هذا علما، وذكر حديث سبيعة الأسلمية1.
- وروى مالك، عن محمد بن شهاب، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب حين خرج إلى الشام فأخبر أن الوباء قد وقع فيها، واختلف عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء عبد الرحمن بن عوف فقال: إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا سمعتم به بأرض" وذكر الحديث2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ص74، وعبد بن حميد "178" ص92، والعقيلي في الضعفاء 2/ 212، والمقدسي في فضائل القرآن "43" ص87، وعبد الرزاق في المصنف "6001" 3/ 370، وأبو عبيد في الفضائل ص229-230، والبيهقي في الشعب 2/ 456، وفي سننه الصغرى 1/ 548، والبغوي "1195" 4/ 459، والطبراني في المعجم الكبير "526" 1/ 197، والحاكم في المستدرك 3/ 303.
1 انظر ما رواه البخاري "4909" 8/ 653، و"5318" 9/ 469، ومسلم "1484"، وقد سبق نحوه.
2 رواه البخاري "5729" 10/ 189، ومسلم "2219" 4/ 1740-1741، وأحمد 1/ 194، والبزار في مسنده "989" 3/ 203، وأبو يعلى "837" 2/ 149-150، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 303-304، ومالك "22" 2/ 894، والشاشي "237" 1/ 269-270، وانظر =(2/62)
735- أخبرنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن سهل الأشناني، قال: حدثنا الحسين بن علي بن الأسود، قال: حدثنا يحبى بن آدم، قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، في قول الله, عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. قال: إلى الله: إلى كتاب الله، وإلى الرسول: إلى سنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم1.
736- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية:
ح: وأخبرنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: يوسف من موسى القطان، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، قال: {إِلَى اللَّهِِ} إلى كتاب الله وإلى {وَالرَّسُولِ}، قال: ما دام حيا، فإذا قبض فإلى سنته2.
837- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد ويحيى بن عبد الرحمن، قالوا: أخبرنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا ابن الزراد وأحمد بن خالد, قالا: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يعقوب بن كعب وقاسم بن عيسى، قالا: حدثنا عبد الواحد بن سليمان، قال: سمعت ابن عون، يقول: ثلاث أحبهن لي ولإخواني: هذا القرآن يتدبره الرجل ويتفكر فيه فيوشك أن يقع على علم لم يكن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= البرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف "1" ص27-29، و"27" ص69-70.
1 رواه ابن أبي حاتم "5528" 3/ 987، والطبري "9857, 9858, 9859" 4/ 150، وابن بطة في الإبانة "86" 1/ 252، واللالكائي 1/ 72، والدارمي "219" 1/ 83.
2 رواه الطبري "9888" 4/ 154، والآجري في الشريعة 1/ 53، واللالكائي "76" 1/ 72-73، وابن بطة في الإبانة "58-59" 1/ 217-218، و"85" 1/ 251-252، والخطيب في الفقيه 1/ 144، وانظر تفسير ابن أبي حاتم "5543" 3/ 990.(2/63)
يعلمه، وهذه السنة يتطلبها ويسأل عنها، ويذر الناس إلا من خير1.
قال أحمد بن خالد: هذا هو الحق الذي لا شك فيه.
قال: وكان ابن وضاح يعجبه هذا الخبر ويقول: جيد جيد.
- وذكر أبو بكر محمد بن الحسن النقاش، قال: حدثنا عبد الله بن محمود، قال: سمعت يحيى بن أكثم، يقول: ليس من العلوم كلها علم هو واجب على العلماء وعلى المتعلمين وعلى كافة المسلمين من علم ناسخ القرآن ومنسوخه؛ لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا، والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم علم ذلك لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله.
738- قرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ حدثهم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثني موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله, عز وجل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]. قال: طاعة الله ورسوله: اتباع الكتاب والسنة {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: أولي العلم والفقه2.
739- قال: وحدثنا ابن مهدي، عن الحسن، عن أبي جعفر، عن ليث، عن مجاهد، قال: أولي الفقه3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري معلقا 13/ 248، واللالكائي "36" 1/ 61، والمروزي في السنة "28"، والبغوي في شرح السنة 1/ 208-209، وابن حجر في التغليق 5/ 319-320.
2 رواه ابن أبي حاتم "5528" 1/ 987، وابن جرير 4/ 152، واللالكائي "75" 1/ 72، وسعيد بن منصور "655" 4/ 1289، وابن بطة في الإبانة "86" 1/ 252.
3 رواه مجاهد في تفسيره 1/ 162-163، وسعيد بن منصور في سننه "656" 4/ 1290، وابن أبي حاتم في التفسير "5535" 3/ 989، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 166، والطبري "9868, 9869, 9871, 9873, 9877, 9879" 4/ 151-152. وأبو خيثمة في العلم "62" ص18، واللالكائي "77" 1/ 73، والآجري في أخلاق حملة القرآن ص68، وفي أخلاق العلماء "15" ص16، وابن بطة في الإبانة، وأبو نعيم في الحلية 3/ 292-294، =(2/64)
- قال ابن مهدي: وأخبرنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، قال: أولي الخير1.
740- أخبرنا أحمد بن فتح، قال: حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ناصح الفقيه الشافعي المعروف بابن المفسر في داره بمصر، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن يزيد بن عبد الصمد، قال: حدثنا موسى بن أيوب النصيبي، قال: حدثنا بقية بن الوليد، قال: قال لي الأوزاعي: يا بقية العلم، ما جاء عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وما لم يجئ عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فليس بعلم، يا بقية لا تذكر أحدا من أصحاب محمد نبيك -صلى الله عليه وسلم- إلا بخير ولا أحدا من أمتك، وإذا سمعت أحدا يقع في غيره فاعلم أنه إنما يقول: أنا خير منه2.
741- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثني قاسم، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا المسيب بن واضح، قال: حدثنا بقية، قال: سمعت الأوزاعي، يقول: العلم ما جاء عن أصحاب محمد وما لم يجئ عن واحد منهم فليس بعلم3.
742- حدثني خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ناصح المعروف بابن المفسر الدمشقي بمصر، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي, قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله, عز وجل: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]، قال: أصحاب محمد ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والبيهقي في المدخل "270-271" ص214-215، وانظر الدر المنثور 2/ 176.
1 رواه ابن أبي حاتم "5533" 3/ 988، والطبري "9867" 4/ 151، والحاكم في المستدرك 1/ 122-123، والآجري في أخلاق العلماء "19" ص17-18، والبيهقي في المدخل "268" ص213-214، وسنده حسن لأجل ابن عقيل، وانظر الدر المنثور 2/ 176..
2 سبق، وانظر الرد المؤمل ص44، والإيقاظ ص27.
3 سبق.(2/65)
صلى الله عليه وسلم1.
743- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا دحيم، قال: حدثنا عمر بن عبد الواحد، قال: سمعت الأوزاعي، عن ابن المسيب، أنه سئل عن شيء؟ فقال: اختلف فيه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أرى لي معهم قولا. قال ابن وضاح: هذا هو الحق.
قال أبو عمر: معناه: ليس له أن يأتي بقول يخالفهم به.
744- وحدثني خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو أحمد المفسر، قال: حدثنا أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي وهارون بن إسحاق، قالا: حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد، قال: العلماء؛ أصحاب محمد, صلى الله عليه وسلم.
745- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا محمد بن منصور, حدثنا شجاع بن الوليد، حدثنا خصيف، عن سعيد بن جبير، قال: ما لم يعرف البدريون فليس من الدين2.
746- حدثنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين أبو بكر البغدادي بمكة، قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي، قال: حدثنا زيد بن أخزم، قال: حدثنا أبو قتيبة، قال: حدثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قول الله, عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وسلم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبري "28711" 10/ 347.
2 روى البخاري "7282"، وأبو داود، واللالكائي "119" 1/ 90، وعبد الله في السنة "18"، وابن نصر في السنة "25"، وابن وضاح في البدع ص10-11، وابن بطة في الإبانة "25" 1/ 189-190، وأبو نعيم في الحلية 10/ 280 عن حذيفة قوله: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تعبدوها...
3 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره "3968" 2/ 732، وعبد الرزاق في تفسيره 1/ 130، والطبري في تفسيره "7604-7605" 3/ 389، و"7609" 3/ 390، وأحمد في المسند 1/ 272, 273, 319, 324, 354، والنسائي في الكبرى "11072" 6/ 313، والحاكم في المستدرك 2/ 394-395، والطبراني "12303" 12/ 6.
قال الحافظ في الفتح 8/ 225: "بإسناد جيد" ا. هـ.(2/66)
- وذكر أبو يوسف يعقوب بن شيبة، قال: حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: حدثني أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، قال: إنا والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان, وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج: أن أتموا الحج وخلصوه في أشهر الحج، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فإن الله قد وسع في الخير.
فقال له علي: عمدت إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورخصة رخص للعباد بها في كتابه, تضيق عليهم فيها وتنهى عنها وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثم أهلّ بعمرة وحجة معا، فأقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها؟ إني لم أنه عنها, إنما كان رأيا أشرت به، فمن شاء أخذ به ومَن شاء تركه.
قال: فما أنسى قول رجل من أهل الشام مع حبيب بن مسلمة: انظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين، والله لو أمرني لضربت عنقه.
قال: فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره، وقال: اسكت فض الله فاك؛ فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بما يختلفون فيه1.
747- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن يوسف وإبراهيم بن عباد، قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: سئل عطاء عن المستحاضة. فقال: تصلي وتقرأ القرآن وتستثفر بثوب ثم تطوف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 1/ 92 وابن حزم في الإحكام 6/ 218-219 وسنده حسن, إن شاء الله تعالى.(2/67)
فقال له سليمان بن موسى: أيحل لزوجها أن يصيبها؟
قال: نعم.
قال سليمان: أرأي أم علم؟
قال: بل سمعنا أنها إذا صامت وصلت حل لزوجها أن يصيبها1.
- وذكر عبد الرزاق، أيضا عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عن رجل غريب قدم في غير أشهر الحج معتمرا ثم بدا له أن يحج في أشهر الحج أيكون متمتعا؟
قال: لا يكون متمتعا حتى يأتي من ميقاته في أشهر الحج.
قلت: أرأي أم علم؟ قال: بل علم2.
- وذكر سنيد، عن محمد بن كثير, عن ابن شوذب, عن أيوب، عن ابن سيرين، أنه سئل عن المتعة بالعمرة إلى الحج, قال: كرهها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، فإن يكن علما فهما أعلم مني، وإن يكن رأيا فرأيهما أفضل3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "1194" 1/ 311، وابن أبي شيبة 4/ 279 "الهندية"، والدارمي نحوه "824-826" 1/ 228، وانظر الأوسط لابن المنذر 2/ 216.
2 رواه ابن حزم في المحلى 7/ 160، وانظر ما رواه الطبري "3437" 2/ 255.
3 روى ابن أبي حاتم "1792" 1/ 340-341 بسنده عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يابن أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصنعناها معه.
ورواه مالك في الموطأ 1/ 344، والبخاري في التاريخ الكبير 1/ 125، والترمذي "823"، والنسائي 5/ 152، وفي الكبرى "3714" 2/ 348، وأحمد "1503"، والشافعي 1/ 373-374، وفي السنن المأثورة ص373، وأبو يعلى "805" 2/ 130، والشاشي "166" 1/ 210-211، والقاسم بن سلام في الناسخ "326"، والفسوي 1/ 363، والطحاوي 2/ 141، وابن الجوزي في التحقيق 2/ 125، والبيهقي 5/ 16-17، والدورقي في مسند سعد "124" ص206، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1218، وانظر التمهيد لابن عبد البر 8/ 360، والعلل للدارقطني 4/ 292-293.(2/68)
748- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت الأعمش، يقول: سمعت أبا وائل شقيق بن سلمة، يقول: لما كان يوم صفين وحكم الحكمان سمعت سهل بن حنيف يقول: يا أيها الناس اتهموا رأيكم، فلقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أبي جندل، ولو نستطيع أن نرد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره لرددناه... وذكر الحديث1.
749- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع أبو الحسن القاضي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدثنا طلق بن غنام، قال: أبطأ حفص بن غياث في قضية فقلت له. فقال: إنما هو رأيي, ليس فيه كتاب ولا سنة، وإنما أحز في لحمي فما عجلني.
750- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق، قال: حدثنا الخضر بن داود، قال: حدثني أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل، وقد عاوده السائل في عشرة دنانير ومائة درهم- فقال أبو عبد الله: برأي أستعفي منها، وأخبرك أن فيها اختلافا، وأن مِن الناس مَن قال: يزكي كل نوع على حدة، ومنهم مَن يرى أن يجمع بينهما وتلح عليّ تقول: فما تقول أنت فيها؟ وما عسى أن أقول فيها، أنا أستعفي منها، كل قد اجتهد، فقال له رجل: ولا بد أن نعرف مذهبك في هذه المسألة لحاجتنا إليها، فغضب وقال: أي شيء بد؟ إذا هاب الرجل شيئا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2181, 3182, 4189, 4844, 7308"، ومسلم "1785"، وأحمد 3/ 485، والحميدي "404" 1/ 197، والطبراني "5598- إلى- 5605" 6/ 88-90، والبيهقي 9/ 222، وفي المدخل "218" ص192-193، وابن حزم في الإحكام 4/ 424 و6/ 782، واللالكائي "207" 1/ 125.(2/69)
أيحمل على أن يقول فيه، ثم قال: وإن قلت فإنما هو رأي وإنما العلم ما جاء من فوق، ولعلنا أن نقول القول ثم نرى بعده غيره.
ثم ذكر أبو عبد الله حديث عمر بن دينار، عن جابر بن زيد, أنه قيل له: يكتبون رأيك؟ قال: تكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدا؟
قال أبو بكر الأثرم: ولم يزل به السائل حتى جعل يجنح لقول مَن لا يرى الجمع بينهما وكأني رأيت مذهبه أن يزكي كل نوع منهما على حدته.
- وذكر إسماعيل القاضي, قال: قال محمد بن مسلمة: إنما على الحاكم الاجتهاد فيما يجوز فيه الرأي، وليس أحد في رأي على حقيقة أنه الحق، وإما حقيقته الاجتهاد1.
751- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي، قال: حدثنا موسى بن إسحاق، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: سمعت مالك بن أنس، يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكلما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وكلما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه2.
- وذكر أحمد بن مروان المالكي، عن أبي جعفر بن رشدين، عن إبراهيم بن المنذر، عن معن، عن مالك مثله.
752- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا مطرف، قال: سمعت مالكا يقول: قال لي ابن هرمز: لا تمسك على شيء مما سمعت مني من هذا الرأي فإنما أفتجرته أنا وربيعة فلا تتمسك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في مسألة اجتهاد القاضي في تبصرة الحكام لابن فرحون 1/ 52-53.
2 انظر مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول ص60-61، وأصول الأحكام لابن حزم 6/ 790، والإيقاظ ص72.(2/70)
753- أخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر والثوري، عن ابن أبجر، قال: قال لي الشعبي: ما حدثوك عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخذ به، وما قالوا فيه برأيهم فبُل عليه1.
- ورواه مالك بن مغول عن الشعبي مثله سواء.
754- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا أبو سفيان الحميري، قال: سألت هشيما عن تفسير القرآن، كيف صار فيه اختلاف؟ قال: قالوا برأيهم فاختلفوا.
755- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن عاصم الأحول، قال: كان ابن سيرين إذا سئل عن شيء قال: ليس عندي فيه إلا رأي أتهمه.
فيقال له: قل فيه على ذلك برأيك، فيقول: لو أعلم أن رأيي يثبت لقلت فيه، ولكني أخاف أن أرى اليوم رأيا وأرى غدا غيره فأحتاج أن أتبع الناس في دورهم.
- وذكر وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن سالم بن عبد الله بن عمر، أن رجلا سأله عن شيء فقال له سالم: لم أسمع في هذا بشيء.
فقال له الرجل: إني أرضى برأيك.
فقال له سالم: لعلي أخبرك برأيي ثم تذهب فأرى بعدك رأيا آخر غيره فلا أجدك.
- قال ابن وهب: وأخبرني عمرو بن الحارث، أن عمرو بن دينار أخبره أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "2476" 11/ 256، وأبو نعيم في الحلية 4/ 319، والبيهقي في المدخل "814" ص437. وقد سبق.(2/71)
طاوسًا أخبره عن عبد الله بن عمرو، أنه كان إذا سئل عن شيء لم يبلغه فيه شيء قال: إن شئتم أخبرتكم بالظن.
- وقد تقدم ذكر قول أبي السمح, رحمه الله: إنه سيأتي على الناس زمان يسمن الرجل راحلته، ثم يسير عليها حتى تهزل يلتمس مَن يفتيه بسنة، فلا يجد إلا مَن يفتيه بالظن.
- وروي عن مالك -رحمه الله- أنه كان يقول: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًَّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].
- وذكر خالد بن الحارث، عن عبيد الله بن الحسن العنبري، قاضي البصرة ومفتيها أنه قال: في نفقه الولد البالغ المدرك: إنه لا تلزم الوالد. قيل له: أفيعطيهم الوالد من زكاة ماله.
قال: إنما قولي لا تلزمه نفقتهم رأي، ولا أدري لعله خطأ أو أكره أن يغرر بزكاته فيعطيها ولده الكبار وهو يجد موضعا لا شك فيه.
756- وأخبرنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: سئل بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فقال: إني لأستحي من ربي أن أقول في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- برأيي1.
- وقال عطاء: وأضعف العلم أيضا علم النظر أن يقول الرجل: رأيت فلانا يفعل كذا ولعله قد فعله ساهيا.
- ومن فصل لابن المقفع في "اليتيمة" قال: ولعمري أن لقولهم: ليس الدين خصومة أصلا يثبت وصدقوا، ما الدين بخصومة ولو كان خصومة لكان موكولا إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عثمان بن عطاء: ضعيف. انظر المغني 2/ 427، والكاشف 2/ 222، والتقريب 2/ 12. وأبوه عطاء بن أبي مسلم: صدوق، يهم كثيرا، ويرسل ويدلس. انظر التهذيب 7/ 212-215، والكاشف 2/ 233، والتقريب 2/ 23.(2/72)
الناس يثبتونه بآرائهم وظنهم، وكل موكول إلى الناس رهينة ضياع، وما ينقم على أهل البدع إلا أنهم اتخذوا الدين رأيا وليس الرأي ثقة ولا حتما، ولم يتجاوز الرأي منزلة الشك والظن إلا قريبا، ولم يبلغ أن يكون يقينا ولا ثبتا ولستم سامعين أحدا يقول لأمر قد استيقنه وعلمه: أرى أنه كذا وكذا، فلا أجد أحدا أشد استخفافا بدينه ممن اتخذ رأيه ورأي الرجال دينا مفروضا.
- قال أبو عمر: إلى هذا المعنى -والله أعلم- أشار مصعب الزبيري في قوله:
فأترك ما علمت لرأي غيري وليس الرأي كالعلم اليقين
وهي أبيات كثيرة أنشدها مصعب.
- ثم ذكر ابن أبي خيثمة أنها شعره. وسنذكر الأبيات بتمامها في باب ما تكره فيه المناظرة والجدال من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ولا أعلم بين متقدمي علماء هذه الأمة وسلفها خلافا أن الرأي ليس بعلم حقيقة وأفضل ما روي عنهم في الرأي أنهم قالوا: نعم وزير العلم الرأي الحسن1.
- وقالوا: أبقى الكتاب موضعا للسنة، وأبقت السنة موضعا للرأي الحسن2.
"وأما أصول العلم" فالكتاب والسنة وتنقسم السنة قسمين:
أحدهما: إجماع تنقله الكافة عن الكافة، فهذا من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناك خلاف، ومَن رد إجماعهم فقد رد نصا من نصوص الله يجب استتابته عليه وإراقة دمه إن لم يتب لخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيل جميعهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى ابن بطة في الإبانة "223" 1/ 348، وابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص57، عن مجاهد: أفضل العبادة حسن الرأي -يعني: السنة- وسيأتي برقم "854" تخريجه إن شاء الله.
2 رواه البيهقي، عن مالك، قال: قال ربيعة: أنزل الله كتابه على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وترك فيه موضعا لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-, وسن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السنن وترك فيها موضعا للرأي، انظر نصب الراية 4/ 63، ومفتاح الجنة ص42.(2/73)
والضرب الثاني: من السنة خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد، فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة، ومنهم مَن يقول: إنه يوجب العلم والعمل جميعا وللكلام في ذلك موضع غير هذا.
757- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا علي بن المديني, قال: حدثنا جرير -يعني: ابن عبد الحميد- عن عاصم الأحول، عن مورق العجلي، قال: قال عمر بن الخطاب: تعلموا الفرائض والسنة كما تتعلمون القرآن1.
758- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، قال: قال لي إسحاق بن راشد: كان الزهري إذا ذكر أهل العراق ضعف علمهم, فقلت له: إن بالكوفة مولى لبني أسد -يعني: الأعمش- يروي أربعة آلاف حديث قال: أربعة آلاف حديث! قلت: نعم، إن شئت حدثتك ببعض حديثه -أو قال: بعض علمه- قال: فجيء به, فجئت به، فلما قرأه قال: والله إن هذا لعلم، وما كنت أرى أن بالعراق أحدا يعلم هذا2.
759- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب عن محمد، قال: قال شريح: إنما أقتفي الأثر، فما وجدت في الأثر حدثتكم به3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "2850" 2/ 441، وسعيد بن منصور 1/ 1، ورواه البيهقي في المدخل "376" ص266-267، وفي سننه 6/ 209، وفي الشعب 2/ 257، وسيأتي برقم "981-982" إن شاء الله تعالى.
2 رواه الدارمي "432" 1/ 125 بأتم منه، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 208، وابن بطة في الإبانة "100" 1/ 262-263، والآجري في الشريعة 1/ 53، وسنده صحيح بطرقه. وانظر مفتاح الجنة ص132.
3 سيأتي برقم "857" إن شاء الله تعالى.(2/74)
760- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحوطي, حدثنا إسماعيل بن عياش، عن سوادة بن زياد وعمرو بن مهاجر، عن عمر بن عبد العزيز، أنه كتب إلى الناس: أنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله, صلى الله عليه وسلم1.
761- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، قال: سمعت عبدان بن عثمان, يقول: سمعت ابن المبارك، يقول: ليكن الأمر الذي يعتمدون عليه هذا الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث2.
762- قال: وحدثنا ابن أبي رزمة، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، قال: إنما الدين بالآثار3.
763- أنشدني عبد الرحمن بن يحيى، قال: أنشدنا أبو علي الحسن بن الخضر الأسيوطي بمكة، قال: أنشدنا أبو القاسم محمد بن جعفر الأخباري، قال: أنشدنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه:
دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى آثار
لا ترغبن عن الحديث وآله فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في المدخل "231" ص199، بلفظ: إنما أقتفي الأثر -يعني: آثار النبي- صلى الله عليه وسلم.
وانظر مفتاح الجنة للسيوطي ص102، وسنده صحيح.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 8/ 165، والبيهقي في المدخل "240" ص202، والخطيب في الفقيه 2/ 164، والقاضي عياض في الإلماع ص36-37، وسنده صحيح.
وانظر مختصر الرد المؤمل ص44، ومفتاح الجنة ص102.
3 رواه البيهقي في المدخل "235" ص200، وأبو نعيم في الحلية 6/ 367 و7/ 57، والقاضي عياض في الإلماع ص38، وسنده صحيح. انظر مفتاح الجنة ص102.
4 رواه اللالكائي "311" 1/ 149 أن فتى من أصحاب الحديث أنشدها، وابن رجب في ذيل الطبقات 1/ 21 من طريق اللالكائي.
والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص86 من إنشاد عبدة بن زياد الأصبهاني. والقاضي عياض في الإلماع ص38 من إنشاد محمد بن الزبرقان. وانظر مفتاح الجنة ص143.(2/75)
- قال بشر بن السري السقطي: نظرت في العلم فإذا هو الحديث والرأي، فوجدت في الحديث ذكر النبيين والمرسلين وذكر الموت وذكر ربوبية الرب وجلاله وعظمته وذكر الجنة والنار وذكر الحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير، ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والخديعة والتشاح واستقصاء الحق والمماسكة في الدين واستعمال الحيل والبعث على قطع الأرحام والتجرؤ على الحرام.
وروي مثل هذا الكلام عن يونس بن أسلم.
764- أخبرني عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير, قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: حدثنا أزهر، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، قال: كانوا يرون أنهم على الطريق ما داموا على الأثر1.
- وقد زدنا هذا المعنى بيانا في باب الرأي، وقلت أنا:
مقالة ذي نصح وذات فوائد إذا من ذوي الألباب كان استماعها
عليكم بآثار النبي فإنها من افضل أعمال الرشاد اتباعها
765- أخبرني عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو بشر الدولابي, قال: حدثنا إسحاق بن سيار، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا سلام أبو الهيثم، قال: سمعت أبا بكر الهذلي، يقول: قال لي الزهري: يا هذلي يعجبك الحديث؟
قلت: نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "140-141" 1/ 66، والآجري في الشريعة ص18، والبيهقي في المدخل "230" ص198-199، واللالكائي "109, 110, 111" 1/ 87.
وسنده صحيح. انظر مفتاح الجنة ص102.(2/76)
قال: أما إنه يعجب ذكور الرجال ويكرهه مؤنثوهم1.
- وذكر أبو جعفر الطبري في التاريخ الكبير أنه بلغه عن المبارك الطبري، أنه سمع أبا عبيد الله الوزير، يقول: سمعت أبا جعفر المنصور يقول للمهدي: يا أبا عبد الله لا تجلس وقتا إلا ومعك من أهل العلم مَن يحدثك, فإن محمد بن شهاب الزهري قال: الحديث ذكر ولا يحبه إلا ذكور الرجال، وصدق أخو زهرة2.
- وروى حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، قال: قلت لعثمان البتي: دلني على باب من أبواب الفقه؟ قال: اسمع الاختلاف.
766- أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي -فيما كتب إليّ إجازة- قال: أخبرنا إبراهيم بن أحمد البلخي، قال: حدثنا أبو العباس محمود بن عنبر بن نعيم النسفي بنسف، قال: حدثنا أبو نصر فتح بن عمرو الوراق، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد3.
767- أخبرنا أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا محمد بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن علي البجلي، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن معمر، قال: إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد.
768- أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "31-32" ص179، والدلاوبي في الكنى 2/ 60-156، والخطيب في شرف أصحاب الحديث "150-151" ص70-71، والدينوري في المجالسة "1033" 3/ 425-426، والقاضي عياض في الإلماع ص23-25، والهروي في ذم الكلام "234-235" 2/ 75-76، وأبو نعيم في الحلية 3/ 365، وابن قتيبة في غريب الحديث 2/ 229، وفي تأويل المختلف ص57. وقد سبق نحوه.
2 تاريخ الطبري 4/ 523.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 367.(2/77)
رشيق، قال: حدثنا ذو النون أحمد بن إبراهيم بن صالح، قال: حدثنا عبد الباري بن إسحاق ابن أخي ذي النون، عن عمه أبي الفيض ذي النون بن إبراهيم، أنه سمعه يقول: من أعلام البصر بالدين معرفة الأصول لتسلم من البدع والخطأ والأخذ بالأوثق من الفروع احتياطا لتأمن.
769- وأخبرني أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد، عن أبي القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد، قال: إن من حق البحث والنظر الإضراب عن الكلام في فروع لم تحكم أصولها، والتماس ثمرة لم تغرس شجرتها، وطلب نتيجة لم تعرف مقدماتها.
- قال أبو عمر: ولقد أحسن القائل:
وكل علم غامض رفيع فإنه بالموضع المنيع
لا يرتقي إليه إلا عن درج من دونها بحر طموح ولجج
ولا ينال ذروة الغايات إلا عليم بالمقدمات
- وقال صالح بن عبد القدوس:
لن تبلغ الفرع الذي رمته إلا ببحث منك عن أسه
- وقال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: إذا ثبتت الأصول في القلوب نطقت الألسن بالفروع، والله يعلم أن قلبي لك شاكر، ولساني لك ذاكر، وهيهات أن يظهر الود المستقيم من القلب السقيم.
56- باب العبارة عن حدود علم الديانات وسائر العلوم المتصرفات بحسب تصرف الحاجات، وسائر العلوم المنتحلات عند جميع أهل المقالات:
حد العلم عند العلماء المتكلمين في هذا المعنى هو: ما استيقنته وتبينته، وكل مَن استيقن شيئا وتبينه فقد علمه، وعلى هذا مَن لم يستيقن الشيء وقال به تقليدا فلم يعلمه.(2/78)
والتقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع؛ لأن الاتباع هو أن تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه، والتقليد: أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه، وتأبى من سواه، أو أن يتبين لك خطؤه فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله، وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه.
والعلم عند غير أهل اللسان العربي فيما ذكروا يجوز أن يترجم باللسان العربي ويترجم معرفة ويترجم فهما. والعلوم تنقسم قسمين: ضروري، ومكتسب.
فحد الضروري: ما لا يمكن العالم أن يشكك فيه نفسه ولا يدخل فيه على نفسه شبهة، ويقع له العلم بذلك قبل الفكرة والنظر، ويدرك ذلك من جهة الحس والعقل، كالعلم باستحالة كون الشيء متحركا ساكنا، أو قائما قاعدا، أو مريضا صحيحا، في حال واحدة، ومن الضروري -أيضا- وجه آخر يحصل بسبب من جهة الحواس الخمس كذوق الشيء يعلم به المرارة والحلاوة ضرورة إذا سلمت الجارحة من آفة، وكرؤية الشيء يعلم بها الألوان والأجسام، وكذلك السمع يدرك به الأصوات.
ومن الضروري -أيضا- علم الناس أن في الدنيا مكة، والهند، ومصر، والصين، وبلدانا عرفوها وأمما قد خلت.
وأما العلم المكتسب: فهو ما كان طريقه الاستدلال والنظر ومنه الخفي والجلي، فما قرب من العلوم الضرورية كان أجلى، وما بعد منها كان أخفى.
والمعلومات على ضربين: شاهد وغائب، فالشاهد: ما علم ضرورة، والغائب: ما علم بدلالة من الشاهد.
والعلوم عند جميع أهل الديانات ثلاثة: علم أعلى، وعلم أسفل، وعلم أوسط، فالعلم الأعلى: عندهم علم الدين، الذي لا يجوز لأحد الكلام فيه بغير ما أوله الله في كتبه، وعلى ألسنة أنبيائه - صلوات الله عليهم- نصا.
ونحن على يقين مما جاء به نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل- وسنه لأمته من حكمته.
فالذي جاء به هو القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان شفاء ورحمة(2/79)
للمؤمنين، آتاه الله الحكم والنبوة، فكان ذلك يتلى في بيوته، قال الله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] يريد: القرآن والسنة، ولسنا على يقين مما يدعيه اليهود والنصارى في التوراة والإنجيل؛ لأن الله قد أخبرنا في كتابه عنهم أنهم يكتبون الكتاب بأيديهم، ثم يقولون: هذا ما عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، ويقولون: هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون، فكيف يؤمّن مَن خان الله وكذب عليه وجحد واستكبر؟!!
قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51].
وقد اكتفينا -والحمد لله- بما أنزل الله على نبينا -صلى الله عليه وسلم- من القرآن، وما سنه لنا عليه السلام.
- قال أبو عمر: من الواجب على مَن لا يعرف اللسان الذي نزل به القرآن، وهي لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ من علم ذلك ما يكتفي به، ولا يستغني عنه حتى يعرف تصاريف القول وفحواه وظاهره ومعناه، وذلك قريب على مَن أحبّ علمه وتعلمه، وهو عون له على علم الدين الذي هو أرفع العلوم وأعلاها, به يطاع الله، ويعبد، ويشكر، ويحمد، فمن علم من القرآن ما به الحاجة إليه، وعرف من السنة ما يعول عليه، ووقف من مذاهب الفقهاء على ما نزعوا به وانتزعوه من كتاب ربهم وسنة نبيهم حصل على علم الديانة، وكان على أمة نبيه مؤتمنا حق الأمانة إذا أبقى الله فيما علمه ولم تمل به دنيا شهوته أو هوى يرديه، فهذا عندنا العلم الأعلى الذي نحظى به في الآخرة والأولى.
والعلم الأوسط: هو معرفة علوم الدنيا التي يكون معرفة الشيء منها بمعرفة نظيره، ويستدل عليه بجنسه, ونوعه، كعلم الطب والهندسة.
والعلم الأسفل: هو أحكام الصناعات وضروب الأعمال مثل السباحة والفروسية والزي والتزويق والخط وما أشبه ذلك من الأعمال التي هي أكثر من أن(2/80)
يجمعها كتاب أو يأتي عليها وصف، وإنما تحصل بتدريب الجوارح فيها.
وهذا التقسيم في العلوم كذلك هو عند أهل الفلسفة إلا أن العلم الأعلى عندهم هو علم القياس في العلوم العلوية التي ترتفع عن الطبيعة والفلك مثل الكلام في حدوث العالم وزمانه والتشبيه ونفيه وأمور لا يدرك شيء منها بالمشاهدة ولا بالحواس قد أغنت عن الكلام فيها كتب الله الناطقة بالحق المنزلة بالصدق وما صح عن الأنبياء, صلوات الله عليهم.
ثم العلم الأوسط والأسفل عندهم على ما ذكرنا عن أهل الأديان إلا أن العلم الأوسط ينقسم عندهم على أربعة أقسام هي كانت عندهم رءوس العلوم، وهي: علم الحساب، والتنجيم، والطب, وعلم الموسيقى، ومعناه تأليف اللحون وتعديل الأصوات ووزن الأنقار وأحكام صنوف الملاهي.
فأما علم الموسيقى واللهو فمطرح ومنبوذ عند جميع أهل الأديان على شرائط العلم والإيمان.
وأما علم الحساب فالصحيح عندهم منه معرفة العدد والضرب والقسمة والقسمية وإخراج الجذور، ومعرفة جمل الأعداد، ومعنى الخط والدائرة والنقطة، وإخراج الأشكال بعضها من بعض، وما شاكل ذلك، والحساب علم لا يكاد يستغني عنه ذو علم من العلوم، وهو علم لا يستغنى عنه لفرائض المواريث، والوصايا وموت بعد موت وأوقات الصلوات، والحج، وأحوال الزكوات، وما يتصرف فيه من البياعات وعدد السنين والدهور، ومرور الأعوام، والشهور، وساعات الليل والنهار.
وأما التنجيم: فثمرته وفائدته عند جميع أهل الأديان جرية الفلك ومسير الدراري ومطالع البروج ومعرفة ساعة الليل والنهار، وقوس الليل من قوس النهار، في كل بلد، وفي كل يوم، وبُعد كل بلد من خط الاستواء، ومن المجر الشمالي والأفق الشرقي والغربي، ومولد الهلال وظهوره، وإطلاع الكوكب للأنواء وغيرها ومشيها واستقامتها وأخذها في الطول والعرض، وكسوف الشمس والقمر، ووقته،(2/81)
ومقداره في كل بلد، ومعنى سني الشمس والقمر، وسني الكواكب، ومن أهل العلم مَن ينكر شيئا مما وصفنا أنه لا يعلم أحد بالنجامة شيئا من الغيب ولا علمه أحد قط علما صحيحا إلا أن يكون نبيا خصه الله بما لا يجوز إدراكه.
قالوا: ولا يدعي معرفة الغيب بها اليوم على القطع إلا كل جاهل منقوص مغتر متخرص إذ في أقدارهم أنه لا يمكن تحديثها إلا في أكثر من عمر الدنيا ما يكذبهم في كل ما يدعون معرفته بها، والمتخرصون بالنجامة كالمتخرصين بالعيافة والزجر وخطوط الكف والنظر في الكتف وفي مواضع قرض الفأر، وفي الخيلان والعلاج بالفكر، وملك الجن، وما شاكل ذلك مما لا تقبله العقول، ولا يقوم عليه برهان، ولا يصح من ذلك كله بشيء؛ لأن ما يدركون منه يخطئون في مثله مع فساد أصله، وفي إدراكهم الشيء وذهاب مثله أضعافا ما يدلك على فساد ما زعموه ولا صحيح على الحقيقة إلا ما جاء في أخبار الأنبياء, صلوات الله عليهم.
770- حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن يونس، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، قال: قال عمر: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم أمسكوا1.
771- قال أبو بكر: وحدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: لا بأس أن تتعلم من النجوم والقمر ما تهتدي به2.
772- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه هناد في الزهد "997" 3/ 487 من طريق عمارة بن القعقاع، عن عمر ولم يسمع منه ويتأيد بطريق المصنف، وابن أبي شيبة "25649" 5/ 240 من طريق أبي نضرة، ورواه البيهقي في الشعب "1723" 2/ 269-270، عن أبي هريرة به مرفوعا بأتم منه.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "25647" 5/ 240، وما بين القوسين منه، وأبو نعيم في الحلية 4/ 225.(2/82)
ح: وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، حدثنا بكر، حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن الأخنس، عن الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد"1.
وقال مسدد: "ما زاد زاد".
وروى طاوس، عن ابن عباس، في قوم ينظرون في النجوم: أولئك لا خلاق لهم2. ذكره ابن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس.
773- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا شاذ بن فياض، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن العباس بن عبد المطلب، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لقد طهر الله هذه الجزيرة من الشرك أن لم تضلهم النجوم"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "25646" 5/ 239-240، وأبو داود "3905" 4/ 15-16، وابن ماجه "3726"، وأحمد 1/ 227-311، وابن خزيمة في التوكل، كما في إتحاف المهرة 8/ 143، واللالكائي في أصول الاعتقاد "2274" 7/ 1212-1213، وعبد بن حميد "714" ص236، والطبراني "11278" 11/ 135-136، والبيهقي في الشعب "5197" 4/ 306، وفي السنن 8/ 138-139، وفي الآداب "561" ص265، والمزي في تهذيب الكمال 31/ 38، والخرائطي في المساوئ "767" ص308، وسنده حسن.
2 رواه ابن أبي شيبة في المصنف "25648" 5/ 240، وعبد الرزاق في المصنف "19805" 11/ 26 نحوه.
3 رواه ابن خزيمة في التوكل، عن أبي موسى وبندار -فرقهما- عن شاذ بن فياض، عن عمر بن إبراهيم به.
وقال: الحسن لم يسمع من العباس. كما في إتحاف المهرة 6/ 477، والبزار في مسنده "2848" 3/ 321-322 "كشف الأستار"، والطبراني في الأوسط "580" 1/ 342، وأبو يعلى "6714" 12/ 77 و"6709" 12/ 69-70، وفيه انقطاع، فالحسن لم يسمع من العباس، وعمر بن إبراهيم، ضعيف في قتادة. =(2/83)
774- وحدثنا عبد الوارث، نا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، نا أبو نعيم، قال: نا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال:
ثلاثٌ ارفضوهن: لا تنازعوا أهل القدر، ولا تقولوا لأصحاب نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إلا خيرا، ولا تنظروا في النجوم1.
- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا"2.
775- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري، قال: حدثنا الحسين بن أبي زيد، قال: حدثنا علي بن يزيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ورواه أبو يعلى "6709" 12/ 69-70، والبزار من رواية قيس، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس, عن العباس.
وقيس: ضعيف.
وانظر مجمع الزوائد 3/ 299 و8/ 114 و10/ 54.
ورواه في الأوسط "580"، عن الحسن، عن قيس بن عباد، عن العباس به.
وهذا يدل على الاختلاف والاضطراب في سنده، والله أعلم.
1 رواه ابن بطة في الإبانة "1281" 1/ 243 "الكتاب الثاني"، وابن أبي زمنين في أصول السنة "187"، ص267، وأحمد في فضائل الصحابة "19" 1/ 60، و"1739" 2/ 910، وأبو نعيم في الحلية 4/ 149.
2 رواه اللالكائي "210" 1/ 126، وابن أبي زمنين "186" ص266.
وسنده ضعيف، فيه:
النضر بن معبد: قال أبو زرعة: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وجرحه ابن حبان.
انظر المجروحين 3/ 50، والضعفاء للعقيلي 4/ 291، والميزان 4/ 263، والمغني 2/ 354. ورواه الطبراني "10448" 10/ 243، وأبو نعيم في الإمامة "198"، وفي الحلية 4/ 108.
من طريق مسهر بن عبد الملك، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.
ومسهر: وثقه ابن حبان وغيره، وفيه خلاف، كما في مجمع الزوائد 7/ 202، وانظر الميزان 4/ 113.
وفي الباب عن عمر، وثوبان. انظر الصحيحة "34".(2/84)
الصدائي، قال: حدثنا أبو سعد البقال، عن أبي محجن، قال: أشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أخاف على أمتي بعدي ثلاثا: حيف الأئمة، وإيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى -كما في الإصابة 4/ 173- من طريق أبي سعد البقال, عن أبي محجن.
وأخرجه أبو نعيم من هذا الوجه. وأبو سعد ضعيف، ولم يدرك أبا محجن. كما في الإصابة 4/ 173.
وفي الباب عن:
1- طلحة بن مصرف, مرسلا: رواه الداني في السنن الواردة في الفتن "282" 3/ 619-620.
وهو معضل، وليث اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك.
وقد اختلف في إسناده - ولربما كان الاختلاف من ليث نفسه.
فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير "8113" 8/ 348، من طريق ميمون بن زيد، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة.
وليث: ضعيف.
وعبد الرحمن بن سابط: لم يسمع من أبي أمامة. قاله أبو زرعة وابن معين.
انظر تحفة التحصيل ص197، والمراسيل لابن أبي حاتم ص127، وجامع التحصيل ص222، والتاريخ الكبير للبخاري 5/ 294، وتهذيب الكمال 17/ 123.
2- أنس بن مالك: رواه أبو يعلى "4135" 7/ 162-163.
وفي سنده:
1- يزيد بن إبان الرقاشي: ضعيف. انظر التقريب 2/ 361، والكامل 7/ 257-258، والمغني 2/ 747، والكاشف 3/ 240، وتهذيب التهذيب 11/ 309-311، ومجمع الزوائد 7/ 203.
2- شهاب بن خراش: صدوق يخطئ، كما في التقريب 1/ 355.
3- أبي الدرداء: رواه الطبراني في الكبير، ومسند الشاميين "2220" 3/ 264 لفظه: "أخاف على أمتي ثلاثا: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، والتكذيب بالقدر".
وسنده ضعيف، فيه:
معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف. وما رواه عنه إسحاق بن سليمان الرازي أضعف. وهذا منه =(2/85)
وأما الطب فَلِفَهْم طبائع نبات الأرض وشجرها ومياهها ومعادنها وجواهرها وطعومها وروائحها، ومعرفة العناصر والأركان، وخواص الحيوان وطبائع الأبدان، والغرائز والأعضاء والآفات العارضة وطبائع الأزمان والبلدان، ومنافع الحركة والسكون، وضروب المداواة والرفق والسياسة فهذا هو العلم الثاني الأوسط، وهو علم الأبدان، والعلم الأول, الأعلى: علم الأديان، والعلم الثالث: الأسفل ما دربت على عمله الجوارح كما قدمنا ذكره.
واتفق أهل الأديان أن العلم الأعلى هو علم الدين: واتفق أهل الإسلام أن الدين تكون معرفته على ثلاثة أقسام1:
أولها: معرفة خاصة الإيمان والإسلام، وذلك معرفة التوحيد والإخلاص، ولا يوصل إلى علم ذلك إلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو المؤدي عن الله، والمبين لمراده، وبما في القرآن من الأمر بالاعتبار في خلق الله بالدلائل من آثار صنعته في بريته على توحيده وأزليته سبحانه، والإقرار والتصديق بكل ما في القرآن وبملائكة الله وكتبه ورسله.
والقسم الثاني: معرفة مخرج خبر الدين وشرائعه، وذلك معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي شرع الله الدين على لسانه ويده، ومعرفة أصحابه الذين أدوا ذلك عنه، ومعرفة الرجال الذين حملوا ذلك وطبقاتهم إلى زمانك، ومعرفة الخبر الذي يقطع العذر لتواتره وظهوره، وقد وضع العلماء في كتب الأصول من تلخيص وجوه الأخبار ومخارجها ما يكفي الناظر فيه ويشفيه, وليس هذا موضع ذكر ذلك لخروجنا به عن تأليفنا وعن ما له قصدنا.
والقسم الثالث: معرفة السنن واجبها وأدبها وعلم الأحكام، وفي ذلك يدخل خبر الخاصة العدول ومعرفته ومعرفة الفريضة من النافلة، ومخارج الحقوق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 4- ابن عباس: رواه ابن المقرئ في المعجم "849" ص251، وأبو نعيم في أخبار أصبهان 1/ 299 و2/ 344 وفيه قصة.
1 انظر شعب الإيمان 2/ 251.(2/86)
والتداعي، ومعرفة الإجماع من الشذوذ، قالوا: ولا يوصل إلى الفقه إلا بمعرفة ذلك وبالله التوفيق.
قال أبو إسحاق الحربي: العلوم ثلاثة: علم دنياوي، وعلم دنياوي وأخروي.
وعلم لا للدنيا ولا للآخرة: فالعلم الذي للدنيا علم الطب والنجوم وما أشبه ذلك، والعلم الذي للدنيا والآخرة علم القرآن والسنن والفقه فيهما، والعلم الذي ليس للدنيا ولا للآخرة علم الشعر والشغل به.
57- باب مختصر في مطالعة كتب أهل الكتاب والرواية عنهم:
776- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قالك حدثنا ابن الأصبهاني، قال: حدثنا ابن نمير، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"1.
777- أخبرنا محمد بن عبد الله بن حكم، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، قال: قال عبد الله بن مسعود: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم، وقد ضلوا، أن تكذبوا الحق أو تصدقوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "346"، والترمذي "2669" 4/ 40، وأحمد 2/ 159, 202, 214، وأبو خيثمة في العلم "45" ص14، وعبد الرزاق في المصنف "19210" 10/ 312 و"10157" 6/ 109-110، والخطيب في التاريخ 13/ 157، وفي السابق ص79-80، وفي الجامع لأخلاق الراوي "1388" 2/ 162، وابن حبان "6256" 14/ 149، والقضاعي "662"، والطبراني في الصغير "462"، وأبو نعيم في الحلية 6/ 78، والقاضي عياض في الإلماع ص10-11، والبيهقي في الآداب "1190"، والبغوي في شرح السنة "113".(2/87)
بباطل1.
778- قرأت على محمد بن إبراهيم، أن أحمد بن مطرف حدثهم، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، قال: "أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب في كتف، فقال: "كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم"، فأنزل الله, عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبو: 51] الآية2.
- ورواه الفريابي وابن وهب والحميدي وأبو الطاهر، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله سواء.
779- وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا المطلب بن شعيب، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني ابن أبي نملة، أن أبا نملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "10162" 6/ 111-112 و"19212" 10/ 312-313. وفيه حريث -مجهول- كما سيأتي وقد توبع: فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير "9759" 9/ 413 من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: قال عبد الله... به.
وأبو الزعراء: عبد الله بن هانئ: قال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال ابن المديني: عامة روايته عن ابن مسعود، ولا أعلم روى عنه إلا سلمة.
وذكره ابن حبان في الثقات. انظر التهذيب 6/ 61. وقد تابعه عند ابن عبد البر هنا -حريث بن ظهير: مجهول- كما في التقريب 1/ 159.
ورواه ابن أبي شيبة "26424" 3135 عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله به، بزيادة في آخره.
2 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره "17380" 9/ 3072-3073، والطبري في تفسيره 21/ 7، والدارمي "478" 1/ 134-135، وأبو داود في المراسيل "454" ص320، وابن المنذر، كما في الدر المنثور 5/ 148، وهو مرسل، صحيح الإسناد.
وقد رواه الإسماعيلي في معجمه "384" 2/ 772-773 من طريق إبراهيم بن يزيد -وهو ثقة- عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن أبي هريرة به.(2/88)
الأنصاري أخبره: أنه بينا هو جالس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل من اليهود فقال: يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم".
فقال اليهودي: أنا أشهد أنها تتكلم.
فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم، وإن كان باطلا لم تصدقوهم"1.
780- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبي، حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن ابن أبي نملة، أن أباه أخبره أنه كان عند النبي, صلى الله عليه وسلم... فذكره نحوه.
- ورواه عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري، أن أبا نملة أخبره: أنه كان عند النبي, صلى الله عليه وسلم... فذكره نحوه.
- ورواه عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري، قال أخبرني ابن أبي نملة الأنصاري أن أبا نملة أخبره بينا هو جالس...، فذكر مثل حديث عقيل سواء إلى آخره إلا أنه قال: "فإن كان باطلا لم تصدقوه وإن كان حقا لم تكذبوه".
- قال: وأخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، أن ابن عباس، قال: كيف تسألونهم عن شيء وكتاب الله بين أظهركم2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3644"، وأحمد في المسند 4/ 136، وعبد الرزاق "20059" 11/ 109-110 و"19214" 10/ 314، والطبراني في المعجم الكبير "874- إلى- 879" 22/ 349-351، وابن حبان "6257"، والبيهقي في سننه 2/ 10، والخطيب في الجامع "1384" 2/ 159-160.
وسنده ضعيف، فيه:
نملة بن أبي نملة: لم يوثقه غير ابن حبان.
ولهذا قال الحافظ ابن حجر في التقريب 2/ 307: "مقبول" ا. هـ. وسكت الحافظ الذهبي عنه في الكاشف 2/ 326. ويغني عنه ما في البخاري وغيره عن أبي هريرة, رضي الله عنه.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "19215" 10/ 314، وانظر تتمة تخريجه فيما سيأتي قريبا برقم =(2/89)
- قال: وأخبرني الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار, قال: كانت يهود يحدثون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيسبحون كأنهم يتعجبون، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"1.
- وذكره ابن أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، مثله2.
- قال عبد الرزاق: وأخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن عمارة، عن حريث بن ظهير, قال: قال عبد الله: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم فتكذبون بحق، وتصدقون بباطل.
- قال: وزاد معن، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله في هذا الحديث أنه قال: "إن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه3.
- قال: وأخبرنا الثوري، عن جابر، عن الشعبي، عن عبد الله بن ثابت، عن عمر بن الخطاب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ذكره، قال: "والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي في الأمم وأنا حظم من النبيين"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "781".
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "19211" 10/ 312، وابن أبي شيبة في المصنف "26422" 5/ 313.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه عبد الرزاق "10162" 6/ 111-112 و"19212" 10/ 312-313، وانظر ما سبق "777" تتمة تخريجه.
4 رواه عبد الرزاق "10164" 6/ 113 و"19213" 10/ 313-314، وابن أبي شيبة في المصنف "26421" 5/ 312-313، والدارمي "435" 1/ 126، وأحمد في المسند 3/ 387, 470, 471 و4/ 265-266، وابن الضريس في فضائل القرآن "90" ص54- =(2/90)
781- وأخبرنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك، قال: حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزله الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بين أظهركم أحدث الكتب عهدا بربه غضا لم يشب، ألم يخبركم الله في كتابه أنهم قد غيروا كتاب الله وبدلوه وكتبوا الكتاب بأيديهم فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 55، وابن أبي عاصم في السنة "50" 1/ 27، والدارقطني في العلل 2/ 100-101، والخطيب في الجامع "1375-1376" 2/ 155-156.
ومداره على جابر بن يزيد الجعفي: ضعيف، رافضي، انظر التقريب 1/ 123، والكاشف 1/ 122، والتهذيب 2/ 46-51، والتبيين "9".
وفي سنده اختلاف:
1- حدث به محمد بن بشير الكندي -ليس بثقة كما في الميزان 3/ 491- عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، عن عمر.
2- وخالفه غير واحد من أصحاب هشيم: منهم عثمان بن أبي شيبة، وعلي بن مسلم، وسعيد بن المعلى وغيرهم: فرووه عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر: أن عمر جاء النبي, صلى الله عليه وسلم.
3- وخالفهم جابر الجعفي, وقد سبق: فرواه الثوري عنه، عن الشعبي, عن عبد الله بن يزيد الأنصاري، أن عمر جاء النبي, صلى الله عليه وسلم.
4- وقيل فيه: عن الثوري، عن جابر، عن الشعبي، عن عبد الله بن ثابت الأنصاري: أن عمر جاء النبي, صلى الله عليه وسلم...
5- وقال مسلمة بن جعفر, ضعيف -كما في اللسان 6/ 33- عن عمرو بن قيس، عن جابر، عن الشعبي، عن عمر.
6- وقال يحيى بن أبي زائدة: حدثني أبي وحريث، عن عامر الشعبي، عن ثابت الأنصاري، وغيره.
انظر علل الدارقطني 2/ 98-110.
ورواه ابن الضريس "89" ص54 عن الحسن، أن عمر به، وعبد الرزاق عن أبي قلابة، عن عمر "10163" 6/ 112-113، ورواه الخطيب في الجامع "1531" 2/ 228.(2/91)
والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عما أنزل الله إليكم.
- وذكر البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عباس مثله1.
782- وحدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا بقي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر، أن عمر بن الخطاب أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتاب أصابه من بعض الكتب، فقال: يا رسول الله إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب.
قال: فغضب، وقال: "أمتهوكون فيها يابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيحدثونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني"2.
783- قال أبو بكر: وحدثنا حاتم بن وردان، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدا بالله تقرءونه غضا لم يشب3.
- وقال عمر بن الخطاب لكعب: إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله -عز وجل- على موسى بن عمران فاقرأها آناء الليل والنهار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2685, 7363, 7522, 7523"، وعبد الرزاق في المصنف "10159" 6/ 110 مطولا و"19215" 10/ 314 مختصرا، وابن أبي شيبة "26423" 5/ 313، والخطيب في الجامع "1383" 2/ 159.
2 سبق قريبا.
3 رواه ابن أبي شيبة "26423" 5/ 313، وانظر التعليق السابق.(2/92)
58- باب من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء:
784- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان، حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو النعمان، محمد بن الفضل السدوسي -وكان منقطع القرين- وعبد الرحمن بن المبارك العايشي، قالا: حدثنا الصعق بن حزن، عن عقيل الجعدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن مسعود".
قلت: لبيك، يا رسول الله.
قال: "أتدري أي الناس أفضل؟".
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "فإن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم".
قال: "يا عبد الله بن مسعود".
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: "أتدري أي الناس أعلم؟"
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرا في العمل، وإن كان يزحف على استه"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في المستدرك 2/ 480، والطبراني "10357"، وابن عدي 2/ 43، والعقيلي في الضعفاء 3/ 408-409، والخطيب في الفقيه 2/ 60-61، والفسوي 3/ 402-403، وابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة "38" ص35-36، وذكره في اللسان 4/ 180.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: =(2/95)
785- وأخبرنا عبد الله، حدثنا الحسن، حدثنا يعقوب، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد، حدثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن مسعود". قلت: لبيك يا رسول الله... فذكر مثله أو نحوه.
- قال أبو يوسف: وهذه صفة الفقهاء.
786- حدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد [ح]:
وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، نا إبراهيم بن جامع، قالا: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن النعمان، قال: حدثنا الصعق بن حزن العيشي، عن عقيل الجعدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود، قال: قال لي رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن مسعود".
قلت: لبيك يا رسول الله, ثلاث مرات.
قال: "أتدري أي عُرى الإيمان أوثق؟".
قال: قلت الله ورسوله أعلم.
قال: "الولاية في الله، الحب فيه، والبغض فيه".
ثم قال: "يا عبد الله بن مسعود".
قلت: لبيك يا رسول الله, ثلاث مرار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1- عقيل الجعدي: قال البخاري: منكر الحديث، انظر اللسان 4/ 180، والمجروحين 2/ 192، والميزان 3/ 88، والضعفاء للعقيلي 3/ 408-409، والتاريخ الكبير 4/ 1/ 53.
2- أعل بالوقف. قال العقيلي 3/ 408: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به.
ثم قال 3/ 409: "وقد روي بعض هذا الكلام عن الربيع، عن أنس، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب موقوفا" ا. هـ.(2/96)
قال: "أتدري أي الناس أفضل".
قال: قلت الله ورسوله أعلم.
قال: "إن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم".
ثم قال: "يا عبد الله بن مسعود".
قلت: لبيك يا رسول الله, ثلاث مرار.
قال: "أتدري أي الناس أعلم؟".
قال: قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: "أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس, وإن كان مقصرا في العمل"1.
787- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, قال: حدثنا زيد بن الحباب, قال: حدثنا الصعق بن حزن البكري، قال: حدثنا عقيل الجعدي، فذكر بإسناده مثله سواء إلا أنه قال في موضع: "أفضلهم عملا": "أفضلهم علما". وقال في آخره: "وإن كان مقصرا في العمل، وإن كان يزحف على استه".
788- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الحوطي -يعني: عبد الوهاب بن نجدة- قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا الحجاج بن مهاجر الخولاني، عن أبي مرحوم المليكي، قال: سمعت أم الدرداء، تقول: أفضل العلم المعرفة2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 70/ 157، والدينوري في المجالسة "221" 2/ 91 و"1878" 5/ 77 و"3439".(2/97)
ومن هنا أخذ الشاعر قوله, والله أعلم:
خيرنا أفضلنا معرفة وإذا ما عرف الله عبد
789- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثني مبشر بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: ما ازداد عبد بالله علما إلا ازداد الناس منه قربا1.
- وكان الحسن البصري كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:
يسر الفتى ما كان قدم من تقى إذا عرف الداء الذي هو قاتله
- وذكر سنيد، عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله, عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، قال: إلا ليعرفون.
وقال ابن جريج: إلا ليعلموا ما جبلتهم عليه من الشقاوة والسعادة2.
790- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن زبان، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عقبة بن نافع، عن إسحاق بن أسيد، عن أبي مالك وأبي إسحاق، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟"
قالوا: بلى. قال: "مَن لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيّسهم من روح الله، ولم يؤمّنهم من مكر الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، ألا لا خير في عبادة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 74.
2 رواه عبد الرزاق في تفسيره 2/ 345، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم: ما جبلوا عليه من الطاعة والمعصية. ورواه الطبري "32263, 32264, 32265, 32266" 11/ 475-476 نحوه.(2/98)
ليس فيها تفقه، ولا علم ليس فيه تفهم، ولا قراءة ليس فيها تدبر"1.
- قال أبو عمر: لا يأتي هذا الحديث مرفوعا، إلا من هذا الوجه، وأكثرهم يوقفونه على علي.
- وقيل للقمان: أي الناس أغنى؟ قال: مَن رضي بما أوتي.
قالوا: فأيهم أعلم؟ قال: من ازداد من علم الناس إلى علمه2.
- وعن كعب: أن موسى قال: يا رب أي عبادك أعلم؟
قال: عالم غرثان العلم.
قال ابن وهب: يريد الذي لا يشبع من العلم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الديلمي في الفردوس "481" 1/ 172.
وعزاه الحافظ ابن حجر في تسديد القوس "ق: 65" لابن لال عن علي، وابن السني وابن عبد البر. وسنده ضعيف، فيه:
1- إسحاق بن أسيد: فيه ضعف. انظر التقريب 1/ 56، والتهذيب 1/ 227.
2- وأعل بالوقف، كما أشار إليه ابن عبد البر هنا.
فقد رواه الخطيب في الفقيه 2/ 161، والآجري في أخلاق العلماء "106" ص60، وأبو نعيم في الحلية 1/ 77 من طريق أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي.
وأبو إسحاق -صدوق، وقد اختلط بأخرة- وهو مدلس.
- ورواه الخطايب 2/ 160 من طريق أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي.
والحارث الأعور: ضعيف.
- ورواه أبو خيثمة في العلم "143" ص33-34، والدارمي "297-298" 1/ 101، والقيسراني في تذكرة الحفاظ 1/ 13، وابن بطة.
وفيه ليث بن أبي سليم: صدوق، اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك. انظر التهذيب 8/ 465-468، والمغني 2/ 536، والكاشف 3/ 13، والتقريب 2/ 138.
2 رواه عبد الرزاق مطولا في المصنف "20470" 11/ 254"، وأبو نعيم في الحلية 2/ 283.
3 رواه أبو نعيم في الحلية 5/ 377 موقوفا. ورواه مرفوعا:
أبو يعلى في مسنده "2183" 4/ 132 والقضاعي في مسند الشهاب "205" 1/ 150، وابن حبان في المجروحين 3/ 35، عن جابر: أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أي الناس أعلم؟ قال: "من يجمع علم الناس إلى علمه، وكل صاحب علم غرثان". وسنده ضعيف جدا، فيه مسعدة بن اليسع، كذبه أبو داود. وانظر مجمع الزوائد 1/ 162.
ورواه الدارمي "285" 1/ 98 عن طاوس مرسلا، ورواه رزين في جامعه، كما في جامع الأصول 8/ 9.
وسيأتي مسندا برقم "1112" إن شاء الله تعالى.(2/99)
- وعن عمر مولى غفرة: أن موسى قال: يا رب أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يلتمس علم الناس إلى علمه.
- وقال عبد الله بن مسعود: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا1.
791- حدثنا خلف بن القاسم، قال: أخبرنا أبو محمد سعيد بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن سعيد الفهري، قال: حدثنا عبد الله بن أبي مريم، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي، قال: حدثنا صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن أبي بكر، عن إبان بن أبي عياش، عن أبي قلابة، عن شداد بن أوس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله، ولا يفقه العبد كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة"2.
- قال أبو عمر: صدقة بن عبد الله هذا يعرف بالسمين: هو ضعيف عندهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن المبارك في الزهد ص15، وأحمد في الزهد ص158، والطبراني في الكبير "8927" 9/ 211-212، والبيهقي في المدخل "487" ص314-315، وفي الشعب "746" 1/ 471-472.
2 رواه مقاتل في صدر كتابه في الوجوه والنظائر كما في الإتقان 1/ 440، ومقاتل: كذبوه وهجروه، ورمي بالتجسيم. انظر الكشف الحثيث ص260، والمغني 2/ 675، والميزان 4/ 173، والتقريب 2/ 272.
وفي سنده عند ابن عبد البر:
1- صدقة بن عبد الله السمين: ضعيف، انظر التقريب 1/ 366، وتهذيب الكمال 13/ 134-135، والتهذيب 4/ 415-416.
2- أبان بن أبي عياش: متروك. انظر الكامل 1/ 381-387، والتهذيب 1/ 97-101، والتقريب 1/ 31.(2/100)
مجمع على ضعفه، وهذا حديث لا يصح مرفوعا وإنما الصحيح فيه إنما هو من قول أبي الدرداء.
792- حدثنا محمد بن رشيق، قال: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن زبان، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء، قال: لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة، ولن تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ثم تقبل على نفسك فتكون لها أشد مقتا منك من الناس1.
793- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء، قال: لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة.
- قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد، عن حماد بن زيد، قال: قلت لأيوب، أرأيت قوله حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة؟ فسكت يتفكر. قلت: هو أن يرى له وجوها، فهاب الإقدام عليه، قال: هو هذا هو هذا2.
794- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب، عن أيوب، قال: قال إياس بن معاوية: إنه لتأتيني القضية أعرف لها وجهين فأيهما أخذت به عرفت أني قضيت بالحق3.
795- حدثنا سعيد بن سيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق "20473" 11/ 255، وأبو نعيم في الحلية 1/ 211، وأحمد في الزهد ص167، وابن سعد في الطبقات 2/ 348-357، وابن عساكر في تاريخ دمشق 47/ 173.
2 رواه ابن عساكر في تاريخ 47/ 173، وانظر الإتقان 1/ 441.
3 رواه المزي في تهذيب الكمال 3/ 434، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 341-342.(2/101)
قال: حدثنا أبو عصام رواد بن الجراح، عن سعيد، عن قتادة, قال: مَن لم يعرف الاختلاف لم يشم رائحة الفقه بأنفه1.
796- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: سمعت عبيد الله بن عمر، يقول: سمعت يزيد بن زريع، يقول: سمعت سعيد بن أبي عروبة، يقول: مَن لم يسمع الاختلاف فلا تعدّوه عالما.
797- حدثنا خلف بن القاسم وعبد الله بن محمد بن أسد، قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن أشته الأصبهاني المقرئ، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الثقفي المقرئ المعروف بالكسائي: أن حمدان التمار حدثهم، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني، قال: سمعت سعيد بن بشير، قال: سمعت قتادة، يقول: مَن لم يعرف الاختلاف لم يشم أنفه الفقه.
798- قال محمد بن عيسى: وسمعت هشام بن عبيد الله الرازي، يقول: مَن لم يعرف اختلاف القراء فليس بقارئ، ومَن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه.
799- وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد بن بشر، قال: إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه.
800- وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: سمعت أيوب السختياني، يقول: أجسر الناس على الفتيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 21.(2/102)
أقلهم علما باختلاف العلماء، وأمسك الناس عن الفتيا أعلمهم باختلاف العلماء1.
801- قال: وقال ابن عيينة: العالم الذي يعطي كل حديث حقه2.
802- وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا إبراهيم بن عثمان، حدثنا حمدان بن عمرو، حدثنا نعيم بن حماد، قال: سمعت ابن عيينة، يقول: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء3.
803- أخبرنا عبد الرحمن بن مروان وعبد الله بن محمد بن يوسف، قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن محمد الباهلي، قال: حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود ابن أخي رشدين، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا سليمان بن القاسم، عن الحارث بن يعقوب، قال: إن الفقيه كل الفقيه من فقه في القرآن وعرف مكيدة الشيطان.
- وروى عيسى بن دينار، عن ابن القاسم، قال: سئل مالك، قيل له: لمن تجوز الفتوى؟ فقال: لا تجوز الفتوى إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه، قيل له: اختلاف أهل الرأي. قال: لا، اختلاف أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن، ومن حديث الرسول -عليه السلام- وكذا يفتي4.
وقال عبد الملك بن حبيب: سمعت ابن الماجشون، يقول: كانوا يقولون: لا يكون إماما في الفقه مَن لم يكن إماما في القرآن والآثار، ولا يكون إماما في الآثار مَن لم يكن إماما في الفقه.
- قال: وقال لي ابن الماجشون: كانوا يقولون: لا يكون فقيها في الحادث مَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه 1/ 166 نحوه، وابن المبارك في الزهد "413" ص125، وسيأتي برقم "838" إن شاء الله.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 13 عن علقمة قوله.
4 ورد ذلك أيضا عن الإمام الشافعي والإمام أحمد، انظر الفقيه والمتفقه 2/ 157، والبيهقي في المدخل "179" ص175.(2/103)
لم يكن عالما بالماضي.
804- أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن علي، قال: حدثنا أبو القاسم مسلمة بن قاسم، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين الهمذاني، قال: سمعت محمد بن عبد العزيز، يقول سمعت علي بن الحسن بن شقيق، يقول: سمعت عبد الله بن المبارك، يسأل: متى يسع الرجل أن يفتي؟ قال: إذا كان عالما بالأثر، بصيرا بالرأي1.
805- أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: كتب إليّ أبو مصعب الزهري، حدثنا يوسف بن الماجشون، عن محمد بن المنكدر، قال: ما كنا ندعو الرواية إلا رواية الشعر، وما كنا نقول للذي يروي أحاديث الحكمة إلا عالم2.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: لا يكون إماما في الحديث من تتبع شواذ الحديث، أو حدث بكل ما يسمع، أو حدث عن كل أحد3.
- وقال يحيى بن سلام: لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول: هذا أحبّ إليّ.
806- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا علي بن سعيد الرازي، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عيسى بن إبراهيم، قال: سمعت يزيد بن زريع، يقول: سمعت سعيد بن أبي عروبة، يقول: مَن لم يسمع الاختلاف فلا تعدّه عالما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 157، والبيهقي في المدخل "187" ص179.
2 رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل "34" ص180، والخطيب في الجامع "295" 1/ 273.
3 روى نحوه الخطيب في الجامع "1133" 2/ 37، و"1295-1296" 2/ 120، و"1362" 2/ 149، وانظر الكفاية ص133، وحلية الأولياء 9/ 3-4، والقاضي عياض في الإلماع ص215.(2/104)
807- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا محمد بن شعبان القرظي، قال: حدثنا إبراهيم بن عثمان، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: سمعت قبيصة بن عقبة، يقول: لا يفلح مَن لا يعرف اختلاف الناس.
808- حدثني أحمد بن الفتح وخلف بن القاسم، قالا: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا علي بن سعيد بن بشير أبو الحسن الرازي، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: سمعت الخليل بن أحمد، يقول: الرجال أربعة: رجل يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فعلموه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك غافل فنبهوه، ورجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عاقل فاعرفوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك مائق فاحذروه1.
809- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير, حدثنا علي بن المديني، قال: حدثنا أيوب بن المتوكل، عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إماما في العلم مَن روى عن كل أحد، ولا يكون إماما في العلم مَن روى كل ما سمع2.
- وروى مالك بن أنس، عن سعيد بن المسيب، بلغه عنه أنه كان يقول: ليس من عالم ولا شريف ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن مَن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله، كما أنه من غلب عليه نقصانه ذهب فضله.
- وقال غيره: لا يسلم العالم من الخطأ فمن أخطأ قليلا وأصاب كثيرا فهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي 2/ 38، وابن أبي الدنيا في العقل وفضله "79"، والدينوري في المجالسة "232" 2/ 97-98، والبيهقي في المدخل "828-829" ص441، والسلفي في المجالس الخمسة "19" ص69-70، وانظر عيون الأخبار 2/ 142، وبحر العلوم 1/ 363، وما بين القوسين من المجالسة.
2 رواه القاضي عياض في الإلماع ص215، والخطيب في الكفاية ص133، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "89" ص206، وقد سبق في التعليق ما قبل السابق فانظره.(2/105)
عالم، ومَن أصاب قليلا وأخطأ كثيرا فهو جاهل.
- وقال مالك بن أنس, رحمه الله: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه معلن السفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يكذب على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورجل له فضل وصلاح لا يعرف ما يحدث به1.
وقد ذكرنا هذا الخبر عن مالك من طرق في كتاب التمهيد فأغنى عن ذكره ههنا، وأشرنا إليه في هذا الباب لأنه منه.
810- حدثني عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي، ح:
وأخبرنا سعيد بن نصر وسعيد بن عثمان، قالا: أخبرنا أحمد بن دحيم، قال: حدثنا أبو عيسى يوسف بن يعقوب بن مهران: ح،
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا علي بن الحسن علان: قال: حدثنا عباس الدوري، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا الآبار، عن سفيان، عن أبي حيان التيمي، قال: العلماء ثلاثة: عالم بالله وبأمر الله، وعالم بالله وليس بعالم بأمر الله، وعالم بأمر الله وليس بعالم بالله، فأما العالم بالله وبأمره فذلك الخائف لله العالم بسنته وحدوده وفرائضه. وأما العالم بالله وليس بعالم بأمره فذلك الخائف لله وليس بعالم بسنته ولا حدوده ولا فرائضه. وأما العالم بأمر الله وليس بعالم بالله فذلك العالم بسنته وحدوده وفرائضه وليس بخائف له2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الفسوي في المعرفة 1/ 684، والخطيب في الكفاية ص116، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 66، والدينوري في المجالسة "1891" 5/ 83، وابن عدي في الكامل، والقاضي عياض في الإلماع ص60.
2 رواه البيهقي في المدخل "529" ص329-330 عن أبي حبان يحيى بن سعيد الكوفي. وابن =(2/106)
811- وأخبرت عن الحسن بن سعد، قال: أخبرني عبيد بن محمد الكشوري، قال: حدثنا ميمون بن الحكم، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر، عن هشام -يعني: ابن يوسف- عن ابن جريج، عن عطاء، في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، قال: مَن خشي الله فهو عالم1، وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: "إنما يخشى الله من عباده العلماء به"، وكذلك في مصحفه.
812- أخبرنا علي بن إبراهيم، قال: أخبرنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا رجاء بن محمد بن سهيل، قال: حدثنا سلمة بن شبيب: ح:
وأخبرنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن خالد، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم: قالا: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: العلماء ثلاثة رجل عاش بعلمه ولم يعش الناس معه به، ورجل عاش الناس بعلمه ولم يعش هو به، ورجل عاش بعلمه وعاش الناس به معه2.
813- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا سهل بن إبراهيم، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن فطيس، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، قال: حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن ليث، عن مجاهد، قال: الفقيه مَن خاف الله3.
814- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو محمد التيمي صاحبنا، قال: حدثنا أبو مسهر، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أبي حاتم في تفسيره "17980" 10/ 3180، ورواه الدارمي "363" 1/ 114، وأبو نعيم في الحلية 7/ 280، عن سفيان قال: كان يقال: فذكر نحوه. وانظر نوادر الأصول 4/ 101، والدر المنثور 7/ 20-23.
1 سبق 1/ 94.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "20472" 11/ 254-255، والدارمي "361" 1/ 114، وأبو نعيم في الحلية 2/ 283.
3 رواه الدارمي "296" 1/ 101، وأحمد في الزهد ص452، وأبو نعيم في الحلية 3/ 280، وقد سبق نحوه.(2/107)
سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: يجلس إلى العالم ثلاثة: رجل يأخذ كل ما سمع، ورجل لا يحفظ شيئا وهو جليس العالم، ورجل ينتقي وهو خيرهم.
قال: وإذا كان علم الرجل حجازيا وخلقه عراقيا وطاعته شامية يعني: إنه الرجل1.
815- وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بدمشق، قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أبو مسهر، قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: يجلس إلى العالم ثلاثة: رجل يكتب كل ما يسمع فذلك كحاطب ليل: ثم ذكر مثله إلا أنه قال: إذا كان فقه الرجل حجازيا وأدبه عراقيا فقد كمل... إلى ههنا انتهى حديثه لم يقل: وطاعته شامية2.
59- باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم:
816- قرأت على عبد الرحمن بن يحيى، أن عمر بن أحمد بن محمد بن أحمد الجمحي حدثهم بمكة، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل بن الطالقاني, قال: حدثنا جرير -يعني: ابن عبد الحميد- عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أي البقاع خير؟ قال: "لا أدري". فقال: أي البقاع شر؟
فقال: "لا أدري".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "1510-1511" 2/ 219، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 79، وسيأتي برقم "1133" إن شاء الله تعالى.
2 انظر التعليق السابق.(2/108)
قال: سل ربك، فأتاه جبريل -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا جبريل أي البقاع خير؟".
قال: لا أدري.
فقال: "أي البقاع شر؟".
فقال: لا أدري.
فقال: "سل ربك"، فانتفض جبريل انتفاضة كاد يصعق منها محمد -صلى الله عليه وسلم- وقال: ما أسأله عن شيء، فقال الله -عز وجل- لجبريل: سألك محمد: أي البقاع خير؟ فقلت: لا أدري، وسألك أي البقاع شر؟ فقلت: لا أدري.
فأخبره: "أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق"1.
817- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسين بن جعفر الزيات،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن حبان "1599" 4/ 476، والحاكم في المستدرك 1/ 90 و2/ 7-8، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 129 مختصرا، والبيهقي في سننه 3/ 65، والآجري في أخلاق العلماء "189" ص92-93، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 14.
قلت: في سنده: عطاء بن السائب: صدوق، اختلط.
وجرير بن عبد الحميد: روى عنه بعد الاختلاط. انظر الاغتباط ص82-83، وفتح المغيث 3/ 332-333.
وله شاهد من حديث جبير بن مطعم:
رواه أحمد في المسند 4/ 71-481، والحاكم في المستدرك 1/ 89-90 و2/ 7، والخطيب في الفقيه 2/ 170-171، وأبو يعلى "3704" 13/ 400، والطبراني في الكبير "1545-1546" 2/ 132، والبزار "1252" كشف، وابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 10، ثم قال: هذا حديث حسن. وانظر مجمع الزوائد 4/ 76.
ومن حديث أنس: رواه الطبراني في الأوسط "7136"، وابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 9، وفيه عبيد بن واقد القيسي: ضعيف. كما في مجمع الزوائد 2/ 6 و4/ 76.
وله طريق أخرى عن أنس عند ابن مردويه في تفسير سورة مريم، وسياقه أخصر من هذا، وفي إسناده زياد النميري، وهو ضعيف أيضا: انظر موافقة الخبر الخبر 1/ 10.
ومن مرسل يحيى بن قيس الطائفي: رواه الحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 14، ثم قال: "هذا مرسل اعتضد بما تقدم من الشواهد".(2/109)
قال: حدثنا يوسف بن يزيد، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا أنس بن عياض وعثمان بن مقبل، قالا: حدثنا الحارث بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن مهران، مولى لأبي هريرة، عن أبي هريرة, عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها"1.
818- حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا الزبير بن بكار القاضي، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أدري أعزير نبي أم لا؟ وما أدري أتبّع ملعون أم لا"2.
819- وحدثنا عبد الرحمن بن مروان، قال: حدثنا الحسن بن علي المطرز، قال: حدثنا محمد بن زبان، قال: حدثنا خشيش بن أصرم، قال: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما أدري تبّع لعين أم لا؟ وما أدري ذو القرنين نبي أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا".
زعم الدارقطني أنه انفرد عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- قال أبو عمر: حديث عباد بن الصامت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "أن الحدود كفارة" وهو أثبت وأصح إسنادا من حديث أبي هريرة هذا.
820- أخبرنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي إدريس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "671"، والبزار "408"، وأبو عوانة 1/ 390، وابن خزيمة "1293"، وابن حبان "1600" 4/ 477، والبغوي "460"، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 13.
2 رواه أبو داود "4674" 4/ 218، والحاكم 1/ 36 و2/ 14-450، والبيهقي 8/ 329، وابن شاهين "657" ص491.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 1/ 66: وهو صحيح على شرط الشيخين.
وانظر الجمع بينه وبين الحديث الآتي في فتح الباري 1/ 66-67 و12/ 134.(2/110)
الخولاني، عن عبادة، قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومَن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له، ومَن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"1.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن سعيد بن أبي صدقة، عن ابن سيرين، قال: لم يكن أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أهيب لما لا يعلم من أبي بكر -رضي الله عنه- ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر، وأن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا ولا في السنة أثرا فاجتهد رأيه، ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله2.
821- أخبرنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا الأعمش -أو: أخبرت عنه- عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، أنه سمعه يقول: أيها الناس مَن علم منكم شيئا فليقل به، ومَن لم يعلم فليقل لما لا يعلم: الله أعلم، فإن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. وقد قال الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "18, 3892, 3893, 3999, 4894, 6784, 6801, 6873, 7055, 7199, 7213, 7468"، ومسلم "1709"، والترمذي "1439"، والنسائي 7/ 141-142، والكبرى "7784-7785"، وابن ماجه "2603"، وأحمد 5/ 314-320، والدارمي "2453" 2/ 290، وابن الجارود "803" 3/ 106-107، والطحاوي 4/ 212، والحميدي "387"، وابن أبي شيبة "27994" 5/ 462، وأبو نعيم 5/ 126، وابن حبان موارد ص361، والدارقطني 3/ 214-215، والحاكم 2/ 624، والطيالسي "579"، وأبو عوانة، كما في إتحاف المهرة 6/ 447، والبيهقي 8/ 18، و8/ 328، وفي المدخل ص236-237، وأبو نعيم في الحلية 5/ 126.
2 رواه الدارمي "138" 1/ 65، والخطيب في الفقيه 2/ 199، وابن سعد في الطبقات 3/ 177، والطبري 4/ 284.(2/111)
لنبيه, صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]؛ إن قريشا لما أبطئوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإسلام... وذكر الحديث1.
822- أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر بن شاذان، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ، قال: حدثنا سنيد، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله، قال: أيها الناس مَن سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومَن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم؛ فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، إن الله تبارك وتعالى قال لنبيه, صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86].
- وسئل الشعبي عن مسألة فقال: هي زباء، هلباء ذات وبر، لا أحسنها، ولو ألقيت على بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأعضلت به، وإنما نحن في العُنُوق ولسنا في النوق، فقال له أصحابه: قد استحيينا لك مما رأينا منك. فقال: لكن الملائكة المقربين لم تستحي حين قالت: {لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]2.
823- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، عن الأعمش، ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، قال الله تبارك وتعالى لنبيه, صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "173" 1/ 73، والخطيب في الفقيه 2/ 171، والبيهقي في المدخل "797" ص432، والآجري في أخلاق العلماء "191" ص94-95، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 21، وأبو خيثمة في العلم "67" ص19، وأصل الحديث رواه الحميدي "116" مطولا مع الشاهد، والبخاري "4693, 4774 مع الشاهد, 4809 مع الشاهد, 4821, 4822 مع الشاهد, 4823, 4824" وفي خلق أفعال العباد "222" ومسلم "2798" والترمذي "2354".
2 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 174 نحوه، والفسوي 2/ 593-594، وأبو نعيم في الحلية 4/ 319، والبيهقي في المدخل "802" ص433-434.(2/112)
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86]1.
824- وأخبرنا محمد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله، قالا: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا الفضل بن الحباب القاضي، قال: حدثنا محمد بن كثير... وذكر بإسناده مثله2.
825- أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد، قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا حفص، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم النخعي، عن أبي معمر، عن أبي بكر الصديق، أنه قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله بغير علم3؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 انظر ما قبله.
3 رواه ابن أبي شيبة "30107"، والطبري في تفسيره 1/ 58، والدارمي في الرد على الجهمية "17" ص23-24، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ص227، والخطيب في الجامع 2/ 285، والبيهقي في المدخل "791, 792, 793" ص429-430، وفي الشعب "2278" 2/ 424، من طرق عن أبي بكر, رضي الله عنه:
الأولى: العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عنه: عند ابن أبي شيبة، والقاسم بن سلام، وإبراهيم لم يسمع من أبي بكر، انظر جامع التحصيل ص141، والتهذيب 1/ 178، والفتح 13/ 285.
الثانية: إبراهيم النخعي، عن أبي معمر، عن أبي بكر, رضي الله عنه: عند ابن عبد البر. وأبو معمر، عبد الله بن سخبرة: عن أبي بكر: مرسل. كما في تهذيب التهذيب 5/ 231، والفتح 13/ 285 "الريان".
الثالثة: عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي بكر: عند البيهقي في الشعب. وعلي ضعيف.
الرابعة: ابن أبي مليكة، عن أبي بكر: رواه البيهقي في الشعب "2279" 2/ 424 مرسلا، وفي المدخل "792" ص430.
الخامسة: ابن شهاب، عن أبي بكر, رضي الله عنه: رواه البيهقي في المدخل "791" ص429-430.
السادسة: مجاهد، عن عائشة، عن أبي بكر, رضي الله عنه: رواه البزار -كما في الدر المنثور =(2/113)
وذكر مثل هذا عن أبي بكر -رضي الله عنه- ميمون بن مهران، وعامر الشعبي، وابن أبي مليكة1.
826- أخبرنا عبد الله بن محمد ومحمد بن محمد، قالا. حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي, قال: حدثنا موسى بن هارون الحمال، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا خالد, عن عطاء، عن زاذان وأبي البختري، عن علي بن أبي طالب, أنه قال: أي أرض تلقني أو أي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
827- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر, أنه سئل عن شيء فقال: لا أدري، فلما وَلّى الرجل قال: نعما قال عبد الله بن عمر سئل عما لا يعلم فقال: لا علم لي به2.
828- وقال ابن وهب: وسمعت مالكا يحدث عن عبد الله بن زيد بن هرمز؛ قال: إني لأحب أن يكون من بقايا العالم بعده: لا أدري، ليأخذ به مَن بعده3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 5/ 32، والبيهقي في المدخل "793" ص430.
السابعة: عامر الشعبي، عن أبي بكر, رضي الله عنه: رواه عبد بن حميد، والخطيب في الجامع "1649" 2/ 284-285.
فهذه الطريق يؤيد بعضها بعضا، والله تعالى أعلم.
1 انظر تخريج هذه الطرق في التعليق السابق.
2 رواه الدارمي "179" 1/ 74، و"181" 1/ 75، وعلقه البخاري في كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته فليس بكنز 3/ 272، والآجري في أخلاق العلماء "192, 193, 194" ص95-96، والفسوي 1/ 490، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 171-172، والبيهقي في المدخل "796" ص431-432، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 17.
3 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 173، والفسوي 1/ 655، والبيهقي في المدخل "809" =(2/114)
- وذكر ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن ابن عمر، مثل حديثه عن العمري عن نافع، عن ابن عمر سواء.
829- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا أحمد بن عمر.
وحدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا الأعمش، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر عن فريضة من الصلب فقال: لا أدري.
فقيل له: ما يمنعك أن تجيبه؟ فقال: سئل ابن عمر عما لا يدري فقال: لا أدري1.
830- قال محمد بن علي: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: تكاثروا على القاسم بن محمد يوما بمنى فجعلوا يسألونه فيقول: لا أدري، ثم قال: إنا والله ما نعلم كل ما يسألونا عنه، ولو علمنا ما كتمناكم ولا حل لنا أن نكتمكم2.
831- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سئل سعيد بن جبير عن شيء، فقال: لا أعلم، ثم قال: ويل للذي يقول لما لا يعلم: إني أعلم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ص435.
1 رواه الآجري في أخلاق العلماء "193" ص95.
2 رواه الدارمي "112" 1/ 61، و"118" 1/ 62، وأبو خيثمة في العلم "139" ص33، والخطيب في الفقيه 2/ 170، والبيهقي في المدخل "805, 806, 807, 808" ص434-435 نحوه.
3 رواه البيهقي في المدخل "811" ص435-436.(2/115)
- وذكر الشعبي، عن علي -رضي الله عنه- أنه خرج عليهم وهو يقول: ما أبردها على الكبد، فقيل له: وما ذلك؟ قال: أن تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم1.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، قال: يا أهل العراق، إنا والله لا نعلم كثيرا مما تسألونا عنه، ولئن يعيش المرء جاهلا لا يعلم ما افترض عليه خير له من أن يقول على الله ورسوله ما لا يعلم2.
- قال الحسن: وحدثنا نعيم بن حماد، قال: سمعت بعض أصحاب ابن عون -أظنه: حسين بن حسن- عن ابن عون، قال: كنت عند القاسم بن محمد إذ جاءه رجل فسأله عن شيء، فقال القاسم: لا أحسنه، فجعل الرجل يقول: إني رفعت إليك لا أعرف غيرك.
فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه.
فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يابن أخي الزمها، والله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم.
فقال القاسم: والله لأن يقطع لساني أحبّ إليّ من أن أتكلم بما لا علم لي به.
832- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، قال: سمعت مالكا، يقول: سأل عبد الله بن نافع أيوب السختياني عن شيء فلم يجبه، فقال له: لا أراك فهمت، ما سألتك عنه.
قال: بلى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 رواه الدارمي "175, 176, 178" 1/ 74، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 171، والآجري في أخلاق العلماء "190" ص94، والبيهقي في المدخل "794" ص430-431، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 15، من طرق عن علي يصح بها.
2 رواه الدارمي "114" 1/ 61 نحوه، و"111" 1/ 60-61 بآخره، والفسوي في المعرفة والتاريخ 1/ 546، والبيهقي في المدخل "806-807" ص434-435، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 173، وأبو خيثمة في العلم "90" ص23.(2/116)
قال: فلم لا تجبني. قال: لا أعلمه1.
833- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الرازي بمكة، قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، يقول: كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال له: يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حمّلني أهل بلدي مسألة أسألك عنها.
قال: فسل.
فسأله الرجل عن المسألة، فقال: لا أحسنها. قال: فبهت الرجل كأنه قد جاء إلى مَن يعلم كل شيء.
فقال: أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟
قال: تقول لهم: قال مالك: لا أحسن2.
- وذكر ابن وهب أيضا في كتاب المجالس قال: سمعت مالكا، يقول: ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري؛ فإنه عسى أن يهيأ له خير3.
- قال ابن وهب: وكنت أسمعه كثيرا ما يقول: لا أدري.
- وقال في موضع آخر: لو كتبنا عن مالك: لا أدري، لملأنا الألواح.
- قال ابن وهب: وسمعت مالكا وذكر قول القاسم بن محمد: لأن يعيش الرجل جاهلا خير من أن يقول على الله ما لا يعلم، ثم قال: هذا أبو بكر الصديق وقد خصه الله بما خصه به من الفضل يقول: لا أدري4.
- وقال ابن وهب: وحدثني مالك، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 173-174، وعنده: سأل عمر بن نافع بدل: عبد الله بن نافع.
2 رواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح ص18، والخطيب في الفقيه 2/ 174 نحوه، والبيهقي في المدخل "816" ص437، وأبو نعيم في الحلية 6/ 323.
3 رواه البيهقي في المدخل عقيب "808" ص435، والفسوي 1/ 546.
4 رواه البيهقي في المدخل "808" ص435، والفسوي 1/ 546.(2/117)
- وذكر عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بعض هذا وفي روايته هذه الملائكة قد قالت: {لا عِلْمَ لَنَا} [البقرة: 32]1.
- وذكر أبو داود في تصنيفه لحديث مالك: حدثنا عباس العنبري، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: قال مالك: كان ابن عباس يقول: إذا أخطأ العالم لا أدري, أصيبت مقاتله2.
- قال: وحدثنا محمود بن خالد، قال: حدثنا مروان بن محمد، قال: وحدثني بعض أصحابنا، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، قال: قال ابن عباس: إذا ترك العالم: لا أعلم، فقد أصيبت مقاتله.
- قال: وحدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا محمد بن إدريس، قال: سمعت مالكا، يقول: سمعت ابن عجلان، يقول: إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله3.
834- أخبرني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن علان ببغداد، قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي, قال: حدثني محمد بن إدريس الشافعي، قال: سمعت مالك بن أنس، يقول: سمعت ابن عجلان، يقول: إذا أغفل العالم: لا أدري أصيبت مقاتله4.
- وذكر أبو داود، عن ابن السرح، عن ابن وهب، عن معاوية بن الصالح، قال: كان يقال.... وذكر معناه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى نحوه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 174 عن الشعبي.
2 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 172، والآجري في أخلاق العلماء "195" ص96.
3 رواه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي ص107، والآجري في أخلاق العلماء "196" ص96-97، والبيهقي في المدخل "812" ص436، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 172-173، والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 22-23، وقال: هذا حديث صحيح، اجتمع فيه ثلاثة من أئمة المسلمين.
4 انظر التعليق السابق.(2/118)
835- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني حفص بن عاصم، عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا فكان كثيرا ما يسأل فيقول: لا أدري، ثم يلتفت إليّ: فيقول أتدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسرا إلى جهنم1.
وقال أبو الدرداء: قول الرجل فيما لا يعلم: لا أعلم: نصف العلم.
- وقال الراجز:
فإن جهلت ما سئلت عنه ولم يكن عندك علم منه
فلا تقل فيه بغير فهم إن الخطا مزرٍ بأهل العلم
وقل إذا أعياك ذاك الأمر ما لي بما تسأل عنه خبر
فذاك شطر العلم عند العلما كذاك ما زالت تقول الحكما
- وقال غيره:
إذا ما قتلت الأمر علما فقل به وإياك والأمر الذي أنت جاهله
836- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحوطي، قال: حدثنا أبو عمر عثمان بن كثير بن دينار، عن أبي الذيال، قال: تعلم: لا أدري، ولا تعلم: أدري؟ فإنك إن قلت: لا أدري، علموك حتى تدري، وإن قلت: أدري، سألوك حتى لا تدري.
- وقال أحمد بن زهير، سمعت الحوطي، يقول: عثمان بن كثير بن دينار ريحانة الشام عندنا.
837- حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا سنيد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: إن مَن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 172، وانظر نحوه عند الدارمي "155" 1/ 68-69.(2/119)
يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.
قال الأعمش: فذكرت ذلك للحكم بن عتيبة، فقال: لو سمعت هذا منك قبل اليوم ما كنت أفتي في كل ما أفتي1.
838- وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا إبراهيم بن عثمان، حدثنا حمدان بن عمرو، حدثنا نعيم بن حماد، قال: سمعت ابن عيينة، يقول: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما2.
وقد أفردنا بابا في تدافع الفتوى وذم مَن سارع إليها يأتي في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
60- باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة:
839- قرأت على عبد الوارث بن سفيان، حدثكم قاسم بن أصبغ؟ قال: نعم حدثنا، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى القطان، عن شعبة، قال: حدثني أبو عون، عن الحارث بن عمرو، عن أناس من أصحاب معاذ، عن معاذ, أنه قال: لما بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قال: "كيف تقضي؟"3.
840- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "171" 1/ 73، وأبو خيثمة في العلم "10" ص8، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 197-198 و2/ 202-203، والبيهقي في المدخل "798" ص432، وسيأتي برقم "1142" إن شاء الله تعالى.
وقد ورد عن ابن عباس أيضا. رواه البيهقي في المدخل "799" ص433، وسيأتي برقم "1140" إن شاء الله تعالى.
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 166 ولفظه: أعلم الناس بالفتوى أسكتهم فيها، وأجهل الناس بالتقوى أنطقهم فيها، وقد سبق برقم "801-802".
3 انظر الذي بعده.(2/120)
زهير، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي عون -وهو: محمد بن عبيد الله الثقفي- قال: سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب معاذ، عن معاذ بن جبل: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذا إلى اليمن قال: "كيف تقضي؟". ثم اتفقا: "إذا عرض لك قضاء؟" قال: أقضي بكتاب الله.
قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟".
قال: فبسنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟".
قال: أجتهد رأيي ولا آلو.
قال: فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله"1.
ولفظ حديث القطان على لفظ معاذ: فضرب صدري، وقال لي نحو هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3592-3593"، والترمذي "1327-1328"، ثم قال: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وأبو عون الثقفي: اسمه محمد بن عبيد الله" ا. هـ.
وأحمد في المسند 5/ 230, 236, 242، والدارمي "168" 1/ 72، والطيالسي في مسنده "559" وعبد بن حميد في المنتخب من المسند "124"، والطبراني في المعجم الكبير "362" 20/ 170، والجوزقاني في الأباطيل 1/ 105-106، والبيهقي في سننه 10/ 114، وفي المدخل "256" ص207-208، والخطيب في الفقيه 188-189.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1- الحارث بن عمرو: مجهول، انظر التقريب 1/ 143.
2- شيوخه مبهمون.
3- أعله البخاري بالإرسال، كما في التاريخ الكبير 1/ 2/ 277، وانظر التلخيص الحبير 4/ 182-183، والضعيفة 2/ 273-286 فقد أطال وأجاد وأفاد حول الحكم على هذا الحديث.
وجوده شيخ الإسلام في مقدمة في أصول التفسير ص86.(2/121)
841- وأخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبد الله بن روح المدايني, قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي عون، عن الحارث بن عمرو أخي المغيرة بن شعبة، عن أصحاب معاذ من أهل حمص، عن معاذ، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن قال له: "كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟".
قال: أقضي بما في كتاب الله.
قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟".
قال: فبسنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله؟".
قال: أجتهد رأيي لا آلو.
قال: فضرب بيده في صدري، وقال: $"الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله"1.
842- وأخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي إجازة، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن موسى الباغندي بجرجان قراءة عليه، قال: حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه، قال: حدثنا داود بن علي بن خلف، قال: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، عن الشيباني، عن الشعبي، عن شريح: أن عمر كتب إليه: إذا أتاك أمر فاقض فيه بما في كتاب الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سن فيه رسول الله، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسن فيه رسول الله فاقض بما أجمع عليه الناس، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتكلم فيه أحد فأي الأمرين شئت فخذ به. هكذا قال2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه النسائي 8/ 231، والدارمي "167" 1/ 71-72، والبيهقي في سننه 10/ 110-115، والخطيب في الفقيه 2/ 99-166 و2/ 199-200، ووكيع في أخبار القضاة 2/ 189-190، وأبو نعيم في الحلية 4/ 136، وابن حزم في الإحكام 6/ 769-807 و7/ 1004.(2/122)
843- وقد حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الشيباني، قال: حدثنا عامر الشعبي، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى شريح: إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقض به ولا تلتفت إلى غيره، وإذا أتى شيء, أراه قال: ليس في كتاب الله وليس في سنة رسول الله ولم يقل فيه أحد قبلك فإن شئت أن تجتهد رأيك فتقدم، وإن شئت أن تتأخر فتأخر، وما أرى التأخر إلا خير لك1.
844- قال: وحدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: أكثر الناس يوما على عبد الله يسألونه فقال: أيها الناس إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هناك فمن ابتلي بقضاء بعد اليوم فليقض بما في كتاب الله فإن أتاه ما ليس في كتاب الله ولم يقل فيه نبيه فليقض بما قضى به الصالحون، فإن أتاه أمر لم يقض به الصالحون وليس في كتاب الله ولم يقل فيه نبيه فليجتهد رأيه ولا يقولن إني أرى وأخاف فإن الحلال بيّن والحرام بيّن وبين ذلك أمور مشتبهات، فدعوا ما يريبكم لما لا يريبكم2.
- قال أبو عمر: هذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالم بها، ومَن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولا في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل؛ وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديما وحديثا فتدبره.
845- أخبرنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا سيار، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه النسائي 8/ 230، وابن أبي شيبة 7/ 241 "الهندية"، والدارمي "165-165م" 1/ 71 و"168م" 1/ 72، والخطيب في الفقيه 1/ 101 و2/ 200-202، والبيهقي في سننه 10/ 115، وابن حزم في الأحكام 6/ 768.(2/123)
الشعبي، قال: لما بعث عمر شريحا على قضاء الكوفة، قال له: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما لم يتبين لك فيه السنة فاجتهد رأيك1.
846- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا الأعمش، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: مَن عرض له منه قضاء فليقض بما في كتاب الله فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه -صلى الله عليه وسلم- فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه -صلى الله عليه وسلم- فليقض بما قضى به الصالحون, فإن جاءه أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولم يقض به الصالحون فليجتهد رأيه فليقر ولا يستحي2.
وهذا أوضح بيانا فيما ذكرنا، لقوله: فإن لم يحسن؛ ومَن لا علم له بالأصول فمعلوم أنه لا يحسن.
847- أخبرنا أبو عثمان سعيد بن عثمان، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن دحيم، قال: حدثنا أبو جعفر الديبلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس إذا سئل عن شيء: فإن كان في كتاب الله قال به، وإن لم يكن في كتاب الله وكان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر، قال به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أبي بكر ولا عن عمر اجتهد رأيه3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما سبق قريبا برقم "843".
2 رواه الدارمي من طريق القاسم به "165م" 1/ 71. وانظر ما سبق برقم "844".
3 رواه الدارمي "166" 1/ 71، والخطيب 2/ 202-203، والحاكم في المستدرك 1/ 127، والبيهقي في المدخل "73" ص127-128، وسنده صحيح، وعبيد الله بن أبي يزيد المكي: ثقة كثير الحديث. انظر التقريب 2/ 540، والتهذيب 7/ 56-57، والتاريخ الكبير 5/ 403، =(2/124)
848- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد، قال: حدثنا أسلم بن عبد العزيز، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت ابن عباس إذا سئل عن شيء هو في كتاب الله قال به، فإن لم يكن في كتاب الله وقاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال به، فإن لم يكن في كتاب الله ولم يقله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقاله أبو بكر أو عمر قال به، وإلا اجتهد رأيه1.
849- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا ابن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: رأيت ابن عباس إذا سئل عن شيء... ثم ذكره سواء2.
850- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب، قال: حدثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به3.
851- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سألت أُبي بن كعب عن شيء، فقال: أكان هذا؟
قلت: لا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وإتحاف المهرة 7/ 391.
1 انظر ما قبله.
2 انظر ما قبله.
3 رواه البيهقي في المدخل "79" ص131 من طريق أسباط، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس نحوه. ورواه ابن سعد 2/ 238 من طريق شعبة، عن سماك به.(2/125)
قال: فأجمنا حتى يكون، فإذا كان اجتهدنا لك رأينا1.
- وروينا عن ابن عباس، أنه أرسل إلى زيد بن ثابت، أفي كتاب الله ثلث ما بقي؟
فقال زيد: إنما أقول برأيي وتقول برأيك.
وعن ابن عمر أنه سئل عن شيء فعله: أرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل هذا أو شيء رأيته؟ قال: بل شيء رأيته.
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان إذا قال في شيء برأيه قال: هذه من كيسي2.
- ذكره ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد، عن وليد بن رباح، عن أبي هريرة.
- وعن ابن مسعود، أنه قال في غير ما مسألة: أقول فيها برأيي.
- وعن أبي الدرداء أنه كان يقول: إياكم وفِراسة العلماء، احذروا أن يشهدوا عليكم بشهادة تكبّكم على وجوهكم في النار، فوالله إنه الحق يقذفه الله في قلوبهم ويجعله على أبصارهم.
وقد روي مرفوعا: "إياكم وفراسة العلماء؛ فإنهم ينظرون بنور الله"3.
852- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الفياض البرقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "149-150" 1/ 67-68، وأبو خيثمة في العلم "76" ص20، والخطيب في الفقيه 2/ 8، وابن بطة في الإبانة "315-316" 1/ 408، وسيأتي برقم "1071".
2 رواه البخاري "5355"، وفي الأدب المفرد "196" ص78، وأحمد 2/ 252, 476, 480, 524, 527، وابن خزيمة 4/ 96، وابن حبان "3363" 8/ 149، والدارقطني 3/ 295-297، والبيهقي 7/ 466, 470, 471.
3 سبق تخريجه.(2/126)
الشيخ الصالح، قال: حدثنا سليمان بن بزيع الإسكندراني، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، قال: قلت: يا رسول الله الأمر ينزل بنا لم ينزل فيه قرآن ولم تمض منك فيه سنة؟ قال: "اجمعوا له العالمين -أو قال: "العابدين"- من المؤمنين اجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد"1.
قال الخشني: كتب عني الرياشي هذا الحديث.
853- وحدثنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم، قالا: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا موسى بن الحسن بن موسى الكوفي، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الفياض البرقي، قال: حدثنا سليمان بن بزيع، عن مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب، قال: قلت: يا رسول الله، الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل به القرآن ولم نسمع منك فيه شيئا؟ قال: "اجمعوا له العابدين من المؤمنين واجعلوه شورى بينكم ولا تقضوا فيه برأي واحد"2.
- قال أبو عمر: هذا حديث لا يعرف من حديث مالك إلا بهذا الإسناد ولا أصل له في حديث مالك عندهم ولا في حديث غيره وإبراهيم البرقي وسليمان بن بزيع ليسا بالقويين ولا مما يحتج به ولا يعول عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 184-185 و2/ 191، وذكره في الميزان، ولسان الميزان 3/ 78.
قال الدارقطني في غرائب مالك: لا يصح. تفرد به إبراهيم بن أبي الفياض، عن سليمان. ومن دون مالك ضعيف.
وساقه الخطيب في كتاب الرواة عن مالك من طريق إبراهيم، عن سليمان، وقال: لا يثبت عن مالك، والله أعلم، كما في اللسان 3/ 78.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه:
1- سليمان بن بزيع: قال أبو سعيد بن يونس: منكر الحديث. وقال ابن عبد البر: ليس بالقوي، ولا يحتج به، كما سبق. انظر اللسان 3/ 78.
2- إبراهيم بن أبي الفياض: روى عن أشهب مناكير, وضعفه ابن عبد البر, والدارقطني.
2 انظر التعليق السابق، ورواه الدارمي "117" 1/ 61 عن أبي سلمة مرسلا.(2/127)
- وعن عمر أنه قال لعلي وزيد: لولا رأيكما اجتمع رأيي ورأي أبي بكر كيف يكون ابني ولا أكون أباه يعني الجد.
- وعن عمر أنه لقي رجلا فقال: ما صنعت؟
فقال: قضى علي وزيد بكذا.
فقال: لو كنت أنا لقضيت بكذا.
قال: فما يمنعك والأمر إليك.
قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي والرأي مشترك.
- قال أبو عمر: فلم ينقض ما قال علي وزيد، وهذا كثير لا يحصى.
854- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا بقية, قال: حدثنا الأوزاعي، قال: سمعت الزهري، أو قال: حدثني الزهري، قال: نعم وزيرُ العلم؛ الرأيُ الحسن1.
855- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة، قال: قال علي: اجتمع رأيي ورأي عمر على عتق أمهات الأولاد، ثم رأيت بعد أن أرقهن فقلت له: إن رأيك ورأي عمر في الجماعة أحبّ إليّ من رأيك وحده في الفرقة2.
- وقال ابن وهب، عن ابن لهيعة، أن عمر بن عبد العزيز استعمل عروة بن محمد السعدي من بني سعد بن بكر وكان من صالح عمال عمر بن عبد العزيز على اليمن، وأنه كتب إلى عمر يسأله عن شيء من أمر القضاء، فكتب إليه عمر: لعمري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "313" 1/ 104.
2 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 64.(2/128)
ما أنا بالنشيط على الفتيا ما وجدت منها بدا وما جعلتك إلا لتكفيني وقد حملتك ذلك فاقض فيه برأيك.
- وقال عبد الله بن مسعود: ما رآه المؤمنين حسنًا فهو عند الله حسن وما رآه المؤمنون قبيحا فهو عند الله قبيح1.
- وذكر محمد بن سعد، قال: أخبرني روح بن عبادة، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن الجريري, أن أبا سلمة بن عبد الرحمن، قال للحسن: أرأيت ما يفتي به الناس أشيء سمعته أم برأيك؟
فقال الحسن: لا والله ما كل ما يفتي به الناس سمعناه، ولكن رأينا لهم خير من رأيهم لأنفسهم.
- وقال أبو بكر النهشلي: عن حماد، قال: ما رأيت أحضر قياسا من إبراهيم2.
856- وحدثنا خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا مروان، حدثنا علي بن يحيى بن محمد الحارثي بالمدينة، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الغريري من ولد عبد الرحمن بن عوف، عن محمد بن سلمة، عن عبد الله بن الحارث الجمحي، قال: كان ربيعة في صحن المسجد جالسا فجاز ابن شهاب داخلا من باب دار مروان بحذاء المقصورة يريد أن يسلم على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 1/ 379، والقطيعي في زوائد الفضائل "541" 1/ 367-368، والبزار في مسنده "130" 1/ 81، وابن الأعرابي في المعجم "860-861" 4/ 161-162، والطيالسي في مسنده "246" ص33، وأبو نعيم في الإمامة "201" ص376، والحاكم 3/ 78، والطبراني في الكبير "8582-8583" 9/ 118، والبيهقي في المدخل ص114، والخطيب في التاريخ 4/ 165، وفي الفقيه 1/ 166-167، والبغوي في شرح السنة "105" 1/ 214-215.
2 رواه ابن سعد في الطبقات 7/ 165.
وهو حسن عن ابن مسعود موقوفا، وانظر المقاصد الحسنة ص367، والشذرة 2/ 109، وكشف الخفاء 2/ 245، والدرر المنتثرة ص231، والأسرار المرفوعة ص129، ونصب الراية 4/ 133، والجد الحثيث ص198.(2/129)
النبي -صلى الله عليه وسلم- فعرض له ربيعة، فلقيه فقال له: يا أبا بكر ألا تسخر لهذه المسائل فقال: وما أصنع بالمسائل؟
فقال: إذا سئلت عن مسألة فكيف تصنع؟
قال: أحدث فيها بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن لم يكن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أصحابه -رضي الله عنهم- فإن لم يكن عن أصحابه اجتهدت رأيي، ثم قال: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ فقال: حدثنا فلان، عن فلان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا, وكذا.
فقال ربيعة: طلبت العلم غلاما ثم سكنت به إداما.
قال لي علي بن يحيى: وإداما: ضيعة لابن شهاب على نحو ثمانِ ليالٍ.
- وقال محمد بن الحسن: مَن كان عالما بالكتاب والسنة وبقول أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبما استحسن فقهاء المسلمين وسعه أن يجتهد رأيه فيما ابتلي به ويقضي به ويمضيه في صلاته وصيامه وحجه وجميع ما أمر به ونهي عنه، فإذا اجتهد ونظر وقاس على ما أشبه ولم يأل وسعه العمل بذلك وإن أخطأ الذي ينبغي أن يقول به.
- وقال الشافعي: لا يقيس إلا مَن جمع آلات القياس، وهي: العلم بالأحكام من كتاب الله فرضه وأدبه وناسخه ومنسوخه, وعامه وخاصه، وإرشاده، وندبه، ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبإجماع المسلمين فإذا لم يكن سنة ولا إجماع فالقياس على كتاب الله، فإن لم يكن فالقياس على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن لم يكن فالقياس على قول عامة السلف الذين لا يعلم لهم مخالف، ولا يجوز القول في شيء من العلم إلا من هذه الأوجه، أو من القياس عليها ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلافهم ولسان العرب، ويكون صحيح العقل حتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأن له في ذلك تنبيها على غفلة ربما كانت منه أو تنبيها على فضل ما اعتقد من الصواب وعليه بلوغ غاية جهده والإنصاف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقوله.(2/130)
قال: وإذا قاس مَن له القياس واختلفوا وسع كلا أن يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أداه إليه اجتهاده.
والاختلاف على وجهين: فما كان منصوصا لم يحل فيه الاختلاف.
وما كان يحتمل التأويل أو يدرك قياسا فذهب المتأول أو القائس إلى معنى يحتمل وخالفه غيره لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الاختلاف في المنصوص.
- قال أبو عمر: قد أتى الشافعي -رحمه الله- في هذا الباب بما فيه كفاية وشفاء، وهذا باب يتسع فيه القول جدا وقد ذكرنا منه كفاية، وقد جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم- من اجتهاد الرأي والقول بالقياس على الأصول عند عدمها ما يطول ذكره، وسترى منه ما يكفي في كتابنا هذا إن شاء الله.
"وممن حفظ عنه" أنه قال وأفتى مجتهدا رأيه وقايسا على الأصول فيما لم يجد فيه نصا:
من التابعين فمن أهل المدينة: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار, والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر, وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعروة بن الزبير، وإبان بن عثمان، وابن شهاب، وأبو الزناد، وربيعة، ومالك وأصحابه، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وابن أبي ذئب.
"ومن أهل مكة واليمن": عطاء، ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وابن جريج، ويحيى بن أبي كثير، ومعمر بن راشد، وسعيد بن سالم، وابن عيينة، ومسلم بن خالد، والشافعي.
"ومن أهل الكوفة": علقمة، والأسود، وعبيدة، وشريح القاضي، ومسروق، ثم الشعبي، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، والحارث العكلي، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، وسائر فقهاء الكوفيين.(2/131)
"ومن أهل البصرة": الحسن، وابن سيرين، وقد جاء عنهما وعن الشعبي ذم القياس ومعناه عندنا قياس على غير أصل لئلا يتناقض ما جاء عنهم، وجابر بن زيد أبو الشعثاء، وإياس بن معاوية، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن، وسوار القاضي.
"ومن أهل الشام": مكحول، وسليمان بن موسى، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ويزيد بن جابر.
"ومن أهل مصر": يزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، وسائر أصحاب مالك: ابن القاسم، وأشهب، وابن عبد الحكم، ثم أصبغ، وأصحاب الشافعي: المزني، والبويطي، وحرملة، والربيع.
"ومن أهل بغداد": وغيرهم من الفقهاء: أبو ثور، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو جعفر الطبري. واختلف فيه عن أحمد بن حنبل، وقد جاء عنه منصوصا إباحة اجتهاد الرأي والقياس على الأصول في النازلة تنزل، وعلى ذلك كان العلماء قديما وحديثا عندما ينزل بهم ولم يزالوا على إجازة القياس حتى حدّث إبراهيم بن سيار النظام وقوم من المعتزلة سلكوا طريقة في نفي القياس والاجتهاد في الأحكام وخالفوا ما مضى عليه السلف, فمن تابع النظام على ذلك: جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، ومحمد بن عبد الله الإسكافي وهؤلاء معتزلة أئمة في الاعتزال عن منتحليه، واتبعهم من أهل السنة على نفي القياس في الأحكام داود بن علي بن خلف الأصبهاني، ولكنه أثبت الدليل وهو نوع واحد من القياس سنذكره إن شاء الله، وداود غير مخالف للجماعة وأهل السنة في الاعتقاد والحكم بأخبار الآحاد.
- وذكر أبو القاسم عبيد الله بن عمر في كتاب القياس من كتبه في الأصول، فقال: ما علمت أن أحدا من البصريين ولا غيرهم ممن له نباهة سبق إبراهيم بن النظام إلى القول بنفي القياس والاجتهاد ولم يلتفت إليه الجمهور، وقد خالفه في ذلك أبو الهذيل وقمعه فيه ورده عليه هو وأصحابه.(2/132)
قال: وكان بشر بن المعتمر شيخ البغداديين ورئيسهم من أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام هو وأصحابه، وكان هو وأبو الهذيل كأنهما ينطقان في ذلك بلسان واحد.
قال أبو عمر: بشر بن المعتمر وأبو الهذيل من رؤساء المعتزلة وأهل الكلام، وأما بشر بن غياث المريسي فمن أصحاب أبي حنيفة المغرقين في القياس الناصرين له الداينين به، ولكنه مبتدع أيضا قائل بالمخلوق، وسائر أهل السنة وأهل العلم على ما ذكرت لك إلا أن منهم مَن لا يرى القول بذلك إلا عند نزول النازلة، ومنهم مَن أجاز الجواب فيها لمن يأتي بعدُ وهم أكثر أئمة الفتوى وبالله التوفيق.
857- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث, قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن عمرو بن أبي نعيمة، عن أبي عثمان الطنبذي رضيع عبد الملك بن مروان، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "مَن أفتى بغير علم كان إثمه على مَن أفتاه، ومَن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه"1.
قال أبو عمر: اسم أبي عثمان الطنبذي: مسلم بن يسار.
858- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود, قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني سفيان، عن أبي سنان الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: مَن أفتى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3657"، والبخاري في الأدب المفرد "259"، وابن ماجه "53"، والطحاوي في المشكل "411"، وأحمد 2/ 321-365، وابن أبي شيبة 8/ 762 "الهندية"، والدارمي "159" 1/ 69، والحاكم 1/ 102-103، والبيهقي في المدخل "181" ص176 و"789" ص429, وفي السنن 10/ 116, وسنده حسن إن شاء الله. وسيأتي "967-968" إن شاء الله تعالى، انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه.(2/133)
بفتيا وهو يعمى عنها كان أثمها عليه1.
859- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع، قال: حدثنا عبيدة بن حميد، عن أبي سنان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: مَن أفتى بفتيا يعمى فيها فإنما إثمها عليه.
860- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن إسماعيل، حدثنا عبد الملك بن بحر، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سنيد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، قال: لا يقولن أحدكم: إني أرى، وإني أخاف، دع ما يريبك إلا ما لا يريبك.
- وقال ابن عمر: يريد هؤلاء أن يجعلوا ظهورنا جسرا إلى جهنم2.
وقد تقدم ذكرنا لهذا الخبر بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا، والله حسبنا.
61- باب نكتة يستدل بها على استعمال عموم الخطاب في السنن والكتاب وعلى إباحة ترك ظاهر العموم للاعتبار بالأصول:
861- أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ببغداد، قال: حدثنا الخضر بن داود، قال: حدثنا أبو بكر الأثرم، قال: حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أُبي بن كعب وهو يصلي، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا أبي".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "160" 1/ 69، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 155، والبيهقي في المدخل "186" ص179.
2 سبق برقم "835".(2/134)
فالتفت إليه ولم يجبه، وصلى، فخفف، ثم انصرف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "يا أُبي ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟".
فقال: يا رسول الله كنت أصلي.
قال: "أفلم تجد فيما أوحي إليّ أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]".
قال: بلى يا رسول الله، ولا أعود إن شاء الله1.
862- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا بكر، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي فمر بي النبي, صلى الله عليه وسلم... ثم ذكر نحو هذه القصة المروية في أُبي2.
- وروي عن ابن مسعود "أنه جاء يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فسمعه يقول: "اجلسوا". فجلس بباب المسجد فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: "تعال يا عبد الله بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الترمذي "3125"، وعبد الله بن أحمد 5/ 114، والنسائي 2/ 139، وفي الكبرى "7499"، والحاكم 1/ 557-558، وابن حبان "775"، وابن خزيمة "500-501"، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص116-117، وعبد بن حميد "165" وأبو يعلى، ورجاله ثقات، إلا أن الحافظ الترمذي أعله بأنه من مسند أبي هريرة لا أنه من مسند أُبي، وانظر فتح الباري 8/ 157، وتحفة الأشراف 1/ 39-40.
ورواية أبي هريرة: عند النسائي في التفسير من سننه الكبرى "225" 1/ 523، والترمذي "2875"، وأبي يعلى في مسنده "6482"، والدارمي "3373"، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن ص116-117.
2 رواه البخاري "4474" 8/ 156، و"4647" 8/ 307-308، و"4703" 8/ 381، و"5006" 9/ 54، وأبو داود "1458" 2/ 71، 72 والنسائي 2/ 139، وفي فضائل القرآن من سننه الكبرى "8010" 5/ 11، وابن ماجه "3785"، والدارمي "1492" 1/ 417-418، و"3371" 2/ 538، وأحمد 3/ 450 و4/ 211، والطبراني في الكبير "768-769" 22/ 303, والدولابي في الكنى 1/ 34, وابن حبان "777" 3/ 56, والبيهقي في سننه 2/ 368-369، وفي الشعب 2/ 441-442.(2/135)
مسعود"1 ذكره أبو داود في كتاب الجمعة من السنن.
- وسمع عبد الله بن رواحة -وهو بالطريق- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "اجلسوا"، فجلس في الطريق، فمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما شأنك؟" فقال: سمعتك تقول: "اجلسوا". فجلست، فقال له النبي, صلى الله عليه وسلم: "زادك الله طاعة".
- ويدخل في هذا الباب قول عثمان بن مظعون للبيد بن ربيعة حين سمعه ينشد في المسجد الحرام:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
فقال عثمان: صدقت فقال: لبيد.
وكل نعيم لا محالة زائل2
فقال: كذبت، وإنما صدّقه في الأولى؛ لأنه عموم لا يلحقه خصوص، وكذّبه في الثانية؛ لأن نعيم الجنة دائم لا يزول، وكان لبيد حينئذ كافرا، وهذا الباب كثير جدا لا سبيل إلى تقصيه لكثرته.
863- أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد، قال: حدثنا أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا جويرية، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "1091"، ثم قال: "هذا يعرف مرسل، وإنما رواه الناس، عن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومخلد هو شيخ.
رواه ابن خزيمة 3/ 141-142 ثم قال: أرسله أصحاب ابن جريج لم يذكر ابن عباس، فإن كان الوليد حفظه فهو صحيح، والحاكم 1/ 283-284.
2 البيت في ديوان لبيد ص254، وشرح أبيات مغني اللبيب 3/ 154-155، والشعر والشعراء 1/ 279.
وفي المرفوع: "إن أصدق بيت قالته العرب قول الشاعر:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
رواه البخاري وغيره. انظر تخريجه في الشمائل للترمذي "242" بتحقيقنا، والمجالسة للدينوري "1378" 4/ 222-224.(2/136)
نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فأدركهم وقت العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، ولم يرد منا ذلك.
فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعنف واحدة من الطائفتين"1.
- قال أبو عمر: هذه سبيل الاجتهاد على الأصول عند جماعة الفقهاء، ولذلك لا يردون ما اجتهد فيه القاضي وقضى به إذا لم يرد إلا إلى اجتهاد مثله، وأما مَن أخطأ منصوصا فقوله وفعله عندهم مردود إذا ثبت الأصل، فافهم.
62- باب مختصر في إثبات المقايسة في الفقه:
قد تقدم ذكر اجتهاد الرأي، وذكرنا في ذلك الباب حديث معاذ وغيره، وهو الحجة في إثبات القياس عند جميع الفقهاء القائلين به.
وقال الله تبارك وتعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وهذا تمثيل الشيء بعدله ومثله وشبهه ونظيره، وهو نفس القياس عند الفقهاء.
- وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال له رجل في حديث أبي ذر وغيره: يا رسول الله في حديث ذكروه: أيقضي أحدنا شهوته ويؤجر؟
قال: "أرأيت لو وضعها في حرام أكان يأثم؟".
قال: نعم.
قال: "فكذلك يؤجر، أفتجزون بالشر ولا تجزون بالخير"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "946-4119"، ومسلم "1770"، وابن حبان "1462-4719"، والبغوي "3798"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 193-194.
2 رواه مسلم "720" 1/ 498-499، "1006" 2/ 697-698، وأبو داود "1285" و"5243-5244" 4/ 362، وأحمد 5/ 154, 167, 178، والنسائي في الكبرى "9028" 5/ 326-327، وأبو عوانة في مستخرجه 2/ 266، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف "95" ص127، والبيهقي في سننه الكبرى 3/ 47، والبغوي "1007" 4/ 142.(2/137)
- ومن هذا الباب حديث أبي هريرة: أن رجلا من فزارة جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن امرأتي ولدت غلاما أسود"1 الحديث؛ لأنه بين له فيه أن الحمر من الأبل قد تنتج الأورق إذا نزعه عرق، فكذلك المرأة البيضاء تلد الأسود إذا نزعه عرق.
- وقال صلى الله عليه وسلم لعمر حين سأله عن قبلة الصائم امرأته: "أرأيت لو تمضمض بماء ومجه وهو صائم؟" فقال عمر: لا بأس.
قال: "فكذلك هذا"2.
- وفي حديث الخثعمية في الحج عن أبيها: "أرأيت لو كان على أبيك دَيْن فقضيتيه أكان ذلك ينفعه؟" قالت: نعم. قال: "فدين الله أحق"3.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "محرم الحلال كمستحل الحرام"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "3505, 6847, 7314"، ومسلم "1500"، وأبو داود "2260, 2261, 2262"، والنسائي 6/ 178-179، وابن ماجه "2002"، وأحمد في المسند 2/ 239-409، والحميدي "1084"، وابن حبان في صحيحه "4106-4107"، والبيهقي في سننه 7/ 411 و8/ 251-252 و10/ 265، والبغوي "2337" من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه.
2 رواه أبو داود "2385" 2/ 311، وأحمد 1/ 21-52، والدارمي "1724" 2/ 22، والحاكم 1/ 431، وابن خزيمة "1999" 3/ 245، وابن حبان "3544" 8/ 313-314، والبيهقي 4/ 218-261، والخطيب في الفقيه 2/ 191-192 ورجاله ثقات.
3 رواه البخاري "1852, 6699, 7315"، ومسلم "1335"، والترمذي "928"، والنسائي 5/ 116, 118, 119، وأحمد 1/ 239, 240, 345، وابن ماجه "2909"، والطيالسي "2621"، وابن الجارود "501"، وابن خزيمة "3041"، وابن حبان "3989, 3990، 3992, 3994, 3995, 3996, 3997"، والبيهقي 4/ 335 و5/ 179، والبغوي "1855" من ابن عباس -رضي الله عنهما- وله طرق أخرى انظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "2909".
4 رواه البخاري في التاريخ الكبير 6/ 34، وذكره ابن أبي حاتم في العلل 2/ 308 ثم قال: "قال أبي: هذا حديث منكر" ا. هـ. والطبراني في الأوسط "7978"، وفي الباب عن ابن =(2/138)
- وقال: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب"1.
- وفي كتاب عمر إلى أبي موسى: وإلا أعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور2.
- وقايس زيد بن ثابت علي بن أبي طالب في المكاتب وقايسه أيضا في الجد، واتفقا في أنه لا يحجب الأخوة فقاسه علي، وشبهه بسيل انشعبت منه شعبة ثم انشعبت من الشعبة شعبتان وقاسه زيد على شجرة انشعبت منها غصن وانشعب من الغصن غصنان؛ لأن قولهما في الجد واحد في أنه يشارك الأخوة ولا يحجبهم وقاس ابن عباس الأضراس بالأصابع، وقال: عقلهما سواء اعتبرها بها.
- وقال الشعبي: إنا نأخذ في زكاة البقر فيما زاد على الأربعين بالمقاييس.
- وقال إبراهيم النخعي: ما كل شيء نسأل عنه نحفظه، ولكنا نعرف الشيء بالشيء ونقيس الشيء بالشيء3.
- وفي رواية أخرى قيل له: أكل ما يفتى به الناس سمعته؟
قال: لا، ولكن بعضه سمعت وقست ما لم أسمع على ما سمعت.
- وعن إبراهيم -أيضا- أنه قال: إني لأسمع الحديث فأقيس عليه مائة شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مسعود موقوفا عليه: عند الطبراني "8852-8853" 8/ 191، وعبد الرزاق "20573". وانظر مجمع الزوائد 1/ 177 و4/ 69 وعن أم معبد قولها: رواه الطبراني "416" 25/ 171، وانظر مجمع الزوائد 1/ 176.
1 رواه البخاري "5239"، ومسلم "1445"، وأبو داود "2057"، والترمذي "1148"، والنسائي 6/ 103، وأحمد 6/ 38-194، ومالك في الموطأ 2/ 601-602، وابن ماجه "1949"، وابن حبان "4109" 9/ 420، و"4219" 10/ 33، وأبو يعلى "4501"، والحميدي "230"، والدارمي 2/ 156، والدارقطني 4/ 177-178، وعبد الرزاق "13938, 13940, 13941"، والبيهقي 7/ 452، والبغوي في شرح السنة "2280" عن عائشة، انظر تتمة تخريجه في تخريجنا سنن ابن ماجه "1949".
2 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 200، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 70-73، ضمن رسالته الطويلة.
3 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 203.(2/139)
وقال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم، قال: وأجمعوا أن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل.
قال: فلا يجوز لأحد إنكار القياس؛ لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها.
- قال أبو عمر: من القياس المجمع عليه صيد ما عدا الكلاب من الجوارح قياسا على الكلاب لقوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4].
وقال جل وعز: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 24] فدخل في ذلك المحصنون قياسا، وكذلك قوله في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] فدخل في ذلك العبيد قياسا عند الجمهور؛ إلا من شذ ممن لا يكاد يعد خلافا.
وقال في جزاء الصيد المقتول في الحرم: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فدخل فيه قتل الخطأ قياسا عند الجمهور إلا من شذ، لأنه أتلف ما لا يملك قياسا على مال غيره إذا أتلفه عمدا أو خطأ.
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] فدخل في ذلك الكتابيات قياسا، فكل من تزوج كتابية وطلقها قبل المسيس لم يكن عليها عدة، والخطاب قد ورد بالمؤمنات.
وقال في الشهادة في المداينات: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فدخل في معنى قوله: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [المائدة: 282] قياسا على الدين: المواريث والودائع والغصوب وسائر الأموال.
وأجمعوا على توريث البنتين الثلثين قياسا على الأختين، وهذا كثير جدا يطول الكتاب بذكره.
وقال فيمن أعسر بما بقي عليه من الربا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فدخل في ذلك معسر بدين حلال وثبت ذلك قياسا والله أعلم.(2/140)
ومن هذا الباب توريث الذكر ضعف ميراث الأنثى منفردا، وإنما ورد النص في اجتماعهما بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وقال: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ومن هذا الباب -أيضا- قياسا التظاهر بالبنت على التظاهر بالأم؛ لأن العلة أن يكون المتظاهر بها رحما محرما.
وقياس الرقبة في الظهار على الرقبة في القتل بشرط الإيمان.
وقياس تحريم الأختين وسائر القرابات من الإماء على الحرائر في الجمع في التسري والنكاح.
وهذا لو تقصيناه لطال به الكتاب والله الموفق للصواب.
وقال أبو محمد اليزيدي في القياس، وذلك فيما:
864- أحدث به شيخنا أبو الأصبغ عيسى بن سعيد بن سعدان، قال: حدثنا أبو الحسن بن مقسم، قال: حدثنا أبو الحسن بن المنادي، قال: أنشدني أبو عبد الرحمن عبد الله بن علي بن محمد بن علي بن عبد العزيز العمري الموصلي، خال أبي علي البياضي الهاشمي، قال: أنشدت لأبي محمد اليزيدي في قوله في القياس:
ما جهول لعالم بمدان لا ولا العي كائن كالبيان
فإذا ما عميت فاسأل تخبر إن بعض الأخبار مثل العيان
ثم قس بعض ما سمعت ببعض وأت في ما تقول بالبرهان
لا تكن كالحمار يحمل أسفا رًا كما قد قرأت في القرآن
إن هذا القياس في كل أمر عند أهل العقول كالميزان
لا يجوز القياس في الدين إلا لفقيه لدينه صوان
ليس يغني عن جاهل قول مفتٍ عن فلان، وقوله: عن فلان
إن أتاه مسترشدا أفتاه بحديثين فيهما معنيان
إن من يحمل الحديث ولا يعـ ـرف به التأويل كالصيدلاني(2/141)
حين يلقى لديه كل دواء وهو بالطب جاهل غيروان
حكم الله في الجراء ذوي عد ل من الصيد بالذي يريان
لم يوقت ولم يسم ولكن قال فيه: فليحكم العدلان
ولنا في النبي صلى عليه الـ ـله والصالحون كل أوان
أسوة في مقالة لمعاذ: أقضي بالرأي إن أتى الخصمان
وكتاب الفاروق يرحمه اللـ ـه إلى الأشعري في تبيان
قس إذا أشكلت عليك أمور ثم قل بالصواب للرحمن
وقال أبو عمر: القياس والتشبيه والتمثيل من لغة العرب الفصيحة التي نزل بها القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 58] وقوله: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: 24] وقوله, جل وعز: {مَثَلُ نُورِه} [النور: 35] يعني: في قلب المؤمن: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35]. وقوله, عز وجل: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35].
وقوله: {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9].
وقوله: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 11] وما كان مثله من ضربه -جل وعز- الأمثال للاعتبار، وحكمه للنظير بحكم النظير. ومثله كثير، والمعنى في ذلك كله وما كان مثله الاشتباه في بعض المعاني وهو الوجه الذي جرى عليه الحكم؛ لأن الاشتباه لو وقع في جميع الجهات كان ذلك الشيء بعينه ولم يوجد تغاير أبدا، ألا ترى أن النشور ليس كإحياء الأرض بعد موتها إلا من جهة واحدة، وهي التي جرى إليها الحكم المراد وكذلك الجزاء بالمثل من النعم لا يشبه الصيد من كل جهة، وكذلك قول الله في الكفار: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 50-51] و: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [الفرقان: 44] وقع التشبيه من جهة عمى القلوب والجهل، ومثل هذا كثير.
- روى الخشني، عن ابن عمر، عن سفيان بن عيينة، قال: قال ابن شبرمة:(2/142)
احكم بما في كتاب الله مقتديا وبالنظائر فاحكم بالمقاييس
- وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى لقس بن ساعدة، وأنشدها غيره للأقيس الأشعري والقول قول أبي عبيدة:
يا أيها السائل عما مضى من علم هذا الزمن الذاهب
إن كنت تبغي العلم أو نحوه في شاهد يخبر عن غائب
فاعتبر الشيء بأشباهه واعتبر الصاحب بالصاحب
- وقال منصور:
تأن في الأمر إذا رمته تبين الرشد من الغي
لا تتبعن كل نار ترى فالنار قد توقد للكي
وقس على الشيء بأشكاله يدلك الشيء على الشيّ
- وقال غيره:
إذا أعيا الفقيه وجود نص تعلق لا محالة بالقياس
- ولأبي الفتح البستي:
أنت عين الحور نصا وقياسا وبيان الحق نص وقياس
63- باب في خطأ المجتهدين من المفتين والحكام:
865- حدثنا عبيد بن محمد ومحمد بن عبد الملك، قالا: حدثنا عبد الله بن مسرور، قال: حدثنا عبيد بن مسكين، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر، قال: حدثنا الحسن بن بشر، قال: حدثنا شريك، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة, عن ابن بريدة, عن أبيه، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة:
قاضٍ قضى بغير الحق وهو يعلم: فذلك في النار. وقاضٍ قضى وهو لا يعلم، فأهلك حقوق الناس. فذلك في النار(2/143)
وقاض قضى بالحق وهو يعلم: فذلك في الجنة"1.
866- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أبي العوام البغدادي، قال: سمعت أبي، يقول: حدثنا خلف بن خليفة، قال: قال أبو هاشم الرماني: لولا حديث ابن بريدة لقلت: إن القاضي إذا اجتهد فليس عليه سبيل، ولكن قال ابن بريدة، عن أبيه، قال النبي, صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، واثنان في النار، قاض عرف الحق فقضى به فذلك في الجنة، وقاض قضى بالجهل فذلك في النار، وقاض عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار"2.
867- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا عبد الله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير, عن ابن بريدة، قال: أراد يزيد بن المهلب أن يستعمله على قضاء خراسان، فقال ابن بريدة: لقد حدثني أبي, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في القضاء حديثا لا أقضي بعده، قال: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: قاض علم الحق فقضى به فهو من أهل الجنة، وقاض علم الحق فجار متعمدا فهو من أهل النار، وقاض قضى بغير الحق واستحيا أن يقول: لا أعلم، فهو في النار"3.
868- حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا علي بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3573" 3/ 299، والترمذي "21322" 3/ 613، وابن ماجه "2315"، والطبراني في المعجم الكبير "1154-1156" 2/ 20-21، وابن عدي في الكامل 2/ 459، 4/ 16 و6/ 151، والحاكم في المستدرك 4/ 90، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 13, 14, 15، والبيهقي 10/ 116، وفي المدخل "183" ص177، وهو صحيح بشواهد.
2 رواه البيهقي في المدخل "183" ص177، وفي السنن 10/ 166، وانظر التعليق السابق.
3 انظر التعليق السابق.(2/144)
الجعد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أبا العالية، قال: قال علي: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة: فأما اللذان في النار فرجل جار متعمدا فهو في النار، ورجل اجتهد فأخطأ فهو في النار، وأما الذي في الجنة فرجل اجتهد فأصاب الحق فهو إلى الجنة.
قال قتادة: فقلت لأبي العالية: ما ذنب هذا الذي اجتهد فأخطأ؟ قال: ذنبه ألا يكون قاضيا إذا لم يعلم1.
- وروى المعتمر بن سليمان، عن عبد الملك بن أبي جميلة، أنه سمعه يحدث عن عبد الله بن موهب، أن عثمان بن عفان، قالا لابن عمر: اذهب فأفت بين الناس، قال: أوتعافيني يا أمير المؤمنين؟ قال: فما تكره من ذلك وكان أبوك يقضي؟ قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحري أن ينقلب منه كفافا" فما أرجو بعد ذلك2.
869- قرأت على أحمد بن عبد الله، أن الحسن بن إسماعيل حدثهم بمصر، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا سنيد، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن بسطام بن مسلم، عن عامر الأحول، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: والله لولا ما ذكره الله من أمر هذين الرجلين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البغوي في مسند ابن الجعد "989" ص155.
2 رواه الترمذي "1322" 3/ 612، وأبو يعلى "5727"، والطبراني "13319" 12/ 351-352، وفي الأوسط "2750"، وابن حبان "5056"، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 17.
قلت: سنده ضعيف، فيه:
1- عبد الملك بن أبي جميلة: مجهول. انظر التقريب 1/ 518.
2- عبد الله بن موهب: لم يسمع من عثمان، قال البخاري: مرسل. انظر الجرح والتعديل 5/ 174، والتاريخ الكبير 5/ 198، وتحفة التحصيل ص188، وجامع التحصيل ص216، وقد وقع عند ابن حبان وأبي يعلى: عبد الله بن وهب بن زمعة. وانظر إتحاف المهرة 8/ 554، وعلل ابن أبي حاتم 1/ 468.(2/145)
-يعني: داود وسليمان- لرأيت أن القضاة قد هلكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده1.
870- حدثني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، ح:
وحدثني عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا المطلب بن شعيب، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا حكم الحاكم واجتهد وأصاب فله أجران، وإن حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"2.
871- فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فقال: هكذا حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة3.
- ورواه الدراوردي، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، فحدثت هذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فقال: هكذا حدثني أبو سلمة، عن أبي هريرة، فجعل مكان أبي بكر بن عبد الرحمن: أبا سلمة، والقول قول الليث، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 10/ 25-26 "دار الفكر"، والدينوري في المجالسة "1597" 4/ 403-405، وابن أبي حاتم في التفسير "13687" 8/ 2458، وعلقه البخاري 13/ 146، ورواه ابن أبي الدنيا في الإشراف "254"، ووكيع في أخبار القضاة 1/ 313، وابن حجر في التغليق 5/ 292-293، وأبو بكر الصولي في أماليه - كما في الفتح 13/ 147، وعزاه في الدر 5/ 650 لابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر.
2 رواه البخاري "7352" 13/ 318، ومسلم "1716" 3/ 1342، وأبو داود "3574"، 3/ 299، والترمذي "1326" 3/ 615، والنسائي 8/ 223-224، وأحمد 4/ 198, 204, 205، وابن ماجه "2314"، وأبو يعلى "5903" 10/ 309، وفي معجم الشيوخ "224"، والدارقطني 4/ 204، والشافعي في الأم 6/ 200، والبيهقي في سننه 10/ 118-119، والخطيب في تاريخه 4/ 235-236، والبغوي "2509" 10/ 115.(2/146)
كذلك ذكره الشافعي وأبو المصعب وغيرهما عن الدراوردي.
- وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر".
قال البخاري: لم يرو هذا الحديث، عن معمر غير عبد الرزاق، وأخشى أن يكون وهم فيه يعني: في إسناده.
- قال أبو عمر: اختلف الفقهاء في تأويل هذا الحديث1. فقال قوم لا يؤجر من أخطأ؛ لأن الخطأ لا يؤجر أحد عليه، وحسبه أن يرفع عنه المأثم, وردوا هذا الحديث بحديث بريدة المذكور في هذا الباب وبقوله: "تجاوز الله لأمتي عن خطئها ونسيانها"2. وبقول الله: {الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا} [الأحزاب: 5] ونحو هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر شرح الحديث في جامع العلوم والحكم ص350-356، "الرسالة" ص73، والفقيه والمتفقه 10/ 60-63.
2 رواه من حديث ابن عباس:
ابن ماجه "2045" -لم يذكر عطاء وابن عمير- والعقيلي في الضعفاء 4/ 145، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 95، وابن جميع في معجم الشيوخ ص361-362، والطبراني في الصغير "765" 2/ 52، وابن حبان في الصحيح "7219" 16/ 202، وابن عدي في الكامل 2/ 758-759، والحاكم في المستدرك 2/ 198، والبيهقي في سننه 7/ 356 و10/ 60-61، وابن حزم في المحلى 6/ 220-221، وفي الإحكام 5/ 149، من طريق عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، ورواه ابن عدي في الكامل 2/ 758 عن عطاء، عن عبيد مرسلا ورجاله ثقات، إلا أنه وقع في سنده خلاف على الأوزاعي, كما رأيت وفي الباب عن ابن عمر، وعقبة بن عامر، وأبي ذر، وثوبان، وأبي الدرداء، يرتقي بمجموع ذلك لدرجة الحسن لغيره، والله أعلم بالصواب.(2/147)
وقال آخرون: يؤجر في الخطأ أجرا واحدا على ظاهر حديث عمرو بن العاص؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فرق بين أجر المخطئ والمصيب، فدل أن المخطئ يؤجر، وهذا نص ليس لأحد أن يرده.
وقال الشافعي ومن قال بقوله: يؤجر ولكنه لا يؤجر على الخطأ؛ لأن الخطأ في الدين لم يؤمر به أحد، وإنما يؤجر لإرادته الحق الذي أخطأه.
قال المزني: فقد أثبت الشافعي في قوله هذا أن المجتهد المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤمر به ولم يكلفه، وإنما أجر في نيته لا في خطئه.
- قال أبو عمر: لم نجد لمالك في هذا الباب شيئا منصوصا إلا أن ابن وهب ذكر عنه في كتاب العلم من جامعه، قال: سمعت مالكا يقول: من سعادة المرء أن يوفق للصواب والخير، ومن شقاوة المرء أن لا يزال يخطئ.
وفي هذا دليل أن المخطئ عنده وإن اجتهد فليس بمرضي الحال، والله أعلم.
- وذكر إسماعيل القاضي في المبسوط، قال: قال محمد بن سلمة: إنما على الحاكم الاجتهاد فيما يجوز فيه الرأي، فإذا اجتهد وأراد الصواب يجهد نفسه فقد أدى ما عليه أخطأ أو أصاب.
قال: وليس أجد في رأي على حقيقته أنه الحق، وإنما حقيقته الاجتهاد، فإن اجتهد وأخطأ في عقوبة إنسان فمات لم يكن عليه كفارة ولا دية، لأنه قد عمل بالذي أمر به.
قال: وليس يجوز لمن لا يعلم الكتاب والسنة ولا ما مضى عليه أولو الأمر أن يجتهد رأيه فيكون اجتهاده مخالفا للقرآن والسنة والأمر المجمع عليه.
هذا كله قول محمد بن سلمة على ما ذكره عنه إسماعيل القاضي.
- وذكر عبيد الله بن عمر بن أحمد الشافعي البغدادي في كتابه في القياس جملا مما ذكر الشافعي -رحمه الله- في كتابه في الرسالة البغدادية، وفي الرسالة المصرية، وفي كتاب جماع العلم، وفي كتاب اختلاف الحديث في القياس وفي الاجتهاد، وقال: في هذا من قول الشافعي دليل على ترك تخطئة المجتهدين بعضهم لبعض إذ(2/148)
كل واحد منهم قد أدى ما كلف باجتهاده إذا كان ممن اجتمعت فيه آلة القياس وكان ممن له أن يجتهد ويقيس.
قال: وقد اختلف أصحابنا في ذلك فذكر مذهب المزني قال: وقد خالفه غيره من أصحابنا قال: ولا أعلم خلافا بين الحذاق من شيوخ المالكيين ونظارهم من البغداديين مثل إسماعيل بن إسحاق القاضي، وابن بكير، وأبي العباس الطيالسي، ومن دونهم مثل شيخنا عمرو بن محمد بن أبي الفرج المالكي، وأبي الطيب محمد بن محمد بن إسحاق بن راهويه, وأبي الحسن بن المنتاب, وغيرهم من الشيوخ البغداديين والمصريين المالكيين كل يحكي أن مذهب مالك -رحمه الله- في اجتهاد المجتهدين والقائسين إذا اختلفوا فيما يجوز فيه التأويل من نوازل الأحكام أن الحق من ذلك عند الله وأحد من أقوالهم واختلافهم، إلا أن كل مجتهد إذا اجتهد كما أمر وبالغ ولم يأل وكان من أهل الصناعة ومعه آلة الاجتهاد فقد أدى ما عليه، وليس عليه غير ذلك، وهو مأجور على قصده الصواب وإن كان الحق عند الله من ذلك واحدا.
قال: وهذا القول هو الذي عليه عمل أكثر أصحاب الشافعي.
قال: وهو المشهور من قول أبي حنيفة -فيما حكاه محمد بن الحسن وأبو يوسف- وفيما حكاه الحذاق من أصحابهم مثل عيسى بن أبان، ومحمد بن شجاع البلخي، ومن تأخر عنهم مثل أبي سعيد البرذعي، ويحيى بن سعيد الجرجاني, وشيخنا أبي الحسن الكرخي، وأبي بكر البخاري المعروف بحد الجسم وغيرهم ممن رأينا وشاهدنا.
- قال أبو عمر: قد اختلف أصحاب مالك فيما وصفنا، واختلف فيه قول الشافعي، وكذلك اختلف فيه أصحابه.
والذي أقول به: إن المجتهد المخطئ لا يأثم إذا قصد الحق، وكان ممن له الاجتهاد، وأرجو أن يكون له في قصده الصواب وأراد به له أجر واحد إذا صحت نيته في ذلك، والله أعلم1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الفقيه والمتفقه 1/ 58-63.(2/149)
872- حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا الخشني، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن وهب بن منبه، عن مسعود بن الحكم، قال: أتي عمر في زوج وأم وأخوة لأم وأخوة لأب وأم، فأعطى الزوج النصف، وأعطى الأم السدس، وأعطى الثلث الباقي للإخوة للأم دون بني الأب والأم، فلما كان من قابل أتى فيها فأعطى الزوج النصف والأم السدس وشرك بين بني الأم وبني الأب، والأم في الثلث، وقال: إن لم يزدهم الأب قربا لم يزدهم بعدا، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين شهدتك عام الأول قضيت فيها بكذا وكذا.
فقال عمر: تلك على ما قضينا, وهذه على ما قضيناه1.
64- باب نفي الالتباس في الفَرْق بين الدليل والقياس وذكر من ذم القياس على غير أصل:
قال أبو عمر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة وهم أهل الفقه والحديث في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني، ثم البغدادي، ومن قال بقوله، فإنهم نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعا.
وأما أهل البدع فعلى قولين في هذا الباب سوى القولين المذكورين: منهم من أثبت القياس في التوحيد والأحكام جميعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارقطني في سننه 4/ 88، وعبد الرزاق في المصنف، والبيهقي، وانظر التعليق المغني على الدارقطني 4/ 88، ومسعود بن الحكم. قال في الجرح والتعديل 3/ 127: الحكم بن مسعود الثقفي، وقال بعضهم: مسعود بن الحكم وهو الصحيح قال البخاري في تاريخه 2/ 331: وقال بعضهم مسعود بن الحكم ولا يصح، ولم يتبين سماع وهب من الحكم.(2/150)
ومنهم من أثبته في التوحيد ونفاه في الأحكام.
وأما داود بن علي ومن قال بقوله فإنهم أثبتوا الدليل والاستدلال في الأحكام وأوجبوا الحكم بأخبار الآحاد العدول، كقول سائر فقهاء المسلمين في الجملة، والدليل عند داود ومن تابعه نحو قول الله, عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لو قال قائل: فيه دليل على رد شهادة الفساق كان مستدلا مصيبا، وكذلك قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات: 6] كان فيه دليل على قول خبر العدل ونحو قول الله, عز وجل: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. دليل على أن كل مانع من السعي إلى الجمعة تركه واجب؛ لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن جميع أضداده، ونحو قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع"1 دليل على أنها إذا بيعت ولم تؤبر فثمرتها للمبتاع, ومثل هذا النحو حيث كان من الكتاب والسنة، وقال سائر العلماء في هذا الاستدلال قولان:
أحدهما: أنه نوع من أنواع القياس وضرب منه على ما رتب الشافعي وغيره من مراتب القياس وضروبه وأنه يدخله ما يدخل القياس من العلل.
والقول الآخر: أنه هو النص بعينه وفحوى خطابه.
قال أبو عمر: القياس الذي لا يختلف أنه قياس هو تشبيه الشيء بغيره إذا اشتبه، والحكم للنظير بحكم نظيره إذا كان في معناه، والحكم للفرع بحكم أصله إذا قامت فيه العلة التي من أجلها وقع الحكم، ومثال القياس أن السنة المجتمع عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2203, 2204, 2379, 2716"، ومسلم "1543"، وأبو داود "3433, 3434, 3435"، والترمذي "1244"، والنسائي 7/ 296-297، وابن ماجه "2210, 2211, 2212"، وعبد الرزاق "14620"، وأحمد 2/ 6, 9, 54, 63, 78, 82, 102، والطيالسي "1805"، والشافعي 2/ 148، والحميدي "613"، وأبو عبيد في غريب الحديث 1/ 350، وابن الجعد "1222"، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 26، وابن الجارود "628-629"، والطبراني "13130"، وابن حبان "4921, 4922, 4923, 4924" 11/ 288-291، والبيهقي 5/ 324, 325, 326، والبغوي "2084, 2085, 2086".(2/151)
وردت بتحريم البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والذهب بالذهب، والورق بالورق، والملح بالملح، إلا مثلا بمثل ويدا بيد.
فقال قائلون من الفقهاء القايسين: حكم الزبيب والسلت والدخن والأرز كحكم البر والشعير والتمر وكذلك الحمص والفول، وكل ما يكال ويؤكل ويدخر ويكون قوتا وإداما وفاكهة مدخرة؛ لأن هذه العلة في البر والشعير والتمر والملح موجودة: وهذا قول مالك وأصحابه ومن تابعهم.
وقال آخرون: العلة في البر وما ذكر معه في الحديث من الذهب والورق والبر والشعير أن ذلك كله موزون أو مكيل فكل مكيل أو موزون فلا يجوز فيه إلا ما يجوز من النساء والتفاضل: هذا قول الكوفيين ومن تابعهم.
وقال آخرون: العلة في البر أنه مأكول، وكل مأكول فلا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد، سواء كان مدخرا أو غير مدخر، وسواء كان يكال أو يوزن أو لا يكال ولا يوزن، وهذا قول الشافعي ومن ذهب مذهبه، وقال بقوله.
وعلل الشافعي الذهب والورق بأنهما قيم المتلفات وأثمان المبيعات فليستا كغيرهما من المذكورات معهما؛ لأنهما يجوز أن يسلما في كل شيء سواهما، وإلى هذا مال أصحاب مالك في تعليل الذهب والورق خاصة.
وقال داود: البر بالبر، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، والورق بالورق، والتمر بالتمر، والملح بالملح، هذه الستة الأصناف لا يجوز شيء منها بجنسه إلا مثلا مثل يدا بيد، ولا يجوز شيء منها بجنسه ولا بغير جنسه منها نسيئة، وما عدا ذلك كله فبيعه جائز نسيئة ويدا بيد متفاضلا وغير متفاضل، لعموم قوله, جل وعز: {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: 275]. فكل بيع حلال إلا ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله ولم يحكم لشيء بما في معناه ولم يعتبر المعاني والعلل، وما أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول إلا طائفة من أهل البصرة مبتدعة: ابن سيار النظام، ومن سلك سبيله، وأما فقهاء الأمصار فلكل واحد منهم سلف من الصحابة والتابعين، وقد ذكرنا حجة كل واحد منهم، وما اعتل به من جهة الأثر والنظر في كتاب التمهيد فأغنى عن ذكره ههنا.(2/152)
وأما داود فلم يقس على شيء من المذكورات الست في الحديث غيرها ورد العلماء عليه هذا القول وحكموا لكل شيء مذكور بما في معناه، وردوا على داود ما أصل بضروب من القول وألزموه صنوفا من الالتزامات يطول ذكرها لا سبيل إلى الإتيان بها في كتابنا هذا.
وحجج الفريقين كثيرة جدا من جهة النظر قد أفردوا لها كتبا.
واحتج من ذهب مذهب داود من جهة الأثر بما:
873- حدثناه عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثني عيسى بن يونس، عن جرير بن عثمان الرحبي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها على أمتي فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله"1.
- قال أبو عمر: هذا عند أهل العلم بالحديث حديث غير صحيح، حملوا فيه على نعيم بن حماد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في المستدرك 4/ 430، والبزار 1/ 98 "كشف الأستار"، وابن أبي عاصم في السنة "63"، واللالكائي "149"، وسيأتي برقم "1028-1029" إن شاء الله تعالى، والطبراني في المعجم الكبير "90" 18/ 50-51، وفي مسند الشاميين "1072" 2/ 143، والخطيب في تاريخ بغداد 13/ 307-308، وفي الفقيه 1/ 179-180، وابن بطة في الإبانة "272" 1/ 374، والبيهقي في المدخل "207" ص188"، وابن حزم في إبطال القياس.
وسئل ابن معين عن حديث عوف بن مالك، فقال: ليس له أصل، فقيل له: فنعيم بن حماد، قال: نعيم ثقة، فقيل له: كيف يحدث ثقة بباطل؟ فقال: شبه له.
وقال البيهقي في المدخل ص188: "تفرد به نعيم بن حماد، وسرقه عنه جماعة من الضعفاء، وهو منكر، وفي غيره من أحاديث الصحاح الواردة في معناه كفاية، وبالله التوفيق": ا. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة 12/ 548: "هو أحد ما أنكر على نعيم بن حماد، ورواه سويد بن سعيد عن عيسى، فأنكروا عليه غاية الإنكار، وضعفوه بسبب ذلك".
وانظر الميزان 2/ 248، و4/ 218، ولسان الميزان 3/ 1264-1265، و7/ 2483.(2/153)
وقال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: حديث عوف بن مالك هذا لا أصل له، وأما ما روي عن السلف في ذم القياس، فهو عندنا قياس على غير أصل أو قياس يرد به أصل.
874- وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن محمد, قالا: حدثنا وهب بن مسرة، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا محمد بن ماهان، قال: سمعت محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر، عن الحسن، قال: أول من قاس إبليس قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]1.
875- وبهذا الإسناد عن ابن ماهان، قال: سمعت يحيى بن سليم الطائفي غير مرة، يقول: أخبرنا داود بن أبي هند، عن ابن سيرين، قال: أول من قاس إبليس وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس2.
876- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن محبوب، قال: حدثنا أبو عوانة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، قال: إني أخاف أن أقيس فتزل قدمي3.
877- قال أحمد بن زهير، وحدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا جابر، عن عامر، قال: قال مسروق: لا أقيس شيئا بشيء.
قلت: لِمَ؟
قال: أخشى أن تزل رجلي4.
- وذكر نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن إدريس، عن عمه داود، عن الشعبي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "190" 1/ 76.
2 رواه الدارمي "189" 1/ 76، والخطيب في الفقيه 1/ 186، والبيهقي في المدخل "223" ص196.
3 رواه الدارمي "191" 1/ 76، ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 183.
4 رواه الدارمي "192" 1/ 76،، ورواه الطبراني في الكبير "9081" 9/ 254، عن ابن مسعود، انظر مجمع الزوائد 1/ 180، وسيأتي برقم "1048" إن شاء الله تعالى.(2/154)
عن مسروق، قال: لا أقيس شيئا بشيء فتزل قدمي بعد ثبوتها1.
- قال نعيم: وحدثنا وكيع، عن عيسى الحناط، عن الشعبي، قال: إياكم والقياس، فإنكم إن أخذتم به أحللتم الحرام وحرمتم الحلال، ولأن أتغنى أغنية أحب إليّ من أن أقول في شيء برأيي2.
- وذكر الشعبي مرة أخرى القياس، فقال: أيري في القياس3.
- وقال الشعبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تهلك أمتي حتى تقع في المقاييس، فإذا وقعت في المقاييس فقد هلكت"4.
وقد ذكرنا من هذا المعنى زيادة في باب ذم الرأي من هذا الكتاب؛ لأنه معنى منه وبالله التوفيق.
واحتج من نفى القياس بهذه الآثار ومثلها وقالوا في حديث معاذ: إن معناه أن يجتهد رأيه على الكتاب والسنة وتكلم داود في إسناد حديث معاذ ورده ودفعه من أجل أنه عن أصحاب معاذ ولم يسموا، وحديث معاذ صحيح مشهور رواه الأئمة العدول وهو أصل في الاجتهاد والقياس على الأصول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه الدارمي "108-109" 1/ 60، وبشطره الأول "192" / 76، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 183-184، والبيهقي في المدخل "225" ص196-197، وسيأتي برقم "1048" إن شاء الله تعالى.
3 رواه ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص63-64.
4 روى الخطيب في الفقيه 1/ 179 عن أبي هريرة مرفوعا: "تعمل هذه الأمة برهة بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تعمل بالرأي، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلوا وأضلوا".
وأبو يعلى في مسنده "5856" 10/ 240، وفي سنده عثمان بن عبد الرحمن الزهري: كذبه ابن معين.
انظر مجمع الزوائد 1/ 179.
ورواه الطبراني "8550" 9/ 109 نحوه عن الشعبي عن ابن مسعود موقوفا عليه، والشعبي لم يسمع من ابن مسعود، وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف. انظر مجمع الزوائد 1/ 180.(2/155)
وسائر الفقهاء قالوا في هذه الآثار وما كان مثلها في ذم القياس: إنه القياس على غير أصل والقول في دين الله بالظن.
ألا ترى إلى قول مَن قال منهم: أول من قاس إبليس: رد أصل العلم بالرأي الفاسد، والقياس لا يجوز عند أحد ممن قال به إلا في رد الفروع إلى أصولها، لا في رد الأصول بالرأي والظن، وإذا صح النص من الكتاب والأثر بطل القياس والنظر: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} الآية [الأحزاب: 36].
وأي أصل أقوى من أمر الله تعالى لإبليس بالسجود، وهو العلم بما خلق منه آدم وما خلق منه إبليس، ثم أمره بالسجود له فأبى واستكبر لعلة ليست بمانعة من أن يأمره الله بما يشاء؟ فهذا ومثله لا يحل ولا يجوز.
وأما القياس على الأصول والحكم للشيء بحكم نظيره، فهذا ما لا يختلف فيه أحد من السلف، بل كل من روى عنه ذم القياس قد وجد له القياس الصحيح منصوصا لا يدفع هذا إلا جاهل أو متجاهل مخالف للسلف في الأحكام.
878- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ, قال مساور الوراق:
كنا من الدين قبل اليوم في سعة حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إذا قلت مكاسبهم فاستعملوا الرأي عند الفقر والبؤس
أما العريب فقوم لا عطاء لهم وفي الموالي علامات المفاليس1
فلقيه أبو حنيفة فقال: هجوتنا، نحن نرضيك، فبعث إليه بدراهم، فقال:
إذا ما أهل مصر بادهونا بآبدة من الفتيا لطيفة
أتيناهم بمقياس صحيح صليب من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه به وعاه وأثبته بحبر في صحيفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن بطة في الإبانة "692" 2/ 549 "الكتاب الأول".(2/156)
- قال أبو عمر: اتصلت هذه الأبيات ببعض أهل الحديث والنظر من أهل ذلك الزمن فقال:
إذا ذو الرأي خاصم عن قياس وجاء ببدعة منه سخيفة
أتيناهم بقول الله فيها وآثار مبرزة شريفة
فكم من فرج محصنة عفيفة أحل حرامها بأبي حنيفة
- قال أبو عمر, رحمه الله: هذا تحامل وجهل واغتياب وأذى للعلماء؛ لأنه إذا كان له في النازلة كتاب منصوص وأثر ثابت لم يكن لأحد أن يقول بغير ذلك، فيخالف النص، والنص ما لا يحتمله التأويل، وما احتمله التأويل على الأصول واللسان العربي كان صاحبه معذورا.
879- أنشدنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان، قال: أنشدنا أبو محمد قاسم بن أصبغ، قال: أنشدنا محمد بن محمد بن وضاح ببغداد على باب أبي مسلم الكشي, قال: قال لي غلام خليل: أنشدني بعض البصريين لبعض شعرائهم يهجو أبا حنيفة وزفر بن الهذيل:
إن كنت كاذبة بما حدثتني فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
الواثبين على القياس تعديا والناكبين على الطريقة والأثر
خلت البلاد فارتعوا في رحبها ظهر الفساد ولا سبيل إلى الغير
قال لنا أبو القاسم: قال لنا قاسم محمد، ولد ابن وضاح: كان أدرك غلام خليل ومات محمد بن محمد بن وضاح بجزيرة إقريطش.
- قال أبو عمر: بلغني أن أبا جعفر الطحاوي -رحمه الله- أنشد هذه الأبيات:
فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
فقال: وددت أن لي أجرهما وحسناتهما وعليّ إثمهما وسيئاتهما، وكان من أعلم الناس بسير القوم وأخبارهم؛ لأنه كان كوفي المذهب، وكان عالما بجميع مذاهب الفقهاء, رحمه الله. وقد رويت في ذم الرأي والقياس آثار كثيرة وسنفرد لها بابا في كتابنا هذا إن شاء الله.(2/157)
65- باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء:
- قال أبو عمر: اختلف الفقهاء في هذا الباب على قولين:
أحدهما: أن اختلاف العلماء من الصحابة ومن بعدهم من الأئمة رحمة واسعة، وجائز لمن نظر في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ بقول من شاء منهم, وكذلك الناظر في أقاويل غيرهم من الأئمة ما لم يعلم أنه خطأ، فإذا بان له أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة أو إجماع العلماء لم يسعه اتباعه، فإذا لم يبن له ذلك من هذه الوجوه جاز له استعمال قوله، وإن لم يعلم صوابه من خطئه وصار في حيز العامة التي يجوز لها أن تقلد العالم إذا سألته عن شيء وإن لم تعلم وجهه، هذا قول يروى معناه عن عمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد، عن سفيان الثوري إن صح عنه، وقال به قوم.
ومن حجتهم على ذلك: قوله, صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم"1 وهذا مذهب ضعيف عند جماعة من أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء وأهل النظر، ونحن بين الحجة عليه في هذا الباب إن شاء الله على ما شرطناه من التقريب والاختصار، ولا قوة إلا بالله على أن جماعة من أهل الحديث متقدمين ومتأخرين يميلون إليه.
وقد نظم أبو مزاحم الخاقاني ذلك في شعر له:
880- أنشدناه عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: أنشدنا يحيى بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيأتي تخريجه من طرق عن ابن عمر، وجابر, فيما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا.(2/158)
مالك، قال: أنشدنا الدعلجي، قال: أنشدنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لنفسه:
أعوذ بعزة الله السلام وقدرته من البدع العظام
أبين مذهبي فيمن أراه إماما في الحلال وفي الحرام
كما بينت في القراء قولي فلاح القول معتليا أمامي
ولا أعدو ذوي الآثار منهم فهم قصدي وهم نور التمام
أقول الآن في الفقهاء قولا على الإنصاف جد به اهتمامي
أرى بعد الصحابة تابعيهم لذي فتياهم بهم ائتمامي
علمت إذا عزمت على اقتدائي بهم أني مصيب في اعتزام
وبعد التابعين أئمة لي سأذكر بعضهم عند انتظام
فسفيان العراق، ومالك في حجازهم، وأوزاعي شآم
ألا وابن المبارك قدوة لي نعم والشافعي أخو الكرام
ولم أر ذكري النعمان فيهم صوابا إذ رموه بالسهام
وممن أرتضي فأبو عبيد وأرضى بابن حنبل الإمام
فآخذ من مقالهم اختياري وما أنا بالمباهي والمسام
وأخذي باختلافهم مباح لتوسيع الإله على الأنام
ولست مخالفا إن صح لي عن رسول الله قول بالكلام
إذا خالفت قول رسول الله ربي خشيت عقاب رب ذي انتقام
وما قال الرسول فلا خلاف له يا رب أبلغه سلامي
- وقال أبو عمر: قد يحتمل قوله: فآخذ من مقالهم اختياري، وجهين:
أحدهما: أن يكون مذهبه في ذلك كمذهب القاسم بن محمد ومن تابعه من العلماء: أن الاختلاف سعة ورحمة.
والوجه الآخر: أن يكون أراد آخذ من مقالهم اختياري أي: أصير من أقاويلهم إلى ما قام عليه الدليل، فإذا بان لي صحته اخترته، وهذا أولى من أن يضاف إلى أحد(2/159)
الأخذ بما أراده في دين الله بغير برهان ونحن نبين هذا إن شاء الله.
881- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الوليد بن شجاع ح:
وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أنه خير منه قد عمله1.
ورواه هارون بن سعيد الآبلي، عن يحيى بن سلام الآبلي، عن أفلح بن حميد، عن القاسم بن محمد، قال: لقد أوسع الله على الناس باختلاف أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء2.
882- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة، عن رجاء بن جميل، قال: اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران الحديث، قال: فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفا فيه القاسم.
قال: وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه.
فقال له عمر: لا تفعل، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعمر3.
- وذكر ابن وهب، عن نافع بن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه قال: لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 59، وانظر نحوه لابن بطة في الإبانة "707" 2/ 566-567 عن طلحة.
2 انظر ما قبله.
3 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 59-60، وابن بطة في الإبانة "703-704" 2/ 565 "الكتاب الأول" و"707" 2/ 566.(2/160)
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا؛ لأنه لو كانوا قولا واحدا كان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة1.
- قال أبو عمر: هذا فيما كان طريقه الاجتهاد.
883- وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل، قال: حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق، قال: حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا حمزة، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن أسامة بن زيد، قال: قال سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه, فقال: إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة، وإذا لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة.
- وذكر الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، عن يحيى بن سعيد، قال: ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى المحرم أن المحل هلك لتحليله ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه.
- قال أبو عمر: فهذا مذهب القاسم بن محمد، ومن تابعه، وقال به قوم.
وأما مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما من أصحابهما هو قول الليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي ثور، وجماعة أهل النظر أن الاختلاف إذا تدافع فهو خطأ وصواب، والواجب عند اختلاف العلماء طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها، وذلك لا يعدم، فإن استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه بما ذكرنا بالكتاب والسنة، فإذا لم يبن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين، فإن اضطر أحد إلى استعمال شيء من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يجوز للعامة من التقليد، واستعمل عند إفراط التشابه والتشاكل وقيام الأدلة على كل قول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.(2/161)
بما يعضده قوله, صلى الله عليه وسلم: "البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر، فدع ما يريبك لما لا يريبك"1.
هذا حال من لا يمعن النظر، وأما المفتون فغير جائز عند أحد ممن ذكرنا قوله، لا أن يفتي ولا يقضي حتى يتبين له وجه ما يفتي به من الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو ما كان في معنى هذه الأوجه.
884- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن ذكوان، قال: حدثنا مجالد بن سعيد، قال: حدثني الشعبي، قال: اجتمعنا عند ابن هبيرة في جماعة من قراء أهل الكوفة والبصرة فجعل يسألهم حتى انتهى إلى محمد بن سيرين فجعل يسأله فيقول له: قال فلان كذا، وقال فلان كذا, وقال فلان كذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - عن البر والإثم، فقال: "البر حسن الخلق والإثم ما حك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
رواه مسلم "2553"، والترمذي "2389"، وأحمد 4/ 182، والبخاري في الأدب المفرد "295-302"، والدارمي "2789-2790" 2/ 415، وابن حبان "397" 2/ 123، والبيهقي في سننه 10/ 192، والبغوي "3494".
وروى أبو ثعلبة الخشني مرفوعا: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ويطمئن إليه القلب":
رواه أحمد 4/ 194، والطبراني في الكبير "585" 22/ 219، وفي الشاميين "782" 444 وأبو نعيم في الحلية 2/ 30، قال في مجمع الزوائد 1/ 176: ورجاله ثقات.
وروى وابصة بن معبد مرفوعا: "البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس": رواه أحمد 4/ 227، والطبراني في الكبير "402" 22/ 47-148، وفي الشاميين "2000"، وانظر مجمع الزوائد 1/ 175، وجامع العلم العلوم والحكم ص129.
وروى الحسن بن علي مرفوعا: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك":
رواه الترمذي "2518"، والنسائي 8/ 327، والطيالسي "1178"، والحاكم في المستدرك 2/ 13 - و4/ 99، والدارمي 2/ 245، وعبد الرزاق "4984"، والطبراني في الكبير "2711"، وأبو نعيم في الحلية 8/ 264، وله شواهد من حديث ابن عمر وغيره.(2/162)
فقال ابن هبيرة: قد أخبرتني عن غير واحد فأي قول آخذ.
قال: اختر لنفسك.
فقال ابن هبيرة: قد سمع الشيخ علما لو أعين برأي...، وذكر تمام الحديث.
885- أخبرني قاسم بن محمد، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا خالد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت أشهب، يقول: سئل مالك عن اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: خطأ وصواب، فانظر في ذلك1.
- وذكر يحيى بن إبراهيم بن مزين، قال: حدثني أصبغ، قال: قال ابن القاسم، سمعت مالكا والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس كما قال ناس فيه توسعة: ليس كذلك إنما هو خطأ وصواب.
قال يحيى: وبلغني أن الليث بن سعد قال: إذا جاء الاختلاف أخذنا فيه بالأحوط2.
886- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا محمد بن زيان، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك، أنه قال: في اختلاف أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم: مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد.
887- أخبرني خلف بن القاسم، قال: حدثني أبو إسحاق بن شعبان، قال: أخبرني محمد بن أحمد، عن يوسف بن عمرو، عن ابن وهب، قال: قال لي مالك: يا عبد الله أد ما سمعت وحسبك، ولا تحمل لأحد على ظهرك واعلم إنما هو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى نحوه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 58-59 عن ابن المبارك ثم قال: وحكى أبو إبراهيم المزني أن هذا مذهب مالك بن أنس والليث بن سعد.
2 انظر التعليق السابق.(2/163)
خطأ وصواب فانظر لنفسك فإنه كان يقال: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره.
- وذكر إسماعيل بن إسحاق في كتابه المبسوط، عن أبي ثابت، قال: سمعت ابن القاسم، يقول: سمعت مالكا والليث بن سعد يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن أناسا يقولون فيه توسعة فقالا: ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب.
قال إسماعيل القاضي: إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن تكون توسعة لأن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا.
كلام إسماعيل هذا حسن جدا، وفي سماع أشهب، سئل مالك: عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتراه من ذلك في سعة؟ فقال: لا، والله، حتى يصيب الحق، وما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابين جميعا؟!! ما الحق والصواب إلا واحد.
وذكر محمد بن حارث، قال: حدثنا محمد بن عباس النحاس، قال: حدثني أبو عثمان سعيد بن محمد بن الحداد، قال: حدثني أبو خالد الخاصي، قال: قلت لسحنون: تقرأ لي كتاب القسمة؟ فقال علي: أن لا أقول منه إلا بخمس.
888- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني بمصر، قال: حدثنا أبو جعفر الطحاوي، قال: حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، ح:
وأخبرنا عبد الرحمن بن شعيب بن زياد المدايني، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني: قال: قال الشافعي في اختلاف أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم: أصير منها إلى ما وافق الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو كان أصح في القياس.
- وقال: في قول الواحد منهم إذا لم يحفظ له مخالفا منهم صرت إليه وآخذت(2/164)
به إن لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا دليلا منها هذا إذا وجدت معه القياس.
قال: وقل ما يوجد ذلك1.
- قال المزني: فقد بيّن أنه قبل قوله بحجة، ففي هذا مع اجتماعهم على أن العلماء في كل قرن ينكر بعضهم على بعض فيما اختلفوا فيه قضاء بيّن على أن لا يقال إلا بحجة، وأن الحق في وجه واحد، والله أعلم.
- قال أبو عمر: وقد ذكر الشافعي2 في كتاب أدب القضاة أن القاضي والمفتي لا يجوز له أن يقضي ويفتي حتى يكون عالما بالكتاب، وبما قال أهل التأويل في تأويله وعالما بالسنن والآثار، وعالما باختلاف العلماء، حسن النظر صحيح الأود، ورعا، مشاورا، فيما اشتبه عليه، وهذا كله مذهب مالك وسائر فقهاء المسلمين في كل مصر يشترطون أن القاضي والمفتي لا يجوز أن يكون إلا في هذه الصفات.
واختلف قول أبي حنيفة في هذا الباب: فمرة قال: أما أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فآخذ بقول من شئت منهم ولا أخرج عن قول جميعهم، وإنما يلزمني النظر في أقاويل مَن بعدهم من التابعين ومَن دونهم.
- قال أبو عمر: جعل للصحابة في ذلك ما لم يجعل لغيرهم، وأظنه مال إلى ظاهر حديث: $"أصحابي كالنجوم"، والله أعلم.
وإلى نحو هذا كان أحمد بن حنبل يذهب.
- وذكر العقيلي، قال: حدثنا هارون بن علي المقري، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الصيرفي, قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسألة هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع مَن الصواب منهم فنتبعه؟
فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الرسالة ص597-598، والمدخل للبيهقي "34" ص109.
2 انظر المدخل "179" ص175، وانظر الفقيه والمتفقه 2/ 157.(2/165)
فقلت: كيف الوجه في ذلك؟
قال: تقلد أيهم أحببت.
- قال أبو عمر: لم يَرَ النظر فيما اختلفوا فيه خوفا من التطرق إلى النظر فيما شجر بينهم وحارب فيه بعضهم بعضا.
- وقد روى السمتي، عن أبي حنيفة، أنه قال في قولين للصحابة: أحد القولين خطأ والمأثم فيه موضوع.
- وروي عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه حكم في طست تمر ثم غرمه للمقضي عليه، فلو كان لا يشك أن الذي قضى به هو الحق لما تأثم عن الحق الذي ليس عليه غيره, ولكنه خاف أن يكون قصى عليه بقضاء أغفل فيه فظلم من حيث لا يعلم، فتورع فاستحل ذلك بغرمه له. وقد جاء عنه في غير موضع في مثل هذا قد مضى القضاء.
وقد ذكر المزني -رحمه الله- في هذا حججا, أنا أذكرها ههنا إن شاء الله.
قال المزني: قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، فذم الاختلاف.
وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} الآية [آل عمران: 105].
وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. وعن مجاهد وعطاء وغيرهما في تأويل ذلك، قالوا: إلى الكتاب والسنة1.
قال المزني: فذم الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمه ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريج هذه الأقوال.(2/166)
قال: وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "احذروا زلة العالم"1.
وعن عمر، ومعاذ، وسلمان، مثل ذلك من التخويف من زلة العالم.
قال: وقد اختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخطأ بعضهم بعضا، ونظر بعضهم في أقاويل بعض، وتعقبها، ولو كان قولهم كله صوابا عندهم لما فعلوا ذلك.
وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة أنه قال: أقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله، وإن يك خطأ فمني وأستغفر الله2.
وغضب عمر بن الخطاب من اختلاف أُبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد، إذ قال أبي: الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل.
وقال ابن مسعود: إنما كان ذلك والثياب قليلة، فخرج عمر مغضبا فقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن ينظر إليه ويؤخذ عنه، وقد صدق أُبي ولم يأل ابن مسعود، ولكني لا أسمع أحدا يختلف فيه بعد مقامي هذا إلا فعلت به كذا وكذا.
- وعن عمر في المرأة التي غاب عنها زوجها وبلغه عنها أنه يتحدث عندها فبعث إليها من يعظها ويذكرها ويوعدها إن عادت فمخضت فولدت غلاما فصوت ثم مات، فشاور أصحابه في ذلك فقالوا: والله ما نرى عليك شيئا, ما أردت بهذا إلا الخير, وعلي حاضر، فقال له: ما ترى يا أبا حسن؟ فقال: قد قال هؤلاء، فإن يك هذا جهد رأيهم فقد قضوا ما عليهم، وإن كانوا قاربوك فقد غشوك، أما الإثم فأرجو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحلواني، والبيهقي في المدخل "831" ص442-443، والديلمي في الفردوس "307" 1/ 132، وابن عدي في الكامل من حديث عمرو بن عوف المزني مرفوعا: "اتقوا زلة العالم وانتظروا فيئته".
وسنده ضعيف، وفيه: كثير بن عبد الله المزني: قال أبو داود: كذاب.
انظر فيض القدير 1/ 141، والمقاصد الحسنة ص19، وكشف الخفاء 1/ 41.
وروى البيهقي في المدخل "837" ص445، والخطيب في أخلاق الراوي 1/ 145. عن تميم الداري أنه قال: اتقوا زلة العالم...
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 64.(2/167)
أن يضعه الله عنك بنيتك وما يعلم منك، وأما الغلام فقد -والله- غرمت.
فقال له: أنت والله صدقتني أقسمت عليك لا تجلس حتى تقسمها على بني أبيك.
يريد بقوله: بني أبيك: أي بني عدي بن كعب رهط عمر, رضي الله عنه.
889- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا خالد بن يزيد، قال: حدثني أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، قال: إقامة الدين: إخلاصه، {وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} يقول: لا تتعادوا عليه وكونوا عليه إخوانا.
قال: ثم ذكر بني إسرائيل وحذرهم أن يأخذوا بسنتهم، قال: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14]، فقال أبو العالية: بغيا على الدنيا، وملكها وزخرفها وزينتها، وسلطانها: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} قال: من هذا الإخلاص1.
66- باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب يلزم طلب الحجة عنده وذكر بعض ما خطأ فيه بعضهم بعضا، وأنكره بعضهم على بعض عند اختلافهم، وذكر معنى قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم:
890- حدثنا سعيد بن نصر وسعيد بن عثمان، قالا: حدثنا أحمد بن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الطبري في تفسيره 11/ 136 نحوه عن قتادة.
وانظر تفسير عبد الرزاق 2/ 2/ 190، والوسيط 4/ 46، ومعالم التنزيل 4/ 122.(2/168)
دحيم، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الدبيلي، قال: حدثنا أبو عبيد الله المخزومي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل؟ فقال كذب، حدثنا أُبي بن كعب، عن النبي, صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث بطوله1.
- قال أبو عمر: قد رد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قول الصحابة في الردة، وقال: والله لو منعوني عقالا مما أعطوه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجاهدتهم عليه2.
- وقطع عمر بن الخطاب اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التكبير على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "74" 1/ 168 و"122" 1/ 217-218 بطوله.
وحديث "2267" 4/ 445، وحديث "3278" 6/ 336، وحديث رقم "3400-3401" 6/ 431-432، وحديث رقم "4725, 4726, 4727" 8/ 409-412، وحديث رقم "4737" 8/ 422-423، وحديث رقم "6672" 11/ 550، وحديث رقم "7472" 13/ 448.
ومسلم "2380" 15/ 135-147 "شرح النووي".
والترمذي "3149" 5/ 309-312، والنسائي في الكبرى "5844" 3/ 427-429، وحديث رقم "11306" 6/ 386-387، وحديث رقم "11307" 6/ 387-389، وحديث رقم "11308" 6/ 389-390، وحديث رقم "11309" 6/ 391.
والطبراني في الأحاديث الطوال "45" 25/ 289-294.
2 رواه البخاري "1399-1400" 3/ 262، وحديث رقم "1456-1457" 3/ 321-322، وحديث رقم "6924-6925" 12/ 275، وحديث رقم "7284-7285"، 13/ 250، ومسلم "20" 1/ 51-52، وأبو داود "1556" 2/ 93-94، والترمذي "2607" 5/ 3-4، والنسائي 5/ 14 و6/ 5-6 و7/ 77، وعبد الرزاق في المصنف "6916" 4/ 43-44.
وحديث رقم "10022" 6/ 67، ابن حبان "216-217" 1/ 449-451، والبيهقي في سننه 4/ 104-114 و7/ 176 و9/ 182، والمروزي في مسند أبي بكر "140" ص173-174.
وانظر تتمة تخريجه في تخريجنا لسنن ابن ماجه "3927".(2/169)
الجنائز وردهم إلى أربع1.
- وسمع سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان الضبي بن معبد مهلا بالحج والعمرة معا, فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله، فأخبر بذلك عمر فقال: لو لم يقولا شيئا هديت لسنة نبيك2.
- وردت عائشة قول أبي هريرة تقطع المرأة الصلاة، وقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة3.
وردت قول ابن عمر: "الميت يعذب ببكاء أهله عليه"، وقالت: وَهِم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسي4.
وكذلك قالت له في عُمَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زعم ابن عمر أنه اعتمر أربع عُمَر، فقالت عائشة: هذا وهم منه، على أنه قد شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَهُ كلها: ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -سبعا وخمسا وستا، وجمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبر كل واحد بما رأى، فجمعهم على أربع تكبيرات، بمعنى التكبير على الجنازة. رواه ابن المنذر في الأوسط "3137" 5/ 430.
وروى سعيد بن المسيب، عن عمر قال: كل ذلك قد كنا نفعل، نكبر أربعا وخمسا، فأمر الناس بأربع على الجنازة.
رواه ابن المنذر في الأوسط "3136" 5/ 430.
2 رواه أبو داود "1798-1799" 2/ 158-159، والنسائي 5/ 146-147، وابن ماجه "2970"، وأحمد 1/ 14, 25, 34, 37, 53، والحميدي "18" 1/ 11، وابن خزيمة "3069" 4/ 357-358، والطحاوي في شرح المعاني 2/ 145-146، وابن حبان "3910-3911"، والبيهقي 5/ 16 و4/ 352-354.
3 رواه البخاري "382, 513, 519, 2109"، ومسلم "512"، وأبو داود "712-713"، والنسائي 1/ 102، ومالك في الموطأ 1/ 117، وأحمد 6/ 44, 54, 55, 148, 225, 255، وعبد الرزاق "2376"، وابن حبان "2341-2343" 6/ 109-111، والبيهقي 2/ 264، والبغوي "545".
4 رواه البخاري "1289"، ومسلم "932"، والترمذي "1004-1006"، والنسائي 4/ 17-18، وابن ماجه "1595"، وأحمد 6/ 39, 107, 138، ومالك في الموطأ 1/ 234، وابن حبان "3123" 7/ 393-394 و"3137" 7/ 407، والبيهقي 4/ 72، وفي إثبات عذاب القبر "88". وله طرق كثيرة انظرها في تخريجنا لسنن ابن ماجه "1595".(2/170)
اعتمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ثلاثا1.
- وأنكر ابن مسعود على أبي هريرة قوله: "من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ"، وقال فيه قولا شديدا وقال: يا أيها الناس لا تنجسوا من موتاكم2.
- وقيل لابن مسعود: إن سلمان بن ربيعة وأبا موسى الأشعري قالا في بنت وبنت ابن وأخت: إن المال بين البنت والأخت نصفان، ولا شيء لبنت الابن، وقالا للسائل: وأت ابن مسعود، فإنه سيتابعنا.
فقال ابن مسعود: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، بل أقضي فيها بقضاء رسول الله, صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة للثلثين، وما بقي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "1775, 1776, 1777"، ومسلم "1255"، وأبو داود "1992"، والترمذي "936-937"، وابن ماجه "1998"، والنسائي في الكبرى، كما في التحفة 6/ 8، وأحمد 2/ 70, 73, 139, 155، وابن حبان "3945" 9/ 259-260، وابن خزيمة "3070"، والبيهقي 5/ 10-11.
2 حديث $"من غسل ميتا فليغتسل": رواه أحمد 2/ 433، والبيهقي 1/ 303 من رواية ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة بهذا. وصالح: ضعيف.
ورواه البزار من رواية العلاء عن أبيه، ومن رواية محمد عبد الرحمن بن ثوبان، ومن رواية أبي بحر البكراوي، عن محمد بن عمر، عن أبي سلمة: كلهم عن أبي هريرة.
ورواه الترمذي "993" 3/ 318، وابن ماجه "1463" من حديث عبد العزيز بن المختار، وابن حبان "1158" من رواية حماد بن سلمة كلاهما: عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
ورواه أبو داود "3161" من رواية عمرو بن عمير، وأحمد 2/ 280 من حديث رجل يقال له: أبو إسحاق به، كلاهما عن أبي هريرة، وذكر البيهقي في سننه 1/ 301-303 له طرقا وضعفها ثم قال: والصحيح أنه موقوف. وقال البخاري: الأشبه موقوف. وقال علي وأحمد: لا يصح في الباب شيء، نقله الترمذي عن البخاري عنهما، وابن المنذر 1/ 181، وعلق الشافعي القول به على صحة الخبر. وهذا في البويطي.
وقال الذهلي: لا أعلم فيه حديثا ثابتا.
وفي الباب عن عائشة، وحذيفة، وعلي، وأبي سعيد، انظر العلل لابن أبي حاتم 1/ 354، والتلخيص الحبير 1/ 236-240، وتخريجنا لسنن ابن ماجه "1463"، والأوسط 5/ 348-351.(2/171)
فللأخت1.
وأنكر جماعة أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- على عائشة رضاع الكبير، ولم تأخذ واحدة منهن بقولها في ذلك2. وأنكر ذلك أيضا ابن مسعود على أبي موسى الأشعري، وقال: إنما الرضاعة ما أنبت اللحم والدم فرجع أبو موسى إلى قوله3.
- وأنكر ابن عباس على علي أنه أحرق المرتدين بعد قتلهم، واحتج ابن عباس بقوله, صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاضربوا عنقه" فبلغ ذلك عليا فأعجبه قوله4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري، وأبو داود "2890"، والترمذي "2093"، وابن ماجه "2721"، وأحمد 1/ 389, 428, 440, 463، والدارمي "2890" 2/ 447، والنسائي في الكبرى، كما في التحفة 7/ 152، والطيالسي "375"، وعبد الرزاق "19031-19032"، وسعيد بن منصور "29"، وابن أبي شيبة 11/ 245-246 "الهندية"، وأبو يعلى "5108"، والطحاوي 4/ 392، وابن حبان "6034"، وابن الجارود "962"، والطبراني "9869, 9870, 9871, 9820, 9873, 9874, 9875, 9876, 9877"، والحاكم في المستدرك 4/ 334-335، والبيهقي 6/ 229-230، والبغوي "2218".
2 رواه مالك في الموطأ 2/ 605-606، والشافعي 2/ 22-23، وعبد الرزاق "13886"، والطبراني "6377"، وابن حبان "4215" 10/ 27-29، قال ابن عبد البر في التمهيد 8/ 250: "هذا حديث يدخل في المسند، للقاء عروة عائشة وسائر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- للقائه سهلة بنت سهيل: رواه البخاري"4000-5088"، وأبو داود "2061"، والنسائي 6/ 63-64، وأحمد 6/ 255, 269, 270, 271، والدارمي 1/ 158، وعبد الرزاق "13887"، والبيهقي 7/ 459-460.
3 رواه أبو داود "2059-2060" 2/ 222، من حديث أبي موسى الهلالي. عن أبيه، عن ابن مسعود. وفيه قصة له مع أبي موسى في رضاع الكبير. وأبو موسى وأبوه: قال أبو حاتم: مجهولان. لكن أخرجه البيهقي 7/ 461 من وجه آخر من حديث أبي حصين، عن أبي عطية، قال: جاء رجل إلى أبي موسى فذكر معناه، وانظر التلخيص الحبير 4/ 8.
4 رواه البخاري "6922"، وأحمد 1/ 282، وأبو يعلى "2532"، وابن حبان "5606" 12/ 421، والدارقطني 3/ 113، والبيهقي 8/ 202 من طريق حمادة بن زيد، عن أيوب عن عكرمة أن عليا أُتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام -أو قال: زنادقة- معهم كتب، فأمر بنار فأججت، فألقاهم فيها بكتبهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أما أنا لو كنت لم أحرقهم، لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولقتلتهم لقول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله" وقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: =(2/172)
- قال أبو عمر: لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: فاضربوا عنقه ثم أحرقوه.
- ورفع إلى علي بن أبي طالب أن شريحا قضى في رجل وجد آبقا فأخذه ثم أبق منه أنه يضمن العبد، فقال علي: أخطأ شريح وأساء القضاء، بل يحلف بالله لأبق منه وهو لا يعلم، وليس عليه شيء1.
- وعن عمر في الجارية النوبية التي جاءت حاملا إلى عمر، فقال لعلي وعبد الرحمن: ما تقولان؟
فقالا: أقضاء غير قضاء الله تلتمس قد أقرت بالزنا، فحدها وعثمان ساكت فقال عمر لعثمان: ما تقول: فقال: أراها تستهل به وإنما الحد على من علمه.
فقال عمر: القول ما قلت، ما الحد إلا على من علمه2.
- وقيل لابن عباس أن عليا يقول: لا تؤكل ذبائح نصارى العرب؛ لأنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر.
فقال ابن عباس: تؤكل ذبائحهم؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "من بدل دينه فاقتلوه".
ورواه البخاري "3017"، وأبو داود "4351"، والترمذي "1458"، والنسائي 7/ 2104، وابن ماجه "2535"، وأبو يعلى "2532"، وأحمد 1/ 217, 219, 220, 282, 283، وعبد الرزاق "18706"، والحميدي "533"، والحاكم 3/ 538-539، والطبراني "11850" والدارقطني 3/ 108-113، وابن حبان "4476" 10/ 328، والبيهقي 8/ 195-202، و9/ 71، والبغوي "2560-2561" عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، نحوه وانظر تخريجنا لسنن ابن ماجه "2535".
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "4915" 8/ 209 نحوه، والبيهقي في سننه 6/ 201.
وانظر الإشراف 1/ 311-312، والمدونة 4/ 369، والمغني 6/ 98، والمبسوط 11/ 11, 12, 22، ومغني المحتاج 2/ 434.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "13644, 13645, 13647" 7/ 403-405، والشافعي في مسنده، والبيهقي في سننه 8/ 238، وانظر الإشراف لابن المنذر 2/ 40.(2/173)
[المائدة: 51]1.
- وعن ابن عمر في الذي توالى عليه رمضانان بدنتان مقلدتان، فأخبر ابن عباس بقوله فقال: وما للبدن وهذا يطعم ستين مسكينا. فقال ابن عمر: صدق ابن عباس امض لما أمرك به2.
- وقال علي: المكاتب يعتق إذا عجز يعتق منه بقدر ما أدى، فقال زيد: هو عبد ما بقي عليه درهم.
- وقال عبد الله بن مسعود: إذا أدى الثلث فهو غريم. وعن عمر بن الخطاب: إذا أدى الشطر فلا رق عليه.
وقال شريح: إذا أدى قيمته فهو غريم. وعن ابن مسعود أيضا مثله.
وقال زيد وابن عمر وعثمان وعائشة وأم سلمة: هو عبد ما بقي عليه درهم3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه الطبري في تفسيره "12167" 4/ 617، ومن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس. رواه ابن أبي حاتم "6509" 4/ 1156 من طريق عكرمة، عن ابن عباس وعنده: فكرهه.
2 رواه عبد الرزاق "7628" 4/ 236 نحوه.
3 دل خبر عائشة -رضي الله عنها- في قصة بريرة لما بيعت بعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن المكاتب عبد.
وقد روي عن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهم قالوا: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
وهذا قول سعيد بن المسيب، والقاسم، وسالم، وسليمان بن يسار، والزهري، وقتادة، وعطاء، والثوري، ومالك، والأوزاعي، وابن شبرمة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
وروي مثل هذا عن عائشة، وأم سلمة, رضي الله عنهما.
وفيه قول ثان: وهو أنه إذا أدى الشطر فلا رق عليه. روي ذلك عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- والنخعي.
وفيه قول ثالث: وهو أنه إذا أدى قيمته، فهو غريم. روي ذلك عن ابن مسعود.
وفيه قول رابع: وهو أنه إذا أدى الثلث فهو غريم روي ذلك عن ابن مسعود وشريح. انظر الإشراف 1/ 348-349، وانظر هذه الأقوال في صحيح البخاري فتح 5/ 194، والموطأ 2/ 493، ومسند الشافعي على هامش الأم 6/ 188، والمصنف 8/ 405-413، والمحلى 9/ 227، وسنن البيهقي 10/ 323-325، والأم 7/ 382، ونصب الراية 4/ 143، والآثار =(2/174)
- وروى وكيع، عن إسماعيل بن عبد الملك، قال سألت سعيد بن جبير عن ابنة وابني عم أحدهما أخ لأم.
فقال: للابنة النصف وما بقي فلابن العم الذي ليس بأخ لأم.
قال: وسألت عطاء فقال: أخطأ سعيد بن جبير، للابنة النصف وما بقي بينهما نصفان.
قال يحيى بن آدم: القول عندنا قول عطاء؛ لأن الابنة والأخت لا تحجب العصبة ولم تزده الأم إلا قربا.
- وذكر عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: قلت للشعبي: إن إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضا ويعجل له بعضا: إنه لا بأس به، وكرهه الحكم.
فقال الشعبي: أصاب الحكم، وأخطأ إبراهيم1.
- وقيل لسعيد بن جبير: إن الشعبي يقول: العمرة تطوع. فقال: أخطأ الشعبي.
وذكر لسعيد بن المسيب قول شريح في المكاتب، فقال: أخطأ شريح.
891- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= لأبي يوسف ص190-191.
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "14369" 8/ 74، وقد اختلف العلماء في الرجل يكون عليه الدين لآخر إلى أجل معلوم, فيقول الذي عليه الدين: ضع عني - وأعجل لك: فكره ذلك طائفة: وممن روي عنه أنه كرهه: زيد بن ثابت وابن عمر.
وكره ذلك سعيد بن المسيب، والحسن البصري. وسالم بن عبد الله، والحكم، ومالك، والثوري، وابن عيينة، وهشام وأحمد، وإسحاق، والكوفي.
وقد روي عن ابن عباس أنه لم ير به بأسا، وبه قال النخعي وأبو ثور.
انظر الإشراف 1/ 149-150، والمغني 4/ 39، والمبسوط 21/ 31، وتبيين الحقائق 5/ 41، والشرح الكبير 3/ 3-4.(2/175)
قال: حدثنا عاصم، قال: حدثنا شعبة، قال قتادة: أخبرني, قال: قلت لسعيد بن المسيب أن شريحا قال: يبدأ بالمكاتبة قبل الدين أو يشرك بينهما -شك شعبة- قال ابن المسيب: أخطأ شريح، وإن كان قاضيا. قال زيد بن ثابت: يبدأ بالدين1.
892- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا ابن الأصبهاني، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن المغيرة، قال: ما رأيت الشعبي وحماد تماريا في شيء إلا غلبه حماد، إلا هذا: سئل عن القوم يشتركون في قتل الصيد وهم حرم. فقال حماد: عليهم جزاء واحد.
وقال الشعبي: على كل واحد منهم جزاء.
ثم قال الشعبي: أرأيت لو قتلوا رجلا ألم يكن على كل واحد منهم كفارة، فظهر عليه الشعبي2.
- وقال عبد الرزاق: عن الثوري، في رجل قال لرجل: بعني نصف دارك مما يلي داري. قال: هذا بيع مردود؛ لأنه لا يدري أين ينتهي بيعه. ولو قال: أبيعك نصف الدار، أو ربع الدار جاز.
قال عبد الرزاق: فذكرت ذلك لمعمر فقال: هذا قول سواء كله لا بأس به.
وروى همام، عن قتادة، أن إياس بن معاوية أجاز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق.
قال قتادة: فسئل الحسن عن ذلك، فقال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق.
قال: فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بقول الحسن وقضاء إياس، فكتب عمر: أصاب الحسن وأخطأ إياس3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى نحوه أبو يوسف في الآثار "866" ص191، والبيهقي في سننه 10/ 332.
وانظر الإشراف 1/ 350، والأم 7/ 412، والمبسوط 8/ 50، والمغني 10/ 426.
2 رواه عبد الرزاق نحوه في المصنف "8356" 4/ 437.
3 روى عبد الرزاق في المصنف "15401, 15402, 15403" 8/ 329 قول الشعبي، =(2/176)
- قال أبو عمر: هذا كثير في كتب العلماء وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومَن بعدهم من المخالفين، وما رد فيه بعضهم على بعض لا يكاد يحيط به كتاب فضلا عن أن يجمع في باب، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا، وفي رجوع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضهم إلى بعض، ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب، ولولا ذلك كان يقول: كل واحد منهم: جائز ما قلت أنت، وجائز ما قلت أنا، وكلانا نجم يهتدى به، فلا علينا شيء من اختلافنا، والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم، والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابا كله.
- ولقد أحسن القائل:
إثبات ضدين معا في حال أقبح ما يأتي من المحال
ومن تدبر رجوع عمر إلى قول معاذ في المرأة الحامل، وقوله: لولا معاذ هلك عمر، علم صحة ما قلنا.
وكذلك رجع عثمان في مثلها إلى قول علي، وروي أنه رجع في مثلها إلى قول ابن عباس.
وروي أن عمر إنما رجع فيها إلى قول علي، وليس كذلك إنما رجع عمر إلى قول معاذ في التي أراد رجمها حاملا، فقال له معاذ: ليس لك على ما في بطنها سبيل1.
ورجع إلى قول علي في التي وضعت لستة أشهر.
- روى قتادة، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، أنه رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر، فهَمّ عمر برجمها، فقال له علي: ليس ذلك لك، قال الله تبارك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= والحسن والزهري، وقتادة في ذلك. وانظر الإشراف 3/ 209.
1 انظر المصنف لعبد الرزاق 7/ 326-327.(2/177)
وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]، وقال: {وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] لا رجم عليها، فخلى عمر عنها، فولدت مرة أخرى لذلك الحد1. ذكره عفان، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة.
ورجع عثمان، عن حجبه الأخ بالجد إلى قول علي.
ورجع عمر وابن مسعود عن مقاسمة الجد إلى السدس إلى قول زيد في المقاسمة إلى الثلث.
ورجع علي عن موافقته عمر في عتق أمهات الأولاد، وقال له عبيدة السلماني: رأيك مع عمر أحب ّإليّ من رأيك وحدك وتمادى علي على ذلك فأرقهن2.
ورجع ابن عمر إلى قول ابن عباس، فيمن توالى عليه رمضانان3.
- وقال عمر بن الخطاب, رضي الله عنه: ردوا الجهالات إلى السنة4.
- وفي كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم والرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل5.
- وروي عن مطرف بن الشخير، أنه قال: لو كانت الأهواء كلها واحدا لقال القائل: لعل الحق فيه، فلما تشعبت وتفرقت عرف كل ذي عقل أن الحق لا يتفرق.
- وعن مجاهد: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118]. قال: أهل الباطل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الرزاق في المصنف "13444" 7/ 350-351، والبيهقي في سننه 7/ 442.
2 رواه عبد الرزاق في المصنف "13224" 7/ 291-292، والبيهقي في سننه 10/ 348.
3 سبق قريبا.
4 انظر مفتاح الجنة ص88، والتمهيد 9/ 91، ومختصر الرد المؤمل ص46.
5 رواه وكيع في أخبار القضاة 1/ 70-73، والخطيب في الفقيه 2/ 200.(2/178)
{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} قال: أهل الحق، ليس بينهم اختلاف1.
- وقال أشهب: سمعت مالكا يقول: ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان لا يكونان صوابا جميعا، ما الحق والصواب إلا واحد.
قال أشهب: وبه يقول الليث.
- قال أبو عمر: الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله.
- قال المزني2: يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العالمين إذا اجتهدا في الحادثة فقال أحدهما: حلال، والآخر: حرام، فقد أدى كل واحد منهما جهده وما كلف وهو في اجتهاده مصيب الحق: أبأصل قلت هذا أم بقياس؟ فإن قال: بأصل.
قيل: كيف يكون أصلا، والكتاب أصل ينفي الخلاف؟!! وإن قال: قياس، قيل: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟! هذا ما لا يجوزه عاقل فضلا عن عالم.
ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معنى واحد أحله أحدهما وحرمه الآخر، وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دليل على إثبات أحدهما ونفي الآخر: أليس يثبت الذي يثبته الدليل ويبطل الآخر ويبطل الحكم به، فإن خفي الدليل على أحدهما وأشكل الأمر فيهما وجب الوقوف، فإذا قال: نعم، ولا بد من نعم وإلا خالف جماعة العلماء قيل له: فلم لا تصنع هذا برأي العالمين المختلفين فيثبت منهما ما يثبته الدليل ويبطل ما أبطله الدليل.
- قال أبو عمر: ما ألزمه المزني عندي لازم، فلذلك ذكرته وأضفته إلى قائله، لأنه يقال: إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله، وهذا باب يتصل فيه القول،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبري في تفسيره 7/ 138-139، وابن أبي حاتم 6/ 2093، وانظر شرح أصول الاعتقاد 3/ 548-549.
2 انظر الفقيه والمتفقه 2/ 69-70.(2/179)
وقد جمع الفقهاء من أهل النظر في هذا وطولوا وفيما لوحنا مقنع ونصاب كاف لمن فهمه وأنصف نفسه ولم يخادعها بتقليد الرجال.
893- حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر، قال: حدثنا ابن أبي دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: سمعت سحنون، يقول: قال ابن القاسم: من صلى خلف أهل الأهواء يعيد في الوقت؟ قلت لسحنون: ما تقول أنت؟
قال: أقول: إن الإعادة ضعيفة.
قلت له: إن أصبغ بن الفرج يقول: يعيد أبدا في الوقت وبعده إذا صلى خلف أحد من أهل الأهواء والبدع.
فقال سحنون: لقد جاء من رأى الإعادة عليهم في الوقت وبعده ببدعة أشد من بدعة صاحب البدعة.
- قال أبو عمر: لأصحابنا من رد بعضهم لقول بعض بدليل وبغير دليل شيء لا يكاد يحصى كثرة، ولو تقصيته لقام منه كتاب كبير أكبر من كتابنا هذا، ولكني رأيت القصد إلى ما يلزم أولى وأوجب، فاقتصرنا على الحجة عندنا وبالله عصمتنا وتوفيقنا وهو نعم المولى ونعم المستعان.
- قال المزني -رحمه الله- في قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم" قال: إن صح هذا الخبر فمعناه: فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليهم، فكلهم ثقة مؤتمن على ما جاء به، لا يجوز عندي غير هذا، وأما ما قالوا فيه برأيهم فلو كان عند أنفسهم كذلك ما خطأ بعضهم بعضا، ولا أنكر بعضهم على بعض، ولا رجع منهم أحد إلى قول صاحبه، فتدبر.
894- أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قراءة مني عليه، أن محمد بن أحمد بن يحيى، حدثهم، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أيوب الرقي، قال: قال لنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: سألتهم عما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما في أيدي العامة يروونه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنما مثل أصحابي كمثل النجوم(2/180)
أو أصحابي كالنجوم- فبأيها اقتدوا اهتدوا"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روي عن بعض الصحابة: وهو ضعيف جدا، واهٍ، فقد ورد عن:
أ- ابن عمر: رواه ابن بطة في الإبانة "701" 2/ 563-564 "الكتاب الأول"، وابن عدي في الكامل 2/ 376-377، وابن عبد البر في الجامع -هنا- معلقا، وعبد بن حميد في المنتخب "783" ص250-251، والحافظ ابن حجر في الموافقة 1/ 145، وفي سنده: حمزة بن أبي حمزة النصيبي قال ابن عدي: يضع الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث وقال النسائي: صحيح الحديث.
انظر الكامل 2/ 76، والتهذيب 3/ 25-26، والميزان 1/ 606.
ب- جابر: رواه الدارقطني في المؤتلف والمختلف 4/ 1778، وابن عبد البر -هنا "898" كما سيأتي.
والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 146 ثم قال: "هذا حديث غريب..."، وابن حزم في الإحكام 6/ 82، قلت: في سنده:
1- الحارث بن غصين: مجهول.
انظر الإكمال 7/ 27، والتاريخ الكبير 2/ 1/ 278، والثقات لابن حبان 8/ 181، واللسان 2/ 156.
2- سلام بن سليمان: متروك. انظر التقريب 1/ 342، والتهذيب 4/ 281-282، والمغني 1/ 270، والكاشف 1/ 330.
ج- ابن عباس: رواه ابن بطة في الإبانة "702" 2/ 564-565 "الكتاب الأول"، والخطيب في الكفاية ص48، والبيهقي في المدخل "152" ص162-163، وأبو العباس الأصم في الثاني من حديثه "142" كما في الضعيفة 1/ 80, وفي سنده عند البيهقي سليمان بن أبي كريمة، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، وجويبر: ضعيف جدا، انظر المجروحين 1/ 427، الميزان 1/ 427، والتقريب 1/ 136. والضحاك عن ابن عباس منقطع. انظر موافقة الخبر الخبر 1/ 146. وانظر التاريخ الكبير 4/ 332، والجرح 2/ 1/ 458، والميزان 2/ 325، والتهذيب 4/ 452، والتقريب 1/ 373، وسليمان بن أبي كريمة الراوي عن جويبر: ضعيف، انظر الجرح والتعديل 2/ 1/ 138.
وفي سنده عند ابن بطة؛ حمزة بن أبي حمزة: الكذاب، انظر التهذيب 3/ 28، والتقريب 1/ 83، والميزان 1/ 606.
د- عمر بن الخطاب: رواه ابن عدي في الكامل 3/ 200، والبيهقي في المدخل "151" ص162، والخطيب في الكفاية ص48، وفي الفقيه والمتفقه 1/ 177، وابن بطة في الإبانة "700" 2/ 563 "الكتاب الأول"، وابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 146-147، وفي =(2/181)
وهذا الكلام لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وربما رواه عبد الرحيم، عن أبيه، عن ابن عمر، وإنما أتى ضعف هذا الحديث من قبل عبد الرحيم بن زيد؛ لأن أهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه.
والكلام أيضا منكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسناد صحيح: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فعضوا عليها بالنواجذ"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= سنده: عبد الرحيم بن زيد العمي: قال أبو حاتم: ترك حديثه وقال أبو زرعة: واه، ضعيف الحديث.
انظر الجرح والتعديل 2/ 2/ 339، والميزان 2/ 605، والتهذيب 6/ 305، والتقريب 1/ 504.
2- زيد العمي: ضعيف. انظر الجرح 1/ 2/ 560، والميزان 2/ 102، والتهذيب 3/ 407، والتقريب 1/ 274.
3- رواه عبد الرحيم مرة أخرى فقال: عن أبيه -عن ابن عمر- وقد سبق.
وخالفه سلام الطويل: فرواه عن زيد بإسناد آخر، ولفظ آخر:
"هـ" أنس بن مالك: رواه ابن أبي عمر في مسنده -كما في الموافقة 1/ 147، والمطالب العالية 4/ 146.
والحافظ ابن حجر في موافقة الخبر الخبر 1/ 147. ولفظه: $"مثل أصحابي مثل النجوم يهتدى بها، فإذا غابت تحيروا".
وفي إسناده ثلاث ضعفاء في نسق: سلام وزيد ويزيد. وأشدهم ضعفا سلام والله أعلم, كما في موافقة الخبر الخبر 1/ 147-148. ويزيد هو الرقاشي.
و- نبيط بن شريط: رواه ابن نبيط في نسخته الموضوعة.
ز- جواب بن عبد الله: رواه البيهقي في المدخل "153" ص163-164، وهو مرسل أو معضل، وفيه -أيضا- جويبر. وقد سبق.
1 جزء من حديث رواه العرباض بن سارية: رواه أبو داود "4607" 4/ 200-201، والترمذي "2676" 5/ 44-45، وابن ماجه "42, 43, 44"، وأحمد 4/ 126-127، والدارمي "95" 1/ 57، والحاكم 1/ 96-97، وابن أبي عاصم في السنة "27, 32, 54, 57"، وابن حبان "5"، والطحاوي في المشكل "1185-1186"، والطبراني في المعجم الكبير 18/ 245، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 176، والآجري في الشريعة "79, 80, 81, =(2/182)
وهذا الكلام يعارض حديث عبد الرحمن لو ثبت، فكيف ولم يثبت والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يبيح الاختلاف بعده من أصحابه، والله أعلم، هذا آخر كلام البزار.
- قال أبو عمر: قد روى أبو شهاب الحناط، عن حمزة الجزري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله: "إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم".
وهذا إسناد لا يصح، ولا يرويه عن نافع من يحتج به، وليس كلام البزار بصحيح على كل حال؛ لأن الاقتداء بأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- منفردين إنما هو لمن جهل ما يسأل عنه، ومن كانت هذه حاله فالتقليد لازم له، ولم يأمر أصحابه أن يقتدي بعضهم ببعض إذا تأولوا تأويلا سائغا جائزا ممكنا في الأصول، وإنما كل واحد منهم نجم جائز أن يقتدي به العامي الجاهل بمعنى ما يحتاج إليه من دينه وكذلك سائر العلماء مع العامة، والله أعلم. وقد روي في هذا الحديث إسناد غير ما ذكر البزار.
895- حدثنا أحمد بن عمر، قال: حدثنا عبد بن أحمد، قال: حدثنا علي بن عمر، قال: حدثنا القاضي أحمد بن كامل، قال: حدثنا عبد الله بن روح، قال: حدثنا سلام بن سليم، قال: حدثنا الحارث بن غصين، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"1.
- قال أبو عمر: هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين: مجهول.
896- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سعيد بن عامر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، قال: ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 82" ص54-55، "طبعة المهدي"، والطبراني في المعجم الكبير "617" 18/ 245، والبيهقي 6/ 541، والبغوي في شرح السنة "102" وسنده صحيح.
1 انظر تخريجه فيما سبق قريبا.(2/183)
النبي, صلى الله عليه وسلم1.
897- حدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا ابن أبي العقب بدمشق، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا ابن أبي عمر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ليس أحد من خلق الله إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي, صلى الله عليه وسلم2.
898- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: سمعت سفيان، يحدث عن عبد الكريم، عن مجاهد، أنه قال: ليس أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك.
899- وأخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: ليس أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك.
900- وأخبرنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة, قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، عن مجاهد، قال: ليس أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك.
- قال أبو عمر: وافق الحسن الزعفراني ويونس بن عبد الأعلى, ابن وهب في إسناد هذا الحديث، وخالفهم ابن أبي عمر، وكلا الحديثين صحيح إن شاء الله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن حزم في أصول الأحكام 6/ 317، انظر مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول ص66.
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 176، وابن حزم في الأحكام 6/ 317، وأبو نعيم في الحلية 3/ 300، والبيهقي في المدخل "30" ص107، وانظر مختصر المؤمل ص65-66، ومفتاح الجنة للسيوطي ص92.(2/184)
وجائز أن يكون عند ابن عيينة هذا الحديث عن عبد الكريم الجزري وابن أبي نجيح جميعا عن مجاهد.
901- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ, قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا الغلابي، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: قال لي سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله1.
وذكره الطبري عن أحمد بن إبراهيم، عن غسان بن الفضل، قال: أخبرني خالد بن الحارث قال: قال لي سليمان التيمي: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
- قال أبو عمر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا.
67- باب ما يكره فيه المناظرة والجدال والمراء:
- قال أبو عمر: الآثار كلها في هذا الباب المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما وردت في النهي عن الجدال والمراء في القرآن، وروى سعيد بن المسيب وأبو سلمة، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المراء في القرآن كفر"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن الجعد في مسنده "1319" ص200، وأبو نعيم في الحلية 3/ 32.
2 رواه أبو داود "4603" 4/ 199، وأحمد 2/ 216, 258, 424, 475, 478, 494, 503, 528، والنسائي في فضائل القرآن "118-120" ولفظه: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر"، وابن بطة في الإبانة "791-792" 2/ 611-612 "الكتاب الأول"، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص354 "دار ابن كثير"، وابن جرير في تفسيره 1/ 11، والسخاوي في حمال القراء 1/ 113 بلفظ النسائي، وابن أبي شيبة في المصنف "30169" 6/ 142. وتمام في فوائده "24"، والطبراني في الأوسط "2499" 3/ 234-235 من طريق كهمس بن الحسن، عن محمد بن عمرو به.
و"3679" 4/ 401 عن عنبسة الحداد، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة، و"4224" 5/ 117، من طريق شعيب بن أبي الأشعث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي سلمة به. =(2/185)
ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه غير هذا بوجه من الوجوه، والمعنى: أن يتمادى اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها أو يصير فيها إلى الشك، فذلك هو المراء الذي هو الكفر، وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه فقد تنازع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو كفر هو الجحود والشك، كما قال عز وجل: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [الحج: 55]. والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما، وهما مذمومان بكل لسان. ونهى السلف -رحمهم الله- عن الجدال في الله جل ثناءه في صفاته وأسمائه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وفي الصغير "496-574"، والبزار في مسنده "2313" "كشف"، وأبو نعيم في الحلية 5/ 192، و6/ 134-215 و8/ 212-213، وفي أخبار أصبهان 1/ 272-292 و2/ 123، والقطيعي في جزء الألف دينار "212" ص324، وابن حبان "74" و"1464"، واللالكائي "181-182" 1/ 116، والحاكم في المستدرك 2/ 223، والآجري في الشريعة "131-132" ص75 "طبعة المهدي"، والعقيلي في الضعفاء 3/ 365-366، والبيهقي في الشعب 5/ 25-206، والخطيب في تاريخه 4/ 81 و11/ 26-136، والذهبي في السير 10/ 624، وابن عدي في الكامل 5/ 1902، وانظر المقدسي في الحجة ص129، وانظر علل ابن أبي حاتم 2/ 74 فأعله بالاضطراب، وعلل الدارقطني 7/ 280-281، ويتأيد بما في الباب عن:
1- عمرو بن العاص: رواه أحمد 4/ 204-205، وفي أوله قصة، ولفظه: "القرآن نزل على سبعة أحرف، على أي حرف قرأتم أصبتم، فلا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر". وأبو عبيد في فضائل القرآن ص353 بالمراء فقط.
2- عبد الله بن عمرو: بلفظ: "لا تماروا في القرآن ...": رواه الطبراني في الأوسط "3973" 4/ 569 من طريق سليمان بن يسار، عن ابن عمرو، والآجري في الشريعة "135" ص76 "المهدي"، ورواه الطبراني في الكبير، وابن بطة في الإبانة "793" 2/ 612 "الكتاب الأول"، وابن أبي شيبة "30166" 6/ 142. وفي سنده موسى بن عبيدة: ضعيف جدا، كما في المجمع 1/ 157، وله طرق أخرى وألفاظ أخرى.
3- أبي جهيم: رواه أحمد 4/ 169-170، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص354، وابن بطة في الإبانة "801" 2/ 616-617 "الكتاب الأول".
4- زيد بن ثابت: رواه الطبراني "4916" 5/ 152، وفي المجمع 1/ 157: "رجاله موثقون".(2/186)
وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك، وليس الاعتقادات كذلك؛ لأن الله -عز وجل- لا يوصف عند الجماعة أهل السنة إلا بما وصف به نفسه, أو وصفه به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أجمعت الأمة عليه، وليس كمثله شيء، فيدرك بقياس، أو بإنعام نظر، وقد نهينا عن التفكر في الله وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه. وللكلام في ذلك موضع غير هذا، والدين الذي هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت لليوم الآخر، قد وصل إلى العذراء في خدرها. والحمد لله1.
902- قرأت على سعيد بن نصر، أن قاسم بن أصبغ، حدثهم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن يحيى بن سعيد، قال: قال عمر بن عبد العزيز: مَن جعل دينه عرضا للخصومات أكثر التنقل2.
903- وبه عن ابن مهدي، قال: حدثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون التلون في الدين3.
904- قال: وحدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم النخعي: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. قال: الخصومات والجدال في الدين4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في المراد بالمراء: الشريعة ص79، والإبانة 2/ 618.
2 رواه عبد الله في السنة "103" 1/ 138، والدارمي "304-305" 1/ 102-103، والترمذي في السنن 1/ 102، والآجري في الشريعة "109-110 ص66، واللالكائي في أصول الاعتقاد "216" 1/ 128، وابن بطة في الإبانة "565, 566, 568, 569, 570" 2/ 502-504 و"577, 578, 579, 580 و 583" 2/ 506-508، والفريابي في القدر "384-385" ص217-218، وأبو نعيم في الحلية 9/ 218، وابن سعد في الطبقات 5/ 371، وأحمد في الزهد ص302.
3 رواه ابن بطة في الإبانة "574-575" 2/ 505، وأبو نعيم في الحلية 4/ 233.
4 رواه الطبري في تفسيره "11601, 11602, 11603" 4/ 499-500، وابن بطة في الإبانة =(2/187)
905- قال: وحدثنا هشيم بن بشر، عن العوام بن حوشب، عن معاوية بن قرة، قال: إياكم والخصومات في الدين، فإنها تحبط الأعمال1.
906- قال: وحدثنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، أن عمر بن عبد العزيز قال: إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة2.
907- قال: وحدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن خالد بن سعد، قال: دخل أبو مسعود على حذيفة، قال: أعهد إليّ. قال: أولم يأتك اليقين.
قال: بلى.
قال: فإن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله؛ فإن دين الله واحد3.
- وقال الأوزاعي: بلغني أن الله إذا أراد بقوم شرا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل4.
908- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن وهب، عن بكر بن نصر، عن الأوزاعي، قال: إذا أراد الله بقوم شرا ألزمهم الجدال ومنعهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "558-559" 2/ 500-501، و"571, 572, 573" 2/ 504-505، والخلال في السنة "717" 1/ 461-462.
1 وراه ابن بطة في الإبانة "562, 563, 654" 2/ 501-502، و"621" 2/ 522، والآجري في الشريعة "18" ص66، واللالكائي "221" 1/ 129، وعبد الله في السنة "98" 1/ 137، كلهم عن العوام، عن معاوية بن قرة.
2 رواه الدارمي "307" 1/ 103، واللالكائي في أصول الاعتقاد "251" 1/ 135.
3 رواه ابن بطة في الإبانة "571, 572, 573" 2/ 504-505، واللالكائي "120" 1/ 90، و"164" 1/ 110، والطبراني "571, 572, 573" - 2/ 504-505، والأصفهاني في الحجة 1/ 303.
4 رواه اللالكائي "296" 1/ 145، عن بكر بن مضر، عن الأوزاعي قال...(2/188)
العمل1.
909- وحدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحوطي، قال: حدثنا عبد الوارث، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحوطي، قال: حدثنا أشعث بن شعبة، قال: سمعت الفزاري، قال: سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين. قال: تلك دماء كف الله عنها يدي لا أريد أن ألطخ بها لساني2.
- ذكر سنيد، قال: حدثنا محمد بن يزيد، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، في قوله: {أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. قال: الخصومات بالجدل في الدين3.
- وقال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال4.
- وروى سفيان الثوري، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي يعلى منذر بن يعلى الثوري، عن ابن الحنفية، قال: لا تنقضي الدنيا حتى تكون خصوماتهم في ربهم5.
- وقال ابن عباس: لا يزال أمر هذه الأمة مقاربا حتى يتكلموا في الولدان والقدر6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه اللالكائي "296" 1/ 145، من طريق أحمد بن زهير به، عن الأوزاعي، وما بين القوسين من اللالكائي. ورواه ابن بطة "589" 2/ 510 من كلام معروف.
2 رواه الخلال في السنة "717" 1/ 461-462.
3 سبق "904" عن النخعي، ورواه الطبري "11603" 4/ 500 عن إبراهيم النخعي والتيمي.
4 سبق "905" قريبا، وفي المطبوعة: معاوية بن عمرو.
5 رواه اللالكائي "213" 1/ 127، وابن بطة في الإبانة "616-617" 2/ 520-521.
6 رواه الفريابي في القدر "259-260" ص174-175، وعبد الله في السنة "780" 2/ 400-401، واللالكائي "1127" 2/ 636، وقد رواه مرفوعا: ابن حبان في صحيحه "6724" 15/ 118-119، والحاكم في المستدرك 1/ 33، والطبراني في الكبير "12764"، وفي الأوسط "3285 مجمع البحرين"، والبزار "2180" 3/ 35 "كشف" ثم قال: "قد رواه جماعة فوقفوه على ابن عباس. والمراد بالولدان: أطفال المشركين.(2/189)
910- وقد أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أحمد بن سليمان النجاد، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكون خصومات الناس في ربهم".
قال عبد الملك: فذكرت ذلك لعلي بن المديني فقال: ليس هذا بشيء إنما أراد حديث محمد بن الحنفية: لا تقوم الساعة حتى تكون خصومتهم في ربهم1.
- وقال الهيثم بن جميل: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله الرجل يكون عالما بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبلت منه وإلا سكت.
911- أخبرني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثني أحمد بن زهير، قال لي مصعب بن عبد الله: ناظرني إسحاق بن أبي إسرائيل، فقال: لا أقول كذا ولا أقول غيره يعني في القرآن. فناظرته فقال: لم أقف على الشك، ولكني أقول كما قال: اسكت كما سكت القوم.
قال: فأنشدته هذا الشعر، فأعجبه وكتبه، وهو شعر قيل منذ أكثر من عشرين سنة:
أأقعد بعد ما رجفت عظامي وكان الموت أقرب ما يليني
أجادل كل معترض خصيم وأجعل دينه غرضا لديني
فأترك ما علمت لرأي غيري وليس الرأي كالعلم اليقين
وما أنا والخصومة وهي لبس تصرف في الشمال وفي اليمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارقطني في علله 10/ 167.
وقال: "يرويه أبو قلابة، عن حسين بن حفص، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة. ووهم فيه، وإنما روي عن الثوري هذا الحديث من حديث منذر الثوري، عن محمد بن الحنفية من قوله غير مرفوع"، ثم نقل كلام ابن المديني. وأثر ابن الحنفية سبق تخريجه قريبا.(2/190)
وقد سنت لنا سنن قوام يلحن بكل فج أو وجين
وكان الحق ليس له خفاء أغر كغرة الفلق المبين
وما عوض لنا منهاج جهم بمنهاج ابن آمنة الأمين
فأما ما علمت فقد كفاني وأما ما جهلت فجنبوني
فلست مكفرا أحدا يصلي وما أحرمكم أن تكفروني
وكنا أخوة نرمي جميعا فنرمي كل مرتاب ظنين
فما برح التكلف إن رمينا بشأن واحد فوق الشئون
فأوشك أن يخر عماد بيت وينقطع القرين عن القرين1
- قال أبو عمر: وكان مصعب بن عبد الله الزبيري شاعرا محسنا، ذكر له ابن أخيه الزبير بن بكار أشعارا حسانا يرثي بها أباه عبد الله بن مصعب بن ثابت، وهذا الشعر عندهم لا شك فيه له، والله أعلم.
912- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت مصعب بن عبد الله الزبيري، يقول: كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه، وينهون عنه نحو الكلام في رأي جهم والقدر وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله وفي الله -عز وجل- فالسكوت أحبّ إليّ؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل2.
- قال أبو عمر: قد بين مالك -رحمه الله- أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده وعند أهل بلده -يعني: العلماء منهم, رضي الله عنهم- وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه، وضرب مثلا فقال: نحو قول جهم والقدر، والذي قاله مالك -رحمه الله- عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه اللالكائي "308" 1/ 147-148، وابن بطة في الإبانة "686" 2/ 544-546 ببعضه، وانظر الميزان 4/ 120، والتهذيب 1/ 162.
2 رواه اللالكائي "309" 1/ 148-149، عقب الأثر السابق، وانظر الإبانة "582" 2/ 507.(2/191)
أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك -رحمه الله- إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا.
- قال ابن عيينة: سمعت من جابر الجعفي كلاما خشيت أن يقع علي وعليه البيت1.
- وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يوم ناظره حفص الفرد قال لي: يا أبا موسى لأن يلقي الله -عز وجل- العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الكلام، لقد سمعت من حفص كلاما لا أقدر أن أحكيه2.
913- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ذكر لي الشافعي -رحمه الله- كثيرا مما جرى بينه وبين حفص الفرد يوم كلمه، ثم قال لي:
اعلم أني اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننته قط، ولأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام3.
- وذكر الساجي أن حسين الكرابيسي، قال: سئل الشافعي عن شيء من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص79-80.
2 رواه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي ص182-186، وأبو نعيم في الحلية 9/ 111، والبيهقي في سننه 10/ 206، وفي مناقب الشافعي 1/ 452، وفي الاعتقاد ص239، وابن عساكر في تبيين كذب المفتري ص335-337، والمقدسي في الحجة ص50، والصابوني في عقيدة السلف ص69، وابن بطة في الإبانة "661-662" 2/ 534-535، واللالكائي "300" 1/ 146، وتحريم النظر ص41. انظر صون المنطق ص136، وتحريم النظر في كتب الكلام ص46.
3 رواه اللالكائي في أصول الاعتقاد "301" 1/ 146، وابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص182-185، وابن عبد البر في الانتقاء ص78، والأصفهاني في الحجة 1/ 104، وابن بطة في الإبانة "662" 2/ 534-535، والمناوي في مناقب الشافعي ص99، وتوالي التأسيس ص64.(2/192)
الكلام فغضب وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه, أخزاهم الله1.
914- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا محمد بن سفيان، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت الجارودي، يقول: مرض الشافعي -رحمه الله- بمصر مرضة ثقل فيها، فدخل عليه قوم منهم حفص الفرد، فكل منهم يقول له: من أنا؟ حتى قال له حفص الفرد: من أنا يا أبا عبد الله؟ فقال: أنت حفص الفرد لا حفظك الله، ولا كلاك، ولا رعاك حتى تتوب مما أنت فيه2.
915- حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا محمد بن يحيى الفارسي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لو علم الناس ما في الكلام في الأهواء لفروا منه كما يفر من الأسد3.
916- حدثنا خلف، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا سعيد بن أحمد بن زكريا، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي، يقول: إذا سمعت الرجل يقول: الاسم غير المسمى، أو الاسم المسمى فاشهد عليه أنه من أهل الكلام ولا دين له4.
917- حدثنا خلف، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الأنماطي وعبيد الله بن إبراهيم الغمري، قالا: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر والقبائل، هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص78.
2 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص79-80.
3 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص79، وانظر مناقب الشافعي للمناوي ص99، ومناقب الشافعي للرازي "100"، وحلية الأولياء 9/ 111، وسير أعلام النبلاء 10/ 16.
4 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص79 وعنده: أو الشيء غير المشيا...
5 رواه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص186، وابن عساكر في تبيين كذب المفتري =(2/193)
- وذكر الساجي، عن أبي ثور، قال: قلت للشافعي, رحمه الله: ضع في الكلام شيئا فقال: مَن تردّى في الكلام لم يفلح1.
- وقال أحمد بن حنبل, رحمه الله: إنه لا يفلح صاحب كلام أبدا، ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام إلا وفي قلبه دَغَل2.
- وقال مالك: أرأيت إن جاء من هو أجدل منه أيدع دينه كل يوم لدين جديد.
- وذكر ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا محمد بن شجاع البلخي، قال: سمعت الحسن بن زياد اللؤلؤي، وقال له رجل في زفر بن الهذيل: أكان ينظر في الكلام؟ فقال: سبحان الله ما أحمقك؛ ما أدركت مشيختنا زفر وأبا يوسف وأبا حنيفة ومن جالسنا وأخذنا عنه يهمهم غير الفقه والاقتداء بمن تقدمهم3.
- وروينا أن طاوسا ووهب بن منبه التقيا، فقال طاوس لوهب: يا أبا عبد الله، بلغني عنك أمر عظيم فقال: ما هو؟
قال: تقول: إن الله حمل قوم لوط بعضهم على بعض. قال: أعوذ بالله، ثم سكتا، قال: فقلت: هل اختصما؟ قال: لا.
- قال أبو عمر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ص335، وتحريم النظر في كتب الكلام ص41، ومناقب الشافعي للبيهقي 2/ 462، وأبو نعيم في الحلية 9/ 116، وابن عبد الهادي في مناقب الأئمة الأربعة ص112، وابن عبد البر في الانتقاء ص80، وانظر تلبيس إبليس ص82، وصون المنطق ص64، وسير أعلام النبلاء 10/ 29، وتوالي التأسيس ص64، ومناقب الشافعي للمناوي ص99.
1 رواه اللالكائي "303" 1/ 146، وابن أبي حاتم في آداب الشافعي ص186، وابن بطة في الإبانة "664-666" 2/ 535-536.
2 روى نحوه ابن بطة في الإبانة "674, 675, 676, 677" 2/ 538-540، وانظر تلبيس إبليس ص83، وصوت المنطق ص128، وتحريم النظر ص41.
3 انظر صون المنطق ص136، وتحريم النظر في كتب الكلام ص46.(2/194)
918- أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن بكر، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المصري المالكي، قال: في كتاب الإجارات من كتابه في الخلال، قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء، والبدع والتنجيم وذكر كتبا ثم قال: كتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك.
قال: وكذلك كتب القضاء بالنجوم، وعزائم الجن وما أشبه ذلك.
وقال في كتاب الشهادات في تأويل قول مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء: قال: أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع, أشعريا كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبدا، ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها.
قال أبو عمر: ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه.
919- أخبرنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، قال: حدثنا بقية، عن الأوزاعي، قال: كان مكحول والزهري يقولان: أمرُّوا هذه الأحاديث كما جاءت1.
- وقد روينا عن مالك بن أنس، والأوزاعي، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا: أمّروها كما جاءت2، نحو حديث التنزل وحديث: "إن الله خلق آدم على صورته"، وأنه يدخل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه اللالكائي "735" 2/ 430-431، وطريقه الأصبهاني في الحجة "1/ 192.
2 رواه ابن منده في التوحيد "520-521" 3/ 115 نحوه، والدارقطني في الصفات "67" ص75، والصابوني في عقيدة السلف "90" ص70-71، والآجري في الشريعة ص314، والبيهقي في سننه 3/ 2، وفي الأسماء والصفات 2/ 377، وفي الاعتقاد ص118، وابن عبد البر في التمهيد 7/ 149-158، وفي الانتقاء ص36، وانظر سنن =(2/195)
قدمه في جهنم، وما كان مثل هذه الأحاديث، وقد شرحنا القول في هذا الباب من جهة النظر والأثر، وبسطناه في كتاب التمهيد عند ذكر حديث التنزل، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك، وبالله التوفيق.
920- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا زائدة بن قدامة، عن هشام، قال: كان الحسن يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم1.
921- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن إسماعيل، حدثنا عبد الملك بن بحر، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سنيد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن جعفر، عن رجل من فقهاء أهل المدينة، قال: إن الله -تبارك وتعالى- علم علما علمه العباد، وعلم علما لم يعلمه العباد، فمن تكلف العلم الذي لم يعلمه العباد لم يزدد منه إلا بعدا. قال: والقدر منه.
922- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا محمد بن منصور، حدثن شجاع بن الوليد، حدثنا خصيف، عن سعيد بن جبير, قال: ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين2.
- وقال جعفر بن محمد: الناظر في القدر كالناظر في عين الشمس، كلما ازداد نظرا ازداد حيرة.
- قال أبو عمر: رواه السلف وسكتوا عنها، وهم كانوا أعمق الناس علما،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الترمذي 3/ 50-51 و4/ 692.
1 رواه الدارمي "401" 1/ 121، وابن بطة في الإبانة "395" 2/ 444 و"458" 2/ 464، واللالكائي "240" 1/ 133، ورواه ابن وضاح في البدع "126" ص104 و"138" 110، وابن بطة في الإبانة 2/ 438 بلفظ: لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب، من طرق عن الحسن.
2 سبق.(2/196)
وأوسعهم فهما، وأقلهم تكلفا، ولم يكن سكوتهم عن عي، فمن لم يسعه ما وسعهم، فقد خاب وخسر.
923- حدثنا محمد بن خليفة، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا حكام بن سلم الرازي، عن عمرو بن قيس، عن عبد ربه، قال: كان الحسن في مجلس فذكر أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم1.
924- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى بن معاوية، قال: حدثنا ابن مهدي، عن حماد بن زيد، عن عبد الله بن عون، عن إبراهيم، قال: لم يدخر لكم شيء خبئ من القوم لفضل عندكم.
925- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن إسماعيل، حدثنا عبد الملك بن بحر، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سنيد، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن عون، عن إبراهيم، عن حذيفة، أنه كان يقول: اتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق مَن كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه فلقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا2.
926- قال: وحدثنا سنيد، قال: حدثنا معتمر، عن سلام بن مسكين، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر تحريم النظر ص44.
2 رواه البخاري "8282"، وعبد الله في السنة "106" 1/ 139، وأبو نعيم في الحلية 1/ 801، وابن وضاح في البدع "10, 11, 13" ص41 - و"15-16" ص44، واللالكائي "119" 1/ 90، وابن نصر في السنة "89"، والمروزي في السنة "25"، وابن المبارك في الزهد "47" وانظر تحريم النظر ص45.(2/197)
قتادة، قال: قال ابن مسعود: من كان منكم متأسيا فليتأسّ بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم1.
927- قال: وحدثنا سنيد، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن الحجاج بن دينار، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "ما ضل قوم بعد هدى إلا لقنوا الجدل". ثم قال: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}2 [الزخرف: 58].
وتناظر القوم وتجادلوا في الفقه ونهوا عن الجدال في الاعتقاد؛ لأنه يئول إلى الانسلاخ من الدين، ألا ترى مناظرة بشرى في قوله, جل وعز: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 305-306، وانظر تحريم النظر ص44، وصون المنطق ص138.
2 رواه الترمذي "3253" 5/ 378-379، وأحمد 5/ 252-256، وابن ماجه "48"، وابن أبي الدنيا في الصمت "135-136" ص103-104، والحاكم 2/ 447-448، والطبراني في الكبير "8067" 8/ 33، وابن عاصم في السنة "101" ص47، والأصبهاني في الحجة "169" 1/ 311، والآجري في الشريعة "102-103" ص64 "المهدي"، واللالكائي "177" 1/ 114، وابن بطة في الإبانة "529-530" 2/ 487-488 "الكتاب الأول"، والهروي في ذم الكلام 1/ 48-49 "الشبل"، وابن جرير في تفسيره، والسهمي في تاريخ جرجان ص41، والروياني في مسنده "1187" 2/ 274، والهروي في الأربعين في دلائل التوحيد "39"، والدينوري في المجالسة "1104" 3/ 493-495، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 230-231، والبيهقي في الشعب "8438" 6/ 341، والعقيلي في الضعفاء 1/ 286، والبغوي في تفسيره 6/ 116.
وفي سنده: أبو غالب: قال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات. أما ابن معين فقد قال: صالح الحديث, والدارقطني: ثقة، وانظر التهذيب 12/ 197-198، والكاشف 2/ 449، والتقريب 2/ 460، وله طريق أخرى، إلا أن فيها جعفر بن الزبير: متروك، كما في التقريب 1/ 55: رواه ابن بطة في الإبانة "525, 526, 527" 2/ 485-486.(2/198)
ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] حين قال: هو بذاته في كل مكان, فقال له خصمه، هو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمار، تعالى الله عما يقولون حكى ذلك وكيع -رحمه الله- وأنا والله أكره أن أحكي كلامهم قبحهم الله، فمن هذا وشبهه نهى العلماء، وأما الفقه فلا يوصل إليه ولا ينال أبدا دون تناظر فيه وتفهم له.
- وذكر ابن وهب في جامعه، قال: سمعت سليمان بن بلال، يقول سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة وإنما أنزلت بالمدينة؟ فقال ربيعة: قد قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه، وقد اجتمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ننتهي إليه ولا نسأل عنه.
928- أخبرنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم، قال: حدثنا عيسى بن دينار، عن ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: وأيم الله إن كنا لنلتقط السنن من أهل الفقه والثقة ونتعلمها شبيها بتعلمنا آي القرآن، وما برح من أدركنا من أهل الفقه والفضل من خيار أولية الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب والأخذ بالرأي وينهون عن لقائهم ومجالستهم ويحذرون مقاربتهم أشد التحذير ويخبرون أنهم أهل ضلال وتحريف لتأويل كتاب الله وسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كره المسائل وناحية التنقيب والبحث وزجر عن ذلك وحذره المسلمين في غير موطن حتى كان من قوله كراهية لذلك: "ذروني ما تركتم فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فخذوا ما استطعتم"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "7288"، ومسلم "1337"، والترمذي "2679"، وابن ماجه "1-2"، والنسائي 5/ 110-111، وأحمد 2/ 247, 258, 313, 355, 428, 447, 448, 457, 467, 482, 495, 508, 517، وعبد الرزاق "20272"، الحميدي "1125"، وتمام في فوائده "113"، والشافعي 1/ 15، وابن خزيمة "2508"، والدارقطني 2/ 181، وابن حبان "18, 21, 2105, 2106"، والبيهقي 4/ 326، والخطيب في الفقيه 2/ 7، وابن بطة في الإبانة "286" 1/ 392.(2/199)
- ولقد أحسن القائل:
قد نفر الناس حتى أحدثوا بدعا في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسل
حتى استخف بدين الله أكثرهم وفي الذي حملوا من دينه شغل
929- قرأت على عبد الوارث بن سفيان، أن قاسم بن أصبغ حدثهم, قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا يحيى -يعني القطان- عن ابن جريج، قال: حدثنا سليمان بن عتيق، عن طلق بن حبيب، عن الأحنف بن قيس، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون، ألا هلك المتنطعون" "ثلاثا"1.
930- وحدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا ابن وضاح، حدثنا محمد بن نمير، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج, عن سليمان ين عتيق، عن طلق بن حبيب، عن الأحنف، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم... فذكره ولم يقل: ثلاثا2.
931- أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا عبد الله بن محمد القروي، حدثنا زكريا بن يحيى، قال: سمعت الأصمعي، يقول: قال عبد الله بن حسن: المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون المغالبة والمغالبة أمتن أسباب القطيعة3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "2670" 4/ 2055، وأبو داود "4608"، أحمد 1/ 386، وأبو عوانة، كما في إتحاف المهرة 10/ 146-147، وزاد فيه قصة لابن مسعود فيها سبب الحديث المذكور. وأبو يعلى "5004, 5007, 5242"، وابن أبي الدنيا في الصمت "147" 109، وابن بطة في الإبانة "294-295" 1/ 396-397، والطبراني في الكبير "10368" 10/ 216، والبغوي في شرح السنة "3396" 12/ 367.
2 انظر الحديث السابق.
3 رواه ابن بطة في الإبانة "655" 2/ 530-531 وعنده: عبد الله بن حسين.
وقول مصعب الزبيري كان قبل حديث "929" فأخرته إلى هنا لمناسبته هنا.(2/200)
- قال مصعب الزبيري: ما رأيت أحدا من علمائنا يكرمون أحدا ما يكرمون عبد الله بن حسن، وعنه روى مالك حديث السدل.
934- أخبرنا أحمد بن محمد ومحمد بن زكريا، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا مروان بن عبد الملك، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: سمعت مسعرا، يقول يخاطب ابنه كداما:
إني منحتك يا كدام نصيحتي فاسمع لقول أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما لمجاور جارا ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه وعروقه في الناس أي عروق
- وقد رويت هذا الخبر عن مسعر بن كدام، من وجوه فاقتصرت منها على ما حضرني ذكره.
68- باب إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة:1
قال الله, عز وجل: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
وقال: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] والبينة: ما بان من الحق.
وقال: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: 68]. قال المفسرون: من حجة، قالوا: والسلطان: الحجة. وقال الله, جل وعز: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 149].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر للأهمية الفقيه والمتفقه 1/ 230-235.(2/201)
وقال: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: 111].
933- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي، قال: حدثنا أحمد بن علي بن سهل المروزي، قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا مهران بن أبي عمر، عن سفيان، عن عبيد المكتب، عن الفضيل بن عمر، عن الشعبي، عن أنس بن مالك في قوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} [يس: 65]، قال: "كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فضحك حتى بدت نواجذه، وقال: "هل تدرون ممن ضحكت؟" وذكر شيئا ثم قال: "في مجادلة العبد ربه يوم القيامة".
قال: "يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟
قال: بلى.
قال: فإني لا أجيز علي اليوم شاهدا إلا من نفسي. قال: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14]، كذا قال: فيختم على فيه، ويقال لأركانه، انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدا لكم فعنكم كنت أناضل"1.
وقال: {إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31]. قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258]. يقول: فانقطع وخصم ولحقه البهت عند أخذ الحجة له، ووصف الله -عز وجل- خصومة إبراهيم -عليه السلام- قومه ورده عليهم وعلى أبيه في عبادة الأوثان: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} إلى قوله: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 52-67] الآيات كلها. ونحو هذا في سورة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم "2969" والنسائي في الكبرى "673"، وأبو يعلى "3977"، وأبو عوانة كما في الإتحاف 2/ 67، وابن حبان "7358"، والحاكم في المستدرك 4/ 601، وفي معرفة علوم الحديث ص38، والبيهقي في الأسماء والصفات ص217-218، وفي الشعب 1/ 249، والمزي في تهذيب الكمال 9/ 235.(2/202)
الظلة: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ، قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 70-73] فحادوا عن جواب سؤاله هذا إذ انقطعوا وعجزوا عن الحجة فقالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74]، وهذا ليس بجواب عن هذا السؤال، ولكنه حيدة وهرب عما لزمهم، وهو ضرب من الانقطاع.
وقال عز وجل: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83] قالوا: العلم والحجة.
وقال في قصة نوح: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} الآيات إلى قوله: {وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود: 32-35].
وقال في قصة موسى, عليه السلام: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} الآيات إلى قوله: {تَارَةً أُخْرَى} [طه: 49-55].
وكذلك قول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين} إلى قوله: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 23-30]. يعني: والله أعلم, بحجة واضحة أدحض بها حجتك.
قال جل وعز: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} إلى قوله: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 34-35]. فهذا كله تعليم من الله للسؤال والجواب والمجادلة، وجادل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الكتاب وباهلهم بعد الحجة، قال الله, عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: 59] الآية. ثم قال: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 61] الآية.
قال صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض"1 الحديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2458" 5/ 107، وحديث "2680" 5/ 288، و" 6967" 12/ 339، =(2/203)
- وجادل عمر بن الخطاب اليهود في جبريل وميكائيل، فقال جماعة من المفسرين: كان لعمر أرض بأعلى المدينة، فكان يأتيها وكان طريقه على موضع مدارسة اليهود، وكان كلما مر دخل عليهم فسمع منهم، وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر، ما من أصحاب محمد أحد أحبّ إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك.
فقال لهم عمر: أي يمين فيكم أعظم؟
قالوا: الرحمن.
قال: فبالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سينا أتجدون محمدا عندكم نبيا؟ فسكتوا, قال: تكلموا, ما شأنكم؟ والله ما سألتكم وأنا شاكّ في شيء من ديني.
فنظر بعضهم لبعض فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل، أو لأخبرنه.
قالوا: نعم إنا نجده مكتوبا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب وقتال وخسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل لآمنا به فإن ميكائيل صاحب كل رحمة، وكل غيث.
قال لهم: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سينا أين ميكائيل وأين جبريل من الله؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= و"7169" 13/ 157، و"7181" 13/ 172، و"7185" 13/ 178، ومسلم "7113" 3/ 1337-1338، وأبو داود "3583" 3/ 301، والترمذي "1339" 3/ 624، والنسائي 8/ 233، و8/ 247، وفي الكبرى "5943" 3/ 468، و"5956" 3/ 472، و"5984-5985" 3/ 482، وابن ماجه "2317"، وأحمد 6/ 203, 290, 291، ومالك "1" 2/ 719، والحميدي "296" 1/ 142، وابن حبان "5070-5072" 11/ 459-462، وابن الجارود "999-1000" 3/ 254-255، والدارقطني في سننه 4/ 239-240، والبيهقي في سننه 10/ 143-149، والخطيب في تاريخه 4/ 100 و7/ 179، والبغوي في شرح السنة "2506" 10/ 110.(2/204)
قالوا: جبريل عن يمينه, وميكائيل عن يساره.
قال عمر: فأشهد أن الذي هو عدو للذي عن يمينه هو عدو للذي عن يساره، والذي هو عدو للذي عن يساره هو عدو للذي عن يمينه، وإنه من كان عدوا لهما فإنه عدو لله، ثم رجع عمر ليخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد جبريل قد سبقه بالوحي, فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ عليه: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 97-98] الآيات. فقال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك، فهذا مما صدق الله فيه قول عمر واحتجاجه1.
وهو باب من الاحتجاج لطيف مسلوك عند أهل النظر وتركنا إسناد هذا الخبر وسائر ما أوردناه من الأخبار في هذا الباب والباب الذي قبله وبعده لشهرتها في التفاسير والمصنفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الواحدي في أسباب النزول ص29-30، والطبري في تفسيره 1/ 478-479، والشعبي أرسل عن عمر. انظر جامع التحصيل ص204، ولكن للقصة شواهد وطرق يرتقي بها، انظر فتح الباري 8/ 166، والعجاب للحافظ ابن حجر بتحقيقنا عند الآية 97-98، من سورة البقرة.
فقد رواه الطبري 1/ 478 من طريق إسماعيل بن علية، عن داود نحوه. وفي طريق مجالد، عن الشعبي نحوه.
عند الطبري 1/ 479-480، وابن أبي حاتم 1/ 290-291، وانظر تفسير ابن كثير 1/ 131، ومجالد: ليس بالقوي.
انظر التقريب 2/ 229، والتهذيب 10/ 39-41، والكاشف 3/ 106، والشعبي أرسل عن عمر, كما سبق.
رواه الطبري 1/ 478-479 من طريق قتادة قال: ذكر لنا أن عمر... وفيه انقطاع.
ورواه 1/ 479 من طريق السدي قال: كانت لعمر أرض..
وانظر معالم التنزيل 1/ 96، والدر المنثور 1/ 90-91، وتفسير ابن كثير 1/ 131-132.(2/205)
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن آدم احتج مع موسى، قال صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى"1.
وقال جل وعز: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]، فأثنى على المؤمنين أهل الحق وذم أهل الكفر والباطل.
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في حمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث، وعلي بن أبي طالب، وعتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة.
934- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري، قال: حدثنا الحسن بن علي الرافعي، قال: حدثنا حاجب بن سليمان، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي هاشم الرماني، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، قال: سمعت أبا ذر يقسم: لنزلت هذه الآيات: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} إلى قوله: {صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]. في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر في علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "3409" 6/ 441، و"4738" 8/ 434-435، و"6614" 11/ 505، و"7515" 13/ 477، ومسلم "2652" 4/ 2042-2044، وأبو داود "4701" 4/ 226، والترمذي "2134" 4/ 444، والنسائي في الكبرى "10985-10986" 6/ 284-285، و"11060" 6/ 308، و"11130" 6/ 330، و"11186" 6/ 346، و"11187" 6/ 346، و"11329" 6/ 406، و"11443" 6/ 444، وابن ماجه "80"، وأحمد 2/ 248, 268, 314, 398، ومالك "1" 2/ 898، وابن أبي عاصم في السنة "139, 140, 141" 1/ 63-65، و"145- إلى- 160" 1/ 66-72، واللالكائي "552" 1/ 336-337، و"693" 2/ 413-414، و"1030, 1031, 1032, 1033, 1034, 1035" 2/ 581-584، وعبد الله في السنة ص73-74 "القديمة"، وعبد الرزاق "20067, 20068, 20069" 11/ 112-113، وابن خزيمة في التوحيد ص39، والآجري في الشريعة ص181، والبيهقي في الأسماء والصفات 2/ 44-45، والبغوي في شرح السنة "68-69" 1/ 124-125.
انظر شرح الحديث في "الاحتجاج بالقدر"، والفرقان ص136-137، لشيخ الإسلام ابن تيمية، وطريق الهجرتين ص115-172، وشفاء العليل لابن قيم الجوزية.(2/206)
عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة1.
- وتجادل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم السقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا، حتى صار الحق في أهله، وتناظروا بعد مبايعة أبي بكر في أهل الردة وفي فصول يطول ذكرها.
واحتجوا على أبي بكر بقول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". فقال أبو بكر: من حقها الزكاة، والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ولو منعوني عناقا -ويروى: عقالا- لقاتلتهم عليه2.
فبان لعمر وغيره من الصحابة الذين خالفوا أبا بكر في ذلك أن الحق معه فبايعوه.
وقوله, صلى الله عليه وسلم: "إلا بحقها" مثل قوله, عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].
935- وحدثني أحمد بن سعيد بن بشر, قال: حدثنا محمد بن أبي دليم، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا ابن ماهان، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: لما جمع أبو بكر أهل الردة قال: اختاروا مني حرباء مجلية أو سلما مخزية.
قالوا: أما الحرب المجلية فقد عرفناها فما السلم المخزية؟ قال: تدون قتلانا، ولا ندي قتلاكم.
فقام عمر بن الخطاب، فقال: قتلانا قتلوا في سبيل الله، لا يودون، وننزع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "3968, 3969, 4743". ومسلم "3033"، وابن ماجه "2835"، والنسائي في الكبرى -في التفسير- "361" 2/ 84-85، والواحدي ص308، والطبراني "2953" 3/ 164، والطبري 17/ 99، والبيهقي في الدلائل 3/ 72.
2 سبق(2/207)
عنكم الحلقة والكرام -يعني: السلاح والخيل- قاله ابن ماهان.
قال: وتلزمون أذناب الإبل حتى يُرِي اللهُ خليفةَ رسوله والمؤمنين ما شاء1.
936- وحدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا ابن دليم، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان الثوري، قال: حدثنا قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، فذكر مثله2.
937- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل, قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، حدثنا شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: قلت لحذيفة: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت المقدس؟
فقال: أنت تقول صلى فيه يا أصلع.
قلت: نعم. بيني وبينك القرآن.
قال حذيفة: هات، من احتج بالقرآن فقد أفلح، فقرأت عليه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]. فقال حذيفة: أين تجده صلى فيه، وذكر الحديث3.
- وناظر علي -رضي الله عنه- الخوارج حتى انصرفوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "7221" مختصرا، وابن أبي شيبة في المصنف "28945" 5/ 558، و"32731" 6/ 437-438، و"33110" 6/ 482، و"37054" 7/ 434، والبيهقي في 8/ 183-335، والخلال في السنة "475" 2/ 355، وأحمد في فضائل الصحابة "1698" 2/ 893، وانظر فتح الباري 13/ 210.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه الترمذي "3147" 5/ 307، والنسائي في تفسيره من الكبرى "300"، وأحمد 5/ 387, 390, 392, 394، وابن حبان "45" 1/ 233-234، والطيالسي "411"، وابن أبي شيبة 11/ 460-461 و14/ 306 "الهندية"، والطبري 15/ 15، والحاكم 2/ 359، والبيهقي في دلائل النبوة 2/ 364، وسنده حسن، لأجل عاصم بن بهدلة.(2/208)
- وناظرهم ابن عباس أيضا بما لا مدفع فيه من الحجة، من نحو كلام علي، ولولا شهرة ذلك وخشية طول الكتاب لاجتليت ذلك على وجهه.
938- حدثنا إبراهيم بن شاكر، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، قال: حدثنا سعيد بن خمير، وسعيد بن عثمان، قالا: حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح، قال: حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، قال: لما اجتمعت الحرورية يخرجون على علي، قال: جعل يأتيه الرجل فيقول: يا أمير المؤمنين القوم خارجون عليك.
قال: دعوهم حتى يخرجوا، فلما كان ذات يوم قلت: يا أمير المؤمنين، أبرد بالصلاة فلا تفتني حتى آتي القوم.
قال: فدخل عليهم وهم قائلون، فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر، وقد أثر السجود في جباههم، كأن أيديهم ثفن الإبل، عليهم قمص مرحضة. فقالوا: ما جاء بك يابن عباس وما هذه الحلة عليك؟ قال: قلت: ما تعيبون مني، فلقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن ما يكون من ثياب اليمنية، قال: ثم قرأت هذه الآية: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]. فقالوا: ما جاء بك؟
فقال: جئتكم من عند أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله، جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم.
قال بعضهم: لا تخاصموا قريشا، فإن الله يقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُون} [الزخرف: 58]، فقال بعضهم: بلى، فلنكلمنه. قال: فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة، قال: قلت: ماذا نقمتم عليه؟ قالوا: ثلاثا، فقلت: ما هن. قالوا: حكم الرجال في أمر الله وقال الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]. قال: قلت: هذه واحدة. وماذا أيضا؟
قال: فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم، ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسبيهم.(2/209)
قال: قلت: وماذا أيضا؟
قالوا: ومحا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
قال: قلت: أرأيتكم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله ما ينقض قولكم هذا أترجعون؟
قالوا: وما لنا لا نرجع؟
قال: قلت: أما حكم الرجال في أمر الله، فإن الله قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]. وقال في المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35]. فصير الله ذلك إلى حكم الرجال، فنشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وإصلاح ذات بينهم أفضل أو في حكم أرنب ثمن ربع درهم وفي بضع امرأة؟
قالوا: بلى هذا أفضل قال: أخرجت من هذه.
قالوا: نعم.
قال: فأما قولكم: قاتل، فلم يسب ولم يغنم، أفتسبون أمكم عائشة، فإن قلتم: نسبيها، فنستحل منها ما نستحل من غيرها، فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم، فأنتم ترددون بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: بلى.
قال: وأما قولكم: محا نفسه من إمرة المؤمنين، فأنا آتيكم بمن ترضون: إن نبي الله يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اكتب يا علي، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله, صلى الله عليه وسلم".
فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو: ما نعلم أنك رسول الله، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك.
قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اللهم تعلم أني رسولك، امح يا علي، واكتب: هذا(2/210)
ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو.
قال: فرجع منهم ألفان وبقي بقيتهم، فخرجوا فقتلوا أجمعين1.
939- حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري والشعبي وأصحاب علي، عن علي، أنه لما ظهر على البصرة يوم الجمل جعل لهم ما في عسكر القوم من السلاح، ولم يجعل لهم غير ذلك، فقالوا: كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ولا نساؤهم؟
قال: هاتوا سهامكم، فأقرعوا على عائشة، فقالوا: نستغفر الله فخصمهم علي وعرفهم أنها إذا لم تحل لم تحل بنوها، والصحيح أن عليا عليه السلام لم يغنم شيئا من أموال أهل الجمل وصفين إلا أن السلاح أمر بنزعها منهم ونقلها.
940- أخبرنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، قال: حدثنا هشام بن يحيى الغساني، عن أبيه، قال: خرجت الحرورية بالموصل، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز بمخرجهم فكتب إليّ يأمرني بالكف عنهم وأن أدعو رجالا منهم فأحملهم على مراكب من البريد حتى يقدموا على عمر فجادلهم، فإن يكونوا على الحق اتبعهم وإن يكن عمر على الحق اتبعوه وأمرني أن أرتهن منهم رجالا وأن أعطيهم رهنا يكون في أيديهم حتى تنقضي الأمور وأجلهم في سيرهم ومقامهم ثلاثة أشهر، فلما قدموا على عمر أمر بنزولهم، ثم أدخلهم عليه فجادلهم حتى إذا لم يجد لهم حجة رجعت طائفة منهم ونزعوا عن رأيهم وأجابوا عمر.
وقالت طائفة أخرى: لسنا نجيبك حتى تكفر أهل بيتك وتلعنهم وتتبرأ منهم.
فقال عمر: إنه لا يسعكم فيما خرجتم له إلا الصدق، أعلموني هل تبرأتم من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "4037" مختصرا، وأحمد 1/ 342، والحاكم 2/ 150-152 و4/ 182.(2/211)
فرعون أو لعنتموه أو ذكرتموه في شيء من أموركم.
قالوا: لا.
قال: فكيف وسعكم تركه ولم يصف الله عبدا بأخبث من صفته إياه؟ ولا يسعني ترك أهل بيتي ومنهم المحسن والمسيء والمخطئ والمصيب... وذكر الحديث1.
941- وأخبرنا أحمد، حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا نعيم، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سليم، أحد بني ربيعة بن حنظلة بن عدي، قال: بعثني وعون بن عبد الله بن عبد العزيز إلى خوارج خرجت بالجزيرة، فذكر الخبر في مناظرة عمر للخوارج وفيه قالوا: خالفت أهل بيتك وسميتهم الظلمة، فإما أن يكونوا على الحق أو يكونوا على الباطل فإن زعمت أنك على الحق وهم على الباطل فالعنهم وتبرأ منهم، فإن فعلت فنحن منك وأنت منا، وإن لم تفعل فلست منا ولسنا منك.
فقال عمر: إني قد علمت أنكم لن تتركوا الأهل والعشائر وتعرضتم القتل والقتال إلا وأنتم ترون أنكم مصيبون ولكنكم أخطأتم وضللتم وتركتم الحق، أخبروني عن الدين أواحد أو اثنان؟ قالوا: لا بل واحد.
قال: فليسعكم في دينكم شيء يعجز عني!
قالوا: لا.
قال: أخبروني عن أبي بكر وعمر، ما حالهما عندكم؟
قالوا: أفضل أسلافنا أبو بكر وعمر.
قال: ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما توفي ارتدت العرب فقاتلهم أبو بكر، فقتل الرجال وسبى الذرية والنساء؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر السنة لعبد الله "1502" 2/ 630-631.(2/212)
قالوا: بلى.
قال عمر بن عبد العزيز: فلما توفي أبو بكر قام عمر رد النساء والذراري على عشائرهم.
قالوا: بلى.
قال عمر: فهل تبرأ عمر من أبي بكر ولعنه بخلافه إياه؟
قالوا: لا.
قال: فتتولونهما على اختلاف سيرتهما؟ قالوا: نعم.
قال عمر: فما تقولون في بلال بن مرداس؟
قالوا: من خير أسلافنا بلال بن مرداس.
قال: أفلستم قد علمتم أنه لم يزل كافا عن الدماء والأموال وقد لطخ أصحابه أيديهم في الدماء والأموال. فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى.
قالوا: لا.
قال: فتتولونهما جميعا على اختلاف سيرتهما؟
قالوا: نعم.
قال عمر: فأخبروني عن عبد الله بن وهب الراسبي حين خرج من البصرة هو وأصحابه يريدون أصحابكم بالكوفة، فمروا بعبد الله بن خباب فقتلوه وبقروا بطن جاريته، ثم عدوا على قوم من بني قطيعة فقتلوا الرجال وأخذوا الأموال وغلوا الأطفال في المراجل وتأولوا قول الله: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27]، ثم قدموا على أصحابهم من أهل الكوفة وهم كافون عن الفروج والدماء والأموال فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى؟ قالوا: لا. قال عمر: فتتولونهما على اختلاف سيرتهما؟
قالوا: نعم.(2/213)
قال عمر: فهؤلاء الذين اختلفوا بينهم في السيرة والأحكام لهم يتبرأ بعضهم من بعض على اختلاف سيرتهم ووسعهم ووسعكم ذلك، ولا يسعني حين خالفت أهل بيتي في الأحكام والسيرة حتى ألعنهم وأتبرأ منهم، أخبروني عن اللعن أفرض على العباد؟
قالوا: نعم. قال عمر لأحدهما: متى عهدك بلعن فرعون؟
قال: ما لي بذلك عهد منذ زمان.
فقال عمر: هذا رأس من رءوس الكفر ليس لك عهد بلعنه منذ زمان، وأنا لا يسعني ألعن من خالفتهم من أهل بيتي... وذكر تمام الخبر1.
- قال أبو عمر: هذا عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- وهو ممن جاء عنه التغليظ في النهي عن الجدال في الدين، وهو القائل: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل2.
ولما اضطر وعرف الفلح في قوله ورجى أن يهدي الله به لزمه البيان فبين وجادل وكان أحد الراسخين في العلم, رحمه الله.
- قال بعض العلماء: كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلا يعني: أنه ليس كل عالم يتأتى له الحجة ويحضره الجواب ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة، ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء وأنفعهم مجالسة ومذاكرة والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قال أبو إبراهيم المزني -رحمه الله- لبعض مخالفيه في الفقه: من أين قلتم كذا وكذا ولِم قلتم كذا وكذا؟ فقال له الرجل: قد علمت يا أبا إبراهيم أنا لسنا لميّة.
فقال المزني: إن لم تكونوا لمية، فأنتم إذن في عمية.
942- أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يوسف بن أحمد إجازة، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه عبد الله في السنة "1540" 2/ 642 مختصرا.
2 سبق "902" قريبا.(2/214)
أبي جعفر العقيلي، قال: حدثنا محمد بن عتاب بن المربع، قال: سمعت العباس بن عبد العظيم العنبري، قال: كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي بن المديني راكبا على دابة، قال: فتناظرا في الشهادة، وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفاء، وكان أحمد يرى الشهادة وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف قام أحمد فأخذ بركابه.
وسمعت أحمد في ذلك المجلس يقول: لا ننظر بين أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما شجر بينهم ونكل أمرهم إلى الله، والحجة في ذلك حديث حاطب.
- قال أبو عمر: كان أحمد بن حنبل -رحمه الله- يرى الشهادة بالجنة لمن شهدها بدرا والحديبية، أو لمن جاء فيه أثر مرفوع على ما كان منهم من سفك دماء بعضهم بعضا. وكان علي بن المديني يأبى ذلك ولا يصحح في ذلك أثر.
وأما تناظر العلماء وتجادلهم في مسائل الأحكام من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أكثر من أن تحصى وسنذكر منها شيئا يستدل به.
قال زيد بن ثابت لعلي في المكاتب: أكنت راجمه لو زنى.
قال: لا.
قال: فكنت تجيز شهادته.
قال: لا.
قال: فهو عبد ما بقي عليه درهم1.
- وقد ذكر معمر، عن قتادة: أن عليا قال في المكاتب: يورث بقدر ما أدى.
- واحتج زيد أيضا على من خالفه من الصحابة إذ خاصموه في ذلك بأن المكاتبين كانوا يدخلون على أمهات المؤمنين ما بقي على أحد من كتابتهم شيء, وبقول زيد يقول فقهاء الأمصار2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.
2 سبق.(2/215)
- وناظر عبيد الله بن عمر أباه في المال الذي أعطاه إياه أبو موسى الأشعري هو وأخاه قال عبيد الله: لو تلف المال ضمناه، فلنا ربحه بالضمان.
- قال سليمان بن يسار في الحامل تلد ولدا ويبقى في بطنها ولد آخر: إن لزوجها عليه الرجعة. وقال عكرمة: لا رجعة له عليها؛ لأنها قد وضعت.
فقال له سليمان: أيحل لها أن تتزوج.
قال: لا.
قال: خصم العبد.
- وقال ابن عباس: ليتق الله زيد أيجعل ولد الولد بمنزلة الولد، لا يجعل أبا الأب بمنزلة الأب، إن شاء باهلته عند الحجر الأسود1.
- وعن ابن عباس: من شاء باهلته أن الظهار ليس من الأمة، إنما قال الله: {مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3].
وقيل لمجاهد في هذه المسألة أليس الله -جل وعز- يقول: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3]، فليس الأمة من النساء. فقال مجاهد: قد قال الله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] أفليس العبد من الرجال؟ أفتجوز شهادته2.
يقول: كما أن العبد من الرجال غير المراد بالشهادة، فكذلك الأمة من النساء غير المراد بالظهار.
وهذا عين القياس.
وناظر أبو هريرة عبد الله بن سلام في الساعة التي في يوم الجمعة على حسب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.
2 ذكره الجصاص في أحكام القرآن 3/ 564 "العلمية"، وانظر أقوال أهل العلم في هذه المسألة: أحكام الجصاص 3/ 564، والإشراف 3/ 237.(2/216)
ما ذكره مالك في موطئه1.
- وناظر سعيد بن المسيب ربيعة في أصابع المرأة.
- وناظر عمر بن الخطاب أبا عبيدة في حديث الطاعون قوله: أرأيت لو كانت لك إبل هبطت بها واديا... الحديث2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "1046" 1/ 274-275، والترمذي "491" 2/ 362-363، والنسائي في الكبرى "1754" 1/ 540-541، وفي المجتبى 3/ 113-115، ومالك في الموطأ "16" 1/ 108-110، وأحمد 2/ 486، والطيالسي "2363" ص311-312، وعبد الرزاق في المصنف "5583" 3/ 264، وابن عدي في الكامل 1/ 48، وابن خزيمة "1738" 3/ 120، وابن حبان "2772" 7/ 7-8، والحاكم في المستدرك 1/ 278، والطبراني في الدعاء "186" 2/ 862-863، والبيهقي في فضائل الأوقات "251" ص462-464، والمقدسي في الترغيب في الدعاء "42" ص80-82 بتحقيقنا، والبغوي في شرح السنة "1050" 4/ 206-208، من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وفي سنده محمد بن إسحاق، وقد عنعنه، وتابعه قيس بن سعد عند الطبراني في الدعاء، والطيالسي.
ويزيد بن الهاد: عند البقية، فيرتقي الحديث لدرجة الصحيح لغيره، والله أعلم بالصواب.
- ورواه من طريق عون بن عبد الله بن عتبة، عن أخيه عبيد، عن أبي هريرة: الإسماعيلي في معجمه "221" 2/ 590-591 ورجاله ثقات.
- ورواه من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة بالقصة مختصرة: الدارمي "1569" 1/ 443-444.
وأصل الحديث بدون القصة، وبدون تعيين الساعة في صحيح البخاري وغيره من طرق عن أبي هريرة.
وانظر تفصيلها، والخلاف حول تعيين الساعة يوم الجمعة في فتح الباري 2/ 416-419.
2 رواه البخاري "5729" 10/ 189، ومسلم "2219" 4/ 1740-1741، ومالك في الموطأ "894" 2/ 22، والنسائي في سننه الكبرى "7521" 4/ 2362.
والبزار في مسنده "989-990" 3/ 203-206، وأبو يعلى "837" 2/ 149-150، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 303-304، والشاشي "235" 1/ 263-268 و"237" 1/ 269-270، وابن حبان في صحيحه "2953" 7/ 218-219، والبيهقي 3/ 376 و7/ 217-218، وابن عساكر في تاريخ دمشق 4/ 21-22، والبرتي في مسند عبد الرحمن بن عوف "1" ص27-29.(2/217)
وهذا أكثر من أن يحصى.
وفي قول الله, عز وجل: {فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران: 66] دليل على أن الاحتجاج بالعلم مباح سائغ لمن تدبر.
- ومن مليح الاحتجاج والكر على الخصم ما روى حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، أن الأحنف بن قيس كان يكره الصلاة في المقصورة، فقال له رجل: يا أبا بحر لم لا تصلي في المقصورة؟
قال له الأحنف: وأنت لِم تصل فيها. قال: لا أترك.
قال الأحنف: فلذلك لا أصلي فيها. وهذا ضرب من الاحتجاج وإلزام الخصم بديع.
- وقال المزني: لا تعدو المناظرة إحدى ثلاث: إما تثبيت لما في يديه، أو انتقال من خطأ كان عليه، أو ارتياب فلا يقدم من الدين على شك.
قال: وكيف ينكر المناظرة من لم ينظر فيما به بردها. قال: وحق المناظرة أن يراد بها الله -عز وجل- وأن يقبل منها ما يتبين.
- وقالوا: لا تصح المناظرة ويظهر الحق بين المتناظرين حتى يكونا متقاربين أو متساويين في مرتبة واحدة من الدين والفهم والعقل والإنصاف، وإلا فهو مراء ومكابرة.
- وقال سليمان بن عمران: سمعت أسد بن الفرات يقول: بلغني أن قوما كانوا يتناظرون بالعراق في العلم، فقال قائل: من هؤلاء؟
فقيل: قوم يقتسمون ميراث رسول الله, صلى الله عليه وسلم1.
- وذكر ابن مزين، قال: حدثنا عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، قال: قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص51، وانظر المحرر والوجيز 1/ 37، وجامع الأصول 1/ 291-292، ومجمع الزوائد 1/ 123-124.(2/218)
عمر بن عبد العزيز: رأيت ملاحاة الرجال تلقيحا لألبابهم.
- قال مالك: وقال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحدا لاحى الرجال إلا أخذ بجوامع الكلم.
قال يحيى بن مزين: يريد بالملاحاة هنا: المخاوضة والمراجعة على وجه التعليم والتفهم والمدارسة، والله أعلم.
943- أخبرنا عيسى بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، قال: سمعت أبا أحمد بن بليل الزعفراني، يقول: سمعت عليّ بن عبد العزيز، يقول: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام، يقول: ما ناظرت قط رجلا مفننا في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجل ذو فن واحد من العلم إلا غلبني فيه1.
944- أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا محمد بن رمضان بن شاكر، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: ما رأيت أحدا يناظر الشافعي، إلا رحمته لما أرى من مقامه بين يدي الشافعي2.
945- أخبرنا خلف، قال: حدثني عيسى، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن آدم، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: لو رأيت الشافعي يناظر لظننت أنه سبع يأكلك3.
946- حدثنا خلف، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن آدم، قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: الشافعي علم الناس الحجج4.
947- قال: وسمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: رحم الله الشافعي، لولاه ما عرفت ما القياس.
قال: والرد على غير الشافعي لمن حاوله سهل عليه، والرد عليه صعب مرامه1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "505".
2 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 115-116، والبيهقي في مناقب الشافعي 1/ 209.
3 رواه ابن عبد الهادي في مناقب الأئمة الأربعة ص117، والبيهقي في مناقب الشافعي 1/ 208، وانظر سير أعلام النبلاء 10/ 50.
4 رواه البيهقي في مناقب الشافعي 1/ 208.(2/219)
69- باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع:
قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] وروي عن حذيفة وغيره قالوا: لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم2.
وقال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب، فقال لي: "يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك"، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال: قلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا؟ قال: "بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟" فقلت: بلى.
فقال: "تلك عبادتهم"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن عبد البر في الانتقاء ص73 وص89.
2 رواه ابن أبي حاتم "10058" 6/ 1784 عن حذيفة. ثم قال: وروى عن أبي العالية وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين والضحاك والسدي نحو ذلك.
ورواه الطبري "16649, 16650, 16651, 16653, 16658" 6/ 354-355. ورواه "16655-16656" 6/ 355 عن ابن عباس، و"16657" 6/ 355 عن أبي العالية. والبيهقي 10/ 116، وفي المدخل "258-259" ص209، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 67.
3 رواه الترمذي "3095" 5/ 278، والطبري في تفسيره "16646, 16647, 16648" 6/ 354، وابن أبي حاتم في تفسيره "10057" 6/ 1784، والبخاري في تاريخه 7/ 106، والبيهقي 10/ 116، وفي المدخل "261" ص209-210، والطبراني "218-219" 17/ 92، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 66-67.
قلت: سنده ضعيف. فيه: غطيف بن أعين: قال الترمذي: ليس بمعروف في الحديث، وضعفه الدارقطني. انظر التهذيب 8/ 251، والتقريب 2/ 106.(2/220)
948- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، في قوله -عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال: أما إنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكنهم أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله، فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية1.
949- قال: وحدثنا ابن وضاح، حدثنا موسى بن معاوية، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان والأعمش جميعا، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري، قال: قيل لحذيفة في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] أكانوا يعبدونهم؟
فقال: لا، ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه، ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه2.
وقال جل وعز: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 23-24] فمنهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] وفي هؤلاء ومثلهم قال الله, جل وعز: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]. وقال: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 166-167].
وقال -جل وعز- عائبا لأهل الكفر وذاما لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبري في تفسيره "16652" 6/ 355.
2 سبق تخريجه قريبا.(2/221)
عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52-53].
وقال: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] ومثل هذا في القرآن من ذم تقليد الآباء والرؤساء، وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليديين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب فقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه.
وقال الله, جل وعز: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا وفي ثبوته إبطال التقليد -أيضا- فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي الكتاب والسنة، أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك.
950- أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن عمر بن محمد العثماني بالمدينة، قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة، قال: حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة".
قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: "أخاف عليهم من: زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني في المعجم الكبير "14" 7/ 17، والبزار في مسنده "182" 1/ 103 كشف الأستار. والبيهقي في المدخل "830" ص442.
قلت: سنده ضعيف جدا، فيه: كثير بن عبد الله بن عوف: متروك. وانظر مجمع الزوائد 1/ 187 و5/ 239.(2/222)
951- وبهذا الإسناد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله"1.
952- حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثني موسى، قال: حدثنا ابن مهدي، عن إسرائيل، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن زياد بن حدير، قال: قال عمر: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون2.
953- وبه عن ابن مهدي، عن جعفر بن حيان، عن الحسن، قال: قال أبو الدرداء: إن فيما أخشى عليكم: زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حق، وعلى القرآن منار كأعلام الطريق.
954- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن عثمان الآدمي، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: حدثنا محمد بن بشر العبدي، قال: حدثنا مجالد، عن عامر، عن زياد بن حدير، قال: قال عمر بن الخطاب: ثلاث يهدمن الدين: زيغة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون3.
- وذكر ابن مزين، عن أصبغ، عن جرير الضبي، عن المغيرة، عن الشعبي، عن زياد بن حدير, قال: أتيت عمر بن الخطاب... فذكر معناه4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "724".
2 رواه الدارمي "214" 1/ 82. وابن المبارك في الزهد ص520، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 234، والبيهقي في المدخل "833" ص443.
3 انظر التعليق السابق.
4 رواه أبو داود "4611"، والدارمي "205"، والفسوي 2/ 320-322، وأبو نعيم في الحلية 1/ 233 و9/ 332، والبيهقي في المدخل "834" ص442، واللالكائي "116-117" 1/ 88-89، وعبد الرزاق "20750"، وابن وضاح في البدع ص26، والآجري في الشريعة ص47-48.(2/223)
- قال: وحدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن ابن شهاب، أن معاذ بن جبل، كان يقول في مجلسه كل يوم قل ما يخطئه أن يقول ذلك: الله حكم قسط هلك المرتابون، إن وراءكم فتنا يكثر من المال، ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي والأسود والأحمر، فيوشك أحدهم أن يقول: قد قرأت القرآن، فما أظن أن تتبعوني حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن كل بدعة ضلالة، وإياكم وزيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، وإن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به، فإن على الحق نورا.
قالوا: وكيف زيغة الحكيم؟
قال: هي الكلمة تروعكم وتنكرونها، وتقولون: ما هذه؟ فاحذروا زيغته، ولا يصدنكم عنه، فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق، وإن العلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة فمن ابتغاهما وجدهما1.
955- أخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا ابن مهدي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: قال معاذ بن جبل: يا معشر العرب، كيف تصنعون بثلاث: دنيا تقطع أعناقكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن.
فسكتوا، فقال: أما العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وإن افتتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتتن ثم يتوب، وأما القرآن فله منار كمنار الطريق لا تخفى على أحد فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه وما شككتم فكلوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله الغنى في قلبه فقد أفلح ومن لا فليس بنافعته دنياه2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الحاكم في المستدرك 4/ 513، والطبراني في المعجم الكبير "228" 20/ 115-116، ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا "37" ص23 مختصرا موقوفا وروي مرفوعا. والصحيح أنه موقوف انظر العلل للدارقطني 6/ 81.
2 انظر التعليق السابق.(2/224)
956- أخبرنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو سعيد البصري بمكة، قال: حدثنا الحسن بن عفان العامري، قال: حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة, عن عطاء بن السائب, عم أبي البختري, قال: قال سلمان: كيف أنتم عند ثلاث: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، ودنيا تقطعه أعناقكم، فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، وأما مجادلة منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق فلما عرفتم منه فخذوه وما لم تعرفوه فكلوه إلى الله، وأما دنيا تقطع أعناقكم فانظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم.
- وشبه الحكماء زلة العالم بانكسار السفينة، لأنها إذا غرقت غرق معها خلق كثير. وإذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه.
957- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال سمعت سفيان -يعني: ابن عيينة- يحدث عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان يقول: اغد عالما أو متعلما ولا تغد إمعة فيما بين ذلك1.
958- قال ابن وهب: فسألت سفيان عن الإمعة؟ فحدثني عن أبي الزعراء، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، قال: كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية: الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بغيره، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال2.
959- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن أحمد، قال: حدثنا أسلم بن عبد العزيز، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، أنه كان يقول: اغد عالما، أو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الطبراني "8752" 9/ 163، والفسوي "الملحق" 3/ 399، وأبو خيثمة في العلم "1" ص6، والبيهقي في المدخل "378" ص267، وانظر مجمع الزوائد 1/ 122.
2 رواه الطبراني "8766" 9/ 167، والبزار 1/ 314، وانظر مجمع الزوائد 4/ 56، والبيهقي في المدخل عقيب "378" ص268.(2/225)
متعلما، ولا تغد إمعة فيما بين ذلك1.
960- وبه عن يونس، أخبرنا سفيان، قال: وحدثني أبو الزعراء، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، أنه قال: كنا ندعوا الإمعة في الجاهلية، الذي يدعى إلى الطعام فيذهب معه بآخر، وهو فيكم اليوم المحقب دينه الرجال2.
961- وحدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد وسعيد، قالا: حدثنا يونس... فذكر الخبرين جميعا بإسنادهما سواء3.
962- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن قاسم، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي، قال: حدثنا محمد بن سليمان الأسدي، قال: حدثنا حماد بن زيد, عن المثنى بن سعيد، عن أبي العالية الرياحي، قال: سمعت ابن عباس، يقول: ويل للأتباع من عثرات العالم.
قيل: كيف ذلك؟
قال: يقول العالم شيئا برأيه، ثم يجد من هو أعلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه فيترك قوله ذلك ثم تمضي الأتباع4.
- وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لكميل بن زياد النخعي, وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغنى عن الإسناد لشهرته عندهم: يا كميل إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير، والناس ثلاثة: فعالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 انظر التعليق السابق.
3 سبق تخريجه.
4 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 14، والبيهقي في المدخل "835-836" ص445، وابن حزم في الإحكام 6/ 257.(2/226)
ثم قال: إن ههنا لعلما -وأشار بيده إلى صدره- لو أصبت له حملة لقد أصبت لقنا غير مأمون، يستعمل الدين للدنيا، ويستظهر بحجج الله على كتابه وبنعمه على معاصيه، أف لحامل حق لا بصيرة له ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا يدري أين الحق إن قال: أخطأ، وإن أخطأ لم يدر, مشغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن افتتن به، وإن من الخير كله من عرفه الله دينه، وكفى بالمرء جهلا أن لا يعرف دينه1.
963- أخبرنا أبو نصر هارون بن موسى، قال: حدثنا أبو علي إسماعيل بن القاسم، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري، قال: حدثنا محمد بن علي المديني، قال: حدثنا أبو الفضل الربعي الهاشمي، قال: حدثنا نهشل بن دارم، عن أبيه، عن جده، عن الحارث الأعور, قال: سئل علي بن أبي طالب عن مسألة فدخل مبادرا، ثم خرج في حذاء ورداء، وهو متبسم.
فقيل له: يا أمير المؤمنين إنك كنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسكة المحماة؟
قال: إني كنت حانقا ولا رأي لحاقن، ثم أنشأ يقول:
إذا المشكلات تصدين لي كشفت حقائقها بالنظر
فإن برقت في مخيل الصوا ب عمياء لا يجتليها البصر
مقنعة بغيوب الأمور وضعت عليها صحيح الفكر
لسانا كشقشقة الأرحبي أو كالحسام اليماني الذكر
وقلبا إذا استنطقته الفنون أبرَّ عليها بواه درر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من وصية طويلة للإمام علي أوصاها لكميل، وهي جامعة مانعة. رواها أبو نعيم في الحلية 1/ 79-80، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 49-50، والنهرواني في الجليس الصالح 3/ 331، والشجري في أماليه "1/ 66، والمزي في تهذيب الكمال 3/ 1150 "دار المأمون". والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 11، وانظر شرحها في مفتاح دار السعادة 1/ 403-405.(2/227)
ولست بإمعة في الرجا ل يسائل هذا وذا: ما الخبر
ولكنني مذرب الأصغرين أبيّن معْ ما مضى ما غبر
قال أبو علي: المخيل: السحاب يخال فيه المطر.
والشقشقة: ما يخرجه الفحل من فيه عند هياجه ومنه قيل لخطباء الرجال: شقاشق.
وأبر: زاد على ما تستنطقه.
والإمعة: الأحمق الذي لا يثبت على رأي.
والمذرب: الحاد.
وأصغراه: قلبه ولسانه1.
- قال أبو عمر: من الشقاشق ما:
964- حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا محمد بن محمد، قال: حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، قال: حدثنا حميد، عن أنس، أن عمر رأى رجلا يخطب فأكثر، فقال عمر: إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان2.
965- حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا بكر بن حماد، قال: حدثنا بشر بن حجر، قال: حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن عطاء -يعني: ابن السائب- عن أبي البختري، عن علي، قال: إياكم والاستنان بالرجال، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، ثم ينقلب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو علي القالي في أماليه 2/ 101، وفي المطبوعة: كالمسلة. والمثبت من الأمالي.
2 رواه البخاري في الأدب المفرد "876" ص302، وأبو عبيد في غريب الحديث 3/ 296-297. وانظر الجامع الكبير للسيوطي "1524" والفائق 1/ 671، والنهاية 3/ 438 "العلمية"، وانظر ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم "26295" 5/ 300 عن ابن عمر.(2/228)
لعلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فينقلب لعلم الله فيعمل بعمل أهل الجنة فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بد فاعلين فبالأموات لا بالأحياء1.
- وقال ابن مسعود: ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر2.
- وأنشد الصولي، عن المراغي، قال: أنشدني أبو العباس الطبري، عن أبي سعيد الطبري، قال: أنشدني الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي رضي الله عنه لنفسه، وكان أفضل أهل زمانه:
تريد تنام على ذي الشبه وعلك إن نمت لم تنتبه
فجاهد وقلد كتاب الإله لتلقى الإله إذا مت به
فقد قلد الناس رهبانهم وكل يجادل عن راهبه
وللحق مستنبط واحد وكل يرى الحق في مذهبه
ففيما أرى عجب غير أن بيان التفرق من أعجبه
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما قد ذكرناه في كتابنا هذا أنه قال: "تذهب العلماء، ثم تتخذ الناس رءوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون"3.
وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدي لرشده.
966- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: اضطجع ربيعة مقنعا رأسه وبكى.
فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: رياء ظاهر، وشهوة خفية، والناس عند علمائهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى آخره اللالكائي "131" 1/ 93 عن ابن مسعود.
2 رواه اللالكائي "130" 1/ 93. والطبراني في الكبير "8764" 9/ 166.
3 سبق "534، 535، 536" 1/ 294-295.(2/229)
كالصبيان في حجور أمهاتهم، ما نهوهم عنه انتهوا، وما أمروهم به ائتمروا.
- وقال أيوب, رحمه الله: ليس تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره1.
- وقال عبد الله بن المعتز: لا فرق بين بهيمة تقاد وإنسان يقلد.
وهذا كله لغير العامة فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم2.
ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله, عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا, وذلك -والله أعلم- لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم، وقد نظمت في التقليد وموضعه أبياتا رجوت في ذلك جزيل الأجر لما علمت أن من الناس من يسرع إليه حفظ المنظوم ويتعذر عليه المنثور، وهي من قصيدة لي:
يا سائلي عن موضع التقليد خذ عني الجواب بفهم لب حاضر
واصغ إلى قولي ودن بنصيحتي واحفظ علي بوادري ونوادري
لا فرق بين مقلد وبهيمة تنقاد بين جنادل ودعائر
تبا لقاضٍ أو لمفتٍ لا يرى عللا ومعنى للمقال السائر
فإذا اقتديت فالبكتاب وسنة المـ ـبعوث بالدين الحنيف الطاهر
ثم الصحابة عند عدمك سنة فأولئك أهل نهى وأهل بصائر
وكذاك إجماع الذين يلونهم من تابعيهم كابرا عن كابر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 3/ 9، وقد سبق.
2 انظر الفقيه والمتفقه 2/ 66-70.(2/230)
إجماع أمتنا وقول نبينا مثل النصوص لذي الكتاب الزاهر
وكذا المدينة حجة إن أجمعوا متتابعين أوائلا بآواخر
وإذا الخلاف أتى فدونك فاجتهد ومع الدليل فمل بفهم وافر
وعلى الأصول فقس فروعك لا تقس فرعا بفرع كالجهول الحائر
والشر ما فيه فديتك أسوة فانظر ولا تحفل بزلة ماهر
967- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن بكر بن عمرو، عن عمرو بن أبي نعيمة، عن أبي عثمان مسلم بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشار أخاه فأشار عليه بغير رشده فقد خانه، ومن أفتى بفتيا عن غير تثبت فإنما إثمها على من أفتاه"1.
- وهذا الحديث في موضع آخر من كتاب العلم في جامع ابن وهب قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن بكر، عن عمرو بن أبي نعيمة، عن أبي عثمان الطنبذي رضيع عبد الملك بن مروان، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم... فذكره سواء: فمرة قال يحيى بن أيوب.
ومرة قال: سعيد بن أيوب.
وخرجه أبو داود من حديث ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، بإسناده المذكور2.
968- وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن عمرو بن أبي نعيمة المعافري، أن عثمان الطنبذي، حدثه أنه سمع أبا هريرة, يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "857".
2 سبق "857".(2/231)
"من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر وهو يعلم أن غيره أرشد منه فقد خانه"1.
وكان أبو عثمان رضيع عبد الملك بن مروان.
969- وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا سعيد بن أحمد بن عبد ربه، قال: حدثنا أسلم بن عبد العزيز, قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سنان الشيباني، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه2.
- وقد احتج جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية بعد ما تقدم، فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني -رحمه الله- وأنا أورده3، قال: يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فيما حكمت به؟ فإن قال: نعم. أبطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد، وإن قال: حكمت فيه بغير حجة.
قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج وأتلفت الأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة؟
قال الله, جل وعز: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [يونس: 68] بهذا، أي: من حجة بهذا، قال: فإن قال: أنا أعلم أني قد أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ لأني قلدت كبيرا من العلماء، وهو لا يقول إلا بحجة خفيت علي.
قيل له: إذا جاز لك تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك، فإن قال: نعم. ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن أبى ذلك نقض قوله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "857".
2 سبق "858".
3 انظر الفقيه والمتفقه 2/ 60-70.(2/232)
وقيل له: كيف تجوز تقليد من هو أصغر منك وأقل علما، ولا تجز تقليد من هو أكبر وأكثر علما وهذا متناقض؟
فإن قال؛ لأن معلمي وإن كان أصغر، فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصر بما أخذ وأعلم بما ترك.
قيل له: وكذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمه فيلزمك تقليده وترك تقليد معلمك؛ وكذلك أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك؛ لأنك جمعت علم معلمك وعلم من فوقه إلى علمك، فإن أعاد قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليد التابع والتابع من دونه في قياس قوله، والأعلى الأدنى أبدا، وكفى بقول يئول إلى هذا قبحا وفسادا.
- قال أبو عمر: وقال أهل العلم والنظر حد العلم: التبيين وإدراك المعلوم على ما هو به، فمن بان له الشيء فقد علمه. قالوا: والمقلد لا علم له ولم يختلفوا في ذلك، ومن ههنا والله أعلم قال البختري محمد بن عبد الملك الزيات:
عرف العالمون فضلك بالعلم وقال الجهال بالتقليد
وأرى الناس مجمعين على فضلك من بين سيد ومسود
- وقال أبو عبد الله بن خويز بنداد البصري المالكي: التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة.
- وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك، فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله، فأنت متبعه والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.
- وذكر محمد بن حارث في أخبار سحنون بن سعيد، عن سحنون، قال: كان(2/233)
مالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذووه لم يجبهم، فتعرض له ابن دينار يوما، فقال له: يا أبا بكر، لِم تستحل مني ما لا يحل لك؟
قال له: أيابن أخي، وما ذاك؟
قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما، وأسألك أنا وذوي فلا تجيبنا؟
فقال: أوقع ذلك يابن أخي في قلبك؟
قال: نعم، إني قد كبرت سني ورق عظمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني، ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان إذا سمعا مني حقا قبلا، وإذا سمعا خطأ تركاه، وأنت وذووك ما أجبتكم به قبلتموه.
قال محمد بن حارث: هذا والله هو الدين الكامل، والعقل الراجح، لا كمن يأتي بالهذيان ويريد أن ينزل من القلوب منزلة القرآن.
- قال أبو عمر1: يقال لمن قال بالتقليد: لِم قلت به وخالفت السلف في ذلك فإنهم لم يقلدوا؟ فإن قال: قلدت؛ لأن كتاب الله -جل وعز- لا علم لي بتأويله، وسنة رسوله لم أحصها، والذي قلدته قد علم ذلك فقلدت من هو أعلم مني.
قيل له: أما العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلدت فيه بعضهم دون بعض، فما حجتك في تقليد بعض دون بعض، وكلهم عالم؟ ولعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه.
فإن قال: قلدته لأني علمت أنه صواب.
قيل له: علمت ذلك بدليل من كتاب، أو سنة، أو إجماع، فقد أبطل التقليد، وطولب بما ادعاه من الدليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر الاتباع ص82-84.(2/234)
وإن قال: قلدته؛ لأني أعلم منه.
قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خلقا كثيرا، ولا تخص من قلدته إذ علتك فيه أنه أعلم منك، وتجدهم في أكثر ما ينزل بهم من السؤال مختلفين فلم قلدت أحدهم؟!!
فإن قال: قلدته؛ لأنه أعلم الناس.
قيل له: فهو إذًا أعلم من الصحابة. وكفى بقول مثل هذا قبحا، وإن قال: إنما أقلد بعض الصحابة.
قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم، ولعل من تركت قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله على أن القول لا يصح لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
- وقد ذكر ابن مزين، عن عيسى بن دينار، عن ابن القاسم، عن مالك، قال: ليس كلما قال رجل قولا وإن كان له فضل يتبع عليه، يقول الله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] فإن قال: قصري وقلة علمي يحملني على التقليد.
قيل له: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام شريعته عالما بما يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره به فمعذور؛ لأنه قد أتى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله ولا بد له من تقليد عالمه فيما جهله، لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك، ولكن من كانت هذه حاله هل تجوز له الفتوى في شرائع دين الله فيحمل غيره على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك وتصييرها إلى غير من كانت في يديه بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه؟!! وهو مقر أن قائله يخطئ ويصيب، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما خالفه فيه. فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه أن يجيزه للعامة، وكفى بهذا جهلا وردا للقرآن.
قال الله, جل وعز: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].(2/235)
وقال: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].
وقد أجمع العلماء أن ما لم يتبين ويستقن فليس بعلم، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وقد مضى في هذا الباب عن النبي, صلى الله عليه وسلم1.
- وعن ابن عباس2 فيمن أفتى بفتيا وهو يعمى عنها أن إثمها عليه.
- وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث"3.
ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد، فأغنى ذلك عن الإكثار.
970- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: حدثنا أبو حفص حرملة بن يحيى، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو عثمان بن سنة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العلم بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى يومئذ للغرباء"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "857".
2 سبق "858".
3 رواه البخاري "5143, 6064, 6066, 6724"، ومسلم "2563" وأبو داود "4917"، وأحمد 2/ 245, 312, 342, 465, 470, 482, 492, 504, 517, 539، ومالك 2/ 907-908، وعبد الرزاق "20228"، وابن حبان "5687" 12/ 499-500، والبيهقي 6/ 85 و7/ 180، و8/ 333 و10/ 231، والبغوي "3533-3534".
4 رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات المسند "4/ 73-74. وابن قانع في الصحابة 2/ 171، والطبراني، وابن وضاح "188" ص136، وابن الأثير في أسد الغابة 3/ 457، والخطابي في غريب الحديث 1/ 176، وهو مرسل:
1- عبد الرحمن بن سنة: ذكره ابن حبان في الصحابة فقال: له رؤية. وقال البخاري: حديث ليس بالقائم. انظر تعجيل المنفعة ص168، والإصابة 2/ 401، والجرح 5/ 238، والآحاد والمثاني 5/ 293، والتقريب 2/ 449، والتهذيب 12/ 162.
2- وفي سنده عنده -أيضا- إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: متروك. انظر التقريب 1/ 509، والكاشف 1/ 63، والمغني 1/ 71، والكامل 1/ 326-329. وانظر مجمع الزوائد 7/ 278، وانظر ما بعده.(2/236)
971- قال أبو بكر بن محمد بن علي بن مروان: وحدثني سعيد بن داود بن أبي زنبر، قال: حدثني مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، في قول الله, جل وعزل: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 76] قال: بالعلم1.
972- حدثنا خلف بن القاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا زكريا بن عبد الله، حدثنا الحنيني، عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء".
قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟
قال: "الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله"2.
- وكان يقال: العلماء غرباء لكثرة الجهال
70- باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث دون التفهم له والتفقه فيه:
973- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن أبي حاتم في تفسيره "1828" 7/ 2176-2177، وقد سبق برقم "582"، وانظر تفسير الطبري 7/ 262.
2 جزء من حديث رواه الترمذي "2630" 5/ 18، والخطيب في الجامع "90" 1/ 166-167، والبزار في مسنده، حديث "3397" 8/ 322، والطبراني "11" 17/ 16، والقضاعي "1052" 2/ 138، والبيهقي في الزهد الكبير "205" 2/ 117. وكثير: ضعيف. ومنهم من نسبه إلى الكذب. انظر التقريب 2/ 132، والكاشف 3/ 5، والتهذيب 8/ 421-423.
قلت: وأصل الحديث عند مسلم وغيره، وفي الباب عن أبي هريرة. وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر، وأنس، وابن عمرو، وأبي الدرداء.
انظر تخريجها في تخريجنا لسنن ابن ماجه "3986"، وكتاب الغرباء للآجري بتحقيق الأخ الفاضل بدر البدر، وشيخنا -رحمه الله تعالى- في صحيحته "1273".(2/237)
حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن بيان، عن الشعبي، عن قرظة بن كعب، قال: خرجنا فشيعنا عمر إلى صرار، ثم دعا بماء فتوضأ ثم قال لنا، أتدرون لم خرجت معكم؟
قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا.
قال: إن مع ذلك لحاجة خرجت لها إنكم تأتون بلدة لأهلها دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شريككم.
قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم1.
974- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن بيان، عن الشعبي، عن قرظة، أن عمر قال له: أقل الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا شريككم2.
975- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون بن سعيد، قال: حدثنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن بيان، عن عامر الشعبي، عن قرظة بن كعب ح:
وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن حمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان، عن بيان، عن عامر الشعبي، عن قرظة بن كعب -ولفظهما سواء- قال: خرجنا نريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار فتوضأ. فغسل اثنتين، ثم قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن ماجه "28"، والدارمي "279-280" 1/ 97، والحاكم في المستدرك 1/ 102، والمحاملي في الأمالي "230" ص238، والرامهرمزي في المحدث الفاصل "744" ص553 مختصرا، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص88، والطبراني في الأوسط "1982" 2/ 279, و"2117" 2/ 326, وابن قانع في معجم الصحابة 2/ 366, وابن سعد في الطبقات "6/ 7، وأحمد في العلل 1/ 258، وسنده صحيح لغيره.
2 انظر التعليق السابق.(2/238)
أتدرون لم مشيت معكم، قالوا: نعم، نحن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشيت معنا.
فقال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جودوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امضوا وأنا شريككم.
فلما قدم قرظة قالوا: حدثنا؟ قال: نهانا عمر بن الخطاب1.
976- قال ابن وهب: وحدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء يجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمعني وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسرد الحديث كسردكم2.
977- أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد، عن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان يقول: لو أحدثكم بكل ما أعلمه لرميتموني بالقشع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه البخاري معلقا "3568" 6/ 567، ومسلم "2493" 4/ 1940، وأبو داود "3655" 3/ 320، وأحمد في المسند 6/ 118-157، وأبو يعلى في مسنده "4393" 7/ 357"، وابن حبان "100" 1/ 302، و"7153" 16/ 104-105، والخطيب في الجامع "1002" 1/ 650 من طريق يونس به.
ورواه من طريق ابن عيينة عن الزهري، عن عروة به. نحوه: البخاري "3567" 6/ 567، وأبو داود "3654" 3/ 320، وأبو يعلى في مسنده "4677" 8/ 136-137، والبغوي في الشمائل "332" 1/ 265.
ورواه من طريق ابن عيينة، عن عروة, بدون ذكر الزهري، نحوه: مسلم "2493" 4/ 2298. ورواه من طريق أسامة بن زيد، عن الزهري, عن عروة نحوه: أبو داود "4839" 4/ 261، والترمذي "3639" 5/ 600، وفي الشمائل "223" ص281-282 بتحقيقنا، والنسائي في عمل اليوم والليلة "412-413" ص314-315، وأحمد 6/ 138-257، وأبو الشيخ في أخلاق النبي, صلى الله عليه وسلم ص83، وابن سعد في الطبقات 1/ 375، والبيهقي في سننه 3/ 207، والبغوي في الشمائل "333" 1/ 265، والخطيب في الجامع "1003" 6501.(2/239)
978- قال أبو داود: وحدثنا أحمد، عن كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: والذي نفسي بيده لو حدثتكم بكل ما أسمع لرميتموني بالقشع -يعني: المزابل- وما ناظرتموني1.
979- قال: وحدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: حدثني ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، أنه كان يقول: حفظت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم.
قال أحمد: البلعوم: الحلقوم2.
980- قال: وحدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن معروف بن خربوذ, عن أبي الطفيل، قال: سمعت عليا على المنبر, يقول: أتحبون أن يكذب الله ورسوله، لا تحدثون الناس إلا بما يعلمون3.
- وقد تقدم قول ابن مسعود, رضي الله عنه: ما أنت محدث قوما حديثا لم تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة4.
- وعن أبي هريرة أنه قال: لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمر بالدرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند 2/ 539-540، وأبو نعيم في الحلية 1/ 381، وابن سعد في الطبقات 2/ 364، و4/ 332.
2 رواه البخاري "120"، وابن سعد في الطبقات 2/ 362 و4/ 331.
3 رواه البخاري "127" 1/ 225، والبيهقي في المدخل "610" ص362، والخطيب في الجامع "1355" 2/ 147، والمزي في تهذيب الكمال 28/ 265، والخطيب في الموضح 2/ 481، والسمعاني في أدب الإملاء 1/ 59.
4 رواه مسلم 1/ 11، والبيهقي في المدخل "611" ص362، والخطيب في الجامع 1/ 129، وانظر تذكرة الحفاظ 1/ 15.(2/240)
- قال أبو عمر: احتج بعض من لا علم له ولا معرفة من أهل البدع وغيرهم الطاعنين في السنن بحديث عمر هذا قوله: أقلوا الرواية عن رسول الله, صلى الله عليه وسلم: وبما ذكرنا في هذا الباب من الأحاديث وغيرها، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الزهد في سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي لا يوصل إلى مراد كتاب الله إلا بها، والطعن على أهلها، ولا حجة في هذا الحديث ولا دليل على شيء مما ذهبوا إليه من وجوه قد ذكرها أهل العلم.
منها: أن وجه قول عمر إنما كان لقوم لم يكونوا أحصوا القرآن، فخشي عليهم الاشتغال بغيره عنه، إذ هو الأصل لكل علم، هذا معنى قول أبي عبيد1 في ذلك، واحتج بما رواه عن حجاج، عن المسعودي، عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: مل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ملة, فقالوا: يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله, جل وعز: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} [الزمر: 23] إلى آخر الآية.
قال: ثم ملوا ملة أخرى، فقالوا: يا رسول الله حدثنا شيئا فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص. فأنزل: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [يوسف: 3] الآية. قال: فإن أرادوا الحديث دلهم على أحسن الحديث، وإن أرادوا القصص دلهم على أحسن القصص2.
وقال غيره: إن عمر إنما نهى عن الحديث عما لا يفيد حكما ولا يكون سنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو عبيد في فضائل القرآن ص53-54، والطبري في تفسيره 12/ 90، وأبو نعيم في الحلية 4/ 248، وذكره الواحدي في أسباب النزول ص270، وانظر تفسير القرطبي 15/ 248، وجمال القراء 1/ 80، وتفسير ابن عطية 1/ 37.
2 فضائل القرآن لأبي عبيد ص54، وجمال القراء للسخاوي 1/ 80، والطبري في تفسيره 12/ 150، والحاكم 2/ 345 ببعضه، وهو مرسل.
وانظر الدر المنثور 4/ 3 و5/ 325.(2/241)
وطعن غيرهم في حديث قرظة هذا وردوه؛ لأن الآثار الثابتة عن عمر خلافه.
ومنها: ما روى مالك ومعمر وغيرهما، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمر بن الخطاب في حديث السقيفة أنه خطب يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها، من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته، ومن خشي أن لا يعيها فإني لا أحل له أن يكذب عليّ، إن الله بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالحق وأنزل معه الكتاب، فكان مما أنزل معه الرجم... وذكر الحديث1.
وهذا يدل على أن نهيه عن الإكثار وأمره بالإقلال من الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كان خوف الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخوفا أن يكونوا مع الإكثار يحدثون بما لم يتيقنوا حفظه، ولم يعوه؛ لأن ضبط من قلت روايته أكثر من ضبط المستكثر، وهو أبعد من السهو والغلط الذي لا يؤمن مع الإكثار، فلهذا أمرهم عمر من الإقلال من الرواية، ولو كره الرواية وذمها لنهى عن الإقلال منها والإكثار، ألا تراه يقول: فمن حفظها ووعاها فليحدث بها. فكيف يأمرهم بالحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينهاهم عنه؟ هذا لا يستقيم، بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأمرهم بالإقلال منه، وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه بقوله من حفظ من حفظ مقالتي ووعاها فليحدث بها حيث تنتهي به راحلته؟!! ثم قال: ومن خشي أن لا يعيها فلا يكذب عليّ.
وهذا يوضح لك ما ذكرنا، والآثار الصحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قرظة هذا، وإنما يدور على بيان, عن الشعبي، وليس مثله حجة في هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "2462, 3445, 3928, 4021, 6829, 6830, 7323"، ومسلم "1691" 3/ 1317"، وأبو داود "4418" 4/ 144-145، والترمذي "1431-1432" 4/ 38، وفي الشمائل "330"، وابن ماجه "2553"، والدارمي "2322"، وأحمد 1/ 23, 29, 36, 40, 43, 47, 50, 55. ومالك في الموطأ "514"، وعبد الرزاق "13329-13364"، والحميدي "25, 26, 27"، وأبو يعلى "146-151".(2/242)
الباب؛ لأنه يعارض السنن والكتاب:
قال الله, جل وعز: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7].
وقال فيه: {النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِه} [الأعراف: 158].
وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: 52-53] ومثل هذا في القرآن كثير، ولا سبيل إلى اتباعه والتأسي به والوقوف عند أمره إلا بالخبر عنه، فكيف يتوهم أحد على عمر أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به، وقد قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها"1 الحديث. وقد ذكرناه من طرق في صدر هذا الكتاب. وفيه الحض الوكيد على التبليغ عنه -صلى الله عليه وسلم- وقال: "خذوا عني"2 في غير ما حديث و: "بلغوا عني"3 والكلام في هذا أوضح من النهار لأولي النهى والاعتبار، ولا يخلو الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن يكون خيرا أو شرا، فإن كان خيرا ولا شك فيه أنه خير فالإكثار من الخير أفضل, وإن كان شرا ولا يجوز أن يتوهم أن عمر يوصيهم بالإقلال من الشر. وهذا يدلك أنه إنما أمرهم بذلك خوف مواقعة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخوف الاشتغال عن تدبر السنن والقرآن؛ لأن المكثر لا تكاد تراه إلا غير متدبر ولا متفقه.
- وذكر مسلم بن الحجاج في كتاب التمييز، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا الفضل بن موسى، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن الرديني بن أبي مجلز، عن أبيه، عن قيس بن عباد، قال سمعت عمر بن الخطاب، يقول: من سمع حديثا فأداه كما سمع فقد سلم4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.
2 سبق.
3 سبق. وقد رواه البخاري "3461"، والترمذي "2669"، ومسلم في التمييز "2" ص25، وأبو خيثمة في العلم "45" ص119، وغيرهم.
4 رواه مسلم في كتاب التمييز "9" ص29، والخطيب في الكفاية ص172.(2/243)
ومما يدل على هذا ما قد ذكرناه فيما يروى عن عمر أنه كان يقول: تعلموا الفرائض والسنة كما تتعلمون القرآن, فسوى بينهما1.
981- وحدثنا سعيد، حدثنا قاسم، حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن عاصم الأصول، عن مورق العجلي قال: كتب عمر: تعلموا السنة والفرائض واللحن كما تتعلمون القرآن.
- رواه ابن وهب عن ابن مهدي بإسناد مثله.
982- وحدثنا أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا عبد الله، حدثنا بقي، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن مورق، عن عمر مثله2.
قالوا: اللحن معرفة وجوه الكلام وتصرفه والحجة به، وعمر هو الناشد للناس في غير موقف، بل في مواقف شتى: من عنده علم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كذا نحو ما ذكره مالك وغيره عنه في توريث المرأة من دية زوجها، وفي الجنين يسقط ميتا عند ضرب بطن أمه وغير ذلك مما لو ذكرناه طال به كتابنا، وخرجنا عن حد ماله قصدنا، وكيف يتوهم على عمر ما توهمه الذين ذكرنا قولهم وهو القائل: إياكم والرأي، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها3. وقد ذكرنا هذا الخبر بإسناده عن عمر في بابه من كتابنا هذا، وعمر - أيضا- هو القائل: خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو القائل: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
983- حدثنا أحمد بن قاسم ومحمد بن عبد الله، قالا: حدثنا محمد بن معاوية، قال: حدثنا أبو خليفة، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "757".
2 سبق "757".
3 سيأتي "1034"، إن شاء الله تعالى.(2/244)
الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن الأشج، أن عمر بن الخطاب قال: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله, عز وجل1.
- وقد يحتمل عندي أن تكون الآثار كلها عن عمر صحيحة متفقة ويخرج معناها على أن من شك في شيء تركه، ومن حفظ شيئا وأتقنه جاز له أن يحدث به، وإن كان الإكثار يحمل الإنسان على التقحم في أن يحدث بكل ما سمع من جيد ورديء وغث وثمين.
وقد قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"2 وهو حديث ثابت من حديث شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو كان مذهب عمر ما ذكرنا لكانت الحجة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دون قوله فهو القائل: "نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها وبلغها"3 وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب.
وقال النبي, صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم"4.
984- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، قال: حدثني أبي عمران بن محمد، قال: حدثني ابن أبي ليلى -يعني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "119" 1/ 62، واللالكائي في أصول الاعتقاد "202" 2/ 123، والأصبهاني في الحجة 1/ 312-313، والآجري في الشريعة ص74، وابن بطة في الإبانة "790" 2/ 610 "الكتاب الأول"، وابن أبي زمنين في أصول السنة "7" ص50.
2 رواه مسلم "5"، وأبو داود "4992"، وابن أبي شيبة "25617" 5/ 237، وابن المبارك في الزهد "735" ص255، وأحمد في الزهد "74" ص44، والديلمي "4861" 3/ 287 "العلمية"، والحاكم 1/ 112، وفي المدخل ص108-109، والخطيب في الجامع "1356" 2/ 147-148، وابن حبان "30" 1/ 213-214.
3 سبق.
4 انظر ما بعده.(2/245)
محمد بن عبد الرحمن- عن عيسى -يعني: ابن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن ثابت بن قيس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم"1.
985- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم"2.
- قال أبو عمر: الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار دون التفقه، ولا تدبر، والمكثر لا يأمن مواقعة الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لروايته عمن يؤمن وعمن لا يؤمن.
986- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن محمد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا أبو شهاب، عن محمد بن إسحاق، عن معبد بن كعب بن مالك، قال: سمعت أبا قتادة، يقول: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إياكم وكثرة الحديث، ومن قال عني فلا يقولن إلا حقا"3.
987- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا مسلمة بن قاسم، حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن أحمد، قال: سمعت وهب بن بقية، يقول: سمعت خالد بن عبد الله، يقول: سمعت ابن شبرمة، يقول: أقلل الرواية تفقه4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "155" 1/ 94.
2 سبق.
3 رواه الدارمي "237" 1/ 89، وأحمد 5/ 297-310، وابن ماجه "35"، والحاكم في المستدرك 1/ 111، والرامهرمزي "754" ص557-558، وابن أبي شيبة 8/ 573 "الهندية"، والطحاوي في مشكل الآثار "413-414"، وسنده حسن؛ لأجل محمد بن إسحاق.
4 رواه الرامهرمزي "756" ص558.(2/246)
988- وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن قيس بن رافع، قال: سمعت شُفي الأصبحي، يقول: لتفتحن على هذه الأمة خزائن كل شيء حتى تفتح عليهم خزائن الحديث1.
989- أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن مروان، قال: حدثنا علي بن جميل، قال: حدثنا علي بن سعيد، قال: حدثنا شعيب بن حرب، قال: كنا عند سفيان يوما فتذاكرنا الحديث، فقال: لو كان في هذا الحديث خير لنقص كما ينقص الخير، ولكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر2.
990- حدثنا عبد الرحمن، حدثنا أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن علي، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثنا حماد بن زيد، قال: قال لي سفيان الثوري: يا أبا إسماعيل لو كان هذا الحديث خيرا لنقص كما ينقص الخير.
991- أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثني يحيى بن مالك، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف، قال: حدثني محمد بن موسى، قالف: سمعت زكريا القطان، يقول: رأيت سفيان بن عيينة -وقد ألجأه أصحاب الحديث إلى الميل الأخضر- فالتفت إليهم، فقال: ما أدري الذين تطلبونه من الخير، ولو كان من الخير لنقص كما ينقص الخير.
- قال أبو عمر: هذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأولي العلم نظر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 5/ 166.
2 رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص123، وابن الجعد في مسنده "1818" ص274. وأبو نعيم في الحلية 6/ 369.(2/247)
- وقد أخذه بكر بن حماد فقال:
لقد جفت الأقلام بالخلق كلهم فمنهم شقي خائب وسعيد
تمر الليالي بالنفوس سريعة ويبدئ ربي خلقه ويعيد
أرى الخير في الدنيا يقل كثيره وينقص نقصا والحديث يزيد
فلو كان خيرا قل كالخير كله وأحسب أن الخير منه بعيد
ولابن معين في الرجال مقالة سيسأل عنها والمليك شهيد
فإن يك حقا قوله فهي غيبة وإن يك زورا فالقصاص شهيد
وكل شياطين العباد ضعيفة وشيطان أصحاب الحديث مريد1
- قال أبو عمر: قد رد هذا القول على بكر بن حماد جماعة نظما، فمن ذلك ما.
992- أخبرني غير واحد، عن مسلمة بن القاسم، قال: ذاكرت أبا الأصبغ عبد السلام بن يزيد بن غياث الأشبيلي -رفيقي- أبيات بكر بن حماد هذه، ونحن في المسجد الحرام، وسألته الرد عليه فعارضه بشعر أوله:
تبارك من لا يعلم الغيب غيره ومن بطشه بالمعتدين شديد
وفيه:
تعرضت يا بكر بن حماد خطة بأمثالها في الناس شاب وليد
تقول بأن الخير قل كثيره وأخبرتنا أن الحديث يزيد
وصيرته إذا زاد شرا، وقام في ضميرك أن الخير منه بعيد
فلم تأت فيه الحق إذ قلت فيه بالعموم وأنت المرء كنت تحيد
وما زال ذا قسمين حقا وباطلا فهذا خلاخيل وذاك قيود
وذا ذهب محض وذلك آنك وذا ورق صاف وذاك حديد
وهذا أمير في الأنام معظم وذاك طريد في البلاد شريد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث ص124، وانظر الكفاية ص37-38.(2/248)
فذمك هذا في المقال مذمم وذمك هذا في الفعال حميد
وألزمت هذا ذنب ذا كمعاقب ظباء بذنب قارفته أسود
وهل ضر أحرارا كراما أعزة إذا جاورتهم في الندى عبيد
ولولا الحديث المحتوي سنن الهدى لقامت على رأس الضلال بنود
وقول رسول الله يعرف حده فليس له عند الرواة مزيد
وما كان من إفك وزور فإنه كعدة رمل تحتويه زرود
وليس له حد وفي كل ساعة يزيد جديدا يقتفيه جديد
ولابن معين في الذي قال أسوة ورأي مصيب للصواب سديد
وأجر به يعلي الإله محله وينزله في الخلد حيث يريد
يناضل عن قول النبي ويطرد الـ ـأباطيل عن أحواضه ويزود
وجلة أهل العلم قالوا بقوله وما هو في شيء أتاه فريد
وقلت وليس الصدق منك سجية وشيطان أصحاب الحديث مريد
وما الناس إلا اثنان بر وفاجر فقولك عن سبل الصواب حيود
وكل حديثي تأزر بالتقى فذاك امرؤ عند الإله سعيد
ولو لم يقم أهل الحديث بديننا فمن كان يروي علمه ويفيد
هم ورثوا علم النبوة واحتووا من الفضل ما عنه الأنام رقود
وهم كمصابيح الدجى يهتدى بهم وما لهم بعد الممات خمود
عليك ابن غياث لزوم سبيلهم فحالهم عند الإله حميد
- وقال أبو علي بن ملولة القيرواني يعارض بكر بن حماد:
ولابن معين في الرجال مقالة تقدمه فيها شريك ومالك
فإن يك ما قالوه سهلا وواسعا فقد سهلت لابن المعين المسالك
وإن يك زورا منهم أو نميمة فما منهم في القول إلا مشارك
993- وأنشدني أحمد بن عصفور -رحمه الله- لنفسه يعارض بكر بن حماد:(2/249)
أجل إن حكم الله في الخلق سابق وما لامرئ عما يحم محيد
هو الرب لا تخفى عليه خفية عليم بما تخفي الصدور شهيد
جرت بقضاياه المقادير في الورى فمقترب من خيرها وبعيد
أيا قادح في العلم زند عمائه رويدا بما تبدي به وتعيد
جعلت شياطين الحديث مريدة ألا إن شيطان الضلال مريد
وجرحت بالتكذيب من كان صادقا فقولك مردود وأنت عنيد
ذووا العلم في الدنيا نجوم هداية إذا غار نجم لاح بعد جديد
بهم عز دين الله طرا وهم له معاقل من أعدائه وجنود
994- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا ضمرة، عن ابن شوذب، قال: قال مطر الوراق: العلماء مثل النجوم، فإذا أظلمت تكسع الناس1.
995- وبهذا الإسناد، عن ابن شوذب، عن مطر، أنه سأله رجل عن حديث فحدثه به، فسأله عن تفسيره، فقال: لا أدري، إنما أنا زاملة.
فقال له الرجل: جزاك الله من زاملة خيرا، فإن عليك من كل حلو وحامض2.
996- وبه عن مطر أنه قال في قول الله, جل وعز: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] قال: هل من طالب علم فيعان عليه3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى الآجري في أخلاق العلماء "33" ص27 عن أبي الدرداء، قال: مثل العلماء في الناس كمثل النجوم في السماء يهتدى بها.
ورواه ابن أبي شيبة "35178" 7/ 185، والبيهقي في المدخل "393" ص274-275 عن أبي مسلم الخولاني وعن أبي قلابة "395" ص275. وقد ورد مرفوعا نحوه، وقد سبق.
2 رواه الخطيب في جامعه "1371" 2/ 153، والسمعاني في أدب الإملاء 1/ 63، وانظر فتح المغيث 2/ 305.
3 رواه ابن أبي حاتم "18707" 10/ 3320، والطبري في تفسيره "32770" 11/ 556، وانظر =(2/250)
- قال أبو عمر: أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عصرنا اليوم دون تفقه فيه ولا تدبر لمعانيه فمكروه عند جماعة أهل العلم.
997- أخبرني خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح بن عمر، حدثنا أحمد بن جعفر بن عبيد الله المنادي، قال: حدثت عن أحمد بن أبي الحواري، قال: سمعت أبا سليمان الداراني، يقول: دخلنا على سفيان بن سعيد الثوري -وهو بمكة- في بيت جالسا في زاويته على جلد، فقال لنا: ما جاء بكم فوالله لأنا إذا لم أركم خير مني إذا رأيتكم؟
قال أبو سليمان: فسكتنا وتكلم بعضنا بكلام فقطعه علينا فما برحنا حتى تبسم إلينا وحدثنا1.
998- أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن المثنى البزار، قال: سمعت بشر بن الحارث، يقول: سمعت أبا خالد الأحمر، يقول: يأتي على الناس زمان تعطل فيه المصاحف لا يقرأ فيها، يطلبون الحديث والرأي، ثم قال: إياكم وذلك؛ فإنه يصفق الوجه ويكثر الكلام ويشغل القلب2.
999- حدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، وعبد العزيز بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الرحمن الضرير، يقول: سمعت وكيعا يقول: قيل لداود الطائي: ألا تحدث؟
قال: ما راحتي في ذلك، أكون مستمليا على الصبيان، فيأخذون علي سقطي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= تفسير ابن كثير 4/ 453، وروى الطبري مثله عن قتادة "32768-32769" 11/ 556.
1 رواه أبو نعيم في الحلية 9/ 277.
2 رواه الذهبي في السير 9/ 21.(2/251)
فإذا قاموا من عندي يقول قائل منهم: أخطأ في كذا، ويقول آخر: غلط في كذا، ما راحتي في ذلك ترى عندي شيئا ليس عند غيري.
1000- قال: وقيل لداود الطائي: كم تلزم بيتك ألا تخرج؟ قال: أكره أن أحمل رحلي في غير حق.
1001- وبه عن محمد بن علي، قال: حدثنا الحسن بن بشر الكوفي، قال: دخلت على داود الطائي أنا وجابر وإسحاق ابنا منصور، فسألناه أن يحدثنا.
فقال: أتريدون أن أكون مؤدبا لكم، تتبعون عثراتي؟! لا أحدثكم.
1002- وبه عن محمد بن علي، قال: سمعت أحمد بن عبد الله بن أبي الحواري، يقول: قلت لأبي بكر بن عياش: حدثنا؟ قال: دعونا من الحديث، فإنا قد كبرنا ونسينا الحديث جيئونا بذكر المعاد والمقابر، إن أردتم الحديث فاذهبوا إلى هذا الذي في بني رواس, يعني: وكيعا.
أي رجل من أهل الشام؟ قال: ذاك أهون لك عندي.
1003- وبه عن محمد بن علي قال: حدثني أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: إن لم نؤجر على هذا الحديث لقد شقينا.
1004- أخبرني أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن نصر أبو إسحاق السرفسطي، قال: حدثنا أحمد بن مندوس، قال: حدثنا ابن أبي الحواري، قال: أتينا فضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة -ونحو جماعة- فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول، فقال بعض القوم: إن كان خارجا لشيء فسيخرج لتلاوة القرآن.
قال: فأمرنا قارئا فقرأ فاطلع علينا من كوة. فقلنا: السلام عليك ورحمة الله.
فقال: وعليكم السلام.
قلنا: كيف أنت يا أبا علي كيف حالك؟(2/252)
قال: أنا من الله في عافية ومنكم في أذى وإن ما أنتم فيه حدث في الإسلام فإنا لله وإنا إليه راجعون، ما هكذا كنا نطلب العلم، ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم في الحلق فنجلس دونهم ونسترق السمع، فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه وأنتم تطلبون العلم بالجهل، وقد ضيعتم كتاب الله ولو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون.
قال: قلنا: قد تعلمنا القرآن.
قال: إن في تعليمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم.
قلنا: كيف يا أبا علي؟
قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه من متشابه وناسخه من منسوخه، فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57-58].
1005- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أحمد بن هارون، قال: حدثنا سيف بن هارون، عن عفان -أو عمار: رجل من أهل البراجم- قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، يقول: يأتي على الناس زمان يعلق فيه المصحف حتى يعشعش عليه العنكبوت لا ينتفع بما فيه، ويكون أعمال الناس بالروايات والأحاديث.
1006- وحدثني خلف بن القاسم، قال: حدثنا ابن السكن، قال: حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي، قال: حدثنا علي بن زيد الفرائضي، قال: حدثنا حسن بن زياد، قال: سمعت فضيل بن عياض، يقول لأصحاب الحديث: لم تكرهوني على أمر تعلمون أني كاره له، لو كنت عبدا لكم فكرهتكم كان نولكم أن تتبعوني، ولو أعلم أني لو دفعت إليكم ردائي هذا ذهبتم عني، لدفعته(2/253)
إليكم1.
1007- حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي النضر، قال: سمعت أبا أسامة، يقول: سمعت سفيان الثوري، يقول: ليست طلب الحديث من عدد الموت، ولكنه علة يتشاغل به الرجل2.
1008- وحدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا قطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي، قال: سمعت سفيان الثوري، يقول: أنا فيه -يعني الحديث- منذ ستين سنة، وددت أني خرجت منه كفافا لا علي ولا لي3.
1009- وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن صالح المقري، حدثنا ابن المنادي، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع السكوتي، قال: حدثني أبي وقبيصة، عن سفيان الثوري، قال: ليتني انفلت منه كفافا لا لي ولا عليّ4.
1010- قال: وحدثنا الثوري عمن سمع الشعبي، يقول: ليتني انفلت من علمي كفافا لا لي ولا عليّ5.
1011- وحدثنا خلف بن القاسم، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو نعيم في الحلية 8/ 95.
2 رواه أبو نعيم في الحلية 6/ 364.
3 رواه الخطيب في اقتضاء العلم العمل "83" ص55، وفي شرف أصحاب الحديث ص117، وابن الجعد في مسنده "1783" ص269، وابن معين في تاريخه 4/ 263، وأبو نعيم في الحلية 6/ 369 و7/ 57-58، وقد سبق.
4 انظر ما قبله.
5 رواه الدارمي "531" 1/ 144، وأبو نعيم في الحلية 4/ 313، والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص119.(2/254)
المنادي، حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت ابن عيينة، يقول عن سفيان الثوري أنه قال: ما تريد إلى شيء إذا بلغت منه الغاية تمنيت أن ينفلت منه كفافا.
1012- وحدثنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد، قال: سمعت يموت بن المزرع، يقول: إذا رأيت الشيخ يعدو فاعلم أن أصحاب الحديث خلفه1.
1013- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: قال عمرو بن الحارث: ما رأيت علما أشرف ولا أهلا أسخف من أهل الحديث2.
- وروينا عن أحمد بن الحواري، قال: قال أبو عاصم النبيل: الرياسة في الحديث رياسة مذلة؛ إذا صح الشيخ الحديث وحفظ وصدق، قالوا: شيخ كيس، وإذا وهم في الحديث قالوا: كذب.
- وروى الزبير بن بكار، قال: ثنا محمد بن سلام، قال: حدثني يحيى بن سعيد القطان، قال: رواة الشعر أعقل من رواة الحديث؛ لأن رواة الحديث يروون مصنوعا كثيرا، ورواة الشعر ساعة ينشدون المصنوع يتفقدونه، ويقولون: هذا مصنوع.
1014- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا علي بن سعيد، حدثنا محمد بن خلاد الباهلي، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: سمعت مسعرا يقول: من أبغضني جعله الله محدثا، وددت أن هذا العلم كان محل قوارير حملته على رأسي فوقع فتكسر فاسترحت من طلابه3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر نحوه عند الخطيب "200" 1/ 226.
2 رواه الخطيب في الجامع "4" 1/ 118، ورواه "5" 1/ 118 عن حماد بن سلمة.
3 رواه الخطيب في الجامع "20"، وأبو نعيم في الحلية 7/ 216-217.(2/255)
1015- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا مسلمة بن قاسم، حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن أحمد، حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول -ونظر إلى أصحاب الحديث- فقال: أنتم سخنة عين لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا1.
1016- أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الدورقي، قال: حدثنا محمد بن بكار العيشي، قال: سمعت ابن أبي عدي، يقول: قال شعبة: كنت إذا رأيت رجلا من أهل الحديث يجيء أفرح به فصرت اليوم ليس شيء أبغض إليّ من أن أرى واحدا منهم2.
1017- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: سمعت شعبة، يقول: إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون3.
- قال أبو عمر: بلغني عن جماعة من العلماء أنهم كانوا يقولون إذا حدثوا بحديث شعبة هذا: وأي شيء كان يكون شعبة لولا الحديث.
- قال أبو عمر: إنما عابوا الإكثار خوفا من أن يرتفع التدبر والتفهم ألا ترى إلى ما حكاه بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، قال: سألني الأعمش عن مسألة وأنا وهو لا غير، فأجبته فقال لي: من أين قلت هذا يا يعقوب؟
فقلت: بالحديث الذي حدثتني أنت، ثم حدثته فقال لي: يا يعقوب إني لأحفظ هذا الحديث من قبل أن يجمع أبواك ما عرفت تأويله إلى الآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "965-966" 1/ 634-635، عن سفيان، عن عبيد الله بن عمر.
2 انظر ما رواه الخطيب في الجامع "418" 1/ 335.
3 رواه الخطيب في الجامع "409" 1/ 331.(2/256)
- وروي نحو هذا أنه جرى بين الأعمش وأبي يوسف وأبي حنيفة فكان من قول الأعمش: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة1.
- ومن ههنا قال الزبيدي:
إن من يحمل الأحاديث ولا يعرف فيه التأويل كالصيدلاني
وقد تقدم ذكر هذه الأبيات بتمامها في كتابنا هذا.
1018- أخبرني خلف بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا إبراهيم بن عثمان بن سعيد، قال: حدثنا علان بن المغيرة، قال: حدثنا علي بن معبد بن شداد، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، قال: كنت في مجلس الأعمش فجاءه رجل فسأله عن مسألة، فلم يجبه فيها، ونظر فإذا أبو حنيفة فقال: يا نعمان قل فيها.
قال: القول فيها كذا.
قال: من أين؟ قال: من حيث حدثتناه.
قال: فقال الأعمش: نحن الصيادلة وأنتم الأطباء2.
1019- حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد، قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، يقول: سمعت سريج بن يونس، يقول: سمعت يحيى بن يمان، يقول: يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب.
- قال أبو عمر: في مثل هذا يقول الشاعر:
زوامل للأشعار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأحماله أو راح ما في الغرائر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق الآتي.
2 رواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 84.(2/257)
- وقال عمار الكلبي:
إن الرواة على جهل بما حملوا مثل الجمال عليها يحمل الودع
لا الودع ينفعه حمل الجمال له ولا الجمال بحمل الودع تنتفع
- وأنشد الخشني, رحمه الله:
قطعت بلاد الله للعلم طالبا فحملت أسفارا فصرت حمارها
إذا ما أراد الله حتفا بنملة أتاح جناحين لها فأطارها
- وقال منذر بن سعيد:
انعق ما شئت تجد أنصارا ورم أسفارا تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفار مثله كمثل الحمار
يحمل أسفارا له وما درى إن كان ما فيها صوابا أو خطأ
إن سئلوا قالوا: كذا روينا ما إن كذبناه ولا اعتدينا
أوجههم من قال: ذي رواية ليس بمعناها له دراية
كبيرهم يصغر عند الحفل لأنه قلد أهل الجهل
- قال أبو يوسف القاضي: من يتبع غرائب الأحاديث كذب، ومن طلب الدين بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيماء أفلس1.
- وروى ابن المبارك، عن سفيان بن حسين، قال: قال لي إياس بن معاوية: أراك تطلب الأحاديث والتفسير، فإياك والشناعة فإن صاحبها لن يسلم من العيب.
1020- حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الفضل، قال: حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثني أبو السائل، قال: سمعت حفص بن غياث، يقول: سمعت الأعمش، يقول, يعني لأصحاب الحديث: لقد رددتموه حتى صار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الجامع "1523" 2/ 226 عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى- ورواه اللالكائي "305-306" 1/ 147، وابن بطة في الإبانة "668" 2/ 536 و"671" 2/ 537-538.(2/258)
في حلقي أمر من العلقم، ما عطفتم على أحد إلا حملتموه على الكذب.
1021- حدثنا خلف بن أحمد، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: سمعت أبا بكر بن عياش، يقول: سمعت مغيرة الضبي، يقول: والله لأنا أشد خوفا منهم من الفساق, يعني: أصحاب الحديث.
- وفيما رواه عبدان، عن ابن المبارك، أنه قال: ليكن الذي تعتمد عليه الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث1.
- وقال وكيع: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين على طلبه بالصوم2.
1022- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا ابن الأصبهاني، حدثنا حفص، عن ابن أبي ليلى، قال: لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع.
1023- سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن أسد -رحمه الله- يقول: سمعت حمزة بن محمد بن علي الكناني، يقول: خرجت حديثا واحدا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من مائتي طريق أو نحوه من مائتي طريق -يشك أبو محمد- قال: فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل، وأعجبت بذلك، قال: فرأيت ليلة من الليالي يحيى بن معين في المنام فقلت له: يا أبا زكريا خرجت حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من مائتي طريق، قال: فسكت عني ساعة، ثم قال: أخشى أن يدخل تحت هذا: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1].
- وقال عمار بن رزيق لابنه, ورآه يطلب الحديث: يا بني اعمل بقليله تزهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الخطيب في الفقيه 2/ 164 وغيره. وقد سبق "761".
2 سبق. ورواه نحوه الخطيب في الجامع "1848" 2/ 386. ورواه عن وكيع، عن ابن مجمع "1851-1852" 2/ 388-389.(2/259)
في كثيره1.
1024- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا بكير بن الحسن الرازي أبو القاسم بمصر، قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم البغدادي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش المصولي، قال: حدثنا أبي، عن أبي عبد الرحمن الجراح بن مليح، عن بكر بن زرعة الخولاني، عن أبي عنبة الخولاني، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله تبارك وتعالى لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم بطاعته".
قال أبو يعقوب: بلغني عن أحمد بن حنبل قال: هم أصحاب الحديث2.
1025- وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن، حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله الفرائضي ببغداد، قال: حدثنا أبو عيسى محمد بن مالك الخزاعي، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: حدثنا قراد أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان، قال: سمعت شعبة، يقول: إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان فارحمه وإن كان في كمك شيء فأطعمه3.
1026- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ببغداد، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا الحسن بن الصباح، قال: حدثنا الحنيني، قال: قال مالك: ينبغي أن تتبع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تتبع الرأي1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما سبق "987".
2 رواه ابن ماجه "8"، وأحمد 4/ 200، وفي العلل 3/ 425، والبخاري في الكنى ص61، والفسوي في تاريخه 2/ 445، وابن عدي في الضعفاء 2/ 162، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني "2497" 4/ 444، وابن الأثير في أسد الغابة 5/ 265، وابن حبان "326" 2/ 32-33، وفي الثقات 4/ 75، والمزي في تهذيب الكمال 4/ 212 و34/ 152، والذهبي في معجم المحدثين ص134 وقال: إسناده صالح. وفي سنده: بكر بن زرعة: وثقه ابن حبان. انظر التهذيب 1/ 482-483، والتقريب 1/ 105. وقد حسنه شيخنا في صحيحته "25442" رحمه الله تعالى.
3 رواه الخطيب في الجامع "600" 1/ 149، والقاضي عياض في الإلماع ص230، والذهبي في السير 7/ 225.(2/260)
71- باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على غير أصل، وعيب الإكثار من المسائل دون اعتبار:
1027- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: حج علينا عبد الله بن عمرو بن العاص فجلست إليه فسمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا ينزع العلم من الناس بعد إذ أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون برأيهم فيضلون ويضلون".
قال عروة: فحدثت بذلك عائشة، ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد ذلك، فقالت لي عائشة: يابن أختي، انطلق إلى عبد الله فاستثبت لي منه الحديث الذي حدثتني به عنه، قال: فجئته فسألته فحدثني به كنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها فعجبت، وقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو2.
1028- قال ابن وهب: وأخبرني عبد الرحمن بن شريح، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك أيضا3.
1029- وحدثني عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك، قال: حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن حريز بن عثمان الرحبي، قال: حدثنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما سبق.
2 سبق تخريجه.
3 سبق تخريجه.(2/261)
عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم، يحرمون به ما أحل الله، ويحلون به ما حرم الله"1.
1030- وأخبرنا أحمد بن قاسم ويعيش بن سعيد، قالا: أنبأنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا حريز، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحللون الحرام ويحرمون الحلال"2.
1031- حدثنا عبيد بن محمد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القاضي بالقلزم، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله الرازي، قال: حدثنا الحارث بن عبد الله بهمدان، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، وبرهة بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم يعملون بالرأي فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا".
1032- وأخبرنا محمد بن خليفة قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن الليث قال: حدثنا جبارة بن المغلس قال: حدثنا حماد بن يحيى الأبح، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "تعمل هذه الأمة برهة بكتاب الله، ثم تعمل برهة بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم تعمل بعد ذلك بالرأي، فإذا عملوا بالرأي ضلوا"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق تخريجه برقم "873".
2 انظر "873" فيما سبق.
3 رواه أبو يعلى "5856" 10/ 240، وابن عدي في الكامل 5/ 160، والخطيب في الفقيه 1/ 179 وأحمد في العلل 1/ 470، وأنكره جدا، والديلمي في الفردوس "2355" 2/ 63 "العلمية"، والذهبي في الميزان 5/ 57، من طريقين:
أحدهما: فيها جبارة بن المغلس: ضعيف.
والثانية: عثمان بن عبد الرحمن الزهري: متروك.
وانظر مجمع الزوائد 1/ 179، والضعفاء للعقيلي 1/ 207، وتهذيب التهذيب 3/ 19.(2/262)
1033- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن داود، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب، قال, وهو على المنبر: أيها الناس إن الرأي إنما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصيبا؛ لأن الله كان يريه، وإنما هو منا الظن والتكلف1.
1034- وبه عن ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم التيمي، أن عمر بن الخطاب، قال: أصبح أهل الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يرووها فاشتقوا الرأي2.
1035- قال ابن وهب: وأخبرني عبد الله بن عياش، عن محمد بن عجلان، عن عبيد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب، قال: اتقوا الرأي في دينكم.
قال سحنون: يعني: البدع3.
1036- وقال ابن وهب: وأخبرني رجل من أهل المدينة، عن ابن عجلان، عن صدقة بن أبي عبد الله، أن عمر بن الخطاب كان يقول: إن أصحاب الرأي أعداء السنن؛ أعيتهم أن يحفظوها وتفلتت منهم أن يعوها واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البيهقي في السنن 10/ 117، وفي المدخل "210" ص189، وابن حزم في الإحكام 6/ 1019.
2 رواه الخطيب في الفقيه 1/ 180, 181, 182، والأصبهاني في الحجة 1/ 204-205، والدارقطني في سننه 4/ 146، واللالكائي "201" 1/ 123، وابن حزم في الإحكام 6/ 220، والبيهقي في المدخل "213" ص190-191، وابن أبي زمنين "8" ص52. من طرق عن عمر, رضي الله عنه.
3 رواه البيهقي في المدخل "210" ص189-190.(2/263)
لا نعلم، فعارضوا السنن برأيهم فإياكم وإياهم1.
1037- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد، قال: حدثني أبي ح: وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا سهل بن إبراهيم، قالا جميعا: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، قال: حدثني أبي، عن مجالد بن سعيد، عن عامر-يعني: الشعبي- عن عمرو بن حريث، قال: قال عمر: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا2.
1038- أخبرنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين البغدادي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: حدثنا محمد بن عبد الملك القزاز، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا نافع بن يزيد، عن ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم التيمي، قال: قال عمر بن الخطاب: إياكم والرأي، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها فقالوا بالدين برأيهم.
- قال أبو بكر بن أبي داود: أهل الرأي: هم أهل البدع، وهو القائل في قصيدته في السنة:
ودع عنك آراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أزكى وأشرح3
1039- حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحسن بن إسماعيل، حدثنا عبد الملك بن بحر، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا سنيد، حدثنا يحيى بن زكريا، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله، قال: لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر من الذي قبله أما إني لا أقول: أمير خير من أمير، ولا عام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما سبق قريبا برقم "1034".
2 انظر ما سبق.
3 انظر قصيدته في شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين ص323.(2/264)
أخصب من عام، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم1.
1040- أخبرنا عبد الرحمن، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا سحنون، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: ليس عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول: عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا: أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم2.
1041- وحدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير، قالا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن المجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال: ليس عام، إلا الذي بعده شر منه، ولا أقول: عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم فيهدم الإسلام ويثلم3.
1042- وحدثنا يونس بن عبد الله، قال: حدثنا محمد بن معاوية، قال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه الدارمي "188" 1/ 76، وابن أبي زمنين في أصول السنة "10" ص55، وابن وضاح في البدع "78" ص76، "248" ص169، والطبراني في المعجم الكبير "8551" 9/ 109، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 182، والبيهقي في المدخل "205" ص186-187، وحسن سنده الحافظ ابن حجر في الفتح 13/ 20, 21, 22. وانظر مجمع الزوائد 1/ 180. قلت: مجالد بن سعيد: ضعيف، وقد تغير. انظر التهذيب 10/ 39، والمغني 2/ 145، والميزان 3/ 438، ولعله حسنه لشاهده الذي رواه البخاري "7068" عن أنس مرفوعا: اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم".
وانظر الرد المؤمل ص43، والإيقاظ للفلاني ص12.
2 انظر ما قبله.
3 انظر ما قبله.(2/265)
حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود: قراؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتخذ الناس رءوسا جهالا يقيسون الأمور برأيهم1.
1043- حدثنا أحمد بن عبد الله، قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الملك بن بحر، قال: حدثنا محمد إسماعيل، قال: حدثنا سنيد بن داود، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خثيم، أنه قال: يا عبد الله ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم فكله إلى عالمه، ولا تتكلف؛ فإن الله -جل وعز- يقول لنبيه, صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 86-88].
1044- قال: وحدثنا سنيد، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفى عن أشياء رحمة لكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر ما قبله.
2 رواه الدارقطني في سننه 4/ 183-184، والطبراني "589" 22/ 221-222، وأبو نعيم في الحلية 9/ 17، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 9، وابن بطة في الإبانة "314" 1/ 407-408، والبيهقي في سننه 10/ 12-13.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم 2/ 146: هذا الحديث من رواية مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني. وله علتان:
إحداهما: أن مكحولا لم يصح له السماع من أبي ثعلبة. كذلك قال أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم الحافظ وغيرهما.
والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله.
لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، وهو أشهر. وقد حسن الشيخ -أي: النووي- رحمه الله, هذا الحديث، وكذلك حسنه قبله الحافظ أبو بكر بن السمعاني في أماليه" ا.هـ.
وانظر علل الدارقطني 6/ 324.(2/266)
1045- حدثنا عبد الرحمن، حدثنا أحمد، حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن علي، حدثنا عفان، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثنا الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي فزارة، قال ابن عباس: إنما هو كتاب الله وسنة رسوله، فمن قال بعد ذلك برأيه فما أدري أفي حسناته يجد ذلك أم في سيئاته1.
1046- أخبرنا عبد الرحمن، حدثنا علي، حدثنا أحمد، حدثنا سحنون، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، قال: قال عمر بن الخطاب: السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة.
1047- قال ابن وهب: وأخبرني يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة أنه سمع أباه يقول: لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيما حتى أدرك فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوا بني إسرائيل2.
1048- قال ابن وهب: وأخبرني يحيى بن أيوب، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي، أنه سمعه يقول: إياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم من حفظ عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحفظوه3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق برقم "731".
2 رواه ابن ماجه "56"، والبزار "166" 1/ 96، عن ابن عمرو مرفوعا. ورواه الدارمي "120" 1/ 62. والطبراني كما في كنز العمال 1/ 161 والهروي في ذم الكلام، والبيهقي في المدخل "222" ص195، وفي معرفة السنن 1/ 111، وابن حزم في الإحكام 6/ 1031، والخطيب في تاريخه 13/ 413، عن عروة قوله. ورواه ابن بطة في الإبانة "814" 2/ 622 عن واثلة بن الأسقع مرفوعا، ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 180 عن عائشة مرفوعا. ورواه ابن وضاح "212" ص151-152 بسند ضعيف جدا، عن علي نحوه. والبيهقي في معرفة السنن 1/ 110، والسنن المأثورة 1/ 338 من قول عمر بن عبد العزيز. وسيأتي برقم "1056"، إن شاء الله تعالى.
3 سبق عقيب رقم "877".(2/267)
1049- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، حدثنا عبد الله بن محمد الضعيف، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا صالح بن مسلم، عن الشعبي، قال: إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس1.
1050- حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا محمد بن محمد بن بدر، حدثنا أبو همام، حدثنا الأشجعي، عن جابر، عن الشعبي، عن مسروق، قال: لا أقيس شيئا بشيء.
قلت: لمه؟ قال: أخاف أن تزل رجلي2.
1051- حدثنا ابن قاسم، حدثنا ابن شعبان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، قال: "كانوا يرون أنه على الطريق ما دام على الأثر"3.
1052- حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وعبد العزيز بن عبد الرحمن، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن علي، حدثنا محمد بن عبد العزيز، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، قال: "كانوا يرون أنه على الطريق ما دام على الأثر"4.
1053- قال: وحدثنا محمد بن عبد العزيز، قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، يقول: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول الرجل: إن ابتليت بالقضاء فعليك بالأثر5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه ابن سعد في الطبقات 6/ 251، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 184، والبيهقي في المدخل "215" ص191، "228" ص198.
2 سبق برقم "876-877".
3 سبق "764".
4 سبق "764".
5 رواه في الحلية 8/ 166.(2/268)
1054- قال: وحدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، قال: حدثنا أبي، قال: أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، قال: إنما الدين الآثار1.
1055- قال: وحدثنا ابن أبي رزمة، قال: سمعت عبدان بن عثمان، يقول: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول: ليكن الذي تعتمد عليه هذا الأثر، وخذ من الرأي ما يفسر لك الحديث2.
- وعن شريح أنه قال: إن السنة سبقت قياسكم، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر.
- وروى عمرو بن ثابت، عن المغيرة، عن الشعبي، قال: إن السنة لم توضع بالمقاييس3.
- وروى الحسن بن واصل، عن الحسن، قال: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم فضلوا وأضلوا.
- وذكر نعيم بن حماد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: من يرغب برأيه عن أمر الله يضل.
- وذكر ابن وهب، قال: أخبرني بكر بن مضر، عن رجل من قريش، أنه سمع ابن شهاب يقول -وهو يذكر ما وقع فيه الناس من هذا الرأي وتركهم السنن- فقال: إن اليهود والنصارى إنما استحلوا من العلم الذي كان بأيديهم حين اشتقوا الرأي وأخذوا فيه4.
- قال: وأخبرني يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه كان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق "762".
2 سبق "761".
3 رواه البيهقي في المدخل "227" ص197، وابن حزم في المحلى 1/ 89.
4 روى اللالكائي "233" 1/ 131 عن الحسن قوله: أهل الهوى بمنزلة اليهود والنصارى.(2/269)
يقول: السنن السنن، فإن السنن قوام الدين1.
- قال: وكان عروة يقول: أزهد الناس في عالم أهله2.
1056- أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: حدثنا ابن الأعرابي قال: حدثنا ابن الزيادي قال حدثنا يزيد بن أبي حكيم، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام عن عروة، قال: إن بني إسرائيل لم يزل أمرهم معتدلا حتى نشأ فيهم مولدون أبناء سبايا الأمم، فأخذوا فيهم بالرأي فضلوا وأضلوا3.
1057- وحدثنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد الواسطي، قال: حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى، قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن غير واحد، عن الزهري، قال: إياكم وأصحاب الرأي أعيتهم الأحاديث أن يعوها4.
- قال أبو عمر: اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في هذه الآثار المذكورة في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه -رضي الله عنهم- وعن التابعين لهم بإحسان:
فقالت طائفة: الرأي المذموم، هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد كرأي جهم وسائر مذاهب أهل الكلام؛ لأنهم قوم استعملوا قياسهم وآراءهم في رد الأحاديث، فقالوا: لا يجوز أن يرى الله -عز وجل- في القيامة؛ لأنه -عز وجل- يقول: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] فردوا قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه المروزي في السنة ص29، والبيهقي في المدخل "221" ص195.
2 رواه ابن عبد البر فيما سيأتي "1066" عن عروة. ورواه أبو خيثمة في العلم "91" ص23، ورواه الدارمي "594" 1/ 154، والبيهقي في المدخل "702" ص395 عن عكرمة. ورواه البيهقي "701" ص394 عن كعب. وانظر اللآلئ المصنوعة 1/ 212، وتنزيه الشريعة 1/ 264، وانظر ما سيأتي "1165, 1166, 1167".
3 سبق قريبا "1047".
4 انظر ما سبق عن عمر بن الخطاب برقم "1037".(2/270)
"إنكم ترون ربكم يوم القيامة"1 وتأولوا في قول الله, عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23] تأويلا لا يعرفه أهل اللسان ولا أهل الأثر2. وقالوا: لا يجوز أن يسأل الميت في قبره لقول الله, عز وجل: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] فردوا الأحاديث المتواترة في عذاب القبر وفتنته، وردوا الأحاديث في الشفاعة على تواترها، وقالوا: لن يخرج من النار من دخل فيها، وقالوا: لا نعرف حوضا ولا ميزانا ولا نعقل ما هذا، وردوا السنن في ذلك كله برأيهم وقياسهم إلى أشياء يطول ذكرها من كلامهم في صفات الباري تبارك وتعالى.
وقال جماعة من أهل العلم: إنما الرأي المذموم المعيب المهجور الذيب لا يحل النظر فيه ولا الاشتغال به الرأي المبتدع وشبهه من ضروب البدع.
1058- حدثنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: سمعت الشافعي، يقول: مثل الذي ينظر في الرأي ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عولج حتى برئ فأعقل ما يكون قد هاج به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري "554, 4581, 7434, 7435, 7436"، ومسلم "633"، وأبو داود "4729"، والنسائي في الكبرى "7762" 4/ 419"، والترمذي "2551"، وابن ماجه "177"، وأحمد في المسند "4/ 360, 362, 365, 366، والحميدي في مسنده "799"، وابن أبي عاصم في السنة "446, 447, 448, 449, 450, 451"، واللالكائي "825, 826, 827, 828, 829"، وابن منده في الإيمان "791, 792, 794, 795, 796, 798, 799, 801"، والطبراني "2224, 2226, 2227, 2228, 2229, 2230, 2231, 2232, 2234, 2235, 2236, 2237"، والبيهقي في الأسماء ص80، وفي الاعتقاد ص128، والبخاري في خلق أفعال العباد ص16، وعبد الله في السنة ص"544-545" والبغوي في شرح السنة "378-379"، والآجري في الشريعة ص257-258، وفي التصديق بالنظر "23, 24, 25, 26"، وابن جرير في صريح السنة ص31-32، وابن خزيمة في التوحيد ص167-169، والخطيب في تاريخه 11/ 466، والدارمي في الرد على الجهمية ص88، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن جرير, رضي الله عنه.
2 انظر رسالتنا: "رؤية الله في الآخرة" الموجودة ضمن سلسلة عقائد أئمة السلف.(2/271)
1059- وحدثنا محمد بن خليفة، قال: حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثني أبو بكر بن أبي داود، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: لا يكاد نرى أحدا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل1.
وقال آخرون, وهم جمهور أهل العلم: الرأي المذموم المذكور في هذه الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه والتابعين هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسا دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل وفرعت وشققت قبل أن تقع، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن.
قالوا: ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن والبعث على جهلها، وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليها منها ومن كتاب الله -عز وجل- ومعانيه، واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من ذلك بأشياء.
1060- منها: ما أخبرنا به خلف بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن مطرف، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: حدثني أسد بن موسى، قال: حدثنا شريك، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عمر، قال: لا تسألوا عن ما لم يكن فإني سمعت عمر يلعن من سأل عن ما لم يكن2.
1061- وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبق.
2 رواه الدارمي "131" 1/ 62 من طريق أخرى يرتقي بها. ورواه الخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 7-8، وأبو خيثمة في العلم "144" ص34 وفيه: ليث: ضعيف. ورواه أبو خيثمة في العلم "125" ص30، والبيهقي في المدخل "292" ص225، عن عمر قوله. وبه يتأيد ويتقوى. وسيأتي برقم "1079" إن شاء الله تعالى.(2/272)
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الأغلوطات1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود "3656" 3/ 321، وأحمد في مسنده 5/ 435، والبخاري في تاريخه 5/ 106، والفسوي في تاريخه 1/ 305، والطبراني في المعجم الكبير "892" 19/ 380، وتمام في فوائده "114, 115, 116" 1/ 176 "الروض البسام"، وابن بطة في الإبانة "300" 1/ 400-401، والآجري في أخلاق العلماء "183" ص89-90، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 11، والبيهقي في المدخل "304" ص229، من طريق: عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الغلوطات. وقد وقع في سنده اختلاف:
فرواه أحمد في المسند 5/ 435، والحارث في مسنده "57" 1/ 37 "بغية الحارث" وكما في إتحاف الخيرة 1/ 226، وابن أبي شيبة "973" 2/ 429، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 10-11، وسعيد بن منصور "1179" 1/ 285، وابن بطة في الإبانة "302" 1/ 401-402، والبيهقي في المدخل "303" ص229، من طريق عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سماه. قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأغلوطات.
وعبد الله بن سعد: مقبول. انظر التقريب 1/ 419، والثقات 7/ 39، والجرح 2/ 2/ 64، والميزان 2/ 428، والتهذيب 5/ 206، وبيان الوهم والإيهام 4/ 66-67.
وله طريق أخرى:
فقد رواه من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن رجاء بن حيوة، عن معاوية: أحمد في المسند 4/ 96، والطبراني في مسند الشاميين "2108" 3/ 211، وفي المعجم الكبير "913" 19/ 389.
ورواه من طريق عبد الله بن سعد، عن عبادة بن نسي الكندي، عن معاوية بن أبي سفيان أنهم ذكروا المسائل عنده، فقال: أما تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن عضل المسائل: رواه الطبراني في المعجم الكبير "865" 19/ 368.
وفيه:
1- سليمان بن أحمد الواسطي: متروك.
2- الوليد بن مسلم: مدلس.
3- عبد الله بن سعد: مجهول.
4- الاختلاف في سنده, كما سبق.
ورواه ابن بطة في الإبانة "301" 1/ 401 من طريق أبي همام، قال: حدثني الوليد بن مسلم. عن الأوزاعي، عن عبادة بن نسي، قال: تذاكروا عند معاوية... به.
قال الدارقطني في علله 7/ 67: "يرويه الأوزاعي، واختلف عنه:
أ- فرواه عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية. =(2/273)
1062- وأخبرنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا ابن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية، قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأغلوطات.
فسره الأوزاعي قال: يعني: صعاب المسائل1.
1063- وحدثنا خلف بن سعيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن خالد، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز, قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن عبادة بن نسي، عن الصنابحي، عن معاوية بن أبي سفيان, أنهم ذكروا المسائل عنده، فقال: أما تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن عضل المسائل2.
واحتجوا أيضا: بحديث سهل بن سعد وغيره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كره المسائل وعابها.
وبأنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال"3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= ب- وقال روح بن عبادة: عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسمه.
جـ- وقال الوليد بن مسلم: عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد الأزدي، عن عبادة بن نسي، عن معاوية.
د- وقال عبد الملك بن محمد الصنعاني: عن الأوزاعي، عن عمرو بن سعد، عن عبادة بن نسي، عن معاوية.
والصحيح حديث عيسى بن يونس.
هـ- وقال موسى بن أعين: عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سلمة، ولم يذكر الصنابحي، ولا عبادة بن نسي" ا. هـ.
1 انظر التعليق السابق.
2 انظر التعليق السابق.
3 رواه البخاري "1477, 2408, 5975" ومسلم "593"، وأحمد 4/ 246, 249, 250, 251, 255، والدارمي 2/ 310-311، والطحاوي في المشكل "3197" 8/ 220-222، =(2/274)
1064- حدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير, قال: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن سهل بن سعد، قال: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها1.
- هكذا ذكره أحمد بن زهير بهذا الإسناد وهو خلاف لفظ الموطأ: وقال الدارقطني: لم يرو عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك من حديث اللعان إلا هذه الكلمة، وتابعه على ذلك قراد أبو نوح، ونوح بن ميمون المضروب، عن مالك فذكر حديث عبد الرحمن بن مهدي من رواية أبي خيثمة والمخزومي وأحمد بن سنان عن ابن مهدي، كما ذكره ابن أبي خيثمة سواء.
1065- قال: وأخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار، قال: حدثنا عباس بن محمد، قال: حدثنا قراد، قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سهل بن سعد، قال: "كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها".
1066- قال: وحدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد والحسين بن صفوان، قالا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا نوح بن ميمون أبو محمد بن نوح، قال: أنبأنا مالك، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سهل بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= وابن حبان "5555-5556" و"5719"، والبخاري في الأدب المفرد "16"، والطبراني "897, 901, 903, 909, 910, 913, 919, 920, 930, 942, 943"، والبيهقي في الآداب "97" ص43، والمدخل "280" ص219-220، والبغوي في شرح السنة "3426" 13/ 16، والآجري في أخلاق العلماء "181" ص88.
1 رواه البخاري "4745, 5259, 7304"، ومسلم "1492"، وأبو داود "2245"، والنسائي 6/ 170-171، وابن ماجه "2066"، وأحمد 5/ 330, 334, 336, 437، ومالك "34" 2/ 566-567، وأبو خيثمة في العلم "77" ص20، وعبد الرزاق "12445, 12446, 12447"، والدارمي "2229-2230" 2/ 201، وابن الجارود "756"، والطحاوي 3/ 102، وابن حبان "4285"، والبيهقي 7/ 399, 400, 401، وفي المدخل "276" ص218 معلقا، والبغوي "2367"، والخطيب في الفقيه والمتفقه 2/ 7.(2/275)
سعد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كره المسائل وعابها1.
1067- حدثنا خلف بن أحمد وعبد الرحمن بن يحيى، قالا: حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، حدثنا محمد بن علي بن مروان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، قال: حدثنا ضمرة، قال: حدثنا الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، قال: وددت أن أحظى من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء ولا يسألوني عن شيء، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثر أهل الدراهم بالدراهم.
1068- أنبأنا عبد الوارث، قال: حدثنا قاسم، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة, قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا شرحبيل بن مسلم، أنه سمع الحجاج بن عامر الثمالي, وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم وكثرة السؤال"2.
- وفي سماع أشهب سئل مالك عن قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أنهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال". فقال: أما كثرة السؤال فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها.
وقال الله تعالى: {لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101] فلا أدري أهو هذا أم السؤال في مسألة الناس في الاستعطاء، وقد ذكرنا القول في قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال مبسوطا في كتاب التمهيد والحمد لله3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر التعليق السابق.
2 رواه الطبراني في مسند الشاميين "550" 1/ 313-314، ولفظه: "إياكم وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وقيل وقال، وأن يعطى أحدكم الفضل خير له، وإن يمسك شر له، ولا يلوم الله على الكفاف، وابدأ بمن تعول".
أحسبه رفعه الله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وعزاه الحافظ ابن حجر في ترجمة الحجاج بن عامر من الإصابة 1/ 311 إلى البغوي وابن السكن والبارودي والطبراني. ورجاله ثقات.
3 انظر شرح الحديث في فتح الباري 3/ 332-333، و3/ 342، و5/ 68، و10/ 407-409. والمفهم 5/ 163-166، والأجوبة المرضية 2/ 540، وإحكام الإحكام 2/ 90- =(2/276)