دراسة لبعض المسائل العقدية
المتعلقة بالطب
(التوكل، القضاء والقدر، الصبر، الدعاء، العدوى)
دراسة
د. خالد بن عبدالله القاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛؛
فمع تقدم العلوم لا سيما الطبية منه فإن الحاجة تتزايد لمعرفة الكثير من المسائل الشرعية المتعلقة بالطب، فهناك الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة بشقه الطبي، وهناك أحكام الجراحة ومسائل فقهية تتعلق بالطب والأطباء والمرضى لا سيما المستجدة منها كالاستنساخ وزراعة الأعضاء والتجميل، وقد كتب كثير من العلماء والباحثين عن هذه المسائل، وبحثنا هذا يتعلق ببعض المسائل العقدية المتعلقة بالطب كالقضاء والقدر، والدعاء والصبر والتوكل والعدوى وغيرها.
الدراسات السابقة: الدراسات في المسائل العقدية المتعلقة بالطب قليلة جدا، والموجود مباحث عامة في تلك المسائل العقدية أو كتابات متفرقة في بطون كتب العقيدة وشروح الحديث والتفسير مما يتعب طالب تلك المسائل.
وما وجدته من كتب تتناول المسائل العقدية الطبية كتاب توعية المرضى بأمور التداوي والرقى للدكتور محمد بن عبدالله الصغير (طبيب نفسي) جمع بعض المسائل وجمع معها مسائل أخرى، وركز على الاضطرابات النفسية الشائعة وتناول العلاج بالرقى كما تعرض لمسائل العين والمس والسحر ولم أجد الكتاب وإنما وجدت ملخص له في موقع الدكتور الإلكتروني (أرائك السلام).(1/1)
والمسائل الشرعية المجموعة غالبها يتناول الأحكام الفقهية ومنها كتاب أحكام التداوي والحالات الميئوس منها للدكتور محمد علي البار (دار البار للنشر، جدة)، وأحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد محمد الشنقيطي (نشر مكتبة الصحابة، جدة) وأصله رسالة دكتوراه، والفتاوى الشرعية في المسائل الطبية للشيخ عبدالله بن جبرين جمع إبراهيم الشثري (دار المسلم، الرياض) والأحكام الطبية المتعلقة بالنساء للدكتور محمد منصور (دار النفائس، الأردن) وبحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية من منظور إسلامي للدكتور عبدالستار أبو غدة (دار الأقصى) والطبيب أدبه وفقهه للدكتور زهير السباعي والدكتور محمد علي البار (دار القلم، دمشق) كما عقدت مؤتمرات طبية متفرقة كثير، منها مؤتمر الكويت 1987م، برعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، كما في الكويت 1987م ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية.
إضافة إلى قرارات المؤتمرات والهيئات والمجالس العلمية والفتاوى المنشورة للعلماء في هذه المسائل الفقهية.
فيأتي هذا البحث ليسد ثغرة في المسائل العقدية المتعلقة بالطب، وقد سلكت المنهج الاستقرائي لما في الكتاب والسنة موصولاً بالمنهج التحليلي، وقدمت بمعنى التداوي والشفاء ومفهومه اللغوي والنصوص الواردة في الحث عليه، ثم مسألة التوكل وهل تنافي التداوي، ثم القضاء والقدر، والحكم العديدة من وجود الأمراض، وأهمية الصبر على القدر وثمراته، ثم الدعاء وأهميته، وهل ينافي الصبر أو يرد القدر، وعلاقته بالمرضى، ثم مبحث العدوى بين الطب والشرع لإزالة توهم المعارضة بين الشرع والطب في هذه المسألة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الشفاء والتداوي
1-مفهوم الشفاء والدواء:
الشفاء في اللغة يطلق على كل ما يبرئ من السقم ويشفيه يعالجه ويبرأه، ويطلب له الشفا،ويطلق أيضاً على الدواء.(1/2)
قال ابن فارس: "الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشيء يقال: أشفى على إذا أشرف عليه، وسمي الشفاء شفاءً لغلبته للمرض وإشفائه عليه".
الجمع: أشفية، أو أشاف جمع الجمع، والفعل شفاه الله من مرضه، واستشفى طلب الشفاء، وأشفيت إذا وهبت له دواء (1) .
والمداواة هو العلاج، وداواه أي عالجه (2) .
2-مشروعيته:
جاء في كتاب الله تعالى أن العسل شفاء للناس كما قال تعالى: { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) } (3) .
وفي صحيح البخاري (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) (4) .
في صحيح مسلم (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) (5) .
وجاء في السنة (تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحد الهرم) (6) . وفي رواية (علمه من علمه وجهله من جهله) (7) .
__________
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة، لسان العرب، والقاموس المحيط، والنهاية في غريب الحديث والأثر، مادة شفى.
(2) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، مادة دوا.
(3) سورة النحل، آية: 69.
(4) البخاري، كتاب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، رقم (5354) .
(5) صحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحباب التداوي رقم (2204).
(6) أحمد (5/350) وابن حبان (5/462) وابن ماجه. (2/1137) والحاكم (4/220) وقال على شرط الشيخين.
(7) أحمد (4/278) وابن ماجه برقم (3438) وصححه الحاكم (4/196-197) ووافقه الذهبي، وصححه شعيب الأرناؤوط في زاد المعاد (4/13).(1/3)
كما جاء في الصحيحين من حديث جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن اكتوي) (1) .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه (2) .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته قال: (هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس) (3) .
ثانياً: التوكل وعلاقته بالتداوي
أولاً مفهوم التوكل:
التوكل هو: اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطل للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً (4) .
وحقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه (5) .
ويتضح بذلك أن التوكل عمل قلبي وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: التوكل عمل القلب (6) .
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته (7) . وأقوال السلف فيه متقاربة.
ثانياً: أهمية التوكل:
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، برقم (5359) ومسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي برقم (2205).
(2) مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء، برقم 2207.
(3) البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (4178).
(4) زاد المعاد، ابن القيم، (4/15).
(5) هذا أجمع تعريف للتوكل ، ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم حديث رقم 49، ص: 530.
(6) مدارج السالكين، ابن القيم (2/96).
(7) جامع العلوم والحكم، ص: 531.(1/4)
التوكل عبادة عظيمة بل عقيدة راسخة لدى المؤمن، قال سعيد بن جبير رحمه الله: التوكل جماع الإيمان (1) . وذلك لما فيه من الاعتماد على الله والثقة به فهو ينبع من عقيدة راسخة لذا جاء تكرر الأمر به في القرآن الكريم في آيات عديدة منها: قول المولى سبحانه وتعالى لنبيه: { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) } (2) . وقوله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } (3) ويقول سبحانه: { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) } (4) . ويقول سبحانه: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } (5) .
وجاء التوكل مع القدر في قوله تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) } (6) ومقترناً بالصبر في قوله سبحانه في صفات المؤمنين: { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) } (7) .
بل هو من أخص صفات المؤمنين، كما قال سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } (8) ويقول سبحانه: { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (9) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم، ص: 532.
(2) سورة النمل، آية: 79.
(3) سورة الفرقان، آية: 58.
(4) سورة المزمل، آية: 9.
(5) سورة آل عمران، آية: 159.
(6) سورة التوبة، آية: 51.
(7) سورة النحل، آية: 42.
(8) سورة الأنفال، آية: 2.
(9) سورة الشورى، آية: 36.(1/5)
وفي حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال عليه الصلاة والسلام عنهم: (وعلى ربهم يتوكلون) (1) .
كما أن من ثمار المتوكل تحقيق مرادات التوكل كما ذكره المولى سبحانه: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } (2) . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا) (3) . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال عند خروجه من المنزل: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال ملك: هديت وكفيت ووقيت) (4) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم متوكلاً على الله سبحانه في كافة أحواله، وكان يلهج بذلك لسانه عليه الصلاة والسلام، فكان عند دخول المنزل يقول: (وعلى الله ربنا توكلنا) (5) .
__________
(1) البخاري كتب الطب، باب الحلق من الأذى، رقم (5378). ومسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (218).
(2) سورة الطلاق، آية: 3.
(3) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل على الله، رقم (2344). وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5254).
(4) أخرجه أبو داود (4/325). والترمذي (5/490). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/151).
(5) أخرجه أبو داود (4/325). حسن إسناده ابن باز في تحفة الأخيار ص: 28، انظر حصن المسلم ص: 21.(1/6)
كما كان يقول في دعاء الاستفتاح: (وعليك توكلت) (1) . وفي عامة أدعيته صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول في الصباح (اللهم بك أصبحنا) (2) وفي المساء (اللهم بك أمسينا) (3) وعند النوم (اللهم إني أسلمت نفسي إليك) (4) .
والمريض يجب أن يعلم أن الأمور كلها بيده سبحانه، ومنه الشفاء: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (5) ، ويتعلق به سبحانه وحده { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) } (6) .
ثالثاً: التوكل لا ينافي التداوي والعمل بالأسباب:
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب التهجد بالليل وقوله عز وجل: ومن الليل فتهجد به نافلة برقم (1069). ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (769).
(2) أبو داود، باب ما يقول إذا أصبح برقم (5086). والنسائي، باب ثواب من قال حين يصبح وحين يمسي برقم (9836).
(3) النسائي، باب ما يقول إذا أمسى، برقم (10399). والترمذي، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى برقم (3391).
(4) البخاري، باب ما يقول إذا نام برقم (5954).
(5) سورة الشعراء، آية: 80.
(6) سورة النساء، آية: 81.(1/7)
التوكل هو اعتماد القلب على المولى سبحانه وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعاً، أو المأذون بها كالتداوي، قال ابن رجب رحمه الله: واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في الخلق بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب، مع أمره بالتوكل فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) } (1) وقال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } (2) وقال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } (3) (4) .
وكان سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام يتدرع بالدروع في القتال، وفي الهجرة هاجر سراً، واختفى في الغار، كما أمر بالتداوي، وبالفرار من المجذوم كما سيأتي وقال: (إعقلها وتوكل) (5) وفي الحديث السابق (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير) (6) أثبت لها الغدو والرواح ولم تجلس في أعشاشها.
__________
(1) سورة النساء، آية: 71.
(2) سورة الأنفال، آية: 60.
(3) سورة الجمعة، آية: 10.
(4) جامع العلوم والحكم، ص: 531.
(5) رواه الترمذي، باب اعقلها وتوكل حديث رقم (2549).
(6) رواه الترمذي باب التوكل على الله، برقم (2344). وابن ماجة، باب التوكل واليقين، برقم (4164). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5254).(1/8)
قال سهل التستري وهو يشير إلى قوم من الصوفية تركوا عمل الأسباب ظناً منهم بأنه ينافي التوكل: "من طعن في السعي والكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل في طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والسعي سنته" (1) .
وعلى ذلك فالأخذ بالأدوية لا تنافي التوكل لمن اعتمد على الله، وعلم أنه هو الشافي، كما قال سبحانه وتعالى: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (2) وكما قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اشف أنت الشافي) (3) فمع وجود هذه العقيدة الراسخة في الاعتماد على الله ومعرفة أن الأمور كلها بيده وأن ما يعمل من تداوي إنما هو أسباب بيده سبحانه، فإن العمل بها مع تلك العقيدة الراسخة لا تنافي التوكل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح (لكل داء دواء) (4) .
وقد سبقت الأحاديث السابقة (5) الآذنة أو الآمرة بالتداوي.
لو كان ثمة معارضة لما جاء الأمر به والإذن به في الأحاديث السابقة نعم الشافي هو الله كما قال سبحانه: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (6) . والتداوي سبب كما أن الرزاق هو الله { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (7) . وطلب الرزق مشروع والله هو المعلم { وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } (8) وطلب العلم مشروع. والهادي هو الله { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } (9) والأخذ بأسباب الهداية أمر مشروع بل مطلوب. وهكذا ..
__________
(1) جامع العلوم والحكم، ص: 531.
(2) سورة الشعراء، آية: 80.
(3) رواه البخاري، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (5410).
(4) رواه مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التدواي، رقم (2204).
(5) انظر ص: 4-5 من هذا البحث.
(6) سورة الشعراء، آية: 80.
(7) سورة الذاريات، آية: 58.
(8) سورة البقرة، آية: 282.
(9) سورة الكهف، آية: 17.(1/9)
قال ابن حجر في شرح أحاديث التداوي: "وفيها إثبات الأسباب وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها" (1) .
وقد صنف أبو بكر أحمد بن محمد الخلال وهو من أئمة الحنابلة كتاب الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل والحجة عليهم في ذلك من مسائل الإمام أحمد، وبدأ بقول الإمام أحمد ينصح رجلاً بقوله: "الزم السوق تصل به الرحم" (2) .
وفي هذا كله رد على غلاة الصوفية لمن زعموا أن حقيقة التوكل لا تتم إلا بترك الأسباب وقد عنون أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين بعنوان: "بيان الرد على من قال أن ترك التدواي أفضل بكل حال"، وذكر أنه أشبه بإزالة العطش بالماء والجوع بالخبز (3) .
وهناك خلاف بين أهل العلم: هل الأولى ترك الدواء مع الصبر؟ أم التداوي؟ قال بعض أهل العلم الأولى التدواي كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، وقال آخرون إذا كان قادراً على الصبر فهو أولى، وكلا الحالين فإن التداوي إما مستحب أو مباح وأنه لا ينافي التوكل.
وأما ما ورد من أحاديث توهم ذلك مثل حديث: (من اكتوى أو استرقى فهو بريء من التوكل) (4) .
__________
(1) فتح الباري، (10/135).
(2) أبو بكر أحمد بن محمد الخلال الحنبلي، الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل، ص: 25.
(3) إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، (4/90).
(4) رواه الترمذي باب ما جاء في كراهية الرقية، برقم (3489) وابن ماجه كتاب الطب، باب الكي، (2131) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6081.(1/10)
وحديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب فقال عليه الصلاة والسلام في حقهم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) (1) .
وفي حديث (وأنهي أمتي عن الكي) (2) .
فالجواب: أن هذه الأحاديث أولاً ليست في التداوي وإنما مخصوصة بالرقى والكي.
ثانياً: أنها معارضة بالأحاديث الواردة في الإذن في الكي السابقة، والجمع أن الكي يُنهى عنه لما فيه من إحراق بالنار ويؤذن فيه للضرورة أو شدة الحاجة، ومن العلماء من جمع بالكراهة.
كما جاء الإذن بالرقية من حديث أنس حيث قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة) (3) .
وقد جاء في صحيح مسلم باب استحباب الرقية من العين وأورد في ما ثبت في صحيحه: لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقى وقالوا له: إنك نهيت عنها، فقال: (ما أرى بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) (4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً) (5) .
فتصرف الأحاديث السابقة الناهية عن الرقى إلى الرقى الشركية أو حال المتعلق بها دون الله سبحانه وكذلك المتعلق بالكي.
__________
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره برقم (5378). ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب برقم (218).
(2) البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5356.
(3) البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين والحية، برقم 2193.
(4) مسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والحمة، برقم 2199.
(5) مسلم، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك، رقم 2200.(1/11)
بل جاء الأمر بالرقية كما في حديث عائشة رضي الله عنها (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين) (1) .
ومن العلماء من جمع في أحاديث الرقية بأن المنهي عنه هو طلب الرقية من الغير، والجائز هو رقية الإنسان نفسه أو أن يرقيه غيره من غير طلب.
قال ابن تيمية - رحمه الله - تعليقاً على حديث لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء، فلا يطلبون من أحد ذلك ثم قال: وكان صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ولم يسترقي (2) .
أما التداوي فمشروعيته واضحة وهو يختلف عن الكي أو الاسترقاء وأكثر العلماء على مشروعيته. ويجب على المريض أن يعلم أن الدواء سبب نافع وأن الشافي هو الله وأن الدواء لا يشفي استقلالاً، ومن تعلق تعلقاً كاملاً بالدواء فإنه يدخل في المحذور.
وقال المازري - رحمه الله - احتج بعضهم على أن التداوي مكروه، ومعظم العلماء على خلاف ذلك، واحتجوا بالأحاديث الواردة في منافع الأدوية وبأنه تداوى، وبأخبار عائشة من كثر تداويه (3) .
وقال القرطبي - رحمه الله - بعد أن ساق أحاديث التداوي والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء (4) .
وذكر ابن حجر - رحمه الله - وفي حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع كما في صحيح البخاري، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع الله لها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر) (5) .
__________
(1) البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين، برقم (5406). ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم (2195).
(2) مجموع الفتاوى، (1/176).
(3) شرح النووي علي صحيح مسلم، (3/90).
(4) تفسير سورة النمل، آية: 69 (10/134).
(5) فتح الباري، (11/253).(1/12)
قال ابن حجر: وفيه دليل على جواز ترك التداوي. وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير.
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جرح يوم أحد أخذ حصير فأحرقه فحسى به جرحه. قال العيني في عمدة القارئ في شرح الحديث: وفيه إباحة التداوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوى جرحه (1) .
وقال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع، مندوب إليه عند بعض العلماء فلا يلتفت إلى قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل، لأن الإجماع على أنه لان يخرج من التوكل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تداوى وأمر بالتداوي ولم يخرج بذلك من التوكل، ولا أخرج من أمره أن يتداوى بالتوكل (2) .
قال النووي في شرح الحديث في صحيح مسلم في قوله عليه الصلاة والسلام: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله)، وفي هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلف. قال القاضي: في هذه الأحاديث جمل من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطب، وجواز التطبب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وفيها رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضاً من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها، ولابد من وقوع المقدرات والله أعلم (3) .
__________
(1) عمدة القارئ، (3/181).
(2) تلبيس إبليس، ص: 287-288.
(3) شرح النووي على صحيح مسلم (14/441-442).(1/13)
وقال ابن عبدالبر في شرح حديث (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء) في هذا الحديث إباحة التعالج وفيه بيان أن الله عز وجل هو الممرض والشافي وأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء وأنه أنزل الداء وأنزل الدواء وقدره وقضى به (1) .
ثم قال: وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دافع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها. بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة.
وبهذا يتبين أن التداوي لا ينافي التوكل مطلقاً.
هل الأفضل لمن أصابه المرض التداوي أو تركه مع الصبر والتوكل؟
اختلف العلماء في ذلك، فجمهور أهل العلم على إباحة التداوي وجواز تركه مع الصبر والتوكل، والحديث هنا عن الأفضل.
قال ابن رجب رحمه الله: فيه قولان مشهوران وظاهر كلام أحمد أن التوكل لمن قوي عليه أفضل لحديث السبعين.
قال الغزالي في إحياء علوم الدين في كتاب التوكل: الأسباب المزيلة للمرض إلى ثلاثة أقسام:
-مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش، الخبز المزيل لضرر الجوع.
-وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل وسائر أبواب الطب.
-وإلى موهوم كالكي والرقية.
قال أما المقطوع به ليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت.
وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأقواها الكي ويليه الرقية.
أما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمدواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضاً للتوكل، بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع، بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص، فهي على درجة بين الدرجتين (2) .
__________
(1) التمهيد، ابن عبدالبر، (5/264).
(2) انظر: إحياء علوم الدين، (4/383).(1/14)
ومن رجح التداوي قال إنه حال النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه وهو لا يفعل إلا الأفضل وحمل على الرقى المكروهة (1) .
قال ابن الأثير في النهاية باب الرقية: فأما العوام فرخص لهم في التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء (2) .
ولا شك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل لا سيما مع شكر نعمة الشفاء والاستعانة على ذلك بطاعة الله سبحانه، ولكن ليس بواجب، وهو لا شك فضيلة لمن قوي على الصبر واحتسب الأجر لا سيما في بعض الأمراض التي ليست مخوفة كأمراض البرد والإنفلونزا والصداع، فإنه يأخذ فضيلة الصبر كما أنه يكتب له ما كان يعمل صحيحاً كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) (3) . وظفر بفضيلة الصبر، والأمر واسع بفضل الله تعالى.
ثالثاً: الإيمان بالقدر
الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة كما جاء في الحديث: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) (4) . ويقول سبحانه: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } (5) .
__________
(1) انظر: جامع العلوم والحكم شرح الحديث رقم (49).
(2) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (2/255).
(3) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يفعل في الإقامة، رقم (2834).
(4) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلم الساعة، برقم (50). مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، حديث رقم (1).
(5) سورة القمر، آية: 49.(1/15)
والقدر كما هو مقرر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما ذكره عامة أهل السنة يتضمن أربع مراتب:
الأولى: علم الله سبحانه بكل شيء أزلاً جملة وتفصيلاً.
الثانية: كتابته سبحانه في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، وقد جمع الله سبحانه هاتين المرتبتين في قوله سبحانه وتعالى: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَن اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) } (1) .
ويقول عليه الصلاة والسلام: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) (2) .
الثالثة: مشيئة وإرادة الله سبحانه النافذة، فما أراده الله كان وما لم يرد لم يكن، وما نراه في الكون من أحداث ومصائب إنما هو بمراد الله سبحانه وتعالى وله حكمته في ذلك، يقول سبحانه وتعالى: { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) } (3) ويقول: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) } (4) .
الرابعة: الخلق وهو أن الله خالق كل شيء، فهو علمه سبحانه وكتبه وأراده وأوجده وحده لا شريك له، يقول سبحانه: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } (5) ويقول: { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } (6) ويقول سبحانه وتعالى: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ } (7) ويقول سبحانه وتعالى: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } (8) .
فإذا آمن العبد بالقدر اطمئن لما يصيبه من مصائب ومنها الأمراض وذلك من عدة جوانب:
__________
(1) سورة الحج، آية: 70.
(2) رواه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام، برقم (2653).
(3) سورة البروج، آية: 16.
(4) سورة يس، آية: 82.
(5) سورة الزمر، آية: 62.
(6) سورة لقمان، آية: 11.
(7) سورة فاطر، آية: 3.
(8) سورة القمر، آية: 49.(1/16)
1-أن ما أصابه هو مقدور ومكتوب لا مفر منه، فلا يتحسر ولا يندم، كما قال سبحانه: { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) } (1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) (2) .
2-أن يعلم أن الذي أصابه هو محبوبه سبحانه، وأنه اختار له ذلك لحكم عديدة (3) ، فيصبر ويرضى بما قدره الله عليه سبحانه.
3-أن يعلم فضل الصبر والرضا على المصائب وأنه من الإيمان بالقدر وعظيم الأجر { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (4) وأنه يجلب مرضاته سبحانه كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) (5) .
هل التداوي يرد القدر؟
__________
(1) سورة الحديد، آية: 22-23.
(2) رواه مسلم كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، حديث (2664).
(3) انظر: من حكم المرض وفوائده، ص: 29.
(4) سورة الزمر، آية: 10.
(5) رواه الترمذي، باب ما جاء في الصبر على البلاء (4/601) حديث رقم (2396). وابن ماجه، باب الصبر على البلاء (2/1338) حديث رقم (4031)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (285).(1/17)
فالجواب أن المرض هو من قدر الله والشفاء كذلك، ومن أسباب الشفاء التداوي وهو أيضاً من قدر الله، وأن الله عز وجل قدر الأمور بأسبابها، وكما أن دخول الجنة، مقدر وكذلك العمل له سبب مقدر، وكذلك الدعاء لحصول المرادات وهو مقدر.
ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار. قالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟ أفلا نتكل؟ قال لا. اعملوا. فكل ميسر لما خلق له. ثم قرأ { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) } (1) ) (2) .
والله سبحانه قدر الأمور وأسبابها، وهو سبحانه علم أزلاً بما يعمل العباد من أسباب وأعمال، وقدر الأمور وأسبابها، فلا يقل أحد أني سأرزق أولاد دون زواج، أو أحج دون سفر، أو أشبع دون أكل، ففي هذا تعطيل للأسباب التي سنها سبحانه، وكل ذلك مقدر ومكتوب. فيشرع لنا الأخذ بالأسباب والإيمان بالقدر والتعلق به سبحانه.
رابعاً: الصبر والمرض
الصبر:
الصبر المشروع هو حمل النفس على طاعة الله أو عن معصية، أو حبسها عن الجزع واللسان عن الشكوى والجوارح عن التسخط بلطم الخدود، أو شق الجيوب ونحوها عند المصائب.
حكم الصبر:
الصبر على الواجبات وعن المعاصي وعلى الأقدار واجب بنصوص كثيرة في القرآن تأمر به كما سيأتي، والصبر مستحب على المستحبات وترك المكروهات.
والرضا بما قدره الله سبحانه من المصائب منزلة مستحبة فوق منزلة الصبر (3) .
أهمية الصبر:
__________
(1) سورة الليل، آية: 5-10.
(2) رواه مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، حديث رقم (2647).
(3) انظر عدة الصابرين، ابن القيم، ص: 20-31.(1/18)
قال الإمام أحمد رحمه الله: "ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً" (1) ، قال ابن القيم رحمه الله: ونحن نذكر الأنواع التي سيق فيها الصبر وهي عدة أنواع:
أحدها: الأمر به كقوله: { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ } (2) وقوله تعالى: { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } (3) .
الثاني: النهي عما يضاده كقوله: { وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } (4) وقوله تعالى: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } (5) وقوله سبحانه وتعالى: { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ } (6) وبالجملة فكل ما نهى عنه فإنه يضاد الصبر المأمور به.
الثالث: تعليق الفلاح به كقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) } (7) فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره كقوله: { أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } (8) وقوله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (9) قال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر، قال الله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (10) قال كالماء المنهمر.
__________
(1) عدة الصابرين، ص: 73.
(2) سورة النحل، آية: 127.
(3) سورة الطور، آية: 48.
(4) سورة الأحقاف، آية: 35.
(5) سورة آل عمران، آية: 139.
(6) سورة القلم، آية: 48.
(7) سورة آل عمران، آية: 200.
(8) سورة القصص، آية: 54.
(9) سورة الزمر، آية: 10.
(10) سورة الزمر، آية: 10.(1/19)
الخامس: تعليق الإمامة في الدين به وباليقين قال الله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ Zp£Jح r& يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } (1) فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
السادس: ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (2) قال أبو يعلى الدقاق: فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته.
السابع: أنه جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم، وهي الصلاة منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم، قال تعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } (3) وقال بعض السلف وقد عزى على مصيبة نالته فقال: ما لي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها.
الثامن: أنه سبحانه جعل الصبر عوناً وعدة وأمر بالاستعانة به، فقال تعالى: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } (4) فمن لا صبر له لا عون له.
التاسع: أنه سبحانه علق النصر بالصبر والتقوى، فقال تعالى: { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } (5) لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر) (6) .
__________
(1) سورة السجدة، آية: 24.
(2) سورة البقرة، آية: 153، والأنفال، آية: 46.
(3) سورة البقرة، آية: 155-157.
(4) سورة البقرة، آية: 45.
(5) سورة آل عمران، آية: 125.
(6) رواه أحمد في المسند (1/307). والحاكم في المستدرك (3/541-542) وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (6806).(1/20)
العاشر: أنه سبحانه جعل الصبر والتقوى جنَّة عظيمة من كيد العدو ومكره، فما استجن العبد من ذلك جنة أعظم منها، قال تعالى: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } (1) .
الحادي عشر: أنه سبحانه أخبر أن ملائكته تسلم عليهم في الجنة بصبرهم، كما قال سبحانه: { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } (2) .
الثاني عشر: أنه سبحانه أباح لهم أن يعاقبوا على ما عوقبوا به، ثم أقسم قسماً مؤكداً غاية التأكيد أن صبرهم خير لهم، فقال: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } (3) فتأمل هذا التأكيد بالقسم المدلول عليه بالواو ثم باللام بعده ثم باللام التي في الجواب.
الثالث عشر: أنه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح فقال تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } (4) وهؤلاء ثنية (5) الله من نوع الإنسان المذموم الموصوف باليأس والكفر عند المصيبة، والفرح والفخر عند النعمة، ولا خلاص من هذا الذم إلا بالصبر والعمل الصالح، كما لا تنال المغفرة والأجر الكبيرة إلا بهما.
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 120.
(2) سورة الرعد، آية: 23-24.
(3) سورة النحل، أية: 126.
(4) سورة هود، آية: 11.
(5) أي الذين استثناهم الله عز وجل.(1/21)
الرابع عشر: أنه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور، أي مما يعزم من الأمور التي إنما يعزم على أجلها وأشرفها، فقال تعالى: { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } (1) وقال لقمان لابنه: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) } (2) .
الخامس عشر: أنه سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر، وهي كلمته التي سبقت لهم، وهي الكلمة الحسنى، وأخبر أنه إنما أنالهم ذلك بالصبر، فقال تعالى: { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي ں@ƒدنآuژَ خ) بِمَا صَبَرُوا } (3) .
السادس عشر: أنه سبحانه علق محبته بالصبر وجعلها لأهله، فقال سبحانه: { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) } (4) .
السابع عشر: أنه سبحانه أخبر عن خصال الخير أنه لا يلقاها إلاالصابرون، في موضعين من كتابه، في سورة القصص في قصة قارون، وأن الذين أوتوا العلم قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتي { وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) } (5) وفي سورة حم السجدة، حيث أمر العبد أن يدفع بالتي هي أحسن، فإذا فعل ذلك صار الذي بينه وبينه عداوة كأنه حبيب قريب، ثم قال: { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } (6) .
__________
(1) سورة الشورى، آية: 43.
(2) سورة لقمان، آية: 17.
(3) سورة الأعراف، آية: 137.
(4) سورة آل عمران، آية: 146.
(5) سورة القصص، آية: 80.
(6) سورة فصلت، آية: 35.(1/22)
الثامن عشر: أنه سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور، فقال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) } (1) وقال تعالى في لقمان: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) } (2) وقال في سورة سبأ: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) } (3) وقال تعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) } (4) فهذه أربعة مواضع في القرآن الكريم تدل على أن آيات الرب إنما ينتفع بها أهل الصبر والشكر.
التاسع عشر: أنه أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) } (5) فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً، وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد.
__________
(1) سورة إبراهيم، آية: 5.
(2) سورة لقمان، آية: 31.
(3) سورة سبأ، آية: 19.
(4) سورة الشورى، آية: 32-33.
(5) سورة ص، آية: 44.(1/23)
العشرون: أنه سبحانه حكم بالخسران حكماً عاماً على كل من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر، وهذا يدل على أنه لا رابح سواهم، فقال تعالى: { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } (1) ولهذا قال الشافعي: لو فكر الناس كلهم في هذه الآية لوسعتهم، وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه: قوة العلم وقوة العمل، وهما الإيمان والعمل الصالح، وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره، وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وآخية ذلك وقاعدته وساقه الذي يقوم عليه إنما هو الصبر.
الحادي والعشرون: أنه سبحانه خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والمرحمة، الذي قامت بهم هاتان الخصلتان،ووصوا بهما غيرهم فقال تعالى: { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) } (2) وهذا حصر لأصحاب الميمنة فيمن قام به هذان الوصفان والناس بالنسبة إليهما أربعة أقسام هؤلاء خير الأقسام، وشرهم من لا صبر له، ولا رحمة فيه، ويليه من له صبر ولا رحمه عنده، ويليه القسم الرابع وهو من له رحمة ورقة، ولكن لا صبر له.
__________
(1) .سورة العصر، آية: 1-3
(2) سورة البلد، آية: 17-18.(1/24)
الثاني والعشرون: أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام، ومقامات الإيمان كلها فقرنه بالصلاة كقوله تعالى: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } (1) وقرنه بالأعمال الصالحة عموماً كقوله تعالى: { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } (2) وجعله قرين التقوى كقوله تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ } (3) وجعله قرين الشكر كقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) } (4) وجعله قرين الحق كقوله: { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } (5) وجعله قرين الرحمة كقوله: { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) } (6) وجعله قرين اليقين كقوله: { وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ } (7) وجعله سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً والله أعلم (8) .
مما يعين على الصبر:
1-معرفة حكم المرض وفوائده (9) .
2-معرفة المريض أن الله مع الصابرين، كما قال سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) } (10) . ويتضمن ذلك عون الله سبحانه للصابر، وأنه خير عطية يمنحها الله العبد، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر) (11) .
__________
(1) سورة البقرة، آية: 45.
(2) سورة هود، آية: 11.
(3) سورة يوسف، آية: 90.
(4) سورة لقمان، آية: 31.
(5) سورة العصر، آية: 3.
(6) سورة البلد، آية: 17.
(7) سورة الأحزاب، آية: 35.
(8) عدة الصابرين، ص: 73-77.
(9) انظر ص: 29.
(10) سورة البقرة، آية: 153.
(11) البخاري، باب قول الله تعالى وفي الرقاب، حديث رقم (1400) ومسلم كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، حديث رقم (1053).(1/25)
3-معرفة أنه مقدر، وأن الله اختاره وأراده وكتبه وخلقه وارتضاه، { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) } (1) والمولى سبحانه له المنتهى في العلم والحكمة.
4-اليقين برحمة الله سبحانه وأن المرض من رحمة الله وأن الله أرحم بك من نفسك، وقد قال عليه الصلاة والسلام لما رأى امرأة من السبي تبتغى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار) قلنا لا والله وهى تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أرحم بعباده من هذه بولدها) (2) .
والمرض مع الصبر والاحتساب له شأن آخر حيث يقول المولى سبحانه: { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } (3) .
5-التسلي عمن هو أعظم منك بلاءً ومرضاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) (4) .
__________
(1) سورة الحديد، آية: 22.
(2) رواه البخاري باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، حديث رقم (5653) ومسلم كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، حديث رقم (2754).
(3) سورة البقرة، آية: 157.
(4) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (2963).(1/26)
6-النظر إلى زوال الدنيا وقرب نهايتها، وأنها مليئة بالأكدار والهموم، وأنها لا يسلم منها أحد، وأن العبرة بالآخرة الباقية، التي تنسي كل ما في الدنيا والنظر إلى الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط، هل مر بك نعيم قط، فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤساً قط، هل مر بك شدة قط، فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط) (1) .
7-معرفة أهمية الصبر وفوائده وثمراته (2) . لا سيما مع البلاء وقد سبقت الآيات القرآنية وكذلك الأحاديث الصحيحة في ذلك منها:
__________
(1) رواه مسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار وصبغ أشدهم بؤساً في الجنة، حديث رقم (2807).
(2) سقت الإشارة إليه ص: 19.(1/27)
في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند أول صدمة) (1) وفي رواية (عند الصدمة الأولى) وقوله الصبر عند الصدمة الأولى مثل قوله: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه وقت الغضب) (2) فإن المصيبة إذا أتت بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى وانكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر، وأيضاً فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهي الصدمة الأولى، وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد لها منها فيصبح صبره شبيه الاضطرار، وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئاً جاءت تعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنها تقول: قد صبرت، فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى.
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب ما ذكر أن النبي لم يكن له بواب (13/142) وفي الجنائز، باب الصبر عند الصدمة الأولى (3/205) وباب زيارة القبور (3/177) ومسلم كتاب الجنائز، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى رقم (14، 15) .
(2) رواه البخاري، في الأدب المفرد، باب الحذر من الغضب (10/535) ومسلم في البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب رقم (107، 108).(1/28)
وفي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنه لله وإنا إليه راجعون، الله أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها) (1) . قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله، أرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتاً وأنا غيور، فقال: أما بنتها فأدعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة، فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة) (2) يريد عينيه. وعند الترمذي في الحديث: (إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة) (3) .
وفي صحيح البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها) (4) .
__________
(1) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، رقم (3، 4، 5).
(2) رواه البخاري كتاب المرضى، باب فضل من ذهب بصره (10/120).
(3) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في ذهاب البصر رقم (2400) وأحمد في المسند (3/283) عن أبي أمامة، والسيوطي في الجامع الصغير ورمز له بالحسن (1/78) وصححه الألباني انظر صحيح الجامع رقم (1904).
(4) رواه البخاري في كتاب المرضى، باب فضل من يصرع من الريح (10/119).(1/29)
وفي الموطأ من حديث عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد بعث الله إليه ملكين: فقال: انظرا عبدي ماذا يقول لعواده: فإن هو إذ جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله وهو أعلم، فيقول: إن لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدله لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته) (1) .
وفي الصحيحين من حديث الزهري بن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها) (2) .
وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه) (3) .
وفي المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) (4) .
__________
(1) مالك في الموطأ في العين، باب ما جاء في أجر المريض، (5).
(2) رواه البخاري كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المريض (10/107) ومسلم كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن، رقم (49).
(3) رواه البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المريض (10/107) ومسلم كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن رقم (52).
(4) الترمذي كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال حديث حسن صحيح رقم (2399) وأحمد في المسند (2/287، 450) وابن حبان في صحيحه رقم (2913) والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي (1/346).(1/30)
وفي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً، قال: فقلت: (يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً قال: نعم، والذي نفسي بيده ما علي الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه به خطاياه كما تحط الشجرة ورقها) (1) .
وعن أبي سعيد رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أعطى أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر) (2) .
وعند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يصب منه) (3) .
وفي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة) (4) .
من حكم المرض وفوائده:
المرض مكروه لكثير من الناس لأنه اختلال الصحة، ولما يتضمنه من تعب وألم وعجز، ولكن الله قدره لحكم عظيمة، بل وفوائد جليلة يعود في كثير منها إلى المريض نفسه وكما قال الله تعالى: { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } (5) منها:
__________
(1) رواه البخاري كتاب المرضى، باب أشد الناس بلاءً الأنبياء (10/116) ومسلم كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه رقم (45).
(2) رواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف، حديث رقم (1644) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/1012) برقم (5812).
(3) رواه البخاري، كتاب المرضى، باب ماجاء في كفارة المرض برقم (5321).
(4) رواه الإمام أحمد في مسنده، (1/172) برقم (1418).
(5) سورة النساء، آية: 19.(1/31)
1-أن فيه تكفير للذنوب، ومحو السيئات كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه) (1) ، بل حتى أهل المريض يشاركون في الأجر لما يقتضيه ذلك منهم من آلام نفسية، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) (2) . وقال عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء) (3) .
وفي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين قالت الحمى لا بارك الله فيها فقال لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد) (4) .
__________
(1) رواه البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المريض (10/107) ومسلم كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن رقم (52).
(2) الترمذي كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال حديث حسن صحيح رقم (2399) وأحمد في المسند (2/287، 450) وابن حبان في صحيحه رقم (2913) والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي (1/346).
(3) رواه الترمذي، باب ماجاء في الصبر على البلاء، حديث رقم (2396).
(4) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض وحزن رقم (2575).(1/32)
2-ومن فوائد المرض للصابرين المؤمنين أنه يجلب الخير لصاحبه (من يرد الله به خيراً يصب منه) (1) . وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) (2) فالمرض يستخرج به شكر الله على نعمة العافية والصبر.
3-ومن فوائد المرض رفعة في درجات المؤمنين، فإن كان للعبد منزلة في الجنة لم يدركها بعملها، ابتلاه الله في جسده، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها) (3) .
4-ومن فوائد المرض معرفة نعمة الصحة فالأمور تعرف بأضدادها، فمن لا يعرف المرض لم يقدر الصحة، ومن ثم شكر الله على نعمة الصحة، فيستكمل الخيرية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) (4) .
__________
(1) رواه البخاري، كتاب المرضى، باب ماجاء في كفارة المرض برقم (5321).
(2) رواه الترمذي، باب ما جاء في الصبر على البلاء (4/601) حديث رقم (2396). وابن ماجه، باب الصبر على البلاء (2/1338) حديث رقم (4031).
(3) رواه ابن حبان (7/169) حديث رقم (2908). وابن أبي يعلى في مسنده (10/482) حديث رقم (6095).
(4) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير برقم (2999).(1/33)
5-ومن فوائد المرض أنه يسبب إيقاظ العبد من غفلته وتذكره بالعودة إلى الله عز وجل والإنابة إليه والتعلق به، وكثير من الناس لا يعود إلى الله إلا مع الشدائد، يقول المولى سبحانه وتعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) } (1) ويقول سبحانه: { وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) } (2) ويقول أيضاً: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) } (3) .
6-ومن فوائد المرض ذهاب الفخر والعجب والكبر والبطر عن الإنسان، ومعرفة قدره، وظهور ضعفه حاجته وذلته.
7-ومن فوائد المرض استخراج عبودية الضراء وظهور أنواع من التعبد لم تكن لولا المرض من الخشية والصبر والدعاء.
8-ومن فوائد المرض أن وسيلة للنجاة من النار، عن أبي هريرة قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضا من وعك كان به ومعه أبو هريرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبشر فإن الله يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة) (4) .
خامساً: المرض والدعاء
__________
(1) سورة فصلت، آية: 51.
(2) سورة الزخرف، آية: 48.
(3) سورة السجدة، آية: 21.
(4) رواه الترمذي، باب (35) (4/412) حديث رقم (2088). وابن ماجة باب الحمى (2/1149) حديث رقم (3470). والحاكم في المستدرك (1/496) حديث رقم (1277).(1/34)
دعاء الله سبحانه بمعناه الواسع يشتمل على تمجيد المولى سبحانه بأسمائه وصفاته وحمده وتسبيحه { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (1) وهذا أعظم ما في الدعاء لذا قال عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) (2) . ويشتمل على فقر السائل وحاجته، كما يشتمل السؤال المباشر وهو الطلب بقضاء الحاجات.
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 180.
(2) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، رقم (3655) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3274).(1/35)
ولذا تضمنت أدعية النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأنواع الثلاثة كما في سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) (1) . والدعاء من أعظم العبادات، وهو متضمن لتمجيد الله سبحانه كما هو متضمن للخضوع والذل والامتناع عن دعاء الله سبحانه موجب لسخطه وعقابه كما قال سبحانه وتعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } (2) فبدأ في الأول بالدعاء وفي الأخير بالعبادة، لكون الدعاء من أهم العبادات، لذا قال سبحانه: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) } (3) . والدعاء من أعظم الأسباب في جلب مرادات الدنيا والآخرة، وقد قال المولى سبحانه وتعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } (4) وقوله سبحانه وتعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } (5) . وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين) (6) .
__________
(1) رواه البخاري، باب أفضل الاستغفار، رقم (5947).
(2) سورة غافر، آية: 60.
(3) سورة الجن، آية: 18.
(4) سورة غافر، آية: 60.
(5) سورة البقرة، آية: 186.
(6) رواه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله، رقم (3627 )، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1757).(1/36)
كما أن الدعاء له من المنافع الروحية على الأنفس من الطمأنينة على القلوب ما لا يقدره إلا من عرفه مما له أبلغ الأثر في سعادة النفوس وتحملها للآلام والمرض، كما أثبتت الدراسات المادية دور الدعاء في الشفا، كما أكدت ذلك دراسة في مستشفى سانت لوك في مدينة كانساس الأمريكية، وقد شملت الدراسة (1000) مريض حديثي الإصابة بأمراض القلب في المستشفى، وخرجت الدراسة أن المتجهين إلى الله بالدعاء كانوا أفضل حالاً من غيرهم، وأن الدعاء مساعد فعال للعلاج الطبي، وقد نشرت الدراسة في أرشيف أبحاث المستشفى 25/10/1999م، وعملت بشكل حيادي وبدقة كبيرة (1) .
__________
(1) موقع إسلام أون لاين، في صفحة أهم الأخبار 5/6/1421هـ، نقلاً عن موقع مايكروسوفت.(1/37)
ودعاء الله سبحانه هو هدي أنبياء الله ورسله وأوليائه، فها هو أبونا آدم عليه السلام يقول: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (1) . وهذا نوح عليه السلام يقول: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) } (2) ، وها هو إبراهيم عليه السلام يقول: { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) } (3) . ويدعو عليه السلام: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) } (4) ، وها هو سليمان عليه السلام: { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) } (5) ، وها هو موسى عليه السلام يدعو الله: { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) } (6) . وها هو نبي الله أيوب عليه السلام: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) } (7) وقال تعالى: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) } (8) وها هو زكريا عليه السلام يدعو الله: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) } (9) ،
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 23.
(2) سورة القمر، آية: 10.
(3) سورة مريم، آية: 48.
(4) سورة إبراهيم، آية: 40.
(5) سورة النمل، آية: 19.
(6) سورة طه، آية: 25-28.
(7) سورة الأنبياء، آية: 83.
(8) سورة ص، آية: 41.
(9) سورة آل عمران، آية: 38..(1/38)
بل الرب سبحانه يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعاء: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) } (1) وقوله: { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) } (2) . وقوله سبحانه: { وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) } (3) .
والدعاء للمرضى وسؤال المولى سبحانه هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو الشافي سبحانه، حيث كان من دعائه عليه الصلاة والسلام عند عيادة المرضى (اللهم رب الناس أذهب البأس اللهم أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) (4) وهذا حري بكل من زار مريضاً وكذلك الأطباء يدعون لمرضاهم بالشفاء فإنه لا يقل أثراً عن الأدوية المادية، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب مجابة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمريض حري به أن يدرك ويوقن أن الأمور بيده سبحانه وأنه هو الشافي وقد قال الخليل عليه الصلاة والسلام: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (5) وما الأدوية والأدعية والأغذية إلا أسباب وظواهر والواجب التعلق برب الأسباب ودعائه سبحانه.
__________
(1) سورة طه، آية: 114.
(2) سورة المؤمنون، آية: 97-98.
(3) سورة المؤمنون، آية: 118.
(4) رواه البخاري، كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، رقم (5351). ومسلم كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، رقم (2191).
(5) سورة الشعراء، آية: 80.(1/39)
وكان مما شرعه عليه الصلاة والسلام لأمته في كل صلاة أن يدعو بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني واجبرني) (1) . وكان صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجزام ومن سيء الأسقام) (2) .
قال أنس رضي الله عنه لمن يشتكي مرضاً ألا أوصيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم رب الناس مذهب البأس اشفي أنت الشافي لا شفافي إلا أنت شفاءً لا يغادر سقماً) (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس اشف اشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) (4) . لا يغادر سقماً: أي لا يترك مرضاً.
قال في مرقاة المفاتيح في تعليقه لا شفاء إلا شفاؤك فيه إشارة إلا أن كل ما يقع من داء والتداوي لا ينجح إن لم يصادف تقدير الله.
وقال الطيبي لا شفاء خرج مخرج الحصر تأكيداً لقوله أنت الشافي لأنه تدبير الطبيب ودفع الدواء لا ينجح في المريض إذا لم يقدر الله الشفاء.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها (5) .
__________
(1) رواه الترمذي، باب ما يقول بين السجدتين، رقم (284). وابن ماجه، باب ما يقول بين السجدتين، رقم (298) وصححه الألباني في الجامع الصحيح برقم (1281).
(2) رواه أبو داود كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1553)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم (1281).
(3) رواه البخاري، كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، رقم (5351). ومسلم كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، رقم (2191).
(4) رواه مسلم،كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، برقم (2191).
(5) رواه مسلم كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفس برقم (2192).(1/40)
وقد استشكل على البعض الدعاء للمريض بالشفاء مع ما في المرض من كفارة الذنوب والثواب كما تضافرت الأحاديث والجواب أن الدعاء عبادة لا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول مرض وبالصبر عليه (1) .
ولا يلتفت إلى قول بعض الصوفية بعدم الدعاء للمريض، إذ أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي أكمل الأحوال، قال ابن حجر في تعليقه على البخاري: لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع رداً على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم (2) .
فالدعاء من أعظم الأسباب في تحصيل مرادات الدنيا والآخرة، ومنها الشفاء من المرض وهو لا ينافي التوكل بل هو من لوزامه، كما لا ينافي التداوي ولا غيره من الأسباب الأخرى ما دام القلب متعلقاً به سبحانه كما كان عليه الصلاة والسلام.
أما طلب الدعاء من الآخرين وهو وإن كان جائزاً إلا أنه أقل مرتبة من الدعاء مباشرة لما فيه من سؤال المخلوقين، وفي حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوة الله أن يعافيك، فقالت أصبر) (3) قال ابن القيم رحمه الله: "وفي ذلك جواز المعالجة والتداوي وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء" (4) وقال ابن حجر: "وفيه دليل على جواز ترك التداوي وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير" (5) .
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح الترمذي (10/8).
(2) فتح الباري، (10/124).
(3) رواه البخاري، باب فضل من يصرع من الريح، رقم (5823) ومسلم، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن، رقم (2576).
(4) زاد المعاد، (4/55).
(5) فتح الباري، (11/253).(1/41)
وقد يستشكل البعض عدم إجابة الدعاء لدى بعض الناس، فالجواب أن إجابة الدعاء تأخذ ثلاثة أشكال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا مأثم لله أعطاه الله إحدى ثلاث إما أن يغفر له بها ذنبا أو يعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة) (1) .
كما أن هناك موانع للإجابة كالغفلة، وأكل الحرام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) (2) وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لقوله عليه الصلاة والسلام عند فشو المنكر مع عدم الإنكار (ثم تدعون فلا يستجاب لكم) (3) .
قال ابن القيم (4) : ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنه أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة أثر في إزالة الداء.
الدعاء يدفع المكروه:
__________
(1) مسند الإمام أحمد، مسند الشاميين، (4/53) برقم (2710).
(2) المعجم الأوسط (6/311) برقم 6495.
(3) رواه ابن ماجه، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (4004) والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث رقم (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7070).
(4) ابن قيم الجوزية، الداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) ص: 21-25.(1/42)
وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظل، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو والله وغلبتهما عليها.
كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه) (1) .
فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها.
كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) } (2) وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (3) ثم ذكر الرجل يطير السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام ملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) (4) ..
__________
(1) رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب (66) برقم (3479) رواه الحكم في المستدرك (1/493) وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (245).
(2) سورة المؤمنون، آية: 51.
(3) سورة البقرة، آية: 172.
(4) رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم (1015) والترمذي كتاب التفسير، باب ومن سورة البقرة برقم (2989) وأحمد في المسند (2/328).(1/43)
وذكر عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه: أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجاً، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليَّ أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم؟ ولن تزدادوا مني إلا بعداً.
وقال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفي الطعام من الملح (1) .
الدعاء من أنفع الأدوية:
والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء سلام المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض) (2) .
للدعاء مع البلاء مقامات:
وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه.
وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) (3) .
__________
(1) صفة الصفوة (1/593).
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/492) وقال صحيح، ووافقه الذهبي.
(3) رواه الحاكم في المستدرك (1/492) وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: زكريا مجمع على ضعفه، وذكر الهيثمي في المجمع (10/146) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح المصري، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، كما ذكر الهيثمي هذا الحديث عن أبي هريرة وقال: رواه البزار وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك وهو متروك.(1/44)
وفيه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) (1) .
وفيه أيضاً من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) (2) .
من آفات الدعاء:
ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً، فجعل يتعهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) (3) .
وفي صحيح مسلم عنه: (لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) (4) .
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (1/493) عن طريق عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي، وقال: عبدالرحمن واه، ورواه أحمد في المسند (5/234) والطبراني في الكبير (20/102) وقال الهيثمي في المجمع (1/146): وشهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة.
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/493) وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(3) رواه البخاري كتاب الدعوات، باب يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، برقم (5981) ومسلم كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل برقم (2735).
(4) رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل رقم (2735).(1/45)
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد بخير ما يستعجل) قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي) (1) .
الدعاء والقدر:
المقدر قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بالذبح، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال، وكذلك قدر المولى سبحانه وتعالى للسائلين دعائهم وكشف الضر عنهم.
فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب.
وفي صحيح مسلم في قصة الأخدود أن الغلام قاله له جليس الملك: تدعي أنك تشفي، قال أنا لا أشفي احد، إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله (2) .
سادساً: العدوى بين الفقه والطب
العدوى: اسم من الإعداء، وهي ما يعدي من جرب وغيره، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره (3) .
__________
(1) رواه أحمد في المسند (3/193-210) وذكره الهيثمي في المجمع (10/147) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه أبو هلال الراسي وهو ثقة وفيه خلاف، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح.
(2) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، حديث رقم (3005).
(3) النهاية في غريب الحديث والأثر، ومختار الصحاح، ولسان العرب، مادة (عدو).(1/46)
والعدوى ثابتة بالطب لجملة من الأمراض وما ثبت في الطب يقيناً فلا يتصور أن يوجد في الشرع ما يعارضه، كما أن ما جاء به الشرع من الأمور القطعية لا يتصور أن يوجد ما يكذبها في أي علم من العلوم.
وما ورد في النصوص الشرعية من أكل النبي صلى الله عليه وسلم مع المجذوم، أو نفي العدوى كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا عدوى) (1) . فإنما يجب أن تفسر بالنصوص الأخرى، وقد أنكر البعض أصل العدوى وهو إنكار لما هو واقع، بينما نجد جمهور العلماء يجمعون بينها ويفسرون النصوص بعضها ببعض ، فنجد أن هذا الحديث: (لا عدوى) له تكملة في نفس الحديث الصحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) (2) .
بل إن الأحاديث المحكمة تثبت العدوى، كحديث الطاعون الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه) (3) . وحديث: (لا يورد الممرض على المصح) (4) . وفي صحيح مسلم تحت باب اجتناب المجذوم: أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا قد بايعناك فارجع) (5) .
قال البيهقي: وأما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا عدوى) فهو على الوجه الذي يعتقدونه في الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى (6) .
__________
(1) رواهالبخاري، كتاب البيوع، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف برقم (1993) ومسلم، كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ولا يورد ممرض على مصح برقم (2220).
(2) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الجذام برقم (5707).
(3) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم برقم (3286).
(4) السنن الكبرى، البيهقي (1443).
(5) رواه مسلم، كتاب السلام، باب اجتناب المجذوم، (2231).
(6) السنن الكبرى، البيهقي (6/203).(1/47)
وقال النووي: فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء (1) .
وقال ابن القيم عن الحديث: يتضمن إثبات الأسباب والحكم ونفي ما كانوا عليه من الشرك واعتقاد الباطل (2) .
وقد ذكر ابن حجر أحد مسالك الجمع بين هذه الأحاديث: أن المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه صلى الله عليه وسلم إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي أن شاء سلبها قواها فلا تؤثر (3) .
النتائج
وهذه أهم النتائج التي توصلت إليها:
1- مشروعية التداوي والأخذ بأسباب الشفاء وأن ذلك لا ينافي التوكل.
2- أهمية القضاء بالقدر والصبر على المصائب ومن جملتها الأمراض.
3- للمرض حكم عظيمة، وفوائد كبيرة، تجعل المريض يدرك حكمة الله سبحانه في هذه الأمراض.
4- أهمية الدعاء في تحصيل منافع الدنيا والآخرة ومن ذلك الشفاء من الأمراض.
5- الشرع يأمر بالأخذ بالأسباب في اجتناب الأمراض، ومن جملة ذلك الاهتمام بأمر العدوى، ولكن يأتي ذلك باعتبارها سبباً من الأسباب.
المراجع
1- إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت.
2- المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ.
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، (14/214).
(2) زاد المعاد، ابن القيم (2/269).
(3) فتح الباري، ابن حجر (10/160).(1/48)
3- الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. طت).
4- التمهيد، ابن عبدالبر، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المغرب، 1387هـ.
5- الجامع الصغير، السيوطي،
6- الحث على التجارة والصناعة و العمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل، أبو بكر أحمد بن محمد الخلال الحنبلي، دار العاصمة، الرياض 1407هـ.
7- الداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت.
8- السنن الكبرى، البيهقي، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ - 1994م.
9- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، (د. طت)
10- مجمع الزوائد، الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1407هـ.
11- المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1990م.
12- المعجم الأوسط، .
13- الموطأ، الإمام مالك، دار إحياء التراث العربي، مصر، (د. طت)
14- النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ - 1979م.
15- تحفة الأحوذي شرح الترمذي، محمد بن عبدالرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. طت).
16- تلبيس إبليس، ابن الجوزي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ - 1985م.
17- جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الثانية 1423هـ - 2002م.
18- حصن المسلم.
19- زاد المعاد، ابن القيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ - 1986م.
20- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار الفكر، بيروت، (د. طت)
21- سنن أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الفكر، بيروت، (د. طت)
22- سنن النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1991م.(1/49)
23- شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1392هـ.
24- صحيح ابن حبان، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ - 1998م.
25- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، بيروت، ط3، 1407هـ - 1987م .
26- صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1416هـ - 1996م.
27- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. طت)
28- صفة الصفوة، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت.
29- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ابن القيم، تحقيق زكريا على يوسف، دار الكتب العلمية، بيروت.
30- عمدة القارئ، بدر الدين محمود العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت .
31- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، (د. طت)
32- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور المصري، دار صادر بيروت، بيروت، ط1، (د. ت)
33- مجموع الفتاوى، ابن تيمية، جمع عبدالرحمن بن قاسم، نشر إدارة الإفتاء بالسعودية.
34- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان، بيروت، 1415هـ - 1995م.
35- مدارج السالكين، ابن القيم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1393هـ - 1973م.
36- مسند ابن أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباء، ط1، 1407هـ.
37- مسند الإمام أحمد، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، مؤسسة قرطبة، مصر، (د. طت).
38- موقع إسلام أون لاين، في صفحة أهم الأخبار 5/6/1421هـ.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ... 2
الشفاء والتداوي ... 4
مفهوم الشفاء والدواء ... 4
مشروعيته ... 4
التوكل وعلاقته بالتداوي ... 6
مفهوم التوكل ... 6
أهمية التوكل ... 6
التوكل لا ينافي التداوي والعمل بالأسباب ... 9
الإيمان بالقدر ... 15(1/50)
هل التداوي يرد القدر ... 18
الصبر والمرض ... 19
علاقة الصبر والمرض ... 19
حكم الصبر ... 19
أهمية الصبر ... 19
مما يعين على الصبر ... 25
من حكم المرض وفوائده ... 29
المرض والدعاء ... 31
الدعاء يدفع المكروه ... 37
الدعاء من أنفع الأدوية ... 38
للدعاء مع البلاء مقامات ... 39
من آفات الدعاء ... 39
الدعاء والقدر ... 40
العدوى بين الفقه والطب ... 41
المراجع ... 43
الفهرس ... 46(1/51)