الإشارات التَّنْبِيهَات(1/1)
1 -(1/1)
الْمنطق
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي وفقنا لافتتاح الْمقَال بتحميده وهدانا إِلَى تصدير الْكَلَام بتمجيده وألهمنا الْإِقْرَار بِكَلِمَة توحيده
وبعثنا على طلب الْحق وتمهيده وَالصَّلَاة على المصطفين من عبيده خُصُوصا على مُحَمَّد وَآله المخصوصين بتأييده
وَبعد فَكَمَا أَن أكمل المعارف وأجلها شَأْنًا وأصدق الْعُلُوم وأحكمها تبيانا هُوَ المعارف الْحَقِيقِيَّة والعلوم اليقينية كَذَلِك أشرف مَا ينْسب إِلَى الْحَقِيقَة وَالْيَقِين من جُمْلَتهَا وأولاها بِأَن توقف الهمة طول الْعُمر على قنيتها هُوَ معرفَة أَعْيَان الموجودات المترتبة المبتدئة من موجدها ومبدئها وَالْعلم بِأَسْبَاب الكائنات المتسلسلة المنتهية إِلَى غايتها ومنتهاها
وَذَلِكَ هُوَ الْفَنّ الموسوم بالحكمة النظرية الَّتِي تستعد باقتنائها النُّفُوس البشرية
وكما أَن الْمُتَقَدِّمين من الفائزين بهَا تفضلوا على من بعدهمْ بالتأسيس والتمهيد كَذَلِك الْمُتَأَخّرُونَ الخائضون فِيهَا قضوا حق من قبلهم بالتلخيص والتجريد
وكما أَن الشَّيْخ الرئيس أَبَا عَليّ الْحُسَيْن بن عبد الله بن سينا شكر الله سَعْيه كَانَ من الْمُتَأَخِّرين مؤيدا بِالنّظرِ الثاقب والحدس الصائب موفقا فِي تَهْذِيب الْكَلَام وتقريب المرام معتنيا بتمهيد الْقَوَاعِد وَتَقْيِيد الأوابد مُجْتَهدا فِي تَقْرِير الْفَوَائِد وتجريدها عَن الزَّوَائِد كَذَلِك كتاب الإشارات والتنبيهات من تصانيفه وَكتبه كَمَا وسمه هُوَ بِهِ مُشْتَمل على إشارات إِلَى مطَالب هِيَ الْأُمَّهَات مشحون بتنبيهات على مبَاحث هِيَ الْمُهِمَّات مملق بجواهر كلهَا كالفصوص
محتو على كَلِمَات يجْرِي أَكْثَرهَا مجْرى النُّصُوص مُتَضَمّن لبيانات معْجزَة فِي عِبَارَات موجزة وتلويحات رائقة بِكَلِمَات شائقة قد استوقفت الهمم الْعَالِيَة على الاكتناه بمعانيه واستقصر الآمال الوافية دون الِاطِّلَاع على فحاويه(1/111)
وَقد شَرحه فِيمَن شَرحه الْفَاضِل الْعَلامَة فَخر الدّين ملك المتناظرين مُحَمَّد ابْن عمر بن الْحُسَيْن الْخَطِيب الرَّازِيّ جزاه الله خيرا
فجهد فِي تَفْسِير مَا خَفِي مِنْهُ بأوضح تَفْسِير واجتهد فِي تَعْبِير مَا الْتبس فِيهِ بِأَحْسَن تَعْبِير وسلك فِي تتبع مَا قصد نَحوه طَريقَة الاقتفاء وَبلغ فِي التفتيش عَمَّا أودع فِيهِ أقْصَى مدارج الِاسْتِقْصَاء إِلَّا أَنه قد بَالغ فِي الرَّد على صَاحبه أثْنَاء الْمقَال وَجَاوَزَ فِي نقض قَوَاعِده حد الِاعْتِدَال فَهُوَ بِتِلْكَ المساعي لم يزده إِلَّا قدحا وَلذَلِك سمى بعض الظرفاء شَرحه جرحا
وَمن شَرط الشَّارِحين أَن يبذلوا النُّصْرَة لما قد التزموا شَرحه بِقدر الْإِمْكَان والاستطاعة وَأَن يذبوا عَمَّا قد تكفلوا إيضاحه بِمَا يذب بِهِ صَاحب تِلْكَ الصِّنَاعَة ليكونوا شارحين غير ناقضين ومفسرين غير معترضين
اللَّهُمَّ إِلَّا إِذا عثروا على شَيْء لَا يُمكن حمله على وَجه صَحِيح فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن ينبهوا عَلَيْهِ بتعريض أَو تَصْرِيح مُتَمَسِّكِينَ بذيل الْعدْل والإنصاف متجنبين عَن الْبَغي والاعتساف فَإِن إِلَى الله الرجعى وَهُوَ أَحَق بِأَن يخْشَى
وَلَقَد سَأَلَني بعض أجلة الخلان من الْأَحِبَّة الخلصان وَهُوَ الْمجْلس الرفيع رَئِيس الدولة وشهاب الْملَّة قدوة الْحُكَمَاء والأطباء وَسيد الأكابر والفضلاء بلغه الله مَا يتمناه وَأحسن منقلبه ومثواه أَن أقرر مَا تقرر عِنْدِي مَعَ قلَّة البضاعة وأودع مَا قبض عَلَيْهِ يَدي مَعَ قُصُور الباع فِي الصِّنَاعَة من مَعَاني الْكتاب الْمَذْكُور ومقاصده وَمَا يَقْتَضِي إيضاحه مِمَّا هُوَ مَبْنِيّ على مبانيه وقواعده مِمَّا تعلمته من المعلمين المعاصرين والأقدمين واستفدته من الشَّرْح الأول الْمَذْكُور وَغَيره من الْكتب الْمَشْهُورَة واستنبطته بنظري الْقَاصِر وفكري الفاتر
وأشير إِلَى أجوبة بعض مَا اعْترض بِهِ الْفَاضِل الشَّارِح مِمَّا لَيْسَ فِي مسَائِل الْكتاب بقادح وأتلقى مَا يتَوَجَّه مِنْهَا عَلَيْهَا بالاعتراف مراعيا فِي ذَلِك شريطة الْإِنْصَاف وأغمض عَمَّا لَا يجدي بطائل وَلَا يرجع إِلَى حَاصِل
غير مُلْتَزم فِي جَمِيع ذَلِك حِكَايَة أَلْفَاظه كَمَا أوردهَا بل مُقْتَصرا على ذكر الْمَقَاصِد الَّتِي قَصدهَا مَخَافَة الإطناب الْمُؤَدِّي إِلَى الإسهاب
وَفِي نيتي إِن شَاءَ الله أَن أتوجه بِحل مشكلات الإشارات بعد أَن أتممه وَأَرْجُو أَن يغْفر لي رَبِّي خطيئاتي ويعذرني من يعثر على هفواتي وَإِنِّي للخطايا لمقترف وبالقصور وَالْعجز لمعترف وَمن الله التَّوْفِيق وَإِلَيْهِ انْتِهَاء الطَّرِيق
صدر الْكتاب قَول الشَّيْخ رَحمَه الله(1/112)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين
1 - أَحْمد الله على حسن توفيقه وأسأل الله هِدَايَة طَرِيقه وإلهام الْحق بتحقيقه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَفَادَ الْفَاضِل الشَّارِح أَن هَذِه الْمعَانِي يُمكن أَن تحمل على كل وَاحِدَة من مَرَاتِب النَّفس الإنسانية بِحَسب قوتيها
النظرية
والعملية
بَين حدي النُّقْصَان والكمال
أما النظرية فَلِأَن جودة الترقي من الْعقل الهيولاني الَّذِي من شَأْنه الاستعداد الْمَحْض بِاسْتِعْمَال الْحَواس إِلَى الْعقل بالملكة الَّذِي من شَأْنه الاستعداد لإدراك المعقولات الأولى أَعنِي البديهيات لَا يكون إِلَّا بِحسن توفيقه تَعَالَى
وجوده الِانْتِقَال من الْعقل بالملكة إِلَى الْعقل بِالْفِعْلِ الَّذِي من شَأْنه إِدْرَاك المعقولات الثَّانِيَة أَعنِي المكتسبة لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بهدايته تَعَالَى إِلَى سَوَاء الطّرق دون مضلاتها
وَحُصُول الْعقل الْمُسْتَفَاد أَعنِي الْعُقُود اليقينية الَّتِي هِيَ غَايَة السلوك لَا يكون إِلَّا بإلهامه الْحق بتحقيقه فَإِن جَمِيع مَا يتقدمها من الْمُقدمَات وَغَيرهَا لَا يفعل فِي النَّفس إِلَّا إعدادا مَا لقبُول ذَلِك الْفَيْض من مفيضه
وَأما العملية فَلِأَن تَهْذِيب الظَّاهِر بِاسْتِعْمَال الشَّرَائِع الحقة والنواميس الإلهية إِنَّمَا يكون بِحسن توفيقه تَعَالَى
وتزكية الْبَاطِن من الملكات الردية تكون بهدايته تَعَالَى
وتحلية السِّرّ بالصور القدسية يكون بإلهامه
وَأَقُول السالك الطَّالِب يرى فِي بَدو سلوكه أَن مطالبه إِنَّمَا تتحصل بسعيه وبكده وبتوفيق الله تَعَالَى إِيَّاه فِي ذَلِك وَهُوَ جعل الْأَسْبَاب متوافقة فِي التَّسَبُّب(1/113)
2 - وَأَن يُصَلِّي على المصطفين من عباده لرسالته خُصُوصا على مُحَمَّد وَآله
أَيهَا الْحَرِيص على تحقق الْحق إِنِّي مهدت إِلَيْك فِي هَذِه الإشارات والتنبيهات أصولا وجملا من الْحِكْمَة إِن أخذت الفطانة بِيَدِك سهل عَلَيْك تفريعها وتفصيلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمَّ إِنَّه إِذا أمعن فِي السلوك علم أَنه لَا يقدر على السلوك إِلَّا بهدايته تَعَالَى إِلَى الطَّرِيق السوي
وَإِذا قَارب الْمُنْتَهى ظهر لَهُ أَنه لَيْسَ فِيمَا يحاول من الكمالات إِلَّا قَابلا لما يفِيض عَلَيْهِ من الْفَاعِل الأول جلّ ذكره
فَظهر أَنه يرى فِي كل حَال من الْأَحْوَال الثَّلَاثَة أَن لله تَعَالَى فِي ذَلِك تَأْثِيرا ولنفسه تَأْثِيرا إِلَّا أَن مَا ينْسبهُ إِلَى نَفسه من التَّأْثِير فِي الْحَالة الأولى أَكثر مِمَّا ينْسبهُ إِلَى الله تَعَالَى
وَفِي الْحَالة الثَّانِيَة قريب مِنْهُ
وَفِي الْحَالة الثَّالِثَة أقل مِنْهُ
وَإِنَّمَا تخْتَلف أراؤه بِحَسب استكماله قَلِيلا قَلِيلا
فالشيخ عبر
بالتوفيق
وَالْهِدَايَة
والإلهام
عَن غَايَة مَا يتمناه الطَّالِب من الله تَعَالَى فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة مِمَّا يرَاهُ سَببا لإنجاح مرامه
ثمَّ نبه المتعلم بِمَا افْتتح بِهِ كِتَابه على أَنه يَنْبَغِي لَهُ إِذا دخل فِي زمرة الطالبين أَن يحمد الله تَعَالَى على مَا يَتَيَسَّر لَهُ من التَّوْفِيق للخوض فِي الطّلب والسلوك ويسأله مَا يرجوه من الْهِدَايَة والإلهام الْيُتْم لَهُ بهما الْوُصُول إِلَى الْمُنْتَهى فائزا بمطالبه
2 - أَقُول الْفُرُوع لأصولها كالجزئيات لكلياتها
مِثَاله زيد وَعَمْرو للْإنْسَان
وَالتَّفْصِيل لجملته كالأجزاء لكلها
مِثَاله زحل وَالْمُشْتَرِي للمتحيرة(1/114)
3 - ومبتدئ من علم الْمنطق ومنتقل عَنهُ إِلَى علم الطبيعة وَمَا قبله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْفُرُوع غير مَوْجُودَة فِي الأَصْل بِالْفِعْلِ بِخِلَاف التَّفْصِيل الْمَوْجُود فِي الْجُمْلَة بِالْفِعْلِ وَإِن لم يكن مَذْكُورا مَعهَا بِالْفِعْلِ
وَإِخْرَاج الْفُرُوع إِلَى الْفِعْل يحْتَاج إِلَى تصرف زَائِد فِي الأَصْل وَهُوَ الْمُسَمّى بالتفريع فَلذَلِك قَالَ سهل عَلَيْك تفريعها وَلم يقل ظهر وَبَان لَك فروعها
3 - أَقُول الِابْتِدَاء بالْمَنْطق وَاجِب لكَونه آلَة فِي تعلم سَائِر الْعُلُوم
وَأما الطبيعة فَهِيَ المبدأ الأول لحركة مَا هِيَ فِيهِ أَعنِي الْجِسْم الطبيعي ولسكونه بِالذَّاتِ
وَالْعلم الْمَنْسُوب إِلَيْهَا هُوَ الْعلم الْمُسَمّى بالطبيعيات
لَا الْعلم بالطبيعة نَفسهَا فَإِنَّهُ أحد مسَائِل الْعلم الْمَنْسُوب إِلَى مَا قبلهَا
ومبادئ الطبيعة من المجردات إِنَّمَا يكون قبلهَا فِي نفس الْأَمر قبلية بِالذَّاتِ والعلية والشرف
وَيكون بعْدهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا بعدية بِالْوَضْعِ فَإنَّا ندرك المحسوسات بحواسنا أَولا ثمَّ المعقولات بعقولنا ثَانِيًا وَلذَلِك قدم الْمعلم الأول الطبيعيات على الْعلم بمباديها فالعلم بمبادئ الطبيعة وَبِمَا يجْرِي مجْراهَا من الْأُمُور الْعَامَّة قد يُسمى علم مَا قبل الطبيعة لأوّل الاعتبارين وَعلم مَا بعْدهَا لثانيهما وَهُوَ الفلسفة الأولى وَله تقدم آخر بِاعْتِبَار آخر على علم الطبيعة وَغَيره من الْعُلُوم
وَذَلِكَ لكَونه مُشْتَمِلًا على بَيَان أَكثر مباديها الْمَوْضُوعَة فِيهَا وَالْعلم بالمبادئ أقدم من الْعلم بِمَا لَهُ المبادئ
وَإِنَّمَا عني الشَّيْخ بقوله وَمَا قبله
هَذَا التَّقَدُّم لَا الَّذِي سبق لِأَن الضَّمِير فِيهِ عَائِد إِلَى الْعلم لَا إِلَى الطبيعة
والفلسفة الأولى لَا تسمى مَا قبل الطبيعة بل تسمى علم مَا قبل الطبيعة
وَلَو كَانَ الشَّيْخ يَعْنِي الِاعْتِبَار الأول لقَالَ وَمَا قبلهَا
وَمَا ذكره الْفَاضِل الشَّارِح
من كَون الإلهي مُتَأَخِّرًا عَن الطبيعي فِي التَّعْلِيم بِحَسب الْأَغْلَب إِلَّا أَن الشَّيْخ(1/115)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لما أثبت الأول وَصِفَاته بِمَا لَا يبتنى على الطبيعيات فَصَارَ الإلهي مُتَقَدما فِي كِتَابه هَذَا بِالْوَجْهَيْنِ فَلذَلِك سَمَّاهُ ب مَا قبل الطبيعة
كَلَام غير مُحَصل لما مر وَلِأَن الشَّيْخ إِنَّمَا أثبت الأول وَصِفَاته فِي هَذَا الْكتاب بِمَا أثبتها هُوَ وَغَيره من الْحُكَمَاء الإلهيين فِي سَائِر الْكتب
وَإِنَّمَا خَالف هَهُنَا فِي تَرْتِيب الْمسَائِل وخلط أحد العلمين بِالْآخرِ حَسْبَمَا تَقْتَضِيه السِّيَاقَة الَّتِي اخْتَارَهَا(1/116)
النهج الأول فِي غَرَض الْمنطق
1 - المُرَاد من الْمنطق أَن يكون عِنْد الْإِنْسَان
2 - آلَة قانونية تعصمه مراعتها عَن أَن يضل فِي فكره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أقوله قَوْله فِي غَرَض الْمنطق لِأَن النهج فِيهِ
قَوْله المُرَاد من الْمنطق أَن يكون عِنْد الْإِنْسَان
أَقُول جمع فِيهِ فائدتين
الأولى بَيَان مَاهِيَّة الْمنطق
وَالثَّانيَِة بَيَان لميته أَعنِي الْغَرَض مِنْهُ
وَلما استلزمت الثَّانِيَة الأولى من غير انعكاس خصها بِالْقَصْدِ لاشتمال بَيَانهَا على البيانين جَمِيعًا
فالمنطق آلَة قانونية
وَالْغَرَض مِنْهُ كَونهَا عِنْد الْإِنْسَان
2 - أَقُول هَذَا رسم للمنطق وَقد تخْتَلف رسوم الشَّيْء باخْتلَاف الاعتبارات
فَمِنْهَا مَا يكون بِحَسب ذَاته فَقَط
وَمِنْهَا مَا يكون بِحَسب ذَاته مقيسا إِلَى غَيره كَفِعْلِهِ أَو فَاعله أَو غَايَته أَو شَيْء آخر
مثلا يرسم الْكوز
بِأَنَّهُ وعَاء صخري أَو خزفي وَكَذَا كَذَا
وَهُوَ رسم بِحَسب ذَاته
وَبِأَنَّهُ آلَة يشرب بهَا المَاء
وَهُوَ رسم بِالْقِيَاسِ إِلَى غَايَته
وَكَذَا فِي سَائِر الاعتبارات
والمنطق علم فِي نَفسه
وَآلَة بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره من الْعُلُوم وَلذَلِك عبر الشَّيْخ عَنهُ فِي مَوضِع آخر ب الْعلم الآلي(1/117)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلهُ بِحَسب كل وَاحِد من الاعتبارين رسم لَكِن أخصهما تعلقا بِبَيَان الْغَرَض هُوَ الَّذِي بِاعْتِبَار قِيَاسه إِلَى غَيره
فرسمه هَهُنَا بذلك الِاعْتِبَار
والتنازع فِيهِ هَل هُوَ علم أَولا لَيْسَ مِمَّا يَقع بَين المحصلين لِأَنَّهُ بالِاتِّفَاقِ صناعَة مُتَعَلقَة بِالنّظرِ فِي المعقولات الثَّانِيَة على وَجه يَقْتَضِي تَحْصِيل شَيْء مَطْلُوب مِمَّا هُوَ حَاصِل عِنْد النَّاظر أَو يعين على ذَلِك
والمعقولات الثَّانِيَة هِيَ الْعَوَارِض الَّتِي تلْحق المعقولات الأولى الَّتِي هِيَ حقائق الموجودات وأحكامها المعقولة
فَهُوَ علم بِمَعْلُوم خَاص وَلَا محَالة يكون علما مَا وَإِن لم يكن دَاخِلا
تَحت الْعلم بالمعقولات الأولى الَّتِي تتَعَلَّق بأعيان الموجودات إِذْ هُوَ أَيْضا علم آخر خَاص مباين للْأولِ
وَالْقَوْل بِأَنَّهُ آلَة للعلوم فَلَا يكون علما من جُمْلَتهَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآلَة لجميعها حَتَّى الأوليات بل بَعْضهَا وَكثير من الْعُلُوم يكون آلَة لغَيْرهَا
كالنحو للغة
والهندسة للهيأة
والإشكال الَّذِي يُورد فِي هَذَا الْموضع وَهُوَ أَن يُقَال لَو كَانَ كل علم مُحْتَاجا إِلَى الْمنطق لَكَانَ الْمنطق مُحْتَاجا إِلَى نَفسه أَو إِلَى منطق آخر ينْحل بِهِ وَذَلِكَ لتخصيص بعض الْعُلُوم بالاحتياج إِلَى الْمنطق لَا جَمِيعهَا
والمنطق يشْتَمل أَكْثَره على اصْطِلَاحَات يُنَبه عَلَيْهَا وأوليات تتذكر وتعد لغَيْرهَا ونظريات لَيْسَ من شَأْنهَا أَن يغلط فِيهَا كالهندسيات يبرهن عَلَيْهَا
فجميعها غير مُحْتَاج إِلَى الْمنطق
فَإِن احْتِيجَ فِي شَيْء مِنْهُ على سَبِيل الندرة إِلَى قوانين منطقية فَلَا يكون ذَلِك الِاحْتِيَاج إِلَّا إِلَى الصِّنْف الأول فَلَا يَدُور الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ
وَأما قَوْله آلَة قانونية
فالآلة مَا يُؤثر الْفَاعِل فِي منفعله الْقَرِيب مِنْهُ بتوسطه(1/118)
3 - وأعني بالفكر هَهُنَا مَا يكون عِنْد إِجْمَاع الْإِنْسَان أَن ينْتَقل عَن أُمُور حَاضِرَة فِي ذهنه متصورة أَو مُصدق بهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والقانون مُعرب رومي الأَصْل وَهُوَ كل صُورَة كُلية يتعرف مِنْهَا أَحْكَام جزئياتها الْمُطَابقَة لَهَا
والآلة القانونية عرض عَام للمنطق وضع مَوضِع الْجِنْس
وَبَاقِي الرَّسْم خَاصَّة لَهُ
وَكِلَاهُمَا عارضان للمنطق بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره
وَإِنَّمَا قَالَ تعصمه مراعاتها لِأَن المنطقي قد يضل إِذا لم يراع الْمنطق
وَأما قَوْله عَن أَن يضل فِي فكره
فالضلال هَهُنَا هُوَ فقدان مَا يُوصل إِلَى الْمَطْلُوب وَذَلِكَ يكون
إِمَّا بِأخذ سَبَب لما لَا سَبَب لَهُ
أَو بفقد السَّبَب
أَو بِأخذ غير السَّبَب مَكَانَهُ فِيمَا لَهُ سَبَب
3 - أَي فِي رسم هَذَا الْعلم وَذَلِكَ لِأَن الْفِكر قد يُطلق
على حَرَكَة النَّفس بِالْقُوَّةِ الَّتِي آلتها مقدم الْبَطن الْأَوْسَط من الدِّمَاغ الْمُسَمّى ب الدودة أَي حَرَكَة كَانَت إِذا كَانَت تِلْكَ الْحَرَكَة فِي المعقلات
وَأما إِذا كَانَت فِي المحسوسات فقد تسمى تخيلا
وَقد يُطلق على معنى أخص من الأول
وَهُوَ حَرَكَة من جملَة الحركات الْمَذْكُورَة تتَوَجَّه النَّفس بهَا من المطالب مترددة فِي الْمعَانِي الْحَاضِرَة عِنْدهَا طالبة مبادئ تِلْكَ المطالب المؤدية إِلَيْهَا إِلَى أَن تجدها ثمَّ ترجع مِنْهَا نَحْو المطالب
وَقد يُطلق على معنى ثَالِث وَهُوَ أخص من الثَّانِي
وَهُوَ الْحَرَكَة الأولى وَحدهَا من غير أَن نجْعَل الرُّجُوع إِلَى المطالب جُزْءا مِنْهُ وَإِن كَانَ الْغَرَض مِنْهَا هُوَ الرُّجُوع إِلَى المطالب(1/119)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْأول هُوَ الْفِكر الَّذِي يعد فِي خَواص نوع الْإِنْسَان
وَالثَّانِي هُوَ الْفِكر الَّذِي يحْتَاج فِيهِ وَفِي جزئيه جَمِيعًا إِلَى علم الْمنطق
وَالثَّالِث هُوَ الْفِكر الَّذِي يسْتَعْمل بِإِزَاءِ الحدس على مَا سَيَأْتِي ذكره فِي النمط الثَّالِث
فخصص الشَّيْخ لَفْظَة الْفِكر هَهُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة
قَوْله مَا يكون عِنْد إِجْمَاع الْإِنْسَان
يَعْنِي بِهِ الْحَرَكَة الأولى الْمُبْتَدِئ بهَا من المطالب إِلَى المبادئ وَالثَّانيَِة الْمُنْتَقل بهَا من المبادئ إِلَى المطالب جَمِيعًا
وَالْإِجْمَاع هُوَ الإزماع وَهُوَ تصميم الْعَزْم
وَقَوله أَن ينْتَقل عَن أُمُور حَاضِرَة فِي ذهنه
يَعْنِي بِهِ الْحَرَكَة الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ الرُّجُوع من المبادئ إِلَى المطالب
وَهَذِه الْحَرَكَة وَحدهَا من غير أَن تسبقها الأولى قَلما تتفق لِأَنَّهَا حَرَكَة نَحْو غَايَة غير متصورة
وَقد نَص على ذَلِك الْمعلم الأول فِي بَاب اكْتِسَاب الْمُقدمَات من كتاب الْقيَاس وَالْحَاصِل أَنه عرف الحركتين جَمِيعًا بِالثَّانِيَةِ مِنْهَا الَّتِي هِيَ أشهر
والفاضل الشَّارِح قد تحير
فِي تَفْسِير معنى الْفِكر أَولا
وَفِي تَقْيِيده بقوله هَهُنَا ثَانِيًا
وَفِي الْفرق بَين مَا يكون عِنْد الِانْتِقَال الْمَذْكُور وَبَين نفس الِانْتِقَال ثَالِثا وَحمله مرّة على أَمر غير الِانْتِقَال
وَمرَّة على الِانْتِقَال
ثمَّ جعل الْحَرَكَة الأولى إرادية وسماها فكرا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمنطق
وَالثَّانيَِة طبيعية وسماها حدسا لَا يحْتَاج مَعَه إِلَيْهِ
وكل ذَلِك خبط يظْهر بِأَدْنَى تَأمل مَعَ ضبط مَا قَرَّرْنَاهُ
وَإِنَّمَا قَالَ عَن أُمُور حَاضِرَة
وَلم يقل عَن عُلُوم وإدراكات(1/120)
4 - تَصْدِيقًا علميا أَو ظنيا أَو وضعا وتسليما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَن الظنون وَنَحْوهَا قد تكون مبادئ أَيْضا
وَإِنَّمَا قَالَ عَن أُمُور
وَلم يقل عَن أَمر وَاحِد
لِأَن المبادئ الَّتِي ينْتَقل عَنْهَا إِلَى المطالب انتقالا صناعيا إِنَّمَا تكون فَوق وَاحِدَة وَهِي
أَجزَاء الْأَقْوَال الشارحة
ومقدمات الْحجَج
على مَا سنبين
قَوْله متصورة
أَو مُصدق بهَا
فالمتصور هُوَ الْحَاضِر مُجَردا عَن الحكم
والمصدق بهَا هُوَ الْحَاضِر مُقَارنًا لَهُ
ويقتسمان جَمِيع مَا يحضر الذِّهْن
4 - أَقُول الشَّك الْمَحْض الَّذِي لَا رُجْحَان مَعَه لأحد طرفِي النقيض على الآخر يسْتَلْزم عدم الحكم فَلَا يقارن مَا يُوجد حكم فِيهِ أَعنِي التَّصْدِيق
بل يقارن مَا يُقَابله وَذَلِكَ هُوَ الْجَهْل الْبَسِيط
وَالْحكم بالطرف الرَّاجِح
إِمَّا أَن يقارنه الحكم بامتناع الْمَرْجُوح
أَو لَا يقارنه بل يقارن تجويزه
وَالْأول هُوَ الْجَازِم
وَالثَّانِي هُوَ المظنون الصّرْف
والجازم
إِمَّا أَن تعْتَبر مطابقته للْخَارِج
أَو لَا تعْتَبر
فَإِن اعْتبرت
فإمَّا أَن يكون مطابقا(1/121)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَولا يكون
وَالْأول إِمَّا أَن يُمكن للْحَاكِم أَن يحكم بِخِلَافِهِ
أَو لَا يُمكن
فَإِن لم يُمكن فَهُوَ الْيَقِين ويستجمع ثَلَاثَة أَشْيَاء
الْجَزْم
والمطابقة
والثبات
وَإِن أمكن فَهُوَ الْجَازِم المطابق غير الثَّابِت
والجازم غير المطابق هُوَ الْجَهْل الْمركب
وَقد يُطلق الظَّن بِإِزَاءِ الْيَقِين عَلَيْهِمَا وعَلى المظنون الصّرْف لخلوهما
إِمَّا عَن الثَّبَات وَحده
أَو عَنهُ وَعَن الْمُطَابقَة
أَو عَنْهُمَا وَعَن الْجَزْم
وَحِينَئِذٍ يَنْقَسِم مَا تعْتَبر فِيهِ مُطَابقَة الْخَارِج إِلَى
يَقِين
وَظن
وَأما مَا لَا يعْتَبر فِيهِ ذَلِك وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو عَن أحد الطَّرفَيْنِ
فإمَّا أَن يقارن
تَسْلِيمًا
أَو إنكارا
وَالْأول يَنْقَسِم
إِلَى مُسلم عَام أَو مُطلق يُسلمهُ الْجُمْهُور
أَو مَحْدُود تسلمه طَائِفَة
وَإِلَى خَاص يُسلمهُ شخص
إِمَّا معلم
أَو متعلم
أَو متنازع
وَالثَّانِي يُسمى وضعا
فَمِنْهُ مَا تصادر بِهِ الْعُلُوم وتبتنى عَلَيْهِ الْمسَائِل
وَمِنْه مَا يَضَعهُ القايس الخلفي وَإِن كَانَ مناقضا لما يَعْتَقِدهُ ليثبت بِهِ مَطْلُوبه
وَمِنْه مَا يلتزمه الْمُجيب الجدلي ويذب عَنهُ(1/122)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْه مَا يَقُول بِهِ الْقَائِل بِاللِّسَانِ دون أَن يَعْتَقِدهُ كَقَوْل من يَقُول لَا وجود للحركة مثلا
فَإِن جَمِيع ذَلِك يُسمى أوضاعا وَإِن كَانَت الاعتبارات مُخْتَلفَة
وَقد يكون حكم وَاحِد
تَسْلِيمًا بِاعْتِبَار
ووضعا بِاعْتِبَار آخر
مثل مَا يلتزمه الْمُجيب بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ
وَإِلَى السَّائِل
وَقد يتعرى التَّسْلِيم عَن الْوَضع فِي مثل مَا لَا يُنَازع فِيهِ من المسلمات أَو الْوَضع عَن التَّسْلِيم فِي مثل مَا يوضع فِي بعض الأقيسة الخلفية
وَرُبمَا يُطلق الْوَضع بِاعْتِبَار أَعم من ذَلِك فَيُقَال لكل رَأْي يَقُول بِهِ قَائِل أَو يفرضه فارض
وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يكون أَعم من التَّسْلِيم وَغَيره
وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْفَاضِل الشَّارِح فِي تفسيرهما
وَهُوَ أَن الْوَضع مَا يُسلمهُ الْجُمْهُور
وَالتَّسْلِيم مَا يُسلمهُ شخص وَاحِد
لَيْسَ بمتعارف عِنْد أَرْبَاب الصِّنَاعَة
فأقسام التصديقات بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُور هِيَ
علمي
وظني
ووضعي
وتسليمي
لَا غير
ومبدأ الْبُرْهَان علمي
ومبادئ الجدل والخطابة والسفسطة هِيَ الْأَقْسَام الْبَاقِيَة
وَأما الشّعْر فَلَا تدخل مباديه تَحت التَّصْدِيق إِلَّا بالمجاز وَلذَلِك لم يتَعَرَّض الشَّيْخ لَهَا
وَإِنَّمَا أَتَى الشَّيْخ بِحرف العناد فِي قَوْله
علميا
أَو ظنيا
أَو وضعيا
لتباين الْعلم وَالظَّن بِالذَّاتِ ومباينتهما للوضع وَالتَّسْلِيم بِالِاعْتِبَارِ(1/123)
5 - إِلَى أُمُور غير حَاضِرَة فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلم يَأْتِ بِحرف العناد فِي قَوْله أَو وضعا وتسليما لتشاركهما فِي بعض الْموَاد
وَقَول الْفَاضِل الشَّارِح
إِنَّمَا قدم الظَّن على الْوَضع وَالتَّسْلِيم لتقدم الخطابة على الجدل فِي النَّفْع
قَادِح فِي قسْمَة الظَّن بالأقسام الثَّلَاثَة الشاملة لما عدا الْيَقِين من مبادئ الصناعات الثَّلَاث إِلَّا أَن يحملهُ على الظَّن الصّرْف حَتَّى يَسْتَقِيم تَقْدِيم الظَّن وَإِلَّا بَطل التَّعْلِيل بأقسامه
وَإِنَّمَا قسم الشَّيْخ التَّصْدِيق بأقسامه وَلم يقسم التَّصَوُّر لِأَن انقسام التَّصْدِيق إِلَيْهَا انقسام طبيعي لَيْسَ بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء وَلذَلِك يَقْتَضِي تبَاين الأقيسة الْمُؤَلّفَة مِنْهَا
بِحَسب الصناعات الْمَذْكُورَة
وَأما التَّصَوُّر فَإِنَّهُ لَا يَنْقَسِم إِلَى أَقسَام كَذَلِك بل يَنْقَسِم مثلا إِلَى
الذاتي
والعرضي
وَالْجِنْس
والفصل وَغَيرهَا انقساما عرضيا وبالقياس إِلَى شَيْء فَإِن الذاتي لشَيْء قد يكون عرضيا لغيره
بِخِلَاف الْمَادَّة الخطابية الَّتِي لَا تصير برهانية أَلْبَتَّة
وتعليل الْفَاضِل الشَّارِح ذَلِك بِأَن التَّصَوُّر لَا يقبل
الْقُوَّة والضعف
والتصديق يقبلهما
فَاسد لِأَن التَّصَوُّر لَو لم يقبلهما لَكَانَ المتصور بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيّ كالمتصور بالرسوم أَو الْأَمْثِلَة
وَإِنَّمَا نَشأ غلطه هَذَا من رَأْيه الَّذِي ذهب إِلَيْهِ فِي التصورات أَنَّهَا لَا تكتسب
5 - أَقُول يَعْنِي أَن الْمَطْلُوب لَا يكون مَعْلُوما وَقت الطّلب فَإِن الْحَاصِل لَا يستحصل
فَإِن قيل إِنَّكُم فسرتم الْفِكر بالحركة من المطالب إِلَى المبادئ وَالْعود إِلَيْهَا
فَكيف يَتَحَرَّك عَمَّا لَا يحضر عِنْد المتحرك وَبِمَ يعرف أَنَّهَا هِيَ المطالب إِن لم تكن مَعْلُومَة أصلا
أُجِيب بِأَن الْمَطْلُوب يكون حَاضرا من جِهَة غير حَاضر من جِهَة أُخْرَى
فالجهتان متغايرتان(1/124)
6 - وَهَذَا الِانْتِقَال لَا يَخْلُو من تَرْتِيب فِيمَا يتَصَرَّف فِيهِ وهيئة
7 - وَذَلِكَ التَّرْتِيب والهيئة قد يقعان على وَجه صَوَاب وَقد يقعان لَا على وَجه صَوَاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَمن الْجِهَة الَّتِي لم يحضر يطْلب
وَمن الْجِهَة الَّتِي حضر يَتَحَرَّك عَنهُ أَولا وَيعرف أَنه الْمَطْلُوب آخرا
وَالسَّبَب فِي ذَلِك اخْتِلَاف مَرَاتِب الْإِدْرَاك
بالضعف
وَالْقُوَّة
وَالنُّقْصَان
والكمال
فالمطلوب تصَوره مَعْلُوم بِإِدْرَاك نَاقص مَطْلُوب استكماله
وَالْمَطْلُوب تَصْدِيقه مَعْلُوم الْحُدُود مَطْلُوب الحكم عَلَيْهَا
6 - أَقُول يُرِيد بالانتقال الْحَرَكَة من المبادئ إِلَى المطالب
وَقد ذكرنَا أَن المبادئ لكل مَطْلُوب إِنَّمَا تكون فَوق وَاحِدَة وَلَا يحصل من الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة شَيْء وَاحِد إِلَّا بعد صيرورتها عِلّة وَاحِدَة لذَلِك الشَّيْء لِأَن الْمَعْلُول الْوَاحِد لَهُ عِلّة وَاحِدَة
والتأليف هُوَ جعل الْأَشْيَاء الْكَثِيرَة شَيْئا يُمكن أَن نطلق عَلَيْهِ الْوَاحِد بِوَجْه
فالمبادئ تتأدى إِلَى المطالب بالتأليف وَكَذَلِكَ قد يكون للمبادئ بِالنِّسْبَةِ إِلَى المطالب
والتأليف المُرَاد بِهِ فِي هَذَا الْموضع لَا يَخْلُو
من أَن يكون لبَعض أَجْزَائِهِ عِنْد الْبَعْض وضع مَا وَذَلِكَ هُوَ التَّرْتِيب
وَمن أَن يعرض لجَمِيع الْأَجْزَاء صُورَة أَو حَالَة بِسَبَبِهَا يُقَال لَهَا وَاحِد وَهِي الْهَيْئَة وَهِي مُتَأَخّر بِالذَّاتِ عَن التَّرْتِيب كَمَا هُوَ مُتَأَخِّرَة عَن التَّأْلِيف
فَإِذن لَا يَخْلُو هَذَا الِانْتِقَال من تَرْتِيب وهيئة للمبادئ الَّتِي ينْتَقل مِنْهَا إِلَى المطالب أَيْضا تَرْتِيب وهيئة على الْقيَاس الْمَذْكُور
7 - أَقُول صَوَاب التَّرْتِيب فِي القَوْل الشَّارِح مثلا أَن يوضع الْجِنْس أَولا ثمَّ يُقيد بِالْفَصْلِ
وصواب الْهَيْئَة أَن يَجْعَل للأجزاء صُورَة وحدانية يُطَابق بهَا صُورَة الْمَطْلُوب
وصواب التَّرْتِيب فِي مُقَدمَات الْقيَاس
أَن تكون الْحُدُود فِي الْوَضع وَالْحمل على مَا يَنْبَغِي(1/125)
8 - وَكَثِيرًا مَا يكون الْوَجْه الَّذِي لَيْسَ بصواب شَبِيها بِالصَّوَابِ أَو موهما أَنه شَبيه بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصواب الْهَيْئَة أَن يكون الرَّبْط بَينهَا فِي
الكيف
والكم
والجهة
على مَا يَنْبَغِي
وصواب التَّرْتِيب فِي الْقيَاس أَن تكون أوضاع الْمُقدمَات فِيهِ على مَا يَنْبَغِي
وصواب الْهَيْئَة أَن يكون من ضرب منتج
وَالْفساد فِي الْبَابَيْنِ أَن يكون بِخِلَاف ذَلِك
وَقد أسْند الْإِصَابَة وَعدمهَا إِلَى الصُّور وَحدهَا دون الْموَاد لِأَن الْموَاد الأولى لجَمِيع المطالب هِيَ التصورات
والتصورات الساذجة لَا تنْسب إِلَى الصَّوَاب وَالْخَطَأ مَا لم تقارن حكما
وَاسْتِعْمَال الْموَاد الَّتِي لَا تناسب الْمَطْلُوب لَا يَنْفَكّ عَن سوء تَرْتِيب وهيئة أَلْبَتَّة
إِمَّا بِقِيَاس بعض الْأَجْزَاء إِلَى بعض
وَإِمَّا بقياسها إِلَى الْمَطْلُوب
أما الْموَاد الْقَرِيبَة للأقيسة الَّتِي هِيَ الْمُقدمَات فقد يَقع الْفساد فِيهَا أَنْفسهَا دون الْهَيْئَة وَالتَّرْتِيب اللاحقين لَهَا
وَذَلِكَ لما فِيهَا من التَّرْتِيب والهيئة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَفْرَاد الأولى
8 - أما بِاعْتِبَار الصُّور وَحدهَا
فَالصَّوَاب هُوَ الْقيَاس
والشبيه بِهِ هُوَ الاستقراء لِأَنَّهُ انْتِقَال من جزئيات إِلَى كليها كَمَا أَن الْقيَاس انْتِقَال من كلي إِلَى جزئياته
والموهم أَنه شَبيه بِهِ هُوَ التَّمْثِيل فَإِن إِيرَاد الجزئي الْوَاحِد فِي التَّمْثِيل لإِثْبَات الحكم الْمُشْتَرك يُوهم مُشَاركَة سَائِر الجزئيات لَهُ فِي ذَلِك حَتَّى يظنّ أَنه استقراء
وَأما بِاعْتِبَار الْموَاد وَحدهَا أَعنِي الْقَرِيبَة فَإِن الْموَاد الأولى لَا تُوصَف بِالصَّوَابِ أَو غير الصَّوَاب كَمَا مر
وَالصَّوَاب مِنْهَا هُوَ القضايا الْوَاجِب قبُولهَا
والشبيه بِهِ من وَجه(1/126)
9 - فالمنطق علم يتَعَلَّم فِيهِ ضروب الِانْتِقَالَات من أُمُور حَاصِلَة فِي ذهن الْإِنْسَان إِلَى أُمُور مستحصلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسلمات
والمقبولات
والمظنونات
وَمن وَجه آخر المشبهات بالأوليات
والموهم أَنه شَبيه بِهِ المشبهات بالمسلمات
وَأما باعتبارهما مَعًا فَالصَّوَاب هُوَ الْبُرْهَان
والشبيه بِهِ الجدل والخطابة من وَجه
والسفسطة من وَجه
والموهم أَنه شَبيه بِهِ المشاغبة فَإِنَّهَا تشبه الجدل
كَمَا أَن السفسطة تشبه الْبُرْهَان
والفاضل الشَّارِح عد الجدل والخطابة فِي الصَّوَاب
وَجعل الشبيه بِهِ المغالطة
والموهم أَنه شَبيه بِهِ المشاغبة
وَيلْزم على ذَلِك أَن يكون الجدل من جملَة الشبيه لِأَن المشاغبة توهم أَنَّهَا جدل
9 - أَقُول هَذَا إِلَى آخِره رسم الْمنطق بِحَسب ذَاته لَا بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره
فالعلم جنسه وَالْبَاقِي من قبيل الْخَواص
وَإِنَّمَا أخر هَذَا الرَّسْم إِلَى هَذَا الْموضع لِأَن هَذِه الْخَاصَّة أَعنِي الاشتمال على بَيَان الِانْتِقَالَات الجيدة والردية لم تكن بَيِّنَة
فَلَمَّا بَانَتْ عرفه بهَا
وَقَوله يتَعَلَّم فِيهِ فِي بعض النّسخ يتَعَلَّم مِنْهُ ضروب الِانْتِقَالَات
وَالْأول يَقْتَضِي حمل الضروب على الضروب الْكُلية الَّتِي هِيَ كالقوانين وبيانها الْمسَائِل المنطقية
وَالثَّانِي يَقْتَضِي حملهَا على جزئياتها الْمُتَعَلّقَة بالمواد على مَا هِيَ مستعملة فِي سَائِر الْعُلُوم
وَإِنَّمَا قَالَ علم يتَعَلَّم فِيهِ ضروب الِانْتِقَالَات
وَلم يقل علم ضروب الِانْتِقَالَات(1/127)
10 - وأحوال تِلْكَ الْأُمُور
11 - وَعدد أَصْنَاف تَرْتِيب الِانْتِقَالَات فِيهِ وهيئته جاريان على الاسْتقَامَة وأصناف مَا لَيْسَ كَذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَن الْمَقْصُود من الْمنطق بِالْقَصْدِ الأول لَيْسَ هُوَ أَن تعلم ضروب الِانْتِقَالَات بل الْمَقْصُود هُوَ الْإِصَابَة فِي الْفِكر كَمَا تقدم
وَالْعلم بالضروب إِنَّمَا صَار مَقْصُودا بِقصد ثَان لِأَن الْإِصَابَة مفتقرة إِلَى ذَلِك
والفاضل الشَّارِح أَفَادَ أَنه إِنَّمَا قَالَ للمنطق علم يتَعَلَّم مِنْهُ ضروب الِانْتِقَالَات
وللطب علم يتعرف مِنْهُ أَحْوَال بدن الْإِنْسَان لِأَن الجزئيات الَّتِي يسْتَعْمل الْمنطق فِيهَا كليات فِي أَنْفسهَا هِيَ الْعُلُوم
والجزئيات الَّتِي يسْتَعْمل الطِّبّ فِيهَا أبدان جزئية لنَوْع الْإِنْسَان
وَقد يخص الْعلم بالكليات والمعرفة بالجزئيات
10 - أَقُول الْعلم بماهيات تِلْكَ الْأُمُور معقولات أولى وبأحوالها معقولات ثَانِيَة وَهِي كَونهَا ذاتية وعرضية ومحمولة وموضوعة ومتناسبة وَغير متناسبة وَمَا يجْرِي مجْراهَا
فالعلم بذلك مَقْصُود ثَالِث يقْصد لِأَن ضروب الِانْتِقَالَات تعرف بذلك
11 - أَقُول
فَالْأول هُوَ الضروب المنتجة من القياسات البرهانية وَالْحُدُود التَّامَّة
وَالثَّانِي مَا عَداهَا مِمَّا يشْتَمل على فَسَاد صوري أَو مادي من الأقيسة والتعريفات المستعملة فِي سَائِر الصناعات وَمِمَّا لَا يسْتَعْمل أصلا لظُهُور فَسَاده
وَالْعجب أَن الْفَاضِل الشَّارِح عد الجدل والخطابة فِي المستقيمة والاستقراء والتمثيل فِي غَيرهَا
والعمدة فِي الخطابة التَّمْثِيل وَفِي الجدل الاستقراء على مَا يتَبَيَّن فيهمَا(1/128)
الْفَصْل الأول إِشَارَة
1 - وكل تَحْقِيق يتَعَلَّق بترتيب الْأَشْيَاء حَتَّى يتَأَدَّى مِنْهَا إِلَى غَيرهَا بل بِكُل تأليف فَذَلِك التَّحْقِيق يحوج إِلَى تعرف الْمُفْردَات الَّتِي يَقع فِيهَا التَّرْتِيب والتأليف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول كل تَحْقِيق أَي كل تَحْصِيل أَو إِثْبَات علمي
والتأليف أقدم من التَّرْتِيب بِالذَّاتِ كَمَا مر
وَالتَّرْتِيب أخص من التَّأْلِيف لَا بِأَن يُوجد تأليف من أَشْيَاء لَهَا وضع مَا عقلا أَو حسا من غير تَرْتِيب فَإِن ذَلِك لَا يُمكن بل رُبمَا لَا يعْتَبر فِيهِ التَّرْتِيب بل بِأَن التَّرْتِيب الْمعِين يسْتَلْزم التَّأْلِيف الْمعِين والتأليف الْمعِين لَا يسْتَلْزم التَّرْتِيب الْمعِين بل يسْتَلْزم ترتيبا مَا مِمَّا يُمكن وُقُوعه فِي تِلْكَ الْأَجْزَاء
مثلا التَّأْلِيف من اب ج يُمكن أَن يَقع على هَذَا التَّرْتِيب وَيُمكن أَن يَقع على تَرْتِيب ب اج وَغَيره مِمَّا يُمكن
وَالْمرَاد أَن كل تَحْقِيق مُتَعَلق بترتيب يُؤَدِّي إِلَيْهِ بل كل تأليف فَإِنَّهُ يحوج إِلَى تعرف الْمُفْردَات الَّتِي هِيَ مواد التَّرْتِيب والتأليف لِأَن اخْتِصَاص التَّرْتِيب الْمعِين بالتأدية إِلَى الْمَطْلُوب دون مَا عداهُ مِمَّا يُمكن وُقُوعه فِيهَا إِنَّمَا يكون من قبيل تِلْكَ الْموَاد ب وَأَحْوَالهَا
وَلَيْسَ المُرَاد من قَوْله بِكُل تأليف مَا يفهم مِنْهُ أَن كل وَاحِد مِمَّا هُوَ تَحْقِيق مَوْصُوف بالتعلق بِكُل وَاحِد من التأليفات المنتجة وَغير المنتجة بل المُرَاد مِنْهُ أَن كل تَحْقِيق مُتَعَلق بترتيب بل بِأَيّ تأليف اتّفق أَنه كَذَا وَكَذَا
وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِك ليعلم أَن عِلّة الِاحْتِيَاج إِلَى تعرف الْمُفْردَات لَيست هِيَ التَّرْتِيب بل أَعم مِنْهُ وَهُوَ التَّأْلِيف(1/129)
2 - لَا من كل وَجه بل من الْوَجْه الَّذِي لأَجله يصلح أَن يقعا فِيهَا
3 - وَلذَلِك مَا يحوج المنطقي إِلَى أَن يُرَاعِي أحوالا من أَحْوَال الْمعَانِي المفردة ثمَّ ينْتَقل مِنْهَا إِلَى مُرَاعَاة أَحْوَال التَّأْلِيف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - أَي لَا من حَيْثُ هِيَ معقولات أولى وطبائع لأعيان الموجودات بل من حَيْثُ هِيَ معقولات ثَانِيَة
فَإِن الْبَحْث عَن المعقولات الثَّانِيَة من حَيْثُ هِيَ معقولات ثَانِيَة يتَعَلَّق بالفلسفة الأولى بل من حَيْثُ يتَعَلَّق مِنْهَا إِلَى غَيرهَا
3 - أَقُول التَّأْلِيف صنفان أول وثان
وَالْأول يَقع فِي الْأَحْوَال الشارحة وَفِي القضايا
وأجزاؤه مُفْرَدَات تذكر أحوالها الصورية فِي إيساغوجي
والمادية فِي قاطيغورياس
وَالثَّانِي يَقع فِي الْحجَج وأجزاؤه قضايا هِيَ مُفْرَدَات بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا ومؤلفات بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا قبلهَا
وتذكر أحوالها
الصورية فِي بارار ميناس ويشتمل عَلَيْهِ النهج الثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس من هَذَا الْكتاب
والمادية فِي أثْنَاء مبَاحث الصناعات الْخَمْسَة ويشتمل عَلَيْهَا النهج السَّادِس(1/130)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة
1 - وَلِأَن بَين اللَّفْظ وَالْمعْنَى علاقَة مَا
2 - وَرُبمَا أثرت أَحْوَال فِي اللَّفْظ فِي أَحْوَال الْمَعْنى
3 - فَلذَلِك يلْزم المنطقي أَيْضا أَن يُرَاعِي جَانب اللَّفْظ الْمُطلق من حَيْثُ ذَلِك غير مُقَيّد بلغَة قوم دون قوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول للشَّيْء وجود فِي الْأَعْيَان وَوُجُود فِي الأذهان وَوُجُود فِي الْعبارَة وَوُجُود فِي الْكِتَابَة
وَالْكِتَابَة تدل على الْعبارَة وَهِي على الْمَعْنى الذهْنِي وهما دلالتان وضعيتان تختلفان باخْتلَاف الأوضاع
وللذهني على الْخَارِجِي دلَالَة طبيعية لَا تخْتَلف أصلا فَبين اللَّفْظ وَالْمعْنَى علاقَة غير طبيعية فَلذَلِك قَالَ علاقَة مَا لِأَن العلاقة الْحَقِيقِيَّة هِيَ الَّتِي بَين الْمَعْنى وَالْعين
2 - الِانْتِقَالَات الذهنية قد تكون بِأَلْفَاظ ذهنية وَذَلِكَ لرسوخ العلاقة الْمَذْكُورَة فِي الأذهان فَلهَذَا السَّبَب رُبمَا تأدت الْأَحْوَال الْخَاصَّة بالألفاظ إِلَى توهم أَمْثَالهَا فِي الْمعَانِي وتتغير الْمعَانِي بتغيرها
والأغلاط الَّتِي تعرض بِسَبَب الْأَلْفَاظ مثل مَا يكون باشتراك الِاسْم مثلا إِنَّمَا تسري إِلَى الْمعَانِي لاشتمال الْأَلْفَاظ الذهنية أَيْضا عَلَيْهَا
3 - أَي نظره فِي الْمعَانِي إِنَّمَا يكون بِالْقَصْدِ الأول وَفِي الْأَلْفَاظ بِقصد ثَان
وَنَظره فِي الْأَلْفَاظ من حَيْثُ ذَلِك غير مُقَيّد بلغَة قوم دون أُخْرَى هُوَ معرفَة حَال إفرادها وتركيبها واشتراكها وتشكيكها وَسَائِر أحوالها فِي دلالاتها كدخول السَّلب على الرَّبْط الْمُقْتَضى للسلب وَعَكسه الْمُقْتَضى للعدول وَكَذَلِكَ دخولهما على الْجِهَة وَدخُول الْجِهَة عَلَيْهِمَا(1/131)
4 - إِلَّا فِيمَا يقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبِالْجُمْلَةِ سَائِر مَا يذكر فِي شَرَائِط النقيض والمغالطات اللفظية
4 - يُرِيد بِهِ مَا يخْتَص باللغة الَّتِي يستعملها المنطقي ويتغير بِهِ حَال الْمَعْنى فَإِنَّهُ يلْزمه أَن يتَنَبَّه لَهُ وينبه عَلَيْهِ وَذَلِكَ كدلالة لَام التَّعْرِيف فِي لُغَة الْعَرَب على استغراق الْجِنْس وَعُمُوم الطبيعة وَدلَالَة إِنَّمَا هُوَ على مُسَاوَاة حدي الْقَضِيَّة وَدلَالَة صِيغَة السَّلب الْكُلِّي على الْمَعْنى الْمُتَعَارف الَّذِي يَجِيء بَيَانه(1/132)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة
1 - وَلِأَن الْمَجْهُول بِإِزَاءِ الْمَعْلُوم
2 - فَكَمَا أَن الشَّيْء قد يعلم تصورا ساذجا مثل علمنَا بِمَعْنى اسْم المثلث وَقد يعلم تصورا مَعَه تَصْدِيق
3 - مثل علمنَا أَن كل مثلث فَإِن زواياه مُسَاوِيَة لقائمتين
4 - كَذَلِك الشَّيْء قد يجهل من طَرِيق التَّصَوُّر فَلَا يتَصَوَّر مَعْنَاهُ إِلَى أَن يتعرف مثل ذِي الاسمين والمنفصل وَغَيرهمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - الْجَهْل الْبَسِيط يُقَابل الْعلم تقَابل الْعَدَم والملكة وَمَعَهُ قد يستحصل الْعلم وَالْجهل الْمركب يُقَابله تقَابل الضدين وَمَعَهُ لَا يُمكن أَن يستحصل الْعلم
وَأَرَادَ بِالْمَجْهُولِ هَهُنَا الْجَهْل الْبَسِيط وقسمه قسْمَة مُقَابلَة إِلَى التَّصَوُّر والتصديق فَإِن الأعدام لَا تتمايز إِلَّا بالملكات وَلَا تَنْقَسِم إِلَّا بأقسامها
2 - تَنْبِيه على عدم العناد بَين التَّصَوُّر والتصديق فَإِن أَحدهمَا يسْتَلْزم الآخر بل العناد بَين عدم التَّصْدِيق مَعَ التَّصَوُّر الَّذِي عبر عَنهُ بقوله ساذجا وَبَين وجوده مَعَه
وَإِنَّمَا قَالَ بِمَعْنى اسْم المثلث وَلم يقل بِمَعْنى المثلث لِأَن التَّصَوُّر قد يكون بِحَسب الِاسْم وَقد يكون بِحَسب الذَّات
وَالْأول قد يتعرى عَن التَّصْدِيق
وَالثَّانِي لَا يتعرى لِأَنَّهُ مُتَأَخّر عَن الْعلم بهيئة التَّصَوُّر فَلَا يحسن التَّمْثِيل بِهِ فِي التَّصَوُّر الساذج
3 - ذَلِك تَصْدِيق يبرهن عَلَيْهِ فِي الشكل الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ فِي الْمقَالة الأولى من كتاب الْأُصُول ل إقليدس
4 - أَقُول تعريفهما يحْتَاج إِلَى مُقَدمَات هِيَ هَذِه
نقُول لما كَانَت الْأَعْدَاد إِنَّمَا تتألف من الْوَاحِد فالنسبة الَّتِي لبعضها إِلَى بعض(1/133)
5 - وَقد يجهل من جِهَة التَّصْدِيق إِلَى أَن يتَعَلَّم مثل كَون الْقطر قَوِيا على ضلعي الْقَائِمَة الَّتِي يوترها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تكون لَا محَالة بِحَيْثُ يعد كلا المنتسبين إِمَّا أَحدهمَا أَو ثَالِث أَعنِي أقل مِنْهُمَا حَتَّى الْوَاحِد
وَهِي النّسَب العددية والمقادير الَّتِي نوعها وَاحِد كالخطوط مثلا أَو السطوح فلهَا إِمَّا نسب عددية تَقْتَضِي تشاركها أَو نسب تخْتَص بهَا وَهِي الَّتِي تكون بِحَيْثُ لَا يعد المنتسبين أَحدهمَا وَلَا شَيْء يعد غَيرهمَا
وَهِي تَقْتَضِي تباينهما
فالنسب المقدارية الشاملة لَهما أَعم من العددية
والخط الْمسَاوِي لضلع المربع يُحِيط بِهِ وَلذَلِك يُقَال لَهُ إِنَّه قوي عَلَيْهِ فَإِن المربع يتكون من ضرب ذَلِك الْخط فِي نَفسه
والمنطق من الْمَقَادِير مَا يُشَارك مِقْدَارًا مَفْرُوضًا
والأصم مَا يباينه فالخط الْمنطق فِي الطول مَا يُشَارك خطا آخر مَفْرُوضًا بِنَفسِهِ
والمنطق فِي الْقُوَّة مَا يتشارك مربعًا هما
وكل منطق فِي الطول منطق فِي الْقُوَّة وَلَا ينعكس
وَإِذا تقرر هَذَا فَنَقُول إِذا فرض خطان متباينان فِي الطول ومنطقان فِي الْقُوَّة كخطين يكون نِسْبَة أَحدهمَا إِلَى الآخر نِسْبَة الْخَمْسَة إِلَى جذر الثَّلَاثَة مثلا فَإِنَّهُ يُسمى مجموعهما ب ذِي الاسمين وَفضل أطولهما على الْأَصْغَر ب الْمُنْفَصِل وأحوالهما مَذْكُورَة فِي الْمقَالة الْعَاشِرَة من كتاب الْأُصُول
5 - الزاوية الْقَائِمَة هِيَ كل وَاحِدَة من الحادثتين المتساويتين على جنبتي خطّ مُسْتَقِيم يتَّصل بآخر مثله على الاسْتقَامَة وَيُسمى الخطان ضلعيهما
وتشبه الزاوية مَعَ ضلعيها بِالْقَوْسِ وَلذَلِك يُسمى كل خطّ ثَالِث متعرض يتَّصل بهما وترا بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِمَا وَيُسمى أَيْضا قطرا
لِأَنَّهُ يكون قطرا للدائرة الَّتِي يمر محيطها بالزوايا الثَّلَاث الْحَادِثَة من الخطوط الثَّلَاثَة
وَأَيْضًا لِأَنَّهُ ينصف السَّطْح المتوازي الأضلاع الَّذِي يُحِيط بِهِ الضلعان(1/134)
6 - فالسلوك الطلبي منا فِي الْعُلُوم وَنَحْوهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذِه صورتهَا
فَهَذَا الْقطر قوي على ضلعي الْقَائِمَة الَّتِي يوترها الْقطر أَي يُسَاوِي مربعه مربعيهما فَإِن قُوَّة الْخط مربعة الَّذِي يُحِيط بِهِ كَمَا مر
مثلا إِذا كَانَ أحد الضلعين أَرْبَعَة وَالْآخر ثَلَاثَة فالقطر يكون خَمْسَة لِأَن مربعه وَهُوَ خَمْسَة وَعِشْرُونَ يُسَاوِي مَجْمُوع مربعيهما وهما سِتَّة عشر وَتِسْعَة
وبرهان ذَلِك مَذْكُور فِي الشكل الْمَعْرُوف ب الْعَرُوس وَهُوَ السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ من الْمقَالة الأولى من الْأُصُول
وَإِنَّمَا قَالَ فِي التَّصَوُّر الْمَجْهُول إِلَى أَن يتعرف
وَفِي التَّصْدِيق الْمَجْهُول إِلَى أَن يتَعَلَّم لِأَن الْمعرفَة وَالْعلم كَمَا ينسبان إِلَى الجزئي والكلي قد ينسبان إِلَى الْإِدْرَاك الْمَسْبُوق بِالْعدمِ أَو إِلَى الْأَخير من الإدراكين لشَيْء وَاحِد يَتَخَلَّل بَينهمَا عدم وَإِلَى الْمُجَرّد عَن هذَيْن الاعتبارين
وَلذَلِك لَا يُوصف الْإِلَه تَعَالَى ب الْعَارِف ويوصف ب الْعَالم
وَقد ينسبان إِلَى الْبَسِيط والمركب وَلذَلِك يُقَال عرفت الله وَلَا يُقَال عَلمته فَلهَذَا الِاعْتِبَار الْأَخير خص التَّصَوُّر لبساطته بِالْقِيَاسِ إِلَى التَّصْدِيق ب التعرف وَخص التَّصْدِيق لتركبه ب التَّعَلُّم
6 - أَقُول يُرِيد بقوله وَنَحْوهَا مَا عدا التَّصَوُّر التَّام وَالْيَقِين من التصورات النَّاقِصَة والظنون(1/135)
إِمَّا أَن يتَّجه إِلَى تصور يستحصل
وَإِمَّا أَن يتَّجه إِلَى تَصْدِيق يستحصل
وَقد جرت الْعَادة بِأَن يُسمى الشَّيْء الْموصل إِلَى التَّصَوُّر الْمَطْلُوب قولا شارحا فَمِنْهُ حد وَمِنْه رسم وَنَحْوه
7 - وَأَن يُسمى الشَّيْء الْموصل إِلَى التَّصْدِيق الْمَطْلُوب حجَّة فَمِنْهَا قِيَاس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن الْحَد يتألف من الذاتيات والرسم من العرضيات
وَالْحَد فِي اللُّغَة الْمَنْع وَيُقَال للحاجز بَين الشَّيْئَيْنِ حد
وحد الشَّيْء طرفه وَإِنَّمَا سمى الطّرف حدا لِأَنَّهُ يمْنَع أَن يدْخل فِيهِ خَارج أَو يخرج عَنهُ دَاخل
والرسم هُوَ الْأَثر
والذاتيات هِيَ أُمُور دَاخِلَة وتدل على شَيْء هِيَ ماهيته
والعرضيات خَارِجَة وتدل على شَيْء هِيَ آثاره وعوارضه
فَسُمي التَّعْرِيف بِتِلْكَ حدا وبهذه رسما
وَقَوله وَنَحْوه يُرِيد بِهِ مَا دون الرَّسْم من الْأَمْثِلَة وَغَيرهَا
7 - أَقُول
الْقيَاس تَقْدِير الشَّيْء على مِثَال شَيْء آخر يُقَال قَاس القذة بالقذة
والقائس يقيس الجزئي بالكلي فِي الحكم الثَّابِت للكلي(1/136)
وَمِنْهَا استقراء
8 - ومنهما يُصَار من الْحَاصِل إِلَى الْمَطْلُوب
فَلَا سَبِيل إِلَى دَرك مَطْلُوب مَجْهُول إِلَّا من قبل حَاصِل مَعْلُوم
9 - وَلَا سَبِيل أَيْضا إِلَى ذَلِك مَعَ الْحَاصِل الْمَعْلُوم إِلَّا بالتفطن للجهة الَّتِي لأَجلهَا صَار موديا إِلَى الْمَطْلُوب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والاستقراء قصد الْقرى قَرْيَة فقرية
يُقَال استقريت الْبِلَاد إِذا تتبعتها تخرج من أَرض إِلَى أَرض
والمستقرئ يتتبع الجزئيات جزئيا فجزئيا ليتحصل الْكُلِّي
قَوْله وَنَحْوه يُرِيد بِهِ التَّمْثِيل ويسميه الْفُقَهَاء قِيَاسا لِأَنَّهُ إِلْحَاق جزئي بجزئي آخر فِي الحكم
8 - يُرِيد ب الْحَاصِل الْمَعْلُوم مبادئ ذَلِك الْمَطْلُوب الَّتِي مر ذكرهَا
9 - أَقُول يُرِيد ب التفطن مُلَاحظَة التَّرْتِيب والهيئة الْمَذْكُورين لِأَن حُصُول المبادئ وَحدهَا لَو كَانَ كَافِيا لَكَانَ الْعَالم بالقضايا الْوَاجِب قبُولهَا عَالما بِجَمِيعِ الْعُلُوم
وَأَيْضًا فَرُبمَا علم الْإِنْسَان أَن الْبكر لَا تحبل وَأَن هندا مثلا بكر ثمَّ يَرَاهَا عَظِيمَة الْبَطن فيظنها حُبْلَى وَذَلِكَ لعدم التَّرْتِيب والهيئة فِي علميه
وَعَلِيهِ يُقَاس فِي التَّصَوُّر(1/136)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة
1 - فالمنطقي نَاظر فِي الْأُمُور الْمُتَقَدّمَة الْمُنَاسبَة لمطلوب مَطْلُوب
2 - وَفِي كَيْفيَّة تأديها بالطالب إِلَى الْمَطْلُوب الْمَجْهُول
فقصارى أَمر المنطقي إِذن
أَن يعرف مبادئ القَوْل الشَّارِح وَكَيْفِيَّة تأليفه حدا كَانَ أَو غَيره
وَأَن يعرف مبادئ الْحجَّة وَكَيْفِيَّة تأليفها قِيَاسا كَانَ أَو غَيره
3 - وَأول مَا يفْتَتح بِهِ مِنْهُ فَإِنَّمَا يفْتَتح بالأشياء المفردة الَّتِي مِنْهَا يتألف الْحَد وَالْقِيَاس وَمَا يجْرِي مجراهما فلتفتتح الْآن
4 - ولنبدأ بتعريف كَيْفيَّة دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول لَا يُرِيد بذلك المطالب الْجُزْئِيَّة الَّتِي مَعَ الْموَاد كحدوث الْعَالم بل المطالب الْكُلية التصورية أَو التصديقية الْمُجَرَّدَة عَن الْموَاد حَقِيقِيَّة كَانَت أَو غير حَقِيقِيَّة
والأمور الْمُتَقَدّمَة هِيَ مباديها الْمُنَاسبَة لَهَا على الْوَجْه الْكُلِّي القانوني أَيْضا
2 - أَي فِي حَال مناسبتها والتفطن الْمَذْكُور
وَبِالْجُمْلَةِ فقد صرح فِي هَذَا الْفَصْل إِذْ ذكر أَن المنطقي نَاظر فِي الْأُمُور الْمُتَقَدّمَة الْمُنَاسبَة وَأَن قصارى أمره أَن يعرف فِي مبادئ القَوْل الشَّارِح وَالْحجّة بالاحتياج إِلَى الْمنطق فِي الْحَرَكَة الأولى من حركتي الْفِكر وَفِيمَا يتلوهما من بَاقِي كَلَامه بالاحتياج إِلَيْهِ فِي الْحَرَكَة الثَّانِيَة وَذَلِكَ يُؤَكد مَا قُلْنَاهُ أَولا
3 - أَقُول يُرِيد بِهِ مَا تبين فِي كتاب إيساغوجي
4 - فَبَدَأَ بِمَا هُوَ أبعد من الْمَقْصُود الأول من الْمنطق لانحلال الْمَقْصُود إِلَيْهِ آخر الْأَمر(1/138)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى
1 - اللَّفْظ يدل على الْمَعْنى
إِمَّا على سَبِيل الْمُطَابقَة بِأَن يكون ذَلِك اللَّفْظ مَوْضُوعا لذَلِك الْمَعْنى وبإزائه مثل دلَالَة المثلث على الشكل الْمُحِيط بِهِ ثَلَاثَة أضلع
وَإِمَّا على سَبِيل التضمن بِأَن يكون الْمَعْنى جُزْءا من الْمَعْنى الَّذِي يطابقه اللَّفْظ مثل دلَالَة المثلث على الشكل فَإِنَّهُ يدل على الشكل لَا على أَنه اسْم الشكل بل على أَنه اسْم لِمَعْنى جزؤه الشكل
وَإِمَّا على سَبِيل الاستتباع والالتزام بِأَن يكون اللَّفْظ دَالا بالمطابقة على معنى وَيكون ذَلِك الْمَعْنى يلْزمه معنى غَيره كالرفيق الْخَارِجِي لَا كالجزء مِنْهُ بل هُوَ مصاحب ملازم لَهُ مثل دلَالَة لفظ السّقف على الْحَائِط وَالْإِنْسَان على قَابل صَنْعَة الْكِتَابَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول: دلَالَة الْمُطَابقَة وضعية صرفة
ودلالتا التضمن والالتزام باشتراك الْعقل والوضع وَيشْتَرط فيهمَا أَن لَا يكون الِاسْم دَالا بالاشتراك على الْمَعْنى وعَلى جزئه كالممكن على الْعَام وَالْخَاص أَو عَلَيْهِ وعَلى لَازمه كَالشَّمْسِ على الجرم والنور
بل يكون بانتقال عَقْلِي عَن أَحدهمَا إِلَى الآخر(1/139)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْله فِي الِالْتِزَام مثل دلَالَة لفظ السّقف على الْحَائِط وَالْإِنْسَان على قَابل صَنْعَة الْكِتَابَة
ذكر لَهُ مثالين
أَحدهمَا: لَازم لَا يحمل على ملزومه
وَالثَّانِي لَازم يحمل
وَإِنَّمَا قَالَ قَابل صَنْعَة الْكِتَابَة وَلم يقل الْكَاتِب لِأَن الأول يلْزم الْإِنْسَان وَالثَّانِي لَا يلْزمه
وَذهب الْفَاضِل الشَّارِح إِلَى أَن الِالْتِزَام مهجور فِي الْعُلُوم وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بِأَن الدّلَالَة على جَمِيع اللوازم محَالة إِذْ هِيَ غير متناهية
وعَلى الْبَين مِنْهَا بَاطِلَة لِأَن الْبَين عِنْد شخص رُبمَا لَا يكون بَينا عِنْد آخر فَلَا يصلح لِأَن يعول عَلَيْهِ
أَقُول وَهَذَا بِعَيْنِه يقْدَح فِي الْمُطَابقَة أَيْضا لِأَن الْوَضع بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَشْخَاص مُخْتَلف
وَالْحق فِيهِ أَن الِالْتِزَام فِي جَوَاب مَا هُوَ وَمَا يجْرِي مجْرَاه من الْحُدُود التَّامَّة لَا يجوز أَن يسْتَعْمل على مَا يجِئ بَيَانه
وَأما فِي سَائِر الْمَوَاضِع فقد يعْتَبر وَلَوْلَا اعْتِبَاره لم يسْتَعْمل فِي الْحُدُود والرسوم النَّاقِصَة الخالية عَن الْأَجْنَاس إِذْ هِيَ لَا تدل على الماهيات المحدودات إِلَّا بالالتزام كَمَا يتَبَيَّن وَفِي نُسْخَة كَمَا بَين(1/140)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى الْمَحْمُول
1 - إِذا قُلْنَا إِن الشكل مَحْمُول على المثلث فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن حَقِيقَة المثلث هِيَ حَقِيقَة الشكل
وَلَكِن مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء الَّذِي يُقَال لَهُ مثلث هُوَ بِعَيْنِه يُقَال لَهُ إِنَّه شكل سَوَاء كَانَ فِي نَفسه معنى ثَالِثا أَو كَانَ فِي نَفسه أَحدهمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول هَذَا الْبَحْث يُورد بعد مبَاحث الْأَلْفَاظ وَلَعَلَّ الشَّيْخ أوردهُ هَهُنَا ليعرف أَن إِطْلَاق الِاسْم على الْمَعْنى لَيْسَ بِحمْل
وَالْحمل الَّذِي بَينه فِي هَذَا الْفَصْل هُوَ حمل هُوَ هُوَ الْمُسَمّى بِحمْل المواطأة وَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ أَن الشَّيْء الَّذِي يُقَال لَهُ المثلث هُوَ بِعَيْنِه يُقَال لَهُ إِنَّه شكل سَوَاء كَانَ ذَلِك الشَّيْء فِي نَفسه معنى ثَالِثا مغايرا للمثلث والشكل أَو كَانَ فِي نَفسه هُوَ المثلث بِعَيْنِه أَو الشكل بِعَيْنِه
فَهَذَا الْحمل يَسْتَدْعِي اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول من وَجه وتغايرهما من وَجه وَمَا بِهِ الِاتِّحَاد غير مَا بِهِ التغاير
فَمَا بِهِ الِاتِّحَاد شَيْء وَاحِد وَهُوَ الَّذِي عبر عَنهُ الشَّيْخ ب الشَّيْء
وَمَا بِهِ التغاير قد يُمكن أَن يكون شَيْئَيْنِ متغايرين يُضَاف كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى مَا بِهِ الِاتِّحَاد ك النُّطْق والضحك المضافين إِلَى الْإِنْسَان اللَّذين يعبر عَنْهُمَا با الضاحك والناطق وَحِينَئِذٍ إِن جعلا مَوْضُوعا ومحمولا كَانَ مَا بِهِ الِاتِّحَاد شَيْئا ثَالِثا مغايرا لَهما
وَذَلِكَ معنى قَوْله كَانَ فِي نَفسه معنى ثَالِثا(1/141)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد يُمكن أَن يكون شَيْئا وَاحِدًا يُضَاف إِلَى مَا بِهِ الِاتِّحَاد ك التَّثْلِيث الْمُضَاف إِلَى الشكل الَّذِي يعبر عَن الْمَجْمُوع ب المثلث وَحِينَئِذٍ
إِن جعل ذَلِك الْمَجْمُوع مَوْضُوعا كَانَ الْمَحْمُول مَا بِهِ الِاتِّحَاد وَحده مُجَردا عَمَّا بِهِ التغاير كَمَا يُقَال إِن المثلث شكل
وَإِن جعل مَحْمُولا كَانَ الْمَوْضُوع مَا بِهِ الِاتِّحَاد وَحده كَمَا يُقَال مثلا إِن الشكل مثلث
وَذَلِكَ معنى قَوْله أَو كَانَ فِي نَفسه أَحدهمَا
وَنَوع آخر من الْحمل يُسمى حمل الِاشْتِقَاق وَهُوَ حمل هُوَ ذُو هُوَ وَهُوَ كالبياض على الْجِسْم والمحمول بذلك الْحمل لَا يحمل على الْمَوْضُوع وَحده بالمواطأة بل يحمل مَعَ لفظ ذُو كَمَا يُقَال الْجِسْم ذُو بَيَاض أَو يشتق مِنْهُ اسْم كالأبيض فَيحمل بالمواطأة عَلَيْهِ كَمَا يُقَال الْجِسْم أَبيض والمحمول بِالْحَقِيقَةِ هُوَ الأول(1/142)
الْفَصْل السَّابِع إِشَارَة إِلَى اللَّفْظ الْمُفْرد والمركب
1 - اعْلَم أَن اللَّفْظ قد يكون مُفردا وَقد يكون مركبا
وَاللَّفْظ الْمُفْرد هُوَ الَّذِي لَا يُرَاد بالجزء مِنْهُ دلَالَة أصلا حِين هُوَ جزؤه
مثل تسميتك إنْسَانا بِعَبْد الله فَإنَّك حِين تدل بِهَذَا على ذَاته لَا على صفته من كَونه عبد الله فلست تُرِيدُ بِقَوْلِك عبد شَيْئا أصلا
فَكيف إِذا سميته ب عِيسَى
بلَى فِي مَوضِع آخر قد تَقول عبد الله وتعني ب عبد شَيْئا وَحِينَئِذٍ يكون عبد الله نعتا لَهُ لَا اسْما وَهُوَ مركب لَا مُفْرد
والمركب هُوَ مَا يُخَالف الْمُفْرد وَيُسمى قولا
فَمِنْهُ قَول تَامّ وَهُوَ الَّذِي كل جُزْء مِنْهُ لفظ تَامّ الدّلَالَة اسْم أَو فعل وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيه المنطقيون كلمة وَهُوَ الَّذِي يدل على معنى مَوْجُود لشَيْء غير معِين فِي زمَان معِين من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة وَذَلِكَ مثل قَوْلك حَيَوَان نَاطِق
وَمِنْه قَول نَاقص مثل قَوْلك فِي الدَّار وقولك لَا إِنْسَان فَإِن الْجُزْء من أَمْثَال هذَيْن يُرَاد بِهِ الدّلَالَة إِلَّا أَن أحد الجزأين أَدَاة لَا يتم مفهومها إِلَّا بِقَرِينَة مثل لَا وَفِي فَإِن الْقَائِل زيد لَا وَزيد فِي لَا يكون قد دلّ على كَمَال مَا يدل عَلَيْهِ فِي مثله مَا لم يقل فِي الدَّار أَو لَا إِنْسَان لِأَن فِي وَلَا أداتان ليستا كالأسماء وَالْأَفْعَال(1/143)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول قيل فِي التَّعْلِيم الأول إِن الْمُفْرد هُوَ الَّذِي لَيْسَ لجزئه دلَالَة أصلا
وَاعْترض عَلَيْهِ بعض الْمُتَأَخِّرين ب عبد الله وَأَمْثَاله إِذا جعل علما لشخص فَإِنَّهُ مُفْرد مَعَ أَن لأجزائه دلَالَة مَا
ثمَّ استدركه فَجعل الْمُفْرد مَا لَا يدل جزؤه على جُزْء مَعْنَاهُ
وَأدّى ذَلِك إِلَى أَن ثلث الْقِسْمَة بعض مَا جَاءَ بعده وَجعل اللَّفْظ
إِمَّا أَن لَا يدل جزؤه على شَيْء أصلا وَهُوَ الْمُفْرد
أَو يدل على شَيْء غير جُزْء مَعْنَاهُ وَهُوَ مَعْنَاهُ الْمركب
أَو على جُزْء مَعْنَاهُ وَهُوَ الْمُؤلف
وَالسَّبَب فِي ذَلِك سوء الْفَهم وَقلة الِاعْتِبَار لما يَنْبَغِي أَن يفهم وَيعْتَبر وَذَلِكَ لِأَن دلَالَة اللَّفْظ لما كَانَت وضعية كَانَت مُتَعَلقَة بِإِرَادَة المتلفظ الْجَارِيَة على قانون الْوَضع
فَمَا يتَلَفَّظ بِهِ وَيُرَاد بِهِ معنى مَا وَيفهم مِنْهُ ذَلِك الْمَعْنى يُقَال لَهُ إِنَّه دَال على ذَلِك الْمَعْنى
وَمَا سوى ذَلِك الْمَعْنى مِمَّا لَا تتَعَلَّق بِهِ إِرَادَة المتلفظ وَإِن كَانَ ذَلِك اللَّفْظ أَو جُزْء مِنْهُ بِحَسب تِلْكَ اللُّغَة أَو لُغَة أُخْرَى أَو بِإِرَادَة أُخْرَى يصلح لِأَن يدل بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَال لَهُ إِنَّه دَال عَلَيْهِ
وَإِذا ثَبت هَذَا فَنَقُول اللَّفْظ الَّذِي لَا يُرَاد بجزئه دلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ لَا يَخْلُو من أَن يُرَاد بجزئه دلَالَة على شَيْء آخر
أَو لَا يُرَاد
وعَلى التَّقْدِير الأول لَا تكون دلَالَة ذَلِك الْجُزْء مُتَعَلقَة بِكَوْنِهِ جُزْءا من اللَّفْظ الأول بل قد يكون ذَلِك الْجُزْء بذلك الِاعْتِبَار لفظا بِرَأْسِهِ دَالا على معنى آخر بِإِرَادَة أُخْرَى وَلَيْسَ كلامنا فِيهِ
فَإِذن لَا يكون لجزء اللَّفْظ الدَّال من حَيْثُ هُوَ جزؤه دلَالَة أصلا وَذَلِكَ هُوَ التَّقْدِير الثَّانِي بِعَيْنِه فَحصل من ذَلِك أَن اللَّفْظ الَّذِي لَا يُرَاد بجزئه دلَالَة على جُزْء مَعْنَاهُ لَا يدل جزؤه على شَيْء(1/144)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِذن الرسمان أَعنِي الْقَدِيم والمحدث للمفرد متساويان فِي الدّلَالَة من غير عُمُوم وخصوص
وَلَو تَأمل متأمل وأنصف من نَفسه لَا يجد بَين لفظ عبد من عبد الله إِذا كَانَ علما وَبَين لفظ إِن من إِنْسَان تَفَاوتا فِي الْمَعْنى فَإِن كليهمَا يصلحان لِأَن يدل لَهما فِي حَال آخر على شَيْء
وَأما كَون الأول مَنْقُولًا من نعت وَالثَّانِي غير مَنْقُول فَأمر يرجع إِلَى حَال الْأَلْفَاظ وَلَا يتَغَيَّر بهما أَحْوَال الِاسْم فِي الدّلَالَة
فَظهر من ذَلِك أَن الرَّسْم الْمَنْقُول من التَّعْلِيم الأول صَحِيح وَأَن الْمُفْرد فِي الْمَعْنى شَيْء وَاحِد وَكَذَلِكَ مَا يُقَابله هُوَ الْمُسَمّى مركبا أَو مؤلفا
وَنَرْجِع إِلَى تتبع أَلْفَاظ الْكتاب فَنَقُول قَالَ الشَّيْخ الْمُفْرد هُوَ الَّذِي لَا يُرَاد بالجزء مِنْهُ دلَالَة أصلا زَاد فِي الرَّسْم الْقَدِيم ذكر الْإِرَادَة تَنْبِيها على أَن الْمرجع فِي دلَالَة اللَّفْظ هُوَ إِرَادَة المتلفظ
وَقَالَ حِين هُوَ جزؤه ليعلم أَن الْجُزْء من حَيْثُ هُوَ جُزْء لَا يدل على شَيْء آخر فَإِن دلّ بِإِرَادَة أُخْرَى على شَيْء آخر لَا يكون من حَيْثُ هُوَ جزؤه وَلَا يُنَافِي مَا قصدناه
وَجعل مُقَابل الْمُفْرد مركبا فَإِن الْفرق بَين الْمُؤلف والمركب على الِاصْطِلَاح الْجَدِيد لَا فَائِدَة لَهُ فِي هَذَا الْعلم
قَوْله فَمِنْهُ قَول تَامّ وَهُوَ الَّذِي كل جُزْء مِنْهُ لفظ تَامّ الدّلَالَة اسْم أَو فعل
أَقُول الْأَقْوَال تنْحَل إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء أَسمَاء وأفعال وحروف
وتشترك فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء وَهِي كَونهَا ألفاظا مُفْردَة دَالَّة على الْمعَانِي بِالْوَضْعِ والتواطؤ
فَإِن الْمَعْنى الْجَامِع لهَذِهِ الْأَرْبَعَة جِنْسهَا وتفترق أَولا بفصلين هما دلالتها فِي نَفسهَا أَو فِي غَيرهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
كَمَا أَن من الموجودات قَائِما بِنَفسِهِ هُوَ الْجَوْهَر وَقَائِمًا بِغَيْرِهِ هُوَ الْعرض
وَمن المعقولات معقولا بِنَفسِهِ هُوَ الذَّات ومعقولا بِغَيْرِهِ هُوَ الصّفة(1/145)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَذَلِك من الْأَلْفَاظ مَا هُوَ دَال فِي نَفسه ودال فِي غَيره
والأخير هُوَ الْحَرْف وَهُوَ الأداة
وَالْأول جنس يقسمهُ فصلان آخرَانِ هما التَّعَلُّق بِزَمَان معِين من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة والتجرد عَن ذَلِك
والأخير هُوَ الِاسْم
وَالْأول هُوَ الْفِعْل ويسميه المنطقيون كلمة وَالْفِعْل عِنْد النُّحَاة أَعم مِنْهُ عِنْد المنطقيين فَإِنَّهُم يسمون الْكَلِمَات الْمُؤَلّفَة مَعَ الضمائر كَقَوْلِنَا أَمْشِي أَيْضا فعلا
ففصول الْفِعْل ملكات
وفصول الِاسْم والحرف أعدامها
والأعدام تعرف ب الملكات وَلَا ينعكس فَلذَلِك اقْتصر الشَّيْخ على إِيرَاد حل الْفِعْل إِذْ هُوَ يتَنَاوَل حديهما بِالْقُوَّةِ فَقَالَ فِي حَده هُوَ الَّذِي يدل على معنى مَوْجُود لشَيْء غير معِين فِي زمَان معِين من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة
وَالْفِعْل لَا يَنْفَكّ بعد الْأُمُور الْخَمْسَة أَعنِي الْأَرْبَعَة الْمُشْتَركَة والاستقلال فِي الدّلَالَة الْمُشْتَرك بَينه وَبَين الِاسْم عَن شَيْئَيْنِ
أَحدهمَا كَون مَعْنَاهُ مَوْجُودا لغيره مرتبطا لذاته بِهِ
وَذَلِكَ الْغَيْر هُوَ الْفَاعِل
وَهُوَ قد يكون معينا وَقد لَا يكون لَكِن وجود التعين وَعَدَمه لَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ نَفسه فَهُوَ فِي نَفسه إِنَّمَا يَقْتَضِي الِاحْتِيَاج إِلَى غير لَا بِعَيْنِه لَا إِلَى غير بِشَرْط أَن يكون لَا بِعَيْنِه فَإِن بَينهمَا فرقا كَبِيرا وَهُوَ المُرَاد من قَوْله مَوْجُود لشَيْء غير معِين
وَقد تشاركه الْأَسْمَاء الْمُتَّصِلَة بالأفعال كالفاعل وَالْمَفْعُول وَالصّفة فِي هَذَا
وَالثَّانِي حُصُوله فِي زمَان معِين
فَإِن من الْأَسْمَاء مَا يدل على نفس الزَّمَان كالوقت
وَمِنْهَا مَا يدل على مَا جزؤه الزَّمَان كالصبوح
وَمِنْهَا مَا يدل على معنى إِنَّمَا يحصل فِي زمَان لَا بِعَيْنِه كجميع الْأَسْمَاء الْمُتَّصِلَة بالأفعال(1/146)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وجميعها مُجَرّدَة عَن الزَّمَان الْمعِين الَّذِي يحصل فِيهِ الْمَعْنى
أما مَا تعين زَمَانه بِحَسب حُصُول الْمَعْنى فِيهِ فَهُوَ الْفِعْل لَا غير وَهُوَ المُرَاد من قَوْله فِي زمَان معِين من الثَّلَاثَة
وَالْحَد الَّذِي أوردهُ الشَّيْخ نَاقص غير متناول لجَمِيع الذاتيات لَا سِيمَا الْفَصْل الَّذِي يميزه عَن الْحَرْف إِلَّا بِالْتِزَام
وَالْحَد التَّام للْفِعْل التَّام أَن يُقَال الْفِعْل لفظ مُفْرد يدل بِالْوَضْعِ على معنى مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَيتَعَلَّق بِشَيْء لَا بِعَيْنِه فِي زمَان من الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة يُعينهُ ذَلِك التَّعَلُّق
فالأفعال النَّاقِصَة مَا تنقص فِيهَا الدّلَالَة على نفس الْمَعْنى فَيحْتَاج إِلَى جُزْء يدل عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا كَانَ زيد قَائِما وَهِي الَّتِي يسميها المنطقيون كَلِمَات وجودية
وَقد ظن بَعضهم أَن الْفِعْل الْبَسِيط أَعنِي الْمُجَرّد عَن الِاسْم الَّذِي يُسَمِّيه المنطقيون كلمة لَا يُوجد فِي لُغَة الْعَرَب لاشتمال أَكثر الْأَفْعَال على الضمائر وَهُوَ ظن فَاسد يتحققه وَفِي نُسْخَة يحققه النُّحَاة فَإِن قَوْلنَا قَامَ فِي قَامَ زيد خَال عَن الضَّمِير وَإِن كَانَ مُشْتَمِلًا على ضمير فِي عَكسه
والكلمة فِي لُغَة اليونانيين كَانَت تدل بانفرادها على وُقُوعهَا فِي الْحَال وَتسَمى قَائِمَة ثمَّ تصرف إِلَى الْمَاضِي أَو الْمُسْتَقْبل بأدوات لذَلِك تقترن بهَا
وَظهر من حد الْفِعْل أَن الِاسْم لفظ مُفْرد يدل بِالْوَضْعِ على معنى يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وَلَا يَقْتَضِي وُقُوعه فِي زمَان يتَعَيَّن بِحَسبِهِ والحرف لفظ مُفْرد يدل بِالْوَضْعِ على معنى فِي غَيره
والتأليف الثنائي بَين هَذِه الثَّلَاثَة يُمكن على سِتَّة أوجه
اثْنَان مِنْهَا تامان بِحَسب النَّحْو وَهُوَ مَا يتألف من اسْمَيْنِ أَو من اسْم وَفعل يسند أَحدهمَا إِلَى الآخر كَقَوْلِنَا زيد قَائِم وَقَامَ زيد
وَقَول الشَّيْخ إِن القَوْل التَّام هُوَ الَّذِي كل جُزْء مِنْهُ لفظ تَامّ الدّلَالَة
اسْم أَو فعل يُوهم أَن التَّام مِنْهَا ثَلَاثَة
لَكِن التَّأْلِيف من فعلين غير مُمكن لاحتياج كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الِاسْم فَيرجع التَّام إِلَى الْقسمَيْنِ الْمَذْكُورين إِلَّا أَن قَوْله فِي الْمِثَال حَيَوَان نَاطِق يدل أَن على الْمُؤلف(1/147)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الْمَوْصُوف وَالصّفة يعد فِي الْأَقْوَال التَّامَّة
وَحِينَئِذٍ يكون مَا ذهب إِلَيْهِ النُّحَاة أخص لكنه أَسد لِأَن التَّام عِنْدهم لَا يَقع موقع الْمُفْرد وَهَذَا يَقع
قَوْله فِي القَوْل النَّاقِص إِلَّا أَن أحد الجزأين أَدَاة لَا يتم مفهومها إِلَّا بِقَرِينَة لما كَانَت الأداة لَا تدل إِلَّا على معنى فِي غَيرهَا احْتَاجَت فِي الدّلَالَة إِلَى غير يتقوم مدلولها بِهِ وَهُوَ المُرَاد بِالْقَرِينَةِ
فالأداة الْمُقَارنَة لَهَا تدل على كَمَال مَا يدل عَلَيْهِ فِي مثلهَا كَقَوْلِنَا لَا إِنْسَان
والفاقدة إِيَّاهَا وَإِن اقترنت بغَيْرهَا لَا تكون تدل على كَمَال مَا يدل عَلَيْهِ فِي مثلهَا كَقَوْلِنَا زيد لَا
وَالْأول تأليف نَاقص لِأَنَّهَا فِي قُوَّة مُفْرد
وَالثَّانِي لَيْسَ بتأليف إِلَّا بعد الانضياف إِلَى الْقَرِينَة(1/148)
الْفَصْل الثَّامِن إِشَارَة إِلَى اللَّفْظ الجزئي وَاللَّفْظ الْكُلِّي
1 - اللَّفْظ قد يكون جزئيا وَقد يكون كليا
والجزئي هُوَ الَّذِي نفس تصور مَعْنَاهُ يمْنَع وُقُوع الشّركَة فِيهِ مثل المتصور من زيد
وَإِذا كَانَ الجزئي كَذَلِك فَيجب أَن يكون الْكُلِّي مَا يُقَابله وَهُوَ الَّذِي نفس تصور مَعْنَاهُ لَا يمْنَع وُقُوع الشّركَة فِيهِ
فَإِن امْتنع امْتنع لسَبَب من خَارج مَفْهُومه
فبعضه يكون مُشْتَركا فِيهِ بِالْفِعْلِ
مثل الْإِنْسَان
وَبَعضه يكون مُشْتَركا بِالْقُوَّةِ والإمكان مثل الشكل الْكرَى الْمُحِيط باثنتي عشرَة قَاعِدَة مخمسات
وَبَعضه لَيْسَ تقع فِيهِ شركَة لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ والإمكان لسَبَب غير نفس مَفْهُومه مثل الشَّمْس عِنْد من لَا يجوز وجود شمس أُخْرَى
مِثَال الجزئي زيد وَهَذِه الكرة المحيطة بِتِلْكَ
وَهَذِه الشَّمْس
مِثَال الْكُلِّي الْإِنْسَان والكرة المحيطة بهَا مُطلقَة وَالشَّمْس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الجزئي الَّذِي رسمه هُوَ الْحَقِيقِيّ
والإضافي هُوَ كل أخص يَقع تَحت أَعم وَلَو كَانَ كليا بِالْمَعْنَى الأول كالإنسان تَحت الْحَيَوَان(1/149)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويقابلهما الْكُلِّي بمعنيين
وَقوم قسموا الْكُلِّي إِلَى أَقسَام سِتَّة بِأَن قَالُوا
إِمَّا أَن يُوجد فِي كثيرين كَثْرَة غير متناهية أَو متناهية
أَو فِي وَاحِد فَقَط
أَو لَا يُوجد أصلا
والأخيران إِمَّا أَن يُمكن وجودهما فِي كثيرين أَو لَا يُمكن بِسَبَب غير الْمَفْهُوم
وأمثلتها الْإِنْسَان وَالْكَوَاكِب وَالشَّمْس عِنْد من يجوز نظيرها والإله والكرة الْمَذْكُورَة وَشريك الْبَارِي
وَفِيمَا ذكره الشَّيْخ كِفَايَة
وَمَا فِي الْكتاب ظَاهر(1/150)
الْفَصْل التَّاسِع إِشَارَة إِلَى الذاتي والعرضي اللَّازِم والمفارق
1 - وَقد تكون من المحمولات ذاتية وعرضية لَازِمَة وعرضية مُفَارقَة ولنبدأ بتعريف الذاتية
اعْلَم أَن من المحمولات محمولات مقومة لموضوعاتها
وَلست أَعنِي بالمقوم الْمَحْمُول الَّذِي يفْتَقر الْمَوْضُوع إِلَيْهِ فِي تَحْقِيق وجوده ككون الْإِنْسَان مولودا أَو مخلوقا أَو مُحدثا
وَكَون السوَاد عرضا
بل الْمَحْمُول الَّذِي يفْتَقر إِلَيْهِ الْمَوْضُوع فِي تحقق ماهيته وَيكون دَاخِلا فِي ماهيته جُزْءا مِنْهَا
مثل الشكلية للمثلث أَو الجسمية للْإنْسَان وَلِهَذَا لَا يفْتَقر فِي تصور الْجِسْم جسما إِلَى أَن نمتنع عَن سلب المخلوقية عَنهُ من حَيْثُ نتصوره جسما
ونفتقر فِي تصور المثلث مثلثا إِلَى أَن نمتنع عَن سلب الشكلية عَنهُ
وَإِن كَانَ هَذَا فرقا غير عَام
بل قد يكون بعض اللوازم غير المقومة بِهَذِهِ الصّفة على مَا سيتلى عَلَيْك
وَلكنه فِي هَذَا الْموضع فرق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول كل مَحْمُول فَهُوَ كلي حَقِيقِيّ لِأَن الجزئي الْحَقِيقِيّ من حَيْثُ هُوَ جزئي لَا يحمل على غَيره
وكل كلي فَهُوَ مَحْمُول بالطبع على مَا هُوَ تَحْتَهُ وَرُبمَا يُخَالف الْوَضع الطَّبْع
كَقَوْلِنَا الْجِسْم حَيَوَان أَو جماد
وَأَرَادَ الشَّيْخ بالمحمولات هَهُنَا مَا هِيَ بالطبع
فَهِيَ إِمَّا ذاتية لموضوعاتها وَإِمَّا عرضية
وَقد يسْتَعْمل الذاتي بِمَعْنى آخر كَمَا يَجِيء ذكره فيخصص هَذَا باسم الْمُقَوّم وَهُوَ(1/151)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا مَا تتألف مِنْهُ الذَّات فَيكون ذاتيا بِالْقِيَاسِ إِلَى الذَّات
والبسيط الْمُطلق لَا ذاتي لَهُ بِهَذَا الْمَعْنى
وَإِمَّا مَا هُوَ نفس الذَّات فَهُوَ ذاتي بِالْقِيَاسِ إِلَى جزئيات الذَّات المتكثرة بِالْعدَدِ فَقَط
وكل مَا سواهُمَا مِمَّا يحمل على الذَّات بعد تقومها فَيكون وجوده مغايرا لوُجُود الْمَاهِيّة فَلَا يكون مَحْمُولا عَلَيْهَا إِذْ الْحمل يَسْتَدْعِي الِاتِّحَاد فِي الْوُجُود
فَهُوَ وَالْجُمْهُور يجْعَلُونَ الذاتي هُوَ الْقسم الأول وَحده وَيُنْكِرُونَ الثَّانِي لكَون الذاتي عِنْدهم مَنْسُوبا إِلَى الذَّات والذات لَا تنْسب إِلَى نَفسهَا
وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْلُو تَعْرِيف الذاتي من عسر مَا والقدماء قد ذكرُوا لَهُ ثَلَاث خاصيات
إِحْدَاهَا أَنه لَا يُمكن أَن يتَصَوَّر الشَّيْء إِلَّا إِذا تصور مَا هُوَ ذاتي لَهُ أَولا
وَثَانِيها أَن الشَّيْء لَا يحْتَاج فِي اتصافه بِمَا هُوَ ذاتي لَهُ إِلَى عِلّة مُغَايرَة لذاته فَإِن السوَاد هُوَ لون لذاته لَا لشَيْء آخر يَجعله لونا فَإِن مَا جعله سوادا جعله أَولا لونا
وَثَالِثهَا أَن الذاتي يمْتَنع رَفعه عَمَّا هُوَ ذاتي لَهُ وجودا وتوهما
وَهَذِه الخاصيات إِنَّمَا تُوجد للذاتي
عِنْد إِحْضَاره بالبال مَعَ الشَّيْء الَّذِي هُوَ ذاتي لَهُ
وَمن اللوازم العرضية مَا يُشَارك الذاتي فِي الخاصتين الْأَخِيرَتَيْنِ فَإِن الِاثْنَيْنِ مثلا لَا يحْتَاج فِي اتصافه بِالزَّوْجِيَّةِ إِلَى عِلّة غير ذَاته وَلَا يُمكن رفع الزَّوْجِيَّة عَنهُ فِي الْوُجُود وَلَا فِي التَّوَهُّم
إِلَّا أَن الذاتي يلْحق الشَّيْء الَّذِي هُوَ ذاتي لَهُ قبل ذَاته فَإِنَّهُ من علل ماهيته أَو نفس ماهيته والعرضي اللَّازِم يلْحقهُ بعد ذَاته فَإِنَّهُ من معلولاته وَعلل الْمَاهِيّة غير علل الْوُجُود
وَقد أَشَارَ الشَّيْخ فِي هَذَا الْفَصْل إِلَى الْفرق بَينهمَا فَقَالَ وَلست أَعنِي بالمقوم الْمَحْمُول الَّذِي يفْتَقر الْمَوْضُوع إِلَيْهِ فِي تحقق وجوده بل الْمَحْمُول الَّذِي يفْتَقر الْمَوْضُوع إِلَيْهِ فِي ماهيتة
ثمَّ قَالَ وَيكون دَاخِلا فِي ماهيته جُزْءا مِنْهَا مثل الشكل للمثلث
يُرِيد بِهِ الْقسم الأول من الذاتي وَهُوَ الذاتي عِنْد الْجُمْهُور وَقد يُقَال لَهُ(1/152)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جُزْء الْمَاهِيّة بالمجاز فَإِن الجزئي الْحَقِيقِيّ لَا يحمل على كُله بالمواطأة
والذاتي يحمل على الْمَاهِيّة بل إِنَّمَا يكون اللَّفْظ الدَّال عَلَيْهِ جُزْءا من حَدهَا فَهُوَ يشبه الْجُزْء لذَلِك وَقد اضْطر إِلَى إِطْلَاق الْجُزْء عَلَيْهِ لعوز الْعبارَة عَنهُ
ثمَّ إِنَّه بَين الْفرق بَين علل الْمَاهِيّة وَعلل الْوُجُود بالخاصية الْمَذْكُورَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهَا مَوْجُودَة لعلل الْمَاهِيّة غير مَوْجُودَة لعلل الْوُجُود فَقَالَ
وَلِهَذَا لَا نفتقر فِي تصور الْجِسْم جسما إِلَى أَن نمتنع عَن سلب المخلوقية عَنهُ من حَيْثُ نتصوره جسما
ونفتقر فِي تصور المثلث مثلثا إِلَى أَن نمتنع عَن سلب الشكلية عَنهُ
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح الِامْتِنَاع على السَّلب يلْزمه الْقطع بِالْإِيجَابِ إِلَّا أَن الِامْتِنَاع عَن السَّلب يسْتَلْزم إِحْضَار وَفِي نُسْخَة إخطار الذاتي بالبال أَيْضا الَّذِي هُوَ شَرط فِي أَن تظهر الخاصية الْمَذْكُورَة لَهُ
وَالْقطع بِالْإِيجَابِ لَا يسْتَلْزم لِأَنَّهُ قد يكون بِالْفِعْلِ وَقد يكون بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَة من الْفِعْل وَذَلِكَ عِنْدَمَا لَا يكون الذاتي مخطرا بالبال بل يكون الذِّهْن ذاهلا عَن الِالْتِفَات إِلَيْهِ وَلذَلِك عدل عَن ذكر الْقطع بِالْإِيجَابِ إِلَى الْعبارَة عَنهُ بالامتناع عَن السَّلب
أَقُول وَهَذَا فرق ضَعِيف لِأَن الِامْتِنَاع عَن السَّلب وَالْقطع بِالْإِيجَابِ متلازمان وحكمهما فِي استلزام إِحْضَار وَفِي نُسْخَة إخطار الذاتي بالبال إِذا كَانَا بِالْفِعْلِ وَفِي عدم استلزامه إِذا كَانَا بِالْقُوَّةِ وَاحِد
وَقَوله من حَيْثُ نتصوره جسما
فَائِدَة هَذَا الْقَيْد أَن امتياز الْمَاهِيّة عَن الْوُجُود لَا يكون إِلَّا فِي التَّصَوُّر فعللها لَا تمتاز عَن علل الْوُجُود إِلَّا هُنَاكَ
قَوْله وَإِن كَانَ هَذَا فرقا غير عَام أَي لَيْسَ فرقا بَين الذاتيات وَجَمِيع العرضيات فَإِن بعض العرضيات يشاركها فِيهِ كَمَا مر
بل هُوَ فرق خَاص بَين الذاتيات وَبَين لَوَازِم الْوُجُود الَّتِي لَا تلْزم الْمَاهِيّة
ومثاله أَن يفرق بَين المثلث والدائرة بِأَن المثلث مضلع بِخِلَاف الدائرة فَإِن المضلع وَإِن كَانَ يعم المثلث وَغَيره لكنه يُفِيد الْفرق فِي الْمَوْضُوع الْمَطْلُوب(1/153)
الْفَصْل الْعَاشِر إِشَارَة إِلَى الذاتي الْمُقَوّم
1 - اعْلَم أَن كل شَيْء لَهُ مَاهِيَّة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يتَحَقَّق مَوْجُودا فِي الْأَعْيَان أَو متصورا فِي الأذهان بِأَن تكون أجزاؤه حَاضِرَة مَعَه
2 - وَإِذا كَانَت لَهُ حَقِيقَة غير كَونه مَوْجُودا أحد الوجودين وَغير مقوم بِهِ
3 - فالوجود معنى مُضَاف إِلَى حقيقتة لَازم أَو غير لَازم
4 - وَأَسْبَاب وجوده أَيْضا غير أَسبَاب ماهيتة مثل الإنسانية فَإِنَّهَا فِي نَفسهَا حَقِيقَة مَا وماهية
لَيْسَ أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان أَو مَوْجُودَة فِي الأذهان مُقَومًا لَهَا بل مُضَافا إِلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْمَاهِيّة مُشْتَقَّة عَمَّا هُوَ وَهِي مَا بِهِ يُجَاب عَن السُّؤَال بِمَا هُوَ وَالْمرَاد هَهُنَا كل شَيْء لَهُ مَاهِيَّة مركبة دون البسائط
وَيدل عَلَيْهِ ذكر الْأَجْزَاء وَإِنَّمَا خص الْبَيَان بالمركبات لِأَنَّهُ يُرِيد بَيَان الْقسم الأول من الذاتيات الَّتِي يعرفهَا الْجُمْهُور
2 - يَعْنِي بالوجودين الْخَارِجِي والذهني
وَالشَّيْء قد تكون حقيقتة هُوَ الْوُجُود الْخَاص بِهِ وَهُوَ وَاجِب الْوُجُود لذاته وَقد لَا يكون وَهُوَ مَا عداهُ لكنه إِذا أَخذ مَوْجُودا كَانَ الْوُجُود مُقَومًا لَهُ من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
3 - الْوُجُود اللَّازِم هُوَ لما يَدُوم وجوده
وَغير اللَّازِم لما لَا يَدُوم
4 - أَقُول أَسبَاب الْوُجُود هِيَ الْفَاعِل والغاية والموضوع
وَأَسْبَاب الْمَاهِيّة الْجِنْس والفصل
من حَيْثُ الْوُجُود فِي الْعقل
والمادة وَالصُّورَة من(1/154)
وَلَو كَانَ مُقَومًا لَهَا لاستحال أَن يتَمَثَّل مَعْنَاهَا فِي النَّفس خَالِيا عَمَّا هُوَ جزؤها الْمُقَوّم فاستحال أَن يحصل لمَفْهُوم الإنسانية فِي النَّفس وجود وَيَقَع الشَّك فِي أَنَّهَا هَل لَهَا فِي الْأَعْيَان وجود أم لَا
أما الْإِنْسَان فَعَسَى أَن لَا يَقع فِي وجوده شكّ لَا بِسَبَب مَفْهُومه بل بِسَبَب الإحساس بجزئياته
وَلَك أَن تَجِد مِثَالا لغرضنا فِي معَان أخر
5 - فَجَمِيع مقومات الْمَاهِيّة دَاخِلَة مَعَ الْمَاهِيّة فِي التَّصَوُّر وَإِن لم تخطر فِي البال مفصلة
6 - كَمَا لَا يخْطر كثير من المعلومات بالبال لَكِنَّهَا إِذا أخطرت بالبال تمثلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حَيْثُ الْوُجُود فِي الْخَارِج
5 - المركبات الَّتِي لَا تُوجد أجزاؤها متمايزة فللإنسان أَن يتصورها وَأَن يُمَيّز بَين أَجْزَائِهَا ويفصلها ويلاحظ كل وَاحِد مِنْهَا وحدة مُنْفَرِدَة عَن غَيره وَذَلِكَ لقُوته المميزة
فالتفاته بِالْقَصْدِ الأول إِلَى التَّصَوُّر الأول وَإِن كَانَ مَشْرُوطًا بِحُضُور الْأَجْزَاء مَعَه بِالْقَصْدِ الثَّانِي كَمَا يكون عَلَيْهِ فِي الْوُجُود مُغَاير لالتفاته بِالْقَصْدِ الأول إِلَى صور الْأَجْزَاء المفصلة المتمايزة الْحَاصِلَة عِنْده بِحَسب تصرفه فِي المتصور الأول
وَقد يكون الأول حَاضرا بِالْفِعْلِ ملتفتا إِلَيْهِ بِالْقَصْدِ الأول من دون أَن يكون الثَّانِي مَعَه كَذَلِك وَإِن كَانَ الأول لَا يتم إِلَّا وَأَن يكون الثَّانِي حَاصِلا مَعَه بِحَيْثُ يكون لَهُ أَن يحضرها مَتى شَاءَ ويلتفت إِلَيْهَا بِقصد مُسْتَأْنف والتفات مُجَرّد عَن تجشم اكْتِسَاب كالمعلومات الْحَاصِلَة الَّتِي لَا يلْتَفت إِلَيْهَا الذِّهْن بِالْفِعْلِ وَله أَن يلْتَفت إِلَيْهَا مَتى شَاءَ
فَقَوله فَجَمِيع مقومات الْمَاهِيّة دَاخِلَة مَعَ الْمَاهِيّة فِي التَّصَوُّر إِشَارَة إِلَى حُضُور المتصور الأول مَعَ أَجْزَائِهِ كَمَا ذكره فِي أول الْفَصْل بقوله إِن كل شَيْء لَهُ مَاهِيَّة فَإِنَّهُ إِنَّمَا يتَصَوَّر مَعَ حُضُور أَجْزَائِهَا
وَقَوله وَإِن لم تخطر بالبال مفصلة إِشَارَة إِلَى التَّصَوُّر التفصيلي الثَّانِي الَّذِي ذَكرْنَاهُ
6 - إِشَارَة إِلَى الْمِثَال الْمَذْكُور من المعلومات الْحَاصِلَة بعض الملتفت إِلَيْهَا
فَظهر معنى كَلَامه من غير تنَاقض كَمَا ظَنّه بعض الناظرين فِيهِ(1/155)
7 - فالذاتيات للشَّيْء بِحَسب عرف هَذَا الْموضع من الْمنطق هِيَ هَذِه المقومات
8 - وَلِأَن الطبيعة الْأَصْلِيَّة الَّتِي لَا يخْتَلف فِيهَا إِلَّا بِالْعدَدِ مثل الإنسانية
9 - فَإِنَّهَا مقومة لشخص شخص تحتهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
7 - إِشَارَة إِلَى الذاتي الْمُتَعَارف بَين الْجُمْهُور فِي هَذَا الْموضع
فَإِن الذاتي الَّذِي فِي كتاب الْبُرْهَان يُطلق على مَا هُوَ أَعم من الذاتي هَهُنَا
8 - يُرِيد بَيَان الْقسم الثَّانِي من الذاتي الْمَذْكُور الَّذِي لَا يعرفهُ الْجُمْهُور
ولنقدم لتعريفه مُقَدّمَة فَنَقُول الْمعَانِي الَّتِي لَا تمنع مفهوماتها وُقُوع الشّركَة فِيهَا قد تُوجد من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا من حَيْثُ إِنَّهَا وَاحِدَة أَو كَثِيرَة أَو جزئية أَو كُلية أَو مَوْجُودَة أَو غير مَوْجُودَة بل من حَيْثُ تصلح لِأَن تكون معروضات لهَذِهِ الْمعَانِي وَتصير بِحَسب عروضها وَاحِدَة أَو كَثِيرَة أَو جزئية أَو كُلية أَو مَوْجُودَة أَو غير مَوْجُودَة وَفِي نُسْخَة أَو غير ذَلِك وَحِينَئِذٍ يكون الْعَارِض والمعروض شَيْئَيْنِ لَا شَيْئا وَاحِدًا فَإِنَّهَا تسمى من حَيْثُ هِيَ كَذَلِك طبائع أَي طبائع أَعْيَان الموجودات وحقائقها
وَهِي الَّتِي تسمى بالكلي الطبيعي
وَيُسمى عارضها الَّذِي يَجْعَلهَا وَاقعا على كثيرين بالكلي المنطقي
والمركب مِنْهُمَا بالكلي الْعقلِيّ
فَقَوله وَلِأَن الطبيعة الْأَصْلِيَّة إِشَارَة إِلَى تِلْكَ الْمعَانِي وَحدهَا وَهِي قد تكون غير محصلة فَتحصل بأَشْيَاء تقترن إِلَيْهَا وَهِي الْمعَانِي الجنسية الَّتِي تتحصل بالفصول وَقد تكون متحصلة تتكثر بِالْعدَدِ فَقَط أَي لَا يكون اخْتِلَاف مَا بَين جزئياتها إِلَّا بالعوارض الْخَارِجَة عَن ماهياتها وَهِي الْمعَانِي النوعية
فَقَوله الَّتِي لَا تخْتَلف فِيهَا إِلَّا بِالْعدَدِ يُرِيد تخصيصها بالقسم الثَّانِي
9 - أَي الطبيعة النوعية أَيْضا مقومة للأشخاص الْمُخْتَلفَة بِالْعدَدِ وَكَيف لَا وَتلك الطبعة إِنَّمَا هِيَ تَمام مَاهِيَّة تِلْكَ الْأَشْخَاص(1/156)
1 -. ويفضل عَلَيْهَا الشَّخْص بخواص لَهُ
11 - فَهِيَ أَيْضا ذاتية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 -. إِشَارَة إِلَى مَا ذكرنَا من كَونهَا متكثرة بالعوارض الْخَارِجَة عَنْهَا فَإِن هَذَا الْإِنْسَان وَذَلِكَ الْإِنْسَان لَا يَخْتَلِفَانِ من حَيْثُ الإنسانية الَّتِي هِيَ ماهيتهما بل يَخْتَلِفَانِ بِالْإِشَارَةِ الحسية ولوازمها من اخْتِلَاف الْمَادَّة والأين والوضع وَغير ذَلِك وَكلهَا خَارِجَة عَن الإنسانية الْمُجَرَّدَة
11 - وَذَلِكَ لوُجُود الخاصيات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة فِيهَا وَهُوَ الْمَقْصُود(1/157)
الْفَصْل الْحَادِي عشر إِشَارَة إِلَى العرضي اللَّازِم غير الْمُقَوّم
1 - وَأما اللَّازِم غير الْمُقَوّم ويخص باسم اللَّازِم وَإِن كَانَ الْمُقَوّم أَيْضا لَازِما فَهُوَ الَّذِي يصحب الْمَاهِيّة فَلَا يكون جُزْءا مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول لَازم الشَّيْء بِحَسب اللُّغَة مَا لَا يَنْفَكّ الشَّيْء عَنهُ وَهُوَ
إِمَّا دَاخل فِيهِ
أَو خَارج عَنهُ
وَالْأول هُوَ الذاتي الْمُقَوّم
وَالثَّانِي هُوَ المصاحب الدَّائِم
فَإِن المصاحب مِنْهُ مَا يصاحبه دَائِما وَمِنْه مَا يصاحبه وَفِي نُسْخَة يصاحب وقتا مَا
وَسبب المصاحبة
إِمَّا أَن يكون بِحَيْثُ يُمكن أَن يعلم أَو لَا يكون
وَالْأول ينْسب إِلَى اللُّزُوم فِي الْعرف
وَالثَّانِي ينْسب إِلَى الِاتِّفَاق
فَإِن الِاتِّفَاق لَا يَخْلُو عَن سَبَب مَا إِلَّا أَن الْجَاهِل بِسَبَبِهِ ينْسبهُ إِلَى الِاتِّفَاق
فاللازم هَهُنَا هُوَ الْمَحْمُول الْخَارِج عَن الْمَوْضُوع الَّذِي لَا يَنْفَكّ الْمَوْضُوع عَنهُ فِي حَال من الْأَحْوَال بِسَبَب من شَأْنه أَن يكون مَعْلُوما
والذاتي أَيْضا مَحْمُول لَا يَنْفَكّ عَنهُ الْمَوْضُوع فِي حَال من الْأَحْوَال بِسَبَب مَعْلُوم إِلَّا أَنه لَيْسَ خَارِجا عَنهُ فَهُوَ لَازم بِحَسب اللُّغَة دون الِاصْطِلَاح
وَالشَّيْخ عرف اللَّازِم بِأَنَّهُ الَّذِي يصحب الْمَاهِيّة وَلَا يكون جُزْءا مِنْهَا وَهَذَا التَّعْرِيف يتَنَاوَل أَيْضا مَا يصحبها من العرضيات لَا دَائِما أَو بالِاتِّفَاقِ لَكِن مُرَاد الشَّيْخ(1/158)
2 - مثل كَون المثلث مساوي الزوايا لقائمتين
وَهَذَا وَأَمْثَاله من لواحق تلْحق المثلث عِنْد المقايسات لُحُوقا وَاجِبا
3 - وَلَكِن بَعْدَمَا يقوم المثلث بأضلاعه الثَّلَاثَة
4 - وَلَو كَانَت أَمْثَال هَذِه مقومات لَكَانَ المثلث وَمَا يجْرِي مجْرَاه يتركب من مقومات غير متناهية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَمْيِيزه عَن الذاتي فَهُوَ تَعْرِيف لَهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى الذاتيات لَا إِلَى سَائِر العرضيات كَمَا مر فِي الْفرق بَين الذاتيات ولوازم الْوُجُود
2 - أَقُول المحمولات الخارجية
إِمَّا أَن تلْحق الْمَوْضُوع لَا بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء خَارج عَنهُ بل بِقِيَاس بعض أَجْزَائِهِ إِلَى بعض كالمستقيم لِلْخَطِّ أَو بِقِيَاس الْمَوْضُوع إِلَى مَا فِيهِ كالضاحك والأبيض للْإنْسَان فَإِنَّهُمَا يحْملَانِ عَلَيْهِ لأجل وجود الضحك وَالْبَيَاض فِيهِ
وَإِمَّا أَن يلْحقهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء خَارج عَنهُ كَنِصْف الِاثْنَيْنِ الَّذِي يحمل على الْوَاحِد بقياسه إِلَى الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ مهما قيس إِلَى الثَّلَاثَة صَارَت نصفية ثلاثية ومساوي الزوايا لقائمتين مَحْمُول على المثلث قد لحقه بِقِيَاس زواياه إِلَى قائمتين فَهُوَ من النّصْف الثَّانِي
وَجَمِيع ذَلِك إِمَّا أَن يلْحق الْمَوْضُوع لُحُوقا وَاجِبا أَو مُمكنا
وَالْأول هُوَ اللَّازِم
وَالثَّانِي مَا عداهُ سَوَاء لحقه اتِّفَاقًا أَو لحقه لُحُوقا غير دَائِم
وَهُوَ المُرَاد من قَوْله وَهَذَا وَأَمْثَاله من لواحق تلْحق المثلث عِنْد المقايسات لُحُوقا وَاجِبا
3 - إِشَارَة إِلَى كَونهَا عرضية غير ذاتية لِأَن الذاتية أَيْضا تلْحقهُ لُحُوقا وَاجِبا وَلَكِن لَيْسَ بعد مَا يقوم
4 - وَذَلِكَ لِأَن مقايسته إِلَى كل وَاحِد مِمَّا عداهُ لَا تَنْحَصِر فِي حد فَكَمَا أَن زَوَايَا المثلث مُسَاوِيَة لقائمتين فَهِيَ مُسَاوِيَة لنصف أَربع قَوَائِم وهلم جرا
وَقَول الْفَاضِل الشَّارِح مشْعر بِأَنَّهُ جعل المحمولات الَّتِي لَيست بِالْقِيَاسِ إِلَى أُمُور خَارِجَة عَن الْمَوْضُوع مَوْجُودَة فِي الْخَارِج وَالَّتِي بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا مَوْجُودَة فِي الذِّهْن دون الْخَارِج(1/159)
5 - وأمثال هَذِه إِن كَانَ لُزُومهَا بِغَيْر وسط كَانَت مَعْلُومَة وَاجِبَة اللُّزُوم فَكَانَت ممتنعة الرّفْع فِي الْوَهم مَعَ كَونهَا غير مقومة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمَّ استنكر كَون الصِّنْف الثَّانِي غير متناهية لوقوف الذِّهْن عِنْد حد مَا
وَالْحق أَن كَون الشَّيْء مَحْمُولا على شَيْء أَمر عَقْلِي سَوَاء كَانَ بِالْقِيَاسِ إِلَى أَمر خَارج أَو لم يكن بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء فَإِن الْمَوْجُود فِي الْمَوْضُوع لَيْسَ إِلَّا الْبيَاض مثلا
أما كَون الْمَوْضُوع أَبيض لَيْسَ فِي خَارج الْعقل أمرا زَائِدا على الْبيَاض وعَلى مَوْضُوعه وَلذَلِك كَانَ الْحمل والوضع من المعقولات الثَّانِيَة
وَأما كَون بعض المحمولات غير متناهية فَهُوَ بِحَسب الْقُوَّة والإمكان وَلَيْسَ يخرج مِنْهَا إِلَى الْفِعْل أبدا إِلَّا مَا يتناهى عدده كَمَا هُوَ الْحَال فِي سَائِر الْأَشْيَاء الَّتِي تُوصَف باللانهاية كالأعداد وَغَيرهَا
وَالْعلَّة فِي امْتنَاع كَون أَمْثَال هَذِه المحمولات مقومات هِيَ أَن الْمَوْجُود بِالْفِعْلِ لَا يُمكن أَن يتقوم بأجزاء لَا تُوجد إِلَّا بِالْقُوَّةِ فَإِن أَجزَاء الشَّيْء يجب أَن تكون حَاضِرَة مَعَه لَا مَا استحسنه الشَّارِح من أَن الْمَوْجُود خَارج الذِّهْن لَا يتقوم بالأجزاء الذهنية
5 - أَقُول مَطْلُوب الشَّيْخ أَن يثبت وجود لَوَازِم بَيِّنَة يمْتَنع رَفعهَا فِي الذِّهْن مَعَ وضع ملزوماتها
فَإِن قوما من المنطقيين أَنْكَرُوا أَن يكون فِي اللوازم مَا يمْتَنع رَفعه وَقَالُوا كل مَا يمْتَنع رَفعه فِي الذِّهْن فَهُوَ ذاتي مقوم وَذَلِكَ لأَنهم وجدوا هَذَا الحكم معدودا فِي الخاصيات الثَّلَاث الْمَذْكُورَة للذاتي
فأورد الشَّيْخ لإِثْبَات مَطْلُوبه قسْمَة حَاذَى بهَا أَقسَام الْعُلُوم الأولية والمكتسبة البرهانية
وَذَلِكَ أَن يُقَال
الْمَحْمُول اللَّازِم لَا يَخْلُو
من أَن يكون لُزُومه للموضوع لَا بتوسط شَيْء آخر بل لِأَن ذَات الْمَوْضُوع أَو الْمَحْمُول لما هِيَ هِيَ تَقْتَضِي ذَلِك اللُّزُوم
أَو يكون بتوسط أَمر مُغَاير لَهما يَقْتَضِيهِ
وَالْقسم الأول يَقْتَضِي أَن يكون الْمُؤلف من ذَلِك الْمَوْضُوع والمحمول قَضِيَّة لَا يتَوَقَّف(1/160)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحكم فِيهَا إِلَّا على تصورهما فَقَط فَيكون من الأوليات
وَالْقسم الثَّانِي يَقْتَضِي أَن يكون الْمُؤلف قَضِيَّة مكتسبة من جملَة القضايا الَّتِي تشْتَمل الْعُلُوم البرهانية على أَمْثَالهَا وَذَلِكَ لِأَن محمولات المطالب العلمية لَا تكون مقومات لموضوعاتها بل تكون أعراضا ذاتية لَهَا كَمَا ذكر فِي صناعَة الْبُرْهَان
فَقَوله وأمثال هَذِه إِن كَانَ لُزُومهَا بِغَيْر وسط إِشَارَة إِلَى الْقسم الأول
وَقَوله كَانَت مَعْلُومَة أَي مَعْلُومَة من غير اكْتِسَاب وَاجِبَة اللُّزُوم وَذَلِكَ لوُجُود السَّبَب الْمُوجب للُزُوم فَكَانَت وَفِي نُسْخَة وَكَانَت ممتنعة الرّفْع فِي الْوَهم مَعَ كَونهَا غير مقومة وَذَلِكَ مُنَاقض لما ذهب إِلَيْهِ الْقَوْم المذكورون من المنطقيين وَهُوَ مَطْلُوب الشَّيْخ
وَاعْلَم أَن الحكم بِكَوْن الْمَحْمُول اللَّازِم بِغَيْر وسط بَينا للموضوع لَا يحْتَاج إِلَى الْبُرْهَان الطَّوِيل الَّذِي أَقَامَهُ الشَّارِح على ذَلِك وَإِلَى حل تِلْكَ الشكوك الَّتِي أوردهَا عَلَيْهِ وأحال بَعْضهَا إِلَى سَائِر كتبه
وَذَلِكَ لِأَن اللُّزُوم لما كَانَ مُفَسرًا بِعَدَمِ الانفكاك كَانَ كل مَا يلْزم شَيْئا بِغَيْر توَسط شَيْء آخر فالشيء لَا يَنْفَكّ عَنهُ سَوَاء يلْزمه فِي الْعقل أَو فِي الْخَارِج
وَلَا معنى للُزُوم الْعقلِيّ إِلَّا أَن تعقل الْمَلْزُوم لَا يَنْفَكّ فِي الْعقل عَن تعقل لَازمه وَذَلِكَ هُوَ المُرَاد من كَونه بَينا لَهُ
وَأما اللَّازِم بتوسط شَيْء آخر فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكّ عِنْد حُضُور الْمُتَوَسّط وَقد يَنْفَكّ مَعَ غيبته فَلَا يكون عِنْد الانفكاك بَينا
وَمَا قيل على ذَلِك من أَنه يَقْتَضِي أَن يكون الذِّهْن منتقلا عَن كل ملزوم إِلَى لَازمه ثمَّ إِلَى لَازم لَازمه بَالغا مَا بلغ حَتَّى تتحصل اللوازم بأسرها بل جَمِيع الْعُلُوم المكتسبة دفْعَة فِي الذِّهْن فَلَيْسَ بوارد
وَذَلِكَ لِأَن اللوازم المترتبة الَّتِي يتلازم جَمِيعهَا بِحَسب ماهياتها لَا بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيرهَا فقد يُمكن أَن يسْتَمر الاندفاع فِيهَا مَا لم يطْرَأ على الذِّهْن مَا يُوجب إعراضه عَن تِلْكَ المتلازمات والتفاته إِلَى غَيرهَا وَلكنهَا قَلما تكون فِي الْوُجُود فضلا عَن أَن تكون غير محصورة(1/161)
6 - وَإِن كَانَ لَهَا وسط يتَبَيَّن وَفِي نُسْخَة يتَعَيَّن بِهِ
7 - علمت وَاجِبَة بِهِ
8 - وأعني بالوسط مَا يقرن بقولنَا لِأَنَّهُ حِين يُقَال لِأَنَّهُ كَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واللوازم الَّتِي تُوجد غير محصورة وَهِي الَّتِي تشْتَمل على أَمْثَالهَا أَكثر الْعُلُوم فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي تكون بِحَسب قِيَاس الْمَوْضُوع إِلَى غَيره وَهِي إِنَّمَا تتحصل عِنْد تصور الْأُمُور الَّتِي إِلَيْهَا يُقَاس الْمَوْضُوع
وتصور تِلْكَ الْأُمُور الَّذِي هُوَ شَرط فِي حُصُولهَا لَيْسَ بِوَاجِب الْحُصُول على التَّرْتِيب الْمُؤَدِّي إِلَى وجود تِلْكَ اللوازم المترتبة
فَإِذن قد انْدفع ذَلِك الْإِشْكَال
وَنَرْجِع إِلَى مَا كُنَّا فِيهِ
6 - إِشَارَة إِلَى الْقسم الثَّانِي وَهُوَ أَن يكون اللَّازِم بوسط كَمَا يكون وَفِي نُسْخَة يَقع فِي الْعُلُوم المكتسبة
7 - إِشَارَة إِلَى أَن اللَّازِم لَا يكون بَينا مُطلقًا بل إِنَّمَا يكون بَينا عِنْد حُضُور الْوسط فَقَط
8 - إِشَارَة إِلَى أَن الْوسط هُوَ الَّذِي يُفِيد لمية اللُّزُوم أَي بِهِ يقوم الْبُرْهَان على إِثْبَات ذَلِك الْمَحْمُول لموضوعه
ثمَّ إِن الشَّيْخ أَرَادَ أَن يتَوَصَّل من النّظر فِي حَال الْوسط إِلَى إِثْبَات لَازم بَين يَنْتَهِي تَحْلِيل اللوازم غير الْبَيِّنَة إِلَيْهِ
وَقد بَان فِي علم الْبُرْهَان أَن الْوسط فِي الْبَرَاهِين على المطالب
إِمَّا أَن يكون مُقَومًا لموضوع الْمَطْلُوب
أَو يكون عارضا لَهُ
فَإِن كَانَ مُقَومًا امْتنع أَن يكون مَحْمُول الْمَطْلُوب مُقَومًا للوسط لِأَن مقوم الْمُقَوّم مقوم
والمقوم لَا يكون مَطْلُوبا لاشتمال تصور الْمَوْضُوع عَلَيْهِ بل يجب أَن يكون عارضا لَهُ الْبَتَّةَ
وَإِن كَانَ الْوسط عارضا للموضوع جَازَ أَن يكون الْمَحْمُول مُقَومًا للوسط وَجَاز أَن يكون عارضا أَيْضا لَهُ(1/162)
9 - فَهَذَا الْوسط إِن كَانَ مُقَومًا للشَّيْء لم يكن اللَّازِم مُقَومًا وَفِي نُسْخَة مُقَومًا لَهُ لِأَن مقوم الْمُقَوّم مقوم
بل كَانَ لَازِما لَهُ أَيْضا
10 - فَإِن احْتَاجَ الْوسط وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْوسط إِلَى وسط تسلسل إِلَى غير النِّهَايَة فَلم يكن وسط
11 - وَإِن لم يحْتَج فهناك لَازم بَين اللُّزُوم بِلَا وسط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فهذان مأخذان يشتملان على أَصْنَاف الْبَرَاهِين
وَيُسمى الأول مأخذا أَولا
وَالثَّانِي مأخذا ثَانِيًا
9 - إِشَارَة إِلَى المأخذ الأول
وَإِنَّمَا لم يجز أَن يكون اللَّازِم مقوم الْمُقَوّم لأَنا فرضناه خَارِجا وجزء الْجُزْء يكون دَاخِلا
ثمَّ أَرَادَ أَن يتَوَصَّل من هَذَا المأخذ إِلَى مَطْلُوبه فأورد قسْمَة أُخْرَى وَهِي أَن اللَّازِم الأول
إِمَّا أَن يكون لُزُومه للوسط بوسط آخر
أَو يكون بِغَيْر وسط
ثمَّ أبطل الْقسم الأول بِأَن قَالَ
10 - ي يحْتَاج كل وسط فِي لُزُومه إِلَى وسط آخر ويتسلسل وَهُوَ بَاطِل لكَونه غير مؤد إِلَى ثُبُوت اللُّزُوم الأول الْمَفْرُوض ثُبُوته
وَمَعَ جَوَازه يشْتَمل على الْخلف من وَجه آخر وَهُوَ كَون مَا فرضناه وسطا لَيْسَ بوسط بل جُزْء من أُمُور غير متناهية هِيَ بأسرها الْوسط
وَإِذا لم يكن كل مَا فرض وسطا بوسط فَلَا وسط وَهُوَ المُرَاد بقوله فَلم يكن وسط
وَلَفْظَة لم يكن هَهُنَا فعل تَامّ
11 - أَي لما بَطل الْقسم الأول ثَبت الْقسم الثَّانِي وَهُوَ مَطْلُوبه
ثمَّ انْتقل إِلَى المأخذ الثَّانِي بقوله(1/163)
12 - وَإِن كَانَ الْوسط لَازِما مُتَقَدما
13 - وَاحْتَاجَ إِلَى توَسط وَفِي نُسْخَة وسط لَازم آخر أَو مقوم غير منته فِي ذَلِك إِلَى لَازم بِلَا وسط تسلسل أَيْضا وَفِي نُسْخَة أَيْضا تسلسل إِلَى غير النِّهَايَة
14 - فَلَا بُد فِي كل حَال من لَازم بِلَا وسط
15 - فقد بَان أَنه مُمْتَنع الرّفْع فِي الْوَهم
16 - فَلَا تلْتَفت إِذن إِلَى من قَالَ إِن كل مَا لَيْسَ بمقوم فقد يَصح دَفعه فِي الْوَهم
17 - وَمن أَمْثِلَة ذَلِك كَون كل عدد مُسَاوِيا لآخر أَو مفارقا وَفِي نُسْخَة مفاوتا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
12 - أَي إِن كَانَ الْوسط الْمَفْرُوض أَولا لَازِما للموضوع مُتَقَدما لُزُومه للموضوع على لُزُوم الْمَحْمُول وَالْقِسْمَة الْمَذْكُورَة وَارِدَة هَهُنَا أَيْضا لِأَنَّهُ لم يفصلها إيجازا بل قَالَ مُبْطلًا للقسم الأول
13 - أَقُول فَإِنَّهُ لما كَانَ الْوسط الأول لَازِما جَازَ كَون هَذَا الْوسط الثَّانِي مُقَومًا أَو لَازِما وَلذَلِك قَالَ لَازم آخر أَو مقوم
وبإبطال هَذَا الْقسم الأول يتَعَيَّن الْقسم الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب فأنتج وَفِي نُسْخَة فاستنتج من جَمِيع الْأَقْسَام مَطْلُوبه
وَذَلِكَ قَوْله
14 - ثمَّ صرح بِمَا أَرَادَ مِنْهُ فَقَالَ
15 - أَقُول بَين أَنه أَرَادَ بذلك مناقضة الْقَوْم الْمَذْكُورين بقوله
16 - فقد تمّ الْكَلَام
17 - مِثَال آخر لللازم الْبَين وَذَلِكَ لِأَن الْمُسَاوَاة واللامساواة لَازم بَين للكم ولأنواعه وَإِنَّمَا تلحقها بِقِيَاس بَعْضهَا إِلَى بعض بِشَرْط أَن يَكُونَا من جنس وَاحِد
والفاضل الشَّارِح إِنَّمَا نسب هَذَا الْبَيَان إِلَى التَّطْوِيل لِأَنَّهُ لم يعْتَبر محاذاته لأقسام(1/164)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعُلُوم ومأخذ الْبَرَاهِين
بل مطابقته للوجود
والبرهان الَّذِي أوردهُ وَادّعى فِيهِ التَّقْرِيب وَعدم الِاحْتِيَاج إِلَى ذكر التسلسل وَهُوَ أَن الْمَاهِيّة إِن اقْتَضَت من حَيْثُ هِيَ هِيَ شَيْئا من لوازمها فَمَا اقتضته فَهُوَ لازمها بِغَيْر وسط وَإِن لم تقتض من حَيْثُ هِيَ هِيَ شَيْئا فَهِيَ من حَيْثُ هِيَ هِيَ لَا تَسْتَلْزِم شَيْئا وَقد فرضت مستلزمة هَذَا خلف لَيْسَ كَمَا ذكره
لِأَن الْقِسْمَة فِيهَا لَيست بمستوفاة فَإِن من أقسامها أَيْضا أَن يُقَال إِنَّهَا تَقْتَضِي لوازمها وَلَكِن لَا من حَيْثُ هِيَ هِيَ بل بَعْضهَا بتوسط بعض على سَبِيل الدّور أَو التسلسل أَولا على سَبِيل أَحدهمَا
وَمَا لم يبطل هَذَا الْقسم لَا يتم برهانه(1/165)
الْفَصْل الثَّانِي عشر إِشَارَة إِلَى العرضي غير اللَّازِم
1 - وَأما الْمَحْمُول الَّذِي لَيْسَ بمقوم وَلَا لَازم فَجَمِيع المحمولات الَّتِي يجوز أَن تفارق الْمَوْضُوع
2 - مُفَارقَة سريعة أَو بطيئة سهلة أَو عسرة مثل كَون الْإِنْسَان شَابًّا وشيخا وَقَائِمًا وجالسا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - إِنَّمَا لم يقل فَجَمِيع المحمولات الَّتِي تفارق لِأَن مُقَابل مَا يمْتَنع أَن يُفَارق
أَعنِي اللَّازِم هُوَ مَا يجوز أَن يُفَارق
وينقسم
إِلَى مَا يُفَارق
وَإِلَى مَا لَا يُفَارق وَهُوَ مَا تدوم مصاحبته اتِّفَاقًا ككون زيد فَقِيرا طول عمره مثلا
2 - يُمكن أَن تترتب الاعتبارات فالسريعة السهلة كالنائم
والسريعة الْعسرَة كالمغشي عَلَيْهِ والبطيئة السهلة كالشباب وَفِي نُسْخَة كالشاب والبطيئة الْعسرَة كالجنون وَفِي نُسْخَة كَالْمَجْنُونِ(1/166)
الْفَصْل الثَّالِث عشر إِشَارَة
1 - وَلما كَانَ الْمُقَوّم يُسمى ذاتيا فَمَا لَيْسَ بمقوم لَازِما كَانَ أَو مفارقا فقد يُسمى عرضيا وَمِنْه مَا يُسمى عرضا وسنذكره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - قَوْله مَا يُسمى عرضا يُرِيد بِهِ الْعرض الْعَام(1/167)
الْفَصْل الرَّابِع عشر إِشَارَة إِلَى الذاتي بِمَعْنى آخر
1 - وَرُبمَا قَالُوا فِي الْمنطق ذاتي فِي غير هَذَا الْموضع مِنْهُ وعنوا بِهِ غير هَذَا الْمَعْنى وَذَلِكَ هُوَ الْمَحْمُول الَّذِي يلْحق الْمَوْضُوع من جَوْهَر الْمَوْضُوع وماهيته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول عني وَفِي نُسْخَة يَعْنِي بِغَيْر هَذَا الْموضع كتاب الْبُرْهَان فَإِن الذاتي هُنَاكَ هُوَ مَا يعم هَذَا الذاتي والأعراض الذاتية وَهِي على مَا رسمه كل مَا يلْحق الْمَوْضُوع من جَوْهَر الْمَوْضُوع وماهيته
فجوهر الْمَوْضُوع حَقِيقَته سَوَاء كَانَ بسيطا أَو مركبا والماهية رُبمَا تخص بالمركبات
وكل مَا يلْحق الْمَوْضُوع فَهُوَ
إِمَّا أَن يلْحقهُ لِأَنَّهُ هُوَ
وَإِمَّا أَن يلْحقهُ لأمر آخر
وَذَلِكَ الْأَمر
إِمَّا أَن يُسَاوِيه
أَو يكون أَعم مِنْهُ
أَو أخص مِنْهُ
وَالْأول وَحده هُوَ الْعرض الذاتي الأولي وَهُوَ مَعَ الْقسم الثَّانِي أَعنِي الَّذِي يلْحقهُ بِسَبَب أَمر يُسَاوِيه كالفصل أَو الْعرض الذاتي الأولي إِنَّمَا يلحقان الْمَوْضُوع من جَوْهَر الْمَوْضُوع وماهيته إِلَّا أَن
الأول يلْحقهُ من غير وَاسِطَة
وَالثَّانِي يلْحقهُ بِوَاسِطَة(1/168)
2 - مثل مَا يلْحق
الْمَقَادِير أَو جِنْسهَا من الْمُنَاسبَة والمساواة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالمجموع هُوَ الْعرض الذاتي بِحَسب الرَّسْم الْمَذْكُور وَهُوَ الْمَحْمُول الَّذِي يُؤْخَذ الْمَوْضُوع فِي حَده إِلَّا أَن الِاصْطِلَاح يَقْتَضِي أَن يُطلق الْعرض الذاتي فِي كتاب الْبُرْهَان على معنى أَعم من ذَلِك
وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الْعُلُوم متمايزة بِحَسب تبَاين وَفِي نُسْخَة تمايز موضوعاتها
وَالْعرض بِهَذَا الْمَعْنى قد يحمل
فِي كل علم على مَوْضُوعه
وَقد يحمل على أَنْوَاع مَوْضُوعه
وَقد يحمل على أَعْرَاض أخر لَهُ
وَقد يحمل على أَنْوَاع الْأَعْرَاض الْأُخَر
كالناقص فِي علم الْحساب
على الْعدَد
وعَلى الثَّلَاثَة
وعَلى الْفَرد
وعَلى زوج الزَّوْج
فالموضوع لَا يكون مأخوذا فِي حد الْمَحْمُول إِلَّا فِي الأول بل يكون الْمَأْخُوذ فِي الثَّانِي جنسه
وَفِي الثَّالِث معروضه وَفِي الرَّابِع معروض جنسه
وَلما كَانَت المحمولات البرهانية أعراضا ذاتية كَانَ جَمِيع ذَلِك من الْأَعْرَاض الذاتية
وَحِينَئِذٍ يكون رسمها مَا يُؤْخَذ فِي حَده مَوْضُوعه
أَو مَا يقوم مَوْضُوعه أَو معروضه أَو معروض جنسه
ويقيد مَا يقوم مَوْضُوعه بِمَا لَا يخرج عَن الْعلم الباحث عَنهُ فَإِن مَا يُؤْخَذ فِيهِ جنس الْمَوْضُوع الْخَارِج عَن ذَلِك الْعلم لَا يُسمى عرضا ذاتيا
وَحين يُطلق الْعرض الذاتي على جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ يخص الأول بِقَيْد الأولى لِأَن مَا عداهُ إِنَّمَا يلْحق الْمَوْضُوع لأمر غير مَا بِهِ هُوَ هُوَ
هَذَا إِذا أُرِيد بالموضوع مَوْضُوع الْقَضِيَّة
أما إِذا أُرِيد بِهِ مَوْضُوع الْعلم فَيَكْفِي فِيهِ أَن يُقَال مَا يُؤْخَذ مَوْضُوع الْعلم فِي حَده
2 - الْمُنَاسبَة المقدارية بِالْمَعْنَى غير العددية كَمَا مر
والمشترك بَينهمَا الْمُنَاسبَة الْمُطلقَة وَهِي كجنس لَهما(1/169)
والأعداد من الزَّوْجِيَّة والفردية
وَالْحَيَوَان من الصِّحَّة وَالْمَرَض
وَهَذَا الْقَبِيل من الذاتيات يخص باسم الْأَعْرَاض الذاتية مثل مَا يتمثلون بِهِ من الفطوسة للأنف
3 - وَقد يُمكن أَن يرسم الذاتي برسم رُبمَا جمع الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمناسبة وَفِي نُسْخَة فالمناسبة
إِذا أخذت على أَنَّهَا مقدارية كَانَت عرضا ذاتيا للمقادير وتستعمل فِي علمهَا
وَإِذا أخذت على أَنَّهَا مُطلقَة كَانَت عرضا ذاتيا لجنسها الَّتِي هِيَ الكمية
لَكِنَّهَا لَا تسْتَعْمل فِي علم الْمَقَادِير وَلَا فِي علم الْأَعْدَاد لِأَنَّهَا لَيست عرضا ذاتيا لموضوعيهما كَمَا ذَكرْنَاهُ وَكَذَلِكَ الْمُسَاوَاة وَلذَلِك قَالَ يلْحق الْمَقَادِير أَو جِنْسهَا
3 - إِنَّمَا قَالَ يرسم وَلم يقل يحد لِأَن الْأُمُور الْمُخْتَلفَة بالماهية لَا يُمكن أَن تجمع فِي حد لِأَنَّهَا لَا تشترك فِي الذاتيات المميزة لَكِنَّهَا يُمكن أَن تجمع فِي رسم لِأَنَّهَا رُبمَا تشترك فِي لَوَازِم تميزها عَمَّا عَداهَا
وَذَلِكَ الرَّسْم هُوَ أَن يُقَال مَا يُؤْخَذ فِي حد الْمَوْضُوع أَو يُؤْخَذ الْمَوْضُوع فِي حَده
فَالْأول مقوماته
وَالثَّانِي أعراضه الذاتية الأولية
وَإِن أُرِيد أَن نجمع جَمِيع الْأَعْرَاض الذاتية قبل مَا يُؤْخَذ فِي حد الْمَوْضُوع أَو مَا يُؤْخَذ الْمَوْضُوع أَو مَا يقومه مِمَّا لَا يخرج عَن الْعلم الباحث عَنهُ فِي حَده
وَاعْلَم أَن أَخذ المقومات فِي الْحَد أَخذ طبيعي
وَأخذ الْمَوْضُوع فِيهِ اضطراري
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح فِي تَعْرِيف الْعرض الذاتي بِأخذ الْمَوْضُوع فِي حَده وَهَذِه عبارَة الْمُتَقَدِّمين أوردهَا الشَّيْخ فِي الشِّفَاء وَتَبعهُ مقلدوه الْمُتَأَخّرُونَ
وَبَين فِي الْحِكْمَة المشرقية بُطْلَانهَا بِأَن الْمَوْضُوع بماهيته ووجوده متميز عَن مَاهِيَّة الْعرض ووجوده فَكيف يُؤْخَذ فِي حَده
وَأَيْضًا الْأَعْرَاض غير مُتَعَلقَة بماهياتها وَفِي نُسْخَة فِي ماهياتها بموضوعاتها(1/170)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بل تعلقهَا بهَا لعرضيتها وَهِي من لوازمها وَلذَلِك وَفِي نُسْخَة وَلأَجل ذَلِك عدل الشَّيْخ عَن تِلْكَ الْعبارَة فِي هَذَا الْكتاب إِلَى مَا ذكره
ثمَّ جعل الرَّسْم الْجَامِع بِنَاء عَلَيْهِ هُوَ
مَا يحمل على الشَّيْء لما هُوَ هُوَ أَو هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الشَّيْء بِمَا هُوَ هُوَ
قَالَ وَذَلِكَ لِأَن الْمَاهِيّة تَقْتَضِي المقومات اقْتِضَاء الْمَعْلُول الْعلَّة وتقتضي الْأَعْرَاض الذاتية اقْتِضَاء الْعلَّة الْمَعْلُول
وَأَقُول مَا ذكره الشَّيْخ فِي المحكمة المشرقية فِي هَذَا الْموضع يرجع إِلَى أَن الْأَعْرَاض الَّتِي يعبر عَنْهَا بِمَا تَقْتَضِي تخصيصها بموضوعاتها فتعريفاتها بِحَسب أسمائها إِنَّمَا يشْتَمل بِالضَّرُورَةِ على اعْتِبَار موضوعاتها
وَأما حقائقها فِي أَنْفسهَا فَإِنَّمَا تكون غير مُشْتَمِلَة من حَيْثُ الماهيات على الموضوعات وَإِن كَانَت محتاجة إِلَيْهَا من حَيْثُ الْوُجُود
فالحد التَّام يلتئم من مقومات الْمَاهِيّة دون مقومات الْوُجُود
فَمَا كَانَت من تِلْكَ الماهيات بسائط لَا أَجنَاس لَهَا وَلَا فُصُول فَلَا حُدُود لَهَا
وَمَا لَهَا أَجنَاس وفصول فحدودها التَّامَّة تشْتَمل عَلَيْهَا دون موضوعاتها
والمشتملة على موضوعاتها من التعريفات إِنَّمَا هِيَ رسومها لَا حُدُودهَا
وكل ذَلِك فِيمَا لَا يَقْتَضِي تصور ذَاتهَا التفاتا إِلَى موضوعاتها
أما مَا يَقْتَضِي التفاتا إِلَيْهَا فَإِنَّمَا تكون مفهوماتها مركبة عَن حقائقها وَعَن اعْتِبَار موضوعاتها
وَيَنْبَغِي أَن يحد بِاعْتِبَار الموضوعات وَذَلِكَ لِأَن التَّعَلُّق بالشَّيْء فِي الْوُجُود غير التَّعَلُّق بِهِ فِي الْمَفْهُوم وَلَا يطْلب فِي التَّحْدِيد إِلَّا الْمَفْهُوم
هَذَا حَاصِل كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا الْبَحْث
وَلَوْلَا مَخَافَة التَّطْوِيل لأوردناه بألفاظه
فَظَاهره أَن الْأَعْرَاض الَّتِي تمثل بِهِ الشَّيْخ فِي هَذَا الْفَصْل من الإشارات مِمَّا لَا يفهم من غير الْتِفَات إِلَى موضوعاتها وَذَلِكَ
لِأَن الْمُسَاوَاة اتِّفَاق فِي نفس الكمية
والمناسبة اتِّفَاق فِي كَون الكمية مُضَافَة إِلَى غَيرهَا
والزوجية انقسام بمتساويين فِي الْعدَد بِحَسب مَا عرفهَا الشَّيْخ نَفسه فِي مَوَاضِع أخر(1/171)
4 - وَالَّذِي يُخَالف هَذِه الذاتيات فِيمَا وَفِي نُسْخَة فَمَا يلْحق الشَّيْء لأمر وَفِي نُسْخَة لأجل أَمر خَارج عَنهُ أَعم مِنْهُ لحقوق الْحَرَكَة للأبيض فَإِنَّهُ وَفِي نُسْخَة فَإِنَّهَا يلْحقهُ وَفِي نُسْخَة إِنَّمَا يلْحقهُ لِأَنَّهُ جسم وَهُوَ معنى أَعم مِنْهُ أَو أخص مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن جردت هَذِه التعريفات عَن اعْتِبَار الموضوعات بقيت
الْمُنَاسبَة والمساواة اتِّفَاقًا مَحْضا وَهُوَ نوع من الْمُضَاف
والزوجية انقساما بمتساويين فَقَط وَهُوَ نوع من الِانْفِصَال
وَلَا يكون شَيْء من ذَلِك عرضا ذاتيا للْحكم وَالْعدَد وَلَا لغَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ فِي بَاقِيهَا
وَلست أَدْرِي كَيفَ يصنع هَذَا الْفَاضِل الَّذِي لم يُقَلّد الْمُتَقَدِّمين فِيهَا
أيخالف الْجَمِيع فِي جعلهَا أعراضا ذاتية
أم يخالفهم فِي تعريفاتها بِمَا عرفوها بِهِ مخترعا عَن نَفسه لَهَا تعريفات أخر
أما نَحن معاشر المقلدين فَلَمَّا لم نفهم من هَذِه الْأَعْرَاض بسيطة كَانَت أَو مركبة سوى مَا ذَكرُوهُ فِي تعريفاتها المتناولة للموضوعات كَانَت تِلْكَ التعريفات حدودا أَو رسوما تَامَّة أَو نَاقِصَة بِحَسب الْمَاهِيّة أَو بِحَسب التَّسْمِيَة فلسنا نقدر على أَن نتصورها غير ملتفتين إِلَى موضوعاتها وَلَا على أَن نعرفها إِلَّا كَذَلِك وَلَا نأبى من أَن نجوز أَن يكون الْحَد الْمَأْخُوذ فِيهِ الْمَوْضُوع الَّذِي ذَكرُوهُ حدا غير حَقِيقِيّ بِحَسب الْمَاهِيّة وَحدهَا على مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ فكثيرا مَا يُطلق اسْم الْحَد على سَائِر التعريفات بالمجاز والتوسع
فَهَذَا مَا عِنْدِي فِيهِ
وَأما الرَّسْم الْجَامِع الَّذِي أوردهُ الْفَاضِل الشَّارِح فَهُوَ رسم للحمولات الأولية الَّتِي هِيَ الْجِنْس والفصل القريبان والأعراض الذاتية الأولية فَقَط نَقله الشَّارِح إِلَى هَهُنَا يخرج عَنهُ المقومات الْبَعِيدَة كأجناس الْأَجْنَاس والفصول وفصولها وَفِي نُسْخَة وفصولهما وَسَائِر الْأَعْرَاض الذاتية المستعملة فِي الْبَرَاهِين
وَالشَّارِح معترف بذلك فَإِذن لَيْسَ بِجَامِع للذاتيات بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا
4 - لم يذكر قسما من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة وَهُوَ مَا يلْحق الشَّيْء لأجل أَمر يُسَاوِيه وَهُوَ من جملَة الْأَعْرَاض الذاتية الْمَذْكُورَة بِالشّرطِ الْمَذْكُور كالضاحك الَّذِي يلْحق(1/172)
لُحُوق الْحَرَكَة للموجود فَإِنَّهَا إِنَّمَا تلْحقهُ لِأَنَّهُ جسم وَهُوَ معنى أخص مِنْهُ
وَكَذَلِكَ لحقوق الضحك للحيوان فَإِنَّهُ إِنَّمَا يلْحقهُ لِأَنَّهُ إِنْسَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِنْسَان للتعجب ومساوي الزوايا لقائمتين الَّذِي يلْحق المثلث لوسائط بَينهمَا
وَلَعَلَّ الشَّيْخ حذفه إيثارا للاختصار وَهُوَ أَيْضا خَارج عَن الرَّسْم الْجَامِع الَّذِي ذكره الشَّارِح(1/173)
الْفَصْل الْخَامِس عشر إِشَارَة إِلَى الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ
1 - يكَاد المنطقيون الظاهريون عِنْد التَّحْصِيل وَفِي نُسْخَة التَّحْصِيل عَلَيْهِم لَا يميزون بَين الذاتي وَبَين الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ
2 - فَإِن اشْتهى بَعضهم أَن يُمَيّز كَانَ الَّذِي يؤول إِلَيْهِ قَوْله هُوَ وَفِي نُسْخَة وَهُوَ أَن الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ من جملَة الذاتيات مَا كَانَ مَعَ ذاتيته أَعم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هَؤُلَاءِ لما سمعُوا أَن الْجِنْس مقول فِي جَوَاب مَا هُوَ حسبوا أَن الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ هُوَ الْجِنْس وَلم يميزوا بَين الْجِنْس والفصل كَمَا يحْكى وَفِي نُسْخَة حكى عَنْهُم أَو عَن أمثالهم فِي كتاب الجدل فَإِذا حصل عَلَيْهِم أَي نبهوا على تَحْقِيق مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ ظنهم الْفَاسِد مِمَّا غفلوا عَنهُ وَذَلِكَ بِأَن يذكرُوا أَنهم عنوا بالذاتيات أَجزَاء الْمَاهِيّة فَقَط
وَالْجِنْس هُوَ جُزْء الْمَاهِيّة فَقَط لَزِمَهُم أَن لَا يكون بَين الذاتي وَالْمقول فِي جَوَاب مَا هُوَ فرق عِنْدهم
وَلأَجل ذَلِك قَالَ الشَّيْخ يكَاد المنطقيون الظاهريون لَا يميزون وَلم يقل إِنَّهُم يَقُولُونَ كَذَا
ثمَّ لما تنبه وَفِي نُسْخَة نبه بَعضهم بالفصول وَرَآهَا وَحدهَا غير صَالِحَة لجواب مَا هُوَ ذهب إِلَى أَن من الذاتيات مَا يصلح لذَلِك وَمِنْهَا مَا لَا يصلح وَجعل الصَّالح مَا هُوَ أَعم يَعْنِي الْجِنْس وَهُوَ المُرَاد بقوله
2 - يُقَال تبلبلت الألسن إِذا اخْتلطت
وَالْمرَاد أَن كَلَامهم يخْتَلط إِذا تنبهوا على مَا يُنَاقض رَأْيهمْ وَذَلِكَ بإيراد فُصُول الْأَجْنَاس كالحساس للْإنْسَان فَإِنَّهَا(1/174)
ثمَّ يتبلبلون إِذا حقق عَلَيْهِم الْحَال فِي ذاتيات هِيَ أَعم وَلَيْسَت أجناسا مثل أَشْيَاء يسمونها فُصُول الْأَجْنَاس وستعرفها
3 - لَكِن الطَّالِب بِمَا هُوَ إِنَّمَا يطْلب الْمَاهِيّة وَقد عرفتها وَفِي نُسْخَة عرفت الْمَاهِيّة وَأَنَّهَا تتَحَقَّق بِجَمِيعِ المقومات
4 - فَيجب أَن يكون الْجَواب بالماهية
5 - وَفرق بَين الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ
وَبَين الدَّاخِل فِي جَوَاب مَا هُوَ
وَالْمقول فِي طَرِيق مَا هُوَ
فَإِن نفس الْجَواب غير الدَّاخِل فِي الْجَواب وَالْوَاقِع فِي طَرِيق مَا هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذاتيات لكَونهَا مقومة للأجناس وَعَامة لكَونهَا مُسَاوِيَة لَهَا فِي الدّلَالَة وَغير صَالِحَة لجواب مَا هُوَ لكَونهَا فصولا للأجناس
ثمَّ لما فرغ الشَّيْخ عَن حِكَايَة مَذْهَبهم ونقضه اشْتغل بتحقيق ذَلِك فَقَالَ
3 - أَقُول يَعْنِي بذلك مَا سبق بَيَانه حِين ذكر أَن كل مَاهِيَّة إِنَّمَا تتَحَقَّق بِأَن تكون أجزاؤها حَاضِرَة مَعهَا قَالَ
4 - ثمَّ نبه على منشأ غلطهم بقوله
5 - أَقُول وَذَلِكَ لِأَن الْقَوْم لم يفرقُوا بَين نفس الْجَواب الَّتِي هِيَ الْمَاهِيّة وَبَين الدَّاخِل فِيهِ وَالْوَاقِع فِي طَرِيقه الَّذِي هُوَ جُزْء الْمَاهِيّة يَعْنِي الذاتي
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح وَالْفرق بَين الدَّاخِل فِي جَوَاب مَا هُوَ وَالْمقول فِي طَرِيقه هُوَ أَن الْجُزْء
إِذا صَار مَذْكُورا بالمطابقة كَانَ مقولا فِي طَرِيق مَا هُوَ
وَإِذا صَار مَذْكُورا بالتضمن كَانَ دَاخِلا فِي جَوَابه
أَقُول وَيُمكن أَن يحمل الِاشْتِبَاه الأول الْوَاقِع بَين جَوَاب مَا هُوَ وَبَين الذاتي أَي ذاتي كَانَ على عدم الْفرق بَين
نفس الْجَواب
والداخل فِيهِ(1/175)
6 - وَاعْلَم أَن سُؤال السَّائِل بِمَا هُوَ بِحَسب مَا توجبه كل لُغَة هُوَ أَنه مَا ذَاته أَو مَا مَفْهُوم اسْمه بالمطابقة وَإِنَّمَا هُوَ هُوَ وَفِي نُسْخَة هُوَ مَا هُوَ باجتماع مَا يعمه وَغَيره وَمَا يَخُصُّهُ حَتَّى تتحصل ذَاته الْمَطْلُوب فِي هَذَا السُّؤَال تحققها وَفِي نُسْخَة بتحقيقها
وَالْأَمر الْأَعَمّ لَا هُوَ هوية الشَّيْء وَلَا مَفْهُوم اسْمه بالمطابقة
وَلَهُم أَن يَقُولُوا إِنَّا نستعمل هَذَا اللَّفْظ على عرف ثَان وَلَكِن عَلَيْهِم أَن بدلُوا على الْمَفْهُوم المستحدث ويأثروه إِلَى قدمائهم دالين على مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ عِنْد النَّقْل كَمَا هُوَ عَادَتهم
وَأَنت عَن قريب ستعلم أَن لَهُم عَن الْعُدُول عَن الظَّاهِر فِي الْعرف غنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَيكون الدَّاخِل فِي الْجَواب هُوَ الذاتي الَّذِي هُوَ جُزْء الْمَاهِيّة فَقَط على مَا يَقْتَضِي عرفهم
وَيحمل الِاشْتِبَاه الثَّانِي الْوَاقِع
بَين الْجَواب
وَبَين الذاتي الْأَعَمّ
على عدم الْفرق بَين نفس الْجَواب وَالْمقول فِي الطَّرِيق
فَيكون الْمَقُول فِي طَرِيق مَا هُوَ هُوَ الذاتي الْأَعَمّ
وَحِينَئِذٍ يكون الدَّاخِل فِي الْجَواب أَعم من الْمَقُول فِي الطَّرِيق
وَمِمَّا يُؤَيّدهُ أَن الشَّيْخ عرف الْجِنْس الْمَشْهُور المتناول للْجِنْس والفصل فِي الْحَد وَفِي نُسْخَة فِي الجدل لَا على وَفِي نُسْخَة على مَا يَسْتَعْمِلهُ الظاهريون بِكَوْنِهِ مقولا فِي طَرِيق مَا هُوَ
وَذَلِكَ عِنْدهم إِنَّمَا يكون هُوَ الذاتي الْأَعَمّ
فَإِن الذاتي الْمسَاوِي إِنَّمَا يكون عِنْدهم حدا
وَأَيْضًا الشي قد يعرف بالذاتي الْأَعَمّ أَولا ثمَّ يعْتد بالمساوي حَتَّى تتحصل ماهيته فَإِذن الْأَعَمّ قد وَقع فِي الطَّرِيق
وَأما الْمسَاوِي فقد وَقع عِنْد الْوُصُول إِلَى الْمَقْصد الَّذِي هُوَ تَحْصِيل الْمَاهِيّة
6 - بَيَان ذَلِك أَن المباحث العلمية لَا تتَعَلَّق بالألفاظ إِلَّا بِالْعرضِ كَمَا مر(1/176)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِذا تعلّقت بهَا فَيجب أَن تحمل الْأَلْفَاظ على مفهوماتها بِحَسب عرف اللُّغَة مَا لم يطْرَأ عَلَيْهَا نقل اصطلاحي
وَلما كَانَ الْبَحْث عَن مَفْهُوم مَا هُوَ لَا من حَيْثُ هُوَ مُقَيّد بلغَة خَاصَّة رَجَعَ الشَّيْخ إِلَى مَفْهُومه الْأَصْلِيّ وَبَين أَنه إِنَّمَا يُورد سؤالا
إِمَّا عَن حَقِيقَة الذَّات
أَو عَن مَفْهُوم الِاسْم بالمطابقة
كَمَا تبين فِي بَاب المطالب
ثمَّ بَين أَن الْمَعْنى الَّذِي يَجعله الْقَوْم بإزائه لَيْسَ هُوَ أَحدهمَا لِأَن حَقِيقَة الذَّات إِنَّمَا تتحصل باجتماع مَا يعمه يَعْنِي الْجِنْس الْقَرِيب وَمَا يَخُصُّهُ يَعْنِي الْفَصْل
وَالْأَمر الْعَام الَّذِي يذهبون إِلَيْهِ
لَيْسَ هُوَ مَا بِهِ الشَّيْء هُوَ يَعْنِي حقيقتة
وَلَا هُوَ أَيْضا مَفْهُوم اسْمه بالمطابقة
فَإِذا لَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاق بِحَسب الْعرف اللّغَوِيّ
فَإِن ذَهَبُوا إِلَى اصْطِلَاح طَارِئ عَلَيْهِ وادعوه فَلهم ذَلِك وَلَكِن عَلَيْهِم أَن يبينوا الْمَفْهُوم الَّذِي اصْطَلحُوا عَلَيْهِ وَالسَّبَب الْمُوجب للنَّقْل من الْعرف اللّغَوِيّ إِلَى الاصطلاحي
وَإِن نسبوا ذَلِك إِلَى القدماء فَإِن طريقهم فِي هَذِه الصِّنَاعَة هِيَ الْتِزَام مصطلحات القدماء مَعَ مَا يلْزمهَا ويلزمهم عَلَيْهَا على مَا شحنوا كتبهمْ بِهِ
وَلَيْسَ يُمكنهُم ذَلِك مَعَ أَنهم مستغنون وَفِي نُسْخَة مشتغلون على التعسف على مَا سنبينه(1/177)
الْفَصْل السَّادِس عشر إِشَارَة إِلَى أَصْنَاف الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ
1 - اعْلَم أَن أَصْنَاف الدَّال على مَا هُوَ من غير تَغْيِير الْعرف وَفِي نُسْخَة مَفْهُوم الْعرف ثَلَاثَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - يَعْنِي بِالْعرْفِ اللّغَوِيّ الْمَذْكُور وَوجه الْحصْر أَن يُقَال
الْمَسْئُول عَنهُ بِمَا هُوَ
إِمَّا أَن يكون شَيْئا وَاحِدًا
أَو أَشْيَاء كَثِيرَة
وَالْأول إِمَّا أَن يكون كليا أَو جزئيا
وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون تِلْكَ الْأَشْيَاء مُخْتَلفَة الْحَقَائِق
أَو متفقة الْحَقَائِق
وَهَذِه أَرْبَعَة أَصْنَاف
وَالْجَوَاب عَنْهَا ثَلَاثَة أَصْنَاف لِأَن الْجَواب عَن صنفين مِنْهَا وَاحِد
وَذَلِكَ لِأَن الْمَسْئُول عَنهُ
إِن كَانَ شَيْئا وَاحِدًا وَكَانَ كليا فيجاب بِالْحَدِّ وَحده
وَلَا يُجَاب بذلك إِذا شَاركهُ غَيره فِي السُّؤَال
فَهُوَ جَوَاب فِي حَال الخصوصية الْمُطلقَة
وَإِن كَانَ أَشْيَاء كَثِيرَة مُخْتَلفَة الْحَقَائِق فيجاب بِتمَام الْمَاهِيّة الْمُشْتَركَة بَينهَا
وَلَا يُجَاب بذلك إِذا اخْتصَّ السُّؤَال مِنْهَا بِوَاحِد فَهُوَ جَوَاب فِي حَال الشّركَة الْمُطلقَة(1/178)
2 - أَحدهَا بالخصوصية الْمُطلقَة مثل دلَالَة الْحَد على مَاهِيَّة الِاسْم مثل دلَالَة وَفِي نُسْخَة كدلالة الْحَيَوَان النَّاطِق على الْإِنْسَان
3 - وَالثَّانِي بِالشّركَةِ الْمُطلقَة مثل مَا يجب أَن يُقَال حِين يسْأَل عَن جمَاعَة مُخْتَلفَة فِيهَا مثلا فرس وثور وإنسان مَا هِيَ وهنالك لَا يجب وَلَا يحسن إِلَّا الْحَيَوَان
4 - فَأَما الْأَعَمّ من الْحَيَوَان كالجسم فَلَيْسَ لَهَا بماهية مُشْتَركَة بل جُزْء الْمَاهِيّة الْمُشْتَركَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِن كَانَ شَيْئا وَاحِدًا جزئيا أَو أَشْيَاء كَثِيرَة متفقة الْحَقَائِق كَانَ الْجَواب فِي الْحَالَتَيْنِ هُوَ نفس مَاهِيَّة ذَلِك الشَّيْء أَو الْأَشْيَاء فَهُوَ جَوَاب فِي حالتي الشّركَة والخصوصية مَعًا
وَقد ظهر من ذَلِك أَن أَصْنَاف الْجَواب الَّذِي هُوَ الدَّال على مَا هُوَ ثَلَاثَة لَا تزيد وَلَا تنقص
وَالشَّارِح جعل الْمَطْلُوب فِي الصِّنْف الَّذِي يدل بالخصوصية مَاهِيَّة شخص وَاحِد وتمثل بزيد إِذا قيل إِنَّه مَا هُوَ
وَهُوَ سَهْو مِنْهُ فَإِنَّهُ من الصِّنْف الثَّالِث كَمَا ذكر فِي الْكتاب
2 - أَقُول الْحَد
قد يكون بِحَسب الِاسْم وَيُجَاب بِهِ عَمَّا هُوَ طَالب تَفْسِير الِاسْم
وَقد يكون بِحَسب الْحَقِيقَة وَيُجَاب بِهِ عَمَّا هُوَ طَالب الْحَقِيقَة
وَرُبمَا يُجَاب بِحَدّ وَاحِد فِي الْمَوْضِعَيْنِ باعتبارين فَلَعَلَّهُ لم يقل مثل دلَالَة الْحَد على مَاهِيَّة الْمَحْدُود لِئَلَّا يتخصص بِأَحَدِهِمَا
بل قَالَ على مَاهِيَّة الِاسْم ليتناولهما
3 - أما أَنه لَا يجب أَي لَا يَنْبَغِي فَلِأَنَّهُ تَمام الْمَاهِيّة الْمُشْتَركَة
وَأما أَنه لَا يحسن فَلِأَنَّهُ لَو أورد حد الْحَيَوَان بدله لَكَانَ المورد مُشْتَمِلًا على مَا يجب لكنه لم يحسن فَإِنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى ذَلِك التَّفْصِيل
4 - أَقُول هَذَا شُرُوع فِي بَيَان ذَلِك بِأَن المورد إِن كَانَ غير الْحَيَوَان فإمَّا أَن يكون(1/179)
وَأما الْإِنْسَان وَالْفرس وَنَحْوهمَا وَفِي نُسْخَة وَنَحْوه فأخص دلَالَة مِمَّا تشْتَمل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَاهِيّة
5 - وَأما مثل الحساس والمتحرك وَفِي نُسْخَة أَو المتحرك بالإرادة طبعا وَإِن أنزلنَا أَنَّهُمَا مقومان مساويان لتِلْك الْجُمْلَة مَعًا بِالشّركَةِ فليسا يدلان على الْمَاهِيّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَعم
أَو أخص مِنْهُ
أَو مُسَاوِيا لَهُ
وأبطل الْجَمِيع
وَذَلِكَ ظَاهر إِلَى قَوْله فِي إبِْطَال الْمسَاوِي
5 - إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُمَا عِنْد الْجُمْهُور فصلان متساويان يقومان الْحَيَوَان
وَالتَّحْقِيق يَقْتَضِي أَن الْفَصْل الَّذِي يتَحَصَّل بِهِ الْجِنْس لَا يكون فَوق وَاحِد
لِأَن الْوَاحِد إِن لم يتَحَصَّل بِهِ الْجِنْس لَا يكون فصلا
وَإِن تحصل بِهِ كَانَ مَا عداهُ فصلا فَلَا يكون فصلا
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون الْفُصُول مَأْخُوذَة عَن علل مُخْتَلفَة وَحِينَئِذٍ يكون الْفَصْل الْحَقِيقِيّ مجموعها وكل وَاحِد مِنْهَا هُوَ جزؤه
وَرُبمَا يكون الْفَصْل الْحَقِيقِيّ شَيْئا لَا يدل على ذَاته إِلَّا بِعرْض ذاتي لَهُ فيشتق لَهُ الِاسْم من ذَلِك الْعرض كالناطق الْمُشْتَقّ من النُّطْق الدَّال على فصل الْإِنْسَان
فَإِن وجد لَهُ عرضان يشْتَبه تقدم أَحدهمَا على الآخر فقد يشتق لَهُ عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا اسْم وَحِينَئِذٍ رُبمَا يظنّ أَن الْمَفْهُوم من الْفَصْلَيْنِ فصلان متغايران لتغاير معنييهما
والحساس والمتحرك بالإرادة فِي هَذَا الْموضع من هَذَا الْقَبِيل فَإِن مبدأ الْفَصْل الْحَقِيقِيّ هُوَ النَّفس الحيوانية الَّتِي هِيَ معروضة الْحس وَالْحَرَكَة فاشتق لَهُ اللقب مِنْهَا
وَلما لم يكن هَذَا التَّحْقِيق منطقيا أعرض الشَّيْخ عَنهُ وَعرض بِأَن ذَلِك مُخَالف للتحقيق بقوله وَإِن أنزلنَا أَنَّهُمَا مقومان أَي فَرضنَا(1/180)
6 - وَذَلِكَ لِأَن الْمَفْهُوم من الحساس والمتحرك بالإرادة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بالإرادة وأمثال ذَلِك بِحَسب الْمُطَابقَة هُوَ أَنه شَيْء وَفِي نُسْخَة هُوَ مُجَرّد أَنه شَيْء لَهُ قُوَّة حس أَو قُوَّة حَرَكَة
وَكَذَلِكَ مَفْهُوم الْأَبْيَض هُوَ أَنه شَيْء ذُو بَيَاض
فَأَما ذَلِك الشَّيْء وَفِي نُسْخَة فَأَما مَا ذَلِك الشَّيْء فَغير دَاخل فِي مَفْهُوم هَذِه الْأَلْفَاظ إِلَّا على طَرِيق الِالْتِزَام حِين وَفِي نُسْخَة حَتَّى يعلم من خَارج أَنه وَفِي نُسْخَة هُوَ أَنه لَا يُمكن أَن يكون شَيْء من هَذِه إِلَّا جسما وَفِي نُسْخَة شَيْء من هَذِه الْأَجْسَام
7 - وَإِذا قُلْنَا لفظ وَفِي نُسْخَة لَفْظَة كَذَا تدل على كَذَا فَإِنَّمَا نعني بِهِ طَرِيق الْمُطَابقَة أَو التضمن دون طَرِيق الِالْتِزَام
8 - وَكَيف والمدلول عَلَيْهِ بطرِيق الِالْتِزَام غير مَحْدُود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - يُرِيد أَن الْفُصُول والعرضيات كلهَا لَا تدل على أصل الْمَاهِيّة الَّتِي يدل عَلَيْهِ الْجِنْس والفصل إِلَّا بالالتزام وَذَلِكَ لِأَن الْفُصُول تحصل الْمَاهِيّة والعرضيات تلحقها بعد تحصلها
فَأَما الشَّيْء الَّذِي يتَحَصَّل بهَا أَو يكون مَوْضُوعا لَهَا فَهُوَ خَارج عَن مفهوماتها إِذْ لَو كَانَت تشْتَمل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا لَكَانَ مَا بِهِ الِاشْتِرَاك دَاخِلا فِيمَا بِهِ الامتياز أَو الْأَشْيَاء الدَّاخِلَة فِي الْخَارِجَة
هَذَا خلف
7 - يُرِيد بِهَذِهِ الدّلَالَة الدّلَالَة على الْمَاهِيّة أَو على مَفْهُوم الِاسْم لَا الدّلَالَة الْمُطلقَة كَمَا فهمها الشَّارِح وَأدّى بِهِ ذَلِك إِلَى أَن جعل دلَالَة الِالْتِزَام مهجورة فِي جَمِيع الْمَوَاضِع
وَالْعلَّة فِي اخْتِصَاص الْمُطَابقَة والتضمن بِهَذِهِ الدّلَالَة أَن لَفْظَة مَا إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة هُوَ إِنَّمَا يقْصد بِالْقَصْدِ الأول مَا يُطَابق الْمَسْئُول عَنهُ دون مَا عداهُ ثمَّ يتَعَلَّق بأجزائه بِالْقَصْدِ الثَّانِي لكَون الْمَسْئُول عَنهُ مُتَعَلق الهوية بهَا فَتبقى اللوازم مَقْصُودَة مُطلقًا
8 - أَي اللَّفْظ الَّذِي يقْصد بِهِ أَشْيَاء محدودة إِذا دلّ على الْمَاهِيّة أَو على مَفْهُوم(1/181)
9 - وَأَيْضًا لَو وَفِي نُسْخَة إِذا كَانَ الْمَدْلُول عَلَيْهِ هُوَ بطرِيق الِالْتِزَام مُعْتَبرا لَكَانَ مَا لَيْسَ بمقوم صَالحا للدلالة على مَا هُوَ
مثل الضَّحَّاك وَفِي نُسْخَة الضاحك مثلا فَإِنَّهُ من طَرِيق الِالْتِزَام يدل على الْحَيَوَان النَّاطِق
لَكِن قد اتّفق الْجَمِيع على أَن مثل هَذَا لَا يصلح فِي جَوَاب مَا هُوَ
فقد بَان أَن الَّذِي يصلح فِيمَا نَحن فِيهِ أَن يكون جَوَابا عَمَّا هُوَ أَن يَقُول لتِلْك الْجَمَاعَة إِنَّهَا حيوانات
10 - ونجد اسْم الْحَيَوَان مَوْضُوعا بِإِزَاءِ جملَة مَا تشترك فِيهِ هِيَ من المقومات الْمُشْتَركَة بَينهَا الَّتِي تخصها وَمَا فِي حكمهَا وضعا شَامِلًا إِنَّمَا يخلى عَمَّا يخص كل وَاحِد مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الِاسْم ويتناول مَا يدْخل فيهمَا فقد وَقع على أَشْيَاء محدودة
وَأما اللوازم الخارجية فلكونها غير محدودة لَا يجوز أَن تكون مَقْصُودَة لَهُ
9 - أَقُول تَصْرِيح بتخصيص الدّلَالَة الْمَذْكُورَة بِهَذَا الْموضع لِأَن مَا لَيْسَ بمقوم كالخواص فقد يكون صَالحا للدلالة بالِاتِّفَاقِ فِي سَائِر الْمَوَاضِع وَإِلَّا لكَانَتْ وَفِي نُسْخَة لَكَانَ الرسوم أَيْضا مهجورة على الْإِطْلَاق
فَكَذَلِك الْحُدُود النَّاقِصَة الَّتِي تَخْلُو عَن الْأَجْنَاس
وَأَيْضًا الشَّيْخ قد صرح بذلك فِي الشِّفَاء فِي الْفَصْل الَّذِي قسم فِيهِ الْكُلِّي إِلَى أقسامه الْخَمْسَة
فَقَالَ بعد أَن قسم الدَّال على الْمَاهِيّة إِلَى الْجِنْس وَالنَّوْع مَا هَذِه عِبَارَته
والحساس لَا يدل على مَا يدل عَلَيْهِ الْحَيَوَان إِلَّا بالالتزام فَلَيْسَ جِنْسا إِذْ المُرَاد هَهُنَا بِالدّلَالَةِ مَا يدل بالمطابقة أَو التضمن
وَهَذَا أَيْضا نَص صَرِيح على التَّخْصِيص بِهَذَا الْموضع
10 - أَقُول يُرِيد أَنه إِذا بطلت الْأَقْسَام بأسرها تعين الْحَيَوَان للجواب فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يشْتَمل على جَمِيع الذاتيات الْمُشْتَركَة الَّتِي تخص هَذِه المختلفات الْمَسْئُول عَنْهَا ويخلى عَن فصل كل وَاحِد مِنْهَا(1/182)
11 - هَذَا وَأما الثَّالِث فَهُوَ مَا يكون بشركة وخصوصية مَعًا مثل مَا إِنَّه إِذا سُئِلَ عَن جمَاعَة هم زيد وَعَمْرو وخَالِد مَا هم
كَانَ الَّذِي يصلح أَن يُجَاب بِهِ على الشَّرْط الْمَذْكُور أَنهم أنَاس
12 - وَإِذا سُئِلَ أَيْضا وَفِي نُسْخَة بِحَذْف كلمة أَيْضا عَن زيد وَحده مَا هُوَ لست أَقُول من هُوَ كَانَ الَّذِي يصلح أَن يُجَاب بِهِ على الشَّرْط الْمَذْكُور إِنَّه إِنْسَان
13 - لِأَن الَّذِي يفضل فِي زيد على الإنسانية أَعْرَاض ولوازم لأسباب فِي مادته الَّتِي مِنْهَا خلق وَفِي رحم أمه وَغير ذَلِك عرضت لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
11 - أَي من غير تَغْيِير الْمَعْنى اللّغَوِيّ
12 - إِشَارَة إِلَى الْفرق بَين مَا وَمن فَإِن الأول قد مر بَيَانه وَالثَّانِي إِنَّمَا يطْلب بِهِ الْعَوَارِض المشخصة وَيكون جَوَابه زيد أَو مَا يجْرِي مجْرَاه
13 - يُرِيد أَن يفرق
بَين الْأَشْيَاء الَّتِي تدخل على معنى ك الْحَيَوَان وتجعلها أَشْيَاء مُخْتَلفَة الْحَقَائِق كالإنسان وَالْفرس
وَبَين الْأَشْيَاء الَّتِي تدخل على معنى آخر كالإنسان وتجعلها أَشْيَاء متفقة الْحَقِيقَة كزيد وَعَمْرو
ولنورد لبَيَان ذَلِك مُقَدّمَة هِيَ أَن نقُول
من الْكُلية مَا قد يتَصَوَّر مَعْنَاهُ فَقَط بِشَرْط أَن يكون ذَلِك الْمَعْنى وَحده وَيكون كل مَا يقارنه زَائِدا عَلَيْهِ وَلَا يكون مَعْنَاهُ الأول مقولا على ذَلِك الْمَجْمُوع بل جُزْء مِنْهُ
وَمِنْهَا مَا يتَصَوَّر مَعْنَاهُ لَا بِشَرْط أَن يكون ذَلِك الْمَعْنى وَحده بل مَعَ تَجْوِيز أَن يقارنه غَيره وَأَن لَا يقارنه
وَيكون مَعْنَاهُ الأول مقولا على الْمَجْمُوع حَال الْمُقَارنَة
وَهَذَا الْأَخير قد يكون غير متحصل بِنَفسِهِ بل يكون مُبْهما مُحْتملا لِأَن يُقَال على أَشْيَاء مُخْتَلفَة الْحَقَائِق وَإِنَّمَا يتَحَصَّل بِمَا ينضاف إِلَيْهِ فيتخصص بِهِ فَيصير هُوَ بِعَيْنِه أحد تِلْكَ الْأَشْيَاء(1/183)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد يكون متحصلا بِنَفسِهِ أَو بِمَا ينضاف إِلَى الْمَعْنى الْمَذْكُور قبله وَلَا يكون مُبْهما وَلَا مُحْتملا لِأَن يُقَال على أَشْيَاء مُخْتَلفَة بالحقائق
بل يُقَال حِين يُقَال على أَشْيَاء لَا تخْتَلف إِلَّا بِالْعدَدِ فَقَط
وَهَذَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي أَن الْمَعْنى الأول يُقَال على الْحَاصِل بعد لُحُوق الْغَيْر بِهِ إِلَّا أَن اللَّاحِق معط لقوام ذَلِك الْمَعْنى فِي الصُّورَة الأولى
وَيُسمى فصلا
أَو لَاحق بِهِ بعد التقوم فِي الصُّورَة الْأَخِيرَة
وَيُسمى عارضا
فالكلي يُسمى بِالِاعْتِبَارِ الأول مَادَّة
وبالاعتبار الثَّانِي جِنْسا
وبالاعتبار الثَّالِث نوعا
مِثَاله الْحَيَوَان إِذا أَخذ بِشَرْط أَن لَا يكون مَعَه شَيْء
وَإِن اقْترن بِهِ النَّاطِق مثلا صَار الْمَجْمُوع مركبا من الْحَيَوَان والناطق وَلَا يُقَال لَهُ إِنَّه حَيَوَان
كَانَ مَادَّة
وَإِن وَفِي نُسْخَة إِذا أَخذ لَا بِشَرْط أَن لَا يكون مَعَه شَيْء بل من حَيْثُ يحْتَمل أَن يكون إنْسَانا أَو فرسا
وَإِن تخصص بالناطق تحصل إنْسَانا وَيُقَال لَهُ إِنَّه حَيَوَان كَانَ جِنْسا وَإِذا أَخذ بِشَرْط أَن يكون مَعَ النَّاطِق متخصصا ومتحصلا بِهِ كَانَ نوعا
فالحيوان الأول جُزْء الْإِنْسَان ويتقدمه تقدم الْجُزْء فِي الوجودين
وَالْحَيَوَان الثَّانِي لَيْسَ بِجُزْء لِأَن الْجُزْء لَا يحمل على الْكل بل هُوَ جُزْء من حَده وَلَا يُوجد من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك إِلَّا فِي الْعقل ويتقدمه فِي الْعقل بالطبع لكنه فِي الْخَارِج مُتَأَخّر عَنهُ لِأَن الْإِنْسَان مَا لم يُوجد لم يعقل لَهُ شَيْء يعمه وَغَيره وَشَيْء يَخُصُّهُ ويحصله وَيصير هُوَ هُوَ بِعَيْنِه
وَالْحَيَوَان الثَّالِث هُوَ الْإِنْسَان نَفسه لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من النَّاطِق والأشياء الَّتِي تنضاف إِلَيْهِ بعد تحصله لَا تفيده اخْتِلَافا فِي الْمَاهِيّة بل رُبمَا تَجْعَلهُ مُخْتَلفا بِالْعدَدِ كالإنسان(1/184)
14 - وَلَا يتَعَذَّر وَفِي نُسْخَة يتَقَدَّر أَن نقدر عرُوض أضدادها فِي أول تكونه وَيكون هُوَ هُوَ بِعَيْنِه
15 - وَلَيْسَ كَذَلِك نِسْبَة الإنسانية إِلَيْهِ وَلَا نِسْبَة الحيوانية إِلَى الإنسانية والفرسية وَذَلِكَ لِأَن الْحَيَوَان الَّذِي كَانَ يتكون إنْسَانا
فإمَّا أَن يتم تكونه وَفِي نُسْخَة بِكَوْنِهِ مِمَّا يتكون مِنْهُ فَيكون إنْسَانا
وَإِمَّا أَن لَا يتم تكونه وَفِي نُسْخَة بِكَوْنِهِ فَلَا يكون لَا ذَلِك الْحَيَوَان وَلَا يكون ذَلِك الْإِنْسَان
16 - وَلَيْسَ يحْتَمل التَّقْدِير الْمَذْكُور من أَنه لَو لم يلْحقهُ لواحق جعلته إنْسَانا يَعْنِي الناطقية شرح بل لحقته أضدادها أَو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَبْيَض وَالْإِنْسَان الْأسود وَهَكَذَا الْإِنْسَان وَذَلِكَ الْإِنْسَان
فَظهر الْفرق بَين الْأَشْيَاء الَّتِي تدخل على معنى وتجعله أَشْيَاء مُخْتَلفَة الْحَقَائِق وَبَين الْأَشْيَاء الَّتِي تدخل عَلَيْهِ وتجعله أَشْيَاء متفقة الْحَقِيقَة
وَإِذا تقرر هَذَا فَنَقُول لما كَانَ الْإِنْسَان نوعا كَمَا قُلْنَا كَانَ متحصل الْوُجُود فَكَانَ كل مَا ينضاف إِلَيْهِ ويقترن بِهِ مِمَّا يَجعله مُخْتَلفا بِالْعدَدِ فَهُوَ غير مقوم إِيَّاه بل عَارض لَهُ بِخِلَاف الْحَيَوَان وَلذَلِك كَانَت مَاهِيَّة الْأَشْخَاص هِيَ شَيْئا وَاحِدًا وَهُوَ المُرَاد بقوله لِأَن الَّذِي يفضل فِي زيد على الإنسانية أَعْرَاض ولوازم لمادته وَفِي نُسْخَة لأسباب فِي مادته هِيَ الَّتِي مِنْهَا خلق
14 - إِشَارَة إِلَى أَن الْعَوَارِض واللوازم لما قارنته بعد تحصله فَلَا تتبدل حقيقتة بتبدل تِلْكَ الْعَوَارِض
مثلا زيد الْأَبْيَض لَو فرضناه أسود لم تتبدل إنسانيته
15 - يُرِيد أَن الْمَاهِيّة لَا يُمكن أَن تكون كَذَلِك لِأَنَّهَا إِن تبدلت ارْتَفع الشَّيْء الَّذِي هِيَ ماهيته
16 - يَعْنِي يكون بعد تكونه فرسا هُوَ ذَلِك الْوَاحِد الَّذِي كَانَ أمكن قبل ذَلِك أَو أمكن أَن يكون إنْسَانا(1/185)
مغايراتها
يَعْنِي اللاناطقية والصاهلية شرح لَكَانَ يتكون حَيَوَانا غير إِنْسَان يَعْنِي فرسا مثلا وَهُوَ ذَلِك الْوَاحِد بِعَيْنِه
17 - بل إِنَّمَا يَجعله حَيَوَانا مَا يتقدمه فَيَجْعَلهُ إنْسَانا
18 - وَإِن وَفِي نُسْخَة فَإِن كَانَ على غير هَذِه الصُّورَة فَهُوَ على غير هَذَا الحكم وَلَيْسَ ذَلِك على المنطقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمرَاده من ذَلِك الْإِشَارَة إِلَى أَن مَا يحصل الْمَاهِيّة أَعنِي الْفَصْل لَا يحْتَمل التبدل أَيْضا مَعَ بَقَاء الْمَاهِيّة
17 - إِشَارَة إِلَى تقدم وجود الْإِنْسَان بِاعْتِبَار الْخَارِج على الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ الْجِنْس وَإِن كَانَ وجود الْجِنْس فِي الْعقل مُتَقَدما على تصَوره
18 - وَإِن كَانَت هَذِه الطبائع الْمَذْكُورَة الَّتِي فرضناها عوارض
فصولا فِي نفس الْأَمر وَكَانَت الَّتِي فرضناها فصولا عوارض فَهُوَ على غير هَذَا الحكم الْمَذْكُور
وَلَكِن لَيْسَ على الْمنطق أَن ينظر فِي الْموَاد بل عَلَيْهِ أَن يبين أَن الْأَشْيَاء الَّتِي تخْتَلف بالحقائق وَالَّتِي لم تخْتَلف أَي أَشْيَاء كَانَت إِذا سُئِلَ عَنْهَا بِمَا هُوَ كَيفَ يُجَاب عَن كل وَاحِد مِنْهَا وَفِي نُسْخَة مِنْهُمَا(1/186)
النهج الثَّانِي فِي الْأَلْفَاظ الْخَمْسَة المفردة وَالْحَد والرسم
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ الَّذِي هُوَ الْجِنْس وَالْمقول فِي جَوَاب مَا هُوَ الَّذِي هُوَ النَّوْع
1 - كل مَحْمُول كلي يُقَال على مَا تَحْتَهُ فِي جَوَاب مَا هُوَ
فإمَّا أَن تكون حقائق مَا تَحْتَهُ مُخْتَلفَة لَيْسَ بِالْعدَدِ فَقَط
وَإِمَّا أَن تكون بِالْعدَدِ وَفِي نُسْخَة بِالْعدَدِ فَقَط مُخْتَلفَة
فَأَما مَا يتقوم وَفِي نُسْخَة يقوم بِهِ من الذاتيات فَغير مُخْتَلف أصلا
وَالْأول يُسمى جِنْسا لما تَحْتَهُ
وَالثَّانِي يُسمى نوعا
وَمن عَادَتهم أَيْضا أَن يسموا كل وَاحِد من مختلفات الْحَقَائِق تَحت الْقسم الأول نوعا لَهُ وَفِي نُسْخَة بِحَذْف كلمة لَهُ وبالقياس وَفِي نُسْخَة بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ
2 - على أَن اسْم النَّوْع عِنْد التَّحْقِيق إِنَّمَا يدل فِي الْمَوْضِعَيْنِ على مَعْنيين مُخْتَلفين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - كُله ظَاهر مستغن عَن التَّفْسِير
2 - أَقُول النَّوْع الْمُضَاف إِلَى الْجِنْس يسْتَلْزم اعتبارين(1/187)
3 - وَمِمَّا يسهو فِيهِ المنطقيون ظنهم أَن اسْم النَّوْع فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَهُ دلَالَة وَاحِدَة أَو مُخْتَلفَة بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحدهمَا نسبته إِلَى مَا فَوْقه الَّذِي هُوَ الْجِنْس
وَالثَّانِي نسبته إِلَى مَا تَحْتَهُ أشخاصا كَانَت أَو أنواعا أخر الَّتِي لولاها لم يكن النَّوْع كليا
وَالنَّوْع الْحَقِيقِيّ يسْتَلْزم اعْتِبَارا وَاحِدًا وَهُوَ نسبته إِلَى الْأَشْخَاص الَّتِي تَحْتَهُ
فَالْأول قد يتَنَاوَل الْأَنْوَاع الْعَالِيَة والمتوسطة والسافلة الَّتِي تخص باسم نوع الْأَنْوَاع تنَاول الْجِنْس لأنواعه
وَالثَّانِي قد يُشَارك نوع الْأَنْوَاع وَحده فِي مَوْضُوعَاته ويباينه بِأحد اعتباريه أَعنِي النِّسْبَة إِلَى مَا فَوْقه
وَقد يباينه فِي الْمَوْضُوع أَيْضا إِذا لم يكن تَحت جنس
كالوحدة والنقطة والآن
فالنوعان يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنى بِثَلَاثَة أَشْيَاء
أَحدهَا اخْتِصَاص أَحدهمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقه وَلأَجل ذَلِك يجب تركبه عَن جنس وَفصل
وَأما الآخر فَلَا يجب فِيهِ ذَلِك وَإِن كَانَ جَائِزا لاشتراك الْمَذْكُور فِي الْمَوْضُوع
وَثَانِيها جَوَاز مباينة الإضافي للحقيقي فِي الموضوعات حَتَّى وَفِي نُسْخَة حِين يكون نوعا عَالِيا ومتوسطا من حَيْثُ وُقُوعه على مختلفات الْحَقِيقَة
وَثَالِثهَا جَوَاز مباينة الْحَقِيقِيّ للإضافي فِي الموضوعات حِين لَا يكون تَحت جنس
3 - وَفِي بعض النّسخ ومختلفة بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص وَهُوَ أظهر
فَإِن الأول يُوهم أَن يكون لَهُم سهوان(1/188)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى تَرْتِيب الْجِنْس وَالنَّوْع
1 - ثمَّ إِن الْأَجْنَاس قد تترتب متصاعدة والأنواع قد تترتب متنازلة
2 - وَيجب أَن يَنْتَهِي
3 - وَأما إِلَى مَاذَا تَنْتَهِي فِي التصاعد أَو فِي التنازل من الْمعَانِي الْوَاقِع عَلَيْهَا الجنسية والنوعية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأول ظنهم أَن النَّوْع فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَهُ دلَالَة وَاحِدَة
وَالثَّانِي ظنهم أَنه لَهُ دلَالَة مُخْتَلفَة بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص
وَيلْزم على الأول أَن يكون كل مَا يَقع تَحت جنس فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف إِلَّا بِالْعدَدِ حَتَّى لَا يكون جنس تَحت جنس أَلْبَتَّة وَذَلِكَ مِمَّا لم يذهب إِلَيْهِ أحد
وَمُرَاد الشَّيْخ لَيْسَ إِلَّا أَنهم ظنُّوا أَن النَّوْع الْحَقِيقِيّ هُوَ نوع الْأَنْوَاع لَا غير فَجعلُوا للمعنيين دلَالَة وَاحِدَة مُخْتَلفَة بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوص لكَونهَا مُطلقَة فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ ومقيدة بملاصقة الْأَشْخَاص فِي الْموضع الآخر
1 - أَي رُبمَا تترتب لِأَن ترتبه لَيْسَ بِوَاجِب فِي جَمِيع الْموَاد
2 - وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَو لم تَنْتَهِ فِي التصاعد للَزِمَ تركب الْمَعْنى الْوَاحِد من مقومات لَا تتناهى ويتوقف تصَوره على إِحْضَار جَمِيعهَا بالبال
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح وَأَيْضًا لوَجَبَ ترَتّب الْعِلَل والمعلولات لَا إِلَى نِهَايَة وَذَلِكَ لكَون كل فصل عِلّة لتقوم حِصَّته من الْجِنْس
وَهُوَ محَال على مَا تبين فِي الإلهيات
وَلَو لم ينْتَه فِي التنازل لما تحصلت الْأَشْخَاص والأنواع الْحَقِيقِيَّة أَعنِي أَعْيَان الموجودات الَّتِي يلْزم من ارتفاعها ارْتِفَاع الْأَجْنَاس وَمَا يَليهَا
3 - أَقُول يُرِيد أَن معرفَة مواد الْأَجْنَاس والأنواع بِأَعْيَانِهَا لَيست من هَذَا(1/189)
وَمَا المتوسطات بَين الطَّرفَيْنِ
فمما وَفِي نُسْخَة فَمَا لَيْسَ بَيَانه على المنطقي وَإِن تكلفه تكلّف فضولا
بل إِنَّمَا يجب عَلَيْهِ أَن يعلم أَن هَهُنَا
جِنْسا عَالِيا أَو أجناسا عالية هِيَ أَجنَاس الْأَجْنَاس
وأنواعا سافلة هِيَ أَنْوَاع الْأَنْوَاع
وَأَشْيَاء متوسطة هِيَ
أَجنَاس لما دونهَا
وأنواع لما فَوْقهَا
وَأَن لكل وَاحِد مِنْهَا فِي مرتبته خَواص
4 - وَأما أَن يتعاطى النّظر فِي كمية أَجنَاس الْأَجْنَاس وماهيتها دون المتوسطة والسافلة كَأَن ذَلِك مُهِمّ وَهَذَا غير مُهِمّ فخروج عَن الْوَاجِب وَكَثِيرًا مَا ألهم الأذهان زيغا عَن الجادة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْعلم لِأَنَّهَا المعقولات الأولى
وَهَذَا الْعلم يبْحَث عَن المعقولات الثَّانِيَة
فالمنطقي من حَيْثُ هُوَ منطقي لَا ينظر فِيهَا
وَأما وَفِي نُسْخَة وَأَن النّظر فِي أَن لكل وَاحِد من الْعَالِيَة والمتوسطة والسافلة فِي مرتبته خَواص فَإِنَّمَا يلْزمه لِأَن الْعُلُوم البرهانية إِنَّمَا تبحث عَن تِلْكَ الْخَواص وَهِي الْأَعْرَاض الذاتية الْمَذْكُورَة
4 - أَقُول يعْتَرض على سَائِر المنطقيين فَإِن مقدمهم الَّذِي هُوَ الْمعلم الأول افْتتح تَعْلِيمه بِذكر المقولات الْعشْر الَّتِي هِيَ أَجنَاس الْأَجْنَاس وَأَشَارَ إِلَى مَعَانِيهَا وخواصها على الْوَجْه الْمَشْهُور الَّذِي يَلِيق بالمبتدئين فِي كِتَابه الْمُسَمّى ب قاطيغورياس وَجعلهَا شبه مصادرة لهَذَا الْعلم لَا جُزْءا مِنْهُ
وَتَبعهُ الْجُمْهُور فِي ذَلِك بل زادوا فِي بياناتها عَلَيْهِ
وَلَا شكّ فِي أَن النّظر فِي ذَلِك لَيْسَ من المباحث المنطقية إِلَّا أَن الحكم بِأَن النّظر(1/190)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فِيهَا يجْرِي مجْرى النّظر فِي الْأَجْنَاس المتوسطة والسافلة من وَفِي نُسْخَة فِي كَونه مهما أَو غير مُهِمّ فِي هَذَا الْعلم خُرُوج عَن الْإِنْصَاف فَإِن المنطقي إِنَّمَا يحْتَاج فِي اسْتِعْمَال قوانينه لاقتناص الْحُدُود واكتساب الْمُقدمَات إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ مَا لم يعرف محدوده وكل وَاحِد من حدي مَطْلُوبه تَحت أَي جنس من الْأَجْنَاس يَقع بِحَسب الْمَاهِيّة لم يُمكن لَهُ أَن يحصل الْفُصُول المترتبة وَلَا سَائِر المحمولات الَّتِي تتركب مِنْهَا التعريفات وَيُسْتَفَاد مِنْهَا التصديقات بِحَسب الْأَغْلَب كَمَا بَين فِي موَاضعهَا
وَأما المتوسطة والسافلة الَّتِي لَا تَنْحَصِر فِي عدد فَإِنَّمَا يَسْتَغْنِي عَن إيرادها لاشتمال الْعَالِيَة المعدودة عَلَيْهَا
وَمِمَّا يشبه ذَلِك أَن الطَّبِيب من حَيْثُ هُوَ طَبِيب يجب أَن لَا ينظر إِلَّا فِي حَال بدن الْإِنْسَان من حَيْثُ يَصح ويمرض ليحفظ الصِّحَّة ويزيل الْمَرَض فَإِن من ينظر وَفِي نُسْخَة نظر من حَيْثُ هُوَ طَبِيب فِي ماهيات أَشْيَاء رُبمَا يستعملها أَو لَا يستعملها
أَهِي معدنية أَو نباتيه أَو حيوانية
ومعادنها أَيْن هِيَ وأوقات تَحْصِيلهَا مَتى هِيَ وشرائط حفظهَا مَا هِيَ وَكم هِيَ دون مَا لم يسمع بِهِ أَو لم يَقع إِلَيْهِ أَنه مِمَّا يُمكن أَن تكون مَعْرفَتهَا أَنْفَع فِي علمه كَأَن ذَلِك مُهِمّ وَغَيره لَيْسَ بمهم فخروج عَن الْوَاجِب
إِلَّا أَنه لما تصور إِمْكَان الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا فِي اسْتِعْمَال قوانينه الحافظة للصِّحَّة أَو المزيلة للمرض أضَاف النّظر فِيهَا بِحَسب الْإِمْكَان إِلَى علمه بل جعله جُزْءا من علمه
وَهَذَا دأب أَصْحَاب سَائِر الصناعات العملية وَفِي نُسْخَة العلمية فَإِنَّهُم يضيفون إِلَى صناعاتهم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي تتميم تِلْكَ الصناعات وَإِن كَانَ خَارِجا عَنْهَا ليتم بذلك الْوُصُول إِلَى غاياتها(1/191)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى الْفَصْل
1 - وَأما الذاتي الَّذِي لَيْسَ يصلح أَن يُقَال على الْكَثْرَة الَّتِي كليته بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا قولا فِي جَوَاب مَا هُوَ فَلَا شكّ فِي أَنه يصلح للتمييز وَفِي نُسْخَة للتميز الذاتي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الذاتي عَمَّا يشاركها فِي الْوُجُود أَو فِي جنس مَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول كل ذاتي
إِمَّا أَن يكون مقولا فِي جَوَاب مَا هُوَ بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا هُوَ ذاتي لَهُ
أَولا يكون
وَالثَّانِي إِمَّا أَن يكون دَاخِلا فِيمَا يُقَال فِي جَوَاب مَا هُوَ
أَو يكون خَارِجا عَنهُ
وَلما كَانَ الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ على الْكَثْرَة
إِمَّا تَمام ماهيتها مُطلقًا
أَو تَمام ماهيتها الْمُشْتَركَة بَينهَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا
فالذاتي الْخَارِج عَمَّا يُقَال فِي جَوَاب مَا هُوَ لَا يُوجد إِلَّا فِي الْقسم الْأَخير وَيكون مَا يخْتَص بِبَعْض تِلْكَ الْكَثْرَة بِالضَّرُورَةِ وَمَا يخْتَص بِالْبَعْضِ مُقَومًا لَهُ فَهُوَ مَا يفِيدهُ الامتياز عَمَّا يُشَارِكهُ فَهُوَ صَالح للتمييز الذاتي لذَلِك الْبَعْض
والداخل فِي جَوَاب مَا هُوَ
إِن كَانَ وَاقعا وَفِي نُسْخَة مقولا فِي جَوَاب مَا هُوَ على كَثْرَة أُخْرَى قبل الأولى فَحكمه حكم الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ
وَإِن لم يكن وَاقعا فَحكمه حكم الْخَارِج الْمَذْكُور(1/192)
2 - وَلذَلِك يصلح أَن يكون مقولا فِي جَوَاب أَي شَيْء هُوَ
فَإِن أَي شَيْء إِنَّمَا يطْلب بِهِ وَفِي نُسْخَة حذف عبارَة بِهِ التَّمْيِيز الْمُطلق عَن المشاركات فِي معنى الشيئية فَمَا دونهَا وَهَذَا هُوَ الْمُسَمّى بِالْفَصْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِذن كل ذاتي لَا يصلح فِي جَوَاب مَا هُوَ فَهُوَ صَالح للتمييز الذاتي وَهُوَ الْفَصْل
والفصل قد يكون خَاصّا بِالْجِنْسِ كالحساس للنامي مثلا فَإِنَّهُ لَا يُوجد لغيره
وَقد لَا يكون كالناطق للحيوان عِنْد من يَجعله مقولا على غير الْحَيَوَانَات كبعض الْمَلَائِكَة مثلا
وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِن الْجِنْس إِنَّمَا يتَحَصَّل ويتقوم بِهِ نوعا وَذَلِكَ النَّوْع إِنَّمَا يمتاز بذلك الْفَصْل
أما على التَّقْدِير الأول فَعَن كل مَا عداهُ مِمَّا فِي الْوُجُود
وَأما على التَّقْدِير الثَّانِي فَعَن كل مَا يُشَارِكهُ فِي الْجِنْس فَقَط فَإِن الْإِنْسَان لَا يمتاز بالناطق عَن جَمِيع مَا فِي الْوُجُود إِذْ لَا يمتاز بِهِ عَن الْمَلَائِكَة بل عَمَّا يُشَارِكهُ فِي الحيوانية فَقَط
وَهُوَ المُرَاد بقوله عَمَّا يشاركها فِي الْوُجُود أَو فِي جنس مَا
وَقد ذهب الْفَاضِل الشَّارِح وَغَيره مِمَّن سبقه إِلَى أَن الذاتي الَّذِي لَا يصلح لجواب مَا هُوَ لَا يجوز أَن يكون أَعم الذاتيات
فَهُوَ إِمَّا مسَاوٍ أَو أخص مِنْهُ
والمساوي لَهُ هُوَ مَا يصلح لتمييزه عَمَّا يُشَارِكهُ فِي الْوُجُود
والأخص مِنْهُ هُوَ مَا يصلح لتمييز مَا يخْتَص بِهِ عَمَّا يُشَارِكهُ فِي الْجِنْس الَّذِي يعمهما
ولزمهم على ذَلِك تَجْوِيز تركب أَعم الذاتيات الَّذِي هُوَ الْجِنْس العالي عَن أَمريْن مساويين لَهُ لَيْسَ وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا بِجِنْس بل يكونَانِ فصلين وَذَلِكَ غير مُطَابق للوجود وَلَا لأصولهم الَّتِي بنوا عَلَيْهَا
وَفِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ غَنِي عَن أَمْثَال هَذِه التمحلات
2 - أَقُول نبه على أَن الْفَصْل هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب أَي شَيْء هُوَ ثمَّ بَين أَن(1/193)
3 - وَقد يكون فضلا للنوع الْأَخير كالناطق مثلا للْإنْسَان
وَقد يكون للنوع الْمُتَوَسّط فَيكون فصلا لجنس نوع أخير وَفِي نُسْخَة النَّوْع الْأَخير مثل الحساس فَإِنَّهُ فصل للحيوان وَفِي نُسْخَة الْحَيَوَان وَفصل جنس الْإِنْسَان وَلَيْسَ جِنْسا للْإنْسَان وَإِن كَانَ ذاتيا أَعم مِنْهُ
4 - فَيعلم من هَذَا أَنه لَيْسَ كل ذاتي أَعم جِنْسا وَلَا مقولا فِي جَوَاب مَا هُوَ
وكل فصل فَإِنَّهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى النَّوْع الَّذِي هُوَ فَصله مقوم وبالقياس إِلَى جنس ذَلِك النَّوْع مقسم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هَذَا الْإِطْلَاق مُوَافق لعرف اللُّغَة كَمَا بَين فِي جَوَاب مَا هُوَ بقوله فَإِن أَي شَيْء إِنَّمَا يطْلب بِهِ التَّمْيِيز
يَعْنِي أَن السُّؤَال ب أَي قد يطْلب بِهِ التَّمْيِيز الْعَام عَن جَمِيع الْأَشْيَاء وَذَلِكَ إِذا أضيف إِلَى شَيْء أَو مَا يجْرِي مجْرَاه فَيُقَال أَي شَيْء هُوَ وَقد يطْلب بِهِ التَّمْيِيز الْخَاص عَن بَعْضهَا مِمَّا هُوَ دون الشَّيْء الْمُطلق وَذَلِكَ إِذا أضيف إِلَى شَيْء أخص مِنْهُ
كَمَا يُقَال أَي حَيَوَان هُوَ
وغرض الشي فِي التَّلَفُّظ ب الْوُجُود وَالشَّيْء هَهُنَا تَعْمِيم الْأَشْيَاء الَّتِي يطْلب التَّمْيِيز عَنْهَا من غير مُلَاحظَة كَون الْوُجُود والشيئية عارضين للماهيات على مَا فهم الْفَاضِل الشَّارِح فَإِنَّهُ لَا فَائِدَة لذَلِك هَهُنَا
3 - أَقُول لما فرغ من بَيَان مَاهِيَّة الْفَصْل رَجَعَ إِلَى الْإِشَارَة التفصيلية إِلَى أَن فصلية كل وَاحِد من الذاتيات الَّتِي لَا تصلح لجواب مَا هُوَ بِالْقِيَاسِ إِلَى أَي شَيْء يكون
وَعند وُصُوله إِلَى فصل الْجِنْس أَشَارَ إِلَى مَا ذكره فِي مناقضة الْقَائِلين فِيمَا مر بِأَن الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ هُوَ الذاتي الْأَعَمّ مُجملا وأحال بَيَانه إِلَى هَذَا الْموضع بقوله
4 - يُرِيد أَن الْفَصْل الَّذِي يتَحَصَّل بِهِ الْجِنْس نوعا إِنَّمَا يكون لَهُ اعتباران(1/194)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَحدهمَا بقياسه إِلَى الْجِنْس المتحصل بِهِ
وَالثَّانِي بقياسه إِلَى النَّوْع المتحصل مِنْهُ
وَالْأول هُوَ التَّقْسِيم فَإِن النَّاطِق يقسم الْحَيَوَان إِلَى الْإِنْسَان وَغَيره
وَالثَّانِي هُوَ التَّقْوِيم فَإِنَّهُ يقوم الْإِنْسَان لكَونه ذاتيا لَهُ
وَأما قَوْلهم الْفَصْل مقوم لحصته من الْجِنْس فَذَلِك التَّقْوِيم غير مَا نَحن فِيهِ فَإِنَّهُ بِمَعْنى كَونه سَببا لوُجُود الْحصَّة لَا بِمَعْنى كَونه جُزْءا مِنْهُ
والتمييز بعد التَّقْوِيم لِأَنَّهُ عَارض بِحَسب اعْتِبَار الشَّيْء إِلَى غَيره فَيكون مُتَأَخِّرًا عَن اعْتِبَاره فِي نَفسه
ومقوم النَّوْع العالي يقوم السافل لِأَنَّهُ يقوم مقومه وَلَا ينعكس لاحْتِمَال أَن يكون مقوم السافل هُوَ مَا ينضاف إِلَى العالي
ومقسم الْجِنْس السافل مقسم العالي لِأَن العالي مقول على جَمِيع السافل وَلَا ينعكس لاحْتِمَال أَن يكون أَقسَام العالي هُوَ السافل نَفسه(1/195)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة إِلَى الْخَاصَّة وَالْعرض الْعَام
1 - أما الْخَاصَّة وَالْعرض الْعَام فَمن المحمولات العرضية والخاصة مِنْهَا وَفِي نُسْخَة مِنْهُمَا مَا كَانَ من الْعَوَارِض واللوازم وَفِي نُسْخَة اللوازم والعوارض غير وَفِي نُسْخَة الْغَيْر المقومة لكلي مَا وَاحِد من حَيْثُ لَيْسَ وَفِي نُسْخَة من حَيْثُ إِنَّه لَيْسَ لغيره سَوَاء كَانَ ذَلِك نوعا أخيرا أَو غير أخير وَسَوَاء عَم الْجَمِيع أَو لم يعم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول لما فرغ من المحمولات الذاتية وَذكر المحمولات العرضية وَهِي تَنْقَسِم
إِلَى مَا لَا يعرض لغير موضوعاتها
وَإِلَى مَا يعرض
وَالْأول خَاصَّة
وَالثَّانِي عرض عَام
وَيشْتَرط فيهمَا أَن يكون الْمَوْضُوع كليا
فالخاصة قد تكون
للْجِنْس العالي
كالموجود لَا فِي مَوْضُوع للجوهر
وللمتوسط كاللون للجسم
وللنوع الْأَخير كالكاتب للْإنْسَان
وَقد تكون لَازِمَة
ك ذِي الزوايا الثَّلَاث للمثلث
ومفارقة كالماشي للحيوان(1/196)
2 - وَأما الْعرض الْعَام مِنْهُمَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مِنْهُمَا فَهُوَ مَا كَانَ مَوْجُودا وَفِي نُسْخَة مِنْهُمَا مَوْجُودا وَفِي أُخْرَى مِنْهَا مَوْجُودا فِي كلي وَغَيره عَم الجزئيات كلهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة كلهَا أَو لم يعم
3 - وَأفضل الْخَواص مَا عَم النَّوْع واختص بِهِ وَكَانَ لَازِما لَا يُفَارق الْمَوْضُوع وَفِي نُسْخَة لَا يُفَارِقهُ وأنفعها فِي تَعْرِيف الشَّيْء بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد تكون عَامَّة لأشخاص موضوعاتها كالضاحك بالطبع للْإنْسَان
وخاصة بِالْبَعْضِ كالكاتب لَهُ
وَقد تكون مُفْردَة كالكاتب لَهُ
ومركبة
ك منتصب الْقَامَة بَادِي الْبشرَة لَهُ
وَقد تكون بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء لَا يُوجد فِيهِ وَإِن لم تكن خَاصَّة بالموضوع على الْإِطْلَاق
ك ذِي الرجلَيْن للْإنْسَان بِالْقِيَاسِ إِلَى الْفرس دون الطَّائِر وَلَا بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء بل بِالْإِطْلَاقِ كَمَا مر
وكل خَاصَّة نوع خَاصَّة لجنسه وَإِن علا وَلَا ينعكس وَرُبمَا يكون عرضا عَاما لما تَحْتَهُ وَرُبمَا لَا يكون
2 - وَالْعرض الْعَام قد يكون أَيْضا
للْجِنْس العالي كالواحد للجوهر
وَالنَّوْع الْأَخير كالأبيض للْإنْسَان
وَقد يكون لَازِما كالزوج للاثنين
ومفارقا كالنائم للْإنْسَان
وَقد يكون عَاما للجزئيات كالمتحرك للحيوان
وَغير عَام كالأبيض لَهُ
3 - أَقُول الْخَاصَّة(1/197)
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بِهِ مَا كَانَ بَين الْوُجُود لَهُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَهُ مِثَال الْخَاصَّة الضاحك وَفِي نُسْخَة الضَّحَّاك للْإنْسَان وَكَون الزوايا مثل قائمتين للمثلث
4 - مِثَال وَفِي نُسْخَة وَمِثَال الْعرض الْعَام الْأَبْيَض للبيضاني
5 - وَرُبمَا قَالُوا الْعرض مُطلقًا محذوفا عَنهُ الْعَام
ومتخلفوا وَفِي نُسْخَة مختلفوا المنطقين يذهبون إِلَى أَن هَذَا الْعرض هُوَ الْعرض الَّذِي يُقَال مَعَ الْجَوْهَر وَلَيْسَ هَذَا من ذَلِك بِشَيْء بل معنى هَذَا الْعرض هُوَ العرضي الْمَشْهُور عِنْد الظاهرين وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة الْمَشْهُور عِنْد الظاهرين ولعلها الظاهريين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قد تعْتَبر من حَيْثُ كَونهَا خَاصَّة فَقَط
وَقد تعْتَبر من حَيْثُ وُقُوعهَا فِي التعريفات
وتوجد الْخَواص مُتَفَاوِتَة فِي الْجَوْدَة والرداءة بِكُل وَاحِد من الاعتبارين
فأفضلها بِالِاعْتِبَارِ الأول مَا تكون شَامِلَة لأشخاص الْمَوْضُوع خَاصَّة بِهِ لَا بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره بل على الْإِطْلَاق لَازِمَة لَهَا غير مُفَارقَة
وبالاعتبار الثَّانِي مَا تكون مَعَ ذَلِك بَيِّنَة الْوُجُود لَهُ فَإِن التَّعْرِيف بالخفي غير منجح
4 - وَهُوَ طَائِر يُقَال لَهُ باليونانية قعنس وَفِي نُسْخَة ققنس فَهُوَ متولد غير متوالد
وَقد تذكر لَهُ قصَّة ويتمثل فِي الْبيَاض بِهِ كَمَا فِي السوَاد بالغراب
5 - إِطْلَاق الْعرض على مَا يُوجد للموضوع فَقَط
وَإِطْلَاق الْخَاصَّة على مَا يكون مَعَ ذَلِك مُسَاوِيا لَهُ كَمَا ذكر فِي الجدل
وَالْعرض الَّذِي هُوَ قسيم الْجَوْهَر مَا يُوجد فِي الْمَوْضُوع
فَلَعَلَّ الالتباس بَين مَا يُوجد للموضوع وَبَين مَا يُوجد فِيهِ بعد الْغَفْلَة عَن اخْتِلَاف معنى الْمَوْضُوع فيهمَا حملهمْ على الذّهاب إِلَى أَنَّهُمَا وَاحِد
وَأَيْضًا فَإِن الْعرض الَّذِي هُوَ قسيم الْجَوْهَر قد يُمكن أَن يحمل على مَوْضُوعه حملا غير ذاتي وظنوه عرضا عَاما لذَلِك وغفلوا عَن كَونه مَحْمُولا عَلَيْهِ بالاشتقاق وَوُجُوب كَون الْعرض الْعَام مَحْمُولا بالمواطأة(1/198)
6 - وَقد يكون الشَّيْء بِالْقِيَاسِ إِلَى كلي خَاصَّة وبالقياس إِلَى مَا هُوَ أخص مِنْهُ عرضا عَاما فَإِن الْمَشْي وَالْأكل من خَواص الْحَيَوَان وَمن الْأَعْرَاض الْعَامَّة للْإنْسَان وَفِي نُسْخَة بِالْقِيَاسِ إِلَى الْإِنْسَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - أَقُول كل وَاحِد من الْخَمْسَة إِنَّمَا يكون وَاحِدًا مِنْهَا بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء فَإِن الْجِنْس جنس لشَيْء وَالنَّوْع نوع لشَيْء
وَلَا يمْتَنع أَن يكون مَا هُوَ جنس لشَيْء نوعا لغيره
وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَقد يتَمَثَّل فِي هَذَا الْموضع ب الملون فَيُقَال
إِنَّه جنس للأسود
وَفصل للكيف
وَنَوع للمتكيف بِوَجْه وَلِهَذَا الملون بِوَجْه آخر
وخاصة للجسم وَعرض عَام
وَلَيْسَ هَذَا الْمِثَال صَحِيحا فِي بعض الصُّور وَلَكِن لَا يناقش فِي الْأَمْثِلَة وَفِي نُسْخَة الْمِثَال(1/199)
الْفَصْل الْخَامِس تَنْبِيه
1 - فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ الْخَمْسَة وَهِي
الْجِنْس وَالنَّوْع والفصل والخاصة وَالْعرض الْعَام
تشترك كلهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة كلهَا فِي أَنَّهَا تحمل على الجزئيات الْوَاقِعَة تحتهَا بِالِاسْمِ وَالْحَد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول هَذَا أول فصل تَرْجمهُ ب التَّنْبِيه
وَقَالَ الْفَاضِل الشَّارِح الاستقراء يدل على أَن الشَّيْخ عبر فِي هَذَا الْكتاب ب الإشارات عَن فُصُول تشْتَمل على أَحْكَام تثبت بتجشم
وب التَّنْبِيهَات عَن فُصُول يَكْفِي فِي ثُبُوت أَحْكَامهَا النّظر فِي حُدُودهَا وَفِيمَا سبق من القَوْل فِيمَا يُنَاسِبهَا
وَهَذَا الْفَصْل بَين كَونه من النَّوْع الثَّانِي
وَمن عَادَة المنطقيين فِي هَذَا الْموضع أَن يبينوا
المشاركات الْعَامَّة
والثنائية
والثلاثية
والرباعية
والمباينات بَين هَذِه الْخَمْسَة
فاقتصر الشَّيْخ على بَيَان مُشَاركَة عَامَّة هِيَ
أَن كل وَاحِدَة من الْخَمْسَة قد تحمل على جزئياتها بِالِاسْمِ وَالْحَد كالجسم على الْحَيَوَان وكالجوهر الَّذِي يقبل الأبعاد أَعنِي حد الْجِسْم عَلَيْهِ أَيْضا
وَهَهُنَا بحث مُهِمّ وَهُوَ أَن النَّوْع الَّذِي هُوَ أحد الْخَمْسَة بِأَيّ الْمَعْنيين هُوَ
فَنَقُول أَنه بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ وَذَلِكَ لِأَن الكليات المنحصرة فِي هَذِه الْأَقْسَام الْخَمْسَة هِيَ المحمولات
وَالنَّوْع الإضافي من حَيْثُ هُوَ نوع إضافي مَوْضُوع لَا يعْتَبر كَونه مَحْمُولا على شَيْء إِنَّمَا يعْتَبر كَونه مَحْمُولا من حَيْثُ هُوَ كلي وَهُوَ اعْتِبَار آخر(1/200)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشَّيْخ قد نبه عَلَيْهِ بقوله تشترك كلهَا فِي أَنه تحمل على الجزئيات الْوَاقِعَة تحتهَا فَإِن الإضافي النَّوْع لَا يُقَاس إِلَى مَا تَحْتَهُ من حَيْثُ هُوَ نوع إضافي بل يُقَاس إِلَيّ مَا فَوْقه
وَأَيْضًا الْقِسْمَة المخمسة تخرج الْحَقِيقِيّ وَحده وَالَّتِي تخرج الإضافي إِنَّمَا تكون بِالْقُوَّةِ مسدسة لِأَنَّهَا لَا تخرج الإضافي وَحده من غير اعْتِبَار الْحَقِيقِيّ وَذَلِكَ لأَنا نقُول إِذا أردنَا الْحَقِيقِيّ
مثلا الكليات المحمولة
إِمَّا ذاتية لموضوعاتها
وَإِمَّا عرضية
والذاتية إِمَّا مقولة فِي جَوَاب مَا هُوَ على مختلفات الْحَقِيقَة وَهِي الْجِنْس أَو على متفقاتها وَهِي النَّوْع
وَإِمَّا لَيست بمقولة وَهِي الْفَصْل
والعرضية إِمَّا مُخْتَصَّة بموضوعاتها وَهِي الْخَاصَّة
أَو غير مُخْتَصَّة وَهِي الْعرض
فَهَذِهِ الْقِسْمَة وَمَا يجْرِي مجْراهَا تخرج الْحَقِيقِيّ وَحده مخمسة
وَأما إِذا أردنَا الإضافي فَنَقُول
مثلا الكليات تَنْقَسِم
إِلَى مُمكنَة الْوُقُوع فِي جَوَاب مَا هُوَ
وَإِلَى مَا لَا يُمكن وُقُوعهَا فِيهِ
وممكنة الْوُقُوع إِذا ترتبت فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص فالعام جنس للخاص
وَالْخَاص نوع لَهُ
وَمَا لَا يُمكن أَن يَقع فِي جَوَاب مَا هُوَ يَنْقَسِم إِلَى
ذاتي هُوَ الْفَصْل
وَإِلَى عرضي وَهُوَ إِمَّا الْخَاصَّة أَو الْعرض
وَهَذِه الْقِسْمَة مُشْتَمِلَة على قسم آخر وَهُوَ مَا يُمكن وُقُوعه فِي جَوَاب مَا هُوَ وَلَا يَتَرَتَّب أَو لَا يعْتَبر ترتبه تَحت عَام وَهُوَ النَّوْع الْحَقِيقِيّ فَتكون بِالْقُوَّةِ مسدسة وَلَا محيص عَن ذَلِك فِي كل قسْمَة تجْرِي مجْراهَا فِي إِخْرَاج الإضافي(1/201)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى رسوم الْخَمْسَة
1 - فالجنس يرسم بِأَنَّهُ كلي وَفِي نُسْخَة الْكُلِّي يحمل على أَشْيَاء مُخْتَلفَة الْحَقَائِق فِي جَوَاب مَا هُوَ
والفصل يرسم بِأَنَّهُ كلي يحمل على الشَّيْء فِي جَوَاب أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره
وَالنَّوْع
يرسم بِأحد الْمَعْنيين أَنه كلي يحمل على أَشْيَاء لَا تخْتَلف إِلَّا بِالْعدَدِ فِي جَوَاب مَا هُوَ
ويرسم بِالْمَعْنَى الثَّانِي أَنه كلي يحمل عَلَيْهِ الْجِنْس وعَلى غَيره حملا ذاتيا أوليا
والخاصة ترسم بِأَنَّهَا كُلية تقال على مَا تَحت حَقِيقَة وَاحِدَة فَقَط قولا غير ذاتي
وَالْعرض الْعَام يرسم بِأَنَّهُ كلي يُقَال على مَا تَحت حَقِيقَة وَاحِدَة على غَيرهَا قولا غير ذاتي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْكُلِّي هُوَ الْجِنْس للخمسة وَلذَلِك وَضعه فِي أَوَائِل رسومها
والكلي يَقع بالاشتراك
على طبائع الموجودات وَحدهَا وَهُوَ الطبيعي
وعَلى الْعُمُوم الَّذِي إِذا لحقها اشتركت الجزئيات فِيهَا وَهُوَ المنطقي
وعَلى الملحوق مَعَ اللَّاحِق وَهُوَ الْعقلِيّ
وَقد مر ذكرهَا(1/202)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالجنس للخمسة هُوَ المنطقي لَا غير
وَإِنَّمَا قَالَ فِي رسم الْفَصْل يحمل فِي جَوَاب أَي شَيْء هُوَ فِي جوهره لِأَن الْخَاصَّة أَيْضا قد تحمل فِي جَوَاب أَي شَيْء هُوَ إِلَّا أَنَّهَا إِنَّمَا تفعل تمييزا عرضيا لَا ذاتيا وجوهريا
وَقَالَ فِي رسم النَّوْع الإضافي إِن الْجِنْس يحمل عَلَيْهِ أَيْضا حملا ذاتيا أَولا لِأَن الْجِنْس الْبعيد يحمل عَلَيْهِ أَيْضا حملا ذاتيا لكنه لَا يكون أوليا وَهُوَ لَا يكون نوعا إِلَّا بِالْقِيَاسِ إِلَى الْقَرِيب
وَالْبَاقِي ظَاهر
وَإِنَّمَا جعل هَذِه الْأَقْوَال رسوما لَا حدودا لِأَن الْحمل على الشَّيْء أَمر عَارض لماهية الكليات وَغير مقوم إِيَّاهَا فَإِن الْجِنْس فِي نَفسه هُوَ الْكُلِّي الذاتي لمختلفات الْحَقِيقَة بالاشتراك سَوَاء حمل عَلَيْهَا أَو لم يحمل
وَأما حمله عَلَيْهَا أَو كَونه صَالحا لِأَن يحمل فمما يعرض لَهَا بعد تقومه
وَكَذَلِكَ فِي الْبَوَاقِي
وَإِنَّمَا أورد الشَّيْخ رسومها دون حُدُودهَا لِأَنَّهَا أَشد مُنَاسبَة لبياناتها الْمُتَقَدّمَة(1/203)
الْفَصْل السَّابِع إِشَارَة إِلَى الْحَد
1 - الْحَد قَول دَال على مَاهِيَّة الشَّيْء
2 - وَلَا شكّ فِي أَنه يكون مُشْتَمِلًا على مقوماته أجمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هَذَا حد الْحَد
وَقد يرسم بِأَنَّهُ قَول يقوم مقَام الِاسْم المطابق فِي الدّلَالَة على الذَّات
وَالْحَد مِنْهُ تَامّ يشْتَمل على جَمِيع المقومات كَقَوْلِنَا للْإنْسَان إِنَّه حَيَوَان نَاطِق
وَمِنْه نَاقص يشْتَمل على بَعْضهَا إِذا كَانَ مُسَاوِيا للحدود كَقَوْلِنَا لَهُ إِنَّه جسم أَو جَوْهَر نَاطِق
والتام لَا يكون إِلَّا وَاحِدًا
وَأما الْحُدُود النَّاقِصَة فكثيرة يفضل بَعْضهَا على بعض بِحَسب ازدياد الْأَجْزَاء
وَأَيْضًا مِنْهُ مَا يكون بِحَسب الِاسْم
وَمِنْه مَا يكون بِحَسب الْمَاهِيّة كَمَا مر
وَالْمرَاد هَهُنَا هُوَ الَّذِي بِحَسب الْمَاهِيّة
وَاسم الْحَد يَقع على التَّام والناقص بالاشتراك لِأَن التَّام دَال على الْمَاهِيّة بالمطابقة كالاسم إِلَّا أَن الِاسْم مُفْرد وَالْحَد مؤلف
والناقص دَال عَلَيْهَا لَا بالمطابقة بل بالالتزام وَيَقَع على الْحُدُود النَّاقِصَة بالتشكيك لِأَن الْمُشْتَمل على أَجزَاء أَكثر أولى بِهَذَا الِاسْم من الْمُشْتَمل على أَجزَاء أقل
فَإِذا أطلق هَذَا الِاسْم فَالْوَاجِب أَن يحمل على التَّام الَّذِي هُوَ الْحَد الْحَقِيقِيّ وَحده وإياه عني الشَّيْخ فِي هَذَا الْفَصْل
2 - إِشَارَة إِلَى مَا سبق من أَن الدَّال على الْمَاهِيّة إِنَّمَا يكون مُشْتَمِلًا على جَمِيع المقومات(1/204)
وَيكون لَا محَالة مركبا من جنسه وفصله لِأَن مقوماته الْمُشْتَركَة هِيَ جنسه والمقوم الْخَاص فَصله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن الشَّيْء الَّذِي يُرَاد تَعْرِيفه يكون
إِمَّا بسيطا
وَإِمَّا مركبا
والتركيب إِمَّا أَن يكون فِي الْعقل فَقَط
وَإِمَّا أَن يكون فِي الْعقل وخارجه
والعقلي الْمَحْض هُوَ التَّرْكِيب من الْجِنْس والفصل
وَيخْتَص بِأَن يكون كل وَاحِد من الْمركب وأجزائه مقولا بالمواطأة على الْبَاقِيَة
والتركيب الْخَارِجِي قد يكون من أَشْيَاء ملتئمة شَيْئا وَاحِدًا كالآحاد فِي الْعدَد وكالهيولي وَالصُّورَة فِي الْجِسْم وَفِي نُسْخَة للجسم
أَو غير ملتئمة شَيْئا وَاحِدًا كالسواد وَغَيره فِي البلقة
أَو من شَيْء وَمَا يحل فِيهِ كالجسم والسواد فِي الْأسود
أَو من شَيْء وإضافته إِلَى غَيره كَالرّجلِ والأبوة فِي الْأَب
وَقد يكون على أنحاء غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكرهَا
وكل مركب خَارج الْعقل مركب فِي الْعقل وَلَا ينعكس
وَلكُل قسم من هَذِه الْأَقْسَام تَعْرِيف يَخُصُّهُ
وَأما البسائط فَلَا تعرف بالحدود بل بالرسوم وَمَا يجْرِي مجْراهَا
وَأما المركبات الْعَقْلِيَّة فَهِيَ الَّتِي تحد بالحدود التَّامَّة الْمَذْكُورَة وَهِي ذَوَات الماهيات على الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور قبل
وَأما المركبات الْبَاقِيَة فحدودها مؤلفة من حُدُود بسائطها إِن كَانَت ذَوَات حُدُود وَإِلَّا فَمن رسومها
فَقَوْل الشَّيْخ الْحَد قَول دَال على مَاهِيَّة الشَّيْء يدل على تَخْصِيص الْحَد بذوات الماهيات الَّتِي هِيَ المركبات الْعَقْلِيَّة فَلذَلِك وَفِي نُسْخَة فلأجل ذَلِك قَالَ وَيكون يَعْنِي الْحَد لَا محَالة مركبا من جنسه وفصله(1/205)
3 - وَمَا لم يجْتَمع للمركب مَا هُوَ مُشْتَرك وَمَا هُوَ خَاص لم يتم للشَّيْء حَقِيقَته المركبة
4 - وَمَا لم يكن للشَّيْء تركيب فِي حَقِيقَته لم يدل وَفِي نُسْخَة لم يُمكن أَن يدل عَلَيْهَا بقول
5 - وكل وَفِي نُسْخَة فَكل مَحْدُود مركب فِي الْمَعْنى
6 - وَيجب أَن يعلم أَن الْغَرَض فِي التَّحْدِيد لَيْسَ هُوَ التَّمْيِيز كَيفَ اتّفق وَلَا أَيْضا بِشَرْط أَن يكون من الذاتيات من غير زِيَادَة اعْتِبَار وَفِي نُسْخَة اعْتِبَار زِيَادَة آخر بل أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَن يتَصَوَّر بِهِ الْمَعْنى كَمَا هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِذا ثَبت هَذَا فقد سقط الشَّك الَّذِي يُورد عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلهم لَيْسَ كل حد مركبا من جنس وَفصل
3 - يُرِيد ب الْمركب الْعقلِيّ الصّرْف فَإِن سَائِر المركبات لَا يجب أَن يكون مُشْتَمِلًا على مُشْتَرك وخاص
4 - يَعْنِي بالْقَوْل القَوْل الَّذِي يكون حدا فَإِن الْبَسِيط وَفِي نُسْخَة حَقِيقِيَّة الْبَسِيط قد يدل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا بقول وَلَا يدل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا بقول يكون حدا بل بقول يكون رسما
وَإِن لم يكن ذَلِك القَوْل فِي بعض الصُّور قاصرا عَن الْحُدُود فِي إِفَادَة تصور مَا يطْلب تصَوره وَذَلِكَ إِذا كَانَ مُشْتَمِلًا على لَوَازِم تَقْتَضِي انْتِقَال الذِّهْن عَنْهَا إِلَى حَقِيقَة ملزومها كَمَا هِيَ فَإِن ذَلِك القَوْل يقوم مقَام الْحَد فِي إِفَادَة الْغَرَض
5 - أَقُول هَهُنَا صرح بِأَنَّهُ يُرِيد التَّرْكِيب الْعقلِيّ
6 - أَقُول الظاهريون يرَوْنَ أَن الْغَرَض من التَّحْدِيد هُوَ التَّمْيِيز فَحسب وَلذَلِك يجْعَلُونَ كل قَول يطرد وينعكس على الشَّيْء حدا لَهُ
ثمَّ إِن تنبه بَعضهم للذاتيات والعرضيات جعل الْمُمَيز الذاتي كَيْفَمَا كَانَ حدا
وَالشَّيْخ رد عَلَيْهِم جَمِيعًا وَأَبَان أَن الْغَرَض من التَّحْدِيد تصور الْمَعْنى كَمَا هُوَ فَإِن من يروم تَحْقِيق الْأَشْيَاء لَا يقف دونه وَفِي نُسْخَة دونهَا(1/206)
7 - وَإِذا فَرضنَا أَن شَيْئا من الْأَشْيَاء لَهُ بعد جنسه فصلان يساويانه كَمَا قد يظنّ أَن الْحَيَوَان لَهُ بعد كَونه جسما ذَا نفس فصلان كالحساس والمتحرك بالإرادة
فَإِذا أورد أَحدهمَا وَحده كفى فِي الْحَد وَفِي نُسْخَة فِي ذَلِك الْحَد الَّذِي يُرَاد بِهِ التَّمْيِيز الذاتي
وَلم يكف فِي الْحَد الَّذِي يطْلب فِيهِ أَن يتَحَقَّق ذَات الشَّيْء وَحَقِيقَته كَمَا هُوَ
8 - وَلَو كَانَ الْغَرَض فِي الْحَد التميز بالذاتيات كَيفَ اتّفق لَكَانَ قَوْلنَا الْإِنْسَان وَفِي نُسْخَة للْإنْسَان جسم نَاطِق مائت حدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن طَالب التميز الْكُلِّي بِالْقَصْدِ الأول لَا يتَحَصَّل غَرَضه إِلَّا بعد أَن يعرف الشَّيْء الَّذِي يُرِيد تميزه أَولا
ثمَّ الْأَشْيَاء غير المتناهية الَّتِي يُرِيد التميز عَنْهَا ثَانِيًا
وَأما طَالب تصور الْمَعْنى كَمَا هُوَ فقد يتَحَصَّل لَهُ التَّمْيِيز الْكُلِّي تَابعا لمقصوده بِالْقَصْدِ الثَّانِي
7 - وَقد مر الْكَلَام فِي كَيْفيَّة اشْتِمَال الشَّيْء على فصلين متساويين فَلَا وَجه لإعادته
والمنطقي من حَيْثُ يجوز ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يحكم بِوُجُوب إِيرَاد الْفُصُول جَمِيعًا حَتَّى تتمّ المقومات
8 - هَذِه حجَّة جدلية يحْتَج بهَا على الْقَوْم فَإِنَّهُم مَعَ قَوْلهم بِأَن الْغَرَض من الْحَد هُوَ التميز بالذاتيات اعْتَرَفُوا بِأَن هَذَا لَيْسَ حدا تَاما وَهُوَ مُنَاقض لقَولهم
والمائت عِنْدهم فصل أخير بعد النَّاطِق فَإِن الْإِنْسَان يُشَارك الأفلاك وَالْمَلَائِكَة بزعمهم فِي كَونهم حَيا ناطقا ويمتاز عَنْهَا ب المائت
وَالْحق أَن الْحَيّ النَّاطِق يَقع عَلَيْهِمَا بمعنيين(1/207)
الْفَصْل الثَّامِن وهم وتنبيه
1 - إِذا وَفِي نُسْخَة وَإِذا كَانَت الْأَشْيَاء الَّتِي يحْتَاج إِلَى ذكرهَا فِي الْحَد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِي الْحَد مَعْدُودَة وَهِي مقومات الشَّيْء لم يحْتَمل التَّحْدِيد إِلَّا وَجها وَاحِدًا من الْعبارَة الَّتِي تجمع المقومات على ترتيبها أجمع وَلم يُمكن أَن يوجز وَلَا أَن يطول لِأَن إِيرَاد الْجِنْس الْقَرِيب يُغني عَن تعديد وَاحِد وَاحِد من المقومات الْمُشْتَركَة إِذْ وَفِي نُسْخَة إِذا كَانَ اسْم الْجِنْس يدل على جَمِيعهَا دلَالَة التضمن
ثمَّ يتم الْأَمر بإيراد الْفُصُول
وَقد علمت أَنه إِذا زَادَت الْفُصُول على وَاحِد لم يحسن الإيجاز والحذف إِذا كَانَ الْغَرَض بالتحديد وَفِي نُسْخَة فِي التَّحْدِيد تصور كنه الشَّيْء كَمَا هُوَ وَفِي نُسْخَة على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يتبعهُ التَّمْيِيز أَيْضا
ثمَّ لَو تعمد متعمد أَو سَهَا ساه أَو نسي نَاس اسْم الْجِنْس وأتى بدله بِحَدّ الْجِنْس لم نقل إِنَّه خرج عَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة عَن أَن يكون حادا مستعظمين صَنِيعه وَفِي نُسْخَة فِي صَنِيعه فِي تَطْوِيل الْحَد
فَلَا ذَلِك الإيجاز مَحْمُود كل ذَلِك الْحَمد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة كل ذَلِك الْحَمد وَلَا هَذَا التَّطْوِيل مَذْمُوم كل ذك الذَّم إِذا حفظ فِيهِ الْوَاجِب من الْجمع وَالتَّرْتِيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْوَهم فِي هَذَا الْفَصْل هُوَ غلط جمَاعَة من المنطقيين فِي تَحْدِيد الْحَد(1/208)
2 - وَكَثِيرًا مَا ينْتَفع فِي الرسوم بِزِيَادَة تزيد على الْكِفَايَة للتمييز وَفِي نُسْخَة للتميز وستعلم الرسوم عَن قريب
3 - ثمَّ قَول الْقَائِل إِن الْحَد قَول وجيز كَذَا وَكَذَا يتَضَمَّن بَيَانا لشَيْء إضافي مَجْهُول لِأَن الْوَجِيز غير مَحْدُود
فَرُبمَا كَانَ الشَّيْء وجيزا بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء طَويلا بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره
وَاسْتِعْمَال وَفِي نُسْخَة فاستعمال أَمْثَال هَذَا فِي حُدُود أُمُور غير إضافية خطأ قد ذكر لَهُم فِي كتبهمْ فليتذكروه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ قَوْلهم الْحَد قَول وجيز دَال على تَفْصِيل الْمعَانِي الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا مَفْهُوم الِاسْم أَو مَا يجْرِي مجْرَاه
والتنبيه على فَسَاد ذَلِك بِمَا ذكره غَنِي عَن الشَّرْح
وَقد أَفَادَ بقوله إِذا حفظ فِيهِ الْوَاجِب من الْجمع وَالتَّرْتِيب فَائِدَة وَهِي أَن الْحَد لَا يتم بِجَمِيعِ المقومات بل يجب مَعَ ذَلِك أَن يَتَرَتَّب فَيقدم الْأَجْنَاس ثمَّ يُقيد بالفصول ليتحصل صُورَة مُطَابقَة للمحدود
2 - يُرِيد بذلك الرَّد على من يعْتَبر الإيجاز بِأَن زِيَادَة ذكر بعض اللوازم أَو الْقُيُود فِي الرسوم المميزة يَقْتَضِي مزِيد الْإِيضَاح وسهولة الِاطِّلَاع على حَقِيقَة الْمَطْلُوب
3 - أَقُول يُشِير إِلَى الْمَوَاضِع الجدلية الْمُتَعَلّقَة بالحدود فَإِن مِنْهَا موضعا يشْتَمل على تخطئة تَحْدِيد غير الإضافي بالإضافي كمن يحد النَّار بِأَنَّهَا وَفِي نُسْخَة بِأَنَّهُ أخف الْأَجْسَام وألطفها
وَاعْلَم أَن الْحَد مُضَاف إِلَى الْمَحْدُود إِلَّا أَن الْإِضَافَة عارضة لَهُ لَيست دَاخِلَة فِي ماهيته
وَمن جعل الْوَجِيز جُزْءا من حَده جعلهَا دَاخِلَة فِي ماهيته(1/209)
الْفَصْل التَّاسِع إِشَارَة إِلَى الرَّسْم
1 - وَأما إِذا عرف الشَّيْء بقول مؤلف من أعراضه وخواصه الَّتِي تخْتَص وَفِي نُسْخَة تخصه جُمْلَتهَا بالاجتماع فقد عرف ذَلِك الشَّيْء برسمه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول مَا ذكره الشَّيْخ رسم الرَّسْم
وَحده أَن يُقَال هُوَ قَول مؤلف من محمولات لَا تكون ذاتية بأجمعها أَو لَا تكون على ترتيبها الْوَاجِب يُرَاد بِهِ تَعْرِيف الشَّيْء
والرسم مِنْهُ تَامّ يُفِيد التَّمْيِيز عَن كل مَا يغاير المرسوم
وَمِنْه نَاقص يُفِيد التَّمْيِيز عَن بعض مَا يغايره
وَقيل التَّام هُوَ الَّذِي يشْتَمل على الذاتيات والعرضيات والناقص مَا اقْتصر فِيهِ على العرضيات
وَأَيْضًا مِنْهُ جيد يُسَاوِي المرسوم وَيكون أبين مِنْهُ وَمِنْه رَدِيء وَهُوَ مَا يُخَالِفهُ فَمن شَرَائِط الْجَوْدَة الْمُسَاوَاة للمرسوم لِئَلَّا يتَنَاوَل مَا لَيْسَ مِنْهُ أَو يخلي عَمَّا هُوَ مِنْهُ
وَرُبمَا لم يكن كل وَاحِد من العرضيات مُتَسَاوِيا وَاجْتمعَ مِنْهُ مَا يكون مُسَاوِيا فَيصير رسما كَمَا يُقَال مثلا فِي رسم الخفاش إِنَّه الطَّائِر الْوَلُود
وَقَول الشَّيْخ الَّتِي تخْتَص جُمْلَتهَا بالاجتماع إِشَارَة إِلَى هَذَا الْمَعْنى
والإشكال الَّذِي أوردهُ الشَّارِح الْفَاضِل وَهُوَ أَن مُسَاوَاة اللَّازِم الْوَاقِع فِي الرَّسْم لملزومه لَا تعرف إِلَّا بعد معرفَة الْمَلْزُوم فَتكون معرفَة الْمَلْزُوم بِهِ دورا لَا ينْحل بِمَا ادّعى حلّه بِهِ وَهُوَ قَوْله تقيد اللوازم غير المساوية بَعْضهَا بِبَعْض حَتَّى يركب مِنْهَا مَا يكون مُسَاوِيا وَيعرف بِهِ وَلَا يلْزم الدّور
فَإِن الْإِشْكَال فِي كَيْفيَّة معرفَة كَون الْمَجْمُوع مُسَاوِيا بِحَالهِ
وحله أَن يُقَال الْمُسَاوَاة فِي نفس الْأَمر هِيَ غير الْعلم بالمساواة(1/210)
2 - وأجود الرسوم مَا يوضع فِيهِ الْجِنْس أَولا ليتقيد وَفِي نُسْخَة ليُفِيد وَفِي أُخْرَى ليتقيد بِهِ ذَات الشَّيْء
مِثَاله مَا يُقَال للْإنْسَان إِنَّه حَيَوَان مشاء وَفِي نُسْخَة مَشى على قَدَمَيْهِ عريض الْأَظْفَار ضحاك بالطبع
وَيُقَال للمثلث إِنَّه الشكل الَّذِي لَهُ ثَلَاث زَوَايَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشّرط فِي انْتِقَال الذِّهْن عَن اللَّازِم الْمسَاوِي إِلَى الْمَلْزُوم هُوَ الْمُسَاوَاة فِي نفس الْأَمر لَا الْعلم بهَا
فَإِذا نظر الباحث عَن الشَّيْء فِيمَا يكتنفه وَفِي نُسْخَة يكشفه من لوازمه وعوارضه مُسَاوِيَة كَانَت أَو غير مُسَاوِيَة مفرقة أَو مركبة وأوصله وَفِي نُسْخَة وواصله بَعْضهَا إِلَيّ ذَلِك الشَّيْء علم بعد ذَلِك أَنه كَانَ مُسَاوِيا لَهُ وَلَا يلْزم الدّور
ثمَّ إِنَّه يعرف غَيره بِمَا يعرف مساواته وَلَا يحْتَاج ذَلِك الْغَيْر أَيْضا إِلَى تقدم الْعلم بالمساواة
وَاعْلَم أَن اللَّازِم الْوَاحِد وَإِن كَانَ مُسَاوِيا فَإِنَّهُ لَا يكون من حَيْثُ هُوَ وَاحِد رسما
وَكَذَلِكَ الْفَصْل وَحده لَا يكون حدا نَاقِصا وَذَلِكَ الْوَاحِد مِنْهَا لَا يدل على الشَّيْء الْمَطْلُوب بالمطابقة وَإِلَّا لَكَانَ اسْمه بل إِنَّمَا يدل عَلَيْهِ بالالتزام وَهُوَ يشْتَمل على قرنية عقلية مُوجبَة لنقل الذِّهْن من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم
وَتلك القرنية إِن صرح بهَا اقْتَضَت لفظا آخر بإزائه فَكَانَ الدَّال بِالْحَقِيقَةِ شَيْئَيْنِ لَا شَيْئا وَاحِدًا وَلِهَذَا السَّبَب تعد الْحُدُود والرسوم فِي الْأَقْوَال دون الْمُفْردَات من الْأَلْفَاظ
وَأَيْضًا انْتِقَال الذِّهْن من شَيْء إِلَى شَيْء على سَبِيل اللُّزُوم أَمر ضَرُورِيّ لَيْسَ للصناعة فِيهِ مدْخل
والانتقال من الْحُدُود والرسوم إِلَى المطالب صناعي وَإِنَّمَا يتَعَلَّق بالصناعة تأليف وفى نُسْخَة بتأليف مفرداتها لَا غير فَهِيَ لَا تكون إِلَّا مؤلفة
2 - وَذَلِكَ لِأَن اللوازم والخواص بل الْفُصُول لَا تدل بِالْوَضْعِ إِلَّا على شَيْء مَا يستلزمها أَو يخْتَص بهَا(1/211)
3 - وَيجب أَن يكون الرَّسْم بخواص وأعراض بَيِّنَة للشَّيْء فَإِن من عرف المثلث بِأَنَّهُ الشكل الَّذِي زواياه الثَّلَاث وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الثَّلَاث مثل قائمتين وَفِي نُسْخَة القائمتين لم يكن رسمه إِلَّا للمهندسين وَفِي نُسْخَة للمهندس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما مَا ذَلِك الشَّيْء فِي ذَاته وجوهره فَلَا يدل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا إِلَّا بالانتقال الْعقلِيّ
وَإِذا وضع الْجِنْس دلّ على أصل الذَّات ثمَّ يتم التَّعْرِيف بإلحاق اللوازم والخواص بِهِ
3 - أَقُول هَذَا شَرط آخر فِي جودة الرَّسْم وَقد سبق ذكره
وَلما كَانَ حَال الشَّيْء فِي الْبَيَان والخفاء مُخْتَلفا وَرُبمَا كَانَ الْبَين عِنْد شخص خفِيا عِنْد آخر يكون بعض الْأَقْوَال رسوما عِنْد قوم غير رسوم عِنْد آخَرين
وَمَا تمثل بِهِ فِي آخر الْفَصْل وَهُوَ أَن رسم المثلث بِحَال الزوايا لَا يكون إِلَّا للمهندس فَالصَّحِيح أَنه لَا يكون لَهُ أَيْضا إِلَّا بِحَسب الِاسْم دون الْمَاهِيّة فَإِن المهندس مَا لم يعرف حَقِيقَة المثلث لَا يُمكن أَن يعرف حَال زواياه فَكَمَا كَانَ من الْحُدُود حُدُود شارحة للاسم وحدود دَالَّة على الْمَاهِيّة فَكَذَلِك الرسوم(1/212)
الْفَصْل الْعَاشِر إِشَارَة إِلَى أَصْنَاف من الْخَطَأ تعرض فِي تَعْرِيف الْأَشْيَاء بِالْحَدِّ والرسم
1 - إِذا عرفت نَفَعت بأنفسها ودلت على أشكال لَهَا فِي غَيرهَا
2 - وَمن وَفِي نُسْخَة من الْقَبِيح الْفَاحِش وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْفَاحِش أَن تسْتَعْمل فِي الْحُدُود الْأَلْفَاظ المجازية والمستعارة والغريبة الوحشية وَفِي نُسْخَة والوحشية بل يجب أَن تسْتَعْمل فِيهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة فِيهَا الْأَلْفَاظ الْمُنَاسبَة الناصة الْمُعْتَادَة وَفِي نُسْخَة الْأَلْفَاظ الناصة الْمُعْتَادَة وَفِي أُخْرَى التَّامَّة المعتدلة الناصة الْمُنَاسبَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول هَذِه أصُول نقلهَا عَمَّا يتَعَلَّق بالحدود والرسوم من كتاب الجدل
وَهِي وأمثالها فِي ذَلِك الْكتاب تسمى ب بالمواضع
والموضع كل حكم ينشعب مِنْهُ أَحْكَام أخر يُمكن أَن يَجْعَل كل وَاحِد مِنْهَا مُقَدّمَة
فَمن هَذِه الْأُصُول مَا يتَعَلَّق بالألفاظ
وَمِنْهَا مَا يتَعَلَّق بالمعاني
وَقدم الْمَوَاضِع اللفظية
2 - أَقُول يُرِيد بالحدود الْأَقْوَال الشارحة مُطلقًا
وَاللَّفْظ الْمجَازِي والمستعار هما مَا يُطلق على غير مَا وضع لَهُ لقَرِينَة تَقْتَضِي الْعُدُول عَنهُ إِلَى الْغَيْر من شبه أَو نِسْبَة أَو أَمر عَقْلِي أَو غير ذَلِك
ويقابلهما الْحَقِيقَة
ويفترقان بِأَن ذَلِك الْإِطْلَاق فِي الْمجَاز يكون مستمرا وَرُبمَا لَا تلاحظ الْحَقِيقَة فِيهِ(1/213)
3 - فَإِن اتّفق أَن لَا يُوجد للمعنى وَفِي نُسْخَة فِي الْمَعْنى لفظ مُنَاسِب مُعْتَاد فليخترع لَهُ لفظ من أَشد الْأَلْفَاظ مُنَاسبَة وليدل على مَا أُرِيد بِهِ ثمَّ يسْتَعْمل فِيهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الِاسْتِعَارَة يكون مبتدعا ويلاحظ كَون ذَلِك الْإِطْلَاق لَيْسَ بحقيقي
فالمجاز فِي الْمُفْردَات كإطلاق النُّور على الْهِدَايَة وَالنَّظَر على الْفِكر وَفِي المركبات كَقَوْلِه تَعَالَى {واسأل الْقرْيَة}
والاستعارة فِي الْمُفْردَات ك ذَنْب السرحان على الصُّبْح الأول
وَفِي المركبات كَقَوْلِه تَعَالَى {واخفض جناحك}
والألفاظ الغريبة هِيَ الَّتِي لَا يكون اسْتِعْمَالهَا مَشْهُورا وَيكون بِحَسب قوم قوم
ويقابلها الْمُعْتَادَة
والوحشية هِيَ الَّتِي تشْتَمل على تركيب ينفر الطَّبْع عَنهُ
ويقابلها العذبة
وَإِذا اجْتمعت الغرابة والوحشية فِي لفظ فقد سمج جدا
وَاسْتِعْمَال أَمْثَال هَذِه الْأَلْفَاظ فِي التعريفات قَبِيح لِأَنَّهَا محتاجة إِلَى كشف وَبَيَان فَيلْزم احْتِيَاج القَوْل الشَّارِح إِلَى قَول شَارِح آخر
والألفاظ الناصة هِيَ الَّتِي تعبر عَن الْمَقْصُود صَرِيحًا وتزيل الِاشْتِبَاه عَمَّا يكون فِي معرضه
ويقابلها الموهمة والمغلقة
وَفِي بعض النّسخ بدل الْمُعْتَادَة المعتدلة أَي بَين الركاكة العامية والمتانة المفرطة الَّتِي تعدل بالذهن عَن فهم الْمَعْنى إِلَى النّظر فِي اللَّفْظ
3 - أَقُول قد يتَّفق ذَلِك فِي الْمُفْردَات وَقد يتَّفق فِي المركبات وَذَلِكَ لِأَن النَّاظر فِي الْمعَانِي رُبمَا يدْرك أَشْيَاء لم يُدْرِكهَا وَاضع لغته أَو يسنح لَهُ تركيب يحْتَاج إِلَيْهِ لم يسنح لواضع لغته فَلم يضع لَهَا اسْما وَيحْتَاج النَّاظر إِلَى أَن يعبر عَنْهَا فيضطر إِلَى وضع الْأَلْفَاظ بإزائها
وَإِنَّمَا اشْترط الْمُنَاسبَة فِيهِ لِأَن الِانْتِقَال عَن الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة إِلَى غَيرهَا بِسَبَب(1/214)
4 - وَقد يسهو المعرفون فِي تعريفهم فَرُبمَا عرفُوا الشَّيْء بِمَا هُوَ مثله فِي الْمعرفَة والجهالة
كمن يعرف الزَّوْج بِأَنَّهُ الْعدَد الَّذِي لَيْسَ بفرد
وَرُبمَا تخطوا ذَلِك فعرفوا الشَّيْء بِمَا هُوَ أخْفى مِنْهُ كَقَوْل بَعضهم إِن النَّار هِيَ الأسطقس الشبيه بِالنَّفسِ
وَالنَّفس أخْفى من النَّار
وَرُبمَا تعدوا ذَلِك فعرفوا الشَّيْء بِنَفسِهِ فَقَالُوا إِن الْحَرَكَة هِيَ النقلَة وَإِن الْإِنْسَان هُوَ الْحَيَوَان البشري
وَرُبمَا تعدوا هَذَا فعرفوا الشَّيْء بِمَا لَا يعرف إِلَّا بالشَّيْء إِمَّا مُصَرحًا وَإِمَّا وَفِي نُسْخَة أَو مضمرا
أما الْمُصَرّح فَمثل قَوْلهم إِن الْكَيْفِيَّة مَا بهَا تقع المشابهة وخلافها
وَلَا يُمكنهُم أَن يعرفوا المشابهة إِلَّا بِأَنَّهَا اتِّفَاق فِي الْكَيْفِيَّة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تخَالف الْمُسَاوَاة والمشاكلة بِأَنَّهَا اتِّفَاق بالكيفية وَفِي نُسْخَة فِي الْكَيْفِيَّة لَا فِي الْكَيْفِيَّة وَالنَّوْع غير ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُنَاسبَة كَمَا فِي الْمجَاز والاستعارة والتشبيه وَغَيرهَا طَرِيق مسلوك فِي جَمِيع اللُّغَات
والمخترع لفظا على هَذَا الْوَجْه لَا يكون خَارِجا عَن مَذْهَب اللُّغَة
وَمِثَال المخترعات فِي الْمُفْردَات الْعقل وَالنَّفس وَفِي المركبات الْقيَاس والاستقراء
4 - أَقُول هَذِه هِيَ الْمَوَاضِع المعنوية
فَمِنْهَا تَعْرِيف الشَّيْء بِمَا يُسَاوِيه فِي الْمعرفَة والجهالة
ثمَّ بِمَا هُوَ أخْفى ثمَّ بِنَفسِهِ
ثمَّ بِمَا لَا يعرف إِلَّا بِهِ
إِمَّا بمرتبة وَاحِدَة وَهُوَ دور ظَاهر
أَو بمراتب وَهُوَ دور خَفِي
وَجَمِيع ذَلِك رَدِيء على التَّرْتِيب الْمَذْكُور
فالتعريف بالمساوي رَدِيء لِأَنَّهُ لَا يُفِيد الْمَطْلُوب وبالأخفى أردأ مِنْهُ لِأَنَّهُ أبعد عَن الإفادة(1/215)
وَأما الْمُضمر فَهُوَ أَن يكون الْمُعَرّف بِهِ يَنْتَهِي تَحْلِيل تَعْرِيفه إِلَى أَن يعرف بالشَّيْء وَإِن لم يكن ذَلِك فِي أول الْأَمر مثل قَوْلهم إِن الِاثْنَيْنِ زوج أول ثمَّ يحدون الزَّوْج بِأَنَّهُ عدد يَنْقَسِم وَفِي نُسْخَة منقسم بمتساويين
ثمَّ يحدون المتساويين بِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا يُطَابق الآخر مثلا
ثمَّ يحدون الشَّيْئَيْنِ بِأَنَّهُمَا اثْنَان وَلَا بُد من اسْتِعْمَال لفظ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة لفظ الاثنينية فِي حد الشَّيْئَيْنِ من حَيْثُ إنَّهُمَا وَفِي نُسْخَة هما شَيْئَانِ
5 - وَقد يسهو المعرفون فيكررون الشَّيْء فِي الْحَد حَيْثُ لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَفِيه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِيهِ وَلَا ضَرُورَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبنفس الشَّيْء أردأ مِنْهُ لِأَن الأخفى يُمكن أَن يصير أقدم معرفَة فِي بعض الصُّور فَيعرف بِهِ وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي نفس الشَّيْء
والدوري أردأ مِنْهُ لِأَن
الأول يَقْتَضِي أَن يكون للشَّيْء على نَفسه تَقْدِيم وَاحِد
وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَن يكون لَهُ تقديمات فَوق وَاحِدَة
والدور الظَّاهِر أشنع والخفي أردأ فِي الْحَقِيقَة
والأمثلة مَذْكُورَة فِي الْمَتْن
وَقد أورد فِي مِثَال التَّعْرِيف بالمساوي تَعْرِيف الزَّوْج بِأَنَّهُ لَيْسَ بفرد وَالزَّوْج يُقَابل الْفَرد تقَابل التضاد بِحَسب الشُّهْرَة وتقابل الْعَدَم والملكة بِحَسب الْحَقِيقَة
فتعريفه بِهِ تَعْرِيف بالمساوي بِحَسب الشُّهْرَة
وَهُوَ مُرَاد الشَّيْخ وتعريف دوري بِحَسب الْحَقِيقَة لِأَن الْعَدَم يعرف بالملكة فتعريف الملكة بِهِ يَقْتَضِي دورا
5 - أَقُول التّكْرَار قد يَقع للحدود فِي الْحَد وَقد يَقع للحد
وَقد يَقع لبَعض أَجْزَائِهِ
وَأَيْضًا قد يَقع بِحَسب الْحَاجة لَهُ
وَقد يَقع بِحَسب الضَّرُورَة
وَقد يَقع لَا بحسبها
والرديء مَا يشْتَمل على تكْرَار لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَة فِيهِ(1/216)
أَعنِي الضَّرُورَة الَّتِي تتفق فِي تَحْدِيد بعض المركبات والإضافيات على مَا يعلم فِي غير هَذَا الْموضع
وَمِثَال هَذَا الْخَطَأ قَوْلهم إِن الْعدَد كَثْرَة مجتمعة من الْآحَاد والمجتمعة من الْآحَاد هِيَ الْكَثْرَة بِعَينهَا
وَمثل من يَقُول إِن الْإِنْسَان حَيَوَان جسماني نَاطِق
وَالْحَيَوَان مَأْخُوذ فِي حَده الْجِسْم حِين يُقَال إِن جسم ذُو نفس حساس متحرك بالإرادة فيكونون وَفِي نُسْخَة فَيكون قد كرروا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فمثال مَا يُكَرر الْمَحْدُود فِي الْحَد أَن يُقَال الْإِنْسَان حَيَوَان بشري
وَمِثَال مَا يُكَرر الْحَد أَو بعض أَجْزَائِهِ مَا ذكره الشَّيْخ فِي تَعْرِيف الْعدَد وَالْإِنْسَان
والتكرار بِحَسب الْحَاجة كَمَا يكون فِي الْجَواب عَن سُؤال يشْتَمل على تكْرَار كمن يسْأَل عَن حد الْإِنْسَان الْحَيَوَان مثلا وَيحْتَاج الْمُجيب فِي جَوَابه إِلَى إِيرَاد أحديهما فَيَقَع فِيهِ تكْرَار بِحَسب الْحَاجة وَهُوَ غير قَبِيح بِالنّظرِ إِلَى السُّؤَال قَبِيح لَوْلَا السُّؤَال
وبحسب الضَّرُورَة كَمَا يَقع فِي حُدُود بعض المركبات والإضافيات
والمركبات الَّتِي يَقع فِي حُدُودهَا تكْرَار هِيَ مَا تتركب عَن الشَّيْء وَعَن عرضي ذاتي لَهُ فَيَقَع الشَّيْء مرّة فِي حَده وَمرَّة فِي حد عرضه الذاتي الَّذِي يشْتَمل حَده على ذكر معروضه ضَرُورَة كَمَا مر
وَمِثَال الْمَشْهُور هَهُنَا الْأنف الْأَفْطَس فَإِن الْأَفْطَس لَا يُمكن أَن يحد إِلَّا مَعَ ذكر الْأنف لِأَن الفطوسة تقعير يخْتَص بالأنف لَا أَي تقعير يتَّفق
والأفطس هَهُنَا غير الْأَفْطَس الَّذِي يُقَال فِي صفة صَاحب الْأنف حِين يُقَال الرجل الْأَفْطَس لِأَن هَذَا عرض ذاتي بِخِلَاف ذَلِك
وَقد قيل فِي تَفْسِير الْأَفْطَس إِنَّه
إِمَّا أنف ذُو تقعير
أَو ذُو التقعير فِي الْأنف
فعلى الأول يكون قَوْلنَا أنف أفطس مُشْتَمِلًا على تكْرَار لَا فَائِدَة فِيهِ لِأَن مَعْنَاهُ أنف هُوَ أنف ذُو تقعير
وعَلى الثَّانِي لَا يجوز أَن يكون الْأنف ذَا تقعير فِي الْأنف لِأَن الْأنف لَا يكون لَهُ(1/217)
6 - وَهَذَانِ المثالان قد يناسبان بعض مَا سلف مِمَّا سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِ وَفِي نُسْخَة إِلَيْهِ الْإِشَارَة وَلَكِن الِاعْتِبَار مُخْتَلف
7 - وَاعْلَم أَن الَّذين يعْرفُونَ الشَّيْء بِمَا لَا يعرف إِلَّا بالشَّيْء هم فِي حكم المكررين للمحدود فِي الْحَد وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَلَكِن يعرض لَهُم الْخَطَأ فِي التَّعْرِيف بِالْمَجْهُولِ والتكرير فِي الْمَعْلُوم وَفِي أُخْرَى بالمعلوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنف فضلا على أَن يكون ذَا تقعير بل إِنَّمَا يُسمى صَاحب الْأنف أفطس لِأَنَّهُ ذُو تقعير فِي الْأنف
وَحِينَئِذٍ يكون مَعْنَاهُ أنف هُوَ شخص ذُو تقعير فِي الْأنف
وَكِلَاهُمَا غير صَحِيح
وَالصَّحِيح أَن تَفْسِير الْأَفْطَس هُوَ ذُو تقعير لَا يكون إِلَّا للأنف
وَحِينَئِذٍ لَا يُمكن أَن يكون صَاحب الْأنف أفطس لِأَنَّهُ لَا يكون ذَا شَيْء لَا يكون ذَلِك الشَّيْء لَهُ
وَيكون معنى أنف أفطس أنف هُوَ ذُو تقعير لَا يكون إِلَّا للأنف
وَأما التّكْرَار فِي الإضافيات فسيجيء بَيَانه
6 - فبعض مَا سلف هُوَ تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ وَبِمَا لَا يعرف إِلَّا بِهِ
والمناسبة هُوَ وُقُوع التّكْرَار فيهمَا وَذَلِكَ لِأَن تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ إِنَّمَا يشْتَمل على تكْرَار لكنه يكون للمحدود فِي الْحَد
وَفِي هذَيْن المثالين يكون للحد أَو لبَعض أَجْزَائِهِ وَلَكِن الِاعْتِبَار مُخْتَلف لِأَن السَّهْو من جِهَة تَعْرِيف الشَّيْء بِمَا يَقْتَضِي تَقْدِيم مَعْرفَته على نَفسهَا غير السَّهْو من جِهَة تكْرَار لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَة فِيهِ
7 - وَذَلِكَ لِأَن الْقَائِل الْكَيْفِيَّة مَا بهَا تقع المشابهة كَأَنَّهُ يَقُول الْكَيْفِيَّة مَا بهَا يَقع اتِّفَاق فِي الْكَيْفِيَّة
وَهَذَا تكْرَار للمحدود فِي الْحَد
وَالْمرَاد بَيَان التناسب من الْجَانِبَيْنِ(1/218)
الْفَصْل الْحَادِي عشر وهم وتنبيه
1 - إِنَّه وَفِي نُسْخَة وَإنَّهُ قد يظنّ بعض النَّاس أَنه لما كَانَ المتضايفان يعلم كل وَاحِد مِنْهُمَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مِنْهُمَا مَعَ الآخر أَنه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَنه يجب من ذَلِك أَن يعلم كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْآخرِ فَيُؤْخَذ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي تَحْدِيد الآخر جهلا بِالْفرقِ
بَين مَا لَا يعلم الشَّيْء إِلَّا مَعَه
وَبَين مَا لَا يعلم الشَّيْء إِلَّا بِهِ
فَإِن مَا وَفِي نُسْخَة وَمَا لَا يعلم الشَّيْء إِلَّا مَعَه يكون لَا محَالة مَجْهُولا مَعَ كَون الشَّيْء مَجْهُولا
ومعلوما مَعَ كَونه مَعْلُوما
وَمَا لَا يعلم الشَّيْء إِلَّا بِهِ يجب وَفِي نُسْخَة فَيجب أَن يكون مَعْلُوما قبل الشَّيْء لَا مَعَ الشَّيْء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - المتضايفان يكونَانِ مَعًا فِي الْوُجُود وَالْعقل فتعريف أَحدهمَا بِالْآخرِ تَعْرِيف للشَّيْء بالمساوي فَيجب أَن يعرف كل وَاحِد مِنْهُمَا بإيراد السَّبَب الَّذِي يَقْتَضِي كَونهمَا متضايفين ليتحصلا مِنْهُ مَعًا فِي الْعقل
ويخص الْبَيَان بِالَّذِي يُرَاد تَعْرِيفه مِنْهُمَا
وَهَذَا يَسْتَدْعِي تلطفا
ومثاله مَا ذكره فِي حد الْأَب أَنه حَيَوَان يُولد آخر من نَوعه من نطفته من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
ف الْحَيَوَان هُوَ الْأَب وَالْآخر من نَوعه هُوَ الابْن لكنهما أخذا عاريين عَن الْإِضَافَة
وَمن نطفته سَبَب تضايفهما
وَمن حَيْثُ هُوَ كَذَلِك تكْرَار ضَرُورِيّ لما مضى وَهُوَ الَّذِي يضيف معنى الْإِضَافَة إِلَى الْحَيَوَان هُوَ الَّذِي الْأَب ويخص الْبَيَان بِهِ لِأَن الْأَب إِنَّمَا يكون مُضَافا إِلَى الابْن من هَذِه الْحَيْثِيَّة(1/219)
وَمن الْقَبِيح الْفَاحِش أَن يكون إِنْسَان وَفِي نُسْخَة الْإِنْسَان لَا يعلم مَا الابْن وَمَا الْأَب فَيسْأَل عَن الْأَب فَيَقُول وَفِي نُسْخَة فَيُقَال هُوَ الَّذِي لَهُ ابْن وَفِي نُسْخَة الابْن فَيَقُول لَو كنت أعلم الابْن لما احتجت إِلَى استعلام الْأَب إِذْ وَفِي نُسْخَة إِذا كَانَ الْعلم بهما مَعًا
لَيْسَ الطَّرِيق هَذَا بل هَهُنَا ضرب آخر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة آخر من التلطف مثل أَن يُقَال مثلا إِن الْأَب حَيَوَان تولد وَفِي نُسْخَة يُولد آخر من نَوعه من نطفته من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
فَلَيْسَ فِي جَمِيع أَجزَاء هَذَا التَّبْيِين شَيْء يتَبَيَّن بالابن وَلَا فِيهِ حِوَالَة عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة عَلَيْهِ
2 - وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا يَقُوله صَاحب إيساغوجي فِي بَاب رسم الْجِنْس بالنوع وَقد تكلم وَفِي نُسْخَة تَكَلَّمت عَلَيْهِ فِي كتاب الشِّفَاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - أَقُول رسم الْجِنْس فِي التَّعْلِيم الأول بِأَنَّهُ القَوْل على كثيرين مُخْتَلفين بالنوع فِي جَوَاب مَا هُوَ
ورسم النَّوْع بِأَنَّهُ الْمَقُول عَلَيْهِ وعَلى غَيره الْجِنْس فِي جَوَاب مَا هُوَ
فَوَقع دور فِي ظَاهر الرسمين
وَحمله فرفوريوس صَاحب إيساغوجي على أَن المضافين لما كَانَ مَاهِيَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْقِيَاسِ إِلَى الآخر فَوَجَبَ أَن يُؤْخَذ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي حد الآخر
وَأَشَارَ الشَّيْخ فِي الشِّفَاء إِلَى أَنه لَيْسَ بِحل الشَّك بل زِيَادَة الشَّك بتعميمه جَمِيع المتضايفات
ثمَّ بَين أَن مَا كَانَ بِإِزَاءِ لفظ النَّوْع فِي اللُّغَة اليونانية كَانَ فِي الْوَضع الأول يدل على صُورَة الشَّيْء وَحَقِيقَته ثمَّ نقل بِحَسب الِاصْطِلَاح إِلَى أحد الْخَمْسَة
فالنوع الْمُسْتَعْمل فِي حد الْجِنْس هُوَ الْمَعْنى الأول اللّغَوِيّ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْجِنْس هُوَ(1/220)
فَهَذَا هُوَ الْآن مَا أردناه من الْإِشَارَة إِلَى تَعْرِيف التَّرْكِيب الموجه نَحْو التَّصَوُّر
وَنحن منتقلون إِلَى تَعْرِيف التَّرْكِيب الموجه نَحْو التَّصْدِيق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَقُول على كثيرين مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَاب مَا هُوَ
ثمَّ عرف النَّوْع المصطلح بِالْجِنْسِ وَلم يكن دورا(1/221)
النهج الثَّالِث فِي التَّرْكِيب الخبري
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى أَصْنَاف القضايا
1 - هَذَا الصِّنْف من التَّرْكِيب الَّذِي نَحن مجمعون على أَن نذكرهُ هُوَ التَّرْكِيب الجبري وَهُوَ الَّذِي يُقَال لقائله إِنَّه صَادِق فِيمَا قَالَه أَو كَاذِب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - قيل عَلَيْهِ الصدْق وَالْكذب لَا يُمكن أَن يعرفا إِلَّا بالْخبر المطابق وَغير المطابق فتعريف الْخَبَر بهما تَعْرِيف دوري
وَالْحق أَن الصدْق وَالْكذب من الْأَعْرَاض الذاتية للْخَبَر فتعريفه بهما تَعْرِيف رسمي أورد تَفْسِيرا للاسم وتعيينا لمعناه من بَين سَائِر التراكيب
وَلَا يكون ذَلِك دورا لِأَن الشَّيْء الْوَاضِح بِحَسب ماهيته رُبمَا يكون ملتبسا فِي بعض الْمَوَاضِع بِغَيْرِهِ وَيكون مَا يشْتَمل عَلَيْهِ من أعراضه الذاتية الغنية عَن التَّعْرِيف أَو غَيرهَا مِمَّا يجْرِي مجْراهَا عَارِيا عَن الالتباس
فإيراده فِي الْإِشَارَة إِلَى تعين ذَلِك الشَّيْء إِنَّمَا يلخصه ويجرده عَن الالتباس
وَإِنَّمَا يكون دورا لَو كَانَت تِلْكَ الْأَعْرَاض أَيْضا مفتقرة إِلَى الْبَيَان بذلك الشَّيْء
وَهَهُنَا إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى تعْيين صنف وَاحِد من أَصْنَاف التركيبات فِيهِ اشْتِبَاه لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن بعد
وَلَيْسَ فِي الصدْق وَالْكذب اشْتِبَاه
فيمكننا أَن نقُول إِنَّا نعني بالْخبر التَّرْكِيب الَّذِي يشْتَمل حد الصدْق وَالْكذب عَلَيْهِ
كَمَا لَو وَقع اشْتِبَاه فِي معنى الْحَيَوَان مثلا فيمكننا أَن نقُول إِنَّا نعني بِهِ مَا يَقع فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان موقع الْجِنْس وَلَا يكون دورا(1/222)
2 - وَأما مَا هُوَ مثل الِاسْتِفْهَام والالتماس وَالتَّمَنِّي والترجي والتعجب وَنَحْو ذَلِك فَلَا يُقَال لقائله إِنَّه صَادِق فِيهِ أَو كَاذِب وَفِي نُسْخَة فَلَا يُقَال فِيهَا صَادِق أَو كَاذِب إِلَّا بِالْعرضِ من حَدِيث قد يعرض وَفِي نُسْخَة يعبر بذلك عَن الْخَبَر
3 - وأصناف التَّرْكِيب الخبري ثَلَاثَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - وَفِي بعض النّسخ من حَيْثُ قد يعبر بذلك عَن الْخَبَر وَهَذَا تَأْكِيد لما ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ قد صرح بِأَن الصدْق وَالْكذب يعرضان لتركيب وَاحِد هُوَ الْخَبَر وَلَا يعرضان لغيره من التركيبات إِلَّا بعد صيرورتها خَبرا بِالْقُوَّةِ
والتعريض بالاستفهام عَن الْخَبَر كَمَا يُقَال أَلَسْت قلت كَذَا وَيُرَاد بِهِ أَنَّك قلت
وبالالتماس كَمَا يُقَال تفضل بِكَذَا وَيُرَاد بِهِ أَنِّي أُرِيد تفضلك بِهِ
وَكَذَلِكَ فِي سائرها
3 - وَذَلِكَ لِأَن التَّرْكِيب
إِمَّا أَن يكون أول تركيب يَقع عَن مُفْرَدَات أَو مَا فِي قوتها
أَو لَا يكون بل يكون مِمَّا تركب مرّة أَو مرَارًا
أما الْمُفْردَات فالتركيب الْمُشْتَمل على الحكم مِنْهَا لَا يكون إِلَّا بِحمْل الْبَعْض على الْبَعْض أَو سلبه عَنهُ وَهُوَ الحملي
وَأما المركبات بالتركيب الأول الْمَذْكُور وَمَا بعده فالتركيب الْمُشْتَمل على الحكم إِذا طَرَأَ عَلَيْهَا لم يُمكن أَن يَجْعَل بَعْضهَا مَحْمُولا على الْبَعْض فَإِن بعض الْأَقْوَال الجازمة لَا يكون الْبَعْض الآخر فَإِذن لَا بُد من أَن يعلق بَعْضهَا بِبَعْض بِوُجُود نِسْبَة أَو لَا وجودهَا بَينهَا
وَالنِّسْبَة تَقْتَضِي إِمَّا اتِّصَالًا وَأما وَفِي نُسْخَة أَو انفصالا
فَالَّذِي يعْتَبر فِيهِ وجود اتِّصَال أَو لَا وجوده هُوَ الْمُتَّصِل
وَالَّذِي يعْتَبر فِيهِ وجود انْفِصَال أَو لَا وجوده هُوَ الْمُنْفَصِل
فَإِذن التَّرْكِيب الخبري ثَلَاثَة(1/223)
4 - أَولهَا الَّذِي يُسمى الحملي وَهُوَ الَّذِي يحكم فِيهِ بِأَن معنى مَحْمُول على معنى أَو لَيْسَ بمحمول عَلَيْهِ
مِثَاله قَوْلنَا إِن الْإِنْسَان حَيَوَان وَإِن وَفِي نُسْخَة الْإِنْسَان حَيَوَان أَو الْإِنْسَان لَيْسَ بحيوان
فالإنسان وَمَا يجْرِي مجْرَاه فِي أشكال هَذَا الْمِثَال هُوَ الْمُسَمّى ب الْمَوْضُوع
وَمَا هُوَ مثل الْحَيَوَان هَهُنَا فَهُوَ الْمُسَمّى بالمحمول وَلَيْسَ حرف سلب
5 - وَالثَّانِي وَالثَّالِث يسمونهما الشرطي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِنَّمَا قَالَ وأصناف التَّرْكِيب الخبري وَلم يقل وأنواعه نظرا إِلَى الْموَاد وَذَلِكَ لأَنا إِذا قُلْنَا طُلُوع الشَّمْس مُسْتَلْزم لوُجُود النَّهَار أَو قُلْنَا إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود لم تَتَغَيَّر مَاهِيَّة الْخَبَر فِي قَوْلنَا عَن خبريته المتعينة وَقد تغير التَّرْكِيب بِالْحملِ والوضع
فَإِذن هَذِه الْأُمُور لَا مدْخل لَهَا فِي تَحْصِيل ماهيات الْأَخْبَار المتعينة فَلَيْسَتْ بفصول لَهَا بل هِيَ عوارض تلحقها بِحَسب مَا تَقْتَضِيه أحوالها الْخَارِجَة بعد تَحْصِيل خبريتها فتصيرها أصنافا
وَإِذا نَظرنَا إِلَى الصُّور فَلَا شكّ فِي أَن الحملي والشرطي نَوْعَانِ تَحت الْخَبَر وَكَذَا الْمُتَّصِل والمنفصل تَحت الشرطي
وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن تحمل الْأَصْنَاف فِي قَوْله على الْوَضع اللّغَوِيّ دون الاصطلاحي
4 - مَا يعْدم الْحمل فِيهِ أَعنِي السالبة يُسمى أَيْضا حمليا لِأَن الأعدام قد تلْحق بالملكات فِي بعض أَحْكَامهَا
5 - أما الْمُتَّصِل فاستحقاقه لِأَن يُسمى شرطيا بِحَسب اللُّغَة الْعَرَبيَّة ظَاهر
وَأما الْمُنْفَصِل فَيلْحق بِهِ لِأَنَّهُ يشاكله فِي التَّرْكِيب
وَأَيْضًا حَقِيقَة الشَّرْط هِيَ تَعْلِيق أحد الْحكمَيْنِ بِالْآخرِ وَهُوَ مَوْجُود فِي كليهمَا على السوَاء فَلذَلِك سميا شرطيين(1/224)
6 - وَهُوَ مَا يكون التَّأْلِيف فِيهِ بَين خبرين قد أخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن خبريته إِلَى غير ذَلِك ثمَّ قرن بَينهمَا لَيْسَ على سَبِيل أَن يُقَال إِن أَحدهمَا هُوَ الآخر كَمَا كَانَ فِي الحملي بل على سَبِيل أَن أَحدهمَا يلْزم الآخر ويتبعه
7 - وَهَذَا يُسمى الشرطي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الشرطي الْمُتَّصِل والوضعي
أَو على سَبِيل أَن أَحدهمَا يعاند الآخر ويباينه
وَهَذَا يُسمى الشرطي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الشرطي الْمُنْفَصِل
مِثَال الشرطي الْمُتَّصِل قَوْلنَا إِذا وَقع خطّ على خطين متوازيين كَانَت الْخَارِجَة من الزوايا مثل الدَّاخِلَة الْمُقَابلَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ الْمُقَابلَة
وَلَوْلَا إِذا وَكَانَت لَكَانَ وَفِي نُسْخَة كَانَ كل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ خَبرا بِنَفسِهِ
مِثَال الشرطي الْمُنْفَصِل قَوْلنَا إِمَّا أَن تكون هَذِه الزاوية حادة أَو منفرجة أَو قَائِمَة
وَإِذا حذفت إِمَّا وأو كَانَت هَذِه قضايا فَوق وَاحِدَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - وَذَلِكَ لانْقِطَاع تعلق الصدْق وَالْكذب بهما حَال كَونهمَا جزئي شرطي وَوُجُود تعلقهما بالمؤلف
7 - إِنَّمَا يُسمى الْمُتَّصِل وضعيا لِأَنَّهُ يشْتَمل على وضع الْمُقدم المستلزم للتالي فَإِن الشَّرْط فِيهِ لَا يَقْتَضِي التشكك فِي الْمُقدم كَمَا ذهب إِلَيْهِ قوم بل يَقْتَضِي تعلق الحكم بِوَضْعِهِ فَقَط
وَبَاقِي الْفَصْل غَنِي عَن الشَّرْح(1/225)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى السَّلب والإيجاب
1 - الْإِيجَاب الحملي هُوَ مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان
وَمَعْنَاهُ أَن الشَّيْء الَّذِي نفرضه فِي الذِّهْن إنْسَانا كَانَ مَوْجُودا فِي الْأَعْيَان أَو غير مَوْجُود فَيجب أَن نفرضه حَيَوَانا ونحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيَوَان من غير زِيَادَة مَتى وَفِي أَي حَال بل على مَا يعم الْمُؤَقت والمقيد ومقابليهما وَفِي نُسْخَة ومقابلهما
وَالسَّلب الحملي هُوَ مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان لَيْسَ بجسم وَفِي نُسْخَة بِحجر وحاله تِلْكَ الْحَال وَفِي نُسْخَة الْحَالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - لَيْسَ من شَرط مَوْضُوع الْقَضِيَّة
أَن يكون مَوْجُودا فِي الْأَعْيَان فَإنَّا نحكم على مَوْضُوعَات لَيست بموجودة فِي الْأَعْيَان أحكاما إيجابية فضلا عَن السلبية كَمَا على أشكال هندسية لم يحكم بوجودها
وَلَا أَن لَا يكون مَوْجُودا فِي الْأَعْيَان فَإنَّا نحكم أَيْضا على مَوْضُوعَات مَوْجُودَة بِحكم كالعالم وَمَا فِيهِ
بل من شَرطه أَن يكون متمثلا فِي الذِّهْن مَفْرُوضًا شَيْئا مَا بِالْفِعْلِ كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن نفرضه فِي الذِّهْن إنْسَانا بِالْفِعْلِ فَقَط
ثمَّ إِذا حكمنَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَذَا أَو لَيْسَ كَذَا فلسنا نُرِيد أَن هَذَا الحكم حَاصِل فِي وَقت مَا معِين أَو غير معِين
أَو فِي جَمِيع الْأَوْقَات
وَلَا أَنه حَاصِل من حَيْثُ لَا نعتبر فِيهِ توقيتا أصلا حَتَّى لَو أردنَا أَن نوقته لَكنا خَالَفنَا مُقْتَضى ذَلِك الحكم
وَلَا نُرِيد أَيْضا أَنه حَاصِل بِشَرْط أَو قيد مثلا بِشَرْط كَونه إنْسَانا أَو غير ذَلِك وَلَو أَنه حَاصِل من حَيْثُ لَا نعتبر فِيهِ شرطا أصلا حَتَّى لَو أردنَا أَن نقيده بِشَرْط لَكنا قد خَالَفنَا مُقْتَضى ذَلِك الحكم
بل نُرِيد أَن الحكم حَاصِل فَقَط من حَيْثُ يحْتَمل اقترانه بالتوقيت واللاتوقيت وَالتَّقْيِيد(1/226)
2 - والإيجاب الْمُتَّصِل وَفِي نُسْخَة والإيجاب فِي الشرطي الْمُتَّصِل هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ مثل قَوْلنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
أَي إِذا فرض الأول مِنْهُمَا المقرون بِهِ حرف الشَّرْط مَوْجُودا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مَوْجُودا وَيُسمى الْمُقدم لزمَه الثَّانِي وَفِي نُسْخَة التَّالِي المفرون بِهِ حرف الْجَزَاء وَيُسمى التَّالِي أَو صَحبه من غير زِيَادَة شَيْء آخر بعد وَفِي نُسْخَة بعده
وَالسَّلب الْمُتَّصِل هُوَ مَا يسلب هَذَا اللُّزُوم أَو الصُّحْبَة
مثل قَوْلنَا لَيْسَ إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالليل مَوْجُود
والإيجاب الْمُنْفَصِل مثل قَوْلنَا إِمَّا أَن يكون هَذَا الْعدَد زوجا وَإِمَّا أَن يكون فَردا
وَهُوَ الَّذِي يُوجب الِانْفِصَال والعناد
وَالسَّلب الْمُنْفَصِل هُوَ مَا يسلب الِانْفِصَال وَفِي نُسْخَة هَذَا الِانْفِصَال والعناد مثل قَوْلنَا لَيْسَ إِمَّا يكون هَذَا الْعدَد زوجا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلنَا أَن نلحق بِهِ مَا شِئْنَا من ذَلِك فَيصير بِسَبَب اقترانه بِهِ مُخَصّصا يرْتَفع عَنهُ ذَلِك الِاحْتِمَال الْعَام لجميعها
أما قبل الْإِلْحَاق فَهُوَ مُجَرّد عَن جَمِيع ذَلِك
فَهَذَا مَفْهُوم مُجَرّد الحكم بِالْإِيجَابِ كَانَ أَو بالسلب
2 - أَقُول الِاتِّصَال
قد يكون بِلُزُوم كَمَا فِي قَوْلنَا إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
وَقد يكون بِاتِّفَاق كَقَوْلِنَا إِن الشَّمْس طالعة فالحمار ناهق
ويشملهما الصُّحْبَة الْمُطلقَة
والإيجاب الْمُتَّصِل هُوَ الحكم بِوُجُود لُزُوم التَّالِي للمقدم أَو صحبته إِيَّاه
وَإِن لم يكن اللُّزُوم مَعْلُوما وَلَا الِاتِّفَاق سَوَاء كَانَ كل وَاحِد من الْمُقدم والتالي مُوجبَة أَو سالبة من غير تَقْيِيد وَلَا تَقْيِيد أَو تَوْقِيت وَلَا تَوْقِيت(1/227)
وَإِمَّا وَفِي نُسْخَة أَو أَن يكون وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَن يكون منقسما
بمتساويين وَفِي نُسْخَة بمساويين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالسَّلب فِيهَا هُوَ الحكم بِلَا وجوده هَذَا اللُّزُوم أَو الصُّحْبَة
كَذَلِك الْإِيجَاب فِي الْمُنْفَصِلَة هُوَ الحكم بِوُجُود الِانْفِصَال والعناد بَين أَجْزَائِهَا
وَالسَّلب هُوَ الحكم بِلَا وجود سَوَاء كَانَت أجزاؤها مُوجبَة أَو سالبة أَو مختلطة مِنْهُمَا
وأجزاء الِانْفِصَال لَا تسْتَحقّ أَن تسمى مقدما وتاليا فَإِن سميت كَانَت مجَازًا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا غير متميزة بالطبع إِذْ لَا تفَاوت فِي تَقْدِيم أَيهَا اتّفق وَلِأَنَّهَا يجوز أَن تكون فَوق اثْنَيْنِ وَلذَلِك ذكر الشَّيْخ التَّسْمِيَة بهما فِي الْمُتَّصِلَة دون الْمُنْفَصِلَة(1/228)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى الْخُصُوص والإهمال والحصر
1 - إِذا كَانَت الْقَضِيَّة حملية وموضوعها شَيْء جزئي سميت مَخْصُوصَة إِمَّا مُوجبَة وَإِمَّا سالبة
مثل قَوْلنَا زيد كَاتب زيد لَيْسَ بكاتب
وَإِذا كَانَ موضوعها كليا وَلم تتبين وَفِي نُسْخَة تبين كمية هَذَا الحكم أَعنِي الْكُلية والجزئية بل أهمل فَلم يدل على أَنه عَام لجَمِيع مَا تَحت الْمَوْضُوع أَو غير عَام سميت مُهْملَة مثل قَوْلنَا الْإِنْسَان فِي خسر الْإِنْسَان لَيْسَ فِي خسر وَفِي نُسْخَة لَيْسَ الْإِنْسَان فِي خسر
فَإِن كَانَ إِدْخَال الْألف وَاللَّام يُوجب تعميما وَشركَة وَإِدْخَال وَفِي نُسْخَة وتركهما وَإِدْخَال التَّنْوِين يُوجب تَخْصِيصًا فَلَا مهمل وَفِي نُسْخَة فَلَا مُهْملَة فِي لُغَة الْعَرَب وليطلب ذَلِك فِي وَفِي نُسْخَة من لُغَة أُخْرَى
وَأما الْحق فِي ذَلِك فلصناعة النَّحْو وَلَا نخلطها وَفِي نُسْخَة نخالطها بغَيْرهَا
وَإِذا كَانَ موضوعها كليا وَبَين وَفِي نُسْخَة وَتبين قدر الحكم فِيهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِيهِ وكمية مَوْضُوعه فَإِن الْقَضِيَّة تسمى محصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - وَجَمِيع ذَلِك ظَاهر(1/229)
فَإِن كَانَ بَين أَن الحكم عَام سميت الْقَضِيَّة كُلية
وَهِي
إِمَّا مُوجبَة مثل قَوْلنَا كل إِنْسَان حَيَوَان
وَإِمَّا سالبة مثل قَوْلنَا لَيْسَ وَاحِد وَفِي نُسْخَة وَلَا وَاحِد من النَّاس بِحجر
2 - وَإِن كَانَ إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة إِنَّمَا بَين الحكم وَفِي نُسْخَة أَن الحكم فِي الْبَعْض وَلم يتَعَرَّض للْبَاقِي أَو تعرض بِالْخِلَافِ
فالمحصورة جزئية
إِمَّا مُوجبَة كَقَوْلِنَا بعض النَّاس كَاتب
3 - وَإِمَّا سالبة كَقَوْلِنَا لَيْسَ بعض النَّاس بكاتب وَفِي نُسْخَة كَاتبا أَو لَيْسَ كل النَّاس بكاتب فَإِن فحواهما وَاحِد وليسا يعمان وَفِي نُسْخَة ليستا تعمان وَفِي أُخْرَى لَيْسَ يعمان فِي السَّلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - فَنَقُول الحكم على الْبَعْض لَا يُنَافِي الحكم على الْكل فَإِن بعض النَّاس حَيَوَان كَمَا أَن كلهم حَيَوَان بل الحكم الْكُلِّي يصدق مَعَه الجزئي وَلَا ينعكس وَلذَلِك كَانَ الجزئي أَعم صدقا من الْكُلِّي
وَقد يسْبق إِلَى بعض الأوهام أَن تَخْصِيص الْبَعْض بالحكم يدل على كَون الْبَاقِي بِخِلَافِهِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة للتخصيص وَذَلِكَ ظن لَا يجب أَن يحكم على أَمْثَاله
إِنَّمَا الْوَاجِب أَن يحكم على مَا يدل الْكَلَام عَلَيْهِ بِالْقطعِ دون مَا يحْتَملهُ
وَالْحَاصِل أَن صِيغَة المحصورة الْجُزْئِيَّة تدل على حكم الجزئي بِالْقطعِ مَعَ الِاحْتِمَال للكلي إِن لم يتَعَرَّض للْبَاقِي وَمَعَ احْتِمَاله إِن تعرض وَذكر أَن الْبَاقِي بِخِلَافِهِ
3 - أما قَوْلنَا لَيْسَ بعض النَّاس بكاتب فَهُوَ صِيغَة مُطَابقَة للسلب الجزئي مُحْتَملَة لِأَن يصدق مَعهَا السَّلب الْكُلِّي كَمَا مر
وَأما قَوْلنَا لَيْسَ كل إِنْسَان بكاتب فَهُوَ صِيغَة السَّلب عَن الْكل لَا للسلب الْكُلِّي وَلَا للسلب الجزئي
أَعنِي أَنه يدل على سلب الْكِتَابَة عَن جَمِيع النَّاس لَا عَن كل وَاحِد مِنْهُم وَلَا عَن بَعضهم(1/230)
4 - وَاعْلَم أَنه وَإِن كَانَ فِي لُغَة الْعَرَب قد يدل ب الْألف وَاللَّام على الْعُمُوم فَإِنَّهُ قد يدل بِهِ على تعْيين الطبيعة فهناك لَا يكون موقع الْألف وَاللَّام هُوَ موقع كل
أَلا ترى أَنَّك تَقول وَفِي نُسْخَة قد تَقول الْإِنْسَان عَام وَنَوع وَلَا تَقول كل إِنْسَان عَام وَنَوع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ جملَة وَلَا تَقول كل إِنْسَان عَام نوع وَتقول الْإِنْسَان هُوَ الضَّحَّاك وَلَا تَقول كل إِنْسَان هُوَ الضَّحَّاك
وَقد يدل بِهِ على جزئي جرى ذكره أَو عرف حَاله فَتَقول الرجل وتعني بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِه وَتَكون الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ مَخْصُوصَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيحْتَمل أَن يصدق مَعَه إِمَّا السَّلب الْكُلِّي وَإِمَّا السَّلب الجزئي
وَلَا يُمكن أَن يَخْلُو عَنْهُمَا مَعًا فِي نفس الْأَمر لكنه إِذا صدق الْكُلِّي صدق الجزئي من غير انعكاس وَفِي نُسْخَة عكس فالجزئي صَادِق مَعَه دَائِما دون الْكُلِّي
فَالْحَاصِل أَن هَذِه الصِّيغَة تَسْتَلْزِم السَّلب الجزئي قطعا وَيحْتَمل مَعَه السَّلب الْكُلِّي كَمَا كَانَت الصِّيغَة الأولى من غير تفَاوت
وَهَذَا معنى قَوْله فَإِن فحواهما وَاحِد وليسا يعمان فِي السَّلب
وفحوى الْكَلَام هُوَ مَا يفهم عَنهُ على سَبِيل الْقطع سَوَاء دلّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ أَو بِالْعقلِ
4 - قد ذكرنَا أَن الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة الَّتِي سميناها بالطبائع فَإِنَّهَا من حَيْثُ هِيَ لَا كُلية وَلَا جزئية وَلَا عَامَّة وَلَا خَاصَّة وَلَا كَثِيرَة وَلَا وَاحِدَة
وَإِنَّمَا تصير شَيْئا من ذَلِك بانضياف لَاحق إِلَيْهَا يخصصها بِهِ فَلَا تَخْلُو تِلْكَ الطبائع
إِمَّا أَن تحكم عَلَيْهَا من حَيْثُ هِيَ
أَو يحكم عَلَيْهَا مَعَ لَاحق يَقْتَضِي تَعْمِيم الحكم أَو تَخْصِيصه أَو مَعَ لَاحق يَجْعَلهَا وَاحِدًا شخصيا معينا
وَيحصل من الأول قَضِيَّة مُهْملَة
وَمن الثَّانِي محصورة كُلية أَو جزئية(1/231)
وَاعْلَم أَن اللَّفْظ الحاصر يُسمى سورا مثل كل وَبَعض وَلَا وَاحِد وَلَا كل وَلَا بعض وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى مثل طرا وأجمعين فِي الْكُلية الْمُوجبَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة الْكُلية الْمُوجبَة وَمثل هيج بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْكُلِّي السالب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمن الثَّالِث مَخْصُوصَة
وَالْألف وَاللَّام تدل بالاشتراك على الْأَحْوَال الثَّلَاثَة
إِمَّا على الْعُمُوم وَتسَمى لَام الِاسْتِغْرَاق فَكَمَا فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان أَي كل إِنْسَان وَهِي محصورة كُلية
وَإِمَّا على تعْيين الطبيعة فَكَمَا فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان نوع وعام وَقَوْلنَا الْإِنْسَان هُوَ الضَّحَّاك وَهِي مُهْملَة
وَإِمَّا على التَّخْصِيص وَفِي نُسْخَة الشَّخْص وَتسَمى لَام الْعَهْد فَكَمَا فِي قَوْلنَا
قَالَ الشَّيْخ وَهِي مَخْصُوصَة
وَبَاقِي الْفَصْل ظَاهر(1/232)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة إِلَى حكم المهمل
1 - اعْلَم أَن المهمل وَفِي نُسْخَة بدل السَّابِق كُله وَأَن المهمل لَيْسَ يُوجب التَّعْمِيم لِأَنَّهُ إِمَّا أَن تذكر فِيهِ طبيعة تصلح أَن تُؤْخَذ كُلية وَتصْلح أَن تُؤْخَذ جزئية فَأَخذهَا الساذج بِلَا قرينَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة كُلية وَتصْلح أَن تُؤْخَذ جزئية فَأَخذهَا الساذج بِلَا قرينَة مِمَّا لَا يُوجب أَن يَجْعَلهَا كُلية
وَلَو كَانَ ذَلِك يقْضِي وَفِي نُسْخَة يَقْتَضِي عَلَيْهَا بِالْكُلِّيَّةِ والعموم لكَانَتْ طبيعة الْإِنْسَان تَقْتَضِي أَن تكون عَامَّة فَمَا دَامَ وَفِي نُسْخَة فَمَا كَانَ الشَّخْص يكون إنْسَانا لَكِنَّهَا لما كَانَت
تصلح أَن تُؤْخَذ كُلية وَهُنَاكَ تصدق جزئية أَيْضا فَإِن الْمَحْمُول على الْكل مَحْمُول على الْبَعْض وَكَذَلِكَ المسلوب
وَتصْلح أَن تُؤْخَذ جزئية
فَفِي الْحَالَتَيْنِ يصدق الحكم بهَا جزئيا
فالمهملة فِي قُوَّة الْجُزْئِيَّة وَكَون الْقَضِيَّة جزئية الصدْق تَصْرِيحًا لَا يمْنَع أَن تكون مَعَ ذَلِك كُلية الصدْق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الحكم فِي الْمُهْملَة على الطبيعة الْمُجَرَّدَة الْمَذْكُورَة
وَصِيغَة الْقَضِيَّة لَا تدل بِالْوَضْعِ على كُلية الحكم وَلَا على جزئيته بل يحْتَمل كل وَاحِد مِنْهُمَا وَلَا يَخْلُو فِي نفس الْأَمر عَنْهُمَا مَعًا كَمَا مر فِي السَّلب عَن الْكل لَكِن الْكُلية مِنْهَا تَسْتَلْزِم الْجُزْئِيَّة من غير عكس فالجزئية صَادِقَة فِي كل حَال
والكلية بَاقِيَة على الِاحْتِمَال(1/233)
فَلَيْسَ إِذا حكم على الْبَعْض بِحكم وَجب من ذَلِك أَن يكون الْبَاقِي بِالْخِلَافِ
فالمهمل وَإِن كَانَ بصريحه فِي قُوَّة الجزئي فَلَا مَانع أَن يصدق كليا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِذن فحوى الْقَضِيَّة الحكم على الْبَعْض بِالْقطعِ كَمَا كَانَ فِي المحصورتين الجزئيتين وَهَذَا هُوَ السَّبَب لكَونهَا فِي قُوَّة الْجُزْئِيَّة
وَإِنَّمَا قَالَ وَفِي نُسْخَة قيل فِي قوتها لِأَنَّهَا لَيست تدل بِالْوَضْعِ على ذَلِك بل بِالْعقلِ
والفاضل الَّذِي حكم بِأَن دلَالَة الِالْتِزَام مهجورة فِي الْعُلُوم مُطلقًا فقد اضْطر إِلَى أَن حكم بِأَن هَذِه الدّلَالَة دلَالَة الِالْتِزَام
وألفاظ الْكتاب ظَاهِرَة
وَلما بَين أَن الْمُهْملَة فِي حكم الْجُزْئِيَّة وَكَانَت الشخصيات مِمَّا لَا يعْتد بهَا فِي الْعُلُوم فَإِذن القضايا الْمُعْتَبرَة هِيَ المحصورات الْأَرْبَع(1/234)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى حصر الشرطيات وإهمالها وَفِي نُسْخَة إِلَى القضايا الشّرطِيَّة
1 - والشرطيات أَيْضا قد يُوجد فِيهَا إهمال وَحصر فَإنَّك إِذا قلت كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
وَقلت وَفِي نُسْخَة أَو قلت دَائِما إِمَّا أَن يكون الْعدَد وَفِي نُسْخَة هَذَا الْعدَد زوجا وَإِمَّا أَن يكون وَفِي نُسْخَة أَو يكون فَردا فقد حصرت الْحصْر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْحصْر الْكُلِّي الْمُوجب
وَإِذا قلت لَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالليل مَوْجُود أَو قلت لَيْسَ أَلْبَتَّة إِمَّا أَن تكون الشَّمْس طالعة وَإِمَّا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَإِمَّا أَن يكون النَّهَار مَوْجُودا
فقد حصرت الْحصْر الْكُلِّي السالب
وَإِذا قلت قد يكون إِذا طلعت الشَّمْس فالسماء متغيمة
أَو قلت قد يكون إِمَّا أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَن يكون فِي الدَّار زيد وَإِمَّا أَن يكون فِيهَا عَمْرو
فقد حصرت الْحصْر الجزئي الْمُوجب وَفِي نُسْخَة السالب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول حصر الشرطيات وإهمالها لَا يتَعَلَّق بِحَال أَجْزَائِهَا فِي الْحصْر والإهمال بل بِحَال الِاتِّصَال والانفصال
فَإِن الحكم بتعميم ثبوتهما أَو تَخْصِيصه يَقْتَضِي الْحصْر
وَالْحكم الْمُجَرّد من غير بَيَان تَعْمِيم أَو تَخْصِيص يَقْتَضِي الإهمال
وَتَقْيِيد الحكم بِحَال لَا يقبل الشّركَة يَقْتَضِي الْخُصُوص
وَأما تَلْخِيص ذَلِك على التَّفْصِيل فبأن نقُول(1/235)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كُلية الحكم الإيجابي فِي الْمُتَّصِلَة اللزومية لَيست بتكثر مَرَّات الْوَضع بل بِحُصُول التَّالِي عِنْد وضع الْمُقدم فِي جَمِيع أَوْقَات الْوَضع وَلَا بذلك وَحده بل وبتعميم الْأَحْوَال الَّتِي يُمكن فَرضهَا مَعَ وضع الْمُقدم
فَإنَّا إِذا قُلْنَا كلما كَانَ زيد يكْتب فيده تتحرك فلسنا نَذْهَب فِيهِ إِلَى أَن هَذِه الصُّحْبَة إِنَّمَا تحصل فِي مَرَّات غير مَعْدُودَة بل نُرِيد أَنَّهَا إِنَّمَا تحصل فِي جَمِيع أَوْقَات كِتَابَته وَلَا نقتصر عَلَيْهَا أَيْضا بل نزيد مَعَ ذَلِك أَن كل حَال يُمكن أَن تفرض مَعَ كَونه كَاتبا مثل كَونه قَائِما أَو قَاعِدا أَو كَون الشَّمْس طالعة أَو كَون الْحمار ناهقا وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يتناهى فَإِن حَرَكَة الْيَد حَاصِلَة مَعَ الْكِتَابَة فِي جَمِيع تِلْكَ الْأَحْوَال بِشَرْط كَون تِلْكَ الْأَحْوَال مُمكنَة مَعَ وضع الْكِتَابَة
وَإِذا كَانَت كليته هَذِه فجزئيته أَن تكون فِي بعض تِلْكَ الْأَحْوَال من غير تعرض لباقيها
وَمِثَال مَا يخْتَص بِبَعْض الْأَحْوَال قَوْلنَا قد يكون إِذا كَانَ هَذَا حَيَوَانا كَانَ وَفِي نُسْخَة فَهُوَ كَانَ إنْسَانا فَإِن ذَلِك يلْزم حَال كَونه ناطقا دون سَائِر الْأَحْوَال
والسالبة أَعنِي لَازِمَة السَّلب لَا سالبة اللُّزُوم على قِيَاس ذَلِك فِي الْبَابَيْنِ
وَأما سالبة اللُّزُوم بِأَن لَا يكون اللُّزُوم الإيجابي إِمَّا الْكُلِّي أَو الجزئي صَادِقا
بل الصَّادِق
إِمَّا إِيجَاب من غير لُزُوم أَو سلب بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ التقابل
وَأما كُلية الحكم الإيجابي فِي الِاتِّفَاق فَهِيَ تَعْمِيم أَوْقَات صدق التَّالِي مَعَ صدق الْمُقدم فقد بالِاتِّفَاقِ من غير استلزام الْمُقدم للتالي
وجزئيتها تخصيصها
وكلية الحكم السلبي أَعنِي اتِّفَاق السَّلب لَا سلب الِاتِّفَاق هِيَ أَن لَا يكون التَّالِي صَادِقا مَعَ الْمُقدم فِي شَيْء من الْأَوْقَات اتِّفَاقًا من غير لُزُوم
وجزئيته على قِيَاسه وَقس سلب الِاتِّفَاق على سلب اللُّزُوم
وَأما الإهمال فِي جَمِيع ذَلِك فبترك التَّعْمِيم والتخصيص
وَالْخُصُوص على قِيَاسه(1/236)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن وجود الحكم الْكُلِّي فِي الاتفاقيات مُتَعَذر
وَأما كُلية الحكم الإيجابي فِي الْمُنْفَصِلَة فبوجود التعاند فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَالْأَحْوَال وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون لكَون أَجْزَائِهَا متعاندة بِالذَّاتِ
وجزئيته بالتعاند فِي بعض الْأَحْوَال والأوقات كَمَا يكون مثلا بَين الزَّائِد والناقص فِي حَال لَا يكون للتساوي وَجه دون سَائِر الْأَحْوَال
وإهماله على قِيَاس ذَلِك
وَأما سلب العناد فَيَقْتَضِي
إِمَّا صدق الْأَجْزَاء مَعًا
أَو كذبهَا مَعًا
أَو صدق بَعْضهَا وَكذب الآخر من غير أَن يَقْتَضِي صدق هَذَا كذب ذَاك وَلَا كذب ذَاك صدق هَذَا
فَهَذَا مَا يَقْتَضِيهِ النّظر فِي صورها دون موادها وَصِيغَة كل وَاحِد مِنْهَا على مَا ذكر فِي الْكتاب(1/237)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى تركيب الحمليات من الشرطيات وَفِي نُسْخَة الشرطيات من الحمليات
1 - يجب أَن يعلم أَن الشرطيات كلهَا تنْحَل إِلَى الحمليات وَلَا تنْحَل فِي أول الْأَمر إِلَى أَجزَاء بسيطة
وَأما الحمليات فَإِنَّهَا هِيَ الَّتِي تنْحَل إِلَى البسائط أَو إِلَى مَا وَفِي نُسْخَة وَمَا فِي قُوَّة البسائط أول انحلالها
والحملية إِمَّا أَن يكون جزآها بسيطين كَقَوْلِنَا الْإِنْسَان مشاء
أَو فِي قُوَّة الْبَسِيط كَقَوْلِنَا الْحَيَوَان النَّاطِق المائت مشاء
أَو منتقل بِنَقْل قَدَمَيْهِ
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي قُوَّة الْبَسِيط لِأَن المُرَاد بِهِ شَيْء وَاحِد فِي ذَاته أَو معنى وَاحِد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة وَاحِد يُمكن أَن يدل عَلَيْهِ بِلَفْظ وَاحِد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - قد ذكرنَا أَن المركبات من الْمُفْردَات هِيَ الحمليات
والمركبات بعد التَّرْكِيب الأول من المركبات هِيَ الشرطيات
فَيجب أَن تنْحَل الشرطيات إِلَى المركبات الأولى قبل انحلالها إِلَى الْمُفْردَات
وَأما الحمليات فَإِنَّهَا تنْحَل إِلَى الْمُفْردَات لَا غير وألفاظ الْكتاب غنية عَن الشَّرْح(1/238)
الْفَصْل السَّابِع إِشَارَة إِلَى الْعُدُول والتحصيل
1 - وَرُبمَا كَانَ التَّرْكِيب من حرف السَّلب مَعَ غَيره كمن يَقُول وَفِي نُسْخَة كَقَوْلِنَا زيد هُوَ غير بَصِير وَفِي نُسْخَة هُوَ زيد غير بَصِير
2 - ونعني بِغَيْر الْبَصِير الْأَعْمَى أَو معنى أَعم مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - لما كَانَت الدّلَالَة أَولا على الْأُمُور الثبوتية وبتوسطها على غير الثبوتية كَانَ من الْوَاجِب إِذا قصدنا الدّلَالَة على أُمُور غير ثبوتية أَن نورد أَلْفَاظ الثبوتية ونعدل بهَا إِلَى ذَوَات وَفِي نُسْخَة بذوات السَّلب إِلَى تِلْكَ الْأُمُور الَّتِي هِيَ غير ثبوتية فَإِن كَانَ من حق تِلْكَ الْأُمُور أَن يدل عَلَيْهَا بِأَلْفَاظ مؤلفة كالأقوال فلنضف أَدَاة السَّلب إِلَى تِلْكَ الْأَقْوَال كَمَا مر فِي القضايا السالبة والموجبة
وَإِن كَانَ من حَقّهَا أَن يدل عَلَيْهَا بِأَلْفَاظ مُفْردَة فلتركب أَدَاة السَّلب مَعَ الْمُفْردَات الثبوتية الَّتِي تقَابلهَا كَقَوْلِنَا لَا بَصِير أَو غير بَصِير بِإِزَاءِ الْبَصِير فِي الْأَسْمَاء
وَمَا صَحَّ وَلَا يَصح بِإِزَاءِ صَحَّ وَيصِح فِي الْأَفْعَال
وَيكون حكم تِلْكَ المركبات حكم الْمُفْردَات وَهِي الَّتِي تسمى معدولة
ومقابلاتها الخالية عَن أَدَاة السَّلب بإزائها محصلة وبسيطة
وَلما اسْتمرّ هَذَا القانون اسْتعْمل هَذَا التَّرْكِيب فِي غير الثُّبُوت أَيْضا كالأعمى وَلَا يزَال على قِيَاس الثبوتيات
2 - أَقُول وَلما كَانَت لبَعض الأعدام الْمُقَابلَة للملكات أَسمَاء محصلة فِي اللُّغَات ك الْأَعْمَى وَالسُّكُوت والسكون دون بعض وَكَانَ الْجَمِيع فِي الْحَاجة إِلَى الْعبارَة عَنْهَا مُتَسَاوِيَة فَاصْطَلَحَ بَعضهم على إِطْلَاق تِلْكَ الْأَلْفَاظ أَعنِي المعدولة فِي الدّلَالَة على الأعدام وأجراها بَعضهم على مَا يَقْتَضِيهِ الِاعْتِبَار الْعقلِيّ من إِطْلَاقهَا على(1/239)
3 - وَبِالْجُمْلَةِ أَن يَجْعَل الْغَيْر مَعَ الْبَصِير وَنَحْوه كشيء وَاحِد ثمَّ تثبته أَو تسلبه فَيكون الْغَيْر وَبِالْجُمْلَةِ حرف السَّلب جُزْءا من الْمَحْمُول فَإِن أثبت الْمَجْمُوع كَانَ إِثْبَاتًا وَإِن سلبته كَانَ سلبا كَمَا تَقول زيد لَيْسَ غير وَفِي نُسْخَة زيد غير بَصِير
4 - وَيجب أَن يعلم أَن حق كل قَضِيَّة حملية أَن يكون لَهَا مَعَ معنى الْمَحْمُول والموضوع معنى الِاجْتِمَاع بَينهمَا وَهُوَ ثَالِث معنييهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَا يُقَابل المحصلة مُطلقًا
فَكَانَ غير الْبَصِير يدل على الْأَعْمَى عِنْد الطَّائِفَة الأولى وعَلى كل مَا لَيْسَ ببصير أَي شَيْء كَانَ عِنْد الْأَخِيرَة
وَاتخذ بعض المنطقيين هَذَا التَّنَازُع مَوضِع بحث فِي هَذَا الْعلم
3 - أَقُول يُرِيد أَن اللَّفْظ المعدول لما كَانَ بِإِزَاءِ لفظ الْمُفْرد كَانَ حكمه حكمه فِي التَّرْكِيب
وكما كَانَ إِيجَاب الشّرطِيَّة وسلبها بِحَسب ثُبُوت الِاتِّصَال أَو العناد ونفيهما لَا بِحَسب كَون أجزائهما مُوجبَة أَو سالبة
فَكَذَلِك هَهُنَا تكون الْقَضِيَّة
إيجابية إِذا كَانَت حاكمة بِثُبُوت الْمَحْمُول المعدول للموضوع
وسلبية إِذا كَانَت حاكمة بنفيه عَنهُ
4 - أَقُول يُشِير إِلَى تعْيين مَا يرتبط بِهِ أَجزَاء الْقَضِيَّة بَعْضهَا بِبَعْض فَإِن الْإِيجَاب وَالسَّلب يتعلقان بِثُبُوت الارتباط ونفيه ليتَحَقَّق من ذَلِك الْفرق بَين السَّلب والعدول
وَاعْلَم أَن الرابطة فِي الْمَعْنى أَدَاة لِأَن مَعْنَاهَا إِنَّمَا يتَحَصَّل فِي أَجزَاء الْقَضِيَّة إِلَّا أَنَّهَا قد يعبر عَنْهَا تَارَة بِصِيغَة اسْم كَمَا يُقَال زيد هُوَ كَاتب
وَقد يعبر عَنْهَا تَارَة بِصِيغَة كلمة وجودية كَمَا يُقَال زيد يُوجد أَو يكون كَاتبا
ويحذف تَارَة فِي بعض اللُّغَات كَمَا يُقَال زيد كَاتبا
والكلمات قد يشْتَمل عَلَيْهَا وَلذَلِك قد ترتبط لذاتها بغَيْرهَا كَمَا مر وَلَا يحْتَاج مَعهَا إِلَى رابطة أُخْرَى كَمَا فِي قَوْلنَا قَالَ زيد
وَكَذَلِكَ الْأَسْمَاء المشتقة مِنْهَا إِذا وَقعت موقعها(1/240)
وَإِذا توخى أَن يُطَابق بِاللَّفْظِ وَفِي نُسْخَة اللَّفْظ الْمَعْنى بعدده اسْتحق هَذَا الثَّالِث لفظا ثَالِثا يدل عَلَيْهِ
وَقد يحذف ذَلِك فِي لُغَات كَمَا يحذف تَارَة فِي لُغَة الْعَرَب أصلا وَفِي نُسْخَة الْأَصْلِيَّة كَقَوْلِنَا وَفِي نُسْخَة كَقَوْلِنَا فِي الأَصْل زيد كَاتب
وَحقه أَن يُقَال زيد هُوَ كَاتب
وَقد لَا يُمكن حذفه فِي بعض اللُّغَات كَمَا فِي الفارسية الْأَصْلِيَّة أست فِي قَوْلنَا زيد ديرست وَفِي نُسْخَة ديراست وَفِي أُخْرَى دبيراست
وَهَذِه اللَّفْظَة تسمى رابطة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالقضايا الخالية عَنْهَا إِمَّا بالطبع أَو بالحذف ثنائية
والمشتملة عَلَيْهَا مُغَايرَة للموضوع والمحمول ثلاثية
والفاضل الشَّارِح اعْترض على الشَّيْخ بِأَن قَالَ الْكَاتِب يَقْتَضِي الارتباط بِغَيْرِهِ لذاته إِذْ هُوَ من الْأَسْمَاء المشتقة
فَقَوله وَحقه أَن يُقَال زيد هُوَ كَاتب لَيْسَ بِصَحِيح بل إِنَّمَا يَصح ذَلِك فِي الْأَسْمَاء الجامدة وَحدهَا
وَقد سَهَا فِي هَذَا الِاعْتِرَاض لِأَن الْفِعْل إِنَّمَا يرتبط لذاته بفاعله دون مَا عداهُ وَالْفَاعِل لَا يتَقَدَّم الْفِعْل فِي الْعَرَبيَّة فَهُوَ لَا يرتبط لذاته باسم يتقدمه فِي حَال من الْأَحْوَال كالمبتدأ وَغَيره فَإِذن يحْتَاج أَن يرتبط بالمبتدأ مثلا بِمثلِهِ إِذا تعلق بِهِ إِلَى رابطة أُخْرَى غير الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا نَفسه
وَكَيف لَا وَهُوَ يَقع هُنَاكَ موقع اسْم جامد فَلَو كَانَ بدل قَوْله زيد كَاتب زيد يكْتب مثلا حَتَّى يكون الْمَحْمُول هُوَ الْفِعْل نَفسه لَكَانَ أَيْضا من حَقه أَن يُقَال زيد هُوَ يكْتب لِأَن إِسْنَاد يكْتب إِلَى زيد الْمُتَقَدّم لَيْسَ إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى فَاعله الَّذِي يرتبط لذاته بِهِ بل هُوَ إِسْنَاد الْخَبَر إِلَى الْمُبْتَدَأ
وَالْفِعْل هَهُنَا مَعَ فَاعله بِمَنْزِلَة خبر مُفْرد مربوط على مُبْتَدأ برابطة غير مَا ارْتبط الْفِعْل بفاعله(1/241)
5 - فَإِذا أَدخل حرف السَّلب على الرابطة فَقيل مثلا زيد لَيْسَ هُوَ بَصيرًا وَفِي نُسْخَة بَصِير وَفِي أُخْرَى زيد بَصِير بِدُونِ لَيْسَ هُوَ فقد دخل النَّفْي على الْإِيجَاب وَفِي نُسْخَة الْإِثْبَات فرفعه وسلبه
وَإِذا دخلت وَفِي نُسْخَة أدخلت الرابطة على حرف السَّلب جعلته جُزْءا من الْمَحْمُول وَكَانَت وَفِي نُسْخَة فَكَانَت الْقَضِيَّة إِيجَابا مثل قَوْلك زيد هُوَ غير بَصِير وَفِي نُسْخَة زيد هُوَ بَصِير
وَرُبمَا يُضَاعف فِي مثل قَوْلك زيد لَيْسَ هُوَ غير بَصِير وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَرُبمَا يُضَاعف فِي مثل قَوْلك زيد لَيْسَ هُوَ غير بَصِير وَكَانَت وَفِي نُسْخَة فَكَانَت الأولى دَاخِلَة على الرابطة للسلب
وَالثَّانيَِة دَاخِلَة عَلَيْهَا الرابطة جاعلة إِيَّاهَا جُزْءا من الْمَحْمُول
والقضية الَّتِي محمولها هَكَذَا تسمى معدولة ومتغيرة وَغير محصلة وَفِي نُسْخَة ومتحصلة بدل وَغير محصلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5 - أَقُول أَرَادَ أَن الرابطة إِذا تعيّنت سهل الْفرق بَين السالبة والمعدولة لِأَن أَدَاة السَّلب
إِن تقدّمت اقْتَضَت رفع الرَّبْط فَصَارَت الْقَضِيَّة سالبة
وَإِن تَأَخَّرت جعلهَا الرَّبْط جُزْءا من الْمَحْمُول فَصَارَت معدولة
وَإِن تضاعفت وتخلل الرَّبْط بَينهمَا صَارَت سالبة معدولة
وَأما فِي الثنائية فَالْفرق بَينهمَا إِمَّا بِالنِّيَّةِ أَو بالاصطلاح إِن وَقع على تمايز الأداتين كَمَا يُقَال فِي اخْتِصَاص لَيْسَ بالسلب وَغير بالعدول
قَوْله تسمى معدولة أَقُول وَبَعْضهمْ يسمون هَذِه الْقَضِيَّة معدولية منسوبة إِلَى المعدول الَّذِي هُوَ الْمُفْرد(1/242)
6 - وَقد يعْتَبر ذَلِك فِي جَانب الْمَوْضُوع أَيْضا
7 - فَأَما أَن المعدول يدل وَفِي نُسْخَة وَأما أَن المعدول يدل وَفِي أُخْرَى فَإِن المعدول إِمَّا أَن يدل على الْعَدَم وَفِي نُسْخَة عدم الْمُقَابل للمكلة وَفِي نُسْخَة للملكية أَو على غَيره حَتَّى يكون غير الْبَصِير وَفِي نُسْخَة بَصِير إِنَّمَا يدل على الْأَعْمَى فَقَط أَو على فَاقِد وَفِي نُسْخَة كل فَاقِد لِلْبَصَرِ من وَفِي نُسْخَة فِي الْحَيَوَان وَلَو كَانَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كَانَ طبعا أَو مَا هُوَ أَعم من ذَلِك
فَلَيْسَ بَيَانه على المنطقي بل على اللّغَوِيّ بِحَسب لُغَة لُغَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا غير الْبَصِير أُمِّي إِلَّا أَن الْقَضِيَّة المعدولة إِذا أطلقت فهم عَنْهَا معدولية الْمَحْمُول وَهَذِه إِنَّمَا تقيد بالموضوع
وَقد يقل الْبَحْث فِي هَذَا الصِّنْف لعدم التباسه بالسالبة بِخِلَاف الأول
7 - أَقُول قد ذكرنَا الْخلاف فِي أَن المعدول ك غير الْبَصِير يُطلق على عدم الملكة ك الْأَعْمَى أَو على مَا لَيْسَ ببصير أَي شَيْء كَانَ
وَكَانَ فِي إِطْلَاق أعدام الملكات على مَعَانِيهَا أَيْضا خلاف بعد الِاتِّفَاق فِي تَفْسِير الْعَدَم ب عدم شَيْء عَن مَوْضُوع من شَأْنه أَن يَتَّصِف بذلك الشَّيْء فَذهب بَعضهم إِلَى أَن الْمَوْضُوع الْمَذْكُور مَوْضُوع هُوَ شخص وَالْأَعْمَى لَا يُطلق إِلَّا على من كَانَ شَأْنه أَن يكون بَصيرًا من أشخاص الْحَيَوَانَات
وَبَعْضهمْ إِلَى أَنه مَوْضُوع نَوْعي أَو جنسي
وَالْأَعْمَى مَعَ ذَلِك يُطلق على الأكمه الَّذِي لَيْسَ من شَأْن شخصه أَن يكون بَصيرًا لَكِن من شَأْن نَوعه ذَلِك وعَلى فَاقِد الْبَصَر من الْحَيَوَانَات طبعا ك الْخلد وَالْعَقْرَب اللَّذين لَيْسَ من شَأْن نوعيهما أَن يَكُونَا بصيرين وَلَكِن من شَأْن جنسهما ذَلِك
فَالَّذِينَ يحملون المعدول على عدم الملكة يطلقونه على أحد هَذِه الْمعَانِي
وَأما الَّذين يحملونه على مَا يُقَابل المحصل يطلقونه عَلَيْهَا وعَلى مَا هُوَ أَعم مِنْهَا كالجمادات مثلا وَبِالْجُمْلَةِ على مَا لَيْسَ ببصير مُطلقًا(1/243)
8 - وَإِنَّمَا يلْزم المنطقي أَن يضع
أَن حرف السَّلب إِذا تَأَخَّرت عَن الرابطة أَو كَانَ مربوطا بهَا كَيفَ كَانَ فالقضية وَفِي نُسْخَة قَضِيَّة وَفِي أُخْرَى فَإِن الْقَضِيَّة إِثْبَات
صَادِقَة كَانَت أَو كَاذِبَة
وَأَن الْإِثْبَات لَا يُمكن إِلَّا على ثَابت متمثل فِي وجود أَو وهم فَيثبت عَلَيْهِ الحكم بِحَسب ثباته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشَّيْخ بَين أَن هَذَا الْبَحْث لَا يتَعَلَّق بالْمَنْطق بل هُوَ بحث لغَوِيّ يُمكن أَن يخْتَلف بِحَسب اللُّغَات والاصطلاحات
8 - يُرِيد بَيَان مَا يلْزم المنطقي فِي هَذَا الْموضع وَهُوَ بَيَان الْفرق بَين الْعُدُول وَالسَّلب بِحَسب اللَّفْظ وبحسب الْمَعْنى
أما بِحَسب اللَّفْظ فبتقدم الرَّبْط على السَّلب وتأخره عَنهُ كَمَا مر
وَقد أَفَادَ بقوله أَو كَانَ مربوطا بهَا كَيفَ كَانَ أَن الِاعْتِبَار بالعدول إِنَّمَا هُوَ بارتباط حرف السَّلب بالرابطة على الْمَوْضُوع سَوَاء تَأَخّر الْحَرْف عَن الرابطة كَمَا فِي لُغَة الْعَرَب أَو تقدم عَلَيْهَا كَمَا فِي لُغَة الْفرس مثل قَوْلهم زيد نَا بَينا أست
وَأما بِحَسب الْمَعْنى فبأن مَوْضُوع الْمُوجبَة معدولة كَانَت أَو محصلة يجب أَن يكون شَيْئا ثَابتا عِنْد من يحكم بِالْإِيجَابِ عَلَيْهِ
وموضوع السالبة لَا يجب أَن يكون كَذَلِك وَذَلِكَ لِأَن غير الثَّابِت لَا يَصح أَن يثبت لَهُ شَيْء وَيصِح أَن يَنْفِي عَنهُ ك زيد الْمَعْدُوم فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال إِنَّه حَيّ وَيصِح أَن يُقَال إِنَّه لَيْسَ بحي لِأَنَّهُ لَيْسَ بموجود فَلَا يكون حَيا
وَذَلِكَ الثُّبُوت لَا يجب أَن يكون خارجيا فَقَط أَو ذهنيا فَقَط كَمَا مر
بل يكون ثبوتا وَفِي نُسْخَة ثبوتيا عَاما محتما لجَمِيع أَقسَام الثُّبُوت غير خَاص بِشَيْء مِنْهَا
وَأما مَوْضُوع السالبة فَيجوز أَن يكون ثبوتيا وَيجوز أَن يكون عدميا سَوَاء كَانَ مُمكن الثُّبُوت أَو ممتنعه
فالسالبة أَعم تناولا للموضوع من الْمُوجبَة وَلأَجل ذَلِك تكون السالبة البسيطة أَعم من الْمُوجبَة المعدولة إِذا تشاركا فِي الْأَجْزَاء
وَكَذَلِكَ السالبة المعدولة من الْمُوجبَة البسيطة(1/344)
وَأما النَّفْي فَيصح أَيْضا من غير الثَّابِت كَانَ كَونه غير ثَابت وَاجِبا أَو غير وَاجِب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والاعتراضات الَّتِي أوردهَا الْفَاضِل الشَّارِح على ذَلِك لما لم تكن قادحة فِي هَذَا الْبَيَان بل كَانَت معارضات وحججا مَبْنِيَّة على أصُول غير متقررة كَانَ الِاشْتِغَال بهَا مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الإطناب وَلَا يَقْتَضِي مزِيد فَائِدَة أعرضنا عَنْهَا(1/245)
الْفَصْل الثَّامِن إِشَارَة إِلَى القضايا الشّرطِيَّة
1 - اعْلَم أَن المتصلات والمنفصلات من الشرطيات قد تكون مؤلفة من حمليات وَمن شرطيات وَفِي نُسْخَة من شرطيات وَمن حمليات وَمن خلط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - لما كَانَت الشرطيات مؤلفة من قضايا لَا من مُفْرَدَات وَكَانَت القضايا ثَلَاثًا وَفِي نُسْخَة ثَلَاثَة
حملية ومتصلة ومنفصلة
والواقعة مِنْهَا فِي كل شَرْطِيَّة ثِنْتَانِ
فتأليف كل شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة كَانَت أَو مُنْفَصِلَة بِشَرْط أَن تكون الْمُنْفَصِلَة أَيْضا ذَات جزأين إِنَّمَا يُمكن أَن يَقع على سِتَّة أوجه
ثَلَاثَة متشابهة الْأَجْزَاء وَهِي الَّتِي تكون من
حمليتين
أَو متصلتين
أَو منفصلتين
وَثَلَاثَة مُخْتَلفَة الْأَجْزَاء وَهِي الَّتِي تكون من
حملية ومتصلة
أَو حملية ومنفصلة
أَو مُتَّصِلَة ومنفصلة
وكل وَاحِد من الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة يَقع فِي الْمُتَّصِلَة وَحدهَا على وَجْهَيْن متعاكسين فِي التَّرْتِيب لاخْتِلَاف حَال جزأيها بالطبع فَيكون
لتأليف الْمُتَّصِلَة تِسْعَة أوجه
ولتأليف الْمُنْفَصِلَة سِتَّة أوجه
أَمْثِلَة المتصلات وَهِي من حمليتين(1/246)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كَقَوْلِنَا إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
فَكَانَ إِذا كَانَ النَّهَار مَعْدُوما فالشمس غاربة
وَمن منفصلتين كَقَوْلِنَا إِن كَانَ الْعدَد إِمَّا زوجا أَو فَردا فعدد الْكَوَاكِب إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
وَمن حملية ومتصلة
كَقَوْلِنَا إِن كَانَت الشَّمْس عِلّة النَّهَار فَإِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
وَمن عكسهما كعكس قَوْلنَا ذَلِك
وَمن حملية ومنفصلة كَقَوْلِنَا إِذا كَانَ الشَّيْء ذَا عدد فَهُوَ إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
وَمن عكسهما كَعَكْسِهِ
وَمن مُتَّصِلَة ومنفصلة كَقَوْلِنَا إِن كَانَ إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود فَكَانَ إِمَّا الشَّمْس طالعة وَإِمَّا النَّهَار مَعْدُوم وَمن عكسهما كَعَكْسِهِ
أَمْثِلَة المنفصلات وَهِي من حمليتين
كَقَوْلِنَا الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
وَمن متصلتين كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون إِذا كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَإِمَّا أَن يكون إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالليل مَوْجُود
وَمن منفصلتين كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون الْعدَد إِمَّا زوجا وَإِمَّا فَردا وَإِمَّا أَن يكون زوجا أَو منقسما بمتساويين
وَمن حملية ومتصلة كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن لَا تكون الشَّمْس عِلّة النَّهَار وَإِمَّا أَن يكون إِذا طلعت الشَّمْس فالنهار مَوْجُود
وَمن حملية ومنفصلة كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون الشَّيْء وَاحِدًا وَإِمَّا أَن يكون ذَا عدد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
وَمن مُتَّصِلَة ومنفصلة كَقَوْلِنَا إِمَّا أَن يكون إِذا كَانَ الْعدَد فَردا فَهُوَ زوج وَإِمَّا أَن يكون الْعدَد إِمَّا فَردا وَإِمَّا زوجا
وَهَذِه الْأَمْثِلَة مهملات مُوجبَة مؤلفة من أَمْثَالهَا
وَقد تكون شخصيات ومحصورات مُوجبَات وسوالب يتألف بَعْضهَا من بعض وتتكثر وُجُوه التَّأْلِيف(1/247)
2 - فَإنَّك إِذا قلت إِن كَانَ وَفِي نُسْخَة كَانَت كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَفِي نُسْخَة مَوْجُودا فإمَّا أَن تكون الشَّمْس طالعة وَإِمَّا أَن لَا يكون النَّهَار مَوْجُودا
فقد تركبت وَفِي نُسْخَة ركبت مُتَّصِلَة من مُتَّصِلَة ومنفصلة
وَإِذا قلت إِمَّا أَن يكون إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
وَإِمَّا أَن لَا يكون وَفِي نُسْخَة وَإِمَّا أَن يكون إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالليل مَعْدُوم
فقد ركبت الْمُنْفَصِلَة من متصلتين
وَإِذا قلت إِن كَانَ هَذَا عددا فَهُوَ إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
فقد ركبت الْمُتَّصِلَة وَفِي نُسْخَة الْمُنْفَصِلَة من حملية ومنفصلة
وَكَذَلِكَ عَلَيْك وَفِي نُسْخَة وَعَلَيْك أَن تعد من نَفسك سَائِر الْأَقْسَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلما كَانَت الشرطيات مؤلفة بعد التَّأْلِيف الأول فَهِيَ تكون مؤلفة
إِمَّا تأليفا ثَانِيًا أَي من حمليات
أَو ثَالِثا أَي من شرطيات مؤلفة من حمليات
أَو رَابِعا أَي من شرطيات مؤلفة من حمليات وهلم جرا إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ
2 - أَقُول اقْتصر الشَّيْخ من التأليفات التِّسْعَة والستة على إِيرَاد أَمْثِلَة ثَلَاثَة
أَولهَا مُتَّصِلَة مُهْملَة من مُتَّصِلَة كُلية ومنفصلة مُهْملَة كلهَا مُوجبَات
وَثَانِيها مُنْفَصِلَة مُهْملَة مُوجبَة من متصلتين مهملتين إِحْدَاهمَا مُوجبَة وَالْأُخْرَى سالبة
وَثَالِثهَا مُتَّصِلَة مُهْملَة من حملية شخصية وَمن مُنْفَصِلَة مُهْملَة كلهَا مُوجبَات
والفاضل الشَّارِح زعم أَن تالي الْمِثَال الأول وَهُوَ إِن كَانَ كلما كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَإِمَّا أَن تكون الشَّمْس طالعة وَإِمَّا لَا يكون النَّهَار مَوْجُودا
يجب أَن تكون مُنْفَصِلَة مؤلفة من الشَّيْء ولازم نقيضه وَهِي تكون مَانِعَة الْخُلُو(1/248)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن الشَّيْء لَو ارْتَفع مَعَ ارْتِفَاع لَازم نقيضه الَّذِي يرْتَفع مَعَه نقيضه لارتفع النقيضان مَعًا وَهُوَ محَال
وَلَا تكون مَانِعَة الْجمع إِن كَانَ لَازم النقيض أَعم من النقيض وَتَكون مَانِعَة لَهُ إِن كَانَ مُسَاوِيا
وَإِنَّمَا يجب أَن يكون تالي الْمِثَال الأول هَذِه الْمُنْفَصِلَة دون غَيرهَا لِأَن الْمُقدم فِيهِ يَقْتَضِي استلزام طُلُوع الشَّمْس لوُجُود النَّهَار وَالْحَال لَا يَخْلُو من طُلُوع الشَّمْس وَلَا طُلُوعهَا فَإِذن لَا يَخْلُو من لَا طُلُوع الشَّمْس وَوُجُود النَّهَار اللَّازِم لطلوعها
فالترديد بَين الْمُقدم ونقيضه الَّذِي هُوَ انْفِصَال حَقِيقِيّ استلزام الترديد بَين نقيضه الْمُقدم ولازم عينه الَّذِي هُوَ الِانْفِصَال الْمَذْكُور
قَالَ والمنفصلة الَّتِي أوردهَا الشَّيْخ مؤلفة من الشَّيْء وملزوم نقيضه لِأَنَّهَا مؤلفة من طُلُوع الشَّمْس وَلَا وجود النَّهَار وَلَيْسَ لَا وجود النَّهَار لَازِما للاطلوع الشَّمْس لِأَن رفع التَّالِي لَا يلْزم رفع الْمُقدم بل الْأَمر بِالْعَكْسِ
فَإِذن هُوَ سَهْو
أَو أوردهُ الشَّيْخ نظرا إِلَى الْمَادَّة فَإِن الْمُقدم والتالي فِي الْمِثَال متساويان وَيصدق الِانْفِصَال مِنْهُ من جزئيه أَي جزئية اتّفق مَعَ نقيض الآخر
فَهَذَا مَا أوردهُ الْفَاضِل الشَّارِح عَلَيْهِ
وَيُمكن أَن يُعَارض بِأَن هَذَا التَّالِي يجب أَن يكون مُنْفَصِلَة مؤلفة من الشَّيْء وملزوم نقيضه أَو من الشَّيْء ونقيض لَازمه على مَا أوردهُ الشَّيْخ أَو نقيض لَازمه الَّذِي هُوَ غير التَّالِي
وَهُوَ يكون مَانِعَة للْجمع فَإِن الشَّيْء لَو اجْتمع مَعَ ملزوم النقيض أَو مَعَ نقيض اللَّازِم لاجتمع النقيضان وَلَا تكون مَانِعَة للخلو إِن كَانَ اللَّازِم أَعم من الْمَلْزُوم وَإِنَّمَا يجب أَن يكون التَّالِي الْمَذْكُور هَذِه الْمُنْفَصِلَة لِأَن الْمُقدم يَقْتَضِي استلزام طُلُوع الشَّمْس لوُجُود النَّهَار وَيمْتَنع اجْتِمَاع طُلُوع الشَّمْس مَعَ لَا طُلُوعهَا فَإِذن يمْتَنع اجْتِمَاع طُلُوعهَا مَعَ لَا وجود النَّهَار المستلزم للاطلوعها
فالترديد بَين الْمُقدم ونقيضه الَّذِي هُوَ انْفِصَال حَقِيقِيّ استلزم الترديد بَين الْمُقدم ومستلزم نقيضه الَّذِي هُوَ الِانْفِصَال الْمَذْكُور
وَالَّذِي أوردهُ الشَّارِح مؤلفة من الشَّيْء ولازم نقيضه
وهما مُمكنا الِاجْتِمَاع فَإِذن هُوَ سَهْو(1/249)
3 - والمنفصلات وَفِي نُسْخَة فالمنفصلات مِنْهَا حَقِيقِيَّة وَهِي الَّتِي يُرَاد فِيهَا ب أما أَنه لَا يَخْلُو الْأَمر من أحد الْأَقْسَام أَلْبَتَّة بل يُوجد وَاحِد مِنْهَا فَقَط
4 - وَرُبمَا وَفِي نُسْخَة فَرُبمَا كَانَ الِانْفِصَال إِلَى جزأين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو أوردهُ الشَّارِح نظرا إِلَى الْمَادَّة
وَالْحَاصِل من هَذَا التَّطْوِيل أَنه أضَاف إِلَى مقدم الْمُتَّصِلَة الأولى مُنْفَصِلَة تتبعها وتتبع مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة مؤلفة من مقدم ذَلِك الْمُقدم ونقيضه
وعورض بِإِضَافَة مُنْفَصِلَة إِلَيْهِ تتبعها أَيْضا وتتبع أَيْضا الْمُنْفَصِلَة الْحَقِيقِيَّة الْمَذْكُورَة
وَهُوَ أَعنِي الشَّارِح رجح الأولى على الْأَخِيرَة من غير رُجْحَان
وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِك أَن الْمُتَّصِلَة اللزومية يلْزمهَا مُنْفَصِلَة مَانِعَة الْجمع دون الْخُلُو من عين الْمُقدم
ونقيض التَّالِي هُوَ الَّذِي أوردهُ الشَّيْخ
ومنفصلة مَانِعَة الْخُلُو دون الْجمع من نقيض الْمُقدم وَعين التَّالِي وَهِي الَّتِي أوردهَا الْفَاضِل الشَّارِح
وَلَا يلْزمهَا مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة بِحَسب الصُّورَة ويتبين ذَلِك إِذا جعل اللَّازِم فِي الْمِثَال أَعم من اللُّزُوم كحركة الْيَد للكتابة
وَلَا حرج على الشَّيْخ فِي إِيرَاد أحد اللازمين دون الآخر
والمثال الثَّانِي قَوْله
إِمَّا أَن يكون إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود وَإِمَّا أَن لَا يكون إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالليل مَعْدُوم
وَيُوجد فِي كثير من النّسخ وَإِمَّا أَن يكون أَيْضا وَهُوَ سَهْو من الناسخين
3 - وَهَذِه هِيَ الَّتِي تمنع الْجمع والخلو وتحدث من الْقِسْمَة إِلَى شَيْء ونقيضه فَإِن النقيضين هما اللَّذَان لذاتيهما لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان
وَلَكِن رُبمَا يُورد بدل أحد المتناقضين أَو كليهمَا مسَاوٍ فِي الدّلَالَة فتتحقق المناقضة فيهمَا كَمَا يُقَال الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
4 - أَقُول أما مَا ينْفَصل إِلَى جزأين فقد مر ذكره(1/250)
وَرُبمَا كَانَ إِلَى أَكثر
وَرُبمَا كَانَ غير دَاخل فِي الْحصْر
5 - وَمِنْهَا غير حَقِيقِيَّة وَهِي وَفِي نُسْخَة مثل بدل وَهِي الَّتِي يُرَاد فِيهَا ب أما معنى منع الْجمع فَقَط دون منع الْخُلُو عَن الْأَقْسَام مثل قَوْلك فِي جَوَاب من يَقُول إِن هَذَا الشَّيْء حَيَوَان شجر إِنَّه إِمَّا أَن يكون حَيَوَانا وَإِمَّا أَن يكون شَجرا
وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا يُشبههُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأما مَا ينْفَصل إِلَى أَكثر فَهُوَ بِأَن يُورد بدل الْأَجْزَاء مَا تنفصل الْأَجْزَاء إِلَيْهِ من أَجزَاء الْأَجْزَاء
كَقَوْلِنَا كل عدد إِمَّا تَامّ وَإِمَّا زَائِد وَإِمَّا نَاقص
فَهُوَ ينشعب من قَوْلنَا إِنَّه إِمَّا تَامّ وَإِمَّا غير تَامّ
وَغير التَّام إِمَّا زَائِد وَإِمَّا نَاقص
وَكَذَلِكَ إِذا انْفَصل سَائِر الْأَجْزَاء إِلَى أَجزَاء أخر وتبلغ الْأَقْسَام إِلَى مَا بلغته وَتَكون مَعَ ذَلِك حاصرة ومانعة للْجمع والخلو
وَيكون أصل الانشعاب فِي الْكل من الْقِسْمَة إِلَى النقيضين
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح وَاعْلَم أَن الَّذِي يكون أَجزَاء الِانْفِصَال فِيهِ أَرْبَعَة أَو خَمْسَة وَمَعَ ذَلِك يكون محصورا فَهُوَ غير مَوْجُود
وَأَنا أَقُول لَيْسَ هَذَا عِنْدِي وَجه فَإِن الأشكال مَحْصُور فِي أَرْبَعَة
والكليات فِي خَمْسَة
وَلَعَلَّ النُّسْخَة الَّتِي وَقعت إِلَى من شَرحه سقيمة وليستكشف من سَائِر النّسخ
وَأما مَا كَانَ غير دَاخل فِي الْحصْر فكقولنا المضلعات المسطحة إِمَّا مثلث أَو مربع أَو مخمس
وَكَذَلِكَ إِلَى مَا لَا يتناهى
5 - أَقُول إِذا حذف أحد قسمي الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ وَأورد بدله مَا لَا يُسَاوِيه بل يكون إِمَّا أخص مِنْهُ أَو أَعم حصلت مُنْفَصِلَة غير حَقِيقِيَّة مَانِعَة للْجمع وَحده أَو للخلو وَحده
أما الأول فَلِأَن الشَّيْء لَو اجْتمع مَعَ مَا هُوَ أخص من نقيضه لزم مِنْهُ اجْتِمَاع النقيضين فَإِن مَا هُوَ أخص من النقيض يسْتَلْزم النقيض(1/251)
وَمِنْهَا مَا يُرَاد فِيهَا ب أما منع الْخُلُو وَإِن كَانَ يجوز اجْتِمَاعهمَا وَهُوَ جَمِيع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة جَمِيع مَا يكون تَحْلِيله يُؤَدِّي إِلَى حذف جُزْء من الِانْفِصَال الْحَقِيقِيّ وإيراد لَازمه بدله وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بدله إِذا لم يكن مُسَاوِيا لَهُ بل أَعم
مثل قَوْلهم إِمَّا أَن يكون زيد فِي الْبَحْر وَإِمَّا أَن لَا يغرق أَي وَإِمَّا أَن لَا يكون فِي الْبَحْر وَيلْزمهُ أَن لَا يغرق وَفِي نُسْخَة بِحَذْف أَي وَإِمَّا أَن لَا يكون فِي الْبَحْر وَيلْزمهُ أَن لَا يغرق
وَأما الْمِثَال الأول فقد كَانَ المورد فِيهِ مَا إِنَّمَا يُمكن مَعَ النقيض لَيْسَ مَا يلْزم النقيض فَكَانَ وَفِي نُسْخَة وَكَانَ يمْنَع الْجمع وَلَا يمْنَع الْخُلُو
وَهَذَا يمْنَع الْخُلُو وَلَا يمْنَع الْجمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلما احْتمل أَن يصدق نقيضه وَلَا يصدق مَعَه مَا هُوَ أخص مِنْهُ احْتمل أَن يرتفعا مَعًا
وَأما الثَّانِي فَلِأَن الشَّيْء لَو ارْتَفع مَا هُوَ أَعم من نقيضه لزم مِنْهُ ارْتِفَاع النقيضين فَإِن النقيض أَيْضا يرْتَفع بارتفاع مَا هُوَ أَعم مِنْهُ
وَلما احْتمل أَن يصدق مَعَ مَا هُوَ أَعم من نقيضه وَلَا يصدق مَعَه النقيض احْتمل أَن يجتمعا مَعًا
مِثَال الأول أَن تَقول هَذَا الشَّيْء إِمَّا حَيَوَان أَو لَيْسَ بحيوان وَالشَّجر أخص من اللاحيوان فنورده بدله
أَو نقُول هَذَا الشَّيْء إِمَّا شجر أَو لَيْسَ بشجر
وَالْحَيَوَان أخص من اللاشجر
ونورده بدله فَيحصل قَوْلنَا هَذَا الشَّيْء إِمَّا حَيَوَان وَإِمَّا شجر مَانِعا للْجمع دون الْخُلُو لِأَنَّهُ لَا يكون شَيْء وَاحِد حَيَوَانا وشجرا مَعًا وَيُمكن أَن يكون غَيرهمَا كالجبل
وَحِينَئِذٍ نَكُون قد أوردنا بدل النقيض مَا يُمكن مَعَه ويستلزمه لاما يجب مَعَه وَيلْزمهُ لِأَن الْخَاص يُمكن أَن يكون مَعَ الْعَام ويستلزمه وَلَا يجب أَن يكون مَعَه أَو يلْزمه
وَمِثَال الثَّانِي أَن نقُول زيد إِمَّا فِي الْبَحْر أَو لَيْسَ فِيهِ وَلم يفرق فَأن لَا يفرق عَم من قَوْلنَا لَيْسَ فِي الْبَحْر فنورده بدله(1/252)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو نقُول زيد إِمَّا غرق أَو لم يغرق
وَفِي الْبَحْر أَعم من قَوْلنَا غرق فنورده بدله فَيحصل وَفِي نُسْخَة ليحصل وَفِي أُخْرَى يحصل مِنْهَا قَوْلنَا زيد إِمَّا فِي الْبَحْر وَإِمَّا لم يغرق مَانِعا للخلو دون الْجمع لِأَنَّهُ لَا يكون لَيْسَ فِي الْبَحْر وَقد غرق وَيُمكن أَن يكون فِي الْبَحْر وَلم يغرق
وَحِينَئِذٍ نَكُون قد أوردنا مَا يلْزم النقيض وَيجب مَعَه فَإِن الْعَام يلْزم الْخَاص وَيجب مَعَه وَاعْلَم أَن اسْتِعْمَال الْحَقِيقِيّ أَكثر من أَن يُحْصى
وَأما الْآخرَانِ فقد يستعملان فِي جَوَاب من يَقُول هَذَا الشَّيْء شجر حجر مَعًا
وَذَلِكَ بِأَن يرد عَلَيْهِ قَوْله
إِمَّا بترديد الصدْق فيهمَا فَيُقَال هُوَ إِمَّا شجر أَو حجر
أَي إِمَّا هَذَا صَادِق أَو ذَاك
وَإِمَّا بترديد الْكَذِب فيهمَا
فَيُقَال إِمَّا أَن لَا يكون شَجرا وَإِمَّا أَن لَا يكون حجرا أَي إِمَّا هَذَا كَاذِب أَو ذَاك
وَيكون الأول بِانْفِرَادِهِ مَانِعا للْجمع
وَالثَّانِي
مَانِعا للخلو
وَيحصل من كل وَاحِدَة مِنْهُمَا امْتنَاع اجْتِمَاع الوصفين فِي ذَلِك الشَّيْء
وينضاف إِلَى مَا سلمه ذَلِك الْقَائِل وَفِي نُسْخَة السَّائِل من امْتنَاع خلوه عَنْهُمَا فيجتمع من ذَلِك معنى مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة
وَاعْلَم أَن كل وَاحِدَة من هَذِه المنفصلات قد يتألف
من موجبتين فِي اللَّفْظ كَقَوْلِنَا الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
وَهَذَا الشَّيْء إِمَّا شجر أَو حجر
وَهَذَا الْمَوْجُود إِمَّا دَائِم الْوُجُود أَو مُمكن الْوُجُود
وَمن سالبتين كَقَوْلِنَا الْعدَد إِمَّا لَيْسَ بِزَوْج إِمَّا لَيْسَ بفرد
وَهَذَا الْمَوْجُود إِمَّا لَيْسَ بدائم الْوُجُوب وَإِمَّا لَيْسَ بممكن الْوُجُود
وَهَذَا الشَّيْء إِمَّا أَن لَا يكون شَجرا وَإِمَّا أَن لَا يكون حجرا
وَمن مُوجبَة وسالبة كَقَوْلِنَا الْعدَد إِمَّا أَن يَنْقَسِم بمتساويين أَو لَا يَنْقَسِم بمتساويين وَهَذَا إِمَّا إِنْسَان أَو لَيْسَ بحيوان
وَهَذَا إِمَّا حَيَوَان أَو لَيْسَ بِإِنْسَان
فَهَذَا من حَيْثُ اللَّفْظ
وَأما من حَيْثُ الْمَعْنى(1/235)
6 - وَقد يكون لغير الْحَقِيقِيّ أَصْنَاف أخر وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي نُسْخَة أوردناه هَهُنَا كِفَايَة
7 - وَيجب عَلَيْك أَن تجْرِي أَمر الْمُتَّصِل والمنفصل وَفِي نُسْخَة بِحَذْف عبارَة والمنفصل فِي الْحصْر والإهمال والتناقض وَالْعَكْس مجْرى الحمليات على أَن يكون الْمُقدم كالموضوع والتالي كالمحمول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالحقيقة لَا بُد من أَن تتألف من مُوجبَة وسالبة لَا غير لما مر
ومانعة الْجمع يُمكن أَن تتألف مِنْهُمَا وَيُمكن أَن تتألف من موجبتين وَذَلِكَ ظَاهر وَلَا يُمكن أَن تتألف من سالبتين لِأَن الْمُوجبَة الْحَقِيقِيَّة لَا يستلزمها سالبة حَقِيقِيَّة
ومانعة الْخُلُو يُمكن أَن تتألف مِنْهُمَا وَيُمكن أَن تتألف من سالبتين لِأَن السالبة يُمكن أَن تكون لَازِمَة للموجبة وَلَا يُمكن أَن تتألف من موجبتين لاشتمالهما على مَا تشْتَمل عَلَيْهِ الْحَقِيقِيَّة وَزِيَادَة
6 - أَقُول يُرِيد بِهِ الْمَوَاضِع الَّتِي نستعمل فِيهَا حُرُوف العناد وَلَا يُرَاد منع الْجمع والخلو
مِثَاله
تَقول رَأَيْت إِمَّا زيدا وَإِمَّا عمرا حِين تشك فِي رُؤْيَتهمَا
وَتقول الْعَالم إِمَّا أَن يعبد الله وَإِمَّا أَن أَن ينفع النَّاس أَي غَالب أَحْوَاله هَذَانِ الفعلان وَهَذَا مِمَّا يتَعَلَّق باللغة
7 - هَذَا بَيَان كلي لما يتَعَلَّق بالمتصلات وَهُوَ بالإحالة على الحمليات فَإِن حكمهَا فِي جَمِيع ذَلِك وَاحِد وَقد مر الْحصْر والإهمال من ذَلِك وَسَيَجِيءُ بَيَان التَّنَاقُض وَالْعَكْس فِي مَوْضِعه
وَفِي بعض النّسخ من الْمُتَّصِل والمنفصل
وَأمر الْمُنْفَصِل فِي ذِي الجزأين يجْرِي مجْرى الحمليات فِي جَمِيع ذَلِك إِلَّا الْعَكْس فَإِن الْعَكْس لَا يتَعَلَّق بِهِ لعدم امتياز أَجْزَائِهِ بالطبع
والأدوات هِيَ الَّتِي تلْحق الهيئات بالقضايا إِلَّا أَن المنطقي لما كَانَ نظره بِالْقَصْدِ الأول فِي الْمعَانِي أَشَارَ إِلَى الهيئات دون الأدوات(1/254)
الْفَصْل التَّاسِع إِشَارَة إِلَى هيئات تلْحق القضايا وَتجْعَل لَهَا أحكاما خَاصَّة فِي الْحصْر وَغَيره
1 - إِنَّه قد تزداد فِي الحمليات لَفْظَة وَفِي نُسْخَة لفظ إِنَّمَا فَيُقَال إِنَّمَا يكون الْإِنْسَان حَيَوَانا
وَإِنَّمَا يكون بعض الْإِنْسَان وَفِي نُسْخَة النَّاس كَاتبا فَيتبع ذَلِك زِيَادَة فِي الْمَعْنى
لم تكن مقتضاة قبل هَذِه الزِّيَادَة بِمُجَرَّد الْحمل لِأَن هَذِه الزِّيَادَة تجْعَل الْحمل مُسَاوِيا أَو خَاصّا بالموضوع
وَكَذَلِكَ قد تَقول الْإِنْسَان وَفِي نُسْخَة إِن الْإِنْسَان هُوَ الضَّحَّاك بِالْألف وَاللَّام فِي لُغَة الْعَرَب فتدل على أَن الْمَحْمُول مسَاوٍ للموضوع
وَكَذَلِكَ تَقول لَيْسَ إِنَّمَا يكون الْإِنْسَان حَيَوَانا أَو تَقول لَيْسَ الْحَيَوَان وَفِي نُسْخَة الْإِنْسَان هُوَ الضَّحَّاك وتدل على سلب الدّلَالَة الأولى فِي الإيجابين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - الْمَحْمُول قد يكون أَعم من مَوْضُوعه كالأجناس والأعراض الْعَامَّة وَقد يكون مُسَاوِيا كالفصول والخواص المساوية وَقد يكون أخص مِنْهُ كالخواص الْغَيْر وَفِي نُسْخَة كخواص غير المساوية
وَلَفْظَة إِنَّمَا إِذا دخلت على الْقَضِيَّة دلّت على نفي الْعُمُوم عَن الْمَحْمُول وَهُوَ معنى قَوْله يَجْعَل الْحمل مُسَاوِيا أَو خَاصّا بالموضوع
وَلَيْسَ إِذا دخل عَلَيْهَا دلّ على نفي دلالتها تِلْكَ فَأثْبت الْعُمُوم(1/255)
2 - وَتقول أَيْضا لَيْسَ الْإِنْسَان إِلَّا النَّاطِق فيفهم وَفِي نُسْخَة وَيفهم مِنْهُ أحد مَعْنيين
أَحدهمَا أَنه لَيْسَ معنى الْإِنْسَان إِلَّا معنى النَّاطِق وَلَيْسَ تَقْتَضِي الإنسانية معنى آخر
وَالثَّانِي أَنه لَيْسَ يُوجد إِنْسَان غير نَاطِق بل كل إِنْسَان نَاطِق وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بل كل إِنْسَان نَاطِق يُرِيد أَن هَذِه الصِّيغَة تفِيد إِمَّا الْمُسَاوَاة فِي الْمَعْنى كَمَا بَين الْإِنْسَان وَالْحَيَوَان النَّاطِق
وَإِمَّا الْمُسَاوَاة فِي الدّلَالَة كَمَا بَين الضاحك والناطق شرح وَتقول فِي الشرطيات أَيْضا لما كَانَ النَّهَار راهنا كَانَت الشَّمْس طالعة
وَهَذَا يَقْتَضِي مَعَ إِيجَاب وَفِي نُسْخَة الْإِيجَاب الِاتِّصَال دلَالَة تَسْلِيم الْمُقدم وَوَضعه ليتسع مِنْهُ وضع التَّالِي
3 - وَكَذَلِكَ تَقول لَيْسَ يكون النَّهَار مَوْجُودا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مَوْجُودا إِلَّا وَالشَّمْس طالعة تُرِيدُ بِهِ كلما كَانَ النَّهَار مَوْجُودا فالشمس طالعة فَيُفِيد هَذَا القَوْل حصرا فِي الفحوى
4 - وَتقول أَيْضا لَا يكون النَّهَار مَوْجُودا أَو تكون الشَّمْس طالعة وَهُوَ قريب من ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - أَقُول راهنا أَي ثَابتا
وَلَفْظَة لما تفِيد مَعَ الدّلَالَة على استلزام التَّالِي الدّلَالَة على أَن وجود الْمُقدم مُسلم مَوْضُوع لَا يحْتَاج إِلَى بَيَان
3 - يُرِيد بِهِ أَن الْقَضِيَّة بِهَاتَيْنِ الأداتين محصورة كُلية
4 - أَقُول هَذِه وَالَّتِي قبلهَا من القضايا الَّتِي تسمى محرفة وَهِي مَا تَخْلُو عَن أدوات الِاتِّصَال أَو العناد
وَتَكون فِي قُوَّة الشرطيات
وَمَعْنَاهُ لَا يكون النَّهَار مَوْجُودا إِلَّا أَن تكون الشَّمْس طالعة(1/256)
5 - وَتقول أَيْضا لَا يكون هَذَا الْعدَد زوج المربع وَهُوَ فَرد
وَهَذَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ وَهَذَا وَفِي أُخْرَى هَذَا فِي قُوَّة قَوْلك إِمَّا أَن لَا يكون هَذَا الْعدَد زوج المربع وَإِمَّا أَن وَفِي نُسْخَة وَأَن لَا يكون فَردا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهِي من المتصلات فِي قُوَّة قَوْلنَا كلما كَانَ النَّهَار مَوْجُودا كَانَت الشَّمْس طالعة
وَمن المنفصلات فِي قُوَّة قَوْلنَا إِمَّا أَن لَا يكون النَّهَار مَوْجُودا وَإِمَّا أَن تكون الشَّمْس طالعة
قيل والأخير أقرب لِأَنَّهُ لَا يُغير أجزاءها
5 - وَهَذِه أَيْضا من المحرفات وكل زوج فَهُوَ زوج المربع أَي مربعه يكون زوجا
وَلَيْسَ كل مَا مربعه تزوج فَهُوَ زوج لِأَن كثيرا من الْمَقَادِير الصم كجذر الْعشْرَة مثلا تكون مربعاتها أَزْوَاجًا وَلَا تكون هِيَ أعدادا فضلا عَن أَن تكون أَزْوَاجًا
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْأَفْرَاد ومربعاتها فِي الْقَضِيَّة الْمَذْكُورَة فِي قُوَّة مُنْفَصِلَة مَانِعَة الْخُلُو هِيَ إِمَّا أَن لَا يكون زوج المربع
وَإِمَّا أَن لَا يكون فَردا
وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد لَا يكون زوج المربع وفردا مَعًا
وَقد يكون لَا هَذَا وَلَا ذَاك مَعًا
وَمِثَال آخر لَهُ لَا يكون زيد كَاتبا وَهُوَ سَاكن الْيَد فَإِنَّهُ فِي قُوَّة قَوْلنَا إِمَّا أَن لَا يكون كَاتبا وَإِمَّا أَن لَا يكون سَاكن الْيَد
أَي لَا يكون كَاتبا سَاكن الْيَد
وَيُمكن أَن يكون غير كَاتب وَهُوَ متحرك الْيَد كَمَا فِي حَالَة الرَّمْي مثلا(1/257)
الْفَصْل الْعَاشِر إِشَارَة إِلَى شُرُوط القضايا
1 - يجب أَن تراعي فِي الْحمل والاتصال والانفصال حَال الْإِضَافَة مثل أَنه إِذا قيل [ج] هُوَ وَالِد
فليراع لمن وَكَذَلِكَ الْوَقْت وَالْمَكَان وَالشّرط
مثل أَنه إِذا قيل كل متحرك متغير فليراع مَا دَامَ متحركا وَكَذَلِكَ ليراع حَال الْجُزْء وَالْكل وَفِي نُسْخَة الْكل والجزء وَحَال الْقُوَّة وَالْفِعْل فَإِنَّهُ إِذا قيل لَك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَك إِن الْخمر مُسكر وَفِي نُسْخَة مسكرة فليراع أَبَا لقُوَّة وَفِي نُسْخَة إِمَّا بِالْقُوَّةِ وَفِي أُخْرَى أَنه بِالْقُوَّةِ أم وَفِي نُسْخَة أَو بِالْفِعْلِ والجزء الْيَسِير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول يذكر فِي هَذَا الْفَصْل قوانين لَا يتَحَصَّل مَعَاني القضايا إِلَّا برعايتها ورعاية أَمْثَالهَا وَهِي سِتَّة
الأول حَال الْإِضَافَة وَقد ذكر مِثَاله
الثَّانِي حَال الْوَقْف كَمَا يُقَال الْقَمَر ينخسف فليراع فِي أَي الْأَوْقَات هُوَ فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِوَقْت توَسط الأَرْض بَينه وَبَين الشَّمْس
الثَّالِث حَال الْمَكَان كَمَا يُقَال السقمونيا مسهل الصَّفْرَاء فليراع فِي أَي مَكَان هُوَ فقد قيل إِنَّه لَا يعْمل فِي الصقلاب
الرَّابِع حَال الشَّرْط وَقد أورد مِثَاله وَهُوَ كل متحرك متغير
الْخَامِس حَال الْجُزْء وَالْكل
السَّادِس حَال الْقُوَّة وَالْفِعْل
فقد ذكر مثالهما(1/258)
أم وَفِي نُسْخَة أَو الْمبلغ الْكثير فَإِن إهمال هَذِه الْمعَانِي مِمَّا يُوقع غَلطا كثيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذِه الشُّرُوط قد تذكر فِي بَاب التَّنَاقُض مُضَافَة إِلَى شرطين آخَرين كَمَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى(1/259)
النهج الرَّابِع فِي مواد القضايا وجهاتها
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى مواد القضايا
1 - لَا يَخْلُو الْمَحْمُول فِي الْقَضِيَّة وَمَا يُشبههُ وَفِي نُسْخَة أَو مَا يُشبههُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - ذهب الْفَاضِل الشَّارِح إِلَى أَن مَا يشبه الْمَحْمُول فِي الْقَضِيَّة هُوَ التَّالِي لكَونه مَحْكُومًا بِهِ فِي الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة كالمحمول فِي الحملية
وَأَقُول مَا جرت الْعَادة باتصاف نِسْبَة التَّالِي إِلَى الْمُقدم ب الْوُجُوب والإمكان والامتناع وَإِن كَانَت لَا تَخْلُو فِي نفس الْأَمر مِنْهَا
وَلَيْسَ أَيْضا فِي اعْتِبَار هَذِه الْأُمُور فِيهَا على مَا يعْتَبر فِي الحمليات فَائِدَة يعْتد بهَا وَإِن كَانَ اللُّزُوم والاتفاق يشبهان الضَّرُورَة والإمكان من وَجه
وَلَيْسَ بِبَعِيد عَن الصَّوَاب أَن يُقَال مَا يشبه الْمَحْمُول هُوَ الْوَصْف الَّذِي يُوصف الْمَوْضُوع بِهِ وَيُوضَع الْمَوْضُوع مَعَه فَإِنَّهُ
يشبه الْمَحْمُول من حَيْثُ كَونه وَصفا للموضوع
ويفارقه بِأَن الْمَحْمُول وصف مَحْمُول عَلَيْهِ وَهُوَ وصف مَوْضُوع مَعَه
وَلذَلِك الْوَصْف نِسْبَة إِلَى الْمَوْضُوع كالمحمول بِعَيْنِه فِي أَنَّهَا لَا تَخْلُو من أَن تكون
إِمَّا وَاجِبَة
أَو مُمكنَة
أَو ممتنعة
وَلَا بُد للنَّاظِر فِي أَحْوَال الموجهات من مراعاتها فَإِن الإغفال عَنْهَا مِمَّا يَقْتَضِي الْفساد فِي أَبْوَاب الْعَكْس والقياسات الْمُخْتَلفَة كَمَا يَجِيء بَيَانه(1/260)
2 - سَوَاء كَانَت مُوجبَة أَو سالبة من أَن تكون نسبته إِلَى الْمَوْضُوع نِسْبَة ضَرُورِيّ وَفِي نُسْخَة الضَّرُورِيّ الْوُجُود فِي نفس الْأَمر مثل الْحَيَوَان فِي قَوْلنَا وَفِي نُسْخَة فِي قَوْلك الْإِنْسَان حَيَوَان أَو الْإِنْسَان لَيْسَ بحيوان وَفِي نُسْخَة أَو لَيْسَ بحيوان
أَو نِسْبَة مَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَفِي نُسْخَة بضروري لَا وجوده وَلَا عَدمه مثل الْكَاتِب فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان كَاتب أَو لَيْسَ بكاتب
أَو نِسْبَة ضَرُورِيّ الْعَدَم مثل الْحجر فِي قَوْلنَا الْإِنْسَان حجر الْإِنْسَان لَيْسَ بِحجر
فَجَمِيع مواد القضايا هِيَ هَذِه
مَادَّة وَاجِبَة
ومادة مُمكنَة
ومادة ممتنعة
3 - ونعني بالمادة هَذِه الْأَحْوَال الثَّلَاث الَّتِي تصدق عَلَيْهَا فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَالسَّلب هَذِه الْأَلْفَاظ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة لَو صرح بهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع غير نِسْبَة الْمَوْضُوع إِلَيْهِ
وَالْأولَى هِيَ الْمُتَعَلّقَة بالحكم دون الثَّانِيَة وَلذَلِك اخْتصّت بِالنّظرِ فِيهَا
2 - أَقُول يُشِير إِلَى الْأَحْوَال الثَّلَاثَة الْمُسَمَّاة ب الْوُجُوب والإمكان والامتناع وَهُوَ ظَاهر
3 - يَقُول ونعني بالمادة مثلا الْحَالة للحيوان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَان فِي نفس الْأَمر الَّتِي يصدق عَلَيْهَا لفظ الْوُجُوب سَوَاء نقُول الْإِنْسَان حَيَوَان أَو نقُول الْإِنْسَان لَيْسَ بحيوان
فَإنَّا نعلم يَقِينا أَن تِلْكَ النِّسْبَة لَا تَتَغَيَّر بِهَذَا الْإِيجَاب وَالسَّلب وَهِي الَّتِي يعبر عَنْهَا(1/261)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِالْوُجُوب فِي الْحَالَتَيْنِ لَو صرحنا بهَا
وَالْوَجْه فِيهِ أَن الْوُجُوب يصدق على قَوْلنَا الْإِنْسَان حَيَوَان حَال الْإِيجَاب فَإِنَّهُ حَالَة السَّلب يصير امتناعا
وَكَذَلِكَ الِامْتِنَاع حَالَة السَّلب يصير وجوبا
فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ تصدق عَلَيْهَا حَالَة الْإِيجَاب دون السَّلب
وَاعْلَم أَن الْمَادَّة غير الْجِهَة
وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمَادَّة هِيَ تِلْكَ النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر
والجهة هِيَ مَا يفهم وَيتَصَوَّر عِنْد النّظر فِي تِلْكَ الْقَضِيَّة من نِسْبَة محمولها إِلَى موضوعها سَوَاء تلفظ بهَا أَو لم يتَلَفَّظ وَسَوَاء طابقت الْمَادَّة أَو لم تطابق
وَذَلِكَ لأَنا إِذا وجدنَا قَضِيَّة هِيَ مثلا كل (ج) لَا يمْتَنع أَن يكون (ب) فَإنَّا نفهم ونتصور مِنْهُ أَن نِسْبَة (ب) إِلَى (ج) هِيَ النِّسْبَة الْمُسَمَّاة بالإمكان الْعَام المتناول للْوُجُوب والإمكان الْحَقِيقِيّ على مَا يَجِيء ذكره
وَلَيْسَت تِلْكَ النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر شَيْئا متناولا للْوُجُوب والإمكان بل هِيَ أَحدهمَا بِالضَّرُورَةِ
فَإِذن ظهر الْفرق بَين تِلْكَ النِّسْبَة فِي نفس الْأَمر الَّتِي هِيَ الْمَادَّة وَبَين مَا يفهم وَيتَصَوَّر مِنْهَا بِحَسب مَا تعطيه الْعبارَة من الْقَضِيَّة الَّتِي هِيَ الْجِهَة(1/262)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى جِهَات القضايا وَالْفرق بَين الْمُطلقَة والضرورية وَفِي نُسْخَة الضرورية والمطلقة
1 - كل قَضِيَّة فإمَّا وَفِي نُسْخَة فَهِيَ إِمَّا مُطلقَة عَامَّة الْإِطْلَاق هِيَ الَّتِي بَين فِيهَا حكم من غير بَيَان ضَرُورَته أَو دَوَامه وَفِي نُسْخَة ودوامه أَو غير ذَلِك من كَونه حينا من الأحيان أَو على سَبِيل وَفِي نُسْخَة على سَبِيل الْإِمْكَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْإِطْلَاق فِي الْقَضِيَّة يُقَابل التَّوْجِيه تقَابل الْعَدَم والملكة وَقد تعد الْمُطلقَة فِي الموجهات كَمَا تعد السالبة فِي الحمليات
ف الْمُطلقَة هِيَ الَّتِي يبين فِيهَا حكم إيجابي أَو سَلبِي فَقَط من غير بَيَان شَيْء آخر من ضَرُورَة أَو دوَام أَو مَا يقابلهما
والإمكان يُقَابل الضَّرُورَة
والكون فِي بعض الْأَوْقَات يُقَابل الدَّوَام إِذا اعْتبر التَّوْقِيت
فالقسمة بِاعْتِبَار الضَّرُورَة هِيَ
ضَرُورَة الْإِيجَاب
وضرورة السَّلب
وَلَا ضرورتهما
وَبِاعْتِبَار الدَّوَام
دوَام الْإِيجَاب
ودوام السَّلب
وَلَا دوامهما(1/263)
2 - وَإِمَّا أَن يكون قد بَين فِيهَا شَيْء من ذَلِك إِمَّا ضَرُورَة وَإِمَّا دوَام من غير ضَرُورَة وَإِمَّا وجود من غير دوَام أَو ضَرُورَة وَفِي نُسْخَة وضرورة بدل أَو ضَرُورَة
3 - والضرورة قد تكون على الْإِطْلَاق كَقَوْلِنَا الله تَعَالَى مَوْجُود
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة كَقَوْلِنَا الله تَعَالَى مَوْجُود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالدوام والضرورة يشملان الأول وَالثَّانِي من الْأَقْسَام لِأَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فيهمَا ويفترقان بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب
وَيبقى الثَّالِث مُقَابلَة لَهما
وَقَول الشَّيْخ الْمُطلقَة الْعَامَّة هِيَ الَّتِي بَين فِيهَا حكم من غير بَيَان ضَرُورَة أَو إِمْكَان أَو دوَام أَو لَا دوَام يُوهم أَنَّهَا تعم الْأَرْبَعَة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهَا من حَيْثُ بَين فِيهَا حكم إِنَّمَا يتَنَاوَل مَا يكون مُشْتَمِلًا على حكم قد حصل بِالْفِعْلِ وَلَا يتَنَاوَل على مَا يكون مُشْتَمِلًا على حكم لم يحصل إِلَّا بِالْقُوَّةِ
فَهِيَ لَا تعم الممكنة من حَيْثُ هِيَ مُمكنَة
وَإِنَّمَا ذكر الشَّيْخ هَهُنَا جَمِيع الْأَقْسَام لِأَنَّهَا تقَابل الْمُطلقَة من حَيْثُ الِاعْتِبَار وَإِن لم يدْخل جَمِيعهَا تحتهَا من حَيْثُ الْعُمُوم
2 - أَقُول هَذِه هِيَ الْأُمُور الَّتِي يُمكن أَن تقيد بهَا الْقَضِيَّة الَّتِي بَين فِيهَا حكم
والمطلقة الْعَامَّة إِنَّمَا تتناولها جَمِيعًا من حَيْثُ الْعُمُوم
وَلم يذكر الْإِمْكَان مَعهَا لِأَنَّهُ يُنَافِي مَا بَين الحكم فِيهَا حَاصِلا بِالْفِعْلِ
فَهُوَ مُغَاير للإطلاق من حَيْثُ الْعُمُوم وَالِاعْتِبَار جَمِيعًا
والضرورة أخص من الدَّوَام لِأَن كل ضَرُورِيّ دَائِم مَا دَامَت الضَّرُورَة حَاصِلَة
وَلَا ينعكس إِذْ من الْمُحْتَمل أَن يَدُوم شَيْء اتِّفَاقًا من غير ضَرُورَة فَلذَلِك لما ذكر الضَّرُورَة ذكر بعْدهَا الدَّوَام وَقَيده باللاضرورة لِئَلَّا يتَكَرَّر الضَّرُورِيّ
وَسمي الْخَالِي عَنْهُمَا بالوجود فَإِنَّهُ لَا يبْقى بعدهمَا إِلَّا الْوُجُود فَقَط
وَالْقِسْمَة حاصرة لِأَن الْحَاصِل إِمَّا ضَرُورِيّ أَو غير ضَرُورِيّ
وَغير الضَّرُورِيّ إِمَّا دَائِم أَو غير دَائِم
3 - أَقُول لما فرغ من بَيَان الْإِطْلَاق وَمَا يُقَابله شرع فِي بَيَان أَقسَام الضَّرُورَة فَقَسمهَا(1/264)
وَقد تكون معلقَة بِشَرْط
وَالشّرط إِمَّا دوَام وجود الذَّات مثل قَوْلنَا وَفِي نُسْخَة قَوْلك الْإِنْسَان بِالضَّرُورَةِ جسم نَاطِق ولسنا نعني وَفِي نُسْخَة فَإنَّا لَا نعني بِهِ أَن الْإِنْسَان لم يزل وَلَا يزَال جسما ناطقا فَإِن هَذَا كَاذِب على كل شخص إنساني
بل نعني بِهِ أَنه مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات إنْسَانا فَهُوَ جسم نَاطِق
وَكَذَلِكَ الْحَال فِي كل سلب يشبه هَذَا الْإِيجَاب
وَأما دوَام كَون الْمَوْضُوع مَوْصُوفا بِمَا وضع مَعَه مثل قَوْلنَا كل متحرك متغير فَلَيْسَ وَفِي نُسْخَة وَلَيْسَ مَعْنَاهُ على الْإِطْلَاق لَا مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات بل مَا دَامَ ذَات المتحرك متحركا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِلَى ضَرُورَة مُطلقَة
ومشروطة
والمطلقة هِيَ الَّتِي يكون الحكم فِيهَا لم يزل وَلَا يزَال من غير اسْتثِْنَاء وَشرط
وَإِنَّمَا فسر الضَّرُورَة بالدوام لكَونه من لوازمها كَمَا مر
ثمَّ قسم الْمَشْرُوطَة إِلَى مَا يكون الحكم فِيهَا مَشْرُوطًا
إِمَّا بدوام وجود ذَات الْمَوْضُوع
وَإِمَّا بدوام وجود صفته الَّتِي وضعت مَعَه
وَإِمَّا بدوام كَون الْمَحْمُول مَحْمُولا
وَهَذِه الثَّلَاثَة هِيَ الْمَشْرُوطَة بِمَا تشْتَمل عَلَيْهِ الْقَضِيَّة
وَإِمَّا بِحَسب وَقت معِين
وَإِمَّا بِحَسب وَقت غير معِين
وَهَذَانِ مشروطان بِمَا يخرج عَن الْقَضِيَّة
فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالشّرط إِمَّا دَاخل فِي الْقَضِيَّة
وَإِمَّا خَارج عَنْهَا
والداخل إِمَّا مُتَعَلق بالموضوع
أَو مُتَعَلق بالمحمول
والمتعلق بالموضوع إِمَّا(1/265)
وَفرق بَين هَذَا الشَّرْط وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الشَّرْط وَبَين الشَّرْط الأول لِأَن الشَّرْط الأول وضع فِيهِ أصل الذَّات وَهُوَ الْإِنْسَان وَهَهُنَا وضع فِيهِ الذَّات بِصفة تلْحق الذَّات وَهُوَ المتحرك فَإِن المتحرك لَهُ ذَات وجوهر يلْحقهُ أَنه متحرك وَغير متحرك وَفِي نُسْخَة غير متحرك وَفِي أُخْرَى غير المتحرك وَلَيْسَ الْإِنْسَان والسواد كَذَلِك
أَو شَرط مَحْمُول أَو وَقت معِين كَمَا للكسوف أَو غير معِين كَمَا للتنفس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَاته
أَو صفته الْمَوْضُوعَة مَعَه
والمتعلق بالمحمول وَاحِد لِأَنَّهُ أَيْضا وصف وَلَيْسَ لَهُ ذَات تبَاين ذَات الْمَوْضُوع
وَالْخَارِج إِمَّا بِحَسب وَقت بِعَيْنِه وَفِي نُسْخَة معِين بدل بِعَيْنِه أَو لَا بِعَيْنِه
فَجَمِيع أَقسَام الضَّرُورَة سِتَّة
وَاحِدَة مُطلقَة
وَخَمْسَة مَشْرُوطَة
وَاعْتِبَار هَذِه الْأَقْسَام فِي جَانِبي الْإِيجَاب وَالسَّلب وَاحِد غير مُخْتَلف إِلَّا فِي شَرط الْمَحْمُول
فَإنَّك إِذا قلت زيد لَيْسَ بكاتب مَا دَامَ كَاتبا لم يَصح بل إِنَّمَا يَصح إِذا قلت مَا دَامَ لَيْسَ بكاتب
وَحِينَئِذٍ صيرت وَفِي نُسْخَة يصير فِيهِ السَّلب جُزْءا من الْمَحْمُول فَكَانَت الْقَضِيَّة مُوجبَة لَا سالبة
وألفاظ الْكتاب ظَاهِرَة
والموضوع قد يتعرى عَن الْوَصْف كالإنسان وَقد يقارنه كالمتحرك
والمحمول الَّذِي يحمل بِشَرْط الْوَصْف ضَرُورَة يحْتَمل أَن يكون ضَرُورِيًّا أَيْضا
مَا دَامَ الذَّات مَوْجُودَة
وَيحْتَمل أَن لَا يكون ضَرُورِيًّا فِي بعض أوقاته
وَالْأول دَاخل تَحت الْمَشْرُوطَة بِحَسب الذَّات فَلَا فَائِدَة فِي أَفْرَاده وَفِي نُسْخَة فِي إِيرَاده قسما
فالمشروطة بِالْوَصْفِ مُطلقًا تَشْمَل الضَّرُورِيّ بِشَرْط الذَّات(1/266)
4 - والضرورة بِالشّرطِ الأول وَإِن كَانَ بِالِاعْتِبَارِ وَفِي نُسْخَة وَإِن كَانَا لاعْتِبَار غير الضَّرُورَة الْمُطلقَة الَّتِي لَا يلْتَفت فِيهَا إِلَى شَرط فقد تشتركان أَيْضا فِي معنى اشْتِرَاك الْأَعَمّ والأخص وَفِي نُسْخَة الْأَخَص والأعم أَو اشْتِرَاك أخصين تَحت أَعم إِذا اشْترط فِي الْمَشْرُوطَة أَن لَا يكون للذات وجود دَائِما
وَمَا لَا تشتركان وَفِي نُسْخَة وَمَا تشتركان فِيهِ هُوَ المُرَاد من وَفِي نُسْخَة فِي قَوْلهم قَضِيَّة ضَرُورِيَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِن قيد باللاضرورية الذاتية اخْتصَّ بالقسم الثَّانِي وَحده وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا بالمشروطة بِحَسب الْوَصْف
والضرورة بِشَرْط الْمَحْمُول لَا يَخْلُو عَنْهَا قَضِيَّة فعلية أَيْضا فَإنَّك إِذا قلت (ج) (ب) فَإِنَّهُ يكون بِالضَّرُورَةِ (ب) حَال كَونه (ب) وَهِي ضَرُورَة مُتَأَخِّرَة عَن الْوُجُود لاحقة بِهِ
وَسَائِر الضروريات مُتَقَدّمَة على الْوُجُود مُوجبَة إِيَّاه
وَاسم الضَّرُورَة يَقع عَلَيْهَا لَا بالتساوي
والفائدة فِي اعْتِبَار هَذِه الضَّرُورَة أَن يعلم أَن الْقَضِيَّة لَا تكون خَالِيَة عَن سَائِر الضرورات مَعَ كَونهَا فعلية
4 - الضَّرُورَة بِالشّرطِ الأول أَعنِي بِشَرْط وجود الذَّات تقع
على مَا يكون للذات وجود دَائِما
وعَلى مَا لَا يكون للذات وجود دَائِما
وَالْأول يُسَاوِي الضَّرُورَة الْمُطلقَة فِي الدّلَالَة وَإِن كَانَ مغايرا لَهَا بِالِاعْتِبَارِ فَإِن الْمَشْرُوطَة بِأَيّ شَرط كَانَ تغاير الْمُطلقَة بِالِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا يتساويان لِأَن الحكم فِيهَا حَاصِل لم يزل وَلَا يزَال
وَالثَّانِي مباين لَهَا بِحَسب الدّلَالَة وَالِاعْتِبَار جَمِيعًا
ثمَّ الْمَشْرُوطَة بِالشّرطِ الأول إِن لم تقيد بِلَا دوَام الذَّات بل تركت كَمَا هِيَ متناولة لقسميها دخلت الْمُطلقَة تحتهَا فهما يَشْتَرِكَانِ فِي معنى اشْتِرَاك الْأَعَمّ والأخص وَذَلِكَ(1/267)
5 - وَأما سَائِر مَا فِيهِ شَرط الضَّرُورَة وَالَّذِي هُوَ دَائِم من غير ضَرُورَة فَهُوَ أَصْنَاف الْمُطلق غير وَفِي نُسْخَة الْغَيْر الضَّرُورِيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَعْنى هُوَ ثُبُوت الحكم فِي جَمِيع أَوْقَات وجود الذَّات
فالأخص هُوَ الْمُطلقَة الَّتِي تدوم ذَاتهَا
والأعم هُوَ الْمَشْرُوطَة الْمَذْكُورَة المحتملة لدوام الذَّات وَلَا دوامها
فَإِن قيدت بِلَا دوَام الذَّات كَانَت هِيَ والمطلقة تشتركان فِي معنى ثَالِث غَيرهمَا أَعم مِنْهَا اشْتِرَاك أخصين تَحت أَعم
وَالْمعْنَى الْمُشْتَرك فِيهِ الَّذِي هُوَ أَعم مِنْهُمَا هُوَ الْمَشْرُوطَة المحتملة لدوام الذَّات وَلَا دوامها
وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا اشْترط فِي الْمَشْرُوطَة أَلا يكون للذات وجود دَائِما
وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ جَمِيعًا فَمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ أَعنِي الضَّرُورَة بِحَسب الذَّات مُطلقًا هُوَ المُرَاد من قَوْلهم قَضِيَّة ضَرُورِيَّة وَهِي الَّتِي تقَابل الْإِمْكَان الذاتي
وَيُوجد فِي بعض النّسخ بدل قَوْله إِذا اشْترط فِي الْمَشْرُوطَة إِذا لم يشْتَرط فِي الْمَشْرُوطَة
وعَلى هَذَا التَّقْدِير يصير قَوْله ذَلِك بَيَانا للأعم الَّذِي ينْدَرج فِيهِ الْأَخَص والأخصان تَارَة أُخْرَى
5 - أَقُول يَعْنِي الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة من الضروريات
وَهِي الْمَشْرُوطَة بِشَرْط وصف الْمَوْضُوع على الْوَجْه الَّذِي لَا يَشْمَل الضَّرُورِيّ الذاتي
وبشرط الْمَحْمُول
وبشرط الْوَقْت الْمعِين
وبشرط الْوَقْت الْغَيْر الْمعِين
فَهِيَ مَعَ الدَّائِم غير وَفِي نُسْخَة الْغَيْر الضَّرُورِيّ أَقسَام الْمُطلق الْغَيْر الضَّرُورِيّ وَظَاهر أَن هَذِه الضروريات لَا يَشْمَل الدَّوَام الْمُطلق الَّذِي يكون بِحَسب الذَّات لكَون ذَلِك الدَّوَام شَامِلًا للضروري الذاتي
فالمطلق الْغَيْر الضَّرُورِيّ مَا فِيهِ
إِمَّا ضَرُورَة من غير دوَام(1/268)
6 - وَأما الْمِثَال الَّذِي هُوَ دَائِم غير ضَرُورِيّ فَمثل أَن يتَّفق لشخص من الْأَشْخَاص إِيجَاب عَلَيْهِ أَو سلب عَنهُ صَحبه مَا دَامَ مَوْجُودا وَلم تكن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تكن تجب تِلْكَ الصُّحْبَة كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو دوَام من غير ضَرُورَة
وَهَذَا الْمُطلق أخص من الْمُطلق الْعَام بالضروري الذاتي
وَإِنَّمَا سميت هَذِه أَيْضا مُطلقَة لِأَنَّهُ قد ذكر فِي التَّعْلِيم الأول أَن القضايا
إِمَّا مُطلقَة
أَو ضَرُورِيَّة
أَو مُمكنَة
وَهَذِه الْقِسْمَة قد تمكن على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن يُقَال الْقَضِيَّة
إِمَّا مُطلقَة
وَإِمَّا موجهة
والموجهة
إِمَّا ضَرُورِيَّة
وَإِمَّا مُمكنَة عَامَّة
وعَلى هَذَا الْوَجْه تكون الْمُطلقَة هِيَ الْعَامَّة
وَالثَّانِي أَن يُقَال الْقَضِيَّة
إِمَّا أَن يكون الحكم فِيهَا
بِالْفِعْلِ
أَو بِالْقُوَّةِ وَهِي الْإِمْكَان
وَمَا بِالْفِعْلِ يكون
إِمَّا بِالضَّرُورَةِ
أَو بالوجود الْخَالِي عَنْهَا
وَتَكون الْمُطلقَة بِهَذِهِ الْقِسْمَة هِيَ الوجودية من غير ضَرُورَة
وأمثله المطلقات فِي التَّعْلِيم الأول كَانَت مُنَاسبَة لكل وَاحِد من الاعتبارين فلأجل هذَيْن الِاحْتِمَالَيْنِ اخْتلف أَصْحَاب الْمعلم الأول بعده فِي الْقَضِيَّة الْمُطلقَة ف ثاوفريطس وثامسطيوس وَمن تبعهما حملوها على الْعَامَّة الشاملة للضرورية
والإسكندر الأفروديسي وَمن تبعه حملوها على الْخَاصَّة الخالية عَنْهَا
6 - أَقُول الْجُمْهُور من المنطقيين لَا يفرقون بَين
الضَّرُورِيّ
والدائم
لِأَن كل دَائِم كلي فَهُوَ ضَرُورِيّ فَإِن مَا لَا ضَرُورَة فِيهِ وَإِن اتّفق وُقُوعه فَهُوَ(1/269)
أَنه قد يصدق وَفِي نُسْخَة كَمَا أَنَّك قد تصدق أَن وَفِي نُسْخَة أَنه بعض النَّاس أَبيض الْبشرَة مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات وَإِن كَانَ لَيْسَ بضروري
7 - وَمن ظن أَنه لَا يُوجد فِي الكليات حمل غير ضَرُورِيّ فقد أَخطَأ فَإِنَّهُ جَائِز أَن يكون فِي الكليات مَا يلْزم كل شخص مِنْهَا إِن كَانَ وَفِي نُسْخَة كَانَت لَهَا أشخاص كَثِيرَة إِيجَابا أَو سلبا
وقتا مَا وَفِي نُسْخَة فِي وَقت بِعَيْنِه مثل مَا للكواكب من الشروق والغروب وللنيرين مثل الْكُسُوف
أَو وقتا غير معِين مثل مَا يكون لكل إِنْسَان مَوْلُود من التنفس أَو مَا يجْرِي مجْرَاه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا يُمكن أَن يَدُوم متناولا لجَمِيع الْأَشْخَاص الَّتِي وجدت وَالَّتِي ستوجد مِمَّا يُمكن أَن يُوجد
وَقد بَينا أَن كل ضَرُورِيّ فَهُوَ دَائِم فالضروري والدائم متساويان فِي الكليات
وَأما فِي الجزئيات فقد يَخْتَلِفَانِ كَمَا تمثل بِهِ الشَّيْخ فِي الْإِنْسَان الَّذِي يتَّفق أَن تكون بَشرته أَبيض كَذَا فِي الأَصْل ولعلها بَيْضَاء من غير ضَرُورَة
والدائم فِيهَا يعم الضَّرُورِيّ وَغَيره
والعلوم إِنَّمَا تبحث عَن الكليات دون الجزئيات فَلذَلِك لم يفرقُوا بَينهمَا إِذْ لَا حَاجَة إِلَى الْفرق
وَالشَّيْخ قد فرق بَينهمَا لِأَن النّظر فِي الْموَاد لَا يتَعَلَّق بالْمَنْطق فالمنطقي من حَيْثُ هُوَ منطقي يلْزمه اعْتِبَار كل وَاحِد مِنْهُمَا من حَيْثُ مَعْنَاهُمَا المختلفان سَوَاء تَسَاويا فِي موضوعاتها أَو لم يتساويا
7 - أَقُول هَؤُلَاءِ لما ظهر لَهُم أَن الحكم الاتفاقي الْخَالِي عَن الضَّرُورَة لَا يكون كليا حكمُوا بِأَن كل حكم كلي فَهُوَ ضَرُورِيّ وَلم يفرقُوا بَين الضَّرُورِيّ الذاتي وَغَيره وظنوه ضَرُورِيًّا ذاتيا
وَالشَّيْخ رد عَلَيْهِم بالوقتين فَإِنَّهُمَا ليستا بضروريتين إِلَّا فِي وَقت(1/270)
8 - والقضايا الَّتِي فِيهَا ضَرُورَة بِشَرْط غير الذَّات فقد تخص باسم الْمُطلقَة وَقد تخص باسم الوجودية كَمَا خصصناها بِهِ وَإِن كَانَ لَا تشاح فِي الْأَسْمَاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8 - أَقُول هَذِه هِيَ الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة
وَهَهُنَا لم يذكر الدائمة غير الضرورية مَعهَا وَقد سَمَّاهَا هَهُنَا الوجودية لِأَنَّهَا تشْتَمل على وجود من غير ضَرُورَة ودوام
فالمطلقة الْخَاصَّة إِذا اشْتَمَلت على الدائمة غير الضرورية تكون أَعم مِنْهَا إِذا لم تشْتَمل عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي أَن لَا تغفل عَن هَذَا الِاعْتِبَار(1/271)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى جِهَة الْإِمْكَان
1 - الْإِمْكَان إِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مَا يلازم سلب ضَرُورَة الْعَدَم وَهُوَ الِامْتِنَاع على مَا هُوَ مَوْضُوع لَهُ فِي الْوَضع الأول
وَهُنَاكَ مَا لَيْسَ بممكن وَفِي نُسْخَة بالممكن فَهُوَ مُمْتَنع
وَالْوَاجِب مَحْمُول عَلَيْهِ هَذَا الْإِمْكَان
وَإِمَّا أَن يَعْنِي بِهِ مَا يلازم سلب الضَّرُورَة فِي الْعَدَم والوجود جَمِيعًا على مَا هُوَ مَوْضُوع لَهُ بِحَسب النَّقْل الْخَاص وَفِي نُسْخَة الخاصي حَتَّى يكون الشَّيْء يصدق عَلَيْهِ الْإِمْكَان الأول فِي نَفْيه وإثباته جَمِيعًا حَتَّى يكون مُمكنا أَن يكون وممكنا أَن لَا يكون أَي غير مُمْتَنع أَن يكون وَغير مُمْتَنع أَن لَا يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْإِمْكَان وضع أَولا بِإِزَاءِ سلب الِامْتِنَاع فالممكن بذلك الْمَعْنى يكون وَاقعا على الْوَاجِب وعَلى مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مُمْتَنع
وَلَا يَقع على الْمُمْتَنع الَّذِي يُقَابله
وَذَلِكَ إِذا اعْتبر مَعْنَاهُ فِي جَانب الْإِيجَاب
ثمَّ يلْزم إِذا اعْتبر فِي جَانب السَّلب أَن يَقع أَيْضا على الْمُمْتَنع وعَلى مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مُمْتَنع ويخلي عَن الْوَاجِب فَيصير حِينَئِذٍ الْإِمْكَان مُقَابلا لكل وَاحِد من ضرورتي الْجَانِبَيْنِ
وَلما لزم وُقُوعه على مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مُمْتَنع فِي حالتيه نقل اسْمه إِلَيْهِ فَكَانَ
الأول إمكانا عَاما أَو عاميا مَنْسُوبا إِلَى الْعَامَّة
وَالثَّانِي خَاصّا أَو خاصيا
وَكَانَ هَذَا الْإِمْكَان مُقَابلا للضرورتين جَمِيعًا(1/272)
فَلَمَّا كَانَ وَفِي نُسْخَة صَار الْإِمْكَان بِالْمَعْنَى الأول يصدق وَفِي نُسْخَة صدق فِي جانبيه جَمِيعًا خصّه الْخَاص باسم الْإِمْكَان فَصَارَ الْوَاجِب لَا يدْخل فِيهِ
وَصَارَت الْأَشْيَاء بِحَسبِهِ
إِمَّا مُمكنَة
وَإِمَّا وَاجِبَة
وَإِمَّا ممتنعة
وَكَانَت بِحَسب الْمَفْهُوم الأول
إِمَّا مُمكنَة وَإِمَّا ممتنعة
فَيكون غير الْمُمكن بِحَسب هَذَا الْمَفْهُوم أَي الثَّانِي الْخَاص بِمَعْنى غير مَا لَيْسَ بضروري
فَيكون الْوَاجِب لَيْسَ بممكن بِهَذَا الْمَعْنى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالإمكان نَفسه لَيْسَ هُوَ نفس سلب الضَّرُورَة بل معنى يلازمه وَذَلِكَ لتغاير مفهوميهما
وَأما الِاعْتِرَاض على الشَّيْخ بِأَنَّهُ قَالَ فِي الْإِمْكَان الأول إِنَّه مَا يلازم سلب ضَرُورَة الْعَدَم وَهُوَ الِامْتِنَاع وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول مَا يلازم سلب ضَرُورَة أحد الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ بمتوجه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنى بِهِ الْمَعْنى الَّذِي وضع الْإِمْكَان أَولا بإزائه لَا الْمَعْنى الَّذِي يَقع الْمُمكن عَلَيْهِ فِي جَمِيع تصاريفه بعد ذَلِك الْوَضع
وَأَيْضًا الْإِمْكَان معنى من شَأْنه أَن يدْخل
إِمَّا على الْإِيجَاب
وَإِمَّا على السَّلب
فَمَعْنَاه من حَيْثُ وَحده مَا يلازم سلب الِامْتِنَاع
ثمَّ ذَلِك الْمَعْنى إِن دخل على الْإِيجَاب صَار الْمُمكن أَن يكون غير مُمْتَنع أَن يكون وقابل ضَرُورَة السَّلب
وَإِن دخل على السَّلب صَار الْمُمكن أَن لَا يكون غير مُمْتَنع أَن لَا يكون قَابل ضَرُورَة الْإِيجَاب
فكونه ملازما لسلب ضَرُورَة أحد الْجَانِبَيْنِ بِحَسب مَا ينضاف إِلَيْهِ من الْإِيجَاب وَالسَّلب وَأما هُوَ قبل الانضياف فبإزاء سلب الِامْتِنَاع فَقَط(1/273)
2 - وَهَذَا الْمُمكن يدْخل فِيهِ الْمَوْجُود الَّذِي لَا دوَام ضَرُورَة لوُجُوده وَإِن كَانَ لَهُ ضَرُورَة فِي وَقت وَفِي نُسْخَة فِي وَقت مَا وَفِي أُخْرَى فِي بعض الْأَوْقَات كالكسوف
3 - وَقد يُقَال مُمكن وَيفهم مِنْهُ معنى ثَالِث وَكَأَنَّهُ وَفِي نُسْخَة فَكَأَنَّهُ أخص من الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين
وَهُوَ أَن يكون غير ضَرُورِيّ أَلْبَتَّة
وَلَا فِي وَقت كالكسوف
وَلَا فِي حَال كالتغير للمتحرك بل يكون مثل الْكِتَابَة للْإنْسَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - يُرِيد أَن الْإِمْكَان الْخَاص لما كَانَ بِإِزَاءِ سلب الضَّرُورَة الذاتية عَن الْجَانِبَيْنِ كَانَ وَاقعا على سَائِر الضرورات الْمَشْرُوطَة
3 - أَقُول هَذَا معنى ثَالِث للإمكان وَإِنَّمَا كثرت وُجُوه اسْتِعْمَاله لتكثر وُجُوه اسْتِعْمَال مَا يُقَابله أَعنِي الضَّرُورَة
فَهَذَا الْإِمْكَان مَا يُقَابل جَمِيع الضرورات الذاتية والوصفية والوقتية وَهُوَ أَحَق بِهَذَا الِاسْم من الْمَذْكُورين من قبله لِأَن الْمُمكن بِهَذَا الْمَعْنى أقرب إِلَى حاق الْوسط بَين طرفِي الْإِيجَاب وَالسَّلب
وَقد يمثل فِيهِ بِالْكِتَابَةِ للْإنْسَان لِأَن الطبيعة الإنسانية مُتَسَاوِيَة النِّسْبَة إِلَى وجود الْكِتَابَة أَو لَا وجودهَا
والضرورة بِشَرْط الْمَحْمُول وَإِن كَانَت مُقَابلَة لهَذَا الْإِمْكَان بِالِاعْتِبَارِ فَرُبمَا تشاركه فِي الْمَادَّة لَكِنَّهَا تُوصَف بِتِلْكَ الضَّرُورَة من حَيْثُ الْوُجُود وتوصف بالإمكان من حَيْثُ الْمَاهِيّة لَا الْوُجُود
وَإِنَّمَا قَالَ فَكَأَنَّهُ أخص من الْوَجْهَيْنِ وَلم يقل فَهُوَ أخص من الْوَجْهَيْنِ لِأَن الْأَخَص والأعم هما اللَّذَان يدلان على معنى وَاحِد ويختلفان بِأَن أَحدهمَا أقل تناولا من الآخر
أما إِذا دلّ أَحدهمَا على بعض مَا يدل عَلَيْهِ الآخر باشتراك اللَّفْظ فَإِنَّهُ لَا يُقَال إِنَّه أخص من الآخر إِلَّا بالمجاز وَذَلِكَ كَمَا يُسمى وَاحِد من السودَان مثلا بالأسود
فَلَا يُقَال إِن الْأسود يَقع عَلَيْهِ وعَلى صفته بالخصوص والعموم(1/274)
4 - فَحِينَئِذٍ تكون وَفِي نُسْخَة فَتكون حِينَئِذٍ الاعتبارات أَرْبَعَة وَاجِب وممتنع وموجود لَهُ ضَرُورَة مَا وَشَيْء لَا ضَرُورَة لَهُ أَلْبَتَّة
5 - وَقد يُقَال مُمكن وَيفهم مِنْهُ آخر وَهُوَ أَن يكون الِالْتِفَات فِي الِاعْتِبَار لَيْسَ لما يُوصف بِهِ الشَّيْء فِي حَال من أَحْوَال الْوُجُود من إِيجَاب أَو سلب بل بِحَسب الِالْتِفَات إِلَى حَاله فِي الِاسْتِقْبَال فَإِذا كَانَ ذَلِك الْمَعْنى غير ضَرُورِيّ الْوُجُود وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة من إِيجَاب أَو سلب بل بِحَسب الِالْتِفَات إِلَى حَاله فِي الِاسْتِقْبَال فَإِذا كَانَ ذَلِك الْمَعْنى غير ضَرُورِيّ الْوُجُود أَو الْعَدَم فِي أَي وَقت فرض لَهُ فِي الْمُسْتَقْبل فَهُوَ مُمكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والممكن هَهُنَا يَقع على الْمعَانِي الْمَذْكُورَة بل على الْأَخير بِجَمِيعِ الْمعَانِي بالاشتراك فَلذَلِك قَالَ فَكَأَنَّهُ أخص
4 - إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يَقُول الاعتبارات خمس لِأَن مَاله ضَرُورَة مَا فِي جَانب الْعَدَم أَيْضا قسم مُحْتَمل بِإِزَاءِ مَا لَهُ ضَرُورَة مَا فِي الْوُجُود
وَالْقِسْمَة لَا تصير حاصرة بِدُونِهِ فَإِن جَازَ طيهما تَحت قسم وَاحِد وَهُوَ الْمَوْجُود لَهُ ضَرُورَة مَا فَيَنْبَغِي أَن يطوي الْوَاجِب والممتنع أَيْضا تَحت قسم وَاحِد هُوَ الضَّرُورِيّ مُطلقًا لتَكون الْأَقْسَام متناسبة
وَلَعَلَّ الشَّيْخ قد طواهما تَحت قسم وَاحِد لجَوَاز تشاركهما فِي الْموَاد وَلم يطو الْوَاجِب والممتنع لِامْتِنَاع تشاركهما
5 - وَهَذَا معنى رَابِع للإمكان وَهُوَ الْإِمْكَان الاستقبالي وَإِنَّمَا اعْتَبرهُ من اعْتَبرهُ لكَون مَا نسب إِلَى الْمَاضِي وَالْحَال من الْأُمُور الممكنة إِمَّا مَوْجُودا وَإِمَّا مَعْدُوما فَيكون إِنَّمَا سَاقهَا من حاق الْوسط إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ ضَرُورَة مَا
وَالْبَاقِي على الْإِمْكَان الصّرْف فَلَا يكون إِلَّا مَا ينْسب إِلَى الِاسْتِقْبَال من الممكنات الَّتِي لَا يعرف حَالهَا أتكون مَوْجُودَة إِذا حَان وَقتهَا أم لَا تكون(1/275)
6 - وَمن يشْتَرط فِي هَذَا أَن يكون مَعْدُوما فِي الْحَال فَإِنَّهُ يشْتَرط وَفِي نُسْخَة فَيشْتَرط مَا لَا يَنْبَغِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يحْسب وَفِي نُسْخَة بِحَسب أَنه إِذا جعله مَوْجُودا فقد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فقد أخرجه إِلَى ضَرُورَة الْوُجُود وَلَا يعلم أَنه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَنه إِذا لم يَجعله مَوْجُودا بل فَرْضه مَعْدُوما فقد أخرجه إِلَى ضَرُورَة الْعَدَم فَإِن لم يضر هَذَا لم يضر ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الْمُمكن مُمكنا بِالْمَعْنَى الْأَخَص مَعَ تقيده بالاستقبال لِأَن الْأَوَّلين رُبمَا يقعان على مَا يتَعَيَّن أحد طَرفَيْهِ أَيْضا كالكسوف فَلَا يكون مُمكنا صرفا
6 - أَقُول بعض من اعْتبر هَذَا الْإِمْكَان لما تنبهوا أَن الاتصاف بالوجود إِنَّمَا يكون لضَرُورَة مَا والممكن مَا لم يُوجد بعد اشترطوا فِيهِ عَدمه فِي الْحَال حذرا من أَن يلْحقهُ ضَرُورَة بِحَسب وجوده فِي الْحَال
وَالشَّيْخ رد عَلَيْهِم بِأَن الْوُجُود الْخَالِي إِن أخرجه إِلَى ضَرُورَة وجود فالعدم الْخَالِي يُخرجهُ أَيْضا إِلَى ضَرُورَة عدم فَإِن لم يضر ضَرُورَة الْعَدَم فَلَا يضر ضَرُورَة الْوُجُود وَحصل من ذَلِك أَن الْوَاجِب فِيهِ أَن لَا يلْتَفت إِلَى الْوُجُود الحالي وَلَا إِلَى عَدمه بل يقْتَصر على اعْتِبَار الِاسْتِقْبَال(1/276)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة إِلَى أصُول وشروط فِي الْجِهَات
1 - وَهَهُنَا أَشْيَاء يلزمك أَن تراعيها
اعْلَم أَن الْوُجُود وَفِي نُسْخَة الْوُجُوب لَا يمْنَع الْإِمْكَان وَكَيف والوجود وَفِي نُسْخَة الْوُجُوب يدْخل تَحت الْإِمْكَان الأول
وَالْمَوْجُود بِالضَّرُورَةِ الْمَشْرُوطَة يصدق عَلَيْهِ الْإِمْكَان الثَّانِي
وَالْمَوْجُود فِي الْحَال لَا يُنَافِي الْمَعْدُوم فِي ثَانِي الْحَال فضلا عَمَّا لَا يجب وجوده وَلَا عَدمه
فَإِنَّهُ لَيْسَ إِذا كَانَ الشَّيْء متحركا فِي الْحَال يَسْتَحِيل أَن لَا يَتَحَرَّك فِي الِاسْتِقْبَال فضلا عَن أَن يكون غير ضَرُورِيّ لَهُ أَن يَتَحَرَّك وَأَن لَا يَتَحَرَّك فِي كل حَال فِي الِاسْتِقْبَال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول المُرَاد على الرِّوَايَة الأولى بَيَان أَن الْوُجُود لَا يمانع الْإِمْكَان بِكُل وَاحِد من الْمعَانِي الْمَذْكُورَة
يُرِيد بذلك دفع الشُّبْهَة الَّتِي مر ذكرهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ لِأَن الْوُجُود
إِمَّا أَن يعْتَبر من حَيْثُ تَقْتَضِيه ضَرُورَة مَا ذاتية أَو غير ذاتية
وَإِمَّا أَن يعْتَبر لَا من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
فَهَذِهِ أَقسَام ثَلَاثَة
الأول يدْخل تَحت الْإِمْكَان
الأول وَالثَّانِي يصدق عَلَيْهِ الْإِمْكَان الثَّانِي
وَالثَّالِث لَا يُنَافِي الْإِمْكَان الاستقبالي الَّذِي هُوَ أخص الإمكانات لطبيعة الْإِمْكَان فضلا عَمَّا فَوْقه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْعَدَم الَّذِي يُقَابله إِذا اخْتلف وقتاهما فَكيف يُنَافِي(1/277)
2 - وَاعْلَم أَن الدَّائِم غير الضَّرُورِيّ فَإِن الْكِتَابَة قد تسلب عَن شخص مَا دَائِما فِي حَال وجوده فضلا عَن حَال عَدمه وَلَيْسَ ذَلِك السَّلب بضروري
3 - وَاعْلَم أَن السالبة الضرورية غير سالبة الضَّرُورَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة غير سالبة الضَّرُورَة
والسالبة الممكنة غير سالبة الْإِمْكَان
والسالبة الوجودية الَّتِي بِلَا دوَام غير سالبة الْوُجُود بِلَا دوَام
وَهَذِه الْأَشْيَاء وتفاصيل مفهومات الْمُمكن فقد يقل لَهَا التفطن فيكثر بِسَبَبِهَا وَفِي نُسْخَة بِسَبَبِهِ الْغَلَط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْإِمْكَان الَّذِي هُوَ أقرب من الْعَدَم إِلَيْهِ
وَإِنَّمَا قَالَ يدْخل تَحت الْإِمْكَان الأول وَلم يقل يصدق عَلَيْهِ لِأَن الْوَاجِب إِذا تعين وَعرف بِالْوُجُوب الذاتي فَلَا فَائِدَة فِي أَن يحمل الْإِمْكَان إِلَيْهِ وَإِن كَانَ صَادِقا عَلَيْهِ لَو قيل وَإِنَّمَا يدْخل مَعَ غَيره تَحت اسْم الْإِمْكَان لضَرُورَة دَاعِيَة إِلَى ذَلِك لما لقصد من وَاضعه
وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة
فَالْمُرَاد أَن الْوُجُوب والإمكان وَإِن تقابلا بِحَسب الاعتبارين فَلَا يتمانعان على التوارد على المُرَاد كالوجوب الذاتي مَعَ الْإِمْكَان الأول
وَالْوُجُوب بِالْغَيْر مَعَ الْإِمْكَان الثَّانِي
وَيكون على هَذِه الرِّوَايَة قَوْله وَالْمَوْجُود فِي الْحَال لَا يُنَافِي الْمَعْدُوم فِي ثَانِي الْحَال مَسْأَلَة أُخْرَى مُنْقَطِعَة عَن الأولى
2 - وَهَذَا بَيَان أَيْضا لما تقدم بمثال جزئي سَلبِي وَكَانَ المورد قبله مِثَالا جزئيا إيجابيا
وَمَعْنَاهُ ظَاهر
3 - أَقُول الْقَضِيَّة الموجهة تسمى ربَاعِية
وَمَوْضِع الْجِهَة هُوَ مَا يَلِي الرابطة لِأَنَّهَا بَيَان نسبتها كَمَا كَانَ مَوضِع أَدَاة السَّلب أَيْضا مَا يَليهَا لِأَنَّهَا تَقْتَضِي رَفعهَا
فالسلب والجهة إِذا تقارنا لم يخل
إِمَّا أَن تكون الْجِهَة مُتَقَدّمَة على السَّلب كَمَا فِي قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ وَإِمَّا أَن تكون(1/278)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مُتَأَخِّرَة عَنهُ كَمَا فِي قَوْلنَا لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ
وَالْأول يَقْتَضِي أَن تكون الْقَضِيَّة سالبة جِهَتهَا تِلْكَ الْجِهَة
وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَن تكون الْجِهَة مَرْفُوعَة وجهة الْقَضِيَّة هِيَ مَا يُقَابل تِلْكَ الْجِهَة
فالسالبة الضرورية هِيَ الَّتِي تلازم الممتنعة
وسالبة الضَّرُورَة
إِن سلبت الضَّرُورَة الإيجابية فَهِيَ تلازم الممكنة الْعَامَّة السالبة
وَإِن سلبت ضَرُورَة سلبية فَهِيَ تلازم الممكنة الْعَامَّة الإيجابية
وَإِن سلبتهما مَعًا فَهِيَ تلازم الممكنة الْخَاصَّة
والسالبة الممكنة
إِن كَانَت عَامَّة اشْتَمَلت على الممكنة الْخَاصَّة والممتنعة
وَإِن كَانَت خَاصَّة كَانَت لموجبتها مُلَازمَة منعكسة كَمَا يَجِيء ذكره
وسالبة الْإِمْكَان
إِن سلبت الْعَام فَهِيَ الَّتِي تلازم الضَّرُورَة الْمُقَابلَة للممكن بذلك الْإِمْكَان
وَإِن سلبت الْخَاص فَهِيَ تلازم مَا يتَرَدَّد بَين ضَرُورَة الطَّرفَيْنِ
والسالبة الوجودية الَّتِي بِلَا دوَام مُلَازمَة منعكسة لموجبتها
وسالبة الْوُجُود بِلَا دوَام فَهِيَ تلازم مَا يترد بَين دوَام الطَّرفَيْنِ
وَإِمَّا أَن يكون الْوُجُود بِلَا ضَرُورَة والسالبة الوجودية لَا تلازم موجبتهما بل يقتسمان دوَام الطَّرفَيْنِ الْخَالِي عَن الضَّرُورَة
وسالبة الْوُجُود الإيجابي تلازم مَا يتَرَدَّد بَين ضَرُورَة الْإِيجَاب ودوام السَّلب
وسالبة الْوُجُود السلبي تلازم مَا يتَرَدَّد بَين ضَرُورَة السَّلب ودوام الْإِيجَاب(1/279)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى تَحْقِيق الْكُلية الْمُوجبَة فِي الْجِهَات
1 - اعْلَم أَنا إِذا قُلْنَا كل [ج] [ب] فلسنا نعني بِهِ أَن كُلية [ج] وَفِي نُسْخَة أَن كُلية جِيم [ب] أَو الْجِيم الْكُلِّي هُوَ [ب]
بل نعني بِهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بِهِ أَن كل وَاحِد وَاحِد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ تكْرَار كلمة وَاحِد مِمَّا يُوصف ب [ج] كَانَ مَوْصُوفا ب [ج] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة ب [ج] فِي الْفَرْض الذهْنِي أَو وَفِي نُسْخَة وَبدل أَو فِي الْوُجُود الْخَارِجِي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْخَارِجِي
وَكَانَ مَوْصُوفا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كَانَ بذلك دَائِما أَو غير دَائِم بل كَيفَ اتّفق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول تَحْقِيق القضايا هُوَ تَلْخِيص مَا يفهم من أَجْزَائِهَا وَهُوَ يَنْقَسِم
إِلَى مَا يتَعَلَّق بالموضوع
وَإِلَى مَا يتَعَلَّق بالمحمول
وَقد ذكر الشَّيْخ من الْقسم الأول سِتَّة أَحْكَام
اثْنَان سلبيان
وَأَرْبَعَة إيجابية
فالسلبيان وَفِي نُسْخَة فالسالبيان مَا أَنا وَفِي نُسْخَة أَن لَا نعني بقولنَا كل (ج) كُلية (ج) وَلَا الْجِيم الْكُلِّي وَلَا الْكُلِّي المنطقي فَإِن الْكُلية هِيَ الْعُمُوم وَلَا الْعقلِيّ وَإِنَّمَا لم يذكر الْكُلِّي الطبيعي لِأَنَّهُ قد يكون مَوْضُوعا وَذَلِكَ فِي المهملات وَقد يكون جُزْءا من الْمَوْضُوع وَذَلِكَ فِي الخصوصيات والمحصورات(1/280)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَيَانه أَنه إِذا أَخذ مَعَ لَاحق شخصي مُخَصص كَمَا فِي قَوْلنَا هَذَا الْإِنْسَان كَانَ مَوْضُوعا لمخصوصه
وَإِن أَخذ مَعَ لَاحق يَقْتَضِي عُمُومه ووقوعه على الْكَثْرَة فَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن ينظر إِلَى تِلْكَ الطبيعة من حَيْثُ يَقع على الْكَثْرَة أَو ينظر إِلَى الْكَثْرَة من حَيْثُ تِلْكَ الطبيعة مقولة عَلَيْهَا
وَالْأول هُوَ الْكُلِّي الْعقلِيّ
وَالثَّانِي إِن كَانَ حاصرا لجَمِيع مَا هِيَ مقولة عَلَيْهَا أَي يكون المُرَاد كل وَاحِد وَاحِد مِمَّا يُقَال عَلَيْهِ (ج) أَو يُوصف ب (ج) كَانَ كليا مُوجبا وَإِلَّا فجزئيا مُوجبا
والفاضل الشَّارِح فهم من الْكُلية معنى الْكل فأورد الْفرق بَين الْكل والكلي بِمَا قيل من أَن
الْكل مُتَقَوّم بالأجزاء غير مَحْمُول عَلَيْهَا والكلي مقوم للجزئيات مَحْمُول عَلَيْهَا
وَأَن الْأَجْزَاء محصورة والجزئيات بِخِلَافِهَا
وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَذْكُور فِي موَاضعه
وَأورد أَيْضا الْفرق بَين الْكل وكل وَاحِد بِأَن
كل وَاحِد من الْعشْرَة لَيْسَ بِعشْرَة
وَالْكل عشرَة
وَلَفظه فِي هَذَا الْمِثَال يُفِيد التَّبْعِيض
وَفِي قَوْلنَا كل وَاحِد من (ج) يُفِيد التَّبْيِين
فَهَذَا الْمِثَال يشْتَمل على مغالطة بِحَسب اشْتِرَاك الِاسْم
والمثال الصَّحِيح أَن يُقَال مثلا كل وَاحِد من النَّاس شخص وَاحِد وَلَيْسَ كل النَّاس شخصا وَاحِدًا
وَأما الْأَحْكَام الإيجابية
فأولها أَنا نعني بِكُل (ج) كل مَا يُقَال لَهُ ج ويوصف ب (ج) لَا مَا هُوَ طبيعة (ج) نَفسهَا كَمَا فِي المهملات وَذَلِكَ لِأَن لفظ كل ينضاف إِلَيْهَا هُنَاكَ(1/281)
2 - فَذَلِك وَفِي نُسْخَة وَذَلِكَ الشَّيْء مَوْصُوف بِأَنَّهُ [ب] من غير زِيَادَة أَنه مَوْصُوف بِهِ فِي وَقت كَذَا أَو وَفِي نُسْخَة وَحَال كَذَا أَو دَائِما
فَإِن جَمِيع هَذَا أخص من كَونه مَوْصُوفا بِهِ مُطلقًا
فَهَذَا هُوَ الْمَفْهُوم من قَوْلنَا كل [ج] [ب] من غير زِيَادَة جِهَة من الْجِهَات
وَبِهَذَا الْمَفْهُوم يُسمى مُطلقًا عَاما مَعَ حصره
3 - فَإِن أردنَا وَفِي نُسْخَة زِدْنَا شَيْئا آخر فقد وجهناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَثَانِيهمَا أَنا نعني ب (ج) كل وَاحِدَة مِمَّا يُوصف ب (ج) بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ
وَخَالف الْحَكِيم الْفَاضِل أَبُو نصر الفارابي فِي ذَلِك فَإِنَّهُ ذهب إِلَى أَن المُرَاد بِهِ هُوَ كل مَا يَصح أَن يُوصف بِهِ سَوَاء كَانَ مَوْصُوفا بِالْفِعْلِ أولم يكن إِلَّا بِالْقُوَّةِ وَهُوَ مُخَالف للْعُرْف وَالتَّحْقِيق فَإِن الشَّيْء الَّذِي يَصح أَن يكون إنْسَانا ك النُّطْفَة لَا يُقَال لَهُ إِنْسَان
وَثَالِثهَا أَنا نعني بِهِ الموصوفات ب (ج) بِالْفِعْلِ على وَجه يعم الْمَفْرُوض الذهْنِي وَالْمَوْجُود الْخَارِجِي فَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّخْصِيص بِأَحَدِهِمَا فَإنَّا نحكم على كل وَاحِد من الصِّنْفَيْنِ أحكاما إيجابية
وَخَالف جمَاعَة من المنطقيين فِي ذَلِك ذَهَبُوا إِلَى أَن المُرَاد بِهِ مَا يُوجب مِنْهَا فِي الْخَارِج فَقَط على مَا سَيَأْتِي ذكره
وَرَابِعهَا أَن نعني بِهِ الموصوفات ب (ج) سَوَاء يُوصف بِهِ دَائِما أَو غير دَائِم بل أَعم مِنْهُمَا
وَهَذَا الْإِطْلَاق الَّذِي يتَنَاوَل الدَّوَام واللادوام هُوَ جِهَة وصف الْمَوْضُوع بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّات الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا فِي صدر النهج
فَهَذِهِ أَحْكَام الْمَوْضُوع
وَأما الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة بالمحمول فَمِنْهَا مَا تخْتَلف الموجهات بِحَسبِهِ
2 - أَقُول مَعَ حصره يُشِير إِلَى مَفْهُوم الْإِطْلَاق الْعَام مَعَ الْإِيجَاب الْكُلِّي وَهُوَ ظَاهر
3 - يُرِيد التَّنْبِيه على مَا يُقَابل الْإِطْلَاق والتوجيه بِحَسب الِاعْتِبَار(1/282)
4 - وَتلك الزِّيَادَة مثل أَن نقُول بِالضَّرُورَةِ كل [ج] [ب] حَتَّى نَكُون كأنا قُلْنَا وَفِي نُسْخَة كَأَنَّمَا قد قُلْنَا كل وَاحِد وَاحِد مِمَّا يُوصف وَفِي نُسْخَة مِمَّا كَانَ مَوْصُوفا ب [ج] دَائِما أَو غير دَائِم
5 - فَإِنَّهُ مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات فَهُوَ [ب] بِالضَّرُورَةِ
6 - وَإِن لم يكن مثلا [ج] فَإنَّا لم نشترط وَفِي نُسْخَة نشرط أَنه بِالضَّرُورَةِ [ب] مَا دَامَ مَوْصُوفا بِأَنَّهُ [ج] بل أَعم من ذَلِك
7 - وَمثل أَن نقُول كل [ج] [ب] دَائِما حَتَّى نَكُون كأنا قُلْنَا كل وَاحِد وَاحِد من [ج] على الْبَيَان الَّذِي ذَكرْنَاهُ يُوجد لَهُ [ب] دَائِما مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات من غير ضَرُورَة
وَأما أَنه هَل يصدق هَذَا الْحمل الْمُوجب الْكُلِّي فِي كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل حَال أَو يكون دَائِم الْكَذِب وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة لَهُ أَو لَا دَائِم الْكَذِب أَي أَنه
هَل يُمكن أَن يكون مَا لَيْسَ بضروري مَوْجُودا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مَوْجُودا دَائِما فِي كل وَاحِد
أَو مسلوبا دَائِما عَن كل وَاحِد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - أَقُول وَهَذَا حَال الْمَوْضُوع وَكرر هَذَا الشَّرْط الَّذِي يُخَالف شَرط الضَّرُورَة تَنْبِيها على الْفرق بَين الْجِهَة الَّتِي لوصف الْمَوْضُوع بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَاته والجهة الَّتِي للمحمول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَوْضُوع
5 - فَهَذَا بَيَان جِهَة الْقَضِيَّة
6 - يُرِيد أَن الحكم الضَّرُورِيّ إِنَّمَا يكون بِحَسب ذَات الْمَوْضُوع لَا بِحَسب وَصفه فَإنَّا إِذا قُلْنَا الْكَاتِب بِالضَّرُورَةِ إِنْسَان عنينا أَنه مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات إنْسَانا حَال كَونه كَاتبا وَحَال كَونه غير كَاتب
7 - يُرِيد بَيَان الدَّائِم غير الضَّرُورِيّ وَهُوَ ظَاهر
وَفِيه تَعْرِيض بِأَن الدَّوَام فِي الكليات لَا يُفَارق الضَّرُورِيّ(1/283)
أَو لَا يُمكن هَذَا بل يجب أَن يُوجد مَا لَيْسَ بضروري فِي الْبَعْض لَا محَالة ويسلب عَن الْبَعْض لَا محَالة
فَأمر لَيْسَ على الْمنطق أَن يقْضِي فِيهِ بِشَيْء
8 - وَلَيْسَ من شَرط الْقَضِيَّة الَّتِي وَفِي نُسْخَة فِي أَن بدل الَّتِي ينظر فِيهَا المنطقي أَن تكون صَادِقَة أَيْضا
فقد وَفِي نُسْخَة وَقد ينظر فِيمَا لَا يكون إِلَّا كَاذِبًا
9 - وَمثل أَن نقُول كل وَفِي نُسْخَة إِن كل وَاحِد مِمَّا يُقَال لَهُ [ج] على الْبَيَان الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ [ب] لَا مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات بل وقتا بِعَيْنِه كالكسوف أَو بِغَيْر عينه كالتنفس للْإنْسَان أَو حَال كَونه مقولا لَهُ [ج] وَهُوَ مِمَّا لَا يَدُوم مثل قَوْلنَا كل متحرك متغير
وَهَذِه هِيَ أَصْنَاف الوجوديات وَفِي نُسْخَة بِدُونِ وَهَذِه هِيَ أَصْنَاف الوجوديات وَفِي أُخْرَى الموجودات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
8 - يُرِيد أَن المنطقي إِذا طلب فحوى الْكَلَام وَلم يلْتَفت إِلَى حَال الْمَادَّة اسْتَوَى الصَّادِق والكاذب عِنْده فَلَا الصدْق نَافِع فِي استكشاف الفحوى وَلَا الْكَذِب ضار
9 - أَقُول الْبَيَان الْمَذْكُور بَيَان حَال الْمَوْضُوع
قَوْله حَال كَونه مقولا لَهُ (ج) وَهُوَ مِمَّا لَا يَدُوم إِشَارَة إِلَى مَا يكون الحكم فِيهِ دَائِما مَا دَامَ الْمَوْضُوع مَوْصُوفا بِمَا وضع مَعَه وَغير الدَّائِم مَا دَامَ الذَّات
وَفرق
بَين الضَّرُورِيّ بِحَسب الْوَصْف
وَبَين الدَّائِم بِحَسب الْوَصْف
والفاضل الشَّارِح سمي الأول مَشْرُوطًا
وَالثَّانِي عرفيا
وَسمي المتناول مِنْهُمَا للضَّرُورَة أَو الدَّوَام بِحَسب الذَّات عَاما
وَغير المتناول لَهما خَاصّا
وَلم يفصل أَحْكَامهَا بِحَسب تَفْصِيل الضَّرُورَة والدوام الذاتيين
وَفِي تَفْصِيل ذَلِك كَلَام لَا يُمكن إِيرَاده هَهُنَا(1/284)
10 - وَمثل أَن نقُول كل وَاحِد مَا يُقَال لَهُ [ج] على الْبَيَان الْمَذْكُور فَإِنَّهُ يُمكن أَن يُوصف ب [ب] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة ب [ب] بالإمكان الْعَام أَو الْخَاص أَو الْأَخَص
وعَلى طَريقَة قوم فَإِن لقولنا وَفِي نُسْخَة كَقَوْلِنَا كل [ج] [ب] بالوجود وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بالوجود وَغَيره وَجها آخر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة آخر
وَهُوَ أَن مَعْنَاهُ كل [ج] مِمَّا فِي الْحَال وَفِي نُسْخَة فِي حَال وَفِي أُخْرَى الْمَاضِي فقد وصف بِأَنَّهُ [ب] وَقت وجوده
11 - وَحِينَئِذٍ يكون قَوْلنَا كل [ج] [ب] بِالضَّرُورَةِ هُوَ وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشَّيْخ لَا يعْتَبر الْفرق بَينهمَا فِي أَكثر الْمَوَاضِع وَلم يذكر الْمَشْرُوط بالمحمول هَهُنَا لِأَن الْمَوْصُوف ب (ب) وقتا بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه يُمكن أَن يكون كَذَلِك بِالضَّرُورَةِ وَيُمكن أَن يكون كَذَلِك لَا بِالضَّرُورَةِ
وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْرُوط بالمحمول فَإِذن هُوَ دَاخل فِيمَا ذكره
وَهَذَا الوجودي هُوَ الوجودي اللادائم
10 - هَؤُلَاءِ الْقَوْم يجْعَلُونَ الْمَوْضُوع فِي القضايا الفعلية كل مَا هُوَ (ج) بِالْفِعْلِ مِمَّا هُوَ فِي الْحَال أَو فِي الْمَاضِي فَلَا يكون مَا هُوَ عِنْد الْعقل (ج) أَو مَا سَيكون ج فِي الْمُسْتَقْبل مِمَّا يُمكن أَن يكون (ج) دَاخِلا فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي أَحْوَال الْمَوْضُوع
ثمَّ إِنَّه إِذا حكمُوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ (ب) مُطلقًا فقد أَرَادوا أَنه مَوْصُوف ب (ب) فِي وَقت وجوده ذَلِك
وَهَذَا هُوَ مَذْهَب سخيف قد ذكر فَسَاده الْمعلم الأول وَذَلِكَ لِأَن مَا يُوجد (ج) وقتا مَا هُوَ بعض مَا هُوَ (ج) لَا كُله ولوجوه أُخْرَى من الْفساد تبين فِي أَبْوَاب القياسات وَيطول شرحها
11 - هَذَا مَذْهَب آخر تَابع نَشأ من الْمَذْهَب الأول وَهُوَ القَوْل بِأَن كل (ج) (ب) بِالضَّرُورَةِ هُوَ مَا يشْتَمل على الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة(1/285)
نُسْخَة وَهُوَ مَا يشْتَمل على الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة
وَإِذا قُلْنَا كل [ج] [ب] مثلا بالإمكان الْأَخَص فَمَعْنَاه كل [ج] وَفِي نُسْخَة كل [ج] فَإِنَّهُ فِي أَي وَقت من الْمُسْتَقْبل يفْرض فَيصح أَن يكون [ب] وَأَن لَا يكون
12 - وَنحن لَا نبالي أَن نراعي هَذَا الِاعْتِبَار أَيْضا وَإِن كَانَ الأول هُوَ الْمُنَاسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وبالإمكان مَا يخْتَص بالمستقبل
وَيلْزم مِنْهُ كَون الْجِهَة مُتَعَلقَة ب سور الْقَضِيَّة لَا بانتساب الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع فِي طبيعتهما كَمَا ذَكرْنَاهُ
وَذَلِكَ لأَنا لَو فَرضنَا وقتا لَا يكون فِيهِ سوى الْإِنْسَان حَيَوَان مَوْجُود صَحَّ أَن يُقَال كل حَيَوَان إِنْسَان وَلَا شَيْء من الْحَيَوَان بفرس بِالْإِطْلَاقِ
وَقيل يَصح أَن يُقَال ذَلِك بالإمكان فَيكون الْإِطْلَاق والإمكان لكلية الحكم لَا لكَون الْإِنْسَان بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَان كَذَلِك
12 - يُرِيد لَا نبالي أَن نبين لَوَازِم هَذَا الِاعْتِبَار إِذا فرض صَادِقا وَإِن كَانَ الأول هُوَ الْمُنَاسب للاستعمال فِي الْعُلُوم والمحاورات وَهُوَ الَّذِي يجب أَن يعْتَبر بِحَسب طبائع الْأُمُور(1/286)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى تَحْقِيق الْكُلية السالبة فِي الْجِهَات
1 - أَنْت تعلم على اعْتِبَار مَا سلف لَك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَك أَن الْوَاجِب فِي الْكُلية السالبة الْمُطلقَة الْإِطْلَاق الْعَام الَّذِي وَفِي نُسْخَة وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الضَّرْب من الْإِطْلَاق أَن يكون السَّلب يتَنَاوَل كل وَاحِد وَاحِد من الموصوفات وَفِي نُسْخَة الموضوعات بالموضوع الْوَصْف الْمَذْكُور تناولا غير مُبين الْحَال وَالْوَقْت وَفِي نُسْخَة الْوَقْت وَالْحَال حَتَّى تكون كَأَنَّك وَفِي نُسْخَة كَأَنَّهُ تَقول كل وَاحِد وَاحِد مِمَّا هُوَ [ج] يَنْفِي عَنهُ [ب] من غير بَيَان وَقت وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة وَقت النَّفْي وحاله
2 - لَكِن وَفِي نُسْخَة وَلَكِن اللُّغَات الَّتِي نعرفها قد خلت فِي عاداتها وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِي عاداتها عَن اسْتِعْمَال النَّفْي الْكُلِّي على هَذِه الصُّورَة وَفِي نُسْخَة الصُّورَة فِي عاداتها واستعملت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول يُشِير إِلَى أَن الْمُطلقَة الْكُلية إِذا كَانَت سالبة فَهِيَ على قياسها إِذا كَانَت مُوجبَة أَي أَنَّهَا تَقْتَضِي سلب الْمَحْمُول عَن جَمِيع الْآحَاد الموصوفة بالموضوع من غير تَوْقِيت وَلَا تَقْيِيد وَلَا مقابلهما بل على وَجه أَعم مِنْهَا جَمِيعًا
وَقد عدل بالعبارة عَنْهَا إِلَى مَا يشبه الْعُدُول فَقَالَ كَأَنَّهُ يَقُول كل وَاحِد وَاحِد مِمَّا هُوَ (ج) يَنْفِي عَنهُ (ب) من غير بَيَان وَقت النَّفْي وحاله وَذَلِكَ لغَرَض سَيذكرُهُ
2 - أَقُول أَرَادَ بِهِ أَن الْمَفْهُوم من صِيغَة السَّلب الْكُلِّي مَعَ الْإِطْلَاق فِي الْمُتَعَارف من لغتي الْعَرَب والعجم وَهُوَ سلب الْمَحْمُول عَن جَمِيع آحَاد الْمَوْضُوع فِي جَمِيع أَوْقَات كَونهَا مَوْصُوفَة وَفِي نُسْخَة مَوْضُوعَة بِمَا وضع مَعَه على وَجه يعم الدَّائِم واللادائم(1/287)
للحصر السالب الْكُلِّي لفظا يدل على زِيَادَة معنى على مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الضَّرْب من الْإِطْلَاق وَفِي نُسْخَة على مَا يَقْتَضِيهِ الْإِطْلَاق فَيَقُولُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا شَيْء من [ج] [ب] وَيكون مُقْتَضى ذَلِك عِنْدهم أَنه لَا شَيْء مِمَّا هُوَ [ج] يُوصف أَلْبَتَّة بِأَنَّهُ [ب] مَا دَامَ مَوْصُوفا بِأَنَّهُ [ج] وَهُوَ سلب عَن كل وَاحِد وَاحِد من الموصوفات ب [ج] مَا دَامَت مَوْضُوعَة لَهُ إِلَّا أَن لَا تُوضَع لَهُ
وَكَذَلِكَ مَا يُقَال فِي فصيح لُغَة الْفرس هيج [ج] [ب] نيست
وَهَذَا الِاسْتِعْمَال يَشْمَل الضَّرُورِيّ وَضَربا وَاحِدًا من ضروب الْإِطْلَاق الَّذِي شَرطه فِي الْمَوْضُوع
3 - وَهَذَا قد غلط كثيرا من النَّاس أَيْضا فِي جَانب الْكُلِّي الْمُوجب
4 - لَكِن السَّلب وَفِي نُسْخَة السالب الْكُلِّي الْمُطلق بِالْإِطْلَاقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضروري واللاضروري وبحسب الذَّات وَهُوَ أَعم من الضَّرُورِيّ الْمَشْرُوط بِالْوَصْفِ لِأَن الدَّائِم أَعم من الضَّرُورِيّ
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال لَا شَيْء من الْإِنْسَان بنائم وَإِن كَانَ الحكم صَادِقا على جَمِيع الْأَشْخَاص وَذَلِكَ لكَونه غير صَادِق عَلَيْهِم فِي جَمِيع أَوْقَات كَونهم إنْسَانا وَكَذَلِكَ فِي لُغَة الْفرس
3 - أَي ظن بعض النَّاس أَن الْمُوجبَة الْمُطلقَة يفهم مِنْهَا أَيْضا إِيجَاب الْمَحْمُول على جَمِيع الْآحَاد فِي جَمِيع أَوْقَات الْوَصْف وَلَيْسَ مَا ظنوه حَقًا فَإِنَّهُ يَصح أَن يُقَال كل إِنْسَان نَائِم
وعَلى المنطقي أَن يبْحَث عَن كل وَاحِد من الاعتبارين بِانْفِرَادِهِ أَي الْإِطْلَاق الْعَام والدوام بِحَسب الْوَصْف وَقد يُسمى الدَّائِم بِحَسب الْوَصْف بالمطلق الْعرفِيّ مَنْسُوبا إِلَى الْعرف يَقْتَضِيهِ فِي السالب وَفِي نُسْخَة فِي السَّلب
وَالِاسْم على السالب حَقِيقَة وعَلى الْمُوجب مجَاز لكَونه مشابها للسالب وَهُوَ مَا يُسَمِّيه الشَّارِح عرفيا عَاما
4 - أَقُول هَذَا الْكَلَام يُوهم أَنه يُرِيد رد السَّلب إِلَى الْعُدُول وَلَو كَانَ كَذَلِك(1/288)
الْعَام أولى الْأَلْفَاظ بِهِ هُوَ مَا يُسَاوِي قَوْلنَا كل [ج] يكون لَيْسَ ب [ب] أَو يسلب عَنهُ [ب] من غير بَيَان وَقت وَحَال
وَليكن السالب الوجودي وَهُوَ الْمُطلق الْخَاص مَا وَفِي نُسْخَة مِمَّا يُسَاوِي قَوْلنَا كل [ج] يَنْفِي عَنهُ [ب] نفيا غير ضَرُورِيّ وَلَا دَائِم وَفِي نُسْخَة ودائم
5 - وَأما فِي الضَّرُورَة فَلَا بعد بَين وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة بَين الْجِهَتَيْنِ
وَالْفرق بَينهمَا أَن
قَوْلنَا كل [ج] فبالضرورة وَفِي نُسْخَة بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ ب [ب] يَجْعَل وَفِي نُسْخَة فَجعل الضَّرُورَة لحَال السَّلب عِنْد وَاحِد وَاحِد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَكَانَ لَهُ وَجه وَهُوَ أَن صِيغَة الْمُوجبَة لما كَانَت دَالَّة على الْإِطْلَاق الْعَام وَلم تكن صِيغَة السالبة كَذَلِك فاحتالوا للسالبة بِأَن جعلوها معدولة حَتَّى ارْتَدَّت إِلَى الْمُوجبَة ودلت على الْإِطْلَاق مُقَارنًا لِمَعْنى السَّلب
لَكِن الشَّيْخ لَا يُرِيد بِهِ الْعُدُول على مَا صرح بِهِ فِي الشِّفَاء بل يُرِيد بِهِ تَقْدِيم السَّلب على الرَّبْط مَعَ تَقْدِيم السُّور والموضوع عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلنَا مثلا كل إِنْسَان لَيْسَ يُوجد نَائِما وَكَذَلِكَ قَالَ هُوَ مَا يُسَاوِي قَوْلنَا
وَلم يقل هُوَ قَوْلنَا
5 - أَي لَا بعد بَين تَقْدِيم الْمَوْضُوع على الْجِهَة وَالسَّلب وَبَين تَأْخِيره عَنْهُمَا فِي الدّلَالَة وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق بِحَسب الِاعْتِبَار وَذَلِكَ لِأَن
الأول يَقْتَضِي أَن الْمَحْمُول مسلوب بِالضَّرُورَةِ عَن وَاحِد وَاحِد من الْمَوْضُوع
وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَن الْمَحْمُول مسلوب عَن آحَاد الْمَوْضُوع بأسرها سلبا ضَرُورِيًّا
وَالْأول يَقْتَضِي تعلق ضَرُورَة السَّلب بِكُل وَاحِد مَفْرُوض بِالْفِعْلِ ويتضمن ضَرُورَة السَّلب الْكُلِّي بِالْقُوَّةِ لِأَن الحكم على كل وَاحِد يفْرض يَقْتَضِي الحكم الْكُلِّي
وَالثَّانِي يَقْتَضِي تعلق ضَرُورَة السَّلب بِالْكُلِّ بِالْفِعْلِ وَيتَعَلَّق بِكُل وَاحِد يفْرض تعلقا بِالْقُوَّةِ لاشتمال الحكم الْكُلِّي على أَي وَاحِد يفْرض(1/289)
وَقَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ لَا شَيْء من [ج] [ب] يَجْعَل الضَّرُورَة لكَون وَفِي نُسْخَة بِكَوْن السَّلب عَاما ولحصره وَفِي نُسْخَة وبحصره وَلَا يتَعَرَّض لوَاحِد وَاحِد إِلَّا بِالْقُوَّةِ فَيكون مَعَ اخْتِلَاف الْمَعْنى لَيْسَ بَينهمَا فرق وَفِي نُسْخَة افْتِرَاق فِي اللُّزُوم بل حَيْثُ صَحَّ أَحدهمَا صَحَّ الآخر
وعَلى هَذَا الْقيَاس فَاقْض فِي الْإِمْكَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَالْحَاصِل أَن الأَصْل يُسَاوِي دلالتيهما فِي جَمِيع الْمَوَاضِع لَوْلَا مُخَالفَة الْعرف فِي الصِّيغَة الْمَذْكُورَة
والفاضل الشَّارِح قَالَ السَّلب الْمُطلق يُوهم الدَّوَام
بِخِلَاف الْمُوجب
فَهَذَا الْفرق إِنَّمَا ظهر فِي الْمُطلقَة وَلم يظْهر فِي الضرورية إِذْ الضَّرُورَة لَا تعقل إِلَّا مَعَ الدَّوَام
أَقُول لَو كَانَ ذَلِك كَذَلِك لكَانَتْ الممكنة كالمطلقة إِذْ هِيَ معقولة لَا مَعَ الدَّوَام وَلَيْسَت كَذَلِك بل هِيَ مُلْحقَة بِالضَّرُورَةِ
فَظهر أَن الْفَارِق هُوَ الْعرف لَا غير
وَالْحق أَن الِاخْتِلَاف الَّذِي ذهب إِلَيْهِ لَيْسَ بمؤثر فِي الْمَعْنى زِيَادَة تَأْثِير(1/290)
الْفَصْل السَّابِع تَنْبِيه على مَوَاضِع خلاف ووفاق بَين اعتباري الْجِهَة وَالْحمل
1 - اعْلَم أَن إِطْلَاق الْجِهَة يُفَارق إِطْلَاق الْحمل فِي الْمَعْنى وَفِي اللُّزُوم فَإِنَّهُ قد يصدق أَحدهمَا دون الآخر
مِثَاله وَفِي نُسْخَة مثلا وَفِي أُخْرَى بدونهما إِذا كَانَ وَقت يتَّفق أَن لَا يكون فِيهِ إِنْسَان أسود صدق وَفِي نُسْخَة يصدق فِيهِ أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَن كل إِنْسَان أَبيض بِحكم الْجِهَة دون حكم الْحمل وَفِي نُسْخَة الْمَحْمُول
وَكَذَلِكَ إِمْكَان الْجِهَة أَيْضا فَإِنَّهُ فرض فِي وَقت من الْأَوْقَات مثلا أَن لَا لون إِلَّا الْبيَاض وَفِي نُسْخَة الْأَبْيَض أَو غَيره من الَّتِي لَا نِهَايَة لَهَا صدق حِينَئِذٍ بِالْإِطْلَاقِ أَن كل لون هُوَ الْبيَاض وَفِي نُسْخَة بَيَاض أَو شَيْء آخر بِإِطْلَاق الْجِهَة وَقَبله كَانَ مُمكنا
وَلَا يصدق هَذَا الْإِمْكَان إِذا قرن بالمحمول فَإِنَّهُ لَيْسَ بالإمكان الْخَاص يكون كل لون بَيَاضًا
بل هَهُنَا ألوان بِالضَّرُورَةِ لَا تكون بَيَاضًا
وَكَذَلِكَ إِذا فَرضنَا زَمَانا لَيْسَ فِيهِ من الْحَيَوَانَات إِلَّا الْإِنْسَان صدق فِيهِ بِحَسب إِطْلَاق الْجِهَة أَن كل حَيَوَان إِنْسَان وَقَبله بالإمكان وَلم يَصح بالإمكان إِذا جعل الْمَحْمُول
وعَلى هَذَا الْقيَاس فَاقْض فِي الْإِمْكَان وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وعَلى هَذَا الْقيَاس فَاقْض فِي الْإِمْكَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - لَا وجود لهَذَا الْفَصْل فِي النُّسْخَة الَّتِي شرحها الطوسي
الْمُحَقق(1/291)
الْفَصْل الثَّامِن إِشَارَة إِلَى تَحْقِيق الجزئيتين فِي الْجِهَات
1 - وَأَنت تعرف حَال الجزئيتين من الكليتين وتقيسهما عَلَيْهِمَا وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا
وَقَوْلنَا بعض [ج] [ب] يصدق وَلَو كَانَ ذَلِك الْبَعْض مَوْصُوفا ب [ب] فِي وَقت لَا غير
وَكَذَلِكَ تعلم أَن كل بعض إِذا كَانَ بِهَذِهِ الصّفة صدق ذَلِك فِي كل بعض
وَإِذا صدق الْإِيجَاب فِي كل بعض صدق فِي كل وَاحِد
وَمن هَذَا تعلم أَنه لَيْسَ من شَرط الْإِيجَاب الْمُطلق عُمُوم كل عدد فِي كل وَقت
2 - وَكَذَلِكَ فِي جَانب السَّلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول يُرِيد أَن يزِيل الْوَهم الْمَذْكُور فِي الْإِيجَاب
أَعنِي أَن الحكم الْكُلِّي يَقْتَضِي الدَّوَام بِحَسب الْوَصْف وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن الحكم على الْبَعْض لَا يُوهم ذَلِك بالِاتِّفَاقِ
والأبعاض مُتَسَاوِيَة فِي هَذَا الْبَاب
فَإِذا كَانَ الحكم على كل بعض وَيجب أَن يكون غير مُقْتَض للدوام الْمَذْكُور وَيكون مَعَ ذَلِك كليا فَالشَّرْط فِي أَن يكون الحكم كليا هُوَ عُمُوم الْعدَد لَا شُمُول الْأَوْقَات
2 - أَقُول يُرِيد أَن يُوضح صِحَة اعْتِبَار الْإِطْلَاق الْعَام فِي السَّلب فَإِن من غلب على وهمه مَا يَقْتَضِيهِ الْعرف رُبمَا ظن أَن ذَلِك الِاعْتِبَار لَيْسَ بِصَحِيح(1/292)
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ إِذا صدق بعض [ج] [ب] بِالضَّرُورَةِ يجب أَن يتبع وَفِي نُسْخَة يمْنَع ذَلِك صدق قَوْلنَا بعض [ج] [ب] بِالْإِطْلَاقِ الْغَيْر الضَّرُورِيّ أَو بالإمكان وَلَا بِالْعَكْسِ
فَإنَّك تَقول بعض الْأَجْسَام بِالضَّرُورَةِ متحرك أَي مَا دَامَ ذَات ذَلِك الْبَعْض مَوْجُودا
وَبَعضهَا متحرك بِوُجُود غير ضَرُورِيّ
وَبَعضهَا بِإِمْكَان غير ضَرُورِيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالدَّلِيل على صِحَّته هُوَ مَا ذكره فِي الْإِيجَاب بِعَيْنِه
وَبَاقِي الْفَصْل ظَاهر(1/293)
الْفَصْل التَّاسِع إِشَارَة إِلَى تلازم ذَوَات وَفِي نُسْخَة ذَات الْجِهَة
1 - اعْلَم أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة اعْلَم أَن قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ يكون هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ فِي قُوَّة قَوْلنَا لَا يُمكن أَن لَا يكون بالإمكان الْعَام الَّذِي هُوَ فِي قُوَّة قَوْلنَا مُمْتَنع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَا يُمكن أَن لَا يكون بالإمكان الْعَام الَّذِي هُوَ فِي قُوَّة قَوْلنَا أَن لَا يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الموجهات مِنْهَا مَا يتلازم وَمِنْهَا مَا يلْزم غَيرهَا من غير عكس
فَمن الملازمات طَبَقَات ثَلَاث
الْوُجُوب
والامتناع
والإمكان الْخَاص
وطبقات ثَلَاث تقَابل هَذِه الطَّبَقَات
طبقَة
الْوُجُوب بِالضَّرُورَةِ وَمَا يُقَابله
يكون لَا يُمكن أَن لَا لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ يكون يُمكن
يكون يمْتَنع أَن لَا يكون أَن لَا يكون لَا يمْتَنع أَن لَا يكون
طبقَة
الِامْتِنَاع بِالضَّرُورَةِ لَا يكون وَمَا يُقَابله لَيْسَ
لَا يُمكن أَن يكون بِالضَّرُورَةِ أَن لَا يكون يُمكن
يمْتَنع أَن يكون أَن يكون لَا يمْتَنع أَن يكون
طبقَة
الْإِمْكَان الْخَاص وَمَا يُقَابله
يُمكن أَن يكون لَا يُمكن أَن يكون
يُمكن أَن لَا يكون لَا يُمكن أَن لَا يكون(1/294)
وَقَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ لَا يكون فِي قُوَّة قَوْلنَا لَيْسَ بممكن أَن يكون بالإمكان الْعَام وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْعَام الَّذِي هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ فِي قُوَّة قَوْلنَا مُمْتَنع أَن يكون
وَهَذِه ومقابلاتها كل طبقَة متلازمة يقوم بَعْضهَا مقَام بعض وَفِي نُسْخَة الْبَعْض
وَأما الْمُمكن الْخَاص والأخص فَإِنَّهُمَا لَا ملازمات وَفِي نُسْخَة لَا متلازمان مُسَاوِيَة لَهما من بَابي الضَّرُورَة بل لَهما لَوَازِم من ذَوَات الْجِهَة أَعم مِنْهُمَا وَلَا تنعكس عَلَيْهِمَا
وَلَيْسَ وَفِي نُسْخَة إِذْ لَيْسَ يجب أَن يكون كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل لَازم مُسَاوِيا
فَإِن قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ يكون يلْزمه أَنه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَنه مُمكن أَن يكون بالإمكان الْعَام وَلَا ينعكس عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ إِذا كَانَ مُمكنا أَن يكون وَجب أَن يكون بِالضَّرُورَةِ يكون بل رُبمَا كَانَ مُمكنا أَيْضا أَن لَا يكون
وَقَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ لَا يكون يلْزمه أَنه مُمكن أَن لَا يكون بالإمكان الْعَام أَيْضا من انعكاس أَيْضا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَيْضا لمثل ذَلِك الْبَيَان وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْبَيَان
ثمَّ اعْلَم أَن قَوْلنَا مُمكن أَن يكون الْخَاص والأخص إِنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإمكان فِي طبقتي الْوُجُوب والامتناع بِالْمَعْنَى الْعَام
وَفِي الْبَاقِيَة بِالْمَعْنَى الْخَاص
وَالضَّابِط أَن الْوَاقِعَة فِي كل طبقَة متلازمة وَكَذَلِكَ الْوَاقِعَة فِي مقابلتها
ومقابلة كل طبقَة يلْزم كل وَاحِدَة من الطبقتين الْأُخْرَيَيْنِ من غير عكس
وَمَا فِي الْكتاب غَنِي عَن الشَّرْح(1/295)
يلْزمه مُمكن أَن لَا يكون من بَابه ويساويه
وَأما من غير بَابه فَلَا يلْزمه مَا يُسَاوِيه بل مَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مَا هُوَ أَعم مِنْهُ
مثل مُمكن أَن يكون الْعَام وممكن أَن لَا يكون الْعَام
وَلَيْسَ بِوَاجِب أَن يكون وَلَيْسَ بِوَاجِب أَن لَا يكون
وَلَيْسَ بممتنع أَن يكون وَلَيْسَ بممتنع أَن لَا يكون
وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ بضروري أَن يكون وَأَن لَا وَفِي نُسْخَة وَلَيْسَ بضروري أَن لَا يكون(1/296)
الْفَصْل الْعَاشِر وهم وتنبيه
1 - وَالسُّؤَال الَّذِي يهول بِهِ قوم
وَهُوَ أَن الْوَاجِب إِن كَانَ مُمكنا أَن يكون والممكن أَن يكون مُمكن أَن لَا يكون فَالْوَاجِب إِذن مُمكن أَن لَا يكون
وَإِن كَانَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كَانَ لم يكن الْوَاجِب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْوَاجِب مُمكنا أَن يكون وَمَا لَيْسَ بممكن فَهُوَ مُمْتَنع أَن يكون فَالْوَاجِب إِذن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِذن مُمْتَنع أَن يكون
لَيْسَ بذلك الْمُشكل الهائل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الهائل حلّه وَفِي نُسْخَة كُله فَإِن الْوَاجِب
مُمكن أَن يكون بِالْمَعْنَى الْعَام وَلَا يلْزم ذَلِك الْمُمكن أَن ينعكس إِلَى
مُمكن أَن لَا يكون
وَلَيْسَ بممكن بِالْمَعْنَى الْخَاص وَلَا وَفِي نُسْخَة لَا بِدُونِ الْوَاو يلْزم قَوْلنَا لَيْسَ بممكن بذلك الْمَعْنى أَن يكون مُمْتَنعا لِأَن مَا لَيْسَ بممكن بذلك الْمَعْنى هُوَ مَا هُوَ ضَرُورِيّ إِيجَابا أَو سلبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول السُّؤَال الَّذِي ذكره مِمَّا استعظمه قوم من المنطقيين وَهُوَ مغالطة باشتراك الِاسْم وَقد تخبطوا بِاسْتِعْمَال أحد الممكنين أَعنِي الْخَاص وَالْعَام مقَام الآخر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَلذَلِك الشَّيْخ بَالغ فِي إِيضَاح الْحَال فِيهِ وَبَيَان خبطهم بِمَا فِي دونه كِفَايَة وَذَلِكَ ظَاهر(1/297)
وَهَؤُلَاء مَعَ تنبههم لهَذَا الشَّك وتوقعهم أَن يَأْتِيهم حلّه يعودون فيغلطون
فَكلما صَحَّ لَهُم فِي شَيْء أَنه لَيْسَ بممكن أَو فرضوه كَذَلِك حسبوا أَنه يلْزمه أَنه بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ
وبنوا على ذَلِك وتمادوا فِي الْغَلَط لأَنهم لم يتذكروا أَنه لَيْسَ يجب فِي مَا لَيْسَ بممكن بِالْمَعْنَى الْخَاص والأخص أَنه بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ بل رُبمَا كَانَ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ وَكَذَلِكَ وَفِي نُسْخَة رُبمَا كَانَ بِالضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِك قد يغلطون كثيرا ويظنون أَنه إِذا فرض أَنه لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ لزم وَفِي نُسْخَة يكون لزمَه أَنه مُمكن حَقِيقِيّ ينعكس إِلَى مُمكن أَن لَا يكون وَلَيْسَ كَذَلِك
وَقد علمت ذَلِك مِمَّا هديناك سَبيله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيخْتم الْكَلَام فِي هَذَا النهج بإحصاء الموجهات الَّتِي تحصلت فِيهِ وَهِي اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ
الْمُطلقَة الْعَامَّة
والضرورية الْمُطلقَة
والمشروطة بِالذَّاتِ اللادائمة
والضرورية الذاتية الشاملة لَهما
والمشروطة بِوَصْف وَفِي نُسْخَة بِشَرْط الْمَوْضُوع على
الْوَجْه الْعَام
وعَلى الْوَجْه الْخَاص
والمشروطة بالمحمول
وَالَّتِي بِحَسب وَقت غير معِين
وَالَّتِي بِحَسب وَقت معِين
والدائمة المحتملة للضرورية
والدائمة اللاضرورية
والمطلقة الْخَاصَّة أَعنِي الوجودية بِاعْتِبَار
والممكنة الْعَامَّة والخاصة وَالَّتِي هِيَ أخص مِنْهُمَا
اللاضرورة وَبِاعْتِبَار اللادوام
والاستقبالية
والمطلقة بِحَسب السُّور
والضرورية بِحَسبِهِ
والممكنة بِحَسبِهِ
والمطلقة الْعُرْفِيَّة على الْوَجْه الْعَام وعَلى الْوَجْه الْخَاص(1/298)
النهج الْخَامِس فِي تنَاقض القضايا وعكسها كَلَام كلي فِي التَّنَاقُض
1 - اعْلَم أَن التَّنَاقُض هُوَ اخْتِلَاف قضيتين بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب على جِهَة وَفِي نُسْخَة على جملَة تَقْتَضِي لذاتها أَن تكون إِحْدَاهمَا وَفِي نُسْخَة أَحدهمَا بِعَينهَا أَو بِغَيْر عينهَا وَفِي نُسْخَة بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه صَادِقَة وَالْأُخْرَى كَاذِبَة وَفِي نُسْخَة صَادِقا وَالْآخر كَاذِبًا حَتَّى لَا يخرج الصدْق وَالْكذب مِنْهُمَا وَإِن لم يتَعَيَّن ذَلِك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة ذَلِك فِي بعض الممكنات عِنْد جُمْهُور الْقَوْم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - اخْتِلَاف قضيتين
قد يكون لاخْتِلَاف أجزائهما
وَقد يكون لاخْتِلَاف الحكم فيهمَا إِمَّا بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب وَإِمَّا بِالْكُلِّيَّةِ والجزئية وَإِمَّا بالجهة وَإِمَّا بِشَيْء آخر من سَائِر اللواحق
وَالِاخْتِلَاف الْحَقِيقِيّ مِنْهَا هُوَ الَّذِي بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب فَإِن النَّفْي وَالْإِثْبَات هما اللَّذَان لذاتيهما لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يرتفعان وَسَائِر الاختلافات رَاجِعَة إِلَيْهِ
لِأَنَّهَا إِنَّمَا تكون اخْتِلَافا من حَيْثُ لَا يكون الحكم فِي أَحدهمَا إِمَّا على مَا يكون فِي الْأُخْرَى أَو بِمَا يكون فِيهَا أَو على الْوَجْه الَّذِي يكون فِيهَا وَإِلَّا فَلَا اخْتِلَاف أصلا
وَالِاخْتِلَاف بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب أَيْضا
قد يَقع على وَجه لَا يَقْتَضِي اقتسام الصدْق وَالْكذب
وَقد يَقع على وَجه يَقْتَضِيهِ
وَالْأول كَمَا فِي قَوْلنَا هَذَا حَيَوَان
هَذَا لَيْسَ بأسود فَإِنَّهُمَا لَا يقتسمانهما بل رُبمَا يصدقان مَعًا وَرُبمَا يكذبان مَعًا(1/299)
2 - وَإِنَّمَا يكون التقابل فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب وَفِي نُسْخَة فِي السَّلب والإيجاب إِذا كَانَ السالب مِنْهُمَا وَفِي نُسْخَة فيهمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالثَّانِي قد يَقع على وَجه يَقْتَضِيهِ أَمر غير نفس الِاخْتِلَاف وذاته
وَقد يَقع على وَجه يَقْتَضِيهِ الِاخْتِلَاف نَفسه
وَالْأول كَمَا فِي قَوْلنَا هَذَا إِنْسَان هَذَا لَيْسَ بناطق فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا اقْتَسمَا الصدْق وَالْكذب لتساوي الْإِنْسَان والناطق فِي الدّلَالَة لَا لنَفس الِاخْتِلَاف
وَالثَّانِي كَمَا فِي قَوْلنَا هَذَا زيد هَذَا لَيْسَ بزيد فَإِنَّهُمَا اقتسماه لذات هَذَا الِاخْتِلَاف لَا شَيْء آخر
فالتناقض هُوَ اخْتِلَاف قضيتين بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب على جِهَة تَقْتَضِي لذاتها أَن تكون إِحْدَاهمَا صَادِقَة وَالْأُخْرَى كَاذِبَة
والصدق وَالْكذب قد ينفيان كَمَا فِي مادتي الْوُجُوب والامتناع وَقد لَا ينفيان كَمَا فِي مَادَّة الممكنة وَلَا سِيمَا الاستقبالي فَإِن الْوَاقِع فِي الْمَاضِي وَالْحَال قد يتَغَيَّر طرف وُقُوعه وجودا كَانَ أَو عدما فَيكون الصَّادِق والكاذب بِحَسب الْمُطَابقَة وَعدمهَا متعينين وَإِن كَانَ بِالْقِيَاسِ إِلَيْنَا لجهلنا بِهِ غير متعينين
وَأما الاستقبالي فَفِي عدم تعين أحد طَرفَيْهِ نظر أهوَ كَذَلِك فِي نفس الْأَمر أم بِالْقِيَاسِ إِلَيْنَا
وَجُمْهُور الْقَوْم يَظُنُّونَهُ كَذَلِك فِي نفس الْأَمر وَالتَّحْقِيق يأباه لإسناد الْحَوَادِث فِي أَنْفسهَا إِلَى علل تجب بهَا وتمتنع دونهَا وانتهاء تِلْكَ الْعِلَل إِلَى عِلّة أولى تجب لذاتها كَمَا بَين فِي الْعلم الإلهي
فَلَا التعين من شَرط التَّنَاقُض وَلَا عَدمه
بل من شَرطه الاقتسام كَيفَ كَانَ وَلذَلِك قَالَ الشَّيْخ بِعَيْنِه أَو بِغَيْر عينه ثمَّ أكده بقوله حَتَّى لَا يخرج الصدْق وَالْكذب مِنْهُمَا فَأَشَارَ بقوله وَإِن لم يتَعَيَّن فِي بعض الممكنات عِنْد جُمْهُور الْقَوْم إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ من رَأْيهمْ فِيهِ
2 - أَقُول يُرِيد أَن يبين الْجِهَة الْمَذْكُورَة فِي حد التَّنَاقُض الَّتِي لذاتها تَقْتَضِي اقتسام الصدْق وَالْكذب وَهِي تقَابل السَّلب والإيجاب وَحده فِي المخصوصات وَمَعَ شَرط آخر فِي المحصورات
فَبين(1/300)
يسلب الْمُوجب كَمَا أوجب فَإِنَّهُ إِذا أوجب شَيْء وَكَانَ لَا يصدق فَإِن معنى أَنه لَا يصدق هُوَ أَن الْأَمر لَيْسَ كَمَا أوجب
وَبِالْعَكْسِ إِذا سلب شَيْء وَلم وَفِي نُسْخَة فَلم يصدق فَمَعْنَاه أَن مُخَالفَة الْإِيجَاب وَفِي نُسْخَة إِيجَاب كَاذِبَة وَفِي نُسْخَة كَاذِب
لكنه وَفِي نُسْخَة وَلكنه قد يتَّفق أَن يَقع الانحراف عَن مُرَاعَاة التَّنَاقُض لوُقُوع الانحراف عَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مُرَاعَاة التَّنَاقُض لوُقُوع الانحراف عَن مُرَاعَاة التقابل
ومراعاة التقابل أَن تراعي فِي كل وَاحِدَة من القضيتين مَا تراعيه فِي الْأُخْرَى حَتَّى تكون أَجزَاء الْقَضِيَّة فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي فِي الْأُخْرَى وعَلى مَا فِي الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وعَلى مَا فِي الْأُخْرَى حَتَّى يكون معنى
الْمَوْضُوع والمحمول وَفِي نُسْخَة الْمَحْمُول والموضوع وَمَا يشبههما وَفِي نُسْخَة أشبههما
وَالشّرط وَالْإِضَافَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَولا معنى التقابل
وَثَانِيا أَن الصدْق وَالْكذب كَيفَ يتعلقان بالمتقابلين
ثمَّ يبين أَن الانحراف عَن التقابل يَقْتَضِي الانحراف عَن التَّنَاقُض
ثمَّ شرع فِي بَيَان شَرَائِط التقابل وَبَين أَنَّهَا
بالإجمال شَيْء وَاحِد وَهُوَ أَن يُرَاعى فِي كل وَاحِدَة من القضيتين مَا يُرَاعى فِي الْأُخْرَى حَتَّى تكون أَجزَاء القضيتين متحدة
وبالتفصيل شَرَائِط كَثِيرَة مِنْهَا الثَّمَانِية الْمَشْهُورَة
اثْنَان مِنْهَا الِاتِّحَاد فِي الْمَوْضُوع والمحمول وَفِيمَا يشبههما يَعْنِي الْمُقدم والتالي
وَسِتَّة هِيَ الِاتِّحَاد فِي الشُّرُوط(1/301)
والجزء وَالْكل وَفِي نُسْخَة وَالْكل والجزء
وَالْقُوَّة وَالْفِعْل
وَالْمَكَان وَالزَّمَان
3 - وَغير ذَلِك مِمَّا عددناه
غير مُخْتَلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والستة الْمَذْكُورَة فِي آخر النهج الثَّالِث وَهِي
الِاتِّحَاد فِي الشَّرْط
وَفِي الْإِضَافَة
وَفِي الْجُزْء وَالْكل
وَفِي الْقُوَّة وَالْفِعْل
وَفِي الْمَكَان وَالزَّمَان
3 - يُرِيد بِهِ السُّور والجهة والارتباط كالانفصال والاتصال وَنَحْوهَا فَإِن الِاخْتِلَاف فِي كل وَاحِد مِنْهَا يَقْتَضِي الانحراف عَن التقابل
قَالَ الْفَاضِل الشَّارِح إِن هَذِه السِّتَّة ترجع إِلَى اتِّحَاد الْمَوْضُوع والمحمول
فَإِن الِاخْتِلَاف فِي الشَّرْط كَمَا فِي قَوْلنَا الْأسود جَامع لِلْبَصَرِ أَي مَعَ السوَاد
وَلَيْسَ بِجَامِع أَي لَا مَعَ السوَاد
وَفِي الْجُزْء وَالْكل كَقَوْلِنَا الزنْجِي أسود أَي فِي بَشرته
وَلَيْسَ بأسود أَي فِي سنه
رَاجع إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْمَوْضُوع
وَالِاخْتِلَاف فِي الْإِضَافَة كَمَا فِي قَوْلنَا زيد أَب أَي لعَمْرو وَلَيْسَ بأب أَي لبكر
وَفِي الْقُوَّة وَالْفِعْل كَمَا فِي قَوْلنَا السَّيْف قَاطع أَي بِالْقُوَّةِ وَلَيْسَ بقاطع أَي بِالْفِعْلِ(1/302)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي الْمَكَان كَمَا فِي قَوْلنَا زيد جَالس أَي فِي الدَّار وَلَيْسَ بجالس أَي فِي السُّوق
وَفِي الزَّمَان كَمَا فِي قَوْلنَا زيد مَوْجُود أَي الْآن
وَلَيْسَ بموجود أَي وقتا آخر
رَاجع إِلَى الْمَحْمُول
وَأَقُول إِنَّهَا قد تقع بِحَيْثُ تتَعَلَّق بالمفردات وَحِينَئِذٍ تتَعَلَّق
إِمَّا بالموضوع وَحده
أَو بالمحمول وَحده
كَمَا ذكر إِلَّا أَن الْمُفْردَات الَّتِي تخْتَلف باخْتلَاف هَذِه الْأُمُور تصلح لِأَن تُوضَع وَتصْلح لِأَن تحمل
فتخصيص الْبَعْض بِأَحَدِهِمَا دون الآخر مِمَّا لَا وَجه لَهُ
وَقد تقع بِحَيْثُ تتَعَلَّق بالحكم نَفسه من غير تَخْصِيص بِأحد جزئيه
مثلا إِذا قُلْنَا الشَّمْس تجفف الثَّوْب الندي أَي إِن لم يكن الْهَوَاء بَارِدًا شَدِيدا وَلَا تجففه أَي إِن كَانَ بَارِدًا
لم تكن عدم برودة الْهَوَاء جُزْءا من الشَّمْس الَّتِي هِيَ الْمَوْضُوع وَلَا من قَوْلنَا تجفف الثَّوْب الندي الَّذِي هُوَ الْمَحْمُول
بل كَانَ شرطا فِي وجود الحكم وَعَدَمه
فَإِن قيل الشَّمْس مَعَ برودة الْهَوَاء هِيَ غير الشَّمْس مَعَ عدم الْبُرُودَة
أَو قيل تجفيف الثَّوْب مَعَ الْبُرُودَة غَيره مَعَ عدمهَا
حَتَّى يصير الشَّرْط جُزْءا من أحد
كَانَ تعسفا وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ غير مَا يتَمَثَّل بِهِ من الْأسود مَعَ السوَاد وَلَا مَعَ السوَاد
فَإِن هذَيْن الشَّرْطَيْنِ يتعلقان بالأسود وَحده
وَكَذَلِكَ إِذا قُلْنَا السقمونيا مسهل أَي ببلادنا وَلَيْسَ بمسهل أَي بِبِلَاد التّرْك لم يكن الْكَوْن بِتِلْكَ الْبِلَاد جُزْءا من السقمونيا وَلَا من المسهل بل يخْتَلف الحكم بحسبها(1/303)
4 - فَإِن لم تكن الْقَضِيَّة شخصية احْتِيجَ أَيْضا إِلَى أَن تخْتَلف القضيتان فِي الكمية أَعنِي فِي الْكُلية والجزئية كَمَا اختلفتا فِي الْكَيْفِيَّة أَعنِي فِي وَفِي نُسْخَة يَعْنِي وَفِي أُخْرَى بحذفهما جَمِيعًا لتصير الْعبارَة هَكَذَا فِي الْكَيْفِيَّة الْإِيجَاب وَالسَّلب
وَإِلَّا أمكن أَن لَا تقتسما وَفِي نُسْخَة أَن لَا تقتسمان الصدْق وَالْكذب بل تُكَذِّبَانِ وَفِي نُسْخَة تكذبا مَعًا مثل الكليتين فِي مَادَّة الْإِمْكَان مثل قَوْلنَا كل إِنْسَان كَاتب وَلَيْسَ وَلَا وَاحِد من النَّاس بكاتب أَو تصدقا وَفِي نُسْخَة تصدقان مَعًا مثل الجزئيتين فِي مَادَّة الْإِمْكَان أَيْضا مثل قَوْلنَا بعض النَّاس كَاتب بعض وَفِي نُسْخَة وَبَعض النَّاس لَيْسَ بكاتب
بل التَّنَاقُض فِي المحصورات إِنَّمَا يتم بعد الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة وَفِي نُسْخَة بعد الشَّرْط الْمَذْكُور بِأَن تكون إِحْدَى القضيتين كُلية وَالْأُخْرَى جزئية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْحَاصِل أَن اعْتِبَار هَذِه الْأُمُور حَيْثُ يتَعَلَّق بالحكم غير اعْتِبَارهَا من حَيْثُ تعلقهَا بأجزائه
وَالْمرَاد هَهُنَا اعْتِبَار تعلقهَا بالحكم حَتَّى يكون اعْتِبَارهَا مباينا لاعْتِبَار أَجزَاء الْقَضِيَّة
4 - أَقُول يُرِيد أَن يبين أَن المحصورات المتقابلة مَعَ اختلافها فِي الْكَيْفِيَّة وَمَعَ حُصُول شَرَائِط الثَّمَانِية فِيهَا لَا تتناقض إِلَّا مَعَ شَرط آخر وَهُوَ الِاخْتِلَاف فِي الكمية وَذَلِكَ لِأَن المتفقين فِيهَا قد يصدقان مَعًا كالجزئيتين فِي مَادَّة الْإِمْكَان وَقد يكذبان مَعًا كالكليتين فِيهَا أَيْضا
فَذَلِك الِاخْتِلَاف بِتِلْكَ الشَّرَائِط وَإِن كَانَ مقتسما للصدق وَالْكذب فِي مواد أخر كمواد الْوُجُوب والامتناع لكنه لَا يَقْتَضِي الانقسام لذاته وَإِلَّا لَكَانَ مقتسما فِي جَمِيع الْمَوَاضِع(1/304)
5 - ثمَّ وَفِي نُسْخَة ثمَّ أَن بعد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة بعد تِلْكَ الشَّرَائِط قد يحوج فِيمَا يُرَاعِي لَهُ جِهَة إِلَى شَرَائِط تحققها
6 - فلتكن الْمُوجبَة أَولا كُلية
ولنعتبر فِي الْموَاد فَنَقُول إِذا قُلْنَا كل إِنْسَان حَيَوَان
لَيْسَ بعض النَّاس بحيوان
كل إِنْسَان كَاتب
لَيْسَ بعض النَّاس بكاتب
كل إِنْسَان حجر
لَيْسَ بعض النَّاس بِحجر
وجدنَا إِحْدَى القضيتين صَادِقَة وَالْأُخْرَى كَاذِبَة
وَإِن كَانَت الصادقة وَفِي نُسْخَة وَإِن كَانَ الصَّادِق وَفِي أُخْرَى وَإِن كَانَ الصدْق فِي الْوَاجِب غَيرهَا وَفِي نُسْخَة غير مَا فِي الْأُخْرَى
ولتكن وَفِي نُسْخَة لتكن أَيْضا السالبة هِيَ الْكُلية ولنعتبر كَذَلِك فَنَقُول إِذا قُلْنَا
لَيْسَ وَلَا وَاحِد من النَّاس بحيوان
بعض النَّاس حَيَوَان
لَيْسَ وَلَا وَاحِد من النَّاس بِحجر
بعض النَّاس حجر
لَيْسَ وَلَا وَاحِد من النَّاس بكاتب
بعض النَّاس كَاتب
وجدنَا الاقتسام أَيْضا حَاصِلا
وَاعْتبر من نَفسك الصَّادِق والكاذب فِي كل مَادَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5 - يُرِيد أَن ذَوَات الْجِهَة مفتقرة إِلَى شَرَائِط أخر تزيد على هَذِه التِّسْعَة على مَا تحققها
6 - يُرِيد امتحان المحصورات المتناقضة فِي الْموَاد الثَّلَاثَة فأورد أمثلتها وَكَانَ الصَّادِق هُوَ الْمُوجبَة فِي مَادَّة الْوُجُوب
والسالبة فِي مَادَّة الِامْتِنَاع
والجزئية فِي مَادَّة الْإِمْكَان
والكاذبة مَا يقابلها(1/305)
7 - والمناسبات الْجَارِيَة فِي مختلفات الْكَيْفِيَّة والكمية وَفِي نُسْخَة الكمية دون الْكَيْفِيَّة وَفِي أُخْرَى والكيفية دون الكمية وَفِي رَابِعَة مختلفات الكمية وَإِلَى الْكَيْفِيَّة والكيفية دون الكمية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
7 - جرت الْعَادة بِأَن يوضع لَهَا لوح هَكَذَا
مُوجبَة كُلية متضادان كل (ج) (ب)
سالبة كُلية لَا شَيْء من (ج) (ب)
مُوجبَة جزئية بعض (ج) (ب)
سالبة جزئية لَيْسَ بعض (ج) (ب)
فمختلفتا الْكَيْفِيَّة متفقتا الكمية إِن كَانَتَا كليتين سميتا متضادتين لجَوَاز اجْتِمَاعهمَا على الْكَذِب دون الصدْق وَهُوَ فِي مَادَّة الْإِمْكَان
وَإِن كَانَتَا جزئيتين سميتا داخلتين تَحت التضاد لدخولهما تَحت الكليتين وهما يجوز أَن يجتمعا على الصدْق دون الْكَذِب كَمَا فِي تِلْكَ الْمَادَّة بِعَينهَا
ومتفقتا الْكَيْفِيَّة مختلفتا الكمية وهما الواقعتان فِي الطول سميتا متداخلتين لدُخُول إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى
ومختلفتاهما مَعًا وهما المتقاطرتان وَفِي نُسْخَة المتناظرتان سميتا متناقضتين لِامْتِنَاع اجْتِمَاعهمَا على الصدْق وَالْكذب فِي شَيْء من الْموَاد(1/306)
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى التَّنَاقُض الْوَاقِع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْوَاقِع بَين المطلقات وَتَحْقِيق نقيض الْمُطلق والوجودي
1 - إِن النَّاس قد أفتوا على سَبِيل التحريف وَقلة التَّأَمُّل أَن للمطلقة نقيضا من المطلقات وَلم يراعوا فِيهَا وَفِي نُسْخَة فِيهِ إِلَّا الِاخْتِلَاف فِي الْكَيْفِيَّة والكمية وَفِي نُسْخَة فِي الكمية والكيفية وَلم يتأملوا حق التَّأَمُّل أَنه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَنه كَيفَ يُمكن أَن تكون أَحْوَال الشُّرُوط الْأُخْرَى حَتَّى يَقع التقابل فَإِنَّهُ إِذا عَنى بقولنَا كل [ج] [ب] أَن وَفِي نُسْخَة أَي كل وَاحِد من [ج] [ب] من غير زِيَادَة كل وَقت أَي أُرِيد إِثْبَات لكل عدد من غير زِيَادَة كَون ذَلِك الحكم فِي كل وَاحِد كل وَقت وَإِن لم يمْتَنع وَفِي نُسْخَة يمْنَع ذَلِك لم يجب أَن يكون قَوْلنَا كل [ج] [ب] يناقضه قَوْلنَا لَيْسَ بعض [ج] [ب] فيكذب إِذا صدق ذَلِك وَيصدق إِذا كذب ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - زعم جُمْهُور المنطقيين أَن المطلقات تتناقض إِذا تخالفت فِي الكيف والكم مَعًا وغفلوا عَن شَرط يخْتَص بذوات الْجِهَة لَا تصير بِدُونِهَا لَعَلَّ الصَّوَاب بِدُونِهِ متناقضة وَالْحق أَن المطلقات المتخالفة فِي الكيف والكم عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة قد تَجْتَمِع على الصدْق
بل المتضادة الَّتِي هِيَ أَشد القضايا امتناعا عَن الْجمع على الصدْق قد تَجْتَمِع أَيْضا عَلَيْهِ إِذا كَانَت مُطلقَة وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْمَادَّة وجودية لَا دائمة فَإِن الحكم عَلَيْهَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا بِإِيجَاب مُطلق ويسلب مُطلق يصدق مَعًا فِي قَوْلنَا كل إِنْسَان نَائِم وَبَعْضهمْ أَو كلهم لَيْسَ بنائم(1/307)
بل وَلم يجب أَن لَا يُوَافقهُ فِي الصدْق مَا هُوَ مضاد لَهُ أَعنِي السَّلب الْكُلِّي فَإِن الْإِيجَاب على كل وَاحِد إِذا لم يُمكن بِشَرْط كل وَقت جَازَ أَن يصدق مَعَه السَّلب عَن كل وَاحِد أَو عَن الْبَعْض وَفِي نُسْخَة عَن بعض إِذا لم يكن فِي كل وَقت
2 - بل وَجب أَن يكون نقيض قَوْلنَا كل [ج] [ب] بِالْإِطْلَاقِ الْأَعَمّ بعض [ج] هُوَ دَائِما لَيْسَ ب [ب] ونقيض قَوْلنَا لَا شَيْء من [ج] [ب] الَّذِي بِمَعْنى كل [ج] يَنْفِي عَنهُ [ب] بِلَا زِيَادَة هُوَ قَوْلنَا بعض [ج] دَائِما هُوَ [ب]
وَأَنت تعرف الْفرق بَين هَذِه الدائمة والضرورية
ونقيض قَوْلنَا بعض [ج] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ [ج] [ب] بِهَذَا الْإِطْلَاق هُوَ وَفِي نُسْخَة وَهُوَ قَوْلنَا كل [ج] دَائِما يسلب وَفِي نُسْخَة يَنْفِي عَنهُ [ب]
وَهُوَ يُطَابق اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي السَّلب الْكُلِّي وَهُوَ أَنه لَا شَيْء من [ج] [ب] بِحَسب التعارف الْمَذْكُور
ونقيض قَوْلنَا لَيْسَ بعض [ج] [ب] هُوَ قَوْلنَا كل [ج] دَائِما هُوَ [ب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - لما أبطل قَوْلهم حاول تَحْقِيق الْحق فِيهِ
وَبَين أَن نقيض الْمُطلقَة الْعَامَّة هِيَ الدائمة الْمُخَالفَة فِي الكيف الَّتِي تعم الضرورية وَغَيرهَا وَذَلِكَ لِأَن الْأَقْسَام الْعَقْلِيَّة هِيَ
إِمَّا دوَام إِيجَاب ضَرُورِيًّا كَانَ أَو لم يكن
وَإِمَّا دوَام سلب ضَرُورِيًّا كَانَ أَو لم يكن
وَإِمَّا وجود خَال عَن الدَّوَام
والمطلقة الْعَامَّة الإيجابية تشْتَمل على الأول وَالثَّالِث وتخلى عَن الثَّانِي
والسلبية تشْتَمل على الثَّانِي وَالثَّالِث وتخلى عَن الأول
فالمقابلة للإيجابية هِيَ الدائمة السلبية وللسلبية هِيَ الدائمة الْمُوجبَة(1/308)
3 - وَأما الْمُطلقَة الَّتِي هِيَ أخص وَهِي الَّتِي خصصناها نَحن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة نَحن باسم الوجودية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِذن الْمُقَابلَة للمطلقة الْعَامَّة هِيَ الدائمة الْمُخَالفَة فِي الكيف وَلَا يجوز أَن يكون نقيضها ضَرُورِيَّة مُخَالفَة لِأَنَّهُمَا تُكَذِّبَانِ مَعًا إِن كَانَت الْمَادَّة دائمة لَا ضَرُورِيَّة مُخَالفَة للمطلقة وموافقة للضرورية
أما الْمُطلقَة فَإِنَّمَا تكذب لِأَن الْمَادَّة دَائِما مُخَالفَة لَهَا وَأما الضرورية فَلِأَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّة
وَالشَّيْخ أورد المحصورات الْأَرْبَع بالتفصيل وابتدأ بالكليتين وَبَين أَن نقيضهما الدائمتان الجزئيان
ثمَّ قَالَ وَأَنت تعرف الْفرق بَين هَذِه الدائمة والضرورية بعد تنَاول الدائمة لَهَا ولغيرها وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْفرق بَينهمَا فِي الجزئيات ظَاهر
ثمَّ قَالَ ونقيض قَوْلنَا بعض (ج) (ب) بِهَذَا الْإِطْلَاق هُوَ قَوْلنَا كل (ج) دَائِما يسلب عَنهُ (ب) وَهُوَ يُطَابق اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي السَّلب الْكُلِّي وَهُوَ أَنه لَا شَيْء من (ج) (ب) بِحَسب التعارف الْمَذْكُور إِلَى قَوْله كل (ج) دَائِما هُوَ (ب)
وَفِيه نظر وَهُوَ أَن السالبة الْكُلية من الدائمة والمطلقة الْعُرْفِيَّة
تتطابقان فِي اعْتِبَار الدَّوَام والاشتمال على الضَّرُورَة واللاضرورة
وتتخالفان فِي أَن الحكم فِي إِحْدَاهمَا بِحَسب الذَّات وَفِي الْأُخْرَى بِحَسب الْوَصْف
فَإِذن ليستا بمتطابقتين على الْإِطْلَاق وَلَو كَانَتَا متطابقتين مُطلقًا لَكَانَ الْمُطلقَة الْعَامَّة تنَاقض الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة إِذا تخالفتا وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا يَجِيء بَيَانه
3 - قد ذكرنَا أَن الوجودية تَارَة يعْتَبر فِيهِ اللاضرورة وَتارَة يعْتَبر فِيهِ اللادوام
وَالْمُطلق الْعَام إِنَّمَا يفصل على الأول بالضروري الذاتي وعَلى الثَّانِي بالدائم الْمُحْتَمل للضروري فنقيضاهما نقيض الْمُطلق الْعَام مُضَافا إِلَى مَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ وَفِي نُسْخَة تخليان عَنهُ مِمَّا هُوَ دَاخل فِي الْمُطلق الْعَام أَعنِي نقيض الوجودي اللاضروري
إِمَّا ضَرُورِيّ مُوَافق
وَإِمَّا دَائِم مُخَالف
نقيض الوجودي اللادائمة دَائِم
إِمَّا مُوَافق أَو مُخَالف(1/309)
4 - فَإِذا قُلْنَا فِيهَا كل [ج] [ب] أَي على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ كَانَ نقيضه لَيْسَ إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة مَا بدل إِنَّمَا بالوجود كل [ج] [ب] أَي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَي بل إِمَّا بِالضَّرُورَةِ وَفِي نُسْخَة إِمَّا بِالضَّرُورَةِ كَذَلِك وَفِي أُخْرَى إِمَّا بِالضَّرُورَةِ دَائِما بعض وَفِي نُسْخَة كل [ج] [ب] أَو [ب] مسلوب عَنْهَا كَذَلِك
5 - وَإِذا قُلْنَا فِيهَا لَيْسَ وَلَا شَيْء من [ج] [ب] أَي على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ كَانَ النقيض الْمُقَابل لَهُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَهُ مَا يفهم من قَوْلنَا بعض [ج] دَائِما لَهُ إِيجَاب [ب] أَو سلبه عَنهُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا سبق الحكم أَن كل [ج] يَنْفِي عَنهُ [ب] وقتا مَا لَا دَائِما فَإِنَّمَا يُقَابله أَن يكون نفي وَفِي نُسْخَة نفيا دَائِما أَو إِثْبَات وَفِي نُسْخَة إِثْبَاتًا دَائِما وَلَا نجد لَهُ وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاعْلَم أَن إِجْمَاع السالبة الدَّاخِلَة فِي نقيض قَضِيَّة ذَات جِهَة وَاحِدَة كَمَا وَقعت الْوَاجِب أَن يوضع مَوضِع ذَلِك النقيض قَضِيَّة وَاحِدَة على وَجه لَا يَخْلُو الحكم فِيهَا عَن إِحْدَى تِلْكَ الْجِهَات لَو أمكن
4 - وَفِي بعض النّسخ أَي بل إِمَّا دَائِما بعض (ج) (ب) أَو (ب) مسلوب عَنهُ كَذَلِك وَالصَّحِيح هُوَ الْأَخير وَحده وَذَلِكَ لِأَن نقيض الوجودي اللادائم وَالْأول لَيْسَ بنقيض لأحد الوجودين بل إِنَّمَا نقيض الْمُمكن الْخَاص فَلَعَلَّ السَّهْو إِنَّمَا وَقع من الناسخين
وَمِمَّا يدل على أَن الْحق هُوَ الْأَخير أَنه أورد فِي نقائض بَاقِي المحصورات دوَام الطَّرفَيْنِ لَا ضرورتهما
5 - أَي لَا تَجِد قَضِيَّة تشْتَمل على الدائمتين المختلفتين لَا قسْمَة فِيهَا بالسلب والإيجاب لِأَنَّهُمَا فِي الْكل وَالْبَعْض لَا تتداخلان أَو يعْتَبر وجودهَا كَمَا لَو وضعت جِهَة تشْتَمل على الدائمتين المختلفتين فَقَط
ثمَّ قيل فِي هَذَا الْموضع إِن الحكم على بعض (ج) (ب) بِتِلْكَ الْجِهَة(1/310)
نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَهُ قَضِيَّة لَا وَفِي نُسْخَة وَلَا قسْمَة فِيهَا مُقَابلَة أَو يعسر وجودهَا
6 - ونقيض قَوْلنَا بعض [ج] [ب] بِهَذَا الْوَجْه لَا شَيْء وَفِي نُسْخَة لَيْسَ لَا شَيْء من [ج] إِنَّمَا هُوَ بالوجود [ب]
بل إِمَّا كل [ج] [ب] دَائِما أَو لَا شَيْء من [ج] [ب] دَائِما وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بل إِمَّا كل [ج] [ب] دَائِما أَو لَا شَيْء من [ج] [ب] دَائِما
ونقيض قَوْلنَا لَيْسَ بعض وَفِي نُسْخَة بعض لَيْسَ [ج] [ب] أَي وَفِي نُسْخَة تظن ليسية بِهَذَا الْمَعْنى هُوَ قَوْلنَا كل [ج] إِمَّا دَائِما [ب] وَفِي نُسْخَة دَائِما إِمَّا [ب] وَإِمَّا دَائِما لَيْسَ ب [ب]
7 - وَلَا تَظنن أَن قَوْلنَا لَيْسَ بِالْإِطْلَاقِ شَيْء من [ج] [ب] الَّذِي هُوَ نقيض قَوْلنَا بِالْإِطْلَاقِ شَيْء من [ج] [ب] هُوَ فِي معنى قَوْلنَا بِالْإِطْلَاقِ لَيْسَ شَيْء من [ج] [ب] لِأَن الأولى قد تصدق مَعَ قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ كل [ج] [ب] وَلَا تصدق مَعهَا الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَة يصدق مَعَ الآخر وَفِي أُخْرَى وَلَا يصدق مَعَه الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - وَذَلِكَ ظَاهر
وَاعْلَم أَن قَوْلنَا كل (ج) دَائِما إِمَّا (ب) وَإِمَّا لَيْسَ (ب) يصدق فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
أَحدهَا أَن تكون إِيجَابه على كل (ج) دَائِما
وَالثَّانِي أَن تكون سلبية عَن كل (ج) دَائِما
وَالثَّالِث أَن تكون إِيجَابه على الْبَعْض وسلبية على الْبَاقِي دائمين
7 - يُرِيد أَن سلب الْإِطْلَاق الَّذِي هُوَ نقيض الْإِطْلَاق لَيْسَ هُوَ إِطْلَاق السَّلب الَّذِي هُوَ أحد قسمي الْإِطْلَاق
فَإِن سلب الْإِطْلَاق الْعَام يَقع على الضَّرُورَة الْمُخَالفَة(1/311)
8 - فَإِن أردنَا أَن نجد للمطلقة نقيضا من جِنْسهَا كَانَت الْحِيلَة فِيهِ أَن نجْعَل الْمُطلقَة أخص مِمَّا يُوجِبهُ نفس الْإِيجَاب أَو السَّلب المطلقين
وَذَلِكَ مثلا أَن يكون الْكُلِّي الْمُوجب الْمُطلق هُوَ الَّذِي لَيْسَ إِنَّمَا الحكم على وَفِي نُسْخَة فِي كل وَاحِد فَقَط بل وَفِي كل زمَان كَون الْمَوْضُوع على مَا وصف وَفِي نُسْخَة يُوصف بِهِ أَو وضع وَفِي نُسْخَة وَوضع مَعَه على مَا يجب أَن يفهم من الْمُعْتَاد فِي الْعبارَة عَنهُ فِي السالب الْكُلِّي حَتَّى يكون قَوْلنَا كل [ج] [ب] إِنَّمَا يصدق إِذا كَانَ كل وَاحِد من [ج] [ب] وَفِي كل زمَان لَهُ وَفِي نُسْخَة حكم وَفِي كل وَقت حَتَّى إِذا كَانَ فِي وَقت مَا مَوْصُوفا بِأَنَّهُ [ج] بِالضَّرُورَةِ أَو غير الضَّرُورَة
وَفِي ذَلِك الْوَقْت لَا يُوصف ب (ب) كَانَ هَذَا القَوْل كَاذِبًا كَمَا يفهم من اللَّفْظ الْمُتَعَارف فِي السَّلب الْكُلِّي
9 - وَإِذا وَفِي نُسْخَة فَإِذا اتفقنا وَفِي نُسْخَة اتفقتا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسلب الْإِطْلَاق الْخَاص يَقع على الضرورتين جَمِيعًا
وَإِطْلَاق السَّلب لَا يَقع عَلَيْهَا
وَقد مر بَيَان هَذَا مرّة أُخْرَى حِين قَالَ والسالبة الوجودية الَّتِي هِيَ بِلَا دوَام غير سالبة الْوُجُود بِلَا دوَام
8 - الْبَاعِث على هَذَا أَن الْمعلم الأول وَغَيره قد يستعملون فِي القياسات الْمُطلقَة نقائض بعض المطلقات على أَنَّهَا مُطلقَة وَلذَلِك حكم الْجُمْهُور بِأَنَّهَا تتناقض فَلَمَّا أبْطلهُ الشَّيْخ أَرَادَ أَن يَجْعَل لذَلِك محملًا فتمسك بحيلتين
أَولهمَا حمل الْمُطلقَة على الْعُرْفِيَّة وَهُوَ أَن يكون الحكم دَائِما بدوام وصف الْمَوْضُوع وَحِينَئِذٍ يكون هَذَا الْوَقْت الْمُطلق أخص من الْمُطلق الْعَام وَالْحَال بَينه وَبَين الْمُطلق الْخَاص مُخْتَلف فِي الْعُمُوم فَإِنَّهُ يَشْمَل الضَّرُورِيّ والدائم بِخِلَاف الْمُطلق الْخَاص
وَالْمُطلق الْخَاص يَشْمَل اللادائم بِحَسب الْوَصْف بِخِلَافِهِ
9 - هَذَا مَوْضُوع بحث وَنظر(1/312)
على هَذَا كَانَ قَوْلنَا لَيْسَ بعض [ج] [ب] على الْإِطْلَاق نقيضا لقولنا كل [ج] [ب]
وَقَوْلنَا بعض [ج] [ب] على الْإِطْلَاق نقيضا للسالبة الْكُلية
10 - لَكنا نَكُون قد شرطنا زِيَادَة على مَا يَقْتَضِيهِ وَفِي نُسْخَة يُوجِبهُ مُجَرّد الْإِثْبَات وَالنَّفْي
11 - وَمَعَ ذَلِك فَلَا يعوزنا مُطلق وجودي بِهَذَا الشَّرْط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لِأَنَّهُ إِذا أَرَادَ بِهِ أَن المطلقات الْعُرْفِيَّة متناقضة كَانَ بَاطِلا فَإِن دوَام الْإِيجَاب بِحَسب الْوَصْف لَا يُنَاقض دوَام السَّلب بِحَسبِهِ لاحْتِمَال كَون الحكم لَا دَائِما بِحَسبِهِ إيجابيا أَو سلبا
وَإِن أَرَادَ بِهِ أَن الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة يناقضها الْمُطلقَة الْعَامَّة أَو الْخَاصَّة كَانَ أَيْضا بَاطِلا لِأَنَّهُمَا تجتمعان على الصدْق عِنْد كَون الحكم عرفيا لَا دَائِما بِحَسب الذَّات مُوَافقا للمطلقة الْعُرْفِيَّة فَإِن الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة تصدق مَعَه لكَونه عرفيا
والمطلقة الْعَامَّة والخاصة الْمُخَالفَة تصدقان أَيْضا مَعَه لكَونه لَا دَائِما بِحَسب الذَّات بل الْحق فِيهِ أَن نقيض الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة هُوَ مُطلقَة عَامَّة وَصفِيَّة مُخَالفَة وَذَلِكَ لِأَن الدَّوَام يُقَابل الْإِطْلَاق الْعَام
فَلَمَّا كَانَ الدَّوَام هَهُنَا بِحَسب وصف الْمَوْضُوع فَيَنْبَغِي أَن يكون الْإِطْلَاق الْعَام أَيْضا بِحَسبِهِ لوُجُود اتِّحَاد الشَّرْط فِي طَرِيق النقيض كَمَا مر
وَهَذَا الْإِطْلَاق يَشْمَل الدَّوَام الْمُخَالف واللاداوم كليهمَا بِحَسب الْوَصْف وَهُوَ أخص من الْإِطْلَاق الْعَام بِحَسب الذَّات بالعرفي اللادائم الْمُخَالف
10 - أَي كَانَ الْإِطْلَاق أَولا عبارَة عَن مُجَرّد الْإِثْبَات وَالنَّفْي
وَهَهُنَا قد لحقه شَرط مَا وَهُوَ الدَّوَام بِحَسب الْوَصْف
11 - قد ذكرنَا أَن لمحصلي أهل هَذِه الصِّنَاعَة فِي تَفْسِير الْإِطْلَاق رأيين
أَحدهمَا أَنه يَشْمَل الضَّرُورِيّ كَمَا ذهب إِلَيْهِ ثامطيوس وَهُوَ الْعَام
وَالثَّانِي أَنه لَا يَشْمَلهُ كَمَا ذهب إِلَى الْإِسْكَنْدَر وَهُوَ الْخَاص
وَالشَّيْخ أَرَادَ أَن يبين أَن كل وَاحِد من الرأيين يُمكن أَن يخصص على الْوَجْه الَّذِي ذهب(1/313)
12 - لِأَنَّهُ لَيْسَ إِذا كَانَ كل [ج] [ب] كل وَقت يكون فِيهِ [ج] يكون بِالضَّرُورَةِ مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات فَهُوَ [ب]
وَقد عرفت هَذَا
13 - وَالْقَوْم وَفِي نُسْخَة فالقوم الَّذين سبقُونَا وَفِي نُسْخَة سبقوا لَا يُمكنهُم فِي أمثلتهم واستعمالاتهم أَن يصالحونا على هَذَا
وَبَيَان هَذَا فِيهِ طول
وَفِي نُسْخَة أَن يصالحونا على مثل هَذَا وَبَيَان هَذَا
وَفِيه طول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِلَيْهِ هَهُنَا حَتَّى يتمشى التَّنَاقُض فِي المطلقات بِحَسب الرأيين جَمِيعًا
وَبَيَانه أَن الْعرفِيّ
يُمكن أَن يُؤْخَذ متناولا للضروري وَيكون عَاما
وَيُمكن أَن يكون غير متناول لَهَا وَيكون خَاصّا
فالمطلق الْعَام الْعرفِيّ يُوَافق الرَّأْي الأول وَالْخَاص وَهُوَ الْعرفِيّ الوجودي ويوافق الإسكندري
12 - يَعْنِي لَيْسَ إِذا صدق الْعرفِيّ يجب أَن يصدق الضَّرُورِيّ الذاتي بل قد يصدق الْعرفِيّ وَلَا يصدق الضَّرُورِيّ وَذَلِكَ حِين كَونه وجوديا
فالعرفي الوجودي مُطلق غير ضَرُورِيّ ذهب إِلَيْهِ الْإِسْكَنْدَر مَعَ أَنه يتناقض فِي جنسه
ونقيضه هُوَ نقيض الْعرفِيّ الْعَام مُضَافا إِلَى الضَّرُورِيّ الذاتي الْمُوَافق
13 - يُرِيد أَن جُمْهُور المنطقيين لَا يُمكنهُم التَّخَلُّص عَمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَهُوَ القَوْل بِكَوْن المطلقات متناقضة على الْإِطْلَاق وَذَلِكَ لأَنهم لَا يُمكنهُم أَن يحملوا الْمُطلق الْمَذْكُور فِي التَّعْلِيم الأول على مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي جَمِيع الْمَوَاضِع
فَإِن من أَمْثِلَة التَّعْلِيم الأول
المطلقات
قَوْله كل مستيقظ نَائِم وكل نَائِم مستيقظ وَمَا يجْرِي مجراهما مِمَّا لَا يُمكن حمله على الْعرفِيّ(1/314)
14 - وَإِن وَفِي نُسْخَة وَإِذا كَانَت الْحِيلَة أَيْضا أَن نجْعَل قَوْلنَا كل [ج] [ب] إِنَّمَا يقْصد وَفِي نُسْخَة يتَّصل فِيهِ وَفِي نُسْخَة قبل زمَان بِعَيْنِه
15 - لَا يعم كل آحَاد [ج] بل كل مَا هُوَ [ج] مَوْجُودا وَفِي نُسْخَة مَوْجُود فِي ذَلِك الزَّمَان
وَكَذَلِكَ قَوْلنَا لَيْسَ شَيْء من [ج] [ب] أَي من جيمات زماني مَوْجُود بِعَيْنِه
وَحِينَئِذٍ فَإنَّا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فَإنَّا إِذا حفظنا فِي الجزئيتين ذَلِك الزَّمَان بِعَيْنِه بعد سَائِر مَا يجب أَن يحفظ مِمَّا حفظه سهل صَحَّ التَّنَاقُض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَكَذَلِكَ فِي الاستعمالات فَإِن فِي التَّعْلِيم الأول قد اسْتعْمل الْمُطلقَة حَيْثُ لَا يُمكن اسْتِعْمَال الْعُرْفِيَّة هُنَاكَ
14 - هَذَا هُوَ الْحِيلَة الثَّانِيَة لِأَن نجْعَل المطلقات بِحَيْثُ تتناقض وَهِي وَفِي نُسْخَة وَهُوَ أَن يُرَاد بالموضوع مَا يُوجد مِنْهُ فِي زمَان بِعَيْنِه من الْمَاضِي وَالْحَال
كَمَا ذهب إِلَيْهِ قوم فِي تَفْسِير الْمُطلق كَمَا ذكرنَا
15 - إِشَارَة إِلَى مَا ذكرنَا من أَن هَذَا الِاعْتِبَار يَقْتَضِي جزئية الحكم
وَإِنَّمَا يَصح التَّنَاقُض بِحَسب هَذَا الِاعْتِبَار لِأَن الحكم على جيمات زمَان مَا بِأَنَّهَا جَمِيعهَا [ب] وَبِأَن بَعْضهَا لَيْسَ [ب] فِي ذَلِك الزَّمَان بِعَيْنِه مِمَّا لَا يَجْتَمِعَانِ على الصدْق وَلَا على الْكَذِب
أَقُول وَهَذَا أَيْضا يحْتَاج إِلَى شَرط آخر وَهُوَ كَون ذَلِك الزَّمَان مطابقا للْحكم غير مُحْتَمل لِأَن يَنْقَسِم إِلَى أَجزَاء يُمكن أَن يَقع الحكم فِي بَعْضهَا دون بعض فيجتمع الْوُقُوع واللاوقوع مَعًا فِي ذَلِك الزَّمَان ويصدقان مَعًا
مثلا إِذا قُلْنَا كل إِنْسَان مَوْجُود فِي نَهَار هَذِه الْجُمُعَة فَهُوَ صَائِم ذَلِك النَّهَار فَإِنَّهُ يُنَاقض قَوْلنَا بَعضهم لَيْسَ بصائم فِيهِ
وَأما إِذا قُلْنَا كل إِنْسَان مَوْجُود فِي نَهَار هَذِه الْجُمُعَة فَهُوَ مصل فِيهِ فَإِنَّهُ(1/315)
16 - وَقد قضى بِهَذَا قوم لكِنهمْ أَيْضا لَيْسَ يُمكنهُم أَن يستمروا على مُرَاعَاة هَذَا الأَصْل
وَمَعَ ذَلِك فيحتاجون إِلَى وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِلَى أَن يعرضُوا عَن مُرَاعَاة شَرَائِط لَهَا غناء
وليرجع فِي تَحْقِيق ذَلِك إِلَى كتاب الشِّفَاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَا يُنَاقض قَوْلنَا بَعضهم لَيْسَ بمصل فِيهِ لِأَنَّهُ يُمكن أَن يَكُونُوا مصلين فِي بعض أَجْزَائِهِ غير مصلين فِي الْبَعْض الآخر فَيصدق الحكمان مَعًا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي المطلقات إِلَّا أَن يُقيد أحد طَرفَيْهِ بالدوام كَمَا كَانَ ثمَّ قَوْله
16 - أَقُول يُرِيد أَن هَذَا مَذْهَب قوم فِي تَفْسِير الْإِطْلَاق كَمَا مر لَكِن الْفساد يتَوَجَّه عَلَيْهِم من جِهَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا أَنه لَا يُمكنهُم الِاسْتِمْرَار على مَذْهَبهم فِي جَمِيع الْمَوَاضِع
مثلا إِذا أَرَادوا عكس السالبة الْكُلية الْمُطلقَة وَكَانَ الْمَادَّة قَوْلنَا لَا وَاحِد من الْكتاب الْمَوْجُودين فِي هَذَا الزَّمَان بِمَالك ألف وقر ذهب ينعكس عِنْدهم إِلَى قَوْلنَا لَا وَاحِد مِمَّن يملك ألف وقر ذهب بكاتب
فَلَا يبْقى الْمَوْضُوع على شَرط فَإِنَّهُ يُمكن أَن لَا يكون فِي هَذَا الزَّمَان من يملك ألف وقر ذهب أصلا مَعَ أَن هَذِه الْقَضِيَّة يلْزمهُم أَن يجعلوها أَيْضا مُطلقَة إِذْ لَيْسَ بضرورية وَلَا مُمكنَة على تفسيرهم وَلَا خَارج عَن هَذِه الثَّلَاثَة عِنْدهم
فَظهر أَن مَذْهَبهم لَا يسْتَمر
وثانيتهما أَنهم لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى الْإِعْرَاض عَن مُرَاعَاة شَرَائِط كَثِيرَة الْفَوَائِد فِي الْعُلُوم وَغَيرهَا
وَذَلِكَ كاعتبار الْجِهَات الَّتِي تكون بِحَسب انتساب المحمولات إِلَى الموضوعات فِي طبائعها
وهم حِين يجْعَلُونَ الْجِهَات مُتَعَلقَة بالأسوار معرضون عَنْهَا ضَرُورَة(1/316)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى تنَاقض سَائِر ذَوَات الْجِهَة
1 - أما الدائمة فمناقضتها تجْرِي على نَحْو وَفِي نُسْخَة بِحَذْف كلمة نَحْو مناقضة الوجودية الَّتِي بِحَسب الْحِيلَة الأولى وتقرب مِنْهُ وَفِي نُسْخَة مِنْهَا فليعرف ذَلِك
2 - وَأما قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ كل [ج] [ب] فنقيضه لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ كل [ج] [ب] أَي بل مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن بالإمكان الْأَعَمّ دون الْأَخَص وَالْخَاص أَن لَا يكون بعض [ج] [ب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول قد مر أَن الْإِطْلَاق الْعَام والدوام الْمُحْتَمل للضَّرُورَة المتخالفين متقابلان
فنقيض هَذِه الدائمة مُطلقَة عَامَّة مُخَالفَة لَهَا فِي الكيف
ونقيض الدائمة اللاضرورية هُوَ تِلْكَ أَيْضا مُضَافَة إِلَى ضَرُورِيَّة مُوَافقَة
وَقد بَينا أَن الوجودية الْمُطلقَة الَّتِي بِحَسب الْحِيلَة الأولى إِذا كَانَت عَامَّة كَانَ نقيضها مُطلقَة عَامَّة وصيغتة مُخَالفَة
وَإِذا كَانَت خَاصَّة كَانَ نقيضها تِلْكَ أَيْضا مُضَافَة إِلَى ضَرُورِيَّة مُوَافقَة
فَظهر أَن نقيض الدائمة كنقيض الْعُرْفِيَّة إِلَّا أَن الْإِطْلَاق فِي إِحْدَاهمَا بِحَسب الذَّات وَفِي الْأُخْرَى بِحَسب الْوَصْف
وَهُوَ المُرَاد من قَوْله وتقرب مِنْهَا
2 - أَقُول الْأَقْسَام بِحَسب الضَّرُورَة ثَلَاثَة
ضَرُورَة إِيجَاب
وضرورة سلب
وَإِمْكَان خَاص(1/317)
وَيلْزمهُ مَا يلْزم هَذَا الْإِمْكَان فِي هَذَا الْموضع
وَأما وَفِي نُسْخَة وَإِنَّمَا قَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ لَا شَيْء من [ج] [ب] فنقيضه لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ لَا شَيْء من [ج] [ب] أَي بل مُمكن أَن يكون بعض [ج] [ب] بذلك الْإِمْكَان دون إِمْكَان آخر
وَقَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ بعض [ج] [ب] يُقَابله على الْقيَاس الْمَذْكُور قَوْلنَا
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة قَوْلنَا مُمكن أَن لَا يكون شَيْء من [ج] [ب] أَي بالإمكان وَفِي نُسْخَة أَي الْإِمْكَان الْأَعَمّ
وَقَوْلنَا بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ بعض [ج] [ب] يُقَابله على ذَلِك وَفِي نُسْخَة هَذَا الْقيَاس قَوْلنَا مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن يكون كل [ج] [ب] أَي الْإِمْكَان الْأَعَمّ
وَهَذَا الْإِمْكَان لَا يلْزم سالبه مُوجبه وَلَا مُوجبه سالبه فاحفظ ذَلِك وَلَا تسه وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تسه فِيهِ سَهْو الْأَوَّلين
وَقَوْلنَا مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن يكون كل [ج] [ب] بالإمكان الْأَعَمّ يُقَابله على سَبِيل النقيض لَيْسَ بممكن أَن يكون كل [ج] [ب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والإمكان الْعَام يتَنَاوَل إِحْدَى الضرورتين مَعَ الْإِمْكَان الْخَاص
فالضرورية والممكنة الْعَامَّة المختلفتان متناقضتان
هَذِه نقيضة لتِلْك
وَتلك نقيضة لهَذِهِ
والممكنة الْخَاصَّة ينقاضها مَا يتَرَدَّد بَين الضرورتين
وَالْحَال فِي جَمعهمَا فِي قَضِيَّة وَاحِدَة كالحال فِي الدَّوَام الَّذِي مر ذكره
وَالشَّيْخ ذكر هَذِه الْأَحْكَام فِي المحصورات بالتفصيل وَأَلْفَاظه ظَاهِرَة أه
وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة مَا يَلِي
إِلَّا أَن فِي قَوْله فِي آخر الْفَصْل وَقَوْلنَا مُمكن أَن لَا يكون بعض (ج) (ب) يناقضه لَيْسَ بممكن أَن لَا يكون بعض (ج) (ب)(1/318)
وَيلْزمهُ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ بعض [ج] [ب]
وتمم أَنْت من نَفسك سَائِر الْأَقْسَام على الْقيَاس الْمَذْكُور وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْمَذْكُور الَّذِي استفدته
وَقَوْلنَا مُمكن أَن يكون كل [ج] [ب] بالإمكان الْخَاص يُقَابله لَيْسَ بممكن أَن يكون كل [ج] [ب] وَلَا يلْزم هَذَا وَفِي نُسْخَة وَلَا يلْزمه أَنه مُمْتَنع أَن يكون ذَلِك أَكثر من لُزُوم أَنه وَاجِب وَفِي نُسْخَة وَجب بل لَا يلْزمه من بَاب الضَّرُورَة شَيْء
فاحفظ هَذَا
وَقَوْلنَا مُمكن أَن لَا يكون شَيْء من [ج] [ب] بِهَذَا الْإِمْكَان يُقَابله لَيْسَ بممكن أَن لَا يكون شَيْء من [ج] [ب]
وَكَأن وَفِي نُسْخَة فَكَأَن هَذَا الْقَائِل يَقُول بل وَاجِب أَن يكون شَيْء من [ج] [ب] أَو مُمْتَنع
وَكَأَنَّهُ وَفِي نُسْخَة فَكَأَنَّهُ يَقُول بِالضَّرُورَةِ بعض [ج] [ب] أَو بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ بعض [ج] [ب]
وَلَيْسَ يجمع هذَيْن أَمر وَفِي نُسْخَة الْأَمريْنِ جَامع يُمكن وَفِي نُسْخَة يمكنني فِي الْحَال أَن أعبر عَنهُ عبارَة وَفِي نُسْخَة بِعِبَارَة إيجابية حَتَّى يكون نقيض السالبة الممكنة مُوجبَة
ثمَّ مَا الَّذِي يحوج إِلَى ذَلِك وَمن الْمَعْلُوم أَن قَوْلنَا مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن لَا يكون فِي الْحَقِيقَة إِيجَاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَي بِالضَّرُورَةِ يكون كل (ج) (ب) أَو بالضروة يكون لَا شَيْء من (ج) (ب)
مَوْضُوع نظر
فَإِن الْوَاجِب أَن يُزَاد فِيهِ أَو بِالضَّرُورَةِ بعض (ج) (ب) وباقية لَيْسَ (ب)
أَو يُقَال بالإجمال بِالضَّرُورَةِ كل (ج) هُوَ إِمَّا (ب) وَإِمَّا لَيْسَ (ب) ليدْخل فِيهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة كَمَا مر فِي بَاب الدَّوَام(1/319)
هَذَا وَأما قَوْلنَا مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن يكون بعض [ج] [ب] بِهَذَا الْإِمْكَان يناقضه وَفِي نُسْخَة مناقضا قَوْلنَا لَيْسَ يُمكن أَن يكون شَيْء من [ج] [ب]
أَي بل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة بل إِمَّا ضَرُورِيّ أَن يكون أَو ضَرُورِيّ أَن لَا يكون
وَقَوْلنَا مُمكن أَن لَا يكون بعض [ج] [ب] يناقضه قَوْلنَا لَيْسَ بممكن أَن لَا يكون بعض [ج] [ب] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة يناقضه قَوْلنَا لَيْسَ بممكن أَن لَا يكون بعض [ج] [ب]
أَي بِالضَّرُورَةِ يكون كل [ج] [ب] أَو بِالضَّرُورَةِ يكون لَا شَيْء من [ج] [ب]
فَهَكَذَا وَفِي نُسْخَة هَكَذَا يجب أَن تفهم حَال التَّنَاقُض فِي ذَوَات الْجِهَة وتخلى عَمَّا يَقُولُونَ(1/320)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى عكس المطلقات
1 - الْعَكْس هُوَ أَن يَجْعَل الْمَحْمُول من الْقَضِيَّة مَوْضُوعا والموضوع محوملا مَعَ حفظ الْكَيْفِيَّة وَبَقَاء الصدْق وَالْكذب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَالْكذب بِحَالهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هَذَا رسم الْعَكْس المستوى الْخَاص بالحمليات
وَإِن جعل بدل الْمَحْمُول مَحْكُومًا عَلَيْهِ صَار رسما للعكس المستوى مُطلقًا واشتباه الْمَحْمُول بجزئه فِي الْمِثَال الْمَشْهُور وَهُوَ وَفِي نُسْخَة هُوَ قَوْلنَا لَا شَيْء من الْحَائِط فِي الوتد الَّذِي لَا ينعكس إِلَى قَوْلنَا لَا شَيْء من الوتد فِي الْحَائِط وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا لَا يَقع مِمَّن لَهُ فطانة
والقيد الَّذِي زَاد فِيهِ الْفَاضِل الشَّارِح لأَجله وَهُوَ قَوْله أَن يَجْعَل الْمَحْمُول بكليته مَوْضُوعا والموضوع بكليته مَحْمُولا لَا حَاجَة إِلَيْهِ فَإِن بعض الْمَحْمُول لَا يكون مَحْمُولا وَبَعض الْمَوْضُوع لَا يكون مَوْضُوعا
وَاشْتِرَاط حفظ الْكَيْفِيَّة وَاجِب فِي الْعَكْس اصْطِلَاحا
وَيجب اشْتِرَاط بَقَاء الصدْق أَيْضا وَإِلَّا لما كَانَ الْعَكْس لَازِما لأصل الْقَضِيَّة
وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن الأَصْل يَنْبَغِي أَن يكون صَادِقا وَالْعَكْس تَابعا لَهُ فِيهِ
بل المُرَاد أَن الأَصْل يَنْبَغِي أَن يكون بِحَيْثُ لَو صدق لصدق الْعَكْس أَي يكون وضع الأَصْل مستلزما لوضع الْعَكْس
وَأما اشْتِرَاط الْكَذِب فِيهِ فمستدرك لِأَن استلزام صدق الْمَلْزُوم لصدق لَازمه لَا يَقْتَضِي استلزام كذب الْمَلْزُوم لكذب لَازمه فَإِن اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم لَا ينْتج
وَمن الْموَاد الكاذبة مَا تصدق عكوسها كَقَوْلِنَا كل حَيَوَان إِنْسَان فَإِنَّهُ كَاذِب
وَعَكسه وَهُوَ أَن بعض النَّاس حَيَوَان صَادِق(1/321)
2 - وَقد جرت الْعَادة أَن وَفِي نُسْخَة بِأَن يبْدَأ بعكس السالبة الْمُطلقَة الْكُلية وَيبين أَنَّهَا منعكسة مثل نَفسهَا
وَالْحق أَنه وَفِي نُسْخَة أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا عكس إِلَّا بشي من الْحِيَل الَّتِي قيلت فَإِنَّهُ يُمكن أَن يسلب الضَّحَّاك سلبا بِالْفِعْلِ عَن كل أحد وَفِي نُسْخَة وَاحِد من النَّاس
وَلَا يجب أَن يسلب الْإِنْسَان عَن شَيْء من الضحاكين وَفِي نُسْخَة الضاحكين فَرُبمَا كَانَ شَيْء من الْأَشْيَاء يسلب بِالْإِطْلَاقِ عَن شَيْء لَا يكون مَوْجُودا إِلَّا فِيهِ وَلَا يُمكن سلب ذَلِك الشَّيْء عَنهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَزِيَادَة أَو الْكَذِب فِي الْكتاب سَهْو لَعَلَّه وَقع من ناسخيه فَإِن أَكثر الْكتب خَالِيَة عَنْهَا
وَقد رَأَيْت بعض نسخ هَذَا الْكتاب أَيْضا خَالِيا عَنْهَا وَكثير من الْمُتَأَخِّرين لم يتنبهوا لهَذَا وَذكروا قيد الْكَذِب فِي مصنفاتهم
2 - أَقُول يُرِيد أَن السالبة الْكُلية الْمُطلقَة عَامَّة كَانَت أَو خَاصَّة لَا تنعكس إِلَّا إِذا كَانَت بِحَسب الحيلتين المذكورتين
وَبَين ذَلِك بِأَن الشَّيْء الَّذِي لَهُ خَاصَّة مُفَارقَة قد ينسلب وَفِي نُسْخَة يسلب عَنْهَا بِالْإِطْلَاقِ وَيمْتَنع سلبه عَنْهَا
فَإِذن الانعكاس لَا يطرد فِي جَمِيع الْموَاد
هَذَا هُوَ المُرَاد من قَوْلنَا لَا تنعكس
وَذكر الْفَاضِل الشَّارِح أَن بعض الْأَعْرَاض الْعَامَّة أَيْضا كَذَلِك لموضوعاتها كالمتحرك للْإنْسَان فَلَا فَائِدَة للتخصيص بالخاصة
أَقُول وَلَعَلَّ الشَّيْخ إِنَّمَا خص الْبَيَان بالخاصة لكَونهَا نَاصح فَإِن إِيجَاب الْمَوْضُوع على الْخَاصَّة الَّتِي هِيَ الْقَابِل للعكس الْمَطْلُوب إِنَّمَا يكون كليا وعَلى الْعرض جزئيا والامتناع عَن الْجمع على الصدْق فِي المتضادين أوضح مِنْهُ فِي المتناقضين
قَوْله(1/322)
3 - وَالْحجّة الَّتِي يحتجون بهَا لَا تلْزم إِلَّا أَن تُؤْخَذ الْمُطلقَة على أحد الْوَجْهَيْنِ الآخرين
وَأما أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَن تِلْكَ الْحجَّة كَيفَ هِيَ فَهِيَ أَنا إِذا قُلْنَا لَيْسَ وَلَا شَيْء من [ج] [ب] فَيلْزم أَن يصدق لَيْسَ وَلَا شَيْء من [ب] [ج] الْمُطلقَة وَإِلَّا صدق وَفِي نُسْخَة لصدق نقيضها وَهُوَ أَن الْبَعْض [ب] [ج] الْمُطلقَة
فلنفرض ذَلِك الْبَعْض شَيْئا معينا وَليكن [د] فَيكون [د] نَفسهَا وَفِي نُسْخَة بِعَينهَا [ج] و [ب] مَعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
3 - أَقُول هَذِه الْحجَّة قد أوردت فِي التَّعْلِيم الأول
وَاعْترض بعض المنطقيين عَلَيْهَا
أَولا بِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على بَيَان انعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة وَهُوَ إِنَّمَا يتَبَيَّن فِي مَوْضِعه بانعكاس السالبة الْكُلية وَذَلِكَ دور
وَثَانِيا بِأَنَّهَا بيّنت بالخلف الَّذِي يبين بعد هَذَا عِنْد ذكر القياسات الشّرطِيَّة
ثمَّ أورد حجَّة أُخْرَى بدلهَا على مَا سَيَأْتِي ذكرهَا وَأجَاب بِهِ من بعده بِأَن هَذِه الْحجَّة لَيست مَبْنِيَّة على بَيَان انعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة بل إِنَّمَا تثبت بالافتراض كَمَا ذكره الشَّيْخ
وَلَو كَانَ بَيَانهَا بانعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة وَكَانَ ذَلِك الْبَيَان فِي مَوْضِعه بالافتراض لَا بِالْبِنَاءِ على انعكاس السالبة الْكُلية لما كَانَ دورا بل كَانَ سوء تَرْتِيب من غير ضَرُورَة
وَالْخلف وَإِن كَانَ مَوضِع ذكره فِي القياسات الشّرطِيَّة فَهُوَ قِيَاس بَين بِنَفسِهِ وَفِي نُسْخَة نَفسه إِنَّمَا يذكرهُ تجريده عَن الْمَادَّة فِي ذَلِك الْموضع لكَونه أحد تِلْكَ الْأَنْوَاع لَا لِأَنَّهَا محتاجة إِلَى بَيَان أورد هُنَاكَ
وَقيل على الافتراض إِنَّه مَبْنِيّ على قِيَاس من الشكل الثَّالِث هَكَذَا
(ى) هُوَ (ج) و (ى) هُوَ (ب)(1/323)
فَيكون شَيْء مِمَّا هُوَ [ج] [ب] وَذَلِكَ الشَّيْء هُوَ [د] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة هُوَ د وَإنَّهُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَإنَّهُ الْمَفْرُوض
لَا أَن الْعَكْس الجزئي الْمُوجب قد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قد أوجبه فَإنَّا لم نعلم بعد انعكاس الجزئي الْمُوجب وَقد كُنَّا قُلْنَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة قُلْنَا لَا شَيْء مِمَّا هُوَ وَفِي نُسْخَة بتكرار كلمة هُوَ [ج] [ب]
هَذَا محَال
4 - وَأما الْجَواب عَنْهَا فَهُوَ أَن هَذَا لَيْسَ بمحال إِذا أَخذ السَّلب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فبعض (ج) هُوَ (ب)
وَالْحق أَنه لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْحُدُود لَيست بمتباينة وَلَا بَعْضهَا مَحْمُولا على بعض
فالصورة لَيست بِقِيَاس فضلا عَن أَن يكون من الشكل الثَّالِث
بل مَعْنَاهُ أَن الشَّيْء الَّذِي يُوصف ب (ب) بِعَيْنِه فِي ذهننا ونسميه (ى) فَهُوَ الَّذِي حمل عَلَيْهِ (ج) فَلَزِمَ مِنْهُ أَن يكون الشَّيْء الَّذِي يحمل عَلَيْهِ (ج) يُوصف ب (ب)
فَيكون بعض مَا هُوَ (ج) (ب)
فَلَيْسَ هَذَا إِلَّا تصرف مَا فِي مَوْضُوع ومحمول بالغرض وَالتَّسْمِيَة وَفِي نُسْخَة بتكرار وَالتَّسْمِيَة
وَالْقِيَاس يَسْتَدْعِي حدا مغايرا لَهما
وَتَسْمِيَة الشَّيْء لَا تصيره شَيْئَيْنِ
فَهَذَا حَال هَذِه الْحجَّة
فالشيخ بَين أَنَّهَا لَا تنجح فِي بَيَان انعكاس المطلقات الْمَذْكُورَة بل تنجح فِي بَيَان انعكاس المطلقات بِحَسب إِحْدَى الحيلتين
قَوْله
4 - أَقُول يُشِير إِلَى عدم إنجاحها هَهُنَا بِأَن الْخلف يلْزم لَو كَانَ بعض (ج) (ب) يُنَاقض لَا شَيْء من (ج) (ب) المطلقتين لكنهما رُبمَا يَجْتَمِعَانِ على الصدْق(1/324)
مُطلقًا وَفِي نُسْخَة الْمُطلق لَا بِحَسب عَادَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة عَادَة الْعبارَة وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة عَنهُ فَقَط فقد علمت أَنَّهُمَا فِي الْمُطلقَة يصدقان كَمَا قد يصدق سلب الضَّحَّاك بِالْفِعْلِ السَّلب الْمُطلق عَن وَفِي نُسْخَة على كل وَاحِد وَاحِد من النَّاس وإيجابه على بَعضهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَمَا قيل لَهُ إِنَّه محَال فِي تِلْكَ الْحجَّة لَيْسَ بمحال بل مُمكن
ويمثل بالإنسان وَالضَّحَّاك حِين يُقَال كل إِنْسَان لَيْسَ بضحاك مُطلقًا ويدعى أَنَّهَا تنعكس إِلَى قَوْلنَا كل ضحاك لَيْسَ بِإِنْسَان وَإِلَّا فبعض مَا هُوَ ضحاك هُوَ إِنْسَان
وبالافتراض بعض الْإِنْسَان ضحاك
فالمحال إِنَّمَا يلْزم لَو كَانَ هَذَا مُمْتَنع الْجمع على الصدْق مَعَ قَوْلنَا كل إِنْسَان لَيْسَ بضحاك لكنهما يصدقان مَعًا
فالمحال غير لَازم
وَقد ألف الْحَكِيم الْفَاضِل أَبُو نصر الفارابي قِيَاسا من قَوْله بعض (ب) (ج) نقيض الْعَكْس الْمَطْلُوب
وَمن قَوْله لَا شَيْء من (ج) (ب) الأَصْل الَّذِي يُرِيد عَكسه
فأنتج بعض (ب) لَيْسَ (ب) هَذَا خلف
وَاسْتَحْسنهُ الشَّيْخ
وَأَقُول إِنَّه لَا يُفِيد الْمَطْلُوب إِلَّا إِذا كَانَت النتيجة بعض (ب) لَيْسَ (ب) عِنْد مَا تكون (ب) حَتَّى تكون كَاذِبَة مُشْتَمِلَة على الْخلف
وَإِلَّا فَرُبمَا تكون صَادِقَة وَذَلِكَ لِأَن الْمَوْصُوف ب (ب) قد يُمكن أَن يَخْلُو عَنهُ وَحِينَئِذٍ يكون مسلوبا عَنهُ بِالْإِطْلَاقِ
فَإنَّا نقُول كل نَائِم مستيقظ مُطلقًا
وَلَا نقُول شَيْء من المستيقظ بنائم مَا دَامَ مستيقظا
وَهَذَانِ ينتجان لَا شَيْء من النَّائِم بنائم وَهُوَ حق
وَهَذَا التَّأْلِيف يُفِيد فِي هَذَا الْموضع بعد أَن يعلم أَن الصُّغْرَى الْمُطلقَة الوصفية مَعَ(1/325)
5 - وَأما على الْوَجْهَيْنِ الآخرين من الْإِطْلَاق فَإِن السالبة الْكُلية وَفِي نُسْخَة بِدُونِ الْكُلية تنعكس على نَفسهَا بِهَذِهِ الْحجَّة بِعَينهَا
أما على الْوَجْه الأول مِنْهُمَا فتقريره أَن نقُول قَوْلنَا لَا شَيْء من [ج] [ب] مَا دَامَ [ج] وَلَكِن عرفيا عَاما ينعكس إِلَى قَوْلنَا لَا شَيْء من [ب] [ج] مَا دَامَ [ب] وَإِلَّا فبعض [ب] [ج]
وبالافتراض بعض [ج] [ب]
وَقد كَانَ لَا شَيْء من [ج] [ب] مَا دَامَ [ج]
وَفِي بعض النّسخ بِدُونِ الْفَقْرَة من أول أما على الْوَجْه الأول إِلَى قَوْله وَقد كَانَ لَا شَيْء من [ج] [ب] مَا دَامَ [ج]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكُبْرَى الْعُرْفِيَّة السالبة ينْتج وَصفِيَّة فِي الشكل الأول
قَوْله
5 - أَقُول إِن التَّحْقِيق يَقْتَضِي أَن يكون نقيض لَا شَيْء من (ب) (ج) مَا دَامَ (ب) هُوَ بعض (ب) (ج) بِالْإِطْلَاقِ الْعَام الوصفي كَمَا ذكرنَا وَإِنَّمَا يكون عَكسه وَهُوَ بعض (ج) (ب) نقيضا لقولنا لَا شَيْء من (ج) (ب) مَا دَامَ (ج) إِذا كَانَ ذَلِك الْعَكْس أَيْضا مُطلقَة عَامَّة وَصفِيَّة لِأَنَّهُ إِن كَانَت مُطلقَة بِحَسب الذَّات أمكن اجتماعها مَعَ لَا شَيْء من (ج) (ب) مَا دَامَ (ج) على الصدْق كَمَا مر
فَهَذِهِ الْحجَّة مَبْنِيَّة على انعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة الْمُطلقَة الوصفية كنفسها
والافتراض لَا يُفِيد إِلَّا الانعكاس الْمُطلق لَهَا
أما كَون الْعَكْس أَيْضا وَصفِيَّة فمحتاج إِلَى بَيَان
ثمَّ نبينه بِأَن نقُول إِنَّا إِذا قُلْنَا بعض (ج) (ب) بِالْإِطْلَاقِ الوصفي كَانَ مَعْنَاهُ أَن شَيْئا مِمَّا يُوصف ب (ج) فَهُوَ فِي بعض أَوْقَات اتصافه ب (ج) يُوصف ب (ب)
وَيلْزم مِنْهُ أَن ذَلِك الشي فِي ذَلِك الْوَقْت يكون مَوْصُوفا ب (ب) وب (ج)
فَإِذن بعض مَا يُوصف ب (ب) مَوْصُوف ب (ج) فِي بعض أَوْقَات اتصافه ب (ب) وَحِينَئِذٍ تتمّ الْحجَّة
وَأما إِذا كَانَ الْعرفِيّ وجوديا فَإِنَّهُ ينعكس أَيْضا وَقد اخْتلف فِي جِهَة عَكسه(1/326)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَقَوْل الشَّيْخ يُوهم أَنه يَقُول بِأَنَّهُ ينعكس عرفيا عَاما لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشِّفَاء يجوز أَن يكون كالأصل
وَهَذَا يدل على أَنه يكون أَيْضا بِخِلَاف الأَصْل أَعنِي يكون ضَرُورِيًّا وعَلى هَذَا التَّقْدِير فالبيان بطرِيق الْخلف هُوَ الَّذِي مر من غير تفَاوت
وَقَالَ القَاضِي الساوي صَاحب البصائر إِنَّه يجب أَن يكون كالأصل لِأَنَّهُ لَو كَانَ دَائِما أَو ضَرُورِيًّا لَكَانَ عكس الْعَكْس الَّذِي هُوَ الأَصْل أَيْضا دَائِما أَو ضَرُورِيًّا وَذَلِكَ لانعكاسهما على أَنفسهمَا هَذَا خلف
وَقَالَ من تَأَخّر عَنهُ زَمَانا أَنا نقُول لَا شَيْء من الْكَاتِب بساكن لَا دَائِما بل مَا دَامَ كَاتبا وَلَا نقُول فِي عَكسه لَا شَيْء من السَّاكِن بكاتب لَا دَائِما لِأَن بعض مَا هُوَ سَاكن يَدُوم سكونه كالأرض وَلأَجل وَفِي نُسْخَة فَإلَى ذَلِك كَانَ الْعَكْس عرفيا عَاما مُحْتملا للضَّرُورَة أَو الدَّوَام
وَقَالَ آخر بعده هَذَا الْعرفِيّ يجب أَن يكون الْبَعْض مِنْهُ عرفيا خَاصّا لِئَلَّا يلْزم مَا أوردهُ صَاحب البصائر
وَأَقُول فِي تَقْدِيره إِن هَذَا الْعَكْس لَا يحفظ الكمية والجهة مَعًا بل يحفظ إِحْدَاهمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَحدهَا إِمَّا الكمية وَحِينَئِذٍ تصير فِي الْجِهَة عَامَّة
وَإِمَّا الْجِهَة وَحِينَئِذٍ تصير فِي الكمية جزئية
أما الانعكاس فَلِأَن الأَصْل يَقْتَضِي امْتنَاع اجْتِمَاع وصفي (ج) و (ب) وَيلْزم على ذَلِك أَن الْمَوْصُوف ب (ب) حَال اتصافه بِهِ لَا يكون مَوْصُوفا ب (ج)
وَأما انحفاظ الْجِهَة فِي الْبَعْض فَلِأَن الأَصْل يَقْتَضِي أَن تكون ذَات [ج] قد تَخْلُو عَن الاتصاف بِهِ وَإِلَّا لَكَانَ عدم اتصافها ب (ب) أَيْضا دَائِما وَكَانَ لَا دَائِما هَذَا خلف
وَإِنَّهَا قد تتصف ب (ب) فِي بعض أَوْقَات خلوها عَن (ج) وَإِلَّا لَكَانَ [ب] دَائِم السَّلب عَنْهَا وَكَانَ لَا دَائِما
هَذَا خلف
فَتلك الذَّات عِنْد اتصافها ب (ب) يمْتَنع أَن تُوصَف ب (ج) لَا دَائِما وَلَكِن مَا دَامَت(1/327)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَوْصُوفَة ب (ب) وَهُوَ الْمَطْلُوب
وَأما احْتِمَال الْعُمُوم فَلِأَن (ب) لما أمكن أَن يكون مَحْمُولا فِي الْإِيجَاب على الذَّات الموصوفة ب (ج) احْتمل أَن لَا يكون أَعم مِنْهَا فَيكون شَيْء مَا آخر يُوصف ب (ب) وَلَا يحمل عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة على تِلْكَ الذَّات أصلا
وَلَا محَالة تكون تِلْكَ الذَّات ضَرُورِيَّة السَّلب عَن ذَلِك الشَّيْء
فلأجل ذَلِك لَا يَصح أَن يسلب (ج) على كل مَا يُوصف ب (ب) بالوجود بل عَن بعضه وَأما عَن كُله فِيمَا يَشْمَل الْوُجُود والضرورة وَهُوَ الْعرفِيّ الْعَام
وَاعْلَم أَن الْعرفِيّ الْعَام يصدق مَعَ احتمالات كَثِيرَة ككون الْجِهَة ضَرُورِيَّة فِي الْكل ودائمة فِي الْكل أَو وجودية عرفية فِي الْكل
أَو ضَرُورِيَّة فِي الْبَعْض ودائمة فِي الْبَعْض
أَو ضَرُورِيَّة فِي الْبَعْض ووجودية فِي الْبَعْض
أَو دائمة فِي الْبَعْض ووجودية فِي الْبَعْض
أَو ضَرُورِيَّة ودائمة ووجودية مَعًا فِي الأبعاض
وَهَذَا الْعرفِيّ الْعَام يصدق مَعَ أَرْبَعَة احتمالات مِنْهَا هِيَ
أَن تكون وجودية فِي الْكل أَو فِي الْبَعْض وَلَا تصدق مَعَ بَاقِيهَا
وَأما على الْوَجْه الثَّانِي من الْوَجْهَيْنِ الآخرين فتقريره أَن نقُول
قَوْلنَا لَا شَيْء من (جيمات) الزَّمَان الْفُلَانِيّ ب (ب) فِي ذَلِك الزَّمَان ينعكس إِلَى قَوْلنَا لَا شَيْء من (ب) ب (ج) فِي ذَلِك الزَّمَان لَا أَن يشرط فِي (ب) أَن يكون مَوْجُودا فِي ذَلِك الزَّمَان
فَإِنَّهُ رُبمَا لَا يكون بِشَيْء مِمَّا يُوصف بِهِ وجود (ج) كَمَا ذكرنَا وتمثلنا فِيهِ بِمَالك ألف وقر ذهب
بل ندعي صدق حكم الْعَكْس فِي ذَلِك الزَّمَان ونبينه بِأَنَّهُ لَو لم يكن ذَلِك حَقًا لَكَانَ بعض (ب) (ج) فِي ذَلِك الزَّمَان
فبالافتراض يكون بعض (ج) (ب) فِي ذَلِك الزَّمَان وَقد كَانَ لَا شَيْء من جيمات ذَلِك الزَّمَان ب (ب) هَذَا خلف(1/328)
6 - وَأما وَفِي نُسْخَة فَأَما الْحجَّة المحدثة الَّتِي لَهُم من وَفِي نُسْخَة على طَرِيق المباينة الَّتِي أحدثت بعد وَفِي نُسْخَة من بعد الْمعلم الأول فَلَا نحتاج إِلَى أَن نذكرها فَإِنَّهَا وَإِن أعجب بهَا وَفِي نُسْخَة أعجبها عَالم مزورة وَقد بَينا حَالهَا فِي كتاب الشِّفَاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْكَلَام على تنَاقض المطلقات بِهَذَا الْوَجْه قد مر فَلَا وَجه لإعادته
قَوْله
6 - أَقُول الْحجَّة المحدثة الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا أَنَّهَا أحدثت بعد الِاعْتِرَاض على الْحجَّة الأولى وَقد استحسنها الْحَكِيم الْفَاضِل أَبُو نصر وَهِي أَنهم قَالُوا (ج) مباين ل (ب)
ومباين المباين مباين
ف (ب) أَيْضا مباين ل (ج)
فَلَا شَيْء من (ب) (ج)
واستدرك الْفَاضِل الشَّارِح على هَذِه الْأَلْفَاظ بِأَن قَالَ قد يكون مباين المباين هُوَ الشَّيْء نَفسه فَلَا يجب أَن يكون مباينا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا جعل المباين ل (ب) هُوَ (ج) فالمباين لَهُ قد يكون (ب) وَقد يكون غَيره
وَقد كَانَ فِي قَوْلهم مباين المباين الْمُضَاف بِفَتْح الْيَاء على أَنه اسْم الْمَفْعُول والمضاف إِلَيْهِ بِكَسْر الْيَاء على أَنه اسْم الْفَاعِل
والفاضل الشَّارِح ظنهما بِالْكَسْرِ سَهوا فَاعْترضَ عَلَيْهِم بِمَا ذكره
وَوجه ازورار هَذِه الْحجَّة مَا ذكره الشَّيْخ فِي الشِّفَاء وَهُوَ أَن المباينة تقع بالاشتراك على معَان مُخْتَلفَة
كَالَّتِي بالإمكان
وَالَّتِي بِالْحَدِّ
وَالَّتِي بالسلب
وَالْمرَاد مِنْهَا هَهُنَا الَّتِي بالسلب(1/329)
7 - وَأما الْكُلية الْمُوجبَة فَإِنَّهَا
لَا يجب أَن تنعكس كُلية فَرُبمَا كَانَ الْمَحْمُول أَعم من الْمَوْضُوع وَلَا يجب أَيْضا أَن تنعكس مُطلقَة صرفه بِلَا ضَرُورَة فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ الْمَحْمُول وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَعم من الْمَوْضُوع وَلَا يجب أَيْضا أَن تنعكس مُطلقَة صرفه بِلَا ضَرُورَة فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ الْمَحْمُول غير ضَرُورِيّ للموضوع
والموضوع ضَرُورِيًّا وَفِي نُسْخَة ضَرُورِيّ للمحمول
مثل التنفس لذِي الرئة من الْحَيَوَان فَإِنَّهُ وجودي لَيْسَ بدائم اللُّزُوم وَلكنه وَفِي نُسْخَة وَلَكِن ضَرُورِيّ لَهُ الْحَيَوَان ذُو الرئة فَإِن كل متنفس فَإِنَّهُ بِالضَّرُورَةِ حَيَوَان ذُو رئة
بل إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة رُبمَا تنعكس الْمُطلقَة وَفِي نُسْخَة بالمطلقة مُطلقَة عَامَّة تحْتَمل الضَّرُورَة وَفِي نُسْخَة الضرورية لَكِن الْكُلية الْمُوجبَة يَصح عكسها جزئيا مُوجبا لَا محَالة فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كل [ج] [ب] كَانَ لنا أَن نجد شَيْئا معينا هُوَ [ج] [ب] فَيكون ذَلِك [الْجِيم] [ب] وَذَلِكَ [الْبَاء] [ج]
وَكَذَلِكَ الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة تنعكس مثل نَفسهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَيرجع قَوْلهم
(ج) مباين ل (ب) إِلَى أَنه قد يسلب عَنهُ (ب)
وَقَوْلهمْ مباين المباين مباين إِلَى أَن مَا سلب عَنهُ شَيْء فَيجب أَن يكون مسلوبا على ذَلِك الشَّيْء
وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوب نَفسه مأخوذا فِي بَيَانه
قَوْله
7 - أَقُول الْمُوجبَة الْكُلية من المطلقات لَا تنعكس كليا لاحْتِمَال أَن يكون الْمَحْمُول أَعم من الْمَوْضُوع(1/330)
8 - وَإِن وَفِي نُسْخَة فَإِن كَانَ الْكُلِّي والجزئي الموجبان من المطلقات الَّتِي لَهَا من جِنْسهَا نقيض برهن على أَنَّهَا تنعكس جزئية من طَرِيق أَنه أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِن لم يكن حَقًا أَن بعض [ب] [ج] فَلَا شَيْء من [ب] [ج] وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة فَلَا شَيْء من [ج] [ب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا مُطلقَة خَالِيَة عَن الضَّرُورَة لاحْتِمَال أَن يكون الْمَوْضُوع ضَرُورِيًّا للمحمول سَوَاء كَانَ الْمَحْمُول ضَرُورِيًّا لَهُ أَو غير ضَرُورِيّ
بل تنعكس جزئية للافتراض
ومطلقة عَامَّة لِأَن مَوْضُوع الْمُوجبَة إِنَّمَا يكون ثَابتا على الْوَجْه الْمَذْكُور
والإيجاب الْمُطلق يَقْتَضِي ثُبُوت الْمَحْمُول لذات الْمَوْضُوع بِالْفِعْلِ
فَفِي الْعَكْس تصير تِلْكَ الذَّات مَوْضُوعَة مَعَ الْمَحْمُول وَتصير جِهَة الأَصْل جِهَة لمحموله الَّذِي صَار مَوْضُوعا فِي الْعَكْس بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الذَّات والجهة الَّتِي كَانَت لوصف الْمَوْضُوع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فِي الأَصْل جِهَة الْعَكْس
وكلتاهما مطلقتان فجهة الْعَكْس أَيْضا مُطلقَة
وَمَا ذهب إِلَيْهِ الْفَاضِل الشَّارِح من كَون جِهَة الْعَكْس مُمكنَة بِنَاء على أَنَّهَا كَذَلِك فِي الضَّرُورِيّ فَلَيْسَ بِشَيْء وَسَيَجِيءُ بَيَانه
قَوْله
8 - قيل هَذَا الْقَيْد لَا فَائِدَة فِيهِ
قَالَ صَاحب البصائر وَذَلِكَ لِأَن الْحجَّة عَامَّة غير متخصصة بالمطلقات الَّتِي لَهَا من جِنْسهَا نقيض وَذَلِكَ لِأَن جَمِيع المطلقات الْمُوجبَة تنعكس إِلَى الْمُطلقَة الْعَامَّة الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة وَإِلَّا لصدق نقيضها وَهُوَ السالبة الدائمة الْكُلية وتنعكس كنفسها إِلَى مَا يضاد الأَصْل
وَقيل فَائِدَة هَذَا التَّخْصِيص هِيَ أَن انعكاس السالبة الدائمة يبين بانعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة الْمُطلقَة فَيلْزم الدّور(1/331)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ يُمكن أَن يبين انعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة بالافتراض حَتَّى لَا يكون دورا
وَأَقُول الْوَجْه فِي فَائِدَة هَذَا الْقَيْد أَن الشَّيْخ لم يبين انعكاس المطلقات بانعكاس السالبة الدائمة الَّذِي لم يبين بعد احْتِرَازًا
إِمَّا عَن الدّور
أَو من سوء التَّرْتِيب
لَكِن لما كَانَ نقيض الْعَكْس الَّذِي يدعى صِحَّته سالبة دائمة كُلية
وَكَانَ عِنْده أَنَّهَا تطابق السالبة الْعُرْفِيَّة على مَا ذهب إِلَيْهِ فِي بَاب التَّنَاقُض
وَقد بَين أَن السالبة الْعُرْفِيَّة تنعكس كنفسها
فَإِذن كَانَ عكسها ضدا ونقيضا للْأَصْل بِحَسب مَا ذهب إِلَيْهِ وَلم يكن الْكَلَام مَبْنِيا على مَا بعده
وَاعْلَم أَن الْخلف لَا يُفِيد الْعلم بِجِهَة الْعَكْس على التَّعْيِين لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على نقيض الْمَطْلُوب الْمعِين فَكيف يُفِيد تعْيين الْمَطْلُوب
بل يُفِيد الْعلم بِمَا يصدق مَعَ الْعَكْس من لوازمه وَإِن كَانَ أَعم مِنْهُ
وَاعْتبر هَذَا الْخلف فَإِنَّهُ يطرد مَعَ دَعْوَى الْإِمْكَان الْعَام للعكس اضطراده مَعَ الْإِطْلَاق
أَقُول المطلقات الْعُرْفِيَّة تنعكس مُطلقَة عَامَّة وَصفِيَّة لما مر
والعرفية الوجودية تنعكس وجودية كنفسها ذَلِك لأَنا إِذا قُلْنَا كل (ج) (ب) لَا دَائِما مَا دَامَ (ج) حكمنَا بِأَن كل مَا يُوصف ب (ج) فَإِنَّهُ يُوصف ب (ب) لَا دَائِما
وَذَلِكَ لِأَن دوَام الاتصاف ب (ج) المستلزم ل (ب) يَقْتَضِي دوَام الإتصاف ب (ب) هَذَا خلف
فَإِذن بعض (ب) الَّذِي هُوَ (ج) إِنَّمَا يُوصف ب (ج) لَا دَائِما بل فِي بعض أَوْقَات اتصافه ب (ب)
فالعكس مُطلق بِحَسب الْوَصْف وجودي بِحَسب الذَّات(1/332)
9 - وَأما وَفِي نُسْخَة فَأَما الْجُزْئِيَّة السالبة فَلَا عكس لَهَا فَإِنَّهُ يُمكن أَن لَا يكون كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل [ج] [ب] ثمَّ يكون وَفِي نُسْخَة بِدُونِ يكون كل [ب] [ج] فَلَيْسَ لَيْسَ وَفِي نُسْخَة لَيْسَ لَيْسَ وَفِي أُخْرَى بِدُونِ تكْرَار لَيْسَ كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل [ب] [ج]
مثل أَن الْحق هُوَ أَنه لَيْسَ بعض النَّاس بضحاك بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ بممكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن لَا يكون شَيْء مِمَّا هُوَ ضحاك بِالْفِعْلِ إنْسَانا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذِه فَائِدَة لَا يُعْطي أَمْثَالهَا الْخلف ابْتِدَاء بل إِنَّمَا تعطيها اللمية وَلذَلِك لم يتَنَبَّه لَهَا المعتمدون على الْخلف
وَأما بعد التَّنْبِيه فقد يُمكن أَن يبين بالخلف
قَوْله
9 - يُرِيد أَن السالبة الْجُزْئِيَّة غير الْمُطلقَة الضرورية رُبمَا تكون صَادِقَة وعكسها إِنَّمَا يصدق مُوجبَة كُلية ضَرُورِيَّة لَا سالبة جزئية
ويمثل بِصدق قَوْلنَا لَيْسَ بعض النَّاس ضَاحِكا مَعَ صدق قَوْلنَا كل ضَاحِك بِالضَّرُورَةِ إِنْسَان وَامْتِنَاع أَن يصدق مَعَه نقيضه الَّذِي هُوَ السالبة الْجُزْئِيَّة فَإِذن هِيَ غير منعكسة
وَقد ذكر أثير الدّين الْمفضل الْأَبْهَرِيّ وَغَيره أَن السالبة الْجُزْئِيَّة إِذا كَانَت عرفية وجودية فَإِنَّهَا تنعكس كنفسها وَذَلِكَ إِذا قُلْنَا لَيْسَ بعض (ج) (ب) مَا دَامَ (ج) لَا دَائِما حكمنَا باتصاف شَيْء مَا بصفتي (ج) و (ب) المتعاندين فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين
فَإِذن بعض مَا يُوصف ب (ب) يسلب عَنهُ (ج) مَا دَامَ مَوْصُوفا ب (ب) لَا دَائِما(1/333)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة إِلَى عكس الضروريات
1 - فَأَما وَفِي نُسْخَة وَأما السالبة الْكُلية الضرورية فَإِنَّهَا تنعكس مثل نَفسهَا
فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بِالضَّرُورَةِ [ب] مسلوبة وَفِي نُسْخَة مسلوب عَن كل [ج]
ثمَّ أمكن أَن يُوجد بعض [ب] [ج]
وَفرض ذَلِك انعكس وَفِي نُسْخَة الْعَكْس الْعَكْس ذَلِك
وَكَانَ بعض [ج] [ب] على مُقْتَضى الْإِطْلَاق الَّذِي يعم الضَّرُورِيّ وَغَيره
وَهَذَا لَا يصدق أَلْبَتَّة مَعَ السَّلب وَفِي نُسْخَة سلب الضَّرُورِيّ الْكُلِّي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْكُلِّي بل صَدَقَة مَعَه محَال فَمَا أدّى إِلَيْهِ محَال
وَلَك وَفِي نُسْخَة وَذَلِكَ أَن تبين ذَلِك بالافتراض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَرَادَ الْبَيَان بالخلف فَأخذ نقيض الْمَطْلُوب وَكَانَ مُوجبَة جزئية مُمكنَة عَامَّة وَهُوَ معنى قَوْله ثمَّ أمكن أَن يُوجد بعض (ب) (ج) وَكَانَ انعكاسها مِمَّا لم يتَبَيَّن بعد فَلم يبين الْكَلَام عَلَيْهَا بل فَرضهَا مُطلقَة وَهُوَ معنى قَوْله وَفرض ذَلِك وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ ذَلِك لِأَن هَذَا الْمُمكن هُوَ مَا لَا يلْزم عَن فرض وجوده محَال
ثمَّ عكس الْمُطلقَة على مَا بَينهَا من قبل فانعكست مُطلقَة عَامَّة تنَاقض الأَصْل بِحَسب الْكَيْفِيَّة والكمية ويضادها بِحَسب الْجِهَة
بل يلْزمهَا من الممكنات الْعَامَّة مَا يُنَاقض الأَصْل مُطلقًا فَلَزِمَ الْخلف وَهُوَ معنى قَوْله بل صَدَقَة مَعَه محَال(1/334)
وَفِي نُسْخَة بالإفراض فتجعل ذَلِك الْبَعْض [د] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة [د] فتجد بعض مَا هُوَ [ج] قد صَار [ب] وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَقد وضعت لَا شَيْء من [ج] [ب] هَذَا محَال
2 - والكلية وَفِي نُسْخَة وكليته الْمُوجبَة الضرورية تنعكس وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة على نَفسهَا جزئية مُوجبَة بِمَا وَفِي نُسْخَة لما بَين وَفِي نُسْخَة تبين من حكم الْمُطلق الْعَام وَفِي نُسْخَة الْمُطلقَة الْعَامَّة لَكِن لَا يجب أَن تنعكس ضَرُورِيَّة فَإِنَّهُ يُمكن أَن يكون عكس الضَّرُورِيّ مُمكنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَطْلُوب وَقَالَ فَلم يكن مَا فرضناه مُمكنا مُمكنا لِأَنَّهُ أدّى إِلَى محَال والمؤدي إِلَى الْمحَال محَال وَهُوَ المُرَاد من قَوْله فَمَا أدّى إِلَيْهِ محَال
وَقد تمّ كَلَامه
ثمَّ إِنَّه ذكر أَن بَيَان انعكاس الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالافتراض لِئَلَّا يذهب الْوَهم إِلَى تخيل دور قَوْله
2 - الْحق أَنَّهَا تنعكس جزئية مُوجبَة مُطلقَة عَامَّة بِمثل مَا مر فِي المطلقات
وَبَعض المنطقيين ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا تنعكس كنفسها ضَرُورِيَّة
وَالشَّيْخ أَرَادَ أَن يرد عَلَيْهِم فَأَشَارَ
أَولا إِلَى أَنَّهَا تنعكس جزئية مُوجبَة مُطلقَة عَامَّة بِمثل مَا مر فِي المطلقات وَفِي بعض النّسخ بِزِيَادَة بل وَصفِيَّة لوُجُوب كَون الْمَحْمُول لَازِما لذات الْمَوْضُوع وَهُوَ أخص من الْمُطلقَة الْعَامَّة
وَبَعض المنطقيين ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا تنعكس كنفسها ضَرُورِيَّة
وَالشَّيْخ أَرَادَ أَن يرد عَلَيْهِ فَأَشَارَ
أَولا إِلَى أَنَّهَا تنعكس جزئية مُوجبَة بِمثل مَا مر فِي المطلقات
ثمَّ اشْتغل فِي الرَّد فَقَالَ وَلَا يجب أَن تنعكس ضَرُورِيَّة وَبَينه بمثال الْإِنْسَان(1/335)
فَإِنَّهُ مُمكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن يكون [ج] كالضحاك ضَرُورِيًّا وَفِي نُسْخَة ضَرُورِيّ لَهُ [ب] كالإنسان
و [ب] كالإنسان غير ضَرُورِيّ لَهُ [ج] كالضحاك
وَمن قَالَ غير هَذَا وَأَنْشَأَ يحتال وَفِي نُسْخَة يخْتَار فِيهِ فَلَا تصدقه
فعكسها إِذن الْإِمْكَان الْأَعَمّ وَفِي نُسْخَة الْعَام
والموجبة الْجُزْئِيَّة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْجُزْئِيَّة الضرورية أَيْضا تنعكس جزئية على ذَلِك الْقيَاس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والضاحك ثمَّ قَالَ وَمن قَالَ غير هَذَا وَأَنْشَأَ يحتال فِيهِ فَلَا تصدقه أَي يحتال لبَيَان أَن الْعَكْس ضَرُورِيّ
وَهُوَ أَنهم يَقُولُونَ ذَلِك الْعَكْس
إِمَّا أَن يكون ضَرُورِيًّا كالأصل
أَو لَا يكون
فَإِن كَانَ فَهُوَ الْمَطْلُوب
وَإِلَّا فلينعكس الْعَكْس مرّة أُخْرَى إِلَى غير ضَرُورِيّ لِأَن الضَّرُورِيّ لما انعكس إِلَى غير الضَّرُورِيّ فَغير الضَّرُورِيّ أولى بِأَن ينعكس إِلَيْهِ
وَغير الضَّرُورِيّ يضاد الأَصْل
وَذَلِكَ خلف
وَهَذَا غير صَحِيح لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن عكس غير الضَّرُورِيّ غير ضَرُورِيّ وَهُوَ لَيْسَ ببين بل الضَّرُورِيّ وَغير الضَّرُورِيّ ينعكسان إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا
ثمَّ رَجَعَ الشَّيْخ إِلَى إنتاج الْمَطْلُوب الَّذِي هُوَ إبِْطَال مَذْهَبهم فَقَالَ فعكسها إِذن الْإِمْكَان الْأَعَمّ أَي الشَّامِل للضَّرُورَة واللاضرورة
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْمَطْلُوب لما كَانَ هُوَ الرَّد على من زعم أَنه ضَرُورِيّ وَكَانَ الْبُرْهَان عَلَيْهِ أَنه يُمكن أَن يكون أَيْضا غير ضَرُورِيّ فِي بعض الْموَاد فَالْوَاجِب أَن يُورد فِي النتيجة مَا يشملهما مَعًا لَا مَا يثبت ببرهان آخر
إِذْ لَو كَانَ قَالَ إِنَّه الْإِطْلَاق الْعَام وَفِي نُسْخَة الْأَعَمّ لكَانَتْ النتيجة غير مَا اقْتَضَاهُ ببرهانه(1/336)
3 - والسالبة الْجُزْئِيَّة وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة الضرورية لَا تنعكس لما علمت
ومثاله بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ كل حَيَوَان إِنْسَان
ثمَّ كل إِنْسَان حَيَوَان لَيْسَ لَيْسَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ تكْرَار لَيْسَ كل إِنْسَان حَيَوَان وَفِي نُسْخَة حَيَوَان وَفِي أُخْرَى حَيَوَانا إِنْسَان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَيْسَ قَوْله إِنَّه الْإِمْكَان الْأَعَمّ بمناف لكَونه أخص مِنْهُ فِي نفس الْأَمر على مَا صرح بِهِ فِي سَائِر كتبه
وَمَا تمسك بِهِ الْفَاضِل الشَّارِح فِي احْتِمَال أَن يكون الْعَكْس مُمكنا وَهُوَ قَوْله إِن الْعَكْس قد يكون مُمكنا لَا يدْخل فِي الْوُجُود كَمَا لَو فرض أَن الْإِنْسَان لَا يصير كَاتبا فِي مُدَّة وجوده
فضعيف وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُنَافِي الأَصْل فَإِن الأَصْل يَقْتَضِي ثُبُوت الْكَاتِب الَّذِي أثبت لَهُ الإنسانية بِالضَّرُورَةِ فَإِن الْكَاتِب مَا لم يكن كَاتبا لَا يكون إنْسَانا
وَلما ثَبت وَثَبت أَنه إِنْسَان ثَبت أَنه حَاصِل أَيْضا لما هُوَ الْإِنْسَان
قَوْله
3 - وَذَلِكَ ظَاهر(1/337)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى عكس الممكنات
1 - وَأما القضايا الممكنة فَلَيْسَ وَفِي نُسْخَة فَلَا يجب لَهَا عكس فِي السَّلب فَإِنَّهُ لَيْسَ إِذا لم يمْتَنع بل أمكن أَن يكون لَا وَفِي نُسْخَة أَن لَا يكون شَيْء من النَّاس يكْتب يجب أَن يُمكن وَلَا يمْتَنع أَن لَا يكون أحد مِمَّن يكْتب إنْسَانا
أَو بعض من وَفِي نُسْخَة مِمَّن يكْتب إنْسَانا
وَكَذَلِكَ هَذَا الْمِثَال يبين الْحَال فِي الْمُمكن الْخَاص والأخص وَفِي نُسْخَة أَو الْأَخَص فَإِن الشَّيْء قد يجوز أَن يَنْفِي عَن شَيْء وَذَلِكَ الشَّيْء لَا يجوز أَن يَنْفِي عَنهُ شَيْء وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة شَيْء لِأَنَّهُ مَوْضُوعه الْخَاص الَّذِي لَا يعرض إِلَّا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - يُرِيد بِهِ قَول بعض الْفُضَلَاء فِي بَيَان أَن الْمُمكن الْخَاص ينعكس كنفسه وَهُوَ أَنا إِذا قُلْنَا كل حَيَوَان يُمكن أَن يكون نَائِما من جِهَة مَا هُوَ نَائِم فبعض مَا هُوَ نَائِم فَهُوَ من جِهَة مَا هُوَ نَائِم يُمكن أَن يكون حَيَوَانا لِأَن حيوانيته لَيست لَهُ من جِهَة مَا هُوَ نَائِم حَتَّى تكون لَهُ ضَرُورِيَّة من تِلْكَ الْجِهَة
ورد الشَّيْخ بِأَنَّهُ مغالطة أما
أَولا فَلِأَن قَوْله من جِهَة مَا هُوَ نَائِم أَخذ جُزْء من الْمَحْمُول فِي الأَصْل وَالْعَكْس جَمِيعًا وَكَانَ يجب أَن يَجْعَل جُزْءا من الْمَوْضُوع فِي الْعَكْس وَيصير الْعَكْس فبعض مَا هُوَ نَائِم من جِهَة مَا هُوَ نَائِم يُمكن أَن يكون حَيَوَانا
وَحِينَئِذٍ يكون كذبه ظَاهرا لِأَن النَّائِم من جِهَة مَا هُوَ نَائِم لَا يكون حَيَوَانا وَلَا شَيْء آخر غير النَّائِم
وَأما(1/338)
وَأما وَفِي نُسْخَة أما فِي الْإِيجَاب فَيجب لَهَا عكس وَلَكِن لَيْسَ يجب أَن يكون فِي الْمُمكن الْخَاص مثل نَفسه
وَلَا تستمع وَفِي نُسْخَة تسمع إِلَى قَول وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قَول من يَقُول إِن الشَّيْء إِذا كَانَ مُمكنا غير ضَرُورِيّ لموضوعه فَإِن وَفِي نُسْخَة إِن مَوْضُوعه يكون كَذَلِك لَهُ
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَهُ
وَتَأمل المتحرك بالإرادة كَيفَ هُوَ من الممكنات للحيوان وَكَيف الْحَيَوَان ضَرُورِيّ لَهُ
وَلَا تلْتَفت إِلَى تكلفات قوم فِيهِ بل كل أَصْنَاف الْإِمْكَان تنعكس فِي الْإِيجَاب بالإمكان الْأَعَمّ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كل [ج] [ب] بالإمكان وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بالإمكان أَو بعض [ج] [ب] بالإمكان فبعض [ب] [ج] بالإمكان الْأَعَمّ وَإِلَّا فَلَيْسَ بممكن وَفِي نُسْخَة يُمكن أَن يكون شي من [ب] [ج]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثَانِيًا فَلِأَن هَذَا الْمِثَال وَإِن كَانَ حَقًا فَهُوَ لَا يُفِيد الْمَطْلُوب لِأَن انعكاس الْقَضِيَّة فِي مَادَّة وَاحِدَة لَا يَقْتَضِي انعكاسها مُطلقًا
بل عدم انعكاسها فِي مَادَّة يَقْتَضِي عدم انعكاسها مُطلقًا
وَقَوله وَرُبمَا قَالَ قَائِل مَا بالكم لَا تعكسون السالبة الممكنة الْخَاصَّة إِشَارَة إِلَى مَذْهَب بعض القدماء فَإِنَّهُم حكمُوا بِأَنَّهَا تنعكس جزئية لِأَنَّهَا فِي قُوَّة موجبتها وَهِي معكسة مُوجبَة مُمكنَة جزئية
وَإِنَّمَا حكمنَا بِأَنَّهَا لَا تنعكس إِلَى ذَلِك لِأَن الْعَكْس يجب أَن يكون بِشَرْط بَقَاء الْكَيْفِيَّة على مَا وَقع عَلَيْهِ الِاصْطِلَاح مِنْهَا وَلَعَلَّ الْقَائِلين بانعكاسها إِنَّمَا ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك بظنهم عكسها فِي قُوَّة سالبة مُمكنَة جزئية
وَقد غلطوا فِيهِ لِأَن الْمُوجبَة الممكنة الْخَاصَّة لَا تنعكس خَاصَّة بل عَامَّة لَيست موجبتها فِي قُوَّة سالبتها
قَوْله وَقوم يدعونَ للسلب الجزئي الْمُمكن عكسا إِشَارَة أَيْضا إِلَى بعض مذاهبهم وَبَاقِي الْفَصْل غَنِي عَن الشَّرْح(1/339)
فبالضرورة على مَا علمت لَا شَيْء من [ب] [ج] وَفِي نُسْخَة من [ج] [ب] وينعكس بِالضَّرُورَةِ وَفِي نُسْخَة فبالضرورة لَا شَيْء من [ج] [ب] هَذَا خلف وَفِي نُسْخَة بدل عبارَة وينعكس خلف فبالضرورة شَيْء من [ج] [ب] هَذَا خلف
وَرُبمَا قَالَ قَائِل مَا بالكم لَا تعكسون السالبة الممكنة الْخَاصَّة وقوتها قُوَّة الْمُوجبَة
فَنَقُول وَفِي نُسْخَة فَاعْلَم إِن السَّبَب وَفِي نُسْخَة السَّلب فِي ذَلِك أَنَّهَا أَعنِي الْمُوجبَة إِنَّمَا تنعكس إِلَى مُوجبَة وَفِي نُسْخَة إِلَى مُوجب من بَاب الْمُمكن وَفِي نُسْخَة الْإِمْكَان الْأَعَمّ فَلَا تحفظ الْكَيْفِيَّة
وَلَو كَانَ يلْزم عكسها من الْمُمكن الْخَاص لأمكن أَن تنْقَلب وَفِي نُسْخَة تقلب من الْإِيجَاب إِلَى السَّلب فتعود الْكَيْفِيَّة فِي الْعَكْس لَكِن ذَلِك غير وَاجِب
وَقوم يدعونَ للسلب وَفِي نُسْخَة للسالب الجزئي الْمُمكن عكسا بِسَبَب انعكاس الْمُوجب الجزئي الَّذِي فِي قوته
وحسبانهم أَن ذَلِك يكون خَاصّا أَيْضا وَيعود أَيْضا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَيْضا إِلَى السَّلب
فظنهم بَاطِل قد تتحققه مِمَّا وَفِي نُسْخَة بِمَا سمعته
وَمن هَذَا الْمِثَال قَوْلنَا يُمكن أَن يكون بعض النَّاس لَيْسَ بضحاك وَلَا تَقول يُمكن أَن يكون بعض مَا هُوَ ضحاك لَيْسَ بِإِنْسَان(1/340)
النهج السَّادِس الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى القضايا من جِهَة مَا يصدق فِيهَا أَو نَحوه وَفِي نُسْخَة وَنَحْوه
1 - أَصْنَاف القضايا المستعملة فِيمَا بَين القائسين وَمن يجْرِي مجراهم أَرْبَعَة
مسلمات
ومظنونات وَمَا مَعهَا
ومشبهات بغَيْرهَا
ومخيلات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَقُول لما فرغ عَن بَيَان الْأَحْوَال الصورية للقضايا شرع فِي بَيَان أحوالها المادية فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي أَن الْبَحْث عَنْهُمَا من حَيْثُ يتَعَلَّق بالقضايا المفردة مُتَقَدم على الْبَحْث عَن صور الْأَقْوَال المتألفة عَن القضايا ومواردها
وَقَوله أَو نَحوه أَي من جِهَة مَا تخيل فَإِن التصورات تشبه التَّصْدِيق من حَيْثُ إِنَّه أَيْضا انفعال مَا للنَّفس تحدثها الْقَضِيَّة
قَوْله
1 - أَقُول يُرِيد بِمن يجْرِي مجْرى القائسين مستعملي الاستقراءات والتمثيلات
وَوجه الْحصْر أَن الْقَضِيَّة
إِمَّا أَن تَقْتَضِي تَصْدِيقًا
أَو تَأْثِيرا غير التَّصْدِيق
أَو لَا تَقْتَضِي أَحدهمَا
وَالْأول(1/341)
2 - وَالْمُسلمَات
إِمَّا معتقدات
وَإِمَّا مأخوذات
3 - والمعتقدات أَيْضا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَيْضا أصنافها ثَلَاثَة الْوَاجِب قبُولهَا
والمشهورات
والوهميات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا أَن يَقْتَضِي تَصْدِيقًا جَازِمًا
أَو غير جازم
والجازم
إِمَّا أَن يكون لسَبَب أَو لما يشبه السَّبَب
وَمَا يكون لسَبَب فَهُوَ المسلمات
وَمَا يكون لما يشبه السَّبَب فَهُوَ المشبهات بغَيْرهَا
وَغير الْجَازِم هُوَ المظنونات
وَمَا مَعهَا هُوَ المشهورات فِي بادئ الرَّأْي والمقبولات من وَجه
وَمَا يَقْتَضِي تَأْثِيرا غير التَّصْدِيق فَهُوَ المخيلات
وَمَا لَا يَقْتَضِي تَصْدِيقًا وَلَا تَأْثِيرا فَلَا يسْتَعْمل لعدم الْفَائِدَة
2 - وَذَلِكَ لِأَن السَّبَب
إِمَّا أَن يكون عَن تِلْقَاء نفس الْمُصدق
أَو من خَارج
3 - وَذَلِكَ لِأَن الحكم إِمَّا أَن يعْتَبر فِيهِ الْمُطَابقَة للْخَارِج أَولا
فَإِن اعْتبر وَكَانَ مطابقا قطعا فَهُوَ الْوَاجِب قبُولهَا
وَإِلَّا فَهُوَ الوهميات
وَإِلَّا تعْتَبر فَهُوَ المشهورات
قَوْله(1/342)
4 - وَالْوَاجِب قبُولهَا
أوليات
ومشاهدات
ومجربات وَمَا مَعهَا من الحدسيات والمواترات وقضايا قياساتها مَعهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - وَذَلِكَ لِأَن الْعقل
إِمَّا أَن لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى شي غير تصور طرفِي الحكم
أَو يحْتَاج
وَالْأول هُوَ الأوليات
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يحْتَاج إِلَى مَا يَنْضَم إِلَيْهِ ويعينه على الحكم
أَو يَنْضَم إِلَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ
أَو إِلَيْهِمَا مَعًا
وَالْأول هُوَ المشاهدات
وَالثَّانِي لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون تَحْصِيل ذَلِك الشَّيْء بالاكتساب
أَو لَا يكون
وَمَا بالاكتساب
إِمَّا أَن يكون بالسهولة
أَو لَا بالسهولة
وَالْأول هُوَ الحدسيات
وَالثَّانِي لَيْسَ من المبادئ بل هُوَ الْعُلُوم المكتسبة
وَمَا لَيْسَ بالاكتساب فَهُوَ القضايا الَّتِي قياساتها مَعهَا
وَمَا يحْتَاج فيهمَا إِلَى كليهمَا
فإمَّا أَن يكون من شَأْنه أَن يحصل بالإحساس وَهُوَ المتواترات(1/343)
5 - فلنبدأ بتعريف أنحاء الْوَاجِب قبُولهَا وأنواعها من هَذِه الْجُمْلَة
فَأَما الأوليات فِيهِ القضايا الَّتِي يُوجِبهَا الْعقل الصَّرِيح لذاته ولغريزته وَفِي نُسْخَة ولغريزتيه لَا لسَبَب من الْأَسْبَاب الخارجية عَنهُ فَإِنَّهُ وَفِي نُسْخَة وَإنَّهُ كلما وَقع لِلْعَقْلِ التَّصَوُّر لحدودها وَفِي نُسْخَة بحدودها بالكنه وَقع لَهُ التَّصْدِيق فَلَا يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِمَّا أَن لَا يكون وَهُوَ المجربات
فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام
وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ يَقْتَضِي أَنه جعلهَا أَرْبَعَة أَقسَام
أَحدهَا مَا لَا يحْتَاج فِيهِ الْعقل إِلَى شَيْء غير تصور طرفِي الحكم وَهُوَ الأوليات
وَثَانِيها مَا يستعان فِيهِ بالحواس وَهُوَ المشاهدات
وَثَالِثهَا مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى غير تصور الطَّرفَيْنِ
وَهُوَ إِمَّا خَفِي وَهُوَ المجربات وَمَا مَعهَا من الحدسيات والمتواترات
وَإِمَّا ظَاهر غير مكتسب وَهُوَ القضايا الَّتِي قياساتها مَعهَا
وَأما الظَّاهِر المكتسب فَلَيْسَ يَقع فِي المبادئ
وَاعْلَم أَن هَذِه التقسيمات لَيست بذاتية فَإِن الْأَقْسَام قد تتداخل باعتبارات كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه وَلذَلِك جعلهَا الشَّيْخ أصنافا لَا أنواعا
قَوْله
5 - أَقُول الحكم الَّذِي لَهُ عِلّة فَهُوَ إِنَّمَا يجب إِذا اعْتبر مَعَ علته وَلَا يجب بِدُونِ ذَلِك
وَالْحكم اليقيني هُوَ الْوَاجِب فِي نَفسه الَّذِي لَا يتَغَيَّر وَهُوَ الَّذِي يجب قبُوله
فَكل حكم عرف بعلته فَهُوَ يقيني وَمَا لَا يعرف بعلته فَهُوَ لَيْسَ بيقيني سَوَاء كَانَ لَهُ عِلّة أَولا
وَالْعلَّة قد تكون هِيَ أَجزَاء الْقَضِيَّة
وَقد تكون شَيْئا خَارِجا عَنْهَا(1/344)
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة التَّصْدِيق فَلَا يكون للتصديق فِيهَا وَفِي نُسْخَة فِيهِ توقف إِلَّا على وُقُوع التَّصَوُّر والفطانة وَفِي نُسْخَة والفطامة للتركيب
وَمن هَذِه وَفِي نُسْخَة وَمن هَذَا مَا هُوَ جلي للْكُلّ لِأَنَّهُ وَاضح تصور وَفِي نُسْخَة وَاضح وتصور الْحُدُود
وَمِنْهَا وَفِي نُسْخَة وَمِنْه مَا رُبمَا خَفِي وافتقر إِلَى تَأمل الخفاء وَفِي نُسْخَة تَأمل لخفاء وَفِي أُخْرَى خَفَاء بِدُونِ كلمة تَأمل فِي تصور حُدُوده
فَإِنَّهُ إِذا الْتبس التَّصَوُّر الْتبس التَّصْدِيق وَهَذَا الْقسم لَا يتوعر وَفِي نُسْخَة لَا يتوعن على الأذهان المشتعلة وَفِي نُسْخَة المشتغلة النافذة فِي التَّصَوُّر
6 - وَأما المشاهدات فكالمحسوسات وَهِي وَفِي نُسْخَة فَهِيَ القضايا الَّتِي إِنَّمَا نستفيد التَّصْدِيق بهَا من الْحس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ الحكم الأولى الَّذِي يُوجِبهُ الْعقل الصَّرِيح لنَفس تصور أَجزَاء الْقَضِيَّة لَا بِسَبَب خَارج
فَإِن كَانَت أَجزَاء الْقَضِيَّة جلية التَّصَوُّر جلية الارتباط فَهُوَ وَاضح للْكُلّ
وَإِن لم يكن كَذَلِك فَهُوَ وَاضح لمن تكون جلية عِنْده غير وَاضح لغيره
وَإِذا توقف الْعقل فِي الحكم الأولى بعد تصور الْأَجْزَاء فَهُوَ
إِمَّا لنُقْصَان الغريزة كَمَا يكون للبله وَالصبيان
وَإِمَّا لتدنيس الْفطْرَة بالعقائد المضادة للأوليات كَمَا يكون لبَعض الْعَوام والجهال قَوْله
6 - أَقُول هَذِه ثَلَاثَة أَصْنَاف
أَحدهَا نجده بحواسنا الظَّاهِرَة كَالْحكمِ بِأَن النَّار حارة
وَالثَّانِي مَا نجده بحواسنا الْبَاطِنَة وَهِي القضايا الاعتبارية بمشاهدة قوى غير الْحس الظَّاهِر(1/345)
مثل حكمنَا بِوُجُود الشَّمْس وَكَونهَا وَفِي نُسْخَة وَأَنَّهَا مضيئة وحكمنا بِكَوْن وَفِي نُسْخَة بِأَن النَّار حارة
وكقضايا اعتبارية لمشاهدة وَفِي نُسْخَة بمشاهدة قوى غير الْحس مثل معرفتنا بِأَن لنا فكرة وَأَن لنا خوفًا وغضبا
وَأَنا وَفِي نُسْخَة وَأَن وَفِي أُخْرَى وَأما نشعر بذواتنا وبأفعال ذواتنا
7 - وَأما المجربات فَهِيَ قضايا وَأَحْكَام تتبع مشاهدات منا وَفِي نُسْخَة مِمَّا تَتَكَرَّر فتفيد إدكارا بتكررها وَفِي نُسْخَة بتكرارها فيتأكد مِنْهَا عقد قوى لَا يشك فِيهِ
وَلَيْسَ على المنطقي أَن يطْلب السَّبَب فِي ذَلِك بعد أَن لَا يشك فِي وجوده فَرُبمَا أوجبت التجربة قَضَاء جزما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الثَّالِث مَا نجده بنفوسنا لَا بآلاتها وَهِي كشعورنا بذاتنا وبأفعال ذواتنا وَالْأَحْكَام الحسية جَمِيعهَا جزئية فَإِن الْحس لَا يُفِيد إِلَّا أَن هَذِه النَّار حارة وَأما الحكم بِأَن كل نَار حارة فَحكم عَقْلِي استفاده الْعقل من الإحساس بجزئيات ذَلِك الحكم وَالْوُقُوف على علله وَيجْرِي مجْرى المجربات من وَجه
قَوْله
7 - أَقُول المجربات تحْتَاج إِلَى أَمريْن
أَحدهمَا الْمُشَاهدَة المتكررة
وَالثَّانِي الْقيَاس الْخَفي
وَذَلِكَ الْقيَاس هُوَ أَن يعلم أَن الْوُقُوع المتكرر على نهج وَاحِد لَا يكون اتفاقيا فَإِذن هُوَ إِنَّمَا يسْتَند إِلَى سَبَب
فَيعلم من ذَلِك أَن هُنَاكَ سَببا وَإِن لم تعرف مَاهِيَّة ذَلِك السَّبَب
وَكلما علم حُصُول السَّبَب حكم بِوُجُود الْمُسَبّب قطعا وَذَلِكَ لِأَن الْعلم بسببية السَّبَب وَإِن لم تعرف ماهيتة يَكْفِي فِي الْعلم بِوُجُود الْمُسَبّب
وَالْفرق بَين التجربة والاستقراء
أَن التجربة تقارن هَذَا الْقيَاس(1/346)
وَرُبمَا أوجبت قَضَاء أكثريا
وَلَا تَخْلُو عَن قُوَّة قياسية خُفْيَة تخالط المشاهدات
وَهَذَا مثل حكمنَا أَن الضَّرْب بالخشب مؤلم وَإِنَّمَا نعتقد التجربة ونسخة بالتجربة إِذا أمنت النَّفس كَون الشَّيْء بالِاتِّفَاقِ
وتنضاف إِلَيْهِ أَحْوَال الْهَيْئَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْهَيْئَة فتنعقد التجربة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والاستقراء لَا يقارنه
ثمَّ إِن التجربة قد تكون كليا وَذَلِكَ عِنْد مَا يكون تكَرر الْوُقُوع بِحَيْثُ لَا يحْتَمل مَعَه تَجْوِيز اللاوقوع
وَقد يكون حكم وَاحِد
مجربا كليا عِنْد شخص
وأكثريا عِنْد آخر
وَغير مجرب أصلا عِنْد ثَالِث
وَلَا يُمكن إِثْبَات المجرب للْمُنكر الَّذِي لم يتول التجربة
قَوْله وَلَيْسَ على المنطقي أَن يطْلب السَّبَب فِي ذَلِك بعد أَن لَا يشك فِي وجوده إِنَّمَا ذَلِك على الفلسفي النَّاظر فِي كَيْفيَّة استناد المسببات إِلَى أَسبَابهَا
فالمجرب عِنْد المنطقي من المبادئ
وَعند الفلسفي لَيْسَ من المبادئ
قَوْله وتنضاف إِلَيْهِ أَحْوَال الْهَيْئَة فتنعقد التجربة فالمشاهدة إِذا تَكَرَّرت مقرونة بهيئة مَا من وُقُوع فِي زمَان بِعَيْنِه أَو مَكَان بِعَيْنِه أَو على وَجه معِين أَو مَعَ شَيْء لَا غير فَالْحكم الْكُلِّي إِنَّمَا يحصل مُقَيّدا بِتِلْكَ الْقُيُود والشرائط فَلَا يحصل مُطلقًا عَنْهَا الْبَتَّةَ
وَذَلِكَ كمن شَاهد أَن كل مَوْلُود بالزنج فَهُوَ أسود فَلهُ أَن يحكم كَذَلِك وَلَيْسَ لَهُ أَن يحكم أَن كل مَوْلُود أَيْنَمَا كَانَ فَهُوَ أسود(1/347)
8 - وَمِمَّا يجْرِي مجْرى المجربات الحدسيات
وَهِي قضايا مبدأ الحكم بهَا حدس من النَّفس قوي جدا فَزَالَ مَعَه الشَّك وأذعن لَهُ الذِّهْن
فَلَو أَن جاحدا جحد ذَلِك لِأَنَّهُ لم يتول الِاعْتِبَار الْمُوجب لقُوَّة ذَلِك الحدس أَو على سَبِيل المذاكرة وَفِي نُسْخَة المناكرة لم يتأت أَن يتَحَقَّق وَفِي نُسْخَة يُحَقّق لَهُ مَا تحقق عِنْد الحادس مثل قضائنا وَفِي نُسْخَة قضايانا بِأَن نور الْقَمَر من الشَّمْس وَفِي نُسْخَة بِأَن الْقَمَر من نور الشَّمْس لهيئات وَفِي نُسْخَة لهيئة تشكل النُّور فِيهِ
وفيهَا أَيْضا قُوَّة قياسية وَهِي شَدِيدَة الْمُنَاسبَة للمجربات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَيَنْبَغِي أَن يفرق بَين مَا يقارنه بِالذَّاتِ
وَبَين مَا يقارنه بِالْعرضِ لِئَلَّا يغلط
فَالْحَاصِل أَن التجربة تُعْطِي الحكم الْكُلِّي مُقَيّدا وَالْعقل الْمُجَرّد هُوَ الَّذِي يُعْطِيهِ مُطلقًا كَمَا أَن الْحس الَّذِي يُعْطِيهِ جزئيا
قَوْله
8 - أَقُول هِيَ جَارِيَة مجْرى المجربات فِي الْأَمريْنِ الْمَذْكُورين أَعنِي تكْرَار الْمُشَاهدَة
ومقارنة الْقيَاس
إِلَّا أَن السَّبَب فِي المجربات مَعْلُومَة السَّبَبِيَّة غير مَعْلُوم الْمَاهِيّة
وَفِي الحدسيات مَعْلُوم بِالْوَجْهَيْنِ
وَإِنَّمَا توقف عَلَيْهِ بالحدس لَا بالفكر فَإِن الْمَعْلُوم بالفكر هُوَ الْعلم النظري فَلَيْسَ من المبادئ
وَسَيَأْتِي الْفرق بَين الْفِكر والحدس فِي النمط الثَّالِث
وَلما كَانَ السَّبَب غير مَعْلُوم فِي المجربات إِلَّا من جِهَة السَّبَبِيَّة فَقَط كَانَ الْقيَاس الْمُقَارن لجَمِيع المجربات قِيَاسا وَاحِدًا(1/348)
9 - وَكَذَلِكَ القضايا التواترية وَفِي نُسْخَة المتواترية وَهِي الَّتِي تسكن إِلَيْهَا النَّفس سكونا تَاما يَزُول عَنهُ وَفِي نُسْخَة مَعَه الشَّك لِكَثْرَة الشَّهَادَات مَعَ إِمْكَانه بِحَيْثُ تَزُول الرِّيبَة عَن وُقُوع تِلْكَ الشَّهَادَات على سَبِيل الِاتِّفَاق والتواطؤ وَفِي نُسْخَة والمواطأة
وَهَذَا مثل اعتقادنا بِوُجُود مَكَّة وَوُجُود جالنيوس وإقليدس وَفِي نُسْخَة وأوقليدس وَغَيرهم وَفِي نُسْخَة وَغَيرهَا
وَمن حاول أَن يحصر هَذِه الشَّهَادَات فِي مبلغ عدد مَعْلُوم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مَعْلُوم فقد وَفِي نُسْخَة فَقَالَ أحَال فَإِن ذَلِك لَيْسَ مُتَعَلقا وَفِي نُسْخَة مُعَلّقا بِعَدَد تُؤثر الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِيهِ وَإِنَّمَا الرُّجُوع وَفِي نُسْخَة المرجوع فِيهِ إِلَى مبلغ يَقع مَعَه الْيَقِين وَفِي نُسْخَة التبين فاليقين وَفِي نُسْخَة وَالْيَقِين وَفِي أُخْرَى فالتبين هُوَ القَاضِي بتوافي وَفِي نُسْخَة بتوافر الشَّهَادَات لَا عدد الشَّهَادَات
وَهَذِه أَيْضا لَا يُمكن أَن يقنع جاحدها أَو يسكت بِكَلَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمقارن للحدسيات لَا يكون كَذَلِك فَإِنَّهَا أقيسة مُخْتَلفَة حسب اخْتِلَاف الْعِلَل فِي ماهيتها
والحدسيات أَيْضا تخْتَلف بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَشْخَاص كالمجربات وَلَا يُمكن إِثْبَاتهَا وَفِي نُسْخَة إثْبَاته لغير الحادس وَلذَلِك تعد من المبادئ
قَوْله
9 - أَقُول الشَّهَادَات
قد تكون قولية
وَقد لَا تكون كالأمارات
وَالرُّجُوع فِيهِ إِلَى حُصُول الْيَقِين وزاول الِاحْتِمَال للوثوق بِعَدَمِ مواطأة الشُّهَدَاء(1/349)
10 - وَأما القضايا الَّتِي قياساتها مَعهَا وَفِي نُسْخَة مَعهَا قياساتها فَهِيَ قضايا إِنَّمَا يصدق فِيهَا لأجل وسط
لَكِن ذَلِك الْوسط لَيْسَ مِمَّا يعزب عَن الذِّهْن فيحوج فِيهِ الذِّهْن إِلَى طلب بل كلما وَفِي نُسْخَة كَمَا أخطرت وَفِي نُسْخَة أخطر حدي وَفِي نُسْخَة حد الْمَطْلُوب بالبال خطر الْوسط بالبال وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بالبال خطر الْوسط بالبال مثل قضائنا بِأَن الِاثْنَيْنِ نصف الْأَرْبَعَة
فقد استقصينا القَوْل فِي تعديد أَصْنَاف القضايا الْوَاجِب قبُولهَا من جملَة المعتقدات من جملَة المسلمات
11 - فَأَما المشهورات من هَذِه الْجُمْلَة
فَمِنْهَا أَيْضا هَذِه الأوليات وَنَحْوهَا مِمَّا يجب قبُوله لَا من حَيْثُ هِيَ وَاجِب قبُولهَا بل من حَيْثُ عُمُوم الِاعْتِرَاف بهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَامْتِنَاع اجْتِمَاعهم على الْكَذِب
وَبَعض الظاهريين من نقلة الحَدِيث ذَهَبُوا إِلَى أَنه يحصل بِشَهَادَة أَرْبَعِينَ من الثِّقَات فَرد الشَّيْخ عَلَيْهِم
وَاعْلَم أَن المتواترات أَيْضا تشْتَمل على تكْرَار وَقِيَاس إِلَّا أَن الْحَاصِل بالتواتر هُوَ علم جزئي من شَأْنه أَن يحصل بالإحساس وَذَلِكَ لَا يعْتَبر التَّوَاتُر إِلَّا فِيمَا يسْتَند إِلَى الْمُشَاهدَة
فَحكم المتواترات حكم المحسوسات وَلذَلِك لَا يَقع فِي الْعُلُوم بِالذَّاتِ
قَوْله
10 - أَقُول هَذِه تسمى فطرية القياسات
وَالْقِيَاس فِي قَوْله الِاثْنَان نصف الْأَرْبَعَة لِأَن الِاثْنَيْنِ عدد قد انقسمت الْأَرْبَعَة إِلَيْهِ وَإِلَى مَا يُسَاوِيه
وكل مَا يَنْقَسِم عدد إِلَيْهِ وَإِلَى مَا يُسَاوِيه فَهُوَ نصف ذَلِك الْعدَد
قَوْله
11 - كَمَا أَن الْمُعْتَبر فِي الْوَاجِب قبُولهَا كَونهَا مُطَابقَة لما عَلَيْهِ الْوُجُود فَالْمُعْتَبر فِي المشهورات كَون الآراء عَلَيْهَا مُطَابقَة
فبعض القضايا أولى بِاعْتِبَار ومشهور بِاعْتِبَار(1/350)
وَمِنْهَا الآراء الْمُسَمَّاة بالمحمودة وَرُبمَا خصصناها باسم الْمَشْهُورَة إِذْ لَا عُمْدَة لَهَا وَفِي نُسْخَة لَا عمدتها إِلَّا الشُّهْرَة
وَهِي آراء لَو خلى الْإِنْسَان وعقل الْمُجَرّد ووهمه وحسه وَلم يُؤَدب بِقبُول قضايا مَا وَفِي نُسْخَة قضاياها وَالِاعْتِرَاف بهَا
وَلم يمل الاستقراء بظنه الْقوي إِلَى حكم لِكَثْرَة الجزئيات وَلم يستدع إِلَيْهَا مَا فِي طبيعة الْإِنْسَان من الرَّحْمَة والخجل والأنفة وَالْحمية وَغير ذَلِك
لم يقْض بهَا الْإِنْسَان طَاعَة لعقله أَو وهمه أَو حسه
مثل حكمنَا أَن وَفِي نُسْخَة بِأَن سلب مَال الْإِنْسَان قَبِيح وَأَن الْكَذِب قَبِيح لَا ينيغي أَن يقدم عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْفرق بَينهَا وَبَين الأوليات مَا ذكره الشَّيْخ من أَن الْعقل الصَّرِيح الَّذِي لَا يلْتَفت إِلَى شَيْء غير تصور طرفِي الحكم إِنَّمَا يحكم بالأوليات من غير توقف
وَلَا يحكم بهَا بل يحكم مِنْهَا بحجج تشْتَمل على حُدُود وسطى كَسَائِر النظريات وَلذَلِك يتَطَرَّق التَّغَيُّر إِلَيْهَا دون الأوليات فَإِن الْكَذِب قد يستحسن إِذا اشْتَمَل على مصلحَة عَظِيمَة
وَالْكل لَا يستصغر بِالْقِيَاسِ إِلَى جزئه فِي حَال من الْأَحْوَال
وللشهرة أَسبَاب
مِنْهَا كَون الشَّيْء حَقًا جليا كَقَوْلِنَا الضدان لَا يَجْتَمِعَانِ
وَمِنْهَا مَا يُنَاسب الْحق الْجَلِيّ وَيُخَالِفهُ بِقَيْد خَفِي فَيكون مَشْهُورا مُطلقًا وَحقا مَعَ ذَلِك الْقَيْد كَقَوْلِنَا حكم الشَّيْء حكم شبيهه وَهُوَ حق لَا مُطلقًا وَلَكِن فِيمَا هُوَ شَبيه لَهُ
وَمِنْهَا كَونه مُشْتَمِلًا على مصلحَة شَامِلَة للْعُمُوم كَقَوْلِنَا الْعَدَالَة أحسن
وَقد يُسمى بَعْضهَا بالشرائع غير الْمَكْتُوبَة فَإِن الْمَكْتُوبَة مِنْهَا رُبمَا لَا يعم الِاعْتِرَاف بهَا
وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الشَّيْخ بقوله وَمَا تتطابق عَلَيْهِ الشَّرَائِع الإلهية
وَمِنْهَا كَون بعض الْأَخْلَاق والانفعالات مقتضية لَهَا كَقَوْلِنَا الذب عَن الْحَرَام وَاجِب وإيذاء الْحَيَوَان لَا لغَرَض قَبِيح(1/351)
وَمن هَذَا الْجِنْس مَا يسْبق إِلَى وهم كثير من النَّاس وَإِن صرف كثيرا مِنْهُم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مِنْهُم عَنهُ الشَّرْع من قبح ذبح الْحَيَوَان إتباعا لما فِي الغريزة من الرقة لمن تكون غريزته كَذَلِك وهم أَكثر النَّاس وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا يُوجِبهُ وَفِي نُسْخَة الْوَجِيه الْعقل الساذج
وَلَو توهم الْإِنْسَان وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْإِنْسَان نَفسه وَأَنه خلق دفْعَة تَامّ الْعقل وَلم يسمع أدبا وَلم يطع انفعالا نفسانيا أَو خلقيا وَفِي نُسْخَة أَو خلقا لم يقْض فِي أَمْثَال هَذِه القضايا بِشَيْء بل أمكنه أَن يجهلها وَفِي نُسْخَة يجهله ويتوقف فِيهَا وَفِي نُسْخَة فِيهِ
وَلَيْسَ كَذَلِك حَال قَضَائِهِ أَن الْكل أعظم من الْجُزْء
وَهَذِه المشهورات قد تكون صَادِقَة وَقد تكون كَاذِبَة
وَإِذا كَانَت صَادِقَة لَيست تنْسب إِلَى الأوليات وَنَحْوهَا إِذا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِذا لم تكن بَيِّنَة الصدْق عِنْد الْعقل الأول إِلَّا بِنَظَر وفكر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وفكر وَإِن كَانَت محمودة عِنْده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمِنْهَا مَا يَقْتَضِيهِ الاستقراء كَقَوْلِنَا الْعلم بالمتقابلات وَاحِد لكَونه بالمتضادات والمتضايفات وَغَيرهَا كَذَلِك ويشترك الْجَمِيع فِي أَنَّهَا
إِمَّا أَن تكون مَشْهُورَة
عِنْد الْكل كَقَوْلِنَا الْإِحْسَان إِلَى الْآبَاء حسن
أَو عِنْد الْأَكْثَرين كَقَوْلِنَا الْإِلَه وَاحِد
أَو عِنْد طَائِفَة كَقَوْلِنَا التسلسل محَال وَهُوَ مَشْهُور عِنْد بعض أهل النّظر وَفِي نُسْخَة أهل المناظرة(1/352)
والصادق غير الْمَحْمُود وَكَذَلِكَ الْكَاذِب غير الشنيع وَرب وَفِي نُسْخَة فَرب شنيع حق وَرب مَحْمُود كَاذِب
فالمشهورات وَفِي نُسْخَة اعْتِبَار عبارَة فالمشهورات أول فصل جَدِيد عنوانه تذنيب
إِمَّا من الْوَاجِبَات
وَإِمَّا من المسلمات
وَعند هَذَا الْحَد تقف بعض النّسخ وَفِي أخريات بِحَذْف كلمة المسلمات وَوضع موضعهَا كلمة التأديبيات أَو التأديبات مَعَ زِيَادَة مَا يَلِي الصلاحية وَمَا تتطابق وَفِي نُسْخَة تطابق عَلَيْهَا الشَّرَائِع الإلهية
وَإِمَّا خلقيات وانفعاليات
وَإِمَّا استقرائيات وَهِي إِمَّا بِحَسب الْإِطْلَاق
وَإِمَّا بِحَسب أَصْحَاب صناعَة وَفِي نُسْخَة بصناعة بدل بِحَسب أَصْحَاب صناعَة وملة
12 - وَأما القضايا الوهمية الصرفة فَهِيَ قضايا كَاذِبَة إِلَّا أَن الْوَهم الإنساني يقْضِي بهَا قَضَاء شَدِيد الْقُوَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ يقبل ضدها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والآراء المحمودة هِيَ مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة الْعَامَّة أَو الْأَخْلَاق الفاضلة وَهِي الذائعات
وَقد تتقابل المشهورات كَقَوْلِنَا الْحَيَاة مُؤثرَة بِاعْتِبَار وَمَوْت الشُّهَدَاء مُؤثر بِاعْتِبَار
قَوْله
12 - أَحْكَام الْوَهم فِي المحسوسات حَقه أَن يصدقهُ الْعقل فِيهَا
ولتطابقها كَانَت مَا يجْرِي مجْرى الهندسيات شَدِيدَة الوضوح
لَا يكَاد يَقع فِيهَا اخْتِلَاف آراء(1/353)
ومقابلها بِسَبَب أَن الْوَهم تَابع للحس
فَمَا لَا يُوَافق الْحس وَفِي نُسْخَة المحسوس لَا يقبله الْوَهم
وَمن الْمَعْلُوم أَن المحسوسات إِذا كَانَ لَهَا مبادئ وأصول كَانَت تِلْكَ قبل المحسوسات وَلم تكن محسوسة وَفِي نُسْخَة محسوسا وَلم يكن وجودهَا على نَحْو وجود المحسوسات فَلم يُمكن وَفِي نُسْخَة يكن أَن نتمثل ذَلِك الْوُجُود فِي الْوَهم وَلِهَذَا فَإِن الْوَهم نَفسه وأفعاله لَا تتمثل فِي الْوَهم وَلِهَذَا مَا يكون الْوَهم مساعدا لِلْعَقْلِ فِي الْأُصُول الَّتِي تنْتج وجود تِلْكَ المبادئ
فَإِذا تَعَديا مَعًا إِلَى النتيجة نكص الْوَهم وَامْتنع عَن قبُول مَا سلم مُوجبه
وَهَذَا الضَّرْب من القضايا أقوى فِي النَّفس من المشهورات الَّتِي لَيست بأولية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأما فِي المعقولات الصرفة إِذا حكمت أَحْكَام تخص المحسوسات فَهِيَ كَاذِبَة يكذبهُ الْعقل وَيَأْتِي بمقدمات لَا مُنَازعَة فِيهَا بَينهمَا ويؤلفها على صُورَة مَقْبُولَة عِنْدهمَا فينتج مَا يُنَاقض حكم الْوَهم
ويكابر الْوَهم فِي الِامْتِنَاع عَن قبُول النتيجة بعد قبُول المتقدمات والتأليف المقتضيين إِيَّاهَا لذاتهما
وَأَحْكَام الْوَهم فِيهَا هِيَ الْمُسَمَّاة بالوهميات الصرفة
وَتلك المعقولات إِمَّا أُمُور جزئية هِيَ مبادئ المحسوسات
وَإِمَّا أُمُور كُلية يعمها ويعم غَيرهَا
وَهُوَ معنى قَوْله فِي أُمُور مُتَقَدّمَة على المحسوسات أَو أَعم مِنْهَا
وَتَكون أَحْكَامه عَلَيْهَا على وَجه يمْتَنع أَن يكون عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة عَلَيْهَا كَالْحكمِ بِأَن كل مَوْجُود ذُو وضع فَإِنَّهُ يمْتَنع أَن يكون بعض الموجودات كَذَلِك
وعَلى وَجه يجب أَن يكون فِي المحسوسات كَذَلِك فَإِن كل محسوس يجب أَن يكون(1/354)
وتكاد تشاكل الأوليات وَتدْخل فِي المشبهات بهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بهَا وَهِي أَحْكَام للنَّفس فِي أُمُور مُتَقَدّمَة على المحسوسات أَو أَعم مِنْهَا على نَحْو مَا يجب أَن لَا يكون لَهَا وعَلى وَفِي نُسْخَة أَو على نَحْو مَا يجب أَن يكون أَو يظنّ فِي المحسوسات
مثل اعْتِقَاد المعتقد أَن لَا بُد من خلاء يَنْتَهِي إِلَيْهِ الملاء إِذا تناهى
وَأَنه لَا بُد فِي كل مَوْجُود من أَن يكون مشارا إِلَى جِهَة وجوده
وَهَذِه الوهميات لَوْلَا مُخَالفَة السّنَن الشَّرْعِيَّة لَهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَهَا لكَانَتْ تكون وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تكون مَشْهُورَة
وَإِنَّمَا تثلم فِي شهرتها الديانَات الْحَقِيقِيَّة والعلوم الْحكمِيَّة
وَلَا يكَاد الْمَدْفُوع عَن ذَلِك يُقَاوم نَفسه فِي دفع ذَلِك لشدَّة اسْتِيلَاء الْوَهم
على أَن مَا يَدْفَعهُ الْوَهم وَلَا يقبله إِذا كَانَ فِي المحسوسات فَهُوَ مَدْفُوع مُنكر
وَهُوَ مَعَ أَنه بَاطِل شنيع لَيْسَ بِلَا شهرة بل تكَاد أَن تكون من وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة من الأوليات والوهميات الَّتِي لَا تزاحم من غَيرهَا مَشْهُورَة وَلَا ينعكس
فقد فَرغْنَا من أَصْنَاف المعتقدات من جملَة المسلمات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذَا وضع أَو يظنّ أَنَّهَا كَذَلِك كالخلاء فَإِنَّهُ يظنّ أَن عدم الممانعة فِيمَا بَين المحسوسات المتمانعة خلاء
قَوْله وَلَا يكَاد الْمَدْفُوع عَن ذَلِك يُقَاوم نَفسه فِي دفع ذَلِك لشدَّة اسْتِيلَاء الْوَهم
أَي لَا يكَاد من دفع عَن القَوْل بالخلاء مثلا أَن يُقَاوم نَفسه فَيذْهب إِلَى خلاف مَا يَقْتَضِيهِ وهمه
قَوْله على أَن مَا يَدْفَعهُ الْوَهم وَلَا يقبله إِذا كَانَ فِي المحسوسات فَهُوَ مَدْفُوع مُنكر يُرِيد مَا ذَكرْنَاهُ أَولا وَهُوَ مَعَ أَنه بَاطِل شنيع وَذَلِكَ لِأَن أَحْكَام الْوَهم مَشْهُورَة فِي(1/355)
13 - وَأما المأخوذات فَمِنْهَا مقبولات
وَمِنْهَا تقريريات وَفِي نُسْخَة تقريرات
وَأما المقبولات من جملَة المأخوذات فِيهِ آراء مَأْخُوذَة عَن وَفِي نُسْخَة من جمَاعَة كَثِيرَة من أهل التَّحْصِيل
أَو من نفر أَو من وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة من إِمَام يحسن بِهِ وَفِي نُسْخَة من الظَّن
وَأما التقريريات فَإِنَّهَا الْمُقدمَات الْمَأْخُوذَة بِحَسب تَسْلِيم الْمُخَاطب أَو الَّتِي يلْزم قبولوها وَالْإِقْرَار بهَا فِي مبادئ الْعُلُوم إِمَّا مَعَ استنكار مَا وَفِي نُسْخَة استنكار بِدُونِ كلمة مَا وَتسَمى مصادرات
وَإِمَّا مَعَ مُسَامَحَة مَا وَفِي نُسْخَة وَمَا وَطيب نفس وَتسَمى أصولا مَوْضُوعَة
ولهذه مَوضِع منتظر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْأَكْثَر لِأَنَّهُ أقرب إِلَى المحسوسات وأوقع فِي ضمائر الْجُمْهُور
قَوْله
13 - أَقُول هِيَ إِمَّا أَن تقبل وَيحكم بهَا
وَإِمَّا أَن لَا تقبل بل يحكم بهَا لغَرَض مَا
وَالْأول مقبولات إِمَّا عَن جمَاعَة كَمَا عَن الْمَشَّائِينَ أَن للفلك طبيعة خَاصَّة
أَو عَن نفر كأصول الأرصاد عَن أَصْحَابهَا
أَو عَن نَبِي وَإِمَام كالشرائع وَالسّنَن
أَو عَن حَكِيم كأحكام تنتسب إِلَى بقراط كالطب
أَو عَن شَاعِر كأبيات تورد شَوَاهِد
أَو تكون مَقْبُولَة من غير أَن تنْسب إِلَى مَقْبُول عَنهُ كالأمثال السائرة
وَقيل المأخوذات إِمَّا بِتَسْلِيم مِمَّن هُوَ أَعلَى مرتبَة وَهُوَ المقبولات
أَو مِمَّن هُوَ أدنى مرتبَة وَهُوَ الموضوعات فِي مبادئ الْعُلُوم(1/356)
14 - وَأما المظنونات فَهِيَ أقاويل وقضايا وَإِن كَانَ يستعملها المحتج بهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بهَا جزما فَإِنَّهُ إِنَّمَا يتبع فِيهَا مَعَ نَفسه غَالب الظَّن من دون أَن يكون جزم وَفِي نُسْخَة جزم من الْعقل منصرفا عَن مقابلها
وصنف من جُمْلَتهَا المشهورات بِحَسب بادئ الرَّأْي غير المتعقب وَهِي الَّتِي تعافص الذِّهْن فتشغله عَن أَن يفْطن الذِّهْن لكَونهَا مظنونة أَو كَونهَا مُخَالفَة للشهرة إِلَى ثَانِي الْحَال
فَكَأَن وَفِي نُسْخَة وَكَأن النَّفس تذعن لَهَا فِي أول مَا تطلع عَلَيْهَا فَإِن رجعت إِلَى ذَاتهَا عَاد الإذعان وَفِي نُسْخَة ذَلِك الإذعان ظنا أَو تَكْذِيبًا وَفِي نُسْخَة وتكذيبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو مِمَّن هُوَ مُقَابل وَهُوَ الْوَاقِعَة فِي المجادلات
والأخيران هما التقرريات
وَالْبَاقِي ظَاهر
14 - قد ذكرنَا فِي صدر الْكتاب أَن الظَّن قد يُطلق
بِإِزَاءِ الْيَقِين على الحكم الْجَازِم
والمطابق غير الْمُسْتَند إِلَى علته كاعتقاد الْمُقَلّد
وعَلى الْجَازِم غير المطابق أَعنِي الْجَهْل الْمركب
وعَلى غير الْجَازِم الَّذِي يرجح فِيهِ أحد طرفِي النقيض على الآخر مَعَ تَجْوِيز الطّرف الآخر جَمِيعًا
وَيُطلق تَارَة على الْأَخير من هَذِه الْأَقْسَام وَحده وَهُوَ الْمُسَمّى بِالظَّنِّ الصّرْف
والمظنونات الْمَذْكُورَة هَهُنَا من هَذَا الْقَبِيل لَا غير فِي نفس الْأَمر وَإِن كَانَ الْمُسْتَعْمل إِيَّاهَا فِي الْحجَج الخطابية يَصح الْجَزْم بهَا وَلَا يتَعَرَّض لتجويز مقابلاتها
والمرجح
قد تكون شهرة حَقِيقِيَّة
وَقد يكون إِسْنَادًا إِلَى صَادِق
وَقد يكون غير ذَلِك(1/357)
وأعني بِالظَّنِّ هَهُنَا ميلًا من النَّفس مَعَ شُعُور وَفِي نُسْخَة شعوره بِإِمْكَان الْمُقَابل
وَمن هَذِه الْمُقدمَات قَول الْقَائِل انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما
وَقد تدخل المقبولات فِي المظنونات إِذا كَانَ الِاعْتِبَار من جِهَة ميل النَّفس وَفِي نُسْخَة نفس يَقع هُنَاكَ مَعَ شُعُور بِإِمْكَان الْمُقَابل
15 - وَأما المشبهات فَهِيَ الَّتِي تشبه شَيْئا من الأوليات أَو المشهورات وَفِي نُسْخَة أَو من المشهورات وَلَا تكون هِيَ هِيَ بِأَعْيَانِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْأول يعرف بالمشهورات فِي بادئ الرَّأْي
وَالثَّانِي هُوَ الْمُسَمّى بالمقبولات
وهما قِسْمَانِ مفردان بِاعْتِبَار غير مَا يعْتَبر فِي المظنونات الصرفة وَإِن كَانَا يدخلَانِ تَحت المظنونات أَي من حَيْثُ يصدق عَلَيْهَا مَا يعْتَبر فِي المظنونات
وَأما الْقسم الثَّالِث وَهُوَ الَّذِي يكون الْمُرَجح فِيهِ غير ذَلِك فَهُوَ المظنون الْمُطلق وَيدخل فِيهِ التجربيات الأكثرية وَمَا يُنَاسِبهَا من المتواترات والحدسيات أَعنِي غير اليقينية مِنْهَا
وَقد أورد الشَّيْخ فِي مِثَال الْقسم الأول قَوْلهم انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما
وَالْمَشْهُور الْحَقِيقِيّ مَا يُقَابله بِوَجْه وَهُوَ أَن يُقَال لَا تنصر الظَّالِم وَإِن كَانَ أَخَاك
وَقد يتقابل حكمان مظنونان باعتبارين كَمَا يُقَال فلَان الَّذِي من دَاخل الْحصن يكلم الْخُصُوم الْمُقَابلَة من خَارج جَهرا خائن فَإِنَّهُ مظنون من حَيْثُ إِنَّه يتَكَلَّم مَعَ الْخُصُوم ويؤكد إِثْبَات تكَلمه مَعَهم كَون ذَلِك جَهرا
ونقيضه مظنون أَيْضا من حَيْثُ إِنَّه يتَكَلَّم جَهرا إِذْ لَو كَانَ خائنا لأخفى كَلَامه
قَوْله
15 - الَّتِي تشبه الأوليات فقد تقع فِي المغالطات وَالَّتِي تشبه المشهورات فقد تقع فِي المشاغبات
وَهِي إِمَّا لفظية(1/358)
وَذَلِكَ الِاشْتِبَاه
يكون إِمَّا بتوسط اللَّفْظ
وَإِمَّا بتوسط الْمَعْنى
وَالَّذِي يكون بتوسط اللَّفْظ فَهُوَ إِمَّا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِمَّا أَن يكون اللَّفْظ فيهمَا وَاحِدًا وَالْمعْنَى مُخْتَلفا
وَقد يكون الْمَعْنى مُخْتَلفا بِحَسب وضع اللَّفْظ نَفسه كَمَا يكون فِي الْمَفْهُوم من لفظ وَفِي نُسْخَة لَفْظَة الْعين
وَرُبمَا خفى ذَلِك جدا كَمَا يخفى فِي النُّور إِذا أَخذ وَفِي نُسْخَة كَمَا إِذا أَخذ تَارَة بِمَعْنى وَفِي نُسْخَة لِمَعْنى الْبَصَر وَفِي نُسْخَة المبصر وَأُخْرَى بِمَعْنى الْحق عِنْد الْعقل
وَقد يكون بِحَسب مَا يعرض وَفِي نُسْخَة عرض للفظ فِي تركيبه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِمَّا معنوية
واللفظية سِتَّة
هِيَ الَّتِي تقع بِسَبَب الِاشْتِرَاك
إِمَّا فِي اللَّفْظ الْمُفْرد بِحَسب جوهره كَالْعَيْنِ
أَو بِحَسب أَحْوَاله الدَّاخِلَة فِيهِ كالتصاريف
أَو الْعَارِضَة لَهُ من خَارج كالأعجام
وَإِمَّا للمركب فِي تركيبه الَّذِي يُمكن أَن يحمل على مَعْنيين أَو فِي جِهَة التَّرْكِيب وَفِي نُسْخَة أَو فِي وجود التَّرْكِيب وَعَدَمه فيظن الْمركب غير الْمركب أَو غير الْمركب مركبا
وَقد ذكر الشَّيْخ هَهُنَا ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن يكون الْمَعْنى مُخْتَلفا بِحَسب جَوْهَر اللَّفْظ الْمُفْرد
وقسمه إِلَى
ظَاهر كَالْعَيْنِ(1/359)
إِمَّا فِي نفس تركيبه كَقَوْل وَفِي نُسْخَة مثل قَول الْقَائِل غُلَام حسن بالسكونين
أَو بِحَسب اخْتِلَاف دَلَائِل وَفِي نُسْخَة دَلِيل حُرُوف الصلات فِيهِ الَّتِي لَا دَلَائِل وَفِي نُسْخَة دَلِيل لَهَا بانفرادها بل الْفَائِدَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْفَائِدَة إِنَّمَا تدل بالتركيب وَهِي الأدوات بأصنافها
مثل مَا يُقَال مَا يعلم الْإِنْسَان فَهُوَ كَمَا يُعلمهُ
فَتَارَة هُوَ يرجع إِلَى مَا يعلم
وَتارَة إِلَى الْإِنْسَان
وَقد يكون بِحَسب مَا يعرض للفظ من وَفِي نُسْخَة فِي تصريفه وَقد يكون على وُجُوه أخر وَفِي نُسْخَة أُخْرَى قد بيّنت فِي مَوَاضِع أخر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة قد بيّنت فِي مَوَاضِع أخر من حَقّهَا أَن تطول فِيهَا الْفُرُوع وتكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وخفي كالنور
وَثَانِيها مَا يَقع بِحَسب التَّرْكِيب وَهُوَ الْقسم الرَّابِع
وقسمه
إِلَى مَا يخْتَلف بِسَبَب حذف الْعَوَارِض الَّتِي لم تحذف لما كَانَ مشبها كَقَوْلِنَا غُلَام حسن بالسكونين فَإِن الْغُلَام يُمكن أَن يكون مُضَافا إِلَى حسن وَيُمكن أَن يكون مَوْصُوفا بِهِ ويتميز أَحدهمَا عَن الآخر عِنْد التحريك
وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِك كَمَا هُوَ بِحَسب اخْتِلَاف دَلَائِل الصلات
وَثَالِثهَا مَا يكون بِحَسب تصريف اللَّفْظ وَهُوَ الْقسم الثَّانِي من السِّتَّة الْمَذْكُورَة
وَأَشَارَ بقوله وَقد يكون على وُجُوه أُخْرَى إِلَى بَاقِي الْأَقْسَام
وَأما المعنوية فقد تكون جَمِيعهَا بِحَسب مَا يذكر فِي المغالطات سَبْعَة
وتنقسم
إِلَى مَا يتَعَلَّق بالقضايا المفردة
وَإِلَى مَا يتَعَلَّق بالمؤلفة(1/360)
أما وَفِي نُسْخَة وَأما الْكَائِن بِحَسب الْمَعْنى فَمثل مَا يَقع بِسَبَب إِيهَام الْعَكْس
مثل أَن يُؤْخَذ كل ثلج أَبيض فيظن أَن كل أَبيض ثلج
وَكَذَلِكَ إِذا أَخذ لَازم الشَّيْء بدل الشَّيْء فيظن أَن حكم اللَّازِم حكمه
مثل أَن يكون الْإِنْسَان يلْزمه أَن يتَوَهَّم وَفِي نُسْخَة متوهم وَيلْزمهُ أَنه مُكَلّف مُخَاطب فيتوهم أَن كل مَاله وهم وفطنة مَا فَهُوَ مُكَلّف
وَكَذَلِكَ إِذا وصف الشَّيْء بِمَا وَقع مِنْهُ على سَبِيل الْعرض مثل الحكم على السقمونيا بِأَنَّهُ يبرد وَفِي نُسْخَة مبرد إِذا وَفِي نُسْخَة إِذْ أشبه مَا يبرد من جِهَة
وَكَذَلِكَ أَشْيَاء أخر تشبه هَذِه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْأول ثَلَاثَة
أَولهَا إِيهَام الْعَكْس كَقَوْلِنَا كل أَبيض ثلج لِأَن الثَّلج أَبيض
وَثَانِيها سوء اعْتِبَار الْحمل كَقَوْلِنَا الشَّيْء مَوْجُود مُطلقًا لكَونه مَوْجُودا بِالْقُوَّةِ مثلا
وَثَالِثهَا أَخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ وَهُوَ يكون بِأَن يُؤْخَذ لَازم الشَّيْء أَو ملزومه أَو عَارضه أَو معروضه بدله
فمثال مَا يُؤْخَذ الْمَوْضُوع بدله قَوْلنَا كل ذِي وهم مُكَلّف لِأَن الْإِنْسَان مُكَلّف وَذُو وهم
وَمِثَال مَا يُؤْخَذ عَارض الْمَحْمُول بدله قَوْلنَا السقمونيا تبرد لِأَنَّهُ يزِيل المسخن ويعرض لمزيل المسخن أَن يبرد فَإِذن قد وصف بِمَا وَقع مِنْهُ على سَبِيل الْعرض إِذْ اشْتبهَ الْمبرد بِالذَّاتِ من جِهَة التبرد الْحَاصِل مَعَهُمَا
وَالشَّيْخ اقْتصر من هَذِه الثَّلَاثَة على اثْنَيْنِ
وَالْأَرْبَعَة الَّتِي لم يذكرهَا هِيَ الْمُتَعَلّقَة بالمؤلفة وَهِي جمع الْمسَائِل فِي مَسْأَلَة وَوضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة والمصادرة على الْمَطْلُوب وَسُوء التَّرْكِيب
وَسَيَجِيءُ ذكرهَا
قَوْله(1/361)
16 - وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا يتَزَوَّج من القضايا على أَنه بِحَال يجب تَصْدِيقًا لِأَنَّهُ وَفِي نُسْخَة على أَنه يشبه وَفِي نُسْخَة مشبه وَفِي أُخْرَى شَبيه أَو يُنَاسب وَفِي نُسْخَة مُنَاسِب لما هُوَ بِتِلْكَ الْحَال أَو قريب مِنْهُ
فَهَذِهِ هِيَ المشبهات اللفظية والمعنوية
وَقد بقيت المخيلات
17 - وَأما المخيلات وَفِي نُسْخَة والمخيلات فَهِيَ قضايا تقال قولا وتؤثر وَفِي نُسْخَة فتؤثر فِي النَّفس تَأْثِيرا عجيبا من قبض وَبسط وَفِي نُسْخَة أَو بسط
وَرُبمَا زَاد على تَأْثِير التَّصْدِيق
وَرُبمَا لم يكن مَعَه تَصْدِيق
مثل مَا يَفْعَله قَوْلنَا وحكمنا فِي النَّفس أَن الْعَسَل مرّة مهوعة وَفِي نُسْخَة متهوعة على سَبِيل محاكاته وَفِي نُسْخَة المحاكاة للمرة فتأباه وَفِي نُسْخَة فأباه النَّفس وتنقبض عَنهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
16 - يُشِير إِلَى السَّبَب الْجَامِع لجَمِيع أَنْوَاع الْغَلَط وَهُوَ عدم التَّمْيِيز بَين مَا هُوَ هُوَ وَبَين مَا هُوَ غَيره
17 - أَقُول النَّاس للتخيل أطوع مِنْهُم للتصديق وَلذَلِك قَالَ الشَّيْخ يقدمُونَ ويحجمون على مَا يَفْعَلُونَهُ وَعَما يذرونه إقداما وإحجاما صادرا عَن هَذَا النَّحْو ولأجله مَا يُفِيد الْإِشْعَار فِي الحروب وَعند الاستماحة والاستعطاف وَغَيرهَا
والتخييل إِمَّا مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ فَقَط لجزالته وَهُوَ لجودة هَيئته
وَإِمَّا مَا يَقْتَضِيهِ الْمَعْنى فَقَط وَهُوَ لقُوَّة صدقه أَو شهرته
وَإِمَّا مَا يَقْتَضِيهِ أَمر آخر وَهُوَ حسن المحاكاة فَإِن سَبَب تَحْرِيك النَّفس فِيهِ هُوَ الْهَيْئَة الْخَارِجَة عَن التَّصْدِيق
والمحاكاة الْحَسَنَة قد تكون بِمُجَرَّد الْمُطَابقَة وَقد تكون بتحسين الشَّيْء وَقد تكون بتقبيحه
قَوْله(1/362)
وَأكْثر النَّاس يقدمُونَ ويحجمون على مَا يَفْعَلُونَهُ وَعَما وَفِي نُسْخَة وعَلى مَا يذرونه إقداما وإحجاما صادرا عَن هَذَا النَّحْو من حَرَكَة النَّفس لَا على سَبِيل الروية وَلَا الظَّن
والمصدقات وَفِي نُسْخَة اعْتِبَار والمصدقات بداية فصل جَدِيد عنوانه تذنيب من الأوليات وَنَحْوهَا والمشهورات قد تفعل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة قد تفعل فعل المخيلات من تَحْرِيك النَّفس أَو قبضهَا واستحسان النَّفس لورودها عَلَيْهَا لَكِنَّهَا تكون أولية ومشهورة بِاعْتِبَار ومخيلة بِاعْتِبَار
وَلَيْسَ يجب فِي جَمِيع المخيلات أَن تكون كَاذِبَة كَمَا لَا يجب فِي المشهورات وَمَا يُخَالف الْوَاجِب قبُوله أَن يكون لَا محَالة كَاذِبًا
وَبِالْجُمْلَةِ التخييل المحرك من القَوْل مُتَعَلق بالتعجب مِنْهُ إِمَّا بجودة وَفِي نُسْخَة الْجَوْدَة هَيئته أَو قُوَّة صدقه أَو قُوَّة شهرته أَو حسن محاكاته لَكنا قد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قد نخص باسم المخيلات مَا يكون تَأْثِيره بالمحاكاة
وَمَا وَفِي نُسْخَة وَرُبمَا تحرّك النَّفس من الهيئات وَفِي نُسْخَة الْهَيْئَة الْخَارِجَة عَن التَّصْدِيق(1/363)
الْفَصْل الثَّانِي تذنيب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تذنيب
1 - ونقول إِن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِن اسْم التَّسْلِيم يُقَال وَفِي نُسْخَة يدل على أَحْوَال القضايا من حَيْثُ تُوضَع وضعا وَيحكم بهَا حكما وَفِي نُسْخَة كَمَا كَيْفَمَا كَانَ وَفِي نُسْخَة كَيفَ كَانَ
فَرُبمَا كَانَ التَّسْلِيم من الْعقل الأول
وَرُبمَا كَانَ من اتِّفَاق الْجُمْهُور
وَرُبمَا كَانَ من إنصاف وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إنصاف الْخصم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول فسر التَّسْلِيم بِأَنَّهُ حَال الْقَضِيَّة من حَيْثُ تُوضَع وضعا وَهَذَا الْوَضع هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ من التَّسْلِيم كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول الْكتاب
وَظهر مِنْهُ أَنه لَيْسَ على مَا ذهب إِلَيْهِ الْفَاضِل الشَّارِح من أَن الْوَضع هُوَ تَسْلِيم الْجُمْهُور
وَالتَّسْلِيم هُوَ تَسْلِيم شخص مَا(1/364)
النهج السَّابِع وَفِيه الشُّرُوع فِي التَّرْكِيب الثَّانِي للحجج
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى الْقيَاس والاستقراء والتمثيل
1 - أَصْنَاف مَا يحْتَج بِهِ فِي إِثْبَات شَيْء لَا مرجع فِيهِ إِلَى الْقبُول وَالتَّسْلِيم أَو فِيهِ مرجع وَفِي نُسْخَة رُجُوع وَفِي أُخْرَى مرجوع إِلَيْهِ لكنه لم يرجع إِلَيْهِ ثَلَاثَة
أَحدهَا الْقيَاس
وَالثَّانِي الاستقراء وَمَا مَعَه
وَالثَّالِث التَّمْثِيل وَمَا مَعَه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَقُول التَّرْكِيب الأول للقضايا
وَالثَّانِي لما يتركب عَنْهَا وَلَا يكون فِي حكمهَا وَهِي الْحجَج
1 - أَقُول كل حجَّة فَهِيَ إِنَّمَا تتألف عَن قضايا وتتجه إِلَى مَطْلُوب يستحصل بهَا
وَلَا يَصح أَن تكون كل قَضِيَّة مَطْلُوبَة بِحجَّة وَإِلَّا لتسلسل أَو دَار فَلَا بُد من الِانْتِهَاء إِلَى قضايا لَيْسَ من شَأْنهَا أَن تكون مَطْلُوبَة بل هِيَ المبادئ للمطالب
وَهِي الَّتِي يرجع فِيهَا إِلَى الْقبُول وَالتَّسْلِيم مِمَّا عددناه فِي النهج الْمُتَقَدّم قبولا
إِمَّا وَاجِبا كَمَا فِي الأوليات وَمَا ذكر مَعهَا
أَو غير وَاجِب كَمَا فِي المقبولات أَو مَا يجْرِي مجْراهَا
وتسليما(1/365)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا حَقِيقِيًّا كَمَا فِي الذائعات
أَو غير حَقِيقِيّ كَمَا فِي المسلمات فِي بادئ الرَّأْي
وجميعها قد تكون كَذَلِك على الْإِطْلَاق
كالأوليات الْمَشْهُورَة
وَقد تكون بِحَسب اعْتِبَار مَا كالذائعات الصرفة الَّتِي تكون بِاعْتِبَار الشُّهْرَة مَقْبُولَة مسلمة غنية عَن الْبَيَان
فَهِيَ بذلك الِاعْتِبَار مباد للجدل
وَبِاعْتِبَار الْحق غير مَقْبُولَة وَلَا مسلمة بل محتاجة إِلَى بَيَان يحكم بِكَوْنِهَا مُسْتَحقَّة
إِمَّا للقبول وَالتَّسْلِيم
أَو للرَّدّ وَالْمَنْع
وَهِي بذلك الِاعْتِبَار مسَائِل من الْعُلُوم
وَلَا يلْتَفت عِنْد الِاعْتِبَار الثَّانِي إِلَى كَونهَا مَقْبُولَة مسلمة بِالِاعْتِبَارِ الأول
فَإِذن كل مَا هُوَ مَطْلُوب بِحجَّة فَهُوَ
إِمَّا شَيْء لَا مرجوع فِيهِ إِلَى الْقبُول وَالتَّسْلِيم
أَو فِيهِ مرجوع إِلَيْهِ لكنه لم يرجع إِلَيْهِ
وكل حجَّة فَإِنَّمَا هِيَ حجَّة بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء هُوَ كَذَلِك
وأصناف الْحجَج ثَلَاثَة وَذَلِكَ لِأَن الْحجَّة وَالْمَطْلُوب لَا يخلوان من تناسب مَا ضَرُورَة وَإِلَّا لامتنع استلزام أَحدهمَا الآخر فَذَلِك التناسب يكون
إِمَّا باشتمال أَحدهمَا على الآخر
أَو بِغَيْر ذَلِك
فَإِن كَانَ بالاشتمال فَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن تكون الْحجَّة هِيَ الْمُشْتَملَة على الْمَطْلُوب وَهُوَ الْقيَاس
أَو بِالْعَكْسِ وَهُوَ الاستقراء
وَإِن لم يكن الاشتمال فَلَا بُد وَأَن يشملهما مَا بِهِ يتناسبان وَهُوَ التَّمْثِيل
وَإِنَّمَا قَالَ وأصناف الْحجَج وَلم يقل وأنواعها لِأَن الْحجَّة الْوَاحِدَة قد تكون(1/366)
2 - فَأَما وَفِي نُسْخَة وَأما الاستقراء فَهُوَ الحكم على كلي بِمَا يُوجد وَفِي نُسْخَة وجد فِي جزئياته الْكَثِيرَة مثل حكمنَا بِأَن كل حَيَوَان يُحَرك فكه الْأَسْفَل عِنْد المضغ وَفِي نُسْخَة يُحَرك عِنْد المضغ فكه الْأَسْفَل استقراء للنَّاس وَالدَّوَاب الْبَريَّة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْبَريَّة وَالطير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قِيَاسا بِاعْتِبَار واستقراء بِاعْتِبَار كالقياس الْمقسم الَّذِي هُوَ الاستقراء التَّام
وكنوع من التَّمْثِيل يكون بِالْحَقِيقَةِ برهانا وَيكون ذكر الْمِثَال فِيهِ حَشْوًا
لَكِن الاستقراء والتمثيل إِذا أطلقا لم يقعا على مَا يجْرِي مِنْهُمَا الْقيَاس فِي إِفَادَة الْيَقِين
وَمَا مَعَ الاستقراء الَّذِي ذكره الشَّيْخ هُوَ مَا يلْحق بالاستقراء ويشبهه مِمَّا لَا يَقع فِي المحاورات العلمية وَذَلِكَ لِأَن الاستقراء الَّذِي يَسْتَوِي فِي الْأَقْسَام حَقِيقَة أَعنِي التَّام فقد يَقع فِي الْبَرَاهِين
وَالَّذِي يدعى فِيهِ الِاسْتِيفَاء وَيُؤْخَذ على أَنه مُسْتَوفى بِحَسب الشُّهْرَة فقد يَقع فِي الجدل
وَمَا عداهما مِمَّا يخيل أَنه يشْتَمل على أَكثر الْأَقْسَام وَلَا يدعى فِيهِ الِاسْتِيفَاء فَهُوَ لَيْسَ بالاستقراء بل يلْحق بِهِ وَيسْتَعْمل فِي سَائِر الصناعات
وَمَا مَعَ التَّمْثِيل فكالقياس الاقتراني وكالتمثيلات الخالية عَن الْجَامِع إِذْ هِيَ لَيست بتمثيل فِي الْحَقِيقَة بل بِحَسب الظَّن
والفاضل الشَّارِح فسر مَا مَعَ الاستقراء بالاستقراء التَّام
وَهُوَ قسم مِنْهُ
وَمَا مَعَ التَّمْثِيل بِمَا يَسْتَعْمِلهُ الجدليون
وَهُوَ التَّمْثِيل نَفسه
قَوْله
2 - أَقُول الْقيَاس والاستقراء يَخْتَلِفَانِ بتبادل الْأَصْغَر والأوسط
فَالْقِيَاس أَن تَقول(1/367)
والاستقراء غير مُوجب للْعلم الصَّحِيح فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ مَا لم يستقرأ بِخِلَاف وَفِي نُسْخَة خلاف مَا استقرئ وَفِي نُسْخَة يستقرأ مثل التمساح فِي مثالنا
بل رُبمَا كَانَ الْمُخْتَلف فِيهِ وَالْمَطْلُوب بِخِلَاف حكم جَمِيع مَا سواهُ
3 - وَأما التَّمْثِيل فَهُوَ الَّذِي يعرفهُ أهل زَمَاننَا بِالْقِيَاسِ
وَهُوَ وَفِي نُسْخَة فَهُوَ أَن يحاول الحكم على شَيْء وَفِي نُسْخَة الشَّيْء بِحكم مَوْجُود فِي شبهه وَفِي نُسْخَة شبهه
وَهُوَ حكم وَفِي نُسْخَة الحكم على جزئي بِمثل وَفِي نُسْخَة مثل مَا فِي جزئي آخر يُوَافقهُ فِي معنى جَامع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كل إِنْسَان وَفرس وطائر حَيَوَان
وكل حَيَوَان يُحَرك فكه الْأَسْفَل
والاستقراء أَن تَقول
كل حَيَوَان إِمَّا إِنْسَان أَو فرس أَو طَائِر
وَكلهَا يُحَرك فكه الْأَسْفَل
فالخلل فِيهِ يَقع من جِهَة الصُّغْرَى
والاستقراء الْمُشْتَمل على الْحصْر تَامّ وَغَيره نَاقص
وَالِاسْم يَقع مُطلقًا على النَّاقِص وَالَّذِي بَينه الشَّيْخ
وَهُوَ لَا يُفِيد غير الظَّن
فاستعماله فِي الْبُرْهَان مغالطة
وَفِي الجدل لَيْسَ بمغالطة وَلَا يمْنَع إِلَّا بإيراد النَّقْض
وَمَا فِي الْإِيرَاد ظَاهر
قَوْله
3 - أَقُول بعض الْمُتَكَلِّمين وَالْفُقَهَاء يستعملون التَّمْثِيل
أما المتكلمون فَفِي مثل قَوْلهم للسماء محدثة لكَونه متشكلا كالبيت(1/368)
وَأهل زَمَاننَا يسمون الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فرعا
والشبيه أصلا
وَمَا اشْتَركَا فِيهِ معنى وَعلة
وَهَذَا أَيْضا ضَعِيف
وآكده أَن يكون الْمَعْنى الْجَامِع هُوَ السَّبَب وَفِي نُسْخَة أَو السَّبَب أَو الْعَلامَة وَفِي نُسْخَة أَو العلاقة لكَون الحكم فِي الْمُسَمّى أصلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويسمون الْبَيْت وَمَا يقوم مقَامه شَاهدا
وَالسَّمَاء غَائِبا
والمتشكل معنى جَامعا
والمحدث حكما
وَلَا بُد فِي التَّمْثِيل التَّام من هَذِه الْأَرْبَع
وَالْفُقَهَاء لَا يخالفونهم إِلَّا فِي اصْطِلَاحَات
وَإِذا رد التَّمْثِيل إِلَى صُورَة الْقيَاس صَار هَكَذَا
السَّمَاء متشكل
وكل متشكل فَهُوَ مُحدث كالبيت
فَيكون الْخلَل من جِهَة الْكُبْرَى
وأردأ أَنْوَاع التَّمْثِيل مَا اشْتَمَل على جَامع عدمي
ثمَّ مَا خلا عَن الْجَامِع
وأجودها مَا كَانَ الْجَامِع فِيهِ عِلّة للْحكم ويثبتون تَعْلِيله بِهِ
تَارَة بالطرد وَالْعَكْس وَهُوَ التلازم وجودا وعدما وَهُوَ مَعَ أَنه يَقْتَضِي كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا عِلّة لِلْأُخْرَى لَا يجدي بطائل لِأَن التلازم لَو صَحَّ لما وَقع فِي ثُبُوت الحكم فِي الْفَرْع تنَازع
وَتارَة بالتقسيم والسبر وَهُوَ أَن يُقَال تَعْلِيل الحكم إِمَّا يكون الْبَيْت متشكلا أَو بِكَوْنِهِ كَذَا وَكَذَا
ثمَّ يسبر فَلَا يُوجد مُعَللا بِشَيْء من الْأَقْسَام إِلَّا بِكَوْنِهِ متشكلا فيعلل بِهِ
وهم يطالبون وَفِي نُسْخَة مطالبون(1/369)
4 - وَأما الْقيَاس فَهُوَ الْعُمْدَة
وَهُوَ قَول مؤلف من أَقْوَال إِذا سلم مَا أورد فِيهِ من القضايا لزم عَنهُ لذاته قَول آخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَولا بِكَوْن الحكم مُعَللا
وَثَانِيا بحصر الْأَقْسَام
وثالثا بالسبر فِي المزدوجات الثنائية فَمَا فَوْقهَا مِمَّا يُمكن
وَلَو سلم الْجَمِيع لما أَفَادَ الْيَقِين أَيْضا لِأَن الْجَامِع رُبمَا يكون عِلّة للْحكم فِي الأَصْل لكَونه أصلا دون الْفَرْع
أَو رُبمَا انقسم إِلَى قسمَيْنِ يكون أَحدهمَا عِلّة للْحكم أَيْنَمَا وَقع دون الثَّانِي وَقد اخْتصَّ الأَصْل بِالْأولِ
ثمَّ إِن صَحَّ كَون الْجَامِع عِلّة للفرع كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ برهانا
والتمثيل بِالْأَصْلِ حَشْوًا وَفِي نُسْخَة حَشْو
وَمَوْضِع اسْتِعْمَال التَّمْثِيل الخطابة ثمَّ الشّعْر
وَيُسمى فِي الخطابة اعْتِبَارا
والمنجح مِنْهُ بِسُرْعَة برهانا
قَوْله
4 - الْقيَاس قد يكون بِأَلْفَاظ مسموعة
وَقد يكون بأفكار ذهنية
وَكَذَلِكَ القَوْل
ف القَوْل المسموع جنس للْقِيَاس المسموع
والذهني للذهني
وَقد يُورد الدَّال على الْجِنْس بالاشتراك أَو التشابه فِي حد مَا وَهُوَ كَذَلِك
وَالْقَوْل الْوَاحِد الَّذِي يلْزم عَنهُ قَول كالقضية المستلزمة لعكسها لَيْسَ بِقِيَاس فَالْقِيَاس هُوَ الْمُؤلف من أَقْوَال
وَلَيْسَ من شَرط الْقيَاس أَن يكون مَا أورد فِيهِ مُسلما كَمَا سيصرح بِهِ الشَّيْخ
بل(1/370)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من شَرط كَونه قِيَاسا كَونه بِحَيْثُ إِذا سلم مَا أورد فِيهِ لزم عَنهُ النتيجة
فَإِن المورد فِي الْخلف لَا يكون مُسلما أصلا
وَالْقَوْل اللَّازِم إِنَّمَا يتبع الْأَقْوَال فِي الصدْق دون الْكَذِب كَمَا مر فِي بَاب الْعَكْس
وَقَوله مَا يلْزم عَنهُ يَشْمَل مَا يلْزم لُزُوما بَينا كَمَا بَينا فِي القياسات الْكَامِلَة وَمَا يلْزم لُزُوما غير بَين كَمَا فِي غَيرهَا
قَوْله لذاته يُفِيد أَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم القَوْل الآخر
لإضمارها على قَول لم يُصَرح بِهِ
أَو بِكَوْن بَعْضهَا فِي قُوَّة قَول آخر
بل لكَونهَا تِلْكَ الْأَقْوَال فَحسب
وَأما الْأَقْوَال الَّتِي يلْزم عَنْهَا قَول بِشَرْط إِضْمَار قَول آخر كَمَا سَيَأْتِي فِي قِيَاس الْمُسَاوَاة
وَأما الَّتِي يلْزم عَنْهَا قَول لكَون بَعْضهَا فِي قُوَّة قَول آخر كلما لَو قُلْنَا
الْجِسْم مُمكن
والممكن مُحدث
فالجسم لَيْسَ بقديم
وَإِنَّمَا لزم عَنْهَا ذَلِك لكَون الثَّانِي مِنْهُمَا فِي قُوَّة قَوْلنَا الْمُمكن لَيْسَ بقديم
وَقد يُزَاد فِي هَذَا الْحَد قيدان آخرَانِ
فَيُقَال قَول آخر مُتَعَيّن وَفِي نُسْخَة معِين اضطرارا
وَفَائِدَة قيد التعين وَفِي نُسْخَة التَّعْيِين أَن قَوْلنَا فِي الشكل الأول مثلا لَا شَيْء من الْحجر بحيوان
وكل حَيَوَان جسم
لَيْسَ بِقِيَاس إِذْ لَو يلْزم عَنهُ قَول يكون الْحجر فِيهِ مَوْضُوعا مَعَ أَنه يلْزم عَنهُ قَول آخر وَهُوَ قَوْلنَا بعض الْجِسْم لَيْسَ بِحجر(1/371)
5 - وَإِذا أوردت القضايا فِي مثل هَذَا الشَّيْء الَّذِي يُسمى قِيَاسا أَو استقراء أَو تمثيلا سميت حِينَئِذٍ مُقَدمَات
فالمقدمة وَفِي نُسْخَة والمقدمة قَضِيَّة صَارَت جُزْء قِيَاس أَو حجَّة
وأجزاء هَذِه الَّتِي تسمى مُقَدّمَة الذاتية الَّتِي تبقى بعد التَّحْلِيل إِلَى الْأَفْرَاد الأول الَّتِي لَا تتركب الْقَضِيَّة من أقل مِنْهَا تسمى حِينَئِذٍ حدودا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفَائِدَة قيد الِاضْطِرَار أَن بعض الْأَقْوَال قد يلْزم عَنْهَا قَول فِي بعض الْموَاد دون بعض كَمَا إِذا اقْترن قَوْلنَا
لَا شَيْء من الْفرس بِإِنْسَان
تَارَة بقولنَا
وكل إِنْسَان نَاطِق
وَتارَة بقولنَا
وكل إِنْسَان حَيَوَان
فَإِنَّهُ يلْزم عَن الأول
لَا شَيْء من الْفرس بناطق
وَلَا يلْزم عَن الثَّانِي مثل ذَلِك فَلَا يكون ذَلِك اللُّزُوم ضَرُورِيًّا
وَفرق بَين مَا يلْزم لُزُوما ضَرُورِيًّا عَنْهَا
وَبَين مَا يلْزم عَنْهَا قَول ضَرُورِيّ
فَالْمُرَاد هُوَ الأول فَإِن من الأقيسة مَا يلْزم عَنْهَا قَول مُمكن وَلَكِن لُزُوما ضَرُورِيًّا
قَوْله
5 - أَكْثَره ظَاهر
وَإِنَّمَا قَالَ وأجزاء هَذِه تسمى مُقَدّمَة الذاتية الَّتِي تبقى بعد التَّحْلِيل لِأَن الْمُقدمَة قد تشْتَمل على أَجزَاء لفظية زَوَائِد تجْرِي مجْرى الحشو فَلَا تكون هِيَ ذاتية
وَمن الذاتية مَا لَا يبْقى بعد التَّحْلِيل وَهُوَ الصورية كالرابطة والجهة وحرف السَّلب(1/372)
وَمِثَال ذَلِك كل (ب) (ج)
وكل (ب) (ا)
يلْزم مِنْهُ أَن كل (ج) (ا)
فَكل وَفِي نُسْخَة وكل وَاحِد من قَوْلنَا
كل (ج) (ب)
وكل (ب) (ا)
مُقَدّمَة
و (ج) و (ب) و (ا) حُدُود
وَقَوْلنَا وكل وَفِي نُسْخَة فَكل (ج) (ا) نتيجة
والمركب من المقدمتين على نَحْو مَا مثلناه حَتَّى لزم عَنهُ وَفِي نُسْخَة مِنْهُ هَذِه النتيجة هُوَ الْقيَاس
وَلَيْسَ من شَرطه أَن يكون مُسلم القضايا وَفِي نُسْخَة الْمُقدمَات حَتَّى يكون قِيَاسا بل من شَرطه أَن يكون بِحَيْثُ إِذا سلمت قضاياه لزم مِنْهَا وَفِي نُسْخَة عَنْهَا قَول آخر
فَهَذَا شَرطه فِي قياسته وَفِي نُسْخَة فَهَذِهِ شَرط فِي قِيَاسه فَرُبمَا كَانَت مقدماته غير وَاجِبَة التَّسْلِيم وَيكون القَوْل وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة فِيهِ قِيَاسا لِأَنَّهُ بِحَيْثُ لَو سلم مَا فِيهِ على غير وَاجِبَة وَفِي نُسْخَة واجبه كَانَ يلْزم عَنهُ قَول آخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَمِيع ذَلِك لَيست بحدود بل الْحُدُود هِيَ الذاتية الْبَاقِيَة بعد التَّحْلِيل إِلَى أَجزَاء الْقَضِيَّة
وَإِنَّمَا سميت حدودا لِأَنَّهَا تشبه حُدُود النّسَب الْمَذْكُورَة فِي الرياضيات وَهِي الْأَركان الَّتِي تقع النِّسْبَة بَينهَا
قَوْله(1/373)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة خَاصَّة إِلَى الْقيَاس
1 - الْقيَاس وَفِي نُسْخَة وَالْقِيَاس على مَا حققناه نَحن على قسمَيْنِ
اقتراني
واستثنائي
فالاقتراني وَفِي نُسْخَة والاقتراني هُوَ الَّذِي لَا يتَعَرَّض فِيهِ للتصريح وَفِي نُسْخَة التَّصْرِيح بِأحد طرفِي النقيض الَّذِي فِيهِ النتيجة بل إِنَّمَا يكون فِيهِ بِالْقُوَّةِ مثل مَا أوردناه وَفِي نُسْخَة أريناه فِي الْمِثَال الْمَذْكُور
وَأما الاستثنائي فَهُوَ الَّذِي يتَعَرَّض فِيهِ للتصريح وَفِي نُسْخَة التَّصْرِيح بذلك وَفِي نُسْخَة لذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول المنطقيون قسموا الْقيَاس إِلَى مَا يتألف من
حمليات
أَو شرطيات
وخصوا الشرطيات ب الاستثنائيات لأَنهم لَا كَذَا فِي الأَصْل ولعلها لم يتنبهوا للشرطيات الاقترانية فَإِن المورد فِي التَّعْلِيم الأول هِيَ الحمليات الصرفة والاستثنائية الموسومة بالشرطيات لَا غير
فَلَمَّا وقف الشَّيْخ لإِخْرَاج الشرطيات الاقترانية من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل فحقق أَن الْقيَاس إِنَّمَا يَنْقَسِم بِالْقِسْمَةِ الأولى إِلَى
الاقترانيات
والاستثنائيات
وَبَاقِي الْفَصْل ظَاهر
قَوْله(1/374)
مثل قَوْلك إِن كَانَ عبد الله غَنِيا فَهُوَ لَا يظلم
لكنه غَنِي
فَهُوَ إِذن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِذن لَا يظلم
فقد وَفِي نُسْخَة وَقد وجدت فِي الْقيَاس أحد طرفِي النقيض الَّذِي فِيهِ النتيجة وَهُوَ وَفِي نُسْخَة وَهِي النتيجة بِعَينهَا
وَمثل قَوْلك إِن كَانَت هَذِه الْحمى حمى يَوْم فَهِيَ لَا تغير النبض تغيرا شَدِيدا
لَكِنَّهَا غيرت النبض تغييرا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تغييرا شَدِيدا
فينتج أَنَّهَا لَيست حمى يَوْم
فتجد فِي الْقيَاس أحد طرفِي النقيض الَّذِي فِيهِ النتيجة
وَهُوَ نقيض النتيجة
والاقترانيات قد تكون من حمليات ساذجة
وَقد تكون من شرطيات ساذجة
وَقد تكون مركبة مِنْهُمَا
وَالَّتِي تكون وَفِي نُسْخَة هِيَ بدل تكون من شرطيات ساذجة فقد تكون من متصلات ساذجة
وَقد تكون من منفصلات ساذجة
وَقد تكون مركبة مِنْهُمَا
فَأَما وَفِي نُسْخَة وَأما عَامَّة المنطقيين فَإِنَّهُم إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِنَّمَا تنبهوا للحمليات فَقَط
وَحَسبُوا أَن الشرطيات لَا تكون إِلَّا استثنائية وَفِي نُسْخَة لَا تكون الاستثنائية فَقَط
وَنحن نذْكر الحمليات بأصنافها(1/375)
ثمَّ نتبعها بِبَعْض الاقترانيات الشّرطِيَّة الَّتِي هِيَ أقرب إِلَى الِاسْتِعْمَال وَأَشد علوقا بالطبع
ثمَّ نتبعها بالاستثنائيات
ثمَّ بِذكر بعض الْأَحْوَال الَّتِي تعرض للْقِيَاس وَقِيَاس الْخلف
ونقتصر فِي هَذَا الْمُخْتَصر على هَذَا الْقدر وَفِي نُسْخَة الْمبلغ وَفِي أُخْرَى بدونهما جَمِيعًا(1/376)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة خَاصَّة إِلَى الْقيَاس الاقتراني
1 - الْقيَاس الاقتراني يُوجد فِيهِ شَيْء مُشْتَرك مُكَرر يُسمى الْحَد الْأَوْسَط مثل مَا كَانَ فِي مثالنا السالف (ب)
وَيُوجد فِيهِ لكل وَاحِدَة وَفِي نُسْخَة وَاحِد من المقدمتين شَيْء يَخُصهَا وَفِي نُسْخَة يخصهما مثل مَا كَانَ فِي مثالنا
(ج) فِي مُقَدّمَة
و (ا) فِي مُقَدّمَة
وتوجد النتيجة إِنَّمَا تحصل من اجْتِمَاع هذَيْن الطَّرفَيْنِ حَيْثُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة حَيْثُ قُلْنَا فَكل (ج) (ا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هَذَا الْفَصْل يشْتَمل على ذكر المصطلحات وَهُوَ ظَاهر
والأوسط سمي أَوسط لِأَنَّهُ وَاسِطَة بَين حدي الْمَطْلُوب بهَا بَين الحكم بِأَحَدِهِمَا على الآخر
والأصغر سمي أَصْغَر لاحْتِمَال كَونه جزئيا تَحت الْأَوْسَط فِي التَّرْتِيب الطبيعي عَن اقتناص الحكم الْكُلِّي الإيجابي
والأكبر سمي أكبر لكَونه كليا فَوق الْأَوْسَط فِي ذَلِك التَّرْتِيب
والفاضل الشَّارِح أورد هَهُنَا إشكالين
الأول أَنا إِذا قُلْنَا (ا) مسَاوٍ ل (ب)
و (ب) مسَاوٍ ل (ج)
أنتج ف (ا) مسَاوٍ لمساو ل (ج)(1/377)
وَمَا صَار مِنْهُمَا فِي النتيجة مَوْضُوعا أَو وَفِي نُسْخَة ومقدما مثل (ج) الَّذِي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الَّذِي كَانَ فِي مثالنا فَإِنَّهُ يُسمى الْأَصْغَر
وَمَا كَانَ وَفِي نُسْخَة صَار مَحْمُولا فِيهَا وَفِي نُسْخَة فِيهِ أَو وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَو تاليا مثل (ا) فِي مثالنا فَإِنَّهُ يُسمى الْأَكْبَر وَفِي نُسْخَة بالأكبر
والمقدمة الَّتِي فِيهَا الْأَصْغَر تسمى الصُّغْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمتكرر هَهُنَا لَيْسَ حدا فِي المقدمتين بل جُزْء حد من إِحْدَاهمَا وجزء تَامّ من الْأُخْرَى
وَكَذَا إِذا قُلْنَا الدرة فِي الحقة
والحقة فِي الْبَيْت
فالدرة فِي الْبَيْت
وَالثَّانِي إِذا قُلْنَا الْإِنْسَان حَيَوَان
وَالْحَيَوَان جنس
تكَرر الْحَد بِتَمَامِهِ وَلم ينْتج
ثمَّ قَالَ وَأجِيب عَن هَذَا بِأَن الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ جنس لَيْسَ هُوَ الَّذِي يُقَال على الْإِنْسَان
وَذَلِكَ لِأَن الأول بِشَرْط لَا شَيْء
وَالثَّانِي لَا بِشَرْط شَيْء
فَإِذن الْمَعْنى مُخْتَلف
وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ الْجِنْس لَو لم يكن مقولا على الْإِنْسَان وَغَيره لم يكن جِنْسا
وَأَيْضًا إِنَّكُم قُلْتُمْ الْحَيَوَان بِشَرْط لَا شَيْء هُوَ الْمَادَّة فَكيف جعلتموه جِنْسا
وَأَيْضًا هُوَ جُزْء والجزء سَابق فِي الْوُجُود فَكيف يقومه الْفَصْل
وَأَيْضًا يلْزم مِنْهُ أَن يكون جُزْء الْجُزْء الَّذِي هُوَ الْجِنْس الْأَعْلَى سَابِقًا فِي الْوُجُود على(1/378)
وَالَّتِي فِيهَا الْأَكْبَر تسمى الْكُبْرَى وَفِي نُسْخَة كبرى
وتأليفهما يُسمى اقترانا وَفِي نُسْخَة اقترانيا
وهيئه التَّأْلِيف من كَيْفيَّة وضع الْحَد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ الْحَد الْأَوْسَط عِنْد الحدين الطَّرفَيْنِ تسمى شكلا
وَمَا كَانَ من وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة من الاقتران وَفِي نُسْخَة الاقترانات وَفِي أُخْرَى الاقترانيات منتجا يُسمى قِيَاسا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْجُزْء الَّذِي هُوَ الْجِنْس بِخِلَاف مَا ذكرتموه
وشنع فِي جَمِيع ذَلِك على الشَّيْخ
ثمَّ قَالَ يشبه أَن يكون الْجَواب أَن الْحَيَوَان الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْجِنْس هُوَ الْمَحْمُول على الْإِنْسَان بِشَرْط أَن يكون أَيْضا مَحْمُولا على غَيره
فَالَّذِي يحمل على الْإِنْسَان هُوَ الْمَحْمُول عَلَيْهِ فَقَط
وَبَين الْأَمريْنِ فرق
وَأَقُول الْجَواب
على إشكاله الأول أَنا إِذا قُلْنَا (ا) مسَاوٍ ل (ب)
و (ب) مسَاوٍ ل (ج)
ف (ا) مسَاوٍ ل (ج)
فقد وَضعنَا القَوْل فِي الْقَضِيَّة الثَّانِيَة على (ب) الَّذِي هُوَ جُزْء من أحد حدي الْقَضِيَّة الأولى مَكَانَهُ فِي الْقَضِيَّة الثَّالِثَة
وَيكون ذَلِك كَمَا إِذا قُلْنَا
زيد مقتول بِالسَّيْفِ
وَالسيف آلَة حديدية
فزيد مقتول بِآلَة حديدية
فَهَذِهِ الْقَضِيَّة هِيَ الْقَضِيَّة الأولى إِلَّا أَن السَّيْف قد حذف مِنْهَا وأقيم مقَامه مَا هُوَ مقول عَلَيْهِ
ثمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بَين(1/379)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَفْهُوم الْمَقْتُول بِالسَّيْفِ
وَمَفْهُوم الْمَقْتُول بِآلَة حديدية
تغاير يَقْتَضِي أَن يكون أَحدهمَا الْمَحْمُول على الآخر
أَو لَا يكون بَينهمَا تغاير أصلا بل هما بِمَنْزِلَة لفظين مترادفين يعبران عَن شَيْء وَاحِد وعَلى التَّقْدِير الأول كَانَ قَوْلنَا
زيد مقتول بِالسَّيْفِ
وَالسيف آلَة حديدية
فِي قُوَّة قِيَاس صورته
زيد مقتول بِالسَّيْفِ
والمقتول بِالسَّيْفِ هُوَ الْمَقْتُول بِآلَة حديدية
وينتج مَا ذَكرْنَاهُ
وعَلى التَّقْدِير الثَّانِي لَا يكون ذَلِك قِيَاسا وَلَا فِي قوته بل كَانَ قَوْلنَا
زيد مقتول بِآلَة حديدية
الَّذِي ظنناه نتيجة فَهُوَ بِعَيْنِه قَوْلنَا
زيد مقتول بِالسَّيْفِ
الَّذِي ظنناه مُقَدّمَة
وَحِينَئِذٍ لم يكن بَينهمَا فرق لِأَن محمولهما اسمان مُتَرَادِفَانِ إِلَّا أَن أَحدهمَا يشْتَمل على جُزْء هُوَ لَفْظَة مَا وَالثَّانِي يشْتَمل على جُزْء هُوَ مَا يقوم مقَام ذَلِك اللَّفْظ
وَالْمرَاد مِنْهُمَا شَيْء وَاحِد
وَقس عَلَيْهِ المثالين الْمَذْكُورين وَمَا يجْرِي مجراهما
إِلَّا أَن الْمِثَال الثَّانِي إِنَّمَا يشبه الأول إِذا قُلْنَا فِيهِ(1/380)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالدرة فِيمَا هُوَ فِي الْبَيْت
ويتوصل من ذَلِك إِلَى قَوْلنَا
فالدرة فِي الْبَيْت
بِإِضَافَة مُقَدّمَة أُخْرَى إِلَيْهِ هِيَ قَوْلنَا
وكل مَا هُوَ فِيمَا هُوَ فِي الْبَيْت فَهُوَ فِي الْبَيْت
على مَا سَيَأْتِي فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله
وَعَن إشكاله الثَّانِي أَن
الْجَواب الأول وَهُوَ أَن الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ الْجِنْس غير الَّذِي هُوَ الْمَقُول على الْإِنْسَان حق
لَكِن لَيْسَ وَجه التغاير أَن
أَحدهمَا بِشَرْط لَا شَيْء
وَالثَّانِي لَا بِشَرْط شَيْء
فَإِن كليهمَا لَا بِشَرْط شَيْء فَإِن شَرط الشَّيْء هَهُنَا يُرَاد بِهِ مَا من شَأْنه أَن يدْخل فِي مَفْهُوم الْحَيَوَان عِنْد صَيْرُورَته محصلا
بل وَجه التغاير أَن
أَحدهمَا مَأْخُوذ مَعَ شَيْء وَإِن لم يكن أَخذ ذَلِك الشَّيْء شرطا فِي مَفْهُومه ليتحصل
وَالثَّانِي لَيْسَ مأخوذا مَعَ شَيْء وَإِن جَازَ أَن يُؤْخَذ مَعَ شَيْء
وَبَيَانه أَن الْحَيَوَان الْمَقُول على الْإِنْسَان لَيْسَ بعام وَلَا خَاص إِذْ يُمكن حمله على زيد كَمَا أمكن حمله على الْإِنْسَان
وَالَّذِي هُوَ الْجِنْس فَهُوَ من حَيْثُ هُوَ جنس عَام مركب
من الأول
وَمن معنى الْعُمُوم الْعَارِض لَهُ
فَهُوَ لَا يحمل من حَيْثُ هُوَ جنس على شَيْء مِمَّا هُوَ تَحْتَهُ وَفرق
بَين مَا يصلح لِأَن يعرض لَهُ مَا يصيره جِنْسا
وَبَين مَا قد عرض لَهُ ذَلِك(1/381)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالمحمول هُوَ الأول
وَالْجِنْس هُوَ الثَّانِي
وَمَا أجَاب بِهِ على سَبِيل الشَّك فَهُوَ الْجَواب وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يفهم
من الْمَحْمُول على الْإِنْسَان بِشَرْط أَن يكون أَيْضا مَحْمُولا على غَيره أَنه مَشْرُوط بذلك فِي صَيْرُورَته جِنْسا لَا فِي كَونه مَحْمُولا على الْإِنْسَان
وَمن الْمَحْمُول على الْإِنْسَان فَقَط أَنه مَحْمُول بِلَا شَرط أصلا لَا بِشَرْط أَنه مَحْمُول عَلَيْهِ فَقَط
والأصوب أَن يُقَال
الْحَيَوَان الَّذِي هُوَ الْجِنْس هُوَ الْمَحْمُول على الْإِنْسَان وَغَيره من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك
وَالَّذِي يحمل على الْإِنْسَان هُوَ الْمَحْمُول عَلَيْهِ لَا مَعَ قيد آخر
فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن الْحمل على شَيْء بِشَرْط حمله على غَيره لَيْسَ بمعقول إِذْ لَا يُقَال
الْإِنْسَان حَيَوَان بِشَرْط أَن يكون الْفرس أَيْضا حَيَوَانا حَتَّى يصدق ذَلِك إِن صدق هَذَا ويكذب إِن كذب هَذَا
بل الْمَحْمُول على الشَّيْء إِذا اشْترط فِيهِ الْحمل على غَيره فقد أخرج من أَن يكون(1/382)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مَحْمُولا فضلا عَن أَن يكون أَحدهمَا لِأَنَّهُ من حَيْثُ هُوَ كَذَلِك لَيْسَ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يُمكن أَن يُقَال أَحدهمَا إِنَّه هُوَ فَإِن الشَّيْء لَا يصلح أَن يكون غَيره
وَهَذَا الْبَحْث غير مُتَعَلق بِهَذَا الْموضع إِلَّا أَن الشَّارِح لما أوردهُ فقد لزمنا أَن نبحث عَمَّا هُوَ الْحق فِيهِ
قَوْله(1/383)
الْفَصْل الرَّابِع إِلَى أَصْنَاف الاقترانيات وَفِي نُسْخَة الاقترانات الحملية
1 - أما الْقِسْمَة فتوجب أَن يكون الْحَد الْأَوْسَط
إِمَّا مَحْمُولا على الْأَصْغَر مَوْضُوعا للأكبر وَفِي نُسْخَة على الْأَكْبَر
وَإِمَّا بعكس ذَلِك وَفِي نُسْخَة أَو بعكسه
وَإِمَّا مَحْمُولا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا
وَإِمَّا مَوْضُوعا لَهما جَمِيعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول المتقدمون قسموها
إِلَى مَا يكون الْأَوْسَط مَحْمُولا فِي إِحْدَى المقدمتين مَوْضُوعا فِي الْأُخْرَى
وَإِلَى مَا يكون مَوْضُوعا فيهمَا
وَإِلَى مَا يكون مَحْمُولا فيهمَا
فأخرجت الْقِسْمَة الأشكال الثَّلَاثَة وَلم يعتبروا انقسام الأول إِلَى قسمَيْنِ فَلم يخرج الشكل الرَّابِع من قسمتهم
والمتأخرون لما تنبهوا لذَلِك اعتذروا لَهُم بِأَن الرَّابِع قد حذفوه لبعده عَن الطَّبْع
وَذَلِكَ لِأَن الأول هُوَ الْمُرَتّب على التَّرْتِيب الطبيعي
وَالرَّابِع مُخَالف لَهُ فِي مقدمتيه جَمِيعًا فَهُوَ بعيد جدا عَن الطَّبْع
وَإِذا كَانَ من عَادَتهم بَيَان الشكلين الآخرين بعكس إِحْدَى المقدمتين ليرْجع إِلَى الشكل الأول ووجدوا بَيَان الرَّابِع مُحْتَاجا إِلَى عكس المقدمتين جَمِيعًا حكمُوا بِأَنَّهُ يشْتَمل على كلفة شاقة متضاعفة
وَاعْلَم أَن الشكلين الآخرين وَإِن كَانَ يرجعان إِلَى الأول بعكس إِحْدَى المقدمتين(1/384)
لكنه كَمَا أَن الْقسم الأول ويسمونه الشكل الأول وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الأول قد وجد كَامِلا فَاضلا جدا بِحَيْثُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بِحَيْثُ تكون قياسيته ضَرُورِيَّة النتيجة وَفِي نُسْخَة المنتجة بَيِّنَة بِنَفسِهَا لَا تحْتَاج إِلَى حجَّة
كَذَلِك وجد وَفِي نُسْخَة وَجه الَّذِي هُوَ عَكسه بَعيدا عَن وَفِي نُسْخَة من الطَّبْع يحْتَاج فِي إبانة قياسية وَفِي نُسْخَة قياسيته مَا ينْتج وَفِي نُسْخَة ينْتج بِدُونِ كلمة مَا عَنهُ وَفِي نُسْخَة مِنْهُ إِلَى كلفة شاقة متضاعفة وَفِي نُسْخَة متضاعفة شاقة وَلَا يكَاد يسْبق إِلَى الذِّهْن والطبع قياسيته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فليسا بِحَيْثُ يكون الأول مغنيا عَنْهُمَا وَذَلِكَ لِأَن من الْمُقدمَات مَا يكون لَهُ وضع طبيعي يُغَيِّرهُ الْعَكْس عَن ذَلِك
كَقَوْلِنَا الْجِسْم منقسم وَالنَّار لَيست بمرئية
فَإِن عكسهما لَيْسَ بمقبول عِنْد الطَّبْع ذَلِك الْقبُول
ومثالهما إِنَّمَا يخْتَص بالوقوع فِي شكل من الأشكال بِعَيْنِه لَا يَنْبَغِي أَن يتَكَلَّف بردهَا إِلَى غير ذَلِك الشكل
وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فللشكل الرَّابِع أَيْضا غناء لَا يقوم غَيره مقَامه
أما فِي الضروب الَّتِي ترتد بقلب الْمُقدمَات إِلَى الشكل الأول فَلِأَن من المطالب مَا هُوَ كَذَلِك
وَإِمَّا فِي الضروب الَّتِي لَا تُرِيدُ بقلب الْمُقدمَات إِلَى الشكل الأول فللمقدمات والمطالب جَمِيعًا
وَاعْلَم أَن الْقيَاس يَنْقَسِم
إِلَى كَامِل
وَإِلَى غير كَامِل
والكامل فِي الحمليات هُوَ أَكثر ضروب الشكل الأول لَا غير
وَهَذِه قسْمَة الْقيَاس بِحَسب الْعَوَارِض(1/385)
وَوجد القسمان الباقيان وَإِن لم يَكُونَا بيني وَفِي نُسْخَة يبين قياسية مَا فيهمَا وَفِي نُسْخَة فهما من الأقيسة قريبين وَفِي نُسْخَة قريبتين من الطَّبْع يكَاد الطَّبْع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الطَّبْع الصَّحِيح لقياسيتهما وَفِي نُسْخَة لقياسهما قبل أَن يبين وَفِي نُسْخَة يتَبَيَّن ذَلِك أَو يكَاد بَيَان ذَلِك يسْبق إِلَى الذِّهْن من نَفسه فتلحظ لمية
وَفِي نُسْخَة عَلَيْهِ قياسيته وَفِي نُسْخَة قياسته عَن قرب
وَلِهَذَا صَار لَهما قبُول ولعكس الأول اطراح
وَصَارَت الأشكال الاقترانية الحملية الملتفت إِلَيْهَا ثَلَاثَة
وَلَا ينْتج شَيْء مِنْهَا عَن جزئيتين
وَأما عَن سالبتين فَفِيهِ نظر سنشرح وَفِي نُسْخَة وسنشرح لَك وَفِي نُسْخَة ذَلِك
2 - الشكل الأول وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة الشكل الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قَوْله وَلَا ينْتج مِنْهَا شَيْء عَن جزئيتين وَذَلِكَ لِأَن مَا يتَعَلَّق بِهِ الحكمان من الْأَوْسَط
يُمكن أَن يكون متحدا فيهمَا
وَيُمكن أَن لَا يكون
فَلَا ينْتج الْإِيجَاب وَلَا السَّلب
قَوْله وَأما عَن سالبتين فَفِيهِ نظر المنطقيون قد حكمُوا بالْقَوْل الْمُطلق أَن الْقيَاس لَا ينْعَقد عَن سالبتين
وَالشَّيْخ قد حقق انْعِقَاده فِي بعض الصُّور وَهُوَ أَن تكون السالبة فِي إِحْدَى المقدمتين فِي قُوَّة الْمُوجبَة وَلذَلِك قَالَ فَفِيهِ نظر
2 - أَقُول المحصورات الْأَرْبَع مُمكنَة الْوُقُوع فِي كل مُقَدّمَة
فالاقترانات الممكنة بحسبها تكون سِتَّة عشرَة فِي كل شكل(1/386)
هَذَا الشكل من شَرطه فِي أَن يكون قِيَاسا ينْتج وَفِي نُسْخَة منتج الْقَرِينَة
أَن تكون صغراه مُوجبَة أَو فِي حكم الْمُوجبَة إِن وَفِي نُسْخَة أَو فِي حكمهَا بِأَن وَفِي أُخْرَى وَفِي حكمهَا أَن وَفِي رَابِعَة أَو فِي حكمهَا أَن كَانَت مُمكنَة أَو كَانَت وجودية تصدق إِيجَابا كَمَا تصدق سلبا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَكِن بَعْضهَا ينْتج وَيُسمى قِيَاسا وَبَعضهَا لَا ينْتج وَيُسمى عقيما
وَإِذا اعْتبرت الْجِهَات فِي المقدمتين فِي الضروب المنتجة حصلت ضروب من المختلطات عَددهَا مَا يحصل من ضروب عدد تِلْكَ الْجِهَات فِي نَفسه
وَلكُل شكل شَرَائِط فِي أَن ينْتج هِيَ أَسبَاب الإنتاج
وفقدانها أَسبَاب العقم
فللشكل الأول شَرْطَانِ
الأول كَون الصُّغْرَى مُوجبَة أَو فِي حكم الْمُوجبَة أَي تكون سالبة يلْزمهَا مُوجبَة أَو مُسَاوِيَة لَهَا كموجبة الوجودية اللادائمة لسالبتها أَو أَعم مِنْهَا كموجبة الوجودية اللاضرورية للسالبة اللادائمة فَإِن هَذِه السوالب قد تنْتج بِقُوَّة تِلْكَ الموجبات وَتَكون النتائج هِيَ نتائج الموجبات
والممكنة فِي قَول الشَّيْخ بِأَن تكون صغراه مُوجبَة أَو فِي حكمهَا بِأَن كَانَت مُمكنَة يَنْبَغِي أَن يحمل على مَا يكون مُمكنا فِي طَبِيعَته وَالْحكم الإيجابي حَاصِل فِيهِ بِالْفِعْلِ لِأَن الْمُمكن الصّرْف لَا يَقْتَضِي دُخُول الْأَصْغَر فِي الْأَوْسَط بِالْفِعْلِ
وَقد حكم الشَّيْخ بِهِ هَهُنَا فَإِنَّهُ قَالَ فَيدْخل أصغره فِي الْأَوْسَط
وَاعْلَم أَن هَهُنَا مَوضِع نظر وَذَلِكَ أَن مثل هَذَا الْقيَاس أَعنِي الَّذِي تكون صغراه فِي قُوَّة الْمُوجبَة لَا يكون منتجا لذاته بل لغيره
وَقد أعتبر هَذَا الْقَيْد فِي حد الْقيَاس
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن السَّلب والإيجاب فِي أَمْثَال هَذِه القضايا إِنَّمَا يكونَانِ فِي الْعبارَة فَقَط
وَيكون ربط محمولاتها إِلَى موضوعاتها فِي نفس الْأَمر بالإمكان الْمُحْتَمل للطرفين أَو الْوُجُود الْمُشْتَمل عَلَيْهِمَا(1/387)
فَيدْخل أصغره فِي وَفِي نُسْخَة تَحت الْأَوْسَط
وَتَكون كبراه كُلية ليتأدى حكمهَا إِلَى الْأَصْغَر لعمومه جَمِيع مَا يدْخل فِي الْأَوْسَط
3 - وقرائنه القياسية بَيِّنَة الإنتاج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَهِيَ إِنَّمَا تنْتج لتِلْك النِّسْبَة لذاتها لَا للْإِيجَاب وَالسَّلب اللفظيين
وَهَذَا الشَّرْط أَعنِي الأول يُفِيد دُخُول الْأَصْغَر فِي الْأَوْسَط الَّذِي بِهِ يعلم أَن الحكم الْوَاقِع على الْأَوْسَط شَامِل للأصغر الدَّاخِل فِيهِ
ولولاه لما علم أَن ذَلِك الحكم هَل يَقع على مَا يخرج من الْأَوْسَط أم لَا فَإِن كلا الْأَمريْنِ مُحْتَمل
كَمَا أَن الحكم بِالْحَيَوَانِ على الْإِنْسَان يَقع على الْفرس وَلَا يَقع على الْحجر وهما خارجان عَنهُ
وَالشّرط الثَّانِي كَون الْكُبْرَى كُلية
وَهَذَا الشَّرْط يُفِيد تأدية الحكم الْوَاقِع على الْأَوْسَط إِلَى الْأَصْغَر لعمومه جَمِيع مَا يدْخل فِي الْأَوْسَط
ولولاه لما علم أَن الْجُزْء الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الحكم من الْأَوْسَط هَل هُوَ الْأَصْغَر أم لَا
فَإِن كلا الْأَمريْنِ مُحْتَمل كَمَا أَن الحكم بالإنسان على بعض الْحَيَوَان يَقع على النَّاطِق وَلَا يَقع على الناهق وهما داخلان فِيهِ
وَقد ظهر مِمَّا تقرر أَن حكم النتيجة فِي الضَّرُورَة واللاضرورة أَو الدَّوَام واللادوام حكم الْكُبْرَى بِشَرْط كَون الصُّغْرَى فعلية لِأَن الْأَصْغَر إِذا كَانَ دَاخِلا فِي الْأَوْسَط بِالْفِعْلِ كَانَ الحكم عَلَيْهِ حكما على الْأَصْغَر أَي حكم كَانَ
قَوْله
3 - فهذان الشرطان أَعنِي
إِيجَاب الصُّغْرَى
وكلية الْكُبْرَى(1/388)
4 - فَإِنَّهُ إِذا كَانَ
كل [ج] هُوَ [ب]
ثمَّ قلت وكل [ب] هُوَ بِالضَّرُورَةِ أَو بغَيْرهَا [ا] كَانَ [ج] أَيْضا [ا] على تِلْكَ الْجِهَة
5 - وَكَذَلِكَ إِذا قلت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يوجدان مَعًا فِي أَربع قَرَائِن من السِّتَّة عشر الْمَذْكُورَة
فَإِن الْإِيجَاب
إِمَّا كلي
وَإِمَّا جزئي
والكلية إِمَّا
إيجابية
أَو سلبية
ومضروب الِاثْنَيْنِ فِي نَفسه أَرْبَعَة
فَإِذن الْقَرَائِن القياسية أَرْبَعَة
والباقية عقيمة لفقدان أحد الشَّرْطَيْنِ أَو كليهمَا
وَإِذا كَانَت الصغريات موجهة بجهات تَسْتَلْزِم سالبتها من جِهَتهَا كَانَت الْقَرَائِن القياسية ثَمَانِيَة
وَجَمِيع هَذِه الْقَرَائِن بَيِّنَة الإنتاج فِي هَذَا الشكل لما نذكرهُ
قَوْله
4 - هَذَا هُوَ الضَّرْب الأول فينتج مُوجبه كُلية تَابِعَة للكبرى فِي الضَّرُورِيّ واللاضروري
قَوْله
5 - وَهَذَا هُوَ الضَّرْب الثَّانِي وينتج سالبة كُلية كَذَلِك
قَوْله(1/389)
بِالضَّرُورَةِ لَا شَيْء من [ج] [ب] أَو بِغَيْر الضَّرُورَة
دخل [ج] تَحت الحكم وَفِي نُسْخَة الحكم الأول لَا محَالة
6 - وَكَذَلِكَ وَفِي نُسْخَة وَكَذَا إِذا قلت
بعض [ج] [ب]
ثمَّ حكمت على [ب] أَي حكم كَانَ من سلب أَو إِيجَاب بعد أَن يكون عَاما لكل [ب]
دخل ذَلِك الْبَعْض من [ج] الَّذِي هُوَ [ب] فِيهِ فَتكون قرائنه القياسية هَذِه الْأَرْبَع
7 - وَذَلِكَ إِذا كَانَ
كل [ج] [ب] بِالْفِعْلِ كَيفَ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
6 - وَهَذَانِ الضربان صُغْرَاهُمَا مُوجبَة جزئية وكبراهما كُلية إِمَّا مُوجبَة أَو سالبة وهما الثَّالِث وَالرَّابِع
وَالثَّالِث ينْتج مُوجبَة جزئية
وَالرَّابِع سالبة جزئية
فَهَذِهِ هِيَ الضروب الْأَرْبَع وَقد أنتجت المحصورات الْأَرْبَع
قَوْله
7 - أَقُول مَعْنَاهُ أَن كَون إنتاج هَذِه الْقَرَائِن وَكَون النتيجة تَابِعَة للكبرى فِي الْجِهَات الْمَذْكُورَة إِنَّمَا يكون بَينا إِذا كَانَ الْأَصْغَر دَاخِلا بِالْفِعْلِ فِي الْأَوْسَط
وَذَلِكَ يكون فِي الصغريات الفعلية مُوجبَة كَانَت أَو سالبة يلْزمهَا مُوجبَة فعلية
أما إِذا كَانَت الصُّغْرَى بالإمكان فَلَيْسَ تعدِي الحكم من الْأَوْسَط إِلَى الْأَصْغَر تَعَديا بَينا بل إِنَّمَا يتعداه بِالْقُوَّةِ فَقَط وَيحْتَاج إِلَى بَيَان
وَالْحَاصِل أَن قياسات هَذَا الشكل
كَامِلَة إِذا كَانَت الصُّغْرَى فعلية(1/390)
وَأما إِذا كَانَ كل [ج] [ب] بالإمكان وَفِي نُسْخَة بِإِمْكَان فَلَيْسَ يجب أَن يتَعَدَّى الحكم
من [ب] إِلَى [ج] تَعَديا بَينا
8 - لكنه إِن كَانَ الحكم على [ب] بالإمكان وَفِي نُسْخَة بِإِمْكَان كَانَ وَفِي نُسْخَة لَكَانَ هُنَاكَ إِمْكَان إِمْكَان
وَهُوَ قريب من أَن يعلم الذِّهْن أَنه إِمْكَان فَإِن مَا يُمكن أَن يُمكن قريب عِنْد الطَّبْع الحكم بِأَنَّهُ مُمكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَغير كَامِلَة إِذا كَانَت مُمكنَة
وَالصُّغْرَى الَّتِي يكون الحكم فِيهَا بِالْقُوَّةِ
إِمَّا أَن يؤلف مَعَ كبرى أَيْضا بِالْقُوَّةِ
أَو مَعَ كبرى فعلية وَلَكِن غير ضَرُورِيَّة
أَو مَعَ كبرى ضَرُورِيَّة
فَهَذِهِ ثَلَاث اختلاطات محتاجة إِلَى الْبَيَان
وَكَانَ من عَادَة المنطقيين بَيَانهَا بالخلف وَالرَّدّ إِلَى الاختلاطات الفعلية من الشكلين الآخرين وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة وضوح مَعَ الاشتمال على خبط كثير وَسُوء تَرْتِيب
فَعدل الشَّيْخ من تِلْكَ الطَّرِيقَة فِي هَذَا الْكتاب وَبَينهَا ببيانات ثَلَاثَة
قَوْله
8 - هَذَا بَيَان الِاخْتِلَاط الأول وَهُوَ الِاخْتِلَاط من الممكنتين
وَقد اكْتفى فِيهِ بِأَن الذِّهْن يعلم بسهولة أَن مَا يُمكن أَن يُمكن يكون مُمكنا وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْخ يمِيل إِلَى أَن هَذَا الِاخْتِلَاط كَامِل غير مُحْتَاج إِلَى زِيَادَة بَيَان
وَبَيَان ذَلِك أَن الْمُمكن هُوَ مَا لَا يلْزم من فرض وجوده محَال فَإِذا فرض أَن (ج) الَّذِي يُمكن أَن يكون مَا يُمكن أَن يكون (ا) مثلا خرج من الْإِمْكَان الأول إِلَى الْوُجُود فقد سقط الْإِمْكَان الأول وَصَارَ حِينَئِذٍ هُوَ مَا يُمكن أَن يكون (ا) بِحَسب ذَلِك الْفَرْض
ثمَّ إِذا فرض مرّة أُخْرَى أَنه مَوْجُود فقد سقط الْإِمْكَان الثَّانِي أَيْضا وَصَارَ (ج)(1/391)
9 - لكنه إِذا كَانَ كل [ج] [ب] بالإمكان الْحَقِيقِيّ الْخَاص
وكل [ب] [ا] بِالْإِطْلَاقِ
جَازَ أَن يكون كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل [ج] [ا] بِالْفِعْلِ وَجَاز أَن يكون بِالْقُوَّةِ وَكَانَ وَفِي نُسْخَة فَكَانَ الْوَاجِب مَا يعمهما من الْإِمْكَان الْعَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالوجود (ا) من غير لُزُوم محَال
وكل مَا يصير بِالْفَرْضِ مَوْجُودا من غير لُزُوم محَال فَهُوَ مُمكن
فَإِذن (ج) يُمكن أَن يكون (ا)
وَالْوَجْه فِي أَن هَذَا الحكم لَيْسَ بموجود فِي الذِّهْن وَقَرِيب من الْمَوْجُود فِيهِ أَنه إِنَّمَا يحصل فِيهِ من انعكاس قَوْلنَا
كل مَا لَيْسَ بممكن يمْتَنع أَن يكون مُمكنا وَهُوَ أولى فِي الأذهان عكس النقيض إِلَى قَوْلنَا فَكل مَا لَا يمْتَنع أَن يكون مُمكنا فَهُوَ مُمكن وَهُوَ الْمَطْلُوب
قَوْله
9 - وَهَذَا بَيَان الِاخْتِلَاط الثَّانِي
وَهُوَ الِاخْتِلَاط من مُمكن وَمُطلق
فينتج مُمكنا
وَذَلِكَ لِأَن الْمُمكن إِذا فرض مَوْجُودا صَار الِاخْتِلَاط من مطلقتين وَيكون إنتاجه بَينا وَلَا يلْزم مِنْهُ محَال
فَإِذن هُوَ مُمكن وَلَا يجب أَن ينْتج مُطلقًا لِأَن الحكم على الْأَصْغَر رُبمَا لَا يكون بِالْفِعْلِ إِلَّا عِنْد كَونه أَوسط بِالْفِعْلِ وَهُوَ مِمَّا لَا يخرج إِلَى الْفِعْل أبدا كَمَا إِذا قُلْنَا
كل إِنْسَان كَاتب بالإمكان
وكل كَاتب مبَاشر للقلم بِالْإِطْلَاقِ
فَلَا يلْزم مِنْهُ كَون كل إِنْسَان مباشرا للقلم بِالْإِطْلَاقِ بل بالإمكان وَرُبمَا يكون بِالْفِعْلِ كَقَوْلِنَا
كل إِنْسَان كَاتب بالإمكان(1/392)
10 - فَإِن كَانَ كل وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة كل [ب] [ا] بِالضَّرُورَةِ فَالْحق أَن النتيجة تكون ضَرُورِيَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكل كَاتب يَتَحَرَّك بِالْإِطْلَاقِ
فَكل إِنْسَان يَتَحَرَّك بِالْإِطْلَاقِ
والإمكان الْعَام فِي قَول الشَّيْخ فَكَانَ الْوَاجِب مَا يعمهما من الْإِمْكَان الْعَام لَا يَنْبَغِي أَن يحمل على الَّذِي يعم الضَّرُورِيّ وَغير الضَّرُورِيّ بِحَسب الِاصْطِلَاح بل يَنْبَغِي أَن يحمل على مَا يعم الْقُوَّة وَالْفِعْل وَهُوَ الْعَام بِحَسب اللُّغَة وَذَلِكَ لِأَن الْمُمكن قد يَقع على مَا خرج إِلَى الْفِعْل كالوجوديات
وَقد يَقع على مَا لم يخرج إِلَى الْفِعْل بل هُوَ بِالْقُوَّةِ بعد كالاستقبالي على مَا قَرَّرْنَاهُ فالاختلاط إِذا كَانَ من مُمكن بِالْقُوَّةِ الْمَحْضَة وَمُطلق كَانَت النتيجة مُمكنَة بِإِمْكَان شَامِل لَهما وَلَا يجب أَن يكون بِالْقُوَّةِ الْمَحْضَة كَمَا إِذا قُلْنَا
زيد يُمكن أَن يكْتب بذلك الْإِمْكَان
ثمَّ قُلْنَا
وكل من يكْتب فَهُوَ مبَاشر للقلم
ينْتج فزيد مبَاشر للقلم بالإمكان لَا بِالْقُوَّةِ الْمَحْضَة لِأَنَّهُ رُبمَا بَاشر الْقَلَم بِالْفِعْلِ فِي غير حَال الْكِتَابَة الَّتِي هِيَ بِالْقُوَّةِ بعد بل بِإِمْكَان شَامِل للْفِعْل وَالْقُوَّة مَعًا
فَهَذَا هُوَ الْمُنَاسب
وَقد صرح بِهِ الشَّيْخ فِي غير هَذَا الْكتاب
وَأما إِن حمل الْإِمْكَان الْعَام على مَا يعم
الضَّرُورَة واللاضرورة
وَحمل الْإِطْلَاق فِي قَوْله وكل (ب) (ا) بِالْإِطْلَاقِ أَيْضا على الْإِطْلَاق الْعَام كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْفَاضِل الشَّارِح
كَانَ صَادِقا
إِلَّا أَنه لَا يكون مناسبا للبحث الَّذِي نَحن فِيهِ وَلَا يكون القَوْل بِأَن مَا يعم الْفِعْل وَالْقُوَّة هُوَ الْإِمْكَان الْعَام صَحِيحا فَإِن الْإِمْكَان الْخَاص أَيْضا قد يعمهما من وَجه آخر قَوْله
10 - وَهَذَا بَيَان الِاخْتِلَاط الثَّالِث وَهُوَ الِاخْتِلَاط
من مُمكن
وضروري(1/393)
ولنورد فِي بَيَان وَفِي نُسْخَة لبَيَان ذَلِك وَجها قَرِيبا فَنَقُول
لِأَن وَفِي نُسْخَة أَن [ج] إِذا صَار [ب] صَار مَحْكُومًا عَلَيْهِ أَن وَفِي نُسْخَة بِأَن [ا] مَحْمُول عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ
وَمعنى ذَلِك أَنه لَا يَزُول عَنهُ أَلْبَتَّة مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات وَلَا كَانَ زائلا عَنهُ لَا مَا دَامَ [ب] فَقَط
وَهُوَ وَفِي نُسْخَة وَلَو كَانَ إِنَّمَا يحكم وَفِي نُسْخَة حكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ [ا] عِنْدَمَا يكون [ب] لَا عِنْدَمَا لَا يكون [ب] كَانَ قَوْلنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد زعم جُمْهُور المنطقيين أَنه ينْتج مُمكنا
وَالشَّيْخ بَين أَنه ينْتج ضَرُورِيًّا
وَكَلَامه ظَاهر
وَالْحَاصِل مِنْهُ أَن الْمُمكن إِذا فرض مَوْجُودا صَار الِاخْتِلَاط من
مُطلق
وضروري
وَكَانَت النتيجة ضَرُورِيَّة كَمَا مر
وكل مَا كَانَ ضَرُورِيًّا فَهُوَ فِي جَمِيع الْأَوْقَات ضَرُورِيّ
فَإِذن كَانَت النتيجة قبل فَرضنَا أَيْضا ضَرُورِيَّة
والأوسط فِي هَذَا الْقيَاس لم يفد كَونهَا ضَرُورِيَّة فِي نفس الْأَمر
بل أَفَادَ الْعلم بِهِ
وَقد حصل من هَذَا الْبَحْث أَن الْكُبْرَى الضرورية مَعَ جَمِيع الصغريات الفعلية وَغير الفعلية ينْتج ضَرُورِيَّة
والكبرى غير الضرورية إِن كَانَت مَعَ الصُّغْرَى فعليتين ينْتج فعلية
وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا أَو كلتاهما مُمكنَة ينْتج مُمكنَة
والكبرى المحتملة لَهما تنْتج مُحْتَملَة فعلية أَو غير فعلية
فبعض النتائج يتَّفق أَن تكون تَابِعَة للكبرى
كالحاصلة من صغرى فعلية مَعَ أَي كبرى اتّفقت بِشَرْط أَن لَا تكون وَصفِيَّة(1/394)
كل [ب] [ا] بِالضَّرُورَةِ كَاذِبًا على مَا علمت
لِأَن مَعْنَاهُ كل مَوْصُوف بِأَنَّهُ [ب] دَائِما أَو غير دَائِم فَإِنَّهُ مَوْصُوف بِالضَّرُورَةِ أَنه [ا] مَا دَامَ مَوْجُود الذَّات كَانَ [ب] أَو لم يكن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَعضهَا يتَّفق أَن تكون تَابِعَة للصغرى
كالحاصلة من مُمكنَة ومطلقة عامتين أَو خاصتين
وَبَعضهَا يتَّفق أَن تكون بخلافهما
كالحاصلة من مُمكنَة ومطلقة إِحْدَاهمَا عَامَّة وَالْأُخْرَى خَاصَّة فَإِن النتيجة تكون فِي الْإِمْكَان كالصغرى وَفِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص كالكبرى
وَفِي إنتاج الصُّغْرَى الممكنة مَعَ غَيرهَا مَوضِع نظر
وَهُوَ أَنا إِذا حكمنَا على كل (ب) أَي حكم كَانَ بِأَنَّهُ (ا) أَو لَيْسَ (ا) فَإِن مرادنا أَن ذَلِك الحكم وَاقع على كل مَا هُوَ (ب) بِالْفِعْلِ لَا على كل مَا يُمكن أَن يكون (ب) كَمَا قَرَّرْنَاهُ من قبل
فَإِن كَانَ (ج) فِي الصُّغْرَى يُمكن أَن يكون (ب) وَلَا يصير شَيْء مِنْهُ (ب) وَلَا فِي وَقت من الْأَوْقَات بل يكون (ب) دَائِم السَّلب عَن كل وَاحِد مِنْهُ من غير ضَرُورَة
فَإِن الحكم على كل (ب) لَا يتَنَاوَلهُ بِوَجْه أَلْبَتَّة
وَحِينَئِذٍ يُمكن أَن يكون الحكم عَلَيْهِ مُخَالفا للْحكم على (ب) وَذَلِكَ لِأَن مَا يُمكن أَن يكون (ب) يحْتَمل أَن يَنْقَسِم
إِلَى مَا يُوصف ب (ب) بِالْفِعْلِ
وَإِلَى مَا لَا يُوصف ب (ب) دَائِما من غير ضَرُورَة
وَيكون للقسم الأول حكم
إِمَّا ضَرُورِيّ بِحَسب الذَّات أَو غير ضَرُورِيّ
وَيكون الْقسم الثَّانِي حكم مُنَاقض لذَلِك الحكم
وَلَا يلْزم من حكمنَا على مَا هُوَ بِالْفِعْلِ (ب) أَن يدْخل فِي ذَلِك الحكم مَا هُوَ بالإمكان (ب) وَلَا يكون بِالْفِعْلِ دَائِما
وَهَذَا الْإِشْكَال إِنَّمَا يلْزم على القَوْل بِجَوَاز وجود حكم دَائِم غير ضَرُورِيّ كلي
وَإِنَّمَا ينْدَفع الِاحْتِمَال الْمُؤَدِّي إِلَى هَذَا الْإِشْكَال فِي بَاب خلط الْمُمكن الضَّرُورِيّ بانعكاس قَوْلنَا
كل مَا لَيْسَ بضروري بِحَسب الذَّات فَهُوَ يمْتَنع أَن يكون ضَرُورِيًّا بِحَسبِهِ(1/395)
11 - لَكِن الصُّغْرَى إِذا كَانَت مُمكنَة أَو مُطلقَة تصدق مَعهَا السالبة وَفِي نُسْخَة السالب جَازَ أَن تكون سالبة وتنتج لِأَن الْمُمكن الْحَقِيقِيّ سالبه لَازم مُوجبه
12 - فَتكون إِذن النتيجة فِي كيفيتها وجهتها تَابِعَة الْكُبْرَى فِي كل مَوضِع من قياسات هَذَا الشكل إِلَّا إِذا كَانَت الصُّغْرَى مُمكنَة خَاصَّة وَفِي نُسْخَة مُمكنَة خَاصَّة سالبة والكبرى وجودية وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذَا ضَرُورِيّ إِلَى قَوْلنَا كل مَا لَا يمْتَنع أَن يكون ضَرُورِيًّا فَهُوَ ضَرُورِيّ بِالضَّرُورَةِ على طَرِيق عكس النقيض
قَوْله
11 - أَقُول يُرِيد أَن الصُّغْرَى السالبة إِذا استلزمت مُوجبَة تنْتج أَيْضا مَا تنْتج الْمُوجبَة بقوتها
وَلَيْسَ هَذَا تَكْرَارا لما ذكره فِي صدر الْبَاب لِأَن الْمَذْكُور هُنَاكَ كَانَ خَاصّا بالفعليات وَهَهُنَا قد حكم على الْوَجْه الشَّامِل للقوة وَالْفِعْل لِأَن الحكم الْعَام لَا يتمشى إِلَّا بعد بَيَان إنتاج الصغريات الممكنة مَعَ غَيرهَا
وَهَذَا مَا خَالف الشَّيْخ فِيهِ الْجُمْهُور وَقد وعد شَرحه حِين قَالَ فَأَما عَن سالبتين فَفِيهِ نظر سنشرح لَك
قَوْله
12 - أَقُول ذهب قوم من المنطقيين إِلَى أَن نتائج هَذَا الشكل تتبع أخس المقدمتين فِي الكمية والكيفية والجهة جَمِيعًا
أَي إِذا وَقع فِي إِحْدَى المقدمتين حكم جزئي أَو سَلبِي أَو غير ضَرُورِيّ كَانَت النتيجة كَذَلِك
وَقد حقق الشَّيْخ أَنَّهَا لَيست كَذَلِك مُطلقًا بل هِيَ تَابِعَة فِي الكمية للصغرى وَفِي الْكَيْفِيَّة والجهة للكبرى إِلَّا فِي موضِعين
أَحدهمَا تقدم ذكره وَهُوَ أَن تكون الصُّغْرَى مُمكنَة والكبرى غير ضَرُورِيَّة فَإِن النتيجة تكون بِالْفِعْلِ وَالْقُوَّة تَابِعَة للصغرى لَا للكبرى(1/396)
نُسْخَة بِإِضَافَة فَإِن النتيجة مُمكنَة خَاصَّة أَو الصُّغْرَى مُطلقَة خَاصَّة سالبة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة سالبة والكبرى مُوجبَة ضَرُورِيَّة فَإِن النتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة إِلَّا وَفِي نُسْخَة وَإِلَّا فِي شَيْء وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة آخر نذكرهُ
وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا يُقَال من أَن النتيجة وَفِي نُسْخَة إِلَى مَا قَالَ من النتيجة وَفِي أُخْرَى إِلَى من يَقُول بِأَن النتيجة تتبع أخس الْمُقدمَات وَفِي نُسْخَة المقدمتين فِي كل شَيْء بل فِي الْكَيْفِيَّة والكمية وَفِي نُسْخَة فِي الْكَيْفِيَّة الكمية وعَلى الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالثَّانِي سَيَجِيءُ ذكره وَهُوَ أَن تكون الصُّغْرَى مُوجبَة ضَرُورِيَّة والكبرى مُطلقَة عرفية فَإِنَّهَا
إِن كَانَت عَامَّة أنتجت كالصغرى مُوجبَة ضَرُورِيَّة
وَإِن كَانَت خَاصَّة لم يكن الاقتران قِيَاسا لتناقض المقدمتين
فَقَوْل الشَّيْخ تكون إِذن النتيجة فِي كيفيتها وجهتها إِلَى قَوْله فَإِن النتيجة مُمكنَة خَاصَّة ظَاهر
وَقَوله بعد ذَلِك أَو الصُّغْرَى مُطلقَة خَاصَّة والكبرى مُوجبَة ضَرُورِيَّة فَإِن النتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة غير مُطَابق لما مر لِأَن ظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي عطف هَذَا الْكَلَام بِلَفْظَة أَو على مَا قبله أَي على مَا اسْتَثْنَاهُ مِمَّا لَا تكون النتيجة فِيهِ تَابِعَة للكبرى
وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قبله فَإِن النتيجة فِيهِ تَابِعَة للكبرى على مَا صرح بِهِ
فَفِي هَذَا الْموضع قد وَقع فِيهِ تفَاوت فِي النُّسْخَة
وَقد غلب على ظن الْفَاضِل الشَّارِح أَنه وَقع فِي سِيَاقَة الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير من سَهْو ناسخيه
قَالَ وَتَقْدِير الْكَلَام هَكَذَا لَكِن الصُّغْرَى إِذا كَانَت مُمكنَة أَو مُطلقَة يصدق مَعهَا السالبة جَازَ أَن تكون سالبة
وتنتج لِأَن الْمُمكن الْحَقِيقِيّ سالبه لَازم مُوجبه أَو الصُّغْرَى مُطلقَة خَاصَّة والكبرى مُوجبَة ضَرُورِيَّة(1/397)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن النتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة
قَالَ والفائدة فِي ذكر ذَلِك أَنه حكم فِي الْكَلَام الأول بِأَن الصُّغْرَى السالبة منتجة وَبِهَذَا الْكَلَام يتَبَيَّن وَفِي نُسْخَة بَين أَن الصُّغْرَى السالبة قد تنْتج نتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة
ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَأْنف فَيَقُول فَتكون إِذن النتيجة فِي كيفيتها وجهتها تَابِعَة للكبرى فِي كل مَوضِع من قياسات هَذَا الشكل إِلَّا إِذا كَانَت الصُّغْرَى مُمكنَة خَاصَّة والكبرى وجودية فَإِن النتيجة مُمكنَة خَاصَّة إِلَّا فِي شَيْء نذكرهُ وَهُوَ
مَا إِذا كَانَت الصُّغْرَى ضَرُورِيَّة والكبرى عرفية على مَا يَجِيء بَيَانه
وعَلى هَذَا التَّقْدِير يكون نظم الْكَلَام مُسْتَقِيمًا
فَهَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ الْفَاضِل الشَّارِح هَهُنَا
أَقُول وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون كل وَاحِدَة من لَفْظِي الصُّغْرَى والكبرى قد تبدلت بِالْأُخْرَى سَهوا وَيكون نظم الْكَلَام بَعْدَمَا مر على ترتيبه الْمَذْكُور هَكَذَا إِلَّا إِذا كَانَت الصُّغْرَى مُمكنَة خَاصَّة والكبرى وجودية فَإِن النتيجة خَاصَّة
أَو الْكُبْرَى مُطلقَة خَاصَّة وَالصُّغْرَى مُوجبَة ضَرُورِيَّة فَإِن النتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة إِلَّا فِي شَيْء نذكرهُ
وعَلى هَذَا التَّقْرِير يكون المُرَاد من قَوْله أَو الْكُبْرَى مُطلقَة خَاصَّة وَالصُّغْرَى مُوجبَة ضَرُورِيَّة هُوَ الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي
وَيُرِيد بالمطلقة الْخَاصَّة الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة فَإِنَّهُ قد عبر عَن الْعُرْفِيَّة أَيْضا بِهَذِهِ الْعبارَة فِي النهج الْخَامِس حِين قَالَ فَإِن أردنَا أَن نجْعَل للمطلقة نقيضا من جِنْسهَا كَانَت الْحِيلَة فِيهِ أَن نجْعَل الْمُطلقَة أخص مِمَّا يُوجِبهُ نفس الْإِيجَاب وَالسَّلب المطلقين
وَيكون قَوْله إِلَّا فِي شَيْء نذكرهُ اسْتثِْنَاء آخر عَن قَوْله فَإِن النتيجة مُوجبَة ضَرُورِيَّة وَتَقْدِيره إِلَّا إِذا كَانَت الْمُطلقَة الْعُرْفِيَّة لَا دَائِما فَإِنَّهَا لَا تنْتج مَعَ صغرى الضرورية لما نذكرهُ
وَقد يَسْتَقِيم الْكَلَام على هَذَا التَّقْدِير أَيْضا والتعسف فِيهِ أقل مِمَّا كَانَ فِيمَا ذكره الشَّارِح لِأَن ذَلِك يحْتَاج إِلَى حذف سطر من وَفِي نُسْخَة فِي مَوضِع(1/398)
13 - وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَت الصُّغْرَى ضَرُورِيَّة وَفِي نُسْخَة مُوجبَة ضَرُورِيَّة والكبرى وجودية صرفة من جنس الوجودي بِمَعْنى وَفِي نُسْخَة معنى مَا دَامَ الْمَوْضُوع مَوْصُوفا بِمَا وصف بِهِ لم يَنْتَظِم مِنْهُ وَفِي نُسْخَة فِيهِ وَفِي أُخْرَى بحذفهما جَمِيعًا قِيَاس صَادِق الْمُقدمَات لِأَن الْكُبْرَى تكون كَاذِبَة لأَنا إِذا قُلْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإلحاقه بِموضع آخر يَسْتَغْنِي فِيهِ عَنهُ وَفِي نُسْخَة عَنْهُمَا بِنَوْع من التَّأْوِيل
وَإِلَى زِيَادَة الْوَاو فِي قَوْله إِلَّا فِي شَيْء نذكرهُ
وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال قَوْله بل فِي الْكَيْفِيَّة والكمية وعَلى الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور أَي لَيْسَ الْأَمر كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فِي أَن النتيجة تتبع أخس المقدمتين فِي كل شَيْء بل إِنَّمَا تتبعها فِي الْكَيْفِيَّة والكمية دون الْجِهَة
وعَلى الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُور فِي الْكَيْفِيَّة وَهُوَ
إِنَّهَا من الممكنات والوجوديات لَا تتبع أخس المقدمتين فِي السَّلب بل تتبع الْكُبْرَى
قَوْله
13 - أَقُول المُرَاد أَن الصُّغْرَى الضرورية والكبرى الْعُرْفِيَّة الوجودية لَا يُمكن أَن تصدقا مَعًا
مِثَاله أَن نقُول كل فلك متحرك بِالضَّرُورَةِ
وكل متحرك متغير لَا دَائِما بل مَا دَامَ متحركا
وَذَلِكَ لِأَن الْكُبْرَى تَقْتَضِي
دوَام الْأَكْبَر بِحَسب وصف الْأَوْسَط
وَلَا دَوَامه بِحَسب ذَاته
فَيلْزم مِنْهُ لَا دوَام الْأَوْسَط أَيْضا بِحَسب ذَاته لِأَن الْوَصْف لَو كَانَ دَائِما للذات والأكبر كَانَ دَائِما للوصف
فَيلْزم أَن يكون الْأَكْبَر أَيْضا دَائِما للذات فَإِن وصف الدَّائِم للدائم دَائِم
لكنه فرض لَا دَائِما بِحَسب الذَّات
هَذَا خلف(1/399)
كل [ج] [ب] بِالضَّرُورَةِ
ثمَّ قُلْنَا وكل [ب] وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة [ا] فَإِنَّهُ يُوصف وَفِي نُسْخَة مَوْصُوف بِأَنَّهُ [ا] مَا دَامَ مَوْصُوفا ب [ب] لَا دَائِما
حكمنَا أَن وَفِي نُسْخَة بِأَن كل مَا يُوصف ب [ب] إِنَّمَا يُوصف بِهِ وقتا مَا لَا دَائِما
وَهَذَا خلاف الصُّغْرَى
بل يجب أَن تكون الْكُبْرَى أَعم من هَذِه وَمن الضرورية وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَظهر أَن الْكُبْرَى فِي هَذَا الْمِثَال تَقْتَضِي أَن كل مَا يُوصف بِأَنَّهُ متحرك فَإِن هَذَا الْوَصْف لَهُ يكون لَا دَائِما
وَالصُّغْرَى الْمُشْتَمل على أَن الْفلك يُوصف بِأَنَّهُ متحرك دَائِما تَقْتَضِي أَن بعض مَا يُوصف بِأَنَّهُ متحرك فَهَذَا الْوَصْف لَهُ يكون لَا دَائِما
وَهَذَا مُنَاقض للْأولِ
فَإِذن لَا يَنْتَظِم مِنْهُمَا قِيَاس صَادِق الْمُقدمَات
وَالتَّعْلِيل الصَّحِيح لكَون هَذَا التَّأْلِيف لَيْسَ بِقِيَاس هُوَ بِوُقُوع التَّنَاقُض فيهمَا
وَأما التَّعْلِيل بكذب الْكُبْرَى كَمَا يَقْتَضِيهِ قَول الشَّيْخ حِين قَالَ لِأَن الْكُبْرَى قد تكون كَاذِبَة يَسْتَقِيم أَيْضا على وَجه وَهُوَ أَن الصُّغْرَى لما وضعت قبل الْكُبْرَى على أَنَّهَا صَادِقَة ثمَّ اتبعت بكبرى تناقضها على أَنَّهَا هِيَ الكاذبة لِأَن المناقض لما فرض صَادِقا يكون لَا محَالة كَاذِبًا
وَقد صرح الشَّيْخ فِي بعض كتبه بِهَذَا الْوَجْه
وَمَا ذهب إِلَيْهِ صَاحب البصائر وَهُوَ أَن التَّعْلِيل يَنْبَغِي أَن يكون
إِمَّا بكذب الْكُبْرَى
وَإِمَّا باخْتلَاف الْأَوْسَط الَّذِي يخرج الْقيَاس عَن أَن يكون قِيَاسا
وَذَلِكَ لأَنا إِذا جعلنَا اللادائم فِي الْكُبْرَى جُزْءا من الْمَوْضُوع حَتَّى تصير الْقَضِيَّة كل متحرك لَا دَائِما فَهُوَ متغير(1/400)
نُسْخَة والضرورية حَتَّى يصدق
وَحِينَئِذٍ فَإِن وَفِي نُسْخَة وَإِن نتيجتها تكون ضَرُورِيَّة لَا تتبع الْكُبْرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم تكن الْكُبْرَى كَاذِبَة بل كَانَ الْأَوْسَط مُخْتَلفا
فَلَيْسَ بِشَيْء وَذَلِكَ لِأَن هَذَا التَّقْدِير يخرج
اللادائم عَن أَن تكون جِهَة
والقضية عَن أَن تكون عرفية
وَذَلِكَ غير مَا نَحن فِيهِ
وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِن هَذَا التَّأْلِيف لَيْسَ بِقِيَاس لِأَنَّهُ لَيْسَ بمنتج
قَوْله بل يجب أَن تكون الْكُبْرَى أَعم أَي إِذا كَانَت الْكُبْرَى عرفية مُطلقَة مُحْتَملَة للدوام أَو اللادوام فَالْوَاجِب أَن يحمل مَعَ الصُّغْرَى الضرورية على الدَّوَام ليمكن اجْتِمَاعهمَا على الصدْق
وَحِينَئِذٍ يصير الاقتران من ضَرُورِيَّة ودائمة
وتنتج دائمة
قَالَ الشَّيْخ وَحِينَئِذٍ فَإِن نتيجتها تكون ضَرُورِيَّة لِأَنَّهُ لم يعْتَبر الْفرق بَين الضَّرُورَة والدوام هَهُنَا فَإِن اعْتِبَار الْفرق يَقْتَضِي كَون النتيجة ضَرُورِيَّة إِذا كَانَت الْكُبْرَى ضَرُورِيَّة بِحَسب الْوَصْف وَلَا ضَرُورِيَّة بِحَسب الذَّات ودائمة إِذا كَانَت دائمة بِحَسب الْوَصْف وَلَا دائمة بِحَسب الذَّات
قَالَ وَهَذَا أَيْضا اسْتثِْنَاء وَذَلِكَ أَن النتيجة تخَالف الْكُبْرَى فِي الْجِهَة
وَالشَّيْخ اسْتثْنى موضِعين وَيَنْبَغِي أَن يلْحق بهما مَوضِع آخر وَهُوَ أَن تكون الْكُبْرَى وَحدهَا وَصفِيَّة فَإِن النتيجة تكون وَصفِيَّة وَذَلِكَ لِأَن الْوَصْف إِذا اخْتصَّ بِإِحْدَى المقدمتين سقط اعْتِبَاره فِي النتيجة كَمَا إِذا قُلْنَا
كل متحرك متغير مَا دَامَ متحركا
وكل متغير جسم
أَو قُلْنَا
كل إِنْسَان نَائِم(1/401)
وَهَذَا أَيْضا اسْتثِْنَاء
وَإِنَّمَا تكون ضَرُورِيَّة لِأَن [ج] يَدُوم بدوام [ب] وَفِي نُسْخَة لِأَن [ج] يدون [ب] فيدوم [ا] بِالضَّرُورَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكل نَائِم سَاكن مَا دَامَ نَائِما
فَإِن النتيجة فيهمَا لَا تكون وَصفِيَّة
أما إِذا كَانَتَا وصفيتين فالنتيجة تكون وَصفِيَّة مثلهمَا
فَفِي الْمِثَال الثَّانِي من هذَيْن المثالين لَا تكون النتيجة تَابِعَة للكبرى
وَاعْلَم أَن مُخَالفَة النتيجة للكبرى وَإِن كَانَت تقع فِي مواقع كَثِيرَة بِحَسب اخْتِلَاف الْجِهَات الْمَذْكُورَة إِلَّا أَن جَمِيعهَا يرجع إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة
وَمن ضبط هَذِه الْأُصُول الَّتِي ذَكرنَاهَا فقد يقدر على معرفَة جَمِيعهَا مفصلا إِن ساعده التَّوْفِيق وَالله الْمُسْتَعَان(1/402)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى الشكل الثَّانِي
وَفِي نُسْخَة بِعَدَمِ ذكر عنوان فصل فِي هَذَا الْمقَام مَعَ اسْتِمْرَار الْكَلَام مُتَّصِلا بالْكلَام السَّابِق مُبْتَدأ بِعِبَارَة الشكل الثَّانِي
1 - الثَّانِي وَفِي نُسْخَة الشكل الثَّانِي
اعْلَم أَن الْحق فِي هَذَا الشكل هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ أَنه لَا قِيَاس فِيهِ
عَن وَفِي نُسْخَة من مطلقتين بِالْإِطْلَاقِ الْعَام
وَلَا عَن ممكنتين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول هَذَا الشكل لَا ينْتج مَعَ الِاتِّفَاق فِي الكيف والجهة لِأَن الْإِنْسَان وَالْفرس يَشْتَرِكَانِ فِي
حمل الحيوانية عَلَيْهِمَا
وسلب الحجرية عَنْهُمَا
وَلَا يُوجب ذَلِك حمل أَحدهمَا على الآخر
وَالْإِنْسَان والناطق يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِك الْحمل وَالسَّلب بعينهما
وَلَا يُوجب سلب أَحدهمَا عَن الآخر
وَذَلِكَ لِأَن الْأَشْيَاء المتباينة وَغير المتباينة قد تشترك فِي أَن يحمل عَلَيْهَا أَو يسلب عَنْهَا جَمِيعًا شَيْء آخر
فَمن شَرط الإنتاج أَن يخْتَلف الحكمان بِحَيْثُ لَا يَصح جَمعهمَا على شَيْء وَاحِد حَتَّى يجب مِنْهُ تبَاين الطَّرفَيْنِ ويفيد حكما سلبيا
وَالْجُمْهُور ظنُّوا أَن هَذَا الِاخْتِلَاف هُوَ الِاخْتِلَاف بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب فحكموا(1/403)
وَلَا عَن خلط مِنْهُمَا
وَلَا شكّ فِي أَنه لَا قِيَاس فِيهِ عَن وَفِي نُسْخَة من مطلقتين موجبتين أَو سالبتين
وَلَا عَن ممكنتين كَيفَ كَانَت
بل إِنَّمَا الْخلاف أَولا فِي المطلقتين إِذا اختلفتا فِيهِ فِي السَّلب والإيجاب
فَإِن الْجُمْهُور يظنون أَنه قد يكون مِنْهُمَا قِيَاس
وَنحن نرى فِيهِ
غير ذَلِك وَفِي نُسْخَة فِيهِ ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بِأَن الشَّرْط فِي إنتاج هَذَا الشكل اخْتِلَاف المقدمتين فِي الكيف
وَالْحق أَن المختلفتين فِي الكيف قد يَجْتَمِعَانِ على الصدْق كَمَا فِي المطلقات والممكنات وَلَا يلْزم من اخْتِلَافهمَا تبَاين الطَّرفَيْنِ
فَإِذن الِاخْتِلَاف فِي الكيف كَيفَ كَانَ لَا يَكْفِي فِي حُصُول هَذَا الشَّرْط
فَهَذَا شَرط
وَيحْتَاج هَذَا الشكل فِي الإنتاج إِلَى شَرط آخر وَهُوَ كَون الْكُبْرَى كُلية وَذَلِكَ لِأَن حُصُول الشَّرْط الأول مَعَ جزئية الْكُبْرَى لَا يَقْتَضِي إِلَّا المباينة
بَين الْأَصْغَر
وَبَعض الْأَكْبَر
وَلَا يعلم هَل بَينهمَا ملاقاة فِي الْبَعْض الآخر أم لَا
فَإِذن لَا يُمكن أَن يسلب الْأَكْبَر عَن الْأَصْغَر كَمَا إِذا
حملنَا الْأسود على الْغُرَاب
وسلبناه عَن بعض الْحَيَوَانَات أَو عَن بعض النَّاس
فَإِنَّهُ لَا يلْزم مِنْهُ سلب الْحَيَوَان عَن الْغُرَاب وَلَا حمل الْإِنْسَان عَلَيْهِ
وَإِذا تقررت هَذِه الْأُصُول فَنَقُول
جُمْهُور المنطقيين ذَهَبُوا إِلَى أَن المطلقات والوجوديات قد تنْتج فِي هَذَا الشكل بِشَرْط الِاخْتِلَاف فِي الكيف(1/404)
ثمَّ فِي المطلقات الصرفة والممكنات
فَإِن الْخلاف فيهمَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا ذَلِك بِعَيْنِه وَلَا قِيَاس مِنْهُمَا وَفِي نُسْخَة مِنْهَا عندنَا فِي هَذَا الشكل
2 - وَذَلِكَ لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد بل الشَّيْئَيْنِ الْمَحْمُول أَحدهمَا على الآخر قد يُوجد شَيْء لَا يحمل وَفِي نُسْخَة شَيْء يحمل عَلَيْهِ أَو عَلَيْهِمَا بِالْإِيجَابِ الْمُطلق ويسلب بالسلب الْمُطلق
وَقد يُوجب ويسلب وَفِي نُسْخَة ويسلب مَعًا عَن كل وَاحِد من جزئيات الْمَعْنى الْوَاحِد أَو جزئيات شَيْئَيْنِ أَحدهمَا مَحْمُول على الآخر وَلَا يُوجب شَيْء من ذَلِك
أَن يكون الشَّيْء مسلوبا وَفِي نُسْخَة أَن الشَّيْء مسلوب عَن نَفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَين الشَّيْخ أَن الْحق أَنه لَا قِيَاس فِي هَذَا الشكل عَنْهَا وَلَا عَن الممكنات بسيطة وَلَا مخلوطة بَعْضهَا مَعَ بعض
أما مَعَ الِاتِّفَاق فِي الكيف فبالاتفاق
وَأما مَعَ الِاخْتِلَاف فِيهِ فبمَا بَينه
2 - كالإنسان قد يُوجد شَيْء كالساكن يحمل عَلَيْهِ ويسلب عَنهُ بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب المطلقين فَيُقَال
الْإِنْسَان سَاكن
الْإِنْسَان لَيْسَ بساكن
والشيئان الْمَحْمُول أَحدهمَا على الآخر كالإنسان وَالْحَيَوَان قد يُوجد ك السَّاكِن يحمل عَلَيْهِمَا ويسلب عَنْهُمَا بِالْإِيجَابِ وَالسَّلب المطلقين فَيُقَال
الْإِنْسَان سَاكن
الْحَيَوَان لَيْسَ بساكن
وَالْإِنْسَان لَيْسَ بساكن
الْحَيَوَان سَاكن(1/405)
أَو أحد الشَّيْئَيْنِ مسلوب وَفِي نُسْخَة مسلوبا عَن الآخر
وَقد يعرض جَمِيع هَذَا للشيئين وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة للشيئين المسلوب أَحدهمَا عَن الآخر وَلَا يُوجب ذَلِك أَن يكون أَحدهمَا مَحْمُولا على الآخر
فَلَا يلْزم إِذن مِمَّا ذكر سلب وَإِيجَاب وَفِي نُسْخَة وَلَا إِيجَاب فَلَا تلْزم نتيجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد يُوجب ويسلب مَعًا عَن كل وَاحِد من جزئيات الْمَعْنى الْوَاحِد فَيُقَال
كل وَاحِد من النَّاس سَاكن
لَا وَاحِد من النَّاس بساكن
أَو جزئيات شَيْئَيْنِ مَحْمُول أَحدهمَا على الآخر لكل وَاحِد من النَّاس وكل وَاحِد من الْحَيَوَانَات
وَلَا يُوجب شَيْء من ذَلِك
أَن يكون الْإِنْسَان مسلوبا عَن نَفسه
أَو الْحَيَوَان مسلوبا عَن الْإِنْسَان
فقد يعرض جَمِيع هذَيْن الشَّيْئَيْنِ والمسلوب أَحدهمَا عَن الآخر كالإنسان وَالْفرس وَذَلِكَ بِأَن يُقَال
الْإِنْسَان سَاكن
الْفرس لَيْسَ بساكن
أَو على الْعَكْس
أَو يُقَال
كل وَاحِد من أَحدهمَا سَاكن
لَا وَاحِد من الآخر بساكن
وَلَا يُوجب ذَلِك أَن يكون أَحدهمَا مَحْمُولا على الآخر فَلَا يلْزم من ذَلِك سلب وَإِيجَاب فَلَا يلْزم نتيجة
فَإِذن لَيْسَ مَا يتألف من المطلقات والوجوديات بِقِيَاس(1/406)
3 - وَالَّذين وَفِي نُسْخَة وَالَّذِي يحتجون وَفِي نُسْخَة يحْتَج بِهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بِهِ فِي الاستنتاج عَن المطلقتين المختلفتي الْكَيْفِيَّة
وكبراهما كُلية مِمَّا وَفِي نُسْخَة كَمَا سَنذكرُهُ فشيء لَا يطرد فِي الْمُطلق الْعَام والوجودي الْعَام لِأَن الْعُمْدَة هُنَاكَ إِمَّا الْعَكْس وهما لَا ينعكسان فِي السَّلب أَو الْخلف بِاسْتِعْمَال النقيض وشرائط النقيض فيهمَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا لَا تصح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والفاضل الشَّارِح فسر الشَّيْء الْوَاحِد ب الجزئي الْوَاحِد ك زيد
والشيئين الْمَحْمُول أَحدهمَا على الآخر ب الجزئين كَهَذا الْإِنْسَان وَهَذَا النَّاطِق
وَفِيه نظر لِأَن الجزئي من حَيْثُ هُوَ جزئي لَا يحمل على جزئي آخر إِلَّا فِي اللَّفْظ
قَوْله
3 - أَقُول الْقَائِلُونَ بِأَن الاقتران من مطلقتين قد ينْتج يحتجون فِي بَيَان الإنتاج تَارَة بعكس السالبة ورد الشكل إِلَى الأول وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن سوالب المطلقات تنعكس
وَتارَة بالخلف وَهُوَ قَوْلهم فِي اقتران
كل (ج) (ب)
وَلَا شَيْء من (ا) (ب)
لم يصدق لَا شَيْء من (ج) (ا)
فليصدق نقيضه وَهُوَ بعض (ج) (ا)
ونضيفه إِلَى الْكُبْرَى ينْتج من الأول لَيْسَ بعض (ج) (ب) وَهُوَ نقيض الصُّغْرَى
وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن المطلقات تتناقض
وَقد بَينا أَن المطلقات لَا تنعكس سوالبها وَأَنَّهَا لَا تتناقض فِي جِنْسهَا
فَإِذن قد بَطل احتجاجهم
قَوْله(1/407)
4 - بل إِنَّمَا ينْعَقد فِي هَذَا الشكل من المطلقات قياسات وَفِي نُسْخَة قِيَاسا من مُقَدمَات فِيهَا مُوجبَة وسالبة إِذا كَانَت وَفِي نُسْخَة كَانَ سالبتها وَفِي نُسْخَة سالبها من شَرطهَا أَن تنعكس أَو لَهَا نقيض من بَابهَا
وَقد علمت أَي وَفِي نُسْخَة أَن القضايا وَفِي نُسْخَة الْقَضَاء الْمُطلقَة السالبة كَذَلِك
فهناك إِن كَانَ تأليف من مطلقتين أَو من ضروريتين وَفِي نُسْخَة أَو ضروريتين أَو من مُطلقَة عَامَّة وضرورية وَفِي نُسْخَة وَمن ضَرُورِيَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - يَقُول الْقيَاس فِي هَذَا الشكل إِنَّمَا ينْعَقد من مختلفات الْكَيْفِيَّة بِشَرْط أَن تكون السالبة تنعكس أَو يكون لَهَا نقيض من بَابهَا كالمطلقات المنعكسة وَهِي
الْعُرْفِيَّة الْعَامَّة
والوجودية
والضروريات
فَإِنَّهَا تنْتج بسيطة ومخلوطة
وَكَذَلِكَ خلط الْمُطلق الْعَام والوجودي بالضروري فِي هَذِه القضايا إِنَّمَا يكون الشَّرْط
اخْتِلَاف الكيف
وكلية الْكُبْرَى
وَاعْلَم أَن هَذَا قَول غير ملخص وَذَلِكَ لِأَن الضَّرُورِيّ وَالْمُطلق إِذا اختلطا وَكَانَت السالبة مُطلقَة فَإِنَّهُمَا تنتجان أَيْضا مَعَ كَون السالبة غير منعكسة كَمَا سَنذكرُهُ من بعد
قَوْله(1/408)
فَالشَّرْط أَن تخْتَلف القضيتان فِي الْكَيْفِيَّة وَتَكون الْكُبْرَى كُلية
5 - وَالْحكم فِي الْجِهَة السالبة المنعكسة وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة الْكُلية
6 - وَالضَّرْب الأول مِنْهَا هُوَ مثل قَوْلك
كل [ج] [ب]
وَلَا شَيْء من [ا] [ب] وَفِي نُسْخَة وَلَا شَيْء من [ج] [ا] فَلَا شَيْء من [ج] [ا] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فَلَا شَيْء من [ج] [ا]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5 - هَذَا بِحَسب مَذَاهِب الظاهريين وَذَلِكَ لأَنهم يثبتون الإنتاج فِي هَذَا الشكل
بعكس السالبة
ورد الشكل إِلَى الأول
وَلَا محَالة تصير السالبة فِي الشكل الأول كبرى
وَتَكون الْجِهَة هُنَاكَ على مَذْهَبهم تَابِعَة للكبرى فَتكون هَهُنَا تَابِعَة للسالبة
وسيبين الشَّيْخ أَن نتيجة المتألف من ضَرُورِيَّة وَغَيرهَا تكون أبدا ضَرُورِيَّة سَوَاء كَانَت الضرورية فِيهَا مُوجبَة أَو سالبة
قَوْله
6 - أَقُول اعْتِبَار الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورين أَعنِي
اخْتِلَاف الكيف
وكلية الْكُبْرَى
يَقْتَضِي أَن تكون الضروب المنتجة أَرْبَعَة من جَمِيع السِّتَّة عشر لَا غير
لِأَن الْكُبْرَى الْمُوجبَة لَا تقترن إِلَّا بسالبتين كُلية وجزئية
والكبرى السالبة لَا تقترن إِلَّا بموجبتين كُلية وجزئية
وَهِي غير بَيِّنَة وتنتج سوالب
فالشيخ بَين الضَّرْب الأول
بعكس الْكُبْرَى ورد الشكل الأول(1/409)
لأَنا نعكس الْكُبْرَى فَتَصِير
وَلَا شَيْء وَفِي نُسْخَة لَا شَيْء من [ب] [ا]
ونضيف إِلَيْهَا الصُّغْرَى فَيكون وَفِي نُسْخَة فَيصير الضَّرْب الثَّانِي من الشكل الأول
وَتَكون الْعبْرَة فِي الْجِهَة للكبرى وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة للكبرى وَالثَّانِي مِنْهَا مثل قَوْلك
لَا شَيْء من [ج] [ب]
وكل [ا] [ب]
فَلَا شَيْء من [ج] [ا]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمَّ قَالَ وَالْعبْرَة فِي الْجِهَة للسالبة يَعْنِي بِحَسب الْأَغْلَب فَإِن الْحَال فِيهِ مَا مر
وَبَين الضَّرْب الثَّانِي بعكس الصُّغْرَى وَجعل الصُّغْرَى كبرى والكبرى صغرى لينتجا عكس الْمَطْلُوب من الأول ثمَّ عكس النتيجة لتحصل النتيجة الْمَطْلُوبَة بِهِ ثمَّ قَالَ وَتَكون الْعبْرَة للسالبة أَيْضا فِي الْجِهَة لِأَنَّهَا تصير كبرى الأول
ثمَّ قَالَ وَإِن كَانَت مُطلقَة فَمَا ينعكس إِلَيْهِ الْمُطلق من الْمُطلق أَي كَانَت السالبة عرفية عَامَّة كَانَت النتيجة أَيْضا عرفية عَامَّة لِأَنَّهَا تنعكس كنفسها
وَإِن كَانَت عرفية وجودية كَانَت النتيجة مَا ينعكس إِلَيْهَا وَهِي الْعُرْفِيَّة الْعَامَّة كَمَا سبق ذكره
وَبَين الضَّرْب الثَّالِث بِمَا بَين بِهِ الضَّرْب الأول
وَلم يُمكن بَيَان الرَّابِع بِالْعَكْسِ لِأَن السالبة الْجُزْئِيَّة لَا تنعكس والموجبة الْكُلية تنعكس جزئية وَلَا قِيَاس عَن جزئيتين
ففرغ فِي بَيَانه إِلَى الْخلف والافتراض
أما الْخلف فبأن أضَاف نقيض النتيجة إِلَى الْكُبْرَى فأنتجا نقيض الصُّغْرَى أَو مَا يمْتَنع أَن يصدق مَعَ الصُّغْرَى إِذا كَانَت الجهتان غير متناقضتين
وَقد يُمكن بَيَان جَمِيع الضروب بالخلف هَكَذَا
وَأما الافتراض فبأن عين الْبَعْض من (ج) الَّذِي لَيْسَ (ب) وَسَماهُ (د)(1/410)
لأَنا نعكس وَفِي نُسْخَة لِأَنَّك تعكس الصُّغْرَى ونجعلها كبرى وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة ونجعلها كبرى
فينتج لَا شَيْء من [ا] [ج]
ثمَّ تعكس النتيجة وَتَكون الْعبْرَة للسالبة أَيْضا فِي الْجِهَة
فَإِن كَانَت مُطلقَة فَمَا ينعكس إِلَيْهِ الْمُطلق من الْمُطلق
وَالثَّالِث مِنْهَا مثل قَوْلك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مثل قَوْلك بعض [ج] [ب]
وَلَا شَيْء من [ا] [ب]
فَلَيْسَ بعض [ج] [ا]
تبينه وَفِي نُسْخَة بَينه وَفِي أُخْرَى بَينته بِمَا عرفت
وَالرَّابِع مِنْهَا وَفِي نُسْخَة وَالرَّابِع هَهُنَا مثل قَوْلك لَيْسَ بعض [ج] [ب] وكل [ا] [ب]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَحصل لَهَا قضيتان
إِحْدَاهمَا لَا شَيْء من (د) (ب)
وَالثَّانيَِة بعض (ج) (د)
والقضية الأول جِهَتهَا تكون جِهَة صغرى الْقيَاس لِأَنَّهَا هِيَ فَإِن الْحَال لم يتَعَيَّن إِلَّا بتعين الْمَوْضُوع
وتبديل الِاسْم وَتَعْيِين الْمَوْضُوع وَإِن أَفَادَ كُلية الحكم لكنه لَا يُغير نِسْبَة الْمَحْمُول إِلَى الْمَوْضُوع
وتبديل الِاسْم لَا يُؤثر فِي الْمَعْنى
ثمَّ يحصل من اقتران الْقَضِيَّة الأولى بكبرى الْقيَاس الضَّرْب الثَّانِي من هَذَا الشكل وينتج مَا يُوَافق السالبة فِي الْجِهَة
وَيحصل من اقتران الْقَضِيَّة الثَّانِيَة بِهَذِهِ النتيجة تأليف على هَيْئَة الضَّرْب الرَّابِع من الشكل الأول(1/411)
ينْتج لَيْسَ بعض [ج] [ا]
وَإِلَّا فَكل [ج] [ا]
وَكَانَ كل [ا] [ب]
فَكل [ج] [ب]
وَكَانَ لَيْسَ بعض [ج] [ب]
وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة
وكل [ا] [ب] ينْتج لَيْسَ بعض [ج] [ا] وَإِلَّا فَكل [ج] [ا] وَكَانَ كل [ا] [ب] فَكل [ج] [ب] وَكَانَ لَيْسَ بعض [ج] [ب] هَذَا خلف
وَله بَيَان غير الْخلف ليكن [د] وَفِي نُسْخَة ليكن بعض [د] الْبَعْض الَّذِي هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ من [ج] وَلَيْسَ [ب] فَيكون لَا شَيْء من [د] [ب]
وكل [ا] [ب]
فَلَا شَيْء من [د] [ا]
وَبَعض [ج] [د] وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَلَا شَيْء من [د] [ا] فَلَا كل [ج] [ا]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وينتج مَا جِهَته تِلْكَ الْجِهَة بِعَينهَا
وَذَلِكَ لِأَن هَذَا التَّأْلِيف وَإِن كَانَ يشبه الشكل الأول لَيْسَ بتأليف قياسي على الْحَقِيقَة فَإِن الصُّغْرَى لَا تشْتَمل على حمل وَوضع بل على اسْمَيْنِ مترادفين لشَيْء وَاحِد وَإِنَّمَا أورد على هَيْئَة قياسية لإِزَالَة اشْتِبَاه يعرض الأذهان من جِهَة تغير الْمَوْضُوع فِي الْقَضِيَّة الأولى لَا لإِفَادَة شَيْء لم يكن مَعْلُوما يُرَاد أَن يعلم بِهَذَا الْقيَاس
والافتراض يخْتَص بِمَا يشْتَمل على مُقَدّمَة جزئية(1/412)
وَمن هَهُنَا تعلم أَن الْعبْرَة للسالبة فِي الْجِهَة
وَلَيْسَ يُمكن فِي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة فِي هَذَا الضَّرْب أَن يبين وَفِي نُسْخَة يتَبَيَّن بِالْعَكْسِ
لِأَن الصُّغْرَى سالبة جزئية لَا وَفِي نُسْخَة فَلَا تنعكس
والكبرى تنعكس وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة تنعكس جزئية فَلَا يلتئم مِنْهَا وَفِي نُسْخَة مِنْهُمَا وَمن الصُّغْرَى قِيَاس فَإِنَّهُ وَفِي نُسْخَة لِأَنَّهُ وَفِي أُخْرَى وَإنَّهُ لَا قِيَاس من جزئيتين
7 - هَذَا كُله وَلَيْسَ فِي الْمُقدمَات مُمكن فَإِن اخْتَلَط مُمكن وَمُطلق وَكَانَ من الْجِنْس الَّذِي لَا ينعكس فَإِن مَا أوردناه فِي منع انْعِقَاد الْقيَاس من وَفِي نُسْخَة عَن مطلقتين من ذَلِك الْجِنْس يُوضح وَفِي نُسْخَة بِوَضْع منع انْعِقَاد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة انْعِقَاد الْقيَاس من وَفِي نُسْخَة عَن هَذَا الْخَلْط
8 - وَإِن كَانَ من الْجِنْس الَّذِي نَسْتَعْمِلهُ الْآن وَالْمُطلق سالب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَحصل من جَمِيع هَذَا أَن الْعبْرَة للسالبة كَمَا كَانَت فِي الشكل الأول للكبرى
قَوْله
7 - أَقُول لما فرغ من بَيَان التأليفات الكائنة من المطلقات والضروريات بسيطة ومختلطة
وَقد ذكر أَن الممكنات لَا تنْتج بسيطة
فَأَرَادَ أَن يبين هَهُنَا حكم اختلاطها بالمطلقات والضروريات
وَبَدَأَ بالمطلقات فَذكر أَن الْقيَاس من الممكنات والمطلقات غير المنعكسة لَا ينْعَقد بِعَين ذَلِك الْبَيَان الَّذِي بَين بِهِ امْتنَاع انْعِقَاده من المطلقات غير المنعكسة فَإِن الحكم فِيهَا لَا يخْتَلف إِلَّا بِالِاعْتِبَارِ
قَوْله
8 - أَقُول وَأما الِاخْتِلَاط من الممكنة والمطلقة المنعكسة فَلَا يَخْلُو(1/413)
فقد ينْعَقد الْقيَاس إِذا روعيت الشُّرُوط
فَإِن كَانَت الْكُبْرَى كُلية سالبة من بَاب الْمُطلق الْمَذْكُور وَكَانَ وَفِي نُسْخَة كَانَ الْمُمكن مُوجبا أَو سالبا رَجَعَ بِالْعَكْسِ إِلَى الشكل الأول أَو بالافتراض فأنتج وَلَكِن النتيجة الَّتِي وَفِي نُسْخَة ولتكن النتيجة هِيَ الَّتِي عرفتها فِي الشكل الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا أَن تكون الْمُطلقَة سالبة أَو مُوجبَة
وَالْأول لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يَقع فِي الْكُبْرَى أَو فِي الصُّغْرَى
فَإِن كَانَت الْكُبْرَى مُطلقَة سالبة فَإِنَّهَا تنْتج مُمكنَة عَامَّة سَوَاء كَانَت الممكنة عَامَّة أَو خَاصَّة
وَإِن كَانَت خَاصَّة
فَسَوَاء كَانَت مُوجبَة أَو سالبة
وَسَوَاء كَانَت الْمُطلقَة عرفية عَامَّة أَو وجودية
مِثَاله كل (ج) (ب) بِأحد الإمكانين
وَلَا شَيْء من (ا) (ب) بِالْإِطْلَاقِ المنعكس الْعَام أَو بالوجود
وَبَيَانه إِمَّا بعكس الْكُبْرَى إِلَى الْمُطلقَة المنعكسة الْعَامَّة لينتج من الشكل الأول
لَا شَيْء من (ج) (ا) بالإمكان الْعَام كَمَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ الْمَطْلُوب
وَإِمَّا بالخلف بِأَن نقُول إِن لم يكن
لَا شَيْء من (ج) (ا) بالإمكان الْعَام
فبعض (ج) (ا) بِالضَّرُورَةِ
وَلَا شَيْء من (ا) (ب) بِالْإِطْلَاقِ المنعكس
فَلَيْسَ بعض (ج) (ب) بِالضَّرُورَةِ
وَكَانَ كل (ج) (ب) بالإمكان
هَذَا خلف
وَإِن كَانَت الْكُبْرَى وجودية منعكسة لم يحْتَج إِلَى اقتران فِي الْخلف بل نقُول(1/414)
9 - وَإِن لم تكن سالبة بل مُوجبَة كَيفَ كَانَ ذَلِك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة ذَلِك لم يكن قِيَاس وَفِي نُسْخَة قِيَاسا إِلَّا فِي تَفْصِيل لَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة مَا يَأْتِي وَهُوَ أَن تكون المقدمتان مختلفتي هَيْئَة الْوُجُود الَّذِي لَا ضَرُورَة فِيهِ وَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِن نقيض النتيجة كَاذِبَة لِأَنَّهَا تنَاقض الْكُبْرَى كَمَا مر ذكره
وَأما الافتراض كَمَا فِي بعض النّسخ فقد يُمكن الْبَيَان بِهِ إِذا كَانَت الصُّغْرَى جزئية وَإِلَّا ظهر الْخلف لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة إِلَى الافتراض هَهُنَا فَإِن الْكُبْرَى منعكسة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحمل الافتراض على فرض كَون الْمُمكن مَوْجُودا بِالْفِعْلِ فَيصير الاقتران من مطلقتين كبراهما سالبة منعكسة ثمَّ ترد النتيجة إِلَى الْإِمْكَان
وَأما إِن كَانَت الصُّغْرَى مُطلقَة سالبة فالكبرى تكون لَا محَالة مُمكنَة مُوجبَة
وَبِالْجُمْلَةِ لَو لم تصدق السالبة الْمُطلقَة انْعَقَد قِيَاس من الشكل الأول من الصُّغْرَى الدائمة والكبرى الْعُرْفِيَّة اللادائمة وَإنَّهُ محَال
وَحكم هَذَا مندرج فِيمَا يَجِيء بعد هَذَا الْكَلَام
قَوْله
9 - مَعْنَاهُ وَإِن لم تكن الْكُبْرَى سالبة مُطلقَة بل تكون مُوجبَة
إِمَّا مُطلقَة
أَو مُمكنَة
لم يكن ذَلِك التَّأْلِيف قِيَاسا
والممكنة الْحَقِيقِيَّة كَانَت سالبتها وموجبتها متلازمتين لم تكن الْقِسْمَة إِلَى الْإِيجَاب وَالسَّلب فِيهَا مُعْتَبرَة
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لأَنا إِذا قُلْنَا لَا شَيْء من (ج) (ب) بالإمكان
وكل (ا) (ب) بِالْإِطْلَاقِ
لم يُمكن وَفِي نُسْخَة يكن الرَّد إِلَى الشكل الأول بِالْعَكْسِ
فَإِن الصُّغْرَى غير منعكسة
والكبرى تنعكس جزئية(1/415)
أَحدهمَا الحكم فِيهِ فِي وَقت من الْأَوْقَات كَون الشَّيْء [ج] فَيكون فِيهِ وجوب أَو لَا يكون
وَالْآخر فِي كَون مَا هُوَ [ج] دَائِما مَا دَامَ مَوْصُوفا بذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِذا قُلْنَا لَا شَيْء من (ج) (ب) بِالْإِطْلَاقِ
وكل (ا) (ب) بالإمكان
أَو كل (ج) (ب) بِالْإِطْلَاقِ
وَلَا شَيْء من (ا) (ب) بالإمكان
انعكست الصُّغْرَى فِي الأول وأنتجت مَعَ الْكُبْرَى
لَا شَيْء من (ا) (ج) بالإمكان
وَهِي غير منعكسة
وَالْمُطلق سالب
فقد ينْعَقد الْقيَاس إِذا روعيت الشَّرَائِط
فَإِن كَانَت الْكُبْرَى كُلية سالبة من بَاب الْمُطلق الْمَذْكُور
وَكَانَ الْمُمكن مُوجبا أَو سالبا
رَجَعَ بِالْعَكْسِ إِلَى الشكل الأول أَو بالخلف وَفِي بعض النّسخ أَو بالافتراض فأنتج
ولتكن النتيجة هِيَ الَّتِي عرفتها فِي الشكل الأول
فالنتيجة على جَمِيع التقديرات غير حَاصِلَة
وَلَا يُمكن بَيَان شَيْء مِنْهَا بالخلف لِأَن اقتران نقيض النتيجة وَهُوَ بعض (ج) (ا) بِالضَّرُورَةِ
بِكُل وَاحِدَة من المقدمتين
وَلَا ينْتج مَا يُنَاقض الْأُخْرَى
فَلذَلِك حكم الشَّيْخ بِأَنَّهَا لَا تكون أقيسة
وَزعم صَاحب البصائر أَن اقتران
الصُّغْرَى الْعُرْفِيَّة الوجودية السالبة
بالكبرى الممكنة
ينْتج مُوجبَة جزئية مُمكنَة عَامَّة(1/416)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ بِنَاء على مذْهبه أَعنِي القَوْل بانعكاس الصُّغْرَى كنفسها فَإِن عكسها مَعَ الْكُبْرَى ينْتج من الشكل الأول مُمكنَة خَاصَّة سالبة
وتنعكس موجبتها إِلَى مَا ادَّعَاهُ
قَالَ وَلَا تنْتج إِذا كَانَت الصُّغْرَى عرفية عَامَّة لِأَنَّهَا على تَقْدِير كَونهَا ضَرُورِيَّة تنْتج مَعَ الْكُبْرَى الممكنة ضَرُورِيَّة سالبة فَتكون النتيجة مُحْتَملَة للطرفين
وَمِمَّا يبين فَسَاد قَوْله بَعْدَمَا مر أَنا نقُول
لَا وَاحِد من الْكتاب بنائم لَا دَائِما بل مَا دَامَ كَاتبا
وكل فرس نَائِم بالإمكان
وَلَا نقُول
بعض الْكتاب بالإمكان فرس
وَأما التَّفْصِيل الَّذِي اسْتَثْنَاهُ الشَّيْخ وَلم يذكرهُ فقد قيل هُوَ أَن تكون الْمُقدمَات مختلفتي هَيْئَة الْوُجُود الَّذِي لَا ضَرُورَة فِيهِ فَكَانَ
إِحْدَاهمَا الحكم فِيهَا فِي وَقت من أَوْقَات كَون الشَّيْء (ج) فَيكون فِيهِ وجوب أَو لَا يكون
وَالْأُخْرَى فِي كَون مَا هُوَ (ج) دَائِما مَا دَامَ مَوْصُوفا بذلك
وَمَعْنَاهُ كَون إِحْدَى المقدمتين مُطلقَة بِحَسب الْوَصْف وَالْأُخْرَى دائمة بِحَسبِهِ أَي تكون
إِحْدَاهمَا مُطلقَة وَصفِيَّة
وَالْأُخْرَى عرفية عَامَّة أَو وجودية
وَيَنْبَغِي أَن تختلفا فِي الكيف إِن كَانَت الْمُطلقَة مُحْتَملَة للدوام
وَإِمَّا إِن لم تكن محتلمة لَهُ فَسَوَاء اختلفتا فِيهِ أَو اتفقتا فَإِنَّهُمَا تنتجان مُطلقَة وَصفِيَّة لوُجُوب تبَاين الوصفين وَلَكِن بِشَرْط أَن تكون الْكُبْرَى هِيَ الْعُرْفِيَّة
ومثاله أَن تَقول
الْجَالِس قد لَا يُحَرك يَده فِي بعض أَوْقَات جُلُوسه
وَالْكَاتِب يحركها فِي جَمِيع أَوْقَات كِتَابَته(1/417)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ينْتج أَن الْجَالِس قد لَا يكون كَاتبا فِي جَمِيع أَوْقَات جُلُوسه
وَإِمَّا إِن قلبنا المقدمتين فَلَا ينْتج
أَن الْكَاتِب قد لَا يكون جَالِسا فِي جَمِيع أَوْقَات كِتَابَته على تَقْدِير كَون الْكتاب جالسين مَا داموا كاتبين وخلو الجالسين عَن الْكِتَابَة فِي بعض أَوْقَات جلوسهم
فَهَذَا شرح مَا فِي الْكتاب فِي هَذَا الِاخْتِلَاط
وَاعْلَم أَن الشَّيْخ ذهب فِي هَذَا الْبَيَان مَذْهَب الْجُمْهُور
وَالْحق يَقْتَضِي أَن الْمُخْتَلط من الْمُمكن والمشروط بِالْوَصْفِ ينْتج بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا وُقُوع الْمَشْرُوط بِالْوَصْفِ فِي كبرى الْقيَاس كَمَا إِذا قُلْنَا
كل إِنْسَان يَتَحَرَّك بالإمكان
وَلَا شَيْء من النَّائِم بمتحرك مَا دَامَ نَائِما
فَإِنَّهُ ينْتج لَا شَيْء من الْإِنْسَان بنائم بالإمكان
لِأَن الصُّغْرَى تَقْتَضِي جَوَاز اتصاف الْأَصْغَر بِمَا يُنَافِي الْأَكْبَر فَيلْزم مِنْهُ جَوَاز خلوه عَنهُ عِنْد الاتصاف بِمَا يُنَافِيهِ
وَكَذَلِكَ إِذا قُلْنَا
لَا شَيْء من الْإِنْسَان بساكن بالإمكان
وكل نَائِم سَاكن مَا دَامَ نَائِما
لِأَن الصُّغْرَى تَقْتَضِي جَوَاز خلو الْأَصْغَر عَمَّا يلْزم الْأَكْبَر فَيلْزم مِنْهُ جَوَاز خلوه عَنهُ فَإِن الْمَلْزُوم يرْتَفع عِنْد ارْتِفَاع اللَّازِم
أما إِذا وَقعت الْمَشْرُوطَة بِالْوَصْفِ فِي الصُّغْرَى فَإِنَّهُ لَا ينْتج
لأَنا نقُول
كل كَاتب يقظان مَا دَامَ كَاتبا
وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بيقظان بالإمكان
وَكَذَلِكَ نقُول
لَا شَيْء من الْكَاتِب بنائم مَا دَامَ كَاتبا
وكل إِنْسَان نَائِم بالإمكان(1/418)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَا ينتجان سلب الْإِنْسَان عَن الْكَاتِب وَذَلِكَ لِأَن المستلزم يُمكن أَن يَخْلُو عَنهُ الْأَكْبَر أَو الْمنَافِي لما يُمكن أَن يجْتَمع مَعَ الْأَكْبَر مِنْهَا هُوَ وصف الْأَصْغَر لَا ذَاته وتعاند الْأَوْصَاف لَا يَقْتَضِي تعاند الْمَوْصُوف بهَا
وَبَيَان ذَلِك أَن الْوَصْف الَّذِي قد يجْتَمع مَعَ مَا يُنَافِي وَصفا آخر وَقد يَخْلُو عَمَّا يلْزم وَصفا آخر فَإِنَّهُ قد يَخْلُو عَن ذَلِك الْوَصْف الآخر ضَرُورَة
أما الَّذِي يستلزمه مَا قد يَخْلُو عَن الْوَصْف الآخر أَو يُنَافِي مَا قد يجْتَمع مَعَه فَلَيْسَ كَذَلِك لاحْتِمَال استلزامه الْوَصْف الآخر مَعَ جَوَاز انفكاك لَازمه الأول عَنهُ واجتماع منافيه بِهِ
وَاعْلَم أَن هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ من بَاب اخْتِلَاط المطلقات الْمُخْتَلفَة وَقد اسْتَثْنَاهُ الشَّيْخ من بَاب اخْتِلَاط المطلقات والممكنات
وَالشّرط الآخر أَن تكون الجهتان بِحَيْثُ لَا يُمكن اجْتِمَاعهمَا على الصدْق
أَي يكون بِإِزَاءِ الْمُمكن مَا يكون الحكم فِيهِ بِحَسب الْوَصْف ضَرُورِيًّا
وبإزاء الْمُطلق مَا يكون الحكم فِيهِ بِحَسب الْوَصْف إِمَّا دَائِما أَو ضَرُورِيًّا
فَإِنَّهُ قد يُمكن اجْتِمَاع الْمُمكن والعرفي على الصدْق حَتَّى يكون الحكم دَائِما بِحَسب الْوَصْف من غير ضَرُورَة وَلَا يلْزم من ذَلِك تبَاين أصلا
والفاضل الشَّارِح قد حقق الأول من هذَيْن الشَّرْطَيْنِ وَلم يذكر الثَّانِي
فَإِذا حصل هَذَانِ الشرطان فقد أنتج الْمُخْتَلط الْمُمكن وَالْمُطلق المنعكس وَغير المنعكس سَوَاء كَانَت الْمُطلقَة المنعكسة مُوجبَة أَو سالبة
وَسَوَاء تيَسّر بَيَانه بِالرَّدِّ إِلَى الشكل الأول أَو بالخلف أَو لم يَتَيَسَّر بِشَيْء من ذَلِك
وَهَذَا مِمَّا لم يذكرهُ الشَّيْخ
وَأَقُول أَيْضا إِذا كَانَت الْكُبْرَى وجودية عرفية فَإِنَّهَا تنْتج مُطلقَة عَامَّة سالبة مَعَ أَي صغرى اتّفقت
وَذَلِكَ لِأَن النتيجة الدائمة الْمُوجبَة تنَاقض هَذِه الْكُبْرَى بِمثل مَا مر فِي الشكل الأول فَإِذن يصدق مَعهَا نقيضا أبدا
مِثَاله إِذا لم يُمكن أَن يصدق قَوْلنَا(1/419)
10 - وَيجب أَن نقيس على هَذَا خلط الضَّرُورِيّ وَفِي نُسْخَة الضَّرُورَة بِغَيْر إِذا كَانَ على هَذِه الصُّورَة
11 - بعد أَن تعلم أَن فِي هَذَا الْخَلْط زِيَادَة قياسات
وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ التَّأْلِيف من مُمكن صرف وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة صرف وضروري صرف وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة صرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض (ج) (ا) دَائِما
على قَوْلنَا
كل (ا) (ب)
أَو لَا شَيْء من (ا) (ب) مَا دَامَ (ا) لَا دَائِما
فَمن الْوَاجِب أَن يصدق أبدا مَعَه نقيضه وَهُوَ قَوْلنَا
لَا شَيْء من (ج) (ا) مُطلقًا
وَهَذَا مِمَّا لم يذكرهُ أحد مِنْهُم
قَوْله
10 - أَي إِذا كَانَت السالبة ضَرُورِيَّة والموجبة غير ضَرُورِيَّة فَإِنَّهُ ينْتج وَيبين بِالْعَكْسِ وَالْخلف كَمَا مر فِي الْمُطلقَة المنعكسة
أما إِذا كَانَت الْمُوجبَة ضَرُورِيَّة والسالبة غير ضَرُورِيَّة فَإِنَّهُ ينْتج أَيْضا وَلَكِن يبين بالخلف دون الْعَكْس
قَوْله
11 - أَقُول مَعْنَاهُ أَن الضَّرُورِيّ إِذْ اخْتَلَط بِغَيْر الضَّرُورِيّ أَفَادَ التباين الذاتي بَين حدي الْمَطْلُوب وأنتج الضَّرُورِيّ السالب وَإِن اتّفقت المقدمتان فِي الكيف فضلا عَن أَن تختلفا فِيهِ
أما على تَقْدِير الِاخْتِلَاف فللبيانات الْمَذْكُورَة
وَأما على تَقْدِير الِاتِّفَاق فلأنك تعلم أَنه
إِذا كَانَ (ج) الْأَصْغَر بِحَيْثُ يصدق (ب) الْأَوْسَط على كُله بِإِيجَاب غير ضَرُورِيّ أَو سلب غير ضَرُورِيّ حَتَّى يكون الحكم ب (ب) على كل (ج) لَا بِالضَّرُورَةِ(1/420)
أَو من وجودي صرف وضروري صرف وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة صرف والكبرى كُلية
ثمَّ الْقيَاس
سَوَاء كَانَتَا وَفِي نُسْخَة كَانَا موجبتين مَعًا أَو سالبتين مَعًا فضلا عَن الْمُخْتَلِفين
أما إِذا اختلفتا وَفِي نُسْخَة اخْتلفَا والكبرى كُلية فتعلم مِمَّا وَفِي نُسْخَة فتعلمه بِمَا وَفِي أُخْرَى فتعلمه مِمَّا علمت
وَأما إِذا اتفقتا فَأَنت تعلم أَنه إِذا كَانَ (ج) بِحَيْثُ إِنَّمَا يصدق [ب] على كُله بِإِيجَاب غير ضَرُورِيّ
وَكَانَ وَفِي نُسْخَة فَكَانَ [ب] على كل مَا هُوَ [ج] غير ضَرُورِيّ أَو الْمَفْرُوض من [ج] غير ضَرُورِيّ
وَكَانَ [ا] بِخِلَافِهِ عِنْدَمَا كَانَ كل مَا هُوَ [ا] فَإِن [ب] ضَرُورِيّ عَلَيْهِ فَإِن وَفِي نُسْخَة أَن وَفِي أُخْرَى علم أَن طبيعة [ج] أَو الْمَفْرُوض مِنْهُ مباينته لطبيعة [ا] لَا تدخل إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى وَلَا يُمكن ذَلِك
سَوَاء كَانَ بعد هَذَا الِاخْتِلَاف اتِّفَاق فِي الْكَيْفِيَّة الإيجابية أَو الْكَيْفِيَّة السلبية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو على الْمَفْرُوض من (ج) يَعْنِي على بعضه لَا بِالضَّرُورَةِ
وَكَانَ الْأَكْبَر بِخِلَافِهِ أَي يكون الحكم ب (ب) على كل (ا) بِالضَّرُورَةِ فَإِنَّمَا يكون كل (ج) أَو بعضه الْمَفْرُوض مِنْهُ مباينا للأكبر الَّذِي هُوَ (ا) بِالضَّرُورَةِ لَا يدْخل أَحدهمَا فِي الآخر وَلَا يُمكن ذَلِك حَتَّى يكون
لَا شَيْء من (ج) (ا)
أَو لَيْسَ بعض (ج) (ا) بِالضَّرُورَةِ
وَهُوَ النتيجة(1/421)
وَكَذَلِكَ الْبَعْض من [ج] الْمُخَالف ل (ا) وَفِي نُسْخَة الْمُخَالف [ا] فِي ذَلِك إِذا وَفِي نُسْخَة إِن كَانَت الصُّغْرَى جزئية
وَكَذَلِكَ تعلم وَفِي نُسْخَة وَتعلم أَن النتيجة دَائِما تكون ضَرُورِيَّة السَّلب
وَهَذَا مِمَّا غفلوا عَنهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سَوَاء كَانَ الحكمان الْأَوَّلَانِ إيجابيين كَمَا فِي قَوْلنَا
كل إِنْسَان أَو بعض الْحَيَوَانَات يَتَحَرَّك لَا بِالضَّرُورَةِ
وكل فلك متحرك بِالضَّرُورَةِ
أَو سلبيين كَمَا فِي قَوْلنَا
لَا شَيْء من النَّاس أَو لَيْسَ بعض الْحَيَوَانَات سَاكِنا لَا بِالضَّرُورَةِ
وَلَا شَيْء من الْفلك بساكن بِالضَّرُورَةِ
فَإِنَّهُمَا ينتجان
لَا شَيْء من النَّاس أَو لَيْسَ بعض الْحَيَوَانَات بفلك بِالضَّرُورَةِ
وعَلى هَذَا التَّقْدِير تصير الضروب المنتجة من هَذَا الِاخْتِلَاط وَمَا يجْرِي مجْرَاه ثَمَانِيَة
وَهُوَ معنى قَوْله بعد أَن تعلم فِي هَذَا الْخط زِيَادَة قياسات
وَهَذَا مَا غفل الْجُمْهُور عَنهُ
قَوْله(1/422)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى الشكل الثَّالِث
وَفِي نُسْخَة بِعَدَمِ ذكر عنوان فصل مَعَ اسْتِمْرَار الْكَلَام مُتَّصِلا بالْكلَام السَّابِق مُبْتَدأ بِعِبَارَة الشكل الثَّالِث
1 - الشَّرْط فِي كَون قَرَائِن هَذَا الشكل منتجة وَفِي نُسْخَة نتيجة هُوَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول لهَذَا الشكل أَيْضا فِي الإنتاج شَرْطَانِ
أَحدهمَا كَون الصُّغْرَى مُوجبَة أَو فِي حكم الْمُوجبَة أَي تكون سالبة تلزمها مُوجبَة كَمَا مر فِي الشكل الأول وَذَلِكَ لِأَن الْأَصْغَر إِذا كَانَ ملاقيا للأوسط بِالْإِيجَابِ كَانَ حكم الْقدر الَّذِي لَا فِي الْوسط مِنْهُ حكم الْأَوْسَط فِي ملاقاة الْأَكْبَر ومباينته
وَأما إِذا كَانَ مباينا للأوسط بالسلب كالفرس مثلا للْإنْسَان فَلَا نعلم أَن الْأَكْبَر الْمَحْمُول على الْأَوْسَط هَل يلاقيه كالحيوان أَو يباينه كالناطق
وَكَذَلِكَ المسلوب عَنهُ كالصهال تَارَة وَالْحجر أُخْرَى
وَالشّرط الثَّانِي أَن تكون إِحْدَى المقدمتين كُلية وَذَلِكَ لكَي يتحد مورد الْحكمَيْنِ من الْأَوْسَط وَيَتَعَدَّى الحكم بالأكبر إِلَى الْأَصْغَر فَإِنَّهُمَا إِن كَانَتَا جزئيتين
فقد احْتمل أَن يخْتَلف الْمَحْكُوم عَلَيْهِ من الْأَوْسَط فِي المقدمتين كَمَا تَقول
بعض الْحَيَوَان إِنْسَان
أَو بعضه فرس
أَو لَا يخْتَلف كَقَوْلِنَا
بعضه إِنْسَان وَبَعضه ماش
وَهَذَانِ الشرطان لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا فِي سِتّ قَرَائِن من السِّتَّة عشر الممكنة(1/423)
أَن تكون الصُّغْرَى مُوجبَة أَو على حكمهَا كَمَا علمت وَفِيهِمَا كلي أَيهمَا كَانَ وَفِي نُسْخَة أَيهَا كَانَ وَفِي أُخْرَى أيتها كَانَت
وَأَنت تعلم أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَن قرائنها وَفِي نُسْخَة قرائنه حِينَئِذٍ تكون حِينَئِذٍ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة حِينَئِذٍ سِتَّة لَكِن السِّتَّة تشترك فِي أَن نتائجها إِنَّمَا تكون وَفِي نُسْخَة تجب جزئية وَلَا يجب فِيهَا وَفِي نُسْخَة وفيهَا كلي فَإنَّك إِذا قلت
كل إِنْسَان حَيَوَان
وكل إِنْسَان نَاطِق
لم يلْزم أَن يكون كل حَيَوَان ناطقا
وَلزِمَ أَن يكون بعضه ناطقا
بِأَن تعكس الصُّغْرَى
2 - فَاجْعَلْ هَذَا معيارا وَفِي نُسْخَة عيارا لَك وَفِي نُسْخَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ لِأَن الصُّغْرَى الْمُوجبَة الْكُلية تقترن بِكُل وَاحِدَة من المحصورات الْأَرْبَع
والموجبة الْجُزْئِيَّة تقترن بالكليتين مِنْهَا فَيكون جَمِيعهَا سِتَّة
وَلَا ينْتج إِلَّا جزئية وَذَلِكَ لِأَن الْأَصْغَر الْمَحْمُول على الْأَوْسَط يحْتَمل أَن يكون أَعم مِنْهُ كالحيوان على الْإِنْسَان
وَحِينَئِذٍ لَا تكون ملاقاة الْأَكْبَر كالناطق وَلَا مباينته كالفرس إِلَّا للقدر الَّذِي كَانَ ملاقيا مِنْهُ للأوسط
وقياسات هَذَا الشكل لَيست بكاملة
وَلذَلِك قَالَ الشَّيْخ وَلزِمَ أَن يكون بعضه ناطقا بِأَن يعكس الصُّغْرَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يصير بالارتداد إِلَى الشكل الأول كلَاما بَينا
قَوْله
2 - أَي اجْعَل عكس الصُّغْرَى معيارا للرَّدّ إِلَى الشكل الأول فَإِن هَذَا الشكل إِنَّمَا يُخَالف الأول بِوَضْع الْحُدُود فِي الصُّغْرَى
كَمَا أَن الثَّانِي خَالفه بِوَضْع الْحُدُود فِي الْكُبْرَى(1/424)
بِدُونِ عبارَة لَك فِي المركبات من كليتين وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة من كليتين
وَأما إِذا كَانَت الْكُبْرَى جزئية لم وَفِي نُسْخَة فَلم ينفعك عكس الصُّغْرَى لِأَنَّهَا إِذا عكست صَارَت جزئية
فَإِذا قرنت بِهِ وَفِي نُسْخَة بهَا الْأُخْرَى كَانَ الاقتران من جزئيتين فَلم ينْتج بل يجب أَن تعكس الْكُبْرَى ثمَّ النتيجة كَمَا علمت
3 - وَاعْلَم أَن الْعبْرَة فِي الْجِهَة المنحفظة هِيَ وَفِي نُسْخَة وَهِي فِي أُخْرَى وَفِي الَّتِي تتَعَيَّن فِي الشكل الأول مِنْهَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا على قِيَاس مَا أوردناه إِنَّمَا هِيَ الْكُبْرَى وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَلَمَّا كَانَت الْكُبْرَى كُلية فِي هَذَا الشكل وعكست الصُّغْرَى ارْتَدَّ الاقتران إِلَى الأول
وَلَو أَن الشَّيْخ قَالَ فَاجْعَلْ هَذَا معيارا فِيمَا كَانَت كبراه كُلية لَكَانَ أصوب من قَوْله فِي المركبات من كليتين
وَأما إِذا كَانَت الْكُبْرَى جزئية فَلَا يُفِيد عكس الصُّغْرَى لِأَنَّهَا تنعكس جزئية وَلَا قِيَاس عَن جزئيتين بل يَنْبَغِي أَن تعكس الْكُبْرَى وتجعلها صغرى حَتَّى يرْتَد إِلَى الأول ثمَّ تعكس النتيجة
مِثَاله كل (ب) (ج)
وَبَعض (ب) (ا)
فبعض (ج) (ا)
لِأَن الْكُبْرَى تنعكس إِلَى بعض (ا) (ب)
وينتج مَعَ الصُّغْرَى على هَيْئَة الضَّرْب الثَّالِث من الشكل الأول
بعض (ا) (ج)
وينعكس إِلَى بعض (ج) (ا)
قَوْله
3 - أَقُول جِهَات الْمُقدمَات قد تبقى فِي نتائجها كَمَا هِيَ وَقد لَا تبقى
والباقية قد تكون بالِاتِّفَاقِ وَقد لَا تكون(1/425)
مَا يَلِي لِأَن الصُّغْرَى لما أوجبت نتيجة مثل نَفسهَا فِي الْجِهَة إِلَّا فِيمَا يُخَالف ذَلِك فِي الشكل الأول لم يجب أَن يكون عكسها مثلهَا على مَا علمت
فَلم يتَبَيَّن من ذَلِك أَن النتيجة مثل الصُّغْرَى
ويتبين من طَرِيق الافتراض أَن النتيجة مثل الْكُبْرَى
أما فِيمَا يتَبَيَّن وَفِي نُسْخَة يبين بعكس صغراه فَذَلِك ظَاهر
وَأما فِيمَا يتَبَيَّن بعكس الْكُبْرَى فيتبين ذَلِك بالافتراض بِأَن تفرض وَفِي نُسْخَة تفترض بعض [ب] الَّذِي هُوَ [ا] حَتَّى يكون [د] فَيكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَمَا بالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي نتيجة الاقتران من مُمكنَة ومطلقة عامتين فِي الشكل الأول فَإِنَّهَا إِنَّمَا توَافق الصُّغْرَى لَا تكون الصُّغْرَى مُمكنَة عَامَّة فَإِنَّهَا لَو كَانَت مُمكنَة خَاصَّة لكَانَتْ النتيجة أَيْضا عَامَّة بل بالِاتِّفَاقِ
وَمَا لَيْسَ بالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي نتيجة الاقتران من مُطلقَة
وضروبه أَيْضا فِي ذَلِك الشكل فَإِنَّهَا إِنَّمَا توَافق الْكُبْرَى لَا بالِاتِّفَاقِ بل لِأَن الْكُبْرَى موجهة بِتِلْكَ الْجِهَة والجهة المنحفظة هِيَ الْبَاقِيَة لَا بالِاتِّفَاقِ
وَمَعْنَاهُ أَن الِاعْتِبَار فِي الْجِهَة المنحفظة وَهِي الْجِهَات الَّتِي تتَعَيَّن فِي الشكل الأول أَن تكون تَابِعَة لكبراه
فَإِنَّهُ فِي اقترانات هَذَا الشكل على قِيَاس مَا أوردناه هُنَاكَ إِنَّمَا يكون الْكُبْرَى
أما فِيمَا تبين بعكس صغراه فَظَاهر
وَإِمَّا فِيمَا تبين نفس الإنتاج بعكس الْكُبْرَى فَلَا يُمكن بَيَان جِهَة النتيجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتم بعكس النتيجة
والجهة رُبمَا لَا تبقى بعد الْعَكْس مَحْفُوظَة
فَبين ذَلِك بالافتراض
أَي بَين أَن النتيجة كالكبرى بالافتراض وَذَلِكَ لَا يكون مِمَّا ينْتج إِلَى فِي ضرب وَاحِد هُوَ قَوْلنَا
كل (ب) (ج)
وَبَعض (ب) (ا)(1/426)
كل [د] [ا]
فَنَقُول حِينَئِذٍ
كل [د] [ب]
وكل [ب] [ج]
فَكل [د] [ج]
ويقرن وَفِي نُسْخَة ويقترن إِلَيْهِ
وكل [د] [ا]
فينتج بعض [ج] [ا] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فينتج بعض [ج] [ا]
والجهة مَا توجبه جِهَة قَوْلنَا
كل [د] [ا]
الَّذِي هُوَ جِهَة
بعض [ب] [ا]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ بِأَن نعين الْبَعْض من (ب) الَّذِي هُوَ بِالْفَرْضِ ونسميه (د) فَيحصل مِنْهُ قضيتان
إِحْدَاهمَا كل (د) (ب)
وَالثَّانيَِة كل (د) (ا)
وَالْأولَى تشْتَمل على اسْمَيْنِ مترادفين كَمَا ذكرنَا
وَالثَّانيَِة هِيَ الْكُبْرَى بِعَينهَا
وجهتها تِلْكَ الْجِهَة إِلَّا أَنَّهَا صَارَت كُلية
ثمَّ تضيف الأولى إِلَى صغرى الْقيَاس فينتج على هَيْئَة الشكل الأول
كل (د) (ج)
وَتَكون الْجِهَة جِهَة صغرى الْقيَاس بِعَينهَا
ثمَّ تضيف هَذِه النتيجة إِلَى الْقَضِيَّة الثَّانِيَة ليحصل الضَّرْب الأول من هَذَا الشكل وتنتج تَابِعَة للكبرى
قَوْله(1/427)
4 - وَالَّذين يجْعَلُونَ الحكم لجِهَة الصُّغْرَى فَإِنَّهُم يحسبون أَن الصُّغْرَى تصير كبرى عِنْد عكس الْكُبْرَى فَيكون الحكم لجهتها ثمَّ وَفِي نُسْخَة لجِهَة مَا لم تنعكس فَتكون وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فَتكون الْجِهَة بعد الْعَكْس جِهَة الأَصْل
وَإِنَّمَا يغلطون بِسَبَب أَنهم يحسبون أَن الْعَكْس يحفظ الْجِهَات وَأَنت قد علمت وَفِي نُسْخَة قد تعلم خطأهم
5 - وَقد بَقِي مَا لَا يتَبَيَّن وَفِي نُسْخَة يبين بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ حَيْثُ تكون الْكُبْرَى جزئية سالبة فَإِنَّهَا لَا تنعكس وصغراها تنعكس جزئية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - أَقُول الظاهريون من المنطقيين يجْعَلُونَ جِهَة نتيجة الاقتران من كليتين موجبتين تَابِعَة للأشرف مِنْهُمَا وَذَلِكَ بعكس الأخس وَالرَّدّ إِلَى الشكل الأول
ثمَّ إِن وَقع الِاحْتِيَاج إِلَى عكس النتيجة عكسوها فَكَانُوا يرَوْنَ أَن الْعَكْس يحفظ الْجِهَة
وَإِن كَانَت إِحْدَى المقدمتين سالبة جعلُوا النتيجة تَابِعَة لَهَا لِأَن السالبة لَا تكون فِي الأول إِلَّا الْكُبْرَى
وَإِن كَانَت الْكُبْرَى جزئية كَمَا فِي هَذَا الضَّرْب الَّذِي يتَكَلَّم فِيهِ جعلوها تَابِعَة للصغرى لِأَن الْجُزْئِيَّة لَا تصير كبرى الأول وَذَلِكَ لاعتقادهم أَن الْجِهَة فِي الشكل الأول تَابِعَة للكبرى
وَالشَّيْخ رد عَلَيْهِم فِي هَذَا الْموضع بِأَن هَذَا الْبَيَان يحْتَاج إِلَى عكس النتيجة وَالْعَكْس رُبمَا لَا يحفظ الْجِهَات كَمَا بَيناهُ
قَوْله
5 - قد تبين خَمْسَة ضروب من السِّتَّة الْمَذْكُورَة بِالْعَكْسِ وقلب الْمُقدمَات وَبَقِي ضرب وَاحِد وَهُوَ الَّذِي
صغراه مُوجبَة كُلية(1/428)
فَلَا يقْتَرن مِنْهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مِنْهَا قِيَاس بل إِنَّمَا تبين وَفِي نُسْخَة يتَبَيَّن بطرِيق الْخلف أَو طَرِيق وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة طَرِيق الافتراض
أما طَرِيق وَفِي نُسْخَة أما بطرِيق الْخلف فبأن وَفِي نُسْخَة فَأن نقُول إِنَّه إِن لم يكن
لَيْسَ بعض [ج] [ا]
فَكل [ج] [ا]
وَكَانَ كل [ب] [ج]
فَكل [ب] [ا]
وَكَانَ لَيْسَ كل [ب] [ا]
هَذَا خلف
وَأما طَرِيق الافتراض فبأن وَفِي نُسْخَة فَأن نقُول
ليكن ذَلِك وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة ذَلِك الْبَعْض الَّذِي هُوَ [ب] وَلَيْسَ [ا] وَفِي نُسْخَة الْبَعْض من [ب] الَّذِي لَيْسَ [ا] هُوَ [د] فَيكون لَا شَيْء من [د] [ا]
ثمَّ تمم أَنْت من نَفسك وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَلَا يتَبَيَّن تَسَاوِي حكم الْإِيجَاب وَالسَّلب وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
وَاعْتبر فِي الْجِهَات مَا توجبه الْكُبْرَى أَيْضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكبراه سالبة جزئية
وَهُوَ لَا يُمكن أَن يبين بذلك لِأَن الصُّغْرَى تنعكس جزئية فَيصير الاقتران من جزئيتين
والكبرى لَا تنعكس
فَيَنْبَغِي أَن يبين بالخلف أَو بالافتراض
أما الْخلف فَكَمَا ذكره
وَقد يُمكن أَن تتبين بِهِ سَائِر الضروب أَيْضا وَهُوَ باقتران(1/429)
6 - فَتكون قرائنه إِذن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِذن سِتَّة
امن كليتين موجبتين وَفِي نُسْخَة ا - من كليتين ب - من موجبتين
ب من موجبتين وَالصُّغْرَى جزئية
ج من موجبتين والكبرى جزئية
د وَفِي نُسْخَة بِدُونِ (د) وَزِيَادَة وَاو قبل من من كليتين والكبرى سالبة
هـ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ (هـ) من جزئية مُوجبَة صغرى وسالبة كُلية كبرى
وَمن كُلية مُوجبَة صغرى وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة صغرى وجزئية سالبة كبرى
وَهَذِه تورد خَامِسَة وَفِي نُسْخَة خَمْسَة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصُّغْرَى بنقيض النتيجة أبدا لينتج مَا يضاد أَو يُنَاقض الْكُبْرَى فَيظْهر الْخلف
والافتراض هُوَ الَّذِي ذكر بعضه وأحال بَاقِيَة على مَا مضى
وَاعْتِبَار الْجِهَة بالكبرى كَمَا مر
6 - أَقُول لما فرغ من بَيَان أَحْكَام هَذَا الشكل عد ضروبه
وَالتَّرْتِيب الَّذِي ذكره بِحَسب تَقْدِيم الْإِيجَاب على السَّلب وَلَيْسَ بِمَشْهُور وَمن يعْتَبر تَقْدِيم الْكُلية أَيْضا على الْجُزْئِيَّة يَجْعَل ثَانِي الضروب مَا جعله الشَّيْخ رَابِعهَا وَهُوَ الْأَشْهر
وَاعْلَم أَن هَذَا الشكل لَا يُخَالف الشكل الأول إِلَّا فِي حكمين
أَحدهمَا أَن الصُّغْرَى الضرورية لَا تنَاقض الْكُبْرَى الْعُرْفِيَّة الوجودية هَهُنَا فَإنَّا نقُول
كل كَاتب بِالضَّرُورَةِ إِنْسَان
وكل كَاتب يقظان لَا دَائِما بل مَا دَامَ كَاتبا
وَالثَّانِي أَن العرفيتين لَا تنتجان عرفية بل مُطلقَة وَصفِيَّة كَمَا نقُول(1/430)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كل كَاتب يقظان ومباشر الْقَلَم مَا دَامَ كَاتبا
وَلَا نقُول
بعض الْيَقظَان يُبَاشر الْقَلَم مَا دَامَ يقظانا بل فِي بعض أَوْقَات يقظته
وَقد أَتَيْنَا على بَيَان اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب من أَحْكَام المختلطات فِي الأشكال الثَّلَاثَة وأضفنا إِلَيْهِ مَا أمكن أَن يُضَاف إِلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ
وَلم نتعرض للشكل الرَّابِع لِأَنَّهُ لَيْسَ بمذكور فِي الْكتاب
وَالِاسْتِقْصَاء التَّام فِي هَذِه المباحث يَسْتَدْعِي كلَاما أبسط من هَذَا وَهُوَ يَلِيق بِموضع لَا يلْتَزم فِيهِ مشايعة كَلَام آخر(1/431)
النهج الثَّامِن فِي القياسات الشّرطِيَّة وَفِي تَوَابِع الْقيَاس
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى اقترانات الشرطيات وَفِي نُسْخَة إِلَى الاقترانات الشّرطِيَّة
1 - إِنَّا سنذكر بعض هَذِه ونخلي عَمَّا لَيْسَ قَرِيبا من الطَّبْع مِنْهَا بعد استيفائنا جَمِيع ذَلِك فِي كتاب الشِّفَاء وَغَيره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول سَائِر الاقترانيات إِمَّا أَن تكون مؤلفة
من المتصلات أَو من المنفصلات أَو مِنْهُمَا مَعًا أَو من المتصلات والحمليات
وَالشَّيْخ لما اقْتصر فِي هَذَا الْكتاب على إِيرَاد الْبَعْض مِمَّا هُوَ قريب من الطَّبْع لم يُورد الْمُؤَلّفَة من المفصلات وَمن المنفصلات والمنفصلات لِأَن جَمِيعهَا بعيدَة عَن الطَّبْع
وابتدأ بالمؤلفة من المتصلات
فَنَقُول قبل الشُّرُوع فِي ذَلِك المتصلات كَمَا قُلْنَا
إِمَّا لزومية
وَإِمَّا اتفاقية
واللزومية
إِمَّا فِي نفس الْأَمر وبحسب الطَّبْع
وَإِمَّا بِحَسب اللَّفْظ والوضع
وَالْأول كَقَوْلِنَا
إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالنهار مَوْجُود
وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا
إِن كَانَ الِاثْنَان فَردا فَهُوَ عدد(1/432)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن هَذِه الْقَضِيَّة
ليسب بحقة من حَيْثُ اشتمالها على وضع كَاذِب
وَهِي حقة من حَيْثُ لُزُوم اللَّفْظ بِحَسب ذَلِك الْوَضع
والتناقض فِيهَا إِنَّمَا يكون
بِحَسب الِاخْتِلَاف فِي الْكمّ والكيف كَمَا فِي الحمليات
وبحسب اعْتِبَار أحوالها فِي اللُّزُوم والاتفاق
فالاستصحابية الشاملة للُزُوم الصَّادِق والاتفاق تتناقض إِذا تخالفت فيهمَا وَذَلِكَ لِأَن الْكُلية الْمُوجبَة مِنْهَا تفِيد المصاحبة الدائمة
والكلية السالبة تفِيد عدم المصاحبة على الدَّوَام
والجزئية تفِيد المصاحبة أَو عدمهَا فِي وَقت من الْأَوْقَات
وَتصدق مَعَ الْكُلية الْمُوَافقَة لَهَا فِي الكيف فالاستصحابية الْجُزْئِيَّة الإيجابية تصدق مَعَ عدم المصاحبتين
الدائمة
واللادائمة
وَهِي مناقضة للسلبية الْكُلية
والاستصحابية الْجُزْئِيَّة السالبة تصدق مَعَ عدم المصاحبتين الدائمة واللادائمة وَفِي نُسْخَة الدَّائِم واللادائم وَهِي مناقضة للإيجابية الْكُلية
وَأما اللزومية فيناقضها الاحتمالية الْمُخَالفَة الشاملة للُزُوم الْمُخَالف وَإِمْكَان عدم الطَّرفَيْنِ لِأَن اللُّزُوم هَهُنَا يشبه الضَّرُورَة فِي الحمليات(1/433)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فالاحتمال وَفِي نُسْخَة وَالِاحْتِمَال يشبه الْإِمْكَان الْأَعَمّ
وَهِي سالبة اللُّزُوم
لَا لَازِمَة السَّلب
وَتسَمى ب السالبة اللزومية
وَأما الاتفاقية الْمَحْضَة فيناقضها مَا يكون
إِمَّا اللزومية الْمُوَافقَة
أَو الاستصحابة الْمُخَالفَة على الْوَجْه الْمَذْكُور فِيمَا مر
وَهِي سالبة الِاتِّفَاق وَتسَمى بالسالبة الاتفاقية
وَأما الاتفاقية الْمَحْضَة فيناقضها مَا يكون
أما اللزومية الْمُوَافقَة
أَو الاستصحابية الْمُخَالفَة سالبة اللُّزُوم لَا لَازِمَة السَّلب
وَتسَمى السالبة اللزومية
وَأما الْعَكْس فِيهَا
فاللزومية السالبة الْكُلية تنعكس كنفسها على قِيَاس للضرورات لِأَنَّهُ لَو جَازَ استلزام تاليه لمقدمه فِي حَال يمْتَنع انْفِصَال مقدمه عَن تاليه فِي تِلْكَ الْحَال وانهدام حكم الأَصْل
والاتفاقية السالبة الْكُلية لَا تنعكس إِذا اشْترط فِيهِ صدق الْمُقدم كَمَا فِي الْمُوجبَة وَذَلِكَ لأَنا نقُول
لَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَ الْبيَاض مفرقا لِلْبَصَرِ فالأضداد مجتمعة
وَلَا يُمكن أَن يُقَال
لَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَت الأضداد مجتمعة فالبياض كَذَا لِأَن وضع الْمُقدم يمْتَنع
وينعكس إِذا لم يشْتَرط ذَلِك فِيهِ وتقاس الاستصحابية عَلَيْهَا
وَأما الموجبات فجميعها تنعكس جزئية استصحابية وَإِلَّا لصدقت الْكُلية(1/434)
2 - ونقول إِن المتصلات قد تتألف مِنْهَا أشكال ثَلَاثَة كأشكال الحمليات وتشترك وَفِي نُسْخَة تشترك فِي تال وَفِي نُسْخَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السالبة وتنعكس كنفسها على الْوَجْه الْمَذْكُور فَيكون الْعَكْس
إِمَّا مضادا
أَو مناقضا للْأَصْل
فَيلْزم الْخلف
والسوالب الْجُزْئِيَّة لَا تنعكس لأَنا نقُول
قد لَا يكون إِذا كَانَ زيد يُحَرك يَده فَهُوَ كَاتب
وَلَا يُمكن أَن يُقَال
قد لَا يُمكن أَن يكون إِذا كَانَ زيد كَاتبا فَهُوَ يُحَرك يَده
وَأما المنفصلات فقد تتناقض بِشَرْط الِاخْتِلَاف فِي الكيف والكم وارتفاع العناد فِي نقائضها أَي عناد كَانَ
وَلَا مدْخل للعكس فِيهَا لِأَن أجزاءها رُبمَا تكون أَكثر من اثْنَيْنِ وَلِأَنَّهَا لَا تتمايز بالطبع
فَهَذَا مَا أردنَا تَقْدِيمه وَهُوَ بَيَان مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ فِي النهج الثَّالِث بقوله
يجب عَلَيْك أَن تجْرِي أَمر الْمُتَّصِل والمنفصل فِي الْحصْر والإهمال والتناقض وَالْعَكْس مجْرى الحمليات
وَنَرْجِع إِلَى الشَّرْح
قَوْله
2 - مِثَال الشكل الأول
كلما كَانَ (ا) (ب) ف (ج) (د)
وَكلما كَانَ (ج) (د) ف (هـ) (ز)
ينْتج كلما كَانَ (ا) (ب) ف (هـ) (ز)
وَمِثَال الشكل الثَّانِي
كلما كَانَ (ا) (ب) ف (ج) (د)(1/435)
تالي أَو مقدم وتفترق وَفِي نُسْخَة وتفرق فِي تال وَفِي نُسْخَة بتال أَو مقدم
كَمَا كَانَت فِي الحمليات تشترك فِي مَوْضُوع أَو مَحْمُول وتفترق وَفِي نُسْخَة وتفرق فِي مَوْضُوع وَفِي نُسْخَة بموضوع أَو مَحْمُول
وَالْأَحْكَام تِلْكَ الْأَحْكَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَلَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَ (ج) (د) ف (هـ) (ز)
ينْتج فَلَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَ (ا) (ب) ف (هـ) (ز)
وَبَين إِمَّا
بِالْعَكْسِ
أَو بالخلف
على مَا تقدم
وَبَين الضَّرْب الْأَخير مِنْهُ بالافتراض وَهُوَ أَن يعين الْحَال الَّذِي يكون فِيهَا (ا) (ب)
وَلَيْسَ (ج) (د)
وَليكن هُوَ عِنْد مَا يكون
(ج) (د)
فَيحصل مِنْهُ قضيتان
إِحْدَاهمَا لَيْسَ أَلْبَتَّة إِذا كَانَ (ج) (ا) ف (ج) (د)
وَالثَّانيَِة قد يكون إِذا كَانَ (ج) (د) ف (ا) (ب)
وتؤلف القياسات الْمَذْكُورَات مِنْهُمَا على حسب مَا مر
وَمِثَال الشكل الثَّالِث
كلما كَانَ (ج) (د) ف (ا) (ب)
وَكلما كَانَ (ج) (د) ف (هـ) (ز)
فقد يكون إِذا كَانَ (ا) (ب) ف (هـ) (ز)(1/436)
3 - وَقد تقع الشّركَة بَين حملية ومنفصلة مثل قَوْلك
الِاثْنَان عدد
وكل عدد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وكل عدد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
واستخراج الْأَحْكَام فِي هَذَا مِمَّا سلف سهل
وَكَذَلِكَ قد تشترك مُنْفَصِلَة مَعَ حمليات مثل قَوْلك فِي وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة فِي هَذَا الْمَعْنى وَليكن وَفِي نُسْخَة وَلَكِن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْبَيَان بِالْعَكْسِ وَالْخلف والافتراض شَبيه مَا تقدم
وَغير اللزوميات فِي الْأَكْثَر فَلَا يَقع فِي التَّأْلِيف لِأَنَّهَا لَا تفِيد
بالاقتران علما مكتسبا
واللزوميات اللفظية لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الإلزامات الجدلية أَو الْخلف كَمَا يُقَال على من زعم أَن الِاثْنَيْنِ فَرد
كلما كَانَ الِاثْنَان فَردا فَهُوَ عدد
وَكلما كَانَ الِاثْنَان عددا فَهُوَ زوج
وَكلما كَانَ الِاثْنَان فَردا فَهُوَ زوج
فَإِنَّهَا لَا تفِيد سوى الْإِلْزَام أَو النَّقْض
وَاعْترض على القَوْل بإنتاج هَذَا الصِّنْف بِجَوَاز عدم اجْتِمَاع مقدم الصُّغْرَى وملازمة الْكُبْرَى على تَقْدِير وَاحِد كَمَا فِي الْمِثَال
وَأجِيب عَنهُ بِأَن اجْتِمَاعهمَا على الصدْق لَيْسَ بِشَرْط فِي انْعِقَاد الْقيَاس من المتصلات
3 - هَذَا التَّأْلِيف إِن لم تكن الشّركَة فِيهِ للحملية مَعَ جَمِيع أَجزَاء الْمُنْفَصِلَة فَلَا يكون قَرِيبا من الطَّبْع
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالحملية
قد تقع صغرى
وَقد تقع كبرى
وَالْأول إِن كَانَ على هَيْئَة الشكل الأول فَيَنْبَغِي أَن تكون(1/437)
[ا] إِمَّا أَن يكون [ب] وَإِمَّا أَن يكون [ج] وَإِمَّا أَن يكون [د]
وكل [ب] و [ج] و [د] فَهُوَ وَفِي نُسْخَة هُوَ [هـ]
فَكل [ا] هُوَ وَفِي نُسْخَة فَهُوَ [هـ] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فَكل [ا] [هـ] واستخراج الْأَحْكَام فِي هَذَا أَيْضا مِمَّا سلف سهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحملية مُوجبَة والمنفصلة مُوجبَة كُلية غير مَانِعَة لجمع فَقَط كُلية الْأَجْزَاء
وَيكون المنتج أَرْبَعَة ضروب
مِثَال الأول كل (ا) (ب)
ودائما كل (ب) (ا) إِمَّا (ج) وَإِمَّا (د)
ينْتج مُنْفَصِلَة كُلية مُوجبَة الْأَجْزَاء
وَهِي دَائِما كل (ا) إِمَّا (ج) وَإِمَّا (د) وَمِثَال الثَّانِي كل (ا) (ب) وَلَا شَيْء من (ب) (ا) إِمَّا (ج) وَإِمَّا (د) ينْتج مُنْفَصِلَة كُلية سالبة الْأَجْزَاء كليتها
وَعَلِيهِ يُقَاس الضربان الباقيان
وَإِن كَانَ على هَيْئَة الشكل الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَن تكون الْمُنْفَصِلَة كُلية مُوجبَة أجزاؤها كُلية مُخَالفَة الكيف الصُّغْرَى
وينتج مُنْفَصِلَة مُوجبَة سالبة الْأَجْزَاء كَقَوْلِنَا فِي
الضَّرْب الأول كل (ج) (ب)
ودائما إِمَّا لَا شَيْء من (ا) (ب)
وَإِمَّا لَا شَيْء من (ج) (ب)
فدائما إِمَّا لَا شَيْء من (ج) (د)
وَإِمَّا لَا شَيْء من (د) (ا)
وَالضَّرْب الثَّانِي لَا شَيْء من (ج) (ب)
ودائما إِمَّا كل (ا) (ب)
وَإِمَّا كل (ج) (ب)
فدائما إِمَّا لَا شَيْء من (ب) (ا)(1/438)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعَلى هَذَا الْقيَاس
وَأما على هَيْئَة الشكل الثَّالِث
فعلى قياسهما كَقَوْلِنَا
كل (ا) (ب)
ودائما كل (ا) إِمَّا (ج) وَإِمَّا (د)
فينتج بعض (ب) إِمَّا (ج) وَإِمَّا (د)
وَأما إِذا كَانَت الحملية كبرى يَنْبَغِي أَن يكون عَددهَا عدد أَجزَاء الِانْفِصَال
وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَن تكون مُشْتَركَة فِي الْمَحْمُول أَو لَا تكون
فَإِن كَانَت وَكَانَت أَجزَاء الْمُنْفَصِلَة مُشْتَركَة فِي الْمَوْضُوع فَهِيَ تنْتج فِي الشكلين الْأَوَّلين حملية وَيكون التَّأْلِيف فِي قُوَّة التَّأْلِيف من الحمليات وَينْعَقد على هَيْئَة الأشكال الثَّلَاثَة
مِثَال الضَّرْب الأول من الشكل الأول
كل (ا) إِمَّا (ب) وَإِمَّا (ج)
وكل (ب) وكل (ج) (د)
فَكل (ا) (د)
وَمِثَال الضَّرْب الثَّانِي
كل (ا) إِمَّا (ب) وَإِمَّا (ج)
وَلَا شَيْء من (ب) وَلَا شَيْء من (ج) (د)
فَلَا شَيْء من (ا) (د)
وَهَذَا هُوَ الاستقراء التَّام الْمُسَمّى بِالْقِيَاسِ الْمقسم
وَمِثَال الضَّرْب الأول من الشكل الثَّانِي
كل (ا) إِمَّا (ب) وَإِمَّا (ج)
وَلَا شَيْء من (د) (ب)
فَلَا شَيْء من (ا) (د)
والشكل الثَّالِث بعيد عَن الطَّبْع لَا ينْتج مثل ذَلِك(1/439)
4 - وَقد تقترن الشّرطِيَّة الْمُتَّصِلَة مَعَ الحملية
وَأقرب مَا يكون من ذَلِك إِلَى الطَّبْع أَن تكون الحملية تشارك تالي الْمُتَّصِلَة الْمُوجبَة على أحد أنحاء شركَة الحمليات
فَتكون النتيجة مُتَّصِلَة مقدمها ذَلِك الْمُقدم بِعَيْنِه
وتاليها نتيجة التَّأْلِيف من التَّالِي الَّذِي كَانَ مقترنا بالحملية
مِثَاله أَنه إِن كَانَ [ا] [ب] وَفِي نُسْخَة بِدُونِ (ب)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأما إِن لم تكن الحمليات مُشْتَركَة فِي الْمَحْمُول فقد تنْتج مُنْفَصِلَة غير حَقِيقِيَّة كَقَوْلِنَا
دَائِما كل (ا) إِمَّا (ب) وَإِمَّا (ج)
وكل (ب) (د)
وكل (ج) (هـ)
فدائما إِمَّا (د) وَإِمَّا (هـ)
وَبَيَان هَذَا المباحث بالاستقصاء يَسْتَدْعِي كلَاما أبسط
قَوْله
4 - الحملية فِي هَذِه الاقترانات إِمَّا أَن تقع
صغرى
أَو كبرى
وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ تشارك الْمُتَّصِلَة إِمَّا
فِي مقدمها
أَو تَالِيهَا
فَهَذِهِ اقترانات أَرْبَعَة
اثْنَان مِنْهَا قريبان للطبع
الأول مَا أوردهُ الشَّيْخ
وَهُوَ أَن تكون الحملية كبرى ومشاركتها للمتصلة فِي التَّالِي والمتصلة مُوجبَة وتنتج مُتَّصِلَة مقدمها ذَلِك الْمُقدم بِعَيْنِه وتاليها النتيجة الَّتِي تكون من اقتران(1/440)
فَكل [ج] [د] وكل [هـ] [د] وَفِي نُسْخَة فَكل [ج] [هـ] وكل [هـ] [د] وَفِي أُخْرَى فَكل [ج] [هـ] وكل [د] [هـ] يلْزم مِنْهُ أَن يكون وَفِي نُسْخَة أَنه
إِذا كَانَ [ا] [ب]
فَكل [ج] [هـ]
وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة مَا يَلِي فَهَذِهِ النتيجة مؤلفة من مقدم الْمُتَّصِلَة ومحمول الحملية
ومثاله إِن كَانَ هَذَا الْمقبل إنْسَانا فَهُوَ منتصب الْقَامَة
وكل منتصب الْقَامَة ضحاك
ينْتج إِن كَانَ هَذَا الْمقبل إنْسَانا فَهُوَ ضحاك
وَعَلَيْك أَن تعد سَائِر الْأَقْسَام مِمَّا عَلمته وَفِي نُسْخَة من نَفسك على مَا عَلمته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التَّالِي لَو فرض مُنْفَردا بالحملية
مِثَال الضَّرْب الأول من الشكل الأول
إِن كَانَ (ا) (ب) فَكل (ج) (د)
وكل (د) (هـ)
فَإِن كَانَ (ا) (ب) فَكل (ج) (هـ)
وَمِثَال الضَّرْب الأول من الشكل الثَّانِي
فَإِن كَانَ (ا) (ب) فَكل (ج) (د) وَلَا شَيْء من (هـ) (د) فَإِن كَانَ (ا) (ب) فَلَا شَيْء من (ج) (هـ)
وعَلى هَذَا الْقيَاس
وَإِنَّمَا أورد الشَّيْخ هَذَا الاقتران لِأَن قِيَاس الْخلف ينْحل إِلَيْهِ على مَا سَيَأْتِي
والاقتران الثَّانِي أَن تكون الحملية صغرى والاشتراك أَيْضا فِي التَّالِي والمتصلة مُوجبَة كَقَوْلِنَا(1/441)
5 - وَقد يَقع مثل هَذَا التَّأْلِيف بَين وَفِي نُسْخَة من متصلتين تشارك إِحْدَاهمَا تالي الْأُخْرَى وَفِي نُسْخَة بِالْأُخْرَى إِذا كَانَ ذَلِك التَّالِي مُتَّصِلا أَيْضا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كل (ج) (ب)
وَإِن كَانَ (هـ) (ز) فَكل (ب) (ا)
ينْتج إِن كَانَ (هـ) (ز) فَكل (ج) (ا)
وَبَاقِي الاقترانات بعيد عَن الطَّبْع
قَوْله
5 - التأليفات الْمَذْكُورَة قد كَانَت من الشرطيات الْمُؤَلّفَة من الحمليات
أما الشرطيات الْمُؤَلّفَة من سَائِر القضايا فقد تتقارن بِحَسب التَّأْلِيف
وَهَذَا النَّوْع الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ من ذَلِك الْقَبِيل وَهُوَ يكون من اقتران متصلتين
أَولهمَا وَهِي الصُّغْرَى مؤلفة من قضيتين
إِحْدَاهمَا وَهِي التَّالِي مُتَّصِلَة
والقضية الْأُخْرَى وَهِي الْكُبْرَى مُتَّصِلَة من حمليتين
وينتجان مُتَّصِلَة كالصغرى
مِثَاله إِن كَانَ (ا) (ب) فَكلما كَانَ (ج) (د) ف (هـ) (ز)
وَكلما كَانَ (هـ) (ز) ف (ج) (ط)
وَإِن كَانَ (ا) (ب)
فَكلما كَانَ (ج) (د) ف (ج) (ط)
وَهَذَا الاقتران أَيْضا يَقع على أَرْبَعَة أَنْوَاع كَالَّذي يشابهه مِمَّا مر وَيكون على قِيَاسه
وَإِنَّمَا أورد الشَّيْخ هَذَا الصِّنْف لِأَن الْخلف فِي المتصلات الَّذِي بَين بِهِ الاقترانات الْمُتَّصِلَة إِنَّمَا ينْحل إِلَيْهِ(1/442)
وَيكون قِيَاسه وَفِي نُسْخَة قياسية هَذَا الْقيَاس
وَأما تتميم القَوْل فِي الاقترانيات وَفِي نُسْخَة الاقترانات الشّرطِيَّة فَلَا يَلِيق بالمختصرات وَفِي نُسْخَة المختصرات وَفِي أُخْرَى بِهَذَا الْمُخْتَصر(1/443)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى قِيَاس الْمُسَاوَاة
1 - إِنَّه رُبمَا عرف من أَحْكَام الْمُقدمَات أَشْيَاء تسْقط ويبنى الْقيَاس على صُورَة مُخَالفَة للْقِيَاس مثل قَوْلهم
(ج) مسَاوٍ ل (ب)
و (ب) مسَاوٍ ل (ا)
ف (ج) مسَاوٍ ل (ا)
فقد أسقط مِنْهُ أَن مساوي وَفِي نُسْخَة مسَاوٍ الْمسَاوِي مسَاوٍ
وَعدل بِالْقِيَاسِ عَن وَجهه من وجوب الشّركَة فِي جَمِيع الْأَوْسَط إِلَى وُقُوع شركَة فِي بعضه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - هَذَا قِيَاس لَهُ أشباه كَثِيرَة كَمَا يشْتَمل على الْمُمَاثلَة والمشابهة وَغَيرهمَا وكقولنا
الْإِنْسَان من النُّطْفَة
والنطفة من العناصر
فالإنسان من العناصر
وَكَذَلِكَ الشَّيْء فِي الشَّيْء
وَالشَّيْء على الشَّيْء
وَمَا يجْرِي مجراهما
وَهُوَ عسر الانحلال إِلَى الْحُدُود المترتبة فِي الْقيَاس المنتج لهَذِهِ النتيجة(1/444)
وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة مَا يَلِي وَقد اعتبرته بعض النّسخ من الشَّرْح هَذَا قِيَاس لَهُ أشباه كَمَا يشْتَمل على الْمُمَاثلَة والمشابهة وَغَيرهمَا
وكقولنا
الْإِنْسَان من النُّطْفَة
والنطفة من العناصر
فالإنسان من العناصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ لِأَن الْجُزْء من مَحْمُول الصُّغْرَى جعل مَوْضُوعا فِي الْكُبْرَى فالأوسط لَيْسَ بمشترك فَهُوَ معدول عَن وَجهه إِلَى وُقُوع الشّركَة فِي بعض الْأَوْسَط
وَلذَلِك اسْتحق لِأَن يُسمى ب اسْم وَيجْعَل تَحْلِيله قانونا يرجع إِلَيْهِ فِي أَمْثَاله وَهُوَ يُمكن أَن يعد فِي القياسات المفردة
وَيُمكن أَن يعد فِي المركبة
وَبَيَانه أَن قَوْلنَا
(ا) مسَاوٍ ل (ب)
قَضِيَّة موضوعها (ا) ومحمولها مسَاوٍ ل (ب)
وَلما كَانَ مُسَاوِيا ل (ج) مَحْمُولا على (ب) فِي الْقَضِيَّة الْأُخْرَى أمكن أَن يُقَام مقَامه كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي النهج السَّابِع
وَحِينَئِذٍ يصير قَوْلنَا
مسَاوٍ لمساو ل (ج)
بَدَلا عَن قَوْلنَا
مسَاوٍ ل (ب) وَفِي حكمه
فَإِن جعلنَا وقوعهما فِي الْقَضِيَّة كاسمين مترادفين كَانَ قَوْلنَا
(ا) مسَاوٍ ل (ب)
وَقَوْلنَا
(ا) مسَاوٍ لمساو ل (ج) فِي الْقُوَّة
قَضِيَّة وَاحِدَة(1/445)
وَكَذَلِكَ
الشَّيْء فِي الشَّيْء
وَالشَّيْء على الشَّيْء
وَمَا يجْرِي مجراهما وَهُوَ عسر الانحلال إِلَى الْحُدُود الْمرتبَة فِي الْقيَاس المنتج لهَذِهِ النتيجة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ونضيف إِلَى الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ فِي قُوَّة الأولى قَوْلنَا
مساوي الْمسَاوِي ل (ج) مسَاوٍ ل (ج)
فينتج أَن (ا) مسَاوٍ ل (ج)
وَيكون هَذَا الْقيَاس بِهَذَا الِاعْتِبَار مُفردا
وَأما إِن جعلناهما اسْمَيْنِ متباينين
أَحدهمَا مَحْمُول على الآخر حَتَّى لَا تكون القضيتان المذكورتان فِي الْقُوَّة قَضِيَّة وَاحِدَة فالمتألف من قَوْلنَا
(ا) مسَاوٍ ل (ب)
والمساوي ل (ب) مسَاوٍ لمساو ل (ج) لِأَن (ب) مسَاوٍ ل (ج) ينْتج ف (ا) مسَاوٍ لمساو ل (ج)
ثمَّ نضيف لَهَا الْكُبْرَى الْمَذْكُورَة وَهِي قَوْلنَا
مساوي لمساوي ل (ج) مسَاوٍ ل (ج)
ينْتج ف (ا) مسَاوٍ ل (ج)
وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يكون هَذَا الْقيَاس مركبا من قياسين
فَإِذا كَانَ قَوْلنَا
(ب) مسَاوٍ ل (ج)
على التَّقْدِير الأول فِي قُوَّة صغرى الْقيَاس
وعَلى التَّقْدِير الثَّانِي صغرى الْقيَاس الأول بِعَينهَا
وَقَوْلنَا
و (ب) مسَاوٍ ل (ج)(1/446)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لَيْسَ بحزء الْقيَاس بل هُوَ بَيَان حكم مَا للباء الَّذِي هُوَ جُزْء من أحد حُدُود الْقيَاس وَبِه يتم الْقيَاس
وَبِالْجُمْلَةِ فقولنا
ومساو الْمسَاوِي مسَاوٍ
هُوَ كبرى محذوفة
وَإِنَّمَا أوردهُ الشَّيْخ قبل الأقيسة الاستثنائية ليعلم أَنه غير مُتَعَلق بهَا بسيطة كَانَت أَو مركبة
فَإِنَّهُ إِمَّا مُفْرد اقتراني
أَو مركب من اقترانيين
وَتَحْلِيل الْقيَاس وتركيبه من تَوَابِع الْقيَاس(1/447)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى القياسات الشّرطِيَّة الاستثنائية
1 - القياسات الشّرطِيَّة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الشّرطِيَّة الاستثنائية إِمَّا أَن تُوضَع فِيهَا مُتَّصِلَة وَيسْتَثْنى
إِمَّا عين مقدمها فينتج عين التَّالِي
مثل أَن تَقول وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة أَن تَقول إِنَّه
إِن كَانَت الشَّمْس طالعة فالكواكب خُفْيَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لما كَانَت الاستثنائية هِيَ مَا يكون أحد طرفِي النتيجة مَذْكُورا فِيهَا وَلم يجز أَن يكون مُقَدّمَة بِعَينهَا وَلَا محَالة يكون جُزْءا من مُقَدّمَة
والمقدمة الَّتِي يكون جزؤها قَضِيَّة فَهِيَ شَرْطِيَّة فَتكون إِحْدَى مقدمتي هَذَا الْقيَاس شَرْطِيَّة
وَتَكون الْأُخْرَى مُشْتَمِلَة على وضع مَا يَقْتَضِي وضع الْجُزْء الَّذِي مِنْهُ النتيجة أَو رَفعه مُجَردا عَن الشَّرْط فَتكون هِيَ الْجُزْء الآخر وَهِي قَضِيَّة أُخْرَى مقرونة بأداة الِاسْتِثْنَاء متكررة
تَارَة حَال كَونهَا جُزْءا من الشّرطِيَّة
وَتارَة حَال كَونهَا مُسْتَثْنَاة
وَهِي بِمَنْزِلَة الْأَوْسَط المتكرر فِي الاقترانيات لِأَن الْبَاقِي بعد حذفه هُوَ الَّذِي عَنهُ النتيجة
فَالْقِيَاس الاستثنائي مركب من شَرْطِيَّة واستثناء
قَوْله
1 - أَقُول الْمُتَّصِلَة الَّتِي تقع فِي الاستثنائية لَا تكون إِلَّا لزومية(1/448)
لَكِن الشَّمْس طالعة فالكواكب خُفْيَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَكِن الشَّمْس طالعة فالكواكب خُفْيَة
أَو نقيض تَالِيهَا فينتج نقيض الْمُقدم
مثل أَن تَقول
وَلَكِن الْكَوَاكِب لَيست بخفية
فينتج فالشمس لَيست بطالعة
وَلَا ينْتج غير ذَلِك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالَّتِي وَضعهَا الشَّيْخ مُوجبَة وَهِي تنْتج
باستثناء عين مقدمها عين تَالِيهَا
وباستثناء نقيض تَالِيهَا نقيض مقدمها
لِأَن وضع الْمَلْزُوم يُوجب وضع اللَّازِم
وَرفع اللَّازِم يُوجب رفع الْمَلْزُوم
وَلَا تنْتج غير ذَلِك
أَي لَا باستثناء عين التَّالِي
وَلَا باستثناء نقيض الْمُقدم
وَذَلِكَ لِأَن التَّالِي يحْتَمل أَن يكون أَعم من الْمُقدم فَلَا يلْزم من وَضعه أَو رَفعه مَا هُوَ أخص مِنْهُ شَيْء
والسالبة كَقَوْلِنَا
لَيْسَ أَلْبَتَّة إِن كَانَ زيد يكْتب فيده سَاكِنة وَفِي نُسْخَة سَاكن
ينْتج باستثناء عين الْمُقدم وكل جُزْء نقيض الآخر كَقَوْلِنَا لكنه يكْتب فيده لَيست بساكنة لَكِن يَده سَاكِنة فَهُوَ لَا يكْتب وَلَا ينْتج باستثناء النقيض شَيْئا وَذَلِكَ لكَون هَذِه الْمُتَّصِلَة فِي قُوَّة قَوْلنَا
كلما كَانَ زيد يكْتب فَلَيْسَتْ يَده بساكنة
وَالشَّيْخ قد اقْتصر بالموجبة لِأَن السالية ترجع فِي الْحَقِيقَة إِلَى الْمُوجبَة
قَوْله(1/449)
2 - أَو يوضع فِيهَا مُنْفَصِلَة حَقِيقِيَّة وَيسْتَثْنى وَفِي نُسْخَة فيستثنى عين مَا يتَّفق مِنْهَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا فينتج نقيض مَا سواهَا مثل
إِن هَذَا الْعدَد إِمَّا تَامّ وَإِمَّا زَائِد وَإِمَّا نَاقص وَفِي نُسْخَة إِمَّا تَامّ أَو نَاقص وَإِمَّا زَائِد
لكنه تَامّ
فينتج نقيض مَا بَقِي
أَو يسْتَثْنى نقيض مَا يتَّفق مِنْهَا وَفِي نُسْخَة فِيهَا
فينتج عين مَا بَقِي وَاحِدًا كَانَ أَو كثيرا
مثل إِنَّه لَيْسَ بتام فَهُوَ إِمَّا زَائِد وَإِمَّا نَاقص وَفِي نُسْخَة أَو نَاقص حَتَّى تستوفي الاستثناءات فَيبقى وَفِي نُسْخَة فَبَقيَ وَفِي أُخْرَى حَتَّى يبْقى قسم وَاحِد
أَو تُوضَع مُنْفَصِلَة غير حَقِيقَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - أَقُول الْمُنْفَصِلَة الْحَقِيقِيَّة تنْتج
بِعَين كل جُزْء نقيض الْبَاقِي لكَونهَا مَانِعَة الْجمع
وبنقيض كل جُزْء عين الْبَاقِي لكَونهَا مَانِعَة الْخُلُو
ونتيجة ذَات الجزءين تكون حملية
ونتيجة ذَات الْأَجْزَاء الْكَثِيرَة إِذا حصلت باستثناء نقيض جُزْء وَاحِد فَهِيَ تكون مُنْفَصِلَة من أَعْيَان الْبَاقِيَة من الْأَجْزَاء
وَإِذا حصلت باستثناء عين جُزْء وَاحِد فَهِيَ
إِمَّا أَن تكون مُنْفَصِلَة من نقائض الْبَاقِيَة
أَو حمليات بعددها يشْتَمل كل وَاحِد مِنْهَا على رفع جُزْء وَاحِد مِنْهَا
والمنفصلة غير الْحَقِيقِيَّة
إِن كَانَت مَانِعَة الْجمع فَقَط فَهِيَ تنْتج بِالْعينِ دون النقيض
وَإِن كَانَت مَانِعَة الْخُلُو فَقَط فَهِيَ تنْتج بالنقيض دون الْعين(1/450)
فإمَّا أَن تكون مَانِعَة الْخُلُو فَقَط فَلَا تنْتج إِلَّا اسْتثِْنَاء النقيض لعين وَفِي نُسْخَة عين الآخر مثل قَوْلهم
إِمَّا أَن يكون هَذَا وَفِي نُسْخَة زيد بدل هَذَا فِي المَاء وَإِمَّا أَن لَا يغرق
لكنه غرق
فَهُوَ فِي المَاء
لكنه لَيْسَ فِي المَاء فَهُوَ لم وَفِي نُسْخَة لَا يغرق
وَمثل قَوْلهم
إِمَّا أَن لَا يكون هَذَا حَيَوَانا وَإِمَّا أَن لَا يكون وَفِي نُسْخَة بِإِضَافَة كلمة هَذَا نباتا
لكنه حَيَوَان فَلَيْسَ بنبات
أَو لكنه نَبَات فَلَيْسَ بحيوان
وَإِمَّا أَن تكون الْمُنْفَصِلَة من الْجِنْس الَّذِي الْغَرَض مِنْهُ وَفِي نُسْخَة الْغَرَض فِيهِ وَفِي أُخْرَى الْفَرْض فِيهِ منع وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة منع الْجمع فَقَط وَيجوز أَن ترْتَفع الْأَجْزَاء مَعًا
وَقوم يسمونها الْغَيْر التَّامَّة الِانْفِصَال وَفِي نُسْخَة الانفصالية أَو العناد وَفِي نُسْخَة والعناد فَحِينَئِذٍ إِنَّمَا وَفِي نُسْخَة لَا يُمكن أَنَّهَا ينْتج فِيهَا وَفِي نُسْخَة مِنْهَا اسْتثِْنَاء الْعين
وَتَكون النتيجة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة وَتَكون النتيجة نقيض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَجَمِيع ذَلِك ظَاهر مِمَّا مر
وَهَذِه القياسات كَامِلَة غنية عَن الْبَيَان
والمنفصلة السالبة لَا تنْتج أصلا لاحْتِمَال اشتمالها على أَجزَاء غير متناسبة وَفِي نُسْخَة متباينة بدل غير متناسبة(1/451)
التَّالِي وَفِي نُسْخَة الْبَاقِي فَقَط وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة فَقَط مثل قَوْلك وَفِي نُسْخَة قَوْلنَا
إِمَّا أَن يكون هَذَا حَيَوَانا وَإِمَّا أَن يكون شَجرا
فِي جَوَاب من قَالَ هَذَا حَيَوَان شجر(1/452)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة إِلَى قِيَاس الْخلف
1 - قِيَاس الْخلف مركب من قياسين
أَحدهمَا اقتراني
وَالْآخر استثنائي
مِثَاله قَوْلنَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة قَوْلنَا
إِن لم يكن قَوْلنَا لَيْسَ كل [ج] [ب] صَادِقا فقولنا كل [ج] [ب] صَادِق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْمعلم الأول أورد قِيَاس الْخلف فِي القياسات الشّرطِيَّة وَلم يُوجد فِي التَّعْلِيم الأول شَرْطِيَّة غير الاستثنائية وَلذَلِك سَمَّاهُ عَامَّة المنطقيين بالقياسات الشّرطِيَّة على الْإِطْلَاق
وَظن الشَّيْخ أَن الاقترانيات الشّرطِيَّة كَانَت مَذْكُورَة فِي كتاب مُفْرد لم ينْقل إِلَى لغتنا احْتِمَال مُجَرّد اقْتَضَاهُ حسن ظَنّه بالمعلم الأول
وَلما أَرَادَ الْمُتَأَخّرُونَ تَحْلِيل هَذَا الْقيَاس ورده إِلَى الأقيسة الْمَذْكُورَة عسر ذَلِك عَلَيْهِم فَاخْتَلَفُوا فِيهِ كل الِاخْتِلَاف
وَمَا اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْي الشَّيْخ أَنه مركب من قياسين
أَحدهمَا اقتراني شرطي
وَالْآخر استثنائي من مُتَّصِلَة
أما الاقتراني فمركب من مُتَّصِلَة وحملية يشاركها فِي تَالِيهَا وَيكون مقدم الْمُتَّصِلَة هُوَ فرض الْمَطْلُوب غير حق(1/453)
وكل [ب] [د] وَفِي نُسْخَة [ا] بدل [د]
على أَنَّهَا مُقَدّمَة صَادِقَة بَيِّنَة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة صَادِقَة وَفِي أُخْرَى بِزِيَادَة عبارَة مِنْهُ بعد كلمة بَيِّنَة لَا شكّ فِيهَا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة لَا شكّ فِيهَا
أَو بيّنت بِقِيَاس فينتج مِنْهُ
إِن لم يكن قَوْلنَا لَيْسَ كل [ج] [ب] صَادِقا فَكل [ج] [د] وَفِي نُسْخَة [ا] بدل [د]
ثمَّ نَأْخُذ هَذِه النتيجة ونستثني نقيض الْمحَال وَهُوَ تَالِيهَا فَنَقُول
لَكِن لَيْسَ كل [ج] [د] وَفِي نُسْخَة [ا] بدل [د] فينتج نقيض الْمُقدم وَهُوَ أَنه
لَيْسَ لَيْسَ قَوْلنَا لَيْسَ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة لَيْسَ الْأَخِيرَة كل [ج] [ب] صَادِقا بل هُوَ صَادِق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتاليها مَا يلْزم من ذَلِك وَهُوَ
وضع نقيض الْمَطْلُوب على أَنه حق
والحملية هِيَ مُقَدّمَة غير متنازعة تقترن بنقيض الْمَطْلُوب على هَيْئَة منتجة فينتجان
مُتَّصِلَة مقدمها الْمُقدم الْمَذْكُور وتاليها نتيجة الاقتران الْمَذْكُور
وَهِي مناقضة لحكم مُتَّفق وَفِي نُسْخَة يتَّفق عَلَيْهِ
وَأما الاستثنائي فَهُوَ من الْمُتَّصِلَة الَّتِي هِيَ نتيجة الْقيَاس الأول وَيسْتَثْنى فِيهِ نقيض تَالِيهَا الَّذِي كذبه الحكم الْمُتَّفق عَلَيْهِ لينتج نقيض مقدمها الَّذِي هُوَ فرض الْمَطْلُوب غير حق
فَتكون النتيجة كَون الْمَطْلُوب حَقًا
وَظَاهر أَنه يحْتَاج إِلَى مقدمتين مسلمتين
إِحْدَاهمَا مَا جعلت وَفِي نُسْخَة جعل كبرى الاقتراني
وَالثَّانيَِة هِيَ وَفِي نُسْخَة هُوَ الحكم الْمُتَّفق عَلَيْهِ
وَقِيَاس الْخلف يتألف من(1/454)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نقيض الْمَطْلُوب وَمن هَاتين المقدمتين
وألفاظ الْكتاب ظَاهِرَة
وَالْمَطْلُوب فِي الْمِثَال المورد فِيهِ
لَيْسَ كل (ج) (ب)
ونقيضه كل (ج) (ب)
والمقدمة الأولى وكل (ب) (د)
وَالثَّانيَِة أَعنِي الحكم الْمُتَّفق عَلَيْهِ لَيْسَ كل (ج) (د)
وَقَوله فِي النتيجة الْأَخِيرَة وَلَيْسَ لَيْسَ قَوْلنَا كل (ج) (ب) صَادِقا بل هُوَ صَادِق
أَي لَيْسَ لم يكن قَوْلنَا لَيْسَ كل (ج) (ب) الَّذِي وضعناه أَولا صَادِقا بل قَوْلنَا لَيْسَ كل (ج) (ب)
الَّذِي ادعيناه صَادِقا صَادِق
وَهَذَا وَجه صَحِيح لَا شُبْهَة فِيهِ إِلَّا أَن رَأْي بعض الْمُتَأَخِّرين لم يسْتَقرّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ
أما أَولا فَلِأَن الْمعلم الأول عد هَذَا الْقيَاس فِي الاستثنائيات
وَهَذَا التَّحْلِيل يَقْتَضِي كَونه مركبا من الاقتراني والاستثنائي فَكيف يعد فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا
وَثَانِيا أَن الاقترانيات وَفِي نُسْخَة الاقترانات الشّرطِيَّة لَو لم تكن مَذْكُورَة فِي الْكتاب فَكيف ذكر الْمركب من غير ذكر أَجْزَائِهِ
ثمَّ إِن الشَّيْخ أفضل الدّين مُحَمَّد بن حسن المرقي الْمَعْرُوف بالقاشي رَحمَه الله ذهب إِلَى أَن هَذَا الْقيَاس هُوَ قِيَاس استثنائي من
مُتَّصِلَة مقدمها نقيض الْمَطْلُوب وَيحْتَاج فِي بَيَان لُزُوم تَالِيهَا لمقدمها إِلَى حملية مسلمة
مثلا الْمَطْلُوب لَيْسَ كل (ج) (ب)
والحملية الْمسلمَة هِيَ كل (ب) (د)(1/455)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومقدم الْمُتَّصِلَة هُوَ كل (ج) (ب)
فَنَقُول لما كَانَ كل (ب) (د)
فَإِن كَانَ كل (ج) (ب)
فَكل (ج) (د)
وَذَلِكَ لكَون هَذَا الْمُقدم مَعَ الحملية الْمسلمَة منتجا لهَذَا التَّالِي
ثمَّ يَسْتَثْنِي نقيض التَّالِي بقولنَا
وَلَكِن لَيْسَ كل (ج) (د)
فينتج فَلَيْسَ كل (ج) (ب)
فَهَذَا وَجه تَحْلِيله
وَالْحَاصِل أَن الْخلف هُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال لَازم نقيضه المستلزم لإبطال نقيضه المستلزم لإثباته
وَرُبمَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تأليف قِيَاس لبَيَان التَّالِي
مثلا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب لَا شَيْء من (ج) (ب) بِالْإِطْلَاقِ الْعَام
فَكَانَت الْمُقدمَة الْمسلمَة هِيَ كل (ب) (ا) لَا دَائِما بل مَا دَامَ (ب)
فَقُلْنَا لَو لم يكن الْمَطْلُوب حَقًا لَكَانَ نقيضه
بعض (ج) (ب) دَائِما لكنه مِمَّا يُنَاقض الْمُقدمَة الْمَذْكُورَة بِالْقُوَّةِ فَهِيَ لَيست بِحقِّهِ فالمطلوب حق
وَالْخلف اسْم للشَّيْء الرَّدِيء والمحال وَلذَلِك سمي الْقيَاس بِهِ وَهَذَا التَّفْسِير أشبه مِمَّا يُقَال إِنَّه سمي بِهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْمَطْلُوب من خَلفه أَي من وَرَائه الَّذِي هُوَ نقيضه
وَهَذَا قد ذكره الشَّيْخ فِي مَوَاضِع أخر
وَهُوَ يُقَابل الْمُسْتَقيم
فَالْقِيَاس الْمُسْتَقيم يتَوَجَّه إِلَى إِثْبَات المطولب الأول بِوَجْهِهِ ويتألف مِمَّا يُنَاسب الْمَطْلُوب
وَيشْتَرط فِيهِ تَسْلِيم الْمُقدمَات أَو مَا يجْرِي مجْرى التَّسْلِيم
وَالْمَطْلُوب فِيهِ لَا يكون مَوْضُوعا أَولا
وَالْخلف لَا يتَوَجَّه إِلَى إِثْبَات الْمَطْلُوب أَولا بل إِلَى إبِْطَال نقيضه
ويشتمل على مَا يُنَاقض الْمَطْلُوب وَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّسْلِيم بل تكون الْمُقدمَات بِحَيْثُ لَو سلمت أنتجت
وَيكون الْمَطْلُوب فِيهَا مَوْضُوعا أَولا
وَمِنْه ينْتَقل إِلَى نقيضه(1/456)
2 - وَأما أَن الْقيَاس الْمُسْتَقيم الحملي كَيفَ يرجع إِلَى الْخلف وَالْخلف كَيفَ يرجع وَفِي نُسْخَة رَجَعَ إِلَيْهِ
فَهُوَ بحث آخر يُلَاحظ الْحَال مِمَّا ينْعَقد بَين التَّالِي وَبَين الحملية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَعكس الْقيَاس يشبه الْخلف لِأَنَّهُ أَيْضا ينْعَقد من اقتران مَا يُقَابل نتيجة قِيَاس بِإِحْدَى مقدمتيه لينتج مَا يُقَابل الْمُقدمَة الْأُخْرَى
ويفارقه الْخلف بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون بعقب قِيَاس وَلَا أَن ينْتج مَا يُقَابل مُقَدّمَة قِيَاس بل يُمكن أَن يبتدأ بِهِ وَيَكْفِي فِيهِ إنتاج مَا هُوَ ظَاهر الْفساد
وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ إِلَّا الْمُقَابل بالمناقضة
وَيسْتَعْمل فِي الْعَكْس مُقَابلَة للتضاد أَيْضا
وَالْعَكْس لَا يَقع فِي الْعُلُوم إِلَّا عِنْد رد الْخلف إِلَى الْمُسْتَقيم
وَالْخلف فِي المطالب الَّتِي لم نتعين بعد لَا يُفِيد تعْيين الْمَطْلُوب لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على نقيض الْمَطْلُوب وَذَلِكَ يَقْتَضِي تعينه
وَرُبمَا يتَّفق فِي هَذَا الْموضع أَن يوضع بدل الْمَطْلُوب غَيره مِمَّا يظنّ أَنه هُوَ وَيَبْنِي الْخلف عَلَيْهِ
فَإِن تمّ دلّ على أَن ذَلِك الشَّيْء الَّذِي وضع صَادِق
وَلم يدل على أَنه هُوَ الْمَطْلُوب نَفسه أَو شَيْء من لوازمه المنعكسة أَو غير المنعكسة كَمَا مر فِي إِثْبَات جِهَات الْعَكْس ونتائج القياسات الْمُخْتَلفَة
وَهَذَا هُوَ منشأ الشكوك الَّتِي تورد على قِيَاس الْخلف وَهُوَ الْعلَّة فِي كَون الْخلف صَالحا لإِثْبَات مَا هُوَ أَعم من الْمَطْلُوب إِذا كَانَ الْمَطْلُوب حَقًا
وَذَلِكَ مِمَّا لَا يقْدَح فِيهِ إِذا عرف الْحَال
قَوْله
2 - أما رد الْمُسْتَقيم الحملي إِلَى الْخلف فَهُوَ كَمَا مضى فِي بَيَان نتائج القياسات غير الْبَيِّنَة من الشكلين الْأَخيرينِ وَيكون بِإِضَافَة نقيض النتيجة الْمَطْلُوب إِثْبَاتهَا إِلَى إِحْدَى المقدمتين وَلَكِن هِيَ الْمُشْتَملَة على هَيْئَة أحد الشكلين الْأَخيرينِ لينتج مَا يُقَابل الْمُقدمَة الْأُخْرَى
ولتكن هِيَ الْمُتَّفق عَلَيْهَا فَتكون النتيجة محَالة(1/457)
ولسنا نحتاج إِلَيْهِ الْآن ومداره على أَخذ نقيض النتيجة المحالة وتقرينه وَفِي نُسْخَة وتقريبه مَعَ الْمُقدمَة الصادقة الَّتِي لَا شكّ فِيهَا فينتج نقيض الْمُقدم الْمحَال على حَاله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَبَين أَن ذَلِك الإنتاج لَيْسَ للمقدمة الْمسلمَة الحقة وَلَا للتأليف المنتج بِالذَّاتِ فَهِيَ إِذن من وضع نقيض النتيجة
فَوَضعه بَاطِل
فالنتيجة حقة
وَأما رد الْخلف إِلَى الْمُسْتَقيم فعلى خلاف ذَلِك وَهُوَ أَن يُضَاف نقيض النتيجة المحالة إِلَى الْمُقدمَة الصادقة أَعنِي الْقَضِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهَا أَي الْقَضِيَّة الْمسلمَة لينتج الْمَطْلُوب على هَيْئَة أحد الأشكال
مِثَال النتيجة المحالة كَانَت فِي الْمِثَال الْمُتَقَدّم كل (ج) (د)
وَقد حصلت من إِضَافَة نقيض الْمَطْلُوب وَهُوَ كل (ج) (ب) إِلَى الْقَضِيَّة الْمسلمَة وَهِي كل (ب) (د) على هَيْئَة الضَّرْب الأول من الشكل الأول
ونقيض المحالة لَيْسَ كل (ج) (د)
فَإِذا أضيف إِلَى الْمُقدمَة الْمسلمَة الصادقة الأولى وَهِي كل (ب) (د) أنتج من الضَّرْب الرَّابِع من الشكل الثَّانِي على الاسْتقَامَة
لَيْسَ كل (ج) (ب)
وَهُوَ الَّذِي كَانَ الْمَطْلُوب من الْخلف
وَلما كَانَت النتيجة الْمُخَالفَة هِيَ تالي الْمُتَّصِلَة فِي الْخلف فَرد الْخلف إِلَى الْمُسْتَقيم يُلَاحظ الْحَال مِمَّا ينْعَقد بَين التَّالِي الْمَذْكُور فِي أول القياسين اللَّذين حللنا الْخلف إِلَيْهِمَا ويبن الحملية الْمسلمَة
قَوْله ولسنا نحتاج إِلَيْهِ الْآن أَي لسنا نحتاج فِي بَيَان معرفَة الْخلف إِلَى معرفَة كَيْفيَّة ارتداد الْمُسْتَقيم إِلَيْهِ وارتداده إِلَى الْمُسْتَقيم
وَاعْلَم أَن الْمَطْلُوب إِذا كَانَ مُوجبا كليا فالخلف لَا ينْعَقد إِلَيْهِ إِلَّا على هَيْئَة قِيَاس تكون إِحْدَى مقدمتيه سالبة جزئية وَهُوَ رَابِع الثَّانِي وخامس الثَّالِثَة
وَإِذا كَانَ سالبا(1/458)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كليا فَلَا ينْعَقد إِلَّا هَيْئَة قِيَاس تكون إِحْدَى مقدمتيه مُوجبَة جزئية وَهُوَ ثَالِث الأول ورابعه وثالث الثَّانِي وَالثَّلَاثَة ضروب من الثَّالِث وَعَلِيهِ فقس إِذا كَانَ الْمَطْلُوب جزئيا
وَأما رد الْخلف إِلَى الْمُسْتَقيم
فَإِن كَانَ الْخلف على هَيْئَة الشكل الأول وَوَقع نقيض الْمَطْلُوب فِي صغرى الْخلف فَقِيَاس الرَّد يكون على هَيْئَة الشكل الثَّانِي وَإِلَّا فعلى هَيْئَة الشكل الثَّالِث
وَيَقَع نقيض النتيجة المحالة فِي مثل تِلْكَ الْمُقدمَة أَيْضا صغرى كَانَت أَو كبرى
وَإِن كَانَ الْخلف على هَيْئَة الشكل الثَّانِي وَوَقع نقيض الْمَطْلُوب فِي الصُّغْرَى فالرد يكون على هَيْئَة الشكل الثَّالِث وَيَقَع نقيض الْمَطْلُوب فِي الصُّغْرَى فالرد على هَيْئَة الشكل الثَّانِي وَإِلَّا فعلى هَيْئَة الشكل الأول
وَيَقَع نقيض النتيجة الْمُخَالفَة أبدا فِي الْكُبْرَى وَتبين جَمِيع ذَلِك بالامتحان(1/459)
النهج التَّاسِع وَفِيه بَيَان قَلِيل للعلوم البرهانية
الْفَصْل الأول إِشَارَة إِلَى أَصْنَاف القياسات من جِهَة موادها وإيقاعها للتصديق
1 - القياسات البرهانية مؤلفة من الْمُقدمَات الْوَاجِب قبُولهَا إِن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة إِن كَانَت ضَرُورِيَّة ليستنتج وَفِي نُسْخَة يستنتج وَفِي أُخْرَى فينتج مِنْهَا الضَّرُورِيّ على نَحْو ضرورتها وَفِي نُسْخَة ضروريتها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول لما فرع عَن بَيَان الْأَحْوَال الضروية للقياسات وَمَا يشبهها شرع فِي بَيَان أحوالها المادية
وَهِي تَنْقَسِم بحسبها إِلَى خَمْسَة أَصْنَاف ذَلِك لِأَنَّهَا
إِمَّا أَن تفِيد تَصْدِيقًا
وَإِمَّا تَأْثِيرا غَيره أَعنِي التخيل والتعجب
وَمَا يُفِيد تَصْدِيقًا فَيُفِيد
إِمَّا تَصْدِيقًا جَازِمًا
أَو غير جازم
والجازم(1/460)
أَو مُمكنَة يستنتج وَفِي نُسْخَة فينتج مِنْهَا الْمُمكن
والجدلية مؤلفة من المشهورات
والتقريرية وَفِي نُسْخَة والتقريريات كَانَت وَاجِبَة أَو مُمكنَة وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة أَو ممتنعة
والخطابية مؤلفة من المظنونات وَمن المقبولات وَفِي نُسْخَة والمقبولات بِدُونِ كلمة من الَّتِي لَيست بمشهورة وَمَا يشبهها كَيفَ كَانَت وَفِي نُسْخَة كَانَ وَلَو ممتنعة وَفِي نُسْخَة وَلَو كَانَت ممتنعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا أَن يعْتَبر فِيهِ كَونه حَقًا
أَو لَا يعْتَبر
وَمَا يعْتَبر فِي ذَلِك
يكون حَقًا
أَو لَا يكون
فالمفيد للتصديق الْجَازِم الْحق هُوَ الْبُرْهَان
والتصديق الْجَازِم غير الْحق هُوَ السفسطة
وللتصديق الْجَازِم الَّذِي لَا يعْتَبر فِيهِ كَونه حَقًا أَو غير حق بل يعْتَبر فِيهِ عُمُوم الِاعْتِرَاف بِهِ هُوَ الجدل إِن كَانَ كَذَلِك وَإِلَّا فَهُوَ الشغب وَهُوَ مَعَ السفسطة يحْسب صنفا وَاحِدًا هُوَ المغالطة
وللتصديق الْغَالِب غير الْجَازِم هُوَ الخطابة
وللتخييل دون التَّصْدِيق هُوَ الشّعْر
أما القياسات البرهانية فَهِيَ القضايا الْوَاجِب قبُولهَا وَهِي الَّتِي يكون التَّصْدِيق بهَا ضَرُورِيًّا سَوَاء كَانَت فِي أَنْفسهَا ضَرُورِيَّة أَو مُمكنَة فَإِن كَونهَا ضَرُورِيَّة الْقبُول غير كَونه ضَرُورِيَّة فِي أَنْفسهَا(1/461)
والشعرية وَفِي نُسْخَة والشعريات مؤلفة من الْمُقدمَات المخيلة من حَيْثُ يعْتَبر تخييلها وَفِي نُسْخَة تخيلها كَانَت صَادِقَة أَو كَاذِبَة
وَبِالْجُمْلَةِ تؤلف وَفِي نُسْخَة وبالحملة مؤلفة وَفِي أُخْرَى وَالْجُمْلَة مؤلف وَفِي غَيرهَا والحملية مؤلفة من الْمُقدمَات من حَيْثُ لَهَا هَيْئَة وتأليف وَفِي نُسْخَة من حَيْثُ الْمَاهِيّة والتأليف تستقبلها وَفِي نُسْخَة نتلقاها وَفِي أُخْرَى ستقبلها النَّفس بِمَا وَفِي نُسْخَة لما فِيهَا من المحاكاة بل وَمن الصدْق
فَلَا مَانع من ذَلِك ويروجه الْوَزْن
وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا يُقَال من أَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ أَن البرهانية وَاجِبَة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن كَانَت ضَرُورِيَّة فِي أَنْفسهَا كَانَت نتائجها ضَرُورِيَّة بِحَسب الْأَمريْنِ جَمِيعًا
وَإِن كَانَت مُمكنَة فِي أَنْفسهَا كَانَت نتائجها مُمكنَة فِي أَنْفسهَا ضَرُورِيَّة الْقبُول
وَبِالْجُمْلَةِ فالقياسات البرهانية يقينية مَادَّة وَصُورَة
وغايتها أَن تنْتج اليقينيات
وَأما القياسات الجدلية فَهِيَ الْمُؤَلّفَة من المشهورات وَمن صنف وَاحِد من التقريريات وَهِي الْمسلمَة من المخاطبين
والجدلي إِمَّا مُجيب بِحِفْظ رَأْي مَا
وَيُسمى ذَلِك الرَّأْي وضعا
وَغَايَة سَعْيه أَن لَا يلْزم وَإِمَّا سَائل معترض يهدم وضعا مَا وَغَايَة سَعْيه أَن يلْزم
فالمجيب يؤلف أقيسته إِن قَاس من المشهورات الْمُطلقَة أَو المحدودة حَقًا كَانَ أَو غير حق
فالسائل يؤلفها مِمَّا يتسلمه من الْمُجيب مَشْهُورا كَانَ أَو غير مَشْهُور
وكما أَن مواد الجدل مسلمات ومتسلمات فصورها أَيْضا مَا ينْتج بِحَسب التَّسْلِيم والتسلم قِيَاسا كَانَ أَو استقراء
وَلما كَانَ غَايَة الجدل هِيَ الْإِلْزَام وَرَفعه لَا الْيَقِين جَازَ وُقُوع الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة من(1/462)
والجدلية مُمكنَة أكثرية
والخطابية مُمكنَة مُسَاوِيَة وَفِي نُسْخَة مُتَسَاوِيَة لَا ميل فِيهَا وَلَا ندرة
والشعرية كَاذِبَة ممتنعة
فَلَيْسَ الِاعْتِبَار بذلك وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحب الْمنطق
وَأما السوفسطائية فَإِنَّهَا هِيَ وَفِي نُسْخَة فَهِيَ الَّتِي تسْتَعْمل وَفِي نُسْخَة تستعملها المشبهة وتشاركها فِي ذَلِك الممتحنة وَفِي نُسْخَة الْمحبَّة المجربة على سَبِيل التَّغْلِيظ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القضايا أَعنِي الْوَاجِب والممكن والممتنع فِي موادها
وَأما القياسات الخطابية فَهِيَ الْمُؤَلّفَة من المظنونات والمقبولات والمشهورات فِي بادئ الرَّأْي الَّتِي تشبه المشهورات الْحَقِيقِيَّة حقة كَانَت أَو بَاطِلَة
ويشترك الْجَمِيع فِي كَونهَا مقنعة
وكما أَن موادها هِيَ مَا يصدق بهَا الظَّن الْغَالِب فصورها أَيْضا مَا ينْتج بِحَسب الظَّن الْغَالِب سَوَاء كَانَ قِيَاسا أَو استقراء أَو تمثيلا
وَمن الْقيَاس منتجا كَانَ أَو عقيما كالموجبتين فِي الشكل الثَّانِي بِشَرْط أَن يظنّ أَنَّهَا منتجة فَهِيَ مقنعة بِحَسب الْموَاد والصور وغايتها الْإِقْنَاع
وَأما القياسات الشعرية فَهِيَ الْمُؤَلّفَة من الْمُقدمَات المخيلة من حَيْثُ هِيَ مخيلة سَوَاء كَانَت مُصدقا بهَا أَو لم يكن وَسَوَاء كَانَت صَادِقَة فِي نفس الْأَمر أَو لم تكن
وَهِي الَّتِي لَهَا هَيْئَة وتأليف يقتضيان تأثر النَّفس عَنْهَا لما فِيهَا من المحاكاة أَو غَيرهَا
حَتَّى إِن مُجَرّد الصدْق رُبمَا يَقْتَضِي ذَلِك التأثر
وَالْوَزْن أَيْضا يفيدها رواجا لِأَنَّهُ أَيْضا محاكاة
وقدماء المنطقيين كَانُوا لَا يعتبرون الْوَزْن فِي حد الشّعْر ويقتصرون على التخييل
والمحدثون يعتبرون مَعَه الْوَزْن
وَالْجُمْهُور لَا يعتبرون فِيهِ إِلَّا الْوَزْن والقافية
وَهَذِه هِيَ الْأَقْسَام الْحَقِيقِيَّة للحجج بِحَسب الْمَادَّة(1/463)
فَإِن كَانَ التَّشْبِيه بالواجبات وَنَحْو اسْتِعْمَالهَا يُسمى وَفِي نُسْخَة سمى صَاحبهَا سوفسطائيا
وَإِن كَانَ بالمشهورات يُسمى وَفِي نُسْخَة سمى صَاحبهَا مشاغبا وَفِي نُسْخَة مشاغبيا وَفِي أُخْرَى مشاغبا مماريا
والمشاغبي وَفِي نُسْخَة والمشاغب بِإِزَاءِ الجدلي وَفِي نُسْخَة الجدل والسوفسطائي بِإِزَاءِ الْحَكِيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَأما المغالطات فَهِيَ لَيست بِحَقِيقَة وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تكون بِحَسب المشابهة والتروج
وَلَوْلَا قُصُور التَّمْيِيز لما ثَبت للمغالطة صناعَة وَلذَلِك أَخّرهَا الشَّيْخ
ولغير المحصلين من المنطقيين تقسيمات أخر إِلَى هَذِه الْأَقْسَام يعتبرون فِيهِ
إِمَّا الْوُجُوب والإمكان
وَإِمَّا الصدْق وَالْكذب
أما الأول فَهُوَ أَن يُقَال
الْبُرْهَان يتألف من الْوَاجِبَات
والجدل من الممكنات الأكثرية
والخطابة من الممكنات المتساوية الَّتِي لَا ميل فِيهَا إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ وَلَا يكون وُقُوع أَحدهمَا فِيهِ على سَبِيل الندرة
وَالشعر من الممتنعات
وَتَكون المغالطة بِحَسب هَذِه الْقِسْمَة من الممكنات الأقلية الَّتِي يَدعِي أَنَّهَا أكثرية أَو وَاجِبَة
وَأما الثَّانِي فَأن يُقَال
الْبُرْهَان يتألف من الصادقات
والجدل مِمَّا يغلب فِيهِ الصدْق
والخطابة مِمَّا يتساوى فِيهِ الصدْق وَالْكذب
والمغالطة مِمَّا يغلب فِيهِ الْكَذِب
وَالشعر من الكاذبات(1/464)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَاقْتصر الشَّيْخ على إِيرَاد الأول لِأَن الذاهبين إِلَيْهِ كَانُوا أَكثر عددا وَأقرب إِلَى التَّحْصِيل
ورد عَلَيْهِم بِأَن القَوْل بذلك بَاطِل فَإِن اسْتِعْمَال الْجَمِيع فِي الْبُرْهَان الاستنتاج أَمْثَالهَا وَاقع وَمَعَ الْبُرْهَان فَهُوَ قَول مُبْتَدع لَيْسَ مِمَّا يُوجِبهُ تَقْلِيد الْمعلم الأول الَّذِي تخبطوا بِسَبَبِهِ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة قد سبق ذكر بَعْضهَا
والقياسات المغالطية هِيَ الْمُؤَلّفَة من المشبهات وَمَا يجْرِي مجْراهَا أَعنِي الوهميات وصورها أَيْضا كَذَلِك
ويشاركها القياسات الامتحانية والقياسات العنادية
فِي الْموَاد ويخالفها فِي الغايات
والمشبهة مِنْهَا بِالْوَاجِبِ قبُولهَا تقع فِي السفسطة الْمُقَابلَة للفلسفة
وبالمشهورات فِي المشاغبة الْمُقَابلَة للجدل وغايتها الترويج
والمشبهات بالمظنونات والمخيلات غير مُعْتَبرَة لِأَنَّهَا إِن أوقعت ظنا أَو تخيلا فَهِيَ من جُمْلَتهَا وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَار بهَا
وَلما كَانَت مَنَافِع الْبُرْهَان والسفسطة شَامِلَة لكل وَاحِد فَمن يتعاطى النّظر فِي الْعُلُوم بِحَسب الِانْفِرَاد
أما الْبُرْهَان فبالذات كمعرفة الأغذية الْمُحْتَاج إِلَيْهَا
وَأما السفسطة فبالعرض كمعرفة السمُوم المحترزة عَنْهَا
وَلما كَانَت مَنَافِع الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة بِحَسب الِاشْتِرَاك فِي الْمصَالح المدنية
اقْتصر الشَّيْخ فِي هَذَا الْمُخْتَصر على بيانهما دون الْبَاقِيَة(1/465)
الْفَصْل الثَّانِي إِشَارَة إِلَى القياسات والمطالب البرهانية
1 - كَمَا أَن المطالب فِي الْعُلُوم
قد تكون عَن ضَرُورَة الحكم
وَقد تكون عَن إِمْكَان الحكم
وَقد تكون عَن وجود غير ضَرُورِيّ مُطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - ذهب الْجُمْهُور إِلَى أَن مُقَدمَات الْبُرْهَان ونتائجه لَا تكون إِلَّا ضَرُورِيَّة كَمَا سَنذكرُهُ
وَذهب بَعضهم إِلَى أَن الممكنات الأكثرية أَيْضا قد تقع فِيهَا
فاستغل الشَّيْخ بَيَان حَال النتائج أَولا ثمَّ اسْتدلَّ بذلك على حَال الْمُقدمَات
أما الأول فَهُوَ أَن المطالب فِي الْعُلُوم كَمَا قد تكون ضَرُورِيَّة
وَهِي كَحال الزوايا للمثلث وكقبول الانقسام إِلَى غير النِّهَايَة للجسم
فقد تكون أَيْضا غير ضَرُورِيَّة
إِمَّا مُمكنَة صرفة كالبرء للمسلولين
أَو وجودية كالخسوف للقمر
وَاعْلَم أَن الممكنة تكون ضَرُورِيَّة أَيْضا إِذا كَانَ الْمَطْلُوب هُوَ إِمْكَان الحكم نَفسه وَحِينَئِذٍ يكون الْإِمْكَان مَحْمُولا لَا جِهَة
وَتَكون وجودية إِذا كَانَ الْمَطْلُوب هُوَ وجود الحكم أَو عَدمه
والوجودية تكون
إِمَّا أكثرية كوجود اللِّحْيَة للرجل
أَو مُتَسَاوِيَة كالإذكار للحيوان(1/466)
كَمَا قد يتعرف عَن حالات اتصالات الْكَوَاكِب وانفصالاتها
وكل جنس تخصه مُقَدمَات ونتيجة
فالمبرهن يستنتج وَفِي نُسْخَة ينْتج الضَّرُورِيّ من الضَّرُورِيّ وَغير الضَّرُورِيّ من غير الضَّرُورِيّ خلطا أَو صَرِيحًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو أقلية كوجود الإصبع الزَّائِدَة للْإنْسَان
أَو أقلية الْوُجُود أكثرية الْعَدَم فهما داخلان فِي الأكثري الشَّامِل للموجب والسالب وَيكون الوجودي بِهَذَا الِاعْتِبَار
إِمَّا أكثريا
أَو مُتَسَاوِيا
والمتساوي الْمُطلق الأقلي بِاعْتِبَار الْوُجُود فقلما يكونَانِ مطلوبين لتعذر الْوُقُوف عَلَيْهِمَا
فالمطالب العلمية
إِمَّا ضَرُورِيَّة
وَإِمَّا وجودية أكثرية
وَهَذَا بِحَسب الْأَغْلَب وَلِهَذَا ذهب من ذهب إِلَى أَن المبرهن لَا يسْتَعْمل إِلَّا الضروريات أَو الممكنات الأكثرية
وَأما التَّحْقِيق فَيَقْتَضِي أَن الْمُمكن إِذا كَانَ الْإِمْكَان فِيهِ جِهَة وَإِلَّا فَلَا بِاعْتِبَار الْوُجُود
وَكَذَلِكَ المتساوي قد يكون أَيْضا مطَالب للمبرهن خَارِجَة عَنْهُمَا
فالمطالب العلمية إِذن
إِمَّا ضَرُورِيَّة
وَإِمَّا وجودية
وَالشَّيْخ لم يُورد للضروريات مِثَالا لِاتِّفَاق الْجُمْهُور على وُقُوعهَا فِي الْبُرْهَان وَلَا للممكنات لكَونهَا بِاعْتِبَار كالضروريات وتمثل فِي الوجوديات بحالات اتصالات(1/467)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْكَوَاكِب وانفصالاتها فَإِن الْمَطْلُوب لَا يكون إِمْكَان وجودهما للكواكب بل نفس وجودهما وَهِي لَا تدوم مَا دَامَت الْكَوَاكِب مَوْجُودَة بل تتعاقب عَلَيْهَا فَهِيَ من الوجوديات الصرفة
ثمَّ إِنَّه انْتقل من بَيَان حَال المطالب إِلَى الِاسْتِدْلَال بهَا على حَال الْمُقدمَات وَهُوَ أَن كل جنس من المطالب تخصه مُقَدمَات مُنَاسبَة وتفيده يَقِينا
فالمبرهن ينْتج الضَّرُورِيّ مِمَّا تكون جَمِيع مقدماته ضَرُورِيَّة
وَغير الضَّرُورِيّ مِمَّا لَا يكون كَذَلِك بل تكون إِمَّا جَمِيعهَا غير ضَرُورِيَّة
أَو بَعْضهَا ضَرُورِيَّة وَبَعضهَا غير ضَرُورِيَّة
فَإِن قيل ألستم حكمتم بِأَن الصُّغْرَى الْمُطلقَة أَو الممكنة مَعَ الْكُبْرَى الضرورية كَمَا فِي قَوْلنَا
كل إِنْسَان ضَاحِك
وكل ضَاحِك نَاطِق
ينْتج ضَرُورِيَّة
فَلم لَا يجوز أَن يستعملها المبرهن للمطالب الضرورية
قُلْنَا إِن حكمنَا بذلك هُنَاكَ بِحَسب نَظرنَا فِي مُجَرّد صُورَة الْقيَاس
وَأما هَهُنَا فَلَمَّا كَانَت الْمَادَّة أَيْضا مُعْتَبرَة فَنَقُول بِحَسب ذَلِك إِن الْبُرْهَان لَا يتألف مِنْهُمَا على المطالب الضرورية وَذَلِكَ لِأَن وجود الضحك للْإنْسَان لَو كَانَ هُوَ الَّذِي يُفِيد الْعلم بِكَوْنِهِ ناطقا فَقَط لَكَانَ الحكم عَلَيْهِ بالنطق حَال زَوَال الضحك كَاذِبًا فَلَا يكون هَذَا الاقتران منتجا لهَذِهِ النتيجة
وَأَيْضًا الحكم بِوُجُود الضحك لكل وَاحِد من النَّاس لَا يُسْتَفَاد من الْحس فَإِن الْحس لَا يُفِيد الحكم لكلي فَهُوَ مُسْتَفَاد من الْعقل وَالْعقل لَا يحكم بِهِ يَقِينا إِلَّا إِذا أسْندهُ إِلَى علته الْمُوجبَة إِيَّاه الْمُقَارنَة لكل وَاحِد من الْأَشْخَاص وَهِي كَونه ناطقا
وَيلْزم من ذَلِك أَنه إِنَّمَا يحكم بِكَوْنِهِ ضَاحِكا بعد الحكم بِكَوْنِهِ ناطقا فَلَا يكون هَذَا الاقتران عِلّة لهَذِهِ النتيجة
ثمَّ إِن فَرضنَا أَن لكَونه ضَاحِكا عِلّة أُخْرَى غير كَونه ناطقا فَكَانَ الحكم فِي الصُّغْرَى(1/468)
2 - فَلَا تلْتَفت إِلَى من يَقُول إِنَّه لَا يسْتَعْمل المبرهن إِلَّا الضروريات والممكنات الأكثرية دون غَيرهَا
بل إِذا أَرَادَ أَن ينْتج صدق مُمكن أقلي وَفِي نُسْخَة أولى اسْتعْمل الْمُمكن الأقلي
وَيسْتَعْمل فِي كل بَاب مَا يَلِيق بِهِ
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك وَفِي نُسْخَة بذلك من قَالَ من محصلي الْأَوَّلين على وَجه غفل عَنهُ الْمُتَأَخّرُونَ وَهُوَ أَنهم قَالُوا إِن الْمَطْلُوب الضَّرُورِيّ يستنتج فِي الْبُرْهَان من الضروريات وَفِي نُسْخَة لَا يستنتج فِي الْبُرْهَان إِلَّا من الضروريات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على كل إِنْسَان بِأَنَّهُ ضَاحِك يَقِينا بِالنّظرِ إِلَى تِلْكَ الْعلَّة كَانَت الصُّغْرَى باعتبارها مَا يشبه قَوْلنَا
كل إِنْسَان فَلهُ طبيعة مَا هِيَ عِلّة كَونه ضَاحِكا فِي بعض الْأَوْقَات فَكَانَت حِينَئِذٍ ضَرُورِيَّة لَا وجودية
فَإِذن غير الضرورية من جِهَة مَا هُوَ غير الضرورية لَا تنْتج ضَرُورِيَّة فِي الْبُرْهَان
أما الضرورية فِي إنتاج غير الضرورية فَلَا يضر لِأَن النتيجة تتبع أخس المقدمتين كَمَا مر
فَظهر من جَمِيع ذَلِك أَن القياسات والمطالب البرهانية قد تكون ضَرُورِيَّة وَقد تكون غير ضَرُورِيَّة من الممكنات والوجوديات بأصنافها
وَبعد ذَلِك فَأَرَادَ أَن يسْتَعْمل بِالرَّدِّ على الْمُخَالفين فِيهِ فَقَالَ
2 - أَقُول ذكر الْمعلم الأول أَن الْبُرْهَان قِيَاس مؤلف من مُقَدمَات يقينية لمطلوب يقيني
وَفسّر اليقيني بِمَا يكون الحكم فِيهِ ضَرُورِيًّا لَا يَزُول
وَفهم أَكثر من تَأَخّر عَنهُ من ذَلِك أَن المبرهن لَا يسْتَعْمل إِلَى الْمُقدمَات الضرورية كَمَا مر ذكره
ثمَّ لما صادفوا أَصْحَاب الْعُلُوم الطبيعية وَمَا تحتهَا يستنتجون غير الضروريات من أَمْثَالهَا مَعَ كَونهم مبرهنين طلبُوا وَجه ذَلِك فَأتى بهم الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة إِلَى القَوْل بِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل(1/469)
وَفِي غير الْبُرْهَان قد يستنتج من غير الضروريات وَلم يرد وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة بِهِ غير هَذَا
وَأَرَادَ وَفِي نُسْخَة أَو أَرَادَ أَن صدق مُقَدمَات الْبُرْهَان فِي ضرورتها وَفِي نُسْخَة فِي ضروراتها أَو إمكانها أَو إِطْلَاقهَا وَفِي نُسْخَة وإطلاقها صدق ضَرُورِيّ
3 - وَإِذا قيل فِي كتاب وَفِي نُسْخَة كتب الْبُرْهَان الضَّرُورِيّ فيراد بِهِ مَا يعم الضَّرُورِيّ المورد فِي كتاب وَفِي نُسْخَة فِي كتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِلَّا الضروريات أَو الممكنات الأكثرية
فَذكر الشَّيْخ أَن ذَلِك غير صَحِيح لِأَن المبرهن يطْلب الْيَقِين فِي كل حكم ضَرُورِيًّا كَانَ أَو غير ضَرُورِيّ فيستنتج كل حكم مِمَّا يتناسبه ويليق بِهِ إِلَّا أَنه إِنَّمَا يصدق بِجَمِيعِ مَا يصدق بِهِ مُقَدّمَة كَانَت أَو نتيجة بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا تَزُول
وَهَذِه ضَرُورَة أُخْرَى مُتَعَلقَة بالقضية اليقينية غير الَّتِي هِيَ جِهَة لبعضها
ثمَّ إِن الشَّيْخ أول كَلَام المحصلين الْأَوَّلين يَعْنِي الْمعلم الأول على وَجه يُطَابق الْحق فَقَالَ إِنَّه يحْتَمل أحد معيين
أَحدهمَا أَن يحمل الضَّرُورِيّ على الَّتِي هِيَ جِهَة لبَعض مُقَدمَات الْبُرْهَان ونتائجها
وَإِنَّمَا خص الضروريات مِنْهَا بِالذكر لِأَن المبرهن يستنتج الضَّرُورِيّ من مثله وَغَيره من أَصْحَاب الصناعات الْأُخْرَى رُبمَا يستنتجه من غَيره وَلَا يُبَالِي بذلك
وَالثَّانِي أَن يحمل الضَّرُورَة على الَّتِي تتَعَلَّق بِصدق جَمِيع الْمُقدمَات والنتائج اليقينية وَهِي الضَّرُورَة الثَّانِيَة اللاحقة للْحكم
3 - أَقُول قد ذكر أَن شَرَائِط مُقَدمَات الْبُرْهَان خَمْسَة
أَولهَا أَن يكون أقدم من نتائجها بالطبع لتَكون عللا لَهَا
وَثَانِيها أَن تكون أقدم مِنْهَا عِنْد الْعقل أَي يكون أعرف مِنْهَا لتَكون عللا للتصديق بهَا
وَثَالِثهَا أَن تكون مُنَاسبَة لنتائجها وَذَلِكَ بِأَن تكون محمولاتها ذاتية لموضوعاتها بِأحد(1/470)
الْقيَاس وَمَا تكون ضَرُورَته وَفِي نُسْخَة ضَرُورِيَّة وَفِي أُخْرَى ضَرُورِيًّا مَا دَامَ الْمَوْضُوع مَوْصُوفا بِمَا وصف بِهِ لَا الضَّرُورِيّ الصّرْف
وَقد تسْتَعْمل وَفِي نُسْخَة وتستعمل فِي مُقَدمَات الْبُرْهَان المحمولات الذاتية على الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْأَوَّلين اللَّذين وَفِي نُسْخَة الَّذين فسر عَلَيْهِمَا الذاتية وَفِي نُسْخَة الذاتي فِي الْمُقدمَات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَعْنيين الْمَذْكُورين فِي النهج الأول أَعنِي الذاتي الْمُقَوّم وَالْعرض الذاتي فَإِن الْغَرِيب لَا يُفِيد الْعلم بِمَا لَا يُنَاسِبه
وَرَابِعهَا أَن تكون ضَرُورِيَّة إِمَّا بِحَسب الذَّات وَإِمَّا بِحَسب الْوَصْف أَي تكون مُطلقَة عرفية شَامِلَة لَهما وَذَلِكَ لِأَن الْمَحْمُول على شَيْء بِحَسب جوهره وَهُوَ الْمَحْمُول الْمُنَاسب للموضوع فَرُبمَا يَزُول بِزَوَال الْمَوْضُوع كَمَا هُوَ عَلَيْهِ حَال كَونه مَوْضُوعا وَرُبمَا لَا يَزُول
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْقَسِم
إِلَى مَا يحمل عَلَيْهِ بِسَبَب مَا يُسَاوِيه كالفصل وَهُوَ مِمَّا يَزُول بِزَوَال نوعية ذَلِك الشَّيْء وَإِلَى مَا يحمل عَلَيْهِ بِسَبَب مَا لَا يُسَاوِيه كالجنس
وَهَذَا رُبمَا يَزُول بِزَوَال نوعيته وَرُبمَا لَا يَزُول
مثلا الْخَفِيف إِذا حمل على الْهَوَاء فَإِنَّهُ يَزُول إِذا صَار مَاء وَلَا يَزُول إِذا صَار نَارا
فالمرئي إِذا حمل على الْأسود فَإِنَّهُ يَزُول إِذا صَار شفافا وَلَا يَزُول إِذا صَار أَبيض
فالضروري بِحَسب الذَّات رُبمَا لَا يَشْمَل الزائل بِزَوَال الْمَوْضُوع عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ حَال كَونه مَوْضُوعا
والمشروط بِكَوْن الْمَوْضُوع على مَا وضع يَشْمَل الْجَمِيع
وخامسها أَن تكون كُلية وَهِي هَهُنَا أَن تكون مَحْمُولَة على جَمِيع الْأَشْخَاص وَفِي جَمِيع الْأَزْمِنَة حملا أوليا(1/471)
4 - وَأما فِي المطالب فَإِن الذاتيات المقومة وَفِي نُسْخَة الْمُقدمَة لَا تطلب الْبَتَّةَ
وَقد عرفت ذَلِك وَعرفت خطأ من يُخَالف فِيهِ
وَإِنَّمَا تطلب الذاتيات بِالْمَعْنَى الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَي لَا يكون بِحَسب أَمر أَعم من الْمَوْضُوع فَإِن الْمَحْمُول بِحَسب أَمر أَعم كالحساس على الْإِنْسَان لَا يكون مَحْمُولا حملا أوليا
وَلَا بِحَسب أَمر أخص من الْمَوْضُوع فَإِن الْمَحْمُول بِسَبَب أَمر أخص كالضاحك على الحساس لَا يكون مَحْمُولا على جَمِيع مَا هُوَ حساس بل على بعضه فَلَا يكون حمله عَلَيْهِ كليا
وَاعْلَم أَن الْأَخيرينِ من هَذِه الشُّرُوط يختصان بالمطالب الضرورية والكلية
وَاقْتصر الشَّيْخ هَهُنَا على ذكر شرطين من هَذِه الْخَمْسَة وهما الثَّالِث وَالرَّابِع وَذَلِكَ لِأَن الأول يخْتَص ببرهان اللم وسنذكره مَعَ الشَّرْط الثَّانِي عِنْد ذكر أَقسَام الْبُرْهَان
وَالْخَامِس ينْدَرج بِالْقُوَّةِ فِي الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورين وَذَلِكَ لِأَن الْحمل على جَمِيع الْأَشْخَاص هُوَ حصر الْقَضِيَّة
وَكَونه فِي جَمِيع الْأَوْقَات مندرج فِي ضَرُورَة الحكم الْمَذْكُور
وَكَونه أوليا ينْدَرج فِي كَونه ذاتيا بِالْمَعْنَى الثَّانِي على بعض الْوُجُوه
قَوْله
4 - أَقُول قد ذكر فِي النهج الأول أَن الشَّيْء مُسْتَحِيل أَن يتَمَثَّل مَعْنَاهُ فِي الذِّهْن خَالِيا عَن تمثل مَا هُوَ ذاتي مقوم لَهُ
وَبَين من ذَلِك اسْتِحَالَة معرفَة الشَّيْء مَعَ الْجَهْل بمقوماته
فَإِذن لَا يكون الْمُقَوّم مَطْلُوبا الْبَتَّةَ والمخالفون فِي ذَلِك هم أهل الظَّاهِر من الجدليين فَإِنَّهُم يذهبون إِلَى أَن الْجِنْس يجب أَن يثبت
أَولا وجوده للموضوع
وَثَانِيا كَونه وَاقعا فِي جَوَاب مَا هُوَ لتتحقق جنسيته
وَقد ظهر مِمَّا مر خطؤهم فالمطالب البرهانية هِيَ الْأَعْرَاض الذاتية الْمَذْكُورَة(1/472)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن قيل أَلَيْسَ كَون النَّفس أَو الصُّورَة جوهرا أحد المطالب العلمية مَعَ أَن الْجَوْهَر جنس لَهما
وَأَيْضًا فَإِنَّكُم تَقولُونَ الْجِنْس مَحْمُول على الْإِنْسَان لِأَنَّهُ مَحْمُول على الْحَيَوَان وَهَذَا بَيَان حمل ذاتي الْإِنْسَان عَلَيْهِ
أُجِيب عَن الأول بِأَن النَّفس إِنَّمَا عرفت فِي أول الْأَمر لَا من حَيْثُ ماهيتها بل من حَيْثُ إِنَّهَا شَيْء مَا يتَصَرَّف فِي الْجِسْم ويصدر عَنْهَا أثر فِيهِ
والجوهر الْمَطْلُوب إثْبَاته لهَذَا الْمَفْهُوم لَيْسَ بِجِنْس لَهُ من حَيْثُ هُوَ هَذَا الْمَفْهُوم بل هُوَ جنس للماهية الْمُسَمَّاة ب النَّفس الَّتِي لم تتحصل فِي الْعقل إِلَّا بعد الْعلم بجوهريتها
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الصُّورَة وَمَا يجْرِي مجْراهَا
وَعَن الثَّانِي بِأَن الْمَطْلُوب لَيْسَ هُوَ إِثْبَات الْجِسْم للْإنْسَان بل هُوَ الْعلَّة لثُبُوته وَإِنَّمَا تلوح عليته عِنْد إخطاره وَفِي نُسْخَة إِحْضَار لَهُ بالبال متوسطا بَينهمَا
وَإِذا ثَبت أَن الْمَطْلُوب لَا يكون ذاتيا مُقَومًا فقد ظهر أَن مَحْمُول المقدمتين لَا يكونَانِ مقومين مَعًا بل إِنَّمَا تَكُونَانِ على أحد المأخذين اللَّذين ذكرناهما فِي النهج الأول فِي مُقَدمَات الْعُلُوم وموضوعاتها
وَفِي بعض النّسخ(1/473)
الْفَصْل الثَّالِث إِشَارَة إِلَى الموضوعات والمبادئ والمسائل فِي الْعُلُوم وَفِي نُسْخَة إِلَى مُقَدمَات الْعُلُوم وموضوعاتها
1 - وَلكُل وَاحِد من الْعُلُوم شَيْء أَو أَشْيَاء متناسبة وَفِي نُسْخَة مُنَاسبَة نبحث عَن أَحْوَاله أَو أحوالها وَتلك الْأَحْوَال هِيَ الْأَعْرَاض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول مَوْضُوع الْعلم هُوَ الَّذِي يبْحَث فِي ذَلِك الْعلم عَن أَحْوَاله
وَالشَّيْء الْوَاحِد قد يكون مَوْضُوعا لعلم
إِمَّا على جِهَة الْإِطْلَاق كالعدد لِلْحسابِ
وَإِمَّا لَا على الْإِطْلَاق بل من جِهَة مَا يعرض لَهُ عَارض
إِمَّا ذاتي لَهُ كالجسم الطبيعي من حَيْثُ يتَغَيَّر للْعلم الطبيعي
أَو غَرِيب كالكرة المتحركة لعلمها
والأشياء الْكَثِيرَة قد تكون مَوْضُوعَات لعلم وَاحِد بِشَرْط أَن تكون متناسبة
وَوجه التناسب أَن يتشارك مَا هُوَ ذاتي كالخط والسطح والجسم إِذْ جعلت مَوْضُوعَات للهندسة فَإِنَّهَا تتشارك فِي الْجِنْس أَعنِي الْكمّ الْمُتَّصِل القار الذَّات وَإِمَّا فِي عرضي كبدن الْإِنْسَان وأجزائه وأحواله
والأغذية والأدوية وَمَا يشاكلها إِذا جعلت جَمِيعًا مَوْضُوعَات علم الطِّبّ فَإِنَّهَا تتشارك فِي كَونهَا منسوبة إِلَى الصِّحَّة الَّتِي هِيَ الْغَايَة فِي ذَلِك الْعلم
وَإِنَّمَا سمي هَذَا الشَّيْء أَو الْأَشْيَاء بموضوع الْعلم لِأَن مَوْضُوعَات جَمِيع مبَاحث ذَلِك الْعلم تكون رَاجِعَة إِلَيْهِ
بِأَن يكون هُوَ نَفسه كَمَا يُقَال الْعدَد إِمَّا زوج وَإِمَّا فَرد
أَن يكون جزئيا تَحْتَهُ كَمَا يُقَال الثَّلَاثَة فَرد
أَو جُزْءا مِنْهُ كَمَا يُقَال فِي الطبيعي الصُّورَة تفْسد وتخلف بَدَلا(1/474)
الذاتية وَفِي نُسْخَة الذاتية لَهُ وَيُسمى وَفِي نُسْخَة وَيُسمى الشَّيْء مَوْضُوع ذَلِك الْعلم مثل الْمَقَادِير للنهدسية
2 - وَلكُل علم مبادئ وَفِي نُسْخَة مباد ومسائل
فالمبادئ وَفِي نُسْخَة والمبادي هِيَ الْحُدُود والمقدمات الَّتِي مِنْهَا تؤلف قياساته
وَهَذِه الْمُقدمَات
إِمَّا وَاجِبَة الْقبُول
وَإِمَّا مسلمة على سَبِيل حسن الظَّن بالمعلم تصدر فِي الْعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أَو غَرضا ذاتيا لَهُ كَمَا يُقَال الْفَرد إِمَّا أولي أَو مركب
وَإِنَّمَا يبْحَث فِي الْعلم عَن أَحْوَال مَوْضُوع الْعلم أَي عَن أعراضه الذاتية الَّتِي مر ذكرهَا فِي النهج الأول فَهِيَ محمولات جَمِيع مسَائِل الْعلم الَّتِي يكون إِثْبَاتهَا للموضوعات هُوَ المطالب فِيهِ
قَوْله
2 - أَقُول المبادئ هِيَ الْأَشْيَاء الَّتِي يبْنى الْعلم عَلَيْهَا وَهِي
إِمَّا تصورات
وَإِمَّا تصديقات
والتصورات هِيَ حُدُود أَشْيَاء يسْتَعْمل فِي ذَلِك الْعلم وَهِي
إِمَّا مَوْضُوع الْعلم كَقَوْلِنَا فِي الطبيعي الْجِسْم هُوَ الْجَوْهَر الْقَابِل للأبعاد الثَّلَاثَة
وَإِمَّا جُزْء مِنْهُ كَقَوْلِنَا الهيولي هُوَ الْجَوْهَر الَّذِي من شَأْنه الْقبُول فَقَط
وَإِمَّا جزئي تَحْتَهُ كَقَوْلِنَا الْجِسْم الْبَسِيط هُوَ الَّذِي لَا يتألف من أجسام مُخْتَلفَة الصُّور
وَإِمَّا عرضي ذاتي لَهُ كَقَوْلِنَا الْحَرَكَة كَمَال أول لما بِالْقُوَّةِ من حَيْثُ هُوَ بِالْقُوَّةِ وَهَذِه الْأَشْيَاء تَنْقَسِم
إِلَى مَا يكون التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ مُتَقَدما على الْعلم وَهُوَ الْمَوْضُوع وَمَا يدْخل فِيهِ(1/475)
وَإِمَّا وَفِي نُسْخَة أَو مسلمة فِي الْوَقْت إِلَى أَن تتبين وَفِي نُسْخَة تبين وَفِي وَفِي نُسْخَة فِي نفس المتعلم تشكك وَفِي نُسْخَة تشكل فِيهَا
وَأما الْحُدُود وَفِي نُسْخَة وَالْحُدُود فَمثل الْحُدُود الَّتِي تورد لموضوع الصِّنَاعَة وأجزائه وجزئياته إِن كَانَت
وحدود أعراضه الذاتية وَهَذِه وَفِي نُسْخَة وَهَذَا أَيْضا تصدر فِي الْعُلُوم
وَقد تجمع وَفِي نُسْخَة تَجْتَمِع المسلمات على سَبِيل حسن الظَّن بالمعلم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بالمعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِلَى مَا يكون التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ إِنَّمَا يحصل فِي الْعلم نَفسه وَهُوَ مَا عداهما كالأعراض الذاتية
فحدود الْقسم الأول حُدُود بِحَسب الماهيات وحدود الْقسم الثَّانِي إِذا صورتهَا وَفِي نُسْخَة تصورتها مَا كَانَت حدودا بِحَسب الْأَسْمَاء وَيُمكن أَن تصير بعد التَّصْدِيق بالوجود حدودا بِحَسب الماهيات
وَأما التصديقات فَهِيَ الْمُقدمَات الَّتِي مِنْهَا تؤلف قياسات الْعلم وتنقسم
إِلَى بَيِّنَة يجب قبُولهَا وَتسَمى القضايا المتعارفة وَهِي المبادئ على الْإِطْلَاق
وَإِلَى غير بَيِّنَة يجب تَسْلِيمهَا ليبنى عَلَيْهَا وَمن شَأْنهَا أَن تتبين فِي علم آخر وَهِي مبادئ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْعلم الْمَبْنِيّ عَلَيْهَا ومسائل بِالْقِيَاسِ إِلَى الْعلم الآخر
وَهَذِه
وَإِن كَانَ تَسْلِيمهَا مَعَ مُسَامَحَة مَا وعَلى سَبِيل حسن الظَّن بِالْعلمِ سميت أصولا مَوْضُوعَة
وَإِن كَانَت مَعَ استنكار وتشكيك سميت مصادرات
وَقد تكون الْمُقدمَة الْوَاحِدَة أصلا مَوْضُوعا عِنْد شخص ومصادرة عِنْد آخر
وَتسَمى الْحُدُود الْوَاجِب وَالْوَاجِب تَسْلِيمهَا مَعًا أوضاعا
وَهِي قد تُوضَع فِي افْتِتَاح الْعُلُوم كَمَا فِي الهندسة(1/476)
وَالْحُدُود فِي اسْم الْوَضع فتسمى أوضاعا لَكِن المسلمات مِنْهَا تخْتَص باسم الأَصْل الْمَوْضُوع
وَالْمُسلمَات على الْوَجْه الثَّانِي تسمى مصادرات
وَإِذا كَانَ لعلم مَا أصُول مَوْضُوعَة فَلَا بُد من تَقْدِيمهَا وتصدير الْعلم بهَا
وَأما الْوَاجِب قبُولهَا فَعَن وَفِي نُسْخَة فَمن تعديدها اسْتغْنَاء لَكِنَّهَا رُبمَا خصصت بالصناعة وصدرت فِي جملَة الْمُقدمَات
فَكل وَفِي نُسْخَة وكل أصل مَوْضُوع فِي علم فَإِن الْبُرْهَان عَلَيْهِ من علم آخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد تختلط بمسائلها كَمَا فِي الطبيعيات
وَلَا بُد من تَقْدِيمهَا على الْجُزْء الْمُحْتَاج إِلَيْهَا من الْعلم إِذا كَانَت مخلوطة هِيَ بالمسائل وتصدير الْعلم بهَا أولى
وَيُمكن أَن يفهم من ظَاهر كَلَام الشَّيْخ أَن الْحُدُود وَالْأُصُول الْمَوْضُوعَة هِيَ الَّتِي يصدر بهَا دون المصادرات لِأَنَّهُ خصهما بذلك
وَالْحق أَن حكم الثَّلَاثَة فِي التصدير وَاحِد
وَأما الْوَاجِب قبُولهَا فَعَن تعديدها اسْتغْنَاء لظهورها وَهِي تَنْقَسِم
إِلَى عَام يسْتَعْمل فِي جَمِيع الْعُلُوم كَقَوْلِنَا الشَّيْء الْوَاحِد إِمَّا ثَابتا أَو منفيا
وَإِلَى خَاص بِبَعْضِهَا كَقَوْلِنَا الْأَشْيَاء المساوية لشَيْء وَاحِد مُتَسَاوِيَة فَإِنَّهُ يسْتَعْمل فِي الرياضيات لَا غير
والمورد من ذَلِك فِي فواتح الْعُلُوم يجب أَن يخصص بِالْعلمِ وَإِلَّا فالتصدير بِهِ قَبِيح والتخصيص قد يكون بالجزءين جَمِيعًا كَمَا يُقَال فِي الهندسة الْمِقْدَار إِمَّا مشارك وَإِمَّا مباين
فخصص الْمَوْضُوع الَّذِي هُوَ الشَّيْء بالمقدار والمحمول الَّذِي هُوَ الْمُثبت والمنفي ب المشارك والمباين
وَبِهَذَا التَّخْصِيص صَارَت الْقَضِيَّة الْعَامَّة خَاصَّة بالهندسة وصالحة لِأَن تقدم فِي مقدماتها(1/477)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَقد يكون بالموضوع وَحده كَمَا يُقَال الْمَقَادِير المساوية لمقدار وَاحِد مُتَسَاوِيَة فخصص الْمَوْضُوع الَّذِي هُوَ الْأَشْيَاء بالمقادير وَيصير الْمَوْضُوع أَيْضا متخصصا بتخصصه فَإِن المتساوية الْمِقْدَار غير المتساوية الْعدَد
فَهَذِهِ هِيَ المبادئ
وَأما الْمسَائِل فَهِيَ الَّتِي يشْتَمل الْعلم عَلَيْهَا وَتبين فِيهِ وَفِي نُسْخَة فِيهَا وَهِي مطالبه
والفاضل الشَّارِح قَالَ
والتصديقات إِمَّا وَاجِبَة الْقبُول وَتسَمى تِلْكَ مَعَ الْحُدُود أوضاعا
وَمِنْهَا مسلمة على سَبِيل حسن الظَّن بالمعلم وَهِي تصدر فِي الْعلم وَهِي الَّتِي تسمى مصادرات
وَمِنْهَا مسلمة فِي الْوَقْت إِلَى أَن يبين فِي مَوضِع آخر وَفِي نفس المتعلم فِيهِ شكّ
ثمَّ إِن تِلْكَ القضايا
إِن كَانَت أَعم من مَوْضُوع الصِّنَاعَة وَجب تخصيصها بِهِ
وَإِن كَانَت غير بَيِّنَة بذاتها وَجب بَيَانهَا فِي علم آخر
أَقُول فِي هَذَا الْكَلَام خبط كثير فَإِن وَاجِبَة الْقبُول لَا تسمى أوضاعا
وَالتَّسْلِيم على سَبِيل حسن الظَّن لَا يُسمى مصادرات
وَجَمِيع هَذِه القضايا لَا تخصص بِالْوَاجِبِ قبُولهَا لَا غير وَذَلِكَ عِنْد التَّصْدِيق بهَا
وَأما إِن لم يصدر بهَا لَا يكون عِنْد الْبناء عَلَيْهَا أَعم من مَوْضُوع الصِّنَاعَة فَإِن الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ يجب أَن يكون مناسبا للمبني
وَلَيْسَ هَذَا حكم الْوَاجِب قبُولهَا فَإِنَّهَا لشدَّة وضوحها تسْتَعْمل فِي كثير من الْمَوَاضِع على عمومها من غير تَخْصِيص
وَلَا أَدْرِي كَيفَ وَقع هَذَا مِنْهُ فَلَعَلَّ من الناسخين وَالله أعلم(1/478)
الْفَصْل الرَّابِع إِشَارَة فِي وَفِي نُسْخَة إِلَى نقل الْبُرْهَان وَفِي نُسْخَة الْبَرَاهِين وتناسب الْعُلُوم
1 - اعْلَم أَنه إِذا كَانَ مَوْضُوع علم مَا أَعم من مَوْضُوع علم آخر
إِمَّا على وَجه التَّحْقِيق وَهُوَ أَن يكون أَحدهمَا وَهُوَ الْأَعَمّ جِنْسا للْآخر
وَإِمَّا على وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة على أَن يكون الْمَوْضُوع فِي أَحدهمَا وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَهُوَ الْأَعَمّ قد أَخذ مُطلقًا وَفِي الآخر مُقَيّدا بِحَالَة خَاصَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْعُلُوم تتناسب وتتخالف بِحَسب موضوعاتها فَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون بَين موضوعاتها عُمُوم وخصوص
أم لَا يكون
فَإِن كَانَ فإمَّا أَن يكون على وَجه التَّحْقِيق
أَو لَا يكون
وَالَّذِي يكون على وَجه التَّحْقِيق هُوَ الَّذِي يكون الْعُمُوم وَالْخُصُوص بِأَمْر ذاتي وَهُوَ أَن يكون الْعَام جِنْسا للخاص كالمقدار والجسم التعليمي اللَّذين
أَحدهمَا مَوْضُوع الهندسة
وَالثَّانِي مَوْضُوع المجسمات
وَالْعلم الْخَاص الَّذِي يكون بِهَذِهِ الصّفة يكون تَحت الْعَام وجزءا مِنْهُ
وَالَّذِي لَيْسَ على وَجه التَّحْقِيق هُوَ الَّذِي يكون الْعُمُوم وَالْخُصُوص بِأَمْر عرضي
وينقسم إِلَى مَا يكون الْمَوْضُوع فيهمَا شَيْئا وَاحِدًا لَكِن وضع ذَلِك الشَّيْء فِي الْعَام مُطلقًا وَفِي الْخَاص مُقَيّدا بِحَالَة خَاصَّة كالأكر مُطلقَة ومقيدة بالمتحركة اللَّذين هما مَوْضُوعا علمين(1/479)
فَإِن الْعَادة وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة قد جرت بِأَن يُسمى الْأَخَص مَوْضُوعا تَحت الْأَعَمّ
مِثَال الأول علم المجسمات تَحت الهندسة
وَمِثَال وَفِي نُسْخَة مِثَال الثَّانِي علم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة علم الْأَكْثَر المتحركة وَفِي نُسْخَة متحركة تَحت علم الأكر وَفِي نُسْخَة الكرات
وَقد يجْتَمع الْوَجْهَانِ فِي وَاحِد فَيكون أولى باسم الْمَوْضُوع وَفِي نُسْخَة الْوَضع تَحت مثل علم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة علم المناظر تَحت علم الهندسة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَإِلَى مَا يكون الْمَوْضُوع فيهمَا شَيْئَيْنِ وَلَكِن مَوْضُوع الْعَام عرض عَام لموضوع الْخَاص كالوجود والمقدار اللَّذين
أَحدهمَا مَوْضُوع الفلسفة
وَالثَّانِي مَوْضُوع الهندسة
وَالْعلم الْخَاص الَّذِي يكون على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ يكون تَحت الْعلم الْعَام وَلكنه يكون جُزْءا مِنْهُ وَقد يجْتَمع الْوَجْهَانِ أَي الَّذِي بِحَسب التَّحْقِيق وَالَّذِي لَيْسَ بِحَسبِهِ فِي وَاحِد فَيكون الْخَاص بِالْوَجْهَيْنِ أولى بِأَن يُطلق عَلَيْهِ أَنه مَوْضُوع تَحت الْعَام من الْخَاص بِأحد الْوَجْهَيْنِ
وَهُوَ مثل علم المناظر فَإِن مَوْضُوعه تَحت مَوْضُوع علم الهندسة بِالْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ لِأَن مَوْضُوعه الخطوط الْمَفْرُوضَة فِي سطح مخروط النُّور الْمُتَّصِل بالبصر فالخطوط الْمَفْرُوضَة فِي سطح مخروط مَا هِيَ نوع من الْمَقَادِير وَلذَلِك يكون الْعلم الباحث عَنْهَا تَحت الهندسة وجزءا مِنْهُ وَهِي مُطلقَة أَعم مِنْهَا مُقَيّدَة بِالنورِ الْمُتَّصِل بالبصر فالعلم الباحث عَنْهَا مَعَ هَذَا الْقَيْد يكون دَاخِلا تَحت الأول وَيكون جُزْءا مِنْهُ
فَإِذن علم المناظر دَاخل بِالْمَعْنَى الثَّانِي تَحت مَا هُوَ دَاخل بِالْمَعْنَى الأول تَحت الهندسة فَهُوَ أولى بِالدُّخُولِ مِمَّا يكون دُخُوله بِأحد الْمَعْنيين(1/480)
وَرُبمَا كَانَ مَوْضُوع علم مَا مباينا لموضوع علم آخر لكنه ينظر فِيهِ من حَيْثُ أَعْرَاض خَاصَّة لموضوع وَفِي نُسْخَة بموضوع ذَلِك الْعلم وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة الْعلم فَيكون أَيْضا مَوْضُوعا تَحْتَهُ مثل الموسيقى تَحت علم الْحساب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَحِينَئِذٍ يكون اسْم الْمَوْضُوع إِنَّمَا يَقع بالتشكيك على الَّذِي بمعنيين وعَلى الَّذِي بِمَعْنى وَاحِد
وَأما إِذا لم يكن بَين الموضوعات عُمُوم وخصوص
فإمَّا أَن يكون الْمَوْضُوع شَيْئا وَاحِدًا
أَو يخْتَلف بِحَسب قيدين مُخْتَلفين كأجرام الْعَالم فَإِنَّهَا من حَيْثُ الشكل مَوْضُوعَة للهيئة وَمن حَيْثُ مُطلق الطبيعة مَوْضُوعَة للسماء والعالم من الطبيعي
وَكَذَلِكَ قد يتَّفق اتِّحَاد بعض الْمسَائِل فِيهَا بالموضوع والمحمول واختلافها بالبراهين كالقول بِأَن الأَرْض مستديرة وَهِي فِي وسط السَّمَاء فيهمَا
وَإِمَّا أَن لَا يكون الْمَوْضُوع شَيْئا وَاحِدًا بل يكون شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين وَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون بَينهَا تشارك فِي الْبَعْض
أَو لَا يكون
فَإِن كَانَ فَهِيَ مثل الطِّبّ والأخلاق فَإِن موضوعهما اشْتَركَا فِي الْبَحْث عَن القوى الإنسانية لَكِن عَن وجهتين مُخْتَلفين وَلذَلِك يَقع فِي بعض مسائلهما اتِّحَاد فِي الْمَوْضُوع
وَإِن لم يكن بَينهمَا تشارك
فإمَّا أَن يكون مَعًا تَحت ثَالِث فَيكون العلمان متساويين فِي الرُّتْبَة كالهندسة والحساب
وَإِمَّا أَن لَا يكون كَذَلِك وَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يوضع أَحدهمَا مُقَارنًا لأعراض ذاتية تخْتَص بِالْآخرِ
أَو لَا يوضع
فَإِن وضع فَيكون الْعلم الباحث عَنهُ من حَيْثُ يبْحَث عَن تِلْكَ الْأَعْرَاض مَوْضُوعا تَحت الْعلم الباحث عَن الآخر وَذَلِكَ كالموسيقى والحساب فَإِن مَوْضُوع الموسيقى هُوَ(1/481)
2 - وَأكْثر الْأُصُول الْمَوْضُوعَة فِي الْعلم الجزئي الْمَوْضُوع تَحت غَيره إِنَّمَا تصح فِي الْعلم الْكُلِّي الْمَوْضُوع فَوق على أَنه كثيرا مَا تصح وَفِي نُسْخَة أَكثر إِمَّا تصح مبادئ الْعلم الْكُلِّي الفوقاني فِي الْعلم الجزئي السفلاني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النغم من حَيْثُ يعرض لَهَا التَّأْلِيف
والبحث عَن النغم الْمُطلقَة يكون جُزْءا من الْعلم الطبيعي لكنه يبْحَث فِي الموسيقى من حَيْثُ يعرض لَهَا نِسْبَة عَادِية مقتضية للتأليف
وَكَانَ من حق تِلْكَ النّسَب إِذا كَانَت مُجَرّدَة أَن يبْحَث عَنْهَا فِي الْحساب فَلذَلِك صَار هَذَا الْبَحْث تَحت الْحساب دون الطبيعي
وَأما إِن لم يكن أحد الموضوعين مُقَارنًا لأعراض الآخر فالباحثان عَنْهُمَا علمَان متباينان مُطلقًا كالطبيعي والحساب
وَقد حصل عَن هَذَا الْبَحْث أَن كَون علم تَحت آخر إِنَّمَا يكون على أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَن يكون الْمَوْضُوع العالي جِنْسا لموضوع السافل
وَثَانِيها أَن يكون موضوعها وَاحِدًا لكنه وضع فِي أَحدهمَا مُطلقًا وَفِي الآخر مُقَيّدا
وَثَالِثهَا أَن يكون مَوْضُوع العالي عرضا عَاما لموضوع السافل
وَرَابِعهَا أَن يكون الْبَحْث عَن مَوْضُوع السافل من حَيْثُ اقْترن بِهِ أَعْرَاض مَوْضُوع العالي
وَالشَّيْخ ذكر من هَذِه الْأَرْبَعَة ثَلَاثَة فِي هَذَا الْموضع
قَوْله
2 - أَقُول الْعلم السفلاني يُسمى جزئيا بِالْقِيَاسِ إِلَى الفوقاني والفوقاني كليا بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ
وَأكْثر المبادئ غير الْبَيِّنَة للجزئي إِنَّمَا تكون مسَائِل للْعلم الْكُلِّي تبين فِيهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا الْجِسْم مؤلف من هيولي وَصُورَة والعلل أَرْبَعَة فَإِنَّهُمَا من مبادئ الطبيعي وَمن مسَائِل الفلسفة الأولى
وَقد يكون بِالْعَكْسِ من ذَلِك فَإِن امْتنَاع تأليف الْجِسْم من أَجزَاء لَا تتجزأ مَسْأَلَة(1/482)
3 - وَرُبمَا كَانَ علم فَوق تَحت علم وَفِي نُسْخَة وَتَحْت آخر بَدَلا من تَحت علم وَيَنْتَهِي إِلَى الْعلم الَّذِي مَوْضُوعه الْمَوْجُود من حَيْثُ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة مَوْضُوعه الْمَوْجُود من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود ويبحث عَن لواحقه وَفِي نُسْخَة لواحق الذاتية وَهُوَ الْعلم الْمُسَمّى بالفلسفة وَفِي نُسْخَة بالسفه الأولى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الطبيعي ومبدأ فِي الإلهي وَإِثْبَات الهيولي على أَنَّهَا أصل مَوْضُوع هُنَاكَ
وَيشْتَرط فِي هَذَا الْموضع أَن لَا تكون الْمَسْأَلَة فِي السفلاني مَبْنِيا على مَا يبْنى عَلَيْهِ وَفِي نُسْخَة يتَبَيَّن بِهِ فِي الفوقاني لِئَلَّا يصير الْبَيَان دورا
قَوْله
3 - أَقُول الْعلم الَّذِي يكون فَوق علم وَتَحْت علم كالطبيعي الَّذِي هُوَ فَوق الطِّبّ وَتَحْت الفلسفة الأولى وَالنّسب بَينهمَا تخْتَلف على الْوُجُوه الْمَذْكُورَة
فالطب عِنْد من يكون مَوْضُوعه بدن الْإِنْسَان من حَيْثُ يَصح ويمرض يكون تَحت علم الْحَيَوَان من الطبيعي بِثَلَاثَة أوجه من الْأَرْبَعَة هِيَ الأول وَالثَّانِي وَالرَّابِع
وَذَلِكَ لِأَن الْإِنْسَان نوع من الْحَيَوَان وَقد أَخذ فِي الطِّبّ مُقَيّدا بِقَيْد وَإِنَّمَا ينظر فِيهِ من حَيْثُ يقْتَرن بِبَعْض الْأَعْرَاض الذاتية للحيوان
وَعلم الْحَيَوَان يكون تَحت الطبيعي بِالْوَجْهِ الأول وَلذَلِك يعد فِي أَجْزَائِهِ
والطبيعي تَحت الفلسفة الأولى بِالْوَجْهِ الَّذِي لم يُصَرح بِهِ الشَّيْخ
وَإِذ لَا شَيْء أَعم من الْمَوْجُود الَّذِي هُوَ مَوْضُوع الفلسفة الأولى فَلَا علم أَعلَى مِنْهَا ويبحث فِيهَا عَن الْأَعْرَاض الذاتية للموجود من حَيْثُ هُوَ مَوْجُود وَهِي كالواحد وَالْكثير وَالْقَدِيم والمحدث
وَبَقِي هَهُنَا بحث وَهُوَ أَن هَذَا الْفَصْل مترجم فِي الْكتاب ب نقل الْبُرْهَان وَلم يذكر فِيهِ نقل الْبُرْهَان
والفصل الَّذِي قبله مترجم فِي بعض النّسخ ب تناسب الْعُلُوم وَلَيْسَ فِيهِ ذكر تناسب الْعُلُوم أصلا(1/483)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والفاضل الشَّارِح ترجمها على هَذِه الرِّوَايَة وَلم يذكر الْوَجْه فِي ذَلِك
فَأَقُول أصح الرِّوَايَات مَا أوردناه أَعنِي ترجمتها بِمَا مر
ولنقل الْبُرْهَان مَعْنيانِ
أَحدهمَا أَن يكون علم مَبْنِيا على أصل مَوْضُوع تبين فِي علم آخر فَيكون الْبُرْهَان الَّذِي يبين بِهِ ذَلِك الأَصْل مَنْقُولًا من علمه إِلَى الْعلم الأول الْمَبْنِيّ حَتَّى يتم ذَلِك الْعلم بِهِ
وَالثَّانِي أَن تكون الْمَسْأَلَة من علم مَا والبرهان عَلَيْهِ إِنَّمَا يكون لشَيْء من حَقه أَن يكون فِي علم آخر وَإِنَّمَا نقل من ذَلِك الْعلم لبَيَان تِلْكَ الْمَسْأَلَة كمسائل المناظر المناظر والموسيقى فَإِن من حق براهينهما أَن يكون بِعَينهَا من علم الهندسة والحساب وَذَلِكَ لِأَن الْمسَائِل لَو جرت عَن نور الْبَصَر وَعَن النغم لكَانَتْ بِعَينهَا مسَائِل من العلمين الْمَذْكُورين وَبِذَلِك الاقتران لم تَتَغَيَّر أحوالها فَلذَلِك نقلت الْبَرَاهِين من مواضعهما إِلَيْهِمَا وَهُوَ السَّبَب بِعَيْنِه لكَونه تَحت الْحساب دون الطبيعي
وَاسم النَّقْل بِهَذَا الْمَعْنى الثَّانِي أَحَق مِنْهُ بِالَّذِي قبله إِلَّا أَن اشْتِمَال الْفَصْل على الْمَعْنى الأول اكثر مِنْهُ على الثَّانِي(1/484)
الْفَصْل الْخَامِس إِشَارَة إِلَى برهَان لم وبرهان إِن
1 - إِن الْحَد الْأَوْسَط إِن كَانَ هُوَ السَّبَب وَفِي نُسْخَة النّسَب فِي نفس الْأَمر لوُجُود الحكم وَهُوَ نِسْبَة أَجزَاء النتيجة بَعْضهَا إِلَى بعض كَانَ الْبُرْهَان برهَان لم لِأَنَّهُ يُعْطي السَّبَب فِي التَّصْدِيق بالحكم وَيُعْطِي السَّبَب فِي وجود الحكم وَفِي نُسْخَة وَيُعْطِي اللمية فِي التَّصْدِيق وَوُجُود الحكم فَهُوَ مُطلقًا معط للسبب وَفِي نُسْخَة يُعْطي السَّبَب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْحَد الْأَوْسَط فِي الْبُرْهَان لَا بُد وَأَن يكون عِلّة لحُصُول التَّصْدِيق بالحكم الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب فِي الْعقل وَإِلَّا فَلم يكن الْبُرْهَان برهانا على ذَلِك الْمَطْلُوب هَذَا خلف ثمَّ إِنَّه لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون مَعَ ذَلِك عِلّة أَيْضا لوُجُود ذَلِك الحكم فِي الْخَارِج
أَو لَا يكون
فَإِن كَانَ فالبرهان وَفِي نُسْخَة فالمسمى هُوَ برهَان لم وَإِلَّا فَهُوَ الْبُرْهَان الْمُسَمّى برهَان إِن
وَهُوَ لَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون الْأَوْسَط فِيهِ معلولا لوُجُود الحكم فِي الْخَارِج
أَو لَا يكون
فَالْأول يُسمى دَلِيلا
وَالثَّانِي لَا يخصص باسم
وَالدَّلِيل يُشَارك برهَان لم فِي الْحُدُود
ويتخالفان فِي وضع الْأَوْسَط والأكبر(1/485)
وَإِن لم يكن كَذَلِك بل كَانَ سَببا وَفِي نُسْخَة شَيْئا للتصديق فَقَط فَأعْطى اللمية فِي الْوُجُود وَفِي نُسْخَة فَأعْطى اللمية فِي التَّصْدِيق وَلم يُعْط اللمية فِي الْوُجُود فَهِيَ الْمُسَمّى برهَان إِن لِأَنَّهُ دلّ على إنية الحكم فِي نَفسه دون لميته فِي نَفسه
فَإِن وَفِي نُسْخَة وَإِن كَانَ الْأَوْسَط فِي برهَان إِن مَعَ أَنه لَيْسَ وَفِي نُسْخَة برهَان إِن مَعَ لَيْسَ وَفِي أُخْرَى برهَان إِن مَعَ أَنه بِدُونِ كلمة لَيْسَ بعلة لنسبة وَفِي نُسْخَة نِسْبَة حدي النتيجة هُوَ مَعْلُول لنسبة حدي النتيجة وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة هُوَ مَعْلُول لنسبة حدي النتيجة لكنه أعرف عِنْدَمَا سمي دَلِيلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَفِي النتيجة
وأحق الْبَرَاهِين باسم الْبُرْهَان هُوَ برهَان لم لِأَنَّهُ معط للسبب فِي الْوُجُود وَالْعقل
وَالْعلم اليقيني بِمَا لَهُ سَبَب فِي الْخَارِج عَن أَجزَاء الْقَضِيَّة لَا يحصل إِلَّا بِهِ كَمَا ذَكرْنَاهُ فمقدمتاه أقدم فِي الْوُجُود وَالْعقل جَمِيعًا من النتيجة
وَأما برهَان إِن فَلَا يُعْطي السَّبَب إِلَّا فِي الْعقل فَقَط وَالْعلم اليقيني يحصل بِهِ إِذا كَانَ السَّبَب فِي الْوُجُود مَعْلُوما إِلَّا أَنه يكون سَببا فِي الْعقل لكَونه غير تَامّ فِي سببيته وَلذَلِك لَا يصلح أَن يَقع فِي الْبُرْهَان
فالواقع فِي الْبُرْهَان يكون سَببا فِي الْعقل فَقَط وَيكون الْبُرْهَان بِهِ برهَان إِن ومقدمتا هَذَا الْبُرْهَان أقدم فِي الْعقل لِأَنَّهُمَا أعرف عندنَا وليستا بأقدم فِي الطَّبْع
وَإِنَّمَا عرف ب لم وَإِن لِأَن اللمية هِيَ الْعلية والأنية هِيَ الثُّبُوت
وبرهان لم يُعْطي عِلّة الحكم على الْإِطْلَاق
وبرهان إِن لَا يُعْطي علته فِي الْوُجُود وَلَكِن يُعْطي ثُبُوته فِي الْعقل
وَالشَّيْخ أورد مثالين
أَحدهمَا استثنائي
وَالْآخر اقتراني حملي
يُمكن أَن يتَمَثَّل بهما فِي برهَان لم وَفِي الدَّلِيل باخْتلَاف الْوَضع(1/486)
مِثَال ذَلِك قَوْلك إِن كَانَ كسوف قمري وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة مَوْجُودا وَفِي أُخْرَى بِزِيَادَة مَوْجُود فالأرض متوسطة بَين الشَّمْس وَالْقَمَر لَكِن الْكُسُوف الْقمرِي مَوْجُود فَإِذن الأَرْض وَفِي نُسْخَة فالأرض متوسطة بَين الشَّمْس وَالْقَمَر وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بَين الشَّمْس وَالْقَمَر
لَكِن الْكُسُوف للقمر مَوْجُود فَإِذن الأَرْض متوسطة
وَاعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء كالحد الْأَوْسَط وَقد بَين وَفِي نُسْخَة ثَبت وَفِي أُخْرَى يثبت التَّوَسُّط بالكسوف الَّذِي هُوَ مَعْلُول التَّوَسُّط وَالَّذِي وَفِي نُسْخَة الَّذِي بِدُونِ الْوَاو هُوَ برهَان لم أَن يكون الْأَمر بِالْعَكْسِ فيتبين وَفِي نُسْخَة فَتبين الْكُسُوف بِبَيَان توَسط الأَرْض
وَأَنت يمكنك أَن تقيس وَفِي نُسْخَة وَأَنت عَلَيْك أَن تعين قِيَاسا حمليا من القبيلين وَفِي نُسْخَة القبيلتين بحدود مُشْتَركَة وَليكن وَفِي نُسْخَة فَلْيَكُن الْحَد الْأَصْغَر محموما والحدان الْآخرَانِ قشعريرة غارزة ناخسة وَحمى الغب والمعلول مِنْهُمَا القشعريرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما الاستثنائي وَهُوَ التَّمْثِيل بالخسوف وتوسط الأَرْض فَظَاهر مَشْهُور
وَأما الاقتراني فَفِيهِ نظر لِأَن المُرَاد من حمى الغب إِن كَانَ هُوَ الْحَرَارَة الغريبة الفاشية وَفِي نُسْخَة الغاشية فِي الْأَعْضَاء الَّتِي تفارق وتعود فِي كل يَوْم مرّة وَاحِدَة على مَا هُوَ الْمُتَعَارف فَلَيْسَتْ هِيَ عِلّة للقشعريرة بل هما معلولا عِلّة وَاحِدَة وَهِي الصَّفْرَاء المتعفنة خَارج الْعُرُوق
وَحِينَئِذٍ يكون الْبُرْهَان من الْحُدُود الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب ضربا من برهَان إِن غير الدَّلِيل
وَإِن كَانَ المُرَاد من حمى الغب هِيَ الصَّفْرَاء المتعفنة خَارج الْعُرُوق على وَجه(1/487)
2 - وَاعْلَم أَنه لَا سَوَاء
قَوْلك إِن الْأَوْسَط عِلّة لوُجُود الْأَكْبَر مُطلقًا أَو معلوله مُطلقًا
وقولك إِنَّه عِلّة أَو مَعْلُول لوُجُود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر
وَهَذَا مِمَّا يغفلون عَنهُ بل يجب أَن تعلم أَنه كثيرا مَا يكون الْأَوْسَط معلولا للأكبر لكنه عِلّة لوُجُود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تَسْمِيَة الْعلَّة بمعلولها الْخَاص كَانَ الْمِثَال صَحِيحا وَإِن كَانَ مُخَالفا للمتعارف من الْعبارَة
قَوْله
2 - أَقُول وجود الْأَكْبَر مُطلقًا غير وجود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر وَالْحكم هُوَ الثَّانِي وَعلة الأول غير عِلّة الثَّانِي
والأوسط عِلّة فِي برهَان لم ومعلول فِي الدَّلِيل الثَّانِي
دون الأول
وَأهل الظَّاهِر من المنطقيين قد غفلوا عَن هَذَا الْفرق فالشيخ أوضح الْحَال فِيهِ
وَمِمَّا يزِيدهُ بَيَانا أَن الْأَوْسَط يُمكن أَن يكون مَعَ كَونه عِلّة لوُجُود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر معلولا للأكبر كَمَا أَن حَرَكَة النَّار عِلّة لوصولها إِلَى هَذِه الْخَشَبَة مَعَ أَنَّهَا معلولة النَّار وَيكون هَذَا الْبُرْهَان برهَان لم
وَمِنْه قَوْلنَا الْعَالم مؤلف وَلَكِن مؤلف مؤلف
وَأما فِي الدَّلِيل فَلَا يُمكن أَن يكون الْأَوْسَط مَعَ كَونه معلولا لوُجُود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر عِلّة لوُجُود الْأَكْبَر لِأَنَّهُ يلْزم من ذَلِك تقدم وجود الْأَكْبَر فِي الْأَصْغَر على وجوده مُطلقًا وَهُوَ محَال
وَاعْلَم أَن عِلّة وجود الْأَكْبَر إِنَّمَا يكون عِلّة لوُجُوده فِي الْأَصْغَر فِي موضِعين
أَحدهمَا أَن لَا يكون للأكبر وجود إِلَّا فِي الْأَصْغَر كالخسوف الَّذِي لَا يُوجد إِلَّا فِي الْقَمَر فعلته عِلّة وجوده فِي الْقَمَر
وَالثَّانِي أَن يكون عِلّة الْأَكْبَر علته أَيْنَمَا وجدت كالصفراء المتعفنة خَارج الْعُرُوق الَّتِي هِيَ عِلّة الْحمى الغب أَيْنَمَا وجدت فَهِيَ عِلّة لوجودها فِي بدن زيد
وَأما فِي غير هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ فعلتاهما متغايرتان
قَوْله(1/488)
الْفَصْل السَّادِس إِشَارَة إِلَى المطالب
1 - من أُمَّهَات المطالب مطلب هَل الشَّيْء مَوْجُود مُطلقًا أَو مَوْجُود بِحَال كَذَا والطالب بِهِ وَفِي نُسْخَة بِحَذْف عبارَة بِهِ يطْلب أحد طرفِي وَفِي نُسْخَة أحد الطرفي النقيض
2 - وَمِنْهَا مطلب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مطلب مَا هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول المطالب العلمية تَنْقَسِم
إِلَى أصُول
وَإِلَى فروع
وَالْأُصُول هِيَ الْكُلية الَّتِي لَا بُد مِنْهَا وَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا وَيُسمى بالأمهات
وَالْفُرُوع هِيَ الْجُزْئِيَّة الَّتِي عَنْهَا بُد فِي بعض الْمَوَاضِع وَيُمكن أَن يقوم غَيرهَا مقَامهَا
والأمهات قد قيل إِنَّهَا ثَلَاثَة هِيَ بِالْقُوَّةِ سِتَّة وَهِي مطلب هَل وَمَا وَلم لِأَن كل وَاحِد يشْتَمل على مطلبين
وَقد قيل إِنَّهَا أَرْبَعَة وأضيف إِلَيْهَا مطلب أَي
فَصَارَ اثْنَان للتصور وهما مَا وَأي
وَاثْنَانِ للتصديق وهما هَل وَلم
فمطلب هَل يشْتَمل على
بسيط يكون الْمَوْجُود مَحْمُولا كَقَوْلِنَا هَل زيد مَوْجُود
وعَلى مركب يكون الْمَوْجُود فِيهِ رابطة كَقَوْلِنَا زيد هَل هُوَ مَوْجُود فِي الدَّار
قَوْله
2 - أَقُول ذَات الشَّيْء حَقِيقَته وَلَا يُطلق على غير الْمَوْجُود(1/489)
الشَّيْء وَقد يطْلب بِهِ مَاهِيَّة ذَات الشَّيْء وَقد يطْلب بِهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة بِهِ مَاهِيَّة مَفْهُوم الِاسْم الْمُسْتَعْمل
3 - وَلَا بُد من تَقْدِيم وَفِي نُسْخَة تقدم مطلب مَا الشَّيْء على مطلب هَل الشَّيْء إِذا لم يكن مَا يدل عَلَيْهِ الِاسْم الْمُسْتَعْمل حدا للمطلوب وَفِي نُسْخَة للمطلب وَفِي أُخْرَى للطلب مفهوما وَكَيف وَفِي نُسْخَة وَمَا كَيفَ كَانَ فَإِن الْمَطْلُوب فِيهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِيهِ شرح الِاسْم وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة إِذا لم يكن مَا يدل عَلَيْهِ الِاسْم الْمُسْتَعْمل جُزْءا للمطلوب مفهوما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالْمرَاد أَن الطَّالِب ب مَا الأول هُوَ السَّائِل عَن مَا هُوَ وَيُجَاب بأصناف الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ كَمَا مر ذكرهَا
وَقد تقع الْحُدُود الْحَقِيقِيَّة فِي جَوَابه وَرُبمَا تُقَام الرسوم مقَامهَا على وَجه التَّوَسُّع أَو عِنْد الِاضْطِرَار
والطالب ب مَا الثَّانِي هُوَ السَّائِل عَن مَاهِيَّة مَفْهُوم الِاسْم كَقَوْلِنَا مَا الْخَلَاء
وَإِنَّمَا لم يقل عَن مَفْهُوم الِاسْم لِأَن السُّؤَال بذلك يصير لغويا بل هُوَ السَّائِل عَن تَفْصِيل مَا دلّ عَلَيْهِ الِاسْم إِجْمَالا
فَإِن أُجِيب بِجَمِيعِ مَا دخل فِي ذَلِك الْمَفْهُوم بِالذَّاتِ وَدلّ الِاسْم عَلَيْهَا بالمطابقة والتضمن كَانَ الْجَواب حدا بِحَسب الِاسْم
وَإِن أُجِيب بِمَا يشْتَمل على شَيْء خَارج عَن الْمَفْهُوم دَال عَلَيْهِ بالالتزام على سَبِيل التَّجَوُّز كَانَ رسما بِحَسب الِاسْم
قَوْله
3 - أَقُول المُرَاد أَن مطلب مَا الَّذِي يطْلب شرح الِاسْم يجب أَن يتَقَدَّم مطلبي هَل
وَيَعْنِي بقوله إِذا لم يكن مَا يدل عَلَيْهِ الِاسْم الْمُسْتَعْمل حدا تَفْسِير هَذَا الْمطلب لتمييزه عَن قسميه فَإِن الْمُتَقَدّم على مطلبي هَل هُوَ الَّذِي يطْلب بِهِ شرح الِاسْم الَّذِي لَا يفهم مَدْلُوله إِلَّا بِحَدّ دون الآخر
وَتَقْدِير الْكَلَام إِذا لم يكن مَدْلُول الِاسْم الْمُسْتَعْمل فِي الْمطلب الْمُحْتَاج فِي بَيَانه إِلَى(1/490)
.. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حد مفهوما وَالَّذِي لَا يكون مدلولا لَهُ حدا مفهوما للمطلب يَعْنِي الْمَسْئُول عَنهُ
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن مَدْلُول الِاسْم إِذا كَانَ حدا وَالْحُدُود إِنَّمَا تكون بِحَسب الذوات المحصلة كَانَ للمحدود ذَات محصلة
وَإِذا كَانَ الْمَدْلُول مَعَ كَونه حدا هُوَ مفهوما كَانَ تَحْصِيل تِلْكَ الذوات أَعنِي وجودهَا أَيْضا مَعْلُوما فَلَا يكون للسؤال ب هَل البسيطة حِينَئِذٍ فَائِدَة
وَحِينَئِذٍ لَا يكون السُّؤَال بِمَا قبل هَل لَو كَانَ حدا مفهوما للمسئول عَنهُ لما كَانَ للمسئول بِمَا فِي هَذَا الْموضع فَائِدَة
وَإِنَّمَا قَالَ حدا مفهوما لِأَن مَدْلُول الِاسْم الْمُحْتَاج فِي بَيَانه إِلَى حد مفهوما وَالَّذِي لَا يكون مَدْلُوله إِلَى رُبمَا لَا يكون لَهُ وجود فِي نَفسه فَيكون مَدْلُول الِاسْم هُوَ الْجَامِع للأشياء الَّتِي وضع الِاسْم بإزائها فَيكون حدا بِوَجْه إِلَّا أَنه لَا يكون مفهوما مَا لم يدل عَلَيْهَا بالتفصيل وَيكون السُّؤَال ب مَا هُوَ بَاقِيا إِلَى أَن يفصل
وَحِينَئِذٍ يكون القَوْل الْمفصل حدا مفهوما لَهُ
قَوْله وَكَيف كَانَ فَإِن الْمَطْلُوب فِيهِ شرح الِاسْم إِثْبَات إجمالي لما تقدم أَي وَكَيف كَانَ الْحَال فَإِن الْمُتَقَدّم على مطلبي هَل هُوَ مَا الطَّالِب لشرح الِاسْم
وَأما بالرواية الْأُخْرَى فَيكون مَعْنَاهُ هَكَذَا إِذا لم يكن مَدْلُول الِاسْم الَّذِي اسْتعْمل على أَنه جُزْء للمطلب مفهوما وَذَلِكَ لِأَن الْمطلب هُوَ مَجْمُوع اللَّفْظَيْنِ وَأَحَدهمَا جُزْء للمجموع فَيكون قَوْلنَا جُزْءا للمطلب فِي غير هَذِه الرِّوَايَة أَيْضا على التَّمْيِيز عَن الْمُسْتَعْمل
وَقَوْلنَا مفهوما نصب لِأَنَّهُ خبر لم يكن
وَأَنا أَظن هَذِه الرِّوَايَة تَصْحِيف للأولى وَكِلَاهُمَا تصحيفان وَالْأَصْل كَانَ كَذَا
إِذا لم يكن الِاسْم الْمُسْتَعْمل حد الْمطلب وَفِي نُسْخَة حدا للمطلوب مفهوما فَإِنَّهُ مُطَابق لمراده مستغن عَن التمحلات الَّتِي أوردناها وَذَلِكَ وَاضح
قَوْله(1/491)
4 - وَإِذا وَفِي نُسْخَة فَإِذا صَحَّ للشَّيْء وجود صَار ذَلِك بِعَيْنِه حدا لذاته أَو رسما إِن كَانَ فِيهِ تجوز وَفِي نُسْخَة يجوز
5 - وَمِنْهَا مطلب أَي شَيْء هَذَا وَفِي بعض النّسخ بِدُونِ كلمة هَذَا وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة الشَّيْء
وَأي الشَّيْء مِمَّا يعد فِي أصُول المطالب أَيْضا
وَيطْلب بِهِ تَمْيِيز الشَّيْء عَمَّا عداهُ
6 - وَمِنْهَا مطلب لم الشَّيْء وَكَأَنَّهُ يسْأَل عَمَّا هُوَ الْحَد الْأَوْسَط إِذا كَانَ الْغَرَض حُصُول التَّصْدِيق بِجَوَاب هَل فَقَط أَو يسْأَل عَن مَاهِيَّة السَّبَب إِذا كَانَ الْغَرَض لَيْسَ هُوَ وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة حُصُول التَّصْدِيق بذلك فَقَط وَكَيف كَانَ بل يطْلب وَفِي نُسْخَة طلب سَببه فِي نفس الْأَمر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
4 - مَعْنَاهُ ظَاهر ومثاله أَنا إِذا قُلْنَا فِي جَوَاب من يَقُول مَا المثلث المتساوي الأضلاع إِنَّه شكل يُحِيط بِهِ ثَلَاثَة خطوط مُتَسَاوِيَة كَانَ حدا بِحَسب الِاسْم ثمَّ إِذا بَينا أَنه والشكل الأول من كتاب إقيلدس صَار قَوْلنَا الأول بِعَيْنِه حدا بِحَسب الذَّات
5 - وَفِي بعض النّسخ وَمِنْهَا مطلب أَي شَيْء وَهُوَ أَيْضا مِمَّا يعد فِي أصُول المطالب وَيطْلب بِهِ تَمْيِيز الشَّيْء عَمَّا عداهُ
أَقُول يُجَاب عَن أَي شَيْء بِمَا يُمَيّز تمييزا ذاتيا وَقد يُجَاب مَا يُمَيّز تمييزا عرضيا وَالْمرَاد هُوَ الأول
وَقد لَا يعد هَذَا الْمطلب فِي الْأُصُول لِأَن مطلب مَا يُغني عَنهُ إِذْ جَوَابه يشْتَمل على جَمِيع الذاتيات مُمَيزَة كَانَت أَو غير مُمَيزَة
وَقد يعد فِيهَا لِأَنَّهُ بعد الْجَواب عَمَّا هُوَ فِي حَال الشّركَة يتَعَيَّن لطلب تَمْيِيز كل وَاحِد من مختلفات الْحَقَائِق بالفصول وَلَا يقوم غَيره حِينَئِذٍ مقَامه
6 - أَقُول مطلب لم يطْلب الْعلَّة
إِمَّا فِي التَّصْدِيق فَقَط كَمَا يُقَال لم مبدأ لكل وَاحِد
وَإِمَّا فِي الْوُجُود كَمَا يُقَال لم يجذب المغناطيس الْحَدِيد(1/492)
وَلَا شكّ فِي أَن هَذَا الْمطلب بعد هَل فِي الْمرتبَة بِالْقُوَّةِ أَو بِالْفِعْلِ
7 - وَمن المطالب أَيْضا كَيفَ الشَّيْء وَأَيْنَ الشَّيْء وَمَتى الشَّيْء وَهِي مطَالب جزئية لَيست من الْأُمَّهَات
بل تنزل عَن وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة عَن أَن تعد فِيهَا
ويستغنى عَنْهَا كثيرا بمطلب وَفِي نُسْخَة لمطلب هَل الْمركب إِذا فطن لذَلِك الأين والكيف والمتى وَفِي نُسْخَة وَالْمعْنَى وَلم تعلم نسبته إِلَى الْمَوْضُوع الْمَطْلُوب حَاله وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة حَاله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهَذِه نُكْتَة وَهِي أَن المطالب كَمَا يكثرها المكثرون فللمقللين أَيْضا أَن يقللوها بِأَن يجْعَلُوا أُصُولهَا اثْنَيْنِ
مطلبا للتصور
ومطلبا للتصديق
ويطوي الْبَاقِيَة فيهمَا
وعَلى هَذَا التَّقْدِير يُمكن أَن يطوي لم فِي مطلب مَا حَتَّى تكون الْأُمَّهَات هِيَ مطلبا هَل وَمَا فَقَط
وإيثار الشَّيْخ إِلَى ذَلِك بقوله فَكَأَنَّهُ يسْأَل عَمَّا هُوَ الْحَد الْأَوْسَط أَو عَن مَاهِيَّة السَّبَب
ومطلب لم تَابع لمطلب هَل فِي الْمرتبَة وَفِي نُسْخَة بالمرتبة
إِمَّا بِالْفِعْلِ فَكَمَا يُقَال هَل الْقَمَر منخسف فَإِن قيل نعم قيل لم
وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ فَكَمَا يُقَال لم ينخسف الْقَمَر فَإِنَّهُ يتَضَمَّن الحكم بانخسافه بِالْقُوَّةِ وتطلب الْعلَّة فِيهِ
قَوْله
7 - لم يذكر الشَّيْخ مطلبي كم وَمن وهما أَيْضا من الجزئيات الْمَشْهُورَة فَهِيَ جزئية لِأَنَّهَا تطلب علوما جزئية بِالْقِيَاسِ إِلَى المطالب الْمَذْكُورَة وَلَا تعم فائدتها(1/493)
8 - فَإِن لم يفْطن لذَلِك لم يقم ذَلِك الْمطلب مقَام هَذَا فَكَانَ وَفِي نُسْخَة وَكَانَ مطلبا خَارِجا عَمَّا عد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِن مَا لَا كَيْفيَّة لَهُ مثلا لَا يسْأَل عَنهُ ب كَيفَ وَكَذَلِكَ تنزل عَن أَن يعد فِي الْأُصُول ويستغنى عَنْهَا بمطلب هَل الْمركب إِذا كَانَ الْمَسْئُول عَنهُ مَعْلُوما بماهية ومجهولا بانتسابه إِلَى الْمَوْضُوع فَيُقَال هَل زيد أسود هَل هُوَ فِي الدَّار هَل هُوَ الْآن
8 - أَقُول فِيهِ نظر لِأَن مطلب أَي إِذا عد فِي الْأُصُول يقوم مقَامهَا فَيُقَال أَي كَيْفيَّة لَهُ فِي أَي مَكَان هُوَ فِي أَي وَقت هُوَ(1/494)
النهج الْعَاشِر فِي القياسات المغالطية
الْفَصْل الأول
1 - إِن الْغَلَط قد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قد يَقع إِمَّا لسَبَب فِي الْقيَاس وَفِي نُسْخَة إِمَّا لسَبَب الْقيَاس وَهُوَ أَن يكون الْمُدَّعِي قِيَاسا لَيْسَ بِقِيَاس فِي صورته وَهُوَ أَن لَا يكون على سَبِيل وَفِي نُسْخَة على سَبِيل صُورَة شكل منتج أَو يكون قِيَاسا فِي صورته وَلكنه وَفِي نُسْخَة لكنه ينْتج غير الْمَطْلُوب إِذْ قد وضع وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أَقُول الْغَلَط يَقع لسَبَب يرجع
إِمَّا إِلَى التَّأْلِيف القياسي
وَإِمَّا إِلَى أَجْزَائِهِ الَّتِي هِيَ الْمُقدمَات ثمَّ الْحُدُود
وَالشَّيْخ بَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ إِن الْغَلَط قد يَقع إِمَّا لسَبَب فِي الْقيَاس وَأخر الْقسم الثَّانِي إِلَى أَن يتم الْكَلَام فِي الْقسم الأول
ثمَّ الَّذِي يرجع إِلَى التَّأْلِيف فَيكون لسَبَب يرجع
إِمَّا إِلَى صورته وَفِي نُسْخَة إِمَّا إِلَى صُورَة الْقيَاس
وَإِمَّا إِلَى مادته
وَبَدَأَ بالقسم الأول فَقَالَ وَهُوَ أَن يكون الْمُدَّعِي قِيَاسا لَيْسَ بِقِيَاس فِي صورته
ثمَّ الَّذِي يرجع إِلَى الصُّورَة يكون
إِمَّا بِحَسب نِسْبَة بعض الْمُقدمَات إِلَى بعض
أَو بِحَسب نسبتها إِلَى النتيجة(1/495)
نُسْخَة أَو قد وضع وَفِي أُخْرَى وَقد وضع فِيهِ مَا لَيْسَ بعلة عِلّة أَو وَفِي نُسْخَة وَإِنَّمَا لَا يكون قِيَاسا بِحَسب مادته
أَي أَنه بِحَيْثُ إِذا اعْتبر الْوَاجِب فِي مادته اخْتَلَّ أَمر صورته وَإِذا سلم مَا فِيهِ على النَّحْو الَّذِي قيل كَانَ قِيَاسا وَلكنه غير وَاجِب تَسْلِيمه
فَإِذا روعي فِيهِ تشابه أَحْوَال الْأَوْسَط فِي المقدمتين وأحوال الطَّرفَيْنِ فيهمَا مَعَ النتيجة لم يجب تَسْلِيمه فَلم يكن قِيَاسا وَاجِب الْقبُول وَإِن كَانَ قِيَاسا فِي صورته
وَقد علمت فِي نُسْخَة عرفت الْفرق بَينهمَا وَوضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة من هَذَا الْقَبِيل والمصادرة على الْمَطْلُوب الأول من هَذَا الْقَبِيل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَالَّذِي يكون بِحَسب نِسْبَة بعض الْمُقدمَات إِلَى بعض فَهُوَ أَن لَا يكون على شكل وَضرب منتج وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله وَهُوَ أَن لَا يكون على سَبِيل شكل منتج
وَالَّذِي يكون بِحَسب نِسْبَة الْمُقدمَات إِلَى النتيجة فَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون السَّبَب هُوَ أَن الْمُقدمَات لم يلْزم مِنْهَا قَول غَيرهَا
أَو لزم وَلَكِن اللَّازِم لَيْسَ هُوَ الْمَطْلُوب
وَالْأول هُوَ المصادرة على الْمَطْلُوب وَلم يذكرهُ الشَّيْخ هَهُنَا لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى شرح فَأَخَّرَهُ إِلَى أَن يفرغ من الْقِسْمَة ويشتغل بشرحه
وَالثَّانِي هُوَ وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة لِأَن وضع الْقيَاس الَّذِي لَا ينْتج الْمَطْلُوب لإنتاجه هُوَ وضع مَا لَيْسَ بعلة للمطلوب مَكَان علته وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله أَو يكون قِيَاسا فِي صورته لكنه ينْتج غير الْمَطْلُوب إِذْ قد وضع فِيهِ مَا لَيْسَ بعلة عِلّة
وَأما الَّذِي يرجع إِلَى مَادَّة الْقيَاس مُشْتَمِلًا على مُقَدمَات لَو وضعت بِحَيْثُ تكون مسلمة على هَيْئَة قِيَاس خرجت على أَن تكون مسلمة وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله أَو لَا يكون قِيَاسا بِحَسب مادته إِلَى قَوْله وَإِن كَانَ قِيَاسا فِي صورته(1/496)
وَذَلِكَ إِذا كَانَ حدان من حُدُود الْقيَاس هما اسمان لِمَعْنى وَاحِد فَالْوَاجِب وَفِي نُسْخَة وَالْوَاجِب أَن تكون مُخْتَلفَة الْمَعْنى وَفِي نُسْخَة مختلفتي الْمعَانِي فَإِذا روعي فِي وَفِي نُسْخَة من الْقيَاس صورته ثمَّ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَحْوَال مادته لم يَقع خطأ من قبل الْجَهْل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومثاله أَن يُقَال
كل إِنْسَان نَاطِق من حَيْثُ هُوَ نَاطِق
وَلَا شَيْء من النَّاطِق من حَيْثُ هُوَ النَّاطِق بحيوان
وَذَلِكَ لِأَن الْقيَاس إِنَّمَا ينْعَقد بِحَسب الصُّورَة من هَذِه الْحُدُود
إِمَّا مَعَ إِثْبَات الْقَيْد الَّذِي هُوَ قَوْلنَا من حَيْثُ هُوَ نَاطِق فِي المقدمتين جَمِيعًا أَو مَعَ حذفه مِنْهُمَا جَمِيعًا
لَكِن إثْبَاته فيهمَا يَقْتَضِي كذب الصُّغْرَى
وحذفه مِنْهُمَا يَقْتَضِي كذب الْكُبْرَى
وَإِن حذف عَن الصُّغْرَى وَأثبت فِي الْكُبْرَى ليكونا صَادِقين اخْتلفت صُورَة الْقيَاس فَلم يكن الْأَوْسَط مُشْتَركا
فَالْقِيَاس المنعقد مِنْهُمَا بِحَسب الصُّورَة لَا يكون قِيَاسا وَاجِب الْقبُول بِحَسب الْمَادَّة وَلِهَذَا كَانَ السَّبَب فِي هَذَا الْقسم من جِهَة الْمَادَّة قَوْله
وَقد عرفت الْفرق بَينهمَا أَي بَين هذَيْن القياسين الْمَذْكُورين
قَوْله وَوضع مَا لَيْسَ بعلة من هَذَا الْقَبِيل والمصادرة على الْمَطْلُوب من هَذَا الْقَبِيل أَي مِمَّا يَقع الْغَلَط فِيهِ من جِهَة التَّأْلِيف لَا من جِهَة الْمَادَّة
ثمَّ أَخذ فِي بَيَان المصادرة على الْمَطْلُوب الأول بقوله وَذَلِكَ إِذا كَانَ الحدان من حُدُود الْقيَاس إِلَى قَوْله فَالْوَاجِب أَن يكون مختلفي الْمعَانِي
فالمصادرة على الْمَطْلُوب إِنَّمَا تشْتَمل على حَدَّيْنِ مترادفين كَمَا مر وَيلْزم مِنْهُ أَن تكون
إِحْدَى المقدمتين خَالِيَة عَن الْوَضع وَالْحمل وَهِي الَّتِي يتحد حداها
وَالثَّانيَِة هِيَ النتيجة بِعَينهَا فَيكون التَّأْلِيف عَن مُقَدّمَة وَاحِدَة بِالْحَقِيقَةِ وَيكون(1/497)
بالتأليف وَفِي نُسْخَة التَّكْلِيف وَمن وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة وَمن المصادرة على الْمَطْلُوب الأول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحد حدي النتيجة هُوَ الْأَوْسَط
مِثَاله كل إِنْسَان بشر
وكل بشر نَاطِق
فَكل إِنْسَان نَاطِق
وَمَا يَقع فِي قِيَاس وَاحِد هَكَذَا يكون ظَاهرا غير ملتبس
والخفي مِنْهَا هُوَ الَّذِي يَقع فِي أقيسة مركبة تَقْتَضِي تبَاعد النتيجة والمقدمة المتحدة بهَا
والفاضل الشَّارِح ذهب إِلَى أَن وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة والمصادرة على الْمَطْلُوب الأول من الأغلاط الَّتِي تتَعَلَّق بالمادة
وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْخلَل فيهمَا لَيْسَ لِأَنَّهُمَا يشتملان على حكم غير مُسلم بل لِأَن الْقيَاس الْمُشْتَمل عَلَيْهَا يتألف مَعَ النتيجة
إِمَّا من حُدُود أَكثر مِمَّا يجب وَهُوَ وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة
أَو من حُدُود أقل مِمَّا يجب وَهُوَ المصادرة على الْمَطْلُوب
فَإِن الْخلَل فيهمَا رَاجع إِلَى الصُّورَة دون الْمَادَّة وَلذَلِك جعلا من مبَاحث كتاب الْقيَاس
فَهَذِهِ هِيَ أَسبَاب الأغلاط الْمُتَعَلّقَة بالتأليف القياسي وَقد ظهر أَنَّهَا أَرْبَعَة
اثْنَان مِنْهَا متعلقان بِنَفس الْقيَاس وهما اختلال الصُّورَة والمادة ويشتركان فِي أَن الْخلَل فيهمَا سوء التَّأْلِيف
وَاثْنَانِ متعلقان بِحَال الْقيَاس والنتيجة مَعًا وهما وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة والمصادرة على الْمَطْلُوب
فَإِذن جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالتأليف القياسي ثَلَاثَة أَشْيَاء وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الشَّيْخ بقوله فَإِذا روعي صورته ثمَّ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَحْوَال مادته لم يَقع خطأ من قبل الْجَهْل بالتأليف وَمن وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة وَمن المصادرة على الْمَطْلُوب الأول
قَوْله(1/498)
2 - هَذَا وَأما إِن كَانَ وَفِي نُسْخَة وَإِمَّا أَن لَا يكون الْغَلَط فِي كَون الْقيَاس قِيَاسا وَاجِب الْقبُول لَكِن بِسَبَب وَفِي نُسْخَة القَوْل وَلَكِن لسَبَب فِي الْمُقدمَات مُقَدّمَة مُقَدّمَة وَفِي نُسْخَة مُقَدّمَة بِدُونِ تكْرَار فَإِنَّهُ قد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قد يَقع الْغَلَط بِسَبَب اشْتِرَاك فِي مَفْهُوم الْأَلْفَاظ على بساطتها أَو على تركيبها على مَا قد علمت
وَمن جُمْلَتهَا مثل مَا قد وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة قد يَقع بِسَبَب الِانْتِقَال من لفظ الْجَمِيع إِلَى لفظ كل وَاحِد وَبِالْعَكْسِ فَيجْعَل مَا يكون لكل وَاحِد كَائِنا للْكُلّ وَمَا يكون وَفِي نُسْخَة وَمَا يَجْعَل للْكُلّ كَائِنا لكل وَاحِد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
2 - أَقُول لما فرغ عَن بَيَان الْقسم الأول وَهُوَ أَن يكون سَبَب الْغَلَط رَاجعا إِلَى التَّأْلِيف خَتمه بقوله هَذَا أَي هَذَا قسم
وَبَدَأَ بالقسم الثَّانِي بقوله وَإِمَّا أَن لَا يكون الْغَلَط فلفظة أما هَذِه أُخْت الَّتِي فِي أول الْفَصْل فِي قَوْله الْغَلَط قد يَقع إِمَّا لسَبَب فِي الْقيَاس
وَهَذَا الْقسم هُوَ أَن يكون الْغَلَط لسَبَب فِي الْمُقدمَات أفرادا أَو فِي أَجْزَائِهَا الَّتِي هِيَ الْحُدُود وينقسم
إِلَى مَا يكون السَّبَب لفظيا
وَإِلَى مَا يكون معنويا
وَبَدَأَ بالقسم الأول وَهُوَ على مَا ذَكرْنَاهُ ينْحَصر فِي سِتَّة أَقسَام لِأَن الْغَلَط إِمَّا أَن يكون لاشتراك فِي جَوْهَر اللَّفْظ الْمُفْرد
أَو فِي هَيْئَة فِي نَفسه
أَو فِي هَيئته اللاحقة بِهِ من خَارج
أَو فِي التَّرْكِيب المتحمل لمعنيين
أَو فِي وجود التَّرْكِيب وَعَدَمه فيظن أَن الْمركب غير الْمركب أَو غير الْمركب مركبا
فَأَشَارَ إِلَى الْقسم الأول وَالرَّابِع وَهُوَ الِاشْتِرَاك فِي اللَّفْظ الْمُفْرد والمركب
بقوله(1/499)
وَلَا شكّ فِي أَن بَين الْكل وَبَين كل وَاحِد من الْأَجْزَاء فرقا وَرُبمَا كَانَ الِانْتِقَال على سَبِيل تَفْرِيق اللَّفْظ بِأَن يكون إِذا اجْتمع صَادِقا فيظن أَنه إِذا وَفِي نُسْخَة أَنه كَيفَ فرق كَانَ صَادِقا مثل من وَفِي نُسْخَة مَا يظنّ أَنه وَفِي نُسْخَة يظنّ من أَن إِذا صَحَّ أَن نقُول
كَانَ امْرُؤ الْقَيْس شَاعِرًا مُفردا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة مُفردا صَحَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنَّهُ يَقع الْغَلَط بِسَبَب اشْتِرَاك فِي مَفْهُوم الْأَلْفَاظ على بساطتها وعَلى تركيبها على مَا علمت أَي فِي النهج السَّادِس
وَأورد لذَلِك مِثَالا وَهُوَ
انْتِقَال الذِّهْن من أحد معنيي لفظ كل حالتي الْإِطْلَاق على الْجَمِيع وكل وَاحِد إِلَى الآخر وَهُوَ قَوْله وَمن جُمْلَتهَا مَا يَقع بِسَبَب الِانْتِقَال إِلَى قَوْله وَلَا شكّ فِي أَن بَين الْكل وَبَين كل وَاحِد من الْأَجْزَاء فرقا
وَهَذَا الْمِثَال هُوَ الِاشْتِرَاك فِي اللَّفْظ الْمُفْرد وَإِنَّمَا خصّه بالإيراد لِأَنَّهُ مَوضِع يلتبس على بعض أهل النّظر وسنحتاج إِلَيْهِ فِي النمط الْخَامِس
وَالْفرق أَن الْكل يَشْمَل الْآحَاد مَعًا وكل وَاحِد بِأخذ الْوَاحِد
فالواحد على سَبِيل الْبَدَل بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكون مَعَ الْمَأْخُوذ غَيره
وَالثَّانِي أَن لَا يبْقى وَاحِد غير مَأْخُوذ
وَأَشَارَ بقوله وَرُبمَا كَانَ الِانْتِقَال على سَبِيل تَفْرِيق اللَّفْظ بِأَن يكون إِذا اجْتمع صَادِقا فيظن أَنه إِذا فرق وَفِي بعض النّسخ كَيفَ فرق كَانَ صَادِقا إِلَى قَوْله وَإِنَّهَا فَرد
إِلَى الْقسم الْخَامِس
وَأورد مثالين
أَحدهمَا أَنا إِذا قُلْنَا إِن امْرُؤ الْقَيْس كَانَ شَاعِرًا وَصَحَّ فيظن أَنه يَصح قَوْلنَا(1/500)
إِن امْرأ الْقَيْس كَانَ مُفردا وَإِن امْرأ الْقَيْس الْمَيِّت شَاعِر مُفْرد
فَيحكم بِأَن الْمَيِّت شَاعِر
وَأَيْضًا أَنه إِذا صَحَّ أَن الْخَمْسَة زوج وفرد اجتماعا وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة اجتماعا صَحَّ وَفِي نُسْخَة يَصح أَنَّهَا زوج وَأَنَّهَا فَرد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
امْرُؤ الْقَيْس كَانَ وَقَوْلنَا امْرُؤ الْقَيْس شَاعِر
وَذَلِكَ لِأَن الْمَحْمُول هُوَ الأول هُوَ قَوْلنَا كَانَ شَاعِرًا على سَبِيل الِاجْتِمَاع فيظن أَنه يَصح حمل كل وَاحِد من لَفْظَة كَانَ وشاعرا عَلَيْهِ على سَبِيل الِانْفِرَاد
وَإِنَّمَا يَصح الأول لِأَن لَفْظَة كَانَ فِيهَا نَاقِصَة وَهِي جُزْء الْمَحْمُول وَالْمَجْمُوع قَضِيَّة دَالَّة على كَونه فِي الزَّمَان الْمَاضِي شَاعِرًا
وَلَا يَصح الثَّانِي لِأَن إِفْرَاد لَفْظَة كَانَ يدل على أَنَّهَا أخذت تَامَّة وَهِي الْمَحْمُول نَفسه فَكَأَنَّهُ يَقُول حصل امْرُؤ الْقَيْس
وَلَا يَصح الثَّالِث لِأَن حذف لَفْظَة كَانَ يدل عَلَيْهَا على أَنَّهَا أخذت رابطة لَا دلَالَة لَهَا إِلَّا على الارتباط الْمَحْض والمحمول هُوَ الشَّاعِر
وَحِينَئِذٍ الْفرق بَين قَوْلنَا كَانَ شَاعِرًا وَبَين قَوْلنَا هُوَ شَاعِر
على هَذَا التَّقْدِير
وَيلْزم مِنْهُ حمل الشَّاعِر على امْرِئ الْقَيْس الَّذِي لَيْسَ بموجود الْآن لِأَن الْمَيِّت لَا يُوجد أصلا فضلا عَن أَن يُوجد شَاعِرًا
والمثال الثَّانِي أَنا إِذا قُلْنَا الْخَمْسَة زوج وفرد وَصَحَّ فيظن أَنه يَصح قَوْلنَا الْخَمْسَة زوج الْخَمْسَة فَرد
على قِيَاس أَنا إِذا قُلْنَا الْعَسَل حُلْو وأصفر وَصَحَّ فَيصح قَوْلنَا
الْعَسَل حُلْو
الْعَسَل أصفر
وَأَشَارَ بقوله وَرُبمَا كَانَ الِانْتِقَال على الْعَكْس من هَذَا الْقسم الثَّالِث ويمثل بِأَن يظنّ أَنه إِذا قُلْنَا إِن امْرأ الْقَيْس شَاعِر جيد وَصَحَّ على تَقْدِير كَونهمَا وصفين متباينين صَحَّ أَيْضا على تَقْدِير كَونهمَا مَعًا وَصفا وَاحِدًا
ثمَّ قَالَ وَهَذَا أَيْضا لَا يُنَاسب مَا يكون الْغَلَط فِيهِ بِسَبَب الْمَعْنى من وَجه وَذَلِكَ الْوَجْه(1/501)
وَرُبمَا كَانَ الِانْتِقَال على الْعَكْس من هَذَا وَهُوَ أَنه إِذا صَحَّ أَن امْرأ الْقَيْس شَاعِر وَأَنه جيد
يَصح على الْإِطْلَاق وَكَيف شِئْت أَنه شَاعِر جيد أَي فِي الشاعرية
وَهَذَا أَيْضا يُنَاسب مَا يكون الْغَلَط فِيهِ بِسَبَب الْمَعْنى من وَجه وَلكنه وَفِي نُسْخَة وَلَكِن بشركة من القَوْل وَفِي نُسْخَة من اللَّفْظ بَدَلا من من القَوْل فَهَذِهِ مغالطات مُنَاسبَة للفظ
3 - وَقد يَقع الْغَلَط بِسَبَب الْمَعْنى الصّرْف مثل مَا يَقع بِسَبَب إِيهَام الْعَكْس
وبسبب أَخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هُوَ إغفال تَوَابِع الْحمل الَّذِي يَجِيء ذكره فِي الأغلاط المعنوية فَإِن الْجيد الْمُطلق إِذا حمل بدل الْجيد فِي الشاعرية وَقد أغفل مَا يتبع الْمَحْمُول وَكَانَ كحمل الْمَوْجُود الْمُطلق بدل الْمَوْجُود بِالْقُوَّةِ فِي الْمِثَال الْمَذْكُور لكنه يكون هَهُنَا بشركة اللَّفْظ وَذَلِكَ لِأَن الْغَلَط إِنَّمَا حدث من قَوْلنَا هُوَ شَاعِر جيد
وَلَيْسَ من شَرط تَوَابِع الْحمل أَن يحدث من تركيب لَفْظِي مُقَدّمَة
قَوْله وَهَذِه مغالطات مُنَاسبَة للفظ إِشَارَة إِلَى الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة إِلَّا أَنه لم يذكر من السِّتَّة إِلَّا أَرْبَعَة وسنشير إِلَى الثَّانِي وَالثَّالِث الباقيين مِنْهَا
قَوْله
3 - أَقُول يُرِيد بِهِ الْقسم الثَّانِي من الأغلاط الْمُتَعَلّقَة بأفراد الْمُقدمَات وَهُوَ الَّذِي يكون السَّبَب معنويا
فَقَوله وَقد يَقع الْغَلَط بِسَبَب الْمَعْنى عطف على قَوْله فَإِنَّهُ يَقع الْغَلَط بِسَبَب اشْتِرَاك فِي مَفْهُوم الْأَلْفَاظ
وَاعْلَم أَن الأغلاط المعنوية لَا يتَصَوَّر أَن تقع فِي الْحُدُود الَّتِي هِيَ الْمُفْردَات كَمَا مر فِي صدر الْكتاب فَإِذن هِيَ إِنَّمَا تقع فِي التَّأْلِيف
والتأليف يكون(1/502)
وبأخذ اللَّاحِق للشَّيْء وَفِي نُسْخَة لَاحق الشَّيْء مَكَان الشَّيْء
وبأخذ مَا بِالْقُوَّةِ مَكَان مَا بِالْفِعْلِ
وبإغفال وَفِي نُسْخَة وبسبب إغفال تَوَابِع الْحمل الْمَذْكُور
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إِمَّا فِي القضايا أَنْفسهَا
أَو يكون بَين القضايا
وَالَّذِي بَين القضايا فَهُوَ
إِمَّا قياسي
وَإِمَّا غير قياسي
والواقعة فِي التَّأْلِيف القياسي قد مر ذكرهَا
أما الَّتِي تقع فِي القضايا أَنْفسهَا وَهِي الْمُتَعَلّقَة بالمقدمات فَهِيَ الَّتِي يُرِيد أَن يذكر هَهُنَا وَهِي ثَلَاثَة لَا غير لِأَن التَّأْلِيف يَقع
إِمَّا بَين جزأين يسْتَحق أَحدهمَا لِأَن يحكم عَلَيْهِ وَالْآخر لِأَن يحكم بِهِ
وَإِمَّا بَين جزأين لَا يستحقان لذَلِك
والغلط فِي الأول وَلَا يتَصَوَّر إِلَّا أَن يكون التَّرْتِيب غير صَحِيح بِأَن جعل الْمَحْكُوم عَلَيْهِ مَحْكُومًا بِهِ والمحكوم بِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَالسَّبَب فِي ذَلِك إِيهَام الْعَكْس
وَأما الثَّانِي فَلَا يَخْلُو
إِمَّا أَن يكون الْمَأْخُوذ فِيهَا بدل مَا يسْتَحق لِأَن يكون جُزْءا من الْقَضِيَّة شَيْئا من معروضاته أَو عوارضه
أَو لَا يكون كَذَلِك بل شَيْئا مشابها لَهُ
أَو على وَجه آخر غير الْوَجْه الَّذِي يجب
وَالْأول هُوَ أَخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ وَذَلِكَ لِأَن الحكم يتَعَلَّق بِالذَّاتِ بِمَا يسْتَحق لِأَن يكون جُزْءا من الْقَضِيَّة وبالعرض لمعروضاته وعوارضه
وَالثَّانِي هُوَ سوء اعْتِبَار الْحمل فَإِن الْحمل لَا يكون فِيهَا كَمَا يَنْبَغِي مُطلقًا
وَقد بَقِي من أَسبَاب الْغَلَط قسم وَاحِد وَهُوَ الْوَاقِع بَين قضايا لَا يتألف مِنْهَا قِيَاس(1/503)
وَفِي نُسْخَة الْجمل الْمَذْكُورَة
وَقد عرفت ذَلِك
4 - فنجد أَصْنَاف وَفِي نُسْخَة أَسبَاب المغالطات منحصرة فِي اشْتِرَاك اللَّفْظ مُفردا أَو مركبا فِي جوهره أَو وَفِي نُسْخَة وَفِي هَيئته وتصريفه
وَفِي تَفْصِيل الْمركب وتركيب الْمفصل وَمن جِهَة الْمَعْنى فِي إِيهَام الْعَكْس
وَأخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ وَأخذ اللَّاحِق للشَّيْء وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة للشَّيْء وإغفال تَوَابِع الْحمل وَوضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة والمصادرة على الْمَطْلُوب الأول وتحريف الْقيَاس وَهُوَ الْجَهْل بقياسيته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَهُوَ الْمُسَمّى جمع الْمسَائِل فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَلم يذكرهُ الشَّيْخ لِأَنَّهُ غير مُتَعَلق بِالْقِيَاسِ
ونعود إِلَى الشَّرْح فَنَقُول
قد ذكر الشَّيْخ فِي الْغَلَط الْمَعْنَوِيّ الصّرْف خَمْسَة أَشْيَاء
إِيهَام الْعَكْس
وَأخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ وهما القسمان الْمَذْكُورَان من الثَّلَاثَة
وَالثَّالِث أَخذ اللَّاحِق للشَّيْء مَكَانَهُ وَهُوَ من بَاب أَخذ مَا بِالْعرضِ مَكَان مَا بِالذَّاتِ كَمَا مر فِي النهج السَّادِس
وَالرَّابِع أَخذ مَا بِالْقُوَّةِ مَكَان مَا بِالْفِعْلِ وَعَكسه يجْرِي مجْرَاه
وَالْخَامِس إغفال تَوَابِع الْحمل وَهِي الْأُمُور الْمُتَعَلّقَة بالمحمول كَمَا مر وب الرابطة والجهة والسور وَغير ذَلِك مِمَّا يُغير أَحْوَال الحكم فِي الْقَضِيَّة
وَهَذَانِ القسمان من جملَة سوء اعْتِبَار الْحمل وَإِنَّمَا أوردهُ الشَّيْخ هَكَذَا لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْمُخْتَصر لم يتَعَرَّض لبَيَان الْحصْر على مَا فِي سَائِر كتبه
قَوْله
4 - أَقُول لما ذكر أَسبَاب الْغَلَط عَاد إِلَى عدهَا ليسهل الضَّبْط فَأَشَارَ هَهُنَا إِلَى الْقسم الثَّانِي من اللفظية الَّتِي لم يذكرهَا فِيمَا مضى بقوله أَو هَيئته وتصريفه وَلم يذكر فِي المعنوية قسما مِمَّا ذكره فِيمَا مر وَهُوَ أَخذ مَا بِالْقُوَّةِ مَكَان مَا بِالْفِعْلِ(1/504)
5 - وَإِن شِئْت فَأدْخل اشْتِبَاه الْإِعْرَاب وَالْبناء واشتباه الشكل والإعجام فِي بَاب وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة بَاب المغالطات اللفظية
وَمن الْتفت لفت الْمَعْنى وهجر مَا يخيله اللَّفْظ ثمَّ رَاعى فِي أَلْفَاظ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ كلمة أَلْفَاظ أَجزَاء الْقيَاس مَعَاني لَا ألفاظا وَفِي نُسْخَة أَلْفَاظ بدل ألفاظا وراعاها بتوابعها وَلم يخل بهَا فِيمَا يتَكَرَّر فِي المقدمتين أَو يتَكَرَّر فِي المقدمتين والنتيجة وراعى شكل الْقيَاس فِيهِ وَفِي نُسْخَة بِدُونِ عبارَة فِيهِ وَعلم وَفِي نُسْخَة ثمَّ علم أَصْنَاف القضايا الَّتِي عددناها ثمَّ عرض ذَلِك على نَفسه عرض الحاسب مَا يعقده على نَفسه معاودا ومراجعا فغلط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وَذَلِكَ أَيْضا مِمَّا يدل على أَنه لَا يتَعَرَّض لبَيَان الْحصْر
قَوْله
5 - أَقُول الْتفت لفته أَي نظر إِلَيْهِ يُرِيد أَن من عرف الْأُصُول الْمَذْكُورَة وَحكمهَا أَمن من الْغَلَط فَإِن سَبَب الْغَلَط بالإجمال هُوَ إهمال بعض شَرَائِط الصِّحَّة
ووازن بَين شَرَائِط الصِّحَّة وَأَسْبَاب الْغَلَط بقول ملخص وَهُوَ أَنه إِذا لاحظ الْمَعْنى وهجر مَا يخيله اللَّفْظ أَي الْأَلْفَاظ الذهنية وَمَا ترسخ من أحوالها فِي الخيال
وَبِالْجُمْلَةِ إِذا ترك اعْتِبَار اللَّفْظ وَوُجُود الْمَعْنى خَالِيا عَن الشوائب اللفظية أَمن من الأغلاط اللفظية
وَإِذا رَاعى أَجزَاء الْقيَاس مفصلة بتوابعها أَمن من الأغلاط الْمُتَعَلّقَة بالمقدمات وَإِذا لم يخل بتكرار الْحُدُود فِي المقدمتين والنتيجة أَمن وَمن وضع مَا لَيْسَ بعلة عِلّة وَمن المصادرة على الْمَطْلُوب
وَإِذا رَاعى شَرَائِط الْقيَاس أَمن من الْغَلَط الْمُتَعَلّق بصورته
وَإِذا عرف أَن الْمُقدمَات من أَي الْأَصْنَاف الْمَذْكُورَة فِي النهج السَّادِس وراعى شرائطها أَمن من الْغَلَط الْمُتَعَلّق بمادته(1/505)
فَهُوَ أهل لِأَن يهجر الْحِكْمَة وتعلمها فَكل وَفِي نُسْخَة وَلَك ميسر لما خلق لَهُ
أسأَل الله تَعَالَى الْعِصْمَة والتوفيق وَالْحَمْد لله وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَفِي نُسْخَة بِزِيَادَة وَله الْحَمد وَحده وَالصَّلَاة على مُحَمَّد النَّبِي وَآله الطاهرين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثمَّ إِن من غلط بعد رِعَايَة هَذِه الشُّرُوط وتكرار المعاودة إِلَى تفقد كل وَاحِد مِنْهَا فَهُوَ لَيْسَ بمستعد لإدراك الْعُلُوم النظرية وتعلمها وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب
انْتهى القَوْل فِي الْمنطق بعون الله وتوفيقه(1/506)