بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله حمد الشاكرين، ونصلّي على محمّد وآله الطاهرين.
وبعد - فإنا أردنا أن نجرّد أصول المنطق ومسائله على الترتيب، ونكسوها حليتي الايجاز والتهذيب؛ تجريداً يتيسّر للحافظ تكرارها، ولا يتعسّر على الضابط تذكرها؛ فجعلنا تلك الأصول مرتّبة في تسعة فصول:
الفصل الأول
في مدخل هذا العلم
اللفظ يدّل على تمام معناه بالمطابقة دلالة " الإنسان " على " الحيوان الناطق " ، وعلى جزئه بالتضمّن دلالته على بعض أجزائه، وعلى ملزومه خارجاً عنه بالالتزام دلالة الضاحك عليه.
التواطي والتشكيك والاشتراك
والواحد من الألفاظ يدل على معناه الواحد الموجود في الكثرة على السواء بالتواطي - كالإنسان " على أشخاصه - أولاً على السواء بالتشكيك - كالموجود " على الجوهر وقسيمه - ويدل على معانيها المختلفة بالاشتراك كالمتن " على معانيها - سواء عمّها الوضع اتفاقاً، أو خصّ بعضها ثم أُلحق الباقي به بسبب من شبه ونقل.
الترادف والتباين
والألفاظ الكثيرة تدل على معناها الواحد بالترادف، كالإنسان " و " البشر " على معناهما. وعلى معانيها المتكثرة معها بالتباين، كالإنسان " و " الفرس " على معنييهما.
المفرد والمركّب
واللفظ الذي لم يجعل لأجزائه فيه دلالة أصلاً فهو مفرد كالإنسان " ، والذي جعلت أجزائه دالة على أجزاء المعنى فهو مركّب كالحيوان الناطق " ويسمّى قولاً.
الاسم والفعل والحرف
وينقسم إلى تامّ وناقص، لأن من المفرد ما يتم دلالته بنفسه ومنه ما لا يتمّ. والأول إن تجرّد عن الوقوع في أحد الأزمنة الثلاثة اللاحقة به بحسب التصاريف فهو اسم، وإلاّ فهو فعل ويسمّى كلمة، والثاني حرف ويسمّى أداة.
الجزئي والكلي
والمانع مفهومه من وقع الشركة فيه جزئي كزيد " المشار اليه، وغير المانع كلّي كالإنسان " وأن لم يقع فيه شركة كالشمس " و " العنقاء " .
حمل المواطاة " هوهو " والاشتقاق " ذوهو "
الموصف الواحد - كالإنسان - وصفاته - كالضاحك والكاتب - إذا جعل بعضها مقولاً على بعض كيف أتفق كقولنا: " الإنسان ضاحك " مثلاً فالإنسان " موضوع و " الضاحك " المقول عليه محمول وذلك بالمواطاة، وأما الضحك فمحمول عليه أيضاً ولكن بالاشتقاق.
الأعم يحمل على الأخصّ دون العكس
وكلّ أعمّ من حيث المفهوم فهو بالطبع محمول على ما هو أخصّ منه كالضاحك " و " الحيوان " على " الإنسان " وأما بالعكس فليس كذلك.
حمل الذاتي والعرضي
وكل محمول بالمواطاة وبالطبع فأما ذاتي لموضوعه وأما عرضي له.
الذاتي
والذاتي ما يقوّم ذاته غير خارج عنه كالحيون أو الناطق للإنسان، وكالإنسان لزيد؛ وهو غير ما يقوّم وجوده.
العرضي وأقسامه
والعرضي ما يلحقه بعد تقوّمه بالذاتيات، إمّا لازماً بّيناً كذي الزوايا " للمثلث، أو غير بيّن يلحقه بتوسّط غيره كتساوي الزوايا لقائمتين " له، وإمّا مفارقاً بطيئاً كالشباب لزيد، أو سريعاً كالقائم له.
ما يقال في جواب " ما هو "
والمسؤول عنه " ما هو " له ماهيّة هي هي بجميع ذاتياتها التي يشاركها غيرها فيها، والتي يختص بها. فيجب أن يجاب بهما.
الجنس والنوع
فإن سئل بما هو " عن جزئّيات تكثّرت بالعدد فقط كزيد وعمرو " - معاً أو فرادى - فلتُجب حالتي الشركة والخصوصيّة بالحقيقة المتفقة فيها وهي " الإنسان " ؛ وان سئل عمّا يختلف حقائقها كالإنسان والثور " - معاً - فليُجب بكمال ما يشترك فيه وحده، وهو " الحيوان " وان خصّ واحد منهما بالسؤال كالإنسان " فليُضمّ إلى ذلك ما يختصّ به أيضاً كالناطق " ويكون الجواب في الحالتين مختلفا.
وأعمهما - أعني ما يقال على مختلفات الحقائق في جواب " ماهو؟ " بالشركة - هو الجنس لكل واحد منها؛ وهي أنواعه.
جنس الأجناس
وقد تتصاعد الأجناس إلى ما لا نوع تحته، بل يليه الأشخاص، وهو نوع الأنواع.
النوع الإضافي
وكلّ من المتوسّط جنس لما تحته، نوع لما فوقه.
النوع الحقيقي
وما يقال في جواب " ماهو؟ " على ما يتكثر بالعدد فقط نوع لتلك المتكثرة ولكن بمعنى آخر.
الفصل
والذي يقال في جواب " أيّما هو في جوهره " أعني خصوصية كل نوع فهو فصل مقوّم لذلك النوع ولما تحته، مقسم لجنسه ولما فوقه.
الكليّات الذاتية
فالكليات الذاتية: جنس أو فصل أو نوع.
الكليّات العرضية(1/1)
والعرّضية أن عرضت نوعاً واحداً فقط - سواء ساوته أو اختصّت ببعضه - فهي خاصّة، وإن شملته وغيره فهي عرض عام. وهذه هي الخمسة.
الفصل الثاني
في المقولات
من الأجناس العالية الجوهر
وهو " موجود لا في موضوع " والموضوع: محلّ يوجد متقوماً دون ما يحل فيه.
العرض والصورة
والحلّ فيه العرض؛ كما أن المادة محل يتقوّم بما يحلّ فيه، والحالّ فيها الصورة.
أقسام الجواهر
فالصورة والمادة والجسم المركب منهما جواهر وكذلك المفارقات - أعني العقل والنفس.
الكمّ
ومنها الكمّ وهو ما لذاته يقبل المساواة واللامساواة بالتطبيق.
أقسام الكمّ
وينقسم إلى متصل قار - وهو الخط والسطح والجسم - أو غير قارّ - وهو الزمان؛ وإلى منفصل وهو العدد، والثلاثة الأُل تختصّ بالوضع دون الأخيرين.
الكيف
ومنها الكيف، وهو هيئة قارّة لا تقتضي قسمة ولا نسبة.
وقد يتضادّ ويشتدّ ويضعف.
أسام الكيف
فمنه ما يختصّ بالكميات كالاستقامة والشكل والزوجيّة، ومنه الانفعالّيات والانفعالات وهي المحسوسات كحمرة الدم والخجل، ومنه الملكة والحال ويختص بذوات الأنفس كصحّة المصحاح وغضب الحليم، ومنه القوة واللاقوة كالمصاحية والصلابة وما يقابلهما.
المضاف
ومنها الضاف وهو ما يُعقل بالقياس إلى غيره ولا وجود له سوى ذلك، كالابوة والبنوة، وقد يعرض للمقولات جميعاً.
الوضع
ومنها الوضع والنسبة وهو هيئة للجسم يعرض من نسبة بعض أجزائه إلى بعض لوقوعها في الجهات كالقيام والانتكاس.
الأين
ومنها الأين وهو كون الشيء في مكانه كالماء في الكوز.
مَتى
ومنها متى، وهو كون الشيء في زمانه كقيام زيد الساعة.
الملك
ومنها الملك والجِدة ولَه، وهو التملك للشيء. وقيل: كون الشيء مشمولاًبما ينتقل بانتقاله كالتلبس والتختم.
أن يفعل وأن ينفعل
ومنها أن يفعل وأن ينفعل، وهما هيئتان غير قارّين تعرضان للمؤثر والمتأثر حال التأثير والتأثر، كالاحتراق في النار والحطّب.
المقولات العشر
وهذه هي المقولات العشرة، وكون التسعة عرضاً عرضيّ لها.
المتقابلان
والمتقابلان شيئان يمتنع تعلّقهما معاً بموضوع واحد ينسبان إليه من جهة واحدة، ويعقل أو يوجد أحدهما بازاء الآخر أو في غاية البعد من الآخر.
أقسام التقابل
وأقسام التقابل أربعة: أولهما: الإيجاب والسلب كقولنا: " فرس، ولا فرس " ؛ أو " زيد كاتب، زيد ليس بكاتب " وهو بحسب القول.
وثانيها: التضايف - وقد مرّ ذكره. وثالثه: التضادّ، ورابعها: الملكة والعدم.
الضدّان
والمشهور إن " الضدين " أمران ينسبان إلى موضوع ولا يمكن أن يجتمعا فيه، كالذكورة والأنوثة، والتحقيق يقتضي كونهما موجودين - في غاية التخالف - تحت جنس قريب يصحّ منهما أن يتعاقبا على موضوع أو يرتفعا عنه، كالسواد والبياض.
الملكة
وأما الملكة فالمشهور " أنها ما يوجد في موضوع وقتاً مّا، ويمكن أن ينعدم عنه ولا يوجد بعده " كالإبصار؛ والعدم: " انعدامها عنه في وقت إمكانها " كالعمى.
والتحقيق يقتضي أنها ما ينسب إلى موضوع يكون طبيعة ذلك الموضوع الشخصيّة أو النوعيّة أو الجنسيّة قابلة له كالزوجيّة عدمها بالنسبة إلى قابلها كالفرديّة.
وظاهر أن حكم هذين القسمين في العموم بحسب الاعتبارين متعاكس.
أقسام التقدم والتأخر
والمتقدّم والمتأخّر قد يكونان بالزمان كالأب وإبنه، أو بالذات كالعلّة ومعلولها؛ أو بالطبع كالواحد والاثنين، أو بالوضع كالصف الأول والثاني، أو بالشرف كالمعلّم ومتعلّمه، وكذلك المعية. وما في هذا الفصل لا يتعلّق بهذا العلم ولكنّه يفيد فيه.
الفصل الثالث
في القضايا وأحوالها
الدلالة
وجود الشيء في الكتابة بحسب الأغلب يدلّ على وجوده في العبارة، وهو دائماً يدلّ على وجوده في الأذهان - وهما بالوضع - وهو على الذي في الأعيان، - وهو بالطبع - والأطراف بتوسط الأوساط.
التقييدي
الأقاويل أنواع: منها التقييدي وهو في قوة المفردات، كالحيوان الناطق " فهو بمنزلة " الإنسان " .
القول الخبري(1/2)
ومنها الخبري، وهو الذي يعرض له ذاته أن يكون صادقاً أو كاذباً ويسمّى قولاً جازماً وقضيّة، وهما أخصّ بالعلوم، وسائر الأنواع - كالاستفهام والأمر والتعجب وغيرها - أخصّ بالمحاورات.
أجزاء القضيّة
وكل قضيّة تشتمل على جزئين: ما يحكم عليه وما يحكم به.
والتأليف الأول يكون من مفردات تامّ الدلالة، وجزئاه: موضوع هو اسم محالة، ومحمول تربط به رابطة ربّما لا يتلفظ بها وتكون القضية ثنائية - كقولنا: زيد كاتب - يتلفّظ فتصير ثلاثية - كقولنا: زيد هو كاتب. وفي الفارسية لا بدّ منها وهي لفظ " است " بلغتهم.
القضيّة الحمليّة وأقسامها
والمؤلفة هذا التأليف حمليّة؛ إمّا موجبة يحكم فيها بكون المحمول مقولاً على ما يقال عليه الموضوع - سواء وضع ذات وحدها أو مع صفة - كقولنا: " الإنسان - أو الضاحك - كاتب " . أو سالبة: كقولنا: " الإنسان - أو الضاحك - ليس بكاتب " .
القضيّة الشرطيّة وأقسامها
والتأليف الثاني يكون من القضايا، والمؤلفّة منها شرطية، يسمّم جزئيها مقدماً وتالياً.
وهو أمّا بمصاحبة ويسمّى متصلة، كقولنا في الإيجاب: " إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود " ، وفي السلب: " ليس إن طلعت الشمس فالخفّاش ببصير " ؛ أو بمعاندة ويسمّى منفصلة، كقولنا في الإيجاب: " العدد إمّا زوج وإمّا فرد " وفي السلب: " ليس العدد إمّا زوجاً أو منقسماً بمتساويين " ورابطتهما أدوات الشرط والجزاء والعناد.
أقسام القضيّة الشرطيّة بحسب التركيب
وقد تتألف الشرطيّة من الحمليّات و الشرطيّات مرّة بعد أخرى.
مناط الصدق في القضايا الشرطية
وهذا التأليف يخرج أجزاءها عن أن يكون قضايا، فيصير الإيجاب والصدق ومقابلاهما متعلّقة بالربط ولا يلتفت فيها إلى أحوال أجزاءها.
أقسام المتصلة
ومن المتصلة لزوميّة، كقولنا: " إن كان زيد يكتب فهو يتحرّك يده " . ومنها اتفاقية، كقولنا: " إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق " .
تركيب المتصلة اللزومية
والكاذب يستلزم الكاذب أو الصادق، والصادق لا يستلزم الكاذب، وقس الممكن والمحال عليهما.
تركيب المتصلة الاتفاقية
ولا اتفاقيّة الاّ عن صادقين.
أقسام المنفصلة
ومن المنفصلة حقيقية تمنع الجمع والخلّو - كما مرّ - وتتألف عمّا في قوة طرفي النقيض.
ومنها ما يمنع الجمع فقط كقولنا: " هذا الشخص امّا حجر أو شجر " ويحدث من تخصيص أحد الطرفين.
أو يمنع الخلّو فقط، كقولنا: " زيد إمّا في الماء وإمّا غير غريق " ويحدث من تعميمه.
وكل واحد من الأخيرين إن آخذ شاملاً للحقيقيّة كان بسيطاً والاّ فمركّب.
تلازم الشرطيّات
ويتلازم كل متّصلين مقدمهما واحد وتاليهما طرفا النقيض، وهما مختلفتان بالإيجاب والسلب.
ويشترط في اللزومية تعلق الإيجاب والسلب باللزوم، وفي السالبة الاتفاقية صدق المقدم. ويلزم المتصلة اللزومية متصلة من نقيضي تاليها ومقدّمها.
ومنفصلتان مانعة الجمع من عين المقدّم ونقيض التالي، ومانعة الخلّو بالضدّ منهما.
والمنفصلة متّصلة تتألف من عين أحد الجزئين ونقيض الآخر.
تركيب القضيّة المنفصلة
وأجزاء المنفصلة قد تزيد على اثنين.
القضيّة المعدولة
وإذا تركّبت أداة السلب مع لفظ محصّل صيّرته معدولاً، كقولنا: " لا إنسان " فإذا جعل جزء قضيّة - وخصوصاً محمولها - صارت معدولة، فتقارب السالبة، إلاّ أن السلب في احديهما داخل على الرابطة رافع للإيجاب وفي الأخرى بخلافه.
القضيّة السالبة أعم من المعدولة
وأيضاً السالبة أعمّ من معدولة المحمول، فإنها تصدق على غير الثابت إذا آخذ من حيث هو غير ثابت - بخلاف المعدولية، فإنها موجبة والإيجاب يقتضي ثبوت شيء حتى يثبت له شيء أما في الموضوع الذي لا يؤخذ غير ثابت - فهما متلازمان.
تكثر الحكم بتكثر القضيّة
وكثرة الأجزاء تكثر القضيّة إذا تكثّر الحكم، ولا تكثّر إذا لم يتكثّر.
القضيّة الشخصيّة والمهملة والكلية والجزئية
وموضوع الحملية إن كان جزئياً كانت القضيّة شخصيّة وسميّت " مخصوصة " - كقولنا: " زيد كاتب " أو " ليس بكاتب " - وإن كلياً ولم يتعرّض لعموم الحكم وخصوصه سميّت " مهملة " - كقولنا: " الإنسان كاتب " أو " ليس بكاتب " .(1/3)
وإن تعرّض سميّت " محصورة " و " مسوّرة " ، فإن تناول الحكم كل واحد من أشخاصه الموجودة والمفروض وجودها مما لا يمتنع أن يتّصف به سميّت " كليّة " كقولنا: " كل إنسان " أو " لا شيء من الإنسان " ، وإن اختصّ ببعض غير معيّن سميّت " جزئية " كقولنا: " بعض الناس " و " ليس بعضهم " و " ليس كلّهم " - فإن سلب العموم وإن احتمل عموم السلب لكنه يستلزم خصوصه قطعاً، وكذلك صيغة الخصوص فإنها وإن احتمل معها صدق العموم وكذبه لكنها دلّت على الخصوص فقط.
القضايا المعتدة بها في العموم
وأيضاً الاهمال وإن احتمل العموم لكنه يستلزم الخصوص، فالمهملة في قوة الجزئية، والشخصيّات ساقطة في العلوم، فإذن القضايا المعتدة بها أربع.
الشخصية والمهملة والجزئية والكلية في الشرطيات
وشخصيّة الشرطيّات يتخصّص حكمها بالأحوال أو الأوقات المعيّنة كقولنا: " إن كان زيد اليوم ذاهباً فهو ملاق غريمه " أو " الساعة أمّا كذا وأمّا كذا " .
وكليّتها صدقه في جميعها بشرط أن لا يكون لها أثر في الاستصحاب أو العناد، كقولنا: " كلمّا كان " و " ليس البتّة إذا كان " أو " دائماً إمّا " و " ليس البتّة إمّا " .
وجزئيتها صدقه في بعضها، كقولنا: " قد يكون " و " قد لا يكون إذا كان " أو " أمّا أن يكون وإما أن لا يكون " ، وإهمالها إهماله.
السور
والأداة الحاصرة ككل " و " بعض " تسمّى سوراً، وكليّة الحكم وجزئيتّه كميّته، وإيجابه وسلبه كيفيّته.
القضيّة المنحرفة
والحمليّة التي ترتب السور مع محمولها تسمى منحرفة.
القضيّة الشرطيّة المنحرفة
والشرطيّة التي تنحرف عن صيغتها - كقولنا: " لا يكون كذا " أو يكون كذا منحرفة.
الكلام في مواد القضايا وجهاتها
لكل محمول إلى كلّ موضوع نسبة أما بالوجوب، أو بالإمكان، أو بالامتناع، كما في قولنا: الإنسان حيوان، أو كاتب، أو: حجر. فتلك النسبة في نفس الأمر مادة، وما يتلفظ به منها أو يفهم من القضية وإن لم يتلفظ بالنسبة جهة.
القضيّة المطلقة
والموجّهة رباعية والخالية عن ذكرها مطلقة.
أصول الجهات
ثمّ الوجوب والامتناع يشتركان في ضرورة الحكم، ويفترقان بانتسابهما إلى الإيجاب والسلب.
فالقضية إمّا ضرورية وإمّا ممكنة وأمّا مطلقة.
الإمكان العامّ والخاص
والإمكان المقابل لكلّ من الضرورتين شامل للأخرى، ولذلك يقيّد بالعام، والذي يتخلّى عنهما معاً بالخاص، وهو مركب من الامكانين.
المطلقة العامة
والمطلقة تقتضي ثبوت الحكم بالفعل في أحد الجانبين فقط، وتشمل الدائم وغير الدائم، وتتخلى عن الدائم المقابل فقط فهي عامّة.
الوجودية اللادائمة
وما تخلّى عن الدائمتين معاً أخصّ، ويسمّى وجوديّة، وهو مركب من الاطلاقين.
نسبة الممكنة إلى المطلقة
وإذا نسب إلى الإطلاق كان الإطلاق أخصّ، لأنه لا يتناول الحكم بالقوة، ويتناوله الإمكان.
نسبة الدائمة والضرورية
فالدائم أعمّ من الضروري، لأن مقابل الأخصّ أعمّ من مقابل الأعمّ، ولعلّها في الكليات يجريان مجرى واحداً.
الوصفيّة
وهذه النسب إذا لم تقيّد كان الحكم بها على ذات الموضوع، فإن قيّدت بصفة يوضع للحمل مع الذات - كما قولنا: " الكاتب كذا عند كونه كاتباً " - صارت وصفيّة.
العرفية العامّة
والدائمة الوصفيّة تسمّى عرفية، لأن الإطلاق المتعارف في العلوم في بعض اللغات لا سيمّا في السلب - هو هي.
المشروطة
والضرورية الوصفية تسمّى مشروطة، وتكون أخصّ من العرفيّة كما عرفت.
الوقتيّة والمنتشرة
وإن قيّدت بوقت بعينه صارت وقتية، أولا بعينه فصارت منتشرة.
المطلقة العامة الوقتية
والتقييد بوقت من غير ضرورة ولا إمكان بحيث لا ينافي الدائمة ولا الضرورية ولا مقابلتيهما إطلاق عامّ وقتيّ، والشرط فيه أن لا يكون للوقت أجزاء فالمطلقة الوقتيّة في الجانبين تتقابلان.
المطلقة المنتشرة كالمطلقة العامّة
وأمّا المطلقة المنتشرة فكالعامة، وحكمها قريب من حكمها.
العرفية أعم من الدائمة(1/4)
وإذا قيست الدائمة إلى العرفيّة وجدت العرفيّة أعمّ، لأنّ ما يدوم مع الذات يدوم مع جميع أوصافها الثابتة والزائلة ولا ينعكس، فإنّ التغيير الدائم بدوام الحركة في قولنا: " المتحرك متغيّر " قد يدوم مع الذات - كما في الفلك - وقد لا يدوم - كما في الحجر - فالعرفيّة أعمّ من الدائمة، ومقابلتها أخصّ من مقابلة الدائمة.
المشروطة أعمّ من الضرورية
وقس عليهما الضرورية والمشروطة.
تقسيم القضايا بوجه آخر
ذهب قوم إلى أن قسمة القضايا بالمطلقة والضرورية والممكنة مانعة الجمع الخلّو، فخصّوا المطلقة باللاضروريّة لتنقسم الفعلية إليهما - وهي مطلقة خاصّة - والوجوديّة أخصّ منها، وتدخل فيها الضروريّات المقيّدة - وخصّوا الممكنة بما بالقوة فقط، فإن الخروج إلى الفعل يكون لضرورة ما، وليقيّد بالأخصّ، وربما يقيّد بالاستقباليّة لأن الواقع في سائر الأزمنة يكون لا محالة فعلياً.
المشروطة والعرفية العامتين والخاصّتين
ولما كانت المطلقة في العلوم هي العرفيّة ركبوها بمثل هذا الاعتبار باللادائمة، وكذلك المشروطة، وكان من الواجب تركيبهما باللاضرورية، وسمّوا البسيطتين بالعامتين والمركبتين بالخاصّتين.
والتركيبات الممكنة - غير ما ذكرنا - كثيرة واعتبارها قليلة الجدوى، فلنقتصر على الأهمّ.
الجهات في القضايا الشرطية
وأما الشرطيات فليس لها دون اللزوم والاتفاق وأقسام العناد جهات يفيد اعتبارها.
الكلام في التناقض وما يجري مجراه
اتفاق القضيتيّن اتحادهما في كل واحد من جزئيهما وفيما يلحقهما - من الإضافة، والشرط، والزمان، والمكان، والكل والجزء، والفعل والقوة - حتى يكون كل واحدة منهما كأنها هي بعينها نظيرتها وحالها تلك الحال.
التقابل والتداخل، والتضاد والتناقض
والمتفقتّان المختلفتان في الكمّ فقط متداخلتان، وفي الكيف متقابلتان، وهما إن لم تجتمعا على الصدق فقط فمتضادتان، وإن اقتسمتا لذاتيهما فمتناقضتان.
تناقض القضايا الشخصيّة
وتناقض الشخصيّات تقابلهما، ولا تضادّ ولا تداخل فيها.
؟النسبة بين القضايا المحصورات
وأمّا في المحصورات فالمتوقفتان في الكيف متداخلتان والكليّتان متضادّتان والجزئيتان داخلتان تحت التضادّ ولا تجتمعان على الكذب، والمختلفتان كيفاً وكمّاً متناقضتان، والمهملتان كالجزئيتين. ولنعتبر الجميع في المواد
نقائض الموجّهات
وأما الموجّهات فنقائضها ما يشتمل على سلب جهاتها أو يقتضي ذلك على سبيل المساوات، فالضرورية المطلقة مع الممكنة العامة متناقضتان وكذلك الدائمة مع المطلقة العامة. والمشروطة العامة مع الممكنة العامة الوصفيّة. والعرفية العامة مع المطلقة العامة الوصفيّة.
والضرورية الوقتية أو المنتشرة مع ممكنة عامة مقيّدة بذلك الوقت في الأولى، وبالدوام في الثانية. والمطلقة الوقتية مع نفسها.
نقائض المركّبات
وتصدق ضرورة الطرفين على سبيل منع الخلوّ في نقيض الممكنة الخاصة. ودوامها كذلك في نقيض الوجودية.
والضرورية الموافقة مع الدائمة المخالفة كذلك في نقيض المطلقة الخاصة.
والدائمة الموافقة مع المطلقة العامة الوصفيّة المخالفة في نقيض العرفيّة الخاصّة.
ومع ممكنة مثلها في نقيض المشروط الخاصّة وقس عليها سائرها.
نقائض الشرطيات
وأمّا في الشرطيات فيعتبر بعد الاختلاف كيفاً وكمّاً أن تكون السالبة في اللزوميّة سالبة اللزوم، وفي الاتفاقية سالبة الاتفاق، وفي العنادية الحقيقية السالبة التي يصدق معها إمكان الجمع والخلوّ بالإكان العام على سبيل منع الخلوّ - دون الجمع - .
وفي مانعة الجمع ومانعة الخلوّ البسيطتين - أعني الشاملتين للحقيقيّة إمكانهما العام فقط.
وفي المركّبتين أعني اللتين لا يشملانها أما ذلك الإمكان، وأما منع الآخر على سبيل منع الخلوّ - دون الجمع أيضاً.
الكلام في العكس
عكس القضية قضية أقيم فيها كل من جزئي الأول - التي هي الأصل - مقام الآخر،أو مقابل كل منهما بالسلب والإيجاب مقام الآخر - بشرط بقاء الكيفية والصدق وإن كان فرضاً بحالهما. ولا يشترط فيه بقاء الكمية والجهة والكذب.
فالأول هو العكس المستوى والثاني هو عكس النقيض، وإذا أطلق أريد به الأولى، وكل قضية استلزمت أخرى بهذه الصفة فهي منعكسة.(1/5)
عكوس القضايا الموجبة
ولنبدء بالمستوى فنقول: الموجبة - كليّة كانت أو جزئيّة - تنعكس فعليّة إن كانت فعليّة، لأن كل شيء يقال عليه الموضوع إذا اتّصف بالمحمول كان هو بعينه المقول عليه المحمول متّصفاً بالموضوع.
وممكنة إن كانت ممكنة، لأن ذلك الشيء إذا أمكن اتّصافه بالمحمول يكون شيئاً ما يمكن أن يقال عليه المحمول - وقد اتّصف بالموضوع بالفعل - وإذا لا يمتنع أن يصير ذلك الشيء مقولاً عليه المحمول بالفعل فلا يمتنع أن يكون شيء مما يكون المحمول مقولاً عليه بالفعل متّصفاً بالموضوع.
ووصفيّة إذا كانت وصفيّة، لأن اتصافه بالمحمول إذا كان مقارناً باتصافه بصفة الموضوع علم اتصافه بصفة الموضوع عند اتصافه بالمحمول، ولم يعلم في غير تلك الحال.
الكمية في العكس المستوي
وهذا العكس لا يحفظ الكمية بحسب المادة لاحتمال أن يكون كل من الجزئين أعم من الآخر، كما في قولنا: " كل إنسان حيوان " و " بعض الحيوان إنسان " فينعكس الكلي في مثل هذه المادة جزئياً وبالعكس.
وأما بحسب الصورة: فالجزئي يحفظها لأنه صادق في الحالتين قطعاً - دون الكلي - .
الجهة لا تنحفظ في العكس
قال: ولا الجهة لاحتمال أن يكون شيئاً ضرورياً لما هو ممكن له كالإنسان للكاتب، فينعكس الضروري في مثله ممكناً وبالعكس، وكذلك في الوصفي - واعتبر الكاتب وتحرك يده - .
فحصل من ذلك أن عكوس الموجبات كلّها جزئية، أمّا مطلقة أو ممكنة عامتين، أما ذاتيتين أو وصفيتين.
والعرفيّة والمشروطة إذا تقيّدنا باللادوام بقي القيد في العكس، لأن صفة الموضوع هناك لا يدوم لذاته، والاّ لدام المحمول الدائم بدوامها لها، وهي في الأصل والعكس واحدة.
عكوس السوالب
وأمّا السالبة الكلية فإن كانت ضرورية انعكست كنفسها، لأن امتناع اتصاف كل ذات يقال عليها الموضوع بصفة المحمول يقتضي امتناع اتصاف كل ذات يقال عليها المحمول بصفة الموضوع.
وذلك لأن إمكان اتصاف شيء مما يقال عليه المحمول بصفة الموضوع يقتضي الخلف - وهو كون ذلك الشيء من جملة ما يقال عليه الموضوع، أعني من جملة ما يستحيل أن يقال عليه المحمول، وذلك لأنه مع فرض الاتصاف بصفة الموضوع بالفعل يكون من تلك الجملة قطعاً، فإذن علم أنه في نفس الأمر قبل الفرض كان من جملتها، لأن فرض وقوع الممكن لا يمكن أن يصير غير ذات الموضوع ذاتاً له، بل ربما يفيد العلم بأن شيئاً مما لم يعلم أنه من جملة ما هو ذات الموضوع هو من تلك الجملة.
وكذلك إن كانت دائمة بمثل هذا البيان إذا بدّل فيه امتناع الاتصاف بعدمه في جميع الأوقات، وإمكانه بوجوده.
وكذلك إن كانت مشروطة أو عرفيّة.
أمّا ثبوت الضرورة والدوام في العكس فلمثل ما مرّ.
وأمّا التقييد بالوصف فلأنه يحتمل أن يتّصف بالموضع ما يقال عليه المحمول في غير الوقت الذي يكون فيه متّصفاً بالمحمول.
وفي المقيّد منهما باللادوام يبقى القيد في البعض، لأن الأصل يقتضي كون كل ما يقال عنه الموضوع موصوفاً بالمحمول وقتاً ما، فينعكس جزئياً، وإذا أنصاف إلى السلب اللازم مع الوقت جعله لا دائماً بحسب الذات في البعض.
والممكنات والمطلقات لا تنعكس، لاحتمال أن يسلب وصف غير ضروريّ بالقوة أو بالفعل عمّا يكون ضروري الثبوت له، كالكاتب عن الإنسان.
وكذلك في الوصفيات، واعتبر إمكان سلب الكاتب بالقوة أو بالفعل عن متحرك اليد عند التحريك وامتناع عكسه.
وأمّا السالبة الجزئية فلا تنعكس، لصحة سلب الخاص عن بعض العامّ وامتناع عكسه.
إلاّ في المشروطة والعرفية الخاصتين، فإن الأصل فيهما يقتضي أن يكون لشيء وصفان متنافيان يوجد كل منهما في وقت، وكما يسلب عنه أحدهما لا دائماً - بل عند وجود الآخر - كذلك الآخر يسلب عنه لا دائماً - بل عند وجود الأول - وهذا العكس ما يتبعه في أبواب الأقيسة مما عثر عليه الفاضل أثير الدين الأبهري.
أحكام عكس النقيض
وأمّا عكس النقيض فأحكام الموجبات والسوالب المذكورة في العكس المستوي بأعيانها تتبادل فيه، وذلك في كل قضيتين لم يؤخذ موضوعهما من حيث أنه منتف، فإنهما إذا كانتا متحدتي الموضوع والكمية، متقابلتي المحمول بالتحصيل والعدول، كانتا متلازمتين متحدتي الجهة، كما مرّ ذكره.(1/6)
ثمّ إذا أخذنا لك قضية عكس ملازمتها المخالفة لها في الكيفية - إن انعكست - انتقل حكم العكس بعينه إلى مخالفة الكيف في تلك الجهة، ثم إذا أخذنا ملازمة العكس عادت كيفيها إلى ما كانت في الأصل، وكانت عك نقيضه، وما لا ملازمة له أو لا تنعكس ملازمته فلا عكس نقيض له.
أحكام العكس في الشرطيات
وأمّا الشرطيات فالمتّصلة تنعكس موجباتها جزئية ومنفسها في اللزوم والاتفاق وسالبتها الكلية كنفسها مطلقاً، ولا تنعكس جزئيتها، وبيانها سهل، ولا مدخل للعكس في المنفصلة لعدم تمايز أجزائها بالطبع.
العكس لا يتابع الأصل في الكذب
فهذه أحكام العكسين وقد تبين حال الكمية والجهة، أعني انخفاضهما في بعض الصور دون البعض، وأمّا الكذب فإنّما لا يحفظ لأن حمل الخاصّ على جميع أشخاص العام كاذب إيجاباً وسلباً، وعكسهما بالوجهين صادق.
الفصل الرابع
في القياس
القياس قول مشتمل على أقوال يلزم من وضعها بالذات آخر بعينه اضطراراً، كقولنا: " كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم " فإن يلزم من وضعهما بالذات " إن كل إنسان جسم " .
فذلك قياس، وهذه نتيجته وكل واحد من القولين مقدمة - وهي قضيّة جعلت جزء قياس، وأجزائها حدود.
أقسام القياس
والقياس بسيط ومركّب؛ والبسيط أمّا اقتراني - وهو الذي لا يكون النتيجة ولا مقابلتها مذكورة بالفعل فيه - أو استثنائي - وهو ما يقابله.
القياسات الحملية
والاقتراني قد يتألف من حمليات ومن شرطيات، ومن كلتيهما.
ونبدء بالحمليات فنقول: ما تمثّلنا به اقتراني حملي ونتيجته تشارك كل واحد من مقدمتيه بجزء، وكذلك المقدمتان، ويسمى موضوع النتيجة حدَاً أصغر، ومشاركتها فيه مقدمة صغرى، ومحمولها حداً أوسط من شأنه أن يجمع الحدين، ويسقط من بينهما نتيجة، واقترانه مع الحدين شكل.
الأشكال الأربعة
فان كان محمول الصغرى وموضوع الكبرى فهو أول الأشكال، وان كان محمولها معاً فثانيها، أو موضوعهما فثالثها، وعلى العكس الأول فرابعها.
ضروب كل شكل ستة عشر
وإذ يمكن وقوع كل واحد من المحصورات في كل مقدمة فقرائن كل شكل ستة عشر، وهي ضرورية لكن بعضها منتج وبعضها عقيم، وللإنتاج شرائط.
وقد تشترك الأشكال في عقم الملف من سالبتين لا يلزم احديهما موجبة ومن جزئيتين مطلقاً، ومن صغرى سالبة لا تلزمها موجبة كبريها جزئية، وهذه المشتركات لوازم للثلاثة الأولى وشرائط للأخير.
شرائط الأشكال
ثم لكل شكل شرطان، فشرط الأول إيجاب الصغرى وكلية الكبرى، ويشاركه الثاني في ثاني شرطيه ويختصّ باختلاف المقدّمتين في الكيف بالفعل أو القوة، ويشاركه الثالث أيضاً في أولهما ويختصّ بأنه لا بدّ فيه من كلي، وينفرد الرابع بعد الاشتراط بالثلاثة المشتركة بشرطين عدميين هما أن يجتمع السلب الصرف مع الجزئية في مقدمة غير منعكسة ولا إيجاب المقدمتين إيجاباً لا يلزمه سلب مع جزئّية الصغرى.
الضروب المنتجة
فتصير الضروب المنتجة بحسب البسائط من كل واحد من الأولين أربعة، ومن الثالث ستة، ومن الرابع خمسة. وأمّا بحسب التركيب فمن كل واحد من الأولين ثمانية ومن الآخرين اثني عشر.
النتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين
والنتائج تابعة لأخس المقدمات في الكم مطلقاً، والكيف إذا لم تتركب جهاتها. فالأول عام الإنتاج. ولا ينتج الثاني موجبة، ولا الثالث كلية، ولا الرابع موجبة كلية.
القياس منه بيّن الإنتاج ومنه دون ذلك
والقياس منه كامل بين الانتاج كبعض ضروب الشكل الاول، ومنه غير كامل يحتاج الى بيان كالثلاثة الأخيرة وأحوجها الرابع.
شرائط انتاج الشكل الأول
الشكل الأول إن لم يكن الأصغر داخلاً بالايجاب تحت الأوسط، أو في حكم الداخل، أو لم يكن الحكم شاملاً لجميع الأوسط، لم يجب أن يتعدى حكم الأوسط اليه.
الضروب المنتجة في الشكل الأول
فالضرب الأول من موجبتين كليّتين ينتج موجبة كلّية كما مثّلناه أولاً؛ والثاني من كليتيّن كبراهما سالبة ينتج سالبة كلية، والثالث من موجبتين صغراهما جزئية ينتج موجبة جزئية، والرابع من صغرى جزئية وكبرى سالبة ينتج سالبة جزئية - والجمع بيّن - وقد أنتج المحصورات الأربع، فهذا بحسب القول المطلق.(1/7)
وأما إذا اعتبرنا الجهات فنقول: إذا كانت الصغرى سالبة تلزمها موجبة، فاقترانها مع الكبرى ينتج بقوة الإيجاب ما ينته الموجبة.
والصغريات الفعلية التي تقتضي دخول الأصغر في الأوسط بالفعل مع الكبريات الذاتية تنتج كالكبرى، لأن الأصغر فيها بعض جزئيات الأوسط، فحكمة حكمها.
والصغريات الممكنة مع الكبريات الخالية عن الضرورة والدوام تنتج ممكنة لأن الأصغر غير داخل في الأوسط إلاّ بالقوة.
ومع الكبرى الضرورية أو الدائمة ينتج كالكبرى، لأن إمكان الصغرى يقتضي أن لا يكون للأوسط ذات تغاير ذات الأصغر، والكبرى تقتضي ثبوت الأكبر لما هو ذات الأوسط قبل اتصافه بالأوسط ومعه وبعده، فخروج الصغرى إلى الفعل بحسب الفرض المقتضي لدوام النتيجة أو ضرورتها لا يقتضيه إلا بالقياس إلى افعل، لأنه ثابت في نفس الأمر قبل خروجها إلى الفعل.
والوصفيات إذا اختصت بإحدى المقدّمات سقط اعتبارها في النتيجة لسقوط ما يتعلق بها - أعني الأوسط .
أما إذا عمتّ: فإن استلزمت الدوام أنتجت كالمقدمتين أو تابعة لأخس الوصفين إن اختلفا. وكذلك إن استلزمته الكبرى فقط.
أما إن استلزمه الصغرى وحدها أو لم تستلزمه احديهما سقط اعتبار الوصف، لاحتمال اختلاف الوقتين.
والصغرى الدائمة الضرورية مع الكبرى العرفية والمشروطية العامتين تنتجان دائماً - إن لم يعم الضرورة المقدمتين - وضرورية - إن عمّت - .
وهما تناقضان الكبرى العرفية والمشروطة الخاصّتين، لأن الكبرى تقتضي لا دوام الوصف للموضوع في الأوسط للذات كلياً، والصغرى تقتضي دوامه في بعض الصور، فإن استنتج منها أنتجت محالاً.
وإن احتملت الكبرى الدوام أو الضرورة مع ذلك حملت إليهما فعاد إلى الاقتران مع الدائم والضروري.
الإنتاج في الشكل الثاني
الشكل الثاني إن اتفقت مقدمتاه في الكيف أو اختلفتا بحيث تصدقان معاً لم يعرف حال حدي النتيجة: أم أمتبائنان بالسلب شملهما الوسط، أم متلاقيان بالإيجاب؟ وإن اختصّ الأوسط الأكبر لم يعرف أيضاً حال الأصغر: أمتبائن لذلك البعض؟ أم ملاق للبعض الذي لم يتعلق الحكم به؟ أما إذا حصل الشرطان أنتجتا سالبة لا غير.
الضروب المنتجة في الشكل الثاني
فالضرب الأول من كليتين صغراهما موجبة، كقولنا: " كل إنسان ضاحك، ولا شيء من الفرس بضاحك " ينتج " لا شيء من الإنسان بفرس " .
والثاني: من كليتين صغراهما سالبة ينتج مثلها.
والثالث: من صغرى موجبة جزئية ينتج جزئية.
والرابع: من صغرى سالبة جزئية ينتج مثلها.
بيان الانتاجات في الشكل الثاني
وبيان الإنتاج بعد ما تقدم بأن نعكس كبرى الأول والثالث من الضروب، فيرجعان إلى الشكل الأول، ونقلب مقدمتي الثاني بعد عكس صغراه، ثم نعكس النتيجة.
وأما الرابع فتبيينه بالإفتراض، وهو أن يعين البعض من الأصغر الذي ليس بأوسط فرضاً ونسميه باسم، فيكون " لا شيء من ذلك المسمّى بأوسط " والكبرى " كل أكبر أوسط " فيصير الضرب الثاني بعينه وينتج " لا شيء من ذلك المسمى بأكبر " ولكن بعض الأصغر هو ذلك المسمى، ينتج من رابع الأول ما ادّعيناه.
وبالخلف في الجميع، وهو أن نقول: أن لم تكن النتيجة المدعاة حقة، فنقيضها حق، وتضيف النقيض إلى الكبرى القرينة، ينتج من أحد ضروب الأول نقيض صغراها فيكون باطلاً، وعلّته وضع قيض النتيجة، فهي حقّة.
هذا بالقول لمطلق.
إنتاج الشكل الثاني من المختلطات
وأما باعتبار الجهة: فإن اختلفت المقدمتان في الجهة بحيث لا يمكن تلاقي حدي النتيجة بالإيجاب - كالممكنة والمطلقة والعرفية والمشروطة كلها مقيدة بالخاصة، مع الضرورية صغرى أو كبرى، مختلفتي الكيف أو متفقتيه - أنتجت ضرورية.
وإذا كانتا بحيث لا تتلاقيان أبداً - كالوجودية والخاصتين مع الدائمة على الوجوه كلها - أنتجت دائمة.
وهناك تصير الضروب المنتجة ثمانية - لإنتاج المتفقات.
فإن كانتا بحيث يمكن لتلاقيهما - كالممكنة والمطلقة بسيطتين ومخلوطتين - لم ينتج، لعدم الشرط الأول.
والوصفيّات المختلفة الكيف المنتجة تنتج وصفيّة تابعة للمقدمتين حال البساطة وللأخص حال الاختلاط.
والوصفيّات المختلفة الكيف المنتجة تنتج وصفيّة تابعة للمقدمتين حال البساطة وللأخص حال الاختلاط.(1/8)
والصغريات الذاتية مع الكبريات الوصفية إن كانت جهتهاهما من غير اعتبار الوصف ممتنعي الجمع - كالممكنة العامة مع المشروطة لا مع العرفية مختلفتين، أو الوجودية، مع العرفية متفقتين ومختلفتين - أنتجت بحسب الذات ممكنة أن لم تكن الصغرى فعليّة، أو مطلقة إن كانت.
ولا تنتج ضرورية ولا دائمة، لأن التبائن يحتمل أن لا يكون واجباً وفي جميع الأوقات، فإن كانت الصغرى مقيّدة بوقت معيّن أو غير معيّن بقي القيد في النتيجة وإن كانتا ممكنتي الجمع لم ينتج.
وكذلك إن كانت الوصفية صغرى، والذاتية كبرى لم ينتج، فإن الكاتب متحرك اليد ما دام كاتباً، والإنسان ليس بمتحرك مطلقاً، وسلب الإنسان عن الكاتب ممتنع.
والكبرى الدائمة بدوام الوصف دون الذات تنتج - مع أية صغرى اتفقت - مطلقة عامة، لأن النتيجة الدائمة الموجة تكذب معها، فيصدق نقيضها.
ولا ينتج هذا الشكل غير محتملة للضرورة أصلاً لاحتمال تباين الحدين في كل حال.
شرائط الإنتاج في الشكل الثالث
الشكل الثالث - إن كان للأصغر خارجاً عن الأوسط، والأكبر إما خارجاً عنه بالبعض - لاحتمال عمومه موجباً - أو بالكل - مسلوباً - لم يعرف حالهما: أمتلاقيان خارجاً، أم متبائنان؟ وإن كانت القرينة من جزئيتين لم يعرف أيضاً: هل اتحد الجزئان المحكوم عليهما من الأوسط، أم افترقا؟
الشكل الثالث لا ينتج كلياً
ولمّا لم يفد هذا الشكل الاّ تلاقياً أو تبايناً عند الأوسط فقط ولم يتعرض لما عداه لم ينتج كلياً.
الضروب المنتجة من الشكل الثالث
فالضرب الأول من كليّتين موجبتين، كقولنا: " كل إنسان حيوان " ، وكل إنسان كاتب " .
والثاني ن كليتين كبراهما سالبة.
والثالث من موجبتين صغراهما جزئية.
والرابع من موجبتين كبراهما جزئية.
والخامس من صغرى موجبة كلية، وكبرى سالبة جزئية.
والسادس من صغرى جزئية، وكبرى سالبة.
بيان الإنتاج في الشكل الثالث
وبيان الإنتاج - بعد ما مرّ - أمّا بعكس الصغرى إذا كانت الكبرى كليّة، وبالقلب وعكس النتيجة إذا كانت جزئية منعكسة.
أو بالافتراض - كيف كانت - فيسمّى البعض من الأوسط الذي ليس بأكبر مثلاً باسم، فيكون كل ذلك السمّى أوسط، وكل أوسط أصغر، فينتج من ذلك أن كل ذلك المسمى هو أصغر، وكان لا شيء منه بأكبر، فينتج من ثاني الضروب ما يريد.
وأمّا بالخلف في الجميع، وذلك بأن يضاف نقيض النتيجة إلى الصغرى، لينتج من الشكل الأول ما يضاد الكبرى أو يناقضها، فيلزم الخلف.
إنتاج الشكل الثالث من المختلطات
وأما باعتبار الجهات: فالسوالب المستلزمة للموجبات تنتج بقوّتها ويجعل الضروب اثني عشر.
ثم الفعليّات تنتج فعليّة، والممكنة - بسيطة ومخلوطة - تنتج ممكنة الاّ إذا كانت الكبرى ضرورية أو دائمة، فإنها تنتج مثلها لما مرّ في الشكل الأول، فإن عكس الصغرى يرد الشكل إليه.
والوصفيات المختلطة بغيرها تنتج بحسب الذات، وكذلك البسيطة التي لا تستلزم الدوام، أمّا المستلزمة له فتنتج وصفية، لكنها تكون مطلقة هيهنا، فإن " الكاتب يقظان، ويحرك القلم ما دام كاتباً " و يجب منه كون بعض اليقظى محركاً للقلم ما دام يقظان - بل في بعض أوقات يقظته.
والصغرى الدائمة أو الضرورية فيه لا تناقض الكبرى العرفيّة أو المشروطة الخاصتين - بخلاف الشكل الأول - لصدق قولنا: " كل نائم حيوان بالضرورة وساكن ما دام نائماً " ، بل تنتجان الوجودية.
شرط إنتاج الشكل الرابع إن كانت مقدمتاه سالبتين لم تلزم منهما موجبة، لم يعرف حال الحدين: أمتلاقيان خارج الأوسط؟ أم متبائنان؟
وإن كانتا جزئيتين لم يعرف هل اتحد البعض المحكوم عليه والبعض المحكوم به من الأوسط - حتى يكون مورد واحداً - أم لا؟ وإن كانت الصغرى سالبة صرفة، والكبرى جزئية لم يعرف حال الأصغر - هل تلاقي الأكبر خارج الأوسط، أم لا - ؟ وهذه هي الشروط العامة، ثم إن كانت الموجبتين جزئية، أو اجتمع السلب والجزئية فيها بحيث لا ينعكس، وكانت الكبرى لا محالة موجبة كلية تعلق الحكم في كل مقدمة بجزء من الأوسط، ولم يعرف أهما متحدان، أم لا؟ وبالعكس في الأخير يتعلق الحكم بجزئين من الحدين الأخيرين، ولم يعرف أمتلاقيان، أم لا؟
الضروب المنتجة من الشكل الرابع
فالضرب الأول من موجبتين كليتين، كقولنا: " كل إنسان حيوان، وكل ناطق إنسان " .(1/9)
والثاني: من موجبتين كبراهما جزئية، وتنتجان جزئية، لاحتمال أن يكون الأصغر أعمّ من الأكبر.
والثالث: من كليّتين صغراهما سالبة، وينتج كليّة.
والرابع: من كلّيتين كبراهما سالبة.
والخامس: من صغرى موجبة جزئية، وكبرى سالبة كلّية، وتنتجان جزئية أيضاً لما مر.
الضروب المنتجة من المختلطات
وهذه هي الضروب البسيطة، وينضاف إليها من المركّبات سادس من موجبة كليّة صغر، وسالبة جزئية منعكسة كبرى.
وثامن من سالبة كليّة صغرى وموجبة جزئية مشروطتين أو عرفيتين، بسيطتين أو مخلوطتين صغراهما خاصّة.
بيان الانتاجات في الشكل الرابع
والبيان بعد ما ذكرناه امّا بالقلب والرد إلى الشكل الأول في الثلاثة الأولى، وفي الأخير، ثمّ عكس النتيجة. وبعكس إحدى المقدمتين والرد أحد الشكلين الباقيين في الباقية. وبالافتراض على قياس ما تقدم. وأما بالخلف في الجميع.
نتائج الشكل الرابع باعتبار الجهات
والنتائج باعتبار الجهات تكون في الثلاثة الأولى وفي الثامن من عكوس ما كانت ينتج في الشكل الأول، لأنها بالقلب يرتد إليه.
وفي الرابع والخامس ما ينتج بعد عكس كلتي المقدمتين في الشكل الأول أيضاً.
وفي الخمسة التي عدا الثالث والأخيرين ما ينتج بعد عكس الكبرى في الشكل الثالث.
والصغرى المشروطة والعرفية الخاصتان مع الكبرى الضرورية والدائمة في الثلاثة الأول وفي الأخير متناقضة كما في الشكل الأول.
والكبريات الكلية - وهي ما عدا الثاني والسادس والثامن - إذا كانت مشروطة أو عرفية خاصتين انتجت مع أية صغرى اتفقت مطلقة عامة سالبة كما في الشكل الثاني.
فما ينتج منها في شكل ولا في آخرها فالحكم للمنتج، وما ينتج على وجهين: فإن كانا أعمّ وأخصّ فالحكم للأخصّ - وذلك كالصغرى المطلقة مع الكبرى الخاصّتين في الضرب الثاني، فإنهما تنتجان بحسب الردّ إلى الشكل الأول مطلقة عامة، وبحسب الرد إلى الشكل الثالث وجودية.
وإن لم يكونا كذلك فالحكم لما تركب منهما إن اختلفا - كالكبرى المشروطة الخاصة في الضرب الأول مع الصغرى الضرورية، فإنها ينتج بالرد إلى الشكل الأول مطلقة عامة موجبة، وبالنظر إلى الكبرى مطلقة عامة سالبة، فتكون النتيجة مطلقة عامة سالبة وجوديّة في البعض.
ومع الصغرى الممكنة فإنها تنتج بحسب الشكل الأول ممكنة عامة موجبة جزئية، وبالنظر إلى الكبرى مطلقة عامة سالبة كلية، فتكون النتيجة مطلقة عامة سالبة كلية وجودية لا ضرورية في البعض، وكلتا النتيجتين مخالفتا الكيف للمتقدمين.
وكالصغرى الوجودية في الضرب الثالث مع الكبرى المشروطة الخاصة، فإنها تنتج بحسب الإيجاب اللازم للصغرى، والردّ إلى الشكل الأول مطلقة عامّة موجبة، وبالنظر إلى الكبرى مطلقة عامة سالبة كليّة، وتكون هي النتيجة مقيدة بأن يصدق الوجودي في بعضها.
وأمّا إن لم يختلفا فالحكم ظاهر، وذلك كالصغرى المذكورة مع الكبرى الضروريّة، فإنها تنتج بحسب الإيجاب المذكور في الشكل الأول والثالث مطلقة موجبة جزئية مخالفة للصغرى كيفاً، وللمتقدمين كمّاً، وقس عليه فما عدا ذلك.
أقسام الشرطيات
سائر الاقترانيات: أمّا المؤلّفة من الشرطيّات فيشترك في جزء أمّا تامّ أو غير تامّ، أو تامّ في إحدى المقدمتين غير تامّ في الأخرى.
القياسات المؤلفة من المتصلات
أمّا من المتصلات: فالأول يتألف على هيئة الأشكال الحملية، وينتج منها الضروب التسعة عشر المنتجة بحسب بساطة الجهات في اللزوميات، والاتفاقيّات البسيطتين متصلات مثلهما، وإن كانت الاتفاقيات قليلة الجدوى ولا يخالفها في شرط ولا بيان.
وقيل: أن اللزوميات لا تنتج متّصلة، لأن ملازمة الكبرى يحتمل أن لا تبقى على تقدير ثبوت الأصغر، مثلاً إذا قلنا: " كلّما كان هذا اللون سواداً وبياضاً كان سواداً، وكلّما كان سواداً لم يكن بياضاً " .
وجوابه: أن الأوسط إن وقع في الصغرى كوقوعه في الكبرى - أي على الجهة التي بها يستلزم الأكبر - لزمت النتيجة ضرورة، والاّ فلم يكن مشتركاً، وبيانه في المثال المذكور أن السواد في الكبرى وقع بالمعنى المضاد للبياض، وفي الصغرى بالمعنى الجامع له، ولذلك لم تبق الملازمة مع الأصغر، فالخلل انّما وقع بسبب عدم اشتراك الأوسط - لا بسبب العارض التابع - وإذا ارتفع الخلل ارتفع العارض.(1/10)
وأمّا المخلوطة فلا ينتج منها في الشكل الأول الصغرى اللزوميّة موجبتين، ولا الاتفاقية مختلفتين ولا في الشكل الثاني السالبة اللزومية ولا في الشكل الثالث الكبرى السالبة ولا في الرابع الكبرى اللزومية في ضربيه الأولين. ولا الاتفاقية في الثالث. ولا الأخيران والباقي ينتج اتفاقية.
النتيجة في القياس المختلط من الاتفاقية واللزومية
وأمّا النتيجة اللزومة منها فالموجبة ممتنعة، والسالبة بشرط أن لا يكون المقدم كاذباً يلزم حيث يلزم الاتفاقية موجبة.
ودونها أيضاً من صغرى لزومية في الشكلين الآخرين بشرط صدق مقدم الصغرى.
إنتاج القسم الثاني من المتصلات
والثاني وهو المشترك في جزء غير تام من كليتهما، ويشترط أن يكونا موجبتين غير جزئيتين معاً، ولا يخلو أما أن يقع في التاليين، أو في المقدمتين، أو في تالي الصغرى ومقدم الكبرى، أو بالعكس.
والجزءان المشتملان على المشترك يشترط فيهما أن يكونا على هيئة ضرب منتج من الأشكال لينتج متصلة مقدمها مقدم الصغرى وتاليها متصلة من مقدم الكبرى ونتيجة التاليين.
وفي الثاني يكون نقيضاهما كذلك ليرتد المقدمتان بعكس النقيض إلى الأول، ويكون المقدمان في النتيجة وتاليها نقيضي تالي المقدمتين، وتالي التالي نتيجة نقيض المقدمتين.
وفي الثالث والرابع أن يكون عين الواقع في التالي مع عين الواقع في المقدم أو مع نقيضه كذلك ليعكس تلك المقدمة أحد العكسين، وتكون النتيجة أما كاية تاليها جزئية، أو بالعكس، وأمّا كما مّر.
إنتاج القسم الثالث من المتصلات
والثالث - وهو المشترك في جزء تامّ في احديهما، غير تامّ في الأخرى، ويكون ذات التامّ بسيطة والأخرى مركبة، مثلاً تكون الأولى من حمليتين، والأخرى من مقدم حملية وتال متصلة، ليكون المشترك جزءاً من الأولى وجزء من الأخرى، وباقي الشروط كما مرّ. وإذا عرفت الأصول فعليك البيان وإيراد الأمثلة، ولك أن تركب مرة بعد أخرى.
إنتاج القضايا المؤلفة من المنفصلات
فلا يتألف أشكال، وإذا جعل احديهما صغرى تكون النتيجة بحسبها.
أمّا المشتركة في تأمين، فالمؤلفة من حقيقتين لا تفيد حكماً لوجوب اتحاد الباقيين، أو لتلازمهما، وتنتج من عين كل واحد منهما ونقيض الآخر حقيقيّة.
والمؤلفة من الصنفين تنتج من عين جزء مانعة الجمع، ونقيض جزء مانعة الخلو - مانعة جمع، ومن نقيض ذلك وعين هذا - مانعة خلو - كلية في الكل إن كانتا كليتين، والاّ فجزئية.
والمؤلفة من كليتين مانعتي الخلوّ تنتج جزئية مانعة خلو أو مانعة جمع من نقيض أحد الباقيين وعين الآخر.
إنتاج القسم الثاني من المنفصلات
وأمّا المشترك في جزء غير تام من كلتيهما فالاشتراك أما أن يكون بين جزء وجزء، أو بين جزء وكلّ، أو بين جزء جزء وبين الآخر وكل جزء، أو بين كلّ جزء وكلّ جزء، أو بين كلّ جزء وجزء والثاني والثالث مختلفان باختلاف المقدمتين.
والنتيجة تكون ذات أربعة أجزاء بحسب الاقترانات الممكنة، يشتمل منها في الأول قرينة واحدة، وفي الثاني والخامس قرينتان، وفي الثالث ثلاث قرائن، وفي الرابع أربع قرائن - على النتائج الحمليّة، وباقي الأجزاء يشتمل على أجزاء المقدمتين التي لا يتشارك، وتكون النتيجة مانعة خلوّ كليّة، وإلاّ فجزئيّة.
إنتاج القسم الثالث من المنفصلات
وأمّا المشتركة في تامّ وغير تامّ فيكون احديهما - مثلاً - من حمليتين، والأخرى من حملية ومنفصلة؛ والنتيجة من حملية ومنفصلة هي نتيجة المنفصلتين - أعني الأولى وجزء الأخرى - وهي بالحقيقة كبسيطة ذات ثلاثة أجزاء - والشرائط كما مرت.
القياسات المركبة من المنفصلات والمتصلات
وأمّا المؤلفة من المتصلات والمنفصلات فالمشتركة منها في تأمين أربعة أصناف، لأن الاشتراك يكون أمّا في مقدم المتصلة أو في تاليها، وهي أما صغرى أو كبرى.
ولا ينتج من منفصلة سالبة، ولا من جزئيتين، ويشترط في سالبة الاتفاق صدق المقدم يمكن ردّها إلى موجبة تلزمها من جنسها والمنتجة من كل صنف ستة وثلاثون قرينة.
والنتائج تكون من الجنسين كليّة إن كانت من كليتين، والبيان بردهما إلى جنس واحد أسهل.
القسم الثاني من القياسات المؤلفة من المتصلات والمنفصلات(1/11)
والمشتركة في غير تأمين أيضاً أربعة أصناف ولترد المقدمتان إلى أحد الجنسين ليرتد إلى ما مرّ، ويعرف من ذلك حالها.
القسم الثالث من القياسات المؤلفة من المتصلات والمنفصلات
والمشتركة في تامّ وغير تامّ يكون ذات غير التام فيها مركبة من جزئين، أحدهما غير مشتركة لأحد جزئي ذات التامّ، والآخر مشاركة وهي شرطية، فإن كانت من جنس التي هي جزء منها كان التأليف كالقسم الذي نحن فيه، وإن كانت من جنس ذات التامّ كان التأليف كأحد القسمين المقدمين، والأصناف والشروط والنتائج على قياس ما مرّ.
القياسات المؤلفة من الحمليات والشرطيات
وأمّا المؤلفة من الحملّيات والشرطيّات - ويكون لا محالة من تامّ وغير تامّ - فنوعان: أحدهما من حملية ومتصلة، وهي أربعة أصناف، لأن المتصلة تكون إما صغرى أو كبرى، والاشتراك أمّا في تاليها أو في مقدمها؛ والنتائج تكون متصلات أحد جزئيها الجزء الخالي من الاشتراك بعينه، والثاني نتيجة الآخر مع الحملية.
وأمّا الصنفان اللذان تقع الشركة في تاليهما فمتصلتهما إن كانت موجبة كانت الشرائط في التالي والحملية كما مرّ في الحمليات، وأجزاء النتائج ما أنتجت هناك، ويكون الإنتاج بيّناً.
نقض ما قيل في عدم إنتاج المركب من حملية ومتصلة
وقد طعن فيما إذا كانت متصلة لزومية بمثل ما مرّ، وهو احتمال أن لا يبقى صدق الحملية على تقدير مقدم المتصلة إذا كان محالاً، وحينئذ لا يجامع التالي على الصدق.
وجوابه أن اجتماع المقدمتين على الصدق ليس شرطاً في انعقاد القياس، ولو كان لما انعقد قياس خلفي ولا الزامي " التزامي - ن " .
وإن كانت سالبة كانت الشرائط في التالي مقابل ما كانت هناك، ليصير بردّ السالبة إلى لازمتها الموجبة كما يجب أن يكون هناك.
وأما الصنفان الباقيان، فيشترط فيهما كون المتصلة صادقة المقدم، ويجب أن تكون الحملية مع إحدى مقدمتي المتصلة، أو النتيجة منتجة للآخر على هيئة أحد الضروب الحمليات المنتجة.
فإن كانت الحملية مع مقدم النتيجة منتجة لمقدم المتصلة المعلوم استلزامه لتاليها علم من ذلك استلزام مقدم النتيجة لتالي تلك المتصلة بعينه، لأن وضع المقدمتين مستلزم لوضع النتيجة استلزاماً كلياً، فوضع مقدم النتيجة المستلزم مع الحملية - الموضوعة مطلقاً - لمقدم المتصلة يستلزم ما يستلزمه مقدم المتصلة بعينه - وعلى هذا الوجه تكون النتائج كلية.
وإن كانت الحملية مع مقدم المتصلة منتجة لمقدم النتيجة لم يستلزم مقدم النتيجة مع الحملية مقدم المتصلة استلزاماً كلياً - بل يستلزم جزئياً - لأن وضع النتيجة مع إحدى مقدمتي القياس لا يستلزم وضع المقدمة الأخرى كلياً، فإن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها، فإذن في بعض أحوال وضع مقدم النتيجة يجب ثبوت مقدم المتصلة المعلوم استلزامه لتاليها، وفي ذلك البعض - دون ما عداه - يحصل العلم باستلزام مقدم النتيجة لذلك التالي بعينه، وعلى هذا الوجه لا يتكون النتائج إلاّ جزئية.
وقس الاتفاقية على اللزومية وعليك تفصيل الضروب، فإنها تزيد على ضروب الحملية.
القياسات المؤلفة من الحملية والمنفصلة
وثانيهما من حملية ومنفصلة، وعي أيضاً أربعة أصناف، لأن الحملية تكون إما صغرى أو كبرى، والاشتراك أما مع أحد جزئي المنفصلة أو معهما.
ويجب كون المنفصلة موجبة غير مانعة لها فقط، وتكون النتائج منفصلات مانعة الخلوّ مشتملة على أجزاء بعضها أو بعض الحملية مع الأجزاء المشاركة لها.
القياس المتألف من منفصلة وحملّيات
ومن هذه الأقيسة ما يسمى بالمقسم، ويتألف من منفصلة وحمليات بعدد أجزائها متشاركة الأجزاء، ويكون في قوة الحمليات لإنتاجه حملية.
مثاله في الشكل الأول: " كل عدد أما زوج أو فرد، وكل زوج وكل فرد مؤلف من آحاد " وقس عليه باقي الأشكال وضروبها.
الاستثنائيات
وهي من الأقيسة الكاملة، وتتألف من شرطية واستثناء.
فالمتصلة الكلية اللزومية تنتج باستثناء عين المقدم أو نقيض التالي عين الجزء الآخر أو نقيضه لوضع اللزوم، كقولنا: " إن كان زيد يكتب فيده يتحرك، لمنه يكتب " ينتج: " فيده يتحرك " ، " لكن يده لا يتحرك " ينتج: " فهو لا يكتب " .
ولا ينتج باستثناء نقيض المقدم وعين التالي لاحتمال العموم.(1/12)
والسالبة الكلية تنتج بالرد إلى الموجبة ما تنتج الموجبة. ولا تنتج الجزئيتان. والاتفاقية لا تفيد باستثناء العين علماً ولا يستثنى فيها النقيض.
والمنفصلة الموجبة الحقيقية تنتج باستثناء عين كل جزء أو نقيضه نقيض الآخر أو عينه، كقولنا: " هذا العدد أمّا زوج أو فرد، لكنه زوج، فليس بفرد. لكنه ليس بزوج فهو فرد " وكذلك في الجزء الآخر، وكثرة الأجزاء يقاس على ذلك.
ومانعة الخلو تنتج باستثناء النقيض دون العين. ومانعة الجمع باستثناء العين دون النقيض.
القياس المركَّب
القياسات المركبة هي قياسات جعلت نتائج بعضها مقدمات للبعض، وهي أمّا مفصولة محذوفة النتائج - إلاّ الأخيرة - كقولنا: " كل إنسان حيوان، وكل حيوان نام، وكل نام جسم، فكل إنسان جسم " . أو موصولة وهي موردة النتائج والمقدمات بتمامها.
لواحق القياس
ولواحق القياس: كل قياس ينتج نتيجة بالذات فقد ينتج لازمها وعكسها وجزئيات تحتها وجزئيات معها بالعرض.
صدق النتيجة مع كذب المقدامات
والمقدمات الكاذبة قد تنتج صادقة، كقولنا: " كل إنسان حجر، وكل حجر حيوان " إلاّ أن تكون الكبرى كاذبة بالكل وحدها في الشكل الأول في ضريبة الأولين.
كيفية اكتساب مقدمات البرهان
ومقدمات القياس بتحليل حدي المطلوب إلى ذاتياتهما وعرضياتهما ومعروضاتهما اللازمة والمفارقة، ثمَّ محاولة وسط يقتضي تأليفاً بينهما منتجاً له إيجاباً وسلباً.
وتحليل القياسات المركبة يتأتى بتلخيص المقدمات والحدود عن الزوائد والنظر في اشتراك بعض المقدمات مع بعض ومع المطلوب ليطلع على كيفية تأليف كل قياس منها.
قياس الدور
وإن ألفت النتيجة مع عكس إحدى مقدمتيها أو عينها وانتجت المقدمة الأخرى صار القياس دائراً.
قياس العكس
وإن تألفت ما يقابلها مع مقدمة لينتجا ما يقابل الأخرى صار معكوساً.
ويحتاج في الدور إلى مواد: في الإيجاب تنعكس كنفسها، وفي السلب إلى ما يقسم جزاءه الاحتمالات بأسرها، - كالقديم والمحدث مثلاً لينعكس عكساً يخص هذا الموضع، كما ينعكس قولنا: " لا محدث بقديم " إلى قولنا: " كل ما ليس بقديم فهو محدث " .
وفي الجزئيات إلى ما يشبه ذلك. ولا يمكن أن يبين الكلي بالجزئي.
موارد استعمال قياس الدور والعكس
وليمتحن كل منهما في الأشكال، ويستعملان في المغالطة بالتلبيس، وفي الامتحانيات للتدرب.
الدور والعكس في العلوم
وفي العلوم قد يقع ما يشبه الدور عند تحويل البرهان الآني إلى اللمي - كما يأتي من بعد - والعكس عند رد الخلف إلى المستقيم.
قياس الخلف
والخلف هو إثبات المطلوب بإبطال نقيضه وذلك بأن يتألف من نقيضه ومن مقدمة موضوعة ما ينتج محالاً، فيعرف منه كذب نقيض المطلوب، فيتحقق صدقه.
وهو مركب من قياس اقتراني مؤلف من متصلة - مقدمها فرض المطلوب كذباً وتاليها وضع نقيض المطلوب - وحملية هي المقدمة الموضوعة واستثنائي شرطية ينتجه الاقتراني السابق ويستثنى منه نقيض تاليها المحال لينتج صدق المطلوب.
والخلف يفارق العكس، لأن العكس دائماً يورد بعد قياس مستقيم، والخلف قد يورد ابتداء، ورده إلى المستقيم بقياس معكوس - يؤخذ نقيض المحال فيه ويضم إلى الموضوعة لينتج المطلوب بعينه.
الاستقراء
والاستقراء هو حكم على كلي لكونه ثابتاً في جزئيات ذلك الكلي، كالحكم على الحيوان بتحرك الفك الأسفل حالة المضغ، لكون الإنسان الفرس وسائر جزئياته المشاهدة كذلك، فإن كانت الجزئيات منحصرة كان تاماً وصار قياساً مقسّماً؛ وإلا فربما انتقض الحكم بمثل التمساح، وهو يشبه القياس، لأن تلك الجزئيات تنوب مناب الأوسط.
التمثيل
والتمثيل هو إلحاق شيء بشبيهه في حكم ثابت له، ويسمى الأول فرعاً، والثاني أصلاً، ووجه المشابهة جامعاً وعلة، وذلك كإلحاق السماء بالبيت في الحدوث لكونه متشكلاً كالبيت وهو ظني يستعمله بعض الفقهاء.
وأقواه ما اشتمل على الجامع، ثم الذي على الجامع الوجودي، ثم الذي يكون الجامع فيه علة للحكم، ومع ذلك فلا يفيد اليقين لاحتمال كون العلة في الأصل فقط، ثم إن صحت عليته مطلقاً صار الأصل سهواً، والتمثيل قياساً برهانياً - فهو يشبه القياس لولا الأصل.
قياس الضمير(1/13)
والضمير قياس محذوف الكبرى، كما يقال: " فلان يطوف ليلاً، فهو لص " ، وحذفها للإيجاز أو المغالطة.
قياس المقاومة
والمقاومة قياس يبطل أقوى المقدمتين من قياس سابق عليه بإنتاج ما يضادها أو يناقضها.
قياس المعارضة
والمعارضة قياس ينتج نقيض نتيجة قياس آخر أو ضدها.
الفصل الخامس
في البرهان والحد
العلم إما تصور فقط، وإما تصور معه تصديق.
الضروري والكسبي
والمكتسب منهما إنما يكتسب بغيره، وينتهي إلى مبادئ غير مكتسبة، لامتناع الاكتساب على سبيل الدور والتسلسل.
القول الشارح والحجة
وما يكتسب به التصور فحد أو ما يشبهه، وما يكتسب به التصديق فبرهان أو ما يشبهه.
التعليم والتعلّم
فكل تعليم زتعلم ذهني إنما يكون بعلم سابق.
أقسام المطالب
مطلب " ما "
والمطالب أصول وفروع، والأصول ثلاثة مطالب: " ما " ؛ وهو إما أن يطلب شرح الاسم كقولنا: " ما العنقاء " ؟ " ، أو ماهية المسمى كقولنا: " ما الحركة؟ " .
مطلب " هل "
وطلب " هل " وهو إما بسيط يطلب وجود الشيء وأنيته، كقولنا: " هل الحركة موجودة؟ " - ويتخلل في الترتيب بين مطلبي ما " - أو مركب يطلب وجود شيء لغيره كقولنا: " هل الحركة دائمة؟ " .
فروع المطالب
والفروع كثيرة منها " مطلب أي " لطلب التميز وإن أضيفت إلى ما تقدم فكان لكل من التصور والتصديق مطلبان، ومطالب كم؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومَن؟ ويقوم " هل " المركبة مقامها جميعاً في بعض الأحوال.
مطلب لِمَ
ومطلب " لِمَ " وهو مطلب العلة، إما للتصديق فقط، كقولنا: " لِمَ كان الجسم محدثاً " ؟ " أوله وللوجود، كقولنا: " لِمَ يجذب المغناطيس الحديد؟ " .
فهذه أمهات المطالب - أعني الأصول - .
ترتيب المطالب
ويتصل " لم " بهل " فيتبعه.
وكذلك يتبع " ما " الذاتية مطلبي " هل " .
أما البسيطة: فلأن تحقق الماهية متأخر عن تحقق إنيتها، وأما المركبة: فلأن مائية الأعراض الذاتية إنما تتحقق بهليتها لموضوعاتها.
وأيضاً طلب هلية المركبة هو طلب مائية حدودها الوسطى، ولذلك قد يتشارك البرهان والحد في أجزائها في بعض المواد.
البرهان
والبرهان قياس مؤلف من يقينيات ينتج يقينياً بالذات اضطراراً، والقياس صورته، واليقينيات مادته، واليقين المستفاد غايته.
مبادئ البرهان
ومبادئه القضايا التي يجب قبولها، وهي ستة:
الأوليات: كالعلم بأن الكل أعظم من جزئه.
والمحسوسات: أما الظاهرة - كالعلم بأن الشمس مضيئة - أو الباطنة - كالعلم بأن لنا فكرة - .
والمجربات: كالعلم بأن السقمونيا يسهّل الصفراء. والمتواترات: كالعلم بوجود مكة.
والحدسيات: كالعلم بأن نور القمر مستفاد من الشمس إنما يحدسه الناظر في اختلاف تشكلاته بحسب اختلاف أوضاعه منها.
والقضايا الفطرية القياس: كالعلم بأن الاثنين نصف الأربعة.
والأخيرتان ليستا من المبادئ، بل واللتان قبلهما أيضاً، والعمدة هي الأوليات.
برهان " لمَ " و " إن "
والبرهان أما " برهان لم " وهو الذي يعطي العلة للوجود والتصديق معاً كقولنا: هذه الخشبة مستها النار فهي محترقة.
وإما " برهان إن " وهو الذي يعطي التصديق فقط، كقولنا: " هذه الحمى تشتد غباً فهي محترقة " .
والأوسط في برهان " اللم " هو العلة لا النفس الأكبر، بل للحكم به على الأصغر - وإن كان معلولاً لأحدهما - فإن كان معلولاً للحكم يسمى دليلاً وكان برهان " إن " وينقلب أحدهما إلى الآخر بما يشبه قياساً دائراً.
البديهي والكسبي
وكل قضية تتضمن أجزاءها علية الحكم فهي أولية لا يتوقف العقل فيه إلا على تصور الأجزاء، فإنها ربما تكون خفية، فإن كانت العلة خارجة فهي مكتسبة، ولا يحصل اليقين إلا متوسط العلة. فإن الحكم يجب مع علته ويحتمل دونها، وما لا علة له فلا يقين به.
وللمجربات علل خفية يدل على وجودها كونها غير اتفاقية، فهي يقينية وإن كانت مقيدة بشرائط توجد عندها.
ما يفيده الحواس
والحواس لا تفيد رأياً كلياً، وهي مبادئ اقتناص التصورات الكلية والتصديقات الأولية، فمن فقد حّساً فقد علماً.
حكم المتواتر حكم المحسوس
والمتواترات كالمحسوسات.
العلل الأربع
والعلل أربع: ما منه، وما فيه، وما به، وما له.(1/14)
ويقع الجميع في أواسط البراهين كبيان الخسوف بمقاطرة الأرض للنيرين، ووجوب وجود الإصبع الزائدة بوجود المادة المستعدة لقبول صورتها فاضلة عن المقدار الواجب ومساوات مثلثين تساوت أضلاع متقاطرة وزوايا تتخللها منهما بالتطبيق ووجوب تعريض الطواحين بالاحتياج إلى جودة المضغ، وقد يستعمل الجميع في بيان شيء واحد.
وينبغي أن تكون العلل واضحة، والتامة منها هي القريبة التي تكون بالذات وبالفعل، وقد تكون مساوية كالنار للإحراق؛ أو خاصة كالعفونة للحمى.
شرائط مقدمات البرهان
يجب أن تكون مقدمات البرهان - بعد كونها يقينية - أقدم بالطبع وعند العقل من التائج لتكون عللاً بحسب الأمرين؛ وأعرف من النتائج لتعرفها؛ وأن تكون مناسبة - أعني تكون محمولاتها ذاتية لموضوعاتها أولية؛ وأن تكون ضرورية كلية.
الذاتي في باب البرهان
والذاتي ههُنا أعم من المقوم، فأنه يشمل أيضاً الأعراض الذاتية، وهي التي تلحق الموضوع لماهيته - كالضحك للإنسان، والزوجية للعدد. فكل ما يقع في حد الموضوع أو يقع الموضوع في حده فهو ذاتي له كما سنبينه.
الذاتي في العلوم
وفي العلوم يسمى كل ما يقع في حده الموضوع كالزوج للعدد، أو جنسه كالزوج للاثنين، أو معروضه كالناقص للأول، أو معروض جنسه كالناقص لزوج الزوج ذاتياً إذا كان الباحث عنها علماً واحداً.
والأولي هو المحمول لا بتوسط غيره كالجنس القريب والفصل والعرض الذاتي الحقيقي على النوع.
والكلي ههُنا أن يكون المحمول مقولاً على الكل في جميع الأزمنة حملاً أولياً.
والضروري ههُنا ما سميناه عرفية عامية، وقد يقع غير الضروري كالممكنات الأكثرية في مقدمات أمثالها، وكذلك غير الكلي في المطالب الجزئية.
أحوال العلوم
موضوعها
ولكل علم موضوع كالعدد للحساب، وربما يقارن أمراً غيره كالمعقولات الثانية من جهة ما يتوسل بها من المعقولات الحاصلة إلى المستحصلة لهذا العلم، وكالكرة المتحركة لعلم الأكر، وربما يكون أشياء كثيرة مناسبة كموضوعات علم الكلام.
مبادئ العلوم
ومبادئ؛ وهي أما قضايا لا وسط لها، أما مطلقاً كالأوليات - ويسمى أصولاً متعارفة - أو في ذلك العلم - ويسمى مصادرات أو أصولاً موضوعة باعتبارين وهي ما يوضع في ذلك العلم ويتبين في غيره فيلزم المتعلم تسليمها سواء كان مع استنكار أو مع مسامحة؛ وأما حدود؛ ويسمى الجميع أوضاعاً.
مسائل العلوم
ومسائل: وهي ما يطلب البرهان عليها فيه - إن لم تكن بينة.
وموضوعات المبادئ والمسائل هي أما موضوع العلم، أو شيء منه، أو ذاتي له. ومحمولاتها ذاتية لها.
كيفية استعمال المبادئ العامة
والمبادئ العامة إنما تستعمل بالفعل بأن تخصص بالعلم - أما بالموضوع فقط، كما يقال: " المقادير المساوية لمقدار واحد متساوية " ويلزمها التخصيص بالمحمول في المعنى أيضاً وإن لم يذكر.
وأما بالموضوع والمحمول معاً، كما يقال: " العدد أما زوج وأما فرد " وما لا يخص فلا يستعمل إلا بالقوة .
المأخذ الأول والثاني
ولا يكون محمولات المسائل مقومة - لأن المقوم لا يطلب - بل أعراضاً ذاتية؛ وربما يكون محمولات المقدمات كذلك، فإن كان الأوسط للأصغر مقوماً فقط سمي مأخذ أولاً، وإلا فمأخذاً ثانياً.
أعمية العلوم وأخصيتها
وتشارك العلوم وتداخلها وتباينها بحسب أحوال موضوعاتها، فالأعم موضوعاً فوق الأخص - كالهندسة والمجسمات - وكذلك المطلق موضوعاً فوق المقيد - كالكرة، والكرة المتحركة - وربما يدخله التقييد تحت علم مباين لما يعمه موضوعاً كالموسيقى، فإنه تحت العدد - دون الطبيعي - وذلك إذا كانت المسائل تبحث عن ذاتيات ما به يتقيد.
نقل البرهان من علم إلى آخر
وقد ينقل البرهان من أحدهما إلى الآخر، ومن الأعم إلى الأخص.
العلم الأعم
العلم الباحث عن الموجود المطلق هو الذي يرتقي العلوم إليه ويبين مباديها فيه.
القول في الحد
الحد قول يدل على ماهية الشيء بالذات.
للحدود أيضاً مبادئ جلية التصور عقلاً كالوجود، أو حساً كالسواد.
الحد التام والناقص(1/15)
والحد الذي هو بحسب الاسم هو الذي يفسره " هو تفسير - ن " ، والذي بحسب الماهية هو الذي يشتمل على جميع مقوماته من جنسه القريب وفصوله، فإن لم يشتمل فهو ناقص. وربما صار شرح الاسم بعينه بعد الإثبات حداً حقيقياً.
كيف يكتسب الحد
ولا يكتسب الحد بالبرهان لأن المقومات لا يلحق بعلل غير أنفسها، ولذلك تكون واضحة بذواتها، فلا وسط أوضح منها.
بل يتركب الذاتيات المقومة على ترتيبها الطبيعي وإيراد الفصول المحصلة لوجود أجناسها أجمع.
ما يستعان به في تحصيل الحدود
وينتفع في ذلك بتحليل الشيء إلى ذاتياته حتى ينتهي إلى أعلى الأجناس وفصولها المقسمة، وبقسمته إلى جزئياته وأجزائه حتى يعرف ما من شأنه أن يلحقه.
وكل ما له علة مساوية واضحة فحده التام يشتمل عليها. وعندي في أخذ العلل في الحدود نظر.
العلة تقع مبدءاً للفصل
وتقع العلل في الفصول بأن تكون مبادئ لها في قولنا: " السيف آلة صناعية من حديد مطاول محدد الأطراف بها أعضاء الحيوان " ، وقد يقتصر على البعض كقولنا: " الخاتم حلية يلبسها الإصبع " .
وقوع المعلولات والعوارض في الفصل
وكذلك المعلولات - كالنطق في فصل الإنسان، وهو الشيء الذي من شأنه النطق - والعوارض - كالأبعاد في فصل الجسم.
ويتشارك البرهان والحد في أجزائهما، كقولنا مبرهنين: " الغيم جرم مائي يطفي فيه النار، وكلما هو كذلك فقد يحدث فيه صوت، فالغيم قد يحدث فيه صوت، وكل صوت يحدث في الغيم فهو رعد، فالغيم قد يرعد " . وقد تم بقياسين على الأوسطين، أحدهما بدء بالبرهان والآخر كماله ويليه الجنس.
فإذا حددنا انعكس الترتيب فقلنا: " الرعد صوت يحدث في الغيم لانطفاء النار فيه " وإن اقتصرنا فيه على المبدأ أو الكمال نقص الحد.
تقدم أجزاء الحد على المحدود
وأجزاء الحدود أقدم بالطبع وأعرف من المحدود
الرسم
والرسوم ما يشتمل على الأعراض الذاتية والخواص البينة ويفيد التميز فقط، وأجودها ما يوضع فيه الجنس؛ والمقومات إذا لم يترتب على الترتيب الطبيعي كان المركب رسماً.
حد الأعراض الذاتية مع بذكر معروضاتها
والأعراض الذاتية لا يمكن أن تحد إلا مع ذكر معروضاتها.
حد المضاف يشمل ذكر المضاف إليه
ولا المضافات إلا مع ذكر ما يضاف إليه.
حدود المركبات
ولا المركبات إلا بحدود مركبة من حدود أجزائها.
البسائط لا يمكن أن تحد
والبسائط العقلية لا حدود لها.
الشخص الجزئي لا حد له ولا برهان عليه
والأشخاص الجزئية لا حدود لها ولا براهين عليها إلا بالعرض لامتناع إدراك تشخصاتها بالعقل دون الحس أو ما يجري مجراه كالإشارة لكونها معروضة للاستحالة والفناء، والحدود والبراهين تتألف من كليات لا تستحيل ولا تفنى - بل تدوم صادقة على ما يقال أو يقام عليه.
الفصل السادس
في الجدل
الجدل صناعة علمية يقتدر معها على إقامة الحجة من المقدمات المسلّمة على أي مطلوب يراد، على محافظة أي وضع يتفق، على وجه لا يتوجه إليها مناقضة بحسب الإمكان.
السائل والمجيب
وناقض الوضع بإقامة الحجة سائل وغاية سعيه أن يلزم، وخافظه مجيب وغاية سعيه أن لا يلزم.
مبادئ الجدل
ومبادئ الجدل عند السائل هي ما يتسلمه عن المجيب، وعند المجيب الذيعات وهي المشهورات الحقيقية؛ أما مطلقة يراها الجمهور ويحمدها بحسب العقل العملي، كقولنا: " العدل حسن " - ويسمى آراء محمودة - أو بحسب خلق أو عادة أو قوة من القوى النفسانية كحمية أو رقة، " رأفة - ن " أو بحسب استقراء - وبالجملة بحسب شيء غير بديهية العقل النظري - وأما محدودة يراها جماعة أو أهل صناعة - كامتناع التسلسل عند المتكلمين.
المشهورات
والواجبة قبولها مشهورة بحسب الأغلب، ولا تنعكس، وتستعمل في الجدل لشهرتها لا لوجوب قبولها، وليس كل مشهور صادقاً، بل المشهور يقابل الشنيع، كما أن الصادق يقابل الكاذب.
وربما كان المتقابلان مشهورين بحسب آراء مختلفة، كالقول بأن اللذة مؤثرة، أو ليست.
وقد يستعملها الجدلي في وقتين لغرضين.
مادة الجدل وصورته(1/16)
فمبادئ الجدل مسلمات: إما عامة، وإما خاصة، وإما بحسب شخص. وإنما يؤلف على وجه ينتج بحسب الشهرة قياساً كان أو استقراء - والقياس أشد إلزاماً لأنه أقرب إلى العقل، والاستقراء أتم إقناعاً لأنه أقرب إلى الحس.
والجدل أعم من البرهان مادة وصورة.
فائدة القياس الجدلي
ومنفعته إلزام المبطلين والذب عن الأوضاع، وإقناع أهل التحصيل من العوام والمتعلمين القاصرين عن درجة البرهان، أو الذين لم يصلوا إلى موضعه بعد.
موضوع نظر الجدلي
وليس موضوع نظر الجدلي بمحدود، بل قد ينظر في كل فن من النظرية والعملية وما يجري مجرى المنطقية مما ينفع في غيره.
بماذا تحصل ملكة الجدل
والأدوات التي تفيد الارتياض بها ملكة الجدل أربع: استحضار المشهورات من كل نوع، وأعدادها، والاقتدار على تفصيل معاني الألفاظ المشتركة والمشككة وعلى التمييز بين المتشابهات بالفصول والخواص ليقتدر بها بإيراد الفرق على إخراج شيء من حكم يعمه وغيره، وعلى تحصيل التشابه بين المتباينات بالأوصاف الإيجابية والسلبية ليقتدر على إدخال الشيء في حكم يثبت لغيره.
الموضوع في الجدل
وكل حكم منفرد يتشعب منه أحكام جزئية يصلح لأن يجعل مقدمات الأقيسة يسمى موضعاً، وربما لا يكون مشهوراً، وإنما تلحق الشهرة جزئياته.
مقدمات الجدل
والمقدمات هي التي يسئل عنها وتتألف منتجة لما يكون ناقضاً للوضع.
محمولات الجدل
ومحمولاتها إن كانت مساوية لموضوعاتها فهي حدود أو خواص، والخواص مفردة ومركبة - ومنها الرسوم - وإن لم تكن مساوية فالواقعة منها في طريق " ما هو " أجناس أو فصول ولا يفرق بينهما ههُنا؛ وغيرها أعراض.
شرائط المحمولات الجدلية
ولا بدّ من إثبات الوجود في الأعراض، ومن إثبات المساواة أو الوقوع في جواب " ما هو؟ " مع ذلك في الخواص والأجناس، ومن القيام مقام الاسم مع جميع ذلك في الحدود - وهذا بحسب الشهرة - .
والتحقيق يقتضي إثبات كون كل شرط يخص بعضها مسلوباً عن البعض الآخر، ليتم تحققه، وأن يكون الحد متساوياً للماهية ولا يحتاج إلى إثباته.
وأما ههُنا فقد يكتفي بما يميز - أي شيء كان - ولذلك ربما يحتاج إلى إثباته، فالأسهل إثباتاً أعسر إبطالاً وبالعكس.
ما ينبغي أن يتدرب فيه المجادل
وينبغي للجدلي أن تكون عنده مواضع معدة للإثبات والإبطال مطلقاً، ومواضع تخص الجنس والخاصة والحد. وتلحقها مواضع الأولى والآثر - وهي متعلقة بالأعراض - ومواضع لهو هو - وينتفع بها في الحدود - .
وتفصيل المواضع لا يليق بالمختصرات فلنقتصر على الأمثلة.
مواضع الإثبات والإبطال
ونقول: من مواضع الإثبات والإبطال ما يتعلق بجوهر الوضع، وهو أن يحلل المطلوب وأجزاؤه إلى ذاتياتها وعوارضها، ومعروضاتها ولوازمها، وملزوماتها وجزئيتها، وأجزائها كلها بحسب الشهرة، ويطلب منها ما يقتضي الإثبات والإبطال بالقياس أو بالاستقراء.
ومنها أن يطلب ما يقابله أو يناقضه، ويطلب منه ما يلحق جزءاً منه دون الجزء الآخر للإبطال.
ومنها ما يتعلق بالأمور الخارجة، كالشروط المذكورة في التناقض، فإن اختلافها يفيد الإبطال.
وأيضاً أحوال الثبوت - كالدوام واللادوام، والأكثرية والأقلية - فإنها تفيد الإثبات.
ومنها مواضع عامة مشتركة، مثل ما يحكم بلحوق ضد اللاحق بحال لضد الملحوق بتلك الحال، أو بعينه لضد تلك الحال؛ أو بلحوق اللاحق بعينه لضد الملحوق بضد تلك الحال. كما يقال - مثلاً - : " إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسناً فالإساءة إلى الأعداء حسنة، أو إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسناً فالإساءة إلى الأصدقاء قبيحة أو إن كان الإحسان إلى الأصدقاء حسناً فالإحسان إلى الأعداء قبيح " .
ومثل لحقوق الضد بمثل ما يلحق به ضده على السوية - كالبغض بالشهوية للحوق الحب بها - .
ومنه ما يقابله، كقولنا: " إذا كان الشيء ثابتاً فمساويه ثابت " " وإذا كان غير الأولي فالأولى ثابت " .
وفي الإبطال بالعكس. وأيضاً حكم المتشابهات واحد.
وأيضاً يثبت لمقابل الموضوع ما يقابل محموله، مثل أن يقال: " إن كانت الشجاعة فضيلة فالجبن رذيلة " . ومن النظائر والاشتقاقات: " إن كان الشجاع فاضلاً فالشجاعة فضيلة " .
ومن التصاريف: " إن كان ما يجري مجرى العدل يجري مجري الشجاعة فالعدل شجاعة " .
مواضع الأولى والآثر(1/17)
ومن مواضع الأولى والآثر كما يقال " كل ما هو أدوم أو أشرف أو أنفع أو أكمل أو أقدم أو أغنى أو ألذ فهو آثر، ومختار الأفاضل، وما يرغب فيه قوم كثير، وما هو تحت جنس أفضل وما يؤدي إلى غاية أسرع وما يفيد خيراً أكثر وما يفيد خيراً بالذات والمطلوب بنفسه والمطلوب في وقته وما يصدر عنه فعله الخاص وما يخاف على تلفه أكثر فهو آثر من غيره.
مواضع الجنس
ومن مواضع الجنس هل هو واقع في جواب ما هو؟ وهو يتناول المتفقات فيه تناولاً واحداً، وهل أورد بدله غيره كفصله أو خاصته، أو عرض من أعراضه؟ مثل قابل الأبعاد، أو المتحرك، أو القائم بالذات بدل الجسم. أو كالمادة مثل الحديد في قولنا: " السيف حديد كذا " أو الفصل كقولنا: " العشق إفراط المحبة " أو النوع كقولنا: " المرض سوء مزاج كذا " أو الانفعال كقولنا: " الهواء حركة الريح " أو الفعل كقولنا: " الماء ما هو مبرد بالطبع " أو غير ذلك، وفي كيفية انقسامه بالفصول، أذاتي أم عرضي؟
مواضع الفصل
وفي الفصل: هل هو كنوع له؟ وهل هو منقسم بجنسين متباينين؟ وهل الجنس مقول على الفصل والفصل على النوع؟ وهل الجنس والنوع في مقولة؟ وهل أحدهما مضاف والآخر غير مضاف؟ وهل ترتفع طبيعة النوع بارتفاعه؟ وهل يحمل الفصل على الجنس حملاً كلياً وبالعكس حملاً ذاتياً، والنوع على الفصل بالوجهين.
مواضع الخاصة
ومن مواضع الخاصة: هل هي مساوية أو أعم؟ أو لاحقة مطلقة أو بشرط؟ وهل أورد غيرها بدلها كالموضوع مثلاً في حمل الإنسان على الكاتب أو الفصل.
وهل هي جيدة؟ - أي بينة يمكن أن يعرف الموضوع بها - وهل هي مميزة تميزاً كلياً أو جزئياً؟ وهل هي مركبة أم بسيطة؟ وتركيبها من الخواص أو من الأعراض العامة؟ وهل هي للموضوع بحيث لو لم تكن للموضوع لكانت خاصة لغيره، كما يقال للنار أنها أخف العناصر وفي المشهور يجب أن تكون خاصة الأشد أشد، وخاصة الضد ضد الخاصة.
مواضع الحد
ومن مواضع الحد: هل ألفاظه دالة بسهولة، أم لا؟ وهل هي مطابقة لمعانيها من غير اشتراك أو اشتباه أو إيهام، أم لا؟ وهل فيها فضل على الكفاية أو نقصان عنها، أم لا؟ وهل فيها تكرار غير ضروري ولا نافع - كما في تعريف الاضافيات والأعراض الذاتية - .
وهل يقوم مقام الاسم؟ وهل هو أبين من المحدود وأقدم، أم لا؟ فإن المساوي والأخفى وما يعرف تعريفاً دورياً ظاهرياً أو خفياً لا يكون حداً.
وهل هو مساوٍ للمحدود؟ وهل هو تابع له في مقوليته - مثلاً في كونه مضافاً، أو قابلاً للأشد والأضعف، أو للاستحالة - ؟ وهل حد الضد ضد الحد؟
مواضع التركيب الحدي
ويجب أن لا يكون حد الكل نفس الأجزاء، بل حدودها، وأن لا يكون لو أسقط جزء أخلّ بالباقي، وأن لا يجتمع من أجزاء لا تجتمع، كما يقال: " الموجود أما هو فاعل أو منفعل " وأن لا يصبر البسيط بسبب الحد مركباً.
مواضع الهو هو
ومن مواضع الهوهو: هل هما واحد بالمعنى والاسم في اللغات والحد واللوازم والملزومات والمعاندات، أم لا؟ وهل ما هو متحد بأحدهما يتحد بالآخر وكل ما مع أحدهما بالاتفاق فهو مع الآخر، أم لا؟ وهل إذا أضيف إليهما أو نقص منهما شيء بعينه صار المجموعان واحداً؟ وينتفع في كل واحد من المواضع الخاصة بالمواضع العامة.
فهذه أمثلة المواضع، ولعظم نفعها يسمى كتاب الجدل بكتاب المواضع.
وصايا السائل
وقد أوصي السائل بأن يعد المواضع ويقدر في نفسه كيفية التوسل إلى تسليم المقدمات من المجيب قبل السؤال، ثم يصرح بالمطلوب بعد ذلك.
وأن لا يبادر إلى تسليم الأهم، بل يتلطف فيه، وليعلم أن تسليمه ممن يدعي الاقتدار في المبادئ وممن يعتاد اللجاج في أواخرها أنجح.
وأن لا يمنع الاستقراء إلا بإيراد النقض، وأن يعلم أن المستقيم أنفع من الخلف، فإن إنكار شناعة ما يقابل المطلوب يضيع السعي في الخلف.
وما يورد السائل حشو قياسه يكون إما للاستظهار في الحجة، أو لإخفاء النتيجة، أو لتفخيم القول، أو لتكلف الإيضاح، والإيضاح يكون بتبديل العبارات وإيراد الأمثلة والاحتجاج بالشواهد والاستعمالات.
والسائل الجيّد من يكون سؤاله عمّا لا محيص عن تسلمه، ويكون قادراً على البيان - يُلزم بغير المشهور ما لا يلزم غيره فيه بالمشهور.
والمجيب الجيد من لا ينكر المشهور ولا يأتيه الإلزام مغافصة " معارضة - ن " .(1/18)
وصايا للمجيب
وأوصى المجيب - الذي يحفظ وضعاً مشهوراً - أن لا يمتنع من تسليم المشهورات؛ والحافظ غيره قد يمتنع ويعتذر له بأن يستفسر عن الألفاظ المبهمة والمصطلحات الغريبة.
وممانعته أما بحسب القول - وهو أن يمنع مقدمات السائل ويلحق بما يسلمه قيوداً لا يتوجه الإلزام معها - وأما بحسب القائل وهو تشويشه بأفعال خارجة عن الصناعة، وذلك قبيح دال على العجز.
ما ينبغي للمجادل
ومن يتعاطى الجدل فينبغي أن يتمهر " يتهد - ن " في إيراد العكس والدور لكل قياس، وفي إيراد مقدمات كثيرة لإثبات كل مطلوب من مواضع مختلفة، وكذلك لإبطاله، وأن يكون آخذاً من كل صناعة يجادل فيها بطريق صالح.
واعلم أن تعميم الأحكام للسائل وتخصيصها للمجيب أنفع وإقامة الحجة بالسائل أخص، والمقاومة والمناقضة والمعارضة بالمجيب، وينبغي أن لا يتكفل السائل هدم كل وضع، ولا المجيب حفظه، بل السائل يهدم الشنيع والمجيب يحفظ المشهور.
الفصل السابع
في المغالطة
كل قياس ينتج ما يناقض وضعاً فهو تبكيت بالحجة، فإن كان حقاً أو مشهوراً كان برهانياً أو جدلياً، وإلا فمغالطي يشبه البرهان أو مشاغبي يشبه الجدل.
ولا بد فيهما من ترويج يقتضي مشابهة - أما في مادة أو صورة - .
والآتي به غالط في نفسه، مغالط لغيره، ولولا القصور - وهو عدم التمييز بين ما هو هو وبين ما هو غيره - لما تم للمغالطة صناعة، فهي صناعة كاذبة تنفع بالعرض فأن صاحبها لا يغلط ولا يغالط، ويقدر على أن يغالط المغالط، وقد تستعمل امتحاناً أو عناداً.
فموادها المشبهات - لفظاً أو معنى - ومن المشبهات معنى الوهميات، وهي ما يحكم به بديهة الوهم في المعقولات الصرفة حكمها في المحسوسات، كالحكم بأن كل ما هو موجود فله وضع.
والوهم قد يساعد العقل في قبول ما ينتج نواقضها ويخالفه في النتيجة، فهي كاذبة تشبه الأوليات، وأما أحكام الوهم فيما يحس فصحيحة يشهد له العقل بذلك.
أسباب الغلط - اللفظية
ولهذه الصناعة أجزاء صناعية وخارجة، والأولى ما يتعلق بالتبكيت.
وأما أسباب الغلط مطلقاً: فأما لفظية؛ وهي ستة: اشتراك اللفظ المفرد بحسب جوهره أو بحسب هيئة في نفسه - كاختلاف التصاريف - أو من خارج كاختلاف الأعراب والأعجام والمجازات - والمركب، وهو الاشتراك بحسب التركيب كما يقال: " كل ما يتصوره العاقل فهو كما يتصوره " إذا لفظ: " هو " يعود تارة إلى المعقول، وتارة إلى العاقل فهو كما يتصوره " إذ لفظ: " هو " يعود تارة إلى المعقول، وتارة إلى العاقل، واشتراك القسمة وهو أن يصدق القول مفرداً فيوهم مؤلفاً ويكذب، كما يقال: " زيد شاعر جيد " فيظن جودته في الشعر.
واشتراك التأليف - وهو بالعكس - كما يقال: الخمسة زوج وفرد " فيظن أنه زوج وفرد.
أسباب الغلط - المعنوية
وأما معنوية؛ وهي سبعة: لأنها تقع أما في أجزاء القضايا، بأن يؤخذ بدل ما هو جزء ما يشبهه من اللوازم والعوارض، كمن رأى انساناً أبيض يكتب فيظن أن كل كاتب يكون كذلك، فأخذ الأبيض بدل الكاتب - ويسمى " أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات " أو بأن يؤخذ مع الجزء ما ليس منه، أو يخلى ما هو منه - مثل القيود والشروط - كمن يأخذ " غير الموجود " شيئاً غير موجود مطلقاً، ويسمى " سوء اعتبار الحمل " .
أو في تأليفها: كمن رأى الخمر احمراراً مائعاً فظنّ أن كل أحمر مائع هو الخمر - وهو إيهام العكس - وأما في تأليف القضايا: أما تأليفاً قياسياً: فإن كان في نفس القياس أما صورة - بأن يكون على هيئة غير منتجة - أو مادة - بأن يكون منحرفاً عن الإنتاج بإغفال الشرائط بحيث لو صار كما يجب لصار كاذباً، أو لو صار بحيث يصدق لصار غير قياس، وهو سوء التركيب، وإن كان فيه باعتبار النتيجة بأن يكون غير مشتمل على إنتاج ما هو المطلوب فهو " وضع ما ليس بعلة علة " أو بأن لا يفيد علماً غير ما وضع فيه وهو " المصادرة على المطلوب " .
أو تأليفاً غير قياسي كما يقال: " زيد وحده كاتب " ويسمى: " جمع المسائل في مسألة واحدة " .
ومن تصفح القياس وأجزائه فوجدهما على ما ينبغي مادة وصورة، ولفظاً ومعنى، مركبة ومفردة، أمن من الغلط.
أسباب المغالطة... الخارجة عن القياس(1/19)
وأما الخارجيات فما تقتضي المغالطة بالعرض، كالتشنيع على المخاطب وسوق كلامه إلى الكذب بزيادة أو تأويل أو إيراد ما يحيره من إغلاق العبارة، أو المبالغة في أن المعنى دقيق، أو السفاهة، أو ما يمنعه من الفهم - كالخلط بالحشو والهذيان والتكرار.
الفصل الثامن
في الخطابة
الخطابة صناعة علمية يمكن معها إقناع الجمهور فيما يراد أن يصدقوا به قدر الإمكان.
منفعة الخطابة
وهي في الإقناع أنجح من غيرها، كما أن الجدل في الإلزام أنفع.
وينتفع بها في تقرير المصالح الجزئية المدنية وأصولها الكلية كالعقائد الإلهية والقوانين العلمية.
وموضوعاتها غير محدودة - كما في الجدل - فقد ينظر في الإلهيات والطبيعيات والخلقيات والسياسيات.
أجزاء الخطابة
ويشتمل على عمود وأعوان: فالعمود قول يفيد إقناعاً.
والأعوان أقوال وأفعال خارجة تعين عليه؛ وهي إما نصرة " بصيرة - ن " كالشهادة، وأما حيلة تعد المستمع لأن يذعن ويسمى استدراجات؛ والأعداد أما بحسب القائل - لفضائله وشمائله المقتضية لقبول قوله - وأما بحسب القول - كتصرفات في الصوت والكلام يؤدي إليه - وأما بحسب المستمع - وهو إحداث انفعال فيه كالرقة في الاستعطاف والقساوة في الإغراء، أو إيهام خلق الشجاعة أو السخاوة بمدح أو غيره.
أقسام المستمعين
والمستمعون ثلاثة: مخاطب، وحاكم، ونظارة.
والتصديقات المستحصلة أما صناعية تثبت بحجج مقنعة، أو غير صناعية تثبت بسنّة مكتوبة.. كوجوب الصلاة - أو غير مكتوبة - كوجوب الإنصاف - وربما تخالفتا كجواز النكاح على الصالحة وأخذ الدية من العاقلة؛ فإن المكتوبة تقتضيها " نقيضها - ن " دون غير المكتوبة؛ أو بشهادة أو بعهد أو بيمين أو بتعذيب أو بما يجري مجرى ذلك.
مبادئ الحجج الخطابية
ومبادئ الحجج الخطابية أصناف ثلاثة: أولها المشهورات الظاهرة التي تحمد في بادئ الرأي مغافصة، كقول القائل: " انصر أخاك وإن كان ظالماً " وربما خالفت الحقيقية فإنها تقتضي " أن لا تنصر الظالم وإن كان أخاً " والحقيقية تحمد بحسب الظاهر في الأغلب ولا ينعكس؛ ومنها ما يحمده قوم أو شخص وينتفع به في مخاطباتهم.
وثانيهما المقبولات ممن يوثق بصدقه كنبي أو إمام، أو يظن صادقاً كحكيم أو شاعر.
وثالثهما المظنونات، كما يقال: " زيد متكلم مع الأعداء جهاراً فهو متهم " وربما يكون مقابله مظنوناً باعتبار آخر، كما يقال ذلك بعينه في نفي التهمة عنه.
تأليفات الخطابة
وتأليفاتها: ما يظن منتجاً فهي مقنعة بحسب المواد والصور معاً ويستعمل القياس والتمثيل فيها ويسميان " تثبيتاً " ويسمى القياس " ضميراً " لحذف كبراه أو " تفكيراً " لاشتماله على أوسط يستنبط بالفكر، ويسمى التمثيل " إقناعاً " والمنتج عنه بسرعة " برهاناً " .
والقياس الظني قد لا يكون منتجاً في الحقيقة، كموجبتين في الشكل الثاني، ويسمى " رواسم " .
والتمثيل قد يكون خالياً عن الجامع.
وقد يقع الاستقراء فيها أيضاً، ويقنع بجزئيات كثيرة.
والتوبيخ فيها كالخلف.
والمقدمة التي من شأنها أن تصير جزء يثبت فهي موضوع، وينبغي أن لا يكون دقيقاً علمياً ولا واضحاً عن ذكره غنى.
ما تستنبط منه الخطابة
والقوانين التي تستنبط منها المواضع تسمى أنواعاً، وقلّما يبحث في الخطابة عن الضروريات، بل يبحث في الأكثر عن الأكثريات.
والدليل: ضمير على هيئة الشكل الأول، والعلامة: على هيئة الشكلين الأخيرين؛ مثالها: " فلان طاف ليلاً فهو لص " " فلان أصفر فهو وجل " " فلان شجاع وظالم فالشجعان ظلمة " .
والرأي قضية كلية ينتفع بها في العمليات، ويستعمل مهملاً، كقولنا: " الأصدقاء ناصحون " وربما كان شنيعاً ويكتسب بمقارنة حمد، كما يقال: " لا تكن فاضلاً لئلا تحسد " .
والأمثلة نافعة جداً، وهي أما شواهد مشهورة - حكايات أو أبعاضها - أو مخترعات غير ممكنة كما يوضح على ألسنة العُجم من الحيوان، أو ممكنة يخترعها الخطيب، أو أبيات.
أقسام الخطابة
والمخاطبة إما مشاورة تفيد إذناً أو منعاً؛ وأما منافرة تثبت مدحاً أو ذمّاً؛ أو مشاجرة تقتضي شكراً أو شكاية أو اعتذاراً. وهذان خصاميان.
أقسام المشهوريات(1/20)
والمشهوريات عظام كما تشتمل عليها الشرائع والسنن والسياسات، وكما يتعلق بحفظ المدن وأمور الحرب والصلح وجمع المواد وانفاقها من القوانين، وهي أما كليات يشرعها الشارع بإعطاء الأصول، ويتمها من يتبعه من المجتهدين بتفريع الفروع، أو جزئيات يشير في مأخذها الواقفون عليها وفي العمل بها في الأشخاص الحكام وغيرهم من المبسوطين.
وغير عظام يشير فيها الخطيب الفطن.
ما يلزم إعداده للخطيب
وعليه إعداد أنواع لما ينسب إلى الخير والشر؛ أما الخير فبدني كالقوة والصحة والجمال والنسب والثروة والفصاحة والصيت الحسن والبخت؛ أو نفساني كالعلم والذكاء والزهد والجود والشجاعة والعفة وحسن السيرة والأخلاق المرضية وحصول التجارب والصناعات، والشر ما يقابلها.
ولما ينسب إلى النافع: وهو كل ما يوصل إلى شيء من الخيرات كالجد والطلب وتحصيل الأسباب وانتهاز الفرص وموافاة " مواتاة - ن " البخت؛ أو إلى الضار: وهو كل ما يعوق عنه أو يوصل إلى الشرور، كإيثار اللذة، والكسل، واللهو، والبطالة، وفوات الأسباب، وضياع الفرص، وسوء التوفيق.
ولما يتعلق بالأشد والأضعف كالحكم بأن أفضل الخيرات أعمها وأدومها وأعظمها وأعزها وأنفعها وأشهرها؛ وما يتبعها خيرات أكثر، وما يكون الاحتياج إليه أكثر وما يرغب فيه الأكابر أو الجمهور أكثر، وما يقابل ذلك.
وعلى المشير في المنافرات أعداد أنواع الأسباب - الفضائل والرذائل - مثلاً في العدل من كون الغنى والعلم والخشية من الله تعالى، وطلب الثناء بما يوجب العدل؛ وفي الجور من كون الاحتياج، والوثوق بأن لا يطالب، وعدم الموالات بالعواقب وضعف المجوَّر عليه - وأمثال ذلك مما يقتضي الجور - وكذلك في سائرهما؛ وفي المدح والذم بهما.
وفي المدح بالرذائل من طلب ما يشارك الفضيلة المناسبة له؛ مثلاً في الجربزة من الكياسة في الرأي، وفي الفسق " العشق - ن " من لطف المعاشرة، وفي البلاهة من قلة المبالات بما لا يعني، وفي التهور من الإقدام في الأخطار، وفي التبذير من البذل - وكذلك في عكس ذلك.
وفي المشاجرات إعداد أنواع الأسباب - الأفعال الضارة من حب اللهو والبطالة والشرارة واستباحة التصرف في الأموال والأعراض والدماء، والاستهزاء بالخلق - أو غير الضارة فيما يغاير ذلك؛ ولأحوال الجور في وقوعه وفي لا وقوعه مما يقتضي ذلك مطلقاً.
وأيضاً على الخطيب مطلقاً إعداد أنواع مشتركة؛ منها ما يعدّ للاستدراجات من مبادئ الانفعالات والأخلاق.
مثلاً للغضب من باب الأضرار والاستهانة، والكفران والوقاحة، ولفتوره من باب الاعتراف بالذنب والاعتذار والتذلل، والتلقي بالهشاشة، أو بالخوف من الغاضب؛ وللحزن مما يوجب تصور فوت المرغوب فيه، أو حصول المحذور عنه، وعدم الانتفاع بالحيلة والتدبير في ذلك؛ وللتسلية مما يتعلق بكون ذلك مما يمكن أن يدفع أو يرجى التلاقي والتدارك، أو باعتبار حال الغير، أو بالارشاد إلى الحيل، وللخجلة مما يتعلق بخوف الفضيحة وتصور الدناءة واستشعار الشماتة من الأعداء والاستهزاء من غيرهم ولاكتساب الصداقة من جهة الإيثار على النفس والإحسان من غير منة وستر العيوب والنصرة في الغيبة والوفاق، ولإبطالها بأضداد ذلك.
وللحسد من جهة مشاهدة خير يرى الحاسد نفسه أولى به أو في من لا يحبه؛ وللغيرة من جهة تخيل المشاركة ممن لا حق له في الحقوق من غير إدخال صاحبها إياه فيها، ولدواعي الشكر من جهة الإنعام بلا منّ في وقت الحاجة أو مثلها أو دفع الأذى بغير توقع والنصرة من غير توقع بذل؛ ولدواعي الشفقة من جهة وجود العناية الصادقة، أو تصور الضعف والعجز عن دفع الشر ممن يعني بع، أو لقصور لحوق ضرر بمن لا يستحقه، ولدواعي الشجاعة من جهة تخيل وفور القوة وكثرة الناصر والتوفيق بالعاقبة المرضية أو بكبر النفس وأضدادها مما يتعلق بأضداد ذلك.
وكذلك مما يقتضي كل خلق يختص بصنف مما يختلف بحسب الأسنان، كطلب اللذة في الشبان وطلب النفع في الشيوخ، أو بحسب البلدان، كالفصاحة وغلظ الطبع في العرب، وحسن التدبير وسرعة الملالة في الفرس، والذكاء والحيلة في الهند، أو بحسب الهمم، كالتكبر وعدم الالتفات إلى الغير في الملوك، والدناءة في السوقيين، والغرور في أصحاب البحث.(1/21)
ومنها ما يتعلق بإمكان الأمور كما يقال: " كلما يستطاع أو يجتهد فيه فهو ممكن " و " كلما هو لشخص ممكن فلغيره ممكن " و " إذا كان الأصعب ممكناً فالأسهل ممكن " ؛ أو بوقوع وجودها كما يقال: " ما حدث لشخص فهو لمثله متوقع " و " ما يقع في وقت فوقوعه في مثل ذلك الوقت متوقع " أو كونها كما يقال: " المؤثر كائن، فالأثر كائن " و " الأندر كائن فالأكثري كلئن " و " كلما يقصده قادر عليه بإيجاده فهو كائن " .
أو تعظيمها لقربها " لعزتها - ن " ونفاستها وعظم فائدتها، أو ما يقابل ذلك. وقس على ذلك.
والغرض من هذه الأمثلة الهداية إلى كل أسلوب فليطلب التفاصيل من الكتب الكبيرة.
استعمال المتقابلات في الخطابة
وتقع في الخطابة القضايا المتقابلة لاختلاف الاعتبارات، مثلاً يقال: " قل لأنك إن صدقت أحبك الله، وإن كذبت أحبك الناس " و " اسكت لأنك إن صدقت أبغضك الناس، وإن كذبت أبغضك الله " . وللمقر بذنبه: " أنه مذنب، لأنه إن صدق فهو مذنب، وإن كذب فالكاذب مذنب " .
الضمائر المحرفة
والمغالطة ههُنا أن أوقعت إقناعاً فهي من الصناعة وتسمى بالضمائر المحرفة من باب الاشتراك، كمدح الكلب بأن كلب السماء أضوء كواكبها، ومن باب تركب المفصل: " فلان يحسن الكتابة لأنه يعد حروف الهجاء " ومن باب وضع ما ليس بعلة عنه: " فلان مبارك القدم لأنه مع قدومه تيسر الأمر الفلاني " ؛ ومن باب المصادرة على المطلوب إذا قيل: " لمَ قلت: فلان أذنب؟ فيقال: لأنه أذنب " - وكذلك في سائرها.
وإن لم أتوقع إقناعاً لكونها غير معقولة فهي خارجة عن الصناعة، كما لو قيل: " فلان القاتل غير مجرم لأنه قتل في حال السكر بغير اختيار منه " .
قرب الأنواع إلى الجزئيات أحسن
وكلما كانت الأنواع إلى الجزئيات أقرب كان أخذ المواضع منها أسهل؛ وأيضاً كلما كانت المقدمات بالجزئيات أخص كانت أقنع؛ مثلاً إذا قيل: " زيد فاضل لأجل الفضيلة التي صدرت عنه في المقام الفلاني " كان أنفع مما لو قيل: " لأنه مستجمع للفضائل " .
توابع الخطابة
وأما توابع الخطابة - وتسمى تزيينات " ترتيبات - ن " فثلاثة أشياء: أولها يتعلَّق بالألفاظ؛ وهو أن تكون عذبة غير ركيكة عامية ولا مبيّنة فيرتفع عن أن يصلح لمخاطبة الجمهور، فإن الطبائع العامية قد تستوحش عن العمليات وأن تكون جيّدة الروابط والانفصالات.
وقد يتزين اللفظ بالاستعارة والتشبيه وما يجري مجراهما والاستكثار فيه قبيح.
وبأن يكون ذات وزن والوزن ههُنا غير الحقيقي - بل ما يشبهه كما في قوله تعالى، " إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم " 82 - 13 - 14 والتقسيمات والتسجيعات وإيراد القرائن أيضاً تقتضي هذا الوزن.
ولكل من الملفوظ والمكتوب أسلوب خاص وكذلك لأصنافها.
وثانيها: الترتيب؛ كالتصدير بما يلوح بالمقصود والاقتصاص بالمقصود صريحاً والتبيان له بما يقنع؛ والخاتمة وهو الختم بالتذكير، وربما يختص بعض الأصناف بالبعض، كما أن التصدير في الشكاية قبيح.
وثلثها الأخذ بالوجوه والنفاق - وهو من الحيل - وقد يتعلق بالقول مثل رفع الصوت في موضوع يليق به، أو خفضه، فإنه يفيد إيذاناً لحال القائل أو استدراجاً في المخاطب.
وقد يتعلق بالقائل كتزكية نفسه أو كونه في زي وهيئة يليقان به.
ولا يمكن استعمال أكثر هذا القسم في المكتوبات وضعفاء العقول للاستدراجات أطوع، وكذلك يطيعون " يعظمون - ن " المتنسك وإن كان مبتدعاً.
الفصل التاسع
في الشعر
صناعة الشعر ما يقتدر معها على إيقاع تخيلات تصير مبادئ انفصالات نفسانية مطلوبة.
موارد استعمال الشعر
ومنفعتها العامة في الأمور المدنية الجزئية المذكورة، وربما يكون أنفع من الخطابة، لأن النفوس العامية للتخيل أطوع منها للإقناع، والخاصة الالتذاذ بها والتعجب.
والسبب في كون التخيل محاكاة ما، فإن المحاكاة لذيذة كالتصوير مثلاً، وإن كان لشيء قبيح، فمنها طبيعية - قولية أو فعلية، كما يصدر عن الببغاء، والقرد - ومنها صناعية؛ وهي إما مطابقة ساذجة، أو مع تحسين، أو مع تقبيح.
تعريف الشعر
والشعر من الصناعات، وهو عند القدماء: " كلام مخيل " : وعند المحدثين: " كلام موزون متساوي الأركان مقفّى " ولا يعتبرون التخيل في كلامه؛ واعتبار الجميع أجود.(1/22)
والوزن يعرف في الموسيقى ماهية، وفي العروض استعمالاً، والقافية تعرف في عملها.
مواد الشعر
ومواد الشعر من القضايا هي المخيلات، وهي ما يؤثر في النفس فيبسطها ويقبضها أو يفيدها تسهيل أمر أو تهويله، أو تعظيمه، أو تحقيره، كما يقال للمشروب المر: " أنه خمر لذيذ " فيسهل التخيل شربه على من اعتاد الخمر، وللعسل: " أنه مر مقيء " فينفر الطبيعة عنه، وربما تكون أولية أو مشهورة باعتبار آخر.
الشعر التام
والشعر التام يحاكي بالكلام المخيل، وبالوزن، وبالنغمة المناسبة - إن قارنتها؛ والكلام يحاكي أما بالألفاظ أو بالمعاني أو بهما، وكل واحد منهما أما بحسب جوهره أو بحسب حيلة، فالألفاظ تحاكي بجوهرها إذا كانت فصيحة جزلة، والمعاني تحاكي إذا كانت غريبة لطيفة، وهما معاً إذا كانت العبارة بليغة أدت حق المعنى اللطيف من غير زيادة أو نقصان.
وأما المحاكاة بحسب الحيل فهي التي تسمى بالبديع والصنعة، فمنها ما يختص بالشعر، ومنها ما يختص بالكلام المنثور، ومنها ما يتشاركان فيه، وقد تكون بمشاكلات ومخالفات تامة أو ناقصة في الألفاظ أو في أجزائها أو في المعاني أو فيهما؛ ولها علم خاص يتكفل ببيانها.
والاستعارة والتشبيه من المحاكاة، والمحال منها تسمى خرافات " جزافاً - ن " وربما تكون أملح.
والمحاكاة الشعرية تكون أما بالاستدلال وأما بالاشتمال؛ والأول أن يدل بالتشبيه على الشبيه، والثاني أن يترائى بشيء ويراد غيره " وإيراد شيء آخر - ن " .
والاستدلال أما بالمحاكاة المطابقة، أو بغير المطابقة الممكنة، أو المحالة، أو بالتذكر - كالربع للحبيب - وأما بالمشابهة كالشراب للماء.
وسوء محاكاة الشاعر كغلط القائس، وهو بتقصير، أو تحريف، أو كذب ممكن، أو محال.
ولا يمكن إعداد المواضع والأنواع للمخيلات كما تعد للمشهورات، لأنها كلما كانت أغرب فهي ألذ وأعجب.(1/23)