شمس دنيا المنام
دراسة إسلامية شاملة لعلم تفسير الرؤى
شمس دنيا المنام
دراسة إسلامية شاملة لعلم تفسير الرؤى
الكتاب الأول
حقيقة الرؤى وأصول علم تفسيرها
تأليف
جمال حسين جمال الدين عبد الفتاح
مفسر الرؤى وباحث في علم تفسيرها
الطبعة الأولى
ذو القعدة 1429 هـ ـ نوفمبر 2008 م
تدمك 7-6144-17-977 (ج1) رقم الإيداع: 17630/2008
...
الطبعة الأولى
1429هـ - 2008 م
حقوق الطباعة محفوظة للمؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
شكر وتقدير
يسعدني بعد حمد الله (تعالى)، والثناء عليه (سبحانه)، أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهموا مادياً أو معنوياً في إخراج هذا العمل، جزى الله (عزَّ وجلَّ) الجميع عن هذا العمل المهم خير الجزاء، وبارك فيهم.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
فممَّا لا شك فيه أن رؤيا المنام قد لاقت ولا زالت تلاقي اهتماماً كبيراً من غالبية الناس على اختلاف عصورهم، وأوطانهم، وانتماءاتهم الدينية والفكرية، وذلك على اعتبار أنها جزء مهم من طبيعة الإنسان وحياته. والكلام عن الرؤيا كثير منذ أقدم العصور وحتى وقتنا هذا، وذلك في محاولة لتفسير هذه الظاهرة العامة والشاغلة لكثير من الناس، وقد تناولتها بالبحث والتحليل الديانات السماوية، والأرضية، والنظريات الفلسفية، والأبحاث النفسية.(1/1)
وعلى الرغم من أهمية موضوع الرؤيا وكثرة الكلام حولها، فلا تزال تحيط بها الكثير من الخرافات والأكاذيب. والسبب في ذلك ببساطة هو أن الرؤيا هي جزء من عالم الغيب الذي لا يستطيع الإنسان أن يدركه بحواسه، وبالتالي، فلا يمكن إخضاعها للملاحظة أو التجربة العلمية ثم التوصل إلى نتائج دقيقة، أو اكتشاف قوانين بشأنها بهذا الأسلوب. وكذلك، ومن باب أولى، فإنه لا يمكن كشف حقيقتها ولا التعامل معها من خلال وجهات النظر الفلسفية، أو الحسابات المنطقية. وهكذا، فإن محاولة فهم الرؤيا اعتماداً على العلم التجريبي أو الفلسفة هي محاولات غير موثوق بها.
وطالما أن الإنسان قد عجز عن إدراك حقيقة الرؤيا سواء بحواسه أو بعقله، فلم يبق إلَّا اللجوء إلى الديانات السماوية لتفسير هذه الظاهرة الغيبية. وعلى الرغم من ذكر الرؤيا في اليهودية والنصرانية، إلَّا أن ما جاء عنها فيهما غير كافٍ لتفسير هذه الظاهرة بشكل واضح، وكذلك فقد أضاف تحريف مصادر هاتين الديانتين المزيد من التعقيد إلى المسألة، فأصبح الاعتماد عليهما في فهم حقيقة الرؤيا أمراً لا يمكن أن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.
أمَّا الإسلام فبالإضافة إلى أنه الدين السماوي الوحيد الذي حُفظت مصادره من التحريف، فقد أولى عناية فائقة ومميزة بالرؤيا. فالرؤيا في الإسلام جزء من العقيدة، وأساس من أسس التدين والصلة بين الله (سبحانه وتعالى) وبين المسلم. ومن الثابت في المصادر الإسلامية الصحيحة (القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة) أن للرؤيا معاني مهمة مرتبطة بحياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن الإسلام قد حض على دراسة الرؤيا والاجتهاد لفهم معانيها.(1/2)
وانطلاقاً من هذه المكانة العظيمة للرؤيا في الإسلام، فقد عكف العلماء المسلمون في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية على دراسة وتحليل الرؤيا، واستنباط قواعد تفسيرها، وظهرت أسماء كبيرة ولامعة في هذا المجال من المتخصصين في هذا العلم كابن سيرين (ت110 هـ) (رحمه الله تعالى) وغيره، وقد قام بعضهم بتأليف كتب لا تزال متداولة بين الناس حتى الآن.
ثم جاءت بعد ذلك عصور التخلف الأخيرة، والتي انحسرت فيها النهضة العلمية للمسلمين، وضعفت فيها حركة التأليف، والابتكار، والبحث، والاجتهاد، وأصاب الإهمال الشديد كل ما يتعلق بالرؤيا وتفسيرها، وعزف الباحثون المسلمون عنها، ثم تحول هذا الإهمال إلى عجز كبير عن فهم الرؤيا والتعامل معها بالشكل المطلوب، فلم تتعدَّ أفضل المؤلَّفات الموجودة حالياً في هذا الموضوع كونها مجرد نقول من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وأخبار السابقين وأقوالهم، دون فقه لهذه النصوص نستطيع على أساسه النظر إلى علم تفسير الرؤيا والتعامل معه كعلم محترم له استقلالية وقواعد وأصول مثل بقية العلوم الشرعية، أو نتمكن من تطويره وإخراجه من إطاره القديم بحيث يواكب التغيرات الكبيرة التي حدثت في هذا العصر وأدواته.(1/3)
ونظراً للازدياد الكبير لاهتمام الناس بالرؤيا ومحاولة فهمها في هذا العصر، ومع تزامن هذا الاهتمام مع هذه الحالة من العجز العام عن فهمها، كانت النتيجة الطبيعية أن يدخل في هذا المجال عديد من الجهلاء والنصابين بهدف المتاجرة به والاشتهار على حسابه. كما ظهرت عن الرؤيا كتب في الأسواق وبرامج في التلفاز تحتوي على الكثير من المبالغات والمغالطات غير المقبولة شرعاً أو عقلاً. كذلك، فقد ازدادت طبعات الكتب التراثية القديمة المشهورة التي تتناول موضوع الرؤيا وتفسيرها، والتي أصبحت مع مرور الوقت وتغير العصور لا تُلبِّي الحاجة المطلوبة ولا تسُدُّ الفراغ الكبير، بالإضافة إلى ما فيها من أخطاء علمية كثيرة لم يقُم أحد بتصحيحها.
ثم أعقب هذا الانحدار الشديد الذي أُصيب به المسلمون في هذا المجال العلمي المهم ظهور فئة من المنتسبين للمؤسسات الإسلامية يشككون في كون للرؤيا علم مستقل له قواعد وأصول شرعية، بل ولم يتردد بعضهم في مهاجمة كل من يحاول الترويج لهذه الفكرة، وربما يكون لهم بعض العذر نتيجة لحالة الفوضى السائدة في هذا المجال.
ومن قلب هذا المناخ المُظلم، تأتي هذه الموسوعة ـ التي تتناول الرؤيا وعلم تفسيرها من منظور إسلامي ـ كمحاولة لتصحيح وضع خاطيء ومتواصل منذ قرون، ظُلمت خلالها الرؤيا وعلم تفسيرها، وعانت من الأهمال الشديد، والجمود، والخرافة. كما تأتي هذه الموسوعة في وقت ازداد فيه احتياج الناس إلى هذا العلم، واشتاقوا إلى عودته إلى مكانته الكريمة التي يستحقها بين العلوم الشرعية الإسلامية.
والموسوعة مقسمة إلى قسمين رئيسيين، وهما: الكتاب الأول - وهو الذي بين يديك الآن عزيزي القاريء - ويختص بأحكام، وقواعد، وأصول الرؤيا وتفسيرها، ومجموعة أخرى من الكتب تختص بتفسير معاني رموز الرؤى.(1/4)
وكما أن لكل شيء ملامح وسِمات تميزه عن غيره وتجعله فريداً عن بقية الأشياء، فإن لهذه الموسوعة ملامح خاصة وضعها مؤلفها نصب عينيه أثناء إعدادها بغرض تحقيق الأهداف المرجوة منها. وتتلخص أهم الملامح التي تتميز بها هذه الموسوعة في التالي:
1. التأصيل الشرعي: ترتبط جميع المسائل العلمية الواردة في الموسوعة بأصول شرعية قائمة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
2. الشمول: تتناول الموسوعة الرؤيا وتفسيرها من جميع الجوانب دون إخلال أو تقصير، كما تجمع ما بين كل المسائل التي تناولها السابقون والمعاصرون في هذا العلم وتزيد. وبالتالي، فهي موسوعة تغني عن كل ما سواها من كتب في مجالها بفضل الله (تعالى) وتوفيقه.
3. العلمية: صُمِّمت الموسوعة لتكون بحثاً علمياً محترماً له مكانته. وبالتالي، فقد ابتعدت عن الخرافات وكل كلام لا أصل له شرعاً أو عقلاً.
4. البساطة، والوضوح، وحُسن العرض، والترتيب المنطقي: المادة العلمية في الكتاب معروضة بأسلوب واضح مُبسَّط. وكذلك، فالمعلومات في الكتاب مرتبة بحيث تنتقل من الأسهل إلى الأصعب، ومن الأبسط إلى الأكثر تعقيداً. ومع ذلك، فحتى المعلومات التي يفترض فيها الصعوبة قد تم عرضها في أبسط شكل ممكن بحيث يمكن أن يفهمها الشخص العادي دون مشقة كبيرة.
5. مخاطبة جميع المستويات الثقافية: مُشكلة غالبية الكتب العلمية أنها تُخاطب جمهوراً تفترض فيه درجة معينة من الثقافة والعلم مما يجعلها صعبة مغلقة على كثير من الناس. أما هذه الموسوعة، فإنها تُخاطب كلاً من الشخص العادي بحيث يمكن أن يكتسب من خلالها ثقافة جيدة في فهم حقيقة الرؤيا، وأسلوب التعامل الصحيح معها، وكيفية تفسيرها، وكذلك، فهي تُخاطب الباحث والعالم المتخصص بحيث تُشبع رغبته في الإلمام بكل جوانب المسألة ابتداء بأصولها الجذرية وانتهاء بتفريعاتها وتفاصيلها العلمية الدقيقة.(1/5)
6. التجديد: الموسوعة جديدة وفريدة شكلاً ومضموناً حيث تختلف تماماً عن كل ما كُتب في هذا العلم.
( أما بخصوص المنهج الذي اتبعته في هذه الموسوعة فهو كالتالي:
( الكتاب الأول:
1. ينقسم الكتاب الأول من الموسوعة إلى أربعة أقسام: يتناول القسم الأول كل ما يتعلق بحقيقة الرؤى وأحكامها الشرعية، ويتناول القسم الثاني كل ما يتعلق برائي الرؤى (لأنه لا يمكن تفسير الرؤيا بمعزل عن ظروف رائيها وأحواله)، ويتناول القسم الثالث كل ما يتعلق بقواعد تفسير الرؤى وأصوله الشرعية، ويتناول القسم الرابع كل ما يتعلق بمفسر الرؤى من حيث شروطه، وآدابه، والمنهج الصحيح الذي ينبغي أن يلتزم به عند قيامه بتفسيرها.
2. أسلوب السؤال والجواب: تم عرض المادة العلمية في الكتاب على شكل سؤال وجواب تيسيراً للفهم، والاستيعاب، وعدم التشتت كما يحدث كثيراً في حالة عرض المادة العلمية في شكل مقالات.
3. أسلوب النَّص والحاشية: تم تقسيم العديد من إجابات الأسئلة إلى إجابة مختصرة بسيطة موجهة في الأساس لغير المتخصصين، وحاشية ملحقة بها فيها أدلة علمية، وتعليلات، ومسائل مفيدة موجهة للمتخصصين، والمشتغلين بعلم تفسير الرؤى، والراغبين في الاستزادة من العلم في مسألة معينة.
4. الأمثلة: يحتوي الكتاب على أمثلة توضيحية بغرض إبراز الفكرة وتثبيتها في الأذهان، وخصوصاً في جزئيات الكتاب التي تتعلق بقواعد تفسير الرؤى حتى يسهل فهمها وتعلمها.
5. ملحق الأذكار الشرعية للنوم: يحتوي الكتاب على ملحق إضافي يختص بالأذكار الشرعية النبوية الخاصة بالنوم مرتبة ومبوبة بأسلوب يُسهِّل تعلمها على الشخص العادي بإذن الله (تعالى).
( بقية أجزاء الموسوعة:(1/6)
1. تقسيم كل كتاب إلى فصول: تم تقسيم كلٍ من هذه الكتب إلى فصول تبدأ بتفسير رؤيا الله (عزَّ وجلَّ)، ثم رؤيا الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ثم رؤيا الأمور المتعلقة بالآخرة، ثم رؤيا الأمور المتعلقة بالمعيشة، كما تشتمل أيضاً على تفسير الرموز الحديثة للرؤى مثل التلفاز، وأطباق استقبال القنوات الفضائية، والفيديو، والكمبيوتر، والإنترنت، والهاتف المحمول، والسيارة، وبطاقات الائتمان، وغير ذلك كثير بفضل الله (تعالى).
2. أسلوب النَّص والحاشية: تم تقسيم تفسير الرموز إلى قسمين، الأول: نص أساسي بسيط لمعاني الرمز، وهو مفيد للشخص العادي، والثاني: حاشية تحتوي على الأدلة العلمية الشرعية التي بُنِيَت عليها هذه المعاني، وهو مفيد للباحثين وأهل التخصص.
أسأل الله (تعالى) أن تكون هذه الموسوعة سبباً في إحياء علم شرعي ميت، وأن ينفع الله (عزَّ وجلَّ) بها الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة، وأن تكون أساساً متيناً يخرج بناء عليه عشرات الباحثين في علم تفسير الرؤى؛ ليضيفوا المزيد والمزيد من الأبحاث الجادة إليه.
وقبل الدخول في موضوعات الكتاب لا يسعني إلا أن أقول:
"ربِّ اهدني لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم"
* * *
الباب الأول
حقيقة الرؤى
1. ما هو مفهوم النوم في الإسلام؟
النوم في الإسلام هو حالة شبيهه بالموت حيث يحدث النوم عندما يأخذ الله (عزَّ وجلَّ) روح الإنسان من جسده، فإن كان له عمرٌ باقٍ أعاد الله (سبحانه وتعالى) إليه روحه، فاستيقظ من النوم، وإن كان عمره قد انتهى احتفظ الله (جل جلاله) بروحه فلم تَعُد إليه.
والنوم في الإسلام هو من الآيات التي تدل الإنسان على قدرة الله (تبارك وتعالى). ومن ضمن الحِكَم التي خلق الله (عزَّ وجلَّ) النوم من أجلها أن يكون راحة لجسم الإنسان من تعب المعيشة. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال الأول:
قال الله (تبارك وتعالى) في كتابه الكريم: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر : 42].
اختلف العلماء حول معنى النفس التي يقبضها الله (جل جلاله) عند النوم، والوارد ذكرها في الآية الكريمة، فقال بعضهم: هي الروح نفسها التي يقبضها الله (عزَّ وجلَّ) عند الموت (الجامع لأحكام القرآن)، قال القرطبي: «والأظهر أنهما (أي النفس والروح) شيء واحد، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح» ا.هـ، وقال آخرون: هي شيء آخر غير هذه الروح (اللباب في علوم الكتاب)، قال ابن عادل: «والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي بها العقل والتمييز، ولكل إنسان نفسان، إحداهما نفس الحياة، وهي التي تفارقه عند الموت وتزول بزوالها النفس، والأخرى هي النفس التي تُفارقه إذا نام» ا.هـ، وأقر آخرون بالعجز عن الخوض في الموضوع (المحرر الوجيز)، قال ابن عطية: «فظاهر أن التفصيل والخوض في هذا كله عناء، وإن كان قد تعرض القول في هذا ونحوه أئمة» ا.هـ.
والظاهر الراجح عندي أن المقصود بالنفس المقبوضة عند النوم في الآية الكريمة هي الروح التي يقبضها الله (سبحانه وتعالى) عند الموت، والدليل على ذلك ما جاء في الآثار الصحيحة عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) وعن الصحابي عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما)، والتي تشير صراحة إلى أن ما يُقبَض أثناء النوم هو الروح، فقد جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال لجماعة من الصحابة (رضي الله تعالى عنهم) عندما استيقظوا بعد طلوع الشمس، وقد فاتتهم صلاة الفجر: «إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء» (رواه البخاري)، وأيضاً جاء عنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه كان يقول عند استيقاظه من النوم: «الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردَّ علي روحي، وأذِن لي بذكرِه» (حديث حسن - رواه الترمذي)، وكذلك، جاء عن الصحابي عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال في تفسير قول الله (تبارك وتعالى): {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}: «تلتقي أرواح الأحياء والأموات [في المنام]، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها» (رواه الطبراني في الأوسط - وهو في مجمع الزوائد، ورجاله رجال الصحيح).
وكذلك قال الله (تبارك وتعالى): {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام : 60]، (ومعنى (جَرَحتم): فعلتم).
وكذلك قال الله (جل جلاله): {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الروم : 23]، (ومعنى أن النوم آية من آيات الله (تعالى) أنه من الأمور التي تدل على عظمة الله (سبحانه) وكمال قدرته).
وكذلك قال الله (سبحانه وتعالى): {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} [النبأ : 9]، (ومعنى السُّبات: الراحة للجسم).
وكذلك قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «النوم أخو الموت» (السلسلة الصحيحة - صحيح الجامع)؛ لأن الله (عزَّ وجلَّ) يتوفى الأنفس في كليهما.
وربما يتسائل البعض كيف يمكن للشخص أن تُقبض روحه في المنام ولا يموت؟ فنقول: سبحان من قدر على أن يقبض روح هذا فيموت، ويقبض روح ذاك فلا يموت. والله (تعالى) أعلم.(1/7)
2. ما هي الرؤيا؟
هي حالة خاصة من الوعي تحدث للإنسان أثناء النوم. والله (تعالى) أعلم.(1)
3. ما هي الأشياء التي يُمكن أن يراها الشخص أثناء النوم؟
يمكن أن تندرج غالبية الأشياء التي قد يراها الشخص في نومه تحت عدة تصنيفات:
1. صور: كرؤيا الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد.
__________
(1) حاشية السؤال الثاني:
اختلف العلماء المسلمون في توصيف الوعي الذي يحدث في أثناء النوم أو ما يُسمَّى بالرؤيا، فقال بعضهم عنها أنها «إدراكات»، وقال آخرون أنها «اعتقادات»، [أي إدراكات أو اعتقادات يكتسبها الرائي أو تُعرَض له في المنام] (فتح الباري).
وكلمة «إدراكات» تعني «معلومات»، أي أموراً تصل إلى علم الشخص أو وعيه على حقيقتها، بينما كلمة «اعتقادات» تعني «تصورات»، أي أموراً تصل إلى علم الشخص أو وعيه أيضاً، ولكن ليست بالضرورة على حقيقتها، فنقول مثلاً: «يدرك المؤمن أن الله (تعالى) يراقبه ويحاسبه على أعماله، بينما يعتقد الكافر - أو يتصور - أن الله (تعالى) لا يراقبه ولا يحاسبه على أعماله».
والظاهر أن من سمَّاها «اعتقادات» قد أطلق عليها ذلك على أساس أن ما يراه الشخص في منامه هو غير حقيقي، بل يعتقد النائم أنه حقيقي. فقد يرى النائم نفسه في رؤيا أنه يطير، أو يسافر إلى بلاد بعيدة، أو يَقتُل، أو يَسرِق، ويعتقد في المنام أنه يفعل ذلك حقاً، إلَّا أنه في الواقع لا يفعل ذلك، بينما يظهر أن من قال بأنها «إدراكات» أنه قد قال ذلك على أساس أنها معلومات يستقبلها وعي الإنسان بشكل كامل من مصدرها كما هي فعلاً دون أي تزييف أو تبديل لها، أو تشويش عليها.
والظاهر أن كليهما صحيح من وجه، فهي إدراكات من حيث أن النائم يستقبلها على حقيقتها دون تغيُّر أو نقص، وهي - في نفس الوقت - اعتقادات من حيث أن النائم يمُر فيها بتجارب حِسِّيَّة في حين أن الحواس لا تُمارسها فعلياً. والله (تعالى) أعلم.(1/8)
2. أفعال: كرؤيا الأكل، والشرب، والمشي، والطيران، والهروب.
3. أصوات: كصوت الإنسان، والحيوان، والطبيعة، والموسيقى.
4. روائح: كالروائح الجميلة أو الكريهة.
5. مذاقات: كالطعم الحلو، والمر، والحامض.
6. مشاعر وأحاسيس: كالحب، والكره، والمتعة، والألم، والخوف.
7 . أفكار ومعلومات: كأن يرى الشخص أنه يفكر في أشياء معينة أو أنه يعلم بها.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال الثالث:
(1) يُثار هُنا سؤال، وهو: هل يجوز استخدام الفِعل «رأى» - والذي يُستخدَم مع الصور البصرية - لتوصيف ما يُعرَض لشخص في منامه من رؤى، في حين أن الرؤيا قد تأتي في شكل لا صورة فيه كأن تكون رائحة مشمومة، أو إحساساً، أو تفكيراً؟ فنحن نستطيع أن نتصور مثلاً أن يقول شخص عن منامه «رأيت كلباً أو قِطّاً»، ولكن هل يستقيم مثلاً أن يقول «رأيت أني أعمى» (وهل يرى الأعمى؟!)، أو «رأيت أن بطني تؤلمني» (هذا إحساس لا يُرى)، أو «رأيت أني أُفكِّر في شيء ما» (هذا تفكير لا يُرى)؟!
والجواب: أن الفعل «رأى» لا يُستخدم فقط للدلالة على ما يدركه الشخص ببصره، بل قد يُستخدم أيضاً للدلالة على معاني أخرى، فعلى سبيل المثال، قد يأتي أحياناً بمعنى «عَلِمَ»، كما في قول الله (تعالى): {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون : 1]، بمعنى: «أعَلِمتَ الذي يُكذِّب بالدين»، وقد يأتي أحياناً أخرى بمعنى التعبير عن الرأي الشخصي، كقولهم «أرى أن نؤجل السَّفر إلى الغد حتى نستعد له»، وكذلك، يمكن أن يُستخدم الفعل «رأى» للتعبير عما يدركه الشخص في المنام من رؤى بصرف النظر إن كان صورة أو غير ذلك، فيجوز أن يُقال «رأيت في المنام أني نائم»، أو «رأيت في المنام أني أشم رائحة جميلة»...إلخ، بمعنى: «جاءني ذلك في رؤيا منام».
(
2) وسؤال آخر، وهو: ما الفرق اللغوي بين كلمة «رؤية» (بالتاء) وكلمة «رؤيا» (بالألِف)؟ والجواب: أنه لا يوجد فرق لغوي بينهما (اللباب في علوم الكتاب)، فيُجوز أن تُستخدم أي منهما للتعبير عن رؤيا المنام، ولكن يكثُر استعمال كلمة «رؤيا» (بالألِف) للمنام، بينما يقِلُّ استعمال كلمة «رؤية» (بالتاء) له (زاد المسير).
(3) وسؤال ثالث، وهو: هل يجب أن تحتوي الرؤيا على صورة أو أكثر؟ أم يمكن أن يرى الشخص رؤيا لا صورة فيها (كأن تقتصر رؤياه على شم رائحة معينة أو على سماع صوت معين مثلاً)؟ والجواب هو: أن الأصل في الرؤى والغالب عليها أنها تحتوي على صورة أو أكثر، ولا دليل عندي أن ذلك من شروطها ولوازمها مُطلقاً، بل قد يرى الشخص أنه يسمع كلاماً فقط، وهذا نوع من الرؤى اسمه «الهاتِف».
وقد رأيت وأنا في حوالي الثامنة عشر من العُمر - وقبل أن يَمُنَّ الله (تعالى) عليَّ بنعمة الهداية الكاملة - هاتِفاً سمعت فيه من يقول لي: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [البقرة : 257]، فتحققت بفضل الله (جل جلاله)، وكان ما كان من نعمة الله (عزَّ وجلَّ) عليَّ بانصلاح الحال. ولله (تعالى) الحمد والمنة.
والله (تعالى) أعلم.(1/9)
4. ما هو الفرق بين الوعي في اليقظة والوعي في النوم؟
1. الوعي في اليقظة مصدره الأساسي الحواس الخمس (السمع، البصر، الشم، التذوق، اللمس)، بينما لا تكون هذه الحواس غالباً مصدراً للوعي أثناء النوم.
2. الوعي في اليقظة محدود بقوانين مادية معينة، ومُقيَّد بقيود لا يستطيع الإنسان الخروج عنها عادة، فلسمعه حدود، ولبصره حدود، ولحركة جسمه حدود، بينما في الرؤيا تتسع حدود الوعي بشكل أكبر كثيراً من اليقظة، فيمكن أن يمر الشخص بتجارب «حسيَّة وشعوريَّة» لا يستطيع التعرض لها في اليقظة كرؤياه نفسه يطير في الهواء، أو يتكلَّم مع الأموات، أو رؤياه للجنَّة أو النَّار، أو غير ذلك من أشباه هذه الأمور.
3. يستطيع الإنسان أن يتحكم بدرجة ما في وعيه ويختار أثناء اليقظة، فيسمع أو لا يسمع، وينظر أو لا ينظر، ويفعل أو لا يفعل، بينما يفقد هذه القدرة تماماً على الأرجح أثناء النوم، حتى ولو اعتقد في أثناء الرؤيا أنه يتحكم ويختار.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال الرابع:
(1) ما يظهر أن الشخص يفقد في أثناء النوم إحساسه بالزمان والمكان، والدليل على ذلك ما جاء في قصة أهل الكهف التي حكى عنها القرآن الكريم مما يدل على أنهم فقدوا إحساسهم بالزمان والمكان.
فأمَّا فقدانهم الإحساس بالزمان فدل عليه قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف : 19]، فهنا اعتقدوا أنهم ناموا لمدة يوم أو ساعات على الرغم من أنهم قد ناموا ثلاثمائة وتسع سنين كما في قول الله (سبحانه وتعالى): {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} [الكهف : 25].
وأمَّا فقدانهم الإحساس بالمكان فدل عليه قول الله (جل جلاله) على لسانهم: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} [الكهف : 19]، فعندما استيقظوا بعد هذه السنين الطويلة جداً لم يدركوا التغيرات التي حدثت للمدينة التي كانوا يعيشون فيها من تعاقب الأجيال وتبدل الأحوال، وظنوا أنها نفس مدينتهم التي تركوها، فأرادوا أن يبعثوا واحداً منهم بالمال ليشتري لهم طعاماً مع أخذه الاحتياط والحذر من أهل مدينتهم التي خرجوا منها.
(2) نظراً لأن ما يستطيع الشخص أن «يفعله» في الرؤيا هو أوسع، وأكبر، وأيسر مما يستطيع أن يفعله في اليقظة فقد دَرَج الناس على استخدام كلمة «الحُلم» أو «الأحلام» للتعبير عن الأمنيات أو التطلعات الشاقة التي يصعب تحقيقها في الواقع أو يستحيل، فإذا تحققت هذه الأمنيات قالوا: «حققنا حُلماً»، فمثلاً يُقال: «كان الطيران حُلماً للبشرية على مر العصور حتى تحقق»، وكذلك، تُستخدم هذه الكلمة في التعبير عن الأوهام، والظنون، والتصورات البعيدة عن الواقع، فيُقال مثلاً: «إن كان الكافر يظن أنه سوف يدخل الجنة بكفره، فهو يحلُم»، كما يُستخدم تعبير «أحلام اليقظة» - وهو تعبير غير عربي في الأصل - للدلالة على الأمنيات الجميلة التي يسرح الإنسان بعقله في تحقيقها دون أن تتحقق في الواقع.
(3) ليس للشخص أي تدخل أو عمل أو اختيار في رؤياه على الأرجح، بل هي مفروضة عليه، والدليل على ذلك أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يُحاسِبه على فترة النوم، بل إنها لا تُحسب عليه من عمله أصلاً، كما جاء في قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رُفِعَ القلم عن ثلاثة»، وذَكَرَ منهم «النائم حتى يستيقظ» (حديث صحيح - صحيح الجامع)، (ومعنى «رُفِعَ القلم عن النائم»: أي لا تكتب الملائكة عليه أي عمل). والله (تعالى) أعلم.(1/10)
5. كيف تحدث الرؤيا عند الشخص النائم؟ أو ما هو مصدرها؟
تحدث الرؤيا عند النائم بثلاث كيفيات:
1. يخلقها الله (عزَّ وجلَّ) في وعيه.
2. يبُثَّها الشيطان في وعيه.
3. تُوَلِّدها نَفسُهُ في وعيه.
والله (تعالى) أعلم.(1)
6. ما هي النَّفس؟ وما هي رؤيا حديث النَّفس؟ ولماذا تحدث؟ وما هي أهميتها؟
يُقصد بالنفس ذلك الجزء غير الماديِّ في الإنسان، والمسئول عن اتخاذ القرارات والتفكير.
أمَّا رؤيا «حديث النفس» فهي نوع من أنواع الرؤى التي تحدث عندما تقوم نفس الشخص بإعادة عرض ما كان يُفكر فيه أو ينوي فعله في يقظته داخل وعيه في أثناء نومه على شكل رؤيا.
وليس لهذا النوع من الرؤى أية أهمية تُذكر في الإسلام، ما عدا فقط أن يعرف الشخص بوجودها، وبأنها يمكن أن تأتيه في منامه حتى يستطيع التمييز بينها وبين بقية الأنواع الأخرى من الرؤى. والله (تعالى) أعلم(2).
__________
(1) حاشية السؤال الخامس:
الدليل على أن الرؤى تندرج تحت هذه الأنواع الثلاثة - ولا تخرج عنها – هو قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الرؤيا ثلاث: حديث النفس، وتخويف الشيطان، وبشرى من الله» (رواه البخاري). والله (تعالى) أعلم.
(2) حاشية السؤال السادس:
(1) استنبطت التعريف المذكور للنفس من أحاديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن رؤيا حديث النفس كالتالي:
قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) واصفاً رؤيا حديث النفس بأنها: «ما يُهِمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه» (حديث صحيح - السلسلة الصحيحة)، (ومعنى «يُهِمُّ»: ينوي)، فاستنتجت منه أن النفس مسئولة عن اتخاذ القرارات، وكذلك جاء في حديث آخر عن رؤيا حديث النفس أنها: «الأمر يُحِّدِّث به نفسه [أي الإنسان] في اليقظة فيراه في المنام» (حديث صحيح - السلسلة الصحيحة)، فاستنتجت منه أن النفس مسئولة عن التفكير.
وليس معنى ذلك أن النفس مسئولة عن اتخاذ القرارات والتفكير فقط، بل قد تكون لها وظائف أخرى مثل احتواء بعض المشاعر كالخوف مثلاً، كما في قول الله (تعالى): {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} [طه : 67]، وقد تأتي كلمة «النفس» للدلالة على معاني أخرى كالروح مثلاً (راجع السؤال الأول).
(2) الدليل على كيفية حدوث رؤيا حديث النفس هما الحديثان النبويَّان السابقان حيث يُفهم منهما أن رؤيا حديث النفس هي انعكاس لما يفكر فيه الشخص في اليقظة أو ينوي فعله.
(3) الدليل على أنه ليس لرؤيا حديث النفس أهمية هو: أولاً: أنه لا يوجد أي نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية يشير إلى أن لها أية أهمية أو معنى، وثانياً: ما رُوي عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال عن رؤيا حديث النَّفس: «وليست بشيء» (حديث حسن لغيره - المطالب العالية/إتحاف الخيرة).
والله (تعالى) أعلم.(1/11)
7. ما هي الرؤيا الشَّيطانيَّة؟ ولماذا تحدث؟ وما هي الصفات المميزة لها؟ وما هي أضرارها؟ وهل لها فوائد؟
الرؤيا الشيطانية هي نوع من أنواع الرؤى يسببه الشيطان للإنسان بغرض الإضرار به، وتحدث هذه النوعية من الرؤى عندما يأتي الشيطان إلى النائم، فيتسلَّط عليه، ويجعله يرى أشياء معينه تؤذيه في أثناء النوم.
ويتميز هذا النوع من الرؤى في أغلب الأحوال بخمس صفات، لابد أن تتوافر واحدة منهم على الأقل في هذا النوع من الرؤى، وهي:
1. الحُزن والكآبة: فيرى النائم ما يجعله يستيقظ حزيناً، مهموماً، مُنقَبِض النَّفس كرؤى موت الأهل، واحتراق البيت، وطلاق الزوجة، والرسوب في المدرسة، والإصابة بمرض خطير، وغير ذلك من أمثال هذه الرؤى.
2. التَّخويف أو الإفزاع: فيرى النائم ما يجعله يستيقظ في حالة من القلق، والخوف، والرُّعب كرؤى الجن، والشياطين، والقتل، والتعذيب، والسقوط، وغير ذلك من أمثال هذه الرؤى.
3. العَبَث: فيرى النائم أشياء تافهة، وبلهاء، ولا معنى لها كرؤى الأغاني التافهة، والمزاح، والرقص، والتغير في شكل الجسم وحجمه، وغير ذلك من أمثال هذه الرؤى.
4. الإيقاع بين الصالحين: كالمسلمين والمسلمات والصالحين والصالحات من الأزواج، أو المتحابين في الله (عزَّ وجلَّ) من المسلمين أهل الخير والصلاح، أو أفراد الأسرة المسلمة الصالحة، ومن أمثلة هذه الرؤى، رؤيا شخص مسلم صالح أن أخاه المسلم الصالح يقتله أو يسرقه، أو رؤيا شخص مسلم صالح أن زوجته المسلمة الصالحة تطلب الطلاق منه أو تخونه.
5. التشجيع على الكفر والمعاصي: ويهدف الشيطان بذلك إلى إضعاف إيمان المسلم وصرفه عن سبيل الله (تعالى)، ومن أمثلة هذه الرؤى، رؤيا الكفر، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، والموسيقى، والإساءة إلى الدين (والعياذ بالله تعالى).(1/12)
أمَّا الضرر الذي يسببه هذا النوع من الرؤى، فهو ما يصيب الشخص بعدها عادة من حالة نفسية سيئة، وأمَّا فوائدها - إن كانت لها فوائد - فربما تكون تقوية شعور الإنسان بعداوة الشيطان له؛ فيدفعه ذلك إلى الاقتراب من الله (عزَّ وجلَّ)، وتقوية علاقته معه (سبحانه وتعالى). والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال السابع:
(1) الشيطان هو مخلوق من جنس الجن، والجن مخلوق من النار؛ لقول الله (تعالى): {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف : 50]، وكذلك لقوله (سبحانه): {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجر : 27]، وهو كافر؛ لقول الله (تعالى): {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 34]، وهو يعيش على الأرض التي يعيش عليها الإنسان؛ لقول الله (تعالى): {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً} [البقرة : 38] (أي هبوط آدم، وزوجته، وإبليس إلى الأرض)، وهو يتزوَّج ويتكاثر؛ لقول الله (تعالى): {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف : 50] (أي ذرية إبليس)، وهو يعادي الإنسان منذ زمن بعيد؛ لقول الله (تعالى): {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه : 117]، وهو يسعى في إيذاء الإنسان وإضلاله باستمرار؛ لقول الله (تعالى) على لسان إبليس: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء : 62]، (ومعنى أحتنِكَنَّ ذُريَّته: أي أُضِل ذُريَّة آدم)، وهو خفي على الإنسان، بينما لا يخفى عليه الإنسان؛ لقول الله (تعالى): {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف : 27].
وكذلك، فإن للشيطان نوعاً من التأثير على الإنسان يقل في درجته كلَّما كان مسلماً صالحاً قريباً من الله (عزَّ وجلَّ)، يقول الله (تعالى): {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42]، كما تتعدد أشكال تأثيره على الإنسان، فأبرزها التشجيع على ارتكاب الشر، والإبعاد عن عمل الخير، وهذا ما يُسمَّى بالغواية أو الوسوسة، كما في قول الله (تعالى): {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف : 20]، ومن ضمنها أيضاً الإيذاء الجسدي، كما في قول الله (تعالى): {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص : 41]، ومن ضمنها كذلك الرؤيا الشيطانية.
(2) الأدلة الشرعية على الصفات التي يتصف بها هذا النوع من الرؤى هي: أولاً: قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عنها أنها: «رؤيا تحزينٌ من الشيطان» (رواه مسلم)، وثانياً: قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عنها أنها: «تخويف الشيطان» (رواه البخاري)، وثالثاً: قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا حَلَمَ أحدُكُم فلا يُخبِرْ أحداً بتَلَعُّبِ الشيطانِ به في المنام» (رواه مسلم).
(3) أما الإيقاع بين الصالحين فهذا من أعمال الشيطان المعلومة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، كما في قول الله (تبارك وتعالى): {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء} [المائدة : 91]، وقد يفعل الشيطان ذلك من خلال رؤى المنام، وعلى الصالحين أن يحذروا من أن يمنحوا الشيطان الفرصة لإيقاع العداوة والبغضاء بينهم بهذه الطريقة الرديئة.
(4) أما التشجيع على الكفر والمعاصي، فهذا من أعمال الشيطان المعلومة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، كما في قول الله (تعالى) على لسانه: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} [النساء : 119]، وقد يقوم الشيطان بهذا الإضلال للناس من خلال الرؤى، ومن أمثلة هذا النوع من الرؤى أن يأتي الشيطان (لعنه الله تعالى) لإنسان مسلم صالح في المنام فيريه رؤى فيها استهزاء بالدين (والعياذ بالله تعالى)، أو قد يقول له في المنام أنه ربه، أو أنه نبي من الأنبياء، ثم يأمره بالكفر، والمعصية، والفساد (والعياذ بالله تعالى)، ويرجو الشيطان من وراء هذا النوع من الرؤى أن يستيقظ المسلم بعدها وقد اهتز إيمانه، وأحاطت به الشكوك. حفظنا الله (عزَّ وجلَّ) والمؤمنين من شر الشيطان ومكائده.
(5) الدليل على سوء تأثير هذا النوع من الرؤى على الإنسان ما جاء في الحديث الشريف من تسميتها بـ «الرؤيا السوء»، كما في قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الرؤيا السوء من الشيطان» (رواه مسلم)، وكذلك، جاء عن أبي سَلَمَة (رضي الله تعالى عنه) أنه قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتُمرِضُنِي، حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني، حتى سمعت النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول: «الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدُكُم ما يُحِبُّ فلا يحدِّث به إلا من يُحِبُّ، وإذا رأى ما يكرَهُ فليَتَعَوَّذ بالله من شرِّها، ومن شر الشيطان، وليَتْفِل ثلاثاً، ولا يُحَدِّثْ بها أحداً، فإنها لن تَضُرَّه» (متفق عليه).
وهكذا، ومن خلال كلمات وردت في الحديثين السابقين مثل «فتُمرِضُني» أو «يكره» يظهر سوء تأثير مثل هذا النوع من الرؤى على الشخص إلا أن يحفظه الله (عزَّ وجلَّ). والله (تعالى) أعلم.(1/13)
8. كيف يحمي المُسلم نفسه من الرؤى الشيطانيَّة وأضرارها؟
الأصل أن هذا النوع من الرؤى يقل جداً عند المُسلم الصالح؛ لصعوبة تسلُّط الشيطان عليه، بينما يزداد عند غيره بحسب درجة بعده عن الصلاح.
ويستطيع المُسلم - بمشيئة الله (عزَّ وجلَّ) - أن يحمي نفسه من هذا النوع من الرؤى من خلال الإقبال على الله (سبحانه وتعالى) بتقوية التزامه الديني والأخلاقي، وكذلك بالمداومة على آداب النوم وأذكاره. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال الثامن:
يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تَكَادُ رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح - رواه أحمد)، ومعنى الحديث أن أغلب رؤى المؤمن من الله (تعالى)، وبالتالي، يندر تدخل الشيطان فيها.
ومن الثابت بالقرآن الكريم أن تسلط الشيطان على الإنسان يقل كلما كان قريباً من الله (سبحانه)، بينما يزيد كلما كان الإنسان بعيداً عن الله (جل جلاله)، يقول الله (عزَّ وجلَّ) للشيطان: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42]، فهذا حال الصالحين الملتزمين بالحق الذي أنزله الله (سبحانه وتعالى)، يقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف : 36]، (ومعنى «يعشُ»: أي يُعرِض ويبتعد، ومعنى «نُقيِّض له»: أي نجعل له)، وهذا هو حال الفاسدين البعيدين عن صراط الله (عزَّ وجلَّ) المستقيم، وبالتالي، فمن البديهي أن تندر الرؤى التي تكون من الشيطان عند الصالحين، وتزداد عند من هم دونهم في الصلاح، وقد جاء في كتاب فتح الباري لابن حجر في هذا المعنى: «فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم، فإن الصدق فيها نادر؛ لغلبة تسلط الشيطان عليهم».
ولاشك أن تقوية الالتزام الديني والأخلاقي للمسلم، وتقربه إلى الله (تعالى) هو السبيل إلى حفظه من كل شر، وليس فقط من شر الشيطان في المنام، ويكفي كدليل على ذلك قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «احفظ الله يحفظك» (حديث صحيح – رواه الترمذي).
وكذلك، فالمواظبة على أذكار النوم مهمة جداً للحفظ من هذا النوع من الرؤى، ويمكن الرجوع إليها عند الحاجة في الملحق الخاص بها في آخر الكتاب. والله (تعالى) أعلم.(1/14)
9. ما هي الرؤيا المُفزِعة؟ وما هي أسبابها؟ وكيف يتعامل المسلم معها؟
الرؤيا المُفزعة هي نوع من أنواع الرؤى التي تنتاب الإنسان عند الاستيقاظ بعدها حالة من الخوف الشديد أو الرعب.
ولهذا النوع من الرؤى ثلاثة أسباب:
1. أسباب نفسية وجسدية (الكابوس).
2. رؤيا من الشيطان (لعنه الله تعالى).
3. رؤيا من الله (عزَّ وجلَّ).
للتعامل مع هذا النوع من الرؤى ينبغي لرائيها أولاً أن يستبعد تماماً وجود أية أسباب نفسية أو جسدية يمكن أن تكون سبباً في حدوثها.
أما الرؤيا المفزعة التي يتسبب فيها الشيطان، فيمكن للمسلم تخفيف آثارها السيئة بالتعامل معها بعد حدوثها كالتالي:
1. الاستعاذة بالله (عزَّ وجلَّ): أي الاستعاذة من شر الشيطان، وشر الرؤيا.
2. النوم على الجانب الآخر: أي بتغيير وضع الجسم في النوم إلى الجانب الآخر.
3. البصق جهة اليسار: وهو بصق خفيف مثل النفخ دون لُعاب ثلاث مرات.
4. الصلاة: أي أن يقوم المسلم من فراشه، ويصلِّي لله (عزَّ وجلَّ).
5. عدم التحدث بالرؤيا: وذلك مُستحبٌّ حتى لا يُحزِن عليه حبيباً، ولا يُشمِت به عدواً، ولا يثير عند من يحكي له الرؤيا شكوكاً أو مخاوف لا أساس لها، وكذلك، حتى لا تقع الرؤيا في يد جاهل، فيفسِّرها له على الشَّر فيُسبب ذلك للرائي مزيداً من المعاناة، وبالتالي، فالأفضل أن يبحث الرائي عن عالِم بالرؤى ذي أمانة، ودين، وكفاءة، فيستشيره فيها، وإلَّا فمن الأفضل ألا يخبر بها أحداً.
ومع ذلك، فقد يأتي الفزع أحياناً في رؤيا من الله (تعالى)، فيكون له معنى يفهمه علماء تفسير الرؤى، إلا أنه من الراجح أن يندر الفزع في الرؤى التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمسلم الصالح رحمة من الله (سبحانه) به. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) حاشية السؤال التاسع:
يمكن تعريف الكابوس بأنه ذلك النوع من الأحلام الذي يتسبب لرائيه في حالة من الخوف، أو الرعب، أو الشعور بالخطر أو الألم. ومن أمثلة الكوابيس بعض أحلام السقوط، أو الغرق، أو الموت. وربما يرجع السبب في مثل هذا النوع من الأحلام إلى أسباب بعضها جسدية كالإصابة بالحُمَّى، وبعضها الآخر نفسية كالصدمات العصبية والضغوط النفسية (موسوعة ويكيبيديا، بتصرف).
أما بخصوص التعامل مع الرؤيا المفزعة التي يتسبب فيها الشيطان، فقد جاء في ذلك عدد من الأحاديث النبوية الشريفة، فجاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «وإذا رأى غير ذلك مما يكرهه فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره» (رواه البخاري)، وجاء عنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) كذلك أنه قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق (وفي رواية: فليتفُل، وفي رواية أخرى: فلينفُث) عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» (رواه مسلم)، والمقصود بالبصق هنا هو النفخ اللطيف بدون لُعاب حيث جاءت أغلب الروايات بلفظة «ينفُث»، ولعل اللفظين الآخرين محمولان عليه مجازاً (المنهاج - شرح صحيح مسلم للنووي)، وأيضاً جاء عنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) قوله: «فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد، وليقم فليُصَلِّ» (رواه البخاري).(1/15)
10. ما هي الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟ وهل لها معنى؟
الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ) هي معلومات يخلقها (سبحانه وتعالى) في وعي النائم؛ لإخباره بأشياء معينة، وبالتالي، فهذا النوع من الرؤى يختلف عن بقية الأنواع من حيث أنه رسالة ذات معاني مهمة من الله (جل جلاله) للإنسان. والله (تعالى) أعلم.(1)
11. ما هي المعاني التي تدل عليها الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟
هي معانٍ تدل على الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، وأغلب هذه المعاني تشير إلى أحداث مستقبلية - سواءً في الدنيا أو الآخرة -، وقد يدل هذا النوع من الرؤى أحياناً على أحداث الحاضر أو الماضي، ويمكن حصر غالبية المعاني التي تدور حولها هذه الرؤى في الآتي:
1. البُشرى بالخير أو الإنذار بالشَّر: وفيها إخبار للشخص بأشياء إمَّا سارة وإمَّا مُحزنة ستحدث له في المستقبل (بإذن الله تعالى).
2. الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: وفيها نصيحة إمَّا لتشجيع الشخص على فعل خير، وإمَّا لتحذيره من ارتكاب شر أو ضرر.
3. إظهار الحقائق وإقرار الوقائع: وفيها إمَّا إخبار للشخص بمعلومة لا يعرفها، وإمَّا التأكيد على معلومة يعرفها.
والله (تعالى) أعلم.(2)
__________
(1)
(10) حاشية السؤال العاشر:
تعريف الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ) بأنها «معلومات» هو مما يتضح لكل من يقرأ تفسير الرؤى المذكورة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة، وقد قيل في سياق هذا التعريف أيضاً: «رؤيا المؤمن كلام يكلم به العبدَ ربُّه في المنام» (ضعيف الجامع للألباني).
(2) 11) حاشية السؤال الحادي عشر:
الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ) هي تعبير عن واقع حياة الإنسان، فهي تخبره إما بأشياء سوف تحدث في المستقبل (بإذن الله تعالى)، وإما بأشياء حادثة في الحاضر أو قد حدثت في الماضي، وقد تجمع الرؤيا الواحدة في دلالتها بين أكثر من زمن، فتأتي مثلاً للإشارة إلى أشياء حدثت في الماضي وأشياء سوف تحدث في المستقبل في نفس الرؤيا (بإذن الله تعالى).
والراجح أن غالبية الرؤى التي تكون من الله (تعالى) تشير إلى أحداث مستقبلية، وربما يكون الدليل على ذلك أن معظم ما جاء من الرؤى في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد دل إما على بشرى بخير أو إنذار بشر في المستقبل.
ومن أمثلة الرؤى التي تكون إما بشرى بخير أو إنذار بشر هو ما رآه صاحبي يوسف (عليه السلام) في السجن، كما عبر عن ذلك القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف : 36]، وقد أخبرهما يوسف (عليه السلام) عن تفسير الرؤيين بأن واحداً منهما سوف يخرج من السجن ويعود لعمله كساقٍ للملك، وأن الآخر سوف يُصلَب فتأكل الطيور من لحم رأسه، كما في قول الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ} [يوسف : 41].
ومن أمثلة الرؤى التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر الرؤيا التي رآها عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنهما)، والذي أخبره النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عنها - ما معناه - أنها حضٌّ له على قيام الليل، أو كما جاء في الخبر عن عبد الله أنه قال: «فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر، فقال لي: لن تُرَاع، فقصصتها على حفصة، فقصَّتها حفصة على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «نِعمَ الرجل عبد الله، لو كان يصلي بالليل». قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً» (متفق عليه)، (ومعنى «مطويَّة»: مبنيَّة، ومعنى «قَرنَان»: خَشَبَتَان منيتان على حافة البئر بحيث توضع عليهما العارضة الخشبية التي ينزل منها الحبل الذي يحمل الدلو، ومعنى «لن تُراع»: لا خوف عليك بعد هذا، أو هي عبارة أمان له من النار (فتح الباري)، وقد قيل في هذا السياق أيضاً: «إذا أراد الله بعبد خيراً عاتبه في منامه» (ضعيف الجامع).
أما رؤيا إظهار الحقائق وإقرار الوقائع، فمنها ما يُظهِر صلاح شخص مثلاً، كما في رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) التي قال عنها: «بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قُمُص (جمع قميص)، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعُرِض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجُرُّه» قالوا: فما أوَّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: «الدِّين» (متفق عليه).
وقد تأتي رؤيا لتظهر براءة شخص من تهمة، فعلى سبيل المثال، عندما تكلم المنافقون في شأن أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله تعالى عنها) كانت تقول: «كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرؤني الله بها» (رواه البخاري).(1/16)
12. ما هي طبيعة الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟
لهذا النوع من الرؤى طبيعتان مختلفتان:
الأولى: رؤى مباشرة: وهي التي تحدث في الواقع كما رآها النائم تماماً، ومن أمثلتها: شخص رأى رؤيا أنه اشترى سيارة من نوع معين، وبلون معين، فتحققت في الواقع بأن اشترى سيارة فعلاً، ومن نفس النوع، وبنفس اللون الذي رآه في الرؤيا، ومن أمثلتها أيضاً: شخص رأى رؤيا أن صديقاً له زاره، فتحققت في الواقع بأن زاره صديقه فعلاً.
الثانية: رؤى غير مباشرة (مَرمُوزَة): وهي التي لا تحدث في الواقع كما رآها النائم، ولكن يكون ما رآه فيها هو مجرد رموز للدلالة على معاني أخرى مختلفة ومستترة يمكن استنباطها من الرؤيا وفقاً لقواعد معينة، والأمثلة على هذا النوع من الرؤى كثيرة، منها: شخص رأى في رؤيا أن هدية جميلة قد وصلته، فيحتمل أن يكون معناها أنه سيحصل على فرصة عمل جديدة، ومن أمثلتها أيضاً: شخص رأى رؤيا أنه خرج من بيته ثم دخل إلى بيت آخر، فيحتمل أن يكون معناها أنه سيهاجر من بلده إلى بلد آخر.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 12) حاشية السؤال الثاني عشر:
من أمثلة الرؤى المباشرة من القرآن الكريم الرؤيا التي رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بأنه قد دخل مكة وطاف بالبيت الحرام، والتي تحققت بعد عام واحد بفضل الله (تعالى)، وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الرؤيا في قول الله (تعالى): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح : 27].
أما الرؤى غير المباشرة، فمن أمثلتها من القرآن الكريم الرؤيا التي رآها يوسف (عليه السلام) في صِغَره، والتي جاء ذكرها في قول الله (تعالى): {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف : 4]، (الشمس، والقمر، والنجوم في هذه الرؤيا رموز لأمه، وأبيه، وأخوته).
والله (تعالى) أعلم.(1/17)
13. ما هو معنى الرؤيا الصادقة؟ وما هو معنى الرؤيا الكاذبة؟
«الرؤيا الصادقة» هو تعبير ورد في السنة النبوية الشريفة بمعنى الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)، وسُمِّيت بـ«الصَّادقة»؛ لأنها تخبر الرائي بمعاني صادقة وواقعية، أمَّا الرؤيا الكاذبة فهي عكسها، وتشمل كل الرؤى التي لا معنى لها، ولا ارتباط لها بالواقع كأحاديث النفس والرؤى التي تكون من الشيطان. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 13) حاشية السؤال الثالث عشر:
الرؤيا الصادقة هي كل رؤيا من الله (سبحانه وتعالى) سواء كانت مباشرة أو مرموزة، ومع ذلك، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن عبارة «الرؤيا الصادقة» إنما تشير إلى الرؤى التي تتطابق مع الواقع فقط، أي أن هذه العبارة هي وصف للرؤى المباشرة فقط، وليست المرموزة (الكواكب الدراري)، ونحسب أن هذا القول خطأ، والدليل على ذلك ما جاء عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها) أنها قالت: «رأيت كأن ثلاثة أقمار سَقَطن في حُجرتي، فقال أبو بكر: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما مات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لها أبو بكر: خير أقمارك يا عائشة. ودُفن في بيتها أبو بكر وعمر» (مجمع الزوائد - رجاله رجال الصحيح)، ففي هذا الأثر نرى أن أبا بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) قد استخدم عبارة «إن صَدَقَت رؤياك» في تفسيره لهذه الرؤيا المرموزة، مما يدل على أن «الرؤيا الصادقة» قد تشمل جميع الرؤى التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ) بما فيها الرؤى المرموزة، وليست المباشرة فقط كما يزعم البعض.
ومع ذلك، نعتقد أن من قالوا بأن عبارة «الرؤيا الصادقة» إنما تطلق على الرؤى المباشرة فقط دون غيرها - قد بنوا هذا الافتراض على أدلة فهموا منها ذلك، ومن ضمن هذه الأدلة: أولاً: قول أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله تعالى عنها): «أول ما بُدِئَ به رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح» (متفق عليه)، (ومعنى «فَلَق الصبح»: ضياؤه)، والمراد هنا بوصف الرؤيا بأنها مثل فَلَق الصبح أنها واضحة (المنهاج - شرح صحيح مسلم للنووي)، فربما استنتج البعض أن وصف الرؤى الصادقة بأنها مثل فَلَق الصُّبح يعني أن الرؤى الصادقة هي الرؤى المباشرة فقط، وذلك على أساس أنها تكون مثل فلق الصبح، أي أنها تكون واضحة ولا تحتاج لتفسير، ولكن نعتقد أن هذا الافتراض خطأ؛ لأن الوضوح هنا قد يكون في معنى الرؤيا وما تدل عليه، وليس بالضرورة في شكلها، وحتى لو افترضنا أن المقصود بتوصيف الرؤيا الصادقة التي رآها رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) قبل بدء الوحي بفَلَق الصبح - أنها الرؤيا المُباشرة فعلاً كما يقولون، فليس في هذا الكلام دليل على أن جميع الرؤى الصادقة ينبغي أن تكون بالضرورة مُباشرة.
وكذلك، ربما استدل بعض من قالوا بأن الرؤيا الصادقة هي الرؤيا المباشرة بقول الله (عزَّ وجلَّ): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح : 27]، وهذه رؤيا مباشرة رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وتحققت كما رآها، فربما يقول بعضهم أن قول الله (عزَّ وجلَّ): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}، والذي فيه وصف لهذه الرؤيا المباشرة بأنها صادقة - يدل على أن الرؤيا الصادقة هي الرؤيا المباشرة، وهذا خطأ، فكون هذه الرؤيا المباشرة صادقة لا يعني بالضرورة أن جميع الرؤى الصادقة ينبغي أن تكون مباشرة.
وبناء على ما سبق يمكن القول بأن الرؤيا الصادقة قد تكون مباشرة وقد تكون غير مباشرة (مرموزة)، فالصدق في الرؤيا قد يكون في تطابق شكلها مع الواقع (مباشرة)، أو في تطابق معناها فقط مع الواقع دون شكلها (غير مباشرة أو مرموزة)، وكذلك، فإذا ما أخذنا في الاعتبار ما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها) - المذكور سابقاً - تأكد لدينا أن الرؤيا الصادقة تشمل كل الرؤى التي تكون من الله (سبحانه وتعالى).
أما تعبير «الرؤيا الكاذبة»، فهو مأخوذ من قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح – رواه الترمذي)، ويُقصد بهذا التعبير كل رؤيا لا معنى لها كرؤيا أحاديث النفس، والرؤيا التي تكون من الشيطان.
يُستخدم كذلك تعبير «أضغاث الأحلام» للدلالة على الرؤى الكاذبة، وهو تعبير جاء في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): «قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ» [يوسف : 44]. والله (تعالى) أعلم.(1/18)
14. ما هو معنى الرؤيا الصالحة؟ وما هو الفرق بينها وبين الرؤيا الصادقة؟
«الرؤيا الصالحة» هو تعبير ورد في السنة النبوية الشريفة بمعنى الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)، وهو لا يختلف في دلالته عن تعبير «الرؤيا الصادقة»، ولكن من الأفضل استخدامه في الحديث عن رؤى المسلمين الصالحين التي تسرهم، وتشرح صدورهم، والتي تظهر فيها بوضوح البشرى بالخير. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 14) حاشية السؤال الرابع عشر:
ليس هناك دليل قاطع على أن عبارة «الرؤيا الصالحة» تختلف في دلالتها عن عبارة «الرؤيا الصادقة» أو تنفرد عنها بمعنى مخصوص؛ ذلك لأن هذين التعبيرين قد جاءا في كتب الحديث النبوي الشريف لوصف رؤى رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، والذي لا يختلف اثنان على أن رؤاه (صلَّى الله عليه وسلَّم) في أعلى درجات الصدق، فقد جاء في الحديث الشريف عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها): «أول ما بُدِىءَ به رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم [وفي رواية: الصادقة]» (رواه البخاري)، وكذلك، جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «الرؤيا الصادقة أو الصالحة جزء من ستة وسبعين جزءاً من النبوة» (مجمع الزوائد - رجاله رجال الصحيح)، ففي الحديثين السابقين يظهر اشتراك الرؤيا الصالحة والصادقة في نفس الوصف الشريف، ولا يظهر بينهما فرق أو تميز واضح.
ومع ذلك، فقد انفردت عبارة «الرؤيا الصالحة» عن «الرؤيا الصادقة» باقترانها في كثير من الأحاديث الشريفة برؤيا البشرى بالخير للمؤمن، كما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال عن تفسير كلمة «البشرى» في قول الله (تعالى):{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} [يونس : 64] أنها: «الرؤيا الصالحة، يُبَشَّرُها المؤمن» (حديث صحيح - رواه أحمد)، وغير ذلك من الأحاديث التي تدور حول هذا المعنى، ومع ذلك، فليس هذا دليل على أن تعبير «الرؤيا الصادقة» لا يطلق هو الآخر على الرؤيا المبشرة للمؤمن، بدليل أنها أُطلقت - كما تقدم ذكره - على رؤى رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، والتي كانت بشرى له بالبعثة النبوية الشريفة.
ولكن نظراً لأن أحاديث كثيرة قد وردت فيها عبارة «الرؤيا الصالحة» للدلالة على رؤيا المؤمن، والرؤيا المبشرة، والرؤيا التي هي جزء من النبوة، فإنه يُفضَّل استخدام هذه العبارة مع الرؤيا الحسنة المُبشرة التي يراها المسلمون، المؤمنون، الصالحون. والله (تعالى) أعلم.(1/19)
15. هل يمكن لأي شخص أن يرى رؤى صادقة؟
نعم، يُمكن لأي شخص أن يرى رؤى صادقة، ولكن تكثر الرؤى الصادقة عند المؤمنين، الصالحين الصادقين، بينما تقل عند من هم أقل منهم في الصلاح والصدق. والله (تعالى) أعلم.(1)
16. ما معنى أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النُّبُوَّة؟
هذا وصف اختص به النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) الرؤيا الصالحة أو الصادقة التي يراها المسلمون الصالحون، والتي تبشرهم بالخير في أمور دنياهم وآخرتهم، ومعنى أنها جزء من أجزاء النبوة أنها تقوم بدور من الأدوار التي كان يقوم بها الأنبياء مع المؤمنين الصالحين وهو تبشيرهم بالخير. والله (تعالى) أعلم.(2)
__________
(1) 15) حاشية السؤال الخامس عشر:
تحدث القرآن الكريم عن رؤى صادقة رآها مشركون، فدل ذلك على أن الرؤى الصادقة لا تقتصر على المسلمين أو الصالحين فقط، بل قد يراها غيرهم، ومن أمثلة هذه الرؤى ما رآه ملك مصر الهكسوسي في عهد النبي يوسف (عليه السلام)، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف : 43]، وبالتالي، فالرؤيا الصادقة قد يراها أي شخص بصرف النظر عن ديانته أو صلاحه، ولكن يكثر الصدق في رؤى المسلمين، الصالحين، الصادقين؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا» (حديث صحيح – رواه الترمذي)، أما غير هؤلاء، فالظاهر أن صدق الكثير من رؤاهم هي مسألة يدخل فيها الشك. والله (تعالى) أعلم.
(2) 16) حاشية السؤال السادس عشر:
اجتهد العلماء في تفسير معنى ما جاء في الحديث الشريف من أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة، فقالوا في ذلك كلاماً كثيراً، ولكن الظاهر أنه لم يصح في تفسير هذه المسألة إلا احتمالان فقط:
الأول: هو أن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة؛ لأن الله (سبحانه وتعالى) يخبر الإنسان فيها بأمور غيبية، فهي نوع من أنواع الوحي الشبيه بوحي الله (عزَّ وجلَّ) للأنبياء، وإن كانت الرؤيا الصالحة تختلف عن الوحي النبوي في أمور، من ضمنها أن اليقين في صدقها أو صحة تفسيرها غير مؤكد، عكس وحي الأنبياء الذي لا يتطرق إليه الشك مطلقاً.
الثاني: هو المذكور في إجابة السؤال، وهو أن الرؤيا الصالحة تبشر المؤمنين الصالحين بالخير في عاجل أمرهم وآجله كما كان يفعل الأنبياء مع أقوامهم، والتبشير بالخير هو أحد المهام التي أرسل الله (عزَّ وجلَّ) الأنبياء من أجل القيام بها، كما في قوله (تعالى): {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء : 165]، وقد جاء في حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «إنه لم يَبقَ من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم [وفي رواية: العبد الصالح] أو تُرَى له» (رواه مسلم)، وكذلك، جاء عنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي، ولا نبي»، قال أنس بن مالك (رضي الله تعالى عنه): فشق ذلك على الناس، فقال: «لكن المبشرات»، فقالوا: يا رسول الله وما المبشرات؟ قال: «رؤيا المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة» (حديث صحيح - رواه الترمذي).
والراجح أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الصواب؛ وذلك لأنه بالربط بين عبارة «مبشرات النبوة» الواردة في الحديث الشريف السابق ذكره، مع ما جاء في الآية الكريمة السابق ذكرها من تبشير الرسل للناس، يُمكن استنتاج أن الرؤى الصادقة تقوم بنفس دور التبشير بالخير الذي كان يقوم به الرسل مع الصالحين من أقوامهم. والله (تعالى) أعلم.(1/20)
17. هل يمكن للإنسان أن يعرف المستقبل من خلال الرؤيا الصادقة؟ أليس المستقبل في علم الله (عزَّ وجلَّ) وحده؟
هناك درجتان من معرفة أحداث المستقبل:
1. معرفة يقينية: وهي معرفة ما سيحدث في المستقبل يقيناً بلا أي شك، وهذا لله (سبحانه وتعالى) وحده لا شريك له.
2. معرفة ظنية: وهي معرفة تَوَقُّع، واستنتاج، وتخطيط. فأما التوقع فهو قياس ما يمكن أن يحدث في المستقبل على ما حدث في الماضي، ومن أمثلته: بلد خاضت حرباً في الماضي وانهزمت، فيُتوقع لها إن دخلت نفس الحرب مرة أخرى أنها سوف تنهزم مثل السابق، وأما الاستنتاج فهو بناء نتائج مستقبلية على أساس مقدمات ماضية أو حاضرة، ومن أمثلته: توقعات الأرصاد الجوية كالتنبؤ بدرجات الحرارة، وسرعة الرياح، واتجاه الأعصار...إلخ، وأما التخطيط فهو عزم نوايا واتخاذ قرارات للقيام بعمل معين في المستقبل، ومن أمثلته: قرر شخص أنه سيسافر بعد أسبوع، أعلنت المدرسة أن الامتحان بعد شهر...إلخ. وهذه الأشياء كلها وأمثالها تدخل في دائرة العلم الظني بالمستقبل، والذي لا يمكن للإنسان أن يضمن حدوثه يقيناً، ولذلك نقول دائماً عندما نتحدث عن المستقبل: «إن شاء الله تعالى».
وعلى الرغم من أن الشخص قد يرى رؤى قوية، وواضحة المعاني، ولها دلالات شبه يقينية على أحداث مستقبلية، إلا أنه لحكمة إلهية لا تصل هذه المعاني إلى درجة الإخبار بالمستقبل يقيناً، بل يدخل في تفسيرها الظن، ولو بنسبة ضئيلة جداً، وذلك لسببين:
1. لا يمكن أن تضمن بنسبة مائة بالمائة صدق الرؤيا حتى ولو كنت تستطيع ترجيح صدقها بقوة، فقد تكون من أحاديث النفس أو من الشيطان.
2. لا يمكن أن تضمن أن فهمك لمعنى الرؤيا صحيح بنسبة مائة بالمائة حتى ولو كنت تستطيع ترجيح معنى معين عن غيره بقوة.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 17) حاشية السؤال السابع عشر:
جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن الغيب أو المستقبل لا يعلمه يقيناً إلا الله (سبحانه وتعالى)، يقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان : 34]، وكذلك يقول (جل جلاله): {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 188]، وكذلك يقول (تبارك وتعالى): {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام : 50]، وكذلك يقول (العليم الحكيم): {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)} [سورة الجن]، وكذلك يقول (تقدست أسماؤه): {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ : 14].
ولكن، قد يقول قائل مثلاً أنه يعرف أنه سيخرج لعمله غداً في الصباح؛ ولذلك يستعد بالنوم مبكراً وضبط جهاز التنبيه على ساعة معينة، وقد يقول آخر أنه يعرف أنه سيسافر بعد شهر؛ ولذلك يستعد بتجهيز الأوراق وتحضير الأمتعة، فألا يعتبر ذلك علم بالغيب أو المستقبل؟ والجواب: أن هذا ليس علماً بالمستقبل، بل هو ظن، أو توقع، أو ترجيح لما يمكن أن يحدث في المستقبل بناء على ما يحدث في الحاضر، ولكن، لا يستطيع الإنسان أن يضمن مائة في المائة أبداً أن ما توقعه للمستقبل سوف يحدث فعلاً؛ لأن مشيئة الله (سبحانه وتعالى) نافذة، وقد يحدث ما يغير هذه التوقعات والترجيحات المستقبلية للإنسان تماماً، وكما يقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان:30].
ولهذا نقول أن الغيب اليقيني لا يعلمه إلا الله (سبحانه وتعالى) وحده لا شريك له، أما الغيب الظني فيمكن أن «يعلمه» أو يتوقعه الإنسان، واقرأ قول الله (تعالى) في شأن هذا النوع من معرفة المستقبل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24)} [سورة الكهف].
أما الرؤيا، فإنها قد تخبر بأمور الغيب والمستقبل، إلا أن الظن يدخل في تفسيرها، فلا يصل هذا الإخبار إلى درجة اليقين الكامل أبداً، حتى ولو تَرَجَّح حدوث هذا التفسير بقوة، وحتى وإن كان الرائي مسلماً، صالحاً، صادقاً، وعلى الرغم من أن الغالب على رؤاه الصدق، إلا أنه لا يستطيع أن يضمن تماماً أن كل رؤاه صادقة لا يدخلها الكذب، فالنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول: «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح - رواه الترمذي)، أي أن أغلبها صادق، وليس كلها.
وكذلك، فإن تفسير الرؤى يُحتمل فيه الخطأ؛ نظراً لأن الشخص قد لا يستطيع إن يدرك إن كانت الرؤيا مباشرة أم مرموزة، فمثلاً، شخص رأى صديقه في رؤيا، فربما لا يستطيع تحديد ما إذا كان المقصود بصديقه هو صديقه نفسه، أم أن هذا الصديق هو مجرد رمز لشيء أو شخص آخر، وكذلك، فقد يكون للرمز الواحد في الرؤيا أكثر من معنى، أو معنى صعب غامض بحيث يعجز الشخص حينئذ عن تحديده بدقة.
ويمكن تشبيه الرؤيا التي تخبر بأحداث المستقبل بلوح زجاجي على درجة معينة من العتمة بحيث يظهر ما خلفه ببعض الوضوح، ولكن ليس بوضوح كامل. والله (تعالى) أعلم.(1/21)
18. ما هو الفرق بين كلمتي رؤيا وحُلم؟
من الناحية اللغوية لا يوجد فرق بين كلمتي «رؤيا» و «حُلم»، ويمكن أن تُستخدم كلتاهما للتعبير عن كل ما يراه النائم، ولكن، من الأفضل استخدام كلمة «رؤيا» للتعبير عن الرؤى الصادقة أو الصالحة فقط، بينما يُفضَّل استخدام كلمة «حُلم» للتعبير عن الرؤى التي تكون من الشيطان أو من حديث النفس. والله (تعالى) أعلم.(1)
19. هل يخلق الله (عزَّ وجلَّ) الرؤيا الصادقة في وعي النائم مُباشَرَة أم بواسطة مَلَك؟
لا يوجد دليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة يمكن من خلاله الإجابة على هذا السؤال بشكل مباشر ودقيق - سواء بالإثبات أو بالنفي -، وبالتالي، فالمسألة تدخل في دائرة الاحتمال، فيُحتمل أن تكون الرؤى الصادقة من الله (عزَّ وجلَّ) للنائم بشكل مباشر، ويُحتمل أن تكون من الله (تعالى) للنائم بشكل غير مباشر، أي على يد مَلَك، ويُحتمل أن يكون كلا الاحتمالين صحيحاً، بمعنى أن هذا ينطبق على بعض الرؤى، وذاك ينطبق على البعض الآخر. والله (تعالى) أعلم.(2)
__________
(1) 18) حاشية السؤال الثامن عشر:
لا يوجد فرق بين كلمتي «رؤيا» و «حُلم» من ناحية الاستخدام اللغوي، فيجوز أن تحل كل كلمة محل الأخرى، وقد جاءت كلمة «حُلم» في حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) للدلالة على الرؤيا الصادقة في قوله: «من تحلَّم بحُلم لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل» (رواه البخاري)، وكذلك جاءت كلمة «رؤيا» في الحديث الشريف للدلالة على الرؤيا الكاذبة في قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الرؤيا السوء من الشيطان» (رواه مسلم).
ولكن من الأفضل استخدام كلمة «رؤيا» للرؤى الصادقة فقط، بينما يفضَّل استخدام كلمة «حُلم» للرؤى التي تكون من الشيطان؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الرؤيا من الله، والحُلم من الشيطان» (رواه البخاري). والله (تعالى) أعلم.
(2) 19) حاشية السؤال التاسع عشر:
يقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51]، وبناء على هذه الآية الكريمة، يمكن أن نستنتج أن فيها إشارة غير مباشرة إلى أن الرؤى الصادقة قد يخلقها الله (سبحانه وتعالى) في وعي النائم بطريق الإيحاء المباشر أو الإلهام، كما قد يدل على ذلك قوله (تعالى): {إِلَّا وَحْياً}، أو قد يحدث ذلك بشكل غير مباشر على يد مَلَك، كما قد يدل على ذلك قوله (تعالى): {يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}، ولكن لا يوجد في الآية الكريمة إشارة مباشرة بخصوص هذا الموضوع أو ترجيح لأحد هذين الاحتمالين على الآخر.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن هذه المسألة هي من المسائل المذكورة كثيراً في كتب أهل العلم، إلا أنها غير منضبطة عند أغلبهم – إن لم يكن كلهم - حيث جَزَموا دون دليل شرعي بأن للرؤى الصادقة ملكاً وكَّل الله (تعالى) إليه خلقها في وعي النائم حتى لقد قال بعضهم أن هذا المَلَك يُدعى «صدِّيقون»! (البدر المنير)، وطبعاً مسألة «المَلَك الموكَّل بالرؤيا» هذه لا يمكن التأكد منها شرعاً؛ إذا لا يوجد عليها دليل قاطع كما أوضحنا سابقاً، كما أن هذا الاسم المزعوم لهذا الملك - إن كان هناك ملك للرؤيا أصلاً - لا أصل له شرعاً.
وقد استدل واحد من المشتغلين بتفسير الرؤى خطأ بحديث ضعيف على أن الرؤى الصادقة يخلقها الله (عزَّ وجلَّ) على يد مَلَك، والحديث هو أنه رُوي عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «رأيت كأني أُتيت بكتلة تمر، فَعَجَمْتُهَا في فمي، فوجدت فيها نواة آذتني، فلفظتُها، ثم أخذت أخرى فعجمتها فوجدت فيها نواة، فلفظتها، ثم أخذت أخرى فوجدت فيها نواة، فلفظتها»، فقال أبو بكر: دعني فَلَأَعبُرها؟ قال: «اعبُرها»، قال: هو جيشك الذي بعثت، يسلم ويغنم، فيلقون رجلاً فيَنشُدُهُم ذِمَّتَك، فَيَدَعونَه، ثم يلقون رجلاً، فينشدهم ذمتك، فيدعونه، ثم يلقون رجلاً، فينشدهم ذمتك، فيدعونه، قال: «كذلك قال المَلَك» (رواه أحمد).
معاني كلمات: «عَجَمتُها»: «مضغتها»
«لفظتها»: «قذفتها من فمي»
«دعني فَلَأَعبُرها؟»: «هل تسمح لي أن أفسرها؟»
واستدل الرجل من العبارة الأخيرة «كذلك قال المَلَك» على أن للرؤيا مَلَكاً وكَّل الله (عزَّ وجلَّ) إليه مهمة خلق الرؤيا في وعي النائم، ومع ضعف الحديث وعدم جواز الاستدلال به في مسألة مهمة من مسائل الغيب كهذه، فإن العبارة الأخيرة منه ليس فيها أية إشارة إلى هذا المعنى نهائياً، بل لقد قال بعض شارحي الحديث أن معناها «كذلك أخبرني المَلَك» (الفتح الرباني)، أي «كذلك أخبرني الملك بتفسير للرؤيا مثل تفسيرك». والله (تعالى) أعلم.(1/22)
20. كيف يمكن التمييز بين الرؤيا الصادقة و الرؤيا الكاذبة؟
يمكن أحياناً التمييز بين الرؤيا الصادقة والرؤيا الكاذبة، إلَّا أن ذلك قد يكون غير ممكن في أحيانٍ أخرى نظراً لعدم وجود حدود دقيقة فاصلة بين هذه وتلك، ولكن، يمكن في بعض الأحيان أن يُرَجِّح الشخص صدق رؤياه، بينما يمكنه أن يُرَجِّح كذبها في أحيانٍ أخرى، ومن ضمن العلامات التي تعين الشخص على ترجيح صدق رؤياه من كذبها:
1. إن كان الشخص مسلماً، صالحاً، صادقاً، فرؤياه أقرب احتمالاً إلى الصدق منها إلى الكذب، مع احتمال كذبها أيضاً.
2. رؤيا النبي مُحمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته الشريفة التي كان عليها أثناء حياته صادقة يقيناً دون أي احتمال للكذب.
3. الرؤيا السعيدة أو المُفرحة للمسلم الصالح الصادق أقرب احتمالاً إلى الصدق، بينما الرؤيا الحزينة أو الكئيبة للمسلم الصالح الصادق أقرب احتمالاً إلى الكذب، مع احتمال العكس أيضاً.
4. الرؤيا التي في ظاهرها أمر بمعروف أو نهي عن منكر أقرب احتمالاً إلى الصدق، بينما الرؤيا التي في ظاهرها نهي عن معروف أو أمر بمنكر أقرب احتمالاً إلى الكذب، مع احتمال العكس أيضاً حيث يكون للرؤيا أحياناً معنى مستتر يختلف عما قد يوحي به ظاهرها من خير، أو شر، أو صلاح، أو فساد.
5. الرؤيا التي يراها المسلم في أوقات يكون فيها أكثر قرباً من الله (عزَّ وجلَّ) كرؤيا من نام على وضوء، أو ما بعد صلاة الفجر، أو في رمضان، أو الحج، أو الجهاد، أو ما بعد دعاء، أو استغفار، أو توبة، أو استخارة، أو لجوء إلى الله (عزَّ وجلَّ) أو ما شابه ذلك - يُرَجَّح أن تكون صادقة، مع احتمال كذبها أيضاً.
6. الرؤيا التي يراها المسلم في أزمان قريبة من يوم القيامة تكون أقرب احتمالاً إلى الصدق، مع احتمال كذبها أيضاً.(1/23)
7. رؤيا الأشياء ذات العلاقة بالآخرة أو الدِّين - كرؤيا ذكر الله (تعالى)، أو القرآن الكريم، أو الأنبياء، أو المساجد، أو الجنَّة...إلخ - يُرَجَّح أن تكون صادقة، مع احتمال كذبها أيضاً.
8. الرؤيا التي تحتوي على أشياء غير مألوفة في حياة من يراها يُرَجَّح أن تكون صادقة، مع احتمال كذبها أيضاً.
9. الرؤيا التي يتذكرها رائيها لفترات طويلة جداً يُرجَّح أن تكون صادقة، مع احتمال كذبها أيضاً.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 20) حاشية السؤال العشرين:
1. رؤيا المسلم الصالح الصادق أقرب احتمالاً إلى الصدق؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا» (حديث صحيح - رواه الترمذي)، وكذلك، يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» (متفق عليه).
2. رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته الصحيحة صادقة يقيناً؛ لقوله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي» (متفق عليه).
3. الرؤيا السعيدة أو المفرحة للمسلم الصالح يترجح صدقها، بينما الرؤيا الحزينة أو الكئيبة للمسلم الصالح يترجح كذبها؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها، فإنها من الله، فليحمد الله عليها وليُحدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان ، فليَستَعِذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لن تَضُرُّه» (رواه البخاري).
4. رؤيا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يترجح صدقها؛ لأن أوامر الخير ليست إلا من الله (عزَّ وجلَّ)، يقول الله (سبحانه وتعالى): {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90]، بينما لا يأمر بالفساد والشر إلا الشيطان الرجيم سواء كان ذلك في رؤيا أو في غيرها، يقول الله (تبارك وتعالى) عنه: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 169].
5. يترجح صدق الرؤيا في الأوقات التي يكون فيها الإنسان قريباً من الله (عزَّ وجلَّ)؛ لقول الله (تبارك وتعالى) في الحديث القدسي: «إذا تقرَّب إليَّ العبد شِبراً تقربت إليه ذِرَاعاً، و إذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعاً، و إذا أتاني مشياً أتيتُه هَروَلَة» (متفق عليه – صحيح الجامع).
6. يترجح صدق رؤيا المسلم في الأزمان القريبة من يوم القيامة؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح – رواه الترمذي)، ولعله أيضاً لفساد الأزمان القريبة من يوم القيامة، وحالة الوحشة والهم التي يجدها المسلم الصالح في هذه الأزمان حيث تحيط به الفتن والضلالات من كل جانب، ولا يجد على الحق نصيراً، فيكون للرؤيا دور مهم حينئذ في تثبيته على الحق وتبشيره.
7. يترجح صدق الرؤى ذات الرموز المتعلقة بالدِّين والآخرة؛ لأن الشيطان ينفر من هذه الأشياء بطبيعته، ومع ذلك فاحتمال كذب مثل هذه الرؤى موجود أيضاً.
8. رؤيا الأشياء غير المألوفة في حياة الإنسان يترجح صدقها، كرؤيا الأشياء التي لا يفكر فيها الإنسان، أو التي لا يتصورها، أو كرؤيا أشياء مألوفة في حياته ولكن في صورة أو حالة غير مألوفة؛ وذلك لأن رؤيا أحاديث النفس تكون عادة انعكاساً لبعض الخبرات الحياتية والفكرية المألوفة للإنسان.
9. أحياناً يتذكر الشخص رؤيا معينة لسنوات طويلة، فتظل عالقة بذاكرته فلا ينساها أبداً، والراجح أن تذكر الرؤيا لكل هذه المدة الطويل يُحتمل أن يكون دليلاً على صدقها، وأهمية معناها. والله (تعالى) أعلم.(1/24)
21. هل يستطيع الشيطان أن يتدخل في رؤيا صادقة ويفسدها؟
الأرجح أن الشيطان لا يستطيع أن يتدخل في رؤيا صادقة فيفسدها. والله (تعالى) أعلم.(1)
22. ماذا يفعل المسلم لكي يرى رؤيا صادقة؟
1. أن يكون مسلماً صالحاً، وأن يلتزم بالصدق في حديثه.
2. أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) بأن يريه رؤيا صادقة صالحة، كما في الدعاء المأثور الذي ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله تعالى عنها) أنَّها كانت إذا أرادت النوم قالت: «اللهم إني أسألك رؤيا صالحةً، صادقةً غير كاذبةٍ، نافعةً غير ضارَّةٍ» (أثر صحيح - نتائج الأفكار). والله (تعالى) أعلم.(2)
23. هل يوجد وقت معين تكون الرؤى فيه أصدق من غيره؟
ليس هناك دليل على أن الرؤى تكون أصدق في وقت معين عنها في وقت آخر. والله (تعالى) أعلم.(3)
__________
(1) 21) حاشية السؤال الحادي والعشرين:
المقصود بإفساد الشيطان للرؤيا هو أن يتدخل فيها لتغيير معالمها، ولا يوجد دليل شرعي على أن الشيطان يستطيع أن يفعل ذلك، بل إن ما يظهر من خلال الدليل الشرعي أن الرؤيا التي تكون من الله (تعالى) مفصولة عن الحُلم الذي يكون من الشيطان الرجيم، فلا يستطيع أن يتدخل فيها، ولا يستطيع أن يفسدها، أو كما جاء في قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان» (متفق عليه).
(2) 22) حاشية السؤال الثاني والعشرين:
الالتزام بالصلاح والصدق يجلب الرؤيا الصالحة الصادقة بإذن الله (تعالى)، وفضله، وكرمه (سبحانه)؛ لما تقدم من قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقُهُم رؤيا أصدقهم حديثاً» (حديث صحيح - رواه الترمذي).
(3) 23) حاشية السؤال الثالث والعشرين:
لا يوجد في هذا الموضوع إلا حديث ضعيف، وهو: «أصدق الرؤيا بالأَسحَار» (رواه الترمذي)، والأسحار جمع سَحَر، وهي فترة أواخر الليل قبل طلوع الفجر. والله (تعالى) أعلم.(1/25)
24. هل يمكن للمسلم أن يُحصِّن نفسه تماماً ضد الرؤى الكاذبة؟
يمكن للمسلم أن يقلل من نسبة الرؤى الكاذبة في نومة بدرجة كبيرة جداً - بإذن الله (تعالى) - إن كان مسلماً، صالحاً، صادقاً، ومع ذلك، فهو لا يستطيع تحصين نفسه تماماً ضد الرؤى الكاذبة بحيث يضمن أن تكون كل رؤاه صادقة، فالرؤى الكاذبة هي من البلاءات التي كتبها الله (تعالى) على الناس جميعاً، فلا يسلم منها أحد (نسأل الله تعالى العفو والعافية). والله (تعالى) أعلم.(1)
25. ما هو حكم الشخص الذي يكذب في رؤياه؟
الكذب في الرؤيا معناه أن يقول الشخص كذباً أنه رأى في المنام شيئاً دون أن يكون قد رآه فعلاً، ويعتبر ذلك من أسوأ أنواع الكذب، وأكبر الذنوب التي توعَّد الله (تعالى) فاعلها بالعقوبة؛ لأن الكذب في الرؤيا هو كذب على الله (عزَّ وجلَّ) (والعياذ بالله تعالى)؛ لأن الرؤيا الصادقة من الله (سبحانه)، فكأن الكاذب في رؤياه ينسب إلى الله (عزَّ وجلَّ) شيئاً لم يفعله. والله (تعالى) أعلم.(2)
__________
(1) 24) حاشية السؤال الرابع والعشرين:
حتى المسلم الصالح لا يمكن أن يسلم نهائياً من الرؤى الكاذبة؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب» (حديث صحيح – رواه الترمذي)، ومعنى «لا تكاد»: أي أن أغلبها صادق وليست كلها. والله (تعالى) أعلم.
(2) 25) حاشية السؤال الخامس والعشرين:
الكذب في الرؤيا هو كذب على الله (عزَّ وجلَّ) (والعياذ بالله تعالى)؛ لأن الرؤيا الصادقة من الله (سبحانه وتعالى)، يقول الله (جل جلاله) في شأن الكذب عليه (تبارك وتعالى): {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر : 60]، وكذلك، يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إن أعظم الفِريَة [الكِذبَة] ثلاث»، وذكر منها (صلَّى الله عليه وسلَّم): «أن يفتري الرجل على عينيه يقول: رأيتُ، ولم يَرَ» (حديث صحيح - رواه أحمد).
كما يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في عقوبة من يكذب في رؤياه: «من تَحَلَّم بِحُلم لم يَرَه كُلِّف أن يعقد بين شَعِيرَتَين، ولن يفعل» (رواه البخاري)، ومعنى «يعقد بين شعيرتين»: يربطهما ببعضهما، وهو نوع من أنواع العذاب في الآخرة (نعوذ بالله تعالى منه). والله (تعالى) أعلم.(1/26)
26. ما هي أهمية الرؤى الصادقة في حياة المسلم؟ وهل الانشغال بها مضيعة للوقت؟
للرؤى الصادقة أهمية كبيرة في حياة كثير من الناس، وقد لوحظ من خلال التجربة أنه يُحتمل أن تدور هذه الأهمية حول الآتي:
1. تقوية العلاقة بين المسلم وبين الله (سبحانه وتعالى).
2. تشجيع المسلم على الطاعات، وتثبيته عليها، وتنفيره من المعاصي، وإبعاده عنها.
3. العديد من المسلمين الجدد دخلوا في الإسلام بسبب رؤى صادقة رأوها شجعتهم على ذلك.
4. تسلية صبر أصحاب البلاءات، والمنكوبين، والتعساء من المسلمين، وتبشيرهم بالفرج.
5. توجيه المسلم لشيء يفيده في دينه ودنياه، أو تحذيره من شيء يضره في دينه ودنياه.
6. مدح ناس، وإظهار صلاحهم، وذم آخرين، وفضح فسادهم.
7. تعليم المسلم لشيء معين يجهله.
8. تبشير المسلم بالنصر، ورفعة الشأن، والمستقبل العظيم في الدنيا والآخرة.
أما عن انشغال المسلم بالرؤى، فقد يكون خيراً وقد يكون شراً، فإذا كان هذا الانشغال يؤدي بالمسلم إلى ما فيه إصلاح، وتطوير، وتقوية لدينه ودنياه، فما أجمل هذا الانشغال، وما أعظمه، أما إذا ما كان هذا الانشغال هو مجرد تسلية وفضول دون أن يكون له أثر حسن على دين المسلم ودنياه، فهذا هو الانحراف عن الهدف الرئيسي لتفسير الرؤى الصادقة، وهذا هو العبث وتضييع الوقت الذي يؤدي في النهاية إلى خسران الدنيا والآخرة (والعياذ بالله تعالى). والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 26) حاشية السؤال السادس والعشرين:
1. بما أن الرؤى الصادقة هي من الله (عزَّ وجلَّ)، فإنها تلعب دوراً كبيراً في تقوية شعور المسلم بقرب الله (سبحانه وتعالى) منه، وبالتالي، يؤدي ذلك إلى توطيد العلاقة بين الشخص وخالقه (جل جلاله)، وقد لوحظ أن العديد من عصاة المسلمين قد التزموا - بفضل الله (تعالى) - بسبب رؤى رأوها.
2. أما الرؤى التي تبين للمسلم المعروف، وتحثه عليه، وتبين له المنكر، وتحذره منه، فربما تندرج تحت معنى قول الله (تعالى): {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة : 115].
3. من أمثلة الرؤى التي كانت - بفضل الله (تعالى) - سبباً في هداية غير المسلمين للإسلام هي الرؤيا التي رآها الدكتور/ وديع أحمد (الشمَّاس المصري السابق)، والتي كانت سبباً في انتقاله - بحمد الله (تعالى) - من النصرانية إلى الإسلام، فيقول الدكتور عن هذه الرؤيا: «وذات يوم غلبى النوم، فوضعت المصحف بجوارى، وقرب الفجر رأيت نوراً فى جدار الحجرة، وظهر رجل وجهه مضىء، اقترب منى، وأشار الى المصحف، فمددت يدى لأسلم عليه، لكنه اختفى، ووقع فى قلبى أن هذا الرجل هو النبى محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) يشير الى أن القرآن هو طريق النور والهداية» (كتاب رجال ونساء أسلموا - موقع الدكتور على الإنترنت).
4. رؤى البشرى بالفرج للمهمومين هي من أكثر أنواع الرؤى شيوعاً بين المسلمين، ولا يكاد يوجد مسلم لا يعرف هذا النوع من الرؤى.
5. الرؤى التي توجه المسلم إلى أشياء مفيدة في دينه ودنياه كثيرة، ومنها: ما رأيت أنا شخصياً من رؤيا وجهتني في تأليف هذا الكتاب، والرؤيا هي: رأيت كأني أفتح الصفحة الأولى من كتاب للأطفال، وكانت مقدمة، ثم فتحت الصفحة التي تليها فوجدت صورتين، واحدة لشمس، والأخرى لِجَمَل، ثم رأيت كلاماً كثيراً دقيقاً أسفلهما. وبناء على هذه الرؤيا وضعت التخطيط العام لمنهج الكتاب من نص أساسي وحاشية، فأما الشمس والجمل فهما رمزان للنص الأساسي لإجابة الأسئلة في الكتاب، ويشيران إلى ضرورة التزام الوضوح (الشمس) والإجمال أو الاختصار (الجمل) في هذا النص، وأما الكلام الدقيق فهو رمز لحاشية فيها المزيد من التفاصيل. والحمد لله رب العالمين.
أما الرؤى التي تحذر المسلم من عمل ما، فقد رأيت أنا أيضاً ذات مرة شيئاً من ذلك عندما كنت أنوي السفر للالتحاق بعمل معين في أحد المشاريع التجارية، وكان المحيطون بي يشجعونني على هذا السفر، وقبل إتمام الموضوع رأيت رؤيا حذرتني من الذهاب إلى هناك، فقررت ألا أذهب، وتسبب ذلك في سخط بعض المحيطين علي، ولكن مع الوقت بدأ هذا المشروع يتعثر حتى أفلس (والعياذ بالله تعالى). والحمد لله رب العالمين على نعمته وفضله (سبحانه وتعالى).
6. أما الرؤى التي تمدح أو تذم شخصاً أو أشخاصاً، فمنها ما هو مباشر وواضح بحيث يسهل فهمه وتفسيره، ومنها ما هو مرموز وصعب، ويحتاج لتفسير واستنباط، ومن أمثلة رؤى المدح المباشر لشخص، الرؤيا التي رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في تزكية عِلم عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه)، فقد جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «بينا أنا نائم أُتيت بقَدَح لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الرِّيَّ يجري، ثم أعطيت فَضلَه عمر»، قالوا: فما أوَّلتَه يا رسول الله؟ قال: «العِلم» (متفق عليه)، بينما من أمثلة الرؤى التي تمدح أو تذم شخصاً بشكل غير مباشر أن يرى شخص في منامه حمامة بيضاء، فهذا رمز قد يدل على امرأة صالحة، أو أن يرى في منامه ثعباناً، فهذا رمز قد يدل على شخص فاسد مؤذٍ، وتحتاج أمثال هذه الرؤى لاجتهاد من المفسر لمحاولة معرفة الأشخاص الذين تشير إليهم في الواقع هذه الرموز وأمثالها.
7. أما الرؤى التي يمكن أن يتعلم المسلم منها شيئاً، فمن أمثلتها ما رأيته أنا في المنام – حسبما أتذكر - أنه قد جاءني هاتف يقول لي: «هل تعرف لماذا آية الكرسي هي أعظم آية في القرآن؟ لأن فيها تنزيهاً لله (تعالى) عن التشبُّه بِخَلقِهِ». والحمد لله (سبحانه) على نعمته وفضله.
8. الرؤى التي تبشر المسلم الصالح بالمستقبل العظيم كثيرة – بفضل الله (تعالى) –، ومن أشهرها: الرؤيا التي رآها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المدينة المنورة قبل فتح مكة بعام، والتي بشرته (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه سوف يدخلها هو وأصحابه (رضي الله تعالى عنهم) آمنين منتصرين، وهي الرؤيا التي جاء ذكرها في قول الله (تعالى): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح:27].
أما بخصوص الانشغال بالرؤى، فالصواب أن الرؤى تعطي دفعة معنوية قوية للمسلم للإقبال على ما فيه خير دينه ودنياه، فهي وسيلة إلى هدف محدد، وليست غاية في ذاتها، أما الخطأ فهو التعامل معها على أنها هدف في ذاتها دون أن يكون لها أي تأثير يدفع المسلم للأفضل في دينه ودنياه، وقد كان الإمام أحمد بن حنبل يقول: «رؤيا المؤمن تسُرُّه ولا تَغُرُّه» (الآداب الشرعية)، ومعنى هذه العبارة أن التعامل الصحيح للمسلم مع الرؤيا الصالحة هو أن يفرح بها، ويستبشر خيراً بفضل الله (تعالى)، وبرحمته (سبحانه)، مما يدفعه للمزيد من التقدم في دينه ودنياه، أما الخطأ فهو أن تسبب له هذه الرؤيا غروراً في نفسه بحيث يتقاعس عن القيام بما فيه خير دينه ودنياه. والله (تعالى) أعلم.(1/27)
27. هل يمكن أن يرى المسلم الله (عزَّ وجلَّ) في رؤيا؟ وهل يمكن يراه (سبحانه وتعالى) في الرؤيا في صورة معينة؟
رؤيا الله (عزَّ وجلَّ) في المنام هي من الأمور المعلومة والثابتة في العقيدة الإسلامية الصحيحة (عقيدة أهل السنة والجماعة).
ولكن ومن المهم قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع التأكيد على أمرين:
1. لا يستطيع الإنسان في الحياة الدنيا أن يرى الله (عزَّ وجلَّ) بعينيه، ولا أن يسمعه (تبارك وتعالى)، ولا أن يتعامل معه (جل جلاله) بشكل مباشر.
2. لا يوجد بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين مخلوقاته أي تشابه.
يمكن للمسلم أن يرى الله (عزَّ وجلَّ) في الرؤيا كالتالي:
1. بالإدراك: بمعنى أن يعلم النائم في الرؤيا بوجود الله (تبارك وتعالى) فيها، أو بأي معلومات منه أو عنه (جل جلاله) دون أن يدخل في ذلك أي تجربة «حسيَّة»، فلا يرى صورة، ولا يسمع صوتاً، ولا يشعر بلمس، ولا يشم شيئاً.
2. في صورة تدل عليه (سبحانه وتعالى): بمعنى أن يرى النائم في الرؤيا شكلاً أو صورة لمخلوق، أو يسمع صوتاً من أصوات المخلوقات، أو يشعر بلمس لمخلوق، أو يشم شيئاً من روائح الدنيا، ويعتقد في هذه الرؤيا أن هذا هو الله (سبحانه وتعالى)، أو أن ذاك هو من الله (جل جلاله)، إلا أن الحقيقة أن هذا الذي رآه هو مجرد رمز فقط للدلالة على الله (عزَّ وجلَّ)، وليس هو الله (تبارك وتعالى) بكل تأكيد، تماماً كما يرى الشخص في اليقظة لوحة على الحائط مثلاً مكتوباً عليها لفظ الجلالة (الله)، فهذه اللوحة ليست هي الله (عزَّ وجلَّ)، وإنما هي مجرد رمز للدلالة عليه (جل جلاله)، وهكذا تكون رؤيا الله (تعالى) في المنام أيضاً، فهي رؤيا رمز، وليست رؤيا حقيقة.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 27) حاشية السؤال السابع والعشرين:
من أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة (عقيدة أهل السنة والجماعة) أن الإنسان لا يستطيع أن يتعامل مع الله (تعالى) بشكل مباشر في الدنيا سواء بالرؤية، أو الكلام، أو ما شابه ذلك، يقول الله (سبحانه وتعالى): {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى : 51]، وكذلك عندما طلب موسى (عليه السلام) أن يرى الله (عزَّ وجلَّ) قال له الله (تبارك وتعالى): {لَن تَرَانِي} [الأعراف : 143]، وكذلك يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «تعلَّموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه (عزَّ وجلَّ) حتى يموت» (رواه مسلم).
ومن أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة أيضاً أنه لا يوجد أي تشابه بين الله (عزَّ وجلَّ) وبين مخلوقاته، فهو (سبحانه وتعالى) غير جميع المخلوقات، يقول الله (جل جلاله): {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى : 11]، ويقول (سبحانه وتعالى): {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص : 4].
رؤيا الله (عزَّ وجلَّ) - أو بمعنى أصح رؤيا رمز حِسي شبيه بالمخلوقات في المنام للدلالة عليه (سبحانه وتعالى) - حق، وقد جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال: «إنِّي نَعَسْتُ فاستَثقَلتُ نوماً فرأيت ربِّي في أحسن صورة» (حديث صحيح – رواه الترمذي)، وكذلك قوله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إنِّي قمت من الليل فتوضَّأت فصلَّيتُ ما قُدِّر لي فنَعَست في صلاتي فاستَثقَلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة» (حديث صحيح - رواه الترمذي)، وكذلك جاء في نفس الحديث السابق: «فرأيتُهُ وَضَعَ كفَّه بين كَتِفَيَّ حتَّى وَجَدتُ بَردَ أنامِلِهِ بين ثَديَيَّ»، والمقصود بـ«فرأيُتُه»: أي رأيت الله (سبحانه وتعالى) في الرؤيا، ولا يفهم من هذه الاستدلالات نفي كون النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم قد رأى الله (تعالى) حقاً في المنام، فهذا مما لا أخوض فيه، ولكن أستدل بما سبق من الحديث على إمكانية رؤيا رمز للدلالة على الله (تعالى) للشخص العادي من دون الأنبياء، وهذا قد حدث لناس كثيرين فعلاً، وكذلك، فهو مما يحتمله الحديث الشريف.
وفي الحقيقة، فإن القول بأنَّ الشخص قد يرى الله (عزَّ وجلَّ) في الرؤيا في صورة من صور المخلوقات أو شكل مخلوق، أو يسمع صوتاً لمخلوق، أو يشعر بملمس مخلوق، أو يشم رائحة دنيوية - هو على سبيل المجاز، فإن الله (جل جلاله) مُنَزَّهٌ عن التشبه بخلقه (سبحانه وتعالى عن ذلك علوَّاً كبيرا)، ولكن يمكن القول بأنَّ الشخص قد يرى صورة أو شكلاً رمزياً يشبه المخلوقات في الرؤيا - يخلقه الله (عزَّ وجلَّ) في قلبه - لتوصيل معنى معين عن الله (تبارك وتعالى)، وهذه الصورة أو هذا الشكل هو مجرد رمز فقط لتوصيل المعنى إلى العقل بطريقة تتناسب مع قدرته على الإدراك، وليس هو الله (سبحانه وتعالى) نهائياً، وإن كان النائم يعتقد أو يُخلَقُ في قلبه في رؤياه أن هذه الصورة أو هذا الشكل الذي رآه هو الله (عزَّ وجلَّ).
وهنا يُثار سؤال آخر وهو: هل يستطيع الشيطان أن يُري الإنسان مثل هذا النوع من الرؤى؟ والإجابة هي: نعم يستطيع الشيطان ذلك، ولا يفعله إلا بإذن الله (تعالى)؛ إذ ليس هناك دليل شرعي على أن الشيطان لا يستطيع أن يفعل ذلك، وبالتالي، فالاحتمال موجود، وقد يأتي الشيطان إلى شخص في الرؤيا ويسمعه صوتاً، أو يجعله يرى من يقول له: «أنا ربك، وآمرك أن تفعل كذا كذا» (والعياذ بالله تعالى).
ويمكن ترجيح صدق رؤيا الله (تعالى) من كذبها بتطبيق المعايير المذكورة سابقاً للتمييز بين الرؤيا الصادقة والكاذبة (راجع السؤال رقم 20). والله (تعالى) أعلم.(1/28)
28. ما حقيقة رؤيا النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام؟
رؤيا النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام هي من الأمور المعلومة والثابتة في العقيدة الإسلامية الصحيحة (عقيدة أهل السنة والجماعة).
ويمكن للشخص أن يرى النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الرؤيا كالتالي:
1. على صورته الحقيقية: بمعنى أن يراه (صلَّى الله عليه وسلَّم) بمواصفاته الشريفة التي كان عليها في حياته (شكله، لحيته، ملابسه...إلخ)، وهذه الرؤيا تكون صادقة بدون شك؛ لأن الشيطان لا يستطيع أن يُري الإنسان هذه الرؤيا أبداً.
2. على غير صورته الحقيقية: بمعنى أن يراه (صلَّى الله عليه وسلَّم) على غير مواصفاته الشريفة التي كان عليها في حياته (كأن يراه بدون لحية، أو يرتدي ملابس لم يكن يرتديها...إلخ)، وهذه الرؤيا يُحتمل أن تكون صادقة، ويكون لهذا التغير في هيئته الشريفة (صلَّى الله عليه وسلَّم) معنى معين، ويُحتمل أيضاً أن تكون هذه الرؤيا كاذبة.(1)
__________
(1) حاشية السؤال الثامن والعشرين:
يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي» وفي رواية «فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي» (متفق عليه).
وبناء على هذا الحديث، لم يختلف أحد على أن رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام بمواصفاته الشريفة هي رؤيا حق، ولا يستطيع الشيطان أن يُريها للإنسان.
واختلفوا في هل رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) على غير مواصفاته الشريفة صادقة أم كاذبة؟
قال بعضهم: رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته وصفاته الشريفة الصحيحة التي كان عليها في أثناء حياته - هي الصادقة فقط، أما رؤياه (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هذه الهيئة والصفات فهي كاذبة يقيناً، وقد استند من قال بهذا الرأي إلى ما جاء من الأثر عن عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنه) أنه جاءه رجل (أبو عاصم بن كليب)، فقال له: «رأيت النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام»، فأجابه ابن عباس: «صِفهُ لي»، قال: «ذكرت الحسن بن علي فشبَّهته به»، قال: «قد رأيته» (إسناده جيد - فتح الباري)، وما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء من الأثر عن محمد بن سيرين (رحمه الله تعالى) أنه كان إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قال: «صِف لي الذي رأيته»، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال: «لم تَرَه» (إسناده صحيح - فتح الباري).
وقال آخرون: بل إن رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) على غير هيئته وصفاته الشريفة الصحيحة التي كان عليها في أثناء حياته - تحتمل الصدق أيضاً، وليست بالضرورة كاذبة، وتكون هذه الهيئة المختلفة ذات معنى معين في الرؤيا، وهذا هو الرأي الصواب، ويؤيد ذلك ما جاء من الأثر عن عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنه) أنه قال: «رأيت النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) فيما يرى النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث، أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟» قال: «هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم»، «فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قتل في ذلك اليوم» (أثر صحيح - رواه أحمد)، وفي هذا الأثر ما يدل على أن النائم قد يرى النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الرؤيا على غير هيئته الشريفة، وتكون الرؤيا صادقة.
ورؤيا النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته الشريفة في رؤيا صالحة حسنة هي من أفضل وأعظم ما يمكن أن يراه مسلم صالح على وجه الأرض، وهي من أكثر الرؤى تبشيراً بالخير العظيم في الدنيا والآخرة للمسلم الصالح. نسأل الله (تعالى) أن يمتعنا برؤيا نبينا وحبيبنا محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الرؤيا وفي الآخرة كما آمنا به ولم نَرَه. والله (تعالى) أعلم.(1/29)
29. كيف يجب أن يتعامل المسلم مع رؤياه؟ وما هي الأخطاء التي يرتكبها في التعامل معها؟
يُنصح المسلم الذي يرى رؤيا أن يقوم بعمل الآتي:
1. إن كانت رؤيا سعيدة ومريحة، فليحمد الله (تعالى) عليها، وليقصها على من يحبوه ويعرفوه جيداً.
2. إن كانت رؤيا حزينة ومؤلمة، فليستعذ بالله (تعالى) منها، ولا يقصها على أي شخص.
3. إن كانت الرؤيا لا سعيدة ولا حزينة، فليسأل الله (تعالى) خيرها، وليستعذ به (سبحانه) من شرها.
4. أن يستشير أهل العلم بتفسير الرؤى من المسلمين، الصالحين، المشهود لهم بالكفاءة في هذا المجال.
يُنصح المسلم الذي يرى رؤيا أن يتجنب الأفعال الآتية:
1. أن يقص رؤياه على السحرة، والدجالين، والعرَّافين، والمُنجِّمين، وأمثال هؤلاء من المشبوهين في عقيدتهم وأخلاقهم؛ لأن في الذهاب إلى هؤلاء كفر (والعياذ بالله تعالى)، إلى جانب أنهم كذابون ونصابون.
2. أن يقص رؤياه على عدو، أو حاسد، أو حاقد، أو ناس غرباء عنه حتى لا يحقدوا عليه، أو يشمتوا فيه، أو يؤذوه.
والله (تعالى) أعلم.(1)
30. ما هي الرؤى الجنسية؟ وهل تكون صادقة؟ وكيف يتعامل المسلم معها؟
__________
(1)
(29) حاشية السؤال التاسع والعشرين:
يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «من أتى عرَّافا أو كاهناً فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد» (حديث صحيح – صحيح الجامع)، وفي رواية عن عبد الله بن مسعود (رضي الله تعالى عنه): «من أتى عرَّافا، أو ساحِراً، أو كاهناً يؤمن بما يقول...الحديث» (صحيح موقوفاً - صحيح الترغيب والترهيب)، وجاء كذلك عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في التنجيم: «من اقتبس عِلماً من النجوم؛ اقتبس شُعبَةً من السِّحر زاد ما زاد» (حديث صحيح – صحيح الترغيب والترهيب).(1/30)
الرؤى الجنسية هي التي يرى فيها المسلم نفسه في المنام يمارس نشاطاً جنسياً معيناً سواء حدث خروج للسائل الجنسي منه بسبب ذلك أو لم يحدث، وهذا النوع من الرؤى هو من أكثرها إحراجاً للمسلم خاصة الأنثى، ويظهر هذا الإحراج والخجل واضحاً عندما يحكي الرائي رؤياه لأحد مفسري الرؤى. وقد يظن المسلم الصالح العفيف أن هذا النوع من الرؤى شر، أو علامة على فساد أخلاقه، أو غضب من الله (تعالى) عليه، وبالتالي، يخجل من أن يخبر بها أحداً.
والرؤى الجنسية مثلها مثل بقية الرؤى، فقد تصدق وقد تكذب، وقد تدل الصادقة منها على فساد الأخلاق خصوصاً للشخص الفاسد أصلاً، وقد تدل على معاني جنسية حلال كالزواج والعلاقة الزوجية، وقد تدل على معاني أخرى لا علاقة لها بالجنس ولا بفساد الأخلاق.
والنصيحة للمسلم الصالح العفيف الذي يرى هذا النوع من الرؤى هي:
1. أن يسأل الله (تعالى) من خيرها، وأن يستيعذ بالله (سبحانه) من شرها.
2. أن يحذر من أن يخبر بها الناس خصوصاً من لا يعرفونه و لا يعرفون أخلاقه، أو الجاهلين بالرؤى وأحكامها.
3. أن يعرضها على المتخصصين في علم تفسير الرؤى من المسلمين، الصالحين، الثقات المشهود لهم بالكفاءة.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 30) حاشية السؤال الثلاثين:
من أمثلة الرؤى الجنسية التي تدل على معاني لا علاقة لها بالجنس: رؤيا الفلاح أنه يمارس الجنس مع امرأة مجهولة، وقد تدل له هذه الرؤيا على زراعته لأرضه، أو رؤيا مهندس بترول لنفس الرؤيا، وقد تدل له على التنقيب في باطن الأرض عن البترول، أو رؤيا طيار لنفس الرؤيا، وقد تدل له على دخول طائرته في البحر وغرقها (والعياذ بالله تعالى)، أو رؤيا امرأة مريضة أن رجلا يمارس معها الجنس، وقد تدل على حقنة دواء لها.
من الأفضل للشخص المسلم العفيف أن يكون على حذر شديد من أن يحكي رؤياه الجنسية للغرباء ممن لا يعرفونه ولا يعرفون أخلاقه جيداً، أو من الجاهلين بالرؤى وأحكامها، أو لأشخاص لا يثق بهم جيداً؛ لأن هذا النوع من الرؤى قد يجعل من يسمع بها يشك في أخلاق الرائي، وربما يستغل بعض الفاسدين معرفتهم بهذه الرؤى في الاجتراء على الرائي أو مضايقته خصوصاً إن كانت أنثى. والله (تعالى) أعلم.(1/31)
31. ما هو الاحتلام؟ وهل ينتج عن رؤيا صادقة؟
الاحتلام هو خروج السائل الجنسي من الرجل أو المرأة أثناء النوم، وغالباً ما يكون ذلك نتيجة رؤيا جنسية مخصوصة يترتب عليها استثارة الأعضاء الجنسية.
أما عن صدق هذا النوع من الرؤى أو كذبه، فمن خلال التجربة لوحظ أن الغالب على الرؤى الجنسية الصادقة أنها لا تكون احتلاماً، ومع ذلك، فلا يوجد دليل على أن هذا النوع من الرؤى لا يمكن أن يكون صادقاً. والله (تعالى) أعلم.
32. ما هي رؤيا الأموات؟ وهل تكون صادقة بالضرورة؟
رؤيا الأموات هي أن يرى النائم في الرؤيا شخصاً ميتاً، كأن يرى مثلاً أباه الميت، وربما يرى أنه يتكلم مع هذا الميت، أو أنه يعطيه شيئاً، أو ما شابه ذلك، وهذا النوع من الرؤى مثله مثل غيره، فربما يصدق، وربما يكذب. والله (تعالى) أعلم.
33. هل تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام؟ وهل لذلك علاقة بالرؤيا الصادقة؟
نعم، تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام ويتعارفون، ويُحتمل أن يكون لهذا الالتقاء علاقة بالرؤى الصادقة، أو ببعض الرؤى الصادقة دون أخرى، أو ألا يكون له علاقة بها أصلاً؛ إذ لا يوجد دليل يؤكد أو ينفي وجود علاقة بين هذا الالتقاء بين الأرواح في المنام وبين الرؤى الصادقة. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 33) حاشية السؤال الثالث والثلاثين:
جاء في أثر صحيح عن الصحابي عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال: «تلتقي أرواح الأحياء والأموات [ في المنام ] فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها» (مجمع الزوائد - رجاله رجال الصحيح).
يُحتمل أن يكون لهذا الالتقاء بين الأرواح في المنام علاقة قوية بالرؤى، أو ببعض الرؤى، لما يحتمله معنى ما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الحديث الشريف عن خزيمة بن ثابت قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فأخبرت بذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «إن الروح لَيَلقَى الروح» (إسناده متصل/رجاله ثقات – مجمع الزوائد). والله (تعالى) أعلم.(1/32)
34. هل تكون الرؤيا بالألوان أو بغير ألوان؟
اللون هو معلومة من المعلومات التي ربما تكون موجودة في بعض الرؤى الصادقة، وفي هذه الحالة، يكون لها معنى، فيستيقظ النائم وهو يدرك أنه رأى لوناً معيناً في الرؤيا، وقد لا تكون هذه المعلومة موجودة في بعض الرؤى الصادقة، فيستيقظ النائم وليس في ذهنه أنه رأى أي لون. والله (تعالى) أعلم.
35. هل يُحاسَب المسلم على ما يراه في الرؤيا؟
لا يُحاسَب المسلم على أي شيء رآه في أي رؤيا بلا استثناء، ولا يوجد في عالم الرؤى ميزان حسنات، ولا سيئات؛ لأن الإنسان لا إرادة له في رؤياه، ولا اختيار له فيها، وبالتالي، فلا يؤاخذه الله (تعالى) بها. والله (تعالى) أعلم.(1)
36. هل يعلم النائم أثناء الرؤيا أنه نائم، وأن ما يراه هو رؤيا؟
من خلال التجربة يمكن القول بأنه يجوز للنائم أن يدرك في أثناء الرؤيا أنه يرى رؤيا، وأنه سوف يستيقظ منها - بإذن الله تعالى -، وأحياناً، قد يكون هذا الإدراك في ذاته رمزاً ذا معنى معين في بعض الرؤى. والله (تعالى) أعلم.
37. هل يمكن أن تتكرر الرؤيا الواحدة في المنام؟ ما دلالة ذلك؟
من خلال التجربة يمكن القول بأن الرؤيا الصادقة لا تتكرر عادة بنفس الشكل الظاهر بالضبط، فمثلاً، يندر أن يرى النائم رؤيا ثم يراها هي نفسها مرة أخرى بنفس الشكل، وإنما الذي يمكن أن يتكرر غالباً هو معنى واحد في رؤى مختلفة.
__________
(1)
(35) حاشية السؤال الخامس والثلاثين:
يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رُفِعَ القلم عن ثلاثة» وذكر منهم «النائم حتى يستيقظ» (حديث صحيح - صحيح الجامع)، ومعنى «رُفِعَ القلم»: أي لا تكتب عليهم الملائكة أعمالهم.(1/33)
فمثلاً، لو افترضنا أن شخصاً رأى في الرؤيا أنه يأكل ثمرة خوخ، فهذه الرؤيا قد تدل له على الرزق، فالغالب أن هذه الرؤيا لا تتكرر بنفس التطابق، وإنما الاحتمال الأكبر هو أن يتكرر معنى الرزق نفسه في أكثر من رؤيا لها أشكال مختلفة، كأن يرى الشخص نفسه في رؤى أخرى يأكل أشياء أخرى غير الخوخ، وتدل أيضاً على نفس المعنى، وهو الرزق . والله (تعالى) أعلم.
38. هل يلزم الشخص النوم العميق لكي يرى رؤى؟ وهل يمكن أن يرى رؤى في نوم خفيف؟ وهل يمكن أن يرى رؤى وهو بين النوم واليقظة؟
نعم، يمكن للشخص أن يرى رؤى في غفوة بسيطة، وكذلك، فإنه من المحتمل أن يرى رؤى في المراحل الأولى من النوم، والتي يكون فيها على درجة من الوعي بما حوله، أي بين النوم واليقظة، ولكن الظاهر أن أغلب الناس لا يحدث لهم ذلك، وأن أكثرهم لا يرون رؤى إلا في أثناء النوم العميق المعتاد. والله (تعالى) أعلم.(1)
39. هل صحيح أن رؤى الحائض لا تصدق أبداً؟
هذا كلام لا أصل له، ولا دليل عليه.
40. هل يرى الأعمى في منامه رؤى؟ وكيف تكون هذه الرؤى؟
__________
(1)
(38) حاشية السؤال الثامن والثلاثين:
جاء عن الصحابي عبد الله بن زيد (رضي الله تعالى عنه) أنه قص على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) رؤيا، فقال أنه رآها وهو «بين نائم ويقظان» (جزء من حديث صحيح طويل رواه أبو داود)، ولم يعارضه النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في ذلك، مما يدل على أن الشخص قد يرى رؤى وهو بين النوم واليقظة، أو قد يرى رؤى في مرحلة من النوم غير عميقة أو غير كاملة بحيث يكون لديه أثناء رؤياه بعض الوعي بما يحيط به.(1/34)
نعم، يمكن للأعمى أن يرى رؤى مثله في ذلك مثل أي شخص عادي، أما بخصوص الادعاء بأنه لم يَرَ صور الأشياء في اليقظة حتى يمكن يتعرف عليها في الرؤيا، نقول أن هذا لا يهم؛ لأن الله (عزَّ وجلَّ) قادر على أن يُريه شيئاً في رؤياه، وفي نفس الوقت يَخلُق (سبحانه وتعالى) في وعيه في الرؤيا معناه، فيتعرف عليه في الرؤيا دون أن يكون قد رآه في اليقظة أصلاً.
فمثلاً، قد يرى الأعمى في الرؤيا بحراً، بينما هو في الواقع لم يَرَ البحر في حياته، ولا يعرف شكله، ولكن أراه الله (جل جلاله) البحر في الرؤيا، وألقى في وعيه أو أوحى إليه في داخل الرؤيا أن هذا الذي يراه هو البحر، وهكذا، يستيقظ الأعمى وقد رأى البحر في الرؤيا، وأدرك أن ما رآه هذا هو البحر، دون أن يكون قد رآه في اليقظة. والله (تعالى) أعلم.
41. هل يرى أهل الجنة رؤى؟
هذا علم لا ينفع، وجهل لا يضر، وعلى الرغم من أنه قد ثبت بالحديث الصحيح أن أهل الجنة لا ينامون، إلا أننا لا يمكن أن نستنتج بناء على ذلك أنهم لا يرون رؤى؛ لأن الجنة شيء مختلف تماماً عن الدنيا، ففيها ما لا رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر، وبالتالي، فلا يمكن معرفة ما في الجنة عن طريق القياس على قوانين الدنيا.
فمثلاً، نحن نعلم أن في الجنة قصوراً، فهل نستنتج من ذلك أن فيها أسمنتاً، وحديداً، ودهانات، ومهندسين معماريين، وعمال بناء...؟! هذا لا يمكن استنتاجه من ذاك، وبالمثل، ليس معنى أن أهل الجنة لا ينامون أنهم لا يرون رؤى، وما أدراك؟ لعل في الجنة رؤى غير رؤى الدنيا، ولعل لهذه الرؤى قوانين تحكمها لا يمكن للعقل البشري في الدنيا أن يتصورها، وبالتالي، فمن الأفضل عدم الخوض في هذا الموضوع. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 41) حاشية السؤال الحادي والأربعين:
يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن أهل الجنة: «لا ينام أهل الجنة» (حديث صحيح بمجموع طُرُقِهِ - السلسلة الصحيحة).(1/35)
42. هل صحيح أن تشريع الأذان في الإسلام حدث عن طريق الرؤيا؟ وكيف ذلك؟
نعم، شُرِعَ الأذان عن طريق رؤيا رآها الصحابي عبد الله بن زيد (رضي الله تعالى عنه)، وكذلك، رآها مثله عمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه)، وأقرها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم).
والقصة هي أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) كان مشغولاً بكيفية جمع المسلمين للصلاة، فاقترح بعضهم عليه (صلَّى الله عليه وسلَّم) أن ينصبوا راية للصلاة، فلم يعجب ذلك النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فاقترحوا البوق، فلم يُعجب ذلك النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ لأن اليهود يستخدموه، فاقترحوا الناقوس، فلم يُعجب ذلك النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ لأن النصارى يستخدموه.
فخرج عبد الله بن زيد (رضي الله تعالى عنه) من عند النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) وهو مهموم بهذه المسألة التي اهتمَّ بها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، حتى إذا ما بدأ عبد الله بن زيد (رضي الله تعالى عنه) في النوم، رأى رؤيا فيها الأذان، فذهب للنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فأخبره بما رأى، وكان عُمر بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه) قد رأى ذلك أيضاً، فأمر النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بلالاً (رضي الله تعالى عنه) بأن يُنفِّذ ما يخبره به عبد الله بن زيد (رضي الله تعالى عنه)، فأذَّن بلال.(1)
__________
(1) 42) حاشية السؤال الثاني والأربعين:
جاء في الحديث الشريف عن أبي عُميرِ بن أنس قال: «اهتمَّ النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟»، فقيل له: «انصب راية عند حضور الصلاة؟ فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً»، فلم يعجبه ذلك، قال: «فذُكِرَ له القَنْع - يعني الشَّبُّور - وقال زياد: شَبُّور اليهود - فلم يعجبه ذلك»، وقال: «هو من أمر اليهود»، قال: «فذُكِر له الناقوس»، فقال: «هو من أمر النصارى»، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه وهو مهتمٌّ لِهَمِّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فأُرِيَ الأذان في منامه، قال: «فغدا على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فأخبره»، فقال [له]: «يا رسول الله إنِّي لَبَينَ نائمٍ ويَقظَان، إذ أتاني آتٍ فأرانيَ الأذان»، قال: «وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك، فَكَتَمَهُ عشرين يوماً»، قال: «ثم أخبر النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) »، فقال له: «ما منعك أن تُخبِرَني؟»، فقال: «سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت»، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «يا بلال، قُم فانظر ما يأمُرُك به عبد الله بن زيد فافعَلْه»، قال: «فأذَّن بلال» (حديث حسن – رواه أبو داود).(1/36)
43. ما هو معنى تَوَاطُؤ الرؤيا؟
«تواطؤ الرؤيا» هو تعبير يعني أن يرى جماعة من الناس في المنام نفس الرؤيا، وهو تعبير جاء في حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عندما رأى جماعة من أصحابه (رضي الله تعالى عنهم) في الرؤيا أن ليلة القدر هي في السبع الأواخر من شهر رمضان الكريم، فأخبرهم النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) - بما معناه - أنها سوف تقع في هذه الأيام السبعة.
ويمكن أن يُستَدَل من ذلك على أنه إذا تكررت نفس الرؤيا مع جماعة من الصالحين، ترجَّح احتمال صدقها وتَقَوَّت، ومع ذلك، فلا يمكن القول بأن الرؤى إذا تواطأت فهي صادقة يقيناً، على الرغم من أن احتمال صدقها يكون قوياً جداً؛ لأن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عندما أخبرهم بذلك إنما أخبرهم به بناء على وحي، وليس بناء على رؤيا. والله (تعالى) أعلم.(1)
44. ما هو الجاثوم أو شلل النوم؟ وكيف يتعامل معه المسلم؟
الجاثوم أو شلل النوم هو حالة من الضيق، والاختناق، والشلل يشعر بها الشخص في أثناء النوم، وأحياناً يشعر أنه يريد أن يستيقظ فلا يستطيع، وكأنه مشلول بين النوم واليقظة، وهي حالة شائعة بين الناس، والظاهر أنها تعتبر نوعاً من أنواع الرؤى المُفزعة.
اختلف علماء الدين وعلماء النفس في فهم هذه الظاهرة، فقال بعضهم أنها تحدث بسبب تسلط الشيطان على الإنسان، ومضايقته له في النوم، وقال آخرون أن لها أسباباً نفسية تتطلب علاجاً.
__________
(1) 43) حاشية السؤال الثالث والأربعين:
جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال أن رجالاً من أصحاب النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر؛ فمن كان متحرِّيَها فليتحرَّهَا في السبع الأواخر»، (أي في آخر سبع ليالٍ من شهر رمضان الكريم) (متفق عليه).(1/37)
والظاهر أن كلا السببين جائز في حالات مختلفة لتفسير هذه الظاهرة، ومع ذلك، فليس من الصعب جداً أن يعرف المسلم الذي يصاب بهذه الحالة إن كان ذلك من الشيطان، أو بسبب مشكلة نفسية.
فإن كانت الحالة بسبب الشيطان، فعلى المسلم أن يقترب من الله (تعالى)، وأن يبتعد عن المعاصي، وأن يلتزم بأذكار النوم وآدابه حتى ينصرف عنه الشيطان، وأما إن كانت الحالة بسبب مشكلة نفسية، فعلى المسلم أن يبحث عن نصيحة أهل التخصص من الأطباء النفسيين من أهل العلم والتقوى، وفي كل الأحوال ينبغي على المسلم أن يدعو الله (تعالى) أن يكفيه كل شر، وأن يشفيه من كل مرض. والله (تعالى) أعلم.
45. ما هي العلاقة بين الرؤى الصادقة والاستخارة؟
الاستخارة هي صلاة يعقبها دعاء، ويؤديها المسلم عادةً قبل الإقدام على عمل معين آملاً من الله (تعالى) أن يوفقه في هذا العمل لما هو أصلح له، وكثير من المسلمين يربطون بين الاستخارة والرؤى الصادقة، فيعتقدون أن المسلم إذا ما استخار الله (عزَّ وجلَّ) في أمر، فإنه من الضروري - بناء على ذلك - أن تأتيه في المنام رؤيا تبين له ما ينبغي أن يفعله، أو ما هو الأفضل والأصلح له في أمر الذي ينوي القيام به.
وعلى الرغم من قوة هذا الاعتقاد وانتشاره بوجود علاقة حتمية بين الاستخارة والرؤى الصادقة، إلا أنه لا يوجد دليل شرعي يؤكد أو ينفي هذا الارتباط، وبالتالي، فهو ارتباط احتمالي، فالمسلم قد يستخير الله (تعالى) في أمر ما، ومع ذلك، يمكن أن يوفقه الله (عزَّ وجلَّ) للخير دون أن يرى رؤيا، ويُحتمل أيضاً يرى رؤيا ترشده لشيء معين، ولكن ليس بالضرورة أن يحدث ذلك دائماً بعد كل استخارة. والله (تعالى) أعلم.
46. هل تصلح الرؤى كدليل للحكم على الأشخاص؟(1/38)
استخدام الرؤى كدليل للحكم على الأشخاص هو من الأمور الشائعة بين الناس، فكثيراً ما تُعرض علينا رؤى يطلب أصحابها تفسيراً لها، يحاولون على أساس هذا التفسير معرفة صلاح أشخاص معينين أو فسادهم، وأغلب هؤلاء السائلين هن فتيات مُقبلات على الزواج يسعين للحكم على من يتقدم لهُنَّ أو خُطَّابِهِن من خلال الرؤى.
ولا شك أن الرؤى قد تأتي لتُبيِّن حقيقة بعض الأشخاص، فتُزكِّي شخصاً أو تعيب آخر، فعلى سبيل المثال، قد ترى فتاة خطيبها في المنام مشرق الوجه، أو يرتدي ملابس بيضاء، فتعتبر ذلك دليلاً للحكم على صلاحه، أو قد ترى العكس أن خطيبها قد اسوَدَّ وجهه، أو أنه يرتدي ملابس متسخة، فتعتبر ذلك دليلاً للحكم على فساده.
ورغم أن هذه الرؤى وأمثالها قد تكون صادقة، ورغم أنها قد تدل على صلاح أو فساد أشخاص معينين فعلاً، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يكون على حذر شديد قبل إصدار الأحكام على الناس اعتماداً على الرؤى فقط، ذلك لأن الشيطان قد يُري المسلم في منامه ما يحاول أن يُفسد به دينه، وحياته، وعلاقاته، وهذه مسألة شائعة.
وكذلك، ينبغي أن يدرك المسلم أن هناك رؤى صادقة ظاهرها سيء، إلا أن لها تفسيراً عكسياً طيباً يعرفه العالمون بها، كما أن هناك رؤى ظاهرها طيب، إلا أن لها تفسيراً عكسياً سيئاً يعرفه العالمون بها أيضاً، فكيف يمكن أن يحكم المسلم على الناس من خلال هذه النوعية من الرؤى؟
وبناء على ذلك، فإن القاعدة الأساسية في هذه المسألة هي أن الرؤى الصادقة تصلح للحكم على الناس، ولكنها لا تصلح وحدها كدليل لإصدار أحكام نهائية عليهم بالصلاح أو الفساد دون أن يكون هناك من الأدلة الواقعية ما يؤيد ما قد يشير إليه هذه الرؤى من معاني، ولا ينبغي للمسلم أن يقطع علاقات أو يوطِّدها بناء فقط على رؤى.
وإذا أردنا أن نفهم طبيعة الرؤى التي يمكن من خلالها الحكم على الأشخاص، فيمكننا أن نفرق بين حالتين أساسيتين لهذه النوعية من الرؤى:(1/39)
1. الرؤى دليل تكميلي للحكم على الناس، ولا ينبغي أن تكون دليلاً أساسياً ولا وحيداً في الحكم عليهم: في هذه الحالة، يكون الرائي عالماً بأحوال شخص معين صلاحاً أو فساداً - سواء من خلال مراقبته أو التعامل معه في الواقع -، فتأتي الرؤى لتؤكد فقط على ما هو معلوم من حال هذا الشخص، وليس لإصدار حكم جديد عليه، فيكون دور الرؤى في هذه الحالة التأكيد فقط على صلاح الصالحين أو فساد الفاسدين الذين يعلم الرائي بأحوالهم.
فعلى سبيل المثال، نفترض أن رجلاً صالحاً تقدم لخطبة فتاة، ولم تَرَ منه هي ولا أهلها إلا كل خير وصلاح، ثم رأت الفتاة رؤيا ظاهرها جيد في حق هذا الشخص كأن يكون مبتسماً مثلاً، أو يقرأ القرآن الكريم، أو نحو ذلك، فالرؤيا في هذه الحالة جاءت لتؤكد فقط على صلاح الشخص، ذلك الصلاح الذي تلمسه الفتاة وأهلها في التعامل معه، إذن، فليس في الرؤيا هنا إصدار لحكم جديد على شخص مجهول، بل هي مجرد تأكيد لحكم قديم على شخص معروف، وكذلك بالمِثل، نفترض أن فتاة لها أخ فاسد معروف الفساد، فرأته في الرؤيا في حالة سيئة كأن يكون عابساً أو يشرب الخمر مثلاً، فكذلك الرؤيا في هذه الحالة ما هي إلا تأكيد على فساد شخص معروف فقط، وليست إصداراً لحكم جديد على شخص مجهول.
2. الرؤى مرشد إلى أدلة واقعية للحكم على الصلاح أو الفساد في أحوال الآخرين: في هذه الحالة، تأتي الرؤى لإرشاد المسلم إلى دليل واقعي يستطيع من خلاله الحكم على صلاح أو فساد شخص آخر لا يستطيع الحكم عليه إما لأنه لا يعرفه جيداً أو أن لديه شكوكاً حوله.(1/40)
فعلى سبيل المثال، نفترض أن فتاة تقدم إليها شخص يطلبها للزواج، إلا أن هذا الشخص غير معروف للأهل أو للفتاة بشكل جيد، ولم يتعاملوا معه إلا قليلاً، ولا يظهر منه لهم إلا الخير والصلاح بحسب اعتقادهم، ولكن الله (تعالى) الذي يعلم السر وأخفى يعلم أن هذا الشخص فاسد، وأنه يكذب على هؤلاء الناس، فيمكن في هذه الحالة أن ترى الفتاة رؤيا معينة تنبهها إلى فساد هذا الشخص بإرشادها إلى دليل في اليقظة يمكن من خلاله أن تتأكد من فساده.
وهذا الدليل الذي يمكن للرؤيا أن ترشد الفتاة إليه قد يكون - على سبيل المثال - كلمة معينة قالها هذا الشخص في الواقع، أو موقف صدر منه، ويكون فيه الدليل على فساده، إلا أن الفتاة أو أهلها لم ينتبهوا لهذه الكلمة أو هذا الموقف كثيراً، أو اعتبروه شيئاً عابراً، أو احتاروا في فهم ما قد يدل عليه، فتأتي الرؤيا لتنبيه الفتاة وأهلها على أن هذه الكلمة أو هذا الموقف دليل فساد هذا الشخص، وقد تكشف لهم أيضاً وجه الفساد في الموضوع، والذي لم ينتبهوا إليه جيداً عندما حدث، وبالتالي، تكون هذه الكلمة أو هذا الموقف هو الدليل الواقعي للحكم على فساد الشخص، وتكون الرؤيا مجرد مرشد فقط للدليل، وليست دليلاً في حد ذاته.
وبالمثل، قد تأتي هذه النوعية من الرؤى لإعطاء طرف خيط معين للفتاة أو الأهل يمكن من خلال تتبعه في اليقظة لكي يكتشفوا حقيقة الشخص، كأن ترشدهم الرؤيا للسؤال عنه في مكان معين، أو لدى شخص معين، فيستطيعون من خلال ذلك اكتشاف حقيقته، ويكون هذا هو الدليل الواقعي للحكم عليه، بينما تكون الرؤيا مجرد مرشد فقط إلى هذا الدليل.
ومن أمثلة ذلك أيضاً، رؤيا قد يراها قاضٍ ترشده إلى دليل معين لم ينتبه له، أو خيط معين يسير وراءه؛ لمعرفة براءة أحد المتهمين(1/41)
وأخيراً، نقول أنه ينبغي للمسلم - وخصوصاً الصالح - أن يعلم أن الشيطان يسعى دائماً لإفساد حياته وتحطيمها، وقد يفعل الشيطان ذلك من خلال رؤى سوء يريها للمسلم، وأعرف واحداً من الصالحين كانت له زوجة صالحة تحبة، واجتمعا معاً على حب الله (تعالى) وطاعته، ولم يظهر له منها إلا كل خير وإخلاص، فرأى يوماً في الرؤيا أنها تخونه مع شخص آخر، في الوقت الذي لم يظهر له من المرأة إلا كل وفاء وإخلاص، ولولا أن الله (تعالى) قد أنار بصيرة هذا الشخص، وألهمه عِلماً وحِكمة، لأفسدت هذه الرؤيا حياته الزوجية، ولكن ذلك لم يحدث بفضل الله (تعالى)، وبرحمته، وبكرمه (سبحانه).
وينبغي على المسلم أيضاً أن يعلم مسألة أخرى تجعله أكثر احتراساً وتريُّثاً قبل إصدار الأحكام على الناس اعتماداً فقط على الرؤى، وهي أنه في بعض الرؤى قد يظهر الصالحون في هيئة سيئة للدلالة على معنى معين لا علاقة له بالحكم عليهم صلاحاً أو فساداً، بينما في بعض الرؤى الأخرى قد يظهر الفاسدون في هيئة حسنة للدلالة على معنى معين لا علاقة له بالحكم عليهم فساداً أو صلاحاً.(1/42)
فمثلاً، جاء عن الصحابي عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال: «رأيت النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث، أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟» قال: «هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم»، «فأحصينا ذلك اليوم، فوجدوه قتل في ذلك اليوم» (أثر صحيح -رواه أحمد)، ففي هذه الرؤيا ظهر النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بهيئة لا تليق به، فهل تصلح هذه الهيئة في هذه الرؤيا للحكم على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) حكماً لا يليق به؟!! مستحيل طبعاً!! وإنما هذه الهيئة التي ظهر بها (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الرؤيا هي مجرد رمز للدلالة على شناعة وقبح حادثة مقتل الحسين (رضي الله تعالى عنه) وأصحابه، وكذلك بالمثل، يمكن أن يرى الشخص في الرؤيا شخصاً مشهوراً بسوء الأخلاق بين الناس في هيئة حسنة، فهل هذه الرؤيا تزكية له من الله (تعالى)؟ طبعاً لا! وإنما قد يكون هذا الشخص هنا رمزاً لشيء لا علاقة له بأخلاقه، كأن يكون رمزاً لوظيفته، أو لبلده، أو لضخامة جسمه...إلخ.
وهكذا - إخوتي الكرام - لا ينبغي إصدار الأحكام على الناس بالصلاح أو الفساد دون التعامل معهم، أو دون أن يظهر لنا منهم ما يدل على أحوالهم فعلاً. اللهم إنا نسألك حبك، وحب من ينفعنا حبه عندك، ونعوذ بالله (تعالى) من المنافقين، ومن شرار الخلق. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 46) حاشية السؤال السادس والأربعين:
من القصص التراثية الجميلة التي تُحكى في مسألة الحذر من استخدام الرؤى في الحكم على الناس: أن شَريك بن عبد الله القاضى دخل يوماً على المهديِّ، فلما رآه قال: «عليَّ بالسيف والنِّطع»، قال: «ولِمَ يا أمير المؤمنين؟»، قال: «رأيت في منامى كأنك تطأ بساطى وأنت معرضٌ عني، فقصصت رؤياى على من عبَّرها، فقال لي: يُظهِر لك طاعة، ويُضمِر معصية»، فقال له شريك: «والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ولا أن مُعبِّرك بيوسف الصديق (عليه السلام)، فبالأحلام الكاذبة تُضرَب أعناق المؤمنين؟!»، فاستحيى المهدي، وقال: «اخرج عني»، ثم صرفه وأبعده (الاعتصام).(1/43)
47. هل الرؤيا من مصادر التشريع في الإسلام؟ وهل يتغير حكم شرعي على أساس رؤيا؟
اتفق علماء المسلمين على أن الرؤيا ليست مصدراً من مصادر التشريع في الإسلام، بمعنى أنه لا يمكن لمسلم أن يحكم على شيء ما بأنه حرام، أو حلال، أو فرض، أو سُنَّة، أو مكروه، أو مستحب بناء فقط على رؤيا رآها هو أو غيره (ذلك باستثناء رؤى الأنبياء طبعاً).
ولا ينبغي أن تؤخذ الأحكام الشرعية في الأساس إلا بناء على آية قرآنية أو حديث نبوي شريف صحيح، وليس رؤيا، ذلك أن الرؤى عادة ما يدخل في تفسيرها الاحتمالات، والاحتمالات معناها أن التفسير إما أن يخطيء، وإما أن يصيب، أي أن تفسير الرؤى ظني، وليس يقينياً، وكذلك، فقد تكون الرؤيا من الشيطان أو من أحاديث النفس، وبالتالي، فلا يُمكن بناء أحكام الشرع على دليل مظنون، أو يمكن أن يدخل فيه الشك.
فمثلاً، نفترض أن أن شخصاً رأى رؤيا أن رجلاً جاءه في المنام، فقال له أن يُبلغ المسلمين بأن يقرأوا سورة معينة من القرآن الكريم في يوم معين أو في ساعة معينة، أو أن يصلُّوا خمسين ركعة في ليلة معينة، وإلا سينزل عليهم غضب من الله (تعالى) وعقوبة إن لم يفعلوا ذلك، أو نفترض أنه أخبره أن صلاة العصر سوف تصبح ست ركعات، وليس أربع ابتداء من اليوم الفلاني، فالصواب في التعامل مع هذه الرؤى وأمثالها، ألا يُلتَفَتُ إليها نهائياً، وأن يدرك من يراها، أو من يصله خبر عنها أن الراجح أنها تلاعب من الشيطان، وأن الرؤى ليست مصدراً للتشريع في الإسلام، وأنها ليس لها أي سلطان لفرض أحكام شرعية على المسلمين لا أساس لها في دينهم، ومصادره، وأصوله المعروفة والموثوقة.(1/44)
وكذلك، فإن الرؤى لا تتغير بها صفة حكم شرعي كتحويل الفرض إلى سنة أو السنة إلى فرض، فعلى سبيل المثال، إذا رأى مسلم في الرؤيا من يقول له: «إن لم تواظب على صلاة النافلة، فستدخل جهنم، ولا تخرج منها أبداً»، فالمعلوم من الشرع أن ترك صلاة النافلة - رغم أنه غير مطلوب - إلا أنه لا يخرج من الإسلام كترك صلاة الفريضة، وبالتالي، فلا يؤدي للخلود في جهنم (والعياذ بالله تعالى)، وهكذا، لا يجب التعامل مع هذه الرؤيا وأمثالها على أنها يمكن أن يُفهم منها أن صلاة النافلة قد تحولت إلى صلاة فريضة، أو بمعنى آخر أن صفة الحكم الشرعي في أمر من أمور الدين قد تغيرت بناء على هذه الرؤيا، ولكن يُحتمل جداً أن تكون هذه الرؤيا وأمثالها كاذبة، أو قد تكون صادقة أحياناً، وفي هذه الحالة يكون لها تفسير آخر يختلف تماماً عما قد يوحي به ظاهرها، وهذا التفسير لا يعرفه إلا العالمون بالرؤى وتفسيرها.
وببساطة فالقاعدة هي أنه إذا رأى مسلم في الرؤيا توجيهاً أو إرشاداً إلى شيء له علاقة بأحكام الإسلام، فلا يخرج هذا عن أن يكون واحداً من ثلاثة:
1. أن يكون هذا الحكم أو التوجيه بدعة لا أساس لها في الشريعة الإسلامية، وبالتالي، فهو باطل، وبالتالي، فتنفيذه غير واجب على المسلمين، ومن ضمن ذلك، ما ذكرناه في الأمثلة السابقة، فلا يوجد في الشرع ما يفرض على المسلمين قراءة سورة معينة من القرآن الكريم في وقت معين، أو يوجب عليهم صلاة خمسين ركعة في ساعة معينة.(1/45)
2. أن يكون هذا الحكم أو التوجيه مجرد تأكيد فقط على شيء له أساس في الشرع، كالتأكيد على الصلاة المفروضة، والحث عليها مثلاً، ومن أمثلة ذلك، أن يرى شخص لا يصلي الفروض الخمسة في الرؤيا من يقول له: «إن لم تُصَلِّ فرضك، فسيحل عليك غضب شديد من الله (تعالى) »، ففي هذه الحالة، ينبغي للشخص أن يتعامل مع هذه الرؤى وأمثالها على أنها رؤى حق وصدق، فهي لا تأتي بحكم جديد في الشريعة الإسلامية كالأمثلة المذكورة سابقاً، بل إنها تأتي لتؤكد وتحث فقط على ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
3. أن يكون في الرؤيا تحديد لتوقيت معين له علاقة بالشرع كتحديد أول يوم في رمضان أو ليلة القدر، وبخصوص هذا النوع من الرؤى، فإن كان هناك إجراء في الواقع ينبغي الأخذ به في تحديد التوقيت (على سبيل المثال: رؤية الهلال بالعين لتحديد أول يوم في رمضان)، فلا ينبغي الاعتماد على رؤيا المنام، أمَّا إذا كان في الرؤيا تحديد لليلة القدر مثلاً، والتي لا يمكن تحديد موعدها بدقة في الواقع، فينبغي على الشخص حينئذ التعامل مع الرؤيا على أنها يُحتمل أو يُرجَّح أن تكون صادقة خصوصاً إن كان الرائي صالحاً، ومع ذلك، فإن احتمال الكذب فيها موجود، وإن كان ضعيفاً.
وكذلك، يمكن أن يكون للرؤيا تفسير آخر لا علاقة له بليلة القَدر، بل بمعنى آخر، فمثلاً، نفترض أن شخصاً رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بهيئته الشريفة يخبره أن ليلة القدر غداً، فهذه الرؤيا صادقة بلا شك، ولكن قد يكون لليلة القدر في الرؤيا تفسير آخر لا علاقة له بليلة القدر نفسها، كأن تكون رمزاً لرفعة شأن للرائي مثلاً (يرجى مراجعة قواعد تفسير الرؤيا لفهم المزيد عن هذه النقطة)، وبالتالي، لا ينبغي أن تخرج هذه النوعية من الرؤى عن دائرة الاحتمال حتى ولو كان قوياً راجحاً. والله (تعالى) أعلم.
48. كيف يتعامل المسلم مع الرؤيا التي فيها أمر بشيء أو نهي عن شيء؟(1/46)
هناك نوعية من الرؤى قد يفهم منها الرائي أنها تأمره بشيء معين أو تنهاه عن شيء آخر، وقد يكون لهذا الشيء المأمور به أو المنهي عنه علاقة بالشرع، أو قد يكون له علاقة بأمور المعيشة.
فمن أمثلة الرؤى التي تأمر أو تنهى بشيء له علاقة بالشرع: الرؤى التي تحض على الصلاة، أو على بر الوالدين، أو تنهى عن السرقة، أو الزنا، بينما من أمثلة الرؤى التي تأمر أو تنهى عن شيء له علاقة بأمور المعيشة: الرؤى التي تحض على الدخول في مشروع تجاري معين، أو دراسة موضوع علمي مفيد، أو تنهى عن شراء شيء من محل معين، أو تحذر من الالتحاق بجامعة أو وظيفة معينة.
وقد يأتي هذا النوع من الأمر أو النهي في الرؤيا بشكل مباشر، كأن يرى الشخص في منامه من يأمره بشيء أو ينهاه عن شيء بالعبارة الصريحة مثل «افعل كذا» أو «لا تفعل كذا»، وقد يأتي هذا النوع من الأمر أو النهي بشكل غير مباشر، لا يُفهم إلا من خلال تفسير الرؤيا، وذلك كأن يرى شخص متقدم إلى جامعة مثلاً في منامه أن مديرها يسلم عليه، فيُحتمل أن يكون معنى هذه الرؤيا الحث له على الالتحاق بهذه الجامعة، أو كأن يرى شخص آخر متقدم لوظيفة ما في منامه أن مكان العمل الذي تقدم للحصول على وظيفة فيه قد تحول إلى حُفرة كبيرة، وأنه على وشك السقوط فيها، فيُحتمل أن يكون معنى هذه الرؤيا النهي له عن الالتحاق بهذه الوظيفة.(1/47)
والأصل في التعامل مع هذه النوعية من الرؤى أنه إذا كان الأمر أو النهي له علاقة بالشرع، فإن كان أمر بمعروف مما أمر به الشرع أو نهي عن منكر نهى عنه الشرع - سواء كان الأمر مباشراً أو غير مباشر - فإن الأصل فيها هو الصدق، والأولى بالشخص أن يتعامل مع الرؤيا على أنها حق، وأن يأخذها على محمل الجد خصوصاً إن كان لديه تقصير معين فيما أمرته به الرؤيا أو نهته عنه، ومع ذلك، فيُحتمل في هذه النوعية من الرؤى أن يكون لها تفسير آخر لا علاقة له بالأمر أو النهي، وهذا التفسير لا يفهمه إلا العالمون بالرؤى، أمَّا إذا كان في الرؤيا أمر بمنكر حرمه الشرع أو ببدعة لا أساس لها شرعاً، أو نهي عن معروف أمر به الشرع، فالأصل فيها أنها كاذبة، والأولى بالشخص ألا يلتفت إليها، وألا يأخذها على محمل الجد، ومع ذلك فقد تصدق هذه النوعية من الرؤى، ويكون لها تفسير مختلف تماماً عن ظاهرها، لا يفهمه إلا العالمون بالرؤى.
ومن أمثلة الرؤى الصادقة التي في ظاهرها أمر بمنكر، وفي نفس الوقت لها تفسير لا علاقة له بظاهرها: نفترض أن شخصاً رأى في منامه في شهر رمضان من يقول له «لا تَصُم غداً»، فهذه رؤيا ظاهرها أمر بمنكر، والأولى بالشخص ألا يلتفت إليها، وألا يتعامل معها على أنها صادقة، ولكن يُحتمل أن تكون هذه الرؤيا صادقة، وأن يكون لها تفسير آخر لا علاقة له بهذا الأمر بالمنكر، فقد تدل لرائيها مثلاً على أنه سوف يُسافر في اليوم التالي؛ لأن المسافر له رخصة في الإفطار (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤيا للمزيد من فهم هذه النقطة).
وكذلك، من أمثلة الرؤى التي في ظاهرها أمر بمنكر، والتي قد تسبب مشكلة كبيرة لرائيها إن لم يحسن فهمها والتعامل معها: هي رؤيا قرأت عنها في أحد الكتب أن شخصاً قال بأنه رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام يقول له: «لا تتعب نفسك في طاعة الله، فقد اطَّلعت على أهل النار فوجدتك منهم».(1/48)
ولا شك أن هذه الرؤيا قد تسببت في ألم نفسي كبير لرائيها، ولكن على من يرى مثل هذه النوعية من الرؤى في المنام أن يفهم أنها لا تخرج عن احتمالين، الأول: أن يكون الرائي قد رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) على غير هيئته الشريفة التي كان عليها في الدنيا، وفي هذه الحالة يكون احتمال أن تكون هذه الرؤيا من الشيطان كبيراً جداً؛ لأنه يجوز للشيطان أن يأتي في المنام في صورة مغايرة لصورة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثم يدَّعي أنه هو، ثم يأمر المسلم بكل ما هو منكر ليصرفه عن دينه، أمَّا الاحتمال الثاني فهو أن يكون الشخص قد رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) على هيئته الشريفة، وبالتالي، فتكون هذه الرؤيا صادقة، ويكون هذا الأمر المنكر في ظاهره هو مجرد رمز لمعنى آخر مختلف تماماً عنه قد لا يخطر للشخص العادي على بال، ولا يقوم باستنباط هذا المعنى من الرؤيا إلا مفسر الرؤى العالم.
فمثلاً، يمكن أن يكون تفسير هذه الرؤيا حثّاً للرائي على عدم التشديد على نفسه في العبادات، والأخذ بالرخص (لا تتعب نفسك في طاعة الله تعالى)؛ لأن الرائي من أهل البلاءات والهموم (فوجدتك من أهل النار)، فالرؤيا في ظاهرها شر وأمر بمنكر، بينما في باطنها وحقيقتها هي رؤيا رحمة من الله (تعالى) لهذا الشخص (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤى للمزيد من فهم كيفية عملية التفسير).
ومن أمثلة الرؤى التي في ظاهرها أمر بمعروف، ولكن لها تفسير مختلف عن هذا الأمر: نفترض مثلاً أن شخصاً يعيش في دولة أوروبية رأى من يقول له في منامه «اذهب للصلاة في المسجد»، فقد يكون في هذه الرؤيا حض له على الصلاة في المسجد فعلاً، وقد يكون للرؤيا تفسير آخر كأن تدل له على العودة لبلده المسلم، ويكون المسجد هنا رمزاً يدل على دولة إسلامية (برجاء مراجعة قواعد تفسير الرؤيا للمزيد من فهم هذه النقطة).(1/49)
ويقوم علماء تفسير الرؤى بالترجيح بين هذه الاحتمالات المختلفة لتفسير هذه النوعية من رؤى الأمر والنهي على أساس قواعد معلومة سيتم تناولها في سياق هذا الكتاب بمشيئة الله (تعالى). والله (تعالى) أعلم.
49. هل من الطبيعي أن يعيش المسلم بدون أن يرى رؤى صادقة؟
قد تأتي أوقات على المسلم تكثر فيها رؤاه الصادقة، وقد تأتي عليه أوقات أخرى تقل فيها رؤاه الصادقة أو تنعدم تماماً، والمعيار في ذلك هو الحكمة الإلهية في تقدير مصلحة المسلم وحاجته للرؤيا، ولكن أن تمر على المسلم أوقات طويلة جداً لا يرى فيها أية رؤى صادقة على الإطلاق، فإن هذا يُحتمل أن يشير إلى خلل ما في عقيدته أو التزامه الديني والأخلاقي، بل وربما يُخشى من أن يكون ذلك علامة من علامات غضب الله (تعالى) عليه، أو أن يكون ممن قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) فيهم: «يُقبَضُ الصالحون الأول فالأول حتى يبقى كحُثالة التمر أو الشعير لا يبالي الله بهم شيئاً» (حديث صحيح – رواه أحمد)، ومع ذلك، فربما تمر على المسلم أوقات طويلة لا يرى فيها رؤى صادقة، ويكون ذلك لحكمة من الله (تعالى)، ولا يكون ذلك دليلاً على غضب الله (تعالى) عليه، وخصوصاً إن كان مسلماً صالحاً. والله (تعالى) أعلم.
50. هناك أشخاص يقولون بأنهم يحلمون كثيراً، فهل لذلك دلالة معينة؟(1/50)
أن يرى المسلم رؤى كثيرة، هي مسألة تختلف في دلالتها بحسب نوعية الرؤى، فإذا كانت ملامح الصدق ظاهرة على غالبية هذه الرؤى (راجع السؤال رقم 20)، فقد تدل هذه الكثرة فيها على صلاح الشخص، أو على الأقل قد تدل على أن الشخص قريب من الصلاح، أو أن لديه استعداداً شخصياً قوياً له، أما إذا كانت ملامح الرؤى الشيطانية ظاهرة على غالبية هذه الرؤى (راجع السؤال رقم 7)، فقد تدل الكثرة فيها على فساد في أحوال الشخص، أو ربما يكون ذلك علامة على إصابته بالسحر مثلاً، أما إذا كانت ملامح حديث النفس ظاهرة على غالبية هذه الرؤى (راجع السؤال رقم 6)، فقد تكون في كثرتها دلالة على انشغال بال، أو هموم، أو مشكلة نفسية. والله (تعالى) أعلم.
51. هل ارتكاب المسلم للمحرمات والمفاسد في الرؤيا يدل على فساده في اليقظة؟
ليس بالضرورة، فهناك احتمالات في هذه النوعية من الرؤى، فإذا كان رائيها فاسداً في الواقع، فغالباً ما يكون ارتكاب الخطايا في الرؤى إشارة إلى هذا الفساد، وخصوصاً إذا كان الفساد الظاهر في الرؤيا قريباً من الفساد الذي يمارسه الرائي في اليقظة، وعلى العكس، فقد تدل هذه النوعية من الرؤى على معاني لا علاقة لها بأي فساد، بل قد تدل على معاني خير، وخصوصاً إذا كان رائيها صالحاً، ولا علاقة له في الواقع بالفساد الذي رآه في الرؤيا. والله (تعالى) أعلم.
52. هل يجب أن يتذكر الشخص الرؤيا الصادقة بمجرد أن يستيقظ؟ أم يمكن أن يتذكرها بعد ذلك؟
الغالب هو أن يتذكر الشخص رؤياه كلها بعد اليقظة مباشرة، ولكن يُحتمل أحياناً أن يتذكرها بعد فترة من اليقظة، ويحتمل في أحيان أخرى أن يتذكر بعضها فقط بعد اليقظة، بينما يتذكر بعضها الآخر بعد فترة، ويحتمل ألا يتذكرها على الإطلاق. والله (تعالى) أعلم.
53. هل تذكُّر الشخص للرؤيا ووضوحها في ذهنه يُعتبر دليلاً على صدقها؟(1/51)
على الرغم من أن وضوح الرؤيا ربما يكون أحد العلامات التي تشير إلى صدقها، وبعدها عن أضغاث الأحلام وأحاديث النفس، إلا أنه لا يوجد دليل على أن الرؤيا الواضحة ينبغي أن تكون صادقة، أو أن الرؤيا غير الواضحة ينبغي أن تكون كاذبة. والله (تعالى) أعلم.(1)(2)
54. ما هو الوقت الذي تستغرقه الرؤيا الصادقة حتى تتحقق؟
الأصل أنه لا يوجد أي وقت محدد يمكن أن تستغرقه الرؤيا الصادقة لتتحقق، فقد تتحقق بعض الرؤى قبل أن يصحو الرائي من نومه، بينما قد تتحقق أخرى بعد وفاة الرائي، وربما يُستثنى من تلك القاعدة بعض الرؤى التي يُحتمل أن تدل على زمن معين، أو على قرب وقوع شيء ما، حيث يمكن تحديد زمن وقوعها بدرجة ما من خلال تفسيرها. والله (تعالى) أعلم.(3)
55. هل يرى الأطفال رؤى؟ وهل تختلف عن رؤى البالغين؟
__________
(1) 53) حاشية السؤال الثالث والخمسين:
قال بعض أهل العلم أن الرؤيا التي لا يتذكرها الشخص لا خير فيها، وهذا كلام لا أصل له، فلا يوجد أي دليل على أن الرؤيا التي لا يتذكرها الشخص لا بد وأن تكون كاذبة، وإن لم يستطع تذكرها. والله (تعالى) أعلم.
(3) 54) حاشية السؤال الرابع والخمسين:
قال بعض أهل العلم أن رؤيا الخير تتحقق بعد وقت طويل، بينما رؤيا الشر تتحقق بسرعة، وقالوا: أن ذلك من رحمة الله تعالى بالمؤمن حتى يكون سعيداً مستبشراً لفترة طويلة قبل حدوث الشيء المفرح، بينما تقل فترة انتظاره قبل حدوث الشيء المحزن. وهذا التحليل وإن كان طيباً إلا أنه لا يوجد دليل على اعتباره قاعدة عامة يمكن تطبيقها على جميع الرؤى. والله (تعالى) أعلم.(1/52)
تنقسم الطفولة إلى مرحلتين: مرحلة عدم التمييز، وتمتد ما بين مرحلة الرضاعة إلى سن سبع سنوات، وهي المرحلة التي لا يستطيع الطفل فيها غالباً أن يدرك أنه رأى رؤيا، أو أن يخبر بها غيره بشكل مفهوم، أمَّا المرحلة الأخرى، فهي مرحلة التمييز، وتمتد ما بين سن سبع سنوات إلى أربع عشرة سنة، وهي المرحلة التي يستطيع الطفل أن يدرك فيها أنه رأى رؤيا، وأن يخبر بها غيره بشكل مفهوم.
ولا يوجد دليل على أن الطفل في المرحلة الأولى يمكن أن يرى رؤى صادقة، ولكن المؤكد أن الطفل في المرحلة الثانية يمكن أن يرى رؤى صادقة، فقد رأى يوسف (عليه السلام) رؤياه التي ذُكرت في القرآن الكريم في مرحلة الطفولة، وأخبر بها أباه يعقوب (عليه السلام).
وكذلك، فلا يوجد دليل قاطع على أن رؤى الأطفال تختلف اختلافاً كبيراً عن رؤى البالغين، ولكن من خلال التجربة يمكن القول بأن رؤى الأطفال تتناسب غالباً مع طبيعة المرحلة العمرية، فلا يروا عادةً رؤى جنسية، أو رؤى ذات علاقة بالمعاصي والذنوب، وقد لوحظ أن كثيراً من رؤى الأطفال في هذه المرحلة العمرية تكون وصفاً لمستقبلهم، وأهم ما فيه من أمور (أي الشقاء والسعادة، الصلاح والفساد، رفعة الشأن أو وضاعته، ونحو ذلك)، وكثيراً ما يكون معنى هذه الرؤى عامّاً، فلا تتعرض لتفاصيل دقيقة بخصوص مستقبلهم. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 55) حاشية السؤال الخامس والخمسين:
الرؤيا التي رآها النبي يوسف (عليه السلام) وهو طفل هي المذكورة في قول الله (تعالى): {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4].
والدليل على أنه رآها في مرحلة الطفولة، أنه من المؤكد أنه رآها قبل أن يُلقِي به إخوته في البئر، والمؤكد بنص القرآن الكريم أنهم ألقوه فيه في مرحلة الطفولة؛ لقول الله (تعالى) على لسان واحدٍ من القافلة التي انتشلته (عليه السلام) من البئر: {وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}، والغلام هو الطفل إلى أن يشبَّ. والله (تعالى) أعلم.(1/53)
5)
56. هل يرى الجن رؤى؟
بما أن رسالة النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) شاملة للإنس والجن، وبما أن الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في شأن الرؤيا لا تستثنيهم منها، فبالتالي، فإنهم يرون رؤى من كل الأنواع مثلهم مثل الإنسان. والله (تعالى) أعلم.
57. كيف يرى الجن رؤى من الشيطان في حين أن كلاً منهما يرى الآخر؟
المقصود بهذا السؤال أنه طالما من المعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يرى الشيطان، وبالتالي، يمكن أن يأتي الشيطان إلى الإنسان، ويريه رؤيا معينة دون أن يستطيع الإنسان منعه، ولكن في حالة الجن، كيف يمكن أن يأتي لهم الشيطان، ويريهم رؤى، مع أنه من نفس الجنس، ومع أنهم ظاهرون لبعضهم البعض؟!
والجواب: أنه من المعلوم من الدين بالضرورة أن للشيطان تأثيراً على الإنسان، ومن ضمن هذا التأثير هو الرؤى الكاذبة، ولكن كيفية هذا التأثير على الجن قد تختلف عن كيفية هذا التأثير الإنسان، فأما بخصوص كيفية تأثير الشيطان على الإنسان، فيقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم» (متفق عليه)، ومعنى الحديث أن الشيطان يدخل في جسم الإنسان، وبالتالي، فيُحتمل أن يمارس تأثيره على الإنسان من وسوسة، ورؤى كاذبة، وغير ذلك بهذه الطريقة، أما الجن، فليس هناك دليل على أن كيفية تأثير الشيطان عليهم هي بنفس هذه الكيفية التي يمارس تأثيره بها على الإنسان، وبالتالي، فقد يؤثر الشيطان على الجن، فيريهم رؤى كاذبة بكيفيات أخرى دون الحاجة للاقتراب من أجسامهم أو الدخول فيها. والله (تعالى) أعلم.
58. هل ترى الحيوانات رؤى صادقة؟(1/54)
هذه مسألة لا يمكن التأكد من صحتها، فالمؤكد أن الحيوانات تُسبِّح بحمد الله (تعالى)، كما جاء في قوله (عزَّ وجلَّ): {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء : 44]، وكذلك فإنهم يعيشون في أمم مثل الإنسان، كما في قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} [الأنعام : 38]، وكذلك، فإن لهم لغات يتفاهمون بها، وكان النبي سليمان (عليه السلام) يعلم لغة الطيور والنمل، كما في قول الله (تعالى): { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} [النمل : 16]، وكذلك قول الله (تعالى): {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل : 18].
وبناء على ذلك، فإن لدى الحيوانات نوعاً من التنظيم في المعيشة، ونوعاً من العبادة لله (تعالى)، ودرجة من الإدراك والوعي، ولغات يتكلمون بها، وبالتالي، فإن الرؤى الصادقة عندهم يُحتمل أن تكون موجودة. والله (تعالى) أعلم.
59. ما حقيقة ما يُسمَّى بالتنويم المغناطيسي؟
التنويم المغناطيسي هو نوع من أنواع التأثير على وعي الأشخاص، وإدراكهم للأشياء، وتغييره عن طريق بعض الأساليب التي يقوم المُنوِّم فيها بالإيحاء للشخص المنوَّم ببعض الأفكار الإيجابية، وغالبية من يمارسون التنويم المغناطيسي هم من الأطباء النفسيين، ويُستخدم التنويم المغناطيسي في علاج بعض الأمراض والمشاكل التي لها أسباب نفسية مثل التبول اللاإرادي عند الأطفال أو التدخين...إلخ. والله (تعالى) أعلم.
60. هل يستطيع الشخص أن يتحكم في أحلامه؟ وما هو المقصود بما يُسمَّى بالحُلم الإرادي؟ وما حكمه شرعاً؟(1/55)
الراجح أن الإنسان لا يستطيع أن يتحكم في حلمه؛ لأنه لو كان له في حلمه إراده لكان مُحاسَباً عليه يوم القيامة، ويشير ظاهر الحديث الشريف إلى أن الإنسان لا يُحاسب على أحلامه، وبالتالي، فالراجح أنه لا إرادة له فيها، ولا اختيار. يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ...» (حديث صحيح - صحيح الجامع).
أما بخصوص ما يُسمَّى بـ«الحلم الإرادي» (Lucid dream)، ويُسمَّى أيضاً «تجربة الخروج من الجسد»(Out-of-body experience) ، وكذلك يُسمَّى بـ«الإسقاط النَّجمِي» (Astral projection) - فهو نزعة حديثة نسبياً في الغرب حيث يعتقد البعض أن جسم الإنسان يتكون من العديد من الأجسام، منها الكثيف كالجسم المادي، ومنها الخفيف كأجسام أخرى داخلة في الجسم المادي، ويعتقدون أيضاً أن الإنسان إذا ما قام ببعض تدريبات التركيز العقلي، فهو يستطيع فصل بعض هذه الأجسام الخفيفة عن جسمه المادي الكثيف، والخروج بها من جسده المادي إلى آفاق أخرى أوسع كالسفر إلى بلاد بعيدة، والتحليق في الفضاء...إلخ.
وتحدث بعض من يدَّعون أنهم قاموا بذلك بأنهم قد سافروا خارج بلادهم بأجسامهم الخفيفة التي نجحوا في فصلها عن أجسامهم الكثيفة، كما قالوا بأنهم رأوا أشياء عجيبة، ويزعمون أيضاً أنه بعد أن تنتهي تجربة الخروج من الجسد يعود الجسم الخفيف ليلتحم بالجسم الكثيف، فيعود الشخص بعد هذه التجربة إلى حياته العادية، والظاهر أنهم قد أخذوا هذه المعتقدات من الديانات الوثنية كالهندوسية وغيرها، وكذلك، فإن تمرينات التركيز هذه شبيهة بتمرينات اليوجا التي يمارسها الهندوس في الهند، ويعتبرونها جزءاً من عقيدتهم.
وإني أنصح المسلمين بأن يجتنبوا مثل هذا العبث؛ لعدة أسباب، وهي:
1. أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما تركا من باب خير إلا وبيناه للمسلمين، ولو كان في هذا الفعل خير، لحث عليه الإسلام.(1/56)
2. ارتباط هذه الممارسات بالمعتقدات الوثنية، وبالتالي، فهي لا تليق بالمسلم.
3. ارتباط هذه الممارسات بحالة الخواء الروحي عند الغربيين، وهي غير موجودة عند المسلمين (بفضل الله تعالى).
4. بعض من قاموا بمثل هذه الأعمال تحدثوا عن مخاطر محتملة لها على الإنسان.
* * *
...
الباب الثاني
الرائي وأحواله
61. ما هو المقصود بالرائي؟
يُقصد بالرائي الشخص ذاته الذي رأى الرؤيا. والله (تعالى) أعلم.
62. هل يرى المسلم الرؤيا الصادقة لنفسه فقط؟ أم لغيره أيضاً؟ وكيف يمكن التمييز بين ما يراه الشخص لنفسه وما يراه لغيره؟
قد يرى المسلم الرؤيا لنفسه، أي أن يكون لها معنى يخصه هو، وقد يرى الرؤيا لغيره، أي أن يكون لها معنى يخص شخصاً آخر غيره، وذلك مِصداقاً لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن الرؤيا الصالحة: «يراها المُسلم أو تُرَى له» (رواه مسلم).
والتمييز بين هذين النوعين من الرؤى قد يكون صعباً في بعض الأحيان، فربما لا يعرف الرائي إن كانت الرؤيا تخصه هو أم تخص غيره، وأحياناً، يكون جزء معين من الرؤيا يخص الرائي، وجزء آخر منها يخص غيره، وأحياناً أخرى، تكون نفس الرؤيا خاصة بالرائي وبأشخاص آخرين غيره.
ولكن بصفة عامة، وحتى لا يحتار المسلم كثيراً، أقول: يُحتمل أنه كلما كانت مشاركة الرائي في أحداث الرؤيا - بالفعل أو الكلام - أكبر، كلما كان للرؤيا علاقة به هو شخصياً، بينما يُحتمل أنه كلما كانت مشاركة الرائي في أحداث الرؤيا أقل (كأن يرى نفسه يشاهد أشخاص أو أشياء فقط دون أن يتدخل هو في الرؤيا)، كلما كان للرؤيا علاقة بغيره.
ومن أمثلة هذه النوعيات من الرؤى:
1. رؤيا تخص الرائي فقط: شخص رأى نفسه في المنام يأكل تفاحة.
2. رؤيا تخص الرائي وتخص غيره معه: شخص رأى في المنام أن غيره يشاركه في أكل التفاحة.(1/57)
3. رؤيا تخص الرائي في جزء، وتخص غيره في جزء آخر: شخص رأى نفسه في المنام أنه يأكل جزءاً من التفاحة، ثم أعطى ما تبقى منها لشخص آخر غيره ليكمل أكلها.
4. رؤيا لا تخص الرائي، بل تخص غيره: شخص رأى في المنام أن شخصاً غيره يأكل التفاحة.
والله (تعالى) أعلم.
63. ما المقصود بأحوال الرائي؟
المقصود بأحوال الرائي هو مجموعة الصفات، والأفعال، والظروف التي ترتبط به، وهي مهمة جداً في عملية تفسير الرؤى، وأهم هذه الأحوال هي:
1. الدين: مسلم، نصراني، يهودي...إلخ.
2. الالتزام الديني والأخلاقي للمسلم: ملتزم، متوسط الالتزام، ضعيف الالتزام...إلخ.
3. النوع: ذكر أو أنثى.
4. الجنسية: مصري، تونسي، عراقي...إلخ.
5. السِّن أو المرحلة العمرية: الطفولة، المراهقة، الشباب، الرجولة، الكهولة، العجز...إلخ.
6. الصفات الجسدية: طويل، قصير، نحيف، بدين...إلخ.
7. الحالة الاجتماعية: أعزب، متزوج، مُطَلِّق، أرمل...إلخ.
8. الحالة الاقتصادية: فقير، متوسط، ميسور الحال، غني...إلخ.
9. الحالة الصحية: صحيح، مريض، ضعيف، يرتدي نظارة طبية...إلخ.
10. الحياة أو الموت: حي أو ميت.
11. الأولاد: يَعُول، بدون أولاد، كافِل يتيم...إلخ.
12. المهنة: مهندس، طبيب، مدرِّس، عامِل، جليسة أطفال...إلخ.
13. المستوى التعليمي والثقافي: مثقف، جامعي، المدرسة الثانوية، أُمِّي...إلخ.
14. الاهتمامات والهوايات: القراءة، تربية الأولاد، الكمبيوتر، صيد الأسماك...إلخ.
15. الهموم والمشاكل: مشاكل زوجية، مشاكل اقتصادية، مشاكل نفسية...إلخ.
16. الأمنيات والطموحات والمشاريع: رغبة في الزواج، رغبة في الحصول على عمل، رغبة في سفر، مشروع تأسيس محل تجاري...إلخ.
والله (تعالى) أعلم.
64. ما أهمية أحوال الرائي في تفسير الرؤى الصادقة؟(1/58)
الأصل في الرؤيا الصادقة أنها رسالة خاصة يوجهها الله (تعالى) إلى شخص واحد غالباً، وبناء على ذلك، فمن الطبيعي أن تأتي الرؤيا متناسبة مع أحوال كل شخص وظروفه، وأن تُخاطبه بما يعرف وما يألف حتى يستطيع الانفعال بها وفهم معناها.
فمثلاً، الرؤيا التي تخاطب المسلم غير الرؤيا التي تخاطب الكافر، والرؤيا التي تخاطب العالِم غير الرؤيا التي تخاطب الجاهل، والرؤيا التي تخاطب الصالح غير الرؤيا التي تخاطب الفاسد، والرؤيا التي تخاطب الكبير غير الرؤيا التي تخاطب الصغير.
وأحوال الرائي جزء لا يتجزأ من عملية تفسير الرؤيا، فلا يمكن للمفسر أن يتوصل إلى فهم جيد لمعنى الرؤيا دون معرفة أشياء عن أحوال رائيها، وخصوصاً في الوقت الذي رآها فيه، تماماً كما لا يمكن للطبيب أن يفهم طبيعة مرض المريض دون أن يعرف أشياء عن أحواله.
والرؤيا عادة تكون ذات رموز، وهذه الرموز يُحتمل أن تدل على معاني كثيرة ومتشعبة، وبالتالي، فينبغي للمفسر أن يعرف أحوال الرائي كي يستطيع تحديد معنى الرمز بدقة من بين العديد من الاحتمالات، واختيار التفسير الأنسب للرائي. والله (تعالى) أعلم.
65. ما معنى عبارة "اتَّقِ الله في اليقظة، لا يضرُّك ما رأيت في المنام»؟
رويت هذه العبارة عن مفسر الرؤى المسلم الشهير محمد بن سيرين (رحمه الله تعالى) (ت 110هـ) (حلية الأولياء)، والظاهر أنه كان يقولها لمسلمين سألوه عن رؤى ظاهرها شر رأوها، ويخشون على أنفسهم من أن تكون نذيراً بأذى سوف يصيبهم.(1/59)
وهذه العبارة هي من أفضل وأحكم ما قيل في تفسير الرؤى، ومعناها أن تقوى الله (تعالى) تمنع عن المسلم أي أذى يمكن أن يخشاه من أي رؤيا يراها (أو يراها له غيره)، ولو كان ظاهرها شر، ويرجع ذلك إلى أن الرؤيا التي يراها المسلم الصالح التقي، ويكون ظاهرها شر، لا تخرج عن ثلاثة أصناف: إما أن تكون رؤيا صادقة من الله (تعالى)، وهذه يكون ظاهرها فقط شراً، بينما يُقلب تفسيرها إلى خير؛ لصلاح رائيها، وذلك وفق قاعدة معينة يعرفها مفسروا الرؤى (راجع قاعدة المعنى المقلوب)، وإما أن تكون رؤيا من الشيطان الرجيم (والعياذ بالله تعالى)، وهذه كاذبة لا تتحقق، ولا يتم تفسيرها، وقد أمرنا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بالاستعاذة بالله (تعالى) منها، وهذه لا يصيب المسلم منها أي ضرر - بإذن الله (تعالى) - إلا بعض الضيق النفسي المؤقت، ثم ينتهي أثرها سريعاً، ويطمئن القلب بمجرد ذكر الله (عزَّ وجلَّ)، والاستعاذة به (سبحانه) من شرها، وإما أن تكون رؤيا حديث نفس، وهذه لا ضرر منها مطلقاً إلا بعض ضيق وقلق أحياناً، ثم ينتهي كذلك سريعاً بذكر المسلم لله (تعالى)، وبثقته فيه (عزَّ وجلَّ)، وتوكله عليه (جل جلاله).
وبناء على ذلك، فإن قاعدة «اتق الله في يقظتك، لا يضرك ما رأيت في المنام» هي من أفضل القواعد التي ينبغي للمسلم أن يعلمها ويفهمها جيداً حتى يحصن نفسه مما قد تسببه له بعض الرؤى من هموم ومعاناة. والله (تعالى) أعلم.
66. هل يجب على الرائي تصديق ظاهر رؤياه أحياناً؟(1/60)
تصديق ظاهر الرؤيا هو تنفيذ المسلم لما رآه في الرؤيا كما رآه بالضبط، وكأن الرؤيا أمر له ينفذه. وقد فعل ذلك إبراهيم (عليه السلام) عندما رأى رؤيا يذبح فيه ابنه إسماعيل (عليه السلام)، فهمَّ إبراهيم بتصديق هذه الرؤيا بذبحه، إلا أن الله (تعالى) افتدى إسماعيل بكَبش. وقد وردت هذه القصة في القرآن الكريم في قول الله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} [سورة الصافَّات].
وليس معنى ذلك أن المسلم إذا رأى نفسه في المنام أنه يذبح ابنه أن يفعل ذلك! فهذه الرؤيا هي وحي إلهي يأمر الله (تعالى) فيه نبياً من أنبيائه، وليست كرؤى الأشخاص العاديين، كذلك، فقد كانت هذه الحالة خاصة جداً بإبراهيم (عليه السلام)، ولن تتكرر بإذن الله (تعالى).
ولكن يُستَحَب للمسلم أن يُصدِّق ظاهر رؤياه في الحالات التالية:
1. ألا يتعارض ظاهر الرؤيا مع أحكام الإسلام، فمثلاً، شخص رأى نفسه في المنام أنه يقتل أو يسرق، فيحرم عليه أن يفعل ذلك في اليقظة.
2. ألا يكون في ظاهر الرؤيا عجز، أو مشقة، أو أذى، فمثلاً، شخص رأى نفسه يصعد جبلاً، أو يسب شخصاً جباراً ظالماً باطشاً، أو يقفز من الشُّرفة ويطير، فلا ينبغي عليه أن يُصدِّق هذه الرؤى أو أشباهها.
ومن أمثلة الرؤى التي يُستحب تصديقها: الرؤى التي يرى المسلم فيها نفسه يتصدق، أو يصوم، أو يقوم بأي عمل من أعمال الخير الطيبة التي رغَّب الإسلام فيها.(1/61)
والدليل على أن تصديق الرؤيا مستحب ما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عندما رأى خزيمة بن ثابت (رضي الله تعالى عنه) رؤيا، قال: «رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فأخبرت بذلك رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) »، فقال: «إن الروح لَتَلقَى الروح»، «وأقنع النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) رأسه هكذا، فوضع جبهته على جبهة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) » (حديث صحيح – رواه أحمد)، (ومعنى أقنع رأسه: مدَّها). والله (تعالى) أعلم.
67. هل إخبار الرائي المفسر ببعض الرؤيا دون البعض الآخر يُعتبر من الكذب فيها؟
أحياناً، لا يتذكر الرائي بعض تفاصيل رؤياه، فلا يخبر بها المفسر، فهذا لا كذب فيه، وأحياناً، يتحرج الرائي من ذكر بعض تفاصيل الرؤيا للمفسر؛ لاحتوائها على أشياء يخجل من ذكرها أو يخشى، فعسى أن يكون هذا معذوراً عند الله (تعالى)، أما أن يتعمد الرائي إخفاء بعض ما في الرؤيا عن المفسر تضليلاً، ودون أي عذر مقبول، فهذا يُعدُّ من الكذب في الرؤيا، والذي هو من كبائر الذنوب. والله (تعالى) أعلم.
68. هل يمكن الاستغناء عن مفسر الرؤى، وتفسيرها اعتماداً على قراءة الكتب فقط؟
كثير من الناس يعتقدون أن بإمكانهم تفسير رؤاهم بشكل جيد اعتماداً على بعض الكتب التي تتناول تفسير رموز الرؤى دون الرجوع إلى الثقات من أهل العلم بالرؤى، وبعض هؤلاء معذورون بلجوئهم إلى هذه الكتب حيث يندر أهل العلم الصحيح في هذا التخصص.
ولكن لا بد أن يعرف كثير من الناس أن تفسير الرؤى هو عملية أكبر وأعقد من مجرد معرفة معنى رمز معين من كتاب، فهي عملية صعبة، وتحتاج لمؤهلات خاصة واستعداد شخصي، ولا يقدر عليها بكفاءة إلا أهل التخصص والخبرة، وتفسير الرؤى من خلال قراءة كتاب هو أشبه بالمريض الذي يعالج نفسه بقراءة كتاب في الطب بدلا من أن يذهب للطبيب.(1/62)
ومع ذلك، فلعل قراءة مثل هذه الكتب تفيد، ولو قليلاً، ولعلها تكون أقل سوءاً وأهون ضرراً من الذهاب للدجالين، والنصابين، والجهلاء الذين يدَّعون قدرتهم على تفسير الرؤى. أعاذنا الله (تعالى) والمسلمين منهم. والله (تعالى) أعلم.
69. ماذا يفعل الرائي إذا فسر له مفسر الرؤيا على احتمال الشر؟
تفسير الرؤيا على أنها شر سوف يقع للرائي هو من الأمور المؤلمة على نفسه، وإذا ما قام مفسر بتفسير رؤيا لمسلم على ذلك، فينبغي عليه أن يفعل الآتي:
1. إذا كان الرائي صالحاً من أهل الخير، فليستعذ بالله (تعالى) من الشيطان، ومن قضاء السوء، ولن تضره الرؤيا بمشيئة الله (عزَّ وجلَّ)، وكذلك، لا ينبغي أن يذهب الرائي لهذا المفسر مرة أخرى؛ لأنه غير كفء في ما يقوم به من عمل، وليحاول البحث عن واحدٍ من أهل العلم الثقات، الأتقياء، المتخصصين في تفسير الرؤى.
2. إذا كان الرائي غير صالح، أو في عمله فساد، فالأولى به أن يحذر من وقوع هذه الرؤيا بإصلاح علاقته مع الله (تعالى)، وبالاستعاذة به (سبحانه) من الشر.
والله (تعالى) أعلم.
70. يُقال أن الرؤيا تُفسَّر بالظن. والظن يُخطيء ويُصيب، فما معنى هذه العبارة؟ وإلى أي مدى ينبغي على الرائي أن يعتمد على الرؤى الصادقة وتفسيرها في تسيير أمور حياته؟
تُنسب هذه العبارة لمفسر الرؤى المسلم الشهير محمد بن سيرين (رحمه الله تعالى) (ت110هـ)، ومعناها أن تفسير الرؤيا دائماً يخضع لاحتمالات الصواب والخطأ، فليس هناك تفسير يقيني للرؤيا، بل هو اجتهاد يحاول فيه المفسر من خلال قواعد معينة الوصول إلى أفضل معنى ممكن للرؤيا، ومع ذلك، فإن هذه الاحتمالات ليست كلها بنفس الدرجة من القوة، فهناك رؤى يُحتمل بقوة وقوعها كما فُسرت، وهناك رؤى أضعف احتمالاً في وقوعها.(1/63)
وعلى المسلم أن ينتهج نهجاً وسطاً في التعامل مع الرؤى الصادقة، فمن ناحية يهتم بها، ولا يهملها، ويحاول الوصول لتفسيرها، ويستبشر بها، ويسأل الله (تعالى) أن تتحقق، وينتظر كرم الله (عزَّ وجلَّ) وفضله الذي بشره به (سبحانه) في الرؤيا، ومن ناحية أخرى، إذا كانت لديه أسباب معينة مشروعة للوصول إلى ما يريد تحقيقه من أمر لا يتعارض مع الإسلام، فليأخذ بهذه الأسباب، وليتوكل على الله (تعالى)، ولتكن الرؤيا حافزاً له على السعي الحلال، ودافعاً له. والله (تعالى) أعلم.
71. ما حقيقة قول بعض الأشخاص أن رؤاهم تتحقق عادة؟ وعلى أي أساس يبنون هذا الاعتقاد؟
تحقق رؤى الخير هو بلا شك نعمة كبيرة يمنحها الله (تعالى) لبعض عباده (نسأل الله تعالى أن نكون منهم)، وقد يلاحظ بعض الأشخاص أنهم يرون رؤى، ثم تتحقق كما رأوها، أو يُحتمل أن يكونوا ممن أنعم الله (تعالى) عليهم بفهم معاني الرؤى، فيقومون بتفسيرها، فيتحقق التفسير.
وعموماً، فعلى من لاحظ في نفسه هذه الأمور أن يحمد الله (عزَّ وجلَّ) على هذه النعمة العظيمة، وأن يدعوه (سبحانه وتعالى) أن يديمها عليه، وعليه أن يحرص على أن تكون هذه النعمة سبباً في قربه من الله (جل جلاله)، ولا تكون سبباً في اغتراره بنفسه. والله (تعالى) أعلم.
* * *
الباب الثالث
...
تفسير الرؤى الصادقة
72. ما معنى رموز الرؤيا؟
رموز الرؤيا جمع رمز، وكل جزء من أجزاء الرؤيا أو تفاصيلها يُسمَّى رمزاً سواء كان هذا الرمز شيئاً، أو شخصاً، أو فعلاً، أو قولاً، أو غير ذلك.
( مثال 1: رؤيا يوسف (عليه السلام) التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف : 4].
رموز هذه الرؤيا هي:
الكواكب ـ الرقم 11 ـ الشمس ـ القمر ـ السجود
((1/64)
مثال 2: رؤييا صاحبي يوسف (عليه السلام) في السجن التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف : 36]، (المقصود بالخمر هنا هو العِنَب).
رموز هذين الرؤيين هي:
الأولى: العِنَب ـ العصر
الثانية: الخُبز ـ الرأس ـ الحَمْل (الفِعل نفسه) ـ أعلى الرأس (مكان الفِعل) ـ الطير ـ أكل الطير من الخُبز
( مثال 3: رؤيا ملك مصر التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف : 43]، (عِجاف جمع عجفاء، أي نحيلة هزيلة).
رموز هذه الرؤيا هي:
البقرات ـ الرقم 7 ـ السمنة ـ النحافة ـ الأكل ـ السنابل ـ اللون الأخضر ـ اليبوسة
والله (تعالى) أعلم.
73. ما معنى تفسير الرؤيا؟
«تفسير الرؤيا» هو: إظهار، أو كشف، أو توضيح معناها.
أو هو: إسقاط رموز الرؤيا على أحداث الواقع.
ويُطلق عليه أيضاً: «تعبير الرؤيا»، و «تأويل الرؤيا»، و «عِبارة الرؤيا».
والله (تعالى) أعلم.
74. ما هي مناهج تفسير الرؤى؟
لتفسير الرؤى منهجان:
الأول: تفسير تفصيلي: وهو أن يقوم المفسر ببيان معنى الرموز في الرؤيا رمزاً رمزاً.
( مثال 1: شخص رأى أنه يركب طائرة، وأنه يأكل طعاماً، وأن بجواره كلباً.
التفسير: الطائرة = سفر، الطعام = رزق، الكلب = شخص وفي
الثاني: تفسير إجمالي: وهو أن يقوم المفسر باستنباط معنى عام من إجمالي سياق وأحداث الرؤيا دون النظر إلى معنى رمز بعينه.
((1/65)
مثال 2: شخص رأى أنه يغرق في البحر، ثم جاء رجل وأنقذه.
التفسير: حصول مشكلة ثم تنتهي بعد ذلك.
( مثال 3: شخص رأى أنه يريد دخول مكان، لكنه يعجز عن ذلك.
التفسير: عجز عن تحقيق أمر مراد.
( مثال 4: شخص رأى أن ثعباناً يحاول أن يلدغه، ولكنه فشل
التفسير: نجاة من أذى.
وكلا الطريقتين في التفسير مهمة، ويلجأ إلى كل منهما المفسرون في حالات مختلفة سيتم تناولها في هذا البحث بمشيئة الله تعالى. والله (تعالى) أعلم.
75. هل تفسير الرؤى عِلم؟ وما هو الدليل على ذلك؟
نعم، تفسير الرؤى عِلم، والدليل على ذلك هو الآتي:
1. قول الله (تعالى): {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} [يوسف : 6].
2. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «لا تُقَصُّ الرؤيا إلا على عالِمٍ أو ناصح» (حديث صحيح - رواه الترمذي).
والله (تعالى) أعلم.
76. هل لعلم تفسير الرؤى قواعد يمكن فهمها وتطبيقها؟ ومن أين جاءت هذه القواعد؟
نعم، لعلم تفسير الرؤى قواعد وأصول، وقد وُضعت هذه القواعد والأصول بناءً على الآتي:
1. ما جاء في السنة النبوية الشريفة مما دل صراحة على أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فسر الرؤى وفق قواعد
( مثال: حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رأيت ذات ليلة، فيما يرى النائم، كأنَّا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوَّلت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب» (رواه مسلم) [رُطَب ابن طاب هو نوع من التمر هكذا اسمه، ومعنى فأوَّلت: أي ففسَّرت الرؤيا].
وهذا الحديث فيه إشارة صريحة إلى أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد استخدم التشابه اللفظي أو الجِناس - كما يسميه اللغويون - لتفسير الرؤيا، فالتفسير بالعاقبة من كلمة «عُقبة»، والتفسير بالرفعة من كلمة «رافع»، والتفسير بأن الدِّين قد طاب من كلمة «ابن طاب».(1/66)
2. ما جاء في السنة النبوية الشريفة مما دل ضمناً على أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فسر الرؤى وفق قواعد:
مثال: ما جاء عن عبد الله بن سلام (رضي الله تعالى عنه) أنه رأى رؤيا، فقصها على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ ليفسرها له، قال: «رأيت كأني في روضة، ووسط الروضة عمود، في أعلى العمود عروة»، فقيل لي: «ارقه»، قلت: «لا أستطيع»، «فأتاني وصيف، فرفع ثيابي، فرقيت، فاستمسكت بالعروة، فانتبهت وأنا مستمسك بها، فقصصتها على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) »، فقال: «تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت» (متفق عليه).
وفي هذا الحديث إشارة ضمنية أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فسر الرؤيا قياساً على معاني آيات القرآن الكريم، كما يظهر من تفسير «العُروة» بأنها «عروة الوثقى»، وبأن معناها الإسلام، وقد ذُكِر هذا التعبير في القرآن الكريم بمعنى الإسلام في قول الله (تعالى): {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة : 256].
3. ما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) مما دل ضمناً على أن كلام الوحي معمول به في تفسير الرؤى:
مثال: قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «اللبن في المنام فطرة» (حديث حسن - صحيح الجامع)، فيظهر من هذا الحديث أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فسر اللبن في المنام بأنه فطرة بناء على كلام قاله له جبريل (عليه السلام)، قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة» (حديث صحيح – صحيح الجامع)، وفي هذا دليل على أن كلام الوحي عموماً معمول به في تفسير الرؤى، (وهل كلام الوحي إلا قرآن أو سُنَّة؟).(1/67)
4. ما يمكن استنباطه من قواعد ضمنية لتفسير الرؤى من خلال الرؤى المفسرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
مثال: الرؤيا التي رآها ملك مصر الهكسوسي في عهد النبي يوسف (عليه السلام)، والتي جاءت في قول الله (تعالى) على لسان الملك: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [ يوسف: 43 ]، وهذه الرؤيا قد فسرها له يوسف (عليه السلام) بأن لها علاقة بالوضع الاقتصادي في البلد، كما جاء في قول الله (تعالى) على لسان يوسف (عليه السلام): {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [ يوسف: 47 ].
وبالربط بين الرؤيا والتفسير نجد أن البقر والسنابل هي كنايات عن الوضع الاقتصادي؛ لأن الاقتصاد في مصر وقتها كان يعتمد على زراعة القمح والثروة الحيوانية، وبالتالي، فـ «الكناية» هي قاعدة من القواعد التي تُفسر على أساسها الرؤيا، وهكذا يتم استنباط قواعد تفسير الرؤى بهذه الطريقة. والله (تعالى) أعلم.
77. هل لكل رمز من رموز الرؤيا الصادقة تفسير بالضرورة؟
نعم لكل رمز من رموز الرؤيا الصادقة تفسير؛ لأنها من الله (تعالى)، والله (عزَّ وجلَّ) لا يخلق شيئاً في الرؤيا بدون حكمة وهدف، ولكن قد يفهم مفسر الرؤى معنى هذا الرمز أو لا يفهمه؛ لأسباب بعضها يرجع إلى درجة عِلم المفسر، وبعضها الآخر يرجع إلى درجة الوضوح أو الغموض الطبيعي في الرؤيا نفسها. والله (تعالى) أعلم.
78. هل يعتبر علم تفسير الرؤى من العلوم الشرعية؟ وهل يوجد ما يسمى بالتفسير الشرعي للرؤى؟(1/68)
العلوم الشرعية هي العلوم التي ترتبط بالقرآن الكريم أو بالسنة النبوية الشريفة، وهي كثيرة، ومنها: علم التفسير (أي تفسير القرآن الكريم)، وعلم الفقه (أي استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة)، وغير ذلك من علوم الشرع.
وبما أنه قد ثبت ارتباط تفسير الرؤى وقواعده بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فيمكن اعتبار علم تفسير الرؤى من العلوم الشرعية، وبالتالي، فالتفسير الشرعي للرؤى هو التفسير القائم على قواعد مُستنبطة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، أما التفسير غير الشرعي لها فهو القائم على غيرهما، كعلم النفس، أو الديانات الوثنية، أو غير ذلك. والله (تعالى) أعلم.
79. ما هي أهمية علم تفسير الرؤى؟ وهل يحتاج إليه المسلمون؟
علم تفسير الرؤى هو من أهم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون نظراً للأهمية الكبيرة التي منحتها الشريعة الإسلامية للرؤى الصادقة، فهذه الرؤى من الله (عزَّ وجلَّ)، وهي صلة بين المسلم وبين ربه (سبحانه وتعالى)، وهي المبشرات الباقيات من بعد النبوة بكل خير في الدنيا والآخرة، وكذلك، فقد حثَّ النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) على تفسيرها، يقول (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها، و ليخبر بها. وإذا رأى الرؤيا القبيحة، فلا يفسرها، و لا يخبر بها» (حديث صحيح – صحيح الجامع). والله (تعالى) أعلم.
80. ما هو الحُكم الشرعي لتعلُّم تفسير الرؤى؟
بما أن تفسير الرؤى هو من الأمور المهمة التي حث عليها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فإن تعلمها والقيام بها هو واجب على كل مسلم يجد في نفسه الموهبة والإمكانية لتعلمها وخدمة المسلمين بها، خاصة وأن احتياج المسلمين لهذا العلم شديد مع قلة عدد القادرين على القيام به. والله (تعالى) أعلم.
81. هل يُعتبر تفسير الرؤى من الفتوى؟ أم أن الفتوى شيء آخر مختلف عن ذلك؟(1/69)
قال بعض العلماء في بيان أهمية وخطورة تفسير الرؤى أنه يُعتبر من الفتوى استناداً إلى قول الله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]، ولتوضيح هذه المسألة، يمكن القول بأن هناك نوعين أساسيين من الفتوى، الأول: هو الفتوى في أمور الدين، ويختص هذا النوع من الفتوى بإعلام المسلمين بما خفي عليهم من مراد الله (عزَّ وجلَّ) منهم، وهذا عمل لا يقوم به إلا المتخصصون من عُلماء الدين، والثاني: هو الفتوى في أمور المعيشة، ويختص هذا النوع من الفتوى بإعلام الناس بما خفي عليهم من أمور دنياهم، وهذا عمل يقوم به عُلماء الدنيا، كلٌ في مجاله، فالطب، والهندسة، واللغات، والصنائع، وغيرها كلها مجالات للفتوى.
أما الفتوى الخاصة بالرؤى، فالظاهر أنها نوع ثالث مستقل بذاته من الفتوى غير هذين النوعين، فلا هي فتوى شرعية بالمعنى المعروف، ولا هي فتوى في أمور المعيشة، ولكن هو عمل له خصوصية شديدة، لا يقوم به إلا قلة من المتخصصين فيه.
والرؤى الصادقة - كما تبين سابقاً - عظيمة الشأن، فهي رسالة من الله (تعالى) إلى الإنسان، وإذا لم يقم بتفسيرها من يحسن ذلك، فقد يتسبب التفسير الخطأ في أذى نفسي أو مادي لرائيها، وبالتالي، قال علماؤنا بأنها نوع من أنواع الفتوى في إشارة إلى أن تفسيرها أمانة ومسؤلية كبيرة يُحاسب عليها من يقوم بها بين يدي الله (تعالى)، فلا ينبغي أن يتصدى لهذا العمل إلا من يُحسِنه أو على الأقل من يمتلك الحد الأدنى من مؤهلاته. والله (تعالى) أعلم.
82. ما هي خصائص علم تفسير الرؤى؟
لعلم تفسير الرؤى خصائص عامة تميزه عن غيره، أهمها:
1. يعتمد في الأساس على القرآن والحديث: فقواعده كلها قائمة على الأصول الإسلامية الصحيحة.(1/70)
2. سريع التبدل والتغير: فرغم أن قواعده ثابتة لا تتغير إلا أنه علم مفتوح حيث تتغير تفاصيله باستمرار بتغير الأشخاص، والأحوال، وتطور الأزمان، وتغير دلالات الأشياء.
3. لا يؤدي إلى نتائج يقينية: فنتائجه التي يتوصل إليها - من تفسير للرؤى - تكون دائماً احتماليه سواء كانت هذه الاحتمالات قوية أو ضعيفة.
4. يحتاج لموهبة خاصة لممارسته: فعلى الرغم من أن قواعده معلومة، وممكنة الفهم والتدريس لكل شخص إلا أن ممارسته وتطبيقه في حاجة إلى استعداد شخصي خاص عند من يمارسه لا يهبه الله (تعالى) إلا لأشخاص قليلين.
والله (تعالى) أعلم.
83. لماذا لا توجد مدارس أو جامعات لتدريس علم تفسير الرؤى؟
لا توجد مدارس أو جامعات لتدريس علم تفسير الرؤى؛ لندرة الموهوبين القادرين على القيام بهذا العمل، إلى جانب عدم وجود مراجع وبحوث علمية قوية في هذا العلم بحيث تشكل منهجاً مُفيداً يُمكن تدريسه للجادِّين من طلبة العلم. والله (تعالى) أعلم.
84. لماذا لا يُقبِل الباحثون الشرعيون على البحث والتأليف في علم تفسير الرؤى؟
يرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:
1. عدم تعلق هذا العلم بالأحكام الشرعية من حلال، وحرام، ومستحب، ومكروه، وتكاليف يترتب عليها ثواب وعقاب، وبالتالي، يقل إقبال الباحثين عليه عن غيره من العلوم الشرعية.
2. ندرة مراجع وأصول هذا العلم، وضعف وفوضى الموجود منها، وامتلائه بالخرافات، والفلسفة، وكلام بعيد عن الدين، بل حتى عن العقل، وهذا يتنافى مع ما يُفضله أغلب الباحثين، حيث يفضلون البحث في المواضيع التي تكثر فيها المراجع والمصادر القوية، والمحترمة، والموثوق بها.
3. عدم وجود علماء كبار، متخصصين، معروفين في علم تفسير الرؤى، أو ندرتهم، فلا يجد الباحث في هذا العلم من يلجأ إليهم من أهل التخصص والخبرة؛ ليساعدوه.(1/71)
4. مجال غير مطروق، وشائك، وغير مألوف، والجهل العام به كبير جداً، ويُحتمل لمن يخوض فيه أن يتعرض لكثير من الانتقاد، وأن يجد نفسه وحيداً في الساحة، عكس بقية العلوم الشرعية.
5. عدم الاعتراف به كعلم أكاديمي يمكن تدريسه أو الحصول على الشهادات فيه مثل بقية العلوم الشرعية.
6. صعوبة التعامل معه حيث يحتاج لموهبة خاصة في ممارسته لا تتوافر لدى كثير من الناس.
والله (تعالى) أعلم.
85. هل يستطيع المسلم تعلُّم تفسير الرؤى وقواعده؟ أم أن دراسة هذا العلم غير ممكنة؟
ساد الاعتقاد لقرون طويلة أن علم تفسير الرؤى هو علم مغلق على نخبة من المسلمين أصحاب فراسة (أي نور يقذفه الله تعالى في قلب الإنسان يُدرِك به الصواب)، وأن تدريسه ودراسته مسألة غير ممكنة (الشرح الصغير)، وهذا الاعتقاد خطأ من وجه، وصواب من وجه آخر، فهو خطأ؛ لأن علم تفسير الرؤى ذو قواعد وأصول واضحة كما تقدم ذكر الدليل على ذلك، وكما سيتم تناولها بالتفصيل في هذا الكتاب (بمشيئة الله تعالى)، أما وجه الصواب في هذا الكلام فهو أن قواعد هذا العلم تحتاج إلى موهبة خاصة حتى يستطيع المسلم استخدامها وتطبيقها بشكل جيد. فالخلاصة، أن تعلم قواعد تفسير الرؤى سهل، أما تطبيقها فيصعب على كثير من المسلمين. والله (تعالى) أعلم.
86. هل يكون للرؤيا أكثر من تفسير؟ أم ليس لها إلَّا تفسير واحد فقط؟
للرؤيا تفسير صحيح واقع، وتفسير مُحتمل، وتفسير خطأ. فأما التفسير الخطأ فهو التفسير الذي لا يقوم على أي أساس أو قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى، أو هو التفسير الذي أخطأ فيه المفسر في استخدام القاعدة، فلم يطبقها التطبيق الصحيح.(1/72)
أما التفسير المُحتمل للرؤيا فهو تفسير واحد من ضمن عدد من التفاسير لرؤيا واحدة يستندوا كلهم إلى القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى، وبالتالي، يمكن أن ينطبقوا كلهم على الرؤيا، وهذه التفاسير تسمى تفسيرات احتمالية للرؤيا أو احتمالات لمعنى الرؤيا، وقد يكون للرؤيا الواحدة أكثر من تفسير يقومون كلهم على قواعد صحيحة، ويُحتمل تحقق أي واحد منهم.
أما التفسير الصحيح الواقع فهو تفسير واحد فقط من بين التفسيرات المُحتملة للرؤيا، وهو المعنى المقصود بها، وهو المُتحقق فعلاً من بين احتمالاتها.
مثال: شخص رأى في منامه طِفلاً صغيراً، ففي هذه الرؤيا لدينا ثلاثة أنواع من التفاسير.
الأول: تفسير خطأ: كأن يقول لك المفسر مثلاً أن الطفل معناه في الرؤيا مُصيبة، فنسأله كيف وصلت إلى هذا التفسير؟ فإن لم يكن هذا التفسير قائماً على قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى، أو لم يكن ناتجاً عن تطبيق صحيح لهذه القواعد - قلنا عنه تفسيراً خطأ، أو تفسيراً غير مُحتمل، أو غير صحيح، أو غير واقع، ولم نقبله.
الثاني: تفسير مُحتمل: كأن يقول لك المفسر مثلاً أن الطفل في المنام يُحتمل أن يدل على مسئولية، أو على نِعمة من الله (تعالى)، أو على عمل صغير تقوم به، فنسأله عن القاعدة أو الأساس الذي بنى عليه هذه الاحتمالات في تفسير الرؤيا، فإذا وجدنا أنه استخدم القاعدة الصحيحة للتفسير، وطبقها تطبيقاً صحيحاً على كل هذه التفسيرات قبلناها كلها، وأصبح كل واحد منها تفسيراً احتمالياً للرؤيا، أي احتمالي التحقق والوقوع.
الثالث: تفسير صحيح واقع: وهذا التفسير هو واحد فقط من الاحتمالات السابقة لتفسير الرؤيا، وهو الذي يتحقق فعلاً من بينها، ويكون هو المعنى المقصود بالرؤيا، ولعلماء التفسير قواعد لترجيح المعنى الأقرب إلى الصحة والوقوع في الرؤيا من بين الاحتمالات المختلفة، وسوف نتناول هذه القواعد في سياق هذا الكتاب بمشيئة الله (تعالى).(1/73)
ومن ضمن الأمثلة المشهورة لهذه الأنواع من التفسيرات أيضاً:
1. تفسير خطأ: تفسير أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) لرؤيا في حضرة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)، حيث قال له النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بخصوص تفسيره: «أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً» (متفق عليه).
2. تفسير احتمالي: تفسير النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) لرؤيا، لم يشأ الله (تعالى) أن يكشف له (صلَّى الله عليه وسلَّم) تفسيرها الواقع، يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هجر. فإذا هي المدينة يثرب» (متفق عليه)، (ومعنى ذهب وهَلَي: ظننت أو اعتقدت)، فيظهر هنا رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) لأرض بها نخل، ويظهر كذلك تفسيران احتماليان، وهما: المدينة أو هَجَر، وكلاهما يستند إلى القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى، وكلاهما محتمل الوقوع، وكذلك فالمدينة (يثرب) هو تفسير احتمالي للرؤيا، مثل اليمامة وهَجَر.
3. تفسير واقع: وهو التفسير الذي تحقق من ضمن التفسيرات الثلاثة السابقة (اليمامة، وهجر، ويثرب)، وهو المدينة (يثرب).
والله (تعالى) أعلم.
87. إذا فسرت الرؤيا بأكثر من تفسير فأي واحد يتحقق؟ وهل صحيح أن التفسير الأول فقط هو الذي يتحقق؟
هناك خمسة أقوال في هذه المسألة:(1/74)
1. يتحقق التفسير الأول للرؤيا مطلقاً، ولا يتحقق أي تفسير آخر بعده: ومعنى ذلك، أنه بمجرد أن يقوم شخص بتفسير الرؤيا على معنى معين يثبت عليها هذا التفسير، ويكون هو المعنى المتحقق لها. وقد استند من قالوا بهذا الكلام إلى ظاهر معنى حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إن الرؤيا تقع على ما تُعبَّر، ومَثَلُ ذلك مثل رجل رفع رِجلَيه فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يُحَدِّث بها إلا ناصحاً أو عالماً» (حديث صحيح -صحيح الجامع)، وقال بعض أصحاب هذا القول بأن القَدَر يسوق للرؤيا من يفسرها أول تفسير، فتتحقق عليه (مرقاة المفاتيح).
2. يتحقق التفسير الأول للرؤيا بشرط أن يكون مُحتملاً، وإلا فلا: ومعنى ذلك أن التفسير الأول يتحقق إذا كان مما تحتمله رموز الرؤيا، أي الذي يقوم على قاعدة صحيحة من قواعد تفسيرها، أما إن كان التفسير خاطئاً، وغير مُحتمل، ولا يستند إلى أية قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى، فلا يتحقق، ولكن، يتحقق أول تفسير مُحتمل بعده، فإن لم يكن الذي بعده محتملاً، تحقق الذي بعده من التفسير المُحتمل، وهكذا.
وقد استند من قالوا بهذا الكلام إلى قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) لأبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) عندما فسر رؤيا في حضرة النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً» (متفق عليه)، فاستنتجوا من ذلك أن التفسير الخطأ لا يتحقق، ولو كان أول تفسير.
وقد حاول أصحاب هذا القول بذلك التوفيق بين الحديث المستند إليه في القول الأول والحديث المستند إليه في القول الثاني معاً. فالحديث الأول صحيح، ولكن قيده وحدده الحديث الثاني حسب قولهم.(1/75)
ومع ذلك، فهناك إشكال في القول الأول والثاني، وهو أنه إذا ما افترضنا أن أياً منهما صحيح، فبناء على ذلك، يستطيع الإنسان أن يعرف الغيب بشكل يقيني لا شك فيه من خلال الرؤيا بمجرد أن يتم تفسيرها أول تفسير أو أول تفسير محتمل، وهذا غير ممكن؛ لأن الغيب اليقيني لا يعلمه إلا الله (عزَّ وجلَّ) وحده لا شريك له (سبحانه وتعالى).
3. تتحقق الرؤيا على الخير أو الشر في أول تفسير دون شرط أن تتحقق تفاصيل هذا التفسير الأول: ومعنى ذلك أن الرؤيا إذا فسرت أول مرة على خير تحققت على الخير، ولكن على أي خير محتمل، وليس بالضرورة الخير الذي ذكره المفسر في التفسير الأول، فمثلاً، إذا فسر مفسر رؤيا تفسيراً أولاً على أنها بشرى بزواج، فهذا أول تفسير للرؤيا على احتمال خير، وبالتالي، تقع الرؤيا على الخير عموماً، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الخير زواجاً كما قال المفسر الأول، فقد يكون زواجاً كما قال، أو قد يكون خيراً آخر، وبالمثل، إذا فسر مفسر رؤيا تفسيراً أولاً على أنها إنذار بمرض خطير (عياذاً بالله تعالى)، فهذا أول تفسير للرؤيا على احتمال شر، وبالتالي، تتحقق الرؤيا على الشر، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الشر مرضاً خطيراً كما قال المفسر الأول، فقد يكون كذلك، أو قد يكون أي شر آخر.
ويستند هذا القول إلى حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها» (حديث حسن - فتح الباري)، وكذلك، حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب» (متفق عليه)(1/76)
فقال أصحاب هذا القول بأن الرؤيا إذا فُسرت على خير، تحققت على خير، وإذا فسرت على شر، تحققت على شر، وذلك استناداً إلى نص الحديث السابق الأول، ولكن، ليس بالضرورة أن تتحقق الرؤيا على احتمال الخير (أو الشر طبعاً) الذي ذكره المفسر الأول، وذلك استناداً إلى نص الحديث السابق الثاني، حيث فُسرت الرؤيا تفسيراً أولاً مُحتملاً على الخير (اليمامة أو هَجَر)، فوقعت على الخير، ولكن على خير آخر مما يحتمله تفسير الرؤيا غير المذكور في التفسير الأول.
وهذا القول هو محاولة لتلافي الإشكال في القولين الأول والثاني، فهو من جهة يثبت وقوع التفسير الأول للرؤيا، ومن جهة أخرى ينفي أن تكون الرؤيا مصدراً للعلم بالغيب اليقيني، فيؤكد على دخول الظن والاحتمال في تفسيرها، وهذا القول أقوى وأفضل من سابقيه.
4. للرؤيا تفسير واحد فقط هو الذي يتحقق، وليس بالضرورة أن يكون أول تفسير، ولا حتى أول تفسير محتمل: لهذا القول شعبية كبيرة بين مفسري الرؤى، وقد استند من قال به إلى حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وَهْلي إلى أنها اليمامة أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب» (متفق عليه)، فقال أصحاب هذا القول أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد فسر هذه الرؤيا تفسيراً أولاً ومحتملاً (اليمامة أو هَجَر)، ومع ذلك، فلم يشأ لها الله (تعالى) أن تتحقق عليه، وبالتالي، فلكل رؤيا تفسير واحد، صحيح، متحقق، وليس بالضرورة أن يكون أول تفسير، ولا حتى أول تفسير مُحتمل.(1/77)
5. جميع الأقوال السابقة تستند إلى أدلة صحيحة، وبالتالي، فكلها مُحتملة الصحة، وعلى المسلم أن يحسن الظن بالله (تعالى)، وألا يقص رؤياه إلا على عالم أو حبيب: ومعنى ذلك أن جميع الأقوال السابقة يُحتمل أن يصح بعضها أحياناً، ويُحتمل أن يصح البعض الآخر أحياناً أخرى، فقد يتحقق أول تفسير للرؤيا أحياناً، وقد لا يتحقق في أحيانٍ أخرى، وقد تتحقق الرؤيا على أول احتمال خير أو شر أحياناً، وقد يكون لها تفسير واحد صحيح تتحقق عليه في أحيانٍ أخرى.
وواجب المسلم دائماً في التعامل مع الرؤى أن يحسن الظن بالله (تعالى)، وأن يعلم أن الله (عزَّ وجلَّ) لا يريد لعباده المسلمين الموحدين إلا الخير في الدنيا والآخرة، وأن يعلم كذلك، أن المسلم الصالح يتقلب دائماً من خير إلى خير بفضل الله (جل جلاله)، وكرمه، وتوفيقه (سبحانه)، فلا ينبغي لرؤيا أن تغير هذا المعتقد أبداً عند المسلم مهما كان ظاهرها سيئاً.
وينبغي للمسلم أن يدرك أن رؤياه أن لم تتحقق على الخير الذي يتوقعه، فستتحقق بفضل الله (تعالى) وكرمه (سبحانه) على خير أفضل مما يتوقعه، وهذا هو شأن المولى الكريم (سبحانه وتعالى) مع عباده المسلمين، الموحدين، الصالحين.
وكذلك ينبغي للمسلم - بعد أن أدرك ما قد يكون لتفسير الرؤى من خطورة - أن يحرص على ألا يقص رؤياه إلا على عالِم أو حبيب كما علَّمنا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم). والله (تعالى) أعلم.
88. هل هناك وقت مُعيَّن يُفضَّل تفسير الرؤيا أو السؤال عنها فيه؟
قيل أن أفضل الأوقات للسؤال عن الرؤيا وتفسيرها هو بعد صلاة الصبح؛ لما روي عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه كان إذا صلى الصبح أقبل بوجهه الشريف على الناس قائلاً: «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا ؟» (متفق عليه).
وقيل كذلك في فضل هذا الوقت أنه أكثر وقت يتذكر فيه المسلم رؤياه؛ لأن الذهن يكون في أكثر حالات صفائه بعد الاستيقاظ في هذا الوقت.(1/78)
ومع ذلك، فليس هناك دليل قاطع على أفضلية هذا الوقت عن غيره في السؤال عن الرؤيا، كما لا يوجد دليل أيضاً على أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد خصص هذا الوقت فقط دون غيره للسؤال عن الرؤيا، أو أنه (صلَّى الله عليه وسلَّم) قد ذكر صراحة أنه أفضل الأوقات في السؤال عن الرؤيا.
وكذلك، فليس بالضرورة أن يكون هذا الوقت هو أفضل الأوقات التي يتذكر فيها المسلم رؤياه، فقد ينام المسلم في أي وقت من اليوم، ويرى رؤى، ويكون تَذَكُّرُه لها أفضل بعد يقظته مباشرة، وليس بالضرورة بعد صلاة الصبح. والله (تعالى) أعلم.
89. لماذا تأتي الرؤى مرموزة عادةً؟
من خلال الرؤى المذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إلى جانب التجربة والخبرة يمكن القول بأن الأصل في الرؤى أنها تأتي مرموزة، بينما الاستثناء هو أن تأتي مباشرة.
ويُحتمل أن تكون الحكمة الإلهية في ذلك:
أولاً: ألا تُخبر الرؤيا بالغيب اليقيني، المطلق، الذي لا شك فيه، وألا يكون العلم به إلا لله (عزَّ وجلَّ) وحده لا شريك له، وذلك لأن الرؤيا إذا ما جاءت مُباشِرة، فسوف يعرف الإنسان منها الغيب يقيناً، أما إذا جاءت مرموزة، دخل فيها الظن، والاحتمال، ودرجة معينة من عدم وضوح المعنى تختلف من رؤيا لأخرى.
ثانياً: أن يكون قلب المسلم دائماً متعلقاً بالله (تعالى)، متوكلاً عليه (سبحانه)، مُتطلعاً إلى رحمته (عزَّ وجلَّ)، مُقبلاً عليه (جل جلاله) بالدعاء والتضرع، وألا تستقر في القلب أحاسيس سلبية تؤثر على هذه العبادات القلبية، تلك الأحاسيس التي قد تتولد إذا ما علِم المسلم ما سوف يحدث له في المستقبل يقيناً دون أي شك. والله (تعالى) أعلم بحكمته في الأمور كلها.
90. ما هي الفكرة الأساسية التي يتم تفسير الرؤى الصادقة بِنَاءً عليها؟(1/79)
تقوم هذه الفكرة على أساس أنه من الثابت شرعاً أن للرؤى الصادقة علاقة أو ارتباط ما بأحداث الواقع حيث تشير رموز الرؤى إلى معاني واقعية، وبالتالي، يتركز أغلب البحث في هذا المجال على محاولة اكتشاف القواعد التي يقوم عليها هذا الارتباط، والتي بناء عليها يمكن الربط بشكل صحيح بين رموز الرؤى وأحداث الواقع.
مثال: شخص رأى في الرؤيا أباه المتوفى، فهذا رمز في الرؤيا له ارتباط بالواقع، فهو يدل على معنى واقعي في حياة رائيه، ولكن، لكي نفهم هذا المعنى، لابد أن نعرف ما هي القاعدة التي يمكن من خلالها الربط الصحيح بين هذا الرمز وبين أحداث الواقع في حياة الرائي حتى نستطيع أن نقول أن الأب المتوفى في الرؤيا يدل لهذا الرائي على كذا في الواقع، ويكون تفسيرنا صحيحاً. والله (تعالى) أعلم.
91. كيف تتم عملية تفسير الرؤى باستخدام أسلوب التفسير التفصيلي؟
تتم عملية تفسير الرؤى تفصيلاً على نوعين من القواعد، وهما: القواعد الأساسية وقواعد الترجيح.
1. القواعد الأساسية: وهي التي يمكن من خلالها معرفة معنى الرمز عموماً دون أن يكون مرتبطاً برؤيا معينة، وقد يكون للرمز أكثر من معنى محتمل.
( مثال: المرأة في الرؤيا قد تدل على الدنيا، وذلك بناء على قاعدة معينة من قواعد تفسير الرؤى.
والمرأة في الرؤيا قد تدل على الفتنة، وذلك بناء على قاعدة معينة من قواعد تفسير الرؤى
والمرأة في الرؤيا قد تدل على الضعف، وذلك بناء على قاعدة معينة من قواعد تفسير الرؤى
والمرأة في الرؤيا قد تدل على الزوجة، وذلك بناء على قاعدة معينة من قواعد تفسير الرؤى...إلخ
2. قواعد الترجيح: وهي التي يتم على أساسها ترجيح تفسير واحد من التفاسير المحتملة لرمز ما في رؤيا معينة.
((1/80)
مثال: المرأة في الرؤيا قد تدل عموماً على أشياء كثيرة ذكرناها سابقاً، لكن لو افترضنا أن شخصاً رأى امرأة في رؤيا معينة، فماذا تعني هذه المرأة في هذه الرؤيا بالتحديد؟ هل هي دنيا، أم فتنة، أم ضعف، أم زوجة؟ وبناء على أية قاعدة تم هذا الترجيح لمعنى معين من بين هذه المعاني؟
وسوف يتم تناول هذه القواعد في سياق الكتاب بمشيئة الله (تعالى).
والله (تعالى) أعلم.
92. كيف تتم عملية تفسير الرؤى باستخدام أسلوب التفسير الإجمالي؟
تتم عملية تفسير الرؤى إجمالاً باستنباط المفسر لوصف أو معنى عام يجمع ما بين رموز الرؤيا معاً، بصرف النظر عن معنى رمز معين فيها:
( أمثلة:
1. شخص رأى أنه يعطي طفلة مسكينة قطعة حلوى.
التفسير الإجمالي: إحسان.
2. شخص رأى أن يتصارع مع شخص آخر ويتشاتمان.
التفسير الإجمالي: عداوة.
3. شخص رأى أن يجلس في فصل دراسي، ويمسك كتاباً، ويسأل المعلم.
التفسير الإجمالي: طلب علم.
4. شخص رأى النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) يبتسم له.
التفسير الإجمالي: خير مقبل.
5. شخص رأى أن أباه الذي يحبه قد مات.
التفسير الإجمالي: هموم.
6. شخص رأى نفسه يتكلم في الهاتف.
التفسير الإجمالي: اتصالات وعلاقات.
7. شخص رأى نفسه يغرق في البحر ثم نجى في النهاية.
التفسير الإجمالي: هموم يعقبها فرج.
8. شخص رأى نفسه يعانق شخصاً آخر ويقبِّلُه.
التفسير الإجمالي: مودة.
ولا شك أن هذا النوع من التفسير يحتاج بعد توفيق من الله (تعالى) إلى الموهبة، والمهارة، والتدريب حتى يستطيع المفسر أن يتقنه، أما التفسير التفصيلي فهو أسهل نسبياً بفضل الله (تعالى). والله (تعالى) أعلم.
93. كيف يتم تفسير الرؤى بآيات القرآن الكريم؟
يتم تفسير الرؤيا بآيات القرآن الكريم بحسب ارتباط رموز الرؤيا بالآيات الكريمة كالتالي:
1. التشبيه: ومعناه أن يكون القرآن قد ضرب مثلاً لشيء بتشبيهه بشيء آخر.(1/81)
مثال 1: تشبيه من يعبدون غير الله (تعالى) أو المشركين بالعنكبوت، كما في قول الله (تعالى): {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت : 41]، فبناء على هذا التشبيه في الآية الكريمة، يُحتمل أن تدل رؤيا العنكبوت على شخص مشرك أو غير مسلم.
مثال 2: تشبيه الإنفاق في سبيل الله (تعالى) بالسبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، كما في قول الله (تعالى): {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة : 261]، فبناء على هذه الآية الكريمة، يُحتمل أن تدل رؤيا السبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة على الإنفاق في سبيل الله (تعالى).
مثال 3: تشبيه أعمال الكافرين عند الله (تعالى) بأنها كالرماد الذي تحركه الريح الشديدة (أي لا قيمة لها، ولا وزن، وغير مقبولة عند الله تعالى)، كما في قول الله (تعالى): {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم : 18]، فبناء على هذه الآية الكريمة، يُحتمل أن يدل الرماد الذي تحركه الريح الشديدة في الرؤيا على أعمال غير مقبولة عند الله (تعالى) (والعياذ بالله عزَّ وجلَّ).
مثال 4: تشبيه الرجل الجميل بالمَلَك، كما في قول الله (تعالى): {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31]، فبناء على هذه الآية الكريمة، يُحتمل أن يدل المَلَك في الرؤيا على رجل جميل.
(((
2. الاستعارة: وهي نوع من أنواع التشبيه أكثر تعقيداً من السابق، ومن أنواع الاستعارة: التصريحية والمكنيَّة.(1/82)
فأما التصريحية: فهي التي يتم فيها تشبيه شيء بشيء آخر ثم يُذكَر المُشبه به فقط دون المُشبَّه.
مثال 1: قول الله (تعالى): {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [البقرة: 275]، في هذه الاية الكريمة تشبيه للكفر بالظلمات وللإسلام بالنور، والمُشبه به هنا «النور والظُلُمات» مذكور، والمُشبَّه «الإسلام والكفر» غير مذكور، فهذه استعارة تصريحية، وبناء على ذلك، يُحتمل أن تدل الظلمات في الرؤيا على الكفر، بينما يدل النور على الإيمان.
مثال 2: قول الله (تعالى): {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)} [سورة فاطر]، في هذه الآية الكريمة تشبيه للجنة بالظل، وللنار بالحرِّ، ولكن، حُذف المُشبَّه «الجنة والنار»، وذُكر المُشبَّه به «الظِّل والحرور»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل الظل والحرُّ في الرؤيا على الجنة والنار.
مثال 3: قول الله (تعالى): {وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [فصلت:12]، في الآية الكريمة تشبيه للنجوم بالمصابيح، والمُشبه به هنا «المصابيح»، وهو مذكور، بينما المُشبَّه «النجوم»، وهو غير مذكور، فهذه استعارة تصريحية، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل المصباح في الرؤيا على النجم.
مثال 4: قول الله (تعالى): {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة:6]، في الآية الكريمة تشبيه للإسلام بالطريق المُستقيم، فحُذف المُشبَّه «الإسلام»، وذُكِر المُشبَّه به «الصراط المستقيم»، وبناءً على ذلك، يُحتمل أن يدل الطريق المستقيم في الرؤيا على الإسلام.
(((
وأمَّا الاستعارة المكنيَّة: فهي التي يتم فيها حذف المشبَّه به، والاكتفاء بذكر صفة من صفاته.(1/83)
مثال 1: قول الله (تعالى): {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} [مريم:4]، فهذا تشبيه لانتشار الشيب في الشعر بالنار، فحُذف المُشبَّه به «النار»، ثم ذُكرت صفة من صفاتها «الاشتعال»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن تدل رؤيا النار المشتعلة في الرؤيا على الشيب في الرأس.
مثال 2: قول الله (تعالى): {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:8]، فهذا تشبيه لجهنم (والعياذ بالله تعالى) بالشخص المغتاظ الذي يكاد يتمزق من شدة الغضب (أي على الكفار)، فحُذف المُشبَّه به «الشخص»، وذُكرت صفة من صفاته «الغيظ»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل الغيظ أو الشخص المغتاظ في الرؤيا على العذاب الشديد أو على جهنم (والعياذ بالله تعالى).
مثال3: قول الله (تعالى): {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13]، فهذا تشبيه للعذاب بسائل ينصَبُّ، فحُذف المُشبَّه به «السائل»، وذُكِرت صفة من صفاته «الانصباب»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل السائل المُنصبُّ في الرؤيا على العذاب.
مثال 4: قول الله (تعالى): {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38]، فهذا تشبيه للشمس بشخص يجري، فحُذف المُشبه به «الشخص»، وذُكرت صفة من صفاته «الجري»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل شخص يجري في الرؤيا على الشمس.
مثال 5: قول الله (تعالى): {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف : 175]، فهذا تشبيه للشخص الذي يترك الإسلام (والعياذ بالله تعالى) بشيء ينسلخ، والانسلاخ هو صفة للزواحف كالثعبان الذي ينسلخ من جلده، ففي الاستعارة في الآية الكريمة، حُذف المشبه به «الثعبان»، ثم ذُكرت صفة من صفاته «الانسلاخ»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل الانسلاخ في الرؤيا على معنى ترك الإسلام (والعياذ بالله تعالى).
((((1/84)
الكناية: وهي لفظ يُقال للدلالة على معنى آخر يترتب عليه أو يُفهم منه بالضرورة.
مثال 1: قول الله (تعالى): {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [البقرة:10]، كلمة «مرض» هنا كناية عن فساد القلب بما فيه من نفاق أو شك، ولا تدل على مرض عضوي كما يُفهم من ظاهر الكلام، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل مرض القلب العضوي في الرؤيا على النفاق.
مثال 2: قول الله (تعالى): {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7]، كلمة «غِشاوة» هنا كناية على الضلال وعدم إدراك الحق، ولا تدل على غطاء مادي على البصر كما يُفهم من ظاهر الكلام، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل الغطاء على العين في المنام على الضلال.
مثال 3: قول الله (تعالى): {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:149]، تعبير «سُقِطَ في أيديهم» هو كناية عن الندم، ولا يدل على سقوط شيء مادي في اليد كما يُفهم من ظاهر الكلام، وبناءً على ذلك، فقد يدل سقوط شيء في اليد في الرؤيا على الندم.
مثال 4: قول الله (تعالى): {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} [الإسراء:29]، تعبير «اليد المغلولة إلى العُنُق» لا يدل على يد مربوطة في الرقبة فعلاً، بل هو كناية عن البخل، أمَّا تعبير «اليد المبسوطة» فكذلك لا يدل على يد مبسوطة فعلاً، بل هو كناية عن إنفاق المال، وبناء على ذلك، يُحتمل أن تدل اليد المربوطة في الرقبة أو اليد المبسوطة إذا جاءا في الرؤيا على البُخل أو الإنفاق.
... ... (((
3. الجِناس: وهو التطابق أو التشابه اللفظي بين كلمتين، ويتم تفسير الرؤيا بالجِناس من خلال التطابق أو التشابه اللفظي بين اسم رمز في الرؤيا وبين كلمة في القرآن الكريم مع اختلاف المعنى بينهما.(1/85)
مثال 1: قول الله (تعالى): {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15]، كلمة «الساعة» في الآية الكريمة تعني يوم القيامة، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في منامه ساعة «يد أو حائط» في الرؤيا، فيُحتمل أن تدل على يوم القيامة للجِناس بين اسم الرمز في الرؤيا «ساعة»، وبين لفظ في القرآن الكريم «الساعة»، مع اختلافهما في المعنى.
مثال 2: قول الله (تعالى): {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص:16]، كلمة (قِطٍّ) في الآية الكريمة تعني العذاب، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في منامه قِطّاً (حيوان)، فيُحتمل أن يدل ذلك على العذاب للجناس بين اسم الرمز في الرؤيا «القط، بمعنى الحيوان»، وبين كلمة «قط، بمعنى العذاب» في الآية الكريمة، مع اختلافهما في المعنى.
مثال 3: قول الله (تعالى): {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} [آل عمران:145]، كلمة «كِتاب» في الآية الكريمة تعني القَدَر الذي كتبه الله (تعالى) على الإنسان، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في منامه كِتاباً (أي كتاباً وَرَقِيّاً) في الرؤيا، فيُحتمل أن يدل على القَدَر الإلهي الواقع لا محالة؛ للجناس بين اسم رمز الرؤيا «كتاب»، وبين كلمة «كتاب» في الآية القرآنية الكريمة، مع اختلافهما في المعنى.
مثال 4: قول الله (تعالى): {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:2]، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في منامه أحد أصحابه المسلمين الصالحين، فيُحتمل أن يكون هذا الصاحب في المنام رمزاً يدل على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ للجناس بين اسم رمز الرؤيا «صاحب»، وبين كلمة «صاحبكم» في الآية القرآنية الكريمة، مع اختلافهما في المعنى.(1/86)
مثال 5: قول الله (تعالى): {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:30]، (ومعنى (دحاها): بَسَطها، والدِّحْيَة هي البيضة)، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في منامه بيضة، فيُحتمل أن تدل على الأرض للجناس بين كلمة «دحاها» في الآية الكريمة، وبين اسم رمز الرؤيا أو «الدِّحية»، مع اختلافهما في المعنى.
ينبغي مراعاة أن دليل الجناس هنا يرتبط باللغة التي يتحدث بها الشخص أو يعرفها، والأمثلة السابقة وغيرها تنطبق بالدرجة الأولى على الشعوب الناطقة باللغة العربية، أو الأفراد غير العرب العالمين بهذه اللغة أو الدارسين لها، أما غير هؤلاء فينبغي الحذر في تطبيق قاعدة الجناس بين الكلمات العربية في تفسير رؤاهم؛ لأنها قد لا تنطبق عليها أصلاً، وينبغي لمفسر الرؤى أن يرجع للترجمات الموثوقة للقرآن الكريمة باللغة التي يتحدث بها الرائي أو يعرفها، ثم ينظر للجناس بين الترجمة وبين اسم رمز الرؤيا.
ويمكن أن نعطي مثالاً لبيان الاختلاف بين اللغات في التعامل مع الجناس في تفسير الرؤى، وأن ما ينطبق على لغة ما قد لا ينطبق على لغة أخرى.
ارجع لمثال الجناس رقم 1، والذي فسرنا فيه رؤيا الساعة على أساس الجناس بين اسمها وبين كلمة «الساعة» في الآية الكريمة، مع اختلاف المعنى بينهما، ولنفترض أننا نريد تطبيق هذا على اللغة الإنجليزية، حينئذ سوف نجد الأمر مختلفاً تماماً، فكلمة «الساعة»، بمعنى يوم القيامة، تُتَرجَم بالإنجليزية «The Hour» ، بينما ساعة اليد ترجمتها «watch»، أمَّا ساعة الحائط فترجمتها «clock»، فهنا نرى أنه لا يوجد أي جناس بين الكلمة الإنجليزية الأولى وبين أيٍ من الكلمتين الثانية والثالثة بعد أن تمت ترجمتهم من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية، وبالتالي، فهذا المثال ينطبق على العرب فقط ومن يعرفون اللغة العربية، بينما لا ينطبق على الناطقين باللغة الإنجليزية دون العربية.(1/87)
وأحياناً، يمكن أن يبقى الجناس بين الكلمات حتى بعد ترجمتها، كما في المثال رقم 4، والذي فسرنا فيه رؤيا الصاحب الصالح على أنه رمز للنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ للجناس بين اسم رمز الرؤيا «الصاحب» وبين كلمة «صاحبكم» في الآية الكريمة، مع اختلاف المعنى بينهما، فإذا ما قمنا بتطبيق هذه القاعدة على هذا المثال باللغة الإنجليزية، فسنجد أن ترجمة كلمة «صاحب» في الآية الكريمة هي «companion»، وكذلك فإن ترجمة كلمة «الصاحب» الذي رآه الشخص في الرؤيا هي نفس الترجمة، وبالتالي، فهناك جناس بين اسم رمز الرؤيا باللغة الإنجليزية، وبين ترجمته في القرآن الكريم بنفس اللغة، وبناء على ذلك، يمكن تطبيق القاعدة في هذه الحالة بشكل صحيح على الناطقين بالإنجليزية دون العربية أيضاً.
... ... (((
4. ارتباط الرمز بأحداث قصة من قصص القرآن الكريم: وهو أن يرى النائم في رؤياه شيئاً مذكوراً في قصة من قصص القرآن الكريم، ويتم تفسير هذه الرؤيا بحسب دلالة هذا الشيء في القصة، أو سببه، أو نتيجته.
مثال 1: قصة الخضر مع موسى (عليهما السلام)، والتي قام الخضر فيها بخرق سفينة لناس مساكين حتى يحفظ سفينتهم من ملك ظالم يستولي على سفن الناس، ويحكي القرآن الكريم هذه القصة في قول الله (تعالى): {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71]، ثم في قول الله (عزَّ وجلَّ): {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79].
وبناءً على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام سفينة مخروقة، فيُحتمل أن يدل ذلك على نجاة من بطش ملك ظالم، أو حفظ ممتلكات من مصادرة الدولة لها؛ لأن هذه نتائج ترتبت على خرق السفينة في القصة.(1/88)
مثال 2: قصة موسى والخِضر (عليهما السلام)، والتي قام فيها الخضر بإقامة جدار على وشك الانهيار في قرية أهلها بخلاء؛ لأجل أن يحافظ على كنز مدفون تحته، وضعه أب صالح لغلاميه اليتيمين حتى يكبرا ويستخرجاه، ويحكي القرآن الكريم هذه القصة في قول الله (تعالى): {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77]، ثم في قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً قد رأى في المنام أن جِداراً يسقط، فيُحتمل أن يدل ذلك على ظهور مال كثير؛ لأن سقوط الجدار في القصة ينتج عنه ظهور الكنز المدفون تحته، ويُحتمل كذلك أن يدل سقوط الجدار على وفاة الأب أو الأم؛ لأنه مرتبط بمعنى اليُتم في القصة، ويُحتمل أن يدل على الأب الصالح؛ لأن بانيه أب صالح، ويُحتمل أن يدل على الأشياء الثمينة المدفونة تحت الأرض كالبترول ونحوه.
مثال 3: يُحتمل أن تدل رؤيا الشجرة في المنام على المعصية؛ لأن الله (تعالى) نهى آدم (عليه السلام) عن الأكل منها، فهي مرتبطة بمعنى العصيان (والعياذ بالله تعالى)، كما في قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} [البقرة: 35].(1/89)
مثال 4: رؤيا تقطيع اليد بالسكين في المنام يُحتمل أن تدل على الحب الشديد والافتتان؛ لأن النسوة قطَّعن أيديهن عندما رأين جمال يوسف (عليه السلام)، كما في قول الله (تعالى): {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31].
مثال 5: رؤيا منع الزكاة في المنام يُحتمل أن تدل على النفاق؛ للقصة المشهورة في القرآن الكريم عن الشخص الذي دعى له النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بالغِنى، فلما اغتنى منع الزكاة، فعاقبه الله (تعالى) بأن ثبَّته على النفاق إلى يوم القيامة، كما في قول الله (تعالى): {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ(77)} [التوبة].
(((
5. ارتباط السبب والنتيجة: ومعناه ذكر شيء في القرآن الكريم مع ذكر سببه، أو نتيجته، أو ما يترتب عليه، أو ما يلزم عنه، أو ما يُباح بسببه.(1/90)
مثال 1: قول الله (تعالى): {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص:7]، (ومعنى اليم في الآية الكريمة هو نهر النيل)، وتتحدث الآية الكريمة عن أم موسى (عليه السلام) عندما ألقته في النيل طفلاً بوحي من الله (تعالى) خوفاً عليه من فرعون الذي كان يقتل كل ولد في بني إسرائيل، فترتب على إلقائه في النيل حفظه من القتل بفضل الله (تعالى)، فهناك ارتباط سبب ونتيجة بين الإلقاء في النيل وبين الحفظ، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام أنه قد ألقى في نهر النيل بشيء ثمين يخاف عليه من الضياع أو الهلاك، فيُحتمل أن يدل ذلك على حفظ له من الله (تعالى) لأن إلقاء موسى (عليه السلام) في اليم في القصة ترتب عليه حفظه.
مثال 2: قول الله (تعالى): {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 و3]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين التقوى من جهة وبين المخرج والرزق من جهة أخرى، فبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام أنه يتقي الله (تعالى)، فيُحتمل أن يدل ذلك له على فرج من هموم ورزق؛ لأن المخرج في الآية الكريمة مترتب عليهما أو ناتج عنهما.
مثال 3: قول الله (تعالى): {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين القصاص وبين الحياة في الآية الكريمة، وبناء على ذلك، يُحتمل أن تدل رؤيا القِصاص على الحياة، فإذا افترضنا أن شخصاً مريضاً على وشك القيام بعملية جراحية خطيرة رأى نفسه في المنام تحت القِصاص، فيُحتمل أن يدل ذلك على نجاح العملية بفضل الله (تعالى) ومشيئته (سبحانه)، وكذلك، إذا ما رأى شخص في المنام ابنه المفقود تحت القِصاص، فيُحتمل أن يدل ذلك على أن الولد ما زال على قيد الحياة.(1/91)
مثال 4: قول الله (تعالى): {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [النساء:130]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين الطلاق والغِنى، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام أنه قد انفصل عن زوجته بالطلاق، فيُحتمل أن يدل ذلك على بشرى بالرزق الواسع لكليهما.
مثال 5: قول الله (تعالى): {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين المرض والسفر من جهة وبين الإفطار من جهة أخرى، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً قد رأى نفسه في المنام أنه أفطر في رمضان، فيُحتمل أن يدل ذلك له على السفر أو المرض؛ لأنهما من مبيحات الإفطار في الآية الكريمة.
مثال 6: قول الله (تعالى): {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين العدل وبين الزواج بأكثر من واحدة، وكذلك بين عدم العدل وعدم الزواج بأكثر من واحدة، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً ينوي أن يتزوج بامرأة أخرى فرأى نفسه في المنام يخاف من أن يظلم زوجته الأولى، فيُحتمل أن يكون في ذلك تحذير له لعدم الزواج من أخرى؛ لأن عدم العدل ينتج عنه عدم الزواج في الآية الكريمة.
مثال 7: قول الله (تعالى): {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح:25]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين الخطيئة والغرق، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً ما قد رأى في المنام أنه غرق، فيُحتمل أن يدل ذلك على فساد الشخص وبعده عن الدين (والعياذ بالله تعالى).(1/92)
مثال 8: قول الله (تعالى): {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، ففي الآية الكريمة يوجد ارتباط سبب ونتيجة بين خوف مقام الله (تعالى) وبين الجنة، وبناء على ذلك، فإذا افترضنا أن شخصاً قد رأى في المنام أنه يخاف الله (تعالى)، فيُحتمل أن تكون بشرى له بالجنة بمشيئة الله (تعالى)، وفضله، وكرمه، ورحمته (سبحانه).
(((
6. ارتباط التلازُم: هو ارتباط مجموعة من الألفاظ في القرآن الكريم بمعنى واحد مشترك، فتدل على بعضها في الرؤيا.
مثال 1: قول الله (تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}[النساء:59]، فبناء على الآية الكريمة، يُحتمل أن يدل الحاكم في الرؤيا على الله (عزَّ وجلَّ)، أو على النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ لأن الآية أوجبت الطاعة لله (تعالى)، وللرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وللحاكم، فمعنى وجوب الطاعة مشترك بينهم بنص الآية الكريمة.
مثال 2: قول الله (تعالى): {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]، فبناء على الآية الكريمة، يُحتمل أن يدل المال في الرؤيا على البنين والعكس؛ لأن هناك معنى مشترك بينهما في الآية الكريمة، وهو أن كليهما زينة الحياة الدنيا.
مثال 3: قول الله (تعالى): {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]، فبناء على الآية الكريمة، يُحتمل أن يدل المرض في الرؤيا على السَّفَر والعكس؛ لوجود معنى مشترك بينهما في الآية الكريمة، وهو أن كليهما مبيح للفطر في رمضان.
(((
7. ارتباط التعاقُب: ومعناه أن يحدث شيء معين بعد شيء آخر في آية كريمة، فيدل معنى الحدث السابق في الرؤيا على معنى الحدث اللاحق.(1/93)
مثال : {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)} [الروم]، ففي الآية الكريمة تعاقب بين هزيمة الروم وانتصارهم، وبناء على ذلك، إذا افترضنا أن شخصاً مهزوماً رأى الروم في المنام، فيُحتمل أن يكون ذلك بشرى له بالنصر؛ لأن هناك تعاقب بين هزيمة الروم وانتصارهم في الآية الكريمة.
(((
8. ارتباط التفضيل: ومعناه أن يأتي رمز الرؤيا في وضع تفضيل - سواء له أو عليه - في آية قرآنية كريمة، فيمكن بناء على ذلك استخدامه في تفسير الرؤى بطريقة معينة.
مثال 1: قول الله (تعالى): {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف: 32]، نفترض أن شخصاً رأى في المنام أنه يجمع أشياء، فيُحتمل أن يدل له ذلك عن درجة من البعد عن رحمة الله (تعالى)؛ لأنها مفضلة في الآية الكريمة على جمع الأشياء.
مثال 2: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]، نفترض أن شخصاً رأى في المنام أنه يجمع أشياء كالمثال السابق، فقد تدل هذه الرؤيا على أحزن لرائيها؛ لأن السعادة مفضلة عليها في الآية الكريمة.
(((
9. الارتباط الضمني: ومعناه أن يكون تفسير رمز الرؤيا بحسب ما يدل عليه اسمه أو يفهم منه ضمناً داخل الآية الكريمة:
مثال : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران:91]، فإذا ما افترضنا أن شخصاً رأى في المنام ذهباً، فيُحتمل أن يدل له ذلك على الكفر أو دخول جهنم أو سوء الخاتمة (والعياذ بالله تعالى)؛ لأن هذا مرتبط ضمناً بالمعنى الذي يشير إليه الذهب في الآية الكريمة.
(((
10. التفسير بعكس معنى الآية الكريمة: ينبغي مراعاة أن بعض الآيات الكريمة يمكن الاسترشاد بعكس معناها في تفسير الرؤيا.(1/94)
مثال 1: كما أن الطريق المستقيم يُحتمل أن يدل في الرؤيا على الإسلام؛ لقول الله (تعالى): {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة:6]، فإن الطريق غير المستقيم أو المُعوَجَّ في الرؤيا يُحتمل أن يدل على عكس المعنى وهو الضلال، أو الفساد، أو الكفر (والعياذ بالله تعالى).
مثال 2: كما أن الاستمساك بالعروة يُحتمل أن يدل في الرؤيا على الإسلام؛ لقول الله (تعالى): {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ} [البقرة:256]، فإن ترك العروة في الرؤيا يُحتمل أن يدل على عكس المعنى وهو ترك الإسلام (والعياذ بالله تعالى).
(((
11. التفسير بقُرب معنى الآية الكريمة: ومعنى ذلك أن يتم تفسير الرؤيا بمعنى قريب من معنى الآية الكريمة، وليس بكامل المعنى.
مثال : الغرق في المنام يُحتمل أن يدل على المعصية أو الفساد؛ لقول الله (تعالى): {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح:25]، ولكن، إذا ما افترضنا أن شخصاً رأى نفسه في المنام قريباً من الغرق، أو على وشك الغرق، لكنه ما زال لم يغرق، فيُحتمل أن يدل ذلك على أن الشخص قريب من المعصية أو الفساد، لكنه ما زال لم يدخل فيهما بشكل كامل، فالتفسير هنا بقُرب المعنى، وليس بالمعنى كاملاً.
(((
12. تفسير الأرقام بآيات القرآن الكريم: ويعتمد هذا النوع من تفسير الرؤى على البحث في الآيات التي ذُكرت الأرقام فيها، ومحاولة استنباط معنى معين مرتبط بهذه الأرقام.
مثال 1: قول الله (تعالى): {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال:65]، يرتبط الرقم عشرون في الآية الكريمة بالصبر والانتصار، أما الرقم مائتان فيرتبط بالهزيمة، وبالتالي، فقد يدل هذان الرقمان في الرؤيا على هذه المعاني.(1/95)
مثال 2: قول الله (تعالى): {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65]، يرتبط الرقم ثلاثة في الآية الكريمة بالمُتعة، وبالتالي، فقد يدل هذا الرقم في الرؤيا على هذا المعنى.
مثال 3: قول الله (تعالى): {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147]، يرتبط الرقم مائة ألف في الآية الكريمة بدعوة الناس إلى الله (تعالى)، وبالتالي، فقد يدل هذا الرقم في الرؤيا على هذا المعنى.
مثال 4: قول الله (تعالى): {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة:7]، يرتبط الرقم أربعة أو ستة في الآية الكريمة بمعيَّة الله (عزَّ وجلَّ)، أو رقابته (سبحانه وتعالى) على أفعال عباده، وبالتالي، فقد يدل هذان الرقمان في الرؤيا على هذين المعنيين.
مثال 5: قول الله (تعالى): {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:14]، يرتبط الرقم خمسين في الآية الكريمة بالنقص أو عدم الاكتمال، وبالتالي، فقد يدل هذا الرقم في الرؤيا على هذا المعنى.
(((
13. تفسير الرؤيا بالمعنى الأبعد لآيات القرآن الكريم: يتم هنا تفسير الرؤيا باستنباط معنى غير مباشر يرتبط بالمعنى الظاهر لاسم رمز الرؤيا الوارد في الآية الكريمة، وهذا الأسلوب يُستخدم عادة في تفسير معنى الأرقام بآيات القرآن الكريم.(1/96)
مثال 1: قول الله (تعالى): {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15]، ففي الآية الكريمة، يرتبط الرقم ثلاثون بالفترة التي يتعلق فيها الطفل بأمه بشكل قوي، ولا يستطيع أن ينفصل عنها، فهذا هو المعنى القريب الذي يُستفاد من ظاهر الكلمة في الآية الكريمة، ولكن هناك معنى أبعد من ذلك وهو الارتباط، وعدم القدرة على الانفصال، أو عدم الاستقلال بصفة عامة، فمثلاً، إذا افترضنا أن موظفاً يريد أن يترك عمله قد رأى في منامه هذا الرقم، فيُحتمل هنا أن يدل له هذا الرقم في الرؤيا على عدم قدرته على ترك وظيفته (عدم القدرة على الانفصال أو الاستقلال)، ولو افترضنا كذلك أن امرأة تريد الانفصال عن زوجها قد رأت في المنام هذا الرقم، فيُحتمل أن يدل لها ذلك على عجزها عن تحقيق هذا الانفصال.
مثال 2: قول الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق:38]، ففي الآية الكريمة، يرتبط الرقم ستة بخلق السماوات والأرض وما بينهما، وهذا هو المعنى الأقرب له، أمَّا المعنى الأبعد فقد يكون التأسيس، أو الإنشاء، أو الإيجاد، أو التحقيق لشيء ما، فمثلاً، إذا افترضنا أن شخصاً يريد أن يبني بيتاً رأى في منامه هذا الرقم، فيُحتمل أن يدل له ذلك في الرؤيا على توفيق من الله (تعالى) في هذا العمل، ولو افترضنا كذلك أن شخصاً يريد الإنجاب رأى هذا الرقم، فيُحتمل أن يدل له ذلك في الرؤيا على توفيق الله (تعالى) له للإنجاب.
والله (تعالى) أعلم.
94. كيف يتم تفسير الرؤى بعكس المعنى أو بالضِّدِّ؟
هذه القاعدة في تفسير الرؤى تقوم على تفسير رمز معين بعكس معنى ظاهره، مثلاً، كتفسير الحزن في الرؤيا بأنه فرح في اليقظة، وتفسير الفقر في الرؤيا بأنه غِنَى في اليقظة.
وتقوم هذه القاعدة على أساسين:(1/97)
الأول: أن الرؤيا الصادقة أو الصالحة هي دائماً بشرى بالخير والسرور من الله (تعالى) للمسلم الصالح، فالرؤيا السعيدة من الله (عز وجل)، والرؤيا الحزينة من الشيطان الرجيم، وبالتالي، جاءت فكرة تفسير رموز الشر في الرؤى بعكسها، وذلك فيما يخص رؤى أهل الخير والصلاح، أما رؤى أهل الشر والفساد، فالغالب أن هؤلاء لا بشرى لهم من الله (تعالى)، بل إنذار ووعيد، وبالتالي، جاءت فكرة تفسير معاني الخير في رؤى أهل الشر والفساد بعكسها.
الثاني: أن يأتي رمز الرؤيا في آية من آيات القرآن الكريم ونفيه، أو عكسه، أو تبديله، أو تكذيبه كما سنرى في الأمثلة بمشيئة الله (تعالى).
وبناء على ذلك، فإن تفسير الرمز في الرؤيا بعكس معناه لابد أن يتوافر فيه شرطان: الأول: أن يكون من رأى الرؤيا شخصاً صالحاً، ويكون الرمز الذي رآه في المنام سيئاً، فنقوم في هذه الحالة بتفسيره بعكس معناه، وإلا إذا كان الرمز خيراً، فلا نقوم بتفسيره بعكس المعنى، وبالمثل، إذا كان الرائي شخصاً فاسداً، ويكون الرمز الذي رآه في منامه خيراً، فنقوم في هذه الحالة بتفسيره بعكس معناه، وإلا إذا كان الرمز سيئاً، فلا نقوم بتفسيره بعكس المعنى.
أمَّا الشرط الثاني فهو أن يذكر اسم رمز الرؤيا في آية قرآنية كريمة وعكسه، أو نفيه، أو تبديله، أو تكذيبه، ولا يصح تطبيق هذه القاعدة دون تحقق هذين الشرطين معاً في رمز الرؤيا.
مثال 1: نفترض أن شخصاً فاسداً رأى في المنام أنه غني، فيُحتمل أن يدل له ذلك على إنذار بالفقر، أولاً: لأنه شخص فاسد رأى في منامه رمزاً خيراً (الغِنَى) (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً} [المجادلة:17] (الشرط الثاني)، فمعنى الغِنى منفي في الآية الكريمة، وبالتالي، يمكن هنا تطبيق هذه القاعدة وعكس معنى الغِنى في تفسير الرؤيا.(1/98)
مثال 2: نفترض أن شخصاً صالحاً رأى في المنام أنه خائف، فيُحتمل أن يدل له ذلك على بشرى بالأمن، أولاً: لأنه شخص صالح رأى رمزاً سيئاً (الخوف) (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} [النور:55] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة الخوف، وفيها تبديل الخوف بالأمن، وبالتالي، يمكن هنا تطبيق القاعدة وعكس معنى الخوف في تفسير الرؤيا.
مثال 3: نفترض أن شخصاً فاسداً رأى في المنام أنه يضحك، فيُحتمل أن يدل له ذلك على البكاء والحُزن، أولاً: لأنه شخص فاسد رأى رمزاً خيراً (الضحك) (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً} [التوبة:82] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة الضحك، وفيها البكاء (أي عكس المعنى)، وبالتالي، يمكن هنا تطبيق القاعدة وعكس المعنى في تفسير الرؤيا.
مثال 4: نفترض أن شخصاً صالحاً رأى في المنام أنه يكره الصلاة، فيُحتمل أن يدل له على خير يناله من صلاته (عياذاً بالله تعالى)، أولاً: لأنه شخص صالح رأى رمزاً سيئاً (كراهية الصلاة) (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة:216] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة معنى كراهية الشيء وعكسه (المكروه والخير)، وبالتالي، يمكن تطبيق القاعدة وعكس المعنى في تفسير الرؤيا.
مثال 5: نفترض أن شخصاً صالحاً رأى في المنام أنه فقير، فيُحتمل أن يدل له ذلك على الغِنى، أولاً: لأنه شخص صالح رأى رمزاً سيئاً (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور:32] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة معنى الفقر وعكسه، وبالتالي، يمكن تطبيق القاعدة وعكس المعنى في تفسير الرؤيا.(1/99)
مثال 6: نفترض أن رجلاً صالحاً رأى في المنام أنه يرتكب حراماً مع امرأة، فيُحتمل أن يدل له ذلك على زواج منها (أي حرام في المنام يدل على حلال في اليقظة)، أولاً: لأنه شخص صالح رأى رمزاً سيئاً (الشرط الأول)، وثانياً لقول الله (تعالى): {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل:116] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة ذكر للحلال والحرام وتكذيب لكليهما، وبالتالي، فالحرام في الرؤيا يمكن أن يدل على الحلال في هذه الحالة.
مثال 7: نفترض أن شخصاً صالحاً رأى في المنام أنه حزين، فيُحتمل أن يدل له ذلك على السرور، أولاً: لأنه شخص صالح رأى رمزاً سيئاً (الشرط الأول)، وثانياً: لقول الله (تعالى): {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} [آل عمران: 139] (الشرط الثاني)، ففي الآية الكريمة نفي لمعنى الحُزن، وبالتالي، يمكن تطبيق القاعدة هنا وعكس معنى الحُزن في تفسير الرؤيا.
مثال 8: نفترض أن شخصاً صالحاً رأى في المنام أنه يضحك بصوتٍ عالٍ، ففي هذه الحالة، لا تنطبق قاعدة التفسير بالضد، فلا ينبغي تفسير الضحك هنا بالبكاء أو الحزن؛ لأن الشخص صالح، ورأى في منامه رمزاً خيراً، فيُحتمل أن تدل له هذه الرؤيا على سرور كثير، ولا يصح هنا تفسيرها بالعكس؛ لعدم انطباق الشرط الأول.
مثال 9: نفترض أن شخصاً فاسداً رأى في المنام أنه يبكي بشدة، ففي هذه الحالة، لا تنطبق قاعدة التفسير بالضد، فلا ينبغي تفسير البكاء هنا بالضحك أو السرور؛ لأن الشخص فاسد، ورأى في منامه رمزاً سيئاً، فيُحتمل أن تدل له هذه الرؤيا على حزن شديد، ولا يصح هنا تفسيرها بالعكس؛ لعدم انطباق الشرط الأول.
والله (تعالى) أعلم.
95. كيف يتم تفسير الرؤى بالأحاديث النبوية الشريفة؟(1/100)
يتم تفسير الرؤى بالأحاديث النبوية الشريفة بحسب ارتباط رموزها بمفردات الحديث الشريف بشكل يتطابق تقريباً مع طريقة تفسير الرؤيا بالقرآن الكريم، نذكر هنا بعض أمثلة على ذلك:
1. التشبيه:
1. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «مَثَلُ المؤمن مثل النخلة» (حديث صحيح - السلسلة الصحيحة)، ففي الحديث الشريف تشبيه للمؤمن بالنخلة، وبناء على ذلك، يمكن أن تدل النخلة في الرؤيا على شخص مؤمن.
2. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته. فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضَى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِحَ في النار» (رواه مسلم)، ففي الحديث الشريف تشبيه للشخص الذي لا حسنات له بالشخص المُفلس الذي لا مال له، وبناء على ذلك، قد يدل المال في الرؤيا على الحسنات، والفَلَس على ضياعها.
3. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «فما تَعُدُّون الصُّرَعَة فيكم؟»، قال: قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: «ليس بذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب» (رواه مسلم)، ففي هذا الحديث الشريف تشبيه للشخص القوي الجسم بالشخص الذي يملك نفسه عند الغضب، وبناء على ذلك، قد تدل قوة الجسم في الرؤيا على قدرة الشخص على التحكم في غضبه، بينما قد يدل ضعف الجسم في الرؤيا على العكس.
2. الاستعارة:
أ . استعارة تصريحية:(1/101)
1. حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن عائشة (رضي الله تعالى عنها): أن رجلاً طلَّق امرأته ثلاثاً، فتزوجت فطلق، فسُئِل النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): أتحل للأول؟ قال : «لا، حتى يذوق عُسَيْلَتَهَا كما ذاق الأول» (متفق عليه)، ففي الحديث الشريف تشبيه للعلاقة الجنسية بالعسل مع حذف المُشبه «العلاقة الجنسية»، والتصريح بالمُشبه به «العُسَيلة»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل العَسَل في الرؤيا على العلاقة الجنسية.
2. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله (تعالى) عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، و ليَتُب إلى الله، فإنه من يُبدِ لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله» (حديث صحيح - صحيح الجامع)، ففي الحديث الشريف تشبيه للذنوب والمعاصي بالقاذورات، مع حذف المُشبَّه «الذنوب والمعاصي»، والتصريح بالمُشبَّه به «القاذورات»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن تدل القاذورات في المنام على الذنوب والمعاصي.
3. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «رويدك بالقوارير» (متفق عليه)، ففي الحديث الشريف تشبيه للنساء بالزجاج، مع حذف المشبَّه «النساء»، والتصريح بالمُشبَّه به «القوارير»، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل الزجاج في المنام على النساء.
ب . استعارة مكنية:
1. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «بُنِي الإسلام على خمس» (متفق عليه)، ففي الحديث تشبيه للإسلام بأنه مَبنَى له أساس مع حذف المُشَبَّه به «المبنَى»، والتصريح بصفة من صفاته (أن له أساساً يُبنى عليه)، وبناء على ذلك، يُحتمل أن يدل المبنى في الرؤيا على الإسلام.(1/102)
2. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «ومن بطَّأ به عمله، لم يسرع به نسبه» (رواه مسلم)، ففي الحديث الشريف تشبيه للعمل والنَسَب بوسائل مواصلات يركبها الإنسان، فتسرع به، أو تُبَطِّيء به، مع حذف المُشبَّه به «وسيلة المواصلات»، والتصريح بصفة من صفاتها «الإبطاء والإسراع»، وبناء على ذلك، فقد تدل وسائل المواصلات في الرؤيا على معنيي العمل والنَّسَب.
3. قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «يا أيها الناس خذوا عني مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا» (رواه مسلم)، ففي الحديث الشريف تشبيه لمناسك الحج بشيء مادي يؤخذ، مع حذف المُشبَّه به «الشيء المادي»، والتصريح بصفة من صفاته «الأخذ»، وبناء على ذلك، فقد يدل أخذ الشيء في المنام على الحج.
4. الكناية:
قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «فعليكم بما عرفتم من سُنَّتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ» (حديث صحيح - صحيح الجامع)، لا يُقصد بتعبير «عَضُّوا عليها بالنواجذ» العض بالأسنان، بل هو تعبير كنائي للدلالة على التمسك بالدين، وعدم التفريط فيه، وبناء على ذلك، فقد يدل العض على الشيء في المنام على الالتزام به، وعدم التفريط فيه.
5. الجناس:
قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن القطَّة: «إنها من الطوَّافين عليكم و الطوَّافات» (حديث صحيح – صحيح الجامع)، فقد تدل القطة في المنام على من يطوفون حول الكعبة؛ لأنها موصوفة في حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بالطواف، وكذلك يطوف زائروا البيت الحرام، مع اختلاف المعنى بين هذا الطواف وذاك، وبالتالي، دل هذا المعنى في المنام على الآخر للجناس بين الوصفين.
والله (تعالى) أعلم.
96. كيف يتم تفسير الرؤى بالتَّشَابُه؟(1/103)
التشابه هو من أهم، وأقوى، وأقدم الأدلة التي تفسر بها الرؤى، وهو معروف عند غير المسلمين أيضاً، ويستخدمونه كثيراً في تفسير رؤاهم، ومعناه أن يكون بين رمز الرؤيا وبين شيء في الواقع نوع من التشابه، فيتم الربط بينهما على هذا الأساس.
ويمكن بيان هذه الأنواع من التشابه كالآتي:
1. التشابه في الشكل: وهو أن يكون بين رمز الرؤيا وبين شيء في الواقع تشابه شكلي.
مثال 1: الهاتف المحمول (الجوال) يشبه الكمبيوتر المحمول ويشبه التلفاز في الشكل؛ لأن لكل واحدٍ منهم شاشة ولوحة مفاتيح أو أزرار، فبالتالي، يمكن أن تدل كل هذه الأشياء في الرؤيا على بعضها البعض، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام هاتفه المحمول، فيُحتمل أن يدل ذلك على تلفاز أو كمبيوتر محمول؛ للتشابه الشكلي بينه وبينهما.
مثال 2: الأشخاص قد يدلون على بعضهم البعض إذا كانوا يشبهون بعضهم في الشكل، فإذا افترضنا أن شخصاً رأى في المنام أحد المشهورين، فيُحتمل أن يدل هذا المشهور على شخص آخر يُشبهه في الشكل.
مثال 3: الشمس تشبه المصباح الكهربائي في الشكل، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام مصباحاً أن يدل على الشمس.
مثال 4: زجاجة الماء تشبه الإنسان في أن كلاً منهما جسم في داخله سائل، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام زجاجة ماء أن تدل على شخص ما.
مثال 5: التشابه بين خطبة الجمعة وبين محاضرات الجامعة في أن شخصاً عالِماً يقوم في كليهما بإلقاء محاضرة عِلمية على مجموعة من المستمعين، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام نفسه يجلس في مسجد ويستمع للخطبة أن يدل ذلك على تلقيه العلم في إحدى الجامعات.
مثال 6: التشابه بين عيني الإنسان وبين مصباحي السيارة الأماميين، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام أن إنساناً قد أُصيب بالعمى (عافانا الله تعالى وإياكم) أن يدل ذلك على تلف مصباحي سيارته.(1/104)
مثال 7: التشابه بين قطعة الحلوى المغلفة والمرأة الجميلة المحجبة في أن كلاً منهما جميلة ومستترة، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام قطعة حلوى مغلفة أن تدل على امرأة جميلة محجبة.
مثال 8: السمك الذي يسبح في البحر يشبه الحيوانات المنوية التي تسبح في السائل المنوي عند الرجل، فيُحتمل إذا رأى شخص في المنام سمكاً يسبح في بحر أن يدل على ذلك المعنى.
2. التشابه في الجنس: وهو أن تكون الأشياء من نوع أو صنف واحد.
مثال : الشخص الصيني في الرؤيا يدل على شخص صيني مثله، وسيارة معينة تدل على سيارة أخرى مثلها، والرجل يدل على رجل آخر مثله، والطفل يدل على طفل آخر مثله، والبقرة تدل على بقرة أخرى مثلها، والمطار يدل على مطار آخر مثله...إلخ.
3. التشابه في الوظيفة: وهو التشابه في القيام بمهمة معينة.
مثال 1: وسائل المواصلات تدل في الرؤيا على بعضها؛ لأنها كلها تؤدي نفس الوظيفة، وهي نقل الناس من مكان لآخر، فمثلاً، السيارة قد تدل على الطائرة، أو السفينة، أو القطار...إلخ.
مثال 2: صاحب مهنة معينة يدل في الرؤيا على شخص مثله له نفس المهنة؛ لاشتراكهما في نفس المهنة.
مثال 3: تلميذ في مدرسة يدل في الرؤيا على تلميذ آخر مثله؛ لاشتراكهما في نفس الوظيفة.
مثال 4: بما أن السحابة تشبه الإسفنجة في نفس الوظيفة حيث تحتفظ كل منهما بالماء في داخلها، فقد تدل كلتاهما في الرؤيا على الأخرى؛ لهذا التشابه في الوظيفة.
مثال 5: بما أن السجادة تشبه أرضاً ذات حدود؛ لأن كلتيهما يعيش عليها الإنسان، ولها حدود معينة، فقد تدل السجادة في الرؤيا على أرض دولة معينة.
مثال 6: بما أن الإنترنت يشبه المجاري في أن كلاً منهما شَبَكة تصريف عامة، إلا أن هذه شبكة تصريف مياة، بينما هذه شبكة تصريف معلومات، فقد تدل كلتاهما في الرؤيا على بعض؛ لهذا التشابه.(1/105)
مثال 7: بما أن هناك تشابه بين السيارة وبين الحذاء في أن كلاً منهما يركبه الشخص، ويسير به في الشارع، فقد يدل كلاهما في الرؤيا على الآخر؛ لهذا التشابه.
مثال 8: التشابه بين الطائرة والطائر في أن كلاً منهما يطير في السماء، فقد يدل كل منهما على الآخر في الرؤيا؛ لهذا التشابه.
4. التشابه في صفة معينة: وهو التشابه في طبيعة أو خِصلة ما.
مثال 1: بما أن العقرب يشبه الإنسان المؤذي؛ لأن كلاً منهما يؤذي الناس، وبالتالي، يُحتمل أن يرى شخص في المنام عقرباً، فتدل على شخصٍ مؤذٍ؛ لهذا التشابه.
مثال 2: بما أن التلفاز يشبه الإنسان في أن كلاً منهما يصدر عنه كلام، وبالتالي، يُحتمل أن يرى شخص في المنام تلفازاً، فيدل له على إنسان؛ لهذا التشابه.
مثال 3: يمكن تشبيه المسلم المتدين بالمصحف في أن هذا يحمل كلام الله (تعالى) في قلبه، وذاك يحمل كلام الله (تعالى) على وَرَقِه، وبالتالي، يُحتمل أن يرى شخص المصحف، فيدل له ذلك على مسلم متدين؛ لهذا التشابه.
مثال 4: يمكن تشبيه شعر الرأس بالأفكار والمعتقدات في أن كلاً منهما يخرج من الدماغ، وبالتالي، يُحتمل أن يرى شخص في المنام شعر الرأس، فيدل ذلك على أفكار ومعتقدات معينة؛ لهذا التشابه.
مثال 5: الثلاجة تشبه البلاد الأوروبية في أن كلاً منهما مكان بارد الطبيعة، وبالتالي، يُحتمل لشخص أن يرى في المنام ثلاجة، فتدل له على دولة باردة؛ لهذا التشابه.
مثال 6: غرفة نوم الشخص في بيته القديم تشبه دولة كان يقيم فيها وتركها؛ لأن كليهما كان الشخص يقيم فيه ثم تركه، وبالتالي، يُحتمل أن يرى شخص في المنام غرفة نومه القديمة، فتدل له على هذه الدولة؛ لهذا التشابه.
مثال 7: يُحتمل أن يدل الشخص المتزوج في الرؤيا على شخص آخر متزوج مثله؛ للاشتراك في نفس الحالة الاجتماعية.
مثال 8: يُحتمل أن يدل الشخص الفقير في الرؤيا على شخص آخر فقير مثله؛ للاشتراك في نفس الحالة الاقتصادية.(1/106)
5. التشابه في عمل أو سلوك معين:
مثال : يُحتمل أن يدل الشخص الصالح في الرؤيا على شخص صالح آخر مثله، وكذلك، الشخص كثير السفر يدل على شخص مثله كثير السفر؛ للاشتراك في نفس السلوك، والشخص المجتهد يدل على شخص آخر مجتهد مثله...إلخ.
(((
مما لا شك فيه أن في هذه القاعدة درجة من الصعوبة تزيد على القواعد السابقة، والتي فسرنا فيها الرؤى بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ويرجع هذا التفاوت في درجة الصعوبة إلى أن دليل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف هو دليل يسهل البحث فيه، واكتشاف ارتباط رمز الرؤيا به، فما على المفسر إلا أن يبحث عن اسم الرمز الذي رآه شخص في الرؤيا (شجرة، سماء، أرض، بيت...إلخ) في آية كريمة أو حديث نبوي شريف، ثم يكتشف ارتباط اسم الرمز المذكور بمعنى معين في الآية الكريمة أو الحديث الشريف، وهذا سهل ومحصور نسبياً.
أمَّا قاعدة التشابه فتكمن صعوبتها في أن أنها قاعدة ذات حدود واسعة جداً، حيث يجب على المفسر اكتشاف ما هو الشيء الذي يشبه رمز الرؤيا في الواقع، والذي يمكن أن يدل هذا الرمز عليه، وهذا الشيء لا يكون محدداً كما في تشبيهات القرآن الكريم والحديث الشريف، بل يجب على المفسر تحديده بنفسه.(1/107)
فمثلاً، العنكبوت قد يدل على شخص غير مسلم؛ لأنه مرتبط في آية من آيات القرآن الكريم بهذا المعنى؛ كما في قول الله (تعالى): {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العنكبوت : 41]، فهنا لا يجد مفسر الرؤى صعوبة في تحديد معنى رمز الرؤيا؛ لأن الشيء الذي يشبهه مذكور في الآية الكريمة، أما في قاعدة التشابه السابق ذكرها، فإن الشيء الذي يشبه رمز الرؤيا في الواقع لا يكون محدداً، بل يكون تحديده متروكاً للمفسر، وعليه أن يكتشفه بنفسه، وكذلك، لا بد أن يكتشف المفسر الصفة المشتركة (أو وجه التشابه) بين رمز الرؤيا وبين ما قد يدل عليه في الواقع حتى يكون التشابه صحيحاً، بينما لا يجب عليه ذلك في تشبيهات القرآن الكريم والحديث الشريف، فمثلاً، في مثال العنكبوت السابق ذكره، لا يحتاج المفسر لمعرفة الصفة المشتركة بين العنكبوت والمشرك، والتي يتشابهان فيها (وهي الضعف)، فهذا غير مطلوب في تفسير الرؤيا، ويكفي أن القرآن الكريم قد شبههما، أما في قاعدة التشابه، فإذا قال المفسر أن التلفاز في الرؤيا قد يدل على الكمبيوتر للتشابه بينها، فلا بد للمفسر أن يحدد ما هي صفة التشابه بين الكمبيوتر والتلفاز حتى يكون التشابه صحيحاً (وهو التشابه في الشكل).(1/108)
ومن أشهر الرؤى التي استخدمت في تفسيرها هذه القاعدة رؤيا يوسف (عليه السلام) التي رآها وهو طفل، والمذكورة في قول الله (تعالى): {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف:4]، وكان تفسير هذه الرؤيا أن الشمس والقمر والكواكب هم الأب والأم والأولاد، كما في قول الله (تعالى): {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف:100]، (وقد سجدوا له سجود تحية وتكريم، وكان مباحاً في شريعتهم).
وتظهر قاعدة التشابه في تفسير هذه الرؤيا وهو تشابه في الوظيفة؛ لأن فضل الشمس والقمر على سائر الكواكب يُشبه فضل الأب والأم على أبنائهما، وسبحان من بيده الفضل كله. والله (تعالى) أعلم.
97. هل يجوز استخدام الحديث الضعيف أو الموضوع في تفسير الرؤى؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأنه لا يجوز بناء قاعدة في علم تفسير الرؤى إلا بناء على على حديث صحيح أو حسن؛ لأن قواعد العلم الشرعي أو ما يرتبط به من العلوم - كعلم تفسير الرؤى - لا ينبغي أن تُبنى إلا على أدلة يقينية الثبوت، وهو ما لا ينطبق على الحديث الضعيف، ولا الموضوع.
ولكن بخصوص استخدام الحديث الضعيف في تفسير رموز الرؤى، فإنه يجوز من وجه ولايجوز من وجه آخر، فمن جهة، لا يجوز الاستدلال بالحديث الضعيف في تفسير رموز الرؤى كحديث نبوي شريف، أي لا يجوز اعتباره دليلاً في ذاته على معنى رمز في رؤيا، وذلك من باب الاحتياط؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولكن يجوز العمل بمعناه فقط في تعبير الرموز بشروط، وهي كالتالي:
1. أن يكون معناه متوافقاً مع الشريعةالإسلامية، أو على الأقل لا ينافيها.(1/109)
2. أن تُطبَّق عليه قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى كآية قرانية، أو حديث نبوي شريف صحيح، أو تشابه، أو كناية، أو غير ذلك.
ويمكن إعطاء أمثلة على ذلك كالتالي:
مثال 1: نقول مثلاً في تفسير رؤيا السجن بأنها للمؤمن دنياه أو حياته؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الدنيا سجن المؤمن» (رواه مسلم)، فالارتباط بالتشابه في الحديث الشريف هنا بين دنيا المؤمن والسجن كافٍ لتفسير السجن في رؤيا المؤمن بالدنيا، فالحديث هنا لأنه صحيح فهو في ذاته دليل يُكتفى به على تفسير الرمز، فيُقال عند تفسير رمز السجن في الرؤيا: «السجن يفسر في الرؤيا للمؤمن بدنياه أو حياته؛ والدليل هو قول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الحديث السابق» ».
ولكن على خلاف مما سبق، جاء في حديث ضعيف جداً: «إيَّاكم وخضراءَ الدِّمَن، فقيل: وما خضراءُ الدِّمَن؟ قال: المرأةُ الحسناء في المنبَت السوء» (السلسلة الضعيفة)، وفي هذا الكلام تشبيه للمرأة الحسناء التي تربَّت في بيئة فاسدة بالشجرة الناضرة (الخضراء) التي تنبت في المكان الذي تقضي فيه البهائم حاجتها (الدِّمنة، وجمعها: الدِّمَن)، فهي كالشجرة الجميلة المظهر والحلوة الشكل، ولكنها في سوء تربيتها وفساد أصلها كالتي نبتت في مكان اجتماع غائط البهائم وأبوالها.
ولكن هل يجوز أن نقول في تفسير رؤيا من رأى في المنام خضراء الدِّمَن أن معناها هو: امرأة حسناء المظهر فاسدة التربية؛ للحديث السابق الضعيف جداً ؟ الجواب: إن هذا لا يجوز؛ لأن ضعف هذا الحديث لا يجعله يصلح دليلاً في ذاته على تفسير رموز رؤيا، إذن فهل نُسقطه تماماً من تفسير رموز الرؤيا، ولا نلتفت إليه؟ الجواب: ليس تماماً، إلا أننا يمكن أن نستخدمه في تفسير الرؤيا، ولكن ليس كحديث نبوي شريف، بل نأخذ منه معناه، وكأنه قول مأثور أو حكمة.(1/110)
ثم ننظر في معنى الكلام، هل يخالف الشريعة الإسلامية؟ أم يلتقي معها؟ الجواب: أنه في هذا الحديث السابق - الضعيف جداً - لا يخالف الشريعة الإسلامية، وكيف ذلك؟ الجواب: أن فيه تحذيراً للمؤمنين من الزواج بالمرأة الفاسدة التربية، والنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) يقول: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدِّين تَرِبَت يداك» (متفق عليه)، فهذا أول شرط قد تحقق.
ثم ننظر في معنى الكلام ثانية، هل يمكن أن نطبق عليه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى، فنجد في الكلام تشبيهاً للمرأة الحسناء بالنبتة الخضراء، فهو تشابه بينهما في صفة الحُسن والجمال، بينما نجد تشابهاً بين البيئة السيئة والدِّمنة في القذارة، وبالتالي، أمكننا تطبيق قاعدة التشابه على معنى هذا الحديث الضعيف، وهكذا، فقد تحقق فيه الشرطان المطلوبان لقبول معناه في تفسير الرؤيا، فنقول أن من رأى في منامه شجرة خضراء نبتت في دمنة، فيُحتمل أن تدل على امرأة حسناء نشأت في بيئة فاسدة؛ والدليل هو وجود تشابه بين الحالتين، وهكذا، أخذنا معنى الحديث الضعيف، وركَّبنا عليه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير الرؤى، فاستفدنا منه في تفسيرها دون حرج.
مثال 2:
جاء في حديث موضوع: (أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك) (السلسلة الضعيفة)، فإذا رأى شخص في منامه أنه يخدم الله (عزَّ وجلَّ)، فهل يمكن تفسير هذه الرؤيا بأن معناها أن الله (سبحانه) سيسخر له الدنيا لتخدمه، بمعنى أنها دنيا مقبلة عليه؟ الجواب: لا يجوز الاستدلال بحديث موضوع كحديث في ذاته لتفسير رموز الرؤيا، بل نأخذ منه معناه فقط.(1/111)
ثم ننظر في هذا المعنى، هل يتفق مع الشريعة الإسلامية؟ هل لمعناه أصل فيها؟ الجواب: نعم؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له» (حديث صحيح - رواه الترمذي)، وكذلك قوله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إنَّ الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسُدُّ فقرك، وإلَّا تفعل ملأت يديك شُغلاً، ولم أسُدَّ فقرك» (حديث صحيح - رواه الترمذي)، فهذا أول شرط قد تحقق.
ثم ننظر في معنى الكلام ثانية، هل يمكن أن نطبق عليه قاعدة صحيحة من قواعد تفسير رموز الرؤى؟ والجواب: نعم، يمكن أن نأتي بدليل على هذا المعنى من القرآن الكريم، وهو قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافَّات : 39]، فالجزاء من جنس العمل، فمن خدم الله (سبحانه) في الرؤيا دل على أن الله (تعالى) يُسخر له الدنيا تخدمه في اليقظة، وهكذا يمكن أن نقول أن من رأى في منامه أنه يخدم الله (تعالى)، فيُحتمل أن يدل ذلك على أن الدنيا بمتاعها مقبلة عليه؛ لقول الله (تعالى): {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الصافَّات : 39].
مثال 3:
جاء في حديث ضعيف: «أنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) وقف على مزبلة، فقال: هَلُمُّوا إلى الدنيا، وأخذ خرقاً قد بَلِيَت على تلك المزبلة، وعظاماً قد نُخِرت، فقال: هذه الدُّنيا» (شُعَب الإيمان)، فهل يجوز بناء على هذا الحديث أن نفسر رؤيا المزبلة بأنها الدنيا، وأنَّ ما فيها من قمامة هي نعيم الدنيا الذي يتنافس فيه الناس؟ والجواب: لا يجوز الاستدلال بحديث ضعيف في تفسير رؤيا، ولكن نأخذ معناه.(1/112)
ثم ننظر إن كان المعنى متفقاً مع الشريعة الإسلامية أم لا، وفي هذه الحالة فهو يتفق معها؛ لأن المزبلة مكان الأشياء الهالكة، والدنيا كلُّها إلى هلاك، يقول الله (عزَّ وجلَّ): {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص : 88]، فهذا شرط قد تحقق.
ثم ننظر في إمكانية تطبيق قاعدة من القواعد الصحيحة لتفسير الرؤى عليه، فنجد تشابهاً بين الدنيا والمزبلة؛ لأنَّ الدنيا كلَّها إلى هلاك، والمزبلة هي مكان يجتمع فيه كل شيء هالك، فكأن الهلاك هو معنى مشترك أو وجه شبه بين الدنيا والمزبلة، وكذلك فالهلاك هو وجه شبه بين نعيم الدنيا والقمامة؛ للاشتراك في نفس المصير (صفة مشتركة)، وهكذا يمكن أن نقول أن من رأى في المنام مزبلة، فيُحتمل أن تدل على الدنيا، أما القمامة فقد تدل على نعيم الدنيا، والدليل على ذلك هو وجود تشابه بين الدنيا والمزبلة، وبين نعيم الدنيا والقمامة. والله (تعالى) أعلم.
98. كيف يتم تفسير الرؤى بالكناية؟
المقصود بالكناية هو أن يأتي رمز في المنام ويكون له دلالة على معنى معين غيره ولكنه يرتبط به في حياة الناس، والكنايات في الرؤيا كثيرة جداً، بل ومن أكثر ما يمكن أن يواجه المفسر في الرؤى، وهي معروفة عند غير المسلمين، ويستخدموها في تفسير رؤاهم، ومن أمثلتها:
1. شخص رأى في المنام أنه نظيف اليد، فيُحتمل أن يدل ذلك على الأمانة وعدم السرقة.
2. شخص رأى في المنام أعمى، فيُحتمل أن يدل ذلك على الضلال.
3. شخص رأى في المنام أنه تائه، فيُحتمل أن يدل له ذلك على التخبط والضياع في حياته.
4. شخص رأى في المنام أنه يبتسم، فيُحتمل أن يدل له ذلك على السرور.
5. شخص رأى في المنام أن رائحة جسمه سيئة، فيُحتمل أن يدل له ذلك على سوء سمعة.
6. شخص رأى في المنام أنه قد شفى من مرض، فيُحتمل أن يدل ذلك له على زوال هموم أو تحسن أحوال.
7. شخص رأى في المنام أنه متنكر في ملابس غير ملابسه، فيُحتمل أن يدل ذلك له على النفاق.(1/113)
8. شخص رأى في المنام أن يغير ملابسه القديمة بملابس جديدة، فيُحتمل أن يدل له ذلك على حياة جديدة.
9. شخص رأى في المنام أن يطير في السماء، فيُحتمل أن يدل له ذلك على رفعة شأن.
10. شخص رأى في المنام أنه يلبس ذهباً، فيُحتمل أن يدل له ذلك على غِنى.
11. شخص رأى في المنام أن طارقاً يطرق عليه الباب، فيُحتمل أن يدل له ذلك على خبر جديد يصل إليه.
12. شخص رأى في المنام أنه يحمل طفلاً ثقيلاً، فيُحتمل أن يدل له ذلك على المسئولية الثقيلة.
وقد ورد في تفسير الرؤيا بالكناية حديث ضعيف، جاء فيه: «اعتبروها بأسمائها، وكَنُّوها بكُنَاها» (رواه ابن ماجة)، والحديث يشير إلى تفسير الرؤى بقاعدة الأسماء وبقاعدة الكنايات، ورغم ضعف إسناد الحديث إلا أن معناه صحيح. والله (تعالى) أعلم.
99. كيف يتم تفسير الرؤى بالأسماء؟
تفسير الرؤى بالاسماء هو أن يكون لشخص أو لشيء في الرؤيا اسم معين، فيدل ذلك على معنى هذا الاسم أو معنى مشتق منه. وقد فسر النبي (صلى الله عليه وسلم) رؤيا باستخدام هذه القاعدة، ومن أمثلة التفسير باستخدام هذه القاعدة:
مثال 1: شخص رأى في المنام رجلاً اسمه «سعيد»، فيُحتمل أن يدل للرائي على السعادة.
مثال 2: شخص رأى في المنام أنه يحمل كتاباً من تأليف «راجي عِنايِت»، فيُحتمل أن تدل الرؤيا لهذا الشخص على أنه يحتاج لمن يعتني به، فـ«راجي» من الرجاء، و«عِنايِت» من العِناية.
مثال 3: شخص رأى في منامه أنه رأى شخصاً اسمه «عِصام فؤاد»، فيُحتمل أن تدل هذه الرؤيا على معنى حفظ القلب، أو عصمته، أو بعده عن شيء معين، فـ«عِصام» من العِصمة، و«فؤاد» أي قلب.(1/114)
مثال 4: وهذه رؤيا حقيقية، وهي أن شخصاً رأى في منامه أنه يسأل عن شخص كافر (والعياذ بالله تعالى)، فيُقال له أنه في «المِيْنَار»، وكأن هذا المكان هو اسم لفندق أو نحوه، فيُحتمل أن تدل هذه الكلمة على العذاب الأليم لهذا الشخص (المسئول عنه)؛ لأنه يمكن اشتقاق كلمتين منها، وهما (نار) و(أليم).
مثال 5: شخص رأى في منامه امرأة سوداء، فيُحتمل أن تدل في المنام على مرض سيء (عافنا الله تعالى وإياكم)؛ لأنه يمكن اشتقاق كلمتين منها، وهما «داء» و«سوء».
مثال 6: شخص في بلد صحراوي رأى شخصاً اسمه «عبد الرحمن مَطَر»، فيُحتمل أن تدل هذه الرؤيا له على رحمة من الله (تعالى) بإنزال المطر، فالرحمة من «عبد الرحمن»، والمطر من «مَطَر».
مثال 7: شخص رأى شخصاً اسمه «عبد الكريم زَيدَان»، فيُحتمل أن تدل هذه الرؤيا له على أن الله (تعالى) يكرمه، ويزيده من فضله، فالكرم من «عبد الكريم»، والزيادة من «زيدان».
مثال 8: شخص رأى شخصاً اسمه «محمود مجدي»، فيُحتمل أن يدل ذلك على رفعة شأن وسمعة طيبة؛ لأن الحمد من «محمود»، والمجد من «مجدي».
100. كيف يتم تفسير الرؤى بدلالة الجغرافيا، والفصول المناخية، والمواسم الزراعية، وأماكن زراعتها، والمواسم التجارية، ونحو ذلك؟
قال بعض مفسري الرؤى أن المواسم والفصول هي من الأحوال التي تتغير معها دلالات رموز الرؤيا، فرؤيا الخضروات والفواكه مثلاً في المنام في أثناء موسم نضجها في الواقع قد يكون لها معنى الخير، والوفرة، والنضج، بينما يختلف المعنى في غير موسمها، فقد يدل حينئذٍ على النقص، والندرة، وعدم النضج، وذلك لأن هذه الأشياء ترتبط بهذه المعاني في الوقت الذي رأى فيه الشخص الرؤيا، وكذلك، قيل أن رؤيا الفاكهة أو الخضار عند مواطني البلاد التي تزرع فيها بشكل معتاد قد تدل على الخير، بينما قد تدل عند غيرهم على الهموم.(1/115)
وقيل كذلك أن رؤيا البضائع في المنام أثناء موسم رواجها في الواقع قد تدل على معاني الخير، بينما رؤياها في المنام في موسم كسادها قد تدل على معاني الشر، وكذلك، رؤيا المدرسة في أثناء السنة الدراسية قد تدل على معاني الخير، بينما رؤيا المدرسة في أثناء العطلة الصيفية قد تدل على معاني الهم وتعطيل الأمور، وكذلك، رؤيا ضابط الجيش في أثناء وجوده بالخدمة غير رؤياه بعد خروجه إلى التقاعد، فهذه قد تدل على العمل أو القوة، وتلك قد تدل على البطالة أو الضعف...وهكذا.
وقيل كذلك أن رؤيا البحر لسكان المناطق الساحلية أفضل من رؤياه لسكان المناطق الداخلية، ورؤيا الأنهار أفضل للساكنين على ضفافها من رؤياها عند غيرهم؛ لارتباط هذه الأشياء بهؤلاء واعتيادهم عليها، بينما لا يوجد ذلك عند أولئك.
ورغم أن هذه القاعدة قد تصلح لتفسير بعض الرؤى إلا أنها لا يمكن تعميمها، ولا التعويل عليها بشكل كبير في تفسير الكثير من الرؤى، فمثلاً، رؤيا الخضروات والفواكه في غير موسمها، والبضائع في أوان كسادها، والمدرسة في أيام العطلة قد تدل على زوال عجز وتمكين؛ لأن الإنسان يعجز عن الحصول على هذه الأشياء في هذه الأوقات، وكذلك رؤيا الخضروات والفواكه في أماكن لا تُزرع فيها قد يدل للرائي على معاني مرتبطة بالبلاد التي تُزرع فيها هذه الأشياء كالسفر مثلاً أو رزق يأتي من هذه البلاد.
وبناء على ذلك ينبغي للمفسر أن يحترس في تطبيقه لهذه القاعدة على إطلاقها، وأن يتحرى جيداً عن أحوال من يفسر لهم رؤاهم حتى يختار التفسير المناسب لكل شخص، ولا أنصح المسلمين بالمبالغة كثيراً في تفسير الرؤى بدلالة المواسم الزراعية والتجارية ونحو ذلك. والله (تعالى) أعلم.
101. كيف يتم تفسير الرؤى بثقافات وعادات وقوانين المجتمعات والشعوب؟(1/116)
ثقافات الشعوب وعاداتها وقوانينها لها صلة كبيرة بتفسير رموز الرؤى؛ لأن دلالات الأشياء تختلف كثيراً من شعب إلى آخر بحسب ما يحكمه من قواعد وأفكار وتصورات للدين وللحياة.
ومن أمثلة ذلك:
مثال 1: الكلب في بعض البلاد رمز سيء يدل على الذل والإهانة والدونية، بينما هو في بلاد أخرى حيوان مكرَّم محبوب من الناس، وبالتالي، فقد يدل الكلب في رؤيا أهل هذه البلاد أو تلك على المعاني المرتبطة به في ثقافتهم، وقد تختلف دلالة الكلب في الرؤيا من شعب لآخر بناء على هذا الاختلاف في النظرة له.
مثال 2: العملات العالمية هي رمز في بلادها للعملة الوطنية والتي يسهل الحصول عليها، بينما يطلقون عليها في بعض البلاد الفقيرة «العملة الصعبة»، أي التي يصعب الحصول عليها، فيُحتمل أن تدل هذه العملات في المنام عند أهلها ومواطني بلادها على معاني تختلف عما قد تدل عليه من معاني عند أبناء الدول الفقيرة، فقد تدل لهؤلاء على اليُسر، بينما تدل لأولئك على العُسر، وقد تدل لهؤلاء على معاني الوطنية والقومية، بينما قد تدل لغيرهم على معنى الغربة، وقد تدل لهؤلاء على معنى العادي والمألوف، بينما قد تدل لأولئك على معنى ما هو غير عادي وغير مألوف.
مثال 3: قيادة السيارة للمرأة ممنوعة قانوناً في بعض البلاد، بينما هي غير ممنوعة في غيرها، وبالتالي، فقد تدل رؤيا قيادة السيارة للمرأة في البلاد الممنوعة على معاني تختلف عن معانيها عند مواطني البلاد الأخرى، فقد تدل مثلاً هذه الرؤيا للمرأة في هذه البلاد على ارتكاب مخالفة، بينما قد لا تدل عند أهل البلاد الأخرى على هذا المعنى.
مثال 4: الرقم 13 مرتبط عند بعض الشعوب غير المسلمة بالشر والتشاؤم، بينما لا يوجد ذلك عند المسلمين (بفضل الله تعالى)، وبالتالي، فإن هذا الرقم قد يدل على الشر في رؤى من يرتبط عندهم بهذا المعنى، بينما قد لا يدل على ذلك عند غيرهم.(1/117)
مثال5: يعتقدون في الأوساط الشعبية في مصر أن الرقم خمسة يدفع الحسد، وبالتالي، فقد يدل هذا الرقم في رؤاهم على نجاة من الحسد (ولا مجال هنا لمناقشة عدم مشروعية هذا الاعتقاد من الناحية الشرعية؛ لأن مثل هذه الأشياء قد تأتي في الرؤى كرموز للدلالة على معاني معينة، بصرف النظر عن حكمها الشرعي، فليست الرؤى مجالاً لتأصيل الأحكام الشرعية).
والله (تعالى) أعلم.
102. كيف يتم تفسير الرؤى بدلالة مواضع الأشياء؟
المقصود بتفسير الرؤى بدلالة مواضع الأشياء هو ارتباط تفسير الرمز في الرؤيا وتأثر معناه بالحالة الواقعية للموضع الذي رؤي فيه في الرؤيا.
مثال 1: نفترض أن شخصاً لديه في بيته جهاز تلفاز خَرِب لا يعمل قد رأى في المنام أن ابنه واقف في المكان الموجود فيه هذا التلفاز في الحقيقة، أي كأن الولد يقف في نفس المكان بدلاً من الجهاز الموجود في هذا المكان في الواقع، فهنا ينبغي للمفسر أن يعلم أن وقوف الولد في الرؤيا في هذا المكان بالذات مقصود وله دلالة والتي عادة ما تكون صفة لها علاقة بالشيء الموجود في هذا الموضع، ففي المثال السابق مثلاً، ربما يدل وجود الولد في الرؤيا مكان هذا الجهاز في اليقظة على أن الولد لا خير فيه؛ لأن جهاز التلفاز لا يفيد بشيء، أو أن الولد عاطل عن العمل؛ لأن الجهاز معطل.
مثال 2: شخص رأى في منامه أن مكان جهاز الفيديو في البيت قد تغير فأصبح في المكان المخصص لصندوق القمامة في الواقع، فربما يكون في ذلك حث للرائي على التخلص من هذا الجهاز لفساده أو أذاه؛ لأن وجود الفيديو في المنام في موضع القمامة في اليقظة معناه أن الرؤيا تريد إضفاء صفة من صفات القمامة على هذا الجهاز وهي الأذى، أو الفساد، أو الحث على التخلص منه...إلخ.(1/118)
مثال 3: شخص رأى في المنام أباه يجلس في مكان يوجد فيه في الواقع حقيبة سفر، فهذا ربما يدل على أن الأب سوف يسافر؛ لأن الحقيبة مرتبطة بالسفر، ووجود الوالد في الرؤيا في موضوعها في اليقظة يدل على إضفاء صفة مرتبطة بها عليه، وهي السفر.
والله (تعالى) أعلم.
103. كيف يتم تفسير الرؤى بالمعنى الشخصي؟
يُقصد بالمعنى الشخصي في تفسير الرؤى أن يكون لرمز الرؤيا دلالة شخصية خاصة بالرائي فقط، ولا تنطبق على غيره، وبالتالي، تدخل في تفسير رؤياه:
مثال 1: نفترض أن شخصاً رأى في منامه أنه يأكل جُبناً، فالجُبن جميل، ويأكله الناس، ويستمتعون به، ولكن نفترض أن هذا الشخص يكره أكل الجُبن، فبناء على ذلك، قد يتم تفسير الجبن في رؤيا هذا الشخص على أنه شيء سيء؛ لأنه يرتبط عنده بمعنى سيء.
مثال 2: نفترض أن شخصاً يحب أكل الضفادع قد رأى نفسه في المنام يأكلها، فالضفادع مكروهة من أغلب الناس، وترتبط بمعاني مقززة، إلا أنها في رؤيا هذا الشخص قد تدل على الخير؛ لأن لها معنى شخصي عنده مرتبط بالخير.
والله (تعالى) أعلم.
104. كيف يتم تفسير الرؤى بالمعنى المقلوب؟
الأصل أن هناك رموزاً في الرؤيا يدل ظاهر معناها على الفساد؛ لأنها ارتبطت بمعنى الفساد عند المسلمين، وهذه الرموز تُفسر في الرؤى على معنى الفساد عادة؛ وعلى العكس من ذلك، فهناك رموز في الرؤى يدل ظاهر معناها على الصلاح؛ لأنها ارتبطت عند المسلمين بالصلاح، وهذه الرموز تُفسر في الرؤى على معنى الصلاح عادة.
ومن أمثلة رموز الرؤى التي يدل ظاهر معناها عادة على الفساد: شرب الخمر، والصليب، واليد المغلولة إلى العُنُق، وقتل النفس التي حرَّم الله (عزَّ وجلَّ)، بينما من أمثلة رموز الرؤى التي يدل معناها عادةً على الصلاح: الجلباب الأبيض، واللحية، والمسبحة، والسواك، ورؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم).(1/119)
ولكن الأمور لا تسير دائماً على هذا المنوال، ففي بعض الأحيان تتحقق شروط معينة في الرائي والرؤيا تَقلِب تفسيرات رموز الفساد الظاهرة فيها إلى أخرى صالحة، بينما تقلب تفسيرات رموز الصلاح الظاهرة في الرؤيا إلى أخرى فاسدة، فقد تُفسَّر رؤيا شرب الخمر، والصليب، واليد المغلولة إلى العُنُق أحياناً على معاني الخير، بينما قد تُفسَّر رؤيا الجلباب الأبيض، والسواك، والمسبحة على معاني الفساد.
ودليل هذه القاعدة هو قول الله (عزَّ وجلَّ) في شأن رؤيا الصالحين: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} [يونس : 64]، فالصالحون مبشَّرون برؤى الخير عادة، وبالتالي، فإن تفسير رؤاهم محمول على الخير والصلاح غالباً، ولو فَسَد ظاهرها، وعلى العكس من ذلك، رؤى الفاسدين والمفسدين، فهؤلاء لا بشرى لهم من الله (تعالى) غالباً، فتفسير رؤاهم محمول على الشر عادة، ولو صلح ظاهرها.(1/120)
كذلك، يدل على هذه القاعدة حديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن عائشة (رضي الله تعالى عنها) قالت: «كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف يعني في التجارة فأتت رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقالت: إن زوجي غائب، وتركني حاملاً، فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلاما أعور، فقال: «خير، يرجع زوجك إن شاء الله صالحاً، وتلدين غلاما برّاً»، فذكرت ذلك ثلاثاً، فجاءت ورسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) غائب، فسألتها فأخبرتني بالمنام فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاماً فاجراً، فقعدت تبكي فجاء رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، فقال: «مه يا عائشة! إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها» (حديث حسن - فتح الباري)، فدل هذا الحديث على أن رؤيا المسلم الصالح يتم تفسيرها على معاني الخير، ولو كان ظاهرها شراً، وكذلك على العكس، وهو أن رؤيا الشخص الفاسد يتم تفسيرها على معاني الشر، ولو كان ظاهرها خيراً.
وتفسير الفساد والصلاح في رموز الرؤيا متعلق بالرائي أو بمن رؤيت له الرؤيا، وليس متعلقاً بالرموز نفسها، بمعنى أن الخمر والصليب مثلاً ليسا خيراً، بل هما شر كبير، ولكن دلالتهما على الخير في رؤيا المسلم الصالح هي بسبب صلاحه، وليست لأنهما خيراً، وكذلك رموز الخير في الرؤيا ربما تدل للرائي الفاسد على الشر، ولا يكون الشر متعلقاً بها، بل يكون متعلقاً بفساد الرائي نفسه.
ولكي يتم تطبيق هذه القاعدة، وقلب المعنى، فلابد من توافر عدة شروط مهمة، وهي:(1/121)
1. أن يكون الرائي مسلماً، مؤمناً، صالحاً، وأن يعلم مفسر الرؤى بذلك، أو أن يكون الرائي فاسداً، وأن يعلم مفسر الرؤى بذلك، بمعنى أن يكون المفسر عالماً بالرائي، عارفاً بصلاحه من فساده جيداً حتى يجوز له تطبيق هذه القاعدة بأمان، أمَّا إن كان الشخص مجهول الحال لدى مفسر الرؤى، أو أن المفسر لا يستطيع التأكد من أحواله جيداً، فالأولى ألَّا يتم تطبيق هذه القاعدة.
2. ألَّا يكون الرائي مرتكباً في الواقع للمعصية التي رآها في الرؤيا أو لمعنى المعصية الذي يدل عليه رمز الرؤيا، أو ألا يكون فاعلاً للخير الذي رآه في الرؤيا أو لمعنى الخير الذي يدل عليه رمز الرؤيا، بمعنى أنه مثلاً إذا كان الرائي مداوماً على قراءة القرآن الكريم في الواقع، ورأى ذلك في منامه، فلا ينبغي قلب تفسير هذا الرمز على الشر، ولو كان في عمل الرائي فساد، وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان الرائي مثلاً شارباً للخمر في الواقع (عياذاً بالله تعالى)، ورأى ذلك في منامه، فلا ينبغي قلب تفسير هذا الرمز على الخير، ولو كان في الرائي صلاح.
3. ويُستَحَبُّ توافر شرط آخر في الرؤيا يزيد من ترجيح ضرورة قلب معناها - خصوصاً إذا كان المفسر لا يعلم يقينياً بصلاح الرائي أو فساده -، وهو أن تكون في الرؤيا علامات أو رموز معينة أخرى تُرجِّح قلب تفسير الرمز الفاسد فيها على الصلاح أو قلب تفسير الرمز الصالح فيها على الفساد، وعلى الرغم من أنَّ أن هذا الشرط ليس شرطاً ضرورياً، وكذلك، وعلى الرغم من أنه لا يغني وحده عن الشرطين الأول والثاني، إلَّا أنه أفضل، وأقوى، وأقرب للصواب، وللتثبت في تفسير الرؤى.(1/122)
ومن أهم أمثلة هذه القاعدة، وكذلك، فهو أهم دليل عليها، هو ما جاء في الأثر أنه قد «مرَّ صُهيبٌ بأبي بكر الصِّديق (رضي الله تعالى عنه)، فأعرض عنه (أي أعرض صُهيب عن أبي بكر)، فقال أبو بكر له: «مالك أعرضت عني، أبلغك شيء تكرهه؟»، قال: «لا، والله إلَّا الرؤيا رأيتها لك كرهتها»، قال: «وما رأيت؟»، قال: «رأيت يدك مغلولة إلى عنقك على باب رجل من الأنصار يُقال له أبو الحَشر»، فقال أبو بكر: «نِعمَ ما رأيت، جُمِعَ لي ديني إلى يوم الحَشر» (أثر صحيح - فتح الباري).
ومعنى الأثر أنَّ صُهيباً قد رأى رؤيا في سيدنا أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه وأرضاه) أنَّ يده الشريفة مغلولة إلى عنقه على باب بيت رجل من الأنصار اسمه «أبو الحشر»، ففسر صهيب هذه الرؤيا التفسير العادي، حيث يدل المعنى الظاهر منها على إلحاق صفة البُخل المذمومة بالرائي؛ لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء : 29]، إلَّا أنَّ أبا بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) قد قَلَبَ هذا المعنى في التفسير، ففسَّره على معنى الخير، رغم فساد ظاهره، ورغم قوة الدليل على فساد هذا الظاهر في رمز الرؤيا.
وبتحليل هذا الأثر وتطبيق الشروط السابقة لقلب المعنى، يتبين لنا الآتي:
1. أنَّ الرائي صالح صلاحاً يقينياً معلوماً (هو سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه وأرضاه) ).
2. أن الرائي ليس بخيلاً، فهو لا يرتكب في الواقع معنى الفساد الذي يدل عليه ظاهر رمز الرؤيا.(1/123)
3. أن الرؤيا قد ورد فيها رمز يُرجِّح كون الرمز الآخر - ظاهر الفساد – يجب قلب تفسيره على الصلاح، وهو وقوف سيدنا أبي بكر الصديق على باب رجلٍ من الأنصار، وهم الذين شهد لهم الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم) بالصلاح في قوله: «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (رواه البخاري)، فوجود بيت هذا الرجل الصالح في الرؤيا علامة قد تؤكد صحة قلب الرمز الفاسد في الرؤيا على معنى الصلاح.
- كيف تتم عملية قلب المعنى من الفساد إلى الصلاح؟
لا يمكن إنكار صعوبة تطبيق هذه القاعدة، وأنها قاعدة متقدمة في تفسير الرؤى، وأنها تحتاج في كثير من الأحيان إلى موهبة وتدريب لمفسر الرؤى، ولكن يمكن القيام بهذه العملية عموماً كالتالي:
1. إذا كان للمعنى الفاسد إثم ونفع استُبعِد معنى الإثم وفسرت الرؤيا بالنفع، كتفسير رؤيا الخمر بأنها للمهموم نسيان همومه؛ لأنها تُسكِر فينسى الإنسان بها الهموم، أو للمريض بأنها تسكين لآلامه؛ لأنه يغيب عن الوعي بآلامه بشربها، أو تفسير رؤيا تدخين السجائر بأنها راحة للأعصاب، وزوال للتوتر، أو تفسير رؤيا السينما بأنها أوقات سعيدة، ولطيفة، ومسلية، أو تفسير رؤيا ارتداء الصليب بإنه نجاة من أذى قوم نصارى؛ لأنهم لا يؤذون من يرتديه؛ أو بزواجه من امرأة نصرانية؛ لأنه من الملبوسات، وذلك بالرغم من المعنى السيء الظاهر لكل هذه الرموز السابقة.
2. إذا كان على تفسير الرمز دليلان من قواعد تفسير الرؤى على معنيين متناقضين، أحدهما فاسد والآخر صالح يؤخذ المعنى الصالح، كاللون الأسود قد يدل في المنام على الحزن والكآبة (قاعدة الكناية)، وقد يدل على معنى السيادة (قاعدة الجناس)، وكذلك، اللون الأبيض، فقد يدل في الرؤيا على السعادة (قاعدة الكناية)، وقد يدل على الحزن؛ لقول الله (تعالى): {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف : 84].(1/124)
3. تحديد، وتوصيف، وتفسير دلالة المعنى الفاسد الذي يدل عليه الرمز، ثم تحويله إلى فضيلة موازية له، بحيث تتلائم مع أحوال الصالحين.
فمثلاً نأخذ رؤيا صهيب (رضي الله تعالى عنه) في أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه)، ونحاول أن نفهم كيف قام الصديق (رضي الله تعالى عنه) بقلب المعنى الفاسد في تفسير الرؤيا إلى معنى صالح:
أ. الرمز: اليد المغلولة إلى العُنُق.
ب. دلالته وتوصيفه وتفسيره: جمع المال وعدم إخراجه.
ج. الفضيلة الموازية لهذه الرذيلة، والتي تليق بالصالحين: جمع الدين وعدم انفراطه.
فكما يبخل الفاسد بماله، فلا يفرط فيه أبداً، يبخل الصالح بدينه، فلا يفرط فيه أبداً.
وإليك المزيد من الأمثلة لتوضيح هذه القاعدة:
مثال 1: رأى واحد من الصالحين في منامه أن تلفاز بيته قد تغير مكانه فأصبح باتجاه القِبلة، وكأن التلفاز يعرض برنامجاً لتعليم السِّحر على قناة تُسمَّى «كُنُوز»، أما مقدم البرنامج فهو ممثل مشهور يشتهر بأدوار الرجل الوَقُور، وعلى المنضدة التي يجلس عليها صليب وجماجم بشرية، وكان الممثل يتحدث بصوت منخفض وكلام قليل جداً، وكان الرجل الصالح في الرؤيا كارهاً لهذا الذي يراه في التلفاز، وكلما حاول تغيير القناة عادت مرة أخرى، فقام بتخفيض الصوت حتى لا يسمع.
في هذه الرؤيا يظهر المعنى السيء جداً لهذه الرموز، إلَّا أن صلاح هذا الرجل (الشرط الأول)، وعدم ممارستة للسحر أو تعلمه له (الشرط الثاني)، واتجاه التلفاز نحو القِبلة (الشرط الثالث المُستَحَب) جعل المفسر يفسر كل هذه الرموز على معاني الخير.(1/125)
فأما التلفاز المتجه للقبلة فهو زوجة على كتاب الله ( عزَّ وجلَّ) وسنة رسولة (صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأما اسم القناة «كنوز»، فإنها امرأة غنية، وأما برنامج تعليم السحر، فإنها امرأة جميلة، وأما صوت الممثل المنخفض وكلامه القليل، فإنها امرأة هادئة وديعة، وأما الصليب، فإنها تعيش في دولة نصرانية، وأما الجماجم، فإنها امرأة ذاكرة للموت، وهذا علامة صلاحها، وأما عودة القناة كلما حاول تغييرها، فهو إقبال الزوجة عليه، وتوددها له، وأما كراهته لما يراه فهو حُبِّه لزوجته وخير يأتيه منها(1)، وأما تخفيضه للصوت فهو تعليمه زوجته لأخلاقيات الإسلام(2).
مثال 2: رأى أحد الصالحين في منامه أنه يرتدي سروالاً مُشمَّرَاً أَسفَلَه إلى ما فوق الكعبين، فقام بفكِّه إلى أسفل الكعبين.
ظاهر هذه الرؤيا سيء؛ لأنها قد تدل على الكِبر والخيلاء؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلم): «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» (رواه البخاري)، إلَّا أنها لصلاح الرائي دلت له على بشرى بعلو المنزلة ورفعة الشأن، فتحول المعنى من مذموم لا يليق بالصالحين إلى محمود لائق بهم (انظر كيف تتم عملية قلب المعنى، رقم 3).
مثال 3: رأى أحد الصالحين في منامه أنه يرتدي قميصاً جميلاً ذا لون أزرق فاقع.
اللون الأزرق يدل عادة في الرؤيا على معنى سيء؛ لأنه علامة يشتهر بها المجرمون في الآخرة، ويتميزون بها عن غيرهم؛ لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً} [طه : 102].
__________
(1) لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة : 216]، وكذلك قول الله (سبحانه): {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت : 34]، فهذا تفسير بالضِّد.
(2) لأن لقمان كان يعلم ابنه الأخلاق فيقول له - كما في قول الله (عزَّ وجلَّ): {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} [لقمان : 19].(1/126)
ولكن؛ لأن الرائي صالح؛ ولأن شكل القميص جميل، واللون زاهٍ قُلِب المعنى، فالقميص هو بشرى بزوجة(1)، أمَّا لونه الأزرق فإنها امرأة مشهورة متميزة عن الآخرين في الخير.
مثال 4: رأى أحد الصالحين في منامه أن صليباً مطبوعاً على عُرُوق رُسغِه، كما يفعل النصارى في بعض البلاد مع أولادهم عندما يولدون.
هذه الرؤيا سيئة الظاهر جداً، وقد تدل على الكفر - والعياذ بالله (تعالى) -، إلَّا أنه لصلاح الرائي دلت له هذه الرؤيا على الحصول على تأشيرة وإقامة في دولة نصرانية؛ لأن الصليب المطبوع على اليد يُعطي الشرعية للشخص لدخول الكنيسة والبقاء فيها كما تُعطيه التأشيرة والإقامة الشرعية للبقاء في دولة نصرانية.
مثال 5: رأى أحد الصالحين في منامه أنه يُصلي برجالٍ مسلمين من خلفهم، أي أنه يقف خلف آخر صف للمصلين ويرى ظهورهم، وكأنه قرأ في الركعة الأولى بسورة الفلق بإتقان وجودة، ثم في الثانية بسورة الإخلاص، إلَّا أنه امتنع أن يبدأها ببسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنه اعتقد (أي في الرؤيا) أن هذا مخالف لمذهب المصلين، أو أنه سيكون غريباً عليهم.
وهذه رؤيا يدل ظاهرها على الفساد؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «خيرُ صفوفِ الرجالِ أوَّلُها، وشرُّها آخِرُها» (رواه مسلم)، إلَّا أنه لصلاح الرائي (شرط أول واجب)، ولقراءته سورة الفلق بإتقان وجودة (شرط ثانٍ مستحب)، يمكن قلب المعنى في تفسير الرؤيا.(1/127)
فإمامة الرجل للرجال المسلمين هو خدمته للإسلام والمسلمين، أمَّا إمامته لهم من خلفهم فهو علامة على الإخلاص والبعد عن الرياء؛ لأنهم لا يَرَونه، وقراءته لسورة الفلق بجودة وإتقان هو دفاعة عن الإسلام والمسلمين ودفعه الشر عنهم بإحسان، وقراءته لسورة الإخلاص هو تعليمه الناس الإسلام، وعدم قراءته للبسملة مراعاة للناس هو تعليمه لهم الإسلام بما يتناسب مع أحوالهم وأفهامهم، فيراعيها ولا يتصادم معها، وذلك في حدود الشرع؛لأن عدم قراءة البسملة في السورة في الصلاة لا يخرج عن الشرع.
مثال 6: رأى أحد الصالحين في منامه أن ناساً يقفون عند منصة أو منضدة يقف خلفها موظف يقوم بتسليمهم أشياء خاصة بهم، وكأن الرائي واحد منهم، وكأن له سروالاً - عند هذا الموظف - يريد أن يستلمه، إلَّا أنه انفرد بالموظف بعيداً عن الناس وأعطاه رشوة (ورقة نقدية من فئة المائة)؛ بغرض أن يتخطى الناس الواقفين، ويستلم سرواله بسرعة.
هذه رؤيا يدل ظاهرها على الفساد، فقد جاء في الحديث الشريف: «لَعَنَ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) الراشي والمرتشي» (حديث صحيح – رواه أبو داود)، إلا أنه لصلاح الرائي قُلِب المعنى إلى خير.
فأمَّا هؤلاء الناس فهم أصحاب الحاجات يسعون فيها ويطلبوها، وأمَّا الموظف فهو أسباب قضائها، وأمَّا المائة التي قدَّمها الرائي للموظف فهي صبر(1)الرائي على بلائه، وأمَّا الرشوة بهذه المائة فهي صبر الرائي جعله الله (عزَّ وجلَّ) سبباً يكفيه به المشقة، والهم، والانتظار الطويل في تحصيل حاجته.
__________
(1) لقول الله (تعالى): {مِئَةٌ صَابِرَةٌ} [الأنفال : 66].(1/128)
مثال 7: رأى أحد المسلمين الصالحين في منامه أنه مع قِسِّيس من قساوسة النصارى في مكان، وأن كليهما أراد أن يمُرَّ من نفس المكان في نفس الوقت، فتنازل الرائي للقِسِّيس فسمح له بالمرور قبله قائلاً له: تَفَضَّل يا أبانا(1)، فقال القِسِّيس: الحمد لله.
هذه رؤيا يدل ظاهرها على الفساد، بل قد يدل على الخروج من الإسلام - والعياذ بالله (تعالى) -، إلا أنه لصلاح الرائي قُلِب المعنى إلى خير.
أمَّا القِسيس فهو مدير كبير في إحدى المؤسسات الأوروبية، وأمَّا قول الرائي: يا أبانا، فإن الرائي ينتسب لهذه المؤسسة ويعمل تحت رئاسة هذا الشخص، أمَّا سماح الرائي للقِسِّيس بالمرور فهذه سماحة الإسلام وأخلاقه يعامل بها الرائي هذا الشخص، وأما قول القِسِّيس: الحمد لله، فهو دخوله في الإسلام(2)تأثراً بهذه المعاملة التي عاملها له الرائي المسلم.
مثال 8: رأى أحد الصالحين في منامه أنه يصعد على سلم في مركز تجاري بغرض شراء أقراص موسيقية، وكان يستمع لموسيقى أجنبية طوال سيره في المكان، وكان مسروراً بها، وكأنه يريد شراء أغنية غربية معينة لا يعرفها، وكأنه يريد أن يهاتف شخصاً آخر ليسأله (شخص فاسد في الواقع)؛ لأنه – أي الرائي - يعرف هذه الأغنية.
هذه الرؤيا في ظاهرها لا تليق بالصالحين، وقد يدل ظاهرها على الفساد والغفلة عن الله (عزَّ وجلَّ)، إلَّا أنه لصلاح الرائي قُلِب المعنى إلى خير.
__________
(1) كما يخاطب النصارى قساوستهم فيقولون: يا أبانا، أيها الأب...إلخ.
(2) لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف : 43].(1/129)
فأما المركز التجاري فهو مكان رزق ونعمة، وأما الصعود فهو رفعة شأن، وأما الموسيقى الأجنبية فهي سرور يناله في هذا المكان، وأما جهله بالأغنية فهو أقوى في معنى السرور، أمَّا عِلم الشخص الفاسد بالأغنية فهو نذير سوء له(1)(والعياذ بالله تعالى).
مثال 9: رأى أحد الصالحين في منامه صليباً معلقاً على الحائط، ومكتوباً تحته عبارة: «انشراح الصدر»، فكرهه.
هذه رؤيا أيضاً ظاهرها الفساد، فكيف يكون انشراح الصدر تحت الصليب؟! وكيف يجتمعان معاً؟!
ولكن لصلاح الرائي قُلِب المعنى إلى خير، فأما الصليب فهو رمز لدولة أوروبية، وأما انشراح الصدر فهو سرور يناله من الله (عزَّ وجلَّ) في هذه الدولة، وأما كراهيته لما رآه فهو خير(2)له بفضل الله (سبحانه وتعالى).
مثال 10: رأى أحد الصالحين أنه واقف تحت راية الإسرائيليين (النجمة السُّداسيَّة الزرقاء)، ورأى نفسه مرة أخرى يجلس مع بني إسرائيل.
هذه الرؤيا في ظاهرها فساد بلا شك، إلا أنه لصلاح الرائي قُلِب المعنى إلى خير.
فأمَّا وقوفه تحت رايتهم فهو قوة له وتمكين في الأرض؛ لأنهم أهل قوة وتمكين (وقت أن رآهم الرائي)، وأما جلوسه بينهم فهو نجاة من ظالم؛ لأن الله (عزَّ وجلَّ) نجاهم من فرعون.
وعلى النقيض مما سبق من الأمثلة، فهناك بعض الرموز في الرؤى، والتي قد يتصور المسلمون أن ظاهرها خير، إلا أنه لفساد رائيها قد تُقلب على معاني الشر، ومن أمثلة ذلك:
__________
(1) الجهل هنا سرور، والعلم حزن، لقول الرسول (صَّلى الله عليه وسلَّم): «لو تعلمون ما أعلم لضحِكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» (متفق عليه).
(2) لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة : 216].(1/130)
مثال 1: قراءة القرآن الكريم في المنام، فهذا رمز ظاهره خير إلا أنه قد يدل للشخص الفاسد على مصيبة سوف تصيبه؛ لقول الله (تعالى): {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت : 44].
مثال 2: دخول المسجد في المنام، فهذا رمز ظاهره خير، إلا أنه قد يدل للشخص الفاسد على الخوف وزوال الأمن؛ لقول الله (تعالى): {أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ} [البقرة : 114].
مثال 3: شخص رأى نفسه في المنام أنه يسب معبودات الكفار، هذا رمز ظاهره خير، إلا أنه قد يدل على شخص يسيء للإسلام (والعياذ بالله تعالى)؛ لقول الله (عزَّ وجلَّ): {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام : 108].
والله (تعالى) أعلم.
105. كيف يتم تفسير الرؤيا باللُّغة العربية أو غيرها من اللغات؟ أو الحِكَم والأمثال الشعبية؟ أو اللهجات العاميَّة؟
تفسير الرؤى باستخدام الألفاظ اللغوية، وما يرتبط بها من معاني هو من أهم وأشهر أنواع التفسير، ويتم تفسير الرؤى باللغة العربية بالجناس (أي التطابق أو التشابه في الحروف) بين اسم رمز الرؤيا وبين لفظ آخر أو جزء من تعبير لغوي، فيدل هذا على ذاك.
ومن أمثلة ذلك:
1. حُمُّص الشام (من البقوليات): قد يدل على بلاد الشام.
2. اللون الأسمر: قد يدل على شخص اسمه «سمير».
3. الحفاء (أي حفاء القدمين): قد يدل على الاحتفاء (أي حُسن الاستقبال).
4. الخُطبة (أي كلام يقوله شخص على منبر): قد تدل على الخِطبة (أي الوعد بالزواج).
5. القُبلَة (أي بضم الشفتين): قد تدل على القِبلة (أي اتجاه الصلاة).(1/131)
6. الأنف: قد تدل على الأنفة (أي الترفُّع والتكبر).
7. الرَّقَبَة: قد تدل على الرقابة.
8. الظَّهر (في جسم الإنسان): قد يدل على الظُّهر (وقت)، أو الظُّهور (عكس الاختفاء)، أو المُظاهرة (أي الإعانة والتأييد)، أو المُظاهرة (أي الاحتجاج)، أو الظَّاهرية (مذهب من المذاهب الإسلامية).
8. الحصان (حيوان): قد يدل على الإحصان والمُحصَن (أي الزواج، والمتزوج أو المتزوجة)، أو الحِصن (الذي يحتمي به الإنسان)، والحصانة (البرلمانية أو الدبلوماسية).
9. السِّنَّة (في الفك): قد تدل على السُّنَّة (النبوية الشريفة)، أو السَّنة (أي العام)، أو السِّنة (أي النوم الخفيف).
10. الحاشية (أي حاشية الكتاب): قد تدل على الحاشية (أي النخبة التي تحيط بملك من الملوك)، وكذلك بِطَانة الملابس قد تدل على بِطَانة الحاكم.
11. العين (في الرأس): قد تدل على عين الماء، أو على مدينة العين (في دولة الإمارت العربية)، أو على برنامج «عين على الأحداث» (برنامج إخباري)، أو عين الجمل (نوع من المكسرات)...إلخ.
وكذلك يمكن تفسير الرؤى بالحِكَم السائدة في مجتمع معين أو بالتعبيرات العامية، ولكن يقتصر استخدام هذه القاعدة في التفسير على أهل هذا المجتمع فقط، فمثلاً:
يقولون في مصر عن الشخص الذي ينجو من الهلاك أنه: «مِثل القطط بسبعة أرواح»، وبناء عليه، فقد تدل القطط في رؤاهم على نجاة من هلاك، وكذلك الرقم سبعة.
وكذلك يقولون في مصر عن الشخص الفقير: «العين بصيرة، واليد قصيرة»، وبناء عليه، فقد تدل اليد القصيرة في رؤاهم على الفقر.
وكذلك يقولون في مصر للتعبير عن القلق: «الفأر يلعب في عِبِّي»، ومعنى العِبِّ في اللهجة العامية المصرية: المنطقة بين الملابس والصدر، وبناء على ذلك، فقد يدل الفأر في رؤاهم على معنى القلق.
وكذلك يُطلق المصريون في لهجتهم العامية على السيارة اسم «عربيَّة»، وبالتالي، فقد تدل السيارة في رؤاهم على معنى العروبة.(1/132)
وكذلك يقول المصريون عن الشخص شديد السُّكر أنه: «سكران طِينَة»، وبالتالي، فقد يدل الطين في رؤاهم على الخمر والسُّكر (والعياذ بالله تعالى).
والله (تعالى) أعلم.
106. كيف يتغير معنى الرمز في الرؤيا بتغير حالته في اليقظة؟
الحياة بما فيها من أشياء، وأشخاص، وأحوال لا تثبت عادة على حال، فهي في تبدل، وتغير، وتطور مستمر، فسبحان من يُغيِّر ولا يتغير. وتفسير الرمز في الرؤيا يرتبط بشكل أساسي بحالته في الواقع في أثناء ما رأى الشخص هذه الرؤيا، ولتوضيح ذلك يمكن أن نأخذ مثالين:
مثال 1: رؤيا حاكم بلد في المنام في يوم إلقائه خطبة قوية على شعبه في الواقع، غير رؤياه في يوم تقديمه استقالته، ففي الرؤيا الأولى قد يدل هذا الحاكم على رفعة شأن وقوة، بينما قد يدل في الرؤيا الثانية على هموم؛ وذلك لاختلاف حالة رمز الرؤيا (الحاكم) في الواقع أثناء ما رأى النائم هذه الرؤيا.
مثال 2: رؤيا مذيع في قناة إخبارية في المنام في يوم عمله في الواقع، غير رؤياه في المنام في يوم إجازته، ففي الرؤيا الأولى قد يدل هذا الشخص على فرصة عمل، بينما في الرؤيا الثانية قد يدل على البطالة؛ لأن حالة الرمز في الواقع اختلفت في هذه الرؤيا عن الأخرى.
والله (تعالى) أعلم.
107. هل يمكن للشخص أن يرى تفسير رؤياه أثناء النوم؟
نعم يمكن للشخص أن يرى في المنام تفسير رمز أو أكثر من رموز الرؤيا التي رآها أو يرى تفسير الرؤيا كلها، كأن يرى من يخبره في المنام أن هذا الذي رآه معناه كذا، وبعض الناس يستيقظ وفي ذهنه معنى قوي أن هذا هو تفسير رؤيا معينة، إلا أن هذا لا يغني أبداً عن تفسير الرؤى وفقاً لقواعد تفسيرها، وخصوصاً أن الرائي قد يتصور أحياناً بعد أن يستيقظ من النوم أن لرؤياه معنى معين، ويكون هذا التصور خطأ. والله (تعالى) أعلم.
108. هل يمكن تحديد وقت معين لحدوث شيء في المستقبل من خلال الرؤيا؟(1/133)
لوحظ أن غالبية الرؤى لا تشير عادة إلى توقيتات دقيقة لتحقق شيء معين في المستقبل، ولكن بعض الرؤى يمكن أن تشير إلى توقيتات معينة سواء كانت غير محددة (قريباً، في الشتاء...إلخ)، وبعضها قد يشير إلى توقيتات أدق من ذلك (في رمضان، بعد العيد...إلخ). ومع ذلك، فلابد إذا ما رأى المسلم رؤيا فيها إشارة إلى توقيت معين ألا يتعامل معها على أنها واقعة يقيناً في هذا الموعد، بل عليه أن يُحسن الظن بالله (تعالى)، ويدعوه (سبحانه) أن يُحققها له، مع علمه الكامل بأن للرؤيا احتمالات في تفسيرها، وأن التفسير قد يخطيء وقد يصيب. والله (تعالى) أعلم.
109. ما هي الرؤيا القوية؟ وما هي الرؤيا الضعيفة؟
مصطلح الرؤيا القوية والرؤيا الضعيفة ليس مصطلحاً شرعياً ولكنه مصطلح مهم يستخدمه علماء الرؤيا للتمييز بين رؤيا وأخرى، والرؤيا القوية هي الرؤيا التي يسهل على المفسر صاحب الموهبة، والعلم، والخبرة تفسيرها، أما الرؤيا الضعيفة فيكون تفسيرها أصعب، أمَّا عن الفرق بين ملامح الرؤيا القوية والضعيفة فهو كالآتي:
الرؤيا القوية ... الرؤيا الضعيفة
واضحة يمكن أن يتذكرها الشخص بسهولة ... غير واضحة لا يمكن أن يتذكرها الشخص بسهولة
قليلة الأحداث ومركزة ... كثيرة الأحداث والتفاصيل ومتشعبة
احتمالات معاني رموزها قليلة ومحصورة ... احتمالات معاني رموزها كثيرة ويصعب حصرها
سعيدة وينشرح لها الصدر ... حزينة أو مفزعة أو تأمر بالمنكر أو ينقبض لها الصدر
وتختلف درجة سهولة وصعوبة تفسير الرؤيا بحسب قربها أو بعدها عن ملامح الرؤيا القوية أو الضعيفة. والله (تعالى) أعلم.
110. إذا كانت رؤيا المسلم الصالح تُفسر دائماً على الخير - وإن كان ظاهرها شراً - ، فهل يعني ذلك أنه لا يرى أية رؤى تدل على شر أو بلاء مُطلقاً؟(1/134)
الأصل أن رؤيا المسلم الصالح كلها بشارات وخير سواء كان ظاهرها الخير أم الشر، ولكن يُحتمل أن يرى المسلم رؤيا تدل على بلاء أو شر ولكن بشروط معينة يمكن أن نذكر بعضها من خلال الخبرة في التعامل مع الرؤى:
1. أن يكون الشر أو الهم أو البلاء المعروض في الرؤيا متعلقاً بالماضي أو الواقع الموجود فعلاً وليس بالمستقبل.
2. أن يكون الشر في الرؤيا متبوعاً ببشرى بفرج ونجاة منه في نفس الرؤيا.
3. أن يكون الشر والبلاء في الرؤيا بسيطاً، يعقب بشرى فيها بخير عظيم (مثلاً كرؤيا تدل على بشرى بسفر وتكريم عظيم، ثم يعقبه مرض بسيط).
4. أن يكون الشر والبلاء المعروض في الرؤيا بغرض التحذير فقط منه لاجتنابه، وليس بغرض التأكيد على حدوثه.
والله (تعالى) أعلم.
111. كيف يمكن التمييز بين الرؤيا الصادقة التي ظاهرها سيء وبين الرؤيا الشيطانية؟
للرؤيا الشيطانيه علامات وملامح تناولناها في مبحث سابق في هذا الكتاب، وفي بعض الأحيان يصعب على المسلم التمييز بين الرؤيا الشيطانية - التي هي شر كلها ظاهراً وتفسيراً - وبين رؤيا صادقة ظاهرها شر وتفسيرها خير.
وأفضل الطرق للتعامل مع الرؤيا ظاهرة الشر، والتي لا يستطيع الشخص تصنيفها - إن كانت كاذبة أو صادقة - هو كالآتي:
1. أن يتعامل معها كما يتعامل مع الرؤيا الشيطانية سواء بالاستعاذة من شرها أو عدم قصها على الناس...إلخ.
2. أن يحاول قلب تفسيرها على الخير بقدر الاستطاعة (راجع قاعدة المعنى المقلوب).
3. أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أن يكفيه البلاء، وأن يدفع عنه قضاء السوء.
4. أن يعرضها على أحد مفسري الرؤى من الثقات، أهل التقوى، والعلم.
والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 111) حاشية السؤال الحادي عشر بعد المائة:
وقد يتسائل بعض الناس عن الحكمة الإلهية من وراء خلق هذا النوع من الرؤى الصادقة الشبيه بالرؤى التي تكون من الشيطان، ولعل الحكمة من ذلك هي تقليل الحزن الذي قد يصيب المؤمن إذا رأى رؤيا من الشيطان (بأن يعتقد أنها يمكن أن يكون لها معنى خير أو يحاول تفسيرها على الخير)، مما يغيظ الشيطان ويقلل من التأثير السيء لرؤاه الخبيثة على المؤمن. والله (تعالى) أعلم.(1/135)
112. هل يجب أن تتحقق الرؤيا الصادقة دائماً؟ وهل يجب أن تُفسَّر لكي تتحقق؟
من الناحية النظرية، نعم، يجب أن تتحقق كل رؤيا صادقة بالضرورة إذا فُسِّرت تفسيراً صحيحاً، ولكن من الناحية العملية يصعب الإجابة بشكل قاطع على هذا السؤال؛ لأن الرؤيا يدخل فيها و في تفسيرها الظن والاحتمال، فكيف يكون تحققها مضموناً إن كان صدقها غير مضمون، وتفسيرها احتمالي؟ وكذلك، فأحياناً يكون الله (تعالى) قد كتب على الإنسان قضاءً معيناً سواءً كان هذا القضاء خيراً أو شراً، فيرى الإنسان به رؤيا، ثم يكتب الله (تعالى) له أن يتغير هذا القضاء، وألا يتحقق لحكمة يعلمها الله (عزَّ وجلَّ).
ومفهوم تغير القضاء بقضاء آخر هو من المفاهيم الإسلامية المعروفة، فقد يكتب الله (تعالى) على الإنسان شيئاً يكون على وشك الحدوث ثم يدعو الإنسان الله (عزَّ وجلَّ) بأن يعطيه خيراً أو يدفع عنه شراً، فيرتد عنه هذا القضاء ويتبدل، يقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «والدعاء ينفع مما نزل، و مما لم ينزل، و إن البلاء لينزل، فيتلقَّاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة» (حديث حسن – صحيح الجامع)، ويقول (صلَّى الله عليه وسلَّم): «لا يرد القضاء إلا الدعاء» (حديث حسن – صحيح الجامع).
وينبغي للمسلم الذي يرى رؤيا خير ألا يتقاعس عن الدعاء والتضرع إلى الله (تعالى) أن يحقق له ما فيها من الخير؛ لأن الله (عزَّ وجلَّ) وحده هو الذي يملك ذلك، وكذلك، فينبغي على المسلم عندما يرى رؤيا شر أن يستعيذ بالله تعالى، وأن يتضرع إليه (عزَّ وجلَّ) أن يصرف عنه قضاء السوء، فالله (سبحانه) هو ولي ذلك والقادر عليه، وهو على كل شيء قدير.
أما بخصوص ارتباط تحقق الرؤيا بتفسيرها، فهو يدخل في دائرة الاحتمال، فقد تتحقق رؤيا معينة بسبب أنها فسرت تفسيراً معيناً، وقد لا تتحقق. نسأل الله تعالى أن يحقق للمسلمين رؤى الخير، وألا يحقق رؤى الشر. والله (تعالى) أعلم.(1/136)
113. كيف يتم تفسير الرؤى بالمذهب الفقهي؟
المذهب الفقهي هو من القواعد التي يمكن الأخذ بها لتفسير رؤى المسلمين. والمذهب الفقهي هو مجموعة من الاجتهادات في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يقوم بها أحد المتخصصين. وأهم هذه المذاهب عند أهل السنة والجماعة أربعة: المالكية، وهو منسوب لمالك ابن أنس، فقيه المدينة الأشهر (رحمه الله تعالى)، والحنفية، وهو منسوب لأبي حنيفة النعمان (رحمه الله تعالى)، والشافعية، وهو منسوب للإمام الشافعي (رحمه الله تعالى)، والحنابلة، وهو منسوب لأحمد بن حنبل (رحمه الله تعالى).
ونظراً للعديد من الأسباب – التي لا مجال للخوض فيها هنا – اختلفت هذه المذاهب فيما بينها في إقرار العديد من الأحكام الشرعية. ولا شك أن هذه الاختلافات لها دلالتها التي ينبغي أن يأخذها مفسر الرؤى عند تفسير رؤى أتباعها، فقد يعني رمز معين من رموز الرؤيا شيئاً عند أتباع مذهب معين، بينما قد لا يعني نفس الشيء عند أتباع مذهب آخر.
ومن ضمن أمثلة ذلك:
1. عند الشافعية يجوز للمسلم أن يقصر الصلاة إذا كان مسافراً لمدة ثمانية عشر يوماً أو أكثر، بينما عند الحنابلة أربعة أيام فقط، وبالتالي، فالرقم ثمانية عشر قد يدل للمسلم شافعي المذهب على السفر، بينما يدل الرقم أربعة للحنبلي على هذا المعنى.
2. الكلب عند المالكية ليس نجساً، بينما هو نجس في بقية المذاهب الثلاثة، فقد يدل الكلب في رؤيا أتباع هذه المذاهب على النجاسة، بينما لا يدل على ذلك في رؤيا أتباع المذهب المالكي.
3. صلاة الفريضة واجبة في المسجد عند الحنابلة، بينما هي ليست كذلك عند بقية المذاهب الثلاثة، وبالتالي، فقد تدل رؤيا الصلاة في غير المسجد على نوع من التقصير عند أتباع المذهب الحنبلي، بينما قد لا تدل على ذلك عند أتباع بقية المذاهب الثلاثة.(1/137)
ومن الجدير بالذكر أن المسلم إذا لم يكن يلتزم بمذهب فقهي معين، فُسرت رؤياه بالمذهب الرسمي للدولة التي يعيش فيها، فإن لم يكن لها مذهب، فبالمذهب الفقهي الذي يتبعه غالبية المسلمين في البلد، فإن لم يكن، فبالمذهب المتبوع في بلده الأصلي.
والله (تعالى) أعلم.
114. كيف تتم عملية الترجيح بين عدد من الاحتمالات في تفسير الرؤيا؟
المقصود بالترجيح هو عملية اختيار تفسير معين أو معنى لرمز من رموز رؤيا معينة من ضمن أكثر من احتمال عام لمعنى هذا الرمز، فمثلاً، السِّكين في الرؤى بصفة عامة قد يحتمل معنى سيئاً وهو القتل؛ لأنه آداته، وقد يدل على معنى خير وهو الرزق؛ لأنه آداة ذبح اللحوم، وقد يدل للعربي على السَّكينة، والسَّكن، والسُّكون؛ للجناس بين الكلام، وقد يدل على الحب الشديد والافتتان؛ لقصة يوسف (عليه السلام)، عندما قطَّعن النسوة أيديهن افتتاناً به عندما رأينه، كما في قول الله (تعالى): {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:31]، وقد يدل السكين على العلاقة الجنسية؛ لأنه يشبه العضو الذَّكري عند الرجل، وقد يدل كذلك على الصرامة، والحزم، والقطع في الأمور؛ لأنه يقطع ويفصل الأشياء كما يقطع الشخص أموراً ويفصل فيها، وكذلك، فقد يدل السكين على الجرح والجراحة؛ لأنه آداة ذلك.
ولكن، إذا أردنا تفسير رؤيا معينة لشخص معين جاء فيها رمز السكين، فأي احتمال من هذه المعاني نختار لتفسير معنى السِّكين في هذه الرؤيا؟ أي كيف أو على أي أساس نقوم بترجيح واحدٍ منهم على الآخر فنأخذ به في تفسير رؤيا ما، ولا نأخذ بغيره؟(1/138)
تتم عملية الترجيح هذه على ثلاثة أسس: الأول: أحوال الرائي، والثاني: سياق الرؤيا، والثالث: أحوال الرمز.
أولاً: الترجيح على أساس أحوال الرائي:
المقصود بذلك هو أن يراعي مفسر الرؤيا أن يكون اختياره لمعنى الرمز هو الأقرب والأنسب لطبيعة الرائي الشخصية وظروفه.
وأهم هذه الأحوال والظروف هي الصلاح والفساد، أي الالتزام الديني والأخلاقي أو عدمه (والعياذ بالله تعالى)، فرؤى الصالحين لا ينبغي للمفسر أن يختار لها إلا معاني الخير فقط مما يحتمله معنى رمز الرؤيا، أما رؤيا الفاسدين فيجوز للمفسر أن يتعدى ذلك إلى اختيار معنى شر من ضمن احتمالات معاني الرمز في الرؤيا. فمثلاً، في المثال السابق الخاص بالسِّكين، إذا كان من رأى هذه الرؤيا صالحاً، فينبغي أن نختار فقط احتمالات الخير والسرور، ونستبعد غيرها من احتمالات الشر، فنستبعد مثلاً احتمال القتل، ونأخذ ببقية الاحتمالات، أما إذا كان الرائي فاسداً أو مجرماً، فلا ينبغي أن نستبعد احتمال القتل عند تفسير الرؤيا.
ومن ضمن هذه الظروف والأحوال أيضاً ظروف الشخص الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، وتطلعاته ومساعيه في الوقت الذي رأى فيه الرؤيا وليس في غيره، فينبغي على لمفسر أن يراعي اختيار المعنى الأقرب والأنسب لهذه الأحوال.(1/139)
فعلى سبيل المثال، نفترض أن امرأة صالحة، متزوجة، ربة بيت، زوجها صالح، ولكن حدث بينهما موقف أدى لخصام وضيق، ونفترض أيضاً أن هذه المرأة قد رأت في المنام أنها تقطع يدها في المنام بسكين، فالأولى هنا عند تفسير رؤياها هذه اختيار ما يتناسب مع صلاحها وصلاح زوجها من المعاني الطيبة لرموز الرؤى، وكذلك، ينبغي الأخذ بمعنى الرمز المتناسب مع ظروف المرأة، والتي حدثت وقت هذه الرؤيا، فنقول أن رمز السكين هنا تدل على انتهاء الخصام بينها وبين زوجها، وعودة الحب لهما؛ لأن السكين في الرؤيا قد يدل على الحب؛ لقصة النسوة في سورة يوسف كما تقدم ذكره، وهذا هو التفسير الأنسب في هذه الحالة.
مثال آخر: نفترض أن فتاة ساقطة الأخلاق (والعياذ بالله تعالى) رأت في المنام سكيناً، فالأنسب أن يدل لها ذلك في تفسير رؤياها على أحوالها الفاسدة وأخلاقها الساقطة؛ لأن السكين في الرؤيا قد يدل على المعاشرة الجنسية كما تقدم ذكره.
مثال 3: نفترض أن امرأة صالحة لها زوج صالح، إلا أنه عاجز عن معاشرتها رأت في الرؤيا سكيناً، فالأولى أن تفسر لها الرؤيا على أنها بشرى لها من الله (تعالى) لها بشفاء الزوج من هذا المرض؛ لأن السكين في الرؤيا يدل على المعاشرة الجنسية كما تقدم ذكره.
مثال 4: نفترض أن شخصاً صالحاً فقيراً يدعو الله (تعالى) بالرزق، فرأى وقتها في المنام سكيناً، فالأولى والأنسب أن يتم تفسير الرؤيا بحسب هذه الحالة وقت حدوث الرؤيا، فيكون تفسير السكين هنا أنه بشرى له من الله (تعالى) بالرزق؛ لأنه آداة ذبح اللحوم كما تقدم ذكره.
مثال 5: نفترض أن شخصاً مجرماً فاسد الأخلاق رأى في منامه سكيناً، فهذا يُخشى أن تدل له هذه الرؤيا على قتل شخص (نعوذ بالله تعالى مما يغضبه).(1/140)
مثال 6: نفترض أن شخصاً صالحاً، مريض نفسياً، ويعاني من القلق، والأرق، والضيق رأى في المنام سكيناً، فالأولى هنا أن يتم تفسير الرؤيا على احتمال أنها بشرى له من الله (تعالى) بسكينة نفس، أي بزوال هذه المشاكل النفسية التي يعاني منها؛ لأن هذا يتناسب مع حالته وقت الرؤيا.
مثال 7: نفترض أن شخصاً صالحاً، لكنه طيب بشكل زائد عن الحد لدرجة أنه لا يستطيع أن يأخذ قراراً حازماً مع زوجته وأولاده، فأدى ذلك لتسيب كبير في داخل الأسرة، نفترض أنه رأى في المنام سكيناً، فالأولى والأنسب لحاله أن تفسر له هذه الرؤيا على أنها حث له على أن يكون حازماً وصارماً في بيته مع زوجته وأولاده، وأن ينهي حالة السلبية واللامبالاة هذه مع أسرته؛ لأن السكين قد يدل في الرؤيا على القطع في الأمور.
مثال 8: شخص صالح يعمل جزَّاراً، ولكنه لظروف معينة أصبح عاطلاً عن العمل، فرأى في المنام سكيناً، فالأولى والأنسب لأحوال هذا الشخص أن تدل هذه الرؤيا له على بشرى له من الله (تعالى) بعودته للعمل وانتهاء حالة البطالة التي يعاني منها؛ لأن السكين هو آداة عمل هذا الشخص.
مثال 9: تلميذ على وشك دخول الامتحانات النهائية، وله إخوة صغار يصرخون ويلعبون في البيت، فلا يستطيع التركيز في مذاكرته بسبب هذه الضوضاء، فنفترض أن أمه رأته في منامها وبجواره سكيناً، فالأولى والأنسب لهذه الحالة أن يكون تفسير الرؤيا هذه هو حث للأم على توفير جو الهدوء في البيت لهذا التلميذ حتى يستطيع أن يذاكر؛ لأن السكِّين قد تدل على السكون، أي الهدوء.
مثال 10: نفترض أن شخصاً صالحاً تهدَّم بيته، وتشرد هو وأسرته، وأنه يعاني معاناة شديدة من أجل الحصول على مسكن آخر، فنفترض أنه رأى في المنام سكيناً، فالأولى والأنسب لأحوال هذا الشخص أن تدل له الرؤيا على بشرى من الله (تعالى) له بالحصول على سكن؛ لأن السِّكين قد تدل في المنام على السكن.(1/141)
مثال 11: نفترض أن شخصاً صالحاً مالك عقار، لديه شققاً يعرضها للإيجار، فرأى في منامه أن في شقة من هذه الشقق سكيناً، فالأولى والأنسب لأحوال هذا الشخص أن تكون هذه بشرى من الله (تعالى) له بأن هذه الشقة سوف يأتيها من يسكنها؛ لأن السكين في الرؤيا قد تدل على السكن والسكان.
مثال 12: طالب في كلية الطب يريد أن يتخصص في فرع معين من فروع الطب، صلى صلاة الاستخارة، ثم نام، نفترض أنه رأى في المنام سكيناً، فالأولى والأنسب لحاله أن يكون في هذه الرؤيا توجيه له ليختار فرع الجراحة ليتخصص فيه؛ لأن السكين في المنام قد تدل على الجراحة.
مثال 13: موظف في شركة نفترض أنه رأى في المنام مديره يضع في فمه سكيناً، مع العلم أن هذا المدير شخص سليط اللسان عديم الأدب، فيُحتمل أن تدل له هذه الرؤيا على كلام جارح يسمعه من هذا المدير؛ لأن الفم يدل على الكلام، والسكين تدل على الجرح.
وهكذا نرى كيف تؤثر أحوال الناس وأقدارهم في تغيير المعنى الأنسب والأولى في الأخذ به في تفسير رمز الرؤيا رغم أن كل هؤلاء الناس قد رأوا نفس الرمز.
ثانياً: الترجيح على أساس سياق الرؤيا:
المقصود بذلك هو ترجيح معنى معين لرمز في رؤيا معينة بناء على معاني الرموز الأخرى في نفس الرؤيا، تماماً كما لا نستطيع فهم معنى كلمة ما فهماً جيداً إلا بمعرفة السياق، أو المناسبة، أو الجملة التي وردت فيها.
مثال 1: نفترض أن شخصاً رأى في المنام أنه قد قتل شخصاً مجهولاً،ثم قال: لا إله إلا الله والله أكبر، ونفترض أن شخصاً آخر قد رأى في المنام أنه قتل شخصاً مجهولاً، ثم بكى بكاء شديداً من الندم على ذلك، فالأرجح في الرؤيا الأولى أن هذا القتل يدل على خير؛ لأن الرائي هلَّل بعده وكبَّر، بينما الأرجح في الرؤيا الثانية أنه يدل على شر؛ لأن الرائي بكى بعده في الرؤيا ندماً، وهكذا، قام المفسر بترجيح معنى معين لرمز ما في الرؤيا بناء على رموز أخرى في نفس الرؤيا.(1/142)
مثال 2: نفترض أن شخصاً رأى نفسه في المنام يقرأ القرآن في الظلام، وأن شخصاً آخر رأى نفسه يقرأ القرآن في النور، فالظاهر أن قراءة القرآن في الرؤيا الأولى ربما تدل على سوء فهم واتِّباع للدين، بينما قد تدل في الرؤيا الثانية على فهم واتباع صحيحين للدين، فقراءة القرآن في الموضعين واحدة، ولكن اختلف التفسير بناء على النور والظلام، فكان هذا سوء فهم وسوء اتِّباع، وكان هذا حُسن فهم واتِّباع، فهذا التفسير المختلف لنفس الرمز تم على أساس رمز آخر غيره في كلتي الرؤيين.
مثال 3: نفترض أن شخصاً رأى في المنام زجاجة خمر مكتوباً عليها «الحمد لله رب العالمين»، بينما شخص آخر رأى زجاجة خمر مرسوماً عليها امرأة عارية، ففي الرؤيا الأولى قد تدل هذه الخمر على خمر الجنة التي وعد الله (تعالى) بها عباده الصالحين، بينما قد تدل في الثانية على خمر الدنيا المحرمة، فهنا الرمز في الرؤيين واحد، ولكن اختلف التفسير بناء على اختلاف رمز آخر في كلتي الرؤيين (أي المكتوب أو المرسوم على الزجاجة).
ثالثاً: الترجيح على أساس أحوال رمز الرؤيا:
المقصود بأحوال الرمز هو الهيئة التي جاء عليها في الرؤيا، فالأشخاص أو الأشياء لهم أشكال وأحوال مختلفة سواء كانت حسنة أم سيئة.
مثال 1: نفترض أن شخصاً رأى نفسه في المنام أنه يأكل ثمرة حلوة، بينما شخص آخر رأى نفسه يأكل ثمرة مُرَّة، فحالة الرمز هنا (الحلاوة أو المرارة) لها تأثير في تفسيره، فالثمرة الحلوة معناها جيد، بينما الثمرة المُرَّة معناها سيء.
مثال 2: نفترض أن امرأة رأت في المنام أنها ترتدي ثوباً جديداً جميلاً، بينما رأت أخرى أنها ترتدي ثوباً قديماً بالياً، فحالة الرمز هنا (الجمال أو القُبح) لها تأثير في تفسيره، فالثوب الجميل يدل على معنى جميل، بينما الثوب القبيح يدل على معنى قبيح.(1/143)
مثال 3: نفترض أن شخصاً رأى نفسه في المنام يقود سيارة جديدة، بينما رأى آخر أنه يقود سيارة متهالكة، فحالة الرمز في الرؤيا الأولى قد تدل على معنى جيد، بينما حالته في الرؤيا الثانية قد تدل على معنى سيء.
والله (تعالى) أعلم.
115. ما معنى أن الرؤى يُفسِّر بعضها بعضاً؟
هذه القاعدة هي من أهم قواعد الترجيح في تفسير الرؤى، فأحيانا يقوم المفسر بترجيح معنى رمز معين في الرؤيا من بين عدد من الاحتمالات من خلال الجمع بين عدد من الرؤى معاً، فإذا وجد المفسر أن واحداً من احتمالات تفسير رمز معين في رؤيا يفسرها لرائي معين قد تكرر في رؤى سابقة لنفس الرائي، قام المفسر بترجيح معنى الرمز الحالي على أساس هذا الاحتمال المتكرر في تفسير الرؤى السابقة، ويمكن أن نأخذ على ذلك مثالاً:
مثال: نفترض أن شخصاً قد رأى في المنام أنه يتزوج، فتفسير هذه الرؤيا فيه احتمالات، فيمكن أن يدل هذا الزواج في الرؤيا على زواج فعلاً، ويمكن أن يدل على رزق ونعمة، ولكن كيف يستطيع المفسر ترجيح تفسير واحد من الاحتمالين، ليكون هو التفسير الأقرب إلى الصواب؟ والجواب: يمكنه أن ينظر في رؤى سابقة رآها نفس الشخص، فنجده مثلاً قد رأى قبلها بيومين أنه يلبس في يده خاتماً، فهذا الخاتم يُحتمل أن يدل على زوجة، ويُحتمل أن يدل على زينة، وحسن مظهر، وأُبَّهة، ثم نجد نفس الشخص قد رأى رؤيا ثالثة أنه عريس في قاعة احتفالات، فهذه الرؤيا يُحتمل أن تدل على زواج، ويُحتمل أن تدل على شهرة.
وبالجمع بين الرؤى الثلاث نجد احتمال الزواج يتكرر في تفسير كل رؤيا، فهو احتمال مشترك بينها كلها، وبالتالي، فهذا الاحتمال يترجح ويتقوى معناه في تفسير الرؤى الثلاث عن غيره؛ لهذا التكرار، فهو الاحتمال الأقرب إلى الصواب في تفسير الرؤيا. والله (تعالى) أعلم.
116. هل هناك قاعدة أولى في التطبيق من غيرها عموماً في تفسير الرؤى؟(1/144)
ليس هناك قاعدة أولى من غيرها عموماً في تفسير الرؤى، ولكن يتم الأخذ بالقاعدة التي يمكن من خلالها تفسير الرؤيا بما يتناسب مع أحوال الرائي و سياق الرؤيا. وقد يقول قائل هنا: أليس من الأولى تقديم قاعدة تفسير الرؤى بآيات القرآن الكريم، ثم الأحاديث النبوية الشريفة، ثم بقية القواعد في تفسير رموز الرؤى؟ والإجابة أن تفسير الرؤيا أو استنباط معانيها يختلف عن استنباط الأحكام الشرعية، فالأحكام الشرعية يُقدَّمُ فيها دليل القرآن والسُّنة على كل دليل، أمَّا في تفسير الرؤى فإن تطبيق القاعدة الأولى يختلف باختلاف الناس وباختلاف الرؤى دون تقديم لقاعدة معينة على قاعدة أخر بشكل مطلق.
فمثلاً، إذا رأى شخص صالح قِطَّة في المنام ورأى شخص فاسد نفس الرؤيا، ففي حالة الشخص الفاسد نقول أن رؤيا القط قد تدل على العذاب؛ لقول الله (تعالى): {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص : 16] (ومعنى قِطَّنا: نصيبنا من العذاب)، أما إذا كان الرائي صالحاً، فلا يمكن تفسير الرؤيا على معنى الشر، بل يمكن أن تدل الرؤيا على امرأة طاهرة؛ لقول النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عنها: «إنها ليست بنَجَسٍ، إنها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات» (حديث صحيح – صحيح الجامع)، فنرى هنا أنه في حالة معينة يتم التفسير بآيةٍ من القرآن الكريم، بينما في حالة أخرى يتم التفسير بحديث نبوي شريف.
وكذلك، فسياق الرؤيا قد يدفع المفسر إلى الأخذ بدليل معين دون غيره، فمثلاً، القطة الجميلة السمينة الناعمة غير القطة الهزيلة أو المريضة أو سيئة المنظر، فهذه من الأشياء التي تجعل المفسر يرجح معنى خير أو شر في الرمز. والله (تعالى) أعلم.
117. هل يختلف تفسير رؤيا وقت الليل عن تفسير رؤيا وقت النهار؟(1/145)
لا يوجد دليل قوي على أن الرؤيا التي يراها الشخص في الليل تختلف في تفسيرها عن الرؤيا التي يرآها في النهار، ولكن، أحياناً يتأثر تفسير بعض الرموز التي يرآها الشخص في الرؤيا بحالة الليل، أو النهار، أو وضع الشمس، أو القمر.
فمثلاً، رؤيا شخص في المنام للشمس في وقت تختفي فيه الشمس في الواقع خلف السُّحُب، قد يدل على امرأة محجبة مثلاً؛ لأن الشمس كانت مختفية في الواقع وقت الرؤيا، وبالتالي، فلهذا تأثيره على معناها في الرؤيا.
ومثلاً، رؤيا شخص للقمر أنه أصبح بدراً، بينما في وقت الرؤيا في الواقع كان القمر مظلماً تماماً، فقد تدل هذه الرؤيا على ظهور شخص مُختفٍ؛ لأن القمر كان مختفياً في الواقع وقتها عن الناس.
والله (تعالى) أعلم.
118. ما هو أشهر وأفضل ماكُتِب قديماً وحديثاً في علم تفسير الرؤى؟ وما هي مشكلات الكتب التي تتناول تفسير الرؤى؟
هناك العديد من الكتب القديمة التي تناولت هذا العلم، ولكن القليل منها هو المطبوع والمتداول، أشهر هذه الكتب هو كتاب «تفسير الأحلام»، والمنسوب لمحمد بن سيرين (ت110 هـ)، وهو عالِم تفسير الرؤيا الأشهر في الإسلام. وقد أثبت بعض الباحثين أن ابن سيرين لم يؤلف كتاباً، وأن هذا الكتاب مدسوس عليه (كتب حذر منها العلماء – مشهو آل حسن).(1/146)
والكتاب منتشر بين المسلمين انتشاراً كبيراً منذ وقت طويل وحتى يومنا هذا، كما تتسابق دور النشر على طباعته، وتوزيعه، والدعاية له، رغم ما فيه من الأخطاء الكبيرة والعيوب مثل كلامه القليل جداً عن القواعد الضابطة لتفسير الرؤى، حيث لم تتعدَّ بضع صفحات لا يخرج منها القاريء بالشيء الكثير، وكذلك، فعديد من الرموز التي يتناول تفسيرها الكتاب قديمة، أو لم يتم تفسيرها بشكل وافٍ، كذلك فالكتاب يفتقد إلى تفسير رموز حديثة كثيرة ظهرت كالسيارة، والكمبيوتر، والتلفاز...إلخ، وكذلك فالكتاب يفسر الرؤى بطريقة «من رأى في المنام كذا فمعناه كذا، ومن رأى في المنام أنه كذا فهو كذا»، ولا يتم توضيح ارتباط معاني الرؤى بأحوال الناس وأقدارهم مما تسبب في مشاكل كثيرة، ومعاناة للعديد من الذي استخدموه في تفسير رؤاهم، فمثلاً، مكتوب في الكتاب أن المرأة إذا أمَّت الرجال في الصلاة دل على موتها؛ لأنها لا تتقدم المصلين إلا عند الموت (أي ليصلوا عليها صلاة الجنازة)، وكم من امرأة رأت هذه الرؤيا وتصورت أنها إيذان بموتها؟ مع أن هذه الرؤيا قد تدل للمرأة على رئاسة، أو عِلم، أو رفعة شأن، أو رجاحة عقل.
وكذلك، فهذا الكتاب مسئول عن بث كثير من الأوهام والهواجس التي يعاني منها المسلمون في تفسير رؤاهم مثل الاعتقاد بأن القهقهة في المنام رمز شر، وأن الموسيقى أو الرقص في المنام رمز سوء، ولا تزال تجد من يسألك عن تفسير رؤيا فيقول لك «رأيت أني أضحك، ولكن بدون قهقهة»، وكلمة «بدون قهقهة» هذه تشير إلى خوف الرائي - الذي نتج عن قراءته لهذا الكتاب - من أن يتصور المفسر أنه يضحك في المنام بصوت، فيفسرها له على الشر. ومن المهم أن يعرف الناس أن هذه الرموز قد تكون خيراً أحياناً فهي ليست شرّاً باستمرار خصوصاً إن كان رائيها مسلماً صالحاً.(1/147)
وكذلك، فالكتاب يستشهد في تفسير الرؤى بأحاديث ضعيفة مثل قوله «أن الدنيا تدل على المزبلة؛ لأن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) شبهها بذلك» رغم أن هذا الحديث ضعيف (انظر تخريج أحاديث «إحياء علوم الدين» للحافظ العراقي).
وكذلك، ففي الكتاب كلام كثير يغلب عليه الخرافة والبعد عن الشرع، والعقل، والعلم، وهو كثير لا تخطؤه عين القاريء المسلم الواعي بأمور دينه ودنياه، ومن ضمن أمثلة ذلك، ما جاء فيه من أن للرؤيا مَلَكاً موكَّلاً بها دون أي دليل شرعي على ذلك، وأن اللون الأسود في المنام يدل على غلبة السوداء، والأصفر على غلبة الصفراء...إلخ.
وأخيراً سوء تنظيم الكتاب، فتشعر عند قراءته أنك تعوم في بحر كبير تكاد تغرق فيه، وذلك حتى على الرغم من محاولات كثيرة معاصرة لإخراج طبعات مهذبة ومنظمة منه. وبناء على ما سبق، لا ينظر العلماء الشرعيون إلى هذا الكتاب على أن له قيمة علمية محترمة، ولا ينصح أغلبهم - أو كلهم - المسلمين بقراءته.
هناك أيضاً كتاب «تعطير الأنام» لعبد الغني النابلسي (ت1143 هـ)، وهو أقل سوءاً من الكتاب السابق، وأكثر تنظيماً، وأقل انتشاراً منه، ومع ذلك، ففيه من العيوب أيضاً ما لا تختلف كثيراً عن الكتاب السابق.
ثم يأتي بعد هذين الكتابين كتباً أخرى لا تختلف عنهما كثيراً لكن يغلب عليها الندرة، فيصعب جداً أن تجدها مطبوعة مثل كتاب «الإشارات في علم العِبارات» لابن شاهين الظاهري (ت873 هـ)، وكتاب «البدر المنير في علم التعبير» للشِّهاب العابر (ت697 هـ)...وغير ذلك من الكتب، والرسالات، والمخطوطات النادرة.
أمَّا عن الكتابات المعاصرة في علم تفسير الرؤى، فلا يكاد يوجد حتى الآن عمل علمي قوي نستطيع أن نقول أن فيه تأصيلاً شرعياً حقيقياً لعلم تفسير الرؤى بحيث يضمن لهذا العلم مكاناً بارزاً بين العلوم الشرعية، واحتراماً في قلوب العلماء الشرعيين، وقبولاً عند عامة الناس.(1/148)
أما عن أفضل ما كُتِب في هذا العِلم من الكتب التراثية، فلا أجد أفضل ولا أوفى من فصل في تفسير الرؤيا كتبه الإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت516 هـ) في كتابه الشهير «شرح السُّنَّة»، والكتاب مطبوع ومُتداول. وأنصح المسلمين بقراءة ما جاء فيه في عن تفسير الرؤى، ففيه فائدة كبيرة على قِلَّته. والله (تعالى) أعلم.
119. هل هناك ارتباط بين تفسير الرؤى وبين تفسير الباطنية للقرآن الكريم؟
الباطنية هم جماعة منحرفة من الناس أساؤوا فهم القران الكريم، فقالوا أن للقرآن ظاهراً، أي المعنى الواضح الذي تشير إليه الآيات الكريمة، وأن له باطناً، وهو ما يزعمون أنه معنى خفي لا يظهر لكثير من الناس، ويحاولون استنباط هذا المعنى في تفسيراتهم للقرآن الكريم، فهم يقولون أن ظاهر آيات القرآن الكريم هو رموز وإشارات لمعاني أخرى مستترة بداخلها، فعلى سبيل المثال - وليس الحصر - يقول بعضهم في قول الله (تعالى): {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه : 24] أن فرعون هنا لا يعني فرعون موسى (عليه السلام)، بل إن فرعون هنا هو رمز للقلب، وأن الآية الكريمة تشير إلى معنى خفي، وهو ضرورة تقويم وإصلاح طغيان القلب!!
ولا شك أن هذه الطريقة في فهم القرآن الكريم فيها انحراف كبير عن منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) في فهم القرآن الكريم.
ومع ذلك، نؤكد هنا أنه لا ينبغي الخلط بين قواعد تفسير القرآن وقواعد تفسير الرؤى، فهذا التفسير وقواعده يختلف كلياً عن ذاك التفسير وقواعده، فما يقوله هؤلاء الباطنية يمكن أن ينطبق على تفسير الرؤى، فالرؤيا لها ظاهر، وهو ما يراه الشخص في منامه منها، ولها باطن وهو معنى باطن أو مستتر داخل هذه الأشياء التي رآها الشخص يحتاج إلى استنباط، أي أن ظاهر الرؤيا هو مجرد رموز وإشارات لمعاني خفية بداخلها، أما تفسير القرآن الكريم، فلا ينطبق عليه هذا الكلام.(1/149)
والخُلاصة أن ما يقوله الباطنية من تفسير القرآن بأن له ظاهراً وباطناً هو عين الخطأ إذا تم تطبيقه على تفسير آيات القرآن الكريم، بينما هو عين الصواب إذا تم تطبيقه على تفسير رموز الرؤى.
وما دعاني لتوضيح هذه المسألة هو أنني كنت قد كتبت تفسيراً لرؤيا في أحد المنتديات، فقام المشرف بحذف المشاركة وقال: «إن كلامك يشبه كلام الباطنية»، فخَلَط الرجل بين قواعد فهم القرآن الكريم وبين قواعد فهم الرؤيا، ولا يعلم أن هذا غير ذاك، وأن ما هو خطأ هنا هو صحيح هناك. نسأل الله (تعالى) أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا. والله (تعالى) أعلم.
120. هل يجوز تأويل صفات الله (عزَّ وجلَّ) في تفسير الرؤى؟
تأويل صفات الله (تعالى) هي بدعة في العقيدة الإسلامية اخترعها بعض المنحرفين الذين فهموا العقيدة على غير ما فهمها السلف الصالح أهل السنة والجماعة (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين)، فزعم هؤلاء المنحرفون أن صفات الله (تعالى) الواردة في القرآن الكريم هي مجرد رموز، وإشارات، ومجازات لمعاني أخرى تختلف عن ظاهر معناها، فقال بعضهم على سبيل المثال - وليس على سبيل الحصر - في قول الله (تعالى): {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : 10] أن صفة اليد هنا غير حقيقية، بل هي تعبير مجازي للدلالة على معية الله (تعالى) وتأييده (سبحانه) فقط. ولا شك أن هذا الفهم لهذه الآيات الكريمة ولأمثالها هو فهم منحرف عن عقيدة السلف.(1/150)
أما الفهم الصحيح لهذه الآيات، والذي فهمها به السلف الصالح، فهو أننا نثبت لله (تعالى) ما أثبته لذاته (عزَّ وجلَّ)، فإذا قال الله (تعالى) في القرآن الكريم أن له يداً أثبتنا ذلك، ولم ننكره، ولكن نقول أنها يد تليق به (جل جلاله)، فلا تشبه أيدي المخلوقات، ولا يمكن أن يتصور ماهيتها العقل البشري، وكذلك، فليس المقصود بذكرها في القرآن الكريم أي معنى مجازي، أو رمزي، أو باطن.
وبالتالي، فإن تأويل صفات الله (تعالى) المذكورة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة هو انحراف في العقيدة لا يجوز.
أما في الرؤى فإن الأمور تختلف عن ذلك، فإن الرؤى كلها في الغالب عبارة عن رموز تدل على معاني خفية ومجازية، وكذلك، فأغلب رموز الرؤى أشياء مادية، أو مرئية، أو ملموسة، وهذه هي طبيعة الرؤى عادة.
فإذا ما قلنا أن صفات الله (تعالى) هي صفات حقيقية وثابتة، ولا يصح القول بأنها مجرد إشارات رمزية أو مجازية، فإننا لا نستطيع أن نقول ذلك عن الرؤى، فإذا كنا نقول مثلاً أن صفة اليد لله (تعالى) – المذكورة في القرآن الكريم - لا يصح تأويلها، ولا يجوز القول – بأن لها معنى مجازياً، فإننا نقول أن الشخص يمكن أن يرى يداً مادية في الرؤيا، وهو يشعر داخل الرؤيا أنها يد الله (تعالى)، ولكن في هذه الحالة يكون لهذه اليد تفسيراً رمزياً مجازياً، وهو معية الله (عزَّ وجلَّ) وتأييده (سبحانه).(1/151)
والفرق في ذلك بين تأويل صفات الله (تعالى) في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة من جهة، وبين تأويلها في الرؤيا من جهة أخرى، أن الحالة الأولى فيها تشويه وتزييف لحقيقة واقعة، كما أن فيها افتراء الكذب على الله (تعالى)، والقول عليه (سبحانه) بغير علم، أما في الحالة الثانية فإن اليد التي رآها الشخص في الرؤيا ليست حقيقة، بل هي مجرد رمز فقط للدلالة على معنى آخر، فتأويل معناها هنا ليس فيه أي تزييف لحقيقة، ولا كذب على الله (تعالى)؛ لأنها ليست يد الله (تعالى) فعلاً.
والخلاصة أن تأويل صفات الله (تعالى) هو خطأ وانحراف في فهم العقيدة الإسلامية، وهو صواب في فهم معاني الرؤى. والله (تعالى) أعلم.
121. هل يؤمن غير المسلمين بالرؤى الصادقة؟ وهل لديهم علم لتفسيرها؟
نعم، يؤمن الكثيرون من غير المسلمين بأن للرؤى معاني قد تدل على المستقبل وعلى أحوال الإنسان. وقد أخبرنا القرآن الكريم عن ملك مصر الهكسوسي الوثني في عهد يوسف (عليه السلام)، والذي رأى (أي الملك) رؤيا وكان مهموماً يبحث عن تفسير لها، وعندما فسرها له يوسف (عليه السلام) أكرمه بتعيينه في منصب كبير في الدولة، وذلك يدل على أنه حتى في غير المسلمين يوجد من يؤمن بالرؤى الصادقة ومعانيها منذ أقدم العصور.
كما يؤمن الكثير من الوثنيين في شرق آسيا بالرؤيا ومعانيها، بل إني قد اطَّلعت على كتاب في تفسير الرؤى ألَّفه كاهن هندوسي (نسأل الله تعالى الثبات حتى الممات على عقيدة التوحيد).
أما اليهود والنصارى فلديهم في كتبهم كلام عن الرؤيا وتفسيرها، ويعرفون النبي دانيال (عليه السلام)، وكان يفسر الرؤى، ويعرفون يوسف (عليه السلام)، وكان يفسر الرؤى أيضاً، ولدى النصارى كتاب مشهور في تفسير الرؤى من تأليف «أرتيميدورس الإفسي»، والذي عاش في مدينة «أفاسيس» اليونانية في القرن الثاني الميلادي، والكتاب مطبوع ومتداول.(1/152)
أما الثقافة الغربية المعاصرة، فقد قل فيها جداً الإيمان بالرؤى وقيمتها مع انتشار المادية واللادينية بين الناس في هذه البلاد (والعياذ بالله تعالى)، فكثير منهم يتبنى نظرية «فرويد» في تفسير الرؤى، والتي تنكر وجود الرؤى الصادقة، وتعتبر أن كل ما يراه الإنسان في المنام هو مجرد حديث نفس، وتعبير عن رغبات مكبوتة، ومع ذلك، فلا زال فيهم من يؤمن بالرؤى الصادقة، ومعانيها، وتفسيرها. والله (تعالى) أعلم.
* * *
الباب الرابع
المُفَسِّر وآدابه
122. ما هو المقصود بمفسر الرؤى؟
يُقصد بمفسر الرؤى الشخص المجتهد في تفسيرها واستنباط معانيها على أساس من الموهبة والعِلم الصحيح. والله (تعالى) أعلم.
123. ما هي الأهداف من تفسير رؤى الناس؟
لا بد للمسلمين عموماً ولمفسر الرؤى خصوصاً إدراك أن تفسير الرؤى ليس اختبارات ذكاء أو فك ألغاز بغرض التسلية، أو إشباع فضول الناس لمعرفة الغيب، أو كسب المال أو الشهرة، بل إن لتفسير الرؤى أهدافاً، بعضها قريب واضح، وهو تبشير الناس بالخير، وتحذيرهم من الشر، وتفريج كرباتهم، وإشباع حاجتهم النفسية لمعرفة معاني رؤاهم، وبعضها بعيد وغير واضح لكثيرين، وهو دعوة الناس إلى الإسلام، وتقوية صلتهم بالله (تعالى).
كذلك، ينبغي للمفسر أن يراعي أن تؤدي رؤياه إلى تقوية الحق ونصرته، وإضعاف الباطل وهزيمته، وإشاعة الخير والإصلاح بين الناس. ولا ينبغي أن تُفسَّر الرؤى بشكل فيه إفساد بين الصالحين، أو تأليب للناس على بعضهم، أو إشعال لعداوات وصراعات بين أهل الخير.(1/153)
وهكذا، ينبغي على كل تفسير لرؤيا أن يتم بطريقة معينة تتحقق من خلالها هذه الأهداف، فيقوم المفسر بتفسير الرؤى ليس فقط لتلبية رغبة عند الناس أو لضبط حالتهم النفسية، بل وكذلك لأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتذكيرهم بالله (تعالى) وبالآخرة، فلا يترك مفسر طالباً لتفسير الرؤيا إلا وقد ثبته على الحق وعلى الصراط المستقيم، وصرفه عن سبيل الشيطان بقدر الاستطاعة.
ويمكن أن نأخذ بعض الأمثلة التي تبين تفسيرات لرؤى تُراعي هذه الأهداف، وكذلك تفسيرات أخرى لرؤى لا تراعي هذه الأهداف.
مثال 1: شخص رأى في المنام أنه يأكل طعاماً حلواً.
تفسير يراعي الأهداف السابقة: بشرى برزق يأتيك من الله (عزَّ وجلَّ) بإذن الله (تعالى)، فأبشر بفضله وكرمه (سبحانه) عليك، واحمده (جل جلاله)، واشكره كثيراً.
تفسير لا يراعي الأهداف السابقة: هذه الرؤيا تعني أن مالاً سوف يأتيك.
في المثال السابق رأينا التفسير الأول فيه تبشير بالخير، وكذلك، ففيه تعليق لهذا الخير على مشيئة الله (سبحانه وتعالى)، وكذلك، ففيه تذكير من المفسر للرائي بفضل الله (جل جلاله) عليه، وأن الله (عزَّ وجلَّ) هو الذي أكرمه بهذا الخير، فكان هذا التفسير بمثابة دعوة غير مباشرة إلى الله الرزاق الكريم، وتقوية لإيمان الرائي بربط النعمة والخير بالمنعم الحقيقي (تقدست أسماؤه).
أما التفسير الثاني فهو مجرد إخبار للرائي بمعنى الرؤيا حيث بشَّر المفسر الرائي بالمال، ولم يُذكِّره برب المال الرزاق (سبحانه وتعالى)، وبناء على ذلك، فهو تفسير ناقص، ويفتقر إلى تحقيق الهدف البعيد والمهم جداً لتفسير الرؤى.
مثال 2: شخص رأى في المنام أن بيته تَهَدَّم.(1/154)
تفسير يُراعي الأهداف السابقة: استعذ بالله (تعالى) من شر هذه الرؤيا، وأحسن الظن بالله (سبحانه)، فمن ظن بالله (الكريم) خيراً لم يصبه شر، وادع الله (الرحمن الرحيم) أن يكفيك شر رؤى السوء وقضاء السوء، وهو السميع القريب مجيب دعوة من دعاه، وهو (جل جلاله) القادر أن يحفظك ويكفيك، ولكن احفظ الله (عزَّ وجلَّ) يحفظك.
تفسير لا يراعي الأهداف السابقة: هذه الرؤيا تعني أن مكروهاً سوف يصيبك.
في هذا المثال نرى أن في التفسير الأول امتصاصاً لحالة الخوف الشديد التي قد تنتاب الرائي من هذه الرؤيا، وفيه أيضاً ضبط لحالة الشخص النفسية، وتفريج لكربته، وكذلك، ففيه استخدام للرؤيا لتوجيه الرائي إلى طريق الله (عزَّ وجلَّ)، فيخرج الرائي بهذا التفسير مقبلاً على الله (تعالى)، راجياً رحمته وحفظه (سبحانه).
أما التفسير الثاني، فهو على العكس، ففيه تقوية لحالة الخوف الشديد التي قد يعاني منها الرائي بسبب مثل هذه الرؤيا، مما قد يسبب له إحباطاً، أو اكتئاباً، أو انهياراً نفسياً يدفعه لليأس والبعد عن الله (عزَّ وجلَّ)، وكذلك، فليس في هذا التفسير أي تذكير بالله (تعالى)، مع أن اللجوء إلى الله (الحفيظ) هو أول ما يجب أن يفعله من رأى هذا النوع من الرؤى حتى يحفظه الله (عزَّ وجلَّ) من شرها.
مثال 3: شخص فاسد رأى في المنام أنه يشرب الخمر.
تفسير يُراعي الأهداف السابقة: أخشى أن تكون هذه الرؤيا تحذيراً لك من الله (تعالى) على ذنب ارتكبته، فأوصيك ونفسي بتقوى الله (عزَّ وجلَّ)، وأنصحك بالتوبة، وأخشى عليك العقوبة، وأدعو الله (التواب الرحيم) لك بالهداية.
تفسير لا يراعي الأهداف السابقة: اتق الله (عزَّ وجلَّ)! هذه الرؤيا تشير إلى أنك من أهل الفساد والمعاصي.(1/155)
في هذا المثال نرى في التفسير الأول نوعاً من التلطف واللين في الكلام؛ لتأليف القلوب وحتى لا يتسبب التفسير في إحراج الشخص وتنفيره من الخير والهداية، وفي نفس الوقت أوصلنا له بطريقة لطيفة أن في الرؤيا تحذيراً له، ثم نبهناه بأسلوب النصيحة والدعاء إلى ضرورة التوبة.
أمَّا الأسوب الثاني فهو أسلوب هجومي، لن يؤدي إلا إلى إحراج الرائي، وتنفيره من الخير والهداية، وربما أنكر الرائي هذا الكلام كنوع من الستر على نفسه، أو لدفع الشعور بالإهانة، فيسبب ذلك مشكلة للمفسر.
مثال 4: شخص صالح، وله زوجة صالحة، وعلاقته بها طيبة رأى في المنام أنه يضربها ضرباً شديداً.
تفسير يراعي الأهداف السابقة: بارك الله (تعالى) فيك وفي زوجتك، وهذه رؤيا من الشيطان؛ ليحزنك وزوجتك، فاستعذ بالله (عزَّ وجلَّ) من شر الرؤيا وشر الشيطان، وأسأل الله (تعالى) أن يحفظكما، وأن يديم عليكما نعمة السعادة.
تفسير لا يراعي الأهداف السابقة: سوف تحدث مشكلة كبيرة بينك وبين زوجتك.
نرى في المثال الأول كيف تم تفسير الرؤيا بما يُصلِح بين أهل الخير والصالحين، وهذا هو الواجب، بينما تم تفسير الرؤيا في المثال الثاني بما يثير العداوة والبغضاء بين الصالحين، والمتحابين، وأهل الخير، وهو ما لا يجوز أبداً. والله (تعالى) أعلم.
124. كيف يُصبح الشخص مفسراً للرؤى؟ وما هي الشروط الوجب توافرها فيه؟(1/156)
ينبغي أن يتوافر في مفسر الرؤى صفتان أساسيتان: أولاهما: الموهبة، وهي التأييد الإلهي أو الاستعداد الفطري لدى الشخص لممارسة هذا العمل بكفاءة، والموهبة ليست بالضرورة تولد مع الإنسان، بل قد يهبها الله (تعالى) له في أي مرحلة من مراحل حياته، وينبغي لمن أراد أن يكتسب الموهبة في تفسير الرؤى أن يدعو الله (عزَّ وجلَّ) أن يرزقه بها، ولا يوجد أي سبب لاكتساب هذه الموهبة إلا بالدعاء الصادق، فإذا استجاب الله (جل جلاله) لهذا الدعاء، فلن يجد الشخص صعوبة في اكتشاف هذه الموهبة في نفسه - بإذن الله (تعالى)-.
أمَّا الصفة الثانية فهي العِلم الصحيح والتدريب، وهذه يكتسبها الشخص بقراءة الكتب الموثوق بها، وممارسة التفسير لفترة ما. وأنصح من يريد اكتساب العلم الصحيح بتفسير الرؤى بقراءة هذا الكتاب جيداً، ومحاولة فهم وتطبيق ما فيه من قواعد بقدر الاستطاعة.
بالإضافة إلى ذلك، فهناك صفات معينة قد يتفاوت فيها مفسروا الرؤى، وبالتالي، تتفاوت مستوياتهم تبعاً لها في القدرة على التفسير، ومنها: درجة علم المفسر بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وثقافته العامة، وعلمه بالناس، وعلمه بأحوال الشعوب وتاريخها، ودرجة وعيه بالأحداث المحلية والعالمية...إلخ. والله (تعالى) أعلم.
125. هل يُمكن أن يُصبح الشخص مفسراً للرؤى فقط بقراءة الكتب؟
كما أوضحنا سابقاً، يحتاج مفسر الرؤى كي يقوم بهذا العمل إلى استعداد فطري أو موهبة خاصة للقيام به إلى جانب العلم الصحيح، أما الشخص غير الموهوب، فأفضل ما يمكن أن تقدمه له الكتب الإسلامية المتخصصة الموثوق بها في علم تفسير الرؤى أن تمنحه ثقافة كبيرة في هذا العلم بحيث يكون لديه وعي كبير بما يقوم به المفسرون، وكذلك يستطيع من خلال هذه الثقافة أن يميز بين المفسر الحقيقي صاحب العِلم والمفسر الكذاب الجاهل.(1/157)
وبلا شك، هناك فرق بين أن يكون لدى الشخص ثقافة بالشيء، وبين أن يكون متخصصاً فيه، فالتخصص في شيء ما يحتاج لموهبة، وتدريب، وإتقان، وتعمُّق في الفهم، ومهارة في استخدام القواعد والأصول وتطبيقها، بينما لا يتطلب تكوين الثقافة العامة عن شيء ما كل ذلك. والله (تعالى) أعلم.
126. هل يصلح شيخ المسجد أو العالِم الشرعي أن يكون مفسراً للرؤى؟
يلجأ كثير من المسلمين إذا ما رأوا في منامهم شيئاً إلى شيخ المسجد، أو أحد عُلماء الشرع، أو مواقع الإفتاء الشرعي على الإنترنت للسؤال عن تفسير الرؤى. ولكن، يُمكن القول بأنه على الرغم من أن أصول علم تفسير الرؤى تنبع من القرآن والسُّنَّة - كما أن بقية علوم الشرع تنبع أيضاً من نفس المنبع - إلا أن علم تفسير الرؤى يسير في اتجاه آخر، ويصب في مصب مختلف عن بقية العلوم الشرعية، وكذلك، فلعلم تفسير الرؤى مؤهلات ليست بالضرورة تتحقق في الفقيه أو الواعظ، ومع ذلك، فالعلم بالشرع وعلومه هو من الأمور المفيدة جداً، بل والمهمة لمفسر الرؤى والتي لا يمكن يستغني عنها أبداً. والله (تعالى) أعلم.
127. هل يصلح الساحر أو المُنجِّم أن يكون مفسراً للرؤى؟
الساحر هو الشخص الذي يقوم بتسخير الشياطين؛ لإيذاء الناس، أما المنجم فهو الشخص الذي يدعي قدرته على معرفة الغيب سواء من خلال ما يزعمون أنه يُسمَّى بعلم النجوم، أو قراءة الكف، أو ما شابه من هذه الخرافات والموبقات. وهؤلاء النوعيات من الناس قد ثبت شرعاً، وعقلاً، وتجربة أنهم مجرمون، و نصابون، وخارجون عن الإسلام، وبالتالي، فإنهم بعيدون كل البعد عن مؤهلات القيام بهذا العمل العظيم. والله (تعالى) أعلم.
128. هل يصلح المسلم الفاسق أو غير المسلم للقيام بتفسير الرؤى؟(1/158)
المسلم الفاسق هو صاحب التقصير الشديد في العبادات المفروضة أو مرتكب الذنوب الكبيرة، أما غير المسلم فهو النصراني، أو اليهودي، أو غير ذلك. ولا يصلح هؤلاء بداهة للقيام بهذا العمل، فهو عمل لا يقوم به إلا من رضي بالله (تعالى) رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) نبياً ورسولاً، واستقام على أمر الله (تعالى)، أما غير ذلك ممن غضب الله (تعالى) عليهم من أهل الشرك، والوثنية، أو التفريط في الدين، فلا ينبغي أن يقوموا بمثل هذا العمل، فهؤلاء إما أنهم لا علم لهم بأصول هذا العلم الشريف من قرآن وسنة، وإما أنهم لا صلة لهم بالله (تعالى) تعينهم على القيام بمثل هذا العمل الذي لم يقم به على مر العصور إلا الأنبياء والأولياء. والله (تعالى) أعلم.
129. ما حقيقة من يُطلق عليهم الروحانيون؟ وهل لهم علاقة بتفسير الرؤى؟
تشير كلمة «الروحانيون» من الناحية اللغوية إلى أولئك الأشخاص المنتسبون إلى الروح. أمَّا معناها كمصطلح فيشير إلى الأشخاص الذين يعتقد بعض غير المسلمين قدرتهم على الاتصال بأرواح الموتى والأخذ عنهم، أو ما يُطلق عليه «تحضير الأرواح»، وهو الزعم بقيام شخص عن طريق شخص وسيط بالاتصال بروح أحد الموتى، والتي يُفترض أن تحل في هذا الوسيط، وتتكلم على لسانه.
والروح في الإسلام هي من الأمور الغامضة على الإنسان، والتي استأثر الله (تعالى) بعلمها لنفسه (سبحانه)، فقال (عزَّ وجلَّ) في القرآن الكريم لنبيه (صلَّى الله عليه وسلَّم): {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء : 85].(1/159)
ولا يوجد في الإسلام شيء اسمه «تحضير الأرواح»، فهذه خرافة لا أساس لها، والموتى لا يستطيع أحد من الناس استدعائهم إلى عالم الأحياء، فبينهم وبين الأحياء حاجز فاصل لا يمكن لكلٍ منهما عبوره، يقول الله (تعالى) عن هذا الحاجز: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)} [سورة المؤمنون].
ويمكن أن تستخدم هذه الكلمة بمعنى آخر أيضاً، فقد تشير إلى الأشخاص غير الماديين في تفكيرهم أو الذين يميلون إلى القيم والأخلاقيات الدينية بدلاً من الأخلاقيات المادية، والنفعية، والانتهازية. وبهذا المعنى قد تكون هذه الكلمة مقبولة بدرجة ما في الإسلام.
والله (تعالى) أعلم.
130. ماذا يفعل من سُئل عن رؤيا وهو غير عالِمٍ بتفسير الرؤى؟
إذا لم يكن الشخص عالماً، فلا أقل من أن يكون ناصحاً، فيمكن أن يقوم بعدة أشياء يفيد بها السائل، ومنها:
1. إذا كان يعرف واحداً من أهل العلم بالرؤى من الثقات الأتقياء، فليرشد الرائي إليه أو يتوسط له لديه.
2. إذا لم يكن يعرف أحداً فلينظر في ظاهر الرؤيا إن كان خيراً أم شراً، ثم ليسأل الرائي عن أحواله.
فإن كان الرائي من الصالحين، وظاهر رؤياه خير، فليطمئنه المسئول، وليخبره أنها بشرى له من الله (تعالى) بالخير، وليخبره بحديث النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المؤمن أو تُرى له» (حديث صحيح - صحيح الجامع).
وإن كان في الرائي فساد، وظاهر رؤياه شر، فليوجهه المسئول إلى الاستعاذة بالله (تعالى) من شر الرؤيا، وليحثه على تقوى الله (عزَّ وجلَّ)، واللجوء إليه سبحانه حتى يحفظه الله (جل جلاله) من شر رؤياه.(1/160)
فإذا كان الرائي صالحاً، وظاهر رؤياه شر، فليخبره المسئول بأن يستعيذ بالله (تعالى) من هذه الرؤيا، وألا يخبر بها أحداً، فإنها من الشيطان؛ ليحزنه وليصرفه عن طاعة الله (عزَّ وجلَّ)، وأنها لن تضرُّه بإذن الله (تعالى).
أما إذا كان الرائي فاسداً، وظاهر رؤيا خير، فلينبهه المسئول بأن في هذه الرؤيا بشرى له بالخير، ولكن تحققها مشروط بأن يكون الرائي صالحاً قريباً من الله (تعالى)، فعلى الرائي أن يصلح علاقته بالله (عزَّ وجلَّ)، وسوف تتحقق هذه الرؤيا على أفضل ما يكون، أما إن لم تنصلح علاقة الرائي مع الله (سبحانه)، فإن الخير الذي راه في الرؤيا لن يتحقق؛ لأن صدق الرؤيا أو كذبها مرهون عادة بصلاح الرائي أو فساده، ولينبهه كذلك إلى أن هذه الرؤيا فضل ونعمة من الله (تعالى) عليه، محروم منها كثير من الناس، وأن هذه النعمة تستوجب الشكر لله (الكريم)، والقيام بحقه (عزَّ وجلَّ) حتى يرى المزيد من الرؤى والبشارات الصادقة.
والله (تعالى) أعلم.
131. هل تصلح المرأة أن تكون مفسرة للرؤى؟
نعم تصلح المرأة أن تكون مفسرة للرؤى إذا ما توافرت فيها الشروط المطلوبة للمفسر. وكانت السيدة عائشة (أم المؤمنين) (رضي الله تعالى عنها) تفسر الرؤى، ولم ينهها النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم). والله (تعالى) أعلم.
132. هل تفسير الرؤى يعتبر عملاً شاقاً أم يسيراً على المفسر؟
تفسير الرؤى هو نوع من بذل المجهود العقلي، وبالتالي، فهناك درجة معينة من المشقة في القيام به. وتختلف درجة المشقة من رؤيا لأخرى، فهناك رؤى شديدة السهولة والوضوح، ولا تحتاج لتركيز كثير، ولا لوقت طويل، وهناك رؤى أخرى معقدة جدا،ً وتحتاج لتركيز كثير، ووقت طويل نسبياً في تفسيرها. (نسأل الله تعالى التيسير). هذا والله (تعالى) أعلم.
133. ما هي الأخلاقيات التي ينبغي أن يراعيها المفسر مع الرائي؟(1/161)
هناك العديد من الأخلاقيات التي ينبغي أن يلتزم بها من يقوم بالتصدي لتفسير رؤى الناس، أو بمعنى آخر «أخلاقيات المهنة» إن صح استخدام هذا التعبير في هذه الحالة، ومن ضمن هذه الأخلاقيات:
1. المفسر مؤتمن على أسرار الناس وخفايا حياتهم بحكم ضرورة معرفته لأشياء عن أحوالهم، فيمنع منعاً باتّاً أن يقوم المفسر بإفشاء هذه المعلومات، أو باستغلالها بأي شكل، ويكون المنع أشد إذا كان ذلك يضر بالرائي.
2. لا يجوز للمفسر أن يستغل احتياج الناس إليه، أو معاناتهم، أو ضعفهم - وخصوصاً إن كان المفسر رجلاً والرائي امرأة - للدخول من هذا الباب إلى علاقات مشبوهة، أو محرمة، أو ابتزاز الناس.
3. لا يجوز استغلال تفسير الرؤى للدعاية السياسية العامة كاستخدامها مثلاً في مدح الحُكَّام، أو تزكية حزب سياسي معين (كأن يكتب المفسر كتاباً يمدح فيه حاكِماً، أو نظاماً سياسياً معيناً من خلال الرؤى، أو يزكي مترشحاً للحكم من خلال الرؤى؛ ليساعده في حملة انتخابية أو ما شابه ذلك). فإن في ذلك خروجاً عن الأهداف الأساسية لتفسير للرؤى، وهو من باب سوء الاستخدام لها.
4. لا يجوز استغلال تفسير الرؤى للدعاية الاقتصادية كاستخدامها لترويج سلعة معينة، أو خدمة ما، أو مشروع تجاري؛ لنفس الأسباب المذكورة في النقطة السابقة.
5. لا يجوز للمفسر استخدام تفسير الرؤى لتحقيق مصالح شخصية مادية فاسدة، أو اكتساب مجد شخصي، أو شهرة، أو ثروة، أو أن تتحول المسألة إلى تجارة، أو مهنة، أو غير ذلك من أشكال سوء استغلال تفسير الرؤى وعلمه.
والله (تعالى) أعلم.
134. هل يجوز أن يأخذ مفسر الرؤى أجراً مقابل تفسيره؟(1/162)
أخذ أجرة معقولة نظير تفسير الرؤى جائز شرعاً - إن شاء الله (تعالى) - ولا حرج فيه على مفسر الرؤى، فهو أجر نظير عمل شريف، ولكن يحرم أخذ هذه الأجرة إن كان فيها مبالغة شديدة بحيث تدخل فيها شبهة الابتزاز، فهذا أكل لأموال الناس بالباطل، وكذلك، تحرم هذه الأجرة إذا كان المفسر نصَّاباً، أو كذَّاباً، أو ليس من أهل هذا العلم، فهذا نوع من الغش المحرم شرعاً.
وعلى الرغم من جواز أخذ الأجرة مقابل تفسير الرؤى، إلا أن طلب هذه الأجرة من الناس، أو إجبارهم على دفعها، أو تحديد مقدارها ليس من المروءة، ولا من كرم الأخلاق، فليس من المقبول أن يتحول هذا العلم الشريف والعمل العظيم إلى سلعة تجارية، أو وسيلة للكسب، أو أن يقوم المفسر بتحديد أولوية من يفسر لهم رؤاهم بحسب مقدار ما يدفعونه له من مال، أو أن يقوم بإعطاء امتيازات خاصة في تفسير الرؤى لمجموعة تدفع على حساب مجموعة أخرى لا تدفع (وقد رأينا هذا يحدث مع الأسف الشديد).
ومن ناحية أخرى، نقول أنه إذا كان المفسر صاحب العلم والتقوى فقيراً، وفي حاجة إلى دعم مالي ليواصل خدمته للمسلمين وجب عليهم دعمه بالمال، حتى ولو أعطوه من مال الزكاة أو الصدقة، أما إذا كان المفسر غنياً، ولا يحتاج إلى المال، فعار عليه أن ينظر إلى بضعة دراهم من هذا، وبضعة دنانير من ذاك، خاصة وأن وسائل التواصل بين المفسر والرائي قد أصبحت رخيصة نسبياً، وخصوصاً منتديات الإنترنت التي أصبحت أسعار تأجيرها في متناول جميع المستويات الاقتصادية لأغلب الناس تقريباً، بل ولقد أصبحت وسيلة للربح من خلال الإعلان التجاري فيها.
وخلاصة القول، أن من سوء أخلاق المفسر أن يُطالب الناس بأجرة نظير تفسيره لرؤاهم، ومن سوء أخلاق الناس أن يمنعوا عنه هذه الأجرة، خصوصاً إذا علموا أنه فقير محتاج. والله (تعالى) أعلم.(1)
__________
(1) 134) حاشية السؤال الرابع والثلاثين بعد المائة:
بلغنا أن بعض أهل العلم قد أفتوا بأن أخذ أجرة مقابل تفسير الرؤى حرام شرعاً؛ لأن هذا التفسير مبني على الظن، والظن قد يصيب وقد يخطيء، وبالتالي، فأخذ المال مقابل تفسيرها حرام. ونختلف مع هذا الكلام، فنقول: أن مفسر الرؤى لا يأخذ أجراً في مقابل صواب التفسير أو خطئه، بل إن هذا الأجر هو نظير اجتهاد المفسر للبحث عن أفضل معنى محتمل لهذه الرؤيا وفق قواعد تفسيرها الصحيحة، وبالتالي، فهو ليس حراماً. والله (تعالى) أعلم.(1/163)
34)
135. ما هي المميزات والعيوب لتفسير الرؤى عبر الوسائط الإعلامية؟ وكيف يمكن التغلب على العيوب؟
الوسائط الإعلامية هي وسائل الاتصال غير المباشر بين الرائي والمفسر كالهاتف، والتلفاز، والإنترنت، ورسائل الجوَّال (المحمول)، أو غير ذلك، ولقد انتشر تفسير الرؤى عبر هذه الوسائط وغيرها بشكل كبير جداً في الفترة الأخيرة حتى أصبح وكأن استخامها هو الأصل وغيره استثناء. ولهذه الوسائل فوائد كبيرة – وخصوصاً الإنترنت - في تفسير الرؤى كما أن لها أضراراً محتملة، وتختلف الفوائد من وسيط لآخر، ومن ضمن هذه الفوائد عموماً:
1. سرعة وسهولة الاتصال بين المفسر والرائي بصرف النظر عن المسافات والبلاد، وبصرف النظر عن اختلاف التوقيت أو اختلاف وقت تواجد الرائي والمفسر في نفس المكان (كترك رسالة على الهاتف أو إرسال بريد إلكتروني عبر الإنترنت).
2. تكوين مجتمعات افتراضية كبيرة من العلماء بالرؤى وتفسيرها والمهتمين بهذا المجال، مما يؤدي إلى إثراء وتقوية هذا العلم، ويتيح المزيد من نشر ثقافة الرؤى، وكيفية التعامل معها، وتفسيرها (كمنتديات الإنترنت مثلاً)، بعيداً عن الرقابة الصارمة، والإجراءات المعقدة، والمشاكل التي قد تعترض تكوين الجماعات الحقيقية كصعوبات الاجتماع، والفوضى، وضيق الوقت، والتشديدات الأمنية في بعض البلاد، وغير ذلك من الصعوبات.
أما بخصوص عيوب هذه الوسائط فيختلف من وسيط لآخر، وأتحدث هنا – على وجه الخصوص - عن عيوب مجتمعات تفسير الرؤى على الإنترنت (المنتديات)؛ لأنها الأكثر انتشاراً وضخامة، ولأن لدي خبرة في التعامل معها، وأهم هذه العيوب هي:(1/164)
1. الاختفاء، حيث لا يستطيع الرائي غالباً معرفة المفسر الذي يتكلم معه على وجه اليقين؛ لأن الناس يدخلون إلى هذه المجتمعات عادة بأسماء مستعارة وبدون كشف للهوية، فيصعب تحديد صدق الشخص من كذبه، أو علمه من جهله، أو انتماءاته وأفكاره، بل حتى لا يمكن التأكد يقيناً إن كان المتحدث ذكراً، أم أنثى، أم طفلاً.
2. صعوبة توصيل الأفكار والأحاسيس نسبياً عبر هذه الوسائط عن اللقاء المباشر.
3. صعوبة معرفة المفسر لأحوال الرائي بشكل جيد خصوصاً أنه يسهل جداً الكذب والخداع في هذه المنتديات بدرجات متفاوتة.
ويمكن التغلب على هذه العيوب ببناء المزيد من الثقة بين المتواصلين من خلال هذه المنتديات، ولا يتم ذلك غالباً إلا بعد وقت طويل نسبياً من التعامل بينهم بحيث يستطيع كل منهم أن يكتسب درجة ما من الفهم لطبيعة شخصية، وإمكانات، وظروف من يتواصل معهم، وبالتالي، تزداد ثقته فيهم.
والله (تعالى) أعلم.
136. هل يصح أن يسأل الشخص عن تفسير رؤيا غيره؟ وكيف يتعامل المفسر مع الرؤى المنقولة؟
يشترط بعض المفسرين أن يكون من يقص علهيم الرؤيا هو نفس رائيها، ولا يقبلون تفسير الرؤيا المنقولة من شخص لشخص آخر، وقد يكون لذلك عدة أسباب منها:
1. احتمال عدم الدقة أو الخطأ في النقل.
2. الخوف من أن يكون ناقل الرؤيا قد فعل ذلك بدون علم رائيها، إذ ربما يستغل ما فيها من معلومات فيؤذيه، أو يعرف منها ما يجعله يحقد عليه، أو يشمت فيه.
3. عدم معرفة الناقل بأحوال الرائي وظروفة بالدرجة الكافية، فلا يستطيع الإجابة على أسئلة المفسر بخصوص ذلك بشكل دقيق.
ولكن على الرغم من هذه المشاكل إلا أنه يجب على المفسر في بعض الأحيان أن يقبل تفسير الرؤى المنقولة، وذلك لأن هناك من الناس من لا يستطيعون قص رؤاهم على المفسر بأنفسهم لظروف لديهم كالعجز، أو المرض، أو الانشغال، أو لندرة مفسري الرؤى.(1/165)
ولكن ينبغي على المفسر أن يحتاط إن شَعُر أن ناقل الرؤيا شخص غير صالح أو غير أمين، فمن الأفضل في هذه الحالة ألا يقبل منه الرؤيا المنقولة. والله (تعالى) أعلم.
137. ماذا يجب أن يعرف المفسر عن أحوال من يفسر لهم رؤاهم؟
ليست كل أحوال الرائي بنفس الدرجة من الأهمية في معرفتها عند تفسير الرؤى المختلفة، فأحيانا يكون حال معين عند الرائي أهم من غيره للمفسر ليسهل عليه تفسير الرؤيا.
وقد تناولنا في هذا الكتاب سابقاً أحوال الرائي، ولمسنا كم هي كثيرة ومتشعبة. وعملياً، لا يمكن للمفسر أن يسأل الرائي عن كل هذه الأحوال، وأن يتوقع منه أن يشرحها له كلها بالتفصيل، ولكن هناك أحوال معينة ثبتت أهميتها الكبيرة في تفسير الغالبية العظمى من الرؤى، وهي أحوال لا غنى للمفسر عن معرفتها، وإلا كان من الأجدر به أن يمتنع عن تفسير الرؤيا نهائياً.
اتفق علماء تفسير الرؤى على أن صلاح أو فساد الرائي، بمعنى ديانته، ودرجة التزامه الديني والأخلاقي هي أهم ما ينبغي أن يعرفه المفسر من أحوال عن أي راءٍ مطلقاً، ذلك لأن صلاح الرائي أو فساده في علاقته مع الله (تعالى) هو العامل الأكبر تأثيراً في تفسير الرؤى، والأعمق أثراً في ترجيح المقصود بها، فإذا ما عُرضت على المفسر رؤيا لا يعرف عن صلاح رائيها أو فساده شيئاً، فإن احتمال الخطأ في تفسيرها يكون كبيراً جداً.
كذلك، اتفق علماء الرؤى على أن أحوال الرائي المتزامنة أو المعاصرة للوقت الذي رأى فيه الرؤيا هي الأكثر تأثيراً في تفسير الرؤيا عن أحواله في وقت سابق عن حدوث الرؤيا. وبالتالي، ينبغي على المفسر التركيز بشكل أكبر على معرفةأحوال الرائي وقت حدوث الرؤيا. ومع ذلك، فهناك من الرؤى ما قد يتطلب معرفة أشياء عن أحوال رائيها السابقة عن وقت حدوثها.(1/166)
أيضاً من المهم جداً للمفسر أن يعرف أكبر الهموم والمشاكل التي يعاني منها الرائي وقت الرؤيا، فإذا قلنا أن الأصل في الرؤى الصادقة والغالب عليها للمسلم الصالح أن تكون بشرى بالخير، فإن البشرى لا تكون في معظم الأحيان إلا بزوال الهموم والمشاكل، ولذلك ينبغي على المفسر ألا يهمل الإلمام بهذا الجانب أبداً عند من يفسر لهم رؤاهم.
ثم تأتي بعد ذلك في درجة الأهمية النشاطات التي يمارسها الرائي ويفرِّغ لها الكثير من وقته واهتمامه، وقد ثبت أن لهذه النشاطات تأثيراً لا يستهان به على تفسير الرؤى، فينبغي على المفسر أن يكون على دراية بها.
أما بقية أحوال الرائي، فلا يسأل المفسر عنها إلا عند الحاجة، فهناك أحوال لا يحتاج المفسر للسؤال عنها؛ لأنها شديدة الوضوح مثل كون الرائي ذكراً أم أنثى، بينما هناك أحوال أخرى قد يحتاج المفسر للسؤال عنها إذا ما وجد أنه يُحتمل أن يكون لها دخل في تحديد معنى الرؤيا مثل كون الرائي متزوجاً أم لا، أو كونه مريضاً أو صحيحاً...إلخ.
وأخيراً ينبغي أن يدرك مفسر الرؤى أن أحوال الرائي هي من الأركان الأساسية لتفسير الرؤى، والتي لا تصلح بدونها نهائياً، فعليه أن يحرص عليها، وألا يهملها أبداً، وهناك بعض المفسرين لا يسأل الرائي عن أحواله، ثم يقوم بتفسير الرؤيا على أي احتمال يمكن أن تحتمله بصفة عامة دون تدقيق في أحوال رائيها، مما يجعل تفسير الرؤيا في هذه الحالة أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب. والله (تعالى) أعلم.
138. هل يصح أن يقوم المفسر بتحديد توقيت معين لتحقق الرؤيا؟
تحديد تاريخ معين لوقوع الرؤيا هو من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يسقط فيها مفسر للرؤى حيث تجد بعضهم يقوم بتحديد تاريخ معين لتحقق الرؤيا، فيقول مثلاً: سوف تذهب للحج يوم 13، أو سوف يأتيك خبر سار يوم 25.(1/167)
وعلى الرغم من أن بعض الرؤى قد تدل على أوقات معينة لتحققها فعلاً - كأن تدل مثلاً على الشتاء القادم ، أو تدل على قرب وقوع شيء معين -، إلا أن التحديد الدقيق لتاريخ معين لا يأتي غالباً في الرؤى؛ لأن هذا من الغيب اليقيني الذي استأثر الله (تعالى) بعلمه لنفسه (سبحانه)، وحتى وإن جاء في الرؤيا ما يدل على تاريخ معين – وهو قليل -، فإن تفسير الرؤيا يكون محتملاً وليس مؤكداً. والله (تعالى) أعلم.
139. كيف يستطيع المفسر معرفة الزمن الذي تدل عليه الرؤيا؟
تحدثنا قبل ذلك عن أن الرؤيا الصادقة قد تدل على الماضي، أو الحاضر، أو المستقبل، وقد تدل أحياناً على أكثر من زمن في نفس الرؤيا. وقد لوحظ أن الغالبية العظمى من الرؤى تدل على المستقبل، بينما يدل الكثير منها على الحاضر، بينما يدل القليل منها على الماضي. والرؤيا التي تدل على المستقبل والحاضر معاً هي من أكثر الرؤى شيوعاً بين الناس، بينما تقل الرؤى التي تدل على الماضي والحاضر معاً، وتقل جداً الرؤى التي تدل على الماضي والحاضر والمستقبل معاً.
ويمكن للمفسر أن يعرف الزمن الذي تدل عليه الرؤيا - سواء كان زمناً واحداً أو أكثر - عن طريق معرفة أحوال الرائي، ثم محاولة تركيبها على احتمال لتفسير الرؤيا أو جزء منها. وتكون هذه العملية هي مجرد «بداية خيط» – إن صح هذا التعبير – يبدأ المفسر من خلاله بمحاولة تحديد الزمن المقصود بالرؤيا ويمكن تفصيل هذه القاعدة كالتالي:(1/168)
أولاً: ينبغي على مفسر الرؤى أن يفترض أنه طالما أن الرؤيا قد تدل على زمنين أو ثلاثة معاً، فإن أحداثها قد تكون مُقَسَّمة تبعاً لذلك إلى جزئين أو ثلاثة أجزاء، وأن كل جزء منها قد يدل على زمن معين، فهذه مجموعة من الأحداث في رؤيا تدل على الماضي مثلاً (الجزء الأول من الرؤيا)، وهذه أخرى تليها تدل على الحاضر (الجزء الثاني من الرؤيا)، وهذه ثالثة تليها تدل على المستقبل (الجزء الثالث من الرؤيا)، وقد تدل الرؤيا على زمنين فقط فلا يوجد في هذا التقسيم إلا الجزء الأول والثاني فقط، أو قد تدل الرؤيا كلها على زمن واحد فلا يكون هناك داعٍ لافتراض هذا التقسيم.
ثانياً: يقوم المفسر بالتعامل مع الرؤيا أو أجزائها كالتالي:
1. إذا ما انطبقت أحوال الرائي في الحاضر على أحد احتمالات تفسير الجزء الأول من الرؤيا، عرفنا أن هذا الجزء منها قد يدل على الحاضر، بينما قد يدل الجزء الثاني أو ما تبقى من الرؤيا على المستقبل.
2. إذا ما انطبقت أحوال الرائي في الماضي والحاضر على أحد احتمالات الجزء الأول والثاني من الرؤيا، عرفنا أن هذين الجزئين قد يدلان على الماضي والحاضر، بينما قد يدل الجزء الثالث من الرؤيا أو ما تبقى منها يدل على المستقبل.
3. إذا لم تنطبق أحوال الرائي لا في الماضي ولا في الحاضر على أي احتمال لأي جزء من أجزاء الرؤيا، عرفنا أن الرؤيا تدل على المستقبل فقط.
4. إذا انطبقت أحوال الرائي في الماضي على احتمال لتفسير الرؤيا كلها، عرفنا أنها قد تدل على الماضي فقط.
5. إذا نطبقت أحوال الرائي في الحاضر على احتمال لتفسير الرؤيا كلها، عرفنا أنها تدل على الحاضر فقط.
6. إذا انطبقت أحوال الرائي في الماضي والحاضر على احتمال لتفسير الرؤيا كلها، عرفنا أنها قد تدل على الماضي والحاضر فقط.(1/169)
7. إذا انطبقت أحوال الرائي في الماضي والحاضر على جزء في بداية الرؤيا، ولكن تبقَّى جزء لم تنطبق عليه أية أحوال له، عرفنا أن الرؤيا قد تدل على الماضي والحاضر والمستقبل.
ولتوضيح هذه القاعدة نأخذ بعض الأمثلة:
مثال 1: رؤيا يوسف (عليه السلام) وهو طفل، والتي جاء ذكرها في قول الله (تعالى): {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف : 4].
نفترض أننا لا نعرف تفسير هذه الرؤيا، ونريد الآن أن نعرف على أي زمن تدل لرائيها، فنقول أن أحد احتمالات تفسير هذه الرؤيا أنها تدل على عظمة ورفعة شأن لرائيها، ثم ننظر في أحوال الرائي، فنجده طفلاً صغيراً مسكيناً، ولا علاقة لأحواله في ماضيه ولا لحاضره بهذا الاحتمال في التفسير، إذن فهذه الرؤيا قد تدل لهذا الطفل على المستقبل، حيث لا تنطبق أحوال رائيها عليها أو على أي جزء فيها.(1/170)
مثال 2: رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) المذكورة في القرآن الكريم في قول الله (تعالى): {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ...} [الفتح:27]، والرؤيا تدل للنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) والصحابة على دخول المسجد الحرام، فإذا افترضنا أننا لا نعرف هل تدل هذه الرؤيا لرائيها (صلَّى الله عليه وسلَّم) على الماضي، أو الحاضر، أو المستقبل، فننظر في أحوال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) والصحابة وقتها، فنجد أنهم لم يتيسر لهم دخول مكة المكرمة، وبالتالي، فالرؤيا لا تدل على الحاضر، ثم ننظر في أحوالهم في الماضي، فنجد أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) والصحابة لم يكونوا آمنين في دخولهم المسجد الحرام في مكة نتيجة أذى المشركين، وبالتالي، فالرؤيا لا تدل على الماضي ولا على الحاضر، إذن فهي تدل على المستقبل.
مثال 3: نفترض أن شخصاً قد رأى نفسه يأكل طعاماً كثيراً وهو سعيد، ثم جاءه شخص فسرق منه الطعام فسبب له ذلك حزناً شديداً.
ما يظهر أن أحد احتمالات تفسير الرؤيا أنها تتعلق بالرزق، وأنها يحتمل أن تدل لرائيها على فقر بعد غِنى، ولكن في أي زمن يحدث الفقر وفي أي زمن يحدث الغِنى، وبسؤال الرائي عن أحواله عرفنا أنه ميسور الحال ولا يعاني من أية مشاكل مالية في الوقت الحالي، إلا أنه كان فقيراً في بداية حياته.(1/171)
نبدأ بتطبيق أحوال الرائي في الماضي على الرؤيا نجد أن حاله في الماضي (كان فقيراً في بداية حياته) لا ينطبق على الجزء الأول من الرؤيا (رأى نفسه يأكل طعاماً كثيراً وهو سعيد)، وهكذا لا تدل الرؤيا على الماضي، ثم ننتقل لأحواله في الحاضر، فنجد أن حاله في الحاضر (ميسور الحال ولا يعاني من أية مشاكل مالية) ينطبق على الجزء الأول من الرؤيا (رأى نفسه يأكل طعاماً كثيراً وهو سعيد)، وهكذا يمكن أن نستنتج أن الجزء الأول من الرؤيا قد يدل على الحاضر؛ لأن أحوال الرائي في الحاضر انطبقت على أحد احتمالات تفسيره، وبالتالي، يكون الباقي من الرؤيا كله (ثم جاءه شخص فسرق منه الطعام فسبب له ذلك حزناً شديداً) دليلاً على ما يُحتمل أن يحدث في المستقبل. إذن فهذه الرؤيا قد تدل على الحاضر والمستقبل معاً.(1/172)
مثال 4: نفترض أن رجلاً رأى نفسه في رؤيا يرتكب معصية، ثم تركها ودخل مسجداً، ثم خرج من المسجد ونطق بالشهادتين، ونريد أن نعرف إن كانت هذه الرؤيا تدل على الماضي، أم الحاضر، أم المستقبل، فننظر في أحوال رائيها، فنجده كان عاصياً لله (تعالى) في الماضي، ثم تاب في الوقت الحاضر وانصلح حاله، ثم نجد أن الجزء الأول من الرؤيا (رأى نفسه في رؤيا يرتكب معصية) يُحتمل أن يدل على ماضي هذا الشخص الذي كان فيه عاصياً لله (تعالى)، وهكذا تم تركيب حالة الشخص في الماضي على أحد التفسيرات التي يحتملها جزء من الرؤيا، ثم ننظر في أحواله في الحاضر، فنجد أنه قد تاب، فنقوم بمحاولة تركيب هذا الحال على الجزء الذي يليه في الرؤيا (دخوله المسجد)، فنجد أن حالة التوبة هذه يمكن أن يحتملها معنى دخول المسجد في الرؤيا، وبالتالي، تنطبق هذه الحالة على أحد احتمالات تفسير جزء آخر من الرؤيا، إذن فهذا الجزء من الرؤيا قد يدل على الحاضر، ثم يتبقى لدينا جزء آخر لا يظهر أنه ينطبق على ماضٍ أو حاضرٍ لرائيه، وبالتالي، فقد يدل على المستقبل. وبناء على ذلك، فقد تدل هذه الرؤيا على الماضي، والحاضر، والمستقبل معاً.
ولا شك أن تطبيق مثل هذه القاعدة ليس مسألة سهلة في كل الأحوال، فقد تواجه المفسر بعض الصعوبات، منها:
1. غموض أحوال الرائي.
2. فشل المفسر في الربط بين أحوال الرائي وبين أي احتمال ممكن لتفسير الرؤيا أو أي جزء منها؛ لكثرة أحوال الرائي وتعقدها، أو لكثرة احتمالات الرموز في الرؤيا وتشعبها، أو لكليهما معاً.
3. تطبيق مثل هذه القاعدة يحتاج لموهبة في تفسير الرؤى، ولتدريب عليها حتى يقوم المفسر بها بشكل تلقائي.
والله (تعالى) أعلم.
140. كيف يستطيع المفسر التمييز بين الرائي الصالح والفاسد؟(1/173)
من المعلوم أن صلاح الرائي أو فساده هما العاملان الأساسيان الذان يتأثر بهما تفسير الرؤيا. وبالتالي، ينبغي على مفسر الرؤى أن يحاول بقدر استطاعته التمييز بين الرائي الصالح أو الفاسد حتى يفسر الرؤى على أفضل وأدق ما يمكن.
ولكن مع الأسف يُحتمل أن يتعذر تحديد صلاح الرائي من فساده على المفسر للعديد من الأسباب، من ضمنها:
1. جهل المفسر بالرائي: يتعامل المفسر عادة مع رائين مجهولين لفترة قصيرة – هي فترة الاستفسار عن الرؤيا -، والتي ربما لا تتيح للمفسر تكوين فكرة صحيحة عن صلاح الرائي من فساده.
2. انتشار النفاق بين الناس: فلا يمكن معرفة الصالح من الفاسد بسهولة في كثير من الأحيان.
ومع ذلك فما زال باستطاعة مفسر الرؤى - بتوفيق الله (تعالى) – التعامل مع هذه الظروف، والتغلب على ما قد يكون لها من تأثير سلبي على تفسير الرؤى.
والأصل في تعامل مفسر الرؤى مع السائلين المجهولين لتحديد صلاحهم من فسادهم على أربعة أحوال:
1. إذا كان يظهر على الرائي الصلاح (في مظهره، وكلامه، وعمله...إلخ)، وكان ظاهر رؤياه خيراً، تعامل معه المفسر على أنه صالح، وفسر له رؤياه على الخير.
2. إذا كان يظهر على الرائي الصلاح، وكان ظاهر رؤياه شراً، فلا بد أن يسأله المفسر عن أحواله كثيراً حتى يتأكد من صلاحه، وخصوصاً إن شك المفسر أن للرؤيا علاقة بشيء معين (صلاته، عمله، علاقته بزوجته، علاقته بأولاده...إلخ)، فإذا كان في الإجابة تأكيد على صلاحه، أرشده المفسر إلى الاستعاذة بالله (تعالى) من شر الشيطان، وشر الرؤيا، وشر قضاء السوء، وحثه على تقوى الله (عزَّ وجلَّ). ولا ينبغي للمفسر أن يقلب رؤيا ظاهرها شر على معنى الخير أبداً إن كان لديه شك في صلاح الرائي.(1/174)
3. إذا كان يظهر على الرائي الفساد (في مظهره، وكلامه، وعمله،...إلخ)، أو إذا سأله المفسر أسئلة أظهرت أن لديه درجة من الفساد، وكان ظاهر رؤياه شراً، نبهه المفسر إلى ضرورة اللجوء إلى الله (تعالى)، وتقواه (سبحانه) حتى لا يتحقق ما في الرؤيا من شر، وحذره أن يأمن مكر الله (تعالى)، وحذره من عقوبته (عز وجل).
4. إذا كان يظهر على الرائي الفساد، وكان ظاهر رؤياه خيراً، سأله المفسر عن أحواله، فلعله يكون ميالاً للصلاح، ولحب الله (تعالى) ورسوله (صلَّى الله عليه وسلَّم)، أو لعله ممن يرجون العودة إلى الله (تعالى)، ولكن لا يستطيعون، وهؤلاء كثير، فينبغي على المفسر في هذه الحالة أن يبشر هذا الشخص بالخير، وأن يشجعه على الحق والإصلاح، وأن يوجهه لتقوى الله (تعالى) حتى تتحقق البشرى في رؤياه، وكثير من رؤيا أمثال هؤلاء تكون بشرى لهم بالهداية. فإن كان الرائي ليس لديه أي ميل للصلاح حذره المفسر من الاغترار بالرؤيا، وترك العمل الصالح، والاستمرار في الفساد، ونبهه أن الرؤيا لا تغني عنه من الله (تعالى) شيئاً، وأن التقوى هي أساس تعامل الله (سبحانه) مع عباده.
والله (تعالى) أعلم.
141. ما هي العلامات التي تميز بين مفسر الرؤى الحقيقي والمفسر الكذاب؟
يستطيع بعض المنافقين أو الجهلة أن يخفوا أنفسهم بمهارة في ظل عدم وجود معايير واضحة عند المسلمين للتمييز بين المفسر الصادق والكاذب، وبين العالم والجاهل في هذا العلم، وفي ظل إعلام يبحث عن الوجهاء، قبل أن يبحث عن العلماء، ولكن هناك علامات معينة يُرجَّح إذا ظهرت على شخص أن يكون مفسراً جاهلاً أو كذاباً، وبالتالي، فهو دخيل على هذا العلم، ومن ضمن هذه العلامات:
1. عدم سؤاله عن أحوال الرائي، أو من رؤيت له الرؤيا، وخصوصاً صلاحه أو فساده.(1/175)
2. تفسير الرؤيا بطريقة معينة توحي للرائي وكأنه وحي فوري يهبط على المفسر من السماء، وليس عملية اجتهادية تقوم على قواعد معروفة، وتحتمل الصواب والخطأ، وتحتاج أحياناً لبعض الوقت للبحث والتفكير.
3. الاستشهاد كثيراً بما جاء في الكتب القديمة من معاني الرموز، فيقول لك مثلاً: رؤياك معناها كذا؛ لأن ابن سيرين قال في كتابه أن من رأى كذا فمعناه كذا، وهذا يدل غالباً على جهل المفسر حيث لا يراعي تغير معنى رموز الرؤى بتغير أحوال الرائي وبتغير الأزمان، إلى جانب ما في هذه الكتب القديمة من أخطاء واضحة لكل مفسر عالم بالرؤى.
4. ظهور علامات مثيرة للشبهات حول دين المفسر وأخلاقه، ومن ضمن ذلك ظهوره على قناة تليفزيونية لا تتقي الله (تعالى) فيما تقدم للناس، فتجد برنامج تفسير الرؤى يأتي بعد فقرة رقص مثلاً (وهل يكون للمفسر مصداقية بعد ذلك؟ أو هل يجرؤ أن يتحدث في الدين حينئذ؟)، أو ظهوره في برنامج تليفزيوني بتقديم امرأة متبرجة (وأحياناً يكون التبرج مبالغاً فيه جداً) بحيث لا يملك المفسر خياراً إلا أن ينظر إليها طوال مدة الحلقة، ويتحول البرنامج إلى ذنب يرتكبه كل رجل مسلم يشاهده، أو قيامه بتصرفات معينة توحي بأنه يتعامل مع تفسير الرؤى على أنه وظيفة أو تجارة كإجباره للناس على إعطائه مالاً نظير تفسيره لرؤاهم، خصوصاً وأنه غير فقير، أو عمل حلقات تليفزيونية عن الرؤى غير ذات فائدة كبيرة، ويظهر بوضوح أن الهدف منها هو تحقيق نسبة عالية لمشاهدة القناة، والحصول على أكبر قدر من اتصالات الناس، وبالتالي تحقيق مكاسب أعلى له وللقناة، أو ظهور علامات السحر، أو التنجيم، أو الدجل عليه...إلخ.
5. عدم وجود إنتاج علمي محترم قائم على الأصول الشرعية الإسلامية في هذا العلم للمفسر كأبحاث علمية أو مقالات، مما قد يدل على جهله بهذا العلم.(1/176)
6. ظهور علامات سوء استخدام الرؤى على تصرفاته كاستخدامها لأهداف سياسية، أو اقتصادية، أو لتحقيق مصالح شخصية.
7. عدم قدرته على الرد على الأسئلة العادية الخاصة بعلم تفسير الرؤيا، أو الرد عليها بإجابات لا تستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
8. ليس من الجيد أن يبدو على مفسر الرؤى علامات يُحتمل أن تعطي انطباعاً بالحرص على المظاهر كتعمُّد إلصاق لقب (دكتور) مثلاً قبل اسمه في مواقف تفسير الرؤى، خصوصاً إن كانت شهادة الدكتوراة التي حصل عليها لا علاقة لموضوعها نهائياً بتفسير الرؤى، وكذلك، فمن المعروف أن هذا الفرع من العلوم ليس أكاديمياً، ولا يحصل الناس فيه على شهادات عليا، وبالتالي، فإن تعمُّد وضع مثل هذه الألقاب قبل أسماء المفسرين للرؤى ليس له أي هدف واضح أو مفيد، وقد يوحي لدى بعض الناس بالرياء.
ومن الجدير هنا الإشارة إلى أن الانتشار الإعلامي لمفسر الرؤى ليس دليلاً على أنه صادق أو صاحب علم؛ لأن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام لا تبحث بالدرجة الأولى إلا عن الشخص القادر على تحقيق الجذب للناس والربح المالي، أما تعليم الناس، أو تثقيفهم، أو إفادتهم فليس من أولوياتهم.
وإني أنصح مفسري الرؤى الصادقين من أهل العلم أو المبتدئين الراغبين في خوض هذا المجال بالبعد عن الشبهات التي قد تسيء إلى سمعتهم، وبالتالي، لسمعة هذا العلم الشريف. والله (تعالى) أعلم.
142. كيف ينبغي أن يتعامل المفسر الذكر مع الرائية الأنثى؟ أو العكس؟(1/177)
التعامل المباشر بين المفسر الذكر والرائية الأنثى ليس من الأمور التي يرتاح إليها الأتقياء والصالحون، وبالتالي، فمن الأفضل أن يكون لدى المفسر امرأة من محارمه تساعده في هذا العمل، فتكون وسيطاً بينه وبين النساء، فإن لم يتيسر له ذلك، فمن الممكن أن يتعامل مع الرائية الأنثى من خلال الوسائط العامة غير المباشرة، وأفضلها منتديات الإنترنت، مع المراعاة الكاملة للضوابط الشرعية والأخلاقيات الكريمة في التعامل. والله (تعالى) أعلم.
143. هل ينبغي أن يسبق تفسير الرؤى كلام معين؟
لا يوجد دليل صحيح على ضرورة أن يقول المفسر كلمات معينة قبل تفسير الرؤيا، ومع ذلك، فقد جاء في هذه المسألة حديث ضعيف، فقد روي عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه قال لشخص سأله عن رؤيا قبل أن يفسرها (صلَّى الله عليه وسلَّم) له: «خيراً تَلْقَاه وشرّاً تَوَقَّاه، وخير لنا وشر على أعدائنا، والحمد لله رب العالمين» (مجمع الزوائد).
والتلفظ بكلمات معينة فيها نوع من الدعاء بالخير، والإعاذة من الشر، وحمد الله (تعالى)، أو كتابتها قبل تفسير الرؤى هو عمل حسن إذا ما كان الرائي صالحاً، وسواء استخدم المفسر هذه الكلمات المذكورة أو غيرها فلا بأس في ذلك، وإن لم يستخدم أي كلام قبل تفسير الرؤى فلا حرج عليه. والله (تعالى) أعلم.
144. من هو الشخص الأَولى بتفسير رؤياه من غيره؟(1/178)
ينبغي أن يعلم مفسر الرؤى في ظل الإقبال الشديد من الناس على تفسير رؤاهم - أن الإجابة على طالبي تفسير الرؤى لا تكون بالأسبقية في السؤال، بل بالأسبقية في الحاجة إلى تفسير الرؤيا. فهناك من المسلمين من أهل البلاءات والمعاناة الشديدة من هم في أشد الاحتياج إلى تفسير رؤاهم، وهناك آخرون أقل منهم احتياجاً، وهناك آخرون مدفوعون بالفضول فقط لمعرفة معنى الرؤيا. وكذلك فهناك من الناس من يريد الاستفسار عن رؤيا، ورؤيين، وثلاث معاً، فلا ينبغي إجابة هذا السائل عن أكثر من رؤيا في وقت ينتظر فيه آخرون تفسير رؤاهم.
ولا بأس من تفسير رؤى هؤلاء جميعاً معاً، بل وهذا هو المطلوب، ولكن أحياناً لا يجد المفسر الوقت الكافي للإجابة على الجميع، فيجب حينئذ أن يختار بعناية الأكثر احتياجاً لتفسير رؤياه، ثم الأقل احتياجاً، ثم الأقل احتياجاً...إلخ، مع مراعاة العدالة في التعامل مع السائلين قدر الاستطاعة. والله (تعالى) أعلم.
145. ما هو الوقت المثالي الذي ينبغي أن تستغرقه الرؤيا في تفسيرها؟
لا يوجد وقت محدد يجب أن تستغرقه الرؤيا في تفسيرها، وكثير من الناس يعتقدون أن تفسير الرؤيا لا بد أن يتم في نفس اللحظة التي قصها الرائي على المفسر، وهذا قد ينطبق على بعض الرؤى، إلا أنه في بعض الأحيان تكون الرؤى أصعب في تفسيرها، وتحتاج لتفكير وبحث من المفسر، وقد يستغرق ذلك بعض الوقت، وليس في ذلك ما يعيب المفسر، ولا ما يقلل من علمه. والله (تعالى) أعلم.
146. هل الرؤيا الطويلة أيسر للمفسر أم الرؤيا القصيرة؟
هناك رأيان في المسألة:
الأول: الرؤيا الطويلة أيسر؛ لأن فيها الكثير من الرموز، فإن أخفق المفسر في فهم معنى رمز، فلديه العديد من الرموز الأخرى يمكن أن يفهم معناها، وإن ضاع منه تفسير جزء من الرؤيا، لم يضع منه تفسير جزء آخر، عكس الرؤيا القصيرة ذات الرموز القليلة، والتي إن فشل المفسر في فهم رمز أو رمزين فيها ضاع منه تفسير الرؤيا كلها.(1/179)
الثاني: الرؤيا القصيرة أيسر؛ لأنها تكون أوضح، وأكثر تركيزاً وتماسكاً عن الرؤيا الطويلة، كما أن معانيها قليلة ومحصورة على قدر حجمها، فلا تسبب للمفسر التشتت الذي يمكن أن تسببه له الرؤيا الطويلة ذات احتمالات المعاني الكثيرة.
ومن خلال التجربة والخبرة أميل وأسعد بالتعامل مع الرؤى القصيرة أكثر من الرؤى الطويلة. والله (تعالى) أعلم.
147. ما هي الصعوبات التي تواجه المفسر في تفسير الرؤى؟ وكيف يمكن أن يتعامل معها؟
ليست كل الرؤى بنفس الدرجة من السهولة أو الصعوبة في تفسيرها، بل تتفاوت الرؤى ما بين رؤيا شديدة السهولة ورؤيا شديدة الصعوبة، ويمكن حصر غالبية الصعوبات التي تواجه المفسر في تفسير الرؤى في النقاط التالية:
1. صعوبات طبيعية في درجة وضوح الرؤيا نفسها: تختلف درجة الوضوح ما بين رؤيا لأخرى، فهناك رؤيا قليلة الرموز، وهناك رموز قليلة الاحتمالات في معانيها، وهذه أكثر وضوحاً وقابلية للفهم من غيرها، بينما هناك رؤيا أخرى كثيرة الرموز، وهناك رموز كثيرة الاحتمالات في معانيها، وهذه أقل وضوحاً وقابلية للفهم من غيرها.
2. عدم معرفة المفسر بمعانى رموز الرؤيا: ليس كل المفسرين للرؤى على نفس الدرجة من العلم بمعاني رموزها، خاصة وأن هناك رموزاً للرؤيا قد تكون متشعبة المعاني بدرجة كبيرة جداً بحيث يصعب حصرها كلها على مفسر الرؤى، فقد تجد رمزاً واحداً من رموز الرؤيا مثلاً يحتمل عشرين أو ثلاثين معنى أو أكثر، وبالتالي، فمن المهم للمفسر أن يزيد باستمرار من ثقافته واجتهاده في فهم ما يمكن أن تشير إليه معاني رموز الرؤى من احتمالات.(1/180)
3. عدم معرفة المفسر بأحوال الرائي: هذه من أكبر الصعوبات التي يمكن أن تواجه المفسر عند تفسير الرؤى، وتختلف الحاجة إلى معرفة أحوال الرائي ودرجة المعرفة المطلوبة لهذه الأحوال ما بين رؤيا وأخرى، فهناك رؤى يمكن تفسيرها بسهولة بمجرد معرفة أشياء عامة وبسيطة عن أحوال رائيها، بينما هناك رؤى أخرى يتطلب تفسيرها معرفة أشياء دقيقة وخاصة جداً عن أحوال رائيها.
وأغلب الناس بطبيعتهم لا يميلون للحديث عن أسرار حياتهم وتفاصيل ظروفهم كثيراً، وكذلك، فإن أغلبهم لا يعرفون ماذا يريد المفسر أن يعرف عن أحوالهم بالضبط حتى يفسر لهم رؤاهم، وبالتالي، يجد المفسر نفسه مضطراً دائماً أن يسأل من يفسر لهم عن أحوالهم، وأن يزيد في السؤال عند الحاجة. والله (تعالى) أعلم. ...
148. ماذا يفعل المفسر إذا تبين له أنه أخطأ في تفسير رؤيا؟
إذا تبين للمفسر أنه أخطأ في تفسير رؤيا، فعليه أن يحاول الاتصال بالرائي الذي أخطأ في تفسير رؤياه، وأن يبين له هذا الخطأ دون حرج، فالخطأ في تفسير الرؤيا وارد، وسبحان من لا يخطيء، فإذا لم يستطع المفسر أن يصل إليه، فليدع له بدعاء يتناسب مع أحواله، فإن كان صالحاً دعا له بالخير، وبأن يكفيه الله (تعالى) الشر، وإن كان ميالاً للصلاح دعا الله (عزَّ وجلَّ) له بالهداية، أما إن كان فاسداً دعا الله (سبحانه) أن يكفي الناس شره. والله (تعالى) أعلم.
149. ماذا يفعل المفسر مع راءٍ أتاه برؤيا فُسِّرت من قبل سواء على الخير أو على الشر؟
أحياناً يأتي شخص لتفسير رؤيا قد قام أحد المفسرين بتفسيرها له من قبل، فيأتي الرائي إلى المفسر، فيخبره بالتفسير السابق للرؤيا.(1/181)
وفي هذه الحالة ينبغي للمفسر أن يعلم بأحوال الرائي أولاً، ثم يحاول فهم الأساس الذي بنى عليه المفسر السابق تفسيره، ويتأكد أنه لا يوجد به أخطاء، فإن كان التفسير محتمل الصحة، نظر المفسر إن كان هذا التفسير هو الأفضل للرائي في دينه ودنياه، فإن كان كذلك، أكد المفسر عليه دون تغيير، أما إن كان لدى المفسر تفسير محتمل غيره هو أفضل للرائي في دينه ودنياه، أفتاه به المفسر، أما إن كان التفسير السابق شراً (والعياذ بالله تعالى)، وكان الرائي صالحاً، بحث له المفسر عن تفسير آخر محتمل من تفسيرات الخير، فإن كان الرائي فاسداً، حذَّره المفسر، ووجهه إلى الاستعاذة بالله (تعالى)، والعودة إليه (سبحانه) ليكفيه شر الرؤيا التي رآها وشر تفسيرها السيء. والله (تعالى) أعلم.
150. ما هي الأساليب أو الصياغات الأفضل لتفسير الرؤى؟
الصياغة هي الخطوة النهائية في عملية تفسير الرؤيا، وهي الكلمات التي يوصل بها المفسر ما فهمه من الرؤيا إلى الرائي، وينبغي أن يراعي المفسر عدة أشياء عند صياغة تفسيره، ومنها:
1. استخدام العبارات المهذبة، اللطيفة، التي لا تصدم الناس، ولا تخدش حياءهم، والابتعاد عن الأساليب الهجومية، أو الساخرة، أو المؤذية للآخرين بأي شكل.(1/182)
2. البعد عن المبالغات بصفة عامة سواء في رؤيا البشرى بالخير أو الشر. ومن أمثلة ذلك استخدام تعبيرات مثل: خير عظيم، رزق كبيرا جداً، منزلة غير مسبوقة، شهرة كونية، هلاك مروِّع، دمار شامل، هزيمة ساحقة ماحقة، موت محقق، نجاح مضمون...إلخ. ولا ينبغي للمفسر أن يلجأ لهذه المبالغات وأمثالها؛ لأن من شأنها أن تؤدي إما إلى أن يتواكل الرائي على الرؤى فتضعف عزيمته، ويُقصِّر عن العمل الصالح والأخذ بالأسباب، وإما أن يُصاب باليأس والإحباط من إصلاح حاله، فلا يُرجى منه أي خير. ونحن لا نريد لا هذا ولا ذاك، بل نريد أن يستبشر الصالح بالرؤيا دون تواكل أو ترك للعمل، وأن يحذر الفاسد من رؤياه، فيتراجع عن شرِّه دون أن يُصاب باليأس أو الإحباط من إمكانية أن يتوب ويعود إلى أهل الخير.
3. إذا كان في الرؤيا معنى كبير فعلاً بحيث لا يملك المفسر إلا أن ينقله للرائي كما هو فمن الأفضل استخدام صيغ الاحتمال كالرجاء، أو التمني، أو الخشية كالبشرى بالجنة مثلاً، أو بعذاب كبير لظالم مجرم، أو نحو ذلك، ومن أمثلة ذلك: أرجو/عساها أن تكون بشرى لك بالجنة بإذن الله (تعالى)، أخشى أن تكون تحذيراً لك من عقوبة شديدة من الله (تعالى).
4. إذا كان المعنى غير واضح للمفسر فالأفضل استخدام صيغ الاحتمال، ومن أمثلة ذلك: لعلها تكون كذا، أو يُحتمل أن تدل على كذا، أو عساها بشرى بخير، أو أخشى أن تكون إنذاراً لك من الله (تعالى)...إلخ.
5. لا بد من تعليق حدوث الرؤيا على مشيئة الله (تعالى) بقول المفسر: «إن شاء الله تعالى»؛ لما في ذلك من تأدُّب واجب مع الله (عزَّ وجلَّ).
6. استخدام صيغة الدعاء في رؤى الهموم، والشر، والمعاصي، ومن أمثلة ذلك: أسأل الله (تعالى) أن يهديك للحق، وأن يجنبك الباطل، وأن يوفقك للخير، وأن يكفيك الشر، أو أسأل الله (تعالى) لك خيرها، وأعيذك به (سبحانه) من شرها، أو أسأل الله (تعالى) أن يتوب عليك، وأن يغفر لك...إلخ.(1/183)
والله (تعالى) أعلم.
151. متى يلجأ المفسر للتفسير العام أو الإجمالي للرؤيا؟ ومتى يلجأ للتفسير التفصيلي؟
تحدثنا من قبل عن التفسير العام والتفسير التفصيلي للرؤى، وأن لكل منهما استخدام في مواقف معينة، ويمكن تفصيل هذه المواقف والاستخدامات كالآتي:
1. كلما كان المفسر على علم بأحوال الرائي، أو الأشخاص الذين ظهروا في الرؤيا، أو الأشياء التي ظهرت في الرؤيا، كلما كان من الأفضل اللجوء إلى التفسير التفصيلي، بينما كلما كان علمه بأحوال هؤلاء أقل، كلما كان من الأفضل اللجوء إلى التفسير العام.
2. كلما كانت احتمالات معاني الرموز في الرؤيا أكثر، كلما كان التفسير العام أفضل، بينما كلما كانت احتمالات هذه المعاني أقل، كلما كان التفسير التفصيلي أفضل.
3. كلما كان احتمال معنى الخير في الرؤيا أكبر، كلما كان من الأفضل اللجوء إلى التفسير التفصيلي، بينما كلما كان احتمال معنى الشر في الرؤيا أكبر، كلما كان من الأفضل اللجوء للتفسير العام.
4. يُفضَّل للمفسر المبتديء أو غير المتمكن جيداً من علم تفسير الرؤى أن يلجأ للتفسير العام في البداية.
ومن الجدير بالذكر هنا أن غالبية الناس يميلون دائماً للتفسير التفصيلي للرؤى؛ لأنهم شغوفون بمعرفة الغيب، وتفاصيله، وما يمكن أن يصير إليه المستقبل، وقد تشكل هذه الرغبة عند الغالبية ضغطاً مستمراً على المفسر قد تدفعه أحياناً للتكلف في التفسير، وتفصيله في دلالات ومعاني رؤى لا يصح فيها تفصيل التفسير، وبالتالي يحدث الخطأ.(1/184)
وكذلك، فإن الكثيرين من الناس يعتبرون أن التفسير التفصيلي هو دليل على براعة المفسر وعلمه الغزير، بينما التفسير العام هو من علامات فشل المفسر، مما يشكل المزيد من الضغط على المفسرين للسير في اتجاه تفصيل التفسير بشكل مستمر. ولكن على المفسر ألا ينساق خلف هذه الضغوط والإغراءات أبداً، وعليه أن «يحفظ تفسيره وعلمه» من تحميل الرؤى فوق ما تحتمل من المعاني رغبة في ثناء الناس أو خوفاً من انتقاداتهم.
فلا ينبغي أن يستحيي المفسر من أن يقول للرائي: رؤيا خير، أو اتق الله (تعالى) في اليقظة، ولا يضرك ما رأيت في المنام، أو رؤيا تدل على هموم أو ما شابه من صيغ التفسير العام. وليست كل رؤيا بالضرورة تدل على الزواج من عريس غني، أو فرصة عمل في شركة استثمارية، أو مولود ذكر في الطريق، أو حج في العام القادم، فهناك من الرؤى ما يدل على معاني عامة، ليس فيها أي تفصيل. والله (تعالى) أعلم.
152. هل ينبغي على المفسر تفسير جميع رموز الرؤيا؟
ليس بالضرورة أن يفهم المفسر جميع رموز الرؤيا، وربما يفهم بعضها ولا يفهم البعض الآخر. وليس بالضرورة أن يتم تفسير جميع رموز الرؤيا حتى يكون التفسير صحيحاً، بل ربما يفسر المفسر بعضها فقط، ويكون التفسير صحيحاً أيضاً، ولكنه ناقص. وعلى المفسر أن يجتهد في محاولة تفسير الرؤيا بحسب استطاعته، ولا يكلف الله (تعالى) نفساً إلا وسعها. والله (تعالى) أعلم.
153. كيف يتعامل المفسر مع الرائي الظالم، أو المؤذي، أو الباطش؟
إذا كان الرائي واحداً من المجرمين، أو الباطشين، أو الظلمة، أو موتى القلوب، أو معدومي الضمير، أو المؤذين، أو الجهلاء، وكان ظاهر رؤياه الشر، فإن هذا الموقف قد يسبب إحراجاً شديداً لمفسر الرؤى الصادق؛ لأنه إن فسر له رؤياه بصدق، وواجهه بحقيقة نفسه، وبأن رؤياه إنذار بعقوبة من الله (تعالى)، فربما يتعرض للأذى الشديد، وإلا فسوف يضطر أن يلقي بنفسه في هاوية الكذب في تفسير الرؤيا.(1/185)
ونصيحتي للمفسرين هو الابتعاد عن أمثال هؤلاء تماماً من الذين لا يأمن المسلم أن يُفتن في دينه وأخلاقه بالتعامل معهم.
فإذا ما وجد المفسر نفسه في هذا الموقف اضطراراً، فليخبر من يسأله عن الرؤيا بأنها خير وسرور، وهو يقصد بذلك التفسير أنها خير وسرور للمسلمين الذين سيرتاحون من شر هذا الشخص إن تحققت رؤياه بنزول عقوبة من الله (تعالى) عليه، بينما سوف يفهم هو التفسير على أنها خير وسرور له. والله (تعالى) أعلم.
154. هل يجوز للمفسر أن يكذب في تفسير الرؤيا؟ وهل يجوز له أن يمتنع عن تفسيرها أحياناً؟
ليس من الأخلاق الكريمة التي يجب أن يتصف بها مفسر الرؤى أن يكذب في تفسير رؤيا، ولكن أحياناً يمكن أن يتبادر إلى ذهن المفسر احتمال شر يحتمله تفسير الرؤيا، فإذا كان هذا الاحتمال في التفسير سوف يترتب عليه ضرر ما كهدم أسرة صالحة، أو تعاسة إنسان صالح، أو تحطيم معنويات الخير في إنسان يُرجى صلاحه، أو أي نوع غير ذلك من الضرر الذي يبتعد عن الهدف الأساسي من تفسير الرؤى - وهو إصلاح الناس وأحوالهم –، فينبغي على المفسر حينئذ إما أن يحاول البحث عن احتمال آخر أفضل لتفسير الرؤيا أو الامتناع تماماً عن تفسيرها مع الدعاء لرائيها بالخير.
كذلك، ينبغي على المفسر أن يمتنع عن تفسير الرؤيا إذا رأى أن فيها معنى قد يسبب فتنة عامة، أو بلبلة، أو فوضى بين الناس، كبعض الرؤى التي تشير إلى ما قد تؤول إليه الأوضاع العامة في المستقبل، مثل حرب محتملة، أو موت حاكم، أو نحوه، ويجب على المفسر حينئذ أن يكتم مثل هذا النوع من الرؤى ولا يخبر بها أحداً. والله (تعالى) أعلم.
155. ماذا يفعل المفسر إذا كان في الرؤيا احتمال موت الرائي؟(1/186)
لا ينبغي على المفسر أن يفسر أية رؤيا على أن فيها إشارة بقرب موت رائيها أو غيره، وذلك لأن هذا التفسير قد يؤدي إلى إيذاء الرائي نفسياً بشكل كبير جداً، وكذلك، فإن في تفسير الرؤيا احتمالات، وقد لا يكون معنى الموت هو المقصود في الرؤيا، فاتقوا الله (تعالى) في المسلمين – عباد الله (تعالى) – وارحموهم. والله (تعالى) أعلم.
156. ما هي الفئات الأكثر إقبالاً على تفسير الرؤى في العصر الحديث؟ ولماذا؟
من خلال التجربة لُوحظ أن الفئات الأكثر إقبالاً على السؤال عن الرؤى وتفسيرها هي:
1. من حيث الدين: المسلمون أكثر اهتماماً بتفسير رؤاهم من غيرهم؛ نظراً للأهمية الكبيرة التي منحتها الشريعة الإسلامية للرؤيا ومعانيها.
2. من حيث النوع: النساء أكثر إقبالاً على الرؤى من الرجال؛ لأسباب ربما يكون منها أن المرأة أقل انشغالاً من الرجل، فلديها غالباً وقت فراغ أكبر منه للاهتمام بالرؤيا. ومنها أن المرأة هي الطَرَف الأضعف في المجتمع، فلعلها الأكثر إحساساً بالمشاكل، والأكثر معاناة منها، وبالتالي، فربما تكون الأكثر احتياجاً لبشارات الرؤيا من الرجل. وقد لاحظت من خلال منتداي الخاص على الإنترنت أن غالبية السائلين من الفتيات غير المتزوجات.
3. من حيث المستوى التعليمي والثقافي: لم أجد أن الإقبال على تفسير الرؤى مرتبط بمستوى تعليمي أو ثقافي معين، ولكن لعل من حصلوا على تعليم إسلامي يكونون أكثر إقبالاً على تفسير الرؤى ممن حصلوا على تعليم غير إسلامي.
4. من حيث المستوى الاقتصادي: لم أجد أن الإقبال على تفسير الرؤى مرتبط بمستوى اقتصادي معين، ولكن لعل الأشخاص المترفين أصحاب النظرة المادية للحياة أقل اهتماماً بالرؤى من غيرهم.
5. من حيث الجنسية: من خلال الخبرة والتجربة لُوحظ أن شعوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي هم الأكثر إقبالاً على تفسير الرؤى من غيرهم.(1/187)
وربما يكون إقبال المسلمين في بعض البلاد على تفسير الرؤى أكبر من بلاد أخرى بسبب الارتفاع النسبي في عدد المسلمين المتدينين عند شعوب معينة عن غيرهم. وقد تساهم عوامل أخرى في تحديد هذا الترتيب مثل تعداد السكان، والذي تختلف معه نسبة الإقبال على الرؤى بشكل طبيعي، أو درجة التقدم والانفتاح الثقافي والتكنولوجي، والذي يتيح للناس التواصل مع المفسرين على الإنترنت أو التلفاز أو غير ذلك من الوسائط. أما في خارج البلاد العربية فلا تكاد تجد أي شخص يقوم بتفسير الرؤى وفق منهج إسلامي.
والله (تعالى) أعلم.
* * *
كتاب أذكار النوم وآدابه
من أفعال وأقوال سيد المُرسلين وخاتم النبيين
مُحمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم)
(1) باب تحذير النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)
من عدم ذكر الله (تعالى) عند النوم
( قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «من اضطجع مَضجَعَاً لم يَذكُرُ الله فيه إلَّا كان عليه تِرَةً يوم القيامة». (حديث حسن - رواه أبو داود).
ومعنى (تِرَةً): حسرة ونقص. (عون المعبود).
(2) باب أفعال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)
عند النوم وبعد اليقظة
1. الوضوء والنوم على الجانب الأيمن: قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا أَتَيتَ مَضجَعَك، فتوضَّأ وضوءَكَ للصلاة، ثُمَّ اضطجِع على شِقِّك الأيمن». (رواه البخاري).
2. وضع اليد اليُمنى تحت الخدِّ الأيمن: جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه: كان إذا أخذ مَضجَعَه جعل يَدَهُ اليمنى تحت خَدِّه الأيمن. (أثرٌ صحيح - صحيح الجامع).
3. نَفض الفِراش بطَرف الثوب: قال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): «إذا أَوَى أَحَدُكُم إلى فِراشِه، فلْيَنفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إِزَارِهِ، فإنَّه لا يدري ما خَلَفَهُ عليه». (رواه البخاري).(1/188)
4. تنظيف الأسنان بالسِّواك عند اليقظة: عن ابن عُمَر (رضي الله تعالى عنه) قال أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): كان لا ينام إلا و السِّواك عند رأسه، فإذا استيقظ بدأ بالسِّواك. (أثرٌ حسن - صحيح الجامع).
(3) باب ما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم)
من قراءة آيات من القرآن الكريم قبل النوم
(مُرَتَّبَة من الأيسر إلى الأصعب)
1. سورة الكافرون: عن نوفل بن معاوية أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) قال: «إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِهَا، فإنَّها براءةٌ من الشِّرك». (حديث حسن - صحيح الجامع).
2. المُعَوِّذات: عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها): أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) كان إذا أَوَى إلى فِرَاشِهِ كلَّ ليلةٍ، جَمَعَ كَفَّيهِ ثم نَفَثَ فيهِما، فقرأَ فيهِما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثُمَّ يَمسَحُ بِهِمَا ما استَطَاعَ من جَسَدِهِ، يبدأُ بِهِمَا على رَأَسِهِ ووَجهِهِ، وما أَقبَلَ من جَسَدِهِ، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ. (رواه البخاري).
3. آية الكرسيِّ: عن أبي هريرة (رضي الله تعالى عنه) أنه حكى للنبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) أن رجلاً أتاه وقال له: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}، وأنه قال له أيضاً: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) لأبي هريرة: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب» ثُمَّ أخبره النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عن هذا الرجل أنه شيطان. (جزء من حديث طويل رواه البخاري).(1/189)
4. سورتي السَّجدة والمُلك: عن جابر بن عبد الله (رضي الله تعالى عنه) أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): كان لا ينام حتى يقرأ {الم، تَنزِيلٌ} السَّجدةَ، و{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}. (أثرٌ صحيح - صحيح الجامع).
5. سورتا الإسراء والزُّمَر: عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله تعالى عنها) أن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم): كان لا ينام حتى يقرأ «بني إسرائيلَ» و«الزُّمَرَ». (أثرٌ صحيح - صحيح الجامع).
(4) باب أذكار النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عند النوم
(مُرَتَّبَة من الأيسر إلى الأصعب)
1. «اللهم باسمك أحيا، وباسمك أموت». (متفق عليه).
2. «أعوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ من غضبِهِ، وعقابِهِ، ومن شرِّ عِبَادِهِ، ومن هَمَزَاتِ الشَّياطينَ، وأن يَحضُرُون». (السلسلة الصحيحة).
3. «باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين». (صحيح الجامع).
4. «بسم الله وضعتُ جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، واخسَأ (واخسِيء) شيطاني، وفُكَّ رِهَانِي، وثَقِّل ميزاني، واجعلني في النَّدِىِّ الأعلى». (صحيح الجامع).
5. «اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوَّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيِّك الذي أرسلت». (صحيح الأدب المفرد).
(5) باب أذكار النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بعد اليقظة
1. «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النُّشُور». (رواه مسلم).
2. «الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد علي روحي، وأذِنَ لي بذِكرِه». (صحيح الجامع).
الخاتمة(1/190)
وأخيراً وليس آخِراً، فإني لا أدَّعي أني بهذا الكتاب قد أحطت بعلم تفسير الرؤى من جميع جوانبه، فهذه غاية أكبر من أن يدركها شخص مثلي، ولكني أزعم أني قد لمست أهم جوانبه، ووضعت - بفضل الله تعالى - أساساً متيناً وقاعدة صلبة لهذا العلم الشريف يمكن أن يبني عليها من يأتي بعدي من المهتمين به. وسبحان من بيده الفضل كله، وسبحان من أحاط بكل شيء علماً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أهم المراجع
...
القرآن الكريم
{ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }
كتب الحديث
1. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، بيت الأفكار الدولية، الرياض، (1419) هـ، (1998)م.
2. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج، بيت الأفكار الدولية، الرياض، (1419)هـ، (1998) م.
3. صحيح سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَورة الترمذي، تعليق: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط1، الرياض.
4. صحيح سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط2، الرياض.
5. صحيح سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط2، الرياض.
6. المُسنَد، ، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تخريج: أحمد محمد شاكر وحمزة أحمد الزين، ط1، دار الحديث، القاهرة، (1416) هـ، (1995) م.
7. (الموسوعة الحديثية) مُسنَد الإمام أحمد بن حنبل، تخريج: شعيب الأرنؤوط وآخرين، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، (1416) هـ، (1995) م.
8. صحيح (وضعيف) الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير)، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق -بيروت، ط3، (1408) هـ، (1988) م.
9. سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، (1425) هـ، (1995) م.(1/191)
10. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، (1412) هـ، (1992) م.
11. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة، شهاب الدين بن إسماعيل البوصيري (ت840هـ)، دار الوطن، الرياض، ط1، (1420) هـ، (1999) م.
12. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ابن حجر العسقلاني (ت852 هـ)، دار العاصمة، الرياض، ط1، (1419) هـ، (1998) م.
13. نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، ابن حجر العسقلاني (ت852 هـ)، دار ابن كثير، دمشق – بيروت، ط2، (1415) هـ، (1995) م.
14. بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين الهيثمي (ت807 هـ)، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر، بيروت، ط1، (1414) هـ، (1994) م.
15. مشكاة المصابيح، الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق – بيروت، ط2، (1399) هـ، (1979)م.
16. الأذكار من كلام سيد الأبرار (صلى الله عليه وسلم)، أبو زكريا بن يحيى بن شرف النووي (ت676 هـ)، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة – الرياض، ط1، (1417) هـ، (1997) م.
17. الجامع لشُعَب الإيمان، أبو بكر بن الحسين البيهقي (ت458هـ)، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، (1423) هـ، (2003) م.
18. صحيح الأدب المفرد، محمد بن إسماعيل البخاري، تخريج: محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة الدليل، الجُبيل، ط4، (1418) هـ، (1997) م.
كتب تفسير القرآن الكريم
1. تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، عماد الدين أبو الفداء بن كثير (ت774 هـ)، تحقيق: مصطفى السيد محمد وآخرين، مؤسسة قرطبة، القاهرة، ط1، (1421) هـ، (2000) م.
2. جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، أبو جعفر بن جرير الطبري (ت310 هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر، القاهرة، ط1، (1422) هـ، (2001) م.(1/192)
3. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، أبو عبد الله بن أبي بكر القرطبي (ت671 هـ)، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، (1427) هـ، (2006) م.
4. اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص بن عادل الحنبلي (ت880 هـ)، تحقيق: علي محمد معوض وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1419) هـ، (1998)م.
5. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت546هـ)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1422) هـ، (2001) م.
6. زاد المسير في علم التفسير، أبو الفرج جمال الدين بن محمد الجوزي (ت597 هـ)، المكتب الإسلامي، بيروت - دمشق، ط3، (1403) هـ، (1983) م.
كتب شروح الحديث
1. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حَجَر العسقلاني، تحقيق: عبد الله بن عبد العزيز بن باز، دار المعرفة، بيروت، (1379) هـ، (1960) مـ تقريباً.
2. المنهاج شرح صحيح مسلم، أبو زكريا بن يحيى بن شرف النووي (ت676 هـ)، المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، ط1، (1347) هـ، (1929) م.
3. الكواكب الدراري (شرح صحيح البخاري)، الكرماني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، (1401) هـ، (1981) م.
4. عون المعبود (شرح سنن أبي داود)، محمد شمس الحق العظيم آبادي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط2، (1388) هـ، (1968) م.
5. شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ)، المكتب الإسلامي، دمشق - بيروت، ط2، (1403) هـ، (1983) م.
6. مرقاة المفاتيح (شرح مشكاة المصابيح)، الخطيب التبريزي (ت741هـ) وعلي القاري (ت1014هـ)، تحقيق: جمال عيتاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1422 هـ)، (2001) م.
7. الفتح الرباني (لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني)، أحمد عبد الرحمن البنا (الشهير بالساعاتي)، دار إحياء التراث العربي، ط2.(1/193)
8. كشف المشكل من حديث الصحيحين، أبو الفرج بن الجوزي (ت597 هـ)، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، ط1، (1418) هـ، (1997) م.
والمواعظ والرقائق والفقه وأصوله
1. الآداب الشرعية، عبد الله بن محمد (ابن مفلح المقدسي) (ت763هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، (1419) هـ، (1999) م.
2. تهذيب حلية الأولياء، أبو نُعَيم الأصفهاني (ت430هـ)، هذبه: أحمد طه وهبة، دار الأندلس الجديدة، القاهرة، ط1، (1425) هـ، (2004) م.
3. الاعتصام، أبو إسحاق الشاطبي (ت790 هـ)، تحقيق: أبو عبيدة مشهور آل سلمان، مكتبة التوحيد.
4. الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط2، (1405) هـ، (1985) م.
5. الشرح الصغير على أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك، أبو البركات أحمد بن محمد الدردير، دالر المعرف، القاهرة.
دراسات إسلامية
1. فتاوى العلماء في الرؤى والأحلام، نخبة من علماء المسلمين، جمع وترتيب: صلاح الدين محمود السعيد، دار الغد الجديد، القاهرة - المنصورة، ط1، (1428) هـ، (2007) م.
2. الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف: مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية، الرياض، ط5، (1424) هـ، (2003) م.
3. كتب حذر منها العلماء، أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار الصميعي، ط1، (1995) م.
مواقع الإنترنت
1. منتدى الصادع لتفسير الرؤى (موقعي الشخصي): www.alsadea.com
2. الدرر السنية (الموسوعة الحديثية): www.dorar.net/enc/hadith
3. الشبكة الإسلامية: www.islamweb.net
فهرس
مقدمة.......................................................................................7
الباب الأول: حقيقة الرؤى
1. ما هو مفهوم النوم في الإسلام؟..........................................................14
2. ما هي الرؤيا؟..........................................................................15(1/194)
3. ما هي الأشياء التي يُمكن أن يراها الشخص أثناء النوم؟....................................16
4. ما هو الفرق بين الوعي في اليقظة والوعي في النوم؟........................................18
5. كيف تحدث الرؤيا عند الشخص النائم؟ أو ما هو مصدرها؟...............................19
6. ما هي النَّفس؟ وما هي رؤيا حديث النَّفس؟ ولماذا تحدث؟ وما هي أهميتها؟..................20
7. ما هي الرؤيا الشَّيطانيَّة؟ ولماذا تحدث؟ وما هي الصفات المميزة لها؟ وما هي أضرارها؟...........
وهل لها فوائد؟.............................................................................21
8. ما هي الرؤيا الشَّيطانيَّة؟ ولماذا تحدث؟ وما هي الصفات المميزة لها؟ وما هي أضرارها؟...........
وهل لها فوائد؟.............................................................................24
9. ما هي الرؤيا المُفزِعة؟ وما هي أسبابها؟ وكيف يتعامل المسلم معها؟.......................25
10. ما هي الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟ وهل لها معنى؟...............................27
11. ما هي المعاني التي تدل عليها الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟.........................27
12. ما هي طبيعة الرؤيا التي تكون من الله (عزَّ وجلَّ)؟.......................................29
13. ما هو معنى الرؤيا الصادقة؟ وما هو معنى الرؤيا الكاذبة؟..................................30
14. ما هو معنى الرؤيا الصالحة؟ وما هو الفرق بينها وبين الرؤيا الصادقة؟......................32
15. هل يمكن لأي شخص أن يرى رؤى صادقة؟............................................33
16. ما معنى أن الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النُّبُوَّة؟....................................34
17. هل يمكن للإنسان أن يعرف المستقبل من خلال الرؤيا الصادقة؟..............................(1/195)
أليس المستقبل في علم الله (عزَّ وجلَّ) وحده؟.................................................35
18. ما هو الفرق بين كلمتي رؤيا وحُلم؟...................................................37
19. هل يخلق الله (عزَّ وجلَّ) الرؤيا الصادقة في وعي النائم مُباشَرَة أم بواسطة مَلَك؟............38
20. كيف يمكن التمييز بين الرؤيا الصادقة و الرؤيا الكاذبة؟...................................40
21. هل يستطيع الشيطان أن يتدخل في رؤيا صادقة ويفسدها؟................................42
22. ماذا يفعل المسلم لكي يرى رؤيا صادقة؟................................................43
23. هل يوجد وقت معين تكون الرؤى فيه أصدق من غيره؟.................................43
24. هل يمكن للمسلم أن يُحصِّن نفسه تماماً ضد الرؤى الكاذبة؟..............................43
25. ما هو حكم الشخص الذي يكذب في رؤياه؟...........................................44
26. ما هي أهمية الرؤى الصادقة في حياة المسلم؟ وهل الانشغال بها مضيعة للوقت؟.............45
27. هل يمكن أن يرى المسلم الله (عزَّ وجلَّ) في رؤيا؟............................................
وهل يمكن يراه (سبحانه وتعالى) في الرؤيا في صورة معينة؟.....................................48
28. ما حقيقة رؤيا النبي محمد (صلَّى الله عليه وسلَّم) في المنام؟................................50
29. كيف يجب أن يتعامل المسلم مع رؤياه؟ وما هي الأخطاء التي يرتكبها في التعامل معها؟.....52
30. ما هي الرؤى الجنسية؟ وهل تكون صادقة؟ وكيف يتعامل المسلم معها؟...................53
31. ما هو الاحتلام؟ وهل ينتج عن رؤيا صادقة؟............................................54
32. ما هي رؤيا الأموات؟ وهل تكون صادقة بالضرورة؟.....................................54(1/196)
33. هل تلتقي أرواح الأحياء والأموات في المنام؟ وهل لذلك علاقة بالرؤيا الصادقة؟............55
34. هل تكون الرؤيا بالألوان أو بغير ألوان؟.................................................55
35. هل يُحاسَب المسلم على ما يراه في الرؤيا؟..............................................55
36. هل يعلم النائم أثناء الرؤيا أنه نائم، وأن ما يراه هو رؤيا؟.................................56
37. هل يمكن أن تتكرر الرؤيا الواحدة في المنام؟ ما دلالة ذلك؟...............................56
38. هل يلزم الشخص النوم العميق لكي يرى رؤى؟ وهل يمكن أن يرى رؤى في نوم خفيف؟......
وهل يمكن أن يرى رؤى وهو بين النوم واليقظة؟..............................................56
39. هل صحيح أن رؤى الحائض لا تصدق أبداً؟............................................57
40. هل يرى الأعمى في منامه رؤى؟ وكيف تكون هذه الرؤى؟..............................57
41. هل يرى أهل الجنة رؤى؟..............................................................57
42. هل صحيح أن تشريع الأذان في الإسلام حدث عن طريق الرؤيا؟ وكيف ذلك؟............58
43. ما هو معنى تَوَاطُؤ الرؤيا؟..............................................................59
44. ما هي العلاقة بين الرؤى الصادقة والاستخارة؟..........................................60
45. ما هو الجاثوم أو شلل النوم؟ وكيف يتعامل معه المسلم؟..................................60
46. هل تصلح الرؤى كدليل للحكم على الأشخاص؟.......................................61
47. هل الرؤيا من مصادر التشريع في الإسلام؟ وهل يتغير حكم شرعي على أساس رؤيا؟.......65
48. كيف يتعامل المسلم مع الرؤيا التي فيها أمر بشيء أو نهي عن شيء؟....................67(1/197)
49. هل من الطبيعي أن يعيش المسلم بدون أن يرى رؤى صادقة؟.............................69
50. هناك أشخاص يقولون بأنهم يحلمون كثيراً، فهل لذلك دلالة معينة؟.......................69
51. هل ارتكاب المسلم للمحرمات والمفاسد في الرؤيا يدل على فساده في اليقظة؟..............70
52. هل يجب أن يتذكر الشخص الرؤيا الصادقة بمجرد أن يستيقظ؟...............................
أم يمكن أن يتذكرها بعد ذلك؟..............................................................70
53. هل تذكُّر الشخص للرؤيا ووضوحها في ذهنه يُعتبر دليلاً على صدقها؟....................70
54. هل يرى الأطفال رؤى؟ وهل تختلف عن رؤى البالغين؟..................................71
55. ما هو الوقت الذي تستغرقه الرؤيا الصادقة حتى تتحقق؟..................................71
56. هل يرى الجن رؤى؟..................................................................72
57. كيف يرى الجن رؤى من الشيطان في حين أن كلاً منهما يرى الآخر؟....................72
58. هل ترى الحيوانات رؤى صادقة؟.......................................................73
59. ما حقيقة ما يُسمَّى بالتنويم المغناطيسي؟.................................................74
60. هل يستطيع الشخص أن يتحكم في أحلامه؟ وما هو المقصود بما يُسمَّى بالحُلم الإرادي؟........
وما حكمه شرعاً؟..........................................................................74
الباب الثاني: الرائي وأحواله
61. ما هو المقصود بالرائي؟................................................................77
62. هل يرى المسلم الرؤيا الصادقة لنفسه فقط؟ أم لغيره أيضاً؟...................................
وكيف يمكن التمييز بين ما يراه الشخص لنفسه وما يراه لغيره؟.................................77(1/198)
63. ما المقصود بأحوال الرائي؟.............................................................78
64. ما أهمية أحوال الرائي في تفسير الرؤى الصادقة؟.........................................79
65. ما معنى عبارة "اتَّقِ الله في اليقظة، لا يضرُّك ما رأيت في المنام»؟........................79
66. هل يجب على الرائي تصديق ظاهر رؤياه أحياناً؟.........................................80
67. هل إخبار الرائي المفسر ببعض الرؤيا دون البعض الآخر يُعتبر من الكذب فيها؟.............81
68. هل يمكن الاستغناء عن مفسر الرؤى، وتفسيرها اعتماداً على قراءة الكتب فقط؟...........81
69. ماذا يفعل الرائي إذا فسر له مفسر الرؤيا على احتمال الشر؟..............................82
70. يُقال أن الرؤيا تُفسَّر بالظن. والظن يُخطيء ويُصيب، فما معنى هذه العبارة؟...................
وإلى أي مدى ينبغي على الرائي أن يعتمد على الرؤى الصادقة وتفسيرها في تسيير أمور حياته؟....82
71. ما حقيقة قول بعض الأشخاص أن رؤاهم تتحقق عادة؟.....................................
وعلى أي أساس يبنون هذا الاعتقاد؟.........................................................83
الباب الثالث: تفسير الرؤى الصادقة
72. ما معنى رموز الرؤيا؟.................................................................85
73. ما معنى تفسير الرؤيا؟.................................................................86
74. ما هي مناهج تفسير الرؤى؟...........................................................86
75. هل تفسير الرؤى عِلم؟ وما هو الدليل على ذلك؟........................................87
76. هل لعلم تفسير الرؤى قواعد يمكن فهمها وتطبيقها؟ ومن أين جاءت هذه القواعد؟........87
77. هل لكل رمز من رموز الرؤيا الصادقة تفسير بالضرورة؟..................................89(1/199)
78. هل يعتبر علم تفسير الرؤى من العلوم الشرعية؟.............................................
وهل يوجد ما يسمى بالتفسير الشرعي للرؤى؟...............................................89
79. ما هي أهمية علم تفسير الرؤى؟ وهل يحتاج إليه المسلمون؟...............................89
80. ما هو الحُكم الشرعي لتعلُّم تفسير الرؤى؟..............................................90
81. هل يُعتبر تفسير الرؤى من الفتوى؟ أم أن الفتوى شيء آخر مختلف عن ذلك؟..............90
82. لماذا لا يُقبِل الباحثون الشرعيون على البحث والتأليف في علم تفسير الرؤى؟...............91
83. لماذا لا توجد مدارس أو جامعات لتدريس علم تفسير الرؤى؟............................91
84. ما هي خصائص علم تفسير الرؤى؟....................................................91
85. هل يستطيع المسلم تعلُّم تفسير الرؤى وقواعده؟ أم أن دراسة هذا العلم غير ممكنة؟.........92
86. هل يكون للرؤيا أكثر من تفسير؟ أم ليس لها إلَّا تفسير واحد فقط؟.......................93
87. إذا فسرت الرؤيا بأكثر من تفسير فأي واحد يتحقق؟........................................
وهل صحيح أن التفسير الأول فقط هو الذي يتحقق؟.........................................94
88. هل هناك وقت مُعيَّن يُفضَّل تفسير الرؤيا أو السؤال عنها فيه؟............................97
89. لماذا تأتي الرؤى مرموزة عادةً؟.........................................................98
90. ما هي الفكرة الأساسية التي يتم تفسير الرؤى الصادقة بِنَاءً عليها؟....................98
91. كيف تتم عملية تفسير الرؤى باستخدام أسلوب التفسير التفصيلي؟.......................99
92. كيف تتم عملية تفسير الرؤى باستخدام أسلوب التفسير الإجمالي؟......................100(1/200)
93. كيف يتم تفسير الرؤى بآيات القرآن الكريم؟..........................................101
94. كيف يتم تفسير الرؤى بعكس المعنى أو بالضِّدِّ؟.......................................114
95. كيف يتم تفسير الرؤى بالأحاديث النبوية الشريفة؟....................................116
96. كيف يتم تفسير الرؤى بالتَّشَابُه؟.....................................................119
97. هل يجوز استخدام الحديث الضعيف أو الموضوع في تفسير الرؤى؟......................123
98. كيف يتم تفسير الرؤى بالكناية؟.....................................................127
99. كيف يتم تفسير الرؤى بالأسماء؟.....................................................128
100. كيف يتم تفسير الرؤى بدلالة الجغرافيا، والفصول المناخية، والمواسم الزراعية، وأماكن....... زراعتها، والمواسم التجارية، ونحو ذلك؟....................................................129
101. كيف يتم تفسير الرؤى بثقافات وعادات وقوانين المجتمعات والشعوب؟................130
102. كيف يتم تفسير الرؤى بدلالة مواضع الأشياء؟.......................................131
103. كيف يتم تفسير الرؤى بالمعنى الشخصي؟...........................................132
104. كيف يتم تفسير الرؤى بالمعنى المقلوب؟.............................................132
105. كيف يتم تفسير الرؤيا باللُّغة العربية أو غيرها من اللغات؟ أو الحِكَم والأمثال الشعبية؟ أو..... اللهجات العاميَّة؟.........................................................................141
106. هل يمكن للشخص أن يرى تفسير رؤياه أثناء النوم؟..................................143
107. كيف يتغير معنى الرمز في الرؤيا بتغير حالته في اليقظة؟................................143(1/201)
108. ما هي الرؤيا القوية؟ وما هي الرؤيا الضعيفة؟........................................144
109. هل يمكن تحديد وقت معين لحدوث شيء في المستقبل من خلال الرؤيا؟................144
110. إذا كانت رؤيا المسلم الصالح تُفسر دائماً على الخير - وإن كان ظاهرها شراً - ، فهل يعني... ذلك أنه لا يرى أية رؤى تدل على شر أو بلاء مُطلقاً؟......................................145
111. كيف يمكن التمييز بين الرؤيا الصادقة التي ظاهرها سيء وبين الرؤيا الشيطانية؟.........145
112. هل يجب أن تتحقق الرؤيا الصادقة دائماً؟ وهل يجب أن تُفسَّر لكي تتحقق؟............146
113. كيف يتم تفسير الرؤى بالمذهب الفقهي؟............................................147
114. كيف تتم عملية الترجيح بين عدد من الاحتمالات في تفسير الرؤيا؟...................148
115. ما معنى أن الرؤى يُفسِّر بعضها بعضاً؟..............................................153
116. هل هناك قاعدة أولى في التطبيق من غيرها عموماً في تفسير الرؤى؟....................153
117. هل يختلف تفسير رؤيا وقت الليل عن تفسير رؤيا وقت النهار؟.......................154
118. ما هو أشهر وأفضل ماكُتِب قديماً وحديثاً في علم تفسير الرؤى؟ وما هي مشكلات..........
الكتب التي تتناول تفسير الرؤى؟...........................................................155
119. هل هناك ارتباط بين تفسير الرؤى وبين تفسير الباطنية للقرآن الكريم؟.................157
120. هل يجوز تأويل صفات الله (عزَّ وجلَّ) في تفسير الرؤى؟..............................158
121. هل يؤمن غير المسلمين بالرؤى الصادقة؟ وهل لديهم علم لتفسيرها؟...................159
الباب الرابع: الرائي وأحواله
122. ما هو المقصود بمفسر الرؤى؟.......................................................162(1/202)
123. ما هي الأهداف من تفسير رؤى الناس؟.............................................162
124. كيف يُصبح الشخص مفسراً للرؤى؟ وما هي الشروط الوجب توافرها فيه؟............164
125. هل يُمكن أن يُصبح الشخص مفسراً للرؤى فقط بقراءة الكتب؟......................165
126. هل يصلح شيخ المسجد أو العالِم الشرعي أن يكون مفسراً للرؤى؟....................165
127. هل يصلح الساحر أو المُنجِّم أن يكون مفسراً للرؤى؟................................166
128. هل يصلح المسلم الفاسق أو غير المسلم للقيام بتفسير الرؤى؟..........................166
129. ما حقيقة من يُطلق عليهم الروحانيون؟ وهل لهم علاقة بتفسير الرؤى؟.................166
130. ماذا يفعل من سُئل عن رؤيا وهو غير عالِمٍ بتفسير الرؤى؟............................167
131. هل تفسير الرؤى يعتبر عملاً شاقاً أم يسيراً على المفسر؟..............................168
132. هل تصلح المرأة أن تكون مفسرة للرؤى؟...........................................168
133. ما هي الأخلاقيات التي ينبغي أن يراعيها المفسر مع الرائي؟............................169
134. هل يجوز أن يأخذ مفسر الرؤى أجراً مقابل تفسيره؟.................................169
135. ما هي المميزات والعيوب لتفسير الرؤى عبر الوسائط الإعلامية؟ وكيف يمكن التغلب على.... العيوب؟.................................................................................171
136. هل يصح أن يسأل الشخص عن تفسير رؤيا غيره؟........................................
وكيف يتعامل المفسر مع الرؤى المنقولة؟....................................................172
137. ماذا يجب أن يعرف المفسر عن أحوال من يفسر لهم رؤاهم؟..........................172
138. كيف يستطيع المفسر معرفة الزمن الذي تدل عليه الرؤيا؟.............................174(1/203)
139. هل يصح أن يقوم المفسر بتحديد توقيت معين لتحقق الرؤيا؟.........................174
140. كيف يستطيع المفسر التمييز بين الرائي الصالح والفاسد؟..............................178
141. ما هي العلامات التي تميز بين مفسر الرؤى الحقيقي والمفسر الكذاب؟..................179
142. كيف ينبغي أن يتعامل المفسر الذكر مع الرائية الأنثى؟ أو العكس؟.....................181
143. هل ينبغي أن يسبق تفسير الرؤى كلام معين؟........................................181
144. من هو الشخص الأَولى بتفسير رؤياه من غيره؟......................................182
145. ما هو الوقت المثالي الذي ينبغي أن تستغرقه الرؤيا في تفسيرها؟........................182
146. هل الرؤيا الطويلة أيسر للمفسر أم الرؤيا القصيرة؟...................................182
147. ما هي الصعوبات التي تواجه المفسر في تفسير الرؤى؟ وكيف يمكن أن يتعامل معها؟....183
148. ماذا يفعل المفسر إذا تبين له أنه أخطأ في تفسير رؤيا؟.................................184
149. ماذا يفعل المفسر مع راءٍ أتاه برؤيا فُسِّرت من قبل سواء على الخير أو على الشر؟.......184
150. ما هي الأساليب أو الصياغات الأفضل لتفسير الرؤى؟................................184
151. متى يلجأ المفسر للتفسير العام أو الإجمالي للرؤيا؟ ومتى يلجأ للتفسير التفصيلي؟.........186
152. هل ينبغي على المفسر تفسير جميع رموز الرؤيا؟......................................187
153. كيف يتعامل المفسر مع الرائي الظالم، أو المؤذي، أو الباطش؟.........................187
154. هل يجوز للمفسر أن يكذب في تفسير الرؤيا؟ وهل يجوز له أن يمتنع عن تفسيرها أحياناً؟187
155. ماذا يفعل المفسر إذا كان في الرؤيا احتمال موت الرائي؟.............................188(1/204)
156. ما هي الفئات الأكثر إقبالاً على تفسير الرؤى في العصر الحديث؟ ولماذا؟...............188
كتاب أذكار النوم وآدابه..........................................................
من أفعال وأقوال سيد المُرسلين وخاتم النبيين مُحمَّد (صلَّى الله عليه وسلَّم).......190
1. باب تحذير النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) من عدم ذكر الله (تعالى) عند النوم.................191
2. باب أفعال النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عند النوم وبعد اليقظة.............................191
3. باب ما جاء عن النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) من قراءة آيات من القرآن الكريم قبل النوم..........
(مُرَتَّبَة من الأيسر إلى الأصعب)............................................................192
4. باب أذكار النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) عند النوم (مُرَتَّبَة من الأيسر إلى الأصعب)..........193
5. باب أذكار النبي (صلَّى الله عليه وسلَّم) بعد اليقظة.......................................193
الخاتمة...................................................................................194
أهم المراجع..............................................................................195
مطبعة المدني
68 شارع العباسية - القاهرة
ت:24827851
لمراسلة المؤلف
JAMAL_HOUSSIN@HOTMAIL.COM(1/205)