إختيار جنس المولود من منظور إسلامي
أ.د. حسن بن صالح جمال
أستاذ طب النساء والولادة
كلية الطب ، جامعة الملك عبد العزيز
لا شك أن المسلم يعلم علما تاما بأن الله سبحانه وتعالى هو الواهب والمتحكم في جنس المولود ذكرا كان أم أنثى قال تعالى في سورة الشورى ( لله ملك السموات والأرض يخلق من يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانا واناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير) ويقول المولى عز وجل في سورة آل عمران (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) ولذلك فإن التحكم في جنس المولود هو مشيئة الله سيحانه وتعالى . ولكن علم الله سبحانه وتعالة يكشف لبعض خلقه أو لعلمه لهم لحكمة هو يعلمها ومن ذلك إمكانية ترجيح جنس المولود وإعطاء الأسرة تحقيق رغبتها في جنس المولود .
والمحاور التي سوف يتطرق إليها المحاضر في هذه المحاضرة هي :-
ما هي مقاصد التحكم في جنس المولود
اختيار جنس المولود من الناحية الطبي والعلمية (إمكانية الاختيار)
اختيار جنس المولود من الناحية الشرعية مع ذكر بعض الفتاوى في ذلك
هل يجوز للأسرة المسلمة أن تحقق رغبتها في ترجيح جنس المولود ، فيكون المولود ذكرا أم أنثى ؟؟؟
الاستغناء عن الأجنة المجمدة في أطفال الأنابيب من منظور اسلامي
أكثر من عشرين عاما مرت على ولادة أول طفلة بريطانية بواسطة عملية طفل الأنابيب كما أن هناك تقدم هائل في التقنية في إجراء هذه العملية ولا شك أن الكثير من المجمعات الفقهية ناقشت هذا الموضوع وشرعيته بصورة موسعة إلا أن بعض المشاكل الخاصة بعملية أطفال الأنابيب لا زالت عالقة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :
…هل كل عمليات أطفال الأنابيب جائزة وما هو مصير الأجنة المجمدة ؟؟؟(1/1)
من خلال هذه المحاضرة سوف يتطرق المحاضر إلى محاور هامة في هذا الخصوص خاصة في مصير الأجنة التي في البنوك ، وشرعية تجميد الأجنة وتعامل الطبيب المسلم مع هذه القضية كما يتطرق الماضر إلى النظام العلمي المعمول به في حالات الأجنة الفائضة والجانب النفسي للمريض(1/2)
اخلاقيات ممارسة الطب في المملكة
الواقع والمنظور المستقبلي
الأستاذ الدكتور جمال صالح الجار الله
استشاري طب الأسرة
جامعة الملك سعود– مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض
تمثل أخلاقيات الطب ركنا أساسا في ممارسة المهنة فهي جزء منها ولا تنفك عنها.وفي كل
جانب من جوانب الممارسة اليومية يمكن أن تبرز الجوانب الأخلاقية مع تفاوت درجة هذا البروزمن موقف لآخر. لقد مرت الممارسة الطبية في المملكة بمراحل متعددة بدأت بخطوات بسيطة وخدمات متواضعة سرعان ما قفزت قفزات هائلة هانحن نشهد جوانب تطورها نعيشها ونلمسها. لقد أفرزت هذه القفزة معها كثيرا من الإشكالات والتساؤلات التي كان لا بد من معالجتها والنظر فيها ومن هنا بدأ الإهتمام بأخلاقيات المهنة وممارستها, وصاحب ذلك تطورات وتغيرات أخرى في المجال الصحي فرضت نفسها ففرضت رؤية جديدة لأخلاقيات المهنة.
سوف نستعرض في هذه الورقة ملامح تلك المراحل لنطل من خلالها إلى تحديات المستقبل وكيف نتعامل معها.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل(2/1)
استئذان المريض في إجراء عمليات تداخلية
أ.د. حسن أبو عائشة
استاذ الطب الباطن ، جامعة الرباط الوطني ، الخرطوم ، السودان
التعريف الطبي للإذن :-
الإذن الطبي هو أن يُبيح المريض ، أو وليه الشرعي ، للطبيب
المأذون له ، بالقيام بإجراء طبي على المريض في ظرف مكاني وزماني محدد .
يكون الإذن الطبي مطلقا ، أو مقيدا . بالمطلق هو الذي يأذن فيه الآذن للطبيب بالقيام بالعمل الطبي الذي يستدعيه علاجه . والمقيد هو الذي يُحدد فيه الآذن فعلا طبيا معينا يأذن بفعله .
أغراض الاستئذان الطبي :
يُطلب الأذن الطبي من المريض أو وليه الشرعي للأغراض التالية ، متفرقة أو مجتمعة : التداخل بالأدوية والعقاقير الطبية لغرض العلاج ، أو التداخل بالعمليات الجراحية لغرض العلاج ، أو للأغراض البحث العلمي .
من يحق له الإذن :
الآذن هو المريض الراشد الواعي والمتبصر والمختار ، فلا يُعتد بإذن القاصر ، ولا المشوش عقليا ، ولا بالغافل الذي لم يفهم المراد من الإذن ، ولا يُعتد بإذن الشخص المُكره على قول أُكره عليه .
ومتى ما نتفت الأهلية عن المريض بعدم الرشد أو عدم العقل جاز أن يُطلب الإذن من وليه الشرعي . ولايُعتد بإذن الغافل حتى يُبصر بالإجراء الطبي وما يترتب عليه .
والولاية مرتبة بحسب ترتيب الأولياء الشرعي : فأقرب الأولياء شرعاً هو الأبن ثم الأب ثم الأم ، ويقوم مقام الأب الجد وإن علا ، ثم الأخوة الأشقاء ، وهكذا بحسب الترتيب الشرعي .
واجب الطبيب في تبصير المريض أو وليه :(3/1)
يجب على الطبيب المعالج أو من يُمثله أن يُبصّر المريض ذا الأهلية ، أو أولياء المريض فاقد الأهلية ، بالعمل الطبي المقصود ، الغرض منه ، والفائدة المرجوة منه ، والأضرار التي قد تترتب عليه . ويجب على الطبيب المعني أن يتيقن إلى حد مقعول أن المريض ذا الأهلية ، أو ولي المريض فاقد الأهلية قد فهم أركان التداخل الطبي الثلاثة : الغرض منه ، والفائدة ، والضرر الذي قد ينشأ عنه .
يكون الإذن الطبي مكتوبا :
ينبغي أن يكون الأذن الطبي مكتوبا ، ويُوقع عليه المريض ذو الأهلية ، أو ولي المريض فاقد الأهلية ، ويشهد على الإذن شاهدا عدل .
الحالات التي يسقُطُ فيها وجوب الإذن :
يسقط وجوب أخذ الإذن من المريض أو وليه الشرعي قبل التداخل الطبي في حالتين اثنتين :
الحالة الأولى : أن يكون المريض مهددا بالموت أو تلف جسيم في الجسم أو الأعضاء ، ما لم يُسعف عاجلا بطبابة أو جراحة فورية ، ولا تسمح حالته الصحية بأخذ الإذن الطبي .
الحالة الثانية : أن يكون مصابا بمرض معد يُخشى انتشاره في المجتمع ما لم يُبادر بعلاجه ، ففي هذه الحالة يُعالج المريض أو يعزل وإن لم يأذن بذلك .
في الحالتين المذكورتين آنفا يستوثق من صحة حدوثهما بالتشاور مع طبيب حاذق آخر ، ما أمكن ذلك ، ويوثق ذلك في نص مكتوب ومشهود .(3/2)
إظهار و كشف حالات سوء معاملة الأطفال، هل تعتبر كشف لخصوصيات و أسرار المريض؟
عمر ابراهيم المديفر
أستشاري طب النفس العام وطب نفس الأطفال والمراهقين والعلاج الزوجي و الأسري
رئيس شعبة الطب النفسي
مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني – الرياض
أن اساءة معاملة الأطفال واهمالهم هي واحدة من التحديات الأخلاقية التي تواجه
الممارسون العموميون في جميع أنحاء العالم ، وبالطبع فإن المملكة العربية السعودية ليست استثناء في هذا المجال. وفي غياب تكليف واضح في الابلاغ عن اساءة معاملة الطفل ، وفي غياب نظام واضح ومتاح للتدخل فإننا كأطباء ممارسون عموميون نواجه الكثير من المصاعب في هذا الشأن .
وفي قضية مثل هذه ، ومن منظور الممارسة المعتادة للخصوصية والسرية فإن هذه القضايا تصبح خطيرة جدا نظرا لأنه ليس من غير الشائع أن يواجه طبيب الأطفال أو طبيب الطوارئ أو طبيب طب الأسرة موقف يشعر فيه بالشك في أن طفلا قد اسيئت معاملته. وهو يشعر بالارتباك والتخبط في كيفية التصرف في مثل هذه الأمور ، وهذه القضايا تشمل حقوق الأبوين وواجباتهم والوسط الثقافي أو طالما أن الأبوين هما المالكين للطفل وأن الغرباء ليس لهم الحق في التدخل في مثل هذا الشأن فإن مسئولية الفرد في حماية الصغير وديناميكيات الخجل والشعور بالذنب والتي ممكن أن يكون لها دور مؤثر على صورة الأسرة وشرفها إذا تدخلت السلطات.
وهنا سوف نناقش القضايا المختلفة في هذا الشأن ونضع توصيات أخلاقية تصلح للتطبيق من الناحية الثقافية والناحية الدينية بل ويمكن أن يتم التكليف بتطبيقها.(4/1)
إفشاء و إظهار حالات الحمل الغير شرعي
هل يعتبر كشف لاسرار وخصوصيات المريضة ؟
د. حسن سعيد باعقيل – إستشاري الأمراض النسائية و التوليد
الشؤن الصحية للحرس الوطني ، مدينة الملك عبدالعزيز الطبية بجدة
يواجه الاطباء و خاصة اطباء و طبيبات الأمراض النسائية و التوليد صعوبة في التعامل مع حالات الحمل الغير شرعي . فيما يلي مثالين لحالتين مصحوبة ببعض التساؤلات التي تعبر عن الصعوبة التي يعانيها الطبيب او الطبيبة عند التعامل مع هكذا حالات.
المثال الأول : فتاة عزباء تبلغ من العمر 16 عاماً. أتت الي قسم الطوارئ برفقة والدتها واخيها تشتكي من الآم في البطن . أظهر الفحص السريري وجود تضخم في اسفل البطن . تبين من نتيجة فحص البطن و الحوض بالموجات فوق الصوتية وجود حمل ؟
المثال الثاني : فتاة عزباء في حوالي الثامنة عشرة من العمر راجعت المستشفي يصحبها ابوها . كانت تشتكي من الآم في الخاصرة اليمنى وتورم في البطن مصحوب بأعراض بولية . كان من ضمن الفحوصات التي طُلبت لها تصوير شعاعي ملوّن للمجاري البولية . كونها عزباء لم يدر بخلد الطبيب ان تكون حاملاً . بمشاهدة فلم الأشعة تبين وجود هيكل عظمي جنيني ! أحيلت الي استشارى الأمراض النسائية والتوليد .
نطرح هنا الحالات التي يثبت فيها تشخيص الحمل يقيناً…ماذا يفعل الطبيب ؟
يتم في العادة نقل فحوى التشخيص للفتاة ولوالدتها (إنكانت موجودة) او للاقرباء الاناث (إن وجدن) هل يعتبر ذلك إفشاء لسر المريضة ؟
كيف يتصرف الطبيب ؟……عند طلب المريضة عدم إبلاغ أي أحد. وهل يقوم بإبلاغ الأب او الأقارب الذكور؛ هل يعتبر ذلك إفشاء لسر المريضة.
هل يتحمل الطبيب أي مسئولية لو تعرضت الفتاة لأذى جسدي ؟ وهل يتوجب إبلاغ الجهات الرسمية ؟.(5/1)
و إذا لم يتم ذلك هل يعتبر عدم الابلاغ مخالفة ؟ وفي حالة الابلاغ هل ُيقام حد الزنى ؟ وهل هناك مسوغ شرعي لاسقاط الحمل طبياً بطلب من المريضة او اهلها . و كيف يتصرف الطبيب لو اُخبر ان الفاعل هو احد الأقارب؟(5/2)
الاستحالة
الدكتور حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
مستشفى الملك فهد العسكري بجدة
ويقصد بالاستحالة في الاصطلاح الفقهي "تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة أخرى مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات “.
ويعبر عنها في المصطلح العلمي الشائع بأنها كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر كتحويل الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون، وتحلل المادة إلى مكوناتها المختلفة كتفكك الزيوت والدهون إلى حموض دسمة وغليسرين، وكما يحصل التفاعل الكيميائي بالقصد إليه بالوسائل العلمية الفنية يحصل أيضا- بصورة غير منظورة- في الصور التي أوردها الفقهاء على سبيل المثال: كالتخلل والدباغة والإحراق.
ويجمع أهل العلم على أن الخمر إذا استحالت إلى خل انقلبت طاهرة حلال التناول.
وبناء على ذلك تعتبر:
ا- المركبات الإضافية ذات المنشأ الحيواني المحرم أو النجس التي تتحقق فيها الاستحالة كما سبقت الإشارة إليها، تعتبر طاهرة حلال التناول في الغذاء والدواء.
أما المركبات الكيميائية المستخرجة من أصول نجسة أو محرمة كالدم المسفوح أو مياه المجاري والتي لم تتحقق فيها الاستحالة بالمصطلح المشار إليه، لا يجوز استخدامها في الغذاء والدواء مثل: الأغذية التي يضاف إليها الدم المسفوح كالنقانق المحشوة بالدم والعصائد المدماة (البودينغ الأسود) والهامبرجر المدمي وأغذية الأطفال المحتوية على الدم وعجائن الدم والحساء بالدم ونحوها تعتبر طعاما نجسا محرم الأكل لاحتوائها على الدم المسفوح الذي لم تتحقق به الاستحالة.
وتستخدم الكحول في إذابة بعض المواد الطبية كإذابة المواد القلوية التي تذوب في الماء، ومعلوم أن الكحول مادة تتطاير بسرعة عند ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك كحول في الأقراص والحبوب وإنما يوجد الكحول في الأشربة واللعوقات والسوائل المستخدمة في الحقن.(6/1)
وإذا نظرنا إلى الأدوية الموجودة التي بها شيء من الكحول نجدها على ضربين :
الأول: مواد قلوية أو دهنية تستعمل كأدوية ولا بد لإذابتها من الكحول .
أما الثاني. فمواد يضاف إليها شيء يسير من الكحول لا لضرورة وإنما لإعطاء الشراب نكهة خاصة ومذاقا تعود عليه أهل أوروبا وأمريكا. وهذا النوع الثاني لاشك في حرمته .
ولاشك في حرمة الخمر الصرفة كدواء فهي داء وليست دواء.
ولكن استعمالها في الترياق - وهي الآن تستعمل في كثير من الأدوية كمذيب لبعض المواد القلوية أو الدهنية التي لا تذوب في الماء ، هذا الاستعمال هو المذكور في مغنى المحتاج وهو جائز بشروط : ـ
ا- أن لا يكون هناك دواء آخر خاليا من الكحول ينفع لتلك الحالة .
2- أن يدل على ذلك طبيب مسلم عدل .
3- أن يكون القدر المستعمل قليلا لا يسكر .
وقد قامت الولايات المتحدة بمنع استخدام الكحول الإيثيلي في أدوية الأطفال بعد أن كان استخدامها شائعاً جداً.
وعليه قامت الشركات المصنعة لأدوية الأطفال بإزالة الكحول الإيثيلي من مستحضراتها الطبية الموصوفة للأطفال. وهذا يدل على أنه يمكن استبدال كل الأدوية الموجودة في الكحول بمواد أخرى لاذابة القلويدات التي لا تذوب إلا في الكحول.. وقد استطاعت الصناعة الدوائية إيجاد هذه البدائل عندما ووجهت بالمنع في حالة أدوية الأطفال. والأمر ذاته ممكن إذا تم منع الأدوية المحتوية على الكحول بالنسبة للبالغين إذ أن الشركات العملاقة في الصناعة الدوائية لديها الإمكانات العملية الكافية لاستبدال الكحول بمواد أخرى مناسبة.
ويوجد حاليا أكثر من 500 مستحضر دوائي يحتوي على الكحول.وسنعرض قائمة بهذه الأدوية ونبحث في ضرورة تجنبها ، ونعرض بعض المشاكل الناجمة عن استخدامها والحكم الشرعي في استخدامها.(6/2)
الاستحالة وأثرها في الطهارة والحل
د. عبد الستار أبو غدة
رئيس الهيئة الشرعية الموحدة
مجموعة دلة البركة المصرفية -جدة
الاستحالة :…تغير الشيء وتحوله من طبيعته إلى طبيعة أخرى ، وهو إما أن يحصل بطرق بسيطة ، أو بتفاعل كيميائي يحول المادة من مركب إلى مركب آخر . ويسميه الفقهاء بأسماء أخرى مثل : تحول العين ، انقلاب العين ، الاستهلاك .
يترتب على الاستحالة أن يصير الشيء النجس طاهرا ، وأن يصير الشيء المحرم حلالا ، ومن أمثلة الاستحالة : الخمر إذا تخللت فإنها تطهر وتحل ، وجلد الميتة إذا دبغ ، ودليل ذلك أن الأصل إباحة الأشياء إلا ما نُص على نجاسته أو تحريمه ، فأذا تغيرت ذاته وحمل اسماً آخر فإنه يرجع إلى أصل الإباحة ، وقد يحصل العكس بتحول الحلال إلى الحرام مثل تحول العنب إلى الخمر .
والتوصيف العلمي للإستحالة هو أنها يحصل بها تكسير الأربطة الكيميائية للمادة بوسائل مختلفة ، أما في الفقه المدون فإن من وسائل الإستحالة هو :
الإحراق لما هو نجس حتى يصير رمادا ، كالخشب المتنجس ، أو الروث والفضلات
التخلل ، يتحول الخمر إلى خل
الوقوع في مادة أخرى بحيث تتحلل أجزاء المادة الواقعة وتستهلك في المادة الأخرى .
التحجر لبعض الحيوانات الميتة بفعل المؤثرات الطبيعية على مدى الزمن
التخمر بتحول العنب ونحوه إلى مواد مسكرة
وهناك بعض التغيرات لا تأخذ حكم الإستحالة ومنها :
التبخر ثم التقطير
الشي بالنار
الطحن ، والتجزئة
تبدل الصورة كالعجن
النقل من مكان لآخر وتغير التسمية بحسب الأماكن
التأمين الصحي
لا تخفى أهمية التأمين الصحي ، بسبب التغير في أنماط الأمراض والتطور المتسارع في التقنيات الطبية تشخيصا وعلاجاً . حيث أن الإشتراك في تأمين طبي يحصل به توفير المصاريف وجودة الرعاية والراحة النفسية .(7/1)
والتأمين الصحي إما أن يتم بصورة مباشرة بين المستفيد والجهة الطبية ، أو أن يتم بتوسط شركات التأمين وهي تقليدية أو إسلامية (تكافلية) .
وحكم التأمين الطبي المباشر جائز ، لأنه إذا كانت الأعمال الطبية محددة فهو من قبيل (الإجارة) وهي عقد مشروع وهي إجارة لتقديم خدمة التشخيص والعلاج ، ويجب التحديد الدقيق لما تختلف قيمته من عمليات أو أدوية . وإذا كانت الإعمال الطبية غير محددة لكن المقصود هو النتيجة (الشفاء) فالعقد عقد جعالة ، وهو تعاقد على عمل مجهول لكنه محدد الأثر ومحدد المقابل المادي عنه (الجعل) .
وإذا كان التأمين الصحي بوساطة شركة تأمين :-
فإن كانت شركة تأمين إسلامية (تكافلي) فهو جائز لأنه قائم على التعاون بين المشتركين بتقديم الإشتراكات لمحفظة التأمين ، وتقديم التعويضات ، دون المتاجرة بالتأمين حيث يقتصر دور الشركة على الإدارة بمقابل معلوم .
وإن كانت الشركة تقليدية تجارية فإن التأمين الصحي ينطبق عليه حكم التأمين التقليدي وهو التحريم لإشتماله على الغرر وهو الذي صدرت قرارات المجامع بمنعه ، ولكن عند عدم توافر البديل الشرعي يباح للحاجة أو الضرورة وهي تقدر بقدرها وإذا زالت يزول حكمها ومرفق قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن التأمين الصحي .
انتقاء جنس الجنين
انتقاء جنس الجنين أحد صور التحكم في معطيات الوراثة وتلك المعطيات تتعلق بمقصد اساسي من مقاصد الشريعة ، وهو حفظ النسل ، ولذا يجب مراعاة الأحكام الشرعية في مجال الهندسة الوراثية
وأنتقاء جنس الجنين إذا كان على النطاق الفردي ، وتم بوسائل مشروعة فهو جائز شرعا ، والدليل على جوازه مشروعية الدعاء بأن يرزق الإنسان ذكرا كما فعل سيدنا زكريا عليه السلام ، وما جاز الدعاء به جاز الوصول إليه بالوسائل المادية ، لأن الدعاء لا يُقبل بأمر محرم .(7/2)
ولا يتنافي هذا مع المقرر دينيا بأن معرفة ما في الأرحام هي مما أستأثر الله بعلمه (ويعلم ما في الأرحام) لأن علم الله ليس حاصلا بوسيلة ولا مسبوقا بعدم المعرفة – كما في علمنا – والانتقاء من البشر يحصل بوسائل هدانا الله إليها والوصول إلى تلك المعرفة ليس فيه مناقضة لإرادة الله لأنها أمر لا نعرفه إلا بعد الوقوع وسواء وقع بسبب منا أو بدون فالواقع هو ما أراده الله .
وقد طرح هذا الموضوع في إحدى ندوات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وصدرت بشأن التوصية الشرعية الآتية :-
أتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة أما على المستوى الفردي فإن محاولة تحقيق رغبة الزوجين المشروعة في أن يكون الجنين ذكرا أو أنثى بالوسائل الطبية المتاحة ، لا مانع منها شرعا عند بعض الفقهاء المشاركين في الندوة ، في حين رأى غيرهم عدم جوازه خشية أن يؤدي ذلك إلى طغيان جنس إلى جنس(7/3)
الحالات الغير قابلة للشفاء والعناية بالحالات الحرجة
في طلب حديثي الولادة والأطفال
الدكتور عبد الحكيم خليل قطان
استشاري أطفال حديثي الولادة
مستشفى الملك فيصل التخصصي و مركز الأبحاث بالرياض
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
تواجه الطبيب الممارس في حقل طب حديثي الولادة وطب الأطفال بالعموم حالات عديدة من الأمراض الغير قابلة للشفاء أو المستعصية عليه.
مع ازدياد المعلومات الطبية والقدرة على تشخيص الأمراض الوراثية والمستعصية في مرحلة مبكرة من حياة الطفل بل من حياة الجنين في حالات كثيرة، ومع ازدياد القدرة الطبية على الإبقاء على حياة أمثال هؤلاء الأطفال بإذن الله تحت الأجهزة الطبية المتقدمة والعناية المكثفة، ومع ازدياد المعلومات الطبية العامة لدى عامة الناس وسهولة حصولهم إلى المعلومات كل هذا جعل من العناية بمثل هؤلاء الأطفال أمر في غاية التعقيد.
وأصبح الأطفال المصابين بمثل هذه الأمراض يملئون الكثير من أسرة العنايات المركزة مما يسبب سوء استخدام الإمكانيات الطبية المتوفرة وربما نقصها عند مرض آخرين هم بأمس الحاجة إليها وبالإمكان بعون الله رفع معاناتهم مع المعرض وشفاء أمراضهم. إن مثل هذا الوضع غير مقبول لاطبياً ولاشرعياً.
إن الطبيب الممارس في العينات المذكورة يواجه بسيل من الأسئلة الأخلاقية عند الاهتمام بالحالات المستعصية والحرجة.
هل هناك حد فاصل واضح بين الأمراض التي يمكن علاجها وشفاؤها وبين التي لايمكن تحقيق ذلك؟
هل هناك عدالة ومساواة في علاج كل الأطفال المرضى بمثل هذا المرض وهل يمكن الوصول إلى العدالة في هذا؟
من هو صاحب القرار في هذه الحالات هل هو الطبيب أم أهل المريض أم قوانين المستشفى المعالج أم كل هذه مجتمعة؟
كيفية صنع القرار في مثل هذه الحالات؟
هل من العقل أن يكون شفاء كل المرضى هدفاً للطبيب؟
طريقة اتخاذ القرار الصعب:ـ(8/1)
يعمل الفريق الطبي على حفظ الحياة وينصب تعليم الأطباء والممرضين على تحسين وحفظ الحياة ولكن هناك حالات من الأولى عدم التدخل بل وأحياناً رفع أجهزة التنفس مما قد يؤدي إلى وفاة الطفل المريض بإذن الله فلا بد من توفر شروط كثيرة قبل الوصول إلى مثل هذه القرارات منها:
وجود المعلومات العلمية الدقيقة حول الحالة وتوفرها لدى الطاقم الطبي وأهل المريض بشكل مبسط.
الحصول على النتائج المستقبلية للمرضى المشابهين لحالة المريض في بيئة مشابهة (أي من حيث الإمكانيات الطبية) لمعرفة هل علاج مثل هذه الحالة فاعل ومفيد ومناسب مقابل كونه غير فاعل وغير مفيد وغير مناسب.
التواصل مع أهل المريض بطريقة واضحة وبسيطة وصريحة وفاعلة وعدم افتراض عليهم بما يدور حول المريض وحالته بل التأكد من ذلك ضروري وهام.
وجود لوائح تنظيمية تطبيقية (أي معرفتهم) مساعدة لتحديد المرضى الذين يحتاجون لمثل هذه القرارات وطريقة التعامل معهم وتعني مثل هذه اللوائح من قبل المستشفيات بل وزارة الصحة والتعميم على الجهات الطبية بذلك لتسهيل عمل الأطباء، ووضع غطاء قانوني لعملهم.
ومن أمثلة هذه اللوائح:ـ
عدم الإنعاش التنفسي القلبي.
نظام رفع أجهزة الانعاش عند المرضى المتوفين دماغياً وغيرها من الأنظمة التي تساعد أهل المريض والمجتمع على تقبل القرارات الطبية وفهمها في مثل هذه الحالات.(8/2)
الحالات غير القابلة للشفاء من وجهة نظر العناية المركزة
الدكتور ياسين محمد سعيد عرابي
استشاري و نائب رئيس قسم العناية المركزة
مستشفى الملك فهد للحرس الوطني
الرياض
أ- تصنيف الحالات الغير قابلة للشفاء
بحث هذا الموضوع في مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابقة في مدينة جدة (1412هـ) و صدر عنه القرار التالي:
" (أ) مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض و الشفاء بيد الله عز وجل ، و أن التداوي و العلاج آخذٌ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون ، و أنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته. و على الأطباء و ذوي المرضى تقوية معنويات المريض ، و الدأب في رعايته و تخفيف آلامه النفسية و البدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه.
(ب) إن ما يعتبر حالة ميؤوساً من علاجها هو بحسب تقدير الأطباء و إمكانات الطب المتاحة في كل زمان و مكان و تبعاً لظروف المرض"
و على هذا فإن مجمع الفقه الإسلامي ترك تقدير هذه الحالات للأطباء و لإمكانات الطب المتاحة.
و تشمل الحالات غير القابلة للشفاء حالات عديدة يدخل ضمنها :
اولاً : المرضى المصابون بأمراض عضال و لا علاج لها و يعرف عنها تفاقمها التدريجي الذي ينتهي بالوفاة خلال فترة تقرب أو تبعد . و مثال ذلك السرطان المنتشر الذي لا علاج له و الذي يعرف طبياً من الحالات المشابهة أنه سينتهي بالوفاة خلال مدة أشهر.
ثانياً : المرضى المنومون في قسم العناية المركزة و الذين فشلت معهم كل الوسائل العلاجية المتوفرة في تحسين حالتهم الصحية فانتهى بهم الحال إلى حالة شبه نهائية. و هؤلاء هم أقرب للموت منهم للحياة و هم في حالة احتضار. و مثال ذلك المريض المصاب بتسمم شديد في الدم و الذي لم تفد معه أجهزة التنفس الإصطناعي و الغسيل الكلوي و الأدوية المختلفة في وقف تطور المرض (و هذا ما يسمى طبياً حالة فشل الأعضاء المتعددة).(9/1)
ثالثاً : المرضى المصابون بأمراض عصبية شديدة أدت إلى عجزهم التام فكرياً على نحو لا أمل طبياً في تحسنهم. و مثال ذلك الشيخ الهرم المصاب بالخرف الشديد على نحو لا يعرف فيه من حوله و لا يقدر على أداء حاجاته و لا يتحكم بالبول و الغائط.
رابعاً : المرضى المصابون بالحالات النباتية المستمرة و يقصد بذلك إصابة قشرة المخ إصابة بالغة دائمة مع بقاء بعض وظائف جذع الدماغ سليمة . فمثل هذا المريض في حالة غياب تام عن الوعي و الإدراك إلا أنه يتنفس و يهضم الطعام و يفتح عينيه و يغلقهما و لذلك فإنه يعيش حياة اقرب إلى حياة النبات منها إلى حياة الإنسان. و تشاهد مثل هذه الحالات في بعض ضحايا الحوادث.
و لا يدخل في مفهوم الحالات غير القابلة للشفاء حالات الموت الدماغي . و يعرف الموت الدماغي بأنه تعطل جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً لا رجعه فيه. فحكم هذا المريض – كما قرر مجمع الفقه الإسلامي – حكم الميت. و مناقشة هذه الحالة من خارج نطاق هذا البحث.
ب - الدلائل المستخدمة لتقرير أن المريض مصاب بحالة غير قابلة للشفاء
يعتمد الأطباء في تقرير أن الحالة غير قابلة للشفاء على ما يعرف طبياً من الحالات المشابهة. كما يعتمدون في ذلك على خبراتهم الشخصية في هذا المجال. فعلى سبيل المثال فإن بعض أنواع سرطان الدم المقاومة للعلاج تنتهي بالوفاة خلال مدة أربعة إلى ستة أشهر. و بناء على ذلك يقرر الطبيب أن حالة مريضه يتوقع لها مصير مشابه.
ومن الواضح أن مثل هذا الرأي إجتهادي مبني على غلبة الظن و يستحيل أن يجزم فيه على نحو يقيني، فإن تحديد حدوث الوفاة أو عدمها هو أمر غيبي. وبناء على ذلك فإن مثل هذه التقديرات قد تحتمل الخطأ.(9/2)
و للتقليل من احتمالات هذا الخطأ فإن الفتوى الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء الصادرة بتاريخ 3/6/1409هـ اشترطت أن يتحقق من الحالة غير القابلة للشفاء ثلاثة من الأطباء المختصين الثقاة. و اعتمد هذا الشرط من قبل عدد من المستشفيات الكبرى بما في ذلك السياسة الإدارية الداخلية لمستشفى الملك فهد للحرس الوطني بتاريخ 5/9/1420هـ و كذلك الدليل الإرشادي للممارسين الصحيين حول أخلاقية مهنة الطب الصادرة عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
ورغم أن اشتراط اتفاق ثلاثة من الإستشاريين يقلل من فرص حصول خطأ في التوقعات بشأن الحالات غير القابلة للشفاء إلا أنه لا ينفيه نفياً مطلقاً.
ج – ما هي العناية المركزة و ما هي قدراتها ؟
تعرف العناية المركزة بأنها جزء من المستشفى يتوفر فيه العدد الكافي من الطاقم التمريضي و الطبي و أجهزة المراقبة الدقيقة بحيث يمكن مراقبة المريض على نحو دقيق و مستمر و يمكن فيه تقديم العلاجات الحيوية الدقيقة كالتنفس الاصطناعي و الأدوية الخاصة بهبوط ضغط الدم و غيرها.
و في هذا الخصوص ينبغي أن تؤخذ النقاط التالية بعين الاعتبار :
1. تتفاوت الفائدة المتوقعة من التنويم في العناية المركزة تفاوتاً كبيراً حسب حالة المريض . فمريض شاب مصاب بنوبة ربو شديدة يتوقع أن يستفيد فائدة كبيرة من العناية المركزة. و المقصود بذلك أن تنويم مثل هذا المريض في العناية المركزة يغلب أن ينتهي بالشفاء و عودته إلى حالته الطبيعية و أن حرمانه من ذلك قد ينتهي بموته. على حين يتوقع أن تكون استفادة مريض شيخ كبير مصاب بورم خبيث و فشل كلوي و تقرحات جلدية و تسمم دموي أقل من ذلك بكثير. و المقصود بذلك على الأغلب أن مثل هذا المريض سيموت رغم كافة العلاجات المقدمة و أنه في حال تحسنه فإن مثل هذا التحسن يغلب عليه أن يكون مؤقتاً فقط و لا يؤدي إلى عودته إلى حالته الطبيعية.(9/3)
2. العناية المركزة مكلفة للغاية نظراً للتجهيزات و المعدات و كلفة العاملين عليها . ففي بعض المستشفيات كمستشفى الملك فهد للحرس الوطني في الرياض – حيث تقوم ممرضة أو ممرض بالإشراف على مريض واحد يحتاج فتح غرفة في العناية المركزة إلى توظيف خمسة ممرضات . و تقدر بعض الدراسات أن أقسام العناية المركزة في المستشفيات تستهلك ما يصل إلى 30% من ميزانية المستشفيات.
3. نظراً لندرة الطاقم المتخصص و لارتفاع الكلفة فإن عدد أسّرة العناية المركزة في أي مستشفى عدد محدود. و في أغلب الأحيان يكون عدد المرضى الذين يحتاجون لخدمات العناية المركزة أكبر من الطاقة المتوفرة. فكم من مريض في أمسّ الحاجة للعناية المركزة ينتظر في قسم الطوارئ ، و كم من مريض بحالة خطرة يعالج في مستشفى قليل الإمكانات بطرق لا تتناسب مع خطورة حالته ينتظر أن يتوفرله سرير في المستشفى المناسب و لكن من دون جدوى، و كم من مريض أُجّلت عمليته الجراحية أياماً أو أسابيع لعدم توفر سرير في قسم العناية المركزة مما يترتب على ذلك من خطر جسيم.
4. و مما يزيد الأمر تعقيداً أن عدداً يقل أو يكثر من أسّرة العنايات المركزة يشغلها مرضى من ذوي الحالات غير القابلة للشفاء، مما يؤدي إلى حرمان غيرهم ممن يرجى شفاؤهم من هذه الخدمة المهمة . و لقد رأيت في أحدى المستشفيات أكثر من ثلث أسّرة العناية المركزة مشغولة بمرضى مصابين إصابات دماغية شديدة لا يرجى شفاؤها، و قد مر على وجود أحدهم في العناية المركزة أكثر من عشر سنوات. و لا يخفى ما في ذلك من تبذير لأموال المسلمين العامة.(9/4)
5. العلاج في العناية المركزة فيه إرهاق و مشقة شديدان على المريض. فمريض العناية المركزة يحتاج لوضع أنابيب التنفس و التغذية و البول و التغذية الوريدية . كما أن التنفس الاصطناعي ترافقه مشقة كبيرة بسبب ضغط الهواء من جهاز التنفس داخل الصدر، ناهيك عن أن المريض في أكثر الأحيان يبتعد عن أهله و يختلط عليه الليل و النهار. و يجب أن توضع هذه الأمور في الحسبان في حالة المريض المصاب بحالة لا يرجى شفاؤها و أن يقرر إذا ما كانت الفائدة القليلة المتوقعة من العناية المركزة في مثل هؤلاء المرضى تبرر مثل هذه المشقة على المريض في مرض موته.
د- دور طبيب العناية المركزة
تقع على طبيب العناية المركزة مسئوليتان قد تتعارضان في بعض الأحيان:
أولاً …: الطبيب مؤتمن على تقديم العون الطبي للمريض بعينه كفرد.
ثانياً …: الطبيب مؤتمن على استخدام موارد العناية المركزة و أموال المسلمين العامة على
النحو الأمثل بحيث يقدم أفضل الخدمات لمجموع المرضى.
و يكمن وجه التعارض بين هاتين المسؤوليتين عندما يسرف الطبيب في تقديم الخدمات على نحو غير محدود لمريض غير قابل للشفاء مما يؤدي إلى إستنضاب هذه الخدمات و حرمان الآخرين منها. و مثال ذلك مريض تليف الكبد الشديد غير القابل للشفاء و المصاب بنزف شديد يحتاج معه إلى نقل دم بكميات كبيرة جداً قد تستهلك جل ما يحتويه بنك الدم مما يحرم غيره ممن قد يحتاجون كمية بسيطة لإنقاذ حياتهم كمرضى الحوادث.
و الأمر ذاته ينطبق على تنويم مريض لا يرجى شفاؤه إلى السرير الوحيد المتبقي في قسم العناية المركزة و حرمان ذلك لمريض آخر قد تكون فرصته في الشفاء كبيرة إذا قدم له العلاج المناسب.
و قد قررت عدد من جمعيات العناية المركزة " أن المرضى المصابين بأمراض نهايتها لا يرجى شفاؤها و لا يرجح معها استفادتهم من العناية المركزة يجب أن لا يقبلوا إلى أقسام العناية المركزة."
هـ- الإنعاش القلبي الرئوي(9/5)
يلجأ الأطباء في حالات توقف القلب إلى القيام بما يسمى الإنعاش القلبي الرئوي. و يتضمن ذلك في العادة استدعاء فريق طبي كامل على وجه السرعة ثم القيام بمساعدة التنفس عن طريق وضع أنبوب تنفسي عن طريق الفم إلى الرئتين و مساعدة القلب عن طريق الضغط على الصدر بشكل متكرر مع إعطاء الأدوية المختلفة. و قد تستعمل الصدمة الكهربائية أو أجهزة تنظيم ضربات القلب.
و إجراء هذا الإنعاش أمر بالغ الأهمية في المرضى الذين كانت حالتهم الصحية قبل توقف القلب جيدة ثم حدث طارئ فأدى لتوقف القلب. و مثال ذلك رجل بعمر خمسين عاماً أصيب "بجلطة" قلبية أدت لتوقف قلبه، فمثل هذا المريض يتوقع أن يستجيب للإنعاش القلبي الرئوي.
أما في حالات أخرى ، عندما يكون المريض مصاباً بفشل في أعضاء عدة فقد تكون فائدة الإنعاش أقل بكثير ،حتى أنه في بعض الحالات تكون فائدة الإنعاش تكون قريبة من الصفر . و مثال ذلك مريض العناية المركزة الموضوع على أجهزة التنفس و الغسيل الكلوي و المصاب بهبوط ضغط الدم شديد رغم الأدوية المتعددة الرافعة لضغط الدم ، فإن استجابة مثل هذا المريض للإنعاش تكاد تكون معدومة .
و لا يخفى أن الإنعاش فيه مشقة كبيرة على جسد المريض و مثل هذه المشقة مبررة إذا كانت ستؤدي إلى إنقاذ حياته . أما إذا كان الإنعاش لا طائل منه و سينتهي بموت المريض فهل يبرر الإنعاش عندئذ مع ما يؤدي إلى مشقة على المريض المحتضر كتكرار الصدمات الكهربائية ؟
و – السياسات الإدارية في المستشفيات تجاه الحالات غير القابلة للشفاء(9/6)
من المؤسف أن أكثر المستشفيات لم تضع سياسات إدارية في هذا الموضوع، مما ترك الأمر غامضاً و أدى في كثير من الأحيان إلى إعطاء علاجات لا مبرر لها لمرضى لا يتوقع لهم الشفاء ، بما يترتب على ذلك من سوء استخدام لأموال المسلمين العامة. إلا أن عدداً من المستشفيات الكبرى وضعت سياسات إدارية خاصة بها. و أعرض هنا ما أقرته لجنة خاصة بهذا الموضوع في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني في الرياض .
" يصنف المرضى عموماً من ناحية درجة العلاجات إلى ثلاثة فئات:
الفئة الأولى…: (و تسمى الرمز 1 أو Code I ) و تعطى هذه الفئة جميع العلاجات بلا استثناء بما في ذلك الإنعاش القلبي الرئوي
الفئة الثانية…: (و تسمى الرمز 2 أو Code II ) و تعطى هذه الفئة جميع العلاجات الطبية باستثناء الإنعاش القلبي الرئوي ، و وضع الأنبوب التنفسي، و التنفس الاصطناعي، و الأدوية الرافعة للضغط و التنويم في العناية المركزة.
كما تشمل هذه الفئة بعض المرضى المنومين في العناية المركزة أصلاً . الذين لم يستجيبوا للعلاجات المكثفة و يعطى هؤلاء المرضى هذه التسمية (الرمز2) و يعني بذلك أن يستمر هؤلاء على نفس العلاجات التي يأخذونها في الوقت الحاضر بدون أية زيادة أخرى. على أنه يجب أن يعلم أنه لا فرق بين إيقاف العلاجات و بين الإحجام عن البدء بها.
الفئة الثالثة …: ( و تسمى الرمز 3 – العلاجات المسكنة فقط) و تنطبق هذه الحالة على المريض المحتضر الذي لن تنفع معه العلاجات. ويجب أن يعطى مثل هذا المريض العناية الملائمة بما في ذلك إعطاؤه العلاجات المخففة للألم و العطش و ضيق التنفس . و يجب أن تتبع في ذلك التعاليم الإسلامية ، و أن يسمح لأهل المريض بزيارته على نحو مطول ، و أن يتم التعامل معهم بكثير من المواساة. و يجب أن يشارك في مثل هذه الأمور كافة عناصر الفريق الطبي.
ي- التعامل مع المريض و أهله(9/7)
من واجب الطبيب احترام المريض مهما كانت درجة مرضه.و أن يحتسب الأجر في التخفيف عنه، فإن مريض العناية المركزة في كربة عظيمة.
من واجب الطبيب أن يعطي المعلومات الطبية المناسبة للمريض و أهله على قدر استيعابهم و أن يراعي التدرج في إعطاء الأخبار السيئة.
قد يختلف الرأي بين الأطباء و الأهل بشأن الحالات غير القابلة للشفاء و يصر الأهل على تقديم كافة العلاجات رغم رأي الأطباء بعدم جدوى ذلك. و هذه مسألة شائكة تحتاج للنظر فيها من علماء الشريعة الإسلامية. أما رأي الأطباء في ذلك فهو أن تقديم العلاج مسألة طبية يقرر فيها أهل الاختصاص ، و إذا قرر أهل الاختصاص الثقاة بعدم جدواها فيجب أن لا تعطى بغض النظر عن رأي أقارب المريض.
ك - تساؤلات يحملها أهل الطب لعلماء الشريعة الإسلامية حول الحالات غير القابلة للشفاء
ما هو الحكم الشرعي في تقديم الإنعاش القلبي الرئوي أو عدمه للمريض المصاب بحالة غير قابلة للشفاء كمريض السرطان المنتشر الذي لا علاج له عند توقف القلب و التنفس.
مريض هرم مصاب بخرف شديد يعجز عن التعرف على من حوله ُأصيب بالتهاب شديد في الرئتين. و قد قرر الأطباء معالجته بالمضادات الحيوية و السوائل الوريدية و الأكسجين و غيرها من العلاجات الممكنة في أجنحة المستشفى. كما قرروا أنه إذا تدهورت حالته الصحية أكثر إلى درجة يحتاج معها إلى العناية المركزة فإنه لن يتم نقله إلى هناك مع الاستمرار في العلاجات الأخرى . كما لن يتم القيام بالإنعاش القلبي الرئوي في حالة توقف قلبه. ما هو حكم الشرع في مثل هذه الحالة؟(9/8)
مريض أُدخل العناية المركزة بسبب تسمم في الدم و تم إعطاؤه علاجات مكثفة شملت المضادات الحيوية و التنفس الاصطناعي و غيرها ، ثم اكتشف أن لديه سرطاناً منتشراً في الرئتين و استمرت حالته بالتدهور و وصلت حداً قرر الأطباء معها أن فرصة استجابته للعلاج تكاد تكون معدومة . ما هو الحكم في إيقاف العلاج في مثل هذه الحالة ؟
في حالة إذا ما نودي طبيب العناية المركزة إلى مريضين في آن واحد: الأول امرأة أم لستة أولاد أصيبت بنزف حاد بعد الولادة تحتاج معه إلى دخول العناية المركزة و الثاني رجل مسن مقعد منذ سنتين نتيجة شلل في جانبه الأيمن و لا يقوى معه على الكلام أصيب بالتهاب رئوي حاد يحتاج معه إلى العناية المركزة. المشكلة أنه يوجد سرير واحد متوفر في العناية المركزة ولا توجد أية فرصة لفتح أي سرير آخر أو لنقل أي مريض إلى أي مكان آخر . على أي أساس يجب أن يبني الطبيب قراره؟
مريض مسن مقعد منذ أربع سنوات نتيجة جلطة دماغية كبيرة خلفت لديه شللاً دائماً و عجزاً عن الكلام و التعرف على من حوله. كما أنه غير قادر على خدمة نفسه بتناول الطعام ولا على التحكم بالبول و الغائط. أُدخل المستشفى نتيجة جلطة في القلب و قرر الأطباء أن حالته غير قابلة للشفاء و انه لن يقدم له الإنعاش القلبي الرئوي في حال توقف القلب و لن يدخل العناية المركزة في حال تدهور حالته . إلا أن عائلة المريض رفضت هذا القرار رفضاً قاطعاً و أصرت على إدخاله قسم العناية المركزة و إعطائه كل العلاجات الممكنة بعض النظر عن أي شيء آخر. ما هو الحكم الشرعي في مثل هذه الحالة؟
مريض مصاب بسرطان متقدم و يعاني آلاماً مبرحة في العظام و قرر الأطباء أن تسكين ألمه يحتاج إلى إعطاء جرعات كبيرة من المورفين . ومن المعلوم أن مثل هذه الجرعات قد تؤدي إلى بطء التنفس و قد تسرع الوفاة . ما هو حكم الشرع في مثل هذا العلاج؟(9/9)
الرؤية الشرعية لقضايا سرية المرضى
الشيخ الدكتور هاني عبد الله الجبير
القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فالفقه الإسلامي بأدلته العامة وقواعده وضوابطه يتسع ليشمل حياة المكلفين بجميع جوانبها ومهما حدث من مسائل ونوازل ومستجدات فسيجد الباحث المتأمل فيه توصفياً شرعياً لها يمن الله به على من شاء من عباده.
وفي هذه الأوراق نظرات عاجلة لجملة فروع يشملها كلها أنها إجراءات وأحكام في قضية من القضايا الطبيّة المعاصرة هي سريّة المعلومات المتعلقة بالمرضى، ولقد كانت دعوة كريمة من مستشفى الملك خالد للحرس الوطني بجدة بإقامة المؤتمر العالمي عن أخلاقيات مهنة الطب من منظور إسلامي، وكان من توفيق الله تعالى أن كلفت بإعداد ورقة علمية لهذا المؤتمر في هذا الموضوع، أسأل الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه صواباً إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولاً: معنى السر ومفهومه:
السر في اللغة اسم لما يُسر به الإنسان أي: يكتمه، وأصل الكلمة يدل على إخفاء الشيء وعدم إظهاره. (1)
فالإسرار خلاف الإعلان(2)، قال تعالى:{يعلم ما يسرون وما يعلنون}(سورة البقرة:77).
والسرّ ينقسم إلى أنواع: (3)
ما يبلغ الإنسان من الأمور التي يطلب صاحبها كتمانها عليه سواء طلب ذلك صراحة، أو بدلالة الحال بأن يتعمد الحديث عنها حال الإنفراد مثلاً.
مايريد الإنسان عمله مما تدعو المصلحة إلى كتمانه.
ما أمر الشرع بكتمانه وعدم إذاعته.
ما كن الأصل إخفاءه واطلع عليه شخص بسبب مهنته.
وموضع ما يعنينا في هذا المقام هو الرابع منها أصالة، وبقية الأنواع معنيّة تبعاً.
__________
(1) …معجم مقاييس اللغة (3/67)، لسان العرب مادة [سرد].
(2) …المفردات للراغب، ص 228.
(3) …أنظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص 297، غذاء الألباب اللسفاريني (1/116)، إحياء علوم الدين (3/132)، الموسوعة الفقهية (5/292).(10/1)
ثانياً: الأصل في حكم إفشاء السر:
إنّ ما أمر الشرع بكتمانه فحكمه ظاهر باعتبار فهم دلالة الخطاب الشرعي، ومن ذلك: ما يجري بين الرجل وامرأته حال المعاشرة من أمور الاستمتاع.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنّ من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها). (1)
قال النووي -676هـ-: في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمر الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل.
أما مجرد ذكر الجماع فهو مكروه؛ لأنه خلاف المروءة، إلا إن كان لحاجة كأن تذكر عجزه عن الجماع، أو إعراضه ، أو لبيان حكم شرعي فهنا يباح. (2)
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رجلاً سأل رسول الله صلى لله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة ، فقال رسول الله عليه وسلم: (إني لأفعل ذلك أنا وهذه ، ثم نغتسل). (3)
أما كتمان الإنسان عملاً يريد القيام به فهذا من الحزم مع النفس، لكن لا يرتبط به حكم تكليفي، فللإنسان أن يتحدث عن مشاريع مستقبلية يعتزم القيام بها، وليس عليه في ذلك حرج.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان). (4)
__________
(1) …صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة، برقم 1437.
(2) …شرح مسلم ، ص 899 باختصار، وانظر: المغني لابن قدامة (10/232).
(3) …صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء، برقم 350، والاكسال: الجماع بدون إنزال. قال النووي: وإنما قال صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة ليكون أوقع في نفسه. شرح صحيح مسلم، ص 320.
(4) …المعجم الكبير للطبراني (20/94)، المعجم الصغير له (2/149). قال في كشف الخفاء (1/123): رواه الطبراني وابو نعيم بسند ضعيف وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (943).(10/2)
أما ما يطلب الإنسان كتمانه مما يبلّغ به غيره، فإنه إذا كان إفشاء السر يتضمن ضرراً فإفشاء السر حرام، باتفاق الفقهاء (1)، والضرر عام في كل ما يؤذي الإنسان.
وأما إذا لم يتضمن ضرراً فالمختار عدم جواز إفشائه متى ما طلب منه الكتمان، أو دّل الحال على ذلك، أوكان مما يُكتم في العادة. (2)
وكل هذا حال الحياة أما بعد موت صاحب السر فذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفشائه إذا لم يتضمن غضاضة على الميت. (3)
والظاهر أن إفشاء السر لا يجوز سواء حال الموت أو الحياة، وسواء تضمن ضرراً أو لا. لأن هذا من قبيل حفظ العهد وهو كالوديعة التي يجب حفظها.
قال تعالى: {يا ايها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} (سورة الانفال: 27).
عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فسلّم علينا ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له، فجئت وقد أبطأت عن أمي، فقالت:
ما حسبك؟ أين كنت؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة، فقالت: أي نبي وما هي؟ فقلت: إنها سر، قالت: لا تحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً. (4)
__________
(1) …نقل الاتفاق ابن بطال، أنظر: فتح الباري (11/85)، الإنصاف للهوداوي (21/420)، غذاء الألباب (1/115)، إحياء علوم الدين (3/132).
(2) …وهو مذهب الإمام أحمد وغيره انظر: الإنصاف (21/420)، الآداب الشرعية لابن مفلح (2/257).
(3) …أنظر: فتح الباري (11/85).
(4) …صحيح البخاري، كتاب الاستئذان، باب حفظ السر، برقم 6289، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس بن مالك برقم 2482.(10/3)
وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم السر أمانة، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة). (1)
وأما من قال بأن حفظ السر لا يجب إلا إذا تضمن ضرراً فإن دليله على ذلك حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما قالت:انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب فمرّ علينا بلال فقلنا سل النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري، وقلنا : لا تخبر بنا، فدخل فسأله فقال: من هما؟ قال: زينب، قال أي الزيانب؟ قال: امرأة عبدالله، قال: نعم ولها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة. (2)
فالظاهر عندهم أن بلالاً كشف السر بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم السائلة، قال القرطبي -656هـ- : ليس إخبار بلال باسم المرأتين بعد أن استكتماه بإذاعة سر ولا كشف أمانة لوجهين:
الأول: …أنهمالم تلزماه بذلك وإنما علم أنهما رأتا أن لا ضرورة تحوج إلى كتمانها.
الثاني: …أنه أخبر بذلك جواباً لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم لكون إجابته أوجب من التمسّك بما أمرتاه به من الكتمان(3).
أما ما اطلع عليه صاحبه بمقتضى مهنته فهذا كالمفتى والطبيب الذي يكشف له المستفتى أو المريض بعضاً من أسراره، أو يطلّع عليها أثناء علاجه، وهو محور اهتمام هذا البحث.
__________
(1) …سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث برقم 4868، سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء أن المجالس بالأمانة، برقم 1959، وقال حديث حسن مسند الإمام أحمد (3/324)، السنن الكبرى للبيهقي (10/247)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (486).
(2) …صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، برقم 1466، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين، برقم 1000 .
(3) …المفهم في شرح اختصار صحيح مسلم (3/46).(10/4)
ولبيان حكم هذا لا بد من الإتيان بمقدمات تمهد لهذا الحكم كما يلي:
تحريم الغيبة:
والغيبة محرمة بقول الله تعالى:{ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} (سورة الحجرات:12)
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ضابطها في قوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قال : أفرأيت إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه. (1)
فذكر الإنسان لغيره بشيء يكرهه – ولو كان فيه – هو الغيبة.
وهذه تفيدنا قاعدة أنّ الكلام بما يكرهه المتحدث عنه حرام، وهذا يشمل عيوب الإنسان البدنية، أوالخلقية. (2)
تحريم نشر السر:
وهو ما يطلب المخبر به كتمانه، أو ما تدل القرينة على سريته مثل أن يخبر به حال الانفراد أو خفض الصوت، أو ما كان من شأنه الكتمان كالمعايب عموماً ، أو ما كان فيه مضرة به.
تحريم النميمة:
__________
(1) …صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الغيبة، برقم 2589.
(2) …غذاء الألباب (1/103)، قال الغزالي: اعلم أن حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكره بنقص في دينه أو نسبه أو خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه أو في دنياه، حتى في ثوبه وداره ودابته. أنظر: احياء علوم الدين (3/129).(10/5)
وهي: نقل الكلام على وجه التحريش، أو الإفساد بين الناس(1)، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنّة قتّات). (2) والقتّات هو النمام.
فبناء على ما تقدم نخلص إلى أمرين:
السر : هو الذي يفضي به إنسان إلى غيره، أو يطلع عليه بحكم معاشرته أو مهنته ويستكتم عليه أو دلّت القرائن على طلب الكتمان، أو كان من شأنه في العادة أن يُكتم، أو تضمن ضرراً، أو عيباً يكره اطلاع الناس عليه، أو تضمن إفشاؤه الإفساد بينه وبين غيره.
إفشاء السر محرم في الأصل، ويزداد التحريم إن تضمن إفساداً أو ذكراً لعيب فيه.
وينبه هنا إلى أمور:
أ – أن الطبيب ومن في حكمه يتأكد في حقه كتمان السر، ومن حق المريض عليه أن لايبوح بأي معلومات عنه وذلك أن ثقة المريض في طبيبه هي أساس التعامل بينهما، والمريض إنما أفشى بأسراره وما يعانيه للطبيب لأجل الوصول إلى التشخيص الصحيح. (3)
وحفظ أسرار المريض من حفظ الأمانة وقد قال تعالى:{والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون} (سورة المؤمنون: 8).
قال ابن الحاجّ -737هـ- : ينبغي أن يكون – يعني الطبيب – أميناً على أسرار المريض، فلا يطلع أحداً على ما ذكره المريض؛ إذ إنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك. (4)
__________
(1) …غذاء الالباب (1/110)، وقيل: النميمة ليست مختصة بذلك بل تتناول كشف ما يكره كشفه فحقيقة النميمة على هذا: إفشاء السر قال ذلك الغزالي إحياء علوم الدين (3/139)، وهذا ينضاف لما سبق من خطورة إفشاء السر.
(2) …صحيح البخاري،كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، رقم 6056، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، رقم 105، وأخرجه مسلم في الموضع السابق أيضاً بلفظ: لا يدخل الجنة نمام.
(3) …أنظر: رؤية إسلامية لبعض القضايا الطبية، د. عبدالله حسين باسلامه ، ص 95.
(4) …المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات (4/143).(10/6)
وقال ابن مفلح -763هـ- : كما يحرم تحدّثه – يعني غاسل الميت – وتحدّث طبيب وغيرهما بعيب(1). ولذا رتب الشرع على هذا الكتمان الأجر الجزيل.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من غسل ميتاً فأدى فيه الأمانة، ولم يُفش عليه ما يكون منه عند ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه). (2)
ب – أن المجهول الذي لا يذكر اسمه ولا وصف له يميزه عن غيره لا يكون الكلام عنه غيبة، فمن أخبر أنه رأى شخصاً ولم يعينه، فإنه لا يكون مفشياً لسر. لأن المجهول ليس له غيبة لعدم حصول الضرر عليه بالإخبار عنه. (3)
ج – إذا اذن المريض بإفشاء شيء يخصّه فإنه يجوز إفشاؤه لأن الحق له وقد تنازل عنه، إلا إذا كان إفشاؤه يتضمن التعرض لحق الله تعالى أو لحق إنسان آخر.
أما حق الله تعالى فكما لو تضمن رميه ببعض الفواحش أو الدعوة إلى الفساد والرذائل. وأما حق الإنسان فكما لو تعلق الأمر بشخص ثالث فإن له حقاً في كتمان السر أيضاً. (4)
ثالثاً: استثناءات تبيح كشف السر (متى يباح إفشاء السر):
تقدم معنا أن العلماء وجّهوا إخبار بلال باسم امرأة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهم بأن ذلك كان جواباً لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم الذي إجابته أوجب من الكتمان.
وهذا يمهد لبيان أن واجب الستر فيما تقدم قد يترك لما هو أوجب منه، وذلك (لأن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجّح خير الخيرين، وتحصّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما). (5)
__________
(1) …الفروع (2/217).
(2) …مسند الإمام أحمد (6/119)، المستدرك للحاكم (1/354)، وقال صحيح على شرط مسلم، وله شواهد ، أنظر: مجمع الزوائد (3/21).
(3) …أنظر: الأذكار للنووي، ص 486.
(4) …انظر: الإذن في إجراء العمليات الطبية، أحكامه واثره ص 89، لكاتب هذا البحث.
(5) …تضمين من مجموع فتاوى ابن تيمية (20/48).(10/7)
فالله تعالى نهى عن سب آلهة المشركين ، وإن كان ذلك حقاً واجباً، لأنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسبّ إله المؤمنين .
قال تعالى:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم} (سورة الأنعام: 108).
قال ابن القيم -751هـ- : النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبّه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وابغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله(1)
وقد جاء الشرع بالعناية بالمصالح العامة وتقديمها على المصالح الخاصة، كما اهتم برفع المفاسد العامة وإن تضمن ذلك مفسدة خاصة.
فالعناية بالأغلب والأعم هو المقدم.
كما أن حق الإنسان في حفظ سره يجب أن لا يتضمن ضرراً على فرد آخر، فإن حفظ حق أحدهما ليس أولى من حفظ حق الآخر.
وكل هذا فرع عن تطبيق قاعدة المصالح والمفاسد.
والتطبيق العملي لهذه القاعدة في مسألة سر المريض أن تنصب العناية بمقاصد الشريعة من حفظ المال والنفس والعقل والنسل والدين ولو انخرمت مصلحة المريض بإفشاء سره.
فيفشى سره إذا تضمن درء مفسدة عامة، أو جلب مصلحة عامة.
ويقع الترجيح بحسب الاجتهاد المصلحي في مسألة درء المفسدة عن الفرد.
قال العز بن عبدالسلام -660هـ- : الستر على الناس شيمة الأولياء، ويجوز إفشاء السر إذا تضمن مصلحة أو دفع ضرر، وقد كشف يوسف عليه السلام سر المرأة التي راودته فقال: {هي راودتني عن نفسي} (سورة يوسف: 26) ليدفع عن نفسه ما قد يتعرض له من قتل أو عقوبة. (2)
ولدينا شاهد مختص بموضوعنا ينطق بما نريده.
__________
(1) …إعلام الموقعين (3/4).
(2) …شجرة المعارف والأحوال، ص 389، بتصرف واختصار.(10/8)
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس:سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق). (1)
فالمعنى أن ما يدور في المجالس أمانة يجب حفظها وعدم إفشائها إلا إن أدت إلى سفك دم أو استحلال فرج أو مال بغير حق فتنتفي الأمانة هنا ولا يجب حفظ السر.
وفي حديث معاذ رضي الله عنه شاهد لإفشاء ما أمر بكتمانه لأجل المصلحة فقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً فقال: أفلا أبشر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا. (2) وأخبر بذلك في آخر حياته خوفاً من كتم العلم ووصولاً لمصلحة نشره.
ولعل من أوضح أمثلة هذا الباب ما طبقه علماء الحديث من الكشف عن أحوال الرواة من أحوال تبين فسق الراوي أو قلة دينه أو ضعف حفظه، وهذا لدفع مفسدة نسبة حديث للنبي صلى الله عليه وسلم لم يقله.
فبناء على ما تقدم فإنه يباح إفشاء السر فيما يلي:
إذا أذن صاحب السر – وكان الحق يختص به – وقد تقدم بيانه.
إذا كان عدم الإفشاء يتضمن ضرراً يلحق المجتمع، أو يضر بفرد منه ضرراً أكبر من ضرر صاحب السر.
وطريق تقدير المفسدة والضرر هو الظن والاجتهاد، لأنه لا يمكن تحديد مقدارها بدقة.
قال العز بن عبدالسلام: أكثر المصالح والمفاسد لا وقوف على مقاديرها وتحديدها، وإنما تعرف تقريباً لعزة الوقوف على تحديدها. (3)
وبناء على ما تقدم تتضح لنا الأمثلة الآتية:
__________
(1) …سنن أبي داود ، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، برقم 4869، مسند الإمام أحمد (2/342)، السنن الكبرى للبيهقي (10/247). وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (6678).
(2) …صحيح البخاري ، كتاب اللباس، باب ارداف الرجل خلف الرجل، برقم (5968)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة برقم 30.
(3) …القواعد الصغرى، ص 100.(10/9)
أ – …إذا كان أحد الزوجين مصاباً بمرض جنسي معد(ينتقل بالمباشرة) فإنه يجب إبلاغ الطرف الآخر.
ب – …إذا كان المريض غير لائق بعمل معين كالمصاب بالاضطرابات العصبية أوضعف الرؤية الشديد فلا بد من إبلاغ جهة عمله – فيما لو كان سائقاً مثلاً.
ج – …إذا علم بوشوك حدوث جريمة فتبلغ الجهة المختصة.
د – …إذا علم بوجود مرض معد سارٍ.
هـ …عند الكشف الطبي قبل الزواج، إذا تبين عدم توافق أحد الزوجين مع الآخر فلا بد من إبلاغه.
و – …إذا اعتقد أن وفاة قد حصلت نتيجة جريمة.
ز - …إذا دعى للشهادة في المحكمة لقوله تعالى:{ ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} (سورة البقرة: 283).
ح - …إذا علم بإصابة الزوج بمرض غير معد، ولا تعلم به الزوجة مثلاً فإنه لايجوز له إخبارها لعدم الموجب.
ط - …إذا حملت زوجة شخص تبين بالفحص أنه عقيم فلا يلزمه سوى اخبار الزوج بالعقم وأنه في الحالات المعتادة لا يتأتى الإنجاب لمثله.
وهذا وإن تضمن نوع ضرر بالزوجة، لكن لابد من إطلاع الزوج على حالته الصحية، دون أن يتضمن اتهاماً بالزنا، أو تشكيكاً في نسب الولد.
وهنا لابد من التنبّه إلى استعمال أحسن الألفاظ في التعبير ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة إذ لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ، فيتلفظ أو يكتب الطبيب العبارة المؤدية للغرض.
فكلمة غير لائق تكفي في الإخبار عن حالة المتقدم لعمل مثلاً دون ذكر تفاصيل المرض، وكذلك أن المريض مصاب بمرض ينتقل بالاتصال الجنسي يكفي عن تسمية المرض، وعدم التوافق بين الزوجين كذلك يؤدي الغرض دون الحاجة لذكر اسم الداء.
وقد بدأت المستشفيات بذكر التصنيف العالمي لأي مرض عوضاً عن ذكر اسمه وهذا واحد من أمثلة ما أقصده.(10/10)
ولما تناول العلماء جواز بيان حال الرواة ومن أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وجواز الرد عليهم استثنوا من ذلك إذا كان يفحش في الكلام ويسيء الأدب في العبادة فينكر عليه إفحاشه وإساءته دون أصل رده. (1)
وضابط ما سبق أن الضرورة تقدر بقدرها. وكذلك تقدر بقدرها في الذي يخبر بسر المريض فلا يخبر إلا من لا يتم المطلوب بإخباره فقط.
رابعاً: الفئات المنوط بها حفظ السرية:
إن من مزايا الشريعة الإسلامية أنها دين يطالب الإنسان فيه مع التزام الاحكام امتثال الأوامر فليست قانوناً أو تشريعاً يجرّم حدوداً معينة ويدع ما سواها بل هو منهج حياة متكامل، لم يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا كان له فيه موقف ففي الوقت الذي تحتاج القوانين الى تحديد ماهيّة السر الطبي والمنوط به نجد الشرع يأمر بحفظ السر وينهى عن إفشائه سواء كان من اطلع عليه طبيب ، أو صيدلي، أو موظفاً بالسجلات الطبية أو من أفراد الهيئة التمريضية أو الأغذية أو المختبرات والأشعة أو كان فرداً من غيرهم ويرتب المسئولية على إفشاء السر على أي واحد منهم.
إذ حفظ السر من الأمانة الواجب حفظها. والإخلال بها من علامات النفاق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اوتمن خان). (2) وقد تقدم هذا.
ومع ذلك فإن العاملين في المجال الصحي يتوجب نحوهم من المؤاخذة أكثر من غيرهم، إذ أصل عملهم هو تخفيف معاناة المريض، والسعي لراحته، وأي عمل يخالف هذا المقصد يضاعف المؤاخذة، إذ من قواعد الشرع أن من عظمت النعمة عليه زادت المؤاخذة كذلك عليه.
خامساً: مشاكل تحتاج حلولاً:
__________
(1) …غذاء الالباب (1/108).
(2) …صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب علامات المنافق، برقم 33، صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب بيان خصال المنافق، رقم 59.(10/11)
ومن هذه المشاكل مشكلة الحمل السفاحي – غير الشرعي – ومشكلة استغلال الأطفال جنسياً فهل إفشاء هذه يعتبر من إفشاء السر؟
ولبيان الحكم فإني أقدم بمقدمات..
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ستر مسلماً سرته الله يوم القيامة). (1)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل ما بال فلان يقول، ولكن كان يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا. (2)
وهذا سواء فيه الحدود وغيرها، فللمسلم أن يشهد عليها إن رآها، ولكن سترها أولى به وافضل إن كانت حقاً لله فقط كشرب الخمر مثلاً، أو الزنا الحاصل بالتراضي مع امرأة غير متزوجة.
أما لو كان في الحد حق لآدمي مالي أو غيره كمن شاهد من يأخذ مال غيره فعليه إعلامه والشهادة معه إن طلب.
المعروف بالفجور والمعتاد عليه الأولى الإبلاغ عنه.
قال القرطبي: من اشتهر بالمعاصي ولم يبال بفعلها ولم ينته عما نهى عنه فواجب رفعه للإمام وتنكيله، وإشهاده للأنام ليرتدع بذلك أمثاله. (3)
تحريم القذف بغير بيّنة:
فلا يجوز للإنسان أن ينسب غيره إلى الزنا ونحوه إلا وقد شهد عليه أربعة، وإلا فإنه قاذف له مستحق للعقاب.
قال تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} (سورة النور: 4) ولكن له أن يخبر بما رآه أو دلت عليه قرائن الكشف أو الحال دون ذكر فعل الفاحشة فمثلاً تمزق البكارة والإصابات الشرجية وإصابات عضلات الآلية ونحوها أو الخلوة الممنوعة يمكن تناولها ولا تعد قذفاً لاحتمال حصولها بغير ممارسة جنسية في ضوء السرية التي تناولناهما سابقاً.
__________
(1) …صحيح البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم، برقم 2442، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم 2580.
(2) …سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في حسن العشرة رقم 4788، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 2064.
(3) …المفهم (6/558).(10/12)
وبناء على ما سبق إذا وقف الطبيب على حصول حمل غير شرعي فإن توصيفه للحالة بأنها حمل لا كشف فيه للسرية لأنها من جنس الإخبار بالمرض ونحوه ولكن يختص هذا بالحامل دون غيرها.
وإذا كانت متزوجة وأخبرته بأن حملها من سفاح أو توصل إلى ذلك فإنه لا يجوز له الإبلاغ عن ذلك لكونه قذفاً إلا إذا طلب منه ذلك لكشف دعوى قضائية.
وإذا اطلع على أن طفلاً قد استغل فإن عليه إبلاغ وليه بحالته الإصابية لأن سر المريض غير كامل الأهلية يتولاه وليه.
وفي جميع ما تقدم يجب على الطبيب كغيره مناصحة من علم منه المنكر وتوجيهه وتذكيره بالله فهذا واجب شرعي سواء ابلغ بعد ذلك أو لا.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم
هذا وأسأل الله تعالى أن يمن علينا بالفقه في الدين وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.
ملحق قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن السر في المهن الطبية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1-7 محرم 1414هـ الموافق 21-27 (يونيو) 1993م.
بعد إطلاعه على البحوث الواردة في المجمع بخصوص موضوع السر في المهن الطبية، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولاً: السر هو ما يفضي به الإنسان إلى آخر مستكتماً إياه من قبل أو من بعد، ويشمل ما حفت به قرائن دالة على طلب الكتمان إذا كان العرف يقضي بكتمانه، كما يشمل خصوصيات الإنسان وعيوبه التي يكره أن يطلع عليها الناس.
ثانياً: السر أمانة لدى من استودع حفظه، التزاماً بما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو ما تقضي به المروءة وآداب التعامل.(10/13)
ثالثاً: الأصل حظر إفشاء السر وإفشاءه بدون مقتضٍ معتبر موجب للمؤاخذة شرعاً.
رابعاً: يتأكد واجب حفظ السر على من يعمل في المهن التي يعود الإفشاء فيها على أصل المهنة بالخلل، كالمهن الطبية، إذ يركن إلى هؤلاء ذوو الحاجة إلى محض النصح وتقديم العون فيفضون إليهم بكل ما يساعد على حسن أداء هذه المهام الحيوية، ومنها أسرار لا يكشفها المرء لغيرهم حتى الأقربين إليه.
خامساً: تستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه، وهذه الحالات على ضربين:
أ – حالات يجب فيها إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضررين لتفويت أشدهما، وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه.
وهذه الحالات نوعان:
ما فيه درء مفسدة عن المجتمع.
وما فيه درء مفسدة عن الفرد.
ب – حالات يجوز فيها إفشاء السر لما فيه :
جلب مصلحة للمجتمع.
أو درء مفسدة عامة.
وهذه الحالات يجب الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
سادساً: الاستنثاءات بشأن مواطن وجوب الإفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في نظام مزاولة المهن الطبية وغيره من الأنظمة، موضحة ومنصوصاً عليها على سبيل الحصر، مع تفصيل كيفية الإفشاء، ولمن يكون، وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن.
ويوصي بما يلي:
دعوة نقابات المهن الطبية ووزارة الصحة وكليات العلوم الصحية بإدراج هذا الموضوع ضمن برامج الكليات والاهتمام به وتوعية العاملين في هذا المجال بهذا الموضوع، ووضع المقررات المتعلقة به، مع الاستفادة من الأبحاث المقدمة في هذا الموضوع.
والله الموفق(10/14)
الفحص الطبي للجنس الآخر
الدكتور محمد بن علي البار
استشاري باطنة باحث و مفكر إسلامي معروف
جده
أن تعليم الطب الآن يشمل الذكور والاناث .. وعلى طالب الطب سواء كان رجلا أم إمرأة أن يشرح جثة الرجل وجثة المرأة وعليه (أوعليها) أن يعرف (تعرف) الجهاز التناسلي للذكر والجهاز التناسلي للأنثى تشريحا ووظيفة وأمراضا . ولا يعذر طالب الطب (ذكرا كان أم أنثى) في جهله بأي منها ، كما أن على طالب الطب أن يحضر الولادات الطبيعية وغير الطبيعية .
والتشريح في حالات الطب الشرعي يستدعي تشريح جثث النساء في بعض الأحيان وغالبية من يشّرحون الجثث في هذا الميدان هم من الرجال . وقد لا توجد أمرأة في هذا التخصص ، ولا بد إذن أن يقوم الرجل بتشريح جثة المرأة ، وقد يستدعي ذلك أجهزتها التناسلية في حالات الإغتصاب والإجهاض والذي قد يكون مصحوبا بإعتداء أدى إلى وفاة المرأة .
وقد وردت أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مداواة المرأة للرجل الأجنبي عنها ومداواة الرجل الأجنبي للمرأة ، نذكر منها :
عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت : "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ، ونداوي الجرحى ونرد القتلى إلى المدينة " وذلك في معركة أحد ( أخرجه البخاري في صحيحه)
عن أم عطية قالت : " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، أخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام لهم وأجيز على الجرحى وأداوي المرضى " (أخرجه مسلم وأحمد وأبن ماجه )
عن أنس قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو ومعه ام سليم (وهي أم انس بن مالك راوي الحديث) ومعها نسوة من الأنصار ، يسقين الماء ويداوين الجرحى (أخرجه مسلم)
أخرج الحاكم في المستدرك أن الشفاء بنت عبد الله كانت ترقي من النملة (هربس زوستر) وجاءها انصاري خرجت به نملة يريد أن ترقيه فقالت : ما رقيت منذ أسلمت ، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها "أرقيه وعلميها حفصة كما علمتها الكتابة"(11/1)
أخرجه الحاكم في المستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوكل تمريض سعد بن معاذ عندما أصيب في أكحله إلى رفيدة الأسلمية ، وجعل له خيمة في المسجد ، ثم جعل معه بعض الجرحى وأوكل تمريضهم جميعا إلى رفيدة .
عن حبار (رضى الله عنه) " أن أم سلمة أستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة ، فأذن لها ، وأمر أبا طيبة أن يحجمها" . أخرجه مسلم وابن حبان
الموقف الفقهي
قال الذهبي في كتابة الطب النبوي :"ونص أحمد أن الطبيب يجوز له أن ينظر المرأة الأجنبية إلى ما تدعو إليه الحاجة ، إلى العورة .. وكذلك يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة الرجل عند الحاجة " .. قال الذهبي : وكذلك يجوز خدمته الأجنبية ، ويشاهد منها عورة في حالة المرض وكذلك يجوز لها أن تخدم الرجل وتشاهد من عورة في حال المرض إذا لم يوجد رجل أو محرم ."
ولا خلاف بين الفقهاء ، على جواز مداواة الرجل للمرأة ، ونظر ومس ما تدعو إليه الحاجة وإن كان عورتها المغلظة . وذلك عند فقدان الطبيبة والعكس صحيح أي أن المرأة تداوي الرجل الأجنبي عنها عند عدم وجود الطبيب .
وتقدم الطبيبة الكافرة على الطبيب المسلم عند الشافعي إلا إذا كان الرجل محرما لها فيداويها هو ويقدم الأمهر من الأطباء ولو كان رجلا على المرأة . ولو وجدت طبيبة لا ترضى إلا بأكثر من أجرة مثلها ، ورضي الطبيب الرجل بأقل منها جاز للرجل مداواتها . بل لو وجد كافر رضي بأقل من أجرة الطبيب المسلم جاز التداوي عنده . ويجوز التداوي عند الأمهر من الأطباء ولو كان كافرا مع وجود مسلم أقل خبرة ومهارة منه (مغني المحتاج 3/133 والهداية والعناية 8/99 ورد المحتار 5/337 ونهاية المحتاج 6/197(11/2)
وأختلف الفقهاء في الخلوة فمنهم من رأى أن وجود رجلين أجنبيين ينفي الخلوة (بعض الحنفية) والراجح عند الشافعية أن الخلوة تنتفي بوجود إمرأة ثقة أخرى بينما قال القفال الشاشي الشافعي أن الخلوة لا تنتفي بوجود امرأتين اجنبيتين (المريضة + الممرضة) وتحرم خلوة امرأة برجلين إلا إذا كان أحدهما من محارمها . وعند الحنابلة أن الخلوة لا تنتفي بوجود امرأة أو أكثر مع الطبيب والمريضة كما لا تنتفي بوجود أكثر من رجل مع الطبيب إلا إذا كان الرجل أحد محارمها .
تعليق وتوصيات
نحتاج إلى كليات تمريض للنساء ، وكليات تمريض للرجال ، وكليات لتخريج القابلات من النساء
نحتاج إلى كليات طب مختصة منذ البداية بتخريج طبيبات مختصات في طب أمراض النساء والتوليد وإذا كان لدينا كليات خاصة لطب الأسنان فنحن أحوج لكليات لطب النساء والولادة ، وتكفي ثمان سنوات لإخراج طبيبات مختصات في هذا الفرع (أربع سنوات عامة وأربع للنساء والولادة مع التدريب) وهذا سيوفر عدد كبير من المختصات في هذا الفرع .
نحتاج إلى طبيبات في كل فروع الطب بحيث يمكن تغطية الاحتياجات في المجتمع في فترة زمنية معقولة.(11/3)
تدريس أخلاقيات الطب في المدارس الطبية من منظور اسلامي
د. زهير بن أحمد السباعي
استشاري طب الأسرة
مدير معهد السباعى بجده
تدريس أخلاقيات الطب في المدارس الطبية من منظرو إسلامي أمر في غاية الأهمية لأنه يمس علاقة أفراد الفريق الصحي بالمرضى والأصحاء ، ويتصل بالعلاج والوقاية والتأهيل والتطوير الصحي ، كما أنه يمس جوانب الصحة الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية .
السؤال هو ماذا ندرس في أخلاقيات الطب وكيف ندرسها ؟
أما ماذا ندرس .. فالمكتبة العربية فيها ما يكفي من المراجع والكتب والمقالات التي تستعرض أخلاقيات الممارسة الطبية وعلاقتها بالقيم الإسلامية ، ويمكن الرجوع إليها في منشورات منظمة الصحة العالمية ، ومركز تعريب العلوم الطبية بالكويت ، وبكليات الطب التي تردس باللغة العربية مثل الجامعات السورية وبعض الجامعات السودانية والليبية . كل ما علينا هو نحسن الاختيار .
السؤال الآخر هو كيف ندرس المادة ؟
جرت العادة على الاعتماد على المحاضرة كوسيلة أساسية للتدريس ، تطرح الوقة فكرة بديلة ومكملة للمحاضرة وهي الحوار ، الذي يعتمد على القراءة المسبقة ثم المشاركة في حلقات النقاش
يقوم المحاضر بتوضيح فكرته ، ثم يطرح نقاط للحوار على المشاركين في المؤتمر من بينها : كيف ننتقل
من أسلوب التعليم إلى أسلوب التعلم ؟
ومن التعليم السلبي إلى التعليم النشط ؟
ومن التلقي إلى المشاركة ؟
ومن الدروس النظرية إلى التطبيق العملي ؟
من خلال الحوار سوف تتضح أبعاد جديدة لأهداف ووسائل تدريس أخلاقيات الطب ووسائله.(12/1)
تضارب جودة العناية الطبية
وتطبيق نظام التأمين الصحي
د. محمد حمزة خشيم
المدير التنفيذي للخدمات الطبية بالقطاع الغربي
بمستشفى الملك خالد للحرس الوطني بجدة
نبدأ بعدد من الأسئلة
أولاً: …هل هناك تضارب؟
ثانياً: …ما هي أبعاد هذا التضارب ؟
ثالثاً: …هل هي مشكلة صعبة الحل؟
ولكي نجيب على هذه الأسئلة نحتاج إلى أن نلقي نظرة على الواقع الصحي في داخل وخارج المملكة في السنوات الأخيرة !!
عدد المستشفيات العامة والخاصة في المملكة
عدد المستشفيات الخاصة في منطقة مكة المكرمة
إذاًَ القطاع الخاص يمثل ما بين 30% - 44% من الخدمة الطبية المقدمة
دخل المستشفيات الخاصة 80%… …شركات وتأمين 20%… نقداً
إذاً المستشفيات الخاصة تعتمد في دخلها على شركات التأمين والتعاقد المباشر مع الجهات شبه الحكومية التي تتعاقد معها مباشرة.
لكن ما شكل هذه العلاقة؟
1- جهات لا تدفع مستحقاتها.
2- شركات تأمين لا تدفع.
3- شركات تأمين تدفع ولكن بعد وقت طويل وبعد خصومات كبيرة جداً.
4- شركات تأمين تفرض عقوداً بمبالغ منخفضة جداً
5- شركات تأمين تحتال.
ما تأثير كل هذا على جودة الخدمة الطبية؟؟؟
التأثير يأتي عند تناقص دخل هذه المستشفيات وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها نحو العاملين لديها من أطباء وغيرهم ونحو تزويد المستشفيات بكل المستلزمات الضرورية.
فتلجأ الإدارة لاشعورياً إلى:
1- تخفيض الرواتب للعاملين.
2- التعاقد مع أطباء وممرضين دون المستوى.
3- حث الأطباء على عدم صرف الدواء إلا في الضرورة القصوى وعدم عمل الأشعة اللازمة مثلاً.
4- الاستغناء عن بعض الوظائف التي لا يراها الجمهور ولكنها مهمة للجودة مثل:
مكافحة البكتريا
أخصائي الجودة
أخصائي السلامة
وشركات التأمين تشتكي من:
1 - إدارة المستشفى تدفع الأطباء إلى عمل أشعة وتحاليل غير ضرورية حتى ترفع قيمة الفائدة.
2- عمل عمليات غير ضرورية ومختلف عليها.(13/1)
3- التحايل والنصب في بعض الأحيان لعمليات وإجراءات لم تتم أصلاً ويتم وضعها على الفاتورة.
وهذه مشكلة حتى في خارج المملكة في العالم الغربي لذا لجأت الشركات في الخارج إلى:
1 - نظام Managed Care (الرعاية المدارة).
2- Clinical Practice Guidelines.
3- Clinical Pathway
4- وضع طبيب خاص للشركة في التشخيص للمراقبة
5- وضع أطباء متخصصين لديها في الشركة لمراقبة الفواتير والعمليات والحاجة للعمليات الجراحية
إذاً هل هي:
1- انعدام الثقة بين الجانبين
2- محاولة للكسب من كل طرف على حساب الآخر.
إذاً هل هناك من حل؟ وهل هي مشكلة صعبة الحل؟
حالياً الضمان الصحي يحاول وضع القوانين لحماية الطرفين وذلك عن طريق :
1- إقامة شركات كبيرة قادرة .
2- تأمين كبير جداً (100مليون ريال) تدفع في مؤسسة النقد لمنع الهروب.
3- بوليصة تأمين موحدة.
4- فرض نظام جودة على المستشفيات لضمان تقديمها لخدمة طبية آمنة وجيدة.
والمشكلة تكمن في:
1- بوليصة التأمين وقيمتها.
2- نظام الجودة الذي سيفرض.
بوليصة تتراوح من: 150 ريال إلى 1000 ريال ماذا تغطي بوليصة بـ 150 ريال
هذه هي المشكلة والتي تدفع المستشفيات إلى استخدام الأساليب التي ذكرناها سابقاً للتوفير على حساب جودة الخدمة المقدمة.
والأطباء يقفون بين المطرقة والسندان:
أخلاقيات الطب تمنعهم من التقصير في أي خدمة ومن إعطاء المريض كل الفرص الممكنة وكل الرعاية اللازمة، …والإدارة تضغط عليهم للتوفير وإلا.........
ثم ما هو نظام الجودة الذي يريد الضمان الصحي تطبيقه!
هو نظام تطبيق معايير الجودة العالمية التي تجبر المستشفى على اتباع واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية التي تضمن سلامة الخدمة المقدمة .
فمعايير الجودة مثلاً تطلب من المستشفى:
1- مراقبة صارمة لبنك الدم وثلاجات خاصة في درجة حرارة خاصة.
2- الاهتمام بالسلامة ونقل المخلفات السامة والمواد الكيماوية(13/2)
3- تجهيز غرف العمليات بأحدث الأجهزة الضرورية لمساعدة طبيب التخدير في غرفة العمليات. (Oximete - Capnography ..etc)
وكل هذه المعايير تتطلب إنفاقا..... وكما هو معروف فإن الجودة مكلفة مما يجعل المستشفيات تضيق ذرعاً بتطبيق هذه المعايير.
إذا أصبحت المستشفيات أمام
• شركات تأمين تريد تقليص التكاليف بكل الطرق....
• وشركات تريد بوليصة منخفضة
• وضمان صحي يريد تطبيق الجودة المكلفة.
وكل هذا النظام يؤدي في النهاية إلى أن يضع الأطباء في موقف أخلاقي صعب في محاولة لخلق توازن بين هذه الأطراف الثلاثة.
ونحن مقبلون على تغييرات كبيرة لعل أولها الخصخصة على جميع الأصعدة ومنها المجال الطبي ولربما ستكون في سنوات قليلة قادمة ونحتاج أن نكون جاهزين بنظام جيد يحفظ حقوق الجميع ويمنع التلاعب والخداع.
والعالم اليوم مقبل على تغيرات شاملة في كل المجالات وغلطات الأمس لم تعد مقبولة اليوم وأصبحت توقعات الإنسان أكبر وأكثر في جميع أنحاء العالم . وأصبحت هناك قفزة ثقافية في كافة المجالات ومنها الثقافة الصحية.
وفي كل دول العالم أصبحنا نرى الهيئات تتكون لمراقبة الأداء الطبي في المستشفيات وأصبحت الدول تنشر الأخطاء الطبية على الملأ وتعمل جاهدة للقضاء عليها . وتطبق نظام جودة صارم على منشآتها الصحية.
ففي الولايات المتحدة مثلاً هناك:
98,000 حالة وفاة نتيجة الأخطاء الطبية كل عام
وهو ما يعادل سقوط 280 طائرة جامبو في العام الواحد
وفي بريطانيا وألمانيا هناك إحصائيات مماثلة .
لذا فإن هناك توجه عالمي ملحوظ نراه كل يوم في إنشاء المزيد من الهيئات التي تهتم بسلامة المريض وسلامة المنشأة ونوعية الخدمة المقدمة وأصبحت المعايير تزداد كل يم وتصبح أكثر تعقيداً لضمان سلامة الخدمة الطبية.
إذاً نلخص ما قلناه كالتالي:
1- طبيب ملتزم بحقوق وبأخلاقيات المهنة،(13/3)
قد يواجه ضغوطاً من إدارة المستشفى للتوفير والتقليل من الجودة اللازمة لمحاولة العيش في مواجهة شركات التأمين والشركات العاملة من ورائها وطلباتهم ومحاولاتهم لدفع أقل التكاليف للعلاج وأيضاً مواجهة الضمان الصحي الذي يطلب تطبيق معايير الجودة المكلفة
معادلة تبدو صعبة الحل....... وتحتاج إلى مزيد من النقاش.(13/4)
تطبيقات مفهوم العورة على العمل الجراحي والطبي
أ.د محمد عابد باخطمة
استشاري جراحة
مستشفى الملك عبد العزيز، بجدة
قد يخفى على النظرة العابرة شمولية معنى العورة إذ يتبادر للذهن أن المقصود من العورة هي العورة الجسدية فقط دون أن يشمل العورة المعنوية ، والشريعة وضعت احكاما للستر ولم تعطي الأفراد حق مخالفتها بل وحفظتها للمسلم حتى وهو ميت ، ومن باب أولى إن كان حيا وتحت الغياب المؤقت عن الوعي . أن المحافظة على جسم المريض وهو تحت التخدير في غرفة العمليات أمر لازم شرعا ولا يملك حتى المريض نفسه حق مخالفته ، وتنتقل المسئولية في قضية وجوب ستر العورة في غرفة العمليات من المريض إلى من يراعونه . ولذلك وجب على كل العاملين المتعلق عملهم بالتعامل مع المريض ، التعامل مع الأمر من منطلق أنهم مسئولين وأن الأصل هو الستر .
والعورة المعنوية هي المعلومات الخاصة التي يذكرها المريض ، وتسجل في ملفه الطبي ، وهنا تبرز قضية العورة المعنوية ، فكل هذه الأمور المسجلة في ملف المريض يمكن أن يطلع عليها من لا علاقة لهم بعلاج المريض ، وقد تقع المعلومات الخاصة في الأيدي الخطأ والمريض لا يود أن يعرف أحد خصوصياته دون إذنه فالخصوصيات أمر حفظها الشارع ، وكشف عورة المريض المعنوية احتمال قائم في المستشفى ، وهي قضية تحتاج للنظر فيها في مراحلها المبكرة قبل تفاقمها ، ولا بد لنا من إيجاد آلية لنخفي بها هوية المريض عن أعين المتطفلين ، وآلية تسمح بكشف كل من قام بالإطلاع على ملف المريض وهذه القضية في مجملها قضية لا علاقة للمسألة الفنية الطبية بها ، وهو أمر يضع مسئولية الحفاظ على عورات المرضى على الإدارة المسئولة عن تقديم الخدمة العلاجية أو الصحية .(14/1)
جراحة التجميل وجراحات تغيير وتصحيح الجنس
أ.د. ياسر صالح محمد جمال
رئيس وحدة جراحة الأطفال بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز والمستشفى الجامعي
شهدت الساحة الطبية تقدما كبيرا في جراحات التجميل وإعادة بناء الأعضاء والأنسجة ، وبالنظرة الدقيقة يتضح أن بعض هذه الجراحات ليس لها صفة الضرورة لإصلاح عيب خلقي أو إصابة حوادث بل تتعدى إلى هدف التجميل البحت . أما جراحات تصحيح وتغيير الجنس فتكون جراحة تصحيح الجنس مباحة شرعا حيث يتم إجراء جراحة تصحيحة لإعادة بناء الجهاز التناسلي بما يتوافق والجنس الصحيح للشخص ذكرا كان أم أنثى أم جراحة تغيير الجنس فهي محرمة شرعا حيث يرغب الشخص التغيير من الذكورة إلى الأنوثة أو العكس لرغبة شخصية ملحة دون وجود أي خلل في التركيب الجسماني أو الأجهزة التناسلية يبرر ذلك التغيير .
وفي هذا الطرح سيتم عرض وجهة النظر الطبية الفقهية في هذا الجانب وإن كثير من هذه الجراحات والتي تسمى تجميلية هي في واقعها جراحات تصحيحية ولا غبار عليه حيث تجري لإصلاح عيب خلقي أو تشوه ناتج من حادث أو حرق أو غير ذلك من الإصابات الجسدية أو نتيجة غزالة ورم وهي بلا شك جائزة شرعا إذا التزمنا بأدائها دون الإخلال بالضوابط الشرعية للعمل الجراحي إلا أن أنواع قليلة منها والتي قد تمارس كثيرا لا تشمله صفة الشرورة الطبية بل هي تجميلية بحتة يرغب فيها الشخص تحقيق صورة معينة من الجمال أو تغيير الهيئة التي خلقه الله عليها وهي بلا شك محرمة لما فيها من إخلال بالأحكام الشرعية وما يترتب عليه من غش أو ضرر .(15/1)
فنون التعامل مع المريض من منظور إسلامي
د. حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
مستشفى الملك فهد العسكري بجدة
حدثت في الآونة الأخيرة تغيرات كثيرة في المجتمعات الطبية فأصبح للمريض اسم ”العميل“ وللطبيب اسم ” مقدم الخدمة الصحية“ وغزت أفكار السوق والتجارة المهن الصحية .
وقد ساهم في ذلك سيطرة شركات الأدوية والأدوات الطبية على النظام الصحي في الدول المتقدمة ، وتوسع قطاع الطب الخاص Private Section بشكل كبير ، و عدم وجود الرقابة والضوابط ،وعدم انتشار الوعي بين كثير من المرضى ، وسيطرة الطابع التجاري على بعض المستشفيات والعيادات الخاصة واستغلال المريض ، ووجود ممارسات غير أخلاقية، لزيادة دخل المستشفى... الخ.
والاسلام يدعو الطبيب المسلم لأن ينطلق في ممارسة مهنة الطب من قواعد ثلاثة:
1- دفع الضرر عن المجتمع المسلم بتوفير مقومات الصحة للمجتمع ، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا . وشبك أصابعه ” رواه البخاري
2- أداء واجب الأخوة في الله نحو أخيه المسلم المريض
3 - الرحمة الانسانية التي تتسع لكل البشر مسلمين وغير مسلمين بل تتسع لكل كائن.
” في كل ذات كبد رطبة أجر ” رواه البخاري
والطبيب في مجال تخصصه مطالب بأن يقدم علمه وخبرته لصالح المجتمع
وهناك أخلاقيات عامة لابد من أن يتصف بها الطبيب . ومنها ما يتعلق بممارسة مهنة الطب بصفة خاصة مثل :
كتمان سر المريض
البعد عن الطمع المادي
حرمة البيوت والعائلات .
تجنب نظرة الشهوة إلى المريضة
عدم غش المريض.
إتقان الفحص والعلاج.
ولا يجوز فصل آداب المهنة عن الأخلاقيات العامة التي يجب أن يتصف بها كل مسلم في سلوكه .
وعلى الاسرة والمدرسة والدولة توفير البيئة الصالحة التي لا يشيع فيها المنكر فينشأ الجيل منسجما مع فطرته النقية بسهولة بلا تناقضات.(16/1)
الق مرضاك بوجه طلق فذلك من الصدقة ... واصفح عن مريضك إذا بدت منه إساءة أو سوء خلق أو سوء تصرف فلعل المرض هو الذي دفعه إلى ذلك مع ما يعانيه من قلق.
غض البصر فالترخيص بالاطلاع على عورات الناس عند الضرورة ليس مبررا للتخلي عن الحياء الواجب على كل مسلم. لا تطلع إلا على ما هو ضروري. فشعور المريضة بحياء الطبيب يعطيها ثقة أكبر بالطبيب.
لا تفحص مريضة من دون ممرضة أو أحد محارم المريضة
ولا تخبر المريض مباشرة بخطورة مرضه ولو كان ميئوسا من شفائه.
احفظ سر مريضك فالطبيب في مهنته يطلع على أسرار المريض
" من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ”…رواه مسلم
التزم الأمانة في إبداء المشورة وحافظ على ما استشرت فيه.
حافظ على سعة معلوماتك ، ليس في مجالك الطبي فحسب ولكن فيما حولك ومجتمعك بالإضافة لمتابعتك المستمرة لما يجد في حقل تخصصك
انهل من ثقافة دينية إيمانية فقهية رصينة ( دون التقعر و الدخول في التفاصيل )
لا تدخل في مباريات الدعاية وكأنك تبيع سلعة فالطب ليس تجارة ... وقد تحول الطب للأسف في كثير من الأحيان إلى تجارة Business مع ما يصحبه من دعايات وأساليب كان الأطباء يرفضون التدني إلى مستواها ...
لا تطلب فحصاً لا لزوم له ، واحرص على الأدوية المطلوبة والمعقولة الثمن .. ولا تأمر بدخوله المستشفى أو إجراء عمليه جراحية إن لم تكن لها حاجة طبية تستدعي ذلك .
تعامل مع زملائك الأطباء على أسس تعاليم الاسلام ، واجتنب الغيبة والتجريح واحترم الكبير
ابدأ فحصك للمريض أو كتابة الوصفة بذكر اسم الله فذلك ادعى للتوفيق في العمل .
" كل عمل ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو ابتر”…رواه النسائي
و تستشعر دورك كوسيط ، وأن الشافي هو الله .
اشعر أن تعاملك مع الله وأن عليك رقابة دائمة ، واتق الله في التعامل مع خلق الله.(16/2)
من الأحكام الشرعية للجراحة
سعد بن ناصر الشثري
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:
فإن من فضل الله عز وجل على المجتمعات الإسلامية كثرة الأطباء المسلمين فيها، وكثير من هؤلاء الأطباء حريص أشد الحرص على التزام الأخلاق الإسلامية المتعلقة بهذه المهنة الشريفة.
ولاشك أن الحاجة ماسة لمعرفة الآداب الشرعية التي يحسن بالجراح أن يلتزمها ؛ وذلك لأن الجراح يرغب في التزام أحكام الشريعة ليرضى رب العالمين عنه ، ولما في التزام ذلك من فوائد عظيمة تعود على الطبيب الجراح والمريض والمجتمع كافة.
وحيث إن الطبيب الجراح في الزمن الحاضر يحتاج لاستحضار تلك الوصايا من جهة ، ويحتاج أيضاً للتعرف على طريقة الشريعة في معالجة القضايا النفسية والاجتماعية المتعلقة بالطب فلابد من التذكير بذلك ، ومن أهم القضايا المتعلقة بذلك ما يأتي :
من الصفات الأساسية في الجراح المسلم صفة العلم بأن يكون لدى الطبيب علم بطريقة العملية الجراحية المستخدمة في علاج الحالة التي تعرض عليه ، إذ إن إقدام الطبيب على إجراء عملية لمريض في غير تخصصه لا يعرف طريقة عملها يعد من الاعتداء على الخلق ، ومن تعريض النفوس والأرواح للمخاطر.
ولقد جاءت النصوص الشرعية تعيب على الذين يتكلمون بلا علم، قال تعالى: { } [الإسراء: 36].
ولا تعرف قدرة الجراح وعلمه بذلك إلا بشهادة المعتبرين بصلاحيته لذلك . وفي عصرنا الحاضر لابد من الحصول على الشهادة المعتبرة في هذا التخصص قبل مزاولة أي جراحة . وروى ابن ماجه والحاكم بإسناديهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن".(17/1)
يجب شرعاً أن يعرف الجراح الأحكام الشرعية التي تتعلق باختصاصه ، ومن المقرر عند علماء الشريعة أنه يجب على كل إنسان – سواء كان ممن يعمل بمهنة الطب أو بغيرها - أن يعرف الحكم الشرعي لكل فعل يريد مزاولته قبل أن يقدم عليه ، فعندما شرع للأطباء مزاولة الجراحة جعل لهذا العمل أحكاماً وحدوداً لا يجوز للطبيب أن يتعداها أويخالف حكم الله فيها .
وأحكام الشريعة تعرف من خلال مراجعة الأدلة قرآنا وسنة، أو من خلال سؤال العلماء كما قال تعالى: { فاسألوا } [الأنبياء: 7].
ويحسن أن يرتب في كل مستشفى جهة علمية شرعية يكون من مهمتها تنسيق الاتصال بين الأطباء وجهات الفتوى في البلد .
مزاولة العملية الجراحية أمانة أؤتمن عليها الطبيب، فيجب عليه أن يؤدي هذه الأمانة على الوجه الحسن اللائق الموافق للشرع ، والإسلام يأمر بأداء الأمانة قال تعالى: { } [النساء: 58]، وقال: { } [البقرة: 283]، وقال تعالى في وصف أهل الإيمان المفلحين: { } [المؤمنون: 8]، ومن علامات المنافق أنه إذا أؤتمن خان(1)، وقال تعالى: { } [الأنفال: 58].
ومن عدم استشعار الأمانة امتناع الطبيب عن إجراء عملية لمريض يحتاج إليها بدون مبرر سائغ ، وقد ذكر الفقهاء أنه يتعين على الطبيب معالجة المريض الذي يتضرر بمرضه ولا يجد المريض طبيباً غيره(2).
ومن ذلك تأخر الطبيب عن معالجة المريض الذي تستدعي حالته التدخل السريع والفوري أو تأخر الطبيب عن الحضور للمستشفى أو الطواريء عند استدعائه.
ومن صور عدم أمانة الطبيب : عدم الجدية في رصد مستجدات التغير لدى المريض بخط واضح بشكل يومي، ومن ذلك التكاسل في أداء الفحص المتكامل عند الاستدعاءات الليلية .
ومن صور ذلك تخلي الطبيب عن بعض مسؤولياته بالاتكال على من تحت يده وعدم تأكد الطبيب من تلقي المريض للعناية اللازمة أثناء غياب الطبيب .
__________
(1) أخرجه البخاري (33) ومسلم (59).
(2) الإنصاف 10/50، التاج والإكليل 6/16.(17/2)
ومن خلال ذلك أذكر ببعض النصوص الواردة في استشعار تلك المسؤولية:
1- قال تعالى: { } [الحجر: 92-93].
2- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)(1).
3- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من ولاَّه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره)(2).
إن الطبيب المسلم يعلم أن الله مطلع عليه ويعرف أفعاله، فلا يهمل الطبيب المسلم في شيء من الواجبات قال تعالى: { } [آل عمران: 5]، والإهمال في الأمور الطبية ذنبه عظيم ؛ لأنه يؤدي إلى هلاك النفوس وفي الحديث : (لن يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)(3).
لقد جاءت النصوص الشرعية تحث على إتقان العمل الموكول للمسلم وفاء بالعقد الذي عقده على نفسه قال تعالى: { } [الإسراء: 34].
والجراح قد التزم للمريض أو للمستشفى بإجراء العملية على أتم الوجوه فيجب عليه الوفاء بذلك ، فعليه أن يكون متقناً لعمله دقيقاً فيه ، مراجعاً لجميع المعلومات الواردة في ملف المريض ؛ لأن أقل تقصير في دراسة هذه المعلومات أو الغفلة عنها يجعل الجراح يتخبط عند إجراءه للعملية ، فلا يستعجل الطبيب بل يتمهل في تحصيل مراده مع الترفق فيه بلا توانٍ أو كسل ، وأكثر أخطاء الجراحين تحصل بسبب عجلة الطبيب وتسرعه وعدم دقته ، وكثرة المحتاجين إلى الدراسة ليست عذراً في عدم التدقيق في حالة كل مريض وتثبته من وجود المرض ونوعه ، وإذا أخل الطبيب بذلك فإنه يصبح حينئذٍ محلاَّ للمساءلة عما ترتب على تقصيره من أضرار في الدنيا مع ما يخشى عليه من العقوبة الأخروية .
وعلى الطبيب تجنب الأخطار المحتملة عند إجراء العملية ، فلا يتساهل في أخذ جميع الاحتياطات اللازمة.
__________
(1) أخرجه البخاري (7150)، ومسلم (142).
(2) أخرجه أبوداود (2948) بسند جيد.
(3) أخرجه البخاري (6862).(17/3)
من صور الإهمال عدم إلمام الجراح بملف المريض ؛ إذ إن إغفال معلومة واحدة قد يؤدي إلى أضرار وخيمة ، فالواجب على الطبيب دراسة جميع المعلومات التي يتحصل عليها عن حالة المريض سواء كانت معلومات صغيرة أو كانت كبيرة ، والأصل أن كل معلومة تفيد فائدة مستقلة كما يقرر ذلك علماء الشريعة(1). ومن هنا فإن الطبيب يتحمل النتائج المترتبة على إهماله لبعض المعلومات الواردة في الملف ؛ لأن الواجب عليه تتبع جميع المعلومات وعدم تجاهلها .
من صور الإهمال في ذلك عدم تسجيل الطبيب للمعلومات المفيدة في الملف أو عدم التوقيع على التقارير الموجودة في الملف أو عدم تسجيل تاريخها ، إذ إن الملف الطبي يعتبر وثيقة رسمية يرجع إليها في كثير من القضايا كمسألة صحة الوصية ، وهل هي في مرض الموت ، ويرجع إليه في بداية الحمل وثبوت النسب واستحقاق الإرث، ويرجع إليه في الحوادث الجنائية ونحو ذلك من القضايا ؛ فلابد من الاعتناء بتسجيل جميع المعلومات المهمة في الملف .
من أخلاق الطبيب المسلم اجتناب الكذب انطلاقاً من النصوص الشرعية الآمرة بالصدق قال تعالى: { } [التوبة: 119] ، وفي الحديث: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة)(2).
إن اطلاع المريض على كذب الطبيب – ولو كان سبب ذلك رغبة الطبيب في تحقيق مصلحة المريض وجلب فائدته – يؤدي إلى ضعف ثقة المريض في الطبيب ، وتثير الشك والريبة فيه وفي علمه .
من الأخلاق المشينة كذب الطبيب على المريض بأهمية إجراء بعض العمليات التي لا يحتاج إليها ، كما قد يفعله بعض الأطباء من أجل الحصول على المقابل المالي لهذه الخدمات ، وهذا كذب محرم ، وفيه إلحاق للضرر بالمريض وأكل المال بالباطل فيكون سحتاً محرماً ، وأيما لحم نبت على سحت فالنار أولى به .
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم 135.
(2) أخرجه الترمذي (2520)، وصححه ابن حبان (512)، والحاكم 2/13.(17/4)
وفي هذه الحال يجب على الطبيب أن يعيد للمريض قيمة هذه الإجراءات والأدوية، وأن يطلب منه أن يتجاوز عنه ، وأن يحلله من تعريضه للضرر المذكور ، ومن تضييع وقته بما لا فائدة له فيه ، وعلى الطبيب إخبار المريض بخطورة الدواء متى كانت هذه النسبة معتبرة عند غالب الأطباء .
من المسائل التي تواجه الأطباء كثيراً مسألة إخبار المريض بحاجته لإجراء عملية خطرة ، فإن بعض الأطباء يمتنع من إخبار المريض خوفاً من انحطاط نفسيته ، وقد يوجد من آخرين تصرفات هوجاء تؤثر على المريض وتزيد من مرضه ، وقد تطرق الفقهاء لذلك عند الرغبة في أن يكتب هذا المريض وصيته ، وذكروا أن المرضى على قسمين:
القسم الأول: من كان صغير السن، فهذا الأصل أنه لا يحسن إخباره بخطورة العملية؛ لأن ذلك مظنة التسخط وعدم الصبر، ولأن وليه هو الذي يملك الإذن في علاجه. لكن قد يخبر الطبيب المريض الصغير بنوع عمليته الخطرة؛ لفائدة خاصة مثل إخباره من أجل أن يبتعد عن بعض الأفعال المؤدية لزيادة المرض أو تأخر شفائه، أو إخباره من أجل استقرار نفسيته، فإن العلم بذلك قد يكون أحسن حالاً من ظن المريض أن الطبيب لا يعرف حاله.
القسم الثاني: المريض الكبير، فهذا الأصل أنه يحسن إخباره بمرضه ليكون على بينة من أمره، وليتصرف التصرف المناسب من أمثاله، لكن ينبغي أن يكون الإخبار بطريقة مناسبة، ومن أمثلة ذلك:
1- التدرج في إعطائه خبر أهمية إجراء العملية الجراحية.
2- عدم الجزم في الإخبار الأول.
3- اختيار الوقت المناسب للإخبار.
4- أن يشرح للمريض طبيعة العملية بأسلوب هادئ مع اختيار الجمل المناسبة.
5- الإيعاز لشخص مناسب بإخبار المريض بذلك ممن يكون فيه حسن تدبير ورباطة جأش مع أن الأصل هو إخبار الطبيب للمريض مباشرة، ليثق المريض بالطبيب وليكون شرح المرض غير مبالغ فيه .
6- التذكير بوجود بعض الحالات المماثلة التي كتب الله لها الشفاء .(17/5)
7- لفت نظر المريض إلى عظم أجر الصبر والتسليم لقضاء الله وقدره .
8- الإشارة إلى وجود أمراض أصعب منه .
ومن الأمور التي على الطبيب أن يلتزم بالصدق فيها مع الوضوح: أن يشرح للمريض طبيعة العملية والتطورات التي قد تحصل من جرائها ؛ ليتعرف على أهمية إجراء العملية ومدى الحاجة لكتابة الوصية .
لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتكريم الإنسان فقد قال سبحانه: { } [الإسراء: 70].
وكذلك يستشعر كرامة المريض فلا يعرضه لعملية أو إجراء فية إهانة للمريض ولا يهمل تجاهه .
إن الطبيب من خلال مزاولته لمهنة الطب يقف على أسرار عديدة للمريض يبوح له بها تحت قسوة المرض وشدة وطأة الألم ، بينما المريض لا يجعل أقرب الناس إليه يطلعون على تلك الأسرار .
وهذه الأسرار منها ما يتعلق بالعيوب الخَلْقية في المريض ، ومنها ما يتعلق بالعورة التي لا يرغب أن يطلع أحد عليها غيره ، ولكن لكون الطبيب يباشر جسم المريض فإنه يطلع على أشياء يختص بها المريض ، ومن هذه الأسرار ما يتعلق بالذنوب والمعاصي التي يفعلها المريض كتناول المخدرات أو فعل الزنا ، ومنها الأسرار العائلية .
وإظهار أسرار الآخرين من الأمور المحرمة شرعاً ؛ إذ هو غيبة بذكر معائب الآخرين ، وحفظ السر من الأمانة الواجب حفظها ، قال تعالى في وصف المؤمنين المفلحين: { } [المؤمنون: 8]، ولو كان ذلك السر من المعاصي لأن الشريعة ترغب في إخفاء ذكر المعاصي وترغب في عدم التحدث بها كما قال تعالى: { } [النور: 19]، قال الحسن: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك(1).
من طرق المحافظة على أسرار المريض : عدم سؤاله عما لا علاقة له بالمرض ، وكذلك عدم تسجيل ما لا تأثير له في المرض ، ويجب أن تكون الملفات الطبية بمعزل عن التناول لكل من أراد الاطلاع عليها ، وكذلك عدم ذكر ما لا يرغب المريض في ذكره عند كتابة التقارير الطبية وشهادة الوفاة .
__________
(1) الصمت لابن أبي الدنيا، ص 450.(17/6)
وقد يتسامح بالإخبار عن شيء من ذلك لمصلحة المريض كإخبار أهله إذا كان ذلك مفيداً في علاجه أو لاستشارة طبيب آخر، وقد تُذكر حالة المريض وبعض أسراره لأغراض البحث العلمي بشرط عدم ذكر اسمه أو إبراز أي شيء يعرّف بصاحبه .
لابد من استئذان المريض ، ويراد بالاستئذان طلب الطبيب من المريض الإذن ، سواء بالدخول عليه أو بإجراء العملية المناسبة له .
لقد أمر الشرع بغض البصر قال تعالى: { } [النور: 30]، فيحرم على المرء أن ينظر إلى عورة غيره ما لم يكن هناك ضرورة وفي الحديث: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)(1). ولو وقع النظر لفجأة على أمر محرم وجب صرف النظر ، قال جرير: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري(2).
ولما كانت الأعضاء التناسلية تثير الشهوة وتهيج الغريزة اعتبرها الشارع عورات مغلظة ، وشدد القول بتحريم إظهار شيء منها للأجانب أو النظر إليها إلا لضرورة بقدرها . ومن هنا فإن على الجراح وأعضاء الفريق الطبي في العمليات أن يتجنبوا كشف العورة إلا بمقدار الضرورة ، وأن يقتصر الحضور حينئذ على أقل عدد ممكن من جنس المريض – رجالاً أو نساء - ، فيكون تعقيم المريض وإعداد موضع العملية بحسب ذلك قبل استدعاء بقية الفريق الطبي ، وهكذا حال الكشف على المريض . ويلاحظ ستر البدن حال كون الإنسان مخدراً فاقداً للوعي ؛ منعاً لما قد يرتكبه بعض ضعاف الإيمان من تجاوزات ومخالفات للشرع من نظر للعورات وتعليق عليها ومس لها أو اعتداء عليها ، كما لا تكشف عورة مريض عند مشاهدة مريض آخر له .
__________
(1) أخرجه مسلم (338).
(2) أخرجه البخاري (6229)، ومسلم (2121).(17/7)
من منطلق حرص الشارع الحكيم على المرأة المسلمة وصيانتها من كل سوء أو حديث ساقط أو عبث فاسق : أمرها بالحجاب حماية لجمالها ومحافظة على أنوثتها ووقاية لها من التحرش والأذى ، وكذلك منع خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة وحدها مهما بلغوا من التقوى والورع أو من درجة المعرفة الطبية؛ تحقيقاً لعفة الطرفين ، وابتعاداً عن مواطن الشبهة وأحاديث السوء، وفي الحديث (لا يخلون رجل بامرأة)(1). ولا نزال نطلع على أخبار الكوارث الاجتماعية في عدد من المجتمعات بسبب الخلوة بالأجنبية وعدم التزام الحجاب ، وسواء كانت هذه الخلوة في غرف العمليات أو في العيادة، ومن هنا يحسن أن يكون مع الطبيب الرجل ممرض رجل ؛ تجنباً للخلوة المحرمة ، والأولى معالجة المرضى الرجال من قبل الأطباء الرجال ، والمرضى النساء من قبل الطبيبات النساء بحسب الإمكان .
وجوب أخذ إذن المريض البالغ - رجلاً كان أو امرأة - في أو إجراء أي عملية جراحية في جسمه ؛ لأن البدن من اختصاصات صاحبه فلا يحق لأحد أن يتصرف في جسم إنسان آخر بغير رضاه ، فإذا حصل إذن من المريض بذلك فعلى الطبيب أن يحسن استخدام هذا الإذن ، وأن يحرص على منفعة المريض وتحقيق مصلحته ، وعلى الطبيب قبل الحصول على الإذن من المريض أن يشرح بوضوع كل الإجراءات الطبية التي ستجرى عليه ، فيعرف مسبقاً طرق التشخيص وكذا طرق العلاج التي سيخضع لها وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر ومضاعفات ، كما يعرف طبيعة مرضه والتطورات التي تحصل عليه، ليكون إذنه منطلقاً من اقتناع كامل ، تجنباً للمساءلة ، واحترازاً من انتقام المريض أو ذويه ، وليتمكن المريض من كتابة وصيته إن أراد إذا كان المرض يهدد الحياة .
__________
(1) أخرجه البخاري (4832).(17/8)
ليعلم بأن إذن المريض إنما يكون مسوغاً للطبيب في إجراء العملية متى ما وقع الظن بأن في ذلك مصلحة للمريض وأن الغالب هو نجاح العملية ، أما إذن المريض بما فيه مضرة له فإنه لا يعد مسوغاً للطبيب بإجراء ذلك الأمر الضار.
وأما إذا رفض المريض إجراء العملية فعلى الطبيب أن يشرح للمريض الآثار المترتبة على عدم إجرائها ، والتطورات المرضية المترتبة على ذلك بصدق وعدم مبالغة ، ويؤخذ من المريض إقرار برفضه حتى تسلم ذمة الطبيب ، ويستثنى من ذلك الحالات التي تقتضي المصلحة العامة غير ذلك كالأمراض المعدية التي تهدد المجتمع بانتشار الوباء ، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يرفع الطبيب للجهات المختصة لإلزامه بالعلاج أو استعمال وسائل الوقاية والتحصين المناسبة .
أما إذا اضطر المريض لإجراء العملية ولم يمكن أخذ إذنه لكونه فاقد الوعي أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه ولم يمكن أخذ إذن وليه ، فحينئذ على الطبيب اتباع التعليمات المدونة باجتماع عدد معين على رتب طبية معينة من أجل إعداد تقرير حاجة المريض للعملية الجراحية ، وذلك إنقاذاً للمريض ومنعاً للتلف عنه .
وإذا كان المريض ناقص الأهلية كأن يكون مجنوناً أو صغيرا ً، فإنه يطلب من وليه الإذن بإجراء العمليات الجراحية له ، إلا إذا كانت المعالجة سهلة جرى العرف بين الناس على التسامح فيها ، أو كانت الحالة تحتاج للمعالجة عاجلاً بحيث يؤدي تأجيل المعالجة إلى ضرر لا يمكن تفاديه .(17/9)
أما إذا رفض الولي إجراء العملية لمن تحت يده كالصغير أو المجنون ، فإنه حيئنذ يكتب للجهات المختصة لإبطال ولايته؛ لأن الولاية مبنية على مصلحة المولّى عليه ، فتقوم تلك الجهات بإسقاط ولايته في هذا الأمر وإسناد الولاية لمن بعده من الأولياء أو للطبيب المشرف على علاجه أو لإدارة المستشفى حسبما تقتضيه الحالة . فإن رفض الولي في هذه الحالة إحضار المريض استئجرت سيارة لنقل المريض للمستشفى على حساب الولي؛ لأنه من باب النفقة الواجبة شرعاً .
لا يجوز إعطاء مريض جرعة مخدرة إلا عند اضطراره لذلك بحيث يتضرر المريض إذا لم يعطى هذه الجرعة بزيادة ألم , مع اشترط الاقتصار على أقل جرعة تكفي في ذلك لأن الضرورة تقدر بقدرها , إذ إن الأصل تحريم كل ما يغيب العقل ومنها الجرعة التخديرية والتخدير لا يخلو من إضرار بالجسد فلا يباح إلا عند وجود ضرر أكبر من ضرر التخدير .
اختلف علماء الشريعة:هل الأصل في العمليات الجراحية المأمونة هو الجواز بشروط معينة أو المنع بحيث لا تباح إلا وقت الضرورة , ويترتب على ذلك حكم العمليات التجميلية والأظهر عندي هو الجواز متى توفرت فيها الشروط والأحكام السابقة المذكورة في هذا البحث .
تحديد الجنس وعمليات التغيير :
إن الله عز وجل خلق أفراد الناس من بين ذكر وأنثى قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} (سورة الحجرات: 13) وبين الله عز وجل أنه جعل من بني آدم الذكور والإناث قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً} (سورة النساء: 1 وقال تعالى: {يهب لمن يشاء الإناث ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من شاء عقيماً} (سورة الشورى: 42) وفي الغالب يتساوى الرجال والنساء في أحكام الشريعة إلا أنه في مواطن خاصة أعطت الشريعة لكل منهما أحكاماً خاصة لتناسب طبيعة كل منهما .(17/10)
وللذكورية علامات خاصة كما أن للأنوثة علامات خاصة ، من وجدت فيه هذه العلامات حكم عليه من خلالها بأنه ذكر أو أنثى .
فمن العلامات التي تخص الرجل:
بوله من الذكر فقط .
خروج اللحية .
الإمناء بالذكر .
كون المرأة تحمل منه .
تمكنه من الوصول إلى المرأة في الجماع .
ومن العلامات التي تخص المرأة :
البول من الفرج .
ظهور الثدي .
الحيض .
الولادة .
نزول اللبن .
وقد قرر الفقهاء أنه لا يوجد نوع إنساني ثالث غير الذكور والإناث , واستدلوا على ذلك بعدد من النصوص الشرعية ومنها قوله تعالى : {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} (سورة النساء:195) وقوله سبحانه : {أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} (القيامة:36-39) .
وقد وردت النصوص الشرعية بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال فيما هو من خصائص كل نوع وفي الحديث: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" (أخرجه البخاري(5885)) وسواء كان التشبه في الخلقة كتعاطي الرجال أدوية لبروز الثديين أو تعاطي المرأة لهرمونات لإنبات لحيتها أو كان في اللباس كالحلي والحرير .
إلا أن الفقهاء قرروا أن بعض الناس لا يتبين حاله: هل هو ذكر أم أنثى ؟ وهذا ما يسميه الفقهاء خنثى مشكلاً وحكموا عليه بأن يتوقف فيه حتى تتضح حاله ويستعمل معه الاحتياط ]حاشية ابن عابدين 5/465 , الأشباه والنظائر للسيوطي ص262[.
…ويراد بالخنثى المشكل من لا يعلم هل هو رجل أم امرأة؟ وينقسم إلى قسمين:
من له آلتان – آلة الذكر وآلة الأنثى – ولم تترجح إحدى الآلتين على الأخرى من جهة نزول البول منها .
من ليس له آلة وإنما له ثقب يبول منه .
]انظر: روضة الطالبين 1/78 , المغني108/9[.
الخاتمة(17/11)
من خلال ما سبق يظهر لنا اعتناء الشريعة بموضوع هذا البحث، وما ذكر هنا يعد نموذجاً لاهتمام الإسلام بذلك وليس حاصراً لأحكام الإسلام المتعلقة بالموضوع، على أن تلك التعليمات قواعد عامة يمكن تطبيقها على مسائل عديدة بل تطبق على ما سيحدث في المستقبل من أشياء جديدة، وبذلك تظهر عظمة الإسلام وسمو تشريعاته وغزارة مادتها وشمولها لأحكام النوازل الجديدة، وتضمنها للآداب والسلوكيات التي يحسن بالطبيب التزامها والتخلق بها أثناء ممارسة عمله، بل إن الشريعة لا تقتصر على مخاطبة الجراح بذلك بل تشمل أحكامه جميع العاملين في الحقل الصحي.
كما أن الشريعة اهتمت ببث الثقافة الصحية في المجتمع ورغبت الأطباء والعاملين في الحقل الطبي في ذلك، مما يعد أساساً ومنطلقاً لحماية المجتمع من الأمراض، والتثقيف الصحي عمل سهل على الجميع المشاركة فيه كل بما يتعلق بتخصصه، مع أفضلية اختيار الأسلوب الملائم مع وضع الكتب والأشرطة والأفلام والنشرات المناسبة في ذلك.
كما ينبغي تحذير المجتمع من المشعوذين والدجالين، والتذكير بالنصوص الواردة في التحذير من الذهاب للكهان والعرافين.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يعين الأطباء والعاملين في المستشفيات للقيام بالمهمة العظيمة المناطة بهم على أتم وجه، كما أسأله أن يجزي ولاة أمورنا خير الجزاء على اهتمامهم بما فيه نفع للمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .(17/12)
واقع الاختلاط وفن المواجهة
د. سناء محمود عابد الثقفي
أستاذ مساعد بكلية التربية للبنات بجده - تفسير وعلوم قرآن
ورئيسة القسم النسائي للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالحمراء والكورنيش ووسط جده .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :-
بداية أتوجه بالشكر للجنة المنظمة لهذا المؤتمر على دعوتها للمشاركة وإتاحة الفرصة لي في مثل هذا الجمع الطيب الذي أسال الله أن يجعله تجمعا مرحوما وتفرقنا بعده معصوما وأن لا يجعل فينا ولا منا ولا بيننا شقيا ولا محروما ً .(18/1)
… إن موضوع الاختلاط موضوع قديم حديث ، قديم في حكمه حديث في الاحتياج إلى طرحه فهو مما عمت به البلوى وانتشر بين الناس واختلف الناس فيه مابين مؤيد بتفريط أو مانع بإفراط والحقيقة إننا مجتمع له قيمه ومرجعيته التي لم يترك فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرة ولا كبيرة إلا بيّنها وكما انطلق الإسلام في نظرته إلى المساواة بين الجنسين في (( حقوق الإنسان )) الأساسية والطبيعية وذلك في (الكرامة الإنسانية والأهلية الحقوقية ) ... فهو انطلق أيضا بنفس النظرة إلى المساواة بين الجنسين في (( الواجبات )) فيما قد عهد به اليهما بالجملة على السواء من : الخلافة على الأرض وعمارتها وعبادة الله فيها .. وأن على كل منهما واجبه ودوره الذي لا بد منه لإقامة المجتمع الإنساني الكامل وانهما في دوريهما متكاملان لا متنافسان وملزمان لا متطوعان . ولكن النزاع اليوم لا يزال قائما حتى في الغرب نفسه حول الدور الأساسي للمرأة في المجتمع فتارة على أساس علمي تشريحي عند بعض العلماء . وتارة بدافع الحاجة إلى الزيادة في الطاقة الإنتاجية عند بعض رجال الاقتصاد وتارة تحت دوافع التفلت من القيود الشرعية الواجبة في الممارسة الجنسية مما قد أدى إلى حرية الجنس بصورة عامة والى الانحلال الأخلاقي والى تفكك روابط الأسرة وهذا مما لا يمكن قبوله تحت ستار حرية المرأة في الإسلام . فالمجتمع يتكون من رجال ونساء ولابد من اجتماعهم واختلاطهم في أماكن عامة أو خاصة وفي كلا الحالتين جاء الشرع ليوضح الكيفية دون إفراط ولا تفريط والسؤال الذي يطرح نفسه :-
ما حكم الاختلاط بين النساء والرجال ؟
يظهر هذا التساؤل في مجتمعنا ولم يظهر في غيره في المجتمعات لأن المرأة في ديننا لها حكم خاص بها فهي محجبة مما وضع حاجزا بين الرجال والنساء وقيوداً للتعامل بينهما فوضعنا خاص لا يقاس على الآخرين ولذلك فمن الاختلاط ماهو جائز بشروط ومنه ماهو محرم .(18/2)
فالاختلاط الجائز له شروط :-
الشرط الأول :-
أن يخلو من تبرج المراة وكشف مالا يجوز لها كشفه لقوله تعالى (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلا بيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين )) وهذه الآية تأمر بالحجاب عند الاختلاط .
الشرط الثاني :-
أن يخلو من النظر إلى مالا يجوز النظر إليه والدليل على هذين الشرطين : قوله تعالى :-
(قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ))
الشرط الثالث :-
أن لا تتكسر المرأة في الكلام وتخضع فيه والدليل : قوله تعالى (( فلا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ))
الشرط الرابع :
أن لا يكون مع خلوة فان كان مع خلوة بأن كان رجل وامرأة في مكان لا يراهما فيه أحد حرم الاختلاط لقوله صلى الله عليه وسلم (( لا يخلون رجل بأمراة إلا ومعها ذو محرم )) (( لا يخلون أحدكم بامرأة فان الشيطان ثالثهما ))
الشرط الخامس :
أن لا تظهر المرأة على حالة تثير الرجال من تعطر واستعمال لأدوات الزينة لقوله صلى الله عليه وسلم (( إذا استعطرت المرأة فمرت بالمجلس كذا وكذا يعني زانية ))
الشرط السادس :
أن يخلو من إزالة الحاجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب ويدخل في اللهو والعبث كالاختلاط الذي يحدث في الأعراس .
الشرط السابع :
أن يخلو من مس أحد الجنسين الآخر دون حائل فلا تجوز المصافحة لقوله صلى الله عليه وسلم (إني لاأصافح النساء )
الشرط الثامن :(18/3)
أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع عن أبي أسيد الأنصاري - رضى الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد ، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء (( استأ خرن فانه ليس لكن أن تحققن ( تتوسطن )) الطريق عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به . هذه الشروط الثلاثة الأخيرة من الحواجز التي وضعها الدين بين الرجل والمرأة حذرا من الفتنة والتجاذب الغريزي الذي قد يغري أحدهما بالآخر ، فإذا توفر في الاختلاط هذه الشروط كان حلالا وان فقد شرط من هذه الشروط كان الاختلاط حراماً
حالات الاختلاط الجائز :-
الاختلاط للضرورة :-
من أمثلة الاختلاط للضرورة ما قاله الإمام النووي فقد قال رحمه الله تعالى وقال أصحابنا : ولا فرق في تحريم الخلوة حيث حرمناها بين الخلوة في الصلاة أو غيرها ويستثنى من هذا كله مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها بل ويلزمه ذلك إذا خاف عليها لو تركها وهذا لا خلاف فيه ومن صور الضرورة فرار الرجل الأجنبي بالمرأة تخليصا لها ممن يريد بها الفاحشة إذا كان الفرار بها هو السبيل لتخليصها ونحو ذلك من حالات الضرورة.
الاختلاط للحاجة :-
الاختلاط لإجراء المعاملات الشرعية .
وكما يجوز الاختلاط للضرورة يجوز للحاجة أيضا ومن حالات الحاجة ما يستلزمه إجراء المعاملات المالية الجائزة لها من بيع وشراء وغيرها لأن إجراء هذه المعاملات يستلزم عادة اجتماعها مع الرجل للمساومة ورؤية محل العقد ولكن يشترط أن تكون قد التزمت بشروط التي ذكرت سلفا .
ج- الاختلاط لغرض تحمل الشهادة:(18/4)
يجوز للمرأة أن تكون شاهدة في قضايا الأموال وحقوقها, قال تعالي: ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذي عليه الحق سفيها أوضعيفا أولا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) ( البقرة: 282 ).
وتحمل المرأة الشهادة يستلزم حضورها ما تشهد عليه من معاملة, وقد تكون بين رجلين أو أكثر, فيجوز لها هذا الحضور وما يقتضيه من اجتماعها بأطراف المعاملة من الرجال.
……د- الاختلاط لغرض أعمال الحسبة:-
الدليل أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ولى ( الشفاء )- وهي امرأة من قومه- السوق أي: فعمر ولى الشفاء الحسبة, لتراقب السوق, فتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر, وفي هذا مخالطة لأهل السوق.
……هـ- الاختلاط لغرض خدمة الضيوف:(18/5)
يجوز للمرأة أن تجتمع مع الضيوف الأجانب إذا كان معها زوجها, وكانت هناك حاجة مشروعة لوجودها وحضورها لأن وجود زوجها معها يمنع الخلوة بالأجنبي, وفي واجب الضيافة الذي يستلزم قضاؤه وجود الزوجة فيجوز وجودها ولو أدى إلى اجتماعها واختلاطها بالضيوف وأكلها معهم. وقد دل على هذا الجواز- جواز اختلاطها بالأجانب-لهذه الحاجة عن سهل بن سعد, قال: )) دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكانت امرأته يومئذ خادمهم, وهي العروس, قال سهل: أتدرون ما سقت رسول الله, صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل, فلما أكل سقته)). وفي راوية: (( فما صنع لهم طعاماً, ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد)). وقد جاء في شرح هذا الحديث وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه عند الأمن من الفتنة, ومراعاة ما يجب عليها من الستر, وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك. وفيه جواز إيثار كبير القوم في الوليمة بشيء دون من معه وكذلك ما جاء في سبب نزول قوله تعالى: ( ويؤثرون علىأنفسهم ولو كان بهم خصاصة ).
……ح- الاختلاط للقيام بأعمال الجهاد:
ومن أمثلة هذا النوع من الاختلاط اشتراك النساء في الجهاد, بأن يقمن بنقل الماء إلى المقاتلين ومداواة الجرحى منهم, ونحو ذلك من الأعمال وكلها جائزة ومشروعة, وإن استلزمت أو اقتضت مخالطة النساء للرجال, لأن هذه الأعمال تحقق مصلحة شرعية أذن الشرع الإسلامي للنساء بالقيام بها, ويدل على ذلك ما روته الربيع بنت معوذ, قالت: (( كنا نغزو مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فنسقي القوم, ونخدمهم, ونرد القتلى إلى المدينة)). وفي رواية: (( كنا مع الني- صلى الله عليه وسلم- نسقى, ونداوي الجرحى, ونرد القتلى إلى المدينة)).
……ط- الاختلاط لغرض استماع الوعظ والإرشاد:(18/6)
ومن اجتماع المرأة بالرجل للمصلحة الشرعية, اجتماع الرجل بالنساء لوعظهن وتعليمهن أمور الدين, سواء كان وحده أو كان معه شخص آخر, فقد روى الإمام البخاري عن ابن عباس قال: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولابعد ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص.
وبعد الانتهاء من هذه الشروط يتبادر إلى ذهننا سؤال آخر :-
كيف كان الاختلاط في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
وهنا نسوق بعض النماذج التي تبين واقعاً عاشه المسلمون :-
عائشة كانت معلمه الرجال وهي من وراء حجاب قال هشام بن عروة عن أبيه قال : لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت ولا بفريضة ولا سنة ولا بشعر ولا أروى له ولا بيوم من أيام العرب ولا بنسب ولا بكذا ولا بكذا ولا بقضاء ولا طب منها . وقد كانت منفذه لقول الله تعالى
( فإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب )
أم سلمة تهاجر وهي أول ظعينة دخلت المدينة وهذه حدود اختلاطها بعثمان ، أرادت هجرة فمنعوها من زوجها وأخذوا ابنها فظلت تبكي سنة كاملة حتى سمحوا لها بالرحيل هي وابنها فركبت بعيرها وجاءها عثمان بن طلحه وهي بالتنعيم فأخذ بخطام ناقتها فانطلق يقودها تقول :-
فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه كان أكرم منه ولا أشرف كان إذا بلغ منزلا من المنازل أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فأعده ورحله ثم أستا خر عني وقال اركبي فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه وقاده حتى أوصلني ثم انصرف راجعا إلى مكة .(18/7)
عائشة في سباق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمر جيشه بالتقدم لعدم المباسطة والمخالطة تقول رضي الله عنها : كنت مع رسول الله في سفر وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال لأصحابه : تقدموا ثم قال تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي . فلما كان بعد حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في السفر فقال لأصحابه تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى أسابقك فقلت كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال فقال لتفعلن فسابقته فسبقني فجعل يضحك ويقول هذه بتلك السبقة .
أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين تسوس بعير زوجها وتستحي من مخالطة الرجال تقول رضى الله عنها : تزوجني الزبير وماله شيء غير فرسه فكنت أسوسه وأعلفه وأدق لناضحه النوى واستقي وأعجن وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على راسي وهي على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على راسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه ومعه نضر فدعاني فقال ( أخ أخ ) ليحملني خلفه فاستحيت وذكرت الزبير وغيرته قالت فمنعني فلما أتيت أخبرت الزبير فقال والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه قالت حتى أرسل إلى أبو بكر بعد بخادم فكفتني سياسة الفرس فكأنما أعتقتني .
صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تخدم المجاهدين وتحارب الكفار برمحها حماية لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم الخندق تقتل اليهودي وتقطع ر"أسه عندما رفض حسان ذلك وتداوى الجرحى يوم خيبر .(18/8)
أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء تقول : يا رسول الله إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين كلهن يقلن بقولي وهن على مثل رأيي إن الله بعثك إلى الرجال والنساء فأمنا بك واتبعناك ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت ومواضع شهوات الرجال وحاملات أولادهم وان الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركهم في الأجر يا رسول الله ( وكان هذا بحضور الصحابة ) فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال ( هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه ) فقالوا بلى يا رسول الله فقال ( انصرفي يا أسماء وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها لمرضاته وإتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال ) فانصرفت مهلله مكبره ورغم ذلك فان أسماء عند داعي الجهاد وضرورة القتال نجدها شهدت اليرموك وقاتلت وقتلت تسعة من الروم رضى الله عنها وكذلك أم أيمن رضى الله عنها والربيع بنت معوذ رضى الله عنها وأم عماره يقول فيها رسول الله ( ومن يطيق ما تطيقين يا أم عماره )
هند بنت عتبة تبايع ولا يصافحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خوله بنت ثعلبه تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنصح عمرا بحجابها
أم محجن تنظف المسجد وهي بحجابها رضى الله عنها
هل الإسلام يدعو إلى الاختلاط ؟؟
انتهى البحث إلى أن الاختلاط بشروطه حلال لكن هل الإسلام يحبذ الاختلاط ويدعو إليه أم انه يحبذ عدم الاختلاط ؟
الذي يبدو من الأحاديث الواردة في هذا الأمر أنه لا يحبذه فعن أم سلمه رضى الله عنها قالت : (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا سلم قام النساء يقضي تسليمه ويمكث هو يسيرا قبل أن يقوم قال نرى _ والله اعلم _ أن ذلك لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال ))(18/9)
وثبت من حديثي ابن عباس وجابر بن عبد الله رضى الله عنهما _ أن الرسول صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم العيد (( ( فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن )) فهذا يدل على أن النساء كن في مكان منفصل عن الرجال ولم يكن جالسات بين الرجال . وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لو تركنا هذا الباب للنساء قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات ورجح أبو داود أن الأصح أن نحو هذا من قول عمر موقوفا عليه . فالرسول صلى الله عليه وسلم تمنى على الصحابة أن يكون باب للنساء ولم يأمر به .
فمن حق المرأة عند اختلاطها بالرجال :-
أن لا تفرض عليها الخلوة
أن لا يتحرش بها أحد من الرجال احتراما لعرضها ودينها
أن لا تمارس عليها أي نوع من الضغوط -تجاه لباسها أو طريقة التعامل معها
ومن واجباتها :-
البعد عن الزينة وتعمد إظهارها.
الالتزام باللباس الساتر الذي لا يكون زينة في نفسه ولا يصف ولا يشف.
البعد عن الخضوع بالقول وقول المعروف وعدم التباسط.
البعد عن الخلوة.
البعد عن العطر.
البعد عن النظر أو التلامس مع الأجانب.
ومن العجيب رغم توافر الأدلة وظهور حدود الإسلام في التعامل بين الذكور والإناث أن تنهض دعاوى تطالب بالاختلاط مدعية أن فيه تنفيس وترويح وإطلاق للرغبات الحبيسة ووقاية من الكبت ومن العقد النفسية لكنها في الحقيقة فروض نظرية ليس لها آثار إيجابية ولو نظرنا إلى واقع المجتمعات المختلطة فعلاً لوجدنا أن في أمريكا مثلا الآن حملات قوية للدفاع عن الزواج وإقامة مدارس غير مختلطة وخصصت مبالغ طائلة لحملة تشجيع عدم إقامة علاقات جنسية تعطى منها المدارس التي توافق على قصر التربية الجنسية للطلاب على شرح فوائد عدم إقامة علاقات.(18/10)
وانتقدت وزارة التربية القانون الذي يجعل الاختلاط بين الإناث والذكور في المدارس الرسمية إلزامياً والذي يعود إلى 30 عاماً مشيرة إلى أنها ترغب في تعديل القانون لإتاحة المجال أمام الفصل بين الجنسين في المدارس الرسمية وقامت عدة مدارس رسمية بفصل الذكور والإناث كاختبار تجريبي ووجدت أن نتائج الفصل ممتازة والبعض آثار ردود فعل متضاربة تجاه هذا القرار.
وأخيراًنحمد الله تعالى على أن هدانا لهذا الدين نظم به مجتمعنا وأرسى به علاقاتنا وهذّب به نفوسنا وأختم قولي بإقراري رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
تم بحمد الله(18/11)
أحكام بعض القرارات العلاجية المصيرية
الأستاذ الدكتور حسن أبو عائشة حامد أبو عائشة
استشاري أمراض كلى
مدير جامعة الرباط الوطني السودان
استعمال عقاقير مخدرة أو سامة (كيماوية) قد يرفضها المريض بسبب آثارها الجانبية
إذا رفض المريض التداخلات المستمرة مثل الديلزة وفضل الموت عليها : هل هو قاتل نفسه ؟
إذا لم تكن الأجهزة متاحة إلا لعدد محدود ، لمن تعطى الأولوية ؟
إذا رفض المريض الإنعاش القلبي الرئوي : هل يستجابُ لطلبه ؟ وإذا رفض ولي المريض الشرعي الإنعاش القلبي الرئوي للمريض : هل يُستجاب لطلبه ؟
القرار الطبي : "لا يجري الإنعاش القلبي الرئوي على المريض إذا توقف قلبه" : ما حكمه؟
1-…استعمال عقاقير مخدرة أو كيماوية ذات آثار جانبية تدعو للقلق
كثيرا ما يتردد المرضى عن قبول علاج بعقاقير لها آثار جانبية تدعو للقلق . مثال ذلك العقاقير الكيماوية التي تستعمل لتثبيط المناعة في بعض الأمراض التي تتسم بهيجان النظام المناعي لدى المريض . مثل هذه الأدوية تؤدي في الغالب إلى تساقط الشعر ، وقد تؤدي إلى انخفاض نسبة الخصوبة لدى المرأة والرجل .
في مثل هذه الحالات يجب تبصير المريض أو وليه الشرعي إذا كان المريض فاقدا للأهلية ، فيبصر بالموازنة بين الفائدة المرجوة والضرر المتوقع إيها أكبر ، ويخبر برأي الطبيب في الخيارات ، وإذا ما وافق على إجراء التداخل الطبي فإن ذلك يسجل على تفويض الإذن ، ويشهد على ذلك شاهدا عدل .
والسؤال هو : هل يحق للمريض رفض التداخل الطبي رغم ظهور فائدته في رأي الطبيب ؟
الإجابة السائدة الآن : للمريض الحق في رفض العلاج إذا بُصر تماما بالمخاطر التي تنتظره بسبب رفض العلاج ، شريطة أن يكون كامل الأهلية ومدركا للمعاني المطروحة .
2 -…إذا رفض المريض التداخلات المستمرة مثل الديلزة وفضل الموت عليها : هل هو قاتل نفسه ؟(19/1)
[ حدَث أسامة بنُ شُريك رضي الله عنه أن الأعراب جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ههنا وههنا فقالوا : يا رسول الله ، أنتداوى ؟ فقال : تداووا فإن الله تعالى لم يضع داء إى وضع له دواء ، غير داء واحد : الهرم ]رواه أبو داود ، والترمذي وحسنّه ، وابن ماجة
وذهب العلماء إلى أن هذا الأمر للندب والاستحباب ، لوجود أحاديث أخرى صحيحة تدل على عدم وجوب الأمر بالتداوي .
إذا امتنع المريض عن التداوي بعد أن بين له الطبيب الثقة الحاذق أن ترك التداوي أو الامتناع عنه قد يؤدي إلى تلف عضو منه ، أو وفاته ، فما حكم ذلك ؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن فعل ذلك يعتبر آثما وعاصياً ، فإن مات بسبب ذلك لا يُعتبر قاتلا لنفسه ، لأن الشفاء بالتداخل الطبي ليس مقطوعا بنجاحه ، بخلاف من ترك الطعام والشراب حتى هلك ، فإن هذا الأخير يُعتبر قاتلاً لنفسه .
3 -…إذا لم تكن الأجهزة متاحة إلا لعدد محدود ، لمن تعطى الأولولية ؟
كثيرا ما تكون الأجهزة المعقدة ، كأجهزة التنفس الصناعي ، في وحدات العناية المكثفة محدودة العدد ، وقد يُؤتى بمريضين اثنين في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه إلا جهاز واحد متاح لأحدهما ، فما هي الضوابط لقبول أحدهما ورفض الآخر ؟
هذه معضلة كبيرة تواجه الأطباء العاملين في الوحدات المكثفة ، خاصة عند حدوث كوارث تصيب عددا كبيرا من الناس في نفس الوقت . والذي أرجَحه هو أن ينظر الطبيب في أمور المرضى المستحقين للعلاج المحدود الكمية ، ويختار منهم :
من كانت إصابته الطبية أشد من سواه ، ويُرجح أن يستفيد من العلاج المقصود أكثر من غيره
يُرجأ من كان ميئوسا من بُرئه ، ويُقدم عليه من يُرجى أن تتحسن حالته باستعمال المعالجة المقصودة .
أن تساوى المريضان في كل المعطيات تُعطى للسابق منهما في الوصول إلى المكان ولا يُعتد بالسن ، خلافا لفعل بعض أهل الملل الأخرى التي تقدم الشباب على الشيب بحجة أنهم أنفع لذويهم ولبلادهم .(19/2)
4 -…إذا رفض المريض الإنعاش القلبي الرئوي : هل يُستجاب لطلبه ؟
نعم يستجاب لطلبه بعد تبصيره اعتمادا على حديث أسامة بن شريك السابق ذكره ، والذي فُسر على أن الأمر بالتداوي الوارد فيه للندب لا للوجوب . وقد رفض بعض الحجاح الإنعاش القلبي الرئوي بعد إصابته بذبحة صدرية ، وقال غنه إنما جاء ليموت في الأراضي المقدسة .
5 -…القرار الطبي : " لا يجري الإنعاش القلبي الرئوي على المريض إذا توقف قلبه " : ماحكمه؟
يجري العمل بمثل هذا القرار المسبق في كثير من المستشفيات التي يزدحم فيها المرضى . وخلاصته أنه إذا كان هناك مريض مصاب بداء عضال لا يُرجى بُرؤه ، وتتوقع وفاته في وقت قريب مهما بذل معه من جهود طبية ، فإن مثل هذا المريض لا يوضع في جهاز التنفس الصناعي إذا ما توقف قلبه واستدعى إنعاشه تنفسا صناعيا . والحجة في ذلك أن عدد مثل تلك الأجهزة المعقدة قليلة في أي مركز من مراكز العناية الطبية المكثفة والخدمة الطبية المطلوبة تتطلب جهودا عظيمة لكل مريض على حده ، فإن حُجز جهاز من تلك الأجهزة لمريض لا يُرجى بُرؤه ثم احتاج إليه مريض آخر يُرجى بُرؤه ويعتمد علاجه على ذلك الجهاز تعذر علاجه بالجهاز لاشغاله مع المريض الأول .
وضوابط قرار حجب الإنعاش القلبي الرئوي عن بعض المرضى من النوع المذكور هي :-
أن يكون تشخيص المرض الذي لا يُرجى بُرؤه تشخيصا مُتيقنا منه
أن يوقع على القرار بالحجب طبيبان متخصصان وموثوق بهما
أن يناقش الأمُر مع المريض إذا كان ذلك ممكنا أو مع وليه الشرعي بقدر الإمكان
أن يكون الفريق المعالج للمريض على علم بالقرار(19/3)