بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العلمي للقرآن الكريم
مؤشرات وملامح
مقدمة البحث:
... الحمد لله رب العالمين نحمده حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونشهد ألا إله إلا الله ونصلي ونسلم علي محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم النبيين والرسل أجمعين.
... فهذا جهد متواضع عبارة عن بحث علمي بعنوان:التفسير العلمي للقرآن الكريم:مؤشرات وملامح،نؤكد في بدايته على اعتقادنا بأن هذا الموضوع في غاية الأهمية بالنظر إلى العصر الذي نعيش فيه والذي أطلق عليه عصر التقدم العلمي أو المعرفي،فقد أصبحنا نجد للعلم أثراً على كل شيئ في تفاصيل حياتنا بوجه أو آخر، كما صارت لغة العلم هي وحدها المفهومة لدي قطاعات كبيرة من البشر وبخاصة غير المسلمين فلا بد أن نستخدم هذه اللغة في التبصير بالإسلام والدعوة إليه لمصلحة أولئك الناس غير المسلمين قبل مصلحة المسلمين (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) (الأنعام : 104 )
لاحظ الباحث أن هناك نقصاً في التعريف بالتفسير العلمي في مقابل الإعجاز العلمي للقرآن الكريم فمن يطالع في هذا الموضوع يجد أن الكثير من الكتابات التي يطلع عليها تنطوي على التداخل واللبس بين هذين المفهومين،حتى أنك تجد أحداً يقصد البحث في موضوع الإعجاز العلمي ويكون عنوان بحثه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ـ مثلاً ـ لكنك سرعان ما تجده يتكلم عن التفسير العلمي، أو تجده يضع لفظ التفسير العلمي في مكان الإعجاز العلمي أو العكس.(1/1)
... من خلال المطالعة في واقع التفسير العلمي للقرآن الكريم أحس الباحث بأن ثمة مشكلة بحثية تستدعي النظر والتأمل متمثلة في أننا نحتاج إلى المزيد من الدراسات إلي تبين لنا معالم قضية التفسير العلمي للقرآن الكريم في ظل حركة الإعجاز العلمي السائدة في هذا العصر في مجال الدراسات القرآنية.
... ومن ناحية أخري لابد من فك الاشتباك أو الاشتباه بين المفهومين{التفسير العلمي والإعجاز العلمي} بغرض استكشاف النقاط التي تضيء جانب التفسير العلمي للقرآن الكريم بما يمكن أن يقود إلى نتائج معرفية يستفاد منها في دفع قضية خدمة القرآن الكريم في هذه الناحية العلمية المهمة.
فهدف البحث بصفة أساسية إلى تقديم إجابة للسؤال الرئيس التالي: ما هي أهم الملامح والمؤشرات التي توضح جانب التفسير العلمي للقرآن الكريم؟
... فيركز البحث بصفة أساسية علي إجابة سؤال البحث من خلال توضيح أهم النقاط التي يتبين منها كيفية تناول مسألة التفسير العلمي ومدى الاستفادة منه ,ولذا جاء البحث مشتملاً على ثمانية محاور تمثل الملامح والمؤشرات التي يمكن أن نستخدمها في تبيان معالم التفسير العلمي للقرآن الكريم ولذا كان عنوان البحث هو{التفسير العلمي للقرآن الكريم:مؤشرات وملامح}
وتأتي أهمية هذه الورقة البحثية- بالإضافة إلى حل الإشكالية المعرفية المشار إليها سابقاً- من كونها تسلط المزيد من الأضواء على قضية التفسير العلمي في ضوء الإعجاز العلمي للقرآن الكريم مناصرة لأولئك النفر من كبار علماء المسلمين الأفاضل في هذا العصر الذين وجدوا الإعجاز العلمي للقرآن الكريم طريقاً سالكاً إلى الدعوة إلى الله وقارعوا به أهل الغرب حتى أن بعض أولئك الغربيين دخل في الإسلام من هذا الباب،كما تضع الورقة بعض التوصيات المهمة التي تعزز بسط المعرفة في هذا الجانب.(1/2)
ومن ناحية المنهج قد اعتمد الباحث علي المنهج الوصفى عن طريق المقارنة والتحليل المبنيان علي استقراء ثم استخراج العوامل والمحددات التي تخدم معالجة الأفكار التي تخص مشكلة البحث بالطريقة الموضوعية،مع الاستعانة بالمراجع والمصادر العلمية التي تناولت الموضوع.
... أما الحدود العلمية للبحث, فقد اقتصرت هذه الورقة البحثية من ناحية الموضوع على التفسير العلمي بالتركيز على الناحية المفاهيمية دون الدخول في التفاصيل العلمية التخصصية للتفسيرات العلمية لآيات القرآن الكريم ـ إلا في حدود ما تقتضيه الحاجة ـ وذلك كله في إطار المراجع والدراسات التي تناولت الموضوع وتمكن الباحث من الإطلاع عليها خلال فترة إعداد البحث.
وقد تكون البحث من عدد من المحاور ضمت في ثناياها المؤشرات والملامح كالآتي:
1. تفسير القرآن الكريم والمعرفة العلمية.
2. التمييز بين التفسير العلمي الإعجاز العلمي.
3. نشأة النزعة العلمية لتفسير القرآن وتطورها.
4. ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم.
5. التفسير العلمي للقرآن أم التأويل العلمي؟
6. نموذج من صور التفسير العلمي للقرآن.
7. التفسير العلمي وقواعد التعرف علي الإعجاز.
... واختتم البحث بمحور ثامن يشتمل على النتائج وبعض التوصيات، فإلى محاور البحث.
أولاً: تفسير الكريم القرآن والمعرفة العلمية:
... يمثل هذا الجزء من البحث مدخلاً نمر به علي بداية حركة تفسير القرآن الكريم وتراكم المعرفة التفسيرية ومحفزات تطويرها منذ بداية الإسلام حتى التقائها بالمعرفة العلمية في العصر الحاضر، هذه المعرفة العلمية المستندة على التجربة والمشاهدة والتي فرضت نفسها علينا بقوة الزمن وضرورة اللجوء إلى معطياتها العلمية والاستفادة منها في علم التفسير.(1/3)
... لقد لقي النص القرآني منذ بداية التنزيل عناية فائقة من أجل حفظه وفهمه وتطبيقه حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام يكشف ما استغلق من الآيات ويفصّل ما أُجمل من المعاني، لذلك ظلّ التفسير في مراحله الأولى لصيقًا بالحديث النبوي طوال القرن الهجري الأول حتّى منتصف القرن الثاني، ومع عصر التدوين تواصل التداخل بين التفسير والحديث، فظهرت في مدونات الحديث النبوي أبواب خاصة بالتفسير دون إحاطة كاملة بالنص القرآني، ثمّ تمّ جمع المتفرّق من تلك الموضوعات لتصاغ في تفاسير شاملة ومستقلة.
... إذن ظهور تفسير للنص القرآني علمًا مستقلا لم يكن حدثا مفاجئًا؛بل ظهر اعتماد الرأي في التفسير مبكرا جدّا؛ فقد مارس الصحابة - بصفة محدودة - منذ عصر النبوة الاجتهاد في التعامل مع النص عندما لم يتمكنوا من اللقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم كما وجد من التابعين من كان يفسّر القرآن برأيه. (1)
... وبرغم هذه الاستقلالية المبكرة للتفسير كان فهم النص القرآني يستند أساسا إلى مرجعية الأثر النبوي، ثم انتقل التفسير إلى أفق يضمّ مرجعية التجربة الإنسانية الجديدة التي رسمت معالمها تحوّلات سياسية واجتماعية وفكريّة ناتجة عن الفتوحات الإسلامية وحركة الترجمة والاختلاط بشعوب البلاد المفتوحة،وهكذا ظهرت تفاسير لكامل آيات القرآن الكريم مجيبة عن أسئلة ومشاغل ما كانت لتثار بأيّ حال قبل مرحلة تلك التحولات الفكرية والثقافية.
... إن النص القرآني القائم على اشتمال ما هو غيبي وما هو عقلي وتفاعلهما، وليس تناقضهما أو تنافيهما هو الذي ساعد على توسيع دائرة تفسير القرآن بالرأي ثم ما لبثت هذه الدائرة تنداح على مر الأزمان رويداً رويداً حتى التقت بالمعرفة العلمية التي تفجرت منها النهضة العلمية العالمية في عصرنا الحاضر.
__________
(1) أحميدة النيفر، مفكر تونسي , التفسير العلمي وتَعَطّل المنظومة الثقافية الإسلامية شبكة إسلام أون لاين، الشبكة الدولية للمعلومات(1/4)
... فالمعرفة العلمية التي ننعم بثمراتها ليل نهار تشكل القاعدة التي يجب أن ننطلق منها لإشباع رغباتنا العلمية التي تصب في منتهاها في قوله تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : 56 ) والمقصود العبادة بمعناها الواسع الذي يشمل الجانب العلمي والبحثي فهذه هي هويتنا المعرفية نحن المسلمين بل نحن أولى بها من غيرنا.
... وإذا جاز لنا أن نسمي المعرفة العلمية هويتنا المعرفية فإننا نجد أن القرآن الكريم قد حسم إشكالية الهوية المعرفية فهو البيان المصور والمفصل للكون والإنسان، والمجيب عن كل التساؤلات والمنير لكل القضايا التي تؤهل فكر الإنسان لاكتشاف السنن يقول تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النساء : 26 )
... كذلك أن القرآن الكريم قدم بناء معرفيا متينا قام على الاتساق والتكامل بين ظواهر الكون وحقائق الإنسان وغاية الوجود،وفي نفس الوقت أسس لنا وبطريق علمي دقيق مصدر المعارف ووسائلها وأنواعها ومجالاتها ومميزاتها،ومنه تعلمنا أن للمعرفة مصدرين رئيسيين متكاملين:
1. الوحي الإلهي: القرآن والسنة النبوية أي الكتاب المسطور.
2. الوجود الكوني: الأشياء المشاهدة في الكون أي الكتاب المنظور.
... وبين المصدرين تشابه ووحدة واتساق وتكامل لأنهما ينطلقان بنفس الحقائق ويتسمان بنفس الخصائص حتى "أصبح الوحي كوناً مقروءاً والوجود الكوني وحياً منظور" (1) وهذا هو مفهوم التكامل المعرفي بين (علوم الوحي وعلوم الكون) الذي انطلقت منه فكرة هذا المؤتمر الذي تقدم فيه هذه الورقة،وفي ظلال ما قدمه لنا القرآن الكريم تولدت بعض المصطلحات التي نحن بصددها.
__________
(1) الشيخ محمد الفاضل، نقلاً عن موقع البوبكراوي بالشبكة الدولية للمعلومات(1/5)
... في ظلال هذه المعرفة العلمية كان لا بد أن يزدهر التفسير العلمي وكذلك الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فنجد أن مصطلحي الإعجاز العلمي والتفسير العلمي من المصطلحات التي استحدثت ثم شاعت في العصر الحديث،وصار من المعلوم أن مثل هذه المصطلحات تفيد تأويل بعض الآيات القرآنية بما يتفق مع بعض النظريات أو الاكتشافات الحديثة ـ بصفة خاصة ـ في مجال العلوم الطبيعية من حيث كونها لفتت أنظار نفر من الباحثين المسلمين أن هناك إشارات لها في كتاب الله (القرآن الكريم) يجب الوقوف عندها واستجلاءها لتطمئن القلوب بأن هذا القرآن حق من عند الله تعالى فيزداد الذين آمنوا إيماناً مع إيمانهم، ويزداد البرهان سطوعاً والحجة إشراقاً لمن لم يعتقد فيه ولم يؤمن به.
... في العصر الحاضر لاحظ العلماء المسلمون والباحثون المهتمون بميدان العلوم الطبيعية أن أهل العلوم الكونية من العالم الغربي يقضون عشرات السنين في البحث عن تفسير لبعض الظواهر الكونية وعندما يجدوها، يكتشف علماؤنا أن القرآن الكريم قد أورد في شأنها إشارات وبين أمرها قبل 1400 عام.
... فوقف عند تلك الإشارات العلمية في القرآن الكريم عدد غير قليل من الباحثين والمؤلفين والعلماء المعاصرين الذين حاولوا التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل العلمية وكتبوا في ذلك بحوثاً وألفوا كتباً عديدة كبيرة وصغيرة ورسائل وأشرطة سمعية ومشاهدة وبثوه في الشبكة الدولية للمعلومات وتحدثوا عنه في الفضائيات والقنوات التلفزيونية وعقدوا له الندوات والمحاضرات والحلقات والمؤتمرات وبذلوا فيه جهوداً كبيرة ونشروه على نطاق واسع وقد عرفت تلك الجهود بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم.(1/6)
... نشير إلى أن قسماً من أولئك الباحثين أفرطوا في هذا الأمر حيناً وتكلفوا في كثير من الأحيان، وهذا القسم تسبب في ظهور الذين ينكرون هذا التوفيق من أساسه وهم (أهل التفريط) كما سماهم الأستاذ الدكتور سعاد يلدريم (1) ، غير أننا نحسب أن معظم هؤلاء العلماء المفسرين اقتصدوا في هذا الأمر ولم يضلوا.
... ولأن هذا العصر هو عصر العلم فعنئذ تتأكد لنا حتمية التكامل بين علوم الوحي وعلوم الكون أكثر من أي وقت مضى، رغم أنه ليس من السهل تفسير ظاهرة من الظواهر الكونية ثم اكتشاف وجود هذا التفسير قد سبق إليه القرآن الكريم، فالجمع بين علوم القرآن، وعلوم الكون أمر صعب، وليس بالسهل ولا باليسير.
... ولكن بالرغم من ذلك ينبغي أن يكون الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والتفسير العلمي أحد الاهتمامات الأساسية للعلماء المسلمين وهو أمر يصلح استغلاله تماماً للدعوة إلى دين الإسلام.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك فوارق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي؟
ثانياً: التمييز بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي:
... هناك أنماط مختلفة من تفاسير القرآن الكريم نذكر منها التفسير اللفظي والتفسير الفقهي والتفسير اللغوي والتفسير الإشاري والتفسير الموضوعي والتفسير البياني أو البلاغي والتفسير المنهجي والتفسير التأريخي والتفسير العلمي وقد بلغت عند بعض الباحثين نحواً من خمسة عشر نوعاً، لكن الذي نتحدث عنه هنا هو التفسير العلمي الذي يرمي إلى جعل القرآن مشتملا ً على سائر العلوم حسب التقدم العلمي فهل التفسير العلمي هو نفسه الإعجاز العلمي؟
__________
(1) سعاد يلدريم، مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية ،المصدر موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة موقع الدعوة بالشبكة الدولية للمعلومات إعداد الفلوجة.(1/7)
... لقد تفاوتت آراء الباحثين المعاصرين في التمييز بين "التفسير العلمي"و"الإعجاز العلمي" يذكر الأستاذ علي أسعد في حديثه عن الإعجاز العلمي (1) أن من الباحثين من جعل المراد منهما واحداً كالدكتور أحمد عمر أبو حجر, فهو لم يميز بين التفسير العلمي والإعجاز، بل جعل غاية المراد من التفسير العلمي تحقيق الإعجاز القرآني؛ لإثبات أن القرآن الكريم من عند الله عز وجل.
... ومنهم من حاول التمييز بينهما مثل الدكتور فهد الرومي في تعريفه للتفسير العلمي فقد حاول التمييز، فهو لا يحصر التفسير العلمي في الصلة بين الآية ومكتشفات العلم التجريبي بدلالة اللفظ، إنما يكفي مجرد الاستئناس بهذه العلوم في قضية من قضايا الآية، حتى يطلق على هذا مصطلح التفسير العلمي وهذا يختلف عن الإعجاز العلمي الذي يكشف تلك الصلة.
والذي يتبناه الباحث هو أن هناك فرقاً بينهما فالتفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية أو هو إبراز الحقائق القرآنية التي أشارت إلى الحقائق الكونية المتعلقة بالآفاق والأنفس، والتي جاء العلم الحديث موافقاً لها، إذن التفسير العلمي امتداد لأي نوع من أنواع التفاسير الأخرى المشار إليها أنفاً وبهذا المعني يصبح التفسير العلمي ظني الدلالة.
... وأما الإعجاز العلمي: فهو بذل الجهد للإخبار بأن القرآن الكريم تضمن حقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يقود إلى القطع بأن هذا القرءان هو من عند الخالق سبحانه وتعالى، وبهذا يصبح الإعجاز العلمي قطعي الدلالة.
__________
(1) علي أسعد، الإعجاز العلمي للقرآن :رؤية نقدية موقع إسلام أن لاين، الشبكة الدولية للمعلومات(1/8)
... والواقع أن الإعجاز العلمي لا يعدو كونه صورة من صور التفسير العلمي، فكل إعجاز علمي تفسير علمي، وليس كل تفسير علمي إعجازاً علمياً,حيث إن التفسير العلمي أوسع من الإعجاز العلمي بل يستوعب في ثناياه الإعجاز العلمي ومن ثم يكشف عنه ويظهره.
... ويؤكد ذلك ما ذكره الأستاذ علي أسعد (1) في مقارناته حيث ذكر أن الشيخ "رشيد رضا" يجعل الإعجاز العلمي شكلاً من أشكال التفسير العلمي إذ إنه لا يقول بجميع أشكال التفسير العلمي، وإنما يقصرها على الإعجاز العلمي الذي يجعله قسمين، الأول: هو عجز العلوم عن أن تبطل أو تنقض شيئا من القرآن الكريم، رغم أن ما ذكر فيه كان منذ أربعة عشر قرنا والثاني: وهو ذكر القرآن الكريم لمسائل علمية لم تكن معروفة في عصر نزوله، تم اكتشافها في هذا العصر.
... ويشير علي أسعد إلى أن الدكتور "محمد الصادق عرجون" يقصر التفسير العلمي على زيادة بيان المعنى القرآني بالعلوم، في سبيل تبيان الهداية الإلهية التي أودعها الله في القرآن؛ فهذه العلوم إنما تكون مساعدة "في بيان المعنى الذي يهدي إليه أسلوب الآيات، ويكون هذا التفسير بمثابة دائرة معارف قرآنية تسد لدى العالم الإسلامي فراغا يشعر به كل مسلم.
... وبطريقة أكثر وضوحاً يبين الشيخ عبد المجيد الزنداني (2) الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي حيث يقول: التفسير العلمي : هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.
... أما الإعجاز العلمي: فهو إخبار القرآن الكريم ، أو السنة النبوية ، بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية ، في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) علي أسعد ، مرجع سابق
(2) عبد المجيد الزنداني، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، مرجع سابق(1/9)
وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية، فيؤول إليها المفسر معنى الآية أو الحديث، ويشاهد الناس مصداقها في الكون، فيستقر عندها التفسير، ويعلم بها التأويل، كما قال تعالي (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (الأنعام67).
... كذلك يري الأستاذ الدكتور زغلول النجار أن هناك فوارق يقول إنها{هائلة} بين التفسير والإعجاز، خاصةً التفسير العلمي والإعجاز العلمي,فهو يوافق على أن مفهوم الإعجاز باختصار هو: عجز الإنسان أنْ يأتي بمثل ما جاء به القرآن في أي جانب من هذه الجوانب (1) بينما يبقى التفسير محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الآية القرآنية،بما في ذلك توظيف المعارف المتاحة في زمان المفسر لإضافة بُعْدٍ جديد..للقرآن الكريم، ويضيف النجار بأن المقصود بالتفسير العلمي هو محاولة فهم دلالة الآيات الكونية في كتاب الله في إطار المعرفة العلمية المتاحة للعصر، هذا التفسير العلمي. (2)
وما نخلص إليه أن الإعجاز العلمي في القرآن أو السنة إنما هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقائق علمية سواءً أثبتها أو لم يثبتها العلم التجريبي,
أما التفسير العلمي للقرآن الكريم أو السنة فهو توضيح و شرح ما توصل إليه العالم من حقائق علمية بأسلوب واضح مختصر خاضع للمنهج العلمي مع كشف الصلة بين هذه الحقائق و بين الإشارات العلمية في الآيات القرآنية أو الحديث الشريف على وجه يظهر به إعجاز القرآن أو السنة .
__________
(1) زغلول النجار،برنامج بلا حدود بقناة الجزيرة الفضائية 16/12/1999م، المصدر موقع قناة الجزية بالشبكة الدولية للمعلومات
(2) الرجع السابق(1/10)
... فالتفسير العلمي يعني محاولة فهم دلالة الآيات الكونية في كتاب الله في إطار المعرفة العلمية المتاحة للعصر الذي نعيشه أو يعيشه غيرنا,أمَّا الإعجاز العلمي للقرآن الكريم فهو مواقف تحدٍّ، فينبغي أن يكون مقصد المشتغل بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم أن يثبت للناس(مسلمين وغير مسلمين) أن هذا القرآن الذي نزل على نبيٍّ أميٍّ (محمد صلى الله عليه وسلم) قبل 1400 سنة، في أمة غالبيتها الساحقة من الأميين قد حكي من الحقائق بهذا الكون ما لم يتوصل الإنسان إلى إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين.
... والمشتغل بهذه الناحية من كتاب الله أي الإعجاز كما يقول زغلول النجار "يحتاج إلى الخلفية العلمية الراقية، ويحتاج إلى أن لا يوظف إلا القطعي من الأمور لأن هذا الموضوع متخصص على أعلى مستويات التخصص. (1)
... وبالجملة فإن الإعجاز العلمي لا ينفع فيه إلا الاعتماد علي النظريات والفروض العلمية التي ثبت صحتها وبصورة قطعية بحيث لا يمكن الرجعة عنها، بخلاف التفسير العلمي فهو ينطوي علي جوانب اجتهادية فالمفسر إذا أصاب فيه فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد.
... إن المفسر العلمي مثله مثل المفسرين الآخرين الذي ينطلقون من أسس لغوية أو فقهية أو نحو ذلك فالخطأ إذا حدث من المفسر لا يحسب على دلالة القرآن ولا يطال شيئاً من قدسيته، خلافاً لقضية الإعجاز في القرآن فهي مسألة تمس جوهر كتاب الله ووظيفته الأساسية فلا يستقيم أن نقول عن قضية علمية غير ثابتة أنها من إعجاز القرآن ثم إذا اتضح عدم ثباتها فيما بعد فبماذا نرد؟ فهل نقول إن القرآن غير معجز؟
ثالثاً: نشأة النزعة العلمية لتفسير القرآن وتطورها:
__________
(1) المرجع السابق(1/11)
... اتجاهات المفسرين العلمية نحو التفسير العلمي للقرآن الكريم التي أفضت إلى ظهور مصطلحي {التفسير العلمي} و{الإعجاز العلمي} ليست قضية بمستحدثة تماماً،فقد ابتدأت نزعة التفسير العلمية منذ العصر العباسي حين ظهرت محاولات للتوفيق بين القرآن والعلوم الجديدة التي ظهرت في ذلك العصر،وقد اهتمّ بهذه المسألة كثيرون من بينهم الإمام الغزالي الذي قال في كتابه (إحياء علوم الدين) إن بعض العلماء ذكروا أن القرآن يحوي سبعةً وسبعين ألف علم ومائتي علم،إذ كل كلمةٍ علمٌ ثمّ يتضاعف ذلك إلى أربعة أضعاف،إذ لكل كلمة ظاهرٌ وباطن، وحدٌّ ومطلع" ثمّ يقول: "إن كل ما أشكل فهمه على النظّار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات في القرآن له رموزٌ ودلالات عليه، يختصّ أهل الفهم بإدراكها" (1)
... ويذكر الغزالي أيضاً أن علياً كرم الله وجهه قال: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب. فما معناه؟ وتفسير ظاهرها في غاية الاقتصار؟ وذكر قول أبي الدرداء: لا يفقه الرجل حتى يجعل للقرآن وجوهاً، وذكر أيضاً قول بعض العلماء: لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر. كما ذكر أن ترديد رسول الله صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم عشرين مرة " لا يكون إلا لتدبره باطن معانيها وإلا فترجمتها وتفسيرها ظاهر لا يحتاج مثله إلى تكرير. وذلك لا يحصل بمجرد تفسير الظاهر.
... وأوضح الغزالي أنه بالجملة العلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته: وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها. والمقامات في التعمق في تفصيله راجع إلى فهم القرآن،ومجرد ظاهره التفسير لا يشير إلى ذلك ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " اقرءوا القرآن والتمسوا غرائبه " (2)
__________
(1) الإمام أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين،ج1 موقع الوراق ،المكتبة الشاملة،ص298(ترقيم إلكتروني)
(2) المرجع السابق(1/12)
... ولكن الواقع أنه لم يستطع السابقون بالرغم من جهودهم المذكورة أن يضيفوا في جانب التفسير العلمي إضافات كبيرة ذلك لأن المادة العلمية المتوفرة لعلماء التفسير في القرون الماضية لم تكن كافية لإعطاء هذا الجانب من جوانب تفسير القرآن الكريم حقه الكافي،أما الآن فنحن نحيا في عصر العلم، عصرٌ تتضاعف فيه المعرفة العلمية وأصبح لدينا -الآن- كم هائلً من المعرفة بالكون ومكوناته،بالقدر الذي يسمح للباحثين المسلمين والعلماء أن يؤدِّي هذه الخدمة العلمية لكتاب الله على مستوى لم يتوفَّر لعلماء التفسير من قبل.
... إننا في حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلا، فبمقررات علم الأجناس يمكن توضيح قوله تعالي: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون)(الأنعام:38) وبحقائق علم الحياة والأجنة يمكن توضيح قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)( المؤمنون 14،13،12 )
... وبمقررات علم الطب يتضح لنا معنى الأذى في قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : 222 )(1/13)
... وبعلم الطب كذلك يتضح سر التحريم لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة الوارد فى سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(المائدة: 3 ) وبعلم الحشرات يتضح لنا تفسير قوله تعالي (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل : 68 )
... فكل ما يساعد على كشف أسرار التشريع من العلوم وزيادة المعرفة بالكون ومكوناته لا بأس به، بل كل ما يوصل إلى الإيمان بالله وإدراك سر الوجود لا بأس به بل هو مطلوب،كل ذلك يجعل الحديث عن الإعجاز العلمي واجباً دعوياً لابد منه كما يجعل الفرصة متاحة في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى لاستغلال قضايا التفسير العلمي في الدعوة إلى الإسلام وعلي يد العلماء المسلمين المختصين في هذا الجانب فقد توفرت لهم الدواعي والأسباب.
رابعاًً:ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم:(1/14)
لابد من الإشارة إلى أن سلفنا الصالح كانوا يتخوفون من أن يقولوا في االتفسير بغير علم ومن ذلك قال إبراهيم التيمى : سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير الفاكهة والأبِّ فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم . وقال أنس سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الآية ثم قال : كل هذا قد عرفناه ، فما الأبُّ ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال : هذا لعمرو الله إنه التكلف ، وما عليك يا بن أم عمر ألا تدرى ما الأبُّ . ثم قال : اتبعوا ما بيِّن لكم من هذا الكتاب ، وما لا فدعوه" (1)
... وعلى هذا فمن يفسر القرآن بنظرية غير ثابتة فهو في الحقيقة إنما يفسر برأيه على غير قوانين العلم والنظر، بخلاف من يفسره بهذه القوانين الثابتة، فهو يعمل عملا مشروعا يوضح ما في القرآن فقط لا يقصد به إثبات فكفى بالله شهيداً على صدقه يقول المولى عز وجل "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت:53 )
... وثمة ملاحظة أخرى وهي أن علماء المسلمين الفضلاء ينقسمون في (موضوع التفسير العلمي للقرآن) إلى فريقين : فريق يجيز التفسير العلمي للقرآن ، ويدعو إليه ، ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طرق الدعوة إلى الله،وهداية الناس إلى دين الله.وفريق يرى في هذا اللون من التفسير خروجا بالقرآن عن الهدف الذي أنزل من أجله،وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشري،يجرب فيه، ويصيب ويخطئ.
__________
(1) تفسير القرطبى لسورة عبس ج 9 1 ص 223(1/15)
... والواقع أن رفض التفسير العلمي يجب أن يكون بمبررات قوية وفي ذلك يورد الباحث الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ (1) أن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية،ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية،ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً،ومرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر أو دل عليه صحيح السنة.
... وأما في غير ذلك فهو مقبول إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة، والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله،وهو – أخيراً – مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب ، فكتاب الله أعظم من ذلك.
... إذا كان التفسير العلمي :هو اجتهاد المفسر في كشف الصلة بين آيات القرآن الكونية ومكتشفات العلم التجريبي،على وجه يظهر به إعجاز للقرآن يدل على مصدره وصلاحيته لكل زمان ومكان, فيحق لنا أن نسأل السؤال التالي: ما حكم التفسير العلمي؟
... أوردت بعض المصادر انه وقع خلاف بين العلماء في هذا النوع من التفسير من فترة طويلة ولازال الخلاف قائما حتى هذه الساعة وكتب بعضهم عن المجيزين والمانعين وعن المؤيدين والمعارضين.
والصواب والله أعلم أنه جائز إذا تمت مراعاة الشروط العلمية ومنها معرفة قواعد التفسير ومعرفة أدوات اللغة وقواعد النحو والأصول ومن بعد ذلك الفهم الذي يرزق الله به عبده الصالح بتدبره لكتابه الكريم مع عدم جزم المفسر بأن هذا هو معنى النص القرآني, وأن ماعداه خطأ.
__________
(1) الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ، بحث التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين(1/16)
... كذلك من شروط تفسير كتاب الله تفسيراً علمياً أن يكون لدي المفسر فَهْمٌ للغة العربية وأسرارها، وقواعدها، وضوابطها، كذلك فهمٌ لأسباب النزول، وفهمٌ للناسخ والمنسوخ، وفهم للمأثور من أحاديث الرسول(صلى الله عليه وسلم)في تفسير القرآن الكريم، مع فهم لجهود المفسرين السابقين، ثم يوظِّف المعارف المتاحة في زمانه لإضافة بُعْدٍ جديد للقرآن الكريم هو بعد التفسير العلمي.
... وبالإضافة إلي كل ذلك لابد أن تكون للمفسر دراية بالنواحي العلمية أي العلوم التجريبية التي يفسر في إطارها– متخصص حقيقةً- وإلا فنتوقع أن يحدث الخلط والبلبلة في تفسير كتاب الله, وفي ذلك يري زغلول النجار أن الذي أدي إلى شيء من الخلط هو كون بعض الذين تعرضوا للتفسير العلمي للقرآن الكريم ليست لديهم خلفية علمية (1) .
... و إذ لابد من وجود ضوابط يتقيد بها من يريد التفسير العلمي للقرآن الكريم ففي ما يلي جملة الضوابط التي تحكم التفسير العلمي نذكرها مستأنسين بما أورده الأستاذ الدكتور زغلول النجار:
1. أن يكون المعنى مما يمكن استنباطه من النص ومما تدل عليه اللغة من دلالات ومعان.
2. أن يكون المفسر عالماً باللغة العربية عارفاً قواعدها ملماً بمعاني الألفاظ
استقامة المفسر وسلامة عقيدته
3.استخدام علوم اللغة العربية في التفسير من نحو وصرف وبلاغة ...الخ
4.الاستعانة بعلوم القرآن المأثورة عن السلف التي فيها بيان للناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل....الخ
5. مراعاة الأخذ بمعني النص كاملاً دون بتره أوتجزئته بطريقة تخل بالمعني.
6. جمع النصوص القرانية المتعلقة بالموضوع الواحد والنظر إليها نظرة كلية لأن الآيات القرآنية يفسر بعضها بعضاً.
7. الرجوع إلي القراءات الصحيحة للآيات موضوع التفسير في حالة تعدد القراءات.
__________
(1) زغلول النجار، مرجع سابق(1/17)
8. الرجوع إلى الأحاديث النبوية الصحيحة والحسنة وأقوال السلف الصالح والمفسرين من الصحابة والتابعين والتابعين لهم.
9. عدم الخوض في الأمور الغيبية المطلقة مما أسماه أهل العقيدة بالغيبيات كالذات الإلهية والجن والملائكة والميزان والصراط ونحو ذلك.
10. الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الدعوة إلى الإيمان إلا في حدود لفت النظر إلى الإعجاز.
11. أن يكون الحكم المستنبط عن طريق التأويل واضح الانسجام مع التصور القرآني العام
12. أن يتذكر المفسر دائماً أنه مجتهد وأنه يقدم ما يعرفه في حدود علمه البشري الناقص وليس هو في مقام تقديم مراد الله تعالى من الآية أو الآيات باليقين وأن يصرح بذلك كأن يعقب بقوله {الله أعلم} مثلاً.
13. إن تفسير القرآن بالنظريات التي لم تثبت يعد تفسيراً بالرأي المحض، وقصره على رأى بالذات افتراء وكذب على الله . وفى ذلك خطورة كبيرة، لأنها تخضع آيات القرآن للآراء الخاصة ، الأمر يعرض القرآن للطعن فيه بالتكذيب إن جاء ما يثبت خطأ الرأي الأول.
وسنذكر أيضاً رأي الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ الذي أورد بعضاً من هذه الضوابط وسماها حدود ونسبها إلى الذين قالوا بجواز التفسير العلمي ومن هذه الحدود:
1/ ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلا بد من :
أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي .
أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها .
أن تراعى القواعد البلاغية ودلالاتها.
2/ضرورة البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي .
3/أن لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر ، بل تجعل هي الأصل : فما وافقها قبل وما عارضها رفض
4/أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص.
5/ لا يجوز أن يفسر القرآن بالظنيات والحدسيات، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.
...(1/18)
خامساً: التفسير العلمي للقرآن أم التأويل العلمي ؟
... في هذا الجزء من البحث يحاول الباحث أن يجد مكاناً خاصاً للتفسير العلمي للقرآن الكريم في منظومة علم التفسير المعروف في التراث الإسلامي.
... لقد تحدث العلماء السابقون عن كل من التفسير والتأويل من حيث الاصطلاح وبينوا الفرق بينهما ولكن منهم من يري أن التفسير والتأويل كلاهما يحمل نفس المعني، ومنهم من يفرق بينهما ويجعل لكل واحد منهما خصائصه ومميزاته، ولتوضيح ذلك نتعرف أولاً علي معنى التفسير والتأويل في اللغة قبل أن ندخل في المعني الاصطلاحي ومن ثم نبين الرأي الذي نميل إليه.
... فتعريف التأويل: لغة هو أوَّلَ الكلامَ وتأوَّله: دبّره وقدَّره ، و أوَّلَه وتأوّله: فسّره (1) ،أما بالنسبة للمعني الاصطلاحي للتأويل فهو كما ورد في كتاب {التفسير والمفسرون} للدكتور محمد حسين الذهبي أنه يعني تفسير الكلام وبيان معناه سواء أوافق ظاهره أو خالف كما يعني أيضاً نفس المراد بالكلام ؛ فإذا قيل طلعت الشمس فتأويل هذا هو نفس طلوعها أي إن التأويل له معنيان،أما من ناحية المقارنة بين التفسير والتأويل من خلال أقوال بعض العلماء فهي كما يلي: (2)
التفسير والتأويل بمعنى واحد فهما مترادفان ، وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير .
التفسير أعم من التأويل ، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ والتأويل في المعاني .
التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع .
التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ
التفسير ما يتعلق بالرواية ، والتأويل ما يتعلق بالدراية .
التفسير هو بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة والتأويل هو بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة.
__________
(1) لسان العرب حرف اللام فصل الهمزة ج11 ص33 .
(2) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون ج1 ص19-21(1/19)
... وقد رجح الإمام الزركشي أن هناك فرقاً بين التأويل والتفسير وأنهما ليسا بمعنى واحد وذكر أن السبب في التفرقة بين التفسير والتأويل هو التمييز بين المنقول والمستنبط ، ليحمل التفسير على الاعتماد في المنقول والتأويل على النظر في المستنبط (1) .
... وتابعه الذهبي في رأيه حيث ذكر أن التفسير ما كان راجعاً إلى الرواية والتأويل ما كان راجعاً إلى الدراية ، وعلل ذلك بأن التفسير معناه الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله تعالى لا يجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع وخالطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم، وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل،والترجيح يعتمد على الاجتهاد ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستنباط المعاني من كل ذلك (2)
... من خلال ما سبق وبالبحث والمقارنة والاستقصاء نستطيع أن نستخلص المميزات والصفات التي ينفرد بها كل من التفسير والتأويل،فالصفات التي تميز التفسير هي:
1. أكثر استعمال التفسير في تناول الألفاظ
2. هدف التفسير معرفة مراد الله بطريقة القطع والجزم
3. وظيفة التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً
4. وظيفة التفسير بيان المعاني التي تستفاد من وضع العبارة
5. التفسير يتعلق بالرواية
أما الصفات التي تميز التأويل فهي:
1. أكثر استعمال التأويل في المعاني
2. منهج التأويل ترجيح أحد الاحتمالات بدون جزم
3. غاية التأويل تفسير باطن اللفظ
4. مهمة التأويل بيان المعاني التي تستفاد بطريق الإشارة
5. التأويل يتعلق بالدراية
__________
(1) الزركشي ، كتاب البرهان ج2 ص14
(2) محمد حسين الذهبي، مرجع سابق ص(1/20)
... وبنظرة فاحصة لتلك الصفات يتضح مدى التغاير بين المفهومين (التفسير والتأويل) فهل يكون التفسير العلمي للقرآن هو عين التأويل العلمي ومرادف له؟
... في حالة التفسير العلمي وربطه بالإعجاز العلمي نرى أنه من الأفضل أن نتبني مصطلح [التأويل العلمي] وذلك بالنظر إلى مدى اختلاف المصطلحين في الصفات الأربع الأولى السابقة.
... وأما الصفة الخامسة التي تضمنت مسألة الرواية والدراية فلا نستطيع أن نقول إن التفسير يتعلق بالرواية وحدها دون الدراية ففي هذا انتقاص لدور علماء التفسير، ومن ناحية أخرى يجعل التفسير يفتقد الجهد البياني التوضيحي الذي تستعمل فيه الأفهام، كما لا نستطيع أن نقول إن التأويل يتعلق بالدراية وحدها دون الرواية فهذا لا يستقيم كذلك ويؤدي إلي القول في كلام الله أقوالاً تجانب الإتباع، ويفتح الباب أمام التقول علي الله، وفيه إغفال لدور السنة النبوية وما هو في حكمها من أقوال السلف من صحابة وتابعين ونحوهم.
... ولا يفوت علينا أن الذي نلاحظه دائماً هو غلبة استعمال لفظ التفسير أكثر من التأويل ويقصد به التفسير والتأويل معاً دون تفريق حتى أن مصطلح التأويل قد غاب عن الاستعمال إلا عند المشتغلين بالدروس والبحوث، فصار مقبولاً إذا قلت إن فلاناً مفسر ولا يستحسن أن تقول فلانً مؤول للقرآن الكريم.
... وبالرغم من ذلك فالذي نميل إليه ونرجحه أن هناك فرق بين المصطلحين وأنه يجب أن نميز بينهما ويزيد ما ذهبنا إليه وضوحاً أنه قد أمكن استخراج الصفات التي تميز كلاً من التفسير والتأويل.
وطالما تبينت الصفات الفارقة بين التفسير والتأويل ـ كما سبق ـ نرى أن إطلاق لفظ [التأويل العلمي]هو الأنسب اصطلاحاً.
... فلا بأس من أن نطلق لفظ التأويل العلمي بدلاً عن التفسير العلمي ونركز علي هذا المصطلح ونكرره حثي يستقر في الأذهان ويصبح مألوفاً وذلك تمييزاً له عن مصطلح التفسير الذي صار مشتهرا ومعروفا في التراث الإسلامي.(1/21)
... ونقصد بذلك أن اصطلاح التأويل العلمي للقرآن الكريم سيكون مجالاً قائماً بذاته في الدراسات القرآنية ويشكل إضافة كبرى لميدان التفسير خدمة لكتاب الله، خاصة وأن الآيات التي تخص الإعجاز العلمي "أكثر من ألف آية قرآنية صريحة بالإضافة إلي عدد أخر من الآيات تقترب دلالتها من الصراحة وهو ما يبلغ أكثر من سدس القرآن الكريم" (1) مع ملاحظة أن هذا العدد قابلاً للزيادة بتقدم الزمن وتقدم الدراسات في المجال العلمي والمكتشفات الكونية إذ هي في تطور مستمر كما نشاهد الآن.
... إن جعل التأويل العلمي للقرآن الكريم هو عين تفسير القرآن الكريم في رأينا إنما هو انتقاص لمجال تفسير القرآن الكريم الذي اكتسب قدسية تأريخية في تراث المسلمين وذلك لما يشوب مجال التأويل العلمي من تغيير قد يطرأ في النظريات العلمية التي هي في الأصل جهد بشري محدود.
... خاصة وأن الذين عارضوا التفسير العلمي انطلقوا من هذا الباب حيث قالوا عن القرآن الكريم أنه ليس كتاب تعليم وتسجيل لمكتشفات العصور، ولا يحتاج إلى أن نحمل ألفاظه على أسلوب العصر ونضمنها نظرياته وعلومه وحجتهم عدم حاجة الشريعة في فهم كتابها وتعرف مبادئها إلى العلوم الكونية والرياضيات وما إليها وحمل ألفاظ القرآن عليها فيه تعسف وتحميل لها لما لا تطيق .
... وحقيقة أن التفسير المتكامل للقرآن الكريم يشمله كله بينما لا يمكن عملياً إخضاع القرآن الكريم كله إلى التأويل العلمي نظراً لمحدودية الآيات التي تخص الإعجاز العلمي، وبنفس القدر فإن التأويل العلمي مجاله مفتوح لكافة الاحتمالات بما في ذلك تغير النظريات العلمية نفسها الأمر الذي يمكن أن يستوعب في إطار التأويل العلمي ولكن لا يمكن إدخاله ضمن التفسير حفاظاً على قدسية التفسير.
__________
(1) زغلول النجار الناشر جريدة الأهرام القاهرية عدد16/92006م من موقع زغلول النجار على الشبكة الدولية للمعلومات.(1/22)
... ومن ناحية أخري فإن هذا الرأي لا يعني إغلاق الأنواع الأخرى من التفاسير بل هو دعم وتعزيز لها حيث يصبح مجال التأويل العلمي للقرآن الكريم مفتوحاً قابلاً للزيادة والإضافات العلمية بما يشكل تكميلاً للمعرفة القرآنية في هذا الميدان.
... وعموماً ننبه على انتفاء أي شرعية للتأويل العلمي إذا ابتعد عن إقرار مبادئ الإسلام وعقيدته الثابتة وإذا لم مؤكداً القيم الإسلامية الثابتة بالضرورة.
سادساً: نموذج للتفسير العلمي للقرآن الكريم:
... في هذا المبحث محاولة لاختيار صورة نموذجية مصغرة لتناول جزئية في التفسير العلمي متمثلة في تفسير بعض آية من آيات القرآن الكريم وذلك لبيان المنهجية السليمة للتفسير العلمي.
... فمن أهم الأشياء التي ينبغي أن يراعيها المفسر العلمي أن يربط بين الآيات عندما يريد أن يفسر آية معينة ولنأخذ هذا النموذج كصورة من صور التفسير العلمي لهذا الجزء من الآية الخامسة من سورة يونس وهو قوله تعالي(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً)
... في هذه الآية من سورة يونس (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس : 5 )
... بعد أن نورد ما ذكره المفسرون في كتب التفسير المأثورة، نقول إن القرآن يفرق بين الضوء والنور حيث تجد أن الشمس وصفت بالضياء بينما القمر تم وصفه بالنور، ومن المعروف علميا أن الشمس تضيء بنفسها لأنها نجم بينما القمر ينير بعكسه لضياء الشمس ولا يضيء بنفسه لأنه كوكب، فلمعان القمر نتيجة لانعكاس ضوء الشمس على سطحه أما بالنسبة للشمس فقد وصفها بالضياء لأنها هي بنفسها مصدر لمعانها.(1/23)
كذلك بالملاحظة نركز على الدقة المتبعة في الآيات التي ورد فيها هذا الموضوع مع عدم وجود التناقض بين جميع الآيات التي تعرضت لموضوع النور والضوء في طول مسير القرآن ونتتبع هذه الآيات ونبين أن استخدام النور والضياء يدل على الدقة في اختيار الكلمة المناسبة في المكان المناسب.
... فالآيتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة نوح (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ( 15 ) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجا( 16 ) (نوح : 15،16 ) والآية الواحدة والستون من سورة الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً) فالسراج هو الشمس (الفرقان : 61 )والآية الثالثة عشرة من سورة النبأ قال عن الشمس(وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً) (النبأ : 13 )
... فالملاحظ فيما سبق جميعاً أن الله سبحانه وتعالى شبه الشمس مرة بالسراج وأخرى بالسراج الوهاج والسراج هو المصباح الذي يضيء إما بالزيت أو بالكهرباء فلو كان هذا القرآن من البشر لقال وجعل فيها : سراجين سراجاً بالنهار وسراجاً بالليل فمن يكذبه؟
كذلك بتتبع الضياء والنور في سورة البقرة في الآية السابعة عشرة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ) (البقرة : 17 ) ذكر أن النار أضاءت واستعمل الله كلمة أضاءت لأن النار ضوئها ذاتي ولكن الله ذهب بنورهم لذلك فهم لا يبصرون لا بسبب عدم وجود الضوء ولكن بسبب أن وجوههم لا تعكس هذا الضوء أي عدم وجود النور لأن الله قد ذهب به!! لذلك فهم في ظلمات لا يبصرون.(1/24)
... وفي سورة البقرة أيضاً في الآية عشرين (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 20 )نجد أن البرق مصدر ذاتي للضوء لأنه عبارة عن تفريغ كهربائي عند تلاقي الشحنات المختلفة واللمعان الناتج حاصل نتيجة لهذا التفريغ، فهذه الحقيقة العلمية نجد القرآن يُعبر عنها بدقة في الآية البرق أضاء لهم!! ولم يقل أنار لهم!!.
... وفي سورة النور في قوله تعالى:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (النور : 35 ) قد وصف الزيت بأنه يضئ بينما وصف النور بأنه إنعكاس الضوء من المصباح وهناك عدة إنعكاسات تحدث نتيجة لوجود الزجاج حول النار أو مصدر الضوء لذلك تحدث عدة إنعكاسات فهو نور على نور!!
... وفي الآية الواحدة والسبعين من سورة القصص التي نصها (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ) (القصص : 71 ) استعمل القرآن كلمة الضياء ولم يقل يأتيكم بنور ينير لكم الأرض وخاصة أنه في حالة غياب الشمس من الممكن تواجد نور القمر خاصة إذا صادف أن كانت السماء صافية والقمر كان بدرا.(1/25)
... وكل هذا يدل علي منتهى الدقة في استخدام اللفظي النور والضوء فهذا تفسير علمي منطلق من قواعد علم الفلك والفيزياء الثابتة, فمن نظر إلي هذا التفسير بأنه إعجاز فله ذلك في حدود القواعد الثابتة بالتجربة والمشاهدة، ومن أضاف عليه شيئاً أيضاً له ذلك ولكن يظل في إطار التفسير فما لم تكن الحقيقة العلمية مؤكدة لا يسمح له بالتصريح بأنه إعجاز
... إن المنهج السليم لتفسير القرآن أن تستقصى آياته في الموضوع الواحد المعين عن آخرها إذ إن آيات القرآن يفسر بعضها بعضاً، بل خير ما يفسر به القرآن الكريم هو ما ورد منه في نفس الموضوع، فقد يكون العام أو المطلق أو المبهم في آية ما مخصصا أو مقيدا أو مبينا في آية أخرى ، وهكذا ، على أن يراعى السياق في فهم المراد من الآية، روى البخاري أنه لما نزل قول الله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (الأنعام : 82 ) قال بعض الصحابة : يا رسول الله وأبنا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس بذلك ، ألا تسمع إلى قول لقمان { إن الشرك لظلم عظيم }" (1) فالظلم الذي نزلت به هذه الآية عرف أن المراد به الشرك بما نزل في الآية الأخرى.
... والخطأ الذي يمكن أن يقع فيه كثير من الباحثين - خاصة من غير أهل للتفسير- أساسه عدم مراعاة هذا المنهج، فقد يبترون الآية بترا ويقطعونها عن سابقتها ولاحقتها ويفسرونها كما يريدون ، فربما لا ينظرون إلى مثل هذه الآية في موضع آخر من القرآن حتى يستعينوا بها على تفسيرها،فمثلاً الذي يريد تفسير قوله تعالى في سورة النمل تفسيراً علمياً،الآية (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل : 88 )
__________
(1) حديث رقم23 صحيح البخاري باب ظلم دون ظلم ج1 ص65(1/26)
فقد يستدل بذلك علي إعجاز القرآن الكريم في إخباره بأن تلك الآية تشير إلى دوران الأرض حول محورها لأن السحاب لا يمر من تلقاء نفسه وإنما يمر بمرور الرياح فليس مروره مروراً ذاتياً ولذلك شبه القرآن الكريم به مرور الجبال فهي أيضاً لا تمر مروراً ذاتياً وإنما تمر بمرور الأرض إذ إن الأرض تدور حول محورها والجبال التي فوق الأرض نراها تبدو ثابتة لكنها تمر مع الأرض كما يمر السحاب مع الرياح،فهذا إعجاز علمي.
ولكن قبل تقرير مسألة الإعجاز العلمي هذه لابد أن ينظر إلى السياق الذي جاءت فيه الآية هل هو في الدنيا أم في الآخرة؟ويعرف ذلك بالآيات السابقة لها واللاحقة التي تحدثت عن النفخ في الصور وعن محاسبة الناس على حسناتهم وسيئاتهم، فالجو كله فيما يبدو جو يوم القيامة وليس ذلك في عالم الدنيا.
... ومن ناحية أخرى على المفسر لتلك الآية أن ينظر أيضاً هل الحديث عن ظاهرة مرور الجبال وسيرها يوم القيامة ورد في آيات أخرى من سور القرآن قال تعالى(وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً) (الطور : 10 ) وقال (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) (التكوير : 3 ) والمقام كله في هذه الآيات يوم القيامة كما هو واضح.
... ومن ناحية ثالثة ينظر تفسير الأقدمين لهذه الآية ثم بعد النظر والتعمق يمكن الوصول إلى نتيجة مقبولة يتحدد بها ما إذا كان الأمر أمر إعجازاً علمياً أم يبقي تفسيراً اجتهادياً.
سابعاً: التفسير العلمي وقواعد التعرف علي الإعجاز:
...
... لقد سبق أن أوضحنا أن كل إعجاز علمي إنما هو تفسير علمي، ولذلك من أعظم ثمرات التفسير العلمي أن يبين لنا كافة وجوه الإعجاز الممكنة من السورة أو الآية موضوع التفسير،ولذلك يمكن أن نقول أن غاية التفسير العلمي للقرآن الكريم أن تتبين منه قدرة الله تعالي وعظمته.(1/27)
... وكما هو معلوم فإن القرآن الكريم معجز في محتواه كله:في نظمِه، في بيانه، محتواه العقدي، في قضية العقيدة، العبادة، الأخلاق، المعاملات، قضايا كلها إعجاز، معجز في استعراضه لتاريخ البشرية والأنبياء السابقين لبعثة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-معجز في نبوءاته التي تحققت بعد نزوله بسنوات طويلة،معجز في خطابه للنفس البشرية، وقدرته على تحريك هذه النفس من دواخلها، معجز في إشاراته إلى الكون ومكوناته،ولا توجد زاوية من الزوايا ينظر منها إنسان محايد إلى كتاب الله إلا ويرى جانباً من جوانب الإعجاز.
ولا شك أن التفسير العلمي سيزدهر في ظل حركة الإعجاز ويتناسب المفهومان تناسباً طردياً العلمي فللتفسير العلمي دور في إبراز الإعجاز العلمي وتعزيزه،بمعني أن التفسير العلمي للقرآن سيقوم بتأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين.
يلاحظ أن ما جاء به القرآن الكريم فيما يتعلق بالعقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملات وكل ما هو من أساس التدين، تأتي فيه الآيات القرآنية بصياغة واضحةً وضوحاً تاماً، حاسمة قاطعة، وما احتاج إلى زيادة بيان يأتي فيه جهد المفسِّرين والفقهاء في توظيف اللغة، توظيف أسباب النزول، توظيف المأثور من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآيات لشرح قضاياها .
... وأمَّا ما جاء به القرآن الكريم فيما يتعلق بالعِلْم أو الآيات الكونية في القرآن الكريم، فجاءتْ بصياغة عجيبة ولا نستطيع أن نقول (غير واضحة) فتأتي الآية كما يقول زغلول النجار "بألفاظ محدودة يفهم منها أهل كل عصر معنًى معيناً، وتظل هذه المعاني تتَّسع في تكامل لا يعرف التضاد"، وهذا من أعجب جوانب الإعجاز في كتاب الله بل هذا هو الإعجاز العلمي بعينه (1) ، فالمفسر الحاذق هو الذي يتعرض لوجوه إعجاز القرآن ويبينها.
__________
(1) زغلول النجار،مرجع السابق(1/28)
لا بد لمن يقوم بتفسير القرآن تفسيراً علمياً أن يتوقف عند نقاط الإعجاز ولذلك فالمهم كيف يتوصل المفسر إلى الوجوه الإعجازية لما يفسره.
... أما السبيل إلى التعرف على تلك النقاط المعجزة يتطلب أن تكون هناك قواعد ينطلق منها للتعرف علي وجوه الإعجاز وقد وضع الشيخ عبد المجيد الزنداني ثماني قواعد ننقلها هنا لكون الزنداني أحد كبار أئمة المسلمين المعاصرين في هذا المضمار، فقد ذكر أن هذه القواعد يمكن إجمالها فيما يلي (1) :
(1) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ، يقبل الازدياد ، ومعرض للخطأ.
(2) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة ، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية أيضاً.
(3) في الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.
(4) لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.
(5) عندما يُري الله عباده آية من آياته ، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص ، بما كشف من حقائق علمية، وهذا هو الإعجاز.
(6) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل.
(7) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص ، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما ، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية ، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية فيؤول النص.
__________
(1) عبد المجيد الزنداني، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، إسلام آباد بباكستان،سنة 1987م المصدر موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة موقع الدعوة بالشبكة الدولية للمعلومات،إعداد الفلوجة.(1/29)
... (8) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية ، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث،ليتفق مع الحقيقة القطعية،وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
وبمراعاة تلك القواعد في تفسير القرآن الكريم إن شاء الله نتمكن من خدمة كتاب الله في هذا الجانب العصري المهم.
نتائج البحث وخلاصاته:
... من خلال استعراض محاور البحث ومضامينها يستطيع الباحث أن يخرج بعدد من النتائج المهمة الآتية:
... أولاً:إننا في حاجة إلى من يفسر لنا القرآن على ضوء المقررات العلمية لتتضح معانيه ويؤمن بها الذين لا يرضون بغير هذا الأسلوب بديلاً وفقاً للشروط والضوابط.
... ثانياً:القرآن الكريم ذكر بعض الحقائق والمسائل العلمية التي لا عهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالذات بعلمها، ولا عهد للعرب بها وقت نزول القرآن الكريم ، ثم ثبت بعد ذلك صدق هذه المسائل.
... ثالثاً: تلك الحقائق العلمية المذكورة في القرآن الكريم للتدبر والتأمل لأخذ العظة والعبرة.
... رابعاًً: تلك المسائل والحقائق العلمية المذكورة في القرآن الكريم نستطيع توضيحها بوساطة علماء التفسير العلمي للقرآن الكريم.
... خامساً: الغاية الأساسية للتفسير هي الدلالة على أن القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو من عند لله العليم الخبير.
... سادساً: إن بلاغة القرآن متمثلة في مطابقة ألفاظه لمقتضى الحال في خطابه للعلماء والعامة على السواء بغض النظر عن عصورهم التي يعيشون فيها، على خلاف الكلام العادي للناس.
... سابعاً: ... ظنية دلالة الألفاظ القرآنية في كثير من مواضعها هو الذي أوجد النشاط الفكري عند علماء التفسير العلمي والإعجاز العلمي.
... وتأسيساً علي جملة النتائج السابقة المستخلصة من البحث وبتركيزها في نقاط معينة يرى الباحث أن يضع بين أيدي القراء والمناقشين التوصيات البارزة الآتية:(1/30)
? أن تجعل المعرفة العلمية الموثقة أساسا للًتفسير العلمي القرآن الكريم انطلاقا من ظنية دلالة بعض الألفاظ القرآنية.
? ضرورة استغلال التفسير العلمي لإظهار الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
? أن يعمل العلماء المهتمون بهذا الجانب بضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم.
? أن يميز التفسير العلمي كمجال مستقل من الدراسات القرآنية كأن يسمي( التأويل العلمي للقرآن)
? أن تتولى جهات نشر إسلامية موثوقة قيادة أمر التفسير العلمي للقرآن الكريم.
? أن تقوم الجهات العلمية المعتبرة كالجامعات وأجهزة الإعلام وغيرها بنشر المعرفة بقواعد التعرف على الجوانب العلمية للقرآن الكريم.
***
المصادر والمراجع:
أولاً:المصادر :
1. القرآن الكريم
2. صحيح البخاري
3. لسان العرب لابن منظور
ثانياً: المراجع:
(أ)الكتب
1. تفسير القرآن الكريم القرطبى
2. إحياء علوم الدين للإمام أبو حامد الغزالي
3. البرهان في علوم القرآن للزركشي
4. التفسير والمفسرون للذهبي
(ب) مراجع أخري
5. أحميدة النيفر، مفكر تونسي , التفسير العلمي وتَعَطّل المنظومة الثقافية الإسلامية شبكة إسلام أون لاين، الشبكة الدولية للمعلومات.
6. محمد الفاضل، نقلاً عن موقع البوبكراوي بالشبكة الدولية للمعلومات.
7. سعاد يلدريم، مستندات التوفيق بين النصوص القرآنية وبين النتائج العلمية ،المصدر موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة موقع الدعوة بالشبكة الدولية للمعلومات.
8. علي أسعد، الإعجاز العلمي للقرآن :رؤية نقدية موقع إسلام أن لاين، الشبكة الدولية للمعلومات.
9. زغلول النجار،برنامج بلا حدود بقناة الجزيرة الفضائية 16/12/1999م، المصدر:موقع قناة الجزية بالشبكة الدولية للمعلومات.
10. زغلول النجار، جريدة الأهرام القاهرية عدد16/9200يونيو2006م: موقع زغلول النجار على الشبكة الدولية للمعلومات.(1/31)
11. محمد الأمين ولد الشيخ، بحث التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين، موقع اسلام نت بالشبكة الدولية للمعلومات.
12. عبد المجيد الزنداني، المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، إسلام آباد بباكستان،سنة 1987م المصدر موسوعة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة موقع الدعوة بالشبكة الدولية للمعلومات.
والله ولي التوفيق والسداد
الباحث:
د. محيي الدين عبد الله حسن
جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية
ت: 0122637022(1/32)