بسم الله الرحمن الرحيم
تعبير الرُّؤى بين الإفراط والتفريط
كتبه
سامي وديع عبد الفتاح القدومي
samiwadi@maktoob.com
للاطلاع على كتب المؤلف
http://Samiwadi.blogspot.com
حقوق الطبع محفوظة لدار الوضاح
عمان - الأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي أكرم المؤمنين بالرؤيا الصادقة في الشدائد والمسرّات ، وجعلها لهم من المبشِّرات المُؤنِسات ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
لقد كثر الكلام حول الرؤى ، حول حقيقتها وصدقها وواقعها ، فمن الناس من يغالي فيها مغالاة على غير الشرع ، ومن الناس من يجافي عنها مجافاة على غير الشرع أيضاً ، ومنهم من يقف موقف الحق ، فلا هو بالمغالي ولا هو بالمجافي ، وهذا الذي وقف موقف الحق يصفه المغالون بالمجافي ، ويصفه المجافون بالمغالي ، والحكم الفيصل في هذا الأمر هو تحكيم النصوص الشرعية وفق قواعد الاجتهاد والنظر .
بل قد اشتد الأمر إلى أن كتبت في حقها المقالات والكتب ، وأُلقيت في ميدانه المحاضرات والخطب ، بل وقامت لأجله الندوات العلمية والبرامج الفضائية ، كيف لا والرؤيا أمر في ديننا أصيل ، والبحث في أمرها جِدُّ جدير ؟
وهذه الرسالة تبين الضوابط الأساسية في أمر حقيقة الرؤى وحقيقة تعبيرها ؛ حتى ترسم الطريق واضحة أمام السائرين ، فلا يَضلُّون ولا يزلُّون ، وهذه الرسالة تأخذ مصداقيتها من النصوص الشرعية التي تعتمد عليها ، وكذلك من الاستنباطات المبنية على قواعد الاجتهاد والنظر .
ولقد سلكت في هذه الرسالة منهجاً سهل المأخذ ، فقد أوردت شبهة المغالين أو المجافين المتهاونين مبيناً عقبها ما هو عليه النصوص الشرعية وفقهها .
وقد بدأت في إيراد الشبه بشبه المجافين المتهاونين ، وبعدها شبه المغالين ، وأما بيان مذهب أهل الحق فإنه يظهر جلياً بين تضاعيف النصوص ، لأن كل التعقيبات على الشبه هو كلام مبني على أساس شرعي .(1/1)
وليس من منهج العلم تعنيف المخالف وتفسيقه وتبديعه ، وإنما منهج العلم يكون ببيان الصواب والحق ، ومن خالف فلا شيء في ذلك بشرط أن يكون كلامه مبني على النصوص الشرعية وأن يكون استنباطه للنصوص وفق القواعد المرعية ، أما من خالف النصوص الصحيحة ، فلا يكون على حق ، وكذلك من صحح النصوص الضعيفة مع مخالفتها للنصوص الصحيحة فلا يكون على حق أيضاً .
كتبه
سامي وديع عبد الفتاح القدومي
عمان - الأردن
شبه المتهاونين في الرؤى وتعبيرها :
1- قال المتهاونون : رؤيا الأنبياء هي الرؤيا الحَقَّة ، وغيرها من الرؤى عبارة عن تنفيس للصراعات النفسية ، وقد تنشأ عن التطلع إلى المجهول ، أو عند عدم القدرة على تحقيق أمر في اليقظة فتلجأ النفس إلى تصور تحقيقه خلال النوم .
الجواب : وهذا الشبهة بينة الخطأ ؛ لأنها مخالفة لصحيح النصوص وصريحها ، فالرؤيا الصالحة الصادقة لا تقتصر على الأنبياء فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى ( مسلم : 738 )
وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمِنِ تَكْذِبُ ( البخاري : 6499 ) ( مسلم :4200 )
وفي هذين الحديثين دلالة على أن للمسلم نصيب من الرؤيا الصالحة ، وأنها لا تقتصر على الأنبياء عليهم السلام .
أما شبهة أن كل الرؤى هي عبارة عن تنفيس للصراعات النفسية ، وأنها قد تنشأ عن التطلع إلى المجهول ، أو عند عدم القدرة على تحقيق أمر في اليقظة فتلجأ النفس إلى تصور تحقيقه خلال النوم فشبهة باطلة بنصوص نبوية صحيحة صريحة .
فلقد بيَّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنواع ما يراه النائم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(1/2)
وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ( البخاري : 6499 ) ( مسلم 4200 )
إذن ، فالرؤيا ثلاثة أقسام :
رؤيا من الله سبحانه وتعالى ، ورؤيا من الشيطان ، ورؤيا مما يُحَدِّثُ بها المرء نفسه ، أي حديث النفس .
ويستخلص من هذا أن الصراعات النفسية والتطلع إلى المجهول هو من حديث النفس وهو نوع من أنواع الرؤى ، ولكن لا بد من التنبيه على أن جزء من الرؤى من الله سبحانه وتعالى ، وهذا الجزء هو الرؤيا الصالحة .
2- قال المتهاونون : كيف نستطيع التفريق بين الرؤيا الصادقة وحديث النفس وحديث الشيطان ؟
والجواب : إن التفريق بين الرؤيا الصادقة وحديث النفس وحديث الشيطان هو أمر اجتهادي يقوم على علامات وقرائن ، وأذكر في البداية علامات الرؤيا الصادقة وهي :
أ – الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن وتأنيس له وتثبيت ، وتُشعر المؤمن بلطف رعاية الله سبحانه وتعالى .
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى ( مسلم : 738 )
والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى الرؤيا الصالحة بالمُبَشِّرة ، وما هذا إلا لأنها مبشِّرة ، والبشارة تكون بالإخبار بالخير والسرور ، وهذا الأمر من علامات الرؤيا الصالحة .
ب - إكرام للمؤمنين وبيان فضلهم .(1/3)
ومن علامات الرؤيا الصالحة أنها مبيِّنة لفضل المؤمنين ؛ فعَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ - وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ : طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتْ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، قَالَ : وَمَا يُدْرِيكِ قُلْتُ : لَا أَدْرِي وَاللَّهِ ، قَالَ : أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنْ اللَّهِ ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ : فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ ، قَالَتْ : وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِي النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِي ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لَهُ ( البخاري : 6500 )
ففي هذا الحديث تأنيس للمؤمنين بأن مصير ميِّتهم إلى خير ، وفيه أيضاً بيان لفضل المؤمنين .
ج - هداية المؤمنين إلى الدين والصلاح وعمل الخير .
فقد رأى ابن عمر رضي الله عنه رؤيا قال : فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا ( البخاري : 1054 ) ( مسلم : 4528 )(1/4)
فكان ابن عمر رضي الله عنه من الملتزمين بقيام الليل ، وما سبب هذا الالتزام إلا رؤيا صالحة عبَّرها له النبي صلى الله عليه وسلم .
فكم من ضالٍّ هداه الله سبحانه وتعالى إلى الخير والصلاح برؤيا رآها ، فشرح الله على أعقابها قلب رائيها ، فاندفع إلى الخير اندفاعاً ، فإذا ما سألته عن سبب هدايته قص عليك الرؤيا مستشعراً عِظَمها .
د - إرشاد إلى خير الدنيا .
أي من الرؤى ما يراه المسلم فيفهم منه أن عليه الانصراف عن شيء ما ؛ لأن فيه ضر وأذى ، وهذا أيضاً يقع ضمن البشارات التي تبين للمسلم الخير وتبشره به ، وقد يكون بيان الخير ببيان الأمور التي فيها الضر ، فيبتعد الرائي عن السوء .
أما علامات الرؤى التي يكون مصدرها حديث النفس فمنها :
أ - ارتباط الرؤيا بالحدث الذي يشغل البال ، فيكون موضوعه ضمن ما يعيشه الرائي كالطالب الذي يحلم ليلة الامتحان بالنجاح أو الرسوب ، وأنه يكتب فيخطئ أو أن خطه ليس جميلاً .
أو كالسارق الذي يحلم أن الشرطة تطارده .
ب - استجلاب الرؤيا .
وهناك أمر مهم لا بد من قوله ، وهو أن استجلاب الرؤيا قد يدخلها في بوتقة حديث النفس .
أي أن شخصاً يريد أن يرى رؤيا في موضوع معين ، فيبدأ يفكر في الموضوع ويستجلب الأفكار لعله يرى رؤيا ، ويزداد هذا الأمر حتى يصبح شغله الشاغل ، فعندما يرى هذا الشخص رؤيا ، فإن هذه الرؤيا قد تدخل في عداد حديث النفس .
أما علامات حديث الشيطان فمنها :
أ- حديث الشيطان حديث تحزين .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ ( البخاري : 6499 ) ( مسلم 4200)
ب - حديث الشيطان حديث تخويف .(1/5)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ (البخاري :6470 )
ج - حديث الشيطان يكون بأمور غير منطقية .
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ ( مسلم : 4211 )
فقَطْعُ الرأس وتدحرجه أمام صاحبه ليس أمراً منطقياً ، ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرائي أن يُخبر أحداً عن رؤياه ؛ لأنها من تلعُّب الشيطان بالرائي .
د - يندرج تحت حديث الشيطان كل رؤيا فيها أمر بمحرم .
وكذلك كل رؤيا رُؤي فيها الملائكة أو الرسل أو غيرهم بحال لا تليق بهم ، أو ما كان في معنى ذلك .
لأن الأمر بالأمور المحرمة لا يكون من الله سبحانه وتعالى البتة ، وإنما هذا شأن الشيطان ، أعاذنا الله منه ، آمين آمين !
3- قال المتهاونون : إن كثرة الرؤى والاشتغال بتعبيرها ليس من منهج النبي صلى الله عليه وسلم ولا منهج الصحابة رضوان الله عليهم
وللجواب عن هذه الشبهة ، علينا أن نعرف أن تعبير الرؤى حدث يومي عند النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم .(1/6)
فعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا قُلْنَا لَا قَالَ لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي .... ( البخاري : 1297 )
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا وَيَقُولُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ( مالك : 1505 ) بسند صحيح .
فهذان الحديثان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتاد سؤال الصحابة رضوان الله عليهم عن رؤياهم ، وهذا يظهر من صيغة الحديث " كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ يَقُولُ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا " وهذه الصيغة تدل على التكرار .
4- قال المتهاونون : ليس للرؤى فوائد حقيقية ؛ لأنه لا يُعتمد على الرؤى في القضاء عند إحقاق الحقوق ولا يعتمد على الرؤيا في التحليل ولا التحريم .
الجواب : إن للرؤيا فوائد كثيرة قد تُجمع في نقاط ثلاثة :
1 – بشرى للمؤمنين حيث تطمئن قلوبهم بها ويثبتهم الله .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى ( مسلم : 738 )
فالرؤيا مبشِّرة ، وفوائد البشارة لا تُجهل .
2- باب هداية للدين والصلاح .(1/7)
وهذا يظهر جلياً مما حدث مع ابن عمر رضي الله عنه حيث رأى عبد الله بن عمر رؤيا فقصها عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا ( البخاري : 1054 )
ويظهر من هذا الحديث أن الرؤيا كانت سبباً في التزام ابن عمر رضي الله عنه بقيام الليل .
1- باب إرشاد لأمور الحياة الدنيا .
كدلالة الإنسان لما فيه نفعه من عمل أو علاج أو تجارة أو علاقة ، وهذا أيضاً مستفاد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى ( مسلم : 738 ) والإرشاد للخير من ألوان البشارة .
5 – قال المتهاونون : تأويل الرؤى ليس علماً بل هو أساطير وخزعبلات ، وأما سيدنا يوسف عليه السلام فكان ممن يُوحى إليه ، ولا يُقاس عليه غيره ، وإذا كان علماً فلتعد المناهج حتى تصبح متطلباً لكليات الشريعة ، وحيث إنه علم يقوم على الذوق فهو ليس بعلم
الجواب : القول بأن تأويل الرؤى أساطير وخرافات قول غير صحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق على طلب أبي بكر بتأويل الرؤيا .(1/8)
فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ .
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْبُرْهَا قَالَ أَمَّا الظُّلَّةُ فَالْإِسْلَامُ وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنْ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ تَنْطُفُ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا .
قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ .
قَالَ لَا تُقْسِمْ ( البخاري : 6524 ) ( مسلم : 2414 )
ولو كانت الرؤى خرافات ولا يصلح تأويلها إلا بالوحي فقط لما سمح النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بالتأويل .(1/9)
وأيضاً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى ( مسلم : 738 )
والشاهد في هذا الحديث هو : ما فائدة المبشرات للمسلم إن لم تُعبر ؟
وعلى هذا فتأويل الرؤى ليس بخزعبلات ، ولا ينحصر تأويل الرؤى على الأنبياء عليهم السلام فقط .
6- قال المتهاونون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت
وقال : والرؤيا لأول عابر . وغيرها من الأحاديث القاضية بأن الرؤيا تقع وفق أول عابر .
وبناء على هذا فما فائدة تعلّم تعبير الرؤى ، لأن الجاهل والعالم يستويان في التأويل ؟
الجواب : ولا بد من العلم أن الأحاديث التي جاءت لتدل على أن الرؤيا تقع وفق ما تُفسَّر عليه أحاديث ضعيفة .
فحديث : الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ .
رواه (أبوداود : 4366) (ابن ماجه : 3904) (أحمد : 15593) (المعجم الكبير : 19/206) (أمالي المحاملي : 1/344) (ابن أبي شيبة 6/173)
وفيه وكيع بن عُدُس وهو في عداد المجهولين .
والقول فيه : وُثِّق ، لا يكفي ؛ لأن من وثقه هو ابن حبان وتوثيقه لا يكون حجة .
أما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم : وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ .
رواه (ابن ماجه : 3905)
فهو ضعيف - أيضاً - ففيه يزيد الرَّقاشي ، ضعفه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل .(1/10)
أما ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الرُّؤْيَا تَقَعُ عَلَى مَا تُعْبَر وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجِلٍ رَفَعَ رِجْلَهُ فَهْوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَضَعُهَا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا نَاصِحَاً أَو عَالِماً ( المستدرك على الصحيحين ج4/ص433) ففيه إسحاق بن أحمد البخاري ، ومثله لا يُحتج به .
بل لا بد من العلم أن هذا الحديث ضعيف ؛ لأن فيه وهم ، والأصل فيه أنه مرسل ، فهذا هو سند الحاكم :
حدثنا أبو حفص أحمد بن سهل الفقيه ببخارى : ثنا إسحاق بن أحمد بن صفوان البخاري : ثنا يحيى بن جعفر البخاري : ثنا عبد الرزاق : أنبأ معمر : عن أيوب : عن أبي قلابة : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحديث
فإذا رجعنا إلى مصنَّف عبد الرزاق ، والذي من طريقه رواية الحاكم ، وجدناه روى الحديث مرسلاً ، فدل على خطأ وقع عند الرواة فيما بين الحاكم وعبد الرزاق .
وهذا هو سند عبد الرزاق :
أخبرنا عبد الرزاق : عن معمر : عن أيوب : عن أبي قلابة : قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحديث (مصنف عبد الرزاق ج11/ص212)(1/11)
وأما ما جاء عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهَا زَوْجٌ تَاجِرٌ يَخْتَلِفُ فَكَانَتْ تَرَى رُؤْيَا كُلَّمَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَلَّمَا يَغِيبُ إِلَّا تَرَكَهَا حَامِلًا فَتَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ تَاجِرًا فَتَرَكَنِي حَامِلًا فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّ سَارِيَةَ بَيْتِي انْكَسَرَتْ وَأَنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا أَعْوَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَالِحًا وَتَلِدِينَ غُلَامًا بَرًّا فَكَانَتْ تَرَاهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ تَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ ذَلِكَ لَهَا فَيَرْجِعُ زَوْجُهَا وَتَلِدُ غُلَامًا فَجَاءَتْ يَوْمًا كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ وَقَدْ رَأَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا فَقُلْتُ لَهَا عَمَّ تَسْأَلِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَمَةَ اللَّهِ فَقَالَتْ رُؤْيَا كُنْتُ أُرَاهَا فَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهَا فَيَقُولُ خَيْرًا فَيَكُونُ كَمَا قَالَ فَقُلْتُ فَأَخْبِرِينِي مَا هِيَ قَالَتْ حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرِضَهَا عَلَيْهِ كَمَا كُنْتُ أَعْرِضُ فَوَاللَّهِ مَا تَرَكْتُهَا حَتَّى أَخْبَرَتْنِي فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ لَيَمُوتَنَّ زَوْجُكِ وَتَلِدِينَ غُلَامًا فَاجِرًا فَقَعَدَتْ تَبْكِي وَقَالَتْ مَا لِي حِينَ عَرَضْتُ عَلَيْكِ رُؤْيَايَ فَدَخَلَ(1/12)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا مَا لَهَا يَا عَائِشَةُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ وَمَا تَأَوَّلْتُ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ يَا عَائِشَةُ إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الْخَيْرِ فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا فَمَاتَ وَاللَّهِ زَوْجُهَا وَلَا أُرَاهَا إِلَّا وَلَدَتْ غُلَامًا فَاجِرًا ( الدارمي : 2069 )
فهو ضعيف فإن فيه محمد بن إسحاق وهو مدلِّس ولم يصرح بالسماع .
وأيضا فإن في الحديث نكارة من جهة المتن :
أولاً : رجوع المرأة بنفس الرؤيا على نفس الحالة وعدم قول النبي صلى الله عليه وسلم لها : إن تأويل هذه الرؤيا قد سبق ، والعادة تمنع مثل هذا .
ثانياً : أخبرت المرأة عائشة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوّل هذه الرؤيا خيراً ، وأنها كانت تحصل كما يؤولها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن عائشة رضي الله عنها لم تسأل المرأة عن تأويل النبي صلى الله عليه وسلم ، كأن تأويله صلى الله عليه وسلم ليس له قيمة .
ثالثاً : ورغم علم عائشة رضي الله عنها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوّل الرؤيا خيراً ، فعائشة لم تسأل عن تأويل النبي صلى الله عليه وسلم ، والعظيم في الأمر أن عائشة أوَّلَتْها شراً ، رغم عدم اختلاف حال الرؤيا وحال الرائي عن المرات السابقة .
رابعاً : تدخل عائشة رضي الله عنها في أمر لا يعنيها ، وفضولها الزائد في أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
خامساً : لم يزجر النبي صلى الله عليه وسلم على كل ما فعلت
1- من الاستهانة بتأويله السابق للرؤيا
2- ومن مخالفتها لتأويل النبي صلى الله عليه وسلم
3- ومن تدخُّلها فيما لا يعنيها .(1/13)
وهذه الأحاديث قد يصلح أن نقوي بعضها ببعض ، ولكن بشرط أن لا يكون المعنى مخالف للسنة النبوية الصحيحة ، لأن هذه الأحاديث الضعيفة معارضة أساساً للصحيح ، وهذه علامة على أن هذا الضعف مما لا ينجبر .
ولا بد من الإشارة أن الذين صححوا هذه الأحاديث قالوا : إن الرؤيا لأول عابر في حالة أن التعبيركان وفق قواعد التعبير ، أما إذا كان التعبير بعيداً عن الاحتمال فهذا ليس من باب : الرؤيا لأول عابر .
ولكن الصحيح أن هذا تكلّف في الجمع ، لأن الأحاديث لم تذكر مثل هذا الوجه للجمع بل أطلقت أن الرؤيا تقع وفق التعبير ، ولم يأت استثناء ، بل في الروايات التي يصححها البعض " فلا تقصّها إلا على وادٍّ أو ذي رأي " أي قصّها على محبٍّ أو عالم حتى يقع لك الخير ، ولو قُصت الرؤيا على جاهل أو مبغض لوقعت كما قال المبغض ، وكما قال الجاهل ، ومن المعلوم أن الجاهل لا يعبر وفق قواعد التعبير ، فالروايات تقرر أن الرؤيا تقع وفق التعبير ولو عبَّرها جاهل تعبيراً بعيداً عن الصواب والاحتمال .
وهذا ينفي وجه الجمع المذكور آنفاً .
ولهذا قال القرطبي في تفسير قوله : تعالى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ) ( يوسف : 44 )
" في الآية دليل على بطلان قول من يقول : إن الرؤيا على أول ما تعبر ؛ لأن القوم قالوا : أضغاث أحلام ، ولم تقع كذلك ، فإن يوسف فسرها على سني الجدب والخصب ، فكان كما عبر .
وفيها دليل على فساد أن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت " (تفسير القرطبي ج9/ص201)
وقال الجصاص : " فإنا قد علمنا أن الرؤيا كانت صحيحة ، ولم تكن أضغاث أحلام ؛ لأن يوسف عليه السلام عبرها على سني الخصب والجدب ، وهو يبطل قول من يقول : إن الرؤيا على أول ما تعبر ؛ لأن القوم قالوا : هي أضغاث أحلام ، ولم تقع كذلك .(1/14)
ويدل على فساد الرواية بأن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت " ( أحكام القرآن للجصاص ج4/ص388- 389 )
وقد بوّبَ البخاري فقال : باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب .
وروى البخاري أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْبُرْهَا قَالَ أَمَّا الظُّلَّةُ فَالْإِسْلَامُ وَأَمَّا الَّذِي يَنْطُفُ مِنْ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ تَنْطُفُ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي(1/15)
أَخْطَأْتُ قَالَ لَا تُقْسِمْ ( البخاري : 6524 ) ( مسلم : 2414 )
والشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بعدما أوَّل الرؤيا : " أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا " ولو كانت الرؤيا لأول عابر لما خطأ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة ، مع العلم بأن أبا بكر لا يؤول إلا وفق قواعد تأويل الرؤى ، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم المباشر لأبي بكر ؟!
وهناك حديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ ( البخاري : 3352 ) ( مسلم : 4217 )
والشاهد في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي المرسل من عند الله لما أوَّل الرؤيا اجتهاداً دون الوحي لم يتضح تأويلها ، فذهب ظنه إلى أنها اليمامة أو هجر ، وهذا الظن لم يغيّر حقيقة الرؤيا .
ولذا فالرؤيا ليست لأول عابر .
7- ويعتقد بعض المتهانون أنه لا بد من أن تُرى الرؤيا أكثر من مرة حتى تكون رؤيا صالحة .(1/16)
الجواب : وقد سمعت هذا الكلام عبر أحد القنوات الفضائية خلال لقاء جمع علماءَ في الدين ومؤوِّلي رؤى ، ورغم ما أدلى به الجميع ، قام مُقدِّم البرنامج بلهجة يملأها التعالم وقال : حسب قراءاتي لا تكون الرؤيا رؤيا صالحة حتى تُرى أكثر من مرة ، علماً بأن المُقدم ليس له في العلم الشرعي جذور ولا فروع ، بل تحصيلة دكتوراة في إدارة الأعمال ، والمهم في الموضوع أنه يصرِّح خلاف الأحاديث الصحيحة التي لم تشترط تكرار الرؤيا ، فلم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من سأله عن تأويل رؤيا ، أتكرر ت رؤيتها أم لا ؟ فإن تكررت اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا صالحة ، وإن لم تتكرر لم يعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا صالحة ، إن هذا لم يحصل .
نعم تكررت بعض الرؤى في شأن الأذان ، وفي شأن ليلة القدر ، ولكن لا يعني ذلك أن تكرر الرؤيا شرط حتى تُعتبر صالحة .
مع المغالين
ونقف الآن مع المنطلقات التي ينطلق منها المغالون .
1- يعتقد المغالون بأن التمييز بين أنواع الرؤيا الثلاثة هو تمييز قطعي .
الجواب : نحن لسنا كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإن رؤاهم وحي من الله ، أما نحن فيخالط رؤانا الأضغاث ، فقد جاء عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ( البخاري : 6499 ) ( مسلم 4200 )
فما يراه المسلم هو ثلاثة أنواع من الرؤى ، النوع الأول من الله ، والثاني من الشيطان ، والثالث حديث النفس .(1/17)
أما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فرؤاهم حقٌّ لا أضغاث فيها ، قال تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ( الصافات : 102 )
ولأجل أن رؤيا الأنبياء وحي وحق أقدم إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده ، وكذلك فإن إسماعيل عليه السلام قال لأبيه : يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ . فرؤيا إبراهيم عليه السلام أمر من الله .
ويوجد علامات لكل نوع من الأنواع الثلاثة ، وقد ذكرت في بداية هذه الرسالة بعض العلامات المميزة لكل نوع عن الآخر ، ولكن كثيراً ما يصعب التفريق بين هذه الأنواع ، فقد يقترب حديث النفس من الرؤيا بشكل كبير ؛ لأن الرؤيا قد تكون في شأن يشغل بال المسلم ، فيظن أن الرؤيا الصالحة حديث نفس ، أو يظن أن حديث النفس رؤيا صالحة من الله .
وأضرب مثلاً لصعوبة التفريق بين حديث النفس والرؤيا الصالحة ، فرؤيا الفتاة - التي تنتظر قدوم خاطب - أنها تشتري ذهباً للعرس ، فقد تؤوّل بقدوم خاطب أو قد تؤوّل بأنها حديث نفس ؛ لأن بال هذه الفتاة مشغول بالتفكير في الأمر ، فلا ندري ما حقيقة هذه الرؤيا أهي من الله سبحانه وتعالى أم أنها حديثٌ من النفس ، بسبب انشغال البال .
فنقول لهذه الفتاة : هذه بشارة من الله سبحانه بأنه سييسر أمرك بالزواج .
ولكننا لا نجزم بهذه الرؤيا ؛ لأننا لا نستطيع أن نجزم بحقيقتها .
2- يعتقد المغالون أن تعبير الرؤى قطعي .
الجواب : هذا خطأ ؛ لأنه لا يلزم المعبِّر أن يصيب دائماً ، وفي قصة تأويل أبي بكر للرؤيا دليل على أن تأويل الرؤى ليس قطعياً ، حيث قال أبو بكر : فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ .(1/18)
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا .
قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ .
قَالَ لَا تُقْسِمْ ( البخاري : 6524 ) ( مسلم : 2414 )
والشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر بعدما أوَّل الرؤيا : " أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا " ففي هذا الحديث خطّأَ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة ، مع العلم أن أبا بكر لا يؤول إلا وفق قواعد تأويل الرؤى ، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم المباشر لأبي بكر ؟!
- وهناك حديث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ ( البخاري : 3352 ) ( مسلم : 4217 )
والشاهد في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي المرسل من عند الله لما أوَّل الرؤيا اجتهاداً دون الوحي لم يتضح تأويلها اتضاحاً يقينياً ، فذهب ظنه إلى أنها اليمامة أو هجر .
- وقد أثار عجبي تأويل بعض المؤولين للرؤيا بثقة زائدة ، حتى أنني سمعت أحدهم - عبر أحد الفضائيات - يقول لمستمع اتصل هاتفياً ليخبر المؤول أن الرؤيا لم تقع وفق تأويله ، فما كان من المؤول إلا أن قال : إذا لم يقع ما أخبرت به فهذه الرؤيا هي أضغاث أحلام .
والأصل في هذا المؤوِّل أن يقول : إن التأويل ظن غالب في بعض الأحيان ، وظن مغلوب في أحيان كثيرة .
3- قد يبني المغالون التحليل والتحريم بناء على ما يرى في المنام .(1/19)
الجواب : لا يُبنى على الرؤى حرام ولا حلال ولا قضاء ، ويجيب عليك المغالون : إننا لا نبني تحليلاً ولا تحريماً بناء على الرؤى ، ولكن قد يبني المغالون التحليل والتحريم على الرؤى وهم لا يعلمون .
فقد يقطع أحدهم رَحِمَهُ دون سبب لأنه رأى رؤيا تحذره من هذا القريب ، فتسأل هذا القاطع : هل عندك سبب لقطع رحمك ، فيقول نعم . فتقول له : ما هو ؟ فيقول : رؤيا رأيتها . فتسأله : وهل عندك من دليل غير الرؤيا على فساد قرابتك ؟ فيجيب : لا .
وهذا خطأ عظيم ، وعلى هذا الذي ذكرت فَقِس .
4- يظن المغالون بالناس الظنَّ السَّيئ ويتكلمون في حقهم دون دليل بسبب الرؤيا .
الجواب : التفريق بين المسلمين من مقاصد الشيطان الذي له نصيب مما يرى ابن آدم في نومه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ " (البخاري : 6499) (مسلم 4200)
فقد يرى بعض الناس في منامه أن أحد الصالحين في نار جهنم ، أو أن مخبراً يخبره أنه من أعداء الله ، ويبدأ هذا الرائي بنشر هذه الرؤيا المسيئة لهذا الصالح ، وإذا أراد هذا الرائي التورُّع فإنه يقول بعد أن يقص رؤياه : والله أعلم بحال فلان ، هل هو صالح أم طالح ؟!
ويكون الرائي بهذا قد أساء لهذا الصالح بناء على رؤيا لا يعلم صدقها يقيناً ، وكما قلت آنفاً : التفريق بين المسلمين من مقاصد الشيطان الذي له نصيب مما يرى ابن آدم في نومه ، فما ظنك بإساءة الشيطان للصالحين ؟!
5- يؤوِّل المغالون الرؤى دون معرفة حال الرائي .
الجواب : قد تتفق الرؤى ظاهراً ولكنها تختلف في حقيقتها ؛ لأن للحال أثراً في تأويل الرؤيا .(1/20)
وأضرب مثلاً فيمن رأى جبريل عليه السلام ، فإذا كان الرائي صالحاً ، فنقول له : رؤياك جبريل عليه السلام هي رؤيا خير ؛ لأن جبريل بالنسبة للمؤمنين خير ، فهو مصدر الأخبار الحسنة ، وهو مؤيد الرسل ، فإما أن يأتيك خبر حسن ، وإما أن ينصرك الله على من عاداك ، أو ما في معنى ذلك .
وإن كان الرائي ظالماً ، فإن جبريل عليه السلام بالنسبة له عذاب ، لأنه الرائي ظالم ، وفي معنى ذلك أن الله سينتقم من هذا الظالم .
وبهذا يختلف تأويل الرؤيا وفق حال الرائي ، فكيف بمن يؤوّل الرؤى على الهاتف أو عبر الفضائية وهو لا يعرف شيئاً عن حال الرائي .
6- يعتقد المغالون أن الرؤيا هي الجواب الوحيد للاستخارة ، حيث يعيد المستخير صلاته لأنه لم يرَ شيئاً .
الجواب : يظن كثير من الناس بأن نتيجة الاستخارة تظهر في الرؤيا المنامية فقط . فإذا صلى ودعا دعاء الاستخارة ولم يرَ في منامه شيئاً فإنه يظن بأن الله لم يستجب دعاء استخارته .
والحقيقة أن ظهور نتيجة الاستخارة في الرؤيا المنامية شيء لا يُنكر ، ولكن لا تنحصر النتيجة في الرؤيا المنامية فقط بل قد تظهر عن طريق الرؤيا المنامية أو عن أي طريق أخرى .
وكذلك يظن كثير من الناس أن نتيجة الاستخارة تظهر في الراحة النفسية ومثل هذا لا يُنكر أيضاً ، ولكن لا ينحصر الأمر في الراحة النفسية ، بل قد لا ترتاح نفس الإنسان إلى أمر ويمضيه الله تعالى ، ويكون هذا الأمر الذي لم ترتَحْ له النفس هو الخير بعينه .
والسؤال هنا : كيف تُعرف نتيجة الاستخارة ؟
وللجواب عن هذا السؤال لا بد من الوقوف على دعاء الاستخارة .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .(1/21)
يَقُولُ : إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ )
وهنا تظهر نتيجة دعاء الاستخارة إن كان الأمر خيراً وهذا بقوله : فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ .
فالأمر الأول هو أن يُقَدَّر هذا الأمر ، أي الطلب من الله أن يحصل الأمر الخير .
وثانياً : تيسير حصوله بقوله : وَيَسِّرْهُ لِي ، أي أن يحصل هذا الأمر بيسر .
وثالثاً : أن يبارك الله في الأمر الذي حصل بيسر بقوله : ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ .
فهو طلب
1- حصولٍ
2- ويُسرٍ
3- وبركة .
وبأي وجه حصل الإرشاد لفعل الأمر الخير فهذا هو نتيجة الاستخارة ، فقد يكون بالرؤيا المنامية ، أو بالراحة النفسية ، وقد يُساق له الواحد منا سوقاً وهو غير راضِ فيظهر له أنه الخير فيما بعد .
ونكمل الدعاء :
( وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ )
والمطلوب في هذا الدعاء إذا كان الأمر شراً أن يصرفه الله بأي وجه وهذا أولاً .
وأن يُصرف المستخير عنه بأي وجه وهذا ثانياً .
ثم طلب تقدير الخير وهذا ثالثاً .
ثم طلب الرضى به وهذا رابعاً .(1/22)
وبأي حصل الإرشاد إلى هذه الأمور فهذا هو نتيجة دعاء الاستخارة .
7- يعتقد المغالون أن ما في كتب تعبير المنام أمور مسلم بها
الجواب : كثير من بيوت المسلمين تقتني كتاب تفسير للقرآن وكتاب تفسير للرؤى ، فإذا ما قرأ أهل البيت آية يريدون معرفة معناها ، رجعوا إلى تفسير القرآن ، لأنه قد سطّر حروفه عالم بالقرآن .
وهذا الرجوع إلى تفسير القرآن فعل خير يُثاب عليه صاحبه .
وإذا ما رأوا رؤيا ، رجعوا إلى كتاب تفسير الرؤى ، وأخذوا ما به دون نقاش ، فهو تفسير للرؤى ، وقد سطّر حروفه عالم بالرؤى .
وهذا الأمر لا يجوز ؛ لأن بعض هذه الكتب لا تصح نسبتها إلى أصحابها ككتاب ابن سيرين ؛ فإنه لا يُعرف عند أهل العلم أن ابن سيرين ألّف كتاباً في تأويل الرؤى .
حتى ولو صحت نسبة هذه الكتب إلى أصحابها ككتاب تعطير الأنام في تفسير المنام ، للشيخ عبد الغني النابلسي ، فإن أقوال أصحابها ظنية ، ففيها الحق وفيها الباطل ، وفيها ما لا نعرف حقه من باطله .
والكتب في تأويل الرؤى كثيرة ، ولكنها كما قلت : الأقوال التي فيها ظنية ، ففيها الحق وفيها الباطل ، وفيها ما لا نعرف حقه من باطله ، فكيف نأخذها دستوراً .
8- يعتقد المغالون أن كثير الإيمان لا بد أن يكون كثير الرؤيا ، ويعتقدون أن الذي لا يكون كثير الرؤيا هو ضعيف الإيمان .
الجواب : هذا الأمر ليس صحيحاً ؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه قال كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله ( صحيح البخاري ج1/ص378 )
وقول ابن عمر (فتمنيت أن أرى رؤيا ) يدل على أنه مُقلٌّ بالرؤى ، وابن عمر هو ابن عمر ، ذلك الصحابي الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغم ذلك كان مُقلَّاً بالرؤى ، مما يدل على أن قلة الرؤى ليست دليلاً على قلة الإيمان ، بل تأتي الرؤى وفق حاجة المسلم إليها .(1/23)
9- يعتقد المغالون بأن قول المعبِّر مؤثِّر في حقيقة الرؤيا ، حيث كتب بعض المؤلفين : أن المؤوِّل أوَّل الرؤيا لهذه المرأة بالشفاء فشُفيت ، و أوَّل الرؤيا لهذه بالمرض فمَرضت .
الجواب : قد سبق بيان ضعف الأحاديث التي نصّت على أن الرؤيا تكون على وفق أول معبِّر .
وسبق بيان أنها مخالفة للقرآن والسنة الصحيحة ، وأنه لا يجوز والحال هذه أن تصحح بمجموع الطرق ، علماً أن في بعضها نكارة عظيمة في المتن ، وبعضها ضَعْف سندها كبير .
فمن أراد فليرجع إلى ما سبق بيانه في هذه الرسالة .
وأذكر مما يخالف هذه الأحاديث الضعيفة حديثاً ورد عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ ( البخاري : 3352 ) ( مسلم : 4217 )
والشاهد في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي المرسَل من عند الله لما أوَّل الرؤيا اجتهاداً دون الوحي لم يتضح تأويلها ، فذهب ظنه إلى أنها اليمامة أو هجر ، وهذا الظن لم يغيّر حقيقة الرؤيا ، لأن مهجر النبي صلى الله عليه وسلم كان إلى المدينة ، رغم ما وقع من تأويل .
ولذا فالرؤيا ليست لأول عابر .
هذا والله تعالى أعلم وعلمه أحكم
كتبه
سامي وديع عبد الفتاح القدومي
عمان – الأردن(1/24)