طوق الحمامة في التداوي بالحجامة
بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بالحجامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى جعل الدعائم للإسلام أركانا ، وطاعة الرسول على الإيمان دليلاً وبرهانا ، فأما الذين اهتدوا فزادهم هدىً وعرفانا ، وأذاق من طغى وتكبر من العذاب صنوفاً وألوانا ، وتوعده فى الآخرة ذلاً وخزياً وهوانا . فلله كم فى الإيمان بالله من زاكيات الثَّمَرْ ، وفى طاعة رسول الرحمن من زاهيات الزَّهَرْ ، فأهله فى الدنيا مُنَعَّمون وفى الآخرة فى جناتٍ ونَهَرْ ، والصلاة والسلام الأتمان على المبعوث رحمةً وهدايةً للبشرْ ، ما تعاقب الليل والنهار ودار فى فلكيهما الشمس والقمرْ .
وبعد ..
لما كان للحجامة من الشيوع والاستفاضة فى أوساط المسلمين ؛ فقد وضح أثر ذلك غاية الوضوح ؛ فى سؤال أهل العلم عن المسائل المتعلقة بها ، للتعرف على أحكامها ، وأول من سئل عن أحكامها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الذى أبان فضلها وبيَّن تفاصيلَها ، تصديقاً لقوله جلَّ وعلا (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) ، وقوله تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) . قال عبد الله بن محمد بن هارون الفريابي سمعت الشافعي يقول : سلوني عما شئتم أخبركم من كتاب الله تعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : ما تقول أصلحك الله في المحرم يقتل الزنبور ؟ ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) ، وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) . حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب : أنه أمر بقتل الزنبور .(1/1)
قال علماؤنا : وهذا جواب في نهاية الحسن ، فقد أفتى ـ طيب الله ثراه ـ بجواز قتل الزنبور في الإحرام ، وبيَّن أنه يقتدى فيه بعمر ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاقتداء به ، وأن الله سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فجواز قتله مستنبط من الكتاب والسنة بهذا الاعتبار .
بيان حكم حجامة النساء
بيان حكم حجامة النساء
(29) عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا . قَالَ : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ . صحيح . أخرجه أحمد (3/350) ، ومسلم (14/193) ، وأبو داود (4105) ، وابن ماجه (3480) ، وأبو يعلى (2267) ، وابن حبان (5602) ، والحاكم (4/233) ، والبيهقى (( الكبرى )) (7/96) ، والخطيب (( تاريخ بغداد )) (5/169) من طريق الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر . وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )) .قلت : وهو كما قال ، ولكن فاته أن مسلماً أخرجه فى (( صحيحه ))
هذا الحديث غاية فى الصحة ، ولهذا أودعه أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورى فى (( صحيحه )) ، وهو قائم مقام الاحتجاج فى جواز تطبب المرأة ، ومداواتها بيد الرجل الموثوق بأمانته وديانته وصيانته لحرمات النساء ، ولهذا بوَّب عليه الإمام أبو حاتم بن حبان فى (( التقاسيم والأنواع )) :(1/2)
ذكر الأمر للمرأة أن يحجمها الرجل عند الضرورة إذا كان الصلاح فيها موجوداً . وأما قول الراوى فى الحديث : حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ ، فمما لا يلزمنا قبوله بإطلاق ، فهو من إدراج أحد الرواة دون جابر بن عبد الله ، ولا يمكن القطع بتعيينه ولا يقدح ذلك فى صحة الحديث ، ولا تلقينا إيَّاه بالقبول ، ومن مقتضاه جواز حجم الرجل الورع الأمين الثقة للمرأة إذا اضطرت إلى الحجامة ، وكان الشفاء مظنوناً ، ولم تكن ثمة نسوةٌُ حجامات ماهرات بأصول هذه الصنعة ، وذلك فى وجود زوجها وبإذن منه إن كانت ذات زوجٍ ، أو أحد محارمها إن لم تكنه .
وما أحسن ما قاله العلامة ابن حزم (( المحلى ))(10/33) : (( وأما قول الراوي : حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ ، أَوْ غُلامًا لَمْ يَحْتَلِمْ ، فإنما هو ظن من بعض رواة الخبر ممن دون جابر ، ثم هو أيضا خلاف لواقع الأمر ، لأن أم سلمة رضي الله عنها ولدت بمكة ، وبها ولدت أكثر أولادها ، وأبو طيبة غلام لبعض الأنصار بالمدينة ، فمحال أن يكون أخاها من الرضاعة ، وكان عبداً مضروبا عليه الخراج ، كما روينا من طريق مالك عن حميد الطويل عن أنس قال : حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة ، فأمر له بصاع من تمر ، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه )) . ثم قال : (( ولا يمكن أن يحجمها إلا حتى يرى عنقها ، وأعلى ظهرها مما يوازى أعلى كتفيها )) .
وأما التحرز للحجام الذى يعالج النساء بكونه ورعاً ثقةً أميناً ، فلأنه يكشف من المرأة ما يحرم عليه كشفه فى غير هذه الضرورة ، فلا يحجزه عن المحظورات المهلكات إلا ورعه ، ولأن عورات المرأة من الأمانات التى يجب ويتأكد حفظها وصيانتها ، ولا يصلح لذلك إلا الأمناء الثقات ، ألم تقل المرأة المؤمنة (( إن خير من استأجرت القوى الأمين )) .(1/3)
ولا يخفى أن ستر عورات النساء من أوجب الواجبات ، ولا يجوز لامرأة أن تكشف عن جزءٍ ولو يسيرٍ من عورتها لأجنبىٍ عنها إلا لضرورة ماسة كمداواةٍ ونحوها ، وضابط ذلك قول الله جلَّ وعلا (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبآئهن أو أبآء بعولتهن أو أبنآئهن أو أبنآء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسآئهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النسآء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون )) .
قال سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام (( قواعد الأحكام )) : (( ستر العورات واجب ، وهو أفضل المروءات وأجمل العادات ، ولا سيما فى النساء الأجنبيات . لكنه يجوز للضرورات والحاجات . أما الحاجات ، فكنظر كل واحد من الزوجين إلى صاحبه ، ونظر الأطباء للمداواة )) .
والحجام وهو مضطر للنظر إلى محاجم المرأة المحرم عليه النظر إليها فى غير هذا الموضع ، فهذا الاضطرار مقيد بشرطين :
( الأول ) ألا يجاوز موضع الحاجة ، إذ الضرورة تقدر بقدرها ، فقد قال تعالى (( فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه )) . فعلى الحجَّام ألا يجاوز ما أبيح له من الكشف والنظر لئلا يأثم بذلك ، وليتحرى الإسراع بالفراغ من عمله ما أمكنه ؛ لئلا يحرج المرأة وزوجها ومحارمها .(1/4)
( الثانى ) ألا يمس شيئاً من جسد المرأة بيده مباشرة ، وذلك باستعمال قفازين ، لما صحَّ من حديث معقل بن يسارٍ أن رسول الله قال : (( لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ خير له من أن يمسَّ امرأةً لا تحلّ له )) صحيح . أخرجه الرويانى (( المسند ))(2/323/1283) ، والطبرانى (( الكبير )) (20/211/488،487) من طرق عن شداد بن سعيد الراسبي سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير يقول سمعت معقل بن يسار به .
قلت : وهذا إسناد متصل برجال كلهم ثقات ، خلا شداد بن سعيد أبا طلحة الراسبى ، فقد اختلفوا فى توثيقه ، والأكثر على توثيقه . فقد وثقه ابن معين ، وأحمد بن حنبل ، والنسائى ، والبزار ، وابن حبان . وكفى بتوثيق الإمامين أحمد وابن معين .
وأما وجود الزوج وإذنه لذوات الأزواج ، أو المحارم لغيرهن ، فلما فى (( الصحيحين )) من حديث ابن عيينة حدثنا عمرو بن دينار عن أبي معبد سمعت ابن عباس يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ : (( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ، وَلا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )) ، فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا ؟ ، قَالَ : (( انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ )) .(1/5)
وقد صحَّ عن عمر بن الخطاب أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (( أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ )) صحيح . أخرجه أحمد (1/18) ، والترمذى (2165) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/388/9225) ثلاثتهم من طريق محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال خطبنا عمر بالجابية فقال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا ، فَقَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلا يُسْتَحْلَفُ ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلا يُسْتَشْهَد أَلا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشيْطَانُ . عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ . مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ . مَنْ سَرتهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِئتُهُ ، فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ )) .
قال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقد رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة ، وقد روي هذا الحديث من غير وجهٍ عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم )) . قلت : هو كما قال ، له عن عمر طرق يطول تخريجها ، وقد بسطتها فى غير هذا الموضع .
بيان حكم حجامة المحرم
بيان حكم حجامة المحرم
(21) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ .
وأما احتجامه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم ، ففيه أربع مسائل :
[ المسألة الأولى ] جواز الحجامة للمحرم ، وأن إخراج الدم لا يقدح فى إحرامه ، وبالأحرى سائر أنواع التداوى عند الحاجة .(1/6)
قال أبو عيسى الترمذى : (( وقد رخص قوم من أهل العلم في الحجامة للمحرم ، وقالوا : لا يحلق شعرا . وقال مالك : لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة . وقال سفيان الثوري والشافعي : لا بأس أن يحتجم المحرم ولا ينزع شعراً )) .
وقال أبو سليمان الخطابي (( معالم السنن )) : (( لم يكن أكثر من كره من الفقهاء الحجامة للمحرم إلا من أجل قطع الشعر ، وإن احتجم في موضع لا شعر عليه فلا بأس به ، وإن قطع شعراً افتدى . وممن رخص في الحجامة للمحرم : سفيان الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال مالك : لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة لا بد منها . وكان الحسن يرى في الحجامة دماً يهريقه )) .(1/7)
ولم ينقل أحد من الصحابة أن النَّبىَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افتدى من حجامته هذه ، مع توافر الهمم والعزائم على نقل كل أفعاله وأقواله وهيئاته فى حجته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فدلَّ ذلك على أن حجامته برأسه لم تقتضى قطع شعر . وأما قول بعضهم : الحجامة بالرأس لا تخلو عادة عن حلقٍ ، فالأوفق بالحديث أن يقال بجواز حلق موضع الحجامة إذا كان هناك ضرورة ! ، ففيه مخالفة صريحة لظاهر قوله تعالى (( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )) ، وفيه بيان أن الجواز لفعل المحظور كقطع الشعر وقلع الظفر لا يخلو من وجوب الفدية . وأصل ذلك ما أخرجاه فى (( الصحيحين )) من حديث مجاهد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ يَتَهَافَتُ قَمْلاً ، فَقَالَ : (( أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ ؟ )) ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : (( فَاحْلِقْ رَأْسَكَ )) ، قَالَ : فَفِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )) ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ مَا تَيَسَّرَ )).
فقد صحَّ أنه لو احتجم محرم برأسه لضرورة أو بدونها ، فإن لم يقطع شعراً فلا شئ عليه ، وإن قطع ففيه الفدية .
[ المسألة الثانية ] الحجامة بلا قطع شعر ولا فعل محظور من المباحات للمحرم بإطلاق عند أبى حنيفة والشافعى خلافاً لمالك ، فهى كالغسل والاكتحال وسائر المباحات التى يفعلها المحرم .(1/8)
ففى (( الحجة ))(2/256) للإمام محمد بن الحسن الشيبانى : (( باب الحجامة للمحرم . قال محمد عن أبي حنيفة : لا بأس بالحجامة للمحرم اضطر أو لم يضطر ما لم يحلق شعراً . وقال أهل المدينة : لا يحتجم المحرم الا من ضرورة . قال محمد : وكيف يقول هذا أهل المدينة ، وقد احتجم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محرم ، وما ذكر في ذلك ضرورة ؟! )) .
وفى (( الأم ))(7/197) للإمام الشافعى : (( قال الربيع بن سليمان المرادى : سألت الشافعى عن الحجامة ـ يعنى للمحرم ـ ؟ ، فقال : يحتجم ولا يحلق شعراً ، ويحتجم من غير ضرورة ، فقلت : وما الحجة ؟ ، فقال : أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرم ، وهو يومئذ بلحى جمل . قال الشافعي : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وهو محرم ، فقلت للشافعي : فإنا نقول لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة ، قال الشافعي : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد له منه ، وقال مالك مثل ذلك .(1/9)
قال الشافعي : الذى روى مالك عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لم يذكر في حجامة النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر ، ولعلَّ ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه . ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله . أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة ؛ أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب ، فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر ، أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره ، فالذي لا يجوز له إلا لضرورة ، فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدي ، فينبغي أن تقولوا إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي ، وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وتقولون في الحجامة قولا متناقضاً )) .
قلت : وإنما قال أبو حنيفة والشافعى ما قالاه اعتماداً على هذا الإطلاق فى حديث ابن عباس ، وإلا ففى رواية عكرمة عن ابن عباس ذكر ما اضطره صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك ، وهو وجع كان برأسه ، ففى (( صحيح البخارى ))(5071. فتح ) : حدثني محمد بن بشار ثنا ابن أبي عدي عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس : احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ ، بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ لُحْيُ جَمَلٍ . وقال محمد بن سواء أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ .
[ المسألة الثالثة ] هل للمحتجم إن احتاج لحلق الشعر أن يحلق قفاه دون سائر الرأس ؟ .(1/10)
أكثر أهل العلم على كراهية حلق بعض الرأس وترك بعضه ، ويسمى القزع ، فهو مكروه مطلقا إلا لعذر ، سواء كان لرجل أو امرأة أو صبىٍ ، وسواء كان في القفا أو الناصية أو وسط الرأس ، وذلك لما فيه من التشويه وتقبيح الصورة ، والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه بأنه تشبه بأهل الشطارة والفساد ، وبأنه زي اليهود . ويستدل لهذه الكراهة بما أخرجاه فى (( الصحيحين )) ، واللفظ لمسلمٍ من حديث عبيد الله بن عمر أَخْبَرَنِي عُمَر بْنُ نافعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ ، قَالَ : قُلْتُ لِنَافِعٍ : وَمَا الْقَزَعُ ؟ ، قَالَ : يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضٌ . وبما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ ، وَتُرِكَ بَعْضُهُ ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : (( احْلِقُوهُ كُلَّهُ أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ )) .
قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووى (( شرح مسلم )) : (( القزع ـ بفتح القاف والزاى ـ هو حلق بعض الرأس مطلقا ، ومنهم من قال : هو حلق مواضع متفرقة منه ، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوى مخالف للظاهر فوجب العمل به . وأجمع العلماء على كراهة القزع إلا أن يكون لمداواة ونحوها ، وهى كراهة تنزيه ، وكرهه مالك فى الجارية والغلام مطلقا ، وقال بعض أصحابه : لا بأس به فى القصة والقفا للغلام . والحكمة فى كراهته : أنه تشويه للخلق ، وقيل : لأنه زى الشرك والشطارة ، وقيل : لأنه زى اليهود )) .(1/11)
وأما الرخصة فى القزع ـ بحلق القفا أو جزء من الرأس ـ للمداواة بالحجامة ، فللضرورة فى حق الرجل ، إذ كمال الحجم منوط به فأبيح لذلك ، وأما فى حق المرأة ، فلأن حلقها رأسها مُثلة ، وللإجماع على تحريم ذلك عليها حتى عدَّه بعضهم من الكبائر ، وأما حديث على بن أبى طالبٍ : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها ، فلا دلالة فيه لشدة ضعفه .
فقد أخرجه الترمذى (914) ، والنسائى (( الكبرى ))(5/407/9297) و(( المجتبى )) (8/130) كلاهما عن أبى داود الطيالسي ثنا همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي قال : نهى رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تحلق المرأة رأسها .
وقال الترمذى (914/2) : حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود عن همام عن قتادة عن خلاس نحوه ولم يذكر فيه عن علي .
قال أبو عيسى : (( حديث علي فيه اضطراب ، وروي هذا الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها )) . وفى (( علل الدارقطنى ))(3/195/356) : (( وسئل عن حديث خلاس بن عمرو عن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها . فقال : رواه همام بن يحيى عن قتادة عن خلاس عن علي عن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة ، فروياه عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، والمرسل أصح )) اهـ .
قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسئل : عن المرأة تعجز عن شعرها وعن معالجته أتأخذه على حديث ميمونة ؟ ، قال : لأي شيء تأخذه ؟ ، قيل له : لا تقدر على الدهن وما يصلحه وتقع فيه الدواب ، قال : إذا كان لضرورة فأرجو أن لا يكون به بأس .
وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب قال : نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن حلق القفا إلا للحجامة ، فهو حديث منكر لا يحتج بمثله .(1/12)
أخرجه ابن حبان (( المجروحين ))(1/319) ، والطبرانى (( الأوسط ))(3/220/2969) و(( الصغير ))(261) ، وابن عدى (3/373) جميعا من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر به .
قلت : وإسناده واهٍ بمرة . سعيد بن بشير ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال عبد الله بن نمير : منكر الحديث ، وليس بشيء ، ليس بقوي فى الحديث ، يروى عن قتادة المنكرات . وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ فاحش الخطأ يروي عن قتادة مالا يتابع عليه .
وأما الوليد بن مسلم ، فهو وإن كان ثقة فى نفسه ولكنه فاحش التدليس ، يدلس تدليس التسوية .
قال ابن أبى حاتم (( علل الحديث ))( 2/316/2462) : (( سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة . قال أبي : هذا حديث كذب بهذا الاسناد ، يمكن أن يكون دخل لهم حديث في حديث . قال أبي : رأيت هذا الحديث في كتاب سليمان بن شرحبيل ، فلم أكتبه ، وكان سليمان عندى في حيز لو أن رجلا وضع له لم يفهم )) .
وفى (( سؤالات البرذعى لأبى زرعة ))(1/549) : (( قلت : حديث يروى عن سليمان بن عبد الرحمن عن الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه نهى عن حلق القفا إلا في الحجامة . فقال : باطل ليس هذا من حديث الوليد )) .
[ المسألة الرابعة ] إن احتجم المحرم فهل يغتسل أو يتوضأ ؟ . التحقيق فى هذه المسألة قريب شبهٍ بالدم السائل من البدن كالرعاف والدمل ونحوهما أيتوضأ منه ؟ ، وإنما تختلف الحجامة بأن دم الحجامة يستقر فى قارورة الحجام ، وربما سال إن كان غزيراً ، وقد يصيب الثوب . وقد رخص أكثر أهل العلم فى ترك الوضوء من الدم السائل ، ولم يرو فيه شيئاً ، وقالوا : يغسل المحتجم محاجمه ولا يتوضأ .(1/13)
قال إمام المحدثين فى (( كتاب الوضوء )) من (( الجامع الصحيح ))(1/44. سندى ) :
بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ . وَقَالَ الْحَسَنُ : إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلا وُضُوءَ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لا وُضُوءَ إِلا مِنْ حَدَثٍ . وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاتِهِ . وَقَالَ الْحَسَنُ : مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ . وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ : لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ . وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً ، فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ . وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا ، فَمَضَى فِي صَلاتِهِ . وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ : لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ .
فإذا علم صحة أكثر هذه الآثار عمن رويت عنه ، فهذا القدر كافٍ للدلالة على المقصود .
وخرَّج أبو بكر بن أبى شيبة أكثر هذه الآثار ، فيمن يحتجم يغسل أثر محاجمه ، فى (( مصنفه )) (1/47/475:468) قال :
حدثنا ابن نمير أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه . حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن إبراهيم قال : كان علقمة والأسود لا يغتسلان من الحجامة. حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن إبراهيم : أنه كان يغسل أثر المحاجم 0
حدثنا حفص عن أشعث عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان : اغسل أثر المحاجم 0
حدثنا ابن إدريس عن هشام عن الحسن ومحمد قال : كانا يقولان في الرجل يحتجم يتوضأ ويغسل أثر المحاجم 0(1/14)
حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن سئل : عن الرجل يحتجم ماذا عليه ؟ قال : يغسل أثر محاجمه 0
حدثنا وكيع عن إسماعيل عن أبي عمر عن ابن الحنفية قال : يغسل أثر المحاجم 0
ولا يصح ما روى عن أنس : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى ولم يتوضأ ، ولم يزد على غسل محاجمه . فقد أخرجه الدارقطنى (1/151) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/141) كلاهما من طريق صالح بن مقاتل ثنا أبي ثنا سليمان بن داود أبو أيوب عن حميد عن أنس .
وهذا إسناد ضعيف جداً لا يحتج بمثله ، صالح وأبوه وسليمان ثلاثتهم ضعفاء .
وأما ما أخرجه ابن عدى (( الكامل ))(6/450) من طريق معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع حدثني أبي عن أبيه عبيد الله عن أبي رافع قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم ، فغسل موضع محاجمه ، وصب على رأسه .
قلت : هذا منكر الإسناد والمتن . معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ، ليس بثقة ولا مأمون ، قاله يحيى بن معين . وقال البخارى : منكر الحديث . وقال ابن حبان : ينفرد عن أبيه بنسخة أكثرها مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به ، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب .
وقال ابن عدى : مقدار ما يرويه لا يتابع عليه .
وقد لخص أبو بكر بن المنذر أحكام هذا الباب تلخيصاً وافياً ، فقال فى (( الأوسط ))(1/178) : (( ذكر ما يجب على المحتجم من الطهارة . قال أبو بكر : حكم الحجامة كحكم الرعاف والدم الخارج من مواضع الحدث ، وقد أوجب فيه الوضوء مالك وأهل المدينة ، وعند الشافعي وأصحابه ، وأبي ثور وغيره : لا ينقض ذلك عندهم طهارة ولا يوجب وضوءاً ، بل يكفى المحتجم بأن يغسل أثر محاجمه ثم يصلي . وقد روي عن ابن عمر : أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه . وروي ذلك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك والشافعي ، وأبي ثور )) اهـ .(1/15)
قلت : وممن روى عنه الغسل من الحجامة : على بن أبى طالب ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عباس ، وابن سيرين ، ومجاهد .
وخرَّج عبد الرزاق أكثر هذه الآثار ، فيمن يغتسل من الحجامة ، فى (( المصنف ))(1/180) :
عن إسرائيل بن يونس عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه : أن عليا كان يستحب أن يغتسل من الحجامة .
عن الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال : إني لأحب أن أغتسل من خمس : من الحجامة ، والموسى ، والحمام ، والجنابة ، ويوم الجمعة . قال الاعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم فقال : ما غسلا واجبا إلا غسل الجنابة ، وكانوا يستحبون الغسل يوم الجمعة .
عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : قال يغتسل الرجل إذا احتجم .
فإن احتج له محتج بما أخرجه أحمد (6/152) ، وأبو داود (348) ، وابن خزيمة (256) ، وابن المنذر (( الأوسط ))(1/181) من حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله ابن الزبير عن عائشة أنها حدثته : أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يغتسل من أربع : من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ومن الحجامة ، ومن غسل الميت .
قلنا : هذا منكر الإسناد والمتن لا يحتج بمثله ، مصعب بن شيبة ليس بالقوى . وأنكره أحمد ابن حنبل وقال : مصعب بن شيبة روى أحاديث مناكير . وقال أبو حاتم : لا يحمدونه وليس بقوي . وقال الدراقطني : ليس بالقوي ولا بالحافظ .
قال أبو بكر بن المنذر : (( فإذا لم يثبت حديث مصعب بن شيبة بطل الاحتجاج به . وقد بلغني عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني أنهما ضعفا الحديثين : حديث مصعب بن شيبة ، وحديث أبى هريرة في الغسل من غسل الميت )) .
ـــــــــ(1/16)
(21) صحيح . أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص365) ، والحميدى (500) ، وابن أبى شيبة (3/320/14591) ، وأحمد (1/221) ، والدارمى (1821) ، وعبد بن حميد (622) ، والبخارى (4/10. سندى ) ، ومسلم (8/122. نووى ) ، وأبو داود (1835) ، والترمذى (839) ، والنسائى(( الكبرى ))(2/231/3203) ، وابن حبان (3951) ، والبيهقى (( الكبرى ))(5/64) من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس وعطاء عن ابن عباس به .
قلت : وهو مشهور عن عمرو بن دينار من هذا الوجه ، رواه عنه جماعة من أصحابه أوثقهم وأثبتهم : سفيان بن عيينة .
بيان حكم حجامة الصائم
بيان حكم كسب الحجام
بيان حكم كسب الحجام
(30) عَن حُمَيْدٍ قَالَ : سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ؟ ، فَقَالَ : احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ ، فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ ، وَقَالَ : (( إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ أَوْ هُوَ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ )) . صحيح . أخرجه مسلم (10/242) ، والترمذى (1278) و(( الشمائل ))(361) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/131) ، وابن الجوزى (( التحقيق ))(1587) من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس به .
وأخرجه البخارى (4/10. سندى ) قال : حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله يعنى ابن المبارك أخبرنا حميد الطويل عن أنس بمثله .
وتابعهما عن حميد : مالك بن أنس ، وشعبة ، والثورى ، وعبد العزيز بن أبى سلمة ، ومروان الفزارى ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى ، ويزيد بن زريع ، ويزيد بن هارون ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الله ابن بكر السهمى .(1/17)
وبسط طرقه يطول مع اختلاف يسير فى ألفاظه : مالك ويحيى بن سعيد يقولان (( فأمر له بصاع من طعام )) ، والثورى يقول (( فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ )) ، وشعبة يقول (( وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ )) ، وسائرهم كقول إسماعيل بن جعفر القرشى .
(31) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : حَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْرَهُ ، وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ ، فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح . أحمد (1/365) ، ومسلم (10/242) ، وأبو عوانة (3/358/5298) ، والطبرانى (( الكبير ))(12/96/12589) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/338) عن عبد الرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس .
(32) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أَعْطَاهُ . صحيح . أخرجه أحمد (1/351) ، والبخارى (2/11. سندى ) ، وأبو داود (3423) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/338) من طرق عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس به .وأخرجه أحمد (1/258،292،293) ، والبخارى (2/36،37) ، ومسلم (10/242) ، وابن سعد (( الطبقات ))(1/445) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/129) ، وابن حبان (5150) ، والطبرانى (( الكبير ))(11/21/10908) و(( الأوسط ))(8/228/8481) ، والحاكم (4/449) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/337) ، وابن عساكر (( التاريخ ))(27/401) من طرق عن وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس به ، إلا أنه قال (( وأعطاه أجره واستعط )) .
وله طرق ووجوه عن ابن عباس ، ليس ذا موضع بسطها .(1/18)
(33) عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ ، فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ ، حَتَّى قَالَ : (( اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ )) .
وفى روايةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ مُحَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ : أَنَّهُ كَانَ لَهُ غُلامٌ حَجَّامٌ ، يُقَالُ لَهُ : نَافِعٌ أَبُو طَيِّبَةَ ، فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ خَرَاجِهِ ؟ ، فَقَالَ : لا تَقْرَبْهُ ، فَرَدَّهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (( اعْلِفْ بِهِ النَّاضِحَ ، وَاجْعَلْهُ فِي كِرْشِهِ )) . صحيح . وله طرق :( الأولى ) ابن محيصة عن أبيه .أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص190) ، وأحمد (5/435) عن إسحاق بن عيسى ، وأبو داود (3422) عن القعنبى ، والترمذى (1277) عن قتيبة ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/132) عن عبد الله بن هب ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/116) عن عبد العزيز الأويسى ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/337) عن يونس بن بكير ، سبعتهم عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه : أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فذكره .وأخرجه أحمد (5/436) ، وابن الجارود (583) كلاهما عن معمر ، وابن حبان (5154) عن الليث بن سعد ، وابن ماجه (2166) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/132) ، والطبرانى (( الكبير ))(6/48/5471) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(1/446) أربعتهم عن ابن أبى ذئب ، ثلاثتهم ـ معمر والليث وابن أبى ذئب ـ عن الزهرى عن ابن محيصة عن أبيه به .(1/19)
قلت : هكذا رواه عن الزهرى : مالك من رواية أكثر أصحابه عنه ، ومعمر ، والليث ، وابن أبى ذئب . وخالف جماعتهم : يحيى بن يحيى ، وابن القاسم ، فروياه عن الزهرى عن ابن محيصة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، فأسقطا من إسناده (( أباه )) .
أخرجه هكذا يحيى بن يحيى (( الموطأ ))(3/141) عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة الأنصارى . قال أبو عمر بن عبد البر (( التمهيد ))(11/77) : (( وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من أهل العلم ، ولا يختلفون أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث هو حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود ابن كعب ابن عامر الأنصاري من بني حارثة بن الحارث ، لجده محيصة بن مسعود صحبة ورواية ، وليس لسعد بن محيصة صحبة ، فكيف لابنه حرام ؟! .والحديث مع هذا كله مرسل )) .
قلت : ورجال هذا المرسل كلهم ثقات ، مالك ومن تابعه ، ومن فوقه ، ومن دونه . وإنما يتصل هذا الإسناد من الطريقين التاليتين .
( الثانية ) ابن محيصة عن أبيه عن جده .
أخرجه الحميدى (878) : ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني حرام بن سعد ـ قال سفيان : هذا الذي لا شك فيه وأراه قد ذكر ـ عن أبيه أن محيصة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب حجام له فنهاه عنه ، فلم يزل يكلمه ، حتى قال له : أعلفه ناضحك أو أطعمه رقيقك .
وأكثر أصحاب ابن عيينة : الشافعى ، وابن أبى شيبة ، وأحمد يروونه (( عن حرام بن سعد أن محيصة )) ، هكذا مرسلاً . ولكن تابع الحميدى على الوجه الأول موصولاً : محمد بن إسحاق ، وزمعة بن صالح .
فقد أخرجه الشافعى (( المسند ))(ص190) و(( اختلاف الحديث ))(ص277) ، وابن أبى شيبة (4/354) ، وأحمد (5/436) ثلاثتهم عن ابن عيينة عن الزهرى عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة به .(1/20)
وأخرجه أحمد (5/436) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(4/138/2119) كلاهما عن ابن إسحاق ، وابن أبى عاصم (4/138/2120) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/313/744) كلاهما عن زمعة بن صالح ، كلاهما عن الزهرى عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جده : أنه استأذن ... بنحوه .
قلت : ولا يتصل هذا الحديث من رواية الزهرى إلا من طريق ابن عيينة برواية الحميدى عنه ، وابن إسحاق ، وزمعة بن صالح . وسائر الرواة عن الزهرى يرسلونه كما سبق بيانه .
( الثالثة ) أبو عفير الأنصارى عن محمد بن سهل بن أبى حثمة عن محيصة .
أخرجه أحمد (5/435) ، والبخارى (( التاريخ الكبير ))(8/53/2125) ، والطحاوى (( شرح المعانى )) (4/131) ، والطبرانى (( الكبير ))(20/312/742) ، وابن قانع (( معجم الصحابة ))(3/116) ، والبيهقى (( الكبرى ))(9/337) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(11/79) ، وابن بشكوال (( غوامض الأسماء المبهمة ))(1/446) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1583) ، وابن عساكر (( التاريخ ))(53/156) من طرق عن الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري : أنه كان له غلام حجام .. بنحوه .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )) .(1/21)
(34) عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ )) .(34) صحيح. أخرجه الطيالسى (966) ، وابن أبى شيبة (4/355) ، وأحمد (3/465،464و4/141) والدارمى (2621) ، ومسلم ، وأبو داود (3421) ، والترمذى (1275) ، والنسائى (( الكبرى )) (3/113/4686،4685) ، والطحاوى (( شرح المعانى ))(4/129،52) ، وأبو عوانة (3/356) ، وابن حبان (5153،5152) ، والطبرانى (( الكبير ))(4/243،242/4260،4259،4258) ، والحاكم (2/48) ، والبيهقى (6/6 و9/336) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(2/226) ، وابن الجوزى (( التحقيق فى أحاديث الخلاف ))(1581) من طرق عن يحيى بن أبى كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج به .
وأما أجر الحجام ، ففيه ثلاث مسائل :
[ المسألة الأولى ] الأحاديث فى كسب الحجام على ثلاثة أنواع :
( الأول ) حل الأجرة مطلقاً .
( الثانى ) حل الأجرة فى إطعام الرقيق والناضح دونه .
( الثالث ) خبث الأجرة وكونها سحتاً .
[ المسألة الثانية ] قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووى (( شرح مسلم ))(10/233) : (( وقد اختلف العلماء في كسب الحجام ، فقال الأكثرون من السلف والخلف : لا يحرم كسب الحجام ، ولا يحرم أكله لا على الحر ولا على العبد ، وهو المشهور من مذهب أحمد . وقال في رواية عنه ، قال بها فقهاء المحدثين : يحرم على الحر دون العبد . واحتج الجمهور بحديث ابن عباس : أن النبى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعطى الحجام أجره ، قالوا : ولو كان حراما لم يعطه . وحملوا هذه الأحاديث التى في النهى على التنزيه ، والارتفاع عن دنئ الاكساب ، والحث على مكارم الاخلاق ، ومعالى الأمور ، ولو كان حراما لم يفرق فيه بين الحر والعبد ، فإنه لا يجوز للرجل أن يطعم عبده مالا يحل )) .(1/22)
لكن يبقى إشكال ، وهو : إن كان أجر الحجام حلالاً كيف جاز إطلاق لفظ الخبث والسحت عليه ؟ . أجاب عنه القاضى بقوله : (( الخبيث في الأصل ما يكره ، لرداءته وخسته ، ويستعمل للحرام من حيث كرهه الشارع ، كما يستعمل الطيب للحلال قال تعالى (( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب النساء )) ؛ أي الحرام بالحلال ، وقال سبحانه وتعالى (( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )) ؛ أي الدنيء من المال . ولما كان مهر الزانية ، وهو ما تأخذه عوضا عن الزنا حرام ، كان الخبيث المسند إليه بمعنى الحرام ، وأما كسب الحجام لما لم يكن حراما ، لأنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم وأعط الحجام أجره ، كان المراد من المسند إليه المعنى الثاني ، يعنى الدنئ الخسيس )) .
كما أجاب عنه أبو سليمان الخطابى بقوله : (( إن معنى الخبيث في قوله (( كسب الحجام خبيث )) : الدنئ ، وأما قوله (( ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث )) ، فمعناه المحرم . وقد يجمع الكلام بين القرائن في اللفظ ، ويفرق بينهما في المعاني ، وذلك على حسب الأغراض والمقاصد فيها . وقد يكون الكلام في الفصل الواحد ، بعضه على الوجوب ، وبعضه على الندب ، وبعضه على الحقيقة ، وبعضه على المجاز ، وإنما يعلم ذلك بدلائل الأصول وباعتبار معانيها )) .
وقال القاضى الشوكانى فى (( نيل الأوطار ))(5/22) : (( استدل من قال بتحريم كسب الحجام ، وهو بعض أصحاب الحديث ، بأحاديث النهى عن كسب الحجام ، ووصفه بأنه خبيث ، لأن النهي حقيقة في التحريم ، والخبيث حرام ، ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة . وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى أنه حلال ، واحتجوا بحديث أنس ، وابن عباس . وحملوا النهي على التنزيه ، لأن في كسب الحجام دناءة ، والله يحب معالي الأمور ، ولأن الحجامة من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم للإعانة له عند الاحتياج إليها .(1/23)
ويؤيد هذا إذنه صلى الله عليه وآله وسلم ، لمن سأله عن أجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ، ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال . ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ ، وجنح إلى ذلك الطحاوي ، وقد عرفت أن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الأخر ، وعدم إمكان الجمع بوجه ممكن . والجمع ممكن ، بحمل النهي على كراهة التنزيه ؛ بقرينة إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالانتفاع بها في بعض المنافع ، وبإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ، ولو كان حراما لما مكنه منه . ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم ، فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ، ولا يبعد أن يشتروه للأكل ، فيكون ثمنه حراما . ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد ، فيتعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول .
ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه تنزيها ! . قال في القاموس : الخبيث ضد الطيب ، والسحت ـ بالضم وبضمتين ـ الحرام ، أو ما خبث من المكاسب ، فلزم عنه العار انتهى . وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية ، وإن لم تكن حراماً ، والحجامة كذلك فيزول الإشكال .
وحكى صاحب (( الفتح )) عن أحمد وجماعة الفرق بين الحر والعبد ، فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ، وقالوا : يحرم عليه الإنفاق على نفسه منها ، ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها ، وأباحوها للعبد مطلقا ، وعمدتهم حديث محيصة ، لأنه أذن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه )) .(1/24)
وتأول أبو جعفر الطحاوى الإباحة على حل كسبه ، إذ لا يجوز لأحد أن يطعم عبيده من المال الحرام . قال فى (( شرح المعانى ))(4/132) : (( وفي إباحة النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعمه الرقيق أو الناضح دليل على أنه ليس بحرام ، ألا ترى أن المال الحرام الذي لا يحل أكله ، لا يحل له أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرقيق (( أطعموهم مما تأكلون )) ، فلما ثبت إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحه ، ويطعم رقيقه من كسب الحجامة ؛ دل ذلك على نسخ ما تقدم من نهيه عن ذلك ، وثبت حل ذلك له ولغيره ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد )) .
وقال : (( وتجوز الإجارة على الحجامة ، لأنا قد رأينا الرجل يستأجر الرجل يفصد له عرقا أو يبزغ له حمارا فيكون ذلك جائزا ، فالحجامة أيضا كذلك )) .
[ المسألة الثالثة ] هل يضمن الحجام إذا تلف شئ بفعله ؟ .
قال الإمام الشافعى (( الأم ))(6/172) : (( مسألة الحجام والخاتن والبيطار . قال : وإذا أمر الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته ، فتلفوا من فعله ، فإن كان فعل ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة ، فلا ضمان عليه ، وإن كان فعل ما لا يفعل مثله ممن أراد الصلاح وكان عالما به ، فهو ضامن ، وله أجر ما عمل في الحالين ، في السلامة والعطب .
قال الربيع بن سليمان : وفيه قول آخر للشافعى ، قال : إذا فعل ما لا يفعل فيه مثله ، فليس له من الأجر شيء ، لأنه متعد ، والعمل الذي عمله لم يؤمر به ، فهو ضامن ، ولا أجر له وهذا أصح القولين )) .
__________________
أبو محمد أحمد شحاته السكندرى
www.shehata.netfirms.com
www.alhamama.netfirms.com
مباحث أخرى
كسب الحجام وتعلم الحجامة
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم كسب الحجام
السؤال:
هل كسب الحجام حلال ؟
وهل يجوز له إطعام أهله وعياله منه ؟(1/25)
وهل يجوز له طلب الأجره على ذلك، وأن يحدد مبلغا معينا لكل حجامه ؟
وكيف الجمع بين هذين الحديثين:
الاول: حدثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره * ( صحيح ) _ مختصر الشمائل 309 : وأخرجه البخاري ومسلم .
والثاني: حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثني الأوزاعي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام * ( صحيح ) _ أحاديث البيوع .
وحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث * ( صحيح ) _ الترمذي 1298 : وأخرجه مسلم .
أرجوا التفضل بإفتاءي مأجوريين مع الدليل والبرهان
وجزاكم الله خيرا
الجواب :
اختلف أهل العلم في كسب الحجام على قولين :
القول الأول : أن كسب الحجام مباح ، وقال بهذا القول الليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة .
القول الثاني : كراهة كسب الحجام للحر دون العبد ، وذهب إلى هذا القول الحنابلة والشافعية .
وسبب اختلافهم تعارض الآثار الواردة في الباب ، فبعض الأحاديث تبيح كسب الحجام ، والبعض الآخر ينهى عن ذلك .
قال ابن قدامة في المغني: " ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستئجار عليها كالبناء والخياطة ، ولأن بالناس حاجة إليها ولا نجد كل أحد متبرعاً بها ، فجاز الاستئجار عليها كالرضاع .(1/26)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "وأطعمه رقيقك" دليل على إباحة كسبه ، إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله ، وتخصيص ذلك بما أعطيه من غير استئجار تحكم لا دليل عليه، وتسميته كسباً خبيثاً لا يلزم منه التحريم ، فقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما ، وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيهاً له ، لدناءة هذه الصناعة.
وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا الاستئجار عليها وإنما قال : نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه وقال : اعلفه الناضح والرقيق" ... .
وأن إعطاءه للحجام دليل على إباحته ، إذ لا يعطيه ما يحرم عليه ، وهو صلى الله عليه وسلم يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها، ويمكنهم منها ، وأمره بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة ، فتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم ... .
وكذلك سائر من كرهه من الأئمة بتعين حمل كلامهم على هذا ، ولا يكون في المسألة قائل بالتحريم .
وإذا ثبت هذا فإنه يكره للحر أكل كسب الحجام ، ويكره تعلم صناعة الحجامة ، وإجارة نفسه لها، لما فيها من الأخبار ، ولأن فيها دناءة فكره الدخول فيه .ا.هـ.
السؤال:
جزاك الله خيرا يا أخي عبدالله على هذا الإيضاح
ولكن لدي عدة استفسارات تتعلق بالموضوع:
أولا: ألا يوجد ناسخ ومنسوخ بين تعارض هذين الحديثين ؟
ثانيا: هناك اشكال في قولك " ويكره تعلم صناعة الحجامة " فلماذا يحرم تعلمه وهو نوع من انواع الطب يحتاج الناس الى المهره في هذا النوع من العلاج لكي يجيدوا علاج الناس به.
ثالثا: حديث البخاري أن رسول الله احتجم وأعطى الحجام أجره ، لم يذكر فيه كيف يتصرف في المال او الطعام الذي اعطاه للحجام، فهل لي بمزيد شروح لهذا الحديث.
وبارك الله فيك وفي علمك ، ونفع بك المؤمنين
الجواب :(1/27)
1 - ذهب بعض أهل العلم إلى أن أحاديث النهي منسوخة ، لكن النسخ لا يصار إليه إلا عند معرفة التاريخ وتعذر الجمع .
وطالما أن الجمع ممكن بين أحاديث النهي والجواز فإنه يصار إليه .
2 - قولك : هناك اشكال في قولك " ويكره تعلم صناعة الحجامة " .
هذا ليس من قولي بل هو من قول ابن قدامة في المغني .
والأمر لم يصل إلى درجة التحريم كما في قولك : فلماذا يحرم تعلمه ؟
قال ابن قدامة : " وليس عن أحمد نص في تحريم كسب الحجام ولا الاستئجار عليها وإنما قال : نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه وقال : اعلفه الناضح والرقيق" ... .
والجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول ذهبوا إلى جواز اتخاذ الحجامة حرفة وأخذ الأجر عليها ، ولستدلوا بحديث ابن عباس أنه قال : احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره . متفق عليه .
3 - المال الذي يأخذه يصرفه على نفسه وعلى عياله عند مسلم: " ولو كان سحتاً لم يعطه " .
هل دم الحجامة نجس أم طاهر
بسم الله الرحمن الرحيم
هل الدم نجس ؟
هل الدم نجس ؟ وهل صح الاجماع بذلك ؟
الجواب :
حيّاك الله وبيّاك أبا عزام
الصحيح أن الدم ليس بنجس ، وإن كان الإمام النووي – رحمه الله – حكى الإجماع ، إلا أن الإجماع لا يصحّ للأدلة التالية :
أولاً : أن الدمّ مما تعمّ به البلوى ، ومع ذلك لم يرد الأمر بغسله ، ولا بتوقّيه وتجنبه .
ثانياً : أن الصحابة كانت تُصيبهم الجراح ، ومع ذلك لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثر الدم أو الوضوء ، ولو فُرِض عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك لا يخفى عمن لا تخفى عليه خافية سبحانه ، فيُصحح الخطأ لو كان هناك خطأ .(1/28)
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في غزوة ذات الرقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين ، فحلف – يعني المشرك - أن لا انتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلا . فقال : من رجل يكلؤنا ؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فقال : كُونا بِفَمِ الشِّعب . قال : فلما خرج الرجلان إلى فَمِ الشعب اضطجع المهاجري ، وقام الأنصاري يصلي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم ، فرماه بسهم ، فوضعه فيه ، فنزعه ، حتى رماه بثلاثة أسهم ، ثم ركع وسجد ، ثم انتبه صاحبه ، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدمّ قال : سبحان الله ألا انبهتني أول ما رمى ؟ قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها .
وقد صلّى عمر رضي الله عنه بعدما طُعن وجُرحه يثعب دماً . يعني يصبّ صبّاً .
ولذا قال الحسن – رحمه الله – : ما زال المسلمون يُصلُّون في جراحاتهم . رواه البخاري تعليقاً ورواه ابن أبي شيبة موصولاً.
وروى البخاري هذه الآثار تعليقاً ، فقال : وعَصَر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ ، وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته ، وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم : ليس عليه إلا غسل محاجمه .
أي ليس عليه الوضوء من خروج الدم .
فهذه الأدلة وغيرها تدلّ على أن الدم ليس بنجس ، وليس بناقض للوضوء من باب أولى .
ويُستثنى من ذلك دم الحيض فهو نجس .
وما خرج من أحد السبيلين ( القبل أو الدبر ) لملاقاة النجاسة .
والله أعلم .
--------------------------------------------------------------------------------
ثم رد فضيلة الشيخ :(1/29)
اتفقت المذاهب الأربعة المتبوعة على نجاسته حتى قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم : نجس بإجماع المسلمين " وكذا حكى الإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ، وأسهب السهارنفوري في تقرير ذلك في " بذل المجهود " ، ودليل نجاسته آية البقرة وغيرها ، فإن كان الدم من أحد السبيلين فهو نجس بالإجماع حيض ، أو نفاس ، أو استحاضة أو غيرها ، ولا يعفى عن يسيره ، أما غيره فالمقرر عند أهل المذاهب المتبوعة أنه لا يعفى عن فاحشه ، ويعفى عن يسيره وإن اختلفوا في حد اليسير ،
أما صلاة عمر وعباد وغيرهم من الصحابة - فحال ضرورة ، فيباح لمن دمه يثعب من جراحه أن يصلي على حاله ، والواجب - الذي هو التحرز من النجس - يسقط بالإجماع ، والمشقة تجلب التيسير ، ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولو استثفرت ، وكذا من به سلس ..(1/30)
وهل قولة الحسن رحمه الله محفوظة من حيث الدراية لا الرواية ؟ بمعنى هل حفظت عنه وذكرها الفقهاء على أنها قولة محفوظة يعتد بها في الخلاف ، أم أنها من قبيل الرواية فقط ، وكم من أحاديث ذكرت رواية لا دراية يُفتى بها الآن ولو خالفت الإجماع ، خذ مثلا ، حديث ابن عباس في " صحيح مسلم" في طلاق الثلاث واحدة .. هذا الحديث حديث شاذ كما قاله أحمد والدارقطني وغيرهم كما ذكره عنهم الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي في باب الشاذ ، فهو مخالف لإجماع الصحابة المنعقد في خلافة عمر - - بل راوي الحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - كان يفتي بخلافه كما في سنن البيهقي المجلد التاسع في أبواب الطلاق ، ولم تزل الأمة تفتي بوقوع الطلاق الثلاث ثلاثا وتقضي بذلك حتى شهّر شيخ الإسلام - رحمه الله- القول بوقوع الثلاث واحدة ، ... عفوا على الاستطراد ... لكن عودة لمسألتنا ، - وإني والله أطلب الحق من أهل العلم - لماذا لا يحمل فعل ابن عمر مع البثرة على اليسير المعفو عنه ، مع اشتراط الفقهاء لنجاسة الدم أن يفحش في نفسه كما في عمدة الطالب ، وشرح منتهى الإرادات ، وغيرهما فلعل ذلك لم يفحش في نفس ابن عمر رضي الله عنهما ، وصلاة الصحابة في جراحاتهم لما ذكر سلفا يحمل على حال الضرورة لما علم بالضرورة من فقه الصحابة وعلمهم رضي الله عنهم ، أما لو كان نجسا لبينه النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فقد علم الصحابة ذلك من كتاب الله تعالى وعندهم الأصل المقرر وهو نجاسة الدم المسفوح وهذا منه ولا شك ، ..
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير ، على أن هذه التعليقة السريعة ، ليست منظمة ؛ أكتبها على عجل
أطلب بعدها من فضيلتكم وغيركم من أهل العلم إيضاحها لي أكثر موثقة معزوة لعلي أن أستفيد منها
وصلى الله على نبينا محمد
الجواب :
بارك الله فيك(1/31)
ذكرتني بمقولة قالها لي أحد العلماء وقد أتيته أسأله في مسألة فلما ناقشته فيها وقلت في المسألة كيت وكيت ، وحديث كذا وكذا
قال لي : قم يا ابني ! أنت معك حذاءك وسقاءك ! ... عندك آلة البحث فابحث !
أخي الحبيب : لن أقول لك تلك المقالة
ولكني أقول أن نجاسة الدم ليست محل إجماع ، وقد نقلت لك سابقاً أن الإمام النووي – رحمه الله – حكى الإجماع .
أليست هذه مسألة تعمّ البلوى بها ؟ الجواب : بلى .
السؤال الذي يطرح نفسه : لِمَ لَمْ يرد في غسل الدم حديث واحد ؟
بل ورد خلاف ذلك . . . ولم أرَ دليلاً صحيحاً صريحا يدلّ على نجاسة الدمّ لمن قال بنجاسته .
قال الشوكاني – رحمه الله – :
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَقُل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة . انتهى .
وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يُعضّ عليها بالنواجذ .
وأما دعوى الضرورة فلا يُسلّم بها .
أين الضرورة من إنسان يُصلّي نافلة ؟؟
نعم . لو قلت فعل عمر رضي الله عنه ضرورة لربما سُلّم لك .
أما أفعال الصحابة عموماً فلا تُحمل على الضرورة ؛ لأن بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويُصلّي .
كما أن قياسك على المستحاضة قياس مع الفارق ، والقياس مع الفارق باطل عند جمهور الأصوليين .
فالمستحاضة تستثفر وتشد وسطها وتتوضأ لكل صلاة وتُصلّي
وأما الأنصاري الذي كان يُصلّي فينزع السهم ويستمر في صلاته وجرحه يثعب ، يختلف تماماً عن حال المستحاضة .
وحملك تلك الأفعال من الصحابة على اليسير أو الضرورة ليس بمسلّم لك .
لماذا ؟
لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يُفتي بأن المُحتَجِم ليس عليه إلا غسل محاجمه ، كما تقدّم .
فهذه فتوى من عالم من علماء الصحابة ، فكيف تُحمل الفتوى على الضرورة ؟؟(1/32)
ولا ضرورة مع الحجامة ، فإن الحجامة تكون في الرأس أو في الظهر أو في غيره من البدن ، ومع ذلك كان يُفتي المحتجِم بأنه ليس عليه إلا غسل محاجمه .
ثم إن القول إذا اتفقت عليه المذاهب الأربعة فإنه لا يُعدّ إجماعاً ، بل يُقال هذا رأي الجمهور ، ونحو ذلك .
وأحب أن أُذكّر أنه ليس كل من نقل الإجماع سُلّم له بذلك ، ولذا قال الإمام أحمد – رحمه الله – :
وما يُدريك أنهم أجمعوا ، لعلهم اختلفوا .
وقد ذكر الخلاف في المسألة الإمام النووي نفسه في المجموع ، وذكر بعض الأقوال في مذهبه هو والخلاف في نجاسة الدم من عدمه فقال :
والصحيح عند الجمهور نجاسة الدم والفضلات وبه قطع العراقيون ، وخالفهم القاضي حسين فقال : الأصح طهارة الجميع ، والله أعلم . انتهى .
نعم . دم الحيض متفق على نجاسته .
والعجيب أن جمهور العلماء الذين قالوا بنجاسة دم الآدمي قالوا بطهارة دم الشهيد !
والله أعلم .
أخي الفاضل
بعدما كتبت لك الرد الأخير رأيت لشيخنا الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – تفصيل في هذه المسألة حيث قال :
قال الشيخ – رحمه الله – :
والقول بأن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين قول قوي ، والدليل على ذلك ما يلي :
1 – أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ، ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض ، مع كثرة ما يُصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة ، وغير ذلك ، فلو كان نجساً لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الحجامة تدعو إلى ذلك .
2 – أن المسلمين ما زالوا يُصلّون في جراحاتهم في القتال ، وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلاً للعفو ، ولم يَرِد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بِغسله ، ولم يرِد أنهم كانوا يتحرّزون عنه تحرّزاً شديداً بحيث يُحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدمّ متى وجدوا غيرها .(1/33)
ولا يُقال : إن الصحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم فقيراً ، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولا سيما أنهم كانوا في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة .
فإن قيل ذلك فيُقال : لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء أو البلد وما أشبه ذلك .
3 – أن أجزاء الآدمي طاهرة ، فلو قُطِعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دماً ، وربما يكون كثيراً ، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يُعتبر ركناً في بُنيَة البدن طاهراً ، فالدمّ الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى .
4 – أن الآدمي ميتته طاهرة ، والسمك ميتته طاهرة ، وعُلل ذلك بأن دم السمك طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة ، فكذا يُقال : إن دم الآدمي طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة . فإن قيل : هذا القياس يُقابل بقياس آخر ، وهو أن الخارج من الإنسان من بول وغائط نجس ، فليكن الدم نجساً .
فيُجاب بأن هناك فرقاً بين البول والغائط وبين الدم ؛ لأن البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطباع ، وأنتم لا تقولون بقياس الدم عليه ، إذ الدم يُعفى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يُعفى عن يسيرهما ، فلا يُلحق أحدهما بالآخر .
فإن قيل : ألا يُقاس على دم الحيض ، ودم الحيض نجس ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحتّه ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تُصلي فيه ؟
فالجواب : أن بينهما فرقاً :
أ – أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة للنساء ، قال صلى الله عليه وسلم : إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم . فبيّن أنه مكتوب كتابة قدرية كونية ، وقال صلى الله عليه وسلم في الاستحاضة : إنه دم عرق ، ففرّق بينهما .
ب – أن الحيض دم غليظ مُنتن له رائحة مستكرهة ، فيُشبه البول والغائط ، فلا يصح قياس الدم الخارج من غير السبيلين على الدم الخارج من السبيلين ، وهو دم الحيض والنفاس والاستحاضة .(1/34)
فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جداً ؛ لأن النصّ والقياس يَدُلاّن عليه .
....
فإن قيل : إن فاطمة رضي الله عنها كانت تغسل الدم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أُحد ، وهذا يدلّ على النجاسة .
أُجيب من وجهين :
أحدهما : أنه مُجرّد فعل ، والفعل لا يدلّ على الوجوب .
الثاني : أنه يُحتمل أنه من أجل النظافة لإزالة الدم عن الوجه ؛ لأن الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم ، ولو كان يسيراً ، فهذا الاحتمال يُبطل الاستدلال .
انتهى كلامه – رحمه الله – بشيء من الاختصار .
قال الشوكاني – رحمه الله – :
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَقُل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة . انتهى .
وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يُعضّ عليها بالنواجذ .
--------------------------------------------------------------------------------
ثم رد الأخ الفاضل :
فضيلة الشيخ - وفقه الله -
أولا أشكرك على هذا التفاعل مع هذه المسألة وأنا سعيد جدا بردك لكن هنا كلمات :
قولك - وفقك الله - ليس فيها حديث ، بل فيها أحاديث كحديث غسل الدم للمستحاضة وهو في الصحيح ، وكذلك حديث عائشة عند أبي داود وغيره وكذلك حديث الدارقطني وفيه الأمر من غسل الدم والمني والمذي وغيرها - وأنا أكتب هذا الرد سريعا وإلا أحلت على المراجع . وإن كان في بعض تلك الأحاديث ضعف .
ثانيا : قد حكى الإجماع غير واحد كالقرطبي والنووي وتكلم السهارنفوري في بذل المجهود كلاما نفيساً .
ثالثا : كلمة الشوكاني رحمه الله وفيها قوله :" وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل .." أ0هـ(1/35)
ما المقصود بالدليل ؟! إن الدليل عند أهل الأصول نوعان أولهما : متفق عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس فلا خلاف يعتد به في الاحتجاج بها وثانيهما : مختلف فيها كقول الصحابي ، وشرع من كان قبلنا ...
ومن يرى صحة الإجماع في هذه المسألة فقد أتى بالدليل !
رابعأ : قولكم – وفقكم الله – "وأما دعوى الضرورة فلا يُسلّم بها .
أين الضرورة من إنسان يُصلّي نافلة ؟؟
فالصحابي الفقيه يصلي النافلة ويضربه السهم ويعلم أنه ليس بإمكانه وقف النزيف فلماذا لا يتمم صلاته على تلك الهيئة ولو كان في نافلة فللمستحاضة أن تصلي ودمها ينزف حتى لو لم تستثفر كمن به سلس ينزل بوله وهو يصلي النافلة فهل يقطع نافلته ؟ على أن قصة عباد المخرجة عند أبي داود فيها ضعف .
خامساً : فتوى ابن عمر بغسل المحاجم دليل على نجاسة الدم أصلا ، فلا يُخلط بين مسألة نقض الدم للوضوء ، ونجاسة الدم الخارج من البدن !!
سادسا : إذا حكى النووي وغيره الإجماع على مسألة وهم ممن يعتد بهم في العلم والفضل وتواطأ على ذلك أئمة فلماذا لا يكون صحيحا ؟ على أنه ينتبه لشيء وهو أن بعضهم يهمل قول المخالف لأنه شاذ ربما أو قد انعقد الإجماع قبله أو لا يعتد به في الخلاف كما قد صرح النووي رحمه الله بذلك في باب السواك شرح مسلم فهو لا يعتد بخلاف الظاهرية .
ثم هناك رسالة صغيرة تسمى الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة لابن رجب رحمه الله عظيمة في باب الأخذ بأقول المذاهب الأربعة من الخروج عليها . وأن تلك المذاهب هي التي حفظت وغيرها لم يحفظ في الجملة فمن يحقق قول المخالف كالأوزاعي والليث وأين أصولهم وقواعدهم المنصورة المحفوظة وفروعهم المثبة .. رحمة الله عليهم .
سابعا : قولكم : ولذا قال الإمام أحمد – رحمه الله – :(1/36)
وما يُدرك أنهم أجمعوا ، لعلهم اختلفوا فبالمناسبة قد حكى الإمام أحمد نفسه الإجماع على نجاسة الدم هو نفسه وهناك رسالة صغيرة في السوق تحمل هذا العنوان وهو نجاسة الدم .
الجواب :
بارك الله فيك أخي الفاضل
لا أُريد أن أُطيل في هذه المسألة أو إعادة الكلام فيها
قلتُ : ليس فيها حديث .
وإنما عنيت أن الدم مما تعمّ به البلوى ، من جراحات ونحوها ، فاستدلتَ – حفظك الله – بغسل دم الاستحاضة ، والقياس مع الفارق باطل !
ولذا قال الإمام أحمد – رحمه الله – : أكثر ما يغلط الناس في التأويل والقياس .
فأنا أتكلّم عن الدم الخارج من جراح ونحوها ، وهو ما قال فيه الحسن – رحمه الله – : ما زال المسلمون يُصلُّون في جراحاتهم . رواه البخاري تعليقاً ورواه ابن أبي شيبة موصولاً .
فأين هو النص على غسل ما أصابهم من جراحات بعد المعارك ؟
أو حتى الدليل على غسل الدم الخارج من غير السبيلين ؟
سواء كان من جرح أو كان رعافاً .
وأين الدليل على أن رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم نفسه غسل محاجمه بعد الحجامة ، وكان كثير الاحتجام ، كما صحت بذلك الأحاديث .
ولا يتناقض هذا مع ما أوردته عن ابن عمر والحسن من غسل المحاجم ، فإن النبي صلى الله عليه على آله وسلم غسلت عنه ابنته أثر الدم يوم أُحد ، ولا يدلّ على الوجوب ، وإنما الدم مما يُتأّذى به وبأثره ورائحته فيُؤمر بغسل المحاجم كما قال ابن عمر والحسن .
والآثار التي سبقت أن سقتها لك – وأجدني مضطرا لإعادتها – تدل على أنهم كانوا لا يرون نجاسة الدم .
عَصَر ابن عمر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ ، وبزق بن أبي أوفى دما فمضى في صلاته . علقها البخاري مستدلاً بها على ما ذهبتُ إليه من عدم نجاسة الدم .
= أما الأمر بغسل المني فلم يصح فيه حديث ، وإنما صحّ فيه الغسل إن كان رطبا من فعل عائشة – رضي الله عنها – ، وفركه إن كان يابسا كما في الصحيح .(1/37)
= تكلّمت – حفظك الله – وكررت مسألة الإجماع ، ولم تصحّ دعوى الإجماع ، وما ثبت الإجماع ، لورود الخلاف عن الصحابة – رضي الله عنهم – وعن التابعين ، كما في الآثار السابقة .
= ذكرت – حفظك الله – مسألة المذاهب الأربعة ، ويذكر بعضهم أنه إجماع !
وليس اجتماع المذاهب الأربعة على مسألة يُعدّ إجماعاً ، وإنما يُقال : هذا رأي الجمهور .
ويجب – أخي الحبيب – أن لا يأخذنا الحماس أو العاطفة أو حب الأئمة على تعظيم أقوالهم دون أقوال رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم ، أو تقديم أقوالهم على قول رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم ، وما أشبه ذلك ما يقع فيه بعض متعصبة المذاهب .
ويعلم الله كم لهؤلاء الأئمة من حب وتوقير في أنفسنا
ولكن يجب أن لا يُداني حب رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم وتعظيمه وتوقيره .
قال العلامة القاسمي في قواعد التحديث – في كلامه على ثمرات الحديث الصحيح ومعرفته - :
الثمرة الخامسة : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . قال الإمام الشافعي في الرسالة : ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استُحسِن شيء يُحدِثه لا على مثالٍ سابق . انتهى .
فالصحيح أنه لا يُعمل بالحديث إلا إذا صحّ ، ولذا كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول كثيراً : إن صحّ الحديث .
يعني في مسألة مُعينة إذا صح الحديث عمل به .
كما قال ذلك في الوضوء من لحوم الإبل .
نقل الحافظ ابن حجر عن البيهقي أنه قال : حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال : إن صح الحديث في لحوم الإبل قلتُ به . قال البيهقي : قد صحّ فيه حديثان ؛ حديث جابر بن سمرة وحديث البراء . قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه .
وهذا من إنصاف البيهقي – رحمه الله – فهو شافعي المذهب ، ومع ذلك قال بخلافه فيما صحّ فيه الحديث وتبيّن له فيه الدليل .(1/38)
فالعبرة عند السلف بِصحّة الحديث لا بمن قال به أو عمل بموجبه .
ألا ترى أن البيهقي – رحمه الله – الذي ينصر مذهب الشافعي حتى في تأليف السنن الكبرى ، ومع ذلك يُخالف إمامه لما استبان له الحق .
وأولئك الأئمة – رحمهم الله – كانوا ينهون عن تقليدهم
ويُعظّمون السنة والحديث وأقوال الصحابة .
اتّفقت كلمة العلماء أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة على ردِّ قولِهم إذا خالف الحديث .
قال الإمام أبو حنيفة : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي .
وقال أيضا : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .
وقال أيضا : إذا قلت قولاً يُخالف كتاب الله تعالى وخبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي .
وقال الإمام مالك : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
وقال أيضا : ليس أحدٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الإمام الشافعي فقال : أجمع المسلمون على أن من استبان له سُنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحِلّ له أن يدعها لقول أحد .
وقال أيضا : إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت .
وقال الإمام أحمد : من ردّ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلَكَة
وقال أيضا : لا تقلد في دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ فخُذ به .
قال الحميدي : روى الشافعي يوماً حديثاً ، فقلت : أتأخذ به ؟ فقال : رأيتني خرجت من كنيسة ، أو عليَّ زُنّارٌ حتى إذا سمعتُ عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أقول به .
إلى غير ذلك من أقوالهم الكثيرة المشهورة .(1/39)
وقد خالف شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ، – وغيره – خالفوا المذاهب الأربعة أو بعضها في مسائل استبان لهم فيها الحق ، ومع ذلك لم يكن في هذا مطعن عليهم .
بل إن ابن رجب – رحمه الله – ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وذكر الخلاف في مسألة فقال :
ورجحه الإمام أبو العباس ابن تيمية .
فهو ينعته بالإمام ، مع أنك ذكرت أنه له رسالة في بعنوان : الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة .
ومع حُبنا لأئمة المذاهب ، إلا أننا لا ندّعي لهم العصمة – كما تدّعيها الرافضة لأئمتها – !!
وأرجو أن لا يُفهم مني تنقص الأئمة أو الطعن فيهم أو العيب عليهم ، ولكننا نُنزلهم منازلهم .
وأرجو أن لا يكون ردي هذا انتصاراً للنفس ، بل طلباً للحق .
أسأله سبحانه حسن المقصد .
والله يحفظكم .
في حالة نسخ أي صفحة من صفحات هذا الموقع حبذا ذكر المصدر على النحو التالي
نقلاً عن لقط المرجان في علاج العين والسحر والجان
http://www.khayma.com/roqia(1/40)