ويَلِيهِ
مَا يُشْرَعُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمَرِيضُ
تمهيد
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } ( سورة آل عمران: 102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ( سورة النساء: 1)
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( سورة الأحزاب:70،71 )
أما بعد....،
فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
- مَمَّا يُشرَعُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمَرِيضُ -
1ـ أن يرقي نفسه بما ثبت في السنة المباركة
أ ) قراءة الفاتحة:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال:
أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا علي حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ ؟
فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء(1/1)
فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي بسهم" .
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد (4/178) والجواب الكافي صـ21:
لقد مر بي وقت في مكة سقمت فيه، ولم أجد طبيباً ولا دواءً، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأري لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثير منهم يبرأ سريعاً بإذن الله .
ب ) قراءة المعوذات (ثلاث مرات):
والمعوذات هي: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ .
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها -:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات. وينفث. فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه. وأمسح عنه بيده. رجاء بركتها.
ـ ومعني النفث: أن يجمع كفيه ويقرأ بالمعوذات فيهما، ثم يمسح علي بدنه ووجهه، والنفث نفخ لطيف بلا ريق .
وسئل ابن شهاب كيف كان ينفث ؟
قال: ينفث علي يديه ثم يمسح بهما وجهه . أ هـ
جـ) يضع يده علي المكان المؤلم من الجسد، ويقول:
بسم الله (ثلاثاً) ثم يقول: أعوذ بعزةِ الله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجدُ وأحَاذِر. (سبعاً)
أخرج الإمام مسلم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي - رضي الله عنه - :
أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا، يجده في جسده منذ أسلم. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ضع يدك على الذي تألم من جسدك. وقل: باسم الله (ثلاثاً)
وقل(سبع مرات): أعوذ بعزةِ الله وقدرتِهِ من شَرِّ ما أجدُ وأحَاذِر ".(1/2)
وفي رواية لأبي داود والترمذي: قال عثمان: فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم. وفي رواية: " امسحه بيمينك سبع مرات"
وفي رواية عند الإمام أحمد والطبراني في الكبير بسند صحيح عن كعب بن مالك - رضي الله عنه -
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا وجد أحدكم ألماً فليضع يده حيثُ يجدُ المهُ، ويقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته علي كل شيء من شرِّ ما أجدُ ... ... (صحيح الجامع: 820)
وقفة
عندما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - كيف يعالج نفسه، وذلك بأن يضع يده علي مكان الألم ويقول: بسم الله "ثلاثاً" ففعل عثمان بن أبي العاص فأذهب الله عنه ما كان يجد وتم الشفاء، وكيف لا يتم الشفاء بهذا الاسم الذي هو سر الحياة .
يقول ابن القيم – رحمه الله –:
لهذا الاسم الشريف خصائصه المعنوية، فقد قال أعلم الخلق بربه - صلى الله عليه وسلم - :
"لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت علي نفسك" ... ... ... ... ... (مسلم)(1/3)
وكيف يخص خصائص اسم لمسماهُ كلُّ كمالٍ علي الإطلاق، وكل مدح وحمد، وكل ثناءٍ وكل مجد، وكل جلالٍ وكل كمال، وكل عز وكل جمال، وكل خير وإحسان وجود وفضل وبر فله ومنه، فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثرهُ، ولا عند خوفٍ إلا أزاله، ولا عند كربٍ إلا كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرَّجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا صار غنياً، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيَّده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات، وتجاب به الدعوات وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات، وهو الاسم الذي قامت به الأرض والسماوات، وبه سَعِدَ من عرفه وقام بحقه، وبقي شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبت، وإليه انتهيا، فالخلق به وإليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدئاً منه منتهياً إليه . أ هـ
ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك، ثم قل: "أعوذ باللهِ وقدرتِهِ من شرِّ ما أجد وأُحاذِر".
فأمره أن يلتجئ ويحتمي بالله متوسلاً بصفتين من صفات الكمال الإلهي: العزة والقدرة، فاحتماؤه بالعزة يملأ قلبه غنى حتى لا يلتفت قلبه إلى غير الله، فالعزيز لا يغالب، واحتماؤه بالقدرة يملأ قلبه يقيناً وقوةً، لأنه طلب النصرة من القادر على كل شيء الذي بيده ملكوت كل شيء .
د ) أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق .
أخرج الإمام مسلم عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
من نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:(1/4)
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة، قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق – لم تضرك. ...
قال النووي – رحمه الله في شرح مسلم (17/35):
قيل: معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب،
وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هنا القرآن.
هـ) أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشرّ عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون .
أخرج الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: "أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره" (حسنه الألباني في الصحيحة 264)
و ) أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة .
أخرج البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوِّذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، ومن كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة .
ز ) أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر، من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شرّ ما يخرج منها، ومن شرّ فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يارحمان .
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي التياح قال:(1/5)
سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين كادته الشياطين ؟ قال: جاءت الشياطين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأودية، وتحدَّرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فرعب، وجاء جبريل - عليه السلام - فقال: يا محمد، قل. قال: ما أقول ؟ قال: قل. أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر....... " الحديث
فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله - عز وجل - . (صححه الألباني في تخريج شرح الطحاوية صـ191)
حـ) بسم الله الذي لا يضر مع اسمه في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. (ثلاث مرات)
أخرج الترمذي وأبو داود عن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم - ثلاث مرات – إلا لم يضره شيء" . وفي رواية: " لم تصبه فجأة بلاء " ... ... ... ... (صحيح الجامع:5745)
2ـ المبادرة بكتابة الوصية:
إذا كان على المريض حقوق للناس، أو له حقوق عندهم، أو يرغب في الوصية بشيء من ماله، فعليه أن يبادر بكتابة الوصية، فإن السنة المبادرة بها . وكتابته لها لا تدني من أجله، وعدم كتابته لها لا تباعده منه، والمرء لا يدري متي يفاجئه الموت .
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"
قال ابن عمر كما في صحيح مسلم:
ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، إلا وعندي وصيتي.(1/6)
فهذا الحديث دليل على مشروعية المبادرة بالوصية وكتابتها، خشية مباغتة الموت، فكم من شخص مات في حال صحته أو مرضه عنده أموال طائلة، وله حقوق وعليه حقوق، يريد أن يوصي بشيء من ماله، ليجري له عمله بعد موته، فاخترمته المنية قبل أن يصنع ذلك .
ويستحب عدم تأخير الوصية إلى حضور أمارات الموت
لقوله عليه الصلاة والسلام لما سئل:
أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشي الفقر، وتأمل الغني ولا تُمْهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان.
(البخاري ومسلم)
ومعني الحديث أن الشحّ غالب في حال الصحة، فإذا سمح فيها وتصدق كان أصدق في نيته وأعظم لأجره، بخلاف من أشرف علي الموت وآيس من الحياة ورأي مصير المال لغيره، فإن صدقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حالة الصحة و"الشح "رجاء البقاء وخوف الفقر، و"تأمُل الغني" بضم الميم أي: تطمع به . ومعني "بلغت الحلقوم" بلغت الروح، والمراد قاربت بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم تصحّ وصيته ولا صدقته ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء . ... (شرح صحيح مسلم للنووي:7/129)
ولا يوصي بأكثر من الثلث، لحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حيث سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
عن الوصية بماله كلّه ؟ فقال:"لا" وبالثلثين ؟ فقال: "لا"، وبالنصف فقال: "لا"،
ثم قال عليه الصلاة والسلام: "الثلث والثلث كثير" . ... ... ... (البخاري ومسلم)
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لو أن الناس غَضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الثلث، والثلث كثير.
وفي رواية عند الإمام أحمد – رحمه الله تعالى –:
" وددت أن الناس غضّوا من الثلث إلى الربع في الوصية " .
ـ معني "غضّوا" : نقصوا وحطّوا . (فتح الباري:5/370)
فائدة(1/7)
الحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من مات علي وصيةٍ مات علي سبيلٍ وسنةٍ، ومات علي تقي وشهادةٍ ومات مغفوراً له"
فهو حديث ضعيف ضعفه الشيخ الألباني في ضيف الجامع (5848)
3ـ التحلل من المظالم أو من له حق عليه:
إذا كان لأحد من أقارب المريض أو أصحابه أو غيرهم حق مالي فليبادر برده إليهم أو التحلل منه، وكذا من كانت له عنده مظلمة في عِرْض أو غيره فليتحلل منه ما دام في زمن الإمكان .
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه" .
وفي رواية عند البخاري أيضاً:
من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو ماله فليؤدها إليه قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه وأعطي صاحبه، وإن لم يكن له عمل صالح أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه ".
وقوله: من كانت له مظلمة لأخيه اللام في قوله: (له) بمعني (علي) أي، من كانت عليه مظلمة لأخيه وفي رواية للحديث: "من كانت عنده مظلمة لأخيه".
وقوله: "من عرضه أو شيء" أي من الأشياء، وهو من عطف العام علي الخاص، فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها .
وقوله: "قبل أن لا يكون دينار ولا درهم" أي: يوم القيامة .
وقوله: "أخذ من سيئات صاحبه" أي صاحب المظلمة، "فحمل عليه"أي: علي الظالم .
وفي الرواية الثانية: "فطرحت عليه" (فتح الباري:5/101)
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اله - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/8)
"أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضِي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار .
4ـ ومما يشرع للمريض أن يستأذن أزواجه أن يمرَّض في بيت إحداهن إذا كان متزوجاً من أكثر من امرأة:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي. فأذنَّ له. فخرج بين رجلين، تخط رجلاه في الأرض. وكان بين العباس و رجل آخر. قال عبيد الله: فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة. فقال لي: وهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال قلت: لا. قال: هو علي بن أبي طالب .
ـ تخط: أي لم يقدر علي تمكينهما من الأرض .
5ـ ومما يشرع أن يفضي بسرٍ من أسراره إلى من يحب:
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة – عليها السلام – في شكواه الذي قبض فيه، فسارها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت " .
6ـ يجوز له التوجع وذكر الوجع للغير، وهذا بخلاف الشكوى فإنها لا تكون إلا لله وحده:
كما قال تعالى علي لسان أيوب - عليه السلام - : {أَنّيِ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيِنَ }(الأنبياء:83)
وأيوب - عليه السلام - لم يخبر مخلوقاً، إنما كان هذا منه لله؛ ليزيل ما نزل به من ضر، ولم يكن على سبيل الشكاية أو الجزع؛ لأن الله قال في حقه: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (ص:44)(1/9)
قال الثعلبي: سمعت أستاذنا أبا القاسم يقول:" حضرت مجلساً غاضاً بالفقهاء والأدباء والسلطان، فسئلت عن هذه الآية بعد إجماعهم على أن قول أيوب شكاية، فقلت: ليست هذه شكاية، وإنما هو دعاء؛ لأن الله تعالى قال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ } (الأنبياء:84)، والإجابة تعقب الدعاء لا الشكاية، فاستحبوه وارتضوه. (تفسير القرطبي:11/327)
ويجوز له كذلك التوجع وأن يذكر وجعه كأن يقول: أنا وجع أو محموم أو يقول: أنا متعب أو وارأساه أو نحو ذلك، بشرط أن لا يكون ذلك علي سبيل الشكاية والتسخط، أنما يكون لبيان الحال كما حدث مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن القاسم بن محمد قال:
قالت عائشة وارأساه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذاك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك .
فقالت عائشة واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرِّسا ببعض أزواجك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بل أنا وارأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون أو يتمني المتمنون، ثم قلت: يأبي الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع ويأبى المؤمنون "
وأخرج ابن إسحاق بسند صحيح وهو عند الحاكم عن عائشة – رضي الله عنها- قالت:
رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه .
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:
دخلت علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول إنك لتوعك وعكاً شديداً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم ".
وجاء في صحيح البخاري أيضاً قول سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال:
"بلغ بي من الوجع ما تري ......" الحديث(1/10)
قال المروزي:" دخلت على أبي عبد الله أحمد ابن حنبل وهو مريض، فسألته فتغرغرت عيناه، وجعل يخبرني ما مرّ به في ليلته من العلة. (تسلية أهل المصائب صـ 163)
وقال ابن القيم – رحمه الله – كما في عدة الصابرين صـ314:
وأما إخبار المخلوق بالحال فإن كان للاستعانة بإرشاده أو معاونته والتوصل إلى زوال ضرره لم يقدح ذلك في الصبر، كإخبار المريض للطبيب بشكايته، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به حاله، وإخبار المبتلي ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه علي يديه، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي المريض يسأله عن حاله، ويقول: كيف تجدك، وهذا استخبار منه واستعلام بحاله .أهـ
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - في الفتح (10/129) قال القرطبي:
اختلف الناس في هذا الباب – أي جواز التوجع من عدمه ـ وبت الشكوى والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد علي رفعه، والنفوس مجبولة علي وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ماله سبيل إلى تركه: كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج من معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموماً حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا علي كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره الناس علي سبيل التضجر .
وقال ابن حجر – رحمه الله – أيضاً في فتح الباري (10/124):
أما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقاً .
لكن ما حكم الأنين(التأوُّه) عند المرض؟
أما أنين المرض ففيه روايتان عن الإمام أحمد: الكراهة وعدمها
وقال القاضي أبو الحسين: أصح الروايتين الكراهة، لما روى طاووس: أنه كان يكره الأنين في المرض.
وقال مجاهد: يُكْتب على ابن آدم مما سطر به، حتى أنينه في مرضه.
وقال جماعة من العلماء: الأنين شكوى بلسان الحال، فينافي الصبر.
وقد أحسن العلامة ابن القيم – رحمه الله- حيث قال كما في عدة الصابرين صـ 326:(1/11)
التحقيق أن الأنين علي قسمين:
القسم الأول: أنين الشكوى فيكره .
القسم الثاني: أنين استراحة وتفريج فلا يكره . والله أعلم
والشكوى إلى الخلق وإن كان فيها راحة إلا إنها تدل علي ضعف وخور والصبر عليها دليل قوة وعزم.
جاء في كتاب تسلية أهل المصائب صـ 167ـ 168:
أن الأحنف شكى إلى عمه وجعَ ضرسه فكرر عليه، فقال: أتكرر علىّ ؟ لقد ذهبت عيني منذ أربعين ستة فما شكوتها إلى أحد.
ـ ولما نزل في عيني عطاء الماءُ، مكث عشرين سنة لا يعلم به أهله، حتى جاء ابنه يوماً من قبل عينه التي أصيب فيها، فشعر به، فعلم أن الشيخ قد أُصيب.
وكان السلف يكرهون الشكوى إلى الخلق ويجعلون مكان الأنين ذِكْر الله تعالى.
ذكر ابن أبي الدنيا بإسناده إلى إسماعيل بن عمرو قال:
دخلنا علي ورقاء بن عمر وهو في الموت، فجعل يهلل ويكبر ويذكر الله - عز وجل - وجعل الناس يدخلون عليه ويسلمون عليه فيرد عليهم السلام، فلما كثروا عليه، أقبل علي ابنه فقال: يا بني أكفني رد السلام علي هؤلاء، لا يشغلوني عن ذكر ربي - عز وجل - .
7ـ التداوي والأخذ بالأسباب:
أيها المريض: مهما كان مرضك، فإن له دواء عَلِمه من علمه، وجَهِله من جهله .
وفي العلم بهذا تأنيس لقلبك وتقوية لجانب الرجاء وانتظار الفرج .
أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ما أنزل الله داءً إلا أَنَزَلَ لهُ شِفَاءً " .
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
لِكُلِّ داءٍ دَوَاءُ، فإذا أُصيب دَواءُ الداء بَرَأ بإذن الله - عز وجل - ".
أخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ الهَرَم"
(صحيح الجامع2930)
وأخرج الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/12)
"ما أنزل الله - عز وجل - داءً إلا أنزل له دواء عَلِمهُ من علمهُ، وجهِلهُ من جهلهُ" (الصحيحة:451)
يقول ابن حجر – رحمه الله – في فتح الباري في شرح هذا الحديث:
واعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : ما أنزل الله - عز وجل - داءً إلا أنزل له دواء"
تفويض لله ـ تبارك وتعالى ـ في ذلك كله، وأنه الخالق له وإنما أنزله الله إلى الناس، بمعني أعلمهم إياه وأذن لهم فيه، كما أعلمهم التداوي، لما في ذلك من المنافع .
ثم اعلم أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد، لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"عَلِمهُ من علمهُ وجَهِلهُ من جهلهُ " وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل علي الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره، وأنها لا تنجعع بذواتها، بل بما قدرهُ الله تعالى فيها، وأن الدواء قد ينقلب داءً إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر: "بإذن الله" فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته، فالتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه رفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات، والدعاء بطلب العافية ودفع المضار، وغير ذلك . أهـ
ومما سبق نعلم أن المرض كان بقدر الله، والأخذ بالأسباب لدفع هذا المرض هو أيضاً من قدر الله، فالمريض يدفع قدر الله بقدر الله.
فقد جاء في حديث الذي أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم بسند فيه مقال عن أبي خِزامَةَ قال: قلت يا رسول الله: أرأيت رقي نسترقيها، ودواء نتداوي به وتقى نتقيها، أترد من قدر الله – تبارك وتعالى – شيئاً ؟ قال: إنها من قدر الله - عز وجل - ".
(حسنه الألباني في كتاب مشكلة الفقر حديث رقم:11)(1/13)
وهكذا نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حث علي التداوي وأباحه؛ لأن الإنسان مجبول علي صيانة نفسه، والبدن مخلوق من أمشاج مختلفة، وقوام الإنسان وحفظه إنما يكون بتعديل مزاجه، وهذا يكون باستعمال النافع ودفع الضار، وهو غرض الطب والتداوي، والمرض يحلل الرطوبات الأصلية التي منها خلق الآدمي ويعفنها، وصناعة الطب تمنع العفونة وتحفظ الرطوبة عن سرعة التحلل .
قال ابن القيم – رحمه الله –:
وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي رضيها الله - عز وجل - مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في نفسي التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن مُعطِّلُها أن تركها أقوي في التوكل، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب علي الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنيا ولابد مع اعتماد القلب علي الله من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً . أ هـ
وخلاصة الأمر...
أنه لا حرج في التداوي والأخذ بأسباب الشفاء والبحث عن الطبيب الحاذق الماهر
لكن لابد أن ننتبه أن الدواء مجرد سبب للشفاء، والشافي حقيقة هو الله - عز وجل - ، ولهذا فقد يحصل الشفاء باستعمال الدواء، وقد لا يحصل؛ لعدم إرادة الله ذلك، وقد يشفي الله - عز وجل - من غير تقدم سبب .
قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام - : {وَإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء:80)
وفي صحيح مسلم "في قصة أصحاب الأخدود:"(1/14)
"كان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما هاهنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحداً. إنما الشافي هوالله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله فشفاه الله".
وكان جبريل الأمين يرقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول له:
بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس وعين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول كما عند البخاري ومسلم: اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك
وقال لمن ادعي أنه طبيب: الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها .
والحديث أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي رِمْثَهَ - رضي الله عنه - قال:
انطلقت مع أبي وأنا غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فقال له أبي – أي للنبي – إني رجل طبيب، فأرني هذه السلْعَةَ التي بظهرك، قال: وما تضع بها ؟ قال: أقطعها، قال: لست بطبيب ولكنك رفيق، طبيبها الذي وضعها"، وفي رواية: بل أنت رجلٌ رفيق، طبيبها الذي خلقها.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الصحيحة:1537)
وقد جاء في بعض الآثار:
أن إبراهيم - عليه السلام - قال: يا رب ممن الداء؟ قال: مني، قال: فممن الدواء ؟
قال: مني، قال: فما بال الطبيب ؟ قال: رجل أُرْسِل الدواء علي يديه" .
فعليك أخي المريض أن تبذل السبب، ولكن اعتمد بقلبك علي الشافي - عز وجل - فلا تعلق قلبك بطبيب مهما علا شأنه ومهما كانت خبرته، فإنه لا يملك لك نفعاً ولا ضرّاً، ولا يجلب لك ما لم يُقدر لك
وقال تعالى:{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } (يونس: 107)
وقال تعالى:{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }(الأنعام: 17)(1/15)
وفي وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس – رضي الله عنهما –:
"قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه،وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه"(أحمد)
وقال - صلى الله عليه وسلم - في رواية أخرى:"واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف" (أحمد والترمذي وهو في صحيح الجامع :7957)
- الأمراض وطرق العلاج -
مر بنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه ما من داءٍ إلا جعل اللهُ له شفاء
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" .
لكن قبل الكلام عن الأمراض وكيفية العلاج منها، هناك نصيحة نبوية للوقاية من أي بلاء .
فقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من رأي مبتلي فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني علي كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء" ... ... ... ... ... (صحيح الجامع: 6248)
ومن أراد كذلك أن يقي نفسه من الأمراض والتحصن ضد أي بلاء فعليه أن يبتعد عن المعاصي والذنوب فهي أصل الرزايا والبلايا، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة
وصدق الله تعالى حيث يقول:
{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عن كثير} ... (الشوري:30)
لكن إذا نزل المرض بالعبد فعليه أن يصبر ويرضى فهذا امتحان واختبار من الله تعالى لعبده، وكذا فهو تكفير للسيئات ورفع في الدرجات.
فعلي العبد أن يمتلئ قلبه رضا عن الله تعالى ولا يلهج لسانه إلا بالشكر .(1/16)
وعلي العبد كذلك أن يسعى في الأخذ بالأسباب المشروعة لرفع هذا البلاء طلباً للشفاء مع الأخذ في الاعتبار بعدم التعلق والاعتماد علي هذه الأسباب – كما مر بنا - بل ينبغي التعلق بمن بيده الشفاء فقد قال تعالى حكاية عن إبراهيم - عليه السلام - :
{وَإذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } (الشعراء:80)
والآن آن الشروع في ذكر بعض الأمراض وكيفية العلاج منها:-
- الإصابة بالعين -
من المعلوم أن العين حق كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - :
فقد أخرج الإمام مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"العين حق. ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا".
قال ابن حجر – رحمه الله – في الفتح (10/213):
قوله "العين حق" أي: الإصابة بالعين شيء ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه
قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معني لأن كل شيء ليس محالاً في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معني .
وقوله " ولو كان شيء سابق القدر"
قال المباركفوري – رحمه الله – في تحفة الأحوذي (6/220):
أي: غالبه في السبق "لسبقه العين": أي لغلبته العين
قال الطيبي: إن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عيناً، والعين لا يسبق فكيف بغيرها . أهـ
ومذهب أهل السنة: أن العين يفسد ويهلك عن نظر العائن بفعل الله تعالى .
وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرقية من العين
فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال:
" رخّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والحمة والنملة
ـ الحمة: سم ذوات السموم وقد تسمي إبرة العقرب والزنبور حمة، وذلك لأنها مجري السم
وليس في هذا نفي جواز الرقية من غيرها .
ـ النملة: قروح تخرج من الجنب وغيره من الجسد(1/17)
وعند الترمذي بسند صحيح من حديث عمران بن حصين مرفوعاً:
"لا رقية إلا من عين أو حمة"
علاج الإصابة بالعين
أولاً: كيفية الوقاية من الإصابة بالعين قبل أن تقع:
قبل أن نتكلم عن كيفية العلاج ينبغي أن نتكلم عن طرق وكيفية الوقاية من الإصابة بالعين،
فقد قالوا: الوقاية خير من العلاج، ومن طرق الوقاية:
1ـ التجنب والتحرز ممن عرف عنه الإصابة بالعين:
قال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم (4/399) قال القاضي:
وفي حديث سهل بن حنيف من الفقه ما قاله بعض العلماء: إنه ينبغي إذا عرف أحد بالإصابة بالعين أن يتجنب ويتحرز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم بيته، فإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه ويكف إذاه عن الناس، فضرره أشد من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه النبي - صلى الله عليه وسلم - دخول المسجد لئلا يؤذي المسلمين، ومن ضرر المجزوم .
2ـ ستر محاسن من يخشى عليه الإصابة بالعين:
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – كما زاد المعاد (4/173)
ومن الاحتراز من الإصابة بالعين: ستر محاسن ما يخاف عليه بالعين بما يردها عنه .
وقد ذكر البغوي في كتاب شرح السنة أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -
رأي صبياً مليحاً فقال: دَسِّمُوا نُونَتَه لئلا تصيبه العين
قال البغوي: ومعني دَسِّمُوا نُونَتَه، أي: سَوِّدُوا نونته
والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير وهي محل الحسن .
3ـ قراءة فاتحة الكتاب وآية الكرسي:
فقد أخرج الديلمي عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال
"فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأهما عبد في دار فتصبهم في ذلك اليوم عين إنس أو جن"
4ـ قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين:
فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن حبيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء .
5ـ المحافظة علي أذكار الصباح والمساء:(1/18)
6ـ الرقية بهذا التعوذ الذي كان يعوذ به النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين:
فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين يقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ويقول: كان أبوكم إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق". وفي رواية : إن أباكما
ـ أباكما: يريد إبراهيم - عليه السلام - كما صرح في الحديث وسماه أباً لكونه جد أعلي.
ـ بكلمات الله: قيل المراد بها: كلامه علي الإطلاق، وقيل: أقضيته، وقيل ما وعد به
كما قال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ } (الأعراف:137)
والمراد بها قوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ } (القصص:5)
ـ التامة: الكاملة، وقيل النافعة، وقيل الشافية، وقيل المباركة، وقيل القاضية .
ـ هامة: الهوام ذات السموم . ـ لامة: جامعة للشر .
7ـ إذا رأي من نفسه أو ماله أو ولده أو أخيه المسلم ما يعجيه ويخشى أن يصيبه بالعين فليدعو بالبركة:
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه أحمد بسند صحيح:
"إذا رأي أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق"
وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن ربيعه لما عان سهل بن حنيف:
"ألا بركت" : أي قلت: اللهم بارك عليه
- أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله: لقوله تعالى:{ولوْلا إذْ دخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلَتَ ما شآء اللهُ لا قوُّةَ إلا بالله } ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الكهف: 38)
وروي هشام بن عروة عن أبيه:
أنه كان إذا رأي شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله
8ـ التحصن بتقوى الله:(1/19)
والتي اختلف العلماء في تعريفها، إلا أنها تدور حول معني واحد وهو فعل المأمور واجتناب المحذور، فمن كان هذا حاله فهو في حفظ من الله ولا يناله أحدٌ بأذى.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن عباس ـ رضي الله عنهماـ:
"احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجَاهك" . ... ... ... (صحيح الجامع: 7957)
ثانياً: علاج الإصابة بالعين أو الحسد بعد أن يقع:
... ويتم ذلك عن طرق الاغتسال والرقية الشرعية
1ـ الاغتسال:
إذا تأكدنا أن أحد الناس حسد آخر بالعين، فإننا نطلب من الحاسد أن يتوضأ في إناء، ثم نأخذ هذا الماء ونصبه علي رأس وظهر المحسود من خلفه فيبرأ بإذن الله تعالى .
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف- رضي الله عنهما - قال:
اغتسل أبي سهل بن حنيف - رضي الله عنه - بالخرّار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل شديد البياض، حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذارء . فوعِك سهل مكانه،واشتد وعكه
وفي رواية: - فما لبث أن لبط به ( أي: سقط) - فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوعكه، فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون أحداً ؟ قالوا: عامر بن ربيعة . فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ عليه، فقال:علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت ؟ اغتسل له . فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه من ورائه فبرأ سهل من ساعته" .
ـ الخرّار: وهو واد من أودية المدينة.
ـ مخبأة: أي فتاة مختبئة في خدرها .
ـ وعك: أي أصيب بمغص شديد
وفي رواية أخري عند أحمد أيضًا في مسنده:
فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل علي رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفئ القدح وراءه ففعل ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس" .
ما يؤخذ من الحديث:(1/20)
1ـ خطورة العين ويظهر ذلك في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "علام يقتل أحدكم أخاه"
فهذا يدل علي أن شر العين عظيم، وربما بلغ بها الجناية حد القتل، فتدخل الرجل القبر كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند حسن عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"العين تدخل الرجل القبر وتدخل الجمل القدر"
2ـ مشروعية الوضوء أو الاغتسال من العائن للمعين
فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعامر بن ربيعة: " العين حق توضأ له "
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا" .
أي إذا طلب من أحدكم أن يغتسل لأخيه المسلم لأنه أصابه بالعين، أو شك أنه أصابه بالعين فليلب طلبه وليغتسل له .
وفي سنن أبي داود بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين .
وعلي هذا لو طلب منك شخص أن تغتسل له فافعل طلباً للسنة، ولا تفعل كما يفعل البعض من التغيظ ويقول في غضب وثورة: أنا لم أحسد أحداً ولم أصبه بعين، ولن أغتسل له، لا. بل الواجب أن تفعل وتغتسل له إن طلب منك ذلك، فإن الرجل يكون صالحاً ويصيب بالعين إذا رأي ما يعجبه ولم يبرك كما كان من عامر بن ربيعة وهو صحابي جليل، بل ربما يحسد ويعين الإنسان نفسه، واعلم أن استجابتك لأخيك يطيب نفسه وخاطره وتدفع عنه الغيبة التي قد تقع منه في حال رفضك
وفي استجابتك لطلب أخيك برهان للقيام بواجب الأخوة، فالرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي .
3ـ يستحب للمسلم إذا رأي شيئاً فأعجبه أن يبرك عليه
بمعني أن يدعو بالبركة سواء كان هذا الشيء له أولغيره .(1/21)
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث سهل بن حنيف:" ألا بركت عليه "
أي: ألا دعوت له بالبركة فإن هذا الدعاء يمنع تأثير العين .
وعلي هذا كل من يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين أن يقول: اللهم بارك عليه أو اللهم بارك فيه
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف:
إذا رأي أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق.
... ... ... ... ... ... ... (رواه أحمد بسند صحيح صححه الألباني في صحيح الجامع:212)
ومما يرفع به أيضاً إصابة العين قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله
فقد روي هشام بن عروة عن أبيه:
أنه كان إذا رأي شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله .
وهذا نحو قوله تعالى:
{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدً} (الكهف:39)
2ـ الرقية الشرعية :
لقد شرع لنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الرقية من العين والحسد
أ) فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر أن استرقي من العين .
والمعنى: اطلب الرقية ممن يعرف الرقى بسبب العين
ب) وأخرج البخاري ومسلم عن أم سلمة – رضي الله عنها -:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجارية في بيتها – رأي في وجها سفعة – بها نظرة - استرقوا لها .
- سَفْعَة: هو سواد في الوجه، وقيل حمرة يعلوها سواد، وقيل صفرة، وقيل سواد مع لون آخر،
وقال ابن قتيبة: هي لون يخالف لون الوجه، وقيل أخذة من الشيطان .
- فإن بها النظرة: قيل عين من نظر الجن وقيل من الإنس وبه جزم أبو عبيد الهروي .
جـ) وأخرج الإمام مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال:
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآل حزم في رقية الحية(1/22)
وقال لأسماء بنت عميس: "مالي أري أجسام بني أخي ضارعة يصيبهم الحاجةُ ؟
قالت: لا. ولكن العين تسرعُ إليهم، فقال: أرقيهم، فعرضت عليه، فقال أرقيهم .
ـ ضارعة: نحيفة
يقول المباركفوري – رحمه الله – كما في تحفة الأحوذي (6/219):
- تُسرع: بضم التاء وكسر الراء ويفتح أي، تعجل إليهم العين، أي: تؤثر فيهم سريعاً لكمال حسنهم الصوري والمعنوي .
- العين: نظر باستحسان يحصل للمنظور منه ضرر .
د) أخرج ابن السني بسند صحيح عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت:
دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندنا صبي يشتكي فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما لهذا ؟ قالوا: نتهم به العين، قال - صلى الله عليه وسلم - : أولا تسترقون له من العين ؟"
ومن الرقى الشرعية:
1ـ قراءة سورة الإخلاص والفلق والناس
وكما أن هذه السور واقية من الإصابة بالعين – كما مر بنا – فهي أيضاً شافية بإذن رب البرية .
2ـ كذلك ترقي المصاب بقولك: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك .
فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
أن جبريل أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد اشتكيت ؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك
من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك . باسم الله أرقيك .
3ـ ومن الرقي كذلك ما جاء في صحيح البخاري ومسلم
اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقما
4ـ ومن الرقي ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقي بها الحسن والحسين .
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
كان رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعوّذ الحسن والحسين فيقول: أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ، ويقول: كان أبوكُم يُعَوِّذُ بِهما إسماعيل وَإسحاق .
ملحوظة:(1/23)
الرقية الشرعية لا بد أن يتوافر فيها ثلاثة شروط:-
الأول: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته .
الثاني: أن تكون باللسان العرب .
الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى .
5ـ لا بأس أن تكتب للمريض آيات من القرآن ثم تُغسل ويشربها .
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد (4/170):
ورأي جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها .
قال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله، ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة .
ويذكر عن ابن عباس: أنه أمر أن يُكتب لامرأة تعَسَّرَ عليه وِلادُها أثرْ من القرآن ثم يُغسل وتُسقي
وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع .
ملحوظة:
يستحب أن يقرأ علي الماء: الفاتحة، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة،
وقل هو الله أحد، والمعوذتين، وأدعية الرقية الشرعية
6ـ الإكثار من الدعاء وخصوصاً في أوقات الإجابة
قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }
(النمل:62)
7ـ التوبة من الذنوب
لأن التجرء علي ارتكاب الذنوب سبب من أسباب تسلط الأعداء من الإنس والجن علي الإنسان
كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } ... ... (الشورى: 30)
8 ـ تجريد التوحيد وإخلاصه للعزيز الحكيم الذي لا يضر شيء ولا ينفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى
فالتوحيد هو حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين .
9ـ التوكل علي الله تعالى، فمن يتوكل علي الله فهو حسبه .(1/24)
10ـ المحافظة علي الصلوات المفروضة في جماعة في المسجد (بالنسبة للرجال) والإكثار من الاستغفار وتلاوة القرآن، ونوافل الصلوات، والصيام والصدقة والإحسان ما أمكن، والإكثار من الأذكار الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء والعين وشر الحاسد، وهذا كله من الأدوية النافعة بمشيئة الله تعالى من الحسد والعين .
- علاج السحر (1) -
أولاً: كيفية الوقاية من السحر قبل وقوعه:
وقبل الكلام عن العلاج لابد أن نعلم أن هناك نوع من الوقاية يتقي بها السحر قبل وقوعه
وكما هو معلوم فالوقاية خير من العلاج .
ومن طرق الوقاية من السحر:
1. القيام بجميع الواجبات، وترك جميع المحرمات، والتوبة من جميع السيئات .
2. الإكثار من قراءة القرآن الكريم بحيث يجعل له ورداً منه كل يوم .
3. التحصن بالدعوات والتعوذات والأذكار المشروعة ومن ذلك:-
ـ المحافظة على أذكار الصباح والمساء .
ـ والأذكار أدبار الصلوات .
ـ وأذكار النوم والاستيقاظ منه .
ـ وأذكار دخول المنزل والخروج منه.
ـ وأذكار الركوب.
ـ وأذكار دخول المسجد والخروج منه.
ـ ودعاء دخول الخلاء والخروج منه.
ـ ودعاء من رأي مبتلي .
فقد أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من رأي مبتلى فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني علي كثير ممن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاء ". (صحيح الجامع:6248)
? ومن هذه الأذكار:-
أ ـ "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"
(ثلاث مرات في الصباح والمساء)
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
__________
(1) )) العلاج بالرقى من الكتاب والسنة لسعيد بن علي القحطاني- رحمه الله – بتصرف.(1/25)
"ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساءِ كُل ليلةٍ: بسم اللهِ الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يضره شيء .
وفي رواية: لم تصبه فجأةُ بلاءٍ .
ب ـ وكذلك قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة وعند النوم، وفي الصباح والمساء
فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الشيطان قال له
إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية:{اللهُ لا إلهَ إلا هُوَ الحيُّ القيوم ... }(البقرة:255) فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح . وأقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: صَدقك وهو كذوبٌ .
جـ ـ قراءة " قل هو الله أحد"، والمعوذتين " ثلاث مرات في الصباح والمساء وعند النوم
فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن عبد الله بن خُبَيْب - رضي الله عنه - قال:
خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا فأدركناه،فقال:أصليتُمْ؟ فلم أقُلْ شيئاً، فقال: قل: فلم أقُلْ شيئاً، ثم قال: قل: فلم أقُلْ شيئاً، ثم قال: قُلْ:
فقلت: يا رسول الله: ما أقول ؟ قال: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء" .
د ـ قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير
(مائة مرة كل يوم)
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرِ رقاب، وكتبت له مائة حسنةٍ، ومحيت عنه مائةُ سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطانِ يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه" .
4. أكل سبع تمرات علي الريق صباحاً إذا أمكن:
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/26)
"من اصطبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" .
والأكل أن يكون من تمر المدينة مما بين الحرتين، كما في رواية مسلم
ويري فضيلة الشيخ ابن باز– رحمه الله – أن جميع تمر المدينة توجد فيه هذه الصفة لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"من أكل سبع تمرات ما بين لابتيها حين يصبح ....... " الحديث .
كما يري – رحمه الله – أن ذلك يرجي لمن أكل سبع تمرات من غير تمر المدينة مطلقاً .
ثانياً: علاج السحر بعد وقوعه:
ويكون عن طريق:-
1ـ استخراجه وإبطاله إذا عُلِمَ مكانه بالطرق المباحة شرعاً:
وهذا من أبلغ ما يُعالج به المسحور
أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُحِرَ، حتى كان يري أنه يأتي النساء ولا يأتيهن . قال سفيان: وهو أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا، فقال: يا عائشة! أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي. فقال الذي عند رأسي للآخر، ما بال الرجل؟ قال: مطبوب (1). قال: ومن طبَّه؟ قال: لبيد بن الأعصم
- رجل من زُرَيق حليفٌ ليهود وكان منافقاً – قال: وفيمَ ؟ قال: في مشط (2) ومشاطة (3) قال: وأين ؟ قال في جُف (4) طلْعةٍ ذكر تحت رَعُوفةٍ (5) في بئر ذَرْوان". قالت: فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - البئر حتى استخرجه ، فقال: هذه البئر التي رأيتها، وكأن ماءها نُقاعة الحِناءِ. وكأن نخلها رءوس الشياطين".قال: فاستُخرجَ وأُمِر بها فدفنت".
فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال
(1) مطبوب: مسحور، ومعني طبَّ: أي سحر . (2) المشط: معروف .
(3) المشاطة: هي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه .
(4) جف: وعاء طلع النحل، وهو الغشاء الذي يكون عليه: ويطلق علي الذكر والأنثي
ولذا قيده في الحديث بقوله: " طلْعةٍ ذكر".
(5) رَعُوفةٍ:حجر يوضع علي رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون في أسفل البئر(1/27)
2ـ الرقية الشرعية ومنها:-
أ) يدق سبع ورقات من سدر أخضر بين حجرين أو نحوهما،ثم يصب عليها ما يكفيه للغسل من الماء ويقرأ فيهما ما يأتي:-
? أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } ... ... ... ... (البقرة:255)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ . وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (الأعراف: 117 – 122)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ . فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ . فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } (يونس: 79 – 82)(1/28)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى . قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإذا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى . فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى . قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى . وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى . فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه:65 – 70 )
بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ... ... ... ... ... (الكافرون)
بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } (الإخلاص)
بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِن شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إذا وَقَبَ . وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إذا حَسَدَ } ... ... ... ... ... ... ... ... (العلق)
بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الجنّة وَ النَّاسِ ... } ... ... ... ... ... ... (الناس)(1/29)
وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي، وبذلك يزول الداء إن شاء الله تعالى، وإن دعت الحاجة إلى إعادة ذلك مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول المرض، وقد جُرِّب كثيراً فنفع الله به، وهو جيد كذلك لمن حُبسَ عن زوجته وهو ما يُعرف بالربط (1)
ب ) تقرأ سورة الفاتحة، وآيةالكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذتين "ثلاث مرات أو أكثر " مع النفث ومسح الوجه باليد اليمني .
(فتح الباري(9/ 62 ، 10/208) ومسلم:4/1723)
جـ) التعوذات والرقي والدعوات الجامعة ومنها:
1ـ أسأل الله العظيم رب العرش أن يشفيك "سبع مرات"
2ـ يضع المريض يده علي الذي يؤلمه من جسده ويقول:
بسم الله (ثلاثاً) ويقول: "أعوذ بِعزةِ اللهِ وقدرتِهِ من شرِّ ما أجد وأُحاذِر". (سبع مرات) ...
(مسلم :4/1728)
3ـ اللهم رب الناس. أذهب الباس. واشف أنت الشافي. لا شفاء إلا شفاؤك. شفاء لا يغادر سقماً " ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (البخاري ومسلم )
4ـ أعوذ بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة ... ... (البخاري)
5ـ أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق . ... ... ... ... ... ... (مسلم)
6ـ أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون . ... ... ... ... (أبو داود والترمذي، صحيح الترمذي:3/171)
7ـ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌ ولا فاجرٌ من شر ما خلق، وبرأ وذرأ، ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارقٍ إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان . ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (أحمد:3/119)
__________
(1) ) انظر فتاوي ابن باز (3/279)، وفتح المجيد صـ346،
والصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار للشيخ/ وحيد عبد السلام بالي صـ109- 117 فهناك رقية مفيدة ومطولة نافعة إن شاء الله،
وانظر كذلك مصنف عبد الرزاق (11/13)، وفتح الباري(10/233)(1/30)
8ـ اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. ربنا ورب كل شيء. فالق الحب والنوى. ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن. أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته. اللهم! أنت الأول فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء . ... ... ... ... (مسلم:4/2084)
9ـ باسم الله أرقيك. من كل شيء يؤذيك. ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك. باسم الله أرقيك. ... ... (مسلم:4/1718)
10ـ باسم الله يبريك. ومن كل داء يشفيك. ومن شر حاسد إذا حسد. وشر كل ذي عين. ... (مسلم:4/1718)
11ـ بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حَسدِ حاسدِ ومن كل ذي عين الله يشفيك.
ملاحظات:
1. هذه التعوذات، والدعوات، والرقى، يعالج بها من السحر، والعين ومس الجان، وجميع الأمراض، فإنها رقي جامعة نافعة بإذن الله تعالى .
2. لا يجوز استخدام النشرة وهي من السحر بالسحر:
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر - رضي الله عنه - قال:
سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النُّشْرَةِ فقال: هو من عمل الشيطان . ... ... (الصحيحة: 2760)
3ـ من وسائل علاج السحر: الاستفراغ بالحجامة في المحل أو العضو الذي ظهر أثر السحر عليه:
وذلك إن أمكن، وإن لم يمكن فكفى ما سبق ذكره من علاج فهو شافي بإذن الله .
(انظر زاد المعاد:4/125)،مصنف ابن أبي شيبة:7/386)،ومصنف عبد الرزاق:11/13)،فتح الباري:10/233)، والصارم البتار صـ194-200)
- علاج الأمراض النفسية وضيق الصدر -
والعلاج من الأمراض النفسية وضيق الصدر يكون عن طريق:-
أولاً: القرآن
قال تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ... (الإسراء 82)
وقال تعالى: { ُقلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء ... } ... (فصلت:44)
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }(1/31)
(يونس:57)
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كُلُّ أحِدٍ يُؤَهَّل ولا يوفق للاستشفاء بالقرآن، وإذا أحسن العليل التداوي به، وعالج به مرضه بصدق وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء بشروطه، لم يقاومه الداء أبداً وكيف تقاوِمُ الأدواء كلامَ ربِّ الأرض والسماء، الذي لو نزل علي الجبال لصَدَّعَها أو علي الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة علي علاجه، وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً لكتابه، والله - عز وجل - قد ذكر في القرآن أمراض القلوب والأبدان، وطب القلوب والأبدان
كما قال تعالى: {َما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} ... ... ... ... ... (الأنعام: 38)
يقول ابن القيم – رحمه الله –
فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه فلا كفاه الله، ولو أحسن العبد التداوي بالقرآن لرأى لذلك تأثيراً عجيباً في الشفاء العاجل .
ثانياً: الأخذ بأسباب انشراح الصدر :
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد (2/23):
فأعظم أسباب شرح الصدر
1ـ التوحيد
وعلي حسب كمال وقوة وزيادة التوحيد يكون انشراح الصدر، قال تعالى: {مَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسلام وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} (الأنعام:125)
فكما أن الهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، كما قال تعالى:
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} ... ... (الزمر:22)
فالشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، كما قال تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ( ... طه:122)
2ـ نور الإيمان الذي يقذفه الله تعالى في قلب العبد(1/32)
قال تعالى: { وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ... ... ... ... ... (التغابن:11)
فهذا من أسباب انشراح الصدر وفرحه، فإذا فقد هذا النور ضاق قلب العبد وحَرِج، وصار في أضيق سجن وأصعبه .
أخرج الطبري في تفسيره (8/27) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا دخل النورُ القلب انفسح وانشرح، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله ؟ قال: الإنابة إلى دار الخلودِ والتجافي عن دار الغُرورِ والاستعداد للموت قبل نزوله (1) " ...
فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور.
3ـ المحافظة على الصلاة ودوام الذكر:
قال تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ{97} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{98} وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } (الحجر:97ـ99)
فأمر الله - عز وجل - نبيه أن يفزع إلى الصلاة والذكر إذا ضاق صدره بما يقوله أعداء الدين، فإن الذكر والصلاة شرح لصدرك، وتفريج لكربك.
4ـ العلم النافع
فإنه يشرح الصدر ويوسِّعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهلُ يورثه الضِّيق والحَصْر والحبس، وكلما اتسع علم العبد، انشرح صدره واتسّع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو العلم النافع، فأهله أشرحُ الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً وأحسنهم أخلاقاً وأطيبهم عيشاً .
5ـ الإنابة إلى الله - عز وجل - ومحبته بكلِّ القلب، والإقبال عليه والتنعم بعبادته
__________
(1) ) قال ابن كثير - رحمه الله – (2/174) بعد أن ذكره عن عبد الرزاق وابن أبي حاتم، وابن جرير، فهذه طرق لهذا الحديث مرسله ومتصلة يشد بعضها بعضاً(1/33)
فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك حتى إنه ليقول أحياناً: إن كنتُ في الجنّة في مثل هذه الحالة، فإني إذا في عيش طيب، وللمحبة تأثيرٌ عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، وكلما كانت المحبة أقوي وأشد كان الصدر أفسحَ وأشرح، ولا يضيق الصدر إلا عند رؤية البطَّالين الفارغين من هذا الشأن، فرؤيتهم قَذَى عينه، ومخالطُتهم حُمَّي روحه .
ـ ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى وتعلَّقُ القلب بغيره، والغفلة عن ذكره ومحبة سواه، فإن من أحبَّ شيئاً غير الله عُذِّبَ به، وسُجنَ قلبْه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقي منه، ولا أكسف بالاً ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً،
فهما محبتان:-
الأولى: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغِذاؤها ودواؤها، بل حياتُها وقُرَّةُ عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب، وانجذابُ قوي الميل، والإرادة، والمحبة كلِّها إليه
الثانية: هي محبة سبب في عذاب الروح، وغم النفس، وسجنُ القلب، وضيق الصدر، وهي سببُ الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه سبحانه . ... ... ... ... (زاد المعاد صـ 23-25 بتصرف)
6ـ دوام ذكر الله علي كل حال، وفي كل موطن
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ... } ... (الرعد:28)
فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب وانشراحه، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه .
وكان مكحول – رحمه الله – يقول:
ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء
7ـ الإحسان إلى الخلق بأنواع الإحسان والنفع لهم بما يمكن
فإن الكريم المحسنَ أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدراً وأنكدهم عيشاً وأعظمهم هماً وغمّاً .(1/34)
وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح مثلاً للبخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُنَّتَانِ من حديد، كلما هَمَّ المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت حتى يجُرَّ ثيابه ويُعفي أثرهُ، وكلما هَمَّ البخيل بالصدقة لزمت كلّ حلقةٍ مكانها ولم تتسع عليه، فهذا مَثَلُ انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيقِ صدر البخيل وانحصار قلبه .
8ـ الشجاعة
فإن الشجاع منشرح الصدر، متسع القلب، والجبانُ أضيق الناس صدراً، وهو محروم من سرور الروح ولذتها ونعيمها وانبهاجها، كما حُرم منها كل بخيل، وكل مُعرض عن الله تعالى غافل عن ذكره جاهل بالله وبأسمائه وصفاته، جاهل بدينه متعلق القلب بغير الله .
9ـ إخراج دَغَلِ القلب من الصفات المذمومة
ودَغَلِ الشيء عيب فيه يفسده، فعلي الإنسان أن يخرج من قلبه الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه: كالحسد، والبغضاء، والغل، والعداوة، والشحناء، والبغي .
وقد ثبت في سنن ابن ماجة بسند صحيح:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن أفضل الناس ؟ فقال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، فقالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب ؟ قال: هو التقيُّ، النقيُ، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد" .
10ـ ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم
فإن هذه الفضول تتحول آلاماً وغموماً وهموماً في القلب، ويتعذب بها صاحبها، بل هي غالب عذاب الدنيا والآخرة .
يقول ابن القيم – رحمه الله -:
ولا إله إلا الله، ما أنعم عيشَ من ضرب في كل خصلةٍ من تلك الخصال المحمودة بسهم فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } (الانفطار: 13) ، وبين هذا وذاك مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى . أهـ ... بتصرف
ويضيف العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – في كتابه (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة) جملة أسباب انشراح الصدر ومنها:-(1/35)
11ـ الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة.
فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه.
12ـ الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي .
فالعبد يجتهد فيما ينفقه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده ويستعينه علي ذلك، فإن ذلك يُسلي عن الهم والحزن .
13ـ النظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلى من هو فوقك في العافية وتوابعها، والرزق وتوابعه، وثمرة ذلك الرضا والقناعة، وهذا يؤدي إلى طيب العيش وراحة البال وانشراح الصدر
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها همَّاً يؤرقه
14ـ نسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها فلا يفكر فيها مطلقاً .
15ـ عدم التحسر علي ما مضى وعدم اللوم بكلمة: " لو"
يقول الشيخ بن عثيمين –رحمه الله – كما في فتاوي العقيدة صـ 535:
وإن كان يراد بـ " لو" التحسر علي ما مضى، فهذه منهي عنها لأنها لا تفيد شيئاً، وإنما تفتح الأحزان والندم وفي هذا يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم:
"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله. وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان".
وحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام؛ لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه، ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يري، فكلمة "لو" في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن، ولهذا نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزوناً ومهموماً، بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر، وأن يكون مسروراً طليق الوجه، ونبه الله تعالى المؤمنين لهذه النقطة بقوله :(1/36)
{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } ... (المجادلة: 10)
وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرشد المرء إلي أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرِّها ومن شر الشيطان، وأن ينقلب غلي الجانب الآخر وألا يحدث بها أحداً لأجل أن ينساها ولا تطرأ علي باله وقال: "فإن ذلك لا يَضرُّه" .
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائماً في سرور، ودائماً في فرح؛ ليكون متقبلاً لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم وفي غم وحزن لا شك أنه يضيق ذرعاً بما يُلقى عليه من أوامر الشرع وغيرها .
16ـ إذا حصل علي العبد نكبة من النكبات فعليه السعي في تخفيفها
بأن يقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويدافعها بحسب مقدوره .
17ـ مهما حل به من مصائب أو نكبات فليحمد الله أنها لم تكن في الدين أو أنها لم تكن أعظم من ذلك، ومما يدفع عنه ضيق صدره ويجلب له انشراح الصدر أنه يعلم أن الله تعالى يأجره عليها . فهذا يدفعه إلى الصبر والرضا كما قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
(البقرة:155ـ157)
18ـ قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، وعدم الغضب، ولا يتوقع زوال المحاب وحدوث المكاره
بل يكل الأمر إلى الله - عز وجل - مع القيام بالأسباب النافعة، وسؤال الله العفو والعافية .
19ـ اعتماد القلب على الله، والتوكل عليه، وحسن الظن به - سبحانه وتعالى –
فإن المتوكل علي الله لا تؤثر فيه الأوهام(1/37)
20ـ العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً،
فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة .
21ـ إذا أصابه مكروه أو خاف منه، فعليه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه
فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها، فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه .
22ـ يعرف أن أذية الناس لا تضره خصوصاً في الأقوال الخبيثة بل تضرهم، فلا يضع لها بالاً ولا فكراً حتى لا تضره .
23ـ يجعل أفكاره فيما يعود عليه نفعه في الدين والدنيا .
24ـ أن لا يطلب العبدُ الشكر علي المعروف الذي بذله وأحسن به إلا من الله
ويعلم أن هذا معاملة منه مع الله، فلا يبالي بشكر من أنعم عليه، كما قال تعالى:
{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } (الإنسان: 9)
25ـ يجعل الأمور النافعة نصب عينيه ويعمل على تحقيقها، ولا يلتفت إلى الأمور الضارة فلا يشغل بها ذهنه ولا فكره .
26ـ حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل، حتى يأتي للأعمال المستقبلة بقوة تفكير وعمل .
27ـ يتخير من الأعمال النافعة والعلوم النافعة الأهم فالأهم
وخاصة ما تشتد الرغبة فيه، ويستعين علي ذلك بالله ثم بالمشاورة إذا تحققت المصلحة وعزم توكل علي الله .
28ـ التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ويحث العبد علي الشكر .
29ـ إذا وجد من الزوجة أو القريب أو كل من يتعامل معه عيب، فلينظر إلى الجانب المشرق منه ويتذكر ماله من محاسن
فبملاحظة ذلك تدوم الصحبة وينشرح الصدر، كما جاء في الصحيح الذي أخرجه مسلم:
"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر"(1/38)
30ـ الرضا وعدم التسخط
الساخط إنسان دائم الحزن، دائم الكآبة، ضيق الصدر .
يقول الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن صـ 256:
لأن السخط باب الهم والغم والحزن، وشتات القلب وضيق الصدر وكسف البال، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله، والرضا يخلِّصه من ذلك كلَّه، ويفتح له باب جنة الدنيا قبل الآخرة، فإن ارتياح النفس لا يتم بمعاكسة الأقدار ومضادة القضاء، بل بالتسليم والإذعان والقبول؛ لأن مدبر الأمر حكيم لا يتَّهم في قضائه وقدره . أهـ
فالتسخط داء عضال يعيث في القلب والجسد فساداً ويجعل صاحبه في شقاء دائم .
فعلي الإنسان أن يرضى بما قسمه الله له ليكن أغني الناس ويسكن القلب وتهدئ الأنفاس وينشرح الصدر؛ لأنه لا يتَّهم الله تعالى في عدله وحكمته .
أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
"عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيراً له"
31ـ ترك المعاصي
يقول ابن عباس – رضي الله عنهما –:
إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق.
وقال عبد الله بن المبارك:
رأيت الذنوبَ تميتُ القلوبَ ... وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوبِ حياة القلوب ... وخيرٌ لنفسكِ عصيانُها
وهل أفْسدَ الدين إلا الملوكُ ... وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها
32ـ الدعاء بصلاح الأمور كلها فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا ذلك
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، ودنياي التي فيها معاشي، وآخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر" .
وأخرج أبو داود وأحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:(1/39)
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت .
وبعد: فهذه جملة من أسباب انشراح الصدر، وعلاج للأمراض النفسية والقلق النفسي لمن تدبرها وعمل بها بصدق وإخلاص، وقد عالج بها بعض العلماء كثيراً من الحالات والأمراض النفسية فنفع الله بها نفعاً عظيماً .
- علاج الهم والحزن -
أعاذنا الله وإياك من الهموم ونجانا من الغموم، فإنها عدو قوي، وداء دوي وهي تخترم الجسيم، وتمرض الجسم السليم، وتكدر البال، وتكسف الحال، غير أنها تزول بالدواء، وتذهب بالدعاء بإذن رب الأرض والسماء، فعليك بدعوة ذي النون، واعلم أن ما قضي سوف يكون، فلا تذهب نفسك علي ما مضى حسرات فما فات مات، ولا تبتئس من كلام الحُساد، فما يُعادَي إلا مَنْ ساد، ولا تتوقع الحوادث، ولا تنتظر الكوارث، بل ثق بالجليل وقل: حسبنا الله ونعم الوكيل، ونظف ثيابك، وعش يومك وأرض بالكفاف، ولو أنه رغيف جاف، واقرأ المثاني وتدبر المعاني، واطلب العلوم، واحذر أن تكون كالبلعوم (لا يحتفظ بشيء)، وتهيأ للرحيل، فما أبطأك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وملك كِسري يغني عنه كسرة، وكثرة المال حسرة ولا تخش المكاره، فربما خير لك وأنت كاره، والزم المنزل فحق للقلب أن يعزل والقرآن ينزل، واجعل لنفسك من العبادة غذاءها، ودعها فإن معها حذاؤها، وتقلل فإن الموت قريب وكُن في الدنيا كأنك غريب، وإذا رأيت أهل الدنيا وهم فيها مغرقون فقل: أيتها العير إنكم لسارقون، وإذا وعظت القلب فأبى، فقل: جئتك من سبأ بنبأ، وقل لمن نهب وما وهب وتشاغل بالذهب، تبت يدا أبي لهب، وإن دهمك همٌ يهد الجبال، فصح أرحنا بالصلاة يا بلال .
(كتاب حدائق ذات بهجة صـ251)
فالحزن ليس مطلوباً ولا مقصوداً أصلاً، فإنه يعطل العبد عن سيره
ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله منه فكان يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن"(1/40)
فالحزن قرين الهم، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد علي القلب إن كان لما يستقبل أورثه الهم، وإن كان لما مضى أورثه الحزن، وكلاهما مُضعف للقلب عن السيرِ مُفَتِّر للعزم .
والحزن من أحب الأشياء إلى الشيطان فهو يُحزن العبد ليوقفه أو يعطله عن سيره قال تعالى:
{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } ... (المجادلة: 10)
فإذا نزل الحزن بالإنسان ولم يكن له حيلة في ذلك، فعليه أن يدفعه قدر استطاعته بالدعاء وغيره وليعلم أنه مأجور علي ذلك؛ لأن الحزن ينغص علي الإنسان عيشه ويكدر عليه حياته، ويصيب نفسه بالسآمة والفتور، فإذا صبر واحتسب وحاول دفعه بالوسائل الشرعية كان مأجوراً
ودفع الهم والحزن يكون عن طريق:-
أولاً: الأدعية التي تدفع الهم والحزن ومنها:
ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
ما أصاب أحداً قطٌّ همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً " . ... ... ... ... ... ... ... ... ... (السلسلة الصحيحة:199)
وأخرج البخاري بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : قال: كنت أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكثر من قول: اللهم إني أعوذ من الهمِّ والحَزَنِ، والعجزِ والكسلِ، والجبن والبخل، وَضَلَعِ الدِّين وغلبة الرجال .
وأخرج الحاكم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل به همّ أو غمٌ قال: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث .
ثانياً: تقوي الله ـ عز وجل ـ :(1/41)
قال ابن الجوزي – رحمه الله – كما في صيد الخواطر صـ 204:
ضاق بي أمر أوجب غمَّا لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ... }
(الطلاق: 2)
فعلمت أن التقوي سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج .
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى وامتثال أمره، فإن ذلك سبب لفتح كل مُرتج، ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله - عز وجل - كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب فقد قال تعالى:
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... } (الطلاق: 3)
ثالثاً: كثرة الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن الطفيل بن أبيِّ بن كعب عن أبيه قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت:
يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي، فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع ؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: فالنصف ؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين ؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال: إذا تُكْفَى همك ويغفر لك ذنبُك.
(حسنه الألباني – رحمه الله – في المشكاة:929)
رابعاً: أن يعلم المحزون أن الدنيا دار امتحان وابتلاء واختبار، وليس فيها لذة علي الحقيقة إلا وهي مشوبة بالكدر:
كما قال بعضهم:
جلبت علي كدر وأنت تريدها ... صفواً من الآلام والأكدار
وقال بعض السلف:
رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد علي الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا علي ذا وضعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود سوي العدم(1/42)
كما قال القائل:
علي ذا مضي الناس اجتماع وفرقة ... وميت ومولود وبشر وأحزان
فهكذا الدنيا .....
جلبت علي الكدر فإن أضحكت يوماً أبكت أياماً، وإن سرت شهراً أحزنت دهراً، فليسع الإنسان لطلب الجنّة حيث السعادة الأبدية والنعيم المقيم والسرور السرمدي، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة قالوا:
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ... } (فاطر: 34)
خامساً: التلبينة
قال الأصمعي – رحمه الله –:
والتلبينة حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيها عسل، وقال غيره أو لبن .
أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها –:
أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض، والمحزون علي الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن التلبينة تجم فؤاد المريض (1) وتذهب ببعض الحزن (2).
(1) تجم فؤاد المريض: أي تريح فؤاد المريض، وتزيل عنه الهم وتنشطه .
(2) وهي تذهب ببعض الحزن كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد (5/120):
وهذا الأمر وإن استغربه بعض الناس لكنه حق وصدق، ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها، وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور من الأغذية المفرجة . والله أعلم .
وأخرج الترمذي من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسَوْا منه، وكان يقول:إنه ليرتق ـ وفي رواية أحمد وابن ماجة: إنه ليرتو(1) ـ فؤاد الحزين، ويسرو (2) عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها " .
(1) يرتو أو يرتق: أي يشد ويقوي . ... ...
(2) يسرو: يكشف ويزيل.
وأما عن طريقة طبخه لمريض الحسد أو لمحزون القلب
يقول ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري (147):(1/43)
ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً، وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً، والله أعلم.أهـ
- علاج الكرب -
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في كتابه الفوائد صـ145- 146:
أساس كل خير أن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه فتشكره عليها . وتتضرع إليه ألا يقطعها عنك، وأن السيئات من خذلانه وعقوبته، فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك .
وقد أجمع العارفون علي أن كل خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شر فأصله خذُلانه لعبده، وأجمعوا أن التوفيق ألا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يُخلي بينك وبين نفسك، ولهذا كان من دعاء المكروب:
اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلا نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله. لا إله إلا أنت .
فإذا كان خير فأصله التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه، فمتى أعطي العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتي أضلَّه عن المفتاح، بقي باب الخير مغلقاً دونه
ولهذا كان أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - يقول:
إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه .
فالله سبحانه أحكم الحاكمين، واعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به، وهو العليم الحكيم .
وما أوتي من أُتي إلا من قبل إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعاء ولا ظفر من ظفر – بمشيئة الله وعونه – إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء .
فدفع الكرب وزواله يكون عن طريق الدعاء، فقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة من الأدعية التي يرفع الله بها الكرب ويزيل بها الهم ومنها:-
1ـ ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(1/44)
" دعواتُ المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفس طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت " ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:3388)
2ـ وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السمواتِ وربُّ الأرض وَرَبُّ العرش الكريم" .
3ـ وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أسماء بنت عُمَيْس– رضي الله عنها – قالت:
قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أُعَلِّمُكِ كلمات تَقُولِينَهُنّ عند الكرب أو في الكرب: اللهُ اللهُ ربي لا أشرك به شيئاً" . ... ... ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:2623)
4ـ وأخرج الإمام أحمد عن عليٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال:
علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين" .
5ـ أخرج الترمذي بسند حسن عن أنس عن مالك - رضي الله عنه - قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كربه أمرٌ قال: يا حيُّ يا قيوم برحمتك استغيث ".
6ـ وأخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
دعوة ذي النون إذ دَعَا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب اللهُ له". (صحيح الترمذي:2785)
- علاج القلق والفزع من النوم -
1ـ أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامّة (التامّات) من غضبه (وعقابه) وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون" .
وفي رواية:(1/45)
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا أنه يفزع في منامه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامّة من غضبه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فقالها فذهب عنه" .
2ـ وأخرج ابن ماجة بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
الرؤيا الصالحةُ من الله، والحُلمُ من الشيطانِ، فإذا رأى أحدُكم شيئاً يكرهه فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، وليتعوذ بالله من شَرِّها ثلاث مراتِ، فإنها لا تضره، وليتحول عن جانبه الذي كان عليه .
3 ـ المحافظة علي أذكار ما قبل النوم:
- أخرج البخاري ومسلم عن حذيفة - رضي الله عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام قال:" باسمك اللهم أموت وأحيا" وإذا استيقظ من منامه قال:" الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور"
- أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها-:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيها، فقرأ:
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)،(قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَقِ)،(قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ... ... ... ... ... ... ...
- وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن الشيطان قال له:
" إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي{اللهُ لا إلهَ إلا هُوَ الحيُّ القيوم} (البقرة:255)
حتى تختمها، فإنه لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح .
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "صَدقك وهو كذوبٌ، ذلك شيطان" . (رواه البخاري)
- أخرج البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" ... ... ...(1/46)
- أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه فلينْفضهُ بصنفة إزاره(1) ثلاث مرات، فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك اللهم وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، فإذا استيقظ فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردّ عليّ روحي، وأذن لي بذكره"
(1) صنفة إزاره: بحاشية إزاره.
- أخرج البخاري ومسلم عن عليّ - رضي الله عنه - :
أن فاطمة – رضي الله عنها- أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله خادماً، فلم تجده، ووجدت عائشة فأخبرتها، قال عليّ، فجاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذنا مضجعنا فقال:" ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم، إذا أويتما إلى فراشكما، فسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدَا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فإنه خير لكما من خادم"
- أخرج أبو داود والترمذي عن حفصة أم المؤمنين – رضي الله عنها –:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خدَّه، ثم يقول:" اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك" ثلاث مرات.
- أخرج الإمام مسلم عن أنس - رضي الله عنه - :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه، قال:" الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا (1)، فكم ممَّن لا كافي له ولا مؤوي"
(1) آوانا: أي جعل لنا مسكناً نأوي إليه.
- أخرج الإمام مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما –: أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقول:" اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، وإن أحييتها فاحفظها، وإن أمتّها فاغفر لها، اللهم إنِّي أسألك العافية" قال ابن عمر: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(1/47)
- أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أوى إلى فراشه:
" اللهم رب السَّماوات ورب الأرض ورب العرش، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنَّوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنّا الدين، وأغننا من الفقر"
- أخرج البخاري ومسلم عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل:" اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن متُّ من ليلتك متَّ على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول"
- الإصابة بالقلق والاكتئاب -
القلق لغة: الانزعاج.
والقلق عند علماء النفس هو: الخوف من خطر أو ألم يحتمل أن يحدث، ولكنه غير مؤكد الحدوث، وهو انفعال مركب من مشاعر الخوف والألم وتوقع الشر.
ولم يعد القلق مقتصراً علي طائفة معينة من الناس أو شريحة معينة من البشر، مثل شريحة الفقراء الذين يعانون في حياتهم لتوفير ما هو ضروري بالنسبة لهم، أو مثل طائفة رجال الأعمال الذين يعانون من ضغوط العمل المتواصل الذي لا يترك لهم مجالاً للراحة والاسترخاء .
إن القلق يصيب كل شرائح المجتمع الأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والأصحاء والمرضى الرجال والنساء، الصغار والكبار، المتعلمين وغير المتعلمين .
فالقلق ملازم للإنسان، والتخلص منه نهائياً أمر يخالف فطرة الإنسان(1/48)
فأصدق الأسماء كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث أبي وهب الجشمي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أصدق الأسماء حارث وهمام" ...
لأن الإنسان كثير الحرث والهم وهذا بالطبع يدعو إلى القلق، والصالحون من عباد الله كذلك يقلقون بسبب خوفهم من الرد وعدم القبول
ـ لكن على الإنسان أن يجعل قلقه من النمط الإيجابي الذي يدعو لإيجاد الحلول للمشكلات الطارئة، ولا يقعد بصاحبه عن أي عمل مثمر وفكر جاد.
إن قلق الطلاب من الامتحان يجعلهم يطلعون ويقرأون في يوم أو يومين ما يعجزوا عن مطالعته طوال العام، فهم حولوا هذا القلق إلى طاقة عظيمة ساعدتهم علي استدراك كثير مما فاتهم أثناء الدراسة .
ـ أما القلق السلبي فهو الذي يدعو إلى اليأس والكسل والخمول بحيث يستسلم الإنسان للمخاوف والأوهام، ويصبح فريسة للأفكار السوداء فيفقد السيطرة على نفسه ويدخل في دوامة الأمراض النفسية المختلفة .
إن القلق السلبي هو بوابة الهموم والغموم والأحزان، وهو القاسم المشترك لمختلف الاضطرابات النفسية: كحالات الاكتئاب النفسي، والوسواس القهري، والخوف المرضي، والهستريا، وتوهم المرض والهوس، والفصام العقلي، وجنون العظمة (البارانويا)
فكل هؤلاء كانوا يعانون من القلق ثم تطورت حالاتهم إلى ما هو أخطر وأشد .
- علاج القلق والاكتئاب -
1. الإيمان بالله تعالى؛ لأن الإيمان يدعو إلى الرضا والثبات والهدوء والسكينة .
2. تقوي الله، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ... } ... ... (الطلاق: 4)
3. ذكر الله تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } ... ... ... ... (الرعد: 28)
4. الصلاة الخاشعة:
قال تعالى: { إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً{19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً{20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً{21}(1/49)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ{22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} ( المعارج:19ـ23)
فقد أخرج أبو داود عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها " ... ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:7892)
5. تلاوة القرآن: قال تعالى: {{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (الإسراء:82)
6. الدعاء واللجوء إلى الله: قال تعالى: { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } (النمل: 62)
7. التوكل علي الله: قال تعالى: { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... } (الطلاق: 3)
8. الصبر، فإنه مفتاح الفرج .
9. القناعة والرضا بالقليل .
10. التذرع بالأمل وعدم الاستسلام لليأس .
11. الاستفادة من تجارب الآخرين .
12. التدرب على العفو والحلم والرحمة وسلامة الصدر .
13. الاسترخاء والتنزه في الأماكن الواسعة حيث الخضرة والهواء النقي .
14. التحلي بروح المرح المباح والتفاؤل ولين الجانب والموضوعية.
15. التفكر في مخلوقات الله الذي يؤدي إلى الصفاء الروحي .
16. عدم الاستسلام لضغوط الحياة وكثرة العمل .
17. اكتشاف أسباب القلق، ومعالجتها بأسلوب هادئ . ... ... (القلق آفة العصر، بتصرف)
18. عش دقائق يومك وساعاته واستمتع بذلك، ولا يؤرقك الماضي، ولا تقلق علي المستقبل
وسلم كل أمورك لله .
19. تذكر عواقب القلق الوخيمة .
20. الشعور بالسعادة طالما أنك مسلم وتحمل شهادة التوحيد فلا يضرك ما وراء ذلك .
21. الاشتغال بالعلوم الشرعية والمادة العلمية الهادفة .
22. لا تهتم بالأشياء التافهة ولا تغضب لأجلها .
23. فكر جيداً قبل الإقدام علي الفعل، ثم عليك بصلاة الاستخارة، وسارع بالتنفيذ مستعيناً بالله ولا تقلق بشأن العواقب .
24. لا تكلف نفسك فوق طاقتك .(1/50)
25. لا تكثر من الشكوى والتأوه، وانظر إلى الحياة بتفاؤل وإيجابية، وركز في إيجابيات الحياة دون سلبياتها .
26. تذكر نعم الله عليك لتشكره عليها وتستمتع بها .
- علاج الغضب -
الغضب غليان دمُ القلب لطلب الانتقام، وهو شعلة من نار، فمتى غضب الإنسان ثارت نار الغضب ثوراناً يغلي به دم القلب وينتشر في العروق ويرتفع إلى أعلي البدن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر، ولذلك يحمر الوجه والعين والبشرة، والغضب داء عضال
ولكن الحبيب - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا كما عند البخاري:
"ما أنزل الله بلاء إلا وأنزل له شفاء"
فمن الأدوية لعلاج داء الغضب:
1ـ ترك الغضب ومجانبته طاعةً للرسول - صلى الله عليه وسلم - وعملاً بوصيته:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أخبرني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر عليّ فأنسى
قال: اجتنب الغضب، ثم أعاد عليه، فقال: اجتنب الغضب . ... ... (السلسة الصحيحة:884)
وأخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :
أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أوصني، قال: لا تغضب، فردد مراراً، قال: لا تغضب .
2ـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :
أخرج البخاري عن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال:
كنت جالساً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلان يستبان، فأحدهما احمرَّ وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد . فقالوا له: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تَعُّوذ بالله من الشيطان
فقال: وهل بي جنون . وفي رواية: أمجنوناً تراني ؟
3ـ الالتزام بالهدي النبوي وذلك عن طريق تغيير الهيئة والحال :
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أبي ذر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/51)
إذ غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع .
4ـ ترك المخاصمة والسكوت :
فقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"علموا وبشروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت "
قال ابن رجب – رحمه الله – كما في جامع العلوم والحكم:
وهذا أيضاً (أي السكوت وترك المخاصمة ) دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يصدر منه حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيراً، من السباب وغيره مما يعظم ضرره فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده، وما أحسن قول مورق العجلي – رحمه الله –: ما امتلأت غضباً قط، ولا تكلمت في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت . أهـ
5ـ الوضوء :
فقد أخرج الإمام أحمد بسند فيه مقال عن عطية السعدي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ . ... (ضعيف الجامع:1510)
وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه، فمن أحس بشيء من ذلك فليلصقه وضوء . ... ... (ضعيف الجامع) .
6ـ استحضار الأجر العظيم لمن كظم الغيظ ومنها:-
أ ـ الفوز بمحبة الله
قال تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
(آل عمران: 134)
ومرتبة الإحسان هي أعلى مراتب الدين
أخرج الحاكم والبيهقي وضعفه عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ثلاثة من كن فيه آواه الله في كنفه، وستر عليه برحمته وأدخله في محبته، قيل: وما هن يا رسول الله ؟ قال: من إذا أعطي شكر وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر".
ب ـ سبب لدخول الجنّة(1/52)
أخرج الطبراني في الاوسط عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:
قلت: يا رسول الله دلني علي عمل يدخلني الجنّة، قال: لا تغضب ولك الجنّة" .
جـ ـ المباهاة علي رءوس الخلائق والفوز بالحور العين
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن عن معاذ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من كظم غيظاً وهو يقدر علي أن ينفذه دعاه الله – عز وجل- علي رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخَيِّرْهُ الله من الحور العين ما شاء" . ... ... ... (صحيح الجامع: 6522)
د ـ النجاة من غضب الله تعالى
أخرج ابن حبان عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال:
قلت يا رسول الله: ما يمنعني من غضب الله ؟ قال: لا تغضب"
وأخرج الإمام مسلم عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال:
كنت أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعت صوتاً من خلفي – اعلم أبا مسعود – فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أنّ الله أقدر عليك منك علي هذا الغلام، قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً .
وفي رواية:
فقلت يا رسول الله هو حُرٌّ لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار"
هـ ـ زيادة الإيمان:
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" ما من جرعة أحب إليّ من جرعة غيظ يكظمها عبد، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً"
و ـ كظم الغيظ من أفضل الأعمال:
أخرج الإمام أحمد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من جرعة أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله " .
7ـ أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ وردِّه:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/53)
"ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:
ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأما المغلوب حين غضبه فليس هو شجاع ولا شديد.
8ـ معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة:
يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:
ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة، وكان نهاية قوة الغضب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنا، جمع الله تعالى بين القتل والزنا، وجعلهما قرينين كما في قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} (الفرقان:68ـ69)
والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي: الغضب والشهوة، من الصلاة والاستعاذة.
- التداوي بألبان الإبل وأبوالها -
أخرج البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
"أن ناساً كان لهم سَقَمٌ، قالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وَخِمة، فأنزلهم الحرَّة في ذود له، فقال: اشربوا من ألبانها، فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا ذوده، فبعث في آثارهم فقطع أيديَهم وأرجلَهم وسَمَرَ أعينهم، فرأيت الرجل يكدم الأرض بلسانه حتى يموت".
وفي رواية أخرى عند البخاري أيضاً:
"أن ناساً اجْتَوَوْا في المدينة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يلحقوا براعيه – يعنى الإبل – فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه، فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم، فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فبعث في طلبهم فجئ بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمَرَ أعينهم".(1/54)
وفي رواية أخرى عند البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال:
"قدم أناسٌ من عُكْلٍٍ أو عُرَينَة فاجْتَوَوْا المدينة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح، وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم - واستاقوا النَّعم".
- التداوي بألبان البقر -
أخرج الطبراني عن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"تداووا بألبان البقر، فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاءً، فإنها تأكل من كل الشجر".
(صحيح الجامع:2929)
وأخرج أبو نعيم والحاكم عن عبد الله بن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"عليكم بألبان البقر، فإنها دواءٌ، وأسمانها فإنها شفاءٌ، وإياكم ولحومها، فإن لحومها داءٌ"
وفي رواية أخرى عن أبى نعيم من حديث صهيب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"عليكم بألبان البقر، فإنها شفاءٌ، وسمنها دواءٌ، ولحمها داءٌ".
(السلسلة الصحيحة: 1533)
قال الألباني في السلسلة الصحيحة (4/47- ح1533):
وقد ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه بالبقر، وكأنه لبيان الجواز، أو لعدم تيسير غيره، وإلا فهو لا يتقرب إلى الله تعالى بالداء، وقال الحليمى: "لحمها داء" وذلك لِيُبْس الحجاز ويبوسة لحم البقر منه، ورطوبة ألبانها وسمنها.
وقال ابن القيم - رحمه الله – كما في زاد المعاد:
لحم البقر باردٌ يابسٌ عسر الانهضام بطيء الانحدار، يولد دماً سوداوياً لا يصلح إلا لأهل الكدّ والتّعب الشّديد، ويورث إدمانه الأمراض السوداوية كالبَهَقِ والجرب والقوباء والجُذام وداء الفيل والسرطان والوسواس وحمّى الرَّبْعِ وكثيرٍ من الأورام، وهذا لمن لم يعتده أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثّوم والدارصينى والزّنْجبيل ونحوه، وذكره أقل برودةً وأنثاه أقل يبساً. ولحم العجل ولاسيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها، وهو حارّ رطبٌ، وإذا انهضم غذّى غذاءً قوياً.(1/55)
- التداوي بالعسل -
قال تعالى في شأن العسل: { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } (النحل: 69)
فالله تعالى سخر النحل ليمتص الرحيق من شتى الأزهار ومن بين النباتات المختلفة؛ ليجمع لنا منه العناصر النادرة التي يحتاجها الجسم ويركزها في العسل، وبذلك يجمع العسل مع كونه طعاماً إلا أنه فيه شفاء، فسبحان الوهاب.
1- أخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي.
تنبيه:
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث عن الكي لأنه ينافي كمال التوكل.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل". (الصحيحة: 244)
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب:
"هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون "
وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال:
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الكي، قال: فابتلينا فاكتوينا، فما أفلحنا ولا أنجحنا، وكان عمران يسمع تسليم الملائكة، فلما اكتوى انقطع عنه، فلما ترك رجع إليه".
فعُلم بهذا أن الكي من الأدوية المكروهة ولكنه مرخصٌ فيه.
فقد أخرج الترمذي بسند صحيح عن أنس - رضي الله عنه - :
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كوى أسْعَدَ بن زُرارَة من الشوكة".
2- أخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن كان في شيء من أدويتكم – أو يكون في شيء من أدويتكم - خيرٌ ففي شرطة محجم، أو شربة عسلٍ، أو لذعةٍ بنارٍ توافق الداء، وما أحب أن اكتوي".
ـ اللذع: هو الخفيف من حرق النار، وهذا خلاف اللدغ: فهو ضرب أو عض ذات السم.(1/56)
3- وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
"أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أخي يشتكى بطنه، فقال: اسقه عسلاً، ثم أتاه الثانية، فقال: اسقه عسلاً، ثم أتاه الثالثة فقال: اسقه عسلاً، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً، فسقاه فبرأ ".
وفي رواية: "إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً " يقولها في كل مرة.
(انظر زاد المعاد:4/ 50-62)
فالعسل يحتوى على عناصر مهمة وهي: عنصر اليود وهو لازم لتكوين هرمون الغدة الدرقية
وعنصر الزنك: والذي يساعد على تكوين مادة قاتلة للميكروبات في غدة البروستاتا للرجل
كما أن العسل يفيد في أمراض الكبد، ومرض البول السكري، ويساعد على منع الالتهابات، وفي علاج الحروق والجروح
ويجلو الأوساخ التي في العروق والأمعاء، ويدفع الفضلات، ويغسل خمل المعدة، ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة والمنافذ.
وأخرج الطبراني عن أبى الأحوص:
"أن رجلاً أتى عبد الله فقال: إن أخي مريض اشتكى بطنه، وأنه يُفتَ له الخمر أفأسقيه ؟
قال عبد الله: سبحان الله! ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور".
(صححه الألباني وإسناده في الصحيح تحت الحديث: 1633)
- التداوي بالحبة السوداء -
والحبة السوداء هي حبة البركة، وهي تسمى الشُّونِيزُ بلغة الفرس، وتسمى الكمون الهندي، ومنافعها جمة، ولذلك شاع استخدامها من كل داء.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما من داءٍ إلا في الحبّة السوداء فيه شفاء إلا السّام"
وفي رواية أخرى عن البخاري:
"في الحبة السوداء شفاءٌ من كل داءٍ إلا السّام"
قال ابن شهاب: السّام: الموت أهـ.
وجاءت الأحاديث تفسر ذلك
أخرج البخاري عن خالد بن سعيد - رضي الله عنه - قال:(1/57)
"خرجنا ومعنا غالب بن أبجر، فمرض في الطريق، فقدمْنَا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبى عتيق فقال لنا: عليكم بهذه الحُبَيْبَة السوداء، فخذوا منها خمساً أو سبعاً فاسحقوها ثم اقْطُروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة - رضي الله عنها – حدثتني أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السّام، قلت: وما السّام ؟ قال: الموت".
وأخرج ابن ماجة عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاءً من كل داءٍ، إلا السّام وهو الموت".
... ... ... ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع: 4083)
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "شفاء من كل داء" مثل قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } (الأحقاف:25)
أي كل شيء يقبل التدمير ونظائره. (زاد المعاد:4/297)
- التداوي بالتلبينة -
أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها –:
"أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض، والمحزون على الهالك، وكانت تقول: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن التلبينة تجمُّ فؤاد المريض، وتذهبُ ببعض الحزن".
ـ التلبينة: قال الأصمعي: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة، ويجعل فيها عسل قال غيره: أو لبن سميت تلبينة لأنها تشبه اللبن في بياضها ورقتها.
وقال ابن قتيبة: وعلى قول من قال: يخلط فيها لبن، سميت بذلك لمخالطة اللبن لها.
وقال أبو نعيم في الطب: هي دقيق بحت، وقال قوم: فيه شحم.
قال ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد:
وهذا الأمر إن استغربه بعض الناس لكنه حق وصدق مادام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم - والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها، وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور من الأغذية المفرحة والله أعلم.
(زاد المعاد لابن القيم:5/120)
ويقول ابن القيم – رحمه الله – أيضاً كما في زاد المعاد:(1/58)
"وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج، لا الغليظ النيئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينه وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحاً، والتلبينة تطبخ منه مطحوناً، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيراً في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحوناً لا صحاحاً، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلاً، وأعظم جلاءً، وإنما اتخذه أطباء المدن صحاحاً؛ ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها.
والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخاً صحاحاً ينفذ سريعاً، ويجلو جلاء ظاهراً، ويغذى غذاء لطيفاً، وإذا شرب حاراً كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيها: "مجمة لفؤاد المريض":
يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي: تريحه وتسكنه من الإجمام وهو الراحة، فالتلبينة تريح فؤاد المريض وتزيل عنه الهم وتنشطه.
وقوله: "تذهب ببعض الحزن" هذا – والله أعلم – لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوى الحرارة الغريزية بزيادة مادتها: فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن.
وقد يقال – وهو الأقرب-: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية... والله أعلم(1/59)
وقد يقال: إن قوى الحزين تضعف باستيلاء اليبس على أعضائه، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، وهذا الحساء يرطبها، ويقويها، ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيراً ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك في المعدة ويسروه ويحدره، ويميعه، ويعدل كيفيته، ويكسر سورته فيريحها، ولاسيما لمن عادته الاغتذاء بخبز الشعير، وهي عادة أهل المدينة إذ ذاك، وكان هو غالب قوتهم، وكانت الحنطة غريزة عندهم ... والله أعلم.
ثم قال ابن القيم – رحمه الله –:
فإنه من أنفع الأغذية للناقة، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطف والتلبين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقة، ولاسيما إذا طبخ بأصول السلق، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه.
وأخرج الترمذي من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصُنع، ثم أمرهم فحسّوا منه، وكان يقول: إنه ليرتق".
وفي رواية أحمد وابن ماجة: "إنه ليرتو فؤاد الحزين، ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها".
ـ يرتو أو يرتق: أي يشد ويقوى. ـ يسرو: يكشف ويزيل.
وقد تقدم أن هذا هو ماء الشعير المغلي، وهو أكثر غذاءً من سويقه، وهو نافع للسعال، وخشونة الحلق، صالح لقمع حدة الفضول، مدرٌّ للبول، جلاء لما في المعدة، قاطع للعطش، مطفئ للحرارة، وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل.
وصفته:
أن يؤخذ من الشعير الجيد الموضوض مقدار، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله، ويغلى في قدر نظيف، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه ويصفى، ويستعمل منه مقدار الحاجة محلاً. أهـ
(من كلام ابن القيم كما في زاد المعاد)
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - :(1/60)
"أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن-إلا أهلها وخاصتها – أمرت ببُرْمةٍ من تلبينةٍ فطبخت، ثم صنع ثريد فصبَّت التلبينة عليها، ثم قالت: كُلْن منها، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: التلبينة مُجمَّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن".
ـ ثريد: خبز يفتت ثم يبل بمرق.
وأما عن طريقة طبخه لمريض الجسد أو لمحزون القلب
يقول ابن حجر- رحمه الله – كما في فتح الباري (147):
ولعل اللائق بالمريض، ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً، وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً.والله أعلم.أهـ
أهمية الشعير (التلبينة) في علاج كثير من الأمراض:
قال الموفق البغدادي كما في الفتح (10/155):
إذا شئت معرفة منافع التلبينة فاعرف منافع ماء الشعير، ولاسيما إذا كان نخالة، فإنه يجلو وينفذ بسرعة، ويغذى غذاءً لطيفاً، وإذا شرب حاراً كان أحلى وأقوى وأنمى للحرارة الغريزية. أهـ
أهمية الشعير في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية:
فالشعير له أهمية كبرى في علاج أمراض القلب وضغط الدم والكوليسترول، ولكن قبل الكلام عن أهمية الشعير لأمراض القلب وضغط الدم هناك سؤال يتردد في أذهان البعض ما هو الكوليسترول ؟
الكوليسترول: هو ذلك الدهن الحيواني الذي نتناوله في طعامنا ويجرى في دمائنا وله حد طبيعي ونسبة طبيعية في الجسم، إذا زادت هذه النسبة فإن جزءً من هذه الزيادة يلتصق ويترسب على جدار الشرايين فإذا استمرت الترسيبات على جدار الشرايين تصبح مجاري الشرايين ضيقة تدريجياً، وتحد من حرية وسرعة جريان الدم الواصل من الشرايين إلى عضلة القلب، فإذا حدث انسداد للشرايين تكون نتيجة ذلك جلطة في القلب فزيادة الكوليسترول يؤدي للإصابة بمرض القلب، ويتميز الشعير بفاعليته الفائقة في تقليل مستويات الكوليسترول في الدم بما يحتويه من مركبات كيميائية لذلك يعتبر الشعير علاجاً لأمراض القلب.
الشعير وأمراض ضغط الدم:(1/61)
أكدت الأبحاث أن تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر البوتاسيوم تقي من الإصابة من ارتفاع ضغط الدم، ويحتوى الشعير على عنصر البوتاسيوم، حيث إن البوتاسيوم يخلق توازناً بين الملح والمياه داخل الخلية.
وكذلك فإن الشعير له خاصية في إدرار البول، حتى إن هناك أدوية تعمل على إدرار البول وهي أشهر الأدوية المستعملة لمرضي ضغط الدم.
ورضي الله عن عائشة: فقد كانت تأمر بالتلبينة وتقول:"هو البغيض النافع"
أي ربما يبغضه المريض وهي نافعة له.
ثانياً: علاقة الشعير بالحزن(الاكتئاب خلل كيميائى):
1ـ البوتاسيوم والاكتئاب
في حالة نقص البوتاسيوم يزداد شعور الإنسان بالاكتئاب والحزن، ويجعله سريع الغضب والانفعال والعصبية.
وتشير الدراسات العلمية أن المعادن مثل: البوتاسيوم والماغنسيوم لها تأثير على الموصلات العصبية التي تساعد على التخفيف من حالات الاكتئاب، وتحتوي حبة الشعير على عنصر البوتاسيوم والماغنسيوم.
2ـ فيتامين "B " والاكتئاب:
تقول أحد التقارير العلمية: يشعر الإنسان بالميل للاكتئاب، وقد يكون أحد مسببات أعراض الاكتئاب هو تأخر في العملية الفسيولوجية لتوصيل نبضات الأعصاب الكهربية، وهذا يسبب نقص فيتامين ""B ولذلك يجب مراعاة زيادة الكمية المأخوذة من بعض المنتجات، وأشار التقرير العلمي إلى أن الشعير ضمن هذه المنتجات.
مضادات الأكسدة والاكتئاب والشيخوخة:
إن إعطاء جرعات مكثفة من مجموعة معينة من العقاقير التي باسم مضادات الأكسدة (فيتامينA،E) ، تساعد في شفاء حالات الاكتئاب لدى المسنين في فترة زمنية قصيرة تتراوح من شهر إلى شهرين، وتمتاز حبة الشعير بوجود مضادات الأكسدة، مثل (فيتامين E , A) .
الشعير والميلاتونين:
أولاً: تعريف الميلاتونين: هو هرمون يفرز من الغدة الصنوبرية الموجودة في المخ خلف العينين، وأعلى معدل للإفراز يكون أثناء الليل، ويقل إفراز الميلاتونين كلما تقدم الإنسان في العمر.(1/62)
وترجع أهمية الميلاتونين للإنسان إنها تقيه من أمراض القلب، وتخفض نسبة الكوليسترول في الدم، وتعمل على خفض ضغط الدم، ولها علاقة أيضاً بالشلل الرعاش عند كبار السن والوقاية منه، وتزيد مناعة الجسم، وتقي الإنسان من اضطرابات النوم، والسرطان، وتعالج حالات الاكتئاب، وتعمل على تأخير ظهور أعراض الشيخوخة... الخ.
وقد حبا الله - عز وجل - بعض الأغذية الطبيعية بتوفر الميلاتونين الطبيعي غير الضار، وعلى رأسها الشعير.
ومن هديه - صلى الله عليه وسلم - في أكل الخبز: ما رواه الإمام أحمد عن عروة عن عائشة
-رضي الله عنها- أنها قالت: "..ولا أكل خبزاً منخولاً منذ بعثه الله إلى أن قبض".
وروى الترمذي بسند عن سليم بن عامر سمعه أبو أمامة يقول:
"ما كان يفضل عن أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبز الشعير".
ويستخدم دقيق الشعير في صناعة الخبز والفطائر والحلوى والكيك بمفرده، أو يخلطه مع دقيق القمح.
أما بالنسبة لبرغل الشعير فهو يستخدم في إنجلترا واسكندنافيا بكثرة في صناعات عديدة مثل: اللدائن والحلوى والفطائر.
كما يستخدم رقائق الشعير في وجبات الإفطار، وهي منتشرة في أوروبا بكثرة، وأيضاً يستخدم كغذاء للأطفال الرضع، ويستخدم الشعير اللؤلؤي في كثير من الأطباق الرئيسية بجانب استخدامه في الفطائر، ويدخل أيضاً في صناعة الحلوى.
وفي الولايات المتحدة يوجد كثير من الوصفات المختلفة التي يدخل في صناعتها محصول الشعير، وعليها إقبال شديد من المواطنين كوجبات رئيسية نتيجة للقيمة الغذائية والصحية العالية كما ذكرنا من قبل، بالإضافة إلى مذاقه المثير لدى الذوق الأوروبي والأمريكي.
وأظهرت نتائج البحوث: الفوائد الصحية العديدة مثل خفض الكوليسترول وتقليل الإصابة بسرطان القولون، وتقليل الإصابة بأمراض القلب.
الأبحاث التي قام بها معهد البحوث الزراعية بجامعة ألبرتا. كندا.(1/63)
عنوان البحث: أهمية الأغذية المحتوية على منتجات الشعير على صحة مرضي السكر
NIDDM)) " النوع الثاني غير الوراثي".
هدف البحث: تحديد أهمية استخدام منتجات الشعير المحتوية على نسبة عالية من الألياف وتأثيرها على نسبة السكر والدهون في الدم على المدى البعيد.
نتائج البحث: لوحظ أيضاً نقص في الشعور بالجوع عند منتصف النهار ومنتصف الليل عند مرضي السكر خلال فترة الدراسة. ويمكن الاستفادة من هذا في علاج البدانة أو الوزن الزائد لدى مرضى السكر بتنظيم الطاقة والسعرات الحرارية المطلوبة للجسم، دون التعرض للبدانة من خلال غذاء الشعير.
والنتيجة النهائية: من هذا البحث توضح أهمية غذاء الشعير كوسيلة لزيادة كمية الألياف المطلوبة للجسم القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، وبالتالي الاستفادة من القيم الغذائية والفوائد الموضحة سابقاً على المدى البعيد، وهي المتحكم في نسبة السكر في الدم، وضغط الدم، ونسبة الدهون في الدم، ومعنى هذا أن خبز الشعير ومنتجات الشعير مهمة لصحة مرضي السكر. (انتهت الترجمة).
الأبحاث التي قام بها معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية (Food Quality 99)
أظهرت الاختبارات البيولوجية أن الخبز المضاف 20% شعير، 5 % دقيق صويا مع دقيق القمح المدعم بمركز الفيتامينات والحديد؛ يؤدى لنقص معنوي لمستوى الجلوكوز والكوليسترول الكلى والجلسريدات الثلاثية والليبيدات، وكلاً من وظائف الكبد G.OT , G.P.T) ) ووظائف الكلى (Uric Acid & blood urea) بالدم.
ومن فوائد الشعير الأخرى: أنه مقوٍّ عام للأعصاب، ومدر للبول، وملبن وملطف ومرطب، ومنشط للكبد، ومكافح للإسهال.(1/64)
ويوصف الشعير لأمراض الصدر (السل، الرشح المستعصي)، ولأمراض الضعف العام، وبطء النمو (عند الأطفال)، وضعف المعدة والأمعاء، وضعف الكبد، وضعف إفراز الصفراء، كما يوصف لالتهاب الأمعاء، وكذلك أمراض التيفويد والإمساك المزمن، وأمراض التهابات المجارى البولية (التهاب المثانة، التهاب الكلى)، والحميات، وارتفاع ضغط الدم كما أن مغلي الشعير يستعمل (غرغرة).
طريقة الاستعمال:
كوب ماء كبير وملعقة كبيرة من محتويات الكيس (التلبينة) ثم يقلب جيداً ثم يوضع على النار حتى يغلى جيداً، ثم يصفى ويحلى بالسكر، ويفضل أن يحلى بالعسل الأبيض لما فيه من الفضل والشفاء ففي صحيح البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الشفاء في ثلاث: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي"
وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - العسل على الحجامة وعلى الكي؛ نظراً لسرعة هضمه وسريانه في الدم، وكذلك سرعة تأثر الدم به، ويفضل أيضاً لبن البقر لما فيه من الشفاء والفوائد الجمة
يقول ابن القيم (الطب النبوي):
لبن البقر يغزو البدن ويخصبه ويطلق البطن باعتدال، وهو من أعدل الألبان وأفضلها بين لبن الضأن ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسم.
وفي السنن (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني) من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عليكم بألبان البقر فإنها تدم [تأكل] من كل الشجر"
فهذا يدل على كثرة فوائد لبن البقر خاصة لما دل عليه الحديث الشريف والذي لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى.
- التداوي بالحِجامة -
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتداوى بالحجامة
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما –:
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وأعطى الحجّام أجره"
وفي رواية أخرى عند البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه - أنه قال:(1/65)
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتجم ولم يكن يظلم أحداً أجره".
وأخرج ابن ماجة عن جابر - رضي الله عنه - :
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم على وركه من وَثْءٍ كان به". (صحيح ابن ماجة:907)
ـ الوَثْء: وجع يصيب العضو من غير كسر.
وأخرج ابن ماجة أيضاً عن أبى كبشة الأنْمَارِي - رضي الله عنه - :
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجم على هامته وبين كتفيه ويقول: من أهرَاقَ منه هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء". (صحيح الجامع: 4962)
- بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأذن لأهل بيته أن يتداوى بالحجامة
- فقد أخرج الإمام مسلم:
"أن أم سلمة – رضي الله عنها – استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحجامة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا طيبة أن يحجمها".
- فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتجم ويوصي بالحجامة لأنها خير ما نتداوى به.
فقد أخرج الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح من حديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"خير ما تداويتم به الحجامة". (صحيح الجامع:3323، والصحيحة: 1003)
وفي لفظ آخر عند أحمد أيضاً:
"أن خير ما تداوى به الناس الحَجْمِ" (الصحيحة:1176)
أخرج البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن أفضل ما تدوايتم به الحجامةُ، أو هو من أمثل دوائكم"
وأخرج البخاري: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، " وقال" لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العُذرةِ".
وفي رواية أخرى عند أحمد بسند صحيح عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"خير ما تداويتم به الحجامة والقُسْط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز".
(السلسلة الصحيحة:1054)(1/66)
ـ القسط: عقار معروف في الأدوية طيب الريح، تبخر به النفساء والأطفال.
ـ الغمز: يعنى غمز لهاة الصبر إذا سقطت بالإصبع.
وأخرج البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/170):
ولم يُرد النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصر في ثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبه بها على أصول العلاج، وذلك أن الأمراض الامتلائية تكون دموية وصفراوية وبلغمية وسوداوية.
وشفاء الدموية بإخراج الدم، وإما الامتلاء الصفراوى وما ذكر معه فدواؤه بالمسهل، وقد نبه عليه بذكر العسل، أما الكي فإنه يقع آخراً لإخراج ما يتعسر إخراجه من الفضلات.
وفي حديث آخر عند البخاري ومسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن كان في شيء من أدويتكم – أو يكون في شيء من أدويتكم – خير ففي شرطة مِحجم أو شربة عسل، أو لَذْعةٍ بنارٍ توافق الداء، وما أحب أن اكتوى".
وبهذا يُعلم أن الحجامة خير ما يتداوى بها الإنسان، بل وصل من فضلها وعظيم قدرها أن الملائكة كانت توصي بها النبي أن يأمر أمته بها وذلك في رحلة المعراج.
فقد أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال:
"حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به أنه لم يمر على ملأ من الملائكة إلا أمروه: أن مُرْ أمتك بالحجامة". (صحيح ابن ماجة: 2802)
وعند أحمد والحاكم بسند حسن عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير يومٍ تحتجمون فيه سبع عشرة، وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررتُ بملأٍ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد".
(صحيح الجامع:3332، الصحيحة:1847)
تنبيه(1/67)
الحجامة تكون يوم الاثنين والثلاثاء والخميس في اليوم السابع عشر أو التاسع عشر أو إحدى وعشرين.
أخرج أبو داود بسند حسن عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين كان شفاءً من كل داءٍ".
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين".
وأخرج ابن ماجة والحاكم بسند صحيح عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الحجامة على الريق أمثل، وهي تزيد في العقل، وتزيد في الحفظ، وتزيد الحافظ حفظاً فمن كان محتجماً فيوم الخميس على اسم الله، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، فإنه اليوم الذي أصيبَ فيه أيوب بالبلاء، وما يبدو جذامٌ ولا برصٌ إلا في يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء". (صحيح ابن ماجة: 2810، صحيح الجامع:3169)
وفي رواية أخرى قال - صلى الله عليه وسلم - : "الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء، فإنه اليوم الذي أصيبت فيه أيوب ، وما يبدو جذامٌ ولا برصٌ إلا في يوم الأربعاء أو في ليلة الأربعاء".
(صحيح ابن ماجة:2810)
- التداوي بالقسط البحري (العود الهندي) -
عود القسط Costus
أخرج البخاري ومسلم من حديث أم قيس – رضي الله عنها – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفيةٍ يستعط به من العذرة ويُلَدُّ به من ذات الجنب". (صحيح الجامع:4082)(1/68)
وقال أيضاً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري". ... ... ... ... ... (متفق عليه).
لاشك أن الكلمة الجامعة والحكمة المختصرة في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تعنى مثالية القسط البحري كدواء لكل داء بدون الأضرار الكيميائية والآثار الجانبية (سبعة أشفية لجميع أمراض الإنسان).
ويحتوى القسط البحري على مادة الهيلينين وحمض البنزوات، وكلاهما من المواد القاتلة للجراثيم ويحتوى أيضاً على الكثير من المواد الفعالة الأخرى.
ولذا يفضل عدم تحليته بالسكر لاستخدام الكلور في تبييض السكر.
طرق الاستعمال:
من مجموع الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها والأحاديث الأخرى، قال صاحب فتح الباري: .
"إن السبعة أشفية هي سبعة أصول، صفة التداوي بها إما شرب أو لدود أو سعوط أو طلاء أو تبخير أو تكميد أو تنطيل".
1- الشرب: وذلك بطحنه وخلطه مع الماء والشرب منه على قدر المستطاع، وهذا لكافة الأمراض كأصل مشترك هو واللدود مع الأصول الأخرى، ونذكر هنا ما ذكر من إذابته للجلطة وفائدته للإخصاب ومشاكل الطمث ولإدرار البول وأمراض الكلى والكبد وسائر أعضاء الجهاز الهضمي ولسرطان الفم والكوليرا وللرعشة ولاسترخاء الأعصاب وعرق النسا ولتليين الطباع، وجيد للدماغ ومحرك للشهوة ومنشط للجسم وللاستسقاء وقتل ديدان الأمعاء ودفع السم، وللحمى وتقوية المعدة وللأورام ولتقوية جهاز المناعة ولمعالجة نقص المناعة المكتسبة وللنفساء ولمعالجة الإمساك والإسهال وفاتح للشهية ولإبطال السحر.
2- اللدود: وهو وضع جزء مطحون منه أو شربه من أحد شقي الفم، وهذا لأمراض الجنب كالتهاب الغشاء البللوري وأمراض الرئة عامة.
3- السعوط: وهو استنشاق جزء مطحون منه عن طريق الأنف (يستعطى)، وهذا لأمراض الجهاز التنفسي عامة كالربو والسل ونزلات البرد والتهاب اللوز (العذرة) والتهاب الحلق والبلعوم وللسعال والحمى.(1/69)
4- الطلاء (الدهان): ويحول القسط البحري إلى دهان كالآتي:
- تقطع عيدان القسط البحري قطع صغيرة ثم توضع في زيت زيتون فلسسطيني لمدة 15 يوم ثم يرفع منه ويترك ليجف لمدة بسيطة، ثم يعصر لاستخراج الزيت، وسيكون محملاً بخلاصة محتوياته وفوائده، حتى الزيت الذي نقع فيه لا يخلو أيضاً من فوائد القسط البحري. ويتم دهن المكان المصاب بعد ذلك كأماكن الروماتيزم وآلام الظهر والمفاصل وللثعلبة والأكزيما وسائر الأمراض الجلدية.
5- التبخير: ذكر الإمامين البخاري ومسلم في صحيحهما عن عدم حداد المرأة فوق ثلاث إلا على زوجها. قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لا تمس طيباً إلا أدنى طهرها إذا طهرت نبذة من قسط وأظفار". فبخور القسط البحري ذو رائحة هادئة طيبة ومطهرة ومعطرة للبدن أيضاً، لذا سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "طيباً"، ولا مانع أن يتبخر به الرجال والأطفال أيضاً ما دام من صنف الطيب، وقد وردت أحاديث أخرى تفيد ذلك.
6- التكميد: وهو طحنه وخلط قدر مطحون منه مع قليل من الماء والعسل (لبخة)، ثم وضعه على أماكن الحروق والجروح والبثور والدمامل وذلك ككماد، ويوضع أيضاً على أماكن الكلف فيزيله بإذن الله.
7- التنطيل: والتنطيل جاء من "النطل" وهو رش أو غسل الجسم بالماء، وإن كان هذا الماء مشوب بالقسط فإنه سيكون مفيد لقتل الجراثيم والبكتيريا العالقة بجسم الإنسان، وخاصة أماكن الإبطين وبين الفخذين وفروة الرأس وسائر البدن، وكذلك يستخدم كمطهر بصفة عامة.
- العلاج بماء زمزم -
1- أخرج الترمذي بسند صحيح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله عنها –: "أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحمل ماء زمزم في الأوادي والقِرب، وكان يصب على المرضي ويسقيهم". (السلسلة الصحيحة:883)
2- وأخرج الإمام مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في ماء زمزم:(1/70)
"إنها مباركة إنها طعامٌ طَعمٍ [وشفاء سقمٍ] "
وما بين المعكوفتين عند البزار والبيهقي والطبراني بسند صحيح.
3- وأخرج ابن حبان والطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "خير ماءٍ على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعامٌ من الطُّعْمِ وشفاءٌ من السُّقْمِ". ... ... ... (صحيح الجامع:3322)
وفي لفظ آخر عند البزار عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " زمزم طعامٌ طعمٍ وشفاء سقمٍ"
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (صحيح الجامع:3572)
4- وأخرج ابن ماجة وأحمد بسند حسن عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ماء زمزم لما شرب له".
فإذا شربت ماء زمزم تستشفي به شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله وإن شربته لقطع ظمأك قطعه الله، وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله.
لذا جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الدارقطني بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله، وإن شربته يقطع ظمأك قطعه الله، وهي هَزَمَةُ جبرائيل - عليه السلام - وسقيا الله إسماعيل - عليه السلام - ".
لذا كان ابن عباس – رضي الله عنهما – إذا شرب زمزم قال:
"اللهم إني أسالك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كل داء". (أخرجه الحاكم)
يقول ابن القيم – رحمه الله – كما في زاد المعاد (4/393):
وقد جربت أنا وغيري في الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله.
وقفة
جاء في كتاب العائدون إلى الله لمحمد بن عبد العزيز المسند صـ 93-97 قصة ملخصها:(1/71)
أن امرأة مغربية تدعى "ليلى الحلو" أصيبت بالسرطان، وفي وقت كانت فيه غافلة عن الله تعالى، فكرت في الهروب لكن إلى أين؟ فالمرض معها أينما ذهبت، فكرت في الانتحار لكنها لم تقدم على ذلك، ليس خوفاً من الله لكن ألماً على فراق الزوج والأولاد، ووصلت إلى بلجيكا مع الزوج طلباً للعلاج، ولكن الأطباء قالوا للزوج: لابد من إزالة الثدي واستعمال الكيماوي، وسيؤدي ذلك إلى سقوط شعر الرأس والرموش والحاجبين ويسقط الأظافر والأسنان، فرفضت ليلى العلاج ورجعت إلى بلدها المغرب، وبعد ستة أشهر ازدادت الآلام ونقص الوزن وتغير اللون، ونصح الأطباء زوجها بالذهاب إلى بلجيكا مرة أخرى، ففعل، وكانت هناك المفاجأة!! حيث أخبره الأطباء أن الورم انتشر حتى وصل إلى الرئتين، ونصحه الأطباء أن يأخذ زوجته ويرجع إلى بلده حتى تموت هناك، لكن بدلاً من الذهاب إلى بلد المغرب ذهب إلى فرنسا لاستئصال الثدي واستخدام الكيماوي بعدما كان هناك رفض شديد لهذا، لكن لم يفلح الزوج في إدخال زوجته المستشفي، وهنا انقطعت السبل وفشلت الحيل، لكن قد يبتلى العبد ببلاء هو عن عافيته، حيث انقطع الرجاء في الخلق فلم يبق إلا الإقبال على الخالق وحده فيقبل العبد على الله تعالى بالتوبة والأوبة. وهذا ما كان من الزوجين حيث قرر الزوج الذهاب إلى بيت الله الحرام،
تقول الزوجة: "خرجنا من باريس ونحن نهلِّل ونكبِّر، وفرحت كثيراً لأنني لأول مرة سأدخل بيت الله الحرام وأرى الكعبة"، فلما دخلت ورأت الكعبة بكت بكاءً شديداً وقالت: يا رب
لقد استعصى علاجي على الأطباء، وأنت منك الداء ومنك الدواء، وقد أغلقت في وجهي جميع الأبواب وليس لي إلا بابك فلا تغلقه في وجهي، ثم طافت حول البيت وهي تسأل الله كثيراً، وطلبت من زوجها أن يسمح لها بالبقاء في الحرم وعدم الرجوع إلى الفندق، فقد شعرت براحة عجيبة ولذة حرمت منها كثيراً فأذن لها الزوج.(1/72)
فجلست تذكر الله وتدعوه وهي تبكي، وكان بجوارها بعض الأخوات المصريات والتركيات فلما سألوها عن سبب بكائها ؟ أخبرتهم عن سبب ذلك أنها كانت في غفلة عن الله، والحمد لله أن رجعت إليه قبل أن يقبضها وهي عاصية ثم أخبرتهم بمرضها.
فأشارت إليها الأخوات أن تشرب من ماء زمزم كثيراً وتضلع منه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر وهو الصادق فقال: "ماء زمزم لما شرب له" وأشرن عليها أنك إن شربتيه بنية الشفاء شفاك الله، فأخبرتهن:
"أن هناك كويرات وأورام بدأت تنتشر في جسدي وهذه علامة على انتشار المرض" ، لكن أخذت بنصيحتهن وشربت وتضلعت وغسلت جسدها وفعلت هذا مراراً وتكراراً وهنا حدث أمرٌ عجيب.
حيث ذهبت كل الكويرات وذهب الورم ولم تشعر بألم، فاندهشت في أول الأمر فأدخلت يدها في قميصها فلم تجد تلك الأورام فارتعشت، ولكن تذكرت أن الله على كل شيء قدير.
تقول الزوجة: فطلبت من إحدى رفيقاتي أن تلمس جسدي وأن تبحث عن هذه الكويرات، فصحن كلهن دون شعور: الله أكبر الله أكبر.
فانطلقت لأخبر زوجي ودخلت الفندق، فلما وقفت أمامه صرخت وقلت: انظر رحمة الله، وأخبرته بما حدث، فلم يصدق ذلك وأخذ يبكى ويصيح بصوت عالٍ، ويقول: لقد أقسم لي الأطباء أن ستموتين بعد ثلاثة أسابيع فقط،
قالت: إن الآجال بيد الله تعالى ولا يعلم الغيب إلا الله، ومكثت هذه الزوجة في بيت الله أسبوعاً كاملاً، ثم زارت المسجد النبوي مع زوجها، ورجعا إلى فرنسا وهناك حار الأطباء وصاروا يسألونها أنت فلانة ؟ فقالت: نعم.
فالوا: إن حالتك غريبة وإن الأورام قد زالت، فلابد من إعادة الفحص، فأعادوا الفحص مرة ثانية وثالثة ورابعة فلم يجدوا شيئاً، ثم قالت: وبعد ذلك كنت أبحث عن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن سيرة أصحابه – رضي الله عنهم – وأبكي كثيراً، كنت أبكي ندماً على ما فاتني من حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى تلك الأيام التي قضيتها بعيدة عن الله - عز وجل - .(1/73)
وأسأل الله أن يقبلني وأن يتوب علىّ وعلى زوجي وعلى جميع المسلمين. أهـ
- التداوي من الحُمَّى -
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الحُمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء".
وعند البخاري ومسلم عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"إن الحمى فور من فور جهنم، فأبردوها بالماء".
وعند الترمذي بسند صحيح عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"الحمّى فورٌ من النار، فأبردوها بالماء".
وعند البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"إن الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها عنكم بماء زمزم".
وعند البخاري أيضاً عن أسماء بنت أبى بكر – رضي الله عنهما-:
"أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها
وتقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أبردوها بالماء وإنها من فيح جهنم".
والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنبعث منه وسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، ومنها ما يسخن البدن كله، وقد أمرنا رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بإبرادها بالماء
والطب الحديث يأمرنا بكمّادات الماء البارد وأنها أسرع وأفضل الطرق لمعالجة الحمى (ارتفاع درجة الحرارة) وتوضع تلك الكمادات على الجبهة والأطراف، ويُنصح أيضاً في هذه الحالات بتناول كميات كبيرة من السوائل الباردة عن طريق الفم.
- التداوي بالحِنَّاء -
أخرج الترمذي عن علىٍّ بن عبيد الله - رضي الله عنه - عن جدته سلمى – رضي الله عنها – وكانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت:
"ما كان يكون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرْحةٌ ولا نكبةٌ إلا أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أضع عليها الحناء".
وأخرج الطبراني في الكبير وأحمد وفي مستدرك الحاكم عن سلمى امرأة أبى رافع
– رضي الله عنها – قالت:(1/74)
"كان إذا اشتكى أحدٌ رأسه قال: اذهب فاحتجم. وإذا اشتكى رجله قال: اذهب فاخضبها بالحنّاء".
وفي سنن ابن ماجة بسند صحيح عن سلمة - رضي الله عنه - قال:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصيبه قرحةٌ ولا شوكة إلا وضع عليها الحنّاء".
? ملحوظة:
خضب اليدين والرجلين بالنسبة للرجال لا يجوز إلا للضرورة كالتداوي - كما مر بنا –
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:
"أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما بال هذا ؟
فقيل : يا رسول الله، يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى البقيع، قالوا: يا رسول الله،
ألا نقتله ؟ قال: إني نهيت عن قتل المصلين".
قال الحافظ في فتح الباري (10/376):
وأما خضب اليدين والرجلين، فلا يجوز للرجال إلا في التداوي . أهـ
- التداوي بالإثمد (الكُحل) -
الإثمد: هو الكحل الأسود، وقيل: الأصفهاني، إذ يؤتى به من أصفهان
يُكتحَل به فيؤدى إلى نفع العين بتقوية أعصابها، وتنقية أوساخها ويذهب القروح ويدملها.
وقد قيل: إن الإثمد ينبت الهدب، ويحسن العيون، ويحبب إلى القلوب.
فقد أخرج أبو داود والترمذي وأحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم
الإثمد يجلو البصر وينبت الشعر".
وأخرج أبو داود والحاكم في مستدركه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"عليكم بالثياب البياض يلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم، وعليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، ويثبت الشعر"
وفي رواية أخرى عند الطبراني وابن ماجة:
"خير ثيابكم البياض، فكفنوا فيها موتاكم وألبسوها أحياءكم، وخير أكحالكم الإثمد ينبت الشعر، ويجلو البصر". (صحيح الجامع:3305)
? ملحوظة:
جاء في مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال:(1/75)
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اكتحل اكتحل وتراً، وإذا استجمر استجمر وتراً".
قال الألباني – رحمه الله – كما في صحيح الجامع (805):
اكتحل وتراً: أي في العين اليمنى، وأما اليسرى فمرتين، كما جاء مفصلاً في بعض الأحاديث الصحيحة.
(راجع الأحاديث الصحيحة:633).
- التداوي من القرح والجروح -
فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها –:
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه أو كانت به قُرحةٌ أو جُرحٌٌ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصبعه هكذا – ووضع سفيان ابن عيينة الراوي سبّابته بالأرض، ثم رفعها – وقال: "بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يُشْفَى سقيمنا بإذن ربنا".
قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا: جملة الأرض، وقيل: أرض المدينة خاصة لبركتها.. والريقة أقل من الريق..
ومعنى الحديث: أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح.
(انظر شرح الترمذي على صحيح مسلم:14/184، وفتح الباري:10/208، وزاد المعاد:4/186).
ويكون التداوي أيضاً بالرقية
فقد أخرج الإمام مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:
"رخَّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرقية من العين والحُمَّة والنّملة".
ـ النملة: قروح تخرج من الجنبين، وهو داء معروف، وسمي نملة؛ لأن صاحبها يحس في مكانه كأنه نملة تدب عليه وتعضّه. (الطب النبوي لابن القيم صـ249، النهاية لابن الأثير)
وأخرج أبو داود والحاكم وابن أبى شيبة عن الشفاء ابنة عبد الله قالت:
"دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعدة عند حفصة بنت عمر، فقال لي: ما تمنعك أن تعلمي هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة".
(صححه الألباني – رحمه الله – في سنن أبى داود)
- التداوي من لدغة الحيّة والعقرب -(1/76)
والتداوي من ذات السموم عن طريق الرقية الشرعية
فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا رقية إلا من عينٍ أو حمةٍ" (صححه الألباني في صحيح الترمذي)
الحُمَّة: كل لدغة فيها سم من ذوات السموم، كلدغة الحية والعقرب وغيرهما.
? ملحوظة:
لم يرد بالحديث نفي الرقية في غيرها، بل المراد لا رقية أولى وأنفع منها في العين والحمة
(أفاده ابن القيم – رحمه الله – كما في الطب النبوي صـ119)
وأخرج البخاري عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال:
"سألت عائشة – رضي الله عنها – عن الرقية من الحُمَّة قالت: رخّص النبي - صلى الله عليه وسلم - الرقية من كل ذى حمةٍ".
وأخرج الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله قال:
"أرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في رقية الحية لبنى عمرو، ثم قال: لدغت رجلاً منا عقربٌ ونحن جلوسٌ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رجل: يا رسول الله أرْقى ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل".
ولعلاج اللسعة واللدغة
* تقرأ فاتحة الكتاب مع جمع البزاق وتفله على اللدغة أو اللسعة.
فقد أخرج البخاري عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - :
"أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا علي حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ (1) سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواءٍ أو راقٍ ؟
فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلاً (2) ، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء
فجعل يقرأ بأم القرآن (3) ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فضحك، وقال: وما أدراك أنها رقية ؟ خذوها واضربوا لي بسهم"
__________
(1) )) لُدِغَ: أي لدغته عقرب كما في رواية الترمذي.
(2) )) جُعلاً: أي أجرة، وقد أعطوهم ثلاثين شاة كما في رواية أخرى للبخاري.
(3) )) أم القرآن: أي الفاتحة.(1/77)
وفي رواية الترمذي: "أنه قرأ الفاتحة سبع مرات".
* يمسح على مكان اللدغة واللسعة بماءٍ وملح، مع قراءة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ... ، والمعوذتين.
كما ذكر هذا عند الطبراني في المعجم الصغير بسند حسن.
الرقية الوقائية من العقرب والحية:
أخرج أبو داود وابن ماجة بسند حسن عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:
"لدغت عقربٌ رجلاً فلم ينم ليلته فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن فلاناً لدغته عقربٌٌ فلم ينم ليلته، فقال - صلى الله عليه وسلم - : أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق، ما ضرّه لدغ عقربٍ حتى يصبح". (حسن الألباني في صحيح سنن أي داود)
وأخرج الإمام مسلم عن خولة بنت حكيم السّلميّة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".
- التداوي بالصبر -
أخرج الإمام مسلم وغيره عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - :
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل يشتكى عينيه وهو محرم: ضمدها بالصبر".
ـ ضمدها: الضماد هو العصابة، وهي التي تشد على الجرح.
ـ الصبر: نبت مر، يحصد ويعصر، ويترك حتى يجف، وأجود ما يجلب من ساحل اليمن، يدفع ضرر الأدوية إذا خلط معها، وينفع في ورم الجفن ويفتح سدد الكبد، وينفع في الصداع إذا طلي على الجبهة والصداغ ومعه دهن الورد، ويستخرج من أوراق بعض أنواعه مادة جلوكوسيد يطلق عليها اسم صبارين، وهي تستعمل طبياً كمسهل إذ تدخل في تركيب معظم الحبوب المسهلة.
- التداوي من عرق النساء -
وعرق النّساء هو عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ ويقال: العصب الوركي، ويحدث نتيجة للفتق، أو الانفصال الغضروفي في العمود الفقري، أو الالتهاب الروماتيزمي للمفصل
أعراضه: وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ.(1/78)
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصيب بهذا المرض بإلية الشاة الأعرابية؛ لأن مرعاها أعشاب برية حارة كالشيح والقيصوم وغيرها مما تتغذى عليه الحيوانات.
1ـ أخرج الحاكم في المستدرك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"في عرق النّسا يأخذ إلية كبشٍ عربيٍ ليست بأعظمها ولا أصغرها، فيتعطقها صغاراً، ثم يذيبها فيجيد إذابتها ويجعلها ثلاثة أجزاء، فيشرب كل يوم جزءاً على ريق النفس".
قال أنس بن سيرين – رحمه الله -:
فلقد أمرت بذلك ناساً – ذكر عدداً كثيراً – كلهم يبرأ بإذن الله
2ـ وأخرج ابن ماجة عن أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "شفاء عرق النسا إليةُ شاةٍ أعرابية، تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزءٌ".
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (صحيح ابن ماجة: 2788)
3ـ وأخرج الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"أنه كان يصف للذي به عرق النّساء أن يأخذ إلية شاةٍ أعرابية تذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء".
- التداوي بالأترج -
الأترج: شجر ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار وكالبرتقال، وهو ذهبي اللون، وهو يجمع بين طيب الرائحة والطعم.
كما قال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري ومسلم:
"مثل المؤمن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب".
فرائحة الأترج تصلح الوباء وفساد الهواء، وقشره يعمل منه معجون الأترج، الذي ينفع القولنج ويقوى الشهوة.
أما الثمرة فيعمل منها شراب الحماض الذي ينفع المعدة الحارة، ويقوى القلب ويفرحه، ويشهي الطعام ويسكن العطش، ويقطع الإسهال، والخفقان ويزيل الغم، وأما الحمض فيزيل الكلف من الوجه وينفع العصب والصدر.
- الحمية من الجذام -(1/79)
الجذام: هو علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله، فتفسد مزاج الأعضاء، وربما أفسد في آخر إيصالها حتى يتآكل، وسمي بذلك لتجذم الأصابع وتقطعها.
والوقاية والحمية من هذا المرض هو عدم الاقتراب من المجذوم والفرار منه.
فقد أخرج البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفِر من المجذوم كما تفر من الأسد".
وعند البخاري من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا توردوا الممرض على المصح"
- التداوي بالعود الهندي -
أخرج البخاري ومسلم عن أم قيسٍ بنت محصنٍ قالت:
"دخلت بابن لي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أعلقت عنه من العُذْرَةِ، فقال. علام تَدْغَرْن أولادكن بهذا العلاق ؟ عليكن بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، يستعط به من العُذْرَةِ، ويُلدُّ به من ذات الجنب".
- تَدْغَرْن: الدغر هوغمز الحلق من الوجع الذي يُدعى العذرة.
- والعود الهندي: هو القسط، وهو من الأعشاب يؤتى به من بلاد الهند، وهو خشب طيب الرائحة، قابض فيه مرارة يسيرة، وقشره كأنه جلد مَوَشَّى (مزخرف)
له فوائد جمة: فهو يستعمل كمقوٍ ومنبه وينفع في حالة حمى الدّور، وكذا في حالة ضعف الكبد والمعدة، فهو يحبس البطن ويقوى الأعضاء الباطنة، ويطرد الريح، ويفتح السّدد، ويذهب فضل الرطوبة، ويستعمل بعد دقه وجعله ناعماً على هيئة سعوط يفتح سدد الأنف، ويساعد على الإفرازات المتراكمة في الجيوب الأنفية، وإذا طلي به الوجه بعد عجنه بالعسل أقلع الكلف.
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باستخدامه لعلاج "ذات الجنب": وهو ورم جار يعرض في الغشاء المستبطن في الأضلاع.
وقيل: هو التهاب غلاف الرئة، فيحدث منه سعال وحمى، ونخس في الجنب يزداد عند التنفس(1/80)
وتعالج به "العُذْرَةُ ": وهي دم يهيج في حلق الإنسان يسبب الوجع، وتتأذى منه اللحمتان اللتان يسسميها الأطباء "اللوزتين" في أعلى الحلق، وقيل: هي قرحة تخرج بين الأنف والحلق، والنساء تسميها نبات الأذن، يعالجنها بالأصابع لترتفع إلى مكانها.
وأخرج البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إنّ أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة وعليكم بالقسط".
ـ القسط البحري: هو العود الهندي.
ـ بالغمْز: بالعصر برءوس الأصابع.
- العلاج بالسَّعُوط -
والسعوط: ما يجعل في الأنف مما يتداوى به.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما-:
"أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره، واستعط".
ـ استعط: أي استعمل السعوط وهو أن يستلقى على ظهره، ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه، ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب؛ ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس.
وجاء في فضل التداوي بالسَّعوط
ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن خير ما تداويتم به السّعوط"
(ضعيف،ضعفه الألباني في المشكاة)
وفي رواية أخرى عند الترمذي بسند صحيح:
"إن خير ما تداويتم به السّعوط واللّدود والحجامة والمشىّ".
- التداوي بالعجوة والكمأة -
أولاً: العلاج بالعجوة:
العجوة نوع من تمر المدينة يضرب إلى سواد، ويعمل على تقوية العضلات المعوية، ومهدئ للأعصاب، وملين للطبع، وأكله على الريق يقتل الدود في البطن، ومنقوعه مدر للبول، وكذا التمر مقو للكبد.
و صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال كما في صحيح مسلم وعند أحمد في مسنده:
"إن في العجوة العالية شفاء".
وتنفع العجوة كذلك لمن أصيب بالسم أو السحر.
فقد أخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(1/81)
"من تصبّح كلّ يوم سبع مراتٍ عجوة، لم يضره في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌٌ"
تنبيه: خير التمر هو البرْنِىِّ
فقد أخرج البيهقي في الشعب عن بريدة بن الحصيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"خير تمراتكم البرنِى، يخرج الداء ولا داء فيه". (الصحيحة 1844)
وأخرج الإمام مسلم عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن في عجوة العالية (1) شفاءً، أو إنها ترياقٌ أول البكْرَة (2) ".
قال الإمام النووي – رحمه الله –: في هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها.
ثانياً: العلاج بالكمأة:
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"العجوة من الجَنَّة وفيها شفاءٌ من السُّم، والكمأة (3) من المنّ (4) وماؤها شفاءٌ للعين (5) ".
__________
(1) )) العالية: ما كان من الحوائط والقرى والعمارات من جهة المدينة العليا مما يلي نجد، والسافلة من الجهة الأخرى مما يلي تهامة،
قال القاضي: وأدنى العالية ثلاثة أميال، وأبعدها ثمانية من المدينة، والعجوة نوع جيد من التمر.
(2) )) أوّل البكرة: هو بمعنى من تصبح.
(3) )) الكمأة: نوع من الدّرينيات والجذور التي لا ورق لها ولا ساق تخرج في الأرض بدون زرع، وتكثر أيام الخصب وكثرة المطر والرعد، وقيل: هوئيات يقال له أيضا:ً شحم الأرض ويوجد في الربيع تحت الأرض وهو أصل مستدير كالقلقاس، لا ساق له ولا عرق، لونه يميل إلى الغبرة، وهو من النوادر..
(4) )) المنّ: قيل من جنس المن الذي نزل على موسى - عليه السلام - وقومه، وقيل هو ما أمتن الله به على عباده بدون علاج فهو شبيه به، وكونها من المن لأنها تخرج بلا مؤونة ولا كلفة كما أن المن كذلك وقيل: لأنها من الحلال المحض الذي ليس في اكتسابه شبهة.
(5) )) شفاء للعين: هذا من طبّه - صلى الله عليه وسلم - ونحن نؤمن بذلك إيمان اليقين، ولكن ينبغي الرجوع في ذلك إلى ذوى الاختصاص من أهل الطب.(1/82)
قال الإمام النووى – رحمه الله –:
وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عمى وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجرداً، فشفي وعاد إليه بصره، وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقاداً في الحديث وتبركاً به..... والله أعلم
- العلاج بالسّنا -
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن إبراهيم بن أبى عبلة - رضي الله عنه - قال:
"سمعت أبا أُبَىّ بن أمّ حَرَام - رضي الله عنه - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: عليكم بالسّنا والسّنوت، فإن فيهما شفاءً من كل داء إلا السّام. قيل: يا رسول الله، وما السام ؟
قال: الموت". (صحيح ابن ماجة: 27840)
ـ السَّنا والسنوت: السل أو الرب أو الكمون أو التمر أو الرازبانج أو الشبت، وكل منهم نفعه عظيم ظاهر.
وقيل السّنا: نبات معروف من الأدوية له حمل إذا يبس وحركته الريح سمعت له زجلاً، الواحدة سناة، وقيل: هوئيات كأنه الحناء حبه مفرطح.
وقيل السَّنُوت: العسل، وقال ابن أبى عبلة: السَّنُوت: الشبت.
وقال آخرون: بل هو العسل الذي يكون في رقاق السمن.
والشبت: نبات كالشمرة يقال له رز الدجاج.
ملحوظة:
هذا النبات مأمون الغائلة ويزرع في مكة المكرمة وبعض الأماكن الأخرى، وأفضله الذي يزرع بمكة المكرمة؛ ولذلك اختاره الأطباء قديماً وحديثاً ويسمى "سنامكي" ويحضر منه الأدوية الحديثة مثل: Pursenid حبوب وشراب، Sennakot وغيرهما.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن أم حرام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"عليكم بالسَّنا والسَّنُوت فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام وهو الموت".
(صحيح الجامع:4067)
وفي رواية أخرى عند الحاكم أيضاً من حديث أسماء – رضي الله عنها-:
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها ذات يوم وعندها شبرم تدقه فقال: ما تصنعين بهذا ؟
فقالت: يشربه فلان، فقال: لو أن شيئاً ينفع من الموت نفع السَّنا"(1/83)
(قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد من حديث البصريين عن أسماء)
وفي لفظ آخر عند الحاكم أيضاً من حديث أسماء بنت عميسٍ – رضي الله عنها – قالت:
"قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماذا كنت تستشفين ؟ قالت: بالشبرم، قال: حارُ حارٌ، [قالت:]ثم استشفيتُ بالسّنا، قال: لو كان شيء يشفي من الموت كان السّنا، أو السّنا شفاءٌ من الموت".
وفي رواية عند الترمذي بسند فيها مقال:
"لو أن شيئاً كان فيه شفاءٌٌ من الموت لكان في السّنا".
ـ الشُّبرم: حب يشبه الحمص يطبخ ويُشرب ماؤه للتداوى، وقيل: إنه نوع من الشيح.
وأخرج الحاكم أيضاً والإمام أحمد والترمذي بسند فيه مقال عن أسماء– رضي الله عنها– عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن شيئاً كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا".
(ضعيف الجامع:4807)
وأخرج النسائي في السنن الكبرى بسند صحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام: السَّنا والسنوت". (صحيح الجامع:3034)
قال الإمام المناوي ـ رحمه الله ـ في شرحه لحديث أنس - رضي الله عنه - :
السنا نبت معروف شريف مأمون الغائلة قريب الاعتدال يسهل الصفراء والسوداء ويقوى القلب، وقال: وخاصيته النفع من الوسواس السودوي ومن شقائق الأطراف وتشنج العضو وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والحكة، وإذا طبخ في زيت وشرب نفع من أوجاع الظهر والوركين وهو يكون بمكة كثيراً وأفضله ما يكون هناك
وقال عند شرحه لحديث عبد الله بن أم حرام:
"منافعه لا تحصى".
وقال الدكتور/ محمد البار في كتابه الاستشفاء بالسنا والسنوت كلاماً طويلاً:
نختصر منه بعض هذه الفوائد:
1- يذهب البواسير.
2- ينقى الدماغ من الصداع.
3- يفيد في حالات النقرس.
4- يفيد في حالات عرق النِّسا.
5- يفيد في حالات وجع المفاصل.
6- طارد للبلغم.
7- يستخدم لعلاج البرد والتهاب الحلق والربو.(1/84)
8- يغوص في عمق المفاصل.
9- يستعمل على شكل غرغرة لأمراض الحلق.
10- يفيد في حالات الصرع.
11- يمنع سقوط الشعر ويطوِّله ويسوِّده.
12- علاج مهمٌ للإمساك.
وقال أيضاً: لا يؤثر على الجنين ولا المرضع – وياللعجب حين ذكر – أن السنا مضاد للفيروسات فهذه لا مثيل لها إلا نادراً، وذكر أيضاً: أنه مضاد لنمو الفطريات وكذا الميكروبات، وكما تقول الموسوعة الصيدلانية Martinhile، فإن الأم المرضع تستطيع استعماله لأنه لا يفرز في لبنها من خلال الثدي، ويستخدم السنا في الهند كمحلول مائي مركز لتنقية الدم.
طريقة استعمال السنا:
بداية ينصح بمشاورة أهل الخبرة في ذلك كي يختاروا لك الطريقة المناسبة لسنك وجسمك وحالتك المرضية.
الطريقة الأولى: يدق (يطحن) من 3 جرامات إلى 10 جرامات، ويؤخذ عن طريق الفم.
الطريقة الثانية: يطبخ (يغلى) من 21 جراماً إلى 33 جراماً في ماء ويشرب.
الطريقة الثالثة: يطبخ من 21 جراماً إلى 33 جراماً في زيت ويشرب.
الطريقة الرابعة: يدق كما في الطريقة الأولى، ويضاف إليه مقدار 40 جراماً من عسل النحل مع 40 جراماً سمن بقر، ويلعق مرة واحدة.
- تنبيهات وفوائد وتعليقات على ما مرَّ -
1- هذا الطب النبوي والعلاج الرباني من أخذه على سبيل التجربة فإنه لا يجدي معه نفعاً، فلابد أن يفعله بيقين لا يخالجه شك.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - :
"أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أخي يشتكى بطنه، فقال - صلى الله عليه وسلم - : اسقه عسلاً ثم أتى الثانية فقال: اسقه عسلاً ثم أتى الثالثة فقال: اسقه عسلاً ثم أتاه فقال: فعلت فقال - صلى الله عليه وسلم - صدق الله، وكذب بطن أخيك اسقه عسلاً فسقاه فبرأ".
فانظر أخي الحبيب .... إلى يقين النبي - صلى الله عليه وسلم - في كلام الله تعالى، وهو القائل سبحانه وتعالى:(1/85)
{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
(النحل: 68-69)
فهل يعقل أن يقول الله تعالى – خالق الخلق العليم بهم –:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }(الملك:14)
يقول في العسل: { فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } (النحل: 69) ويأتي أحدهم ويقول: إنه لم يجدي
ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الرجل: "صدق الله وكذب بطن أخيك" فهذا المريض لم ينتفع بالدواء الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له إلا بعد أن أيقن بصدق الله – سبحانه وتعالى – وكذّب بطنه.
فكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصف له دواءين:
أولهما: روحي وهو اليقين بصدق الله ورسوله.
وثانيهما: مادي وهو العسل فمن أغفل أحدهما دام مرضه واستحال شفاؤه.
قال الإمام النووي – رحمه الله – كما في الطب النبوي صـ31-32:
ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافين إلا رجساً ومرضاً إلى مرضهم.أهـ
وصدق الإمام النووي – رحمه الله –:
فهناك العديد من الناس ممن يتداوى بالطب النبوي فلا تجدي معه ولا يتم الشفاء لأنه فعل هذا الأمر على سبيل التجربة ولم يفعله بيقين.(1/86)
2- في الآيات والأذكار والدعوات والتعوذات التي مرت بنا والتي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعى قبول المريض – كما مر بنا – للعلاج وكذلك قوة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف أو عدم قبول أحدهما، ولذلك فإن العلاج بالرقى لا يفيد إلا إذا توفر فيه أمران
الأمر الأول: من جهة المريض:
يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى الله تعالى، واعتقاده الجازم بأن القرآن شفاءٌ ورحمة للمؤمنين، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصار على عدوه إلا بأمرين:
1- أن يكون السلاح صحيحاً في نفسه جيداً.
2- أن يكون الساعد قوياً.
فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عُدِم الأمران جميعاً؟ يكون الإنسان خراباً من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، وهو بمثابة مَنْ لا سلاح له.
الأمر الثاني: من جهة المعالج بالقرآن أو التعوذات والرقى:
فينبغي أن يتوافر فيه هذان الأمران أيضاً أي يكون صحيحاً وقوياً.
لهذا كان ابن القيم – رحمه الله – يقول:
الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء الله هو الطب الروحاني، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى.
3ـ تكرار العلاج النبوي سواء كان ذِكْراً أو دعاءً أو دواءً يكون أنجح وأبلغ، كتكرار الدواء الطبيعي، لاستقصاء واستخراج المادة الضارة بالجسم، ومع الصبر والاستسلام بقضاء الله والأخذ بأسباب الشفاء بإذن الله تعالى.
4- يراعى في العلاج تشخيص الداء تشخيصاً دقيقاً واختيار الدواء المناسب له
فقد أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:
"لَدَدْنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدُّونى ؟ فقلنا: كراهية المريض للدواء. فلما أفاق قال: "ألم أنهكم أن تلدّونى ؟ قلنا: كراهية المريض للدواء.(1/87)
فقال: لا يبقى في البيت أحدٌ إلا لُدَّ، وأنا [وأنا أنظر] إلا العباس، فإنه لم يشهدكم ".
لَدَدْناه: أي جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، وهذا هو اللَّدود
فأما ما يصبّ في الحلق فيقال له: الوُجُور.
وما حدث أنهم أذابوا قِسْطاً – أي بزيتٍ – فلدُّوه به، وإنما أنكر التداوي؛ لأنه كان غير ملائم لدائه، لأنهم ظنّوا أنّ به ذات الجنب فدواؤه بما يلائمها، ولم يكن به ذلك.
5- س: كيف يمكن الجمع بين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا عدوى ولا طيرة " (البخاري ومسلم)
وبين قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " (البخاري)
وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :"لا توردوا الممرض على المصحّ" (البخاري ومسلم)
ففي هذه الأحاديث يظهر لبعض الناس أن ظاهرها التعارض حيث يقول النبي في حديث "لا عدوى" وفي حديثٍ آخر يحثنا على عدم الاقتراب ومجالسة من به مرض معدي.
وفي الحقيقة أنه ليس بينهما تعارض حيث يمكن الجمع بينهما.
فيكون"لا عدوى" إلا بإذن الله فلا تنتقل بذاتها كما قال تعالى:{وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}
... ... ... ... ... ... ... ... (البقرة: 102)
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا عدوى ولا صَفَرَ ولا هامة، فقال أعرابي: يا رسول الله. فما بال إبلي تكون في الرّمل كأنها الظّباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينهما فيجربها ؟ فقال: فمن أعدى الأول".(1/88)
فالعدوى لا تنتقل بذاتها كما كان يعتقد أهل الجاهلية، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الاعتقاد وبيَّن لهم أن العدوى تكون بقدر الله وبإذنه، وأكد النبي على هذا المعنى فأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، لكن نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنو والاقتراب من أصحاب الأمراض المعدية حتى لا يقع الإنسان في حرج إذا ما انتقل إليه المرض وأصيب به فيقول: "فلان نقل إلىّ المرض وعداني"، وقد علمنا أنه لا عدوى إلا بإذن الله، ولهذا حث الشرع كل مكلف عن الابتعاد عن كل ما يثير الريبة ويقدح في اليقين والتوكل.
ومن هذا ما أخرجه البخاري ومسلم:
"أنه لما خرج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الشام حتى إذا كان يسرع لقيه أمير أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام،
قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين: فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تُقْدِمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعونهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقْدِمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مُصَبِّحٌ على ظهرٍ فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله ؟
فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ؟ نعم. نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان، إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله؟ وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟(1/89)
قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيباً في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فحمد الله عمر ثم انصرف".
- حُكْمُ التَّدَاوِي -
اختلف أهل العلم في حكم التداوي على خمسة أقوال:
القول الأول : الوجوب:
ذهب فريق من أهل العلم (الحنابلة) إلى وجوب التداوي ودليلهم في ذلك:-
1- ما أخرجه مسلم عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لكل داءٍ دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله - عز وجل - "
2- أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال:
"أتيت النبي وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا فقالوا: يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال: تداووا، فإن الله - عز وجل - لم يضع داءً إلا وضع له دواءً، غير داءٍ واحدٍ: الهَرَمُ".
3- ما أخرجه البخاري عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً".
4- أخرج الدولابي عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
"إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام". (الصحيحة: 1633)
5- وأخرج الحاكم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن الذي أنزل الداء أنزل الشفاء". (صحيح الجامع: 2568)
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" لكل داءٍ دواءٍ " تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواءً يزيله، تعلق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية فقهرت المرض ودفعته.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواءً أمكنه طلبه والتفتيش عليه.(1/90)
القول الثاني : الندب:
هذا وقد ذهب فريق من أهل العلم منهم الإمام مسلم وبعض الشافعية إلى استحباب التداوي
1- ندب الإمام مسلم في صحيحه (4/1729):باب لكل داء دواء واستحباب التداوي.
2- قال الشربيني – رحمه الله – في الإقناع – وهو شافعي:
ويسن التداوي لخبر: " إن الله لم يضع داءً إلا جعل له دواءً إلا الهرم "
قال في المجموع (1/209): فإن ترك التداوي توكلاً على الله فهو أفضل.
3- وقال في مغني المحتاج (1/357): ويسن للمريض التداوي.
4- وقال البجيرمي – رحمه الله – في حاشيته، وهو شافعي:
التداوي أفضل لمن كان في شفائه نفعٌ عام للمسلمين، أو خشي على نفسه من التضجر بدوام المرض، وإن تركه توكلاً كان أفضل، حيث انتفى ذلك ورزق الرضا به.
5- وقال النووي: وهو من الشافعية: بأن من قوى توكله، فالترك له أولى، ومن ضعف يقينه وقل صبره، فالمداواة له أفضل (1/448)
وقال أيضاً - رحمه الله - في روضة الطالبين (2/96):
ويستحب له الصبر على المرض، وترك الأنين ما أطاق، ويستحب التداوي.
وقال في المجموع (5/96): قال أصحابنا وغيرهم: يستحب للمريض ومن به سقم وغيره من عوارض الأبدان أن يصبر، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة على فضل الصبر، وقد جمعتُ جملةً من ذلك في باب الصبر في أول كتاب رياض الصالحين، ويكفي في فضيلته قول الله تعالى:
{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ } (الزمر: 10)
ويستحب التداوي لما ذكره المصنف مع غيره من الأحاديث المشهورة في التداوي، وإن ترك التداوي توكلاً فهو أفضل.
القول الثالث :الإباحة:
وهو مذهب الحنابلة، والقاضي عياض، وبه قال القرطبي وهو قول الشوكاني – رحمهم الله جميعاً - ودليلهم في ذلك:-
ما أخرجه البزار وابن حبان من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال:(1/91)
جاءت امرأة بها لَمَمٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت ادع الله فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك. قالت: بل أصبر ولا حساب علىّ"
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث كما في فتح الباري (10/143):
وفي الحديث فضل من يُصْرَع، وأن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة، وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على جواز ترك التداوي.
وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء، والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجح بأمرين:
أحدهما: من جهة العليل، وهو صدق القصد.
والآخر: من جهة المداوي، وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل.
ويقول ابن مفلح في المبدع:
التداوي مباح وتركه أفضل.
وقال في الفروع:
ترك الدواء أفضل، واختار هذا القاضي وأبو الوفاء وابن الجوزى وغيرهم.
وقال البُهُوتي ـ رحمه الله ـ في الرّوض المُرْبع:
ويباح التداوي بمباح وتركه أفضل
وقال رحمه الله في كشف القناع (2/76):
ترك الدواء أفضل، لأنه أقرب إلى التوكل، ولا يجب التداوي ولو ظن نفعه، لكن يجوز اتفاقاً ولا ينافي التوكل.
وقال العبدرى – وهو مالكي - في التاج والإكليل (2/6):
التداوي جائز.
وقال النقراوي المالكي في الفواكه الدواني (2/249):
و جواز التداوي لا ينافي التوكل والاعتماد على الله على القول المعتمد من قول الخوفية وغيرهم، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعاطى أسباب التداوي مع أنه أعظم المتوكلين على الله - سبحانه وتعالى-
وقال أيضاً (2/339): وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاء".
فإنزال الدواء أمارة جواز التداوي.
وقال الشوكاني في الدراري المضية شرح الدرر البهية (1/393):(1/92)
التفويض أفضل مع الاقتدار على الصبر كما يفيده قوله: " إن شئت صبرت "
وأما مع عدم الصبر على المرض وصدور الحرج والحرد وضيق الصدر من المرض فالتداوي أفضل؛ لأن فضيلة التفويض قد ذهبت بعدم الصبر.
وقال أيضاً في الأدلة الرضية(1/267): يجوز التداوي، والتفويض أفضل لمن يقدر على الصبر
وقال الحافظ ابن حجر– رحمه الله– في فتح الباري (7/373)، في حديث جرح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: وفي الحديث جواز التداوي، وأن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة، وليتأسى بهم أتباعهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (21/563):
و ليس التداوي بضرورة لوجوه:
أحدها: أن كثيراً من المرضى أو أكثر المرضى يشفون بلا تداوٍ، لاسيما في أهل الوبر والقرى والساكنين في نواحي الأرض، يشفيهم الله بما خلق فيهم من القوى المطبوعة في أبدانهم الرافعة للمرض، وفيما ييسره لهم من نوع حركة وعمل أو دعوة مستجابة أو رقية نافعة أو قوة للقلب وحسن التوكل، وذلك كله من أسباب الدواء.
أما الأكل فهو ضروري، ولم يجعل الله أبدان الحيوان تقوم إلا بالغذاء، فلو لم يكن يأكل لمات، فيثبت بهذا أن التداوي ليس من الضرورة في شيء.
ثم قال: ومن نازع فيه خَصَمَتْهُ السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصبر على البلاء ودخول الجنة وبين الدعاء بالعافية، فاختارت البلاء والجنة، ولو كان دفع المرض واجباً لم يكن للتخيير موضع كدفع الجوع، وفي دعائه بفناء أمته بالطعن والطاعون، وفي نهيه عن الفرار من الطاعون، وخَصْمُهُ حال أنبياء الله المبتلين الصابرين على البلاء، حين لم يتعاطوا الأسباب الدافعة له مثل: أيوب - عليه السلام - وغيره.(1/93)
وخَصْمُهُ حال السلف الصالح – رضي الله عنهم – فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - حين قالوا له ألا ندعو لك الطبيب ؟ قال: قد رآني. قالوا: فما قال لك ؟ قال: إني فعالٌ لما أريد.
ومثل هذا ونحوه يروى عن الربيع بن خُثَيم المخبت المنيب الذي هو أفضل الكوفيين أو كأفضلهم، وعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الهادي المهدي، وخلق كثير لا يحصون عدداً، ولست أعلم سالفاً أوجب التداوي، وإنما كان كثيرٌ من أهل الفضل والمعرفة يفضل تركه تفضلاً واختياراً لما اختار الله ورضا به، وتسليماً له، وهذا المنصوص عن أحمد وإن كان مِن أصحابه مَن يوجبه، ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثير من السلف استمساكاً لما خلقه الله من الأسباب وجعله من سنته في عباده.
القول الرابع : الكراهة:
قال النووي – رحمه الله- كما في شرح مسلم (3/90) في حديث السبعين ألفا:ً
اختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال الإمام أبو عبد الله المازري: احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه.
وقال أبو الطيب – رحمه الله – في عون المعبود (10/240) في شرح حديث السبعين ألفاً عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يسترقون "
قال الخطابي: في هذا الحديث إثبات أن التداوي مكروه.
القول الخامس: الحرمة:
بوب الإمام البيهقي في سننه الكبرى (10/4):
باب النهي عن التداوي، ثم ذكر حديث التداوي بالخمر.
وذهب إلى الحرمة أيضاً بعض الصوفية الذين يعتبرون التداوي منافياً للتوكل والرضا، وكلاهما من شروط الولاية
الراجح: من خلال ما سبق يظهر لنا:-
أولاً: بطلان القول بالحرمة والكراهة:
و ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالتداوي في قوله: "تداووا عباد الله" والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بحرام ولا مكروه، وهذا بغير خلاف، فدل ذلك على سقوط هذين القولين وعدم حجيتهما.
ثانياً: بُعد القول بالوجوب:(1/94)
و ذلك لحديث المرأة السوداء، ففيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خيَّرَها بين التداوي وبين الصبر، ولو كان التداوي واجباً لما جاز فيه التخيير ولألزمها به.
وفي الحديث أيضاً أنه ترتب على تركها للتداوى أجراً فقال: " إن شئت صبرت ولك الجنة "
ولا يترتب على ترك الواجب أجر.
وهناك أدلة تزيد هذا الأمر تأكيداً على عدم كون التداوي واجباً، ومن هذه الأدلة
ما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
"خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً فقال: عُرِضتْ علىّ الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق: فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء أبناؤنا، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هؤلاء الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون ،فقام عُكاشة بن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول الله ؟ قال: نعم
فقام آخر فقال: أمنهم أنا ؟ فقال: سبقك بها عكاشة".
- لا يتطيرون: لا يتشاءمون.
- لا يسترقون: أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، ومعنى ذلك أن من ترك طلب الدواء مطلقاً وصل لما وصل إليه هؤلاء من المنزلة العالية، فيدل ذلك على كون التداوي غير واجب، وإلا كيف يعطيهم الله هذه الدرجة على تركهم الواجب.
وأخرج البخاري ومسلم أيضاً عن عطاء بن أبى رباح - رضي الله عنه - قال:(1/95)
"قال لي ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – ألا أريك امرأةً من أهل الجنة ؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أُصْرع وإني أتكشف فادع الله لي.
قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: اصبر،
فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها".
ثالثاً: لا يبقى إلا القول بالندب، والقول بالإباحة:
وعليهما يدور كلام الجمهور، فأما القول بالندب: فلأن حديث المرأة السوداء صرف الأمر في حديث: "تداووا عباد الله" من الوجوب إلى الندب.
ولكن يجاب على ذلك: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتب الأجر للمرأة السوداء على تركها التداوي، ولا يترتب الأجر على ترك المندوب، فلو كان التداوي مندوباً لكان تركه مكروهاً.
رابعاً: فلا يبقى إلا القول بالإباحة:
وهو الذي يجمع الأدلة كلها بلا نقصان، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وأكثر العلماء.
فالتداوي إذاً مباح، وترك المباح مباح، وبهذا تجتمع الأدلة.
ويكون معنى حديث المرأة السوداء أنها فعلت مباحاً وهو ترك التداوي، ومع النية الصالحة والاحتساب تؤجر.
وكذلك الأحاديث، والتي فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تداوى فلا إشكال إذ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل المباح.
إشكال والرد عليه: إذا كان الراجح في التداوي أنه على الإباحية،
فكيف بالحديث: " تداووا عباد الله " ومعلوم أن أقل درجات الأمر الندب.
والإجابة على ذلك:(1/96)
إن الأمر بالتداوي هنا لم يخرج للتشريع، وإنما خرج لإقرارعادة الناس، فعادة الناس التداوي، وبمراجعة سياق الحديث تجد أن الأعراب جاءوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التداوي، أفنتداوى يا رسول الله ؟ كأنهم ظنوا أن التداوي يتنافى مع الشرع، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " ثم بيّن لهم عدم مخالفة التداوي للتوكل، فقال: "فإن الله - سبحانه وتعالى- لم يضع داءً إلا وضع معه شفاءً ".
وفي رواية قال: "نعم تداووا" أي على عادتكم، فلم يأت في الشرع شيءٌ على خلاف عادتكم في هذه المسألة، وذلك مثل قوله تعالى: { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف: 31)
فإن الأمر بالأكل والشرب ليس للوجوب، وإنما لإقرار عادة الناس من الأكل والشرب.
ومثل قوله تعالى: { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } (البقرة: 187)
وبذلك يكون التداوي مباحاً، فمن تداوى فلا إثم عليه.
ولو حسَّن النية في تداويه من العزم على إكمال الطاعة والنشاط في العبادة والقيام بما أوجبه الله عليه من الحقوق. أُجِر على تداويه، وإن ترك التداوي صبراً ورضا بقدر الله أُجِر على تركه للتداوي كذلك
أما من لم يستطع تحقيق الرضا والانشراح والفرح بقدر الله، فعليه أن يتداوى لدفع الحرج والضيق من صدره، ويكون التداوي في حقه أفضل... والله أعلم.
وبعد...
فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.(1/97)
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا ... جلّ من لا عيب فيه وعلا
فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك(1/98)