"توالي المنح في أسماء ثمار النخل ورتبة البلح"
مخطوطة في علم المصطلح من القرن العاشر الهجري (1)
تحقيق: د. علي القاسمي (2)
1 ـ تقديم
على الرغم من أن الحضارة العربية الإسلامية قد أفرزت كما هائلا من المصطلحات الحضارية والعلمية، فإننا لا نجد في تراثنا كثيرا من الأعمال المصطلحية التي تتناول كيفية تحديد مفاهيم المصطلحات المتداولة أو كيفية وضع المصطلحات التي تعبر عن المفاهيم الجديدة.
والمخطوطة التي سعدنا بتحقيقها تعود إلى القرن العاشر الهجري، ألّفها الشيخ بدر الدين القرافي، رحمه الله. وتتعلق بتحديد المجال المفهومي لعدد من المصطلحات المتداولة التي تنتمي إلى منظومة مفهومية واحدة هي ثمار النخل، مثل طَلْع وإغريض وخَلال وبَلَح وبُسْر ورَطَب وتَمر. والمخطوطة، على قصرها وصغر حجمها، ذات أهمية كبيرة، لأن صاحبها اتبع منهجية علمية للتوصل إلى تحديد رتبة كل مفهوم في المنظومة طبقا لمراحل نمو ثمار النخل ونضجها، وهي مراحل تقترن بخصائص وجودية مميزة مثل الشكل والحجم واللون. وتقوم منهجيته على استقراء الاستعمال الفعلي، لا كما سمعه اللغويون والمعجميون من أفواه الناطقين باللغة وسجلوه في كتبهم ومعاجمهم فحسب، وإنما كما هو متعارف عليه لدى الذين تهمهم تلك المصطلحات ويستعملونها مثل المزارعين والتجار والقضاة أيضا.
__________
(1) (*) يعود الفضل في الحصول على المخطوط وإمكان تطويره إلى أ. أحمد التوفيق محافظ الخزانة العامة بالرباط.
(2) (** ) مدير سابق للأمانة العامة لاتحاد الجامعات العالم الإسلامي بالاسيسكو - الرباط(1/1)
ومما تجدر الإشارة إليه أن مؤلف هذه الرسالة المخطوطة كان فقيها وقاضيا ،بالإضافة إلى كونه لغويا أديبا، وأنه أعد رسالته استجابة لحاجة فعلية. فتحديد مفاهيم المصطلحات الحضارية المتداولة لا يساعد على التعبير الدقيق في النصوص الأدبية فحسب، وإنما ييسر المعاملات التجارية كذلك؛ إذ يصبح بيع ثمار النخل وشراؤها ـ مثلا ـ أيسر، وشقة الخلاف المحتمل بين البائع والمشتري (المتعاملَين مباشرة يوم ذاك أو بالإنترنت اليوم) أضيق، إذا كانت مفاهيم المصطلحات المستعملة محددة بدقة ووضوح ، وكانا على معرفة تامة بتلك المصطلحات.
2- اسم المؤلف
مؤلف الرسالة المخطوطة هو محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس (939-1008هـ/1533-1600). وتلقّبه كتب التراجم ببدر الدين القَرافي القاضي المصري المالكي. والقَرافي، وهو اللقب الغالب عليه، نسبة إلى القَرافة، وهي محلة بالقاهرة. ويشاركه في هذا اللقب كثيرون ممن انتسبوا إلى محلة القرافة.
3ـ عصر المؤلف
ولد القرافي في القاهرة بعد سنوات قليلة من دخول العثمانيين إلى مصر سنة 923هـ/1517م، وذلك بعد انتصارهم على حكّام مصر المماليك في معركة مرج دابق في الشام سنة 922هـ/1516م التي قُتل فيها سلطان المماليك آنذاك قانصوه الغوري، ثم في معركة الريدانية (العباسية) في مصر سنة 923هـ/1517م التي انهزم فيها السلطان المملوكي طومان، الذي خلف السلطان الغوري.(1/2)
وكانت مصر، في أواخر دولة المماليك، تعاني اضطرابا سياسيا واقتصاديا بسبب الخلافات الداخلية بين المماليك أنفسهم من جهة، وبسبب تحوّل التجارة إلى رأس الرجاء الصالح من جهة أخرى. فقد كانت موانئ مصر والشام على البحر المتوسط مراكز للتبادل التجاري بين أوربا وآسيا، كما كان التجار المصريون يقومون بتفريغ البضائع من البواخر الأوربية في ميناء الإسكندرية ونقلها إلى موانئ البحر الأحمر لتنقلها سفن أخرى من هناك إلى آسيا. وعندما اكتشف الأوربيون طريق رأس الرجاء الصالح وسلكوه ابتداء من عام 1497م ، أصاب الكسادُ التجارةَ المصرية وتضرر الاقتصاد(1)، إضافة إلى أن سياسة الإقطاع التي كانت متبعة في العصر المملوكي والتي كان السلطان يقطع بموجبها مساحة من الأرض أو جزءا من موارد الدولة إلى أمير من الأمراء ألحقت بالقطاعين الزراعي والاجتماعي ضررا كبيرا.(2)
وعندما دخل العثمانيون مصر، بقي السلطان العثماني سليم في القاهرة ثمانية أشهر أشرف خلالها على وضع قواعد الحكم الجديد وسَنِّ بعض الأنظمة الإدارية. ولكنه أمر بنقل كثير من الكتب والنفائس والذخائر من جميع أنحاء مصر إلى عاصمته الإستانة، وأمر بجمع نحو ألفٍ من أمهر الصناعيين والحرفيين والفنانين ونقلهم إلى الإستانة كذلك. فتضررت الصناعات وتعرقلت التنمية في مصر.(3)
وإبان القرن الأول من الحكم العثماني، وهي الفترة التي عاش أثناءها القرافي، اضطربت الأحوال بسبب الصراع الذي كان قائما بين الوالي العثماني وبين الجنود العثمانيين، وكذلك بسبب الصراع الداخلي بين المماليك أنفسهم الذين احتفظوا بإقطاعاتهم وامتيازاتهم؛ فكانت القاهرة "مسرحا للشغب والقلاقل، والأحزاب المتصارعة في حروب داخلية مستمرة." (4)(1/3)
لكل هذه الأسباب، انتفت ظروف البحث العلمي الأصيل في البلاد، وتدنّت الحركة العلمية والثقافية، وخمدت جذوة الإبداع، وندر الابتكار؛ لأن تقدم الآداب وازدهار الفنون وتطور العلوم تحتاج إلى قدر من الاستقرار وشيء من الرخاء. ولهذا فقد اقتصرت معظم جهود الدارسين من الفقهاء على شرح المتون الموجودة، أو تلخيصها، أو تدوين الحواشي عليها، أو إعادة ترتيبها، أو فهرستها، أو إضافة ذيل لها، أو نظمها شعرا لتيسير حفظها على الطلبة.
4 ـ حياة المؤلف وتحصيله العلمي
كان القرافي رجلا صالحا، نشأ في واحد من البيوتات الدينية العلمية الكريمة، فقد كان أبوه الشيخ شرف الدين يحيى القرافي فقيها، وكان جده الإمام محمد بن أحمد القرافي فقيها كذلك، وكان جده لأمه، الشيخ محمد بن عبد الكريم الدميري، قاضيا. وجده الأخير هو الذي لقبه ببدر الدين، لأنه وُلد في ليلة السابع والعشرين من رمضان وكان الناس يقولون إنها ليلة القدر. ومن الموافقات أنه توفي في رمضان أيضا.
أخذ بدر الدين القرافي الفقه عن والده، وعن الشيخ عبد الرحمن بن علي الأجهوري، والشيخ زين بن أحمد الجيزي. وسمع الحديث عن جمال الدين يوسف بن القاضي زكريا، ونجم الدين الغيطي، وأبي عبد الله بن أبي الصفا البكري الحنفي. ومن مشايخه الشيخ عبد الرحمن محمد أحمد المغربي الشهير بالتاجوري. ومن الذين تتلمذوا على يديه النور الأجهوري، وأبو المحاسن يوسف بن زكريا المغربي، وأبو الإمداد برهان الدين إبراهيم بن حسن اللقاني.(5)
تقلد بدر الدين القرافي القضاء المالكي في الباب بالقاهرة، كما أصبح قاضي قضاة المالكية ورئيس العلماء في عصره.(6)(1/4)
كان القرافي "ذا همة عالية وطلاقة وجه مع خَلق وضي وخُلق رضي..."(7). وكان ميسور الحال مثريا، فاستطاع أن ينفق بسخاء على اقتناء الكتب، فاجتمع له منها عدد كبير. وعلى الرغم من ثرائه، فقد عُرف بالنزاهة التي يتطلبها منصب قاضي القضاة، فكان "مَثَل قضاته" على حد تعبير معاصره الشيخ أحمد بابا التمبكتي.(8)
ويروي المُحبيّ صاحب "خلاصة الأثر" أن جده القاضي محب الدين ذكر القرافي في رحلته وقال عنه: "وأما مولانا العلامة، والعمدة الفهّامة، المتصف بالفضائل والفواضل في جميع المسالك، الحائز لأرق الآداب فهو للفتوة متمم وللفتاوى مالك... وإنه أتقن مذهبه غاية الإتقان، واحتوى على الفضائل ونباهة الشان."(9)
أما عبد الكريم المنشي فقد حلّ بالقاهرة وجاور القرافي وعرفه حق المعرفة وقال عنه:" وفي مقامي بالقاهرة كنا لصيقي دار، وصبيي جوار... ودارت بيني وبينه كاسات المكاتبات، بأرق معانٍ وألطف عبارات، ... وكان معانقا للثروة، ومع ذلك لم يُعهد له صبوة:
... وما سمعنا قط أن امرأً
أهدى له شيئا، ولا قد رشاه " (10)
ويُروى عن كرمه وظرفه أنه دفع ذات مرة ديناراً لرجل نيابة عن صديقه سري الدين بن الصائغ رئيس الأطباء في مصر، فأرسل ابن الصائغ إليه بدينار ظانا أنه سيقبله. ولكن القاضي القرافي لم يأخذه وردّه إليه مع بيت شعر:
ماذا جنيتَ على القاضي بمنقصةٍ
مضمونها الشحُّ في أخذي لدينارِ
فأجابه أبن الصائغ بالأبيات التالية:
... يا بدرُ تمَّ بلا نقصٍ وإقتارِ
وقاضيا في البرايا حكمُه سارِ
لقد صرفتُ عن القاضي تصرفه
فكيف تبذل دينارا بدينارِ
... حاشاك تُنسبُ إلا للوفا ولذا
جرت بحارُك بالنعمى على الجارِ(11)
5 ـ مؤلفاته
كان القرافي عالما مشاركا له جولات في الفقه والأصول والتراجم واللغة، وكان أديبا له نظم ونثر. وتذكر كتب التراجم أنه خلّف عدة مؤلفات أغلبيتها الساحقة ما زالت مخطوطة. وهذه قائمة بمؤلفاته المعروفة:
1ـ شرح الموطأ، في الحديث(1/5)
2ـ عطاء الجليل في مختصر الشيخ خليل، في الفقه
3ـ تحقيق الإبانة في صحة إسقاط ما لم يجب من الحضانة، في الفقه، مطبوع( تحقيق ودراسة: د. يحيى أحمد الجردي، المدينة النبوية: مكتبة الغرباء الأثرية، 1414هـ). ويورد فيه أحكام الحضانة في الفقه المالكي، وينظم بعض هذه الأحكام شعرا لتيسير حفظها. ويؤخذ على هذا الكتاب أنه يخلو من النصوص من الكتاب والسنّة وأنه يعتمد على المراجع المتأخرة.
4ـ الدرر المنيفة في الفراغ عن الوظيفة، في الفقه. وقد اطلعنا على هذه المخطوطة بالخزانة العامة بالرباط (رقم د 194)، وهي تتعلق ببعض أحكام الوقف.
5ـ الجواهر المنتثرة في هبة السيد لأم الولد والمدبرة، في الفقه
6ـ دُرر النفائس في شأن الكنائس
7ـ رسالة في بعض أحكام الوقف، في الفقه
8ـ رسائل في الفقه
9ـ شرح التهذيب
10ـ شرح مختصر ابن الحاجب
11ـ إحكام التحقيق بأحكام التعليق
12ـ الدراري في ترتيب أبواب صحيح البخاري، وهو فهرس أبواب صحيح البخاري ويقع في 140 ورقة مخطوطة.
13ـ الدر الفريد في الكلام على مواضع من كلام الله المجيد
14ـ شرف البدر بضياء ليلة القدر
15ـ توشيح الديباج وحلية الابتهاج، في التراجم؛ مطبوع . (تحقيق وتقديم: أحمد الشتيوي، تونس: دار الغرب الإسلامي 1403/1983) وهو ذيل لكتاب (الديباج المُذهّب في معرفة أعيان علماء المَذهب)، أي المذهب المالكي، لمؤلفه برهان الدين إبراهيم بن علي المشهور بـ "ابن فرحون". ويشتمل الذيل الذي وضعه القرافي على نحو 327 ترجمة.
16ـ التحرير الفريد في تحقيق التوكيد والتأكيد
17ـ القول المأنوس بتحرير ما في القاموس، وهو حاشية على معجم (القاموس المحيط) للفيروزابادي، طُبع نبذ منها بهامش (القاموس المحيط) طبعة بولاق 3/1301.
18ـ بهجة النفوس بين الصحاح والقاموس، في اللغة
19ـ توالي المنح في أسماء ثمار النخل ورتبة البلح، وهي المخطوطة التي نحققها هنا.(1/6)
إن عددا من هذه المؤلفات مجرد رسائل علمية قصيرة أو فتاوى لا تتجاوز الواحدة منها صفحات معدودة. ومن المحتمل أن رقم 8 ، في هذه القائمة، الذي لم نطلع عليه، يشتمل على بعض الرسائل المذكورة بالاسم في الأرقام الأخرى مثل 3 و 4 و 5 و 7.
ويستخلص من يطلع على عدد من مؤلفاته المخطوطة أن الرجل كان يتوخى الدقة في مؤلفاته. فبعد البسملة والحمدلة، ينصّ على عنوان الكتاب واسم مؤلفه، ثم يذكر الأسباب التي دعته إلى تأليفه، ويختم الكتاب بالدعاء للمؤلف فيذكر اسمه مرة أخرى، وينص على تاريخ الفراغ من إخراج الكتاب من مسودته باليوم والشهر والسنة. وفي متن الكتاب يحرص على تشكيل الكلمات التي يُخشى فيها اللبس (فيضع أسماء الحركات بين قوسين)، كما يُشير إلى بداية الاقتباسات من المصادر الأخرى ويضع في آخرها كلمة "انتهى".
6 ـ مصادر دراسته
ـ الأعلام للزركلي 7: 141
ـ إيضاح المكنون للبغدادي 1:8، 34، 204، 280، 337، 470، 2: 102
ـ توشيح الديباج للقرافي، 211
ـ خلاصة الأثر للمحبي 4: 258
ـ شجرة النور الزكية لمحمد محمد مخلوف، 288
ـ فهرس الأزهرية 2: 346
ـ فهرست الخديوية 3: 166، 4: 179، 7/1: 58، 59، 247، 248
ـ فهرس الفهارس للكتاني 1: 153
ـ فهرس مخطوطات جامعة الرياض 4: 174-175
ـ الكتبخانة 3: 166، 4: 144، 7: 247
ـ كشف الظنون لحاجي خليفة 358، 762، 1045
ـ معجم المطبوعات لسركيس 1502
ـ معجم المؤلفين لكحالة 3: 769-770
ـ نيل الابتهاج، طبعة هامش الديباج 342
- Brockelmann S,II: 436
7 ـ تحقيق المخطوطة
اعتمدتُ في تحقيق المخطوطة على ثلاث نسخ خطيّة: اثنتان منها محفوظتان في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم (د 194) و (د 2438)، والثالثة محفوظة في الخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم (2135).
ـ تقع النسخة الأولى ( الخزانة العامة د 194) في ثلاث صفحات صغيرة مكتوبة بخط مغربي واضح، مع صفحة مستقلة للعنوان كتب فيها ما يلي:(1/7)
" توالي المنح في أسماء ثمار النخل ورتبة البلح
للعبد الفقير بدر الدين القرافي المالكي من ذرية العارف الشيخ ابن أبي حمزة نفعنا الله به آمين."
وعلى حاشية الصفحة الثانية من هذه النسخة، نجد كلمة " ولبعضهم:" وبعدها أُضيفت أربعة أبيات شعرية نُظمت فيها أسماء ثمار النخل (سنوردها بعد المخطوطة)، ولا بدّ أن هذه الحاشية هي إضافة من مالك المخطوطة أو ناسخها.
ـ وتقع النسخة الثالثة ( الخزانة الحسنية 2135) في ثلاث صفحات متوسطة الحجم مكتوبة بخط مغربي واضح جميل، وتخلو من صفحة العنوان الموجودة في النسخة الأولى، كما تخلو حواشيها من أي إضافة، فلم تظهر فيها الأبيات الشعرية الأربعة.
والنسخ الثلاث متطابقة تقريبا إلا في مواضع يسيرة أشرنا إليها في هوامش المخطوطة التي حققناها.
وتوخيا لإتمام الفائدة من تحقيق المخطوطة تناول عملي ما يلي:
ـ مقارنة النصوص التي اقتبسها المؤلف مع مصادرها الأصلية وضبطها،
ـ إضافة الشكل (الحركات) إلى مصطلحات ثمار النخل وإلى الكلمات التي يُخشى فيها اللبس،
ـ الترجمة باختصار للأعلام الذين وردت أسماؤهم في المخطوطة،
ـ التعريف بإيجاز بالكتب التي ذُكرت عناوينها في المخطوطة.
8 ـ نصّ متن المخطوطة
" بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله وحده. والسلام على مَن أقام به لواء الحق ومجده. وبعد، فهذه رسالة سمّيتها بـ " توالي المنح، في أسماء ثمار النخل ورتبة البلح"، دعاني إلى ذلك مَن له عليّ حق الولاية، ومزيد العناية، ووافر الرعاية، وقلت داعيا لجنابه:
... دام عماد الدين والفضل على(12)
مرِّ الدهور مولياً خيرَ مِنَح
تُجنى ثمارُ الفضلِ من أشجارهِ
رُطَباً جنياً بعد بُسْرٍ وبَلَح
وذلك عندما جرى الكلام في عبارة القاموس، وأن فيها تخالفا في هذا المقام، وبالله التوفيق:(1/8)
قال في الصحاح(13): " البَلَحُ قبل البُسْر، لأن أول التَمْر طَلْعٌ، ثم خَلال، ثم بَلَح، ثم بُسْر، ثم رُطَب، ثم تَمْر. الواحدة بَلَحَة." انتهى.
ونحوه قول صاحب القاموس(14)، فيه: " البَلَح (مُحرّكة) بين الخَلال والبُسْر." انتهى.
ومؤدى كلامهما أن الخَلال رتبة سابقة على البَلَح.
ووقع في القاموس في باب اللام ما يخالف ذلك، إذ قال:"وخَلال (كسَحاب):البَلَح."انتهى، وفيه تجوز.
وقد نقل الشيخ أبو الحسن الشاذلي(15) في شرح لغات مختصر الشيخ خليل(16) عن أهل اللغة أن رتبته، أعني البَلَح، قبل البُسْر وبعد الخَلال، كما هو في الصحاح والقاموس في باب الحاء، ونصه:
" البُسْر (بضم الباء): المُنَصِّف (بضم الميم وفتح النون وكسر الصاد المهملة المشددة)، واحدته بُسْرة (بإسكان السين وضمها). قال أهل اللغة: أول تَمْر النخل،طَلْع وكافور،ثم بَلَح،ثم بُسْر،ثم رُطَب، ثم تَمْر."
ولم يذكر في القاموس أيضا البَلَح في باب الراء، عندما تكلم على البُسْر، ونصّه هناك:
" وقول الجوهري ' أول البُسْر طَلْع ثم خَلال إلى آخره' غير جيد. والصواب: أوله طَلْع، فإذا انعقد فَسَياب، فإذا اخضر واستدار فَجَدال وسَراد وخَلال، فإذا كَبِر شيئا فَبَغْو، فإذا عَظُم فبُسْر، ثم مُخَطَّم، ثم مُوكَّت، ثم تُذْنوب، ثم جُمْسَة، ثم ثَعْدَة وخالِع وخالِعة، فإذا انتهى نُضْجُه فَرُطَب ومَعْو، ثم تَمْر. وبسطت ذلك في "الروض المَسلوف، فيما له اسمان إلى أُلُوف"(17). انتهى
والذي للقاضي عياض(18) درجات النخل سبعة: الطَلْع، والإغريض، والبَلَح، والبُسْر، والزَّهو، والرُطَب، والتَمر. وهذا مذهب أكثر أهل اللغة.
وقوم يجعلون البُسْر بعد الزهو، وهو الذي يستعمله الفقهاء. والزهو ابتداء طيب تمر(19) النخل واصفراره واحمراره، ويُقال فيه: أزهى يزهي. وجاء في بعض روايات الحديث: يزهو، وقالوا: لا يصح. وقال أبو زيد(20): "زهى وأزهى، ولم يُعرف للأصمعي(21 ) أزهى" انتهى.(1/9)
وقد نظمتُ ما رتّبه القاموس، فقلت:
... لقد عَدَّ في القاموس عشرا وواحدا
لأسماء تمر النخل قد صحّ مَحسوبُ
فأوله طلع سباب خلاله
ويعقبه بُسْرٌ مُخطّمٌ مَجْنوبُ
موَكَّت مسبوقُ المُخَطَّم
على وفقِ ترتيبٍ ويتلوهُ تُذْنُوبُ
جميسة يتلوه وثَعدةُ بعده
كذا رُطَبٌ تمرٌ به تمَّ مطلوبُ
ومَجنوب صفة لمُخَطَّم لا معدود، وأُسقط بَغْو لكونه في حكم الخَلال.
وقد نظمتُ ما رتبه القاضي عياض فقلتُ:
وأسما ثمار النخل سبعٌ كما حكى
عياض زكى مثوى وقد صَحَّ معدودُ
فأولُها طَلْعٌ وإغريض بعده
كذا بَلح بُسْر به طاب مجرودُ
ويزد به زهو كذا رطب حلى
ويعقبه تمرٌ به تمّ مقصودُ
وقد نظمتُ ما رتّبه الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى فقلتُ:
وأسما ثمار النخل في العدِّ سبعةٌ
حكاها بليغٌ طيَّبَ اللهُ مثواهُ
فطلعٌ وكافورٌ خلالٌ مرتباً
كذا بلحٌ بُسرٌ وقد طاب حلواهُ
كذا رطبٌ تمرٌ به تمَّ أمرُها
وأهل اللغا قالوه لا تعدُ فحواهُ
تمت الرسالة المفيدة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه. والحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وآله. والحمد لله ربّ العالمين."
9 ـ حاشية المخطوطة
ونجد في النسختين الأولى والثانية حاشية، هذا نصُّها: " ولبعضهم:
إني وجدت النخل في درجاتها
سبعا على تصنيفها لا تُنكرُ
طلعٌ وإغريضٌ لطيفٌ أبيضٌ
والبلحُ مخضرٌ وزهوٌ أحمرُ
والبُسرُ مصفرٌّ ورطب ليس
في دكنها تُجنى وتمرٌ أسمرُ
فالبيعُ حين الزهوِ فيها جائزٌ
لسلامةِ العاهاتِ، فيما يُذكرُ"
الهوامش
(1) أحمد شلبي، موسوعة التاريخ الإسلامي ( القاهرة:مكتبة النهضة المصرية،1958) 5: 250-251
(2) أحمد بن علي القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا (بيروت: دار الفكر، 1987) 6: 450
(3) عبد الرحمن الجبرتي، تاريخ الآثار في التراجم والأخبار (بيروت : دار الجيل، ب.ت.) التمهيد
(4) أحمد شلبي، المرجع السابق 5: 264 -265، والجبرتي، التمهيد(1/10)
(5) - بدر الدين محمد بن يحيى القرافي، كتاب الإبانة في صحة إسقاط ما لم يجب من الحضانة، تحقيق د. يحيى أحمد الجردي ( المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، 1414هـ) 15-16 ،
ـ محمد المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر(القاهرة:المطبعة الوهبية، 1284هـ) 4: 263- 285.
(6) مخطوطة " الدرر المنيفة في الفراغ عن الوظيفة" المحفوظة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم د 194، وُصف القرافي في صفحة الغلاف بأنه "قاضي قضاة المالكية بالقاهرة المعزيّة".
(7) محمد المحبي، المرجع السابق 4: 259
(8) أحمد بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج (القاهرة: الفحامين، 1351هـ) 342.
(9) محمد المحبي، المرجع السابق،
(10) المرجع السابق.
(11) المرجع السابق.
(12) في النسخة الثالثة: دام عمادا لذوي الفضل على
(13) الصحاح: معجم لغوي عنوانه الكامل " تاج اللغة وصحاح العربية"، ألّفه أبو نصر إسماعيل الجوهري (ت 398هـ/1005م)، رتّبه على أواخر أصول الكلمات، " بعد تحصيلها بالعراق رواية، وإتقانها دراية، ومشافهتي بها العرب العاربة، في ديارهم بالبادية" كما يقول المؤلف في مقدمته.
(14) القاموس: معجم لغوي عنوانه الكامل " القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط"، ألّفه الأمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي (729ـ817هـ/ 1329-1415م)، ورتّبه على أواخر أصول الكلمات، وتوخى الإيجاز، لذا فهو يخلو من الشواهد. وقد لقي هذا المعجم رواجا كبيرا واشتهر كثيرا حتى صار اسمه مرادفا لكلمة (المعجم).
(15) أبو الحسن الشاذلي ( ت 656هـ/1258م): من أقطاب التصوف الإسلامي، وتنتسب إليه الطريقة الشاذلية. ولد في المغرب وعاش في شاذلة بتونس وتوفي في القاهرة.
(16) مختصر الشيخ خليل بن إسحاق الجندي المالكي (ت 767 هـ)، وهو كتاب في فروع المالكية. ويُعدّ من أُمهات كتب الفقه المالكي، وأُلّفت حوله شروح وتعليقات وحواش كثيرة.(1/11)
(17) "الروض المَسلوف، فيما له اسمان إلى أُلوف" كتاب في اللغة للفيروزابادي صاحب القاموس.
(18) القاضي عياض (ت 544هـ/1149م): من كبار العلماء الذين أنجبهم المغرب. كان قاضيا في سبتة وفي غرناطة. ومن أشهر مؤلفاته " الشفا بتعريف حق المصطفى" في السيرة النبوية الشريفة، و "مشارق الأنوار" في الحديث النبوي الشريف.
(19) سقطت كلمة (تمر) أو (ثمر) في النسختين الأولى والثانية.
(20) أبو زيد الأنصاري، سعيد بن أوس (119-215هـ/737-830 م) من ثقاة اللغويين في البصرة، أخذ عن أبي عَمرو بن العلاء وعن الأصمعي وأخذ عنه سيبويه. من مؤلفاته " النوادر ". كان يسجل ما يسمعه من الأعراب في البادية ويصنّفه.
(21) الأصمعي، أبو سعيد عبد الملك (122-216هـ/740-831م) من مشاهير اللغويين العرب، وأكبر رواة الشعر. أخذ في البصرة عن الخليل وأبي عَمرو بن العلاء وأخذ عنه أبو زيد. له مصنفات كثيرة اعتمد فيها على مشافهة الأعراب في البادية.(1/12)