العدوى بين الطب النبوي و الطب الحديث
بحث وإعداد:د.فيصل نائل كردي
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث قسم الأطفال
2/9/1424
27/10/2003
الأحاديث النبوية حول موضوع العدوى :
قال صلى الله عليه وسلم : "لاعدوى، فقام أعرابي فقال: أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء فيأتيها البعير الأجرب فتجرب. قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول. (البخاري), وفي رواية أخرى متممة قال صلى الله عليه وسلم : لاعدوى ولاهامة ولاصفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصابها ورزقها.
قال صلى الله عليه وسلم:" لايوردن ممرض على مصح. (الصحيحين)"
قال صلى الله عليه وسلم: "لاعدوى ولاطيرة، إنما التشاؤم في ثلاث: في الفرس والمرأة والدار". (البخاري)
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلاتدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها". (البخاري)
قال صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل, وعلى من كان قبلكم, فإذا سمعتم به بأرض, فلا تدخلوا عليه, وإذا وقع بأرض وأنتم بها, فلا تخرجوا منها فراراً منه". (البخاري)
قال صلى الله عليه وسلم: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد". (البخاري)
قال صلى الله عليه وسلم: "كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين". (ضعيف)
إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد رجل مجذوم, فأدخلها معه في القصعة, وقال: "كل بسم الله ثقة بالله وتوكلاً عليه". (منكر غريب).
تعريف العدوى :
هي انتقال الجراثيم المسببة للمرض إلى مستقبلها عن طريق الوسائل التالية:
1)الملامسة.
2)الأكل والشرب الملوث.
3) نقل الدم من شخص مريض أو الإبرالملوثة بالدم.
4) القطيرات التنفسية.
5) الإتصال الجنسي.
تعارض ظاهر بين الأحاديث النبوية الشريفة:
? بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لاعدوى", وأكله صلى الله عليه وسلم مع المجذوم.(1/1)
? و قوله صلى الله عليه وسلم: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد", "كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين", "لايوردن ممرض على مصح", "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها, وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها".
قول ابن قيم الجوزية في هذا التعارض:
(....ونحن نقول: لا تعارض بحمد الله بين أحاديثة الصحيحة. فإذا وقع التعارض, فإما أن:
1) يكون أحد الحديثين ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم وقد غلط فيه بعض الرواة مع كونه ثقة ثبتاً, فالثقة يغلط.
2) أو يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر إذا كان مما يقبل النسخ.
3) أو يكون التعارض في فهم السامع.
فلابد من وجه من هذه الوجوه الثلاثة. وأما حديثان صحيحان صريحان متنافضان من كل وجه, ليس أحدهما ناسخاَ للآخر, فهذا لايوجد أصلاًََ). انتهى كلامه رحمه الله.
قول علماء السلف في هذا التعارض:
* قال فريق: بل الأمر باجتناب المجذوم والفرار منه على الاستحباب والاختيار والإرشاد, وأما أكله معه ففعله لبيان الجواز وأن هذا ليس بحرام.
* وقالت فرقة أخرى: بل الخطاب بهذين الخطابين جزئي لا كلي, فكل واحد خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بما يليق بحاله, فبعض الناس يكون قوي الإيمان, قوي التوكل تدفع قوة توكله قوة العدوى, كما تدفع قوة الطبيعة قوة العلة فتبطلها, وبعض الناس لايقوى على ذلك, فخاطبه بالإحتياط والأخذ بالتحفظ.
* وذهبت فرقة أخرى إلى أن الأمر بالفرار منه, ومجانبته لأمر طبيعي, وهو انتقال الداء منه بواسطة الملامسة والمخالطة والرائحة إلى الصحيح, وهذا يكون مع تكرار المخالطة والملامسة له, وأما أكله معه مقداراً يسيراً من الزمان لمصلحة راجحة, فلا بأس به, ولا تحصل العدوى من مرة واحدة ولحظة واحدة, فنهى سداً للذريعة, وحماية للصحة, وخالطه مخالطة ما للحاجة والمصلحة, فلا تعارض بين الأمرين.
*وقالت طائفة أخرى: يجوز أن يكون هذا المجذوم الذي أكل معه به من الجذام أمريسير لا يعدي مثله.(1/2)
* وقالت فرقة أخرى: إن الجاهلية كانت تعتقد أن الأمراض المعدية تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله سبحانه, فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك, وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله سبحانه هو الذي يمرض ويشفي, ونهى عن القرب منه ليتبين لهم أن هذا من الأسباب التي جعلها الله مفضية إلى مسبباتها, ففي نهيه إثبات الأسباب, وفي فعله بيان أنها لاتستقل بشيء, بل الرب سبحانه إن شاء سلبها قواها فلاتؤثر شيئاً, وإن شاء أبقى عليها قواها فأثرت.
* وقالت فرقة أخرى: بل هذه الأحاديث فيها الناسخ والمنسوخ, فينظر في تاريخها, فإن علم المتأخر منها, حكم بأنه الناسخ, وإلا توقفنا فيها.
رأي الشخصي حول التعارض:
? قوله صلى الله عليه وسلم: "لاعدوى" ليس الواضح منها نفي حدوث العدوى البته, ويتضح ذلك في رد النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي "فمن أعدى الأول" أي قد يكون تلقى المرض من مصدر آخر مثل مراقد الإبل أو غيرها. ويتضح أيضاً في تتمة الحديث "خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصابها ورزقها" . فممكن حدوث العدوى ولكن بأمر الله وتقديره.
? كشف الطب الحديث حقائق جمة عن كثير من الأمراض المعدية كانت قد خفيت على الناس, فأوضحت وشرحت الكثير من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ما لم يستطع السلف الصالح تفسيرها تفسيراً محدداً أو أن يوفقوا بين الخلاف في النصوص. من ذلك مرض الجذام حيث أن الأحاديث الواردة حول هذا الموضوع لاتحمل في رأي تعارضاً في مضمونها.
طرق الوقاية من الأمراض المعدية كما عرفها الطب الحديث:
1) الإحتراز القياسي.
2) العزل من القطيرات التنفسية.
3) العزل من الملامسة.
4) العزل من الجراثيم المنقولة في الهواء.
الأمراض المعدية التي ذكرت في الأحاديث النبوية:(1/3)
الجذام (داء الأسد) كما يراه ابن القيم: علة رديئة تحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله, فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها, وربما فسد في آخره اتصالها حتى تتأكل الأعضاء. وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة, ومقارب المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته.
وقال عنه الطب الحديث: هو مرض مزمن معد,, يصيب الجلد والأعصاب الطرفية و الأغشية المخاطية للجهاز التنفسي العلوي. وينتقل عن طريق الملامسة غالباً أو عن طريق القطيرات التنفسية أحياناً. ويحتاج انتقاله إلى معاشرة ومخالطة لفترات طويلة من الزمن.
الوقاية منه كما جاءت في الأحاديث النبوية مع رأي فيه:
? ”كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين" (ضعيف). وذلك للإحتراز من الرذاذ الصادر من المريض أثناء عطسه وسعاله وينصح الأطباء بالإبتعاد عن المريض حوالي 90 سم في حالة عدم لبس الكمامة.
? "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" (البخاري). وذلك لتجنب ملامسة المريض أو لتجنب رؤية منظره, حيث أن الجذام أنواع منه البسيط قد لاتدرك أنه مريض ومنه ما هو شديد يشوه الوجه والجسد, تقشعر من رؤيته الأبدان.
? وقد أرسل صلى الله عليه وسلم لرجل ثقفي مجذوم قدم مع قومه للمبايعة: "ارجع فقد بايعناك" (مسلم). لنفس السبب السابق ذكره.
? وقد تبين أنه لاحاجة لعزل هؤلاء المرضى عن العالم الخارجي كما هو معمولاً به في كثير من المصحات, بل يكفي تطبيق الإحترازات القياسية: مثل غسل اليدين بعد ملامسة المريض, لبس القفازات في حالة ملامسة الجروح, الإحتراز من البلغم والمخاط. ويمكن مخالطته بشكل طبيعي بعد أسبوعين من أخذه العلاج. وأما أكل النبي صلى الله عليه وسلم مع المجذوم أمر يفسر الطب الحديث بكل بساطة حيث أن المرض لاينتقل من مخالطة قصيرة وبالذات لو كان الجذام من النوع البسيط.
الطاعون كما عرفه ابن القيم والخليل وغيرهما: نوع من الوباء, فتاك ينزل بالبلاد..(1/4)
الوقاية منه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء الطب الحديث ليقر بما جاء في السنة المطهرة وهو "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلاتدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها". (البخاري)
الخاتمة:
تبين لنا فيما سبق أنه لاتعارض بين الأحاديث السالفة الذكر حول موضوع العدوى.
فقد يصاب الإنسان بالمرض من غير تعرضه لشخص مصاب مباشرة وإنما من الوسط المحيط حوله الملوث بالمسببات للمرض. وذلك مافهمته من رد النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "فمن أعدى الأول".
ليس كل من توفرت له سبل انتقال العدوى يصاب بالمرض, إلا أن يشاء الله ذلك. (مثال: مخالط مريض الإنفلونزا أو الزكام. أو مريض العنقز). على المرء ألا يجزع ويضطرب من تعرضه لإحدى وسائل العدوى, بل عليه أن يعلم بأن ماأصابه كان مقدراً عليه, وأن يعلم أيضاً أن بعض الأمراض المعدية يمكن منع حدوثها حتى بعد انتقالها. فمثلاً قد يصاب المرء بوخزة إبرة ملوثة بدم مريض حامل لمرض الإيدز, فنسبة إصابته بالمرض 0.3%, ويمكن أخذ مضاد للفيروسات قد تقيه بإذن الله حتى بعد التعرض.
---
المراجع:
? زاد المعاد في هدي خير العباد, ابن قيم الجوزية, الجزء الرابع.
? موقع أبو الوليد على الإنترنت (خواطر محب), بيان معنى لا عدوى.
? فتح الباري بشرح صحيح البخاري, الطب, لاعدوى.
? فتح الباري بشرح صحيح البخاري, الطب, مايذكر في الطاعون.
? الجمع بين حديث (لاعدوى ولا طيرة) و حديث ( لا يورد ممرض على مصح). د/ سلمان العودة. مجلة الملتقى الصحي. العدد 34 شعبان 1423: صفحة 29.(1/5)