العلاقة بين التوكل على الله
والتداوي بالأدوية والعقاقير
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛؛
فمع تقدم العلوم لا سيما الطبية منه فإن الحاجة تتزايد لمعرفة الكثير من المسائل الشرعية المتعلقة بالطب، فهناك الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة بشقه الطبي، وهناك أحكام الجراحة ومسائل فقهية تتعلق بالطب والأطباء والمرضى لا سيما المستجدة منها كالاستنساخ وزراعة الأعضاء والتجميل، وقد كتب كثير من العلماء والباحثين عن هذه المسائل، وبحثنا هذا يتعلق ببعض المسائل العقدية المتعلقة بالطب كالقضاء والقدر، والدعاء والصبر والتوكل والعدوى وغيرها.
الدراسات السابقة: الدراسات في المسائل العقدية المتعلقة بالطب قليلة جدا، والموجود مباحث عامة في تلك المسائل العقدية أو كتابات متفرقة في بطون كتب العقيدة وشروح الحديث والتفسير مما يتعب طالب تلك المسائل.
وما وجدته من كتب تتناول المسائل العقدية الطبية كتاب توعية المرضى بأمور التداوي والرقى للدكتور محمد بن عبدالله الصغير (طبيب نفسي) جمع بعض المسائل وجمع معها مسائل أخرى، وركز على الاضطرابات النفسية الشائعة وتناول العلاج بالرقى كما تعرض لمسائل العين والمس والسحر ولم أجد الكتاب وإنما وجدت ملخص له في موقع الدكتور الإلكتروني (أرائك السلام).(1/1)
والمسائل الشرعية المجموعة غالبها يتناول الأحكام الفقهية ومنها كتاب أحكام التداوي والحالات الميئوس منها للدكتور محمد علي البار (دار البار للنشر، جدة)، وأحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد محمد الشنقيطي (نشر مكتبة الصحابة، جدة) وأصله رسالة دكتوراه، والفتاوى الشرعية في المسائل الطبية للشيخ عبدالله بن جبرين جمع إبراهيم الشثري (دار المسلم، الرياض) والأحكام الطبية المتعلقة بالنساء للدكتور محمد منصور (دار النفائس، الأردن) وبحوث في الفقه الطبي والصحة النفسية من منظور إسلامي للدكتور عبدالستار أبو غدة (دار الأقصى) والطبيب أدبه وفقهه للدكتور زهير السباعي والدكتور محمد علي البار (دار القلم، دمشق) كما عقدت مؤتمرات طبية متفرقة كثير، منها مؤتمر الكويت 1987م، برعاية المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، كما في الكويت 1987م ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية.
إضافة إلى قرارات المؤتمرات والهيئات والمجالس العلمية والفتاوى المنشورة للعلماء في هذه المسائل الفقهية.
وقد استخدمت المنهج الاستقرائي للنصوص الشرعية في مسائل التوكل والتداوي والأدعية، لا سيما ما يتعق منها بالطب موصولاً بالمنهج الاستقرائي.
بسم الله الرحمن الرحيم
التوكل
أولاً مفهوم التوكل:
التوكل هو: اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطل للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً (1) .
وحقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة كلها، وكلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه (2) .
__________
(1) زاد المعاد، ابن القيم، (4/15).
(2) هذا أجمع تعريف للتوكل ، ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم حديث رقم 49، ص: 530.(1/2)
ويتضح بذلك أن التوكل عمل قلبي وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: التوكل عمل القلب (1) .
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن توكل العبد على ربه أن يعلم أن الله هو ثقته (2) . وأقوال السلف فيه متقاربة.
ثانياً: أهمية التوكل:
التوكل عبادة عظيمة بل عقيدة راسخة لدى المؤمن، قال سعيد بن جبير رحمه الله: التوكل جماع الإيمان (3) . وذلك لما فيه من الاعتماد على الله والثقة به فهو ينبع من عقيدة راسخة لذا جاء تكرر الأمر به في القرآن الكريم في آيات عديدة منها: قول المولى سبحانه وتعالى لنبيه: { فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) } (4) . وقوله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ } (5) ويقول سبحانه: { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) } (6) . ويقول سبحانه: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } (7) .
وجاء التوكل مع القدر في قوله تعالى: { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) } (8) ومقترناً بالصبر في قوله سبحانه في صفات المؤمنين: { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) } (9) .
__________
(1) مدارج السالكين، ابن القيم (2/96).
(2) جامع العلوم والحكم، ص: 531.
(3) جامع العلوم والحكم، ص: 532.
(4) سورة النمل، آية: 79.
(5) سورة الفرقان، آية: 58.
(6) سورة المزمل، آية: 9.
(7) سورة آل عمران، آية: 159.
(8) سورة التوبة، آية: 51.
(9) سورة النحل، آية: 42.(1/3)
بل هو من أخص صفات المؤمنين، كما قال سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) } (1) ويقول سبحانه: { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } (2) .
وفي حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال عليه الصلاة والسلام عنهم: (وعلى ربهم يتوكلون) (3) .
كما أن من ثمار المتوكل تحقيق مرادات التوكل كما ذكره المولى سبحانه: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ } (4) . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا) (5) . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال عند خروجه من المنزل: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال ملك: هديت وكفيت ووقيت) (6) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم متوكلاً على الله سبحانه في كافة أحواله، وكان يلهج بذلك لسانه عليه الصلاة والسلام، فكان عند دخول المنزل يقول: (وعلى الله ربنا توكلنا) (7) .
__________
(1) سورة الأنفال، آية: 2.
(2) سورة الشورى، آية: 36.
(3) البخاري كتب الطب، باب الحلق من الأذى، رقم (5378). ومسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (218).
(4) سورة الطلاق، آية: 3.
(5) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب في التوكل على الله، رقم (2344). وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5254).
(6) أخرجه أبو داود (4/325). والترمذي (5/490). وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/151).
(7) أخرجه أبو داود (4/325). حسن إسناده ابن باز في تحفة الأخيار ص: 28، انظر حصن المسلم ص: 21.(1/4)
كما كان يقول في دعاء الاستفتاح: (وعليك توكلت) (1) . وفي عامة أدعيته صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول في الصباح (اللهم بك أصبحنا) (2) وفي المساء (اللهم بك أمسينا) (3) وعند النوم (اللهم إني أسلمت نفسي إليك) (4) .
والمريض يجب أن يعلم أن الأمور كلها بيده سبحانه، ومنه الشفاء: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (5) ، ويتعلق به سبحانه وحده { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81) } (6) .
ثالثاً: التوكل لا ينافي التداوي والعمل بالأسباب:
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب التهجد بالليل وقوله عز وجل: ومن الليل فتهجد به نافلة برقم (1069). ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (769).
(2) أبو داود، باب ما يقول إذا أصبح برقم (5086). والنسائي، باب ثواب من قال حين يصبح وحين يمسي برقم (9836).
(3) النسائي، باب ما يقول إذا أمسى، برقم (10399). والترمذي، باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى برقم (3391).
(4) البخاري، باب ما يقول إذا نام برقم (5954).
(5) سورة الشعراء، آية: 80.
(6) سورة النساء، آية: 81.(1/5)
التوكل هو اعتماد القلب على المولى سبحانه وهو لا ينافي الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعاً، أو المأذون بها كالتداوي، قال ابن رجب رحمه الله: واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في الخلق بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب، مع أمره بالتوكل فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به، كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) } (1) وقال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } (2) وقال تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا } (3) (4) .
وكان سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام يتدرع بالدروع في القتال، وفي الهجرة هاجر سراً، واختفى في الغار، كما أمر بالتداوي، وبالفرار من المجذوم كما سيأتي وقال: (إعقلها وتوكل) (5) وفي الحديث السابق (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير) (6) أثبت لها الغدو والرواح ولم تجلس في أعشاشها.
__________
(1) سورة النساء، آية: 71.
(2) سورة الأنفال، آية: 60.
(3) سورة الجمعة، آية: 10.
(4) جامع العلوم والحكم، ص: 531.
(5) رواه الترمذي، باب اعقلها وتوكل حديث رقم (2549).
(6) رواه الترمذي باب التوكل على الله، برقم (2344). وابن ماجة، باب التوكل واليقين، برقم (4164). وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5254).(1/6)
قال سهل التستري وهو يشير إلى قوم من الصوفية تركوا عمل الأسباب ظناً منهم بأنه ينافي التوكل: "من طعن في السعي والكسب فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل في طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والسعي سنته" (1) .
وعلى ذلك فالأخذ بالأدوية لا تنافي التوكل لمن اعتمد على الله، وعلم أنه هو الشافي، كما قال سبحانه وتعالى: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (2) وكما قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اشف أنت الشافي) (3) فمع وجود هذه العقيدة الراسخة في الاعتماد على الله ومعرفة أن الأمور كلها بيده وأن ما يعمل من تداوي إنما هو أسباب بيده سبحانه، فإن العمل بها مع تلك العقيدة الراسخة لا تنافي التوكل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح (لكل داء دواء) (4) .
رابعاً: مشروعية التداوي بالعقاقير:
والمداواة هو العلاج، وداواه أي عالجه (5) .
مشروعيته:
جاء في كتاب الله تعالى مشروعية التداوي، وقد ذكر الله في كتابه العزيز أن العسل فيه شفاء للناس فقال تعالى: { ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (6) .
وفي صحيح البخاري (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) (7) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم، ص: 531.
(2) سورة الشعراء، آية: 80.
(3) رواه البخاري، باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (5410).
(4) رواه مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التدواي، رقم (2204).
(5) انظر: لسان العرب، والقاموس المحيط، مادة دوا.
(6) سورة النحل، آية: 69.
(7) البخاري، كتاب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، رقم (5354) .(1/7)
في صحيح مسلم (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) (1) .
وجاء في السنة (تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا داء واحد الهرم) (2) . وفي رواية (علمه من علمه وجهله من جهله) (3) .
كما جاء في الصحيحين من حديث جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن اكتوي) (4) .
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه (5) .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته قال: (هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس) (6) .
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب السلام، باب استحباب التداوي رقم (2204).
(2) أحمد (5/350) وابن حبان (5/462) وابن ماجه. (2/1137) والحاكم (4/220) وقال على شرط الشيخين.
(3) أحمد (4/278) وابن ماجه برقم (3438) وصححه الحاكم (4/196-197) ووافقه الذهبي، وصححه شعيب الأرناؤوط في زاد المعاد (4/13).
(4) أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، برقم (5359) ومسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي برقم (2205).
(5) مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء، برقم 2207.
(6) البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (4178).(1/8)
لو كان ثمة معارضة لما جاء الأمر به والإذن به في الأحاديث السابقة نعم الشافي هو الله كما قال سبحانه: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (1) . والتداوي سبب كما أن الرزاق هو الله { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } (2) . وطلب الرزق مشروع والله هو المعلم { وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } (3) وطلب العلم مشروع. والهادي هو الله { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } (4) والأخذ بأسباب الهداية أمر مشروع بل مطلوب. وهكذا ..
قال ابن حجر في شرح أحاديث التداوي: "وفيها إثبات الأسباب وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها" (5) .
وقد صنف أبو بكر أحمد بن محمد الخلال وهو من أئمة الحنابلة كتاب الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل والحجة عليهم في ذلك من مسائل الإمام أحمد، وبدأ بقول الإمام أحمد ينصح رجلاً بقوله: "الزم السوق تصل به الرحم" (6) .
وفي هذا كله رد على غلاة الصوفية لمن زعموا أن حقيقة التوكل لا تتم إلا بترك الأسباب وقد عنون أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين بعنوان: "بيان الرد على من قال أن ترك التدواي أفضل بكل حال"، وذكر أنه أشبه بإزالة العطش بالماء والجوع بالخبز (7) .
__________
(1) سورة الشعراء، آية: 80.
(2) سورة الذاريات، آية: 58.
(3) سورة البقرة، آية: 282.
(4) سورة الكهف، آية: 17.
(5) فتح الباري، (10/135).
(6) أبو بكر أحمد بن محمد الخلال الحنبلي، الحث على التجارة والصناعة والعمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل، ص: 25.
(7) إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، (4/90).(1/9)
وهناك خلاف بين أهل العلم: هل الأولى ترك الدواء مع الصبر؟ أم التداوي؟ قال بعض أهل العلم الأولى التدواي كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، وقال آخرون إذا كان قادراً على الصبر فهو أولى، وكلا الحالين فإن التداوي إما مستحب أو مباح وأنه لا ينافي التوكل.
وأما ما ورد من أحاديث توهم ذلك مثل حديث: (من اكتوى أو استرقى فهو بريء من التوكل) (1) .
وحديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب فقال عليه الصلاة والسلام في حقهم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) (2) .
وفي حديث (وأنهي أمتي عن الكي) (3) .
فالجواب: أن هذه الأحاديث أولاً ليست في التداوي وإنما مخصوصة بالرقى والكي.
ثانياً: أنها معارضة بالأحاديث الواردة في الإذن في الكي السابقة، والجمع أن الكي يُنهى عنه لما فيه من إحراق بالنار ويؤذن فيه للضرورة أو شدة الحاجة، ومن العلماء من جمع بالكراهة.
كما جاء الإذن بالرقية من حديث أنس حيث قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة) (4) .
وقد جاء في صحيح مسلم باب استحباب الرقية من العين وأورد في ما ثبت في صحيحه: لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقى وقالوا له: إنك نهيت عنها، فقال: (ما أرى بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) (5) .
__________
(1) رواه الترمذي باب ما جاء في كراهية الرقية، برقم (3489) وابن ماجه كتاب الطب، باب الكي، (2131) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6081.
(2) متفق عليه: البخاري، كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره برقم (5378). ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب برقم (218).
(3) البخاري، كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5356.
(4) البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين والحية، برقم 2193.
(5) مسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والحمة، برقم 2199.(1/10)
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم يكن شركاً) (1) .
فتصرف الأحاديث السابقة الناهية عن الرقى إلى الرقى الشركية أو حال المتعلق بها دون الله سبحانه وكذلك المتعلق بالكي.
بل جاء الأمر بالرقية كما في حديث عائشة رضي الله عنها (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين) (2) .
ومن العلماء من جمع في أحاديث الرقية بأن المنهي عنه هو طلب الرقية من الغير، والجائز هو رقية الإنسان نفسه أو أن يرقيه غيره من غير طلب.
قال ابن تيمية - رحمه الله - تعليقاً على حديث لا يسترقون أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، والرقية من جنس الدعاء، فلا يطلبون من أحد ذلك ثم قال: وكان صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره ولم يسترقي (3) .
أما التداوي فمشروعيته واضحة وهو يختلف عن الكي أو الاسترقاء وأكثر العلماء على مشروعيته. ويجب على المريض أن يعلم أن الدواء سبب نافع وأن الشافي هو الله وأن الدواء لا يشفي استقلالاً، ومن تعلق تعلقاً كاملاً بالدواء فإنه يدخل في المحذور.
وقال المازري - رحمه الله - احتج بعضهم على أن التداوي مكروه، ومعظم العلماء على خلاف ذلك، واحتجوا بالأحاديث الواردة في منافع الأدوية وبأنه تداوى، وبأخبار عائشة من كثر تداويه (4) .
وقال القرطبي - رحمه الله - بعد أن ساق أحاديث التداوي والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى وعلى إباحة التداوي والاسترقاء جمهور العلماء (5) .
__________
(1) مسلم، كتاب السلام، باب لا بأس بالرقى ما لم يكن شرك، رقم 2200.
(2) البخاري، كتاب الطب، باب رقية العين، برقم (5406). ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة، برقم (2195).
(3) مجموع الفتاوى، (1/176).
(4) شرح النووي علي صحيح مسلم، (3/90).
(5) تفسير سورة النمل، آية: 69 (10/134).(1/11)
وذكر ابن حجر - رحمه الله - وفي حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع كما في صحيح البخاري، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع الله لها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر) (1) .
قال ابن حجر: وفيه دليل على جواز ترك التداوي. وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير.
وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جرح يوم أحد أخذ حصير فأحرقه فحسى به جرحه. قال العيني في عمدة القارئ في شرح الحديث: وفيه إباحة التداوي لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوى جرحه (2) .
وقال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: إذا ثبت أن التداوي مباح بالإجماع، مندوب إليه عند بعض العلماء فلا يلتفت إلى قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل، لأن الإجماع على أنه لان يخرج من التوكل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تداوى وأمر بالتداوي ولم يخرج بذلك من التوكل، ولا أخرج من أمره أن يتداوى بالتوكل (3) .
__________
(1) فتح الباري، (11/253).
(2) عمدة القارئ، (3/181).
(3) تلبيس إبليس، ص: 287-288.(1/12)
قال النووي في شرح الحديث في صحيح مسلم في قوله عليه الصلاة والسلام: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله)، وفي هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء، وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلف. قال القاضي: في هذه الأحاديث جمل من علوم الدين والدنيا، وصحة علم الطب، وجواز التطبب في الجملة، واستحبابه بالأمور المذكورة في هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وفيها رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله هو الفاعل، وأن التداوي هو أيضاً من قدر الله، وهذا كالأمر بالدعاء، وكالأمر بقتال الكفار، وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها، ولابد من وقوع المقدرات والله أعلم (1) .
وقال ابن عبدالبر في شرح حديث (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء) في هذا الحديث إباحة التعالج وفيه بيان أن الله عز وجل هو الممرض والشافي وأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء وأنه أنزل الداء وأنزل الدواء وقدره وقضى به (2) .
ثم قال: وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دافع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها. بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة.
وبهذا يتبين أن التداوي لا ينافي التوكل مطلقاً.
خامساً: هل الأفضل لمن أصابه المرض التداوي أو تركه مع الصبر والتوكل؟
اختلف العلماء في ذلك، فجمهور أهل العلم على إباحة التداوي وجواز تركه مع الصبر والتوكل، والحديث هنا عن الأفضل.
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم (14/441-442).
(2) التمهيد، ابن عبدالبر، (5/264).(1/13)
قال ابن رجب رحمه الله: فيه قولان مشهوران وظاهر كلام أحمد أن التوكل لمن قوي عليه أفضل لحديث السبعين.
قال الغزالي في إحياء علوم الدين في كتاب التوكل: الأسباب المزيلة للمرض إلى ثلاثة أقسام:
-مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش، الخبز المزيل لضرر الجوع.
-وإلى مظنون كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل وسائر أبواب الطب.
-وإلى موهوم كالكي والرقية.
قال أما المقطوع به ليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت.
وأما الموهوم فشرط التوكل تركه إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأقواها الكي ويليه الرقية.
أما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة كالمدواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء ففعله ليس مناقضاً للتوكل، بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظوراً بخلاف المقطوع، بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص، فهي على درجة بين الدرجتين (1) .
ومن رجح التداوي قال إنه حال النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه وهو لا يفعل إلا الأفضل وحمل على الرقى المكروهة (2) .
قال ابن الأثير في النهاية باب الرقية: فأما العوام فرخص لهم في التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء (3) .
__________
(1) انظر: إحياء علوم الدين، (4/383).
(2) انظر: جامع العلوم والحكم شرح الحديث رقم (49).
(3) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (2/255).(1/14)
ولا شك أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي الأفضل لا سيما مع شكر نعمة الشفاء والاستعانة على ذلك بطاعة الله سبحانه، ولكن ليس بواجب، وهو لا شك فضيلة لمن قوي على الصبر واحتسب الأجر لا سيما في بعض الأمراض التي ليست مخوفة كأمراض البرد والإنفلونزا والصداع، فإنه يأخذ فضيلة الصبر كما أنه يكتب له ما كان يعمل صحيحاً كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) (1) . وظفر بفضيلة الصبر، والأمر واسع بفضل الله تعالى.
سادساً: أهمية الدعاء:
دعاء الله سبحانه بمعناه الواسع يشتمل على تمجيد المولى سبحانه بأسمائه وصفاته وحمده وتسبيحه { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } (2) وهذا أعظم ما في الدعاء لذا قال عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) (3) . ويشتمل على فقر السائل وحاجته، كما يشتمل السؤال المباشر وهو الطلب بقضاء الحاجات.
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يفعل في الإقامة، رقم (2834).
(2) سورة الأعراف، آية: 180.
(3) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة، رقم (3655) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3274).(1/15)
ولذا تضمنت أدعية النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأنواع الثلاثة كما في سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) (1) . والدعاء من أعظم العبادات، وهو متضمن لتمجيد الله سبحانه كما هو متضمن للخضوع والذل والامتناع عن دعاء الله سبحانه موجب لسخطه وعقابه كما قال سبحانه وتعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } (2) فبدأ في الأول بالدعاء وفي الأخير بالعبادة، لكون الدعاء من أهم العبادات، لذا قال سبحانه: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) } (3) . والدعاء من أعظم الأسباب في جلب مرادات الدنيا والآخرة، وقد قال المولى سبحانه وتعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) } (4) وقوله سبحانه وتعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } (5) . وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين) (6) .
__________
(1) رواه البخاري، باب أفضل الاستغفار، رقم (5947).
(2) سورة غافر، آية: 60.
(3) سورة الجن، آية: 18.
(4) سورة غافر، آية: 60.
(5) سورة البقرة، آية: 186.
(6) رواه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله، رقم (3627 )، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1757).(1/16)
كما أن الدعاء له من المنافع الروحية على الأنفس من الطمأنينة على القلوب ما لا يقدره إلا من عرفه مما له أبلغ الأثر في سعادة النفوس وتحملها للآلام والمرض، كما أثبتت الدراسات المادية دور الدعاء في الشفا، كما أكدت ذلك دراسة في مستشفى سانت لوك في مدينة كانساس الأمريكية، وقد شملت الدراسة (1000) مريض حديثي الإصابة بأمراض القلب في المستشفى، وخرجت الدراسة أن المتجهين إلى الله بالدعاء كانوا أفضل حالاً من غيرهم، وأن الدعاء مساعد فعال للعلاج الطبي، وقد نشرت الدراسة في أرشيف أبحاث المستشفى 25/10/1999م، وعملت بشكل حيادي وبدقة كبيرة (1) .
__________
(1) موقع إسلام أون لاين، في صفحة أهم الأخبار 5/6/1421هـ، نقلاً عن موقع مايكروسوفت.(1/17)
ودعاء الله سبحانه هو هدي أنبياء الله ورسله وأوليائه، فها هو أبونا آدم عليه السلام يقول: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (1) . وهذا نوح عليه السلام يقول: { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) } (2) ، وها هو إبراهيم عليه السلام يقول: { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) } (3) . ويدعو عليه السلام: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) } (4) ، وها هو سليمان عليه السلام: { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) } (5) ، وها هو موسى عليه السلام يدعو الله: { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) } (6) . وها هو نبي الله أيوب عليه السلام: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) } (7) وقال تعالى: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) } (8) وها هو زكريا عليه السلام يدعو الله: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) } (9) ،
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 23.
(2) سورة القمر، آية: 10.
(3) سورة مريم، آية: 48.
(4) سورة إبراهيم، آية: 40.
(5) سورة النمل، آية: 19.
(6) سورة طه، آية: 25-28.
(7) سورة الأنبياء، آية: 83.
(8) سورة ص، آية: 41.
(9) سورة آل عمران، آية: 38..(1/18)
بل الرب سبحانه يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعاء: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) } (1) وقوله: { وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) } (2) . وقوله سبحانه: { وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) } (3) .
سابعاً: مشروعية الدعاء للمرضى:
والدعاء للمرضى وسؤال المولى سبحانه هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو الشافي سبحانه، حيث كان من دعائه عليه الصلاة والسلام عند عيادة المرضى (اللهم رب الناس أذهب البأس اللهم أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) (4) وهذا حري بكل من زار مريضاً وكذلك الأطباء يدعون لمرضاهم بالشفاء فإنه لا يقل أثراً عن الأدوية المادية، ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب مجابة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمريض حري به أن يدرك ويوقن أن الأمور بيده سبحانه وأنه هو الشافي وقد قال الخليل عليه الصلاة والسلام: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) } (5) وما الأدوية والأدعية والأغذية إلا أسباب وظواهر والواجب التعلق برب الأسباب ودعائه سبحانه.
__________
(1) سورة طه، آية: 114.
(2) سورة المؤمنون، آية: 97-98.
(3) سورة المؤمنون، آية: 118.
(4) رواه البخاري، كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، رقم (5351). ومسلم كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، رقم (2191).
(5) سورة الشعراء، آية: 80.(1/19)
وكان مما شرعه عليه الصلاة والسلام لأمته في كل صلاة أن يدعو بين السجدتين: (اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني واجبرني) (1) . وكان صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجزام ومن سيء الأسقام) (2) .
قال أنس رضي الله عنه لمن يشتكي مرضاً ألا أوصيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم رب الناس مذهب البأس اشفي أنت الشافي لا شفافي إلا أنت شفاءً لا يغادر سقماً) (3) .
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس اشف اشفه أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً) (4) . لا يغادر سقماً: أي لا يترك مرضاً.
قال في مرقاة المفاتيح في تعليقه لا شفاء إلا شفاؤك فيه إشارة إلا أن كل ما يقع من داء والتداوي لا ينجح إن لم يصادف تقدير الله.
وقال الطيبي لا شفاء خرج مخرج الحصر تأكيداً لقوله أنت الشافي لأنه تدبير الطبيب ودفع الدواء لا ينجح في المريض إذا لم يقدر الله الشفاء.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها (5) .
__________
(1) رواه الترمذي، باب ما يقول بين السجدتين، رقم (284). وابن ماجه، باب ما يقول بين السجدتين، رقم (298) وصححه الألباني في الجامع الصحيح برقم (1281).
(2) رواه أبو داود كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، برقم 1553)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم (1281).
(3) رواه البخاري، كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، رقم (5351). ومسلم كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، رقم (2191).
(4) رواه مسلم،كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، برقم (2191).
(5) رواه مسلم كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفس برقم (2192).(1/20)
وقد استشكل على البعض الدعاء للمريض بالشفاء مع ما في المرض من كفارة الذنوب والثواب كما تضافرت الأحاديث والجواب أن الدعاء عبادة لا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول مرض وبالصبر عليه (1) .
ولا يلتفت إلى قول بعض الصوفية بعدم الدعاء للمريض، إذ أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي أكمل الأحوال، قال ابن حجر في تعليقه على البخاري: لعل البخاري أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع رداً على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم (2) .
فالدعاء من أعظم الأسباب في تحصيل مرادات الدنيا والآخرة، ومنها الشفاء من المرض وهو لا ينافي التوكل بل هو من لوزامه، كما لا ينافي التداوي ولا غيره من الأسباب الأخرى ما دام القلب متعلقاً به سبحانه كما كان عليه الصلاة والسلام.
أما طلب الدعاء من الآخرين وهو وإن كان جائزاً إلا أنه أقل مرتبة من الدعاء مباشرة لما فيه من سؤال المخلوقين، وفي حديث المرأة السوداء التي كانت تصرع سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لها، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوة الله أن يعافيك، فقالت أصبر) (3) قال ابن القيم رحمه الله: "وفي ذلك جواز المعالجة والتداوي وأن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء" (4) وقال ابن حجر: "وفيه دليل على جواز ترك التداوي وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير" (5) .
__________
(1) تحفة الأحوذي شرح الترمذي (10/8).
(2) فتح الباري، (10/124).
(3) رواه البخاري، باب فضل من يصرع من الريح، رقم (5823) ومسلم، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن، رقم (2576).
(4) زاد المعاد، (4/55).
(5) فتح الباري، (11/253).(1/21)
وقد يستشكل البعض عدم إجابة الدعاء لدى بعض الناس، فالجواب أن إجابة الدعاء تأخذ ثلاثة أشكال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا مأثم لله أعطاه الله إحدى ثلاث إما أن يغفر له بها ذنبا أو يعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة) (1) .
كما أن هناك موانع للإجابة كالغفلة، وأكل الحرام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) (2) وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لقوله عليه الصلاة والسلام عند فشو المنكر مع عدم الإنكار (ثم تدعون فلا يستجاب لكم) (3) .
قال ابن القيم (4) : ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الأذكار والآيات أو الأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها هي في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول المحل، وقوة همة الفاعل وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنه أن ينجع فيه الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية، فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره، فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة أثر في إزالة الداء.
الدعاء يدفع المكروه:
__________
(1) مسند الإمام أحمد، مسند الشاميين، (4/53) برقم (2710).
(2) المعجم الأوسط (6/311) برقم 6495.
(3) رواه ابن ماجه، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (4004) والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث رقم (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7070).
(4) ابن قيم الجوزية، الداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) ص: 21-25.(1/22)
وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظل، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو والله وغلبتهما عليها.
كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه) (1) .
فهذا دواء نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها.
كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) } (2) وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } (3) ثم ذكر الرجل يطير السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام ملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) (4) ..
__________
(1) رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب (66) برقم (3479) رواه الحكم في المستدرك (1/493) وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (245).
(2) سورة المؤمنون، آية: 51.
(3) سورة البقرة، آية: 172.
(4) رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم (1015) والترمذي كتاب التفسير، باب ومن سورة البقرة برقم (2989) وأحمد في المسند (2/328).(1/23)
وذكر عبدالله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه: أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجاً، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليَّ أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم؟ ولن تزدادوا مني إلا بعداً.
وقال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفي الطعام من الملح (1) .
الدعاء من أنفع الأدوية:
والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدعاء سلام المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض) (2) .
للدعاء مع البلاء مقامات:
وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه.
وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) (3) .
__________
(1) صفة الصفوة (1/593).
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/492) وقال صحيح، ووافقه الذهبي.
(3) رواه الحاكم في المستدرك (1/492) وقال: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: زكريا مجمع على ضعفه، وذكر الهيثمي في المجمع (10/146) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح المصري، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، كما ذكر الهيثمي هذا الحديث عن أبي هريرة وقال: رواه البزار وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك وهو متروك.(1/24)
وفيه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) (1) .
وفيه أيضاً من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) (2) .
من آفات الدعاء:
ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً، فجعل يتعهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي) (3) .
وفي صحيح مسلم عنه: (لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء) (4) .
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك (1/493) عن طريق عبدالرحمن بن أبي بكر المليكي، وقال: عبدالرحمن واه، ورواه أحمد في المسند (5/234) والطبراني في الكبير (20/102) وقال الهيثمي في المجمع (1/146): وشهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة.
(2) رواه الحاكم في المستدرك (1/493) وقال: صحيح ووافقه الذهبي.
(3) رواه البخاري كتاب الدعوات، باب يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، برقم (5981) ومسلم كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل برقم (2735).
(4) رواه مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل رقم (2735).(1/25)
وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد بخير ما يستعجل) قالوا: يا رسول الله كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي) (1) .
ثامناً: هل الدعاء يرد القدر:
المقدر قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس الحيوان بالذبح، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال ودخول النار بالأعمال، وكذلك قدر المولى سبحانه وتعالى للسائلين دعائهم وكشف الضر عنهم.
فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء، كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب وجميع الحركات والأعمال، وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء، ولا أبلغ في حصول المطلوب.
وفي صحيح مسلم في قصة الأخدود أن الغلام قاله له جليس الملك: تدعي أنك تشفي، قال أنا لا أشفي احد، إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله (2) .
أهم النتائج والتوصيات
أولاً: النتائج:
1- التوكل عبادة عظيمة وعقيدة إيجابية راسخة.
2- التوكل لا ينافي التداوي والعمل بالأسباب.
3- أهمية الدعاء للمرضى وأنه لا ينافي التوكل.
4- المقدر قدر بأسبابه ومن جملة ذلك الدعاء.
ثانياً: التوصيات:
1- بث مفهوم التوكل الصحيح ودوره الإيجابي في الحياة.
__________
(1) رواه أحمد في المسند (3/193-210) وذكره الهيثمي في المجمع (10/147) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه أبو هلال الراسي وهو ثقة وفيه خلاف، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح.
(2) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب والغلام، حديث رقم (3005).(1/26)
2- التوعية بأهمية الدعاء، والتعلق بالله تعالى في كل حال لا سيما للمرضى.
المراجع
1- إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت.
2- المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ.
3- الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. طت).
4- التمهيد، ابن عبدالبر، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المغرب، 1387هـ.
5- الحث على التجارة والصناعة و العمل والإنكار على من يدعي التوكل في ترك العمل، أبو بكر أحمد بن محمد الخلال الحنبلي، دار العاصمة، الرياض 1407هـ.
6- الداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)، ابن قيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت.
7- السنن الكبرى، البيهقي، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414هـ - 1994م.
8- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، (د. طت)
9- المستدرك على الصحيحين، محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1990م.
10- النهاية في غريب الحديث والأثر، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ - 1979م.
11- تحفة الأحوذي شرح الترمذي، محمد بن عبدالرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، (د. طت).
12- تلبيس إبليس، ابن الجوزي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ - 1985م.
13- جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الثانية 1423هـ - 2002م.
14- زاد المعاد، ابن القيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ - 1986م.
15- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني، دار الفكر، بيروت، (د. طت)
16- سنن أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الفكر، بيروت، (د. طت)(1/27)
17- سنن النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبدالرحمن النسائي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1991م.
18- شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1392هـ.
19- صحيح ابن حبان، محمد بن حبان أبو حاتم البستي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1414هـ - 1998م.
20- صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، بيروت، ط3، 1407هـ - 1987م.
21- صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1416هـ - 1996م.
22- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (د. طت)
23- صفة الصفوة، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت.
24- عمدة القارئ، بدر الدين محمود العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت .
25- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، (د. طت)
26- مجموع الفتاوى، ابن تيمية، جمع عبدالرحمن بن قاسم، نشر إدارة الإفتاء بالسعودية.
27- مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، مكتبة لبنان، بيروت، 1415هـ - 1995م.
28- مدارج السالكين، ابن القيم، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1393هـ - 1973م.
29- مسند ابن أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى، تحقيق: إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباء، ط1، 1407هـ.
30- مسند الإمام أحمد، أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، مؤسسة قرطبة، مصر، (د. طت).
31- موقع إسلام أون لاين، في صفحة أهم الأخبار 5/6/1421هـ.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة ... 2
مفهوم التوكل ... 4
أهمية التوكل ... 4
التوكل لا ينافي التداوي والعمل بالأسباب ... 6
مشروعية التداوي بالعقاقير ... 8
هل الأفضل لمن أصابه المرض التداوي أو تركه مع الصبر والتوكل ... 13
أهمية الدعاء ... 14
مشروعية الدعاء للمرضى ... 17
الدعاء يدفع المكروه ... 20(1/28)
الدعاء من أنفع الأدوية ... 21
للدعاء مع البلاء مقامات ... 21
من آفات الدعاء ... 22
هل الدعاء يرد القدر ... 23
أهم النتائج والتوصيات ... 24
المراجع ... 25
فهرس الموضوعات ... 28(1/29)