الدورة التاسعة عشرة
إمارة الشارقة
دولة الإمارات العربية المتحدة
أسئلة في باب التداوي
إعداد
د. محمد علي البار
مركز أخلاقيات الطب
المركز الطبي الدولي - جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقوم المجمع الفقهي الاسلامي الدولي الموقر بمناقشة قضايا ترد على الاطباء يتساءلون فيها عن الحكم الشرعي في تلك المسائل. ومما ورد الى امانة المجمع الفقهي الاسلامي الدولي الموقر اسئلة بشان التدواي في الحالات الاسعافية وقد أصدر المجمع قراره رقم 17/10/18 في دورته الثامنة عشر المنعقدة في بواتراجيا بماليزيا في 24-29 جمادى الاخرى 1428هـ / 9-14 يوليو 2007م بجواز اتخاذ التدابير والاجراءات الطبية اللازمة في الحالات الاسعافية (طب الطوارئ) دون الحاجة لاخذ موافقة المريض أو وليه في الحالات التالية:
1. وصول المريض في حالة اغماء شديد أو في حالة يتعذر الحصول معها على الموافقة قبل التدخل
2. اذا كان المريض في حالة صحية خطرة تعرضه للموت و تتطلب التدخل السريع قبل الحصول على الموافقة.
3. ان لا يوجد مع المريض احد من اقاربه الذين لهم الحق في الموافقه مع ضيق الوقت.
وقد اجل النظر في الحالات التالية الى دورة قادمة للمجمع:
1. العمليات المستعجلة مثل الزائدة الملتهبة اذا رفض المريض الاذن.
2. الجنين الذي التف الحبل السري حول رقبته ولم تتم الموافقة على اجراء عملية قيصرية لانقاذ الطفل.
3. اذا احتاج الطفل المريض الى اجراء طبي تدخلي مثل عمليات الزائدة أو غسيل الكلى أو نقل الدم ورفض الولي اتخاذ ذلك الاجراء.
وفيما يلي ساحاول شرح النقاط الثلاث المؤجلة من الناحية الطبية والاخلاقية والشرعية تاركا لاصحاب الفضيلة الاجلاء اصدار قرارهم الذي ينتظره الاطباء المسلمون وعا مة المرضى وذووهم.
والله الموفق الى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة
أسئلة في باب التداوي ترد على الاطباء
الأحكام الخمسة تعتري التداوي:(1/1)
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (1) : " التحقيق ان التداوي منه ماهو محرم،ومنه ماهو مكروه، ومنه ماهو مباح، ومنه ماهو مستحب، ومنه ماهو واجب، وهو ما يعلم انه يحصل به بقاء النفس لا بغيره. ليس التداوي بضرورة كأكل الميتة".
وقال رحمه الله (2) " وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء، وتنازعوا هل الافضل فعله أم تركه على سبيل التوكل".
ويحرم التداوي بالخمر الصرفة قولا واحدا، كما يحرم التداوي عند الكهان، و التداوي بالطلاسم والسحر، والرقى غير المفهومة، وكل ما يمس العقيدة، وكل مافيه شائبة للشرك. ويحرم التدواي بالنجاسات والخنزير الا لضرورة تقدر بقدرها. ويحرم التداوي بالضفدع يوضع في الدواء.
ويجب التداوي في الحالات الاسعافية والتي تهدد الحياة، أو تهدد بزوال عضو من الأعضاء. كما يجب في حالة الاصابة بامراض معدية للمجتمع والاخرين ولها دواء، فيجب التداوي حماية للشخص والمجتمع بأمر ولي أمر المسلمين. كذلك يجب التداوي في الأمراض المخوفة والتي لها دواء، أو عمليات جراحية أو ماشابه ذلك. والبرء فيها شبه محقق أ و غلب على الظن حصوله.
__________
(1) ... الفتاوى ج 37/471
(2) ... الفتاوى ج 24/272-276(1/2)
ويستحب التداوي في الامراض المزمنه والتي لا تعدي الاخرين، وان لم يكن في العلاج برء كامل، ولكن التداوي يؤدي الى تخفيف الزمانه، وتقليل الاعاقة، و ان يسهم في عودة المصاب الى حياته الطبيعية أو شبة الطبيعية. ويكون مباحا حين تستوي الاحتمالات بالفائدة وعدم الفائدة، ويكره حين يؤدي التداوي الى استمرار الضرر أو زيادته. ويحرم كما اسلفنا اذا كان بمحرم مثل الخمر أوالسحر أوالطلاسم أو الرقى بما هو مجهول من الاقوال، والضفادع أو النجاسات (ما عدا أبوال الابل لوجود النص في حديث العرنيين الذين اصيبوا بالاستسقاء فامر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذوذ وراع ليشربوا من ألبانها وأبوالها، فلما صحت أجسامهم قتلوا الراعي واستاقوا الذوذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فادركهم، فعّذّبهم أشدّ عذاب ).
وقد يباح التداوي بدواء معجون بالخمر (حيث تستعمل الكحول لاذابة بعض المواد القلوية التي لا تذوب الا فيه) اذا كان القدر المستخدم قليلا لا يسكر، ولا يوجد له بديل من الادوية المباحة، و وصفه طبيب مسلم عدل. كما قد يباح استخدام مواد مستخرجة من الخنزير مثل الهيبارين (عقار يسبب سيولة الدم) أو صمامات قلبية من الخنزير عند فقد البديل، أو انسولين خنزيري عند فقد البديل، أو وجود حساسية شديدة للانسولين البقري، والانسولين الانساني غير متوفر لغلاء ثمنه كما يحدث في بعض البلاد الفقيرة في أفريقيا.
إذن المريض:
تنص الانظمة الطبيبة في معظم أرجاء العالم على اذن المريض، أو ولي امره، ألاذن المتبصر الواعي (Informed Consent) قبل الشروع في أي عمل طبي أو جراحي أو بحثي متعلق بالمريض.(1/3)
والمقصود بالاذن المتبصر الواعي: ان يشرح الطبيب المعالج ،أو من يقوم مقامه، شرحا وافيا الاجراء الطبي، وفوائده المرجوة دون مبالغة، واحتمالات اضراره دون تهوين، وكافة المعلومات المتعلقة بهذا الاجراء التي تهم المريض أو من يقوم مقامه اذا كان ناقص الأهليه أو معدومها... ولا يكتفى بالاذن الشفهي الا في حالات الفحص السريري أو الاجراءات التي لا تستدعي تدخلا باضعا (Invasive) مثل ادخال المناظير أو اخذ خزعة (عينات) من الاعضاء أو من نخاع العظم (نقي العظام )، وكل اجراء يستدعي تدخلا باضعا أو اجراء عملية جراحية يستوجب الحصول على الاذن الكتابي مع وجود شاهدين .
وقد جاء في نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الاسنان بالمملكة العربية السعودية، وزارة الصحة مايلي:
" المادة 21: يجب ان يتم أي عمل طبي لانسان برضاه أو بموافقة وليه اذا لم يعتد بارادة المريض. واستثناء من ذلك يجب على الطبيب في حالات الحوادث والطوارئ التي تستدعي تدخلا طبيا بصفة فورية لانقاذ حياة المصاب أو انقاذ عضو من اعضائه، وتعذر الحصول على موافقة المريض، أو من يمثله في الوقت المناسب، اجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على موافقة المريض أو من يمثله، ولا يجوز بأي حال من الاحوال انهاء حياة مريض ميؤس من شفائه طبيا، ولو كان ذلك بناء على طلبه أو طلب ذويه.
المادة21-1-ل: تؤخذ موافقة المريض البالغ العاقل سواء كان رجلا أو امراة أو من يمثله اذاكان لا يعتدّ بارادته قبل القيام بأي عمل طبي أو جراحي، وذلك تمشيا مع مضمون خطاب المقام السامي رقم 4/2428/م وتاريخ 29/7/1404هـ المبني على قرار هيئة كبار العلماء رقم 119 وتاريخ 26/5/1404هـ
المادة 21 -2-ل: يتعين على الطبيب ان يقدم الشرح الكافي للمريض أو ولي امره عن طبيعة العمل الطبي أو الجراحي الذي ينوي القام به".
واجب الطبيب التبصير:(1/4)
وحتى يكون تبصير الطبيب للمريض كاملا، يجب ان يعرض عليه طرق العلاج الممكنه والبدائل المتاحة، مبينا خطر وميزات كل طريقة، وان ذلك كله يجب ان يتم في خطوطه العريضة بعيدا عن التعقيدات والمصطلحات الفنية، وان يكون بلغة مفهومة، وعبارات مبسطة. وينبغي على الطبيب الا يمارس أي ضغط على المريض لحمله على قبولها.
واذا تم تبصير المريض على نحو كاف، فالواجب يقضي بان يترك الامر لتقديره فقد يكون لظروفه الخاصة وامكانياته المادية دور كبير في توجيه قراره.
ولو ان المريض طلب الى طبيبه صراحة ان يعاونه في اتخاذ قراره فعلى الطبيب في هذه الحالة ان يشير على مريضه ما يعتقد انه في صالحه موضحا له الاسباب التي تجعله يعتقد ان الاقدام على الجراحة خير من الاحجام عنها.
وينبغي على الطبيب ان يدرك ان المرضى ليسوا سواء في مستواياتهم الثقافية، وبالتالي على الطبيب ان يقدم المعلومات للمريض بما يتوافق مع مستواه الثقافي الطبي.
" وقد يفاجا الطبيب بمريضه الذي يطلب منه عدم الادلاء بأية معلومات عن طبيعة مرضه، أو خطة العلاج، ولا يريد ان يعرف أي شئ عما يحتمل ان يتعرض له من مخاطر، ويكتفي بثقته بطبيبة واضعا نفسه تحت تصرفه، و لا يريد ان يشغل نفسه بشئ. والحقيقة ان المريض الذي يتنازل عن حقه في ان يبصر و ان يعلم بما يتعرض له من علاج، يكون قد اناب الطبيب في اتخاذ القرار المناسب، الا ان المريض قد يقع في الخطأ. ونحن نعتقد ان على الطبيب ان يبصره بحقيقة الامر وعلى المريض ان يسمع له، فليس للطبيب ان يتخذ قرارا بدلا من مريضه، لان رضا المريض في هذه الحال لايمكن ان يكون رضاء حرا مستنيرا، ومن ثم فنحن مع وجهة النظر التي ترى ان التنازل المسبق عن الحق في التبصير يعد مخالفا للنظام العام" (1) .
__________
(1) ... دز علي حسين نجيدة: التزامات الطبيب في العمل الطبي، ص: 84 بتصرف.(1/5)
ويستعين الطبيب بأهل المريض أو اصدقائه في تبصيره. وفي جميع الحالات يبذل الطبيب جهده في النصح للمريض والعمل على مصلحته، واتخاذ القرارات المناسبة لحالة المريض بعد التشاور مع الأهل، فاذا رفض المريض ابداء أي رأي واصر على توكيل طبيبه في اتخاذ القرار الصائب فالوكالة جائزة شرعا وقانونا.
والحقيقة ان ممارسة مهنة الطب تكون من الصعوبة بمكان، اذا كان على الطبيب ان يبصر مريضه على نحو كامل بالاسباب الفنية التي بنى عليها تشخيصه، ووسائل العلاج التي اختارها وكل المخاطر حتى ماكان منها شاذا أو استثنائيا.
ومن ثم فلا يشمل التزام الطبيبب بتبصير مريضه اعطائه كل التفاصيل الفنية التي لا يستطيع المريض استيعابها، فلا يمكن ان نطالب الطبيب بان يكون محاضرا في الطب!!
هل يلزم الطبيب باعادة تبصير المريض؟
اذا حصل الطبيب الجراح على اذن المريض، الا ان الطبيب فوجئ اثناء الجراحة بمرض اخطر من ذلك الذي كشف عنه، فهل يوقف الجراحة حتى يبصر المريض بوضعه الجديد؟
بعض فقهاء القانون لم يجد مفرا من الاحتكام الى ضمير الطبيب، فموقفه يجب ان يتبع ضميره.
والرأي الراجح يعتقد ان على الطبيب ان يواجه الظرف الجديد الذي عرض عليه، دون الحاجة الا اذن جديد من المريض ، فعلى الطبيب ان يتخذ قراره بنفسه ويتابع عمله اذا راى ذلك في مصلحة المريض (1) .
اذ ان التوقف عن العمل الجراحي سيؤدي باضرار بالغة بالمريض. ولا بد لاخذ الاذن من ايقاف العمل الجراحي وايقاف البنج (التخدير) والانتظار حتى يفيق المريض ويستطيع ان يتخذ قرارا صائبا. كل ذلك يحتاج الى وقت ثمين تؤدي اضاعته الى الحاق الضرر بالمريض. والواجب ان الضرر يزال. ولا شك ان انتظار الاذن الجديد هو عمل ضار بالمريض في الغالب الاعم من الحالات.
الحالات التي لا تستدعي اذن المريض ولا وليه:
__________
(1) ... المرجع السابق ص 27-28 تصرف.(1/6)
1. حالات الاسعاف أو الحوادث التي تهدد حياة المريض أو انقاذ عضو من اعضائه اذا تعذر الحصول على اذن المريض بسبب فقد الوعي، أو وليه بسبب عدم وجوده في مكان الواقعه. وكذلك الحال فيما لو دخل الطبيب لاجراء عملية لمريضه بعد تخديره، وتبين اثناء العملية ان على الطبيب اجراء عملية مستعجلة، ولايمكن اخذ اذن المريض بسبب تخديره، ولم يوجد وليه، فهنا يجوز للطبيب اجراء العملية الاخرى استنادا الى وجوب ذلك عليه في الحالات الاسعافية اذا أيقن الطبيب ان مريضه يتضرر من عدم اجراء العملية فورا.
2. حالات الامراض المعدية السارية التي يشتد خطرها على المجتمع، فان من حق الدولة ان تفرض التداوي قسرا على المريض حتى لا يضر المجتمع، كما ان من حقها ان تعزله في مستشفيات خاصة بذلك. ويجب توفير الخدمات الطبية في هذه الحالات جميعا مجانا، وان تبذل العناية الكاملة بالمريض مع احتفاظه بكرامته الانسانية. وأي اهمال من الفريق الطبي يعاقب بحسب الضرر الذي ادى اليه الاهمال، أو عدم بذل العناية الكافية التي تقررها الاصول الطبية. كما ان الاعتداء على كرامة المريض أو بدنه يتم عقابها بحسب درجة خطورتها، كما تقررها لجنة قضائية مكونة من قضاة واطباء ومتخصصين في هذا المجال.
3. التطعيم والتحصين ضد الامراض المعدية والتي تفرضها الدول على المواليد والاطفال، وفي حالات الاوبئة على الكبار أيضا، وعند السفر الى اماكن موبوئة بامراض معينة تفرض الدول بعض انواع التطعيمات. وهذه الحالات جميعها تفرضها الدولة. وبما ان التطعيم والتحصين يتم بامر الدولة فان أي مضاعفات أو اضرار لهذا التطعيم يجب ان تتحمله الدولة.(1/7)
ومن المعروف ان تطعيمات الامراض السارية والمعدية تسبب بعض الامراض الخطيرة مثل: التهاب الدماغ (Encephalitis)، أو التهاب الدماغ والنخاع (Encephalomylitis)، وأن كانت نادرة الحدوث (واحد من كل مئة الف ونحوها). وبما ان الطبيب أو الممرضة قد قاما بامر تفرضه الدولة عليهم، وكذلك الجمهور، فان الضمان يقع دون ريب على الدولة، اذا اصيب احد الافراد بعاهه مستديمة. وبما ان الطبيب أو الممرضه لم يخالف الانظمة، ولم يكن هناك تقصير ولا خطأ فان على بيت مال المسلمين ان يدفع الدية أو الارش، أو التعويض المناسب للضرر الذي حدث.
من هو الذي لا يعتد برضاه ؟
1. المكره: لا يعتد برضا المجبر والمكره، قال تعالى ( الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان) النحل: 106
2. القاصر: ويختلف تعريف سن القاصر من بلد الى اخر. والاذن بالعمل الطبي أو التبرع بعضو من الاعضاء يقتضي الاذن المتبصر الواعي من بالغ عاقل أو وليه. وتجعل معظم البلدان في قوانينها سن الثامنة عشر هو السن الذي يحق للمرء فيه ان يتصرف تصرفا بارادته، وان ياذن بالعمل الطبي أو الجراحي على جسده.
ويعتبر البالغ محلا لتحمل المسؤلية ويتم البلوغ بالاحتلام ورؤية الماء وظهور شعر العانة والشارب واللحية للذكر، والحيض والاحتلام ورؤية الماء وظهور شعر العانة ونمو الثديين عند الفتاة.
ويختلف سن البلوغ من بلد لاخر، ومن مجموعة بشرية لاخرى. يقول الامام الشافعي في (الام): " أعجل من سمعت من النساء تحيض نساء تهامة .. يحضن لتسع.." وهو مذهب الامام الشافعي ومالك و احمد. وعند الاحناف: اقل سن للحيض سبع سنوات. فهل اذا حاضت في سن التاسعة تعتبر بالغة يحق لها ان تاذن بالعمل الطبي، وان تتبرع مثلا بكلية أو تسمح باجراء عملية الى غير لك من الاجراءات دون اذن وليها؟(1/8)
وتاخذ بعض الدول الاسلامية بسن الخامسة عشرة للبلوغ ولحمل المسؤليات.وهذه النقطة تحتاج لمزيد من البحث من اصحاب الفضيلة العلماء، بينما تاخذ بعض الدول بسن 18 عاما وبعضها بسن 21 عاما باعتباره سن الرشد. وبالتالي لا يمكن ان يتبرع شخص بكليته مثلا اذا كان اقل من سن 18 أو سن 21 عاما حسب قانون تلك البلاد.
3. المغمى عليه أو الفاقد الوعي: سواء كان ذلك فقدانا مؤقتا بنوم أو مرض أو دواء أو حادث أو سكر أو مخدرات ، أو فقدانا دائما بسبب مرض من الامراض أو العاهات. ويدخل في ذلك تشوش الذهن واضطرابه وعدم القدرة على التمييز.
4. المجنون: وسواء كان الجنون مطبقا أو غير مطبق، مؤقتا أو دائما، فاذا ارتفع الجنون وبلغ الادراك والتمييز، يصح منه التصرف والاذن والبيع والشراء.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم" رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق".
الخلاصة في إذن المريض:
الواجب على الطبيب الا يقدم على علاج المريض أو اجراء عملية جراحية في جسمه الا بعد الحصول على اذن معتبر من المريض أو من وليه ان لم يكن أهلا للاذن. والاذن الطبي نوعان: اذن مقيد: بان ياذن المريض للطبيب بمعالجته أو باجراء عملية جراحية معينة. والاذن المطلق: بان ياذن للطبيب بمطلق المدأواة. واتفق أصحاب المذاهب الاربعة على ايجاب الضمان على من طبب بغير اذن.
وقد جاء في كتاب (اخلاقيات مهنة الطب) الذي اصدرته الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الاتي : " فبدن الانسان ونفسه من خصوصياته التي لا يجوز لاحد ان يتصرف فيها بغير رضاه، وحتى يكون اذن المريض مشروعا فلا بد ان تتحقق فيه الشروط التالية:
1. أن يكون المريض على معرفة تامة بما يراد القيام به من اجراء طبي، ولذا على الطبيب ان يقدم للمريض معلومات وافيه عما سيقوم به، وما هو مطلوب من المريض فعلا، وما سيترتب عليه من مضاعفات ومخاطر.(1/9)
2. أن يكون المريض قادرا على استيعاب وفهم المعلومات التي قدمت له حتى يعطي الاذن عن وعي وادراك واقتناع تام دون استغفال له أو اكراه.
3. أن يكون الاذن مكتوبا عند عزم الطبيب القيام باجراء تدخلي كاجراء العمليات الجراحية أو الاجراءات التدخلية كاخذ خزعة من الكبد مثلا.
4. أن يراعى عند اخذ اذن المريض الامور التالية :
? ... تؤخذ موافقة المريض البالغ العاقل، ذكرا كان أو انثى، أومن يمثله –اذا كان لايعتد بارادته- قبل القيام بالعمل الطبي أو الجراحي وفقا لما ينص عليه نظام مزاولة مهنة الطب وطب الاسنان.
? ... اذن المراة: للمراة البالغة العاقلة الاذن بالعمل الطبي المتعلق بها، بما في ذلك العمليات الجراحية الا ما يتعلق بالانجاب مثل استخدام حبوب موانع الحمل أو اسئصال الرحم أو غيرها من الاجراءات المؤدية للعقم، فلا بد من موافقة الزوج أيضا، الا في الحالات الضرورية والطارئة فيكتفى باذن المراة.
? ... اذن قاصر الأهلية: المريض الذي لا يستطيع ان ياذن بالعمل الطبي كفاقد الوعي، أو الذي لا يعتد باذنه كالطفل، أو غير العاقل ينوب عنه وليه الشرعي في الاذن باجراء العمليات الجراحية ومافي حكمها من الاجراءات التدخلية، واذا تعذر الحصول على الموافقة وخيف من الضرر البالغ أوالموت، فيمكن للطبيب ان يقوم بالاجراء الطبي دون انتظار الاذن،اما ما دون ذلك من الاجراءات فيكتفى بالاذن العام للعلاج من احد والديه أو المرافق معه ممن يعتد باذنه.
? ... الإذن في الحالات الاسعافية: في حالة تعرض المريض للهلاك أو الخطر الحاصل أو المتوقع حدوثه بدرجة كبيرة، يجوز للطبيب ان يقوم بالعمل الطبي دون انتظار اذا ترجح لديه ان ذلك سينقذ حياة المريض أو يجنبه الضرر البليغ (1) .
العمليات الجراحية المستعجلة
__________
(1) الهيئة السعودية للتخصصات الصحية: أخلاقيات مهنة الطب.(1/10)
لقد أجلَ المجتمع الفقهي الإسلامي الدولي الموقر في دورته الثامنه عشره المنعقده في بواتراجيا ماليزيا في 24 – 29 جماد الأخرة 1428 هـ / 1429 تموز (يوليه) 2007 قضية الأذن في إجراء العمليات الجراحيه المستعجله مثل الزائدة الدوديه الملتهبه إذا رفض المريض العاقل البالغ إعطاء الإذن ، رغم توضيح الطبيب أو الأطباء له مخاطر ذلك الرفض .
الزائدة الدودية
الزائدة الدوديه عضو طويل شبيه بالدوده خارج من الأمعاء الغليظه عند بدايتها وهو الجزء المعروف بالأعور ( Caecum ) عند إلتقائه بلأمعاء الدقيقه في الجزء المعروف بالصائم ( Ileum ). والغريب أن الزائدة الدوديه غير موجودة لدي الثدييات عامة ما عدا القرود والإنسان، ووظيفتها غير معروفه. ويختلف طول الزائدة ما بين 2 و 20 سنتيمتر ومعدل الطول في غالب الناس هو حوالي تسعة سنتيمترات. أما العرض فلا يزيد عن سنتيمتر واحد إلا في حالات الإلتهاب .
وهي مليئه بتجمعات لمفاويه مثل تجمعات باير الموجوده في الأمعاء الدقيقه وتكثر فيها الخلايا اللمفاويه B و T .
سبب الإلتهاب : يعتبر أهم سبب للإلتهاب هو قفل مجرى الزائدة بسبب نمو سريع في الخلايا اللمفاويه . وقد لوحظ أن هذا يكثر في مرحلة المراهقه ( ما بين العاشرة والعشرين من العمر )، وهي أكثر حالات حدوث إلتهاب الزائدة . فإذا أنسدت حدث فيها إلتهاب ميكروبي أو فيروسي . وقد يحدث الإلتهاب البكتريَ وخاصة ميكروبات الشيجلا أو السالمونيلا فتؤدي إلى إنسداد الزائدة ، وقد يحدث الإلتهاب دون إنسداد . وقد تم استئصال العديد من الزائدات الدوديه وعند تشريحها وجد بها الإلتهاب بدون إنسداد . وقد يكون سبب الإنسداد بقايا طعام تتكاثر حولها الخلايا اللمفاويه فتسد مجرى الزائدة ويؤدي ذلك إلى الإلتهاب .
الإصابة بالتهاب الزائدة :(1/11)
تحدت الإصابة في أي سن من الطفوله الباكره إلى سن الشيخوخه المتقدمة ، ولكن أغلب الحالات هي في سن المراهقه عندما ينشط الجهاز اللمفاوي داخل الزائدة فيسدها .
الأعراض والعلامات:
يبدأ إلتهاب الزائده بالام عامه في البطن وحول السّره ، ويكون الألم غير محدد المعالم ، ويتلوه شعور بالغثيان ويضاف إليه القئ والإستفراغ في كثير من الحالات . ثم يتحدّد الألم في الربع الايمن الأسفل من البطن وترتفع درجة الحراره . وإذا وضع الطبيب يده على هذه المنطقه يشعر المريض بألم زائد .
ولكن هذه العلامات قد تكون غير واضحة للأسباب التاليه :
في الأطفال : حيث يصعب التشخيص وتظهر النوبه أحياناً باسهال وقي مع إرتفاع في درجة الحراره، وعدم وجود مكان محدد لألم البطن . وقد يظن الطبيب أن الحالة إلتهاب في المعدة والأمعاء ( Gastro – Enteritis ) أو إلتهاب ميكيل Meckles Diverticulitis أو غيرها من الإلتهابات .
كبار السن : تكون العلامات غير واضحة ، بل وحتى الأعراض غير متميزه . هناك الّاَم عامة في البطن وإرتفاع طفيف في درجة الحرارة ، وقلة الشهية للطعام ، وكلها يمكن أن يظنها الطبيب أعراض لأمراض أخرى . وحتي إرتفاع كريات الدم البيضاء لا يكون واضحاً كما هو في الشباب و الأطفال .
أن تكون الزائدة مختفيه في الحوض : وبالتالي تختفي كثير من العلامات المعروفه لدي الأطباء لإلتهاب الزائده . ولكن الفحص من الدبر يوضح الحاله في الغالب . ولدي النساء قد يحتاج الأمرأيضاً للفحص من القبل للتفريق بين إلتهاب الزائده وأمراض النساء والولاده المصاحبه ( إلتهاب المبيض – إلتهاب الأنابيب – حمل خارج الرحم – إلخ ... ) وفي جميع هذه الحالات يتم التشخيص عبر التصوير بالأشعة الطبقيه ( C.T.Scan )، وأما الموجات الصوتيه فإن قدرتها على التشخيص الدقيق غير موثوق بها.(1/12)
الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة : مثل مرضي الايدز أو الذين يتلقون عقاقير خفض المناعة مثل المرضى الذين تلقوا زرعا للكلى أو أي عضو أخر . وهؤلاء تكون الأعراض والعلامات لديهم غير واضحة وتشتبه بأمراض أخرى كثيره وأيضاً يتم التشخيص بواسطة الأشعة الطبقيه C.T.
ما هو العلاج لإلتهاب الزائدة :
إذا تم التشخيص فإن أفضل علاج حتي الأن هو إزالة الزائده الملتهبه جراحياً، أما بفتح البطن أو عبر المنظار .وقد زاد عدد الجراحين الذين يفضلون المنظاربعد التدريب عليه ، للتقليل من المضاعفات في التخدير، وفي مدة البقاء في المستشفى .
وقد كان أول من وصف التهاب الزائدة وعلاجها بالجراحة الدكتور ريجنالد فيتز عام 1889م (Reginald Fitz ( .
ولكن ثبت أن بعض الحالات يتم علاجها بنجاح بالمضادات الحيويه . كما أن بعض الحالات تشفي تلقائياً بدون علاج . وقد تتكرر هذه الحالات مما يؤدي إلى إلتهاب الزائده المزمن Chronic Appendicitis وخير علاج في هذه الحالة أيضاً هو الجراحه (1) .
وليس صحيحاً أن كل حالات التهاب الزائده تنتهي بلأنفجار وهو ما قد يعرض المريض للخطر على حياته . ولكن وجود نسبه عاليه من إنفجار الزائده لدى الأطفال وكبار السن، والذين يتعرضون للعقاقير المثبطه للمناعة، أو نقص المناعة بسبب مرض الايدز، تجعل الأطباء يفضلون إجراء العمليه ، دون التيقن من وجود إلتهاب الزائدة في هذه الحالات . وقد تصل نسبة إنفجار الزائدة لدي هذه المجموعات المذكورة إلى خمسين بالمئه . ومع ذلك فإن إجراء العمليه هو أيضاً الحل الوحيد حتي بعد إنفجارها مع إعطاء مكثف للمضادات الحيويه والإنتطار قليلاً حتي يتجمع الصديد في مكان واحد حول الزائده الملتهبه .
__________
(1) ... عانيت شخصياً من إلتهاب الزائده غير الواضح والمتكرر وعالجته بالجراحه بعد فتره من الزمن (من سن28إلى32) .(1/13)
ويقدر الأطباء أن 20 بالمئه من اللذين تجري لهم عملية الزائده لا يعانون من إنسداد وإلتهاب الزائده ، وقد ثبت ذلك بتشريح الزائده المستخرجه، ويعود السبب في ذلك إلى الإشتباه في التشخيص .
وهناك قائمه طويله من الأمراض الباطنيه من أهمها البول السكري عندما يزداد السكر بشكل كبير وتزداد معه الكتيونات الحامضيه Diabetic Keto-acidosis وحدوث انحلال دموي شديد في حالات الأنيمياء المنجليه . وأحياناً مجرد إلتهاب فيروسي مثل الأنفلونزا، كما أن هناك قائمه طويله من أمراض النساء التي تشتبه بالزائده .
ومما يجعل المرضى يرفضون في بلداننا إجراء العمليه عدم ثقتهم بالأطباء ، والسمعة السيئه التي حصلت في المستشفيات الخاصه التي تجري عمليه الزائده دون الحاجه لها ، وأنا أعرف شخصياً أحد المستشفيات التي كان أطباؤها مأمورون بتحويل الحاله إلى الجراح لوجود ألم في البطن ، غالباً ما يكون نتيجة إلتهاب القولون ( بأنواعه العديده وأكثرة شيوعاً القولون العصبي). وكانت سياسة المستشفي أنه لا ضرر من إجراء العمليه على المريض، وسيرتاح من عضو قد يسبب له مشاكل في المستقبل . وفي نفس الوقت فإن إجراء العمليه سيزيد من دخل المستشفي ودخل الأطباء الذين يساهمون في مثل هذا العمل . وهو عمل غير إخلاقي ومخالف لكل الأنظمة والأخلاقيات الطبيه . لهذا فإن المريض يذهب إلى طبيب أخر يثق فيه. وإذا قال له أنه بالفعل يعاني من إلتهاب الزائده، ويحتاج إلى العملية فإنه ينصاع لتلك النصائح .
وكثيراً ما يحدث أن الطبيب الأخر يجد أن لا حاجه للعمليه ، إما لوجود تشخيص أخر أو لأن المضادات الحيويه التي أعطيت للمريض قد خففت من أعراض الزائده الملتهبه ، وبالتالي ألغت الحاجه للعمليه ولو مؤقتاً . وفي بعض الأحيان وهو أمر غير شديد الندرة يخف الإلتهاب تلقائياً بدون جراحه أو حتى مضادات حيويه .
ما هو الموقف إذا رفض المريض البالغ العاقل إجراء عملية الزائده الملتهبه ؟(1/14)
إن إذن المريض البالغ العاقل ضروري لإجراء أي عمل طبي ، وخاصة إذا كان عملا جراحياً فالعمل الطبي بدون إذن هوا إعتداء على الشخص ، ومهما كانت المبررات فإن هذا العمل لا يجوز أن يحدث دون إذن من الشخص البالغ العاقل . وفي حالة الأنثى البالغه العاقله لا يكفي في ذلك إذن زوجها أو والدها أو أخيها .. إلخ.. بل يجب إذنها الصريح . ويحب أن يكون الإذن بالعمل الطبي ، إذنا متبصراً . أي أن المريض يكون عارفا بما سيتم عمله، وما هي مضاعفات ( إختلاطات ) هذا العمل الطبي – (هنا عملية الزائده مثلاً ) ؟ وما هي المخاطر من عدم إجراء العمليه ؟ وما هي الإحتمالات الأخري في العلاج ؟ فعلى سبيل المثال ينبغي أن يتم الشرح للمريض أن هناك نسبه محددة تستفيد من العلاج بالمضادات الحيويه كما أن هناك نسبه قليله من المرضى ربما يشفون بدون أي علاج .
ولا يجوز بأي حال من الأحوال الإعتداء على بدن الشخص العاقل البالغ بإجراء عمليه جراحيه أو أي إجراء طبي دون موافقته ، ما عدا في الحالات المنصوص عليها بعدم أخذ الإذن ، وهي الحالات الإسعافيه التي يتعرض فيها المصاب بفقدان حياته ، أو فقدان أحد أعضائه. والمريض فاقد الوعي أو مضطرب الوعي ولا يستطيع ان يعطي الإذن مع عدم وجود أحد من أوليائه .
وقد وافق مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثامنه عشرة المنعقدة في ماليزيا 1428 هـ / 2007 م بإتخاذ القرار رقم 172 (18/10) بشأن الإذن في الحالات الإسعافيه وقد أباح التدخل الطبي ( الجراحي ) دون حاجه إلى أخذ موافقه المريض أووليه في الحلات التاليه :
? وصول المريض في حاله إغماء شديد أو في حالة يتعذر الحصول معها على الموافقه قبل التدخل .
? أن المريض في حاله صحيه خطره تعرضٌه للموت وتتطلب التدخل السريع قبل الحصول على الموافقه
? أن لا يوجد مع المريض أي من اقاربه الذين لهم الحق في الموافقه مع ضيق الوقت.
ثانياً : يشترط للتدخل الطبي في مثل تلك الحالات :(1/15)
أ . ... أن يكون العلاج مقرٌاً من الجهات الصحيه المتخصصه ومعترفا به.
ب . ضرورة وجود طبيب إختصاصي في فريق لا يقل عن ثلاثة أطباء للموافقه على التشخيص والعلاج المقترح ، مع اعداد محضر بذلك موقع عليه من الفريق (1) .
ج. ... ضرورة أن تكون الفواتير المتوقعه من العلاج تفوق أضراره مع تقليل المخاطر قدر الإمكان .
د. ... بعد إفاقة المريض على الطبيب شرح التفاصيل كاملة له .
هـ. ... أن تكون المعالجة مجانيه ،و إذا كانت لها تكاليف فتحدد من جهه متخصصه محايدة. وإنقاذ المريض وإسعافه هو عمل إنساني أوجبه الله على كل من يستطيع فعل ذلك قال تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) (المائدة 32) .ومن كان بمقدوره أن ينقذ إنساناً ، وهو يستطيع ذلك دون خطر على حياته أو صحة المنقذ ولم يفعل يكون أثما ، وربما توقع علية عقوبات تعزيريه .
وقد أجمعت المدونات الطبيه العالميه على وجوب إنقاذ المريض ، ولو لم يتوفر الإذن لفقدان الوعي ، ولعدم وجود أحد من أولياء المريض أو المصاب.
__________
(1) ... من الناحية العملية قد لا يتوافر هذا الشرط في معظم المستشفيات والمراكز الصحيه، وخاصة في الأرياف ووجود هذا الفريق الطبي مع وجود اختصاصي في طب الطوارئ أمر جيد ومرغوب فيه ، ولكنه قد لا يكون متوفرا . ولذا فإن هذا الشرط لا ينبغي أن يطبق في الحالات الإسعافيه عند عدم وجود الأطباء المطلوبين ، وعلى الطبيب الموجود في الزمان والمكان أن يقوم بما يستطيعه من إسعاف وإنقاذ المريض . بل يجب على المساعدين الصحيين أن يفعلوا ذلك في سيارات الأسعاف وأن يتم تدريبهم على ذلك ، والا فإن كثيراً من النفوس ستزهق مع إمكانية انقادها.(1/16)
كما أن هذه المدونات الطبيه العالميه أجمعت على عدم مداواة المريض البالغ العاقل الواعي مراغمة دون موافقته ، وتعتبر القوانين كافه مثل هذا الإجراء اعتداء على جسد المريض وإن كان القصد حسناً ، مالم يكن هناك أمر من الدوله بعلاج الحالات المعديه التي سيتعدٌي ضررها إلى الأخرين أو في الحالات الإسعافيه كما سبق ذكره. لهذا كله فإن المريض المصاب بالتهاب الزائده الدوديه إذا رفض العلاج الجراحي ، وكان عاقلاً بالغاً فإن له ذلك . ولكن على الطبيب أن يشرح له المضاعفات التي قد تحدث .
وحسب خبرتي لمدة 45 عاماً في الحقل الطبي فإن رفض المريض يرجع في الغالب إلى عدم ثقته بالطبيب وبالتشخيص وبالمستشفى ، وبالأخص إذا كان مستشفى خاصا لا يعمل إلا بمقابل مالى .
وفي هذه الحاله ينصح المريض بأخذ رأي طبيب يثق فيه مع إعطائه تقريرا كاملا عن حالته حتي يقدمه للطبيب الأخر . كما ينبغي أن يوضح له كافة الإحتمالات ، ويعطى علاج المضادات الحيويه ، ويُنبٌه إلى أن أي زياده في الألم والقي تستدعي مراجعه سريعة لأقرب مستشفى .
وحسب تجربتي فإن معظم المرضى يقبلون هذه النصائح .
والخلاصه في هذا الموضوع:
1. لا يجوز إجبار المريض العاقل البالغ على اجراء أي تدخل طبي
2. يجب شرح كافة الأعراض المتوقعة والمضاعفات وتبيين خطورتها ونسبة حدوثها .
3. يعطي المريض الحق في إستشارة طبيب أخر .
4. يسمح للمريض بالعودة ومعالجتة عند اشتداد الأعراض بالعمل الطبي المناسب. ولا يمكن رفض قبوله لمجرد أنه قد وقع ( المريض ) بنفسه على رفض التداوي (1) .
المسألة الثانية :
الجنين الذي التف الحبل السري حول رقبته ولم تتم الموافقة على إجراء العملية القيصرية اللازمة لإنقاذ الطفل .
__________
(1) هذه لمادة العلمية مستقاة من الكتاب المرجع في علم الجراحة Greenfields Surgery , 4th edition, 2006, Lippincott, Williams & Wilkins, London, Philad ed.M.Mulholland-k. Iillemoe pp.1212-1220.(1/17)
تكوين الحبل السري في الجنين:
يتكون الحبل السري من نمو واستطالة (المعلاق) (Connecting stalk) الذي قوامه خلايا من الطبقة الوسطى في الجنين الباكر (Mesoderm) ، وبه نسيج هلامي ، كما تتكون عبره الأوعية السرية ، وهما شريانان يخرجان من الجنين ويحملان الدم غير المؤكسد إلى الأم ، ويعود من الأم إلى الجنين عبر الحبل السري، الوريد السري، وهو يحمل الدم المؤكسد من الأم إلى الجنين، كما يحمل أيضاً المواد الغذائية التي يحتاجها الجنين من أجل نموه .
ويغطي الحبل السري من الخارج الأمنيوس ، ويبلغ طول الحبل السري في نهاية الحمل حوالي خمسين سنتمترأ وثخانتة سنتيمتر واحد ، وقد يزيد الطول إلى مائة سنتمتر أو يقّّل إلى ما دون العشرين سنتمتر ، تبعاً لحالات تكوينية خاصة لها قيمتها الاكلينكية .
ويتصل الحبل السّري من جهة بالجنين ، أما من الجهة الأخرى فيتصل بالمشيمة وعبرها يتصل بالدورة الدموية للأم .
ويوجد بالحبل السّري في المراحل المبكرة من الحمل قناة المح، وهي متصله بكيس المح (التجويف الصفاري)، والقناة المنبارية (allantois). وكلاهما يندثر مع تقدم الحمل، ولا يبقى سوى حويصلة صغيرة من القناة المنبارية في الجزء العلوي من الحبل السري إلى وقت الولادة .
وعادة ما تكون الأوعية الدموية داخل الحبل السري أطول من الحبل السرّي ذاته مما يعطي انطباعاً بالتفاف الأوعية ، وذلك أمر لا يؤثر إلا إذا كان التفاف الأوعية الدموية داخل الحبل السري يعيق مسار الدم فيؤدي ذلك إلى وفاة الجنين ،وحدوث سقط، أو ولادة طفل ميت، وهو أمر نادر الحدوث، ويحدث بنسبة واحد بالمئة من الحالات أو أقل .(1/18)
وإذا كان الحبل السّري طويلاً فأنه قد يلتف حول الجنين ، وغالباً ما يكون الالتفاف حميدا لأنه لا يضغط على العنق، ويكون من الرأس ويسمى مختفياً Occult Prolapse لأن طبيب التوليد لا يدركه . وقد يكون على الجسم من الرأس إلى الجذع دون أن يضغط على العنق كذلك، هو ما يدعى Forelying)، أي يقع الحبل أمام جسم الجنين. والحالة الثالثةهي التي يسقط فيها الحبل السري ويخرج من عنق الرحم قبل نزول الجنين. وفي هذه الحالة يتعرض الجنين لانضغاط الحبل السري أثناء الولادة، أو التفافه حول عنق الجنين عند ولادته، مما يؤدي إلى اعاقة التروية الدموية للدماغ ، فإن كانت الإعاقة غير كاملة واستمرت لخمس دقائق فإن ذلك يؤدي غالباً إلى تلف في خلايا الدماغ مما ينتهي إلى اعاقة، أما إذا كانت اعاقة الدورة الدموية كاملة ، واستمرت هذه الأعاقة لخمس دقائق أو أكثر فإن الجنين المولود يتعرض للوفاة بسبب توقف الدورة الدموية عن الدماغ .
شذوذات الحبل السري :
1) وجود شريان واحد في الحبل السري بدلا من شريانين وذلك يؤدي الى زيادة في حدوث تشوهات في الجنين ، كما تصحبه زيادة في اختلاطات (مضاعفات الولادة) وموت الجنين داخل الرحم قبل الولادة أو أثناء الولادة .
2) الحبل السري قصير جداً ، وتزداد بعض اختلاطات الولادة .
3) الحبل السري طويل جداً (75-100سم)، وهنا تزداد حالات التفاف الحبل السري حول الجنين، فإن كان الالتفاف حول العنق فإن ذلك يؤدي إلى اختناق الجنين وقلة التروية الدموية لدماغ الجنين ، مما يؤدي إلى تلف في الدماغ أو وفاة الجنين، اما قبل الولادة أو عند الولادة .
ويؤدي الحبل الطويل إلى سقوط الحبل السري Cord Prolapse وهذا بدوره يؤدي إلى مضاعفات (اختلاطات متعددة ).
أسباب سقوط الحبل السري :
إن سقوط الحبل السري أو التفافه حول عنق الجنين يحدث بنسبة واحد إلى مائتي حالة ولادة وتزداد النسبة في الحالات التالية :
1) وجود حمل متعدد (حمل التوائم)(1/19)
2) نزول المقعدة أو الكتف أو الوجه أو الجنين المعترض أو غير ذلك من شذوذات نزول الجنين بدلا من النزول المعتاد بالرأس .
3) إنفجار الاغشية ونزول المياه في وقت مبكر
4) ضيق في الحوض العظمي لدى الحامل .
5) انغراز المشيمة في أسفل الرحم وبالقرب من عنق الرحم Placenta Previa مما يجعل الحبل السري قريباً جداً من عنق الرحم فيتدلى منه عندما يتوسع هذا العنق في المرحلة الأولى من الولادة .
6) انغراز الحبل السري في جانب من المشيمة وليس في وسطها كما هو معتاد
7) زيادة طول الحبل السري عن حدة الطبيعي ، وبالذات إذا تجاوز 75سنتمترا. وعندما يكون طول الحبل السري ما بين 75 و 100سنتمتر تزداد حوادث سقوط الحبل السري وحوادث التفاف الحبل حول عنق الجنين .
8) عندما تزداد المياه في داخل كيس السلى (السائل الامنيوسي) وهو ما يعرف بزيادة المياه الامنيوسية (Polyhdramnios)
أنواع التفاف وسقوط الحبل السري :
هناك عدة أنواع من التفاف وسقوط الحبل السري كالآتي :
1- الالتفاف المختفي : ويكون على الجنين في أعلى جسمه وقد يضغط أولا على عنق الجنين وتكون الاغشية سليمه ولم تنفجر بعد ، وبالتالي لا يستطيع طبيب التوليد معرفة ذلك إلا بواسطة فحص الموجات فوق الصوتية (من النوع الجيد) .
2- الالتفاف أمام جسم الجنين أو خلفه : وعادة ما ينزل قبل نزول أي عضو من أعضاء الجنين ، ويحسه الطبيب المولد عند الفحص من المهبل قبل انفجار جيب المياه
3- السقوط التام : مع انفجار جيب المياه ، وتشعر به المرأة الحامل ذاتها، إذ تحس بوجود الحبل السري في عنق الرحم ثم في المهبل ، وقد يخرج الحبل السري حتى خارج فتحة المهبل وتراه الحامل.(1/20)
وكلما زاد الضغط على الجنين أدى ذلك إلى زيادة تقلصات الجنين وانخفاض نبضات قلبه ، وخروج الخفي meconium من أسفل الأمعاء إلى السائل الأمنيوسي الذي يبدو مخضرا. وإذا كانت الخضرة خفيفة فإن معنى ذلك أن الضغط على الجنين ليس شديداً, وهناك وقت لمحاولة التوليد بدون عملية قيصرية، أما إذا كان لون السائل شديد الخضرة أو مائلا إلى السواد فإن معنى ذلك أن الوقت قد أزف لإجراء عملية مستعجلة لتوليد الجنين بالعملية القيصرية .
الإجراءات المتبعة :
عند تشخيص سقوط بالحبل السري فيجب تغيير وضع المرأة. وأسوا وضع هو ان تستلقي على ظهرها ، فيجب آنذاك ان تميل يمنه أو يسره ، ويفضل أن تستلقي على الجنب الايسر . وإذا انفجر جيب المياه عليها أن تقف وذلك يساعد الجنين على النزول قبل الحبل السري. والأفضل أن يكون وضعها كالتالي : تضع وجهها وصدرها ويديها على السرير أو الأرض مع ثني الركبتين ووضعهما على السرير أو الأرض ، وهو ما يعرف بوضع الصدر – الركب (Knee-Chest Position) أو تكون في وضع ترندلبرج Trendelburg Position أو ثني مفصلي الورك والركب إلى أقصى درجة ممكنة مع وضع الاستلقاء .
إذا كان وضع رأس الجنين في الأسفل فإن هذه الإجراءات قد تكون ذات فائدة وإما إذا كان الجنين معترضا أو نازلا بمقعدتة (Breech) أو بكتفه Shoulder Presentation أو غير ذلك من شذوذات نزول الجنين فإن الحل هو العملية القيصرية المستعجلة ، وذلك بعد التأكد من أن الجنين لا يزال حيا أما إذا كان ميتا فلا داعي لهذه الإجراءات إذا أمكن انزاله من المهبل بالتوليد العادي أو بواسطة الملقاط الولادي .
معالجة اختلاطات (مضاعفات) سقوط الحبل السري :(1/21)
1) إذا جاءت المراة الحامل إلى المستشفى وقد سقط الحبل السري في منزلها فإن ذلك : يعني مضى وقت طويل على هذه الحادثة ، وبالتالي فإن الجنين في الغالب يكون قد توفي ، ولا بد من إجراء الفحوصات للتيقن من ذلك، فإن لم يكن هناك أي نبض في الجنين مع وجود حموضه عالية في دم الجنين فإن الجنين في هذه الحالة يكون قد توفي ، ويتم توليد المراة عبر المهبل، وإذا احتاجت إلى عقاقير مساعدة للطلق تعطى هذه العقاقير، وبالتالي تتم الولادة طبيعيا. وقد يحتاج طبيب التوليد إلى استخدام الملقاط الولادي المنخفض low forceps ،وينبغي اخبار المراة بأن المولود قد توفي في بطنها .
2) إذا ادخلت المرأة إلى المستشفى قبل سقوط الحبل السري : فإن الطبيب المتابع يستطيع أن يعرف باستخدام الموجات فوق الصوتية والاجهزة الحديثة، حدوث سقوط الحبل السري أو التفافه حول العنق ، كما سيعرف بالضبط مدى الضغط على الدورة الدموية في الجنين. وتظهر العلامات على الجنين عادة بانخفاض في نبض الجنين ، وظهور العقي meconium في سائل السلى ، وإذا كانت الاغشية قد انفجرت فإن ذلك يكون واضحا للعيان، فإذا تغير لون السائل تغيرا خفيفا بإخضرار فإن المعالجة يمكن أن تتم بمحاولة التوليد بدون العملية القيصرية ، وأما إذا كان الاخضرار عميقاً أو ضاربا إلى السواد أو ان نبض القلب الجنين قد انخفض ما دون 90 ضربة في الدقيقة، فإن ذلك يستدعي اجراء عملية قيصرية على وجه السرعة ، ولذا ينبغي عند تشخيص سقوط الحبل السري أن يأمر الطبيب المولد بتحضير غرفة العمليات وطبيب التخدير، وان يكونوا على أهبة الاستعداد لعملية قيصرية مستعجلة .
ولهذا ينبغي أخذ الاذن من المرأة الحامل بإجراء عملية قيصرية إذا لم تجد الاجراءات الأخرى في إزالة الضغط والاعاقة على الدورة الدموية للجنين .
إذن المرأة الحامل :(1/22)
لا بد من الحصول على الأذن من المرأة الحامل لإجراء العملية الجراحية القيصرية إذ أن هذه العملية هي عمل طبي فيه اعتداء على جسدها فإذا لم تأذن بذلك فإن الطبيب يتعرض للمسائلة القانونية .
ولا يعتبر إذن زوجها أو غيره من أقاربها الذكوركافيا ما دامت المرأة عاقلة بالغة راشدة. واذنها يعتبر كافيا لإجراء أي عمل طبي بعد أن يتم شرح كافة الملابسات الهامة لها.
ولكن يشكل على هذه القضية أن مخلوقاً آخر يتعرض للموت، أو للاصابة الشديدة في دماغه، إذا رفضت المرأة الحامل إجراء هذه العملية ، فهل يسوغ تعريض انسان لهذه المخاطر الشديدة من أجل أمة التي ترفض إجراء العملية الجراحية القيصرية. ومن المعلوم أن هذه العملية قد اصبحت روتينية وأن مضاعفاتها قليلة, ونسبة الوفيات منها نادرة وضئيلة .
لهذا يتجه بعض الفقهاء ورجال القانون والأطباء إلى السماح بإجراء هذه العملية للمرأة من أجل إنقاذ الطفل في بطنها ، ويجب أن يقرر ذلك على وجه السرعة الأطباء المعالجون ويثبتون ذلك في ملف المريضة ، وذلك بعد بذل كافة المحاولات لاقناعها وايجاد من يحاول اقناعها من أهلها .
وإذا وافق الزوج فإن المراة في الغالب الأعم ستوافق, ولكن الاشكال إذا رفض الزوج إجراء هذه العملية المستعجلة وترددت الزوجة ، وخافت من غضب زوجها عليها وبالتالي أعلنت عدم موافقتها .
أما إذا وافقت الزوجة ورفض الزوج فلا قيمة لرفضه لأن العملية ستجرى لها وعلى بدنها ، وما دامت عاقلة بالغة فلا تحتاج في هذا الإجراء إلى أذن الزوج وهو أمر متفق عليه وقد أيدته القوانين والانظمة في وزارات الصحة المختلفة بما في ذلك الانظمة في وزارة الصحة بالمملكة العربية السعودية .(1/23)
وقد وجدت أن رفض الزوج لإجراء العملية يكون في الغالب نتيجة فقدان للثقة في الاطباء والمستشفيات، وبالذات المستشفيات الخاصة ، حيث أن المستشفى سيستفيد مادياً من إجراء هذه العملية، وبما أن الثقة في الأطباء والمستشفيات الخاصة قد بدأت تفقد ، فإن بعض الأزواج يرون أن ادعاء الأطباء بأن المرأة ستتعرض للخطر أو أن الوليد سيتعرض للخطر إذا لم تجر له العملية القيصرية المستعجلة ليس الا وسيلة لكسب المال الحرام .
وهي قضية عويصة ينبغي الانتباه لها ومعالجتها من جذورها، لهذا فان الرفض يكون بصورة عامة أقل في المستشفيات الحكومية المجانية، أو المستشفيات العسكرية المجانية . وقد يحدث رفض الزوج في هذه المستشفيات وخاصة التعليمية الجامعية ، على اعتبار انهم يريدون تدريب الأطباء الشباب على إجراء هذه العملية رغم أن المراة لا تحتاج لها في الأصل, وبالتالي فإن السبب في الرفض هو فقدان الثقة .
وهناك عدة حلول لهذه المعضلة :
1) الحلول السريعة : وتتمثل في اقناع الزوج أو غيره والاستعانة بمن يستطيع اقناعه من أهله أومن رجل له قيمة اعتباريه أو من إدارة المستشفى .
في حالة فشل محاولات الاقناع ، وحتى لا يضيع الوقت ، وبالتالي يموت الجنين أو يصاب بعاهة دائمة يتم إجراء العملية بعد الموافقة على ذلك من الأطباء المعالجين وإدارة المستشفى ، ومن يمثل الدولة رسميا .
2) الحلول الطويلة المدى : وتتمثل في تحسين العلاقات بين الأطباء والمستشفيات وبين المرضى ، بحملات توعية ولقاءات متعددة على أجهزة الإعلام، وخاصة التليفزيون، ومعالجة هذه المشكلة .
كما ينبغي التشديد على الالتزام بقوانين وآداب مهنة الطب ومعاقبة كل من يخالف هذه الآداب والأخلاقيات والقوانين من المستشفيات والأطباء عقوبات رادعة.
المسالة الثالثة: إذا احتاج الطفل المرض الى اجراء طبي تدخلي مثل عمليات الزائدة او غسيل الكلى او نقل الدم، ورفض الولي اتخاذ ذلك الاجراء.(1/24)
لابد من إذن الولي لناقص الاهلية او فاقدها (مثل الطفل او المجنون او فاقد الوعي او مشوش الذهن) باستثناء حالات الاسعاف التي تقتضي تدخلا سريعا لانقاذ حياة انسان او عضو من اعضائه من التلف.
ولا يعتد برضا المكره والمجبر. قال تعالى: ( لا اكراه في الدين) البقرة 256
كما لا يعتد برضا القاصر الا باذن وليه. ويختلف سن القاصر من بلد الى اخر وقد اصدر مجمع الفقه الاسلامي الدولي الموقر قراره رقم 167 (6/18) في الدورة الثامنة عشرة المنعقدة في ماليزيا في 24-29 جمادي الاخرة 1428هـ الموافق 9-14 يوليه 2007 بشان تحديد سن البلوغ واثره في التكليف وقد قرر المجمع مايلي:
"اولا: ... سن التمييز السابق لمرحلة البلوغ سبع سنوات وتعتبر تصرفات من لم يبلغها باطله. اما المميز فان تصرفاته المالية تنقسم الى تصرفات نافعه نفعا محضا فتقع صحيحة نافذة ، وتصرفات دائرة بين النفع والضرر فتقع موقوفة على الاجازة ممن يملكها، وتصرفات ضارة ضررا محضا فلا يعتد بها (1) .
__________
(1) ... واذا طبقنا هذا القرار على الوسائل الطبية فان اذن الطفل المميز بالعمل الطبي يقع غالبا في دائرة بين النفع والضرر، ولذا لابد من موافقه ولي امر هذا الطفل لاجراء هذا العمل الطبي. واذا اعتبرنا ان موافقة الطفل على عمل طبي نافع مثل اجراء عملية الزائدة او الغسيل الكلوي او غير ذلك من الاجراءات النافعة فان على ولي امر الطفل ان يجيز هذا القرار ولا يعطله. واذا رفض الولي مثل هذا الاجراء فان على القاضي ان يعزله عن الولاية، ويعين على وجه السرعة وليا اخر يقوم بما تقتضية مصلحة الطفل.(1/25)
ثانيا: ... نظرا لكون البلوغ مرتبطا بنمو الجسم ووصوله الى مرحلة معينة يحصل بها تمام الادراك فانه يعتبر البلوغ الطبيعي بالامارات الدالة عليه، او بالبلوغ بالسن بتمام خمس عشرة سنة في مسائل التكليف بالعبادات. اما التصرفات المالية والجنائية فلوي الامر تحديد سن مناسبة للبلوغ حسبما تقتضية المصلحة طبقا للظروف المكانية والبيئية."
ولا يعتد برضا شبه المغمى عليه، او مشوش الذهن، سواء كان ذلك بسبب مرض او نوم او ادوية او حاذثة، او سكر نتيجة الخمور او المخدرات، وكل ما يسبب تشوش الذهن واضطرابه وعدم القدرة على التمييز. وفي جميع هذه الحالات لابد من اذن ولي امر هذا الشخص.
الأسئلة المتعلقة بمداواة طفل عندما يرفض ولي امره مداواته
لقد جعل الإسلام الولاية على الطفل للحفاظ على مصالحه، وخوفا من ان يوافق الطفل، او قاصر الاهلية ، او فاقدها ، على ما يضره. ولهذا فقد جعل الاسلام كل تصرف من ناقص الاهلية او فاقدها لاغيا اذا كان ذلك التصرف سيؤدي الى ضرر لهذا القاصر او فاقد الاهلية. ولابد من اذن الولي.
فاذا قام الولي بعكس ماهو منوط به من الحفاظ على مصلحة هذا القاصر او فاقد الاهلية، كان يوافق على التبرع باعضاء هامة من اعضاء هذا الطفل، او التبرع بماله، فان هذا القرار يعتبر لاغيا لنه ليس في مصلحة القاصر او فاقد الاهلية.
إما إذا قام الولي برفض الإذن في التداوي مع حاجة الطفل او فاقد الاهلية له لابد من ايجاد وسيلة سريعة للسماح للاطباء باداء واجبهم.
أمثلة:(1/26)
1. طفل يحتاج الى نقل دم، ورفض الولي ذلك: اما خوفا من الدم او ماقد يحمله من امراض معدية او تفاعلات خطيرة، وذلك كله ناتج عن فقدان الثقة بالطاقم الطبي. وقد يكون الرفض ناتج عن عقيدة معينة كما يحدث عند طائفة من النصارى تعرف باسم شهود يهوه (Jehova Witnesses) الذين يعتبرون ان الدم هو مقر الروح، ولذا يرفضون التبرع بالدم او تلقيه. ومن الملاحظ ان بعض الفقهاء من المسلمين تحدث عن الحشرات بتعبير " ما لا نفس له سائلة" ، اي ليس له دم. وقد اورد ابن القيم في كتاب الروح ان الدم قد يطلق على الروح.
2. طفل او فاقد الاهلية يحتاج الى علاج الفشل الكلوي بالانفاذ الدموي او البيرتوني (غسيل الكلى)، وولي الامر يرفض ذلك، على اعتبار ان هذا الجراء خطير وله مضاعفات وقد ينقل بعض الفيروسات مثل التهاب الفيروسي الكبدي من نوع B او C. وهو ايضا لا يريد معاناة طفله، والموت والحياة بامر الله تعالى.
3. طفل يحتاج الى اجراء عملية جراحية مثل التهاب الزائدة والولي يرفض ذلك لفقدان الثقة بالمستشفيات.
4. طفل مصاب بالصرع، ويعتقد وليه انه من المس (اي الاصابة بالجن ) وبالتالي يذهب لعلاجه عند المشايخ ومن يدعون ذلك، ويرفض العلاج عند الاطباء بالعقاقير المعروفة لعلاج الصرع.
5. طفل مصاب بورم خبيث (سرطان)، وقد يحتاج العلاج اذا كان الورم في احد اطرافه الى بتر، وقد اجمع الاطباء على ذلك. فيرى ولي الطفل ان هذا الجراء عنيف جدا ويذهب لمعالجته بالوسائل الاخرى مثل الاعشاب وشرب العسل وماء زمزم والرقية من المشايخ.
وقد رايت حالة مماثلة لما ذكرت ورفض والد الطفل علاجه عند الاطباء ثم عاد بعد سته اشهر وقد انتشر السرطان من الساق الى الفخذ والى اجزاء اخرى من الجسم واصبح العلاج الطبي محفوفا بالمخاطر وتدنت نسبة النجاح من 85 بالمئة الى 15 بالمئة. وهكذا فاتت على هذا الطفل فرصة علاج كانت متوفرة.(1/27)
كيف يتصرف الأطباء في مثل هذه الحالات المذكورة سالفا ؟ وهل هناك وسيلة معينة سريعة لنقد الولاية من الاب، او الولي الحالي، الى ولي اخر يوافق على هذا الاجراء على وجه السرعة.
اقتراح لمعالجة هذه المشكلة:
1. ان معظم حالات الرفض متعلقة بالاتي:
a. فقدان الثقة بالاطباء والمستشفيات
b. اعتقاد الولي ان المرض هو بسبب الجن (حالات الصرع)، او العين، او السحر.
c. اعتقاد الولي ان العلاج بالرقية والاعشاب والكي وماءزمزم والعسل افضل من التداوي عند الاطباء بالطب الحديث.
2. ايجاد نظام سريع وفعال لاستبدال الولي الذي يرفض بعناد علاج طفله، او من هو تحت ولايته، رغم الشرح الطبي وتوضيح المخاطر.
3. ايجاد نظام يسمح للمستشفى باحتجاز الطفل او القاصر الاهلية حتى يتم اخذ الاذن من الولي الجديد الذ تعينه الهيئة القضائية المختصه على وجه السرعه.
4. ايجاد نظام يجعل المستشفى أو المنشاة الصحية قادرة على الاتصال السريع بجهة معينة لحماية الطفل او القاصر أو المرأة من الاعتداء الذي يؤدي الى اضرار نفسية وبدنية بليغة، و هو امر يزداد للاسف يوما بعد يوم.(1/28)