التحدي بالقرآن الكريم
د. محسن سميح الخالدي
رئيس قسم أصول الدين -جامعة النجاح - نابلس
ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى الكشف عن عظمة القرآن الكريم ، وفخامة شأنه، وعلو قدره،
و ببيان إعجازه، وأنه حجة على سامعه، وقع التحدي بألفاظه المنظومة بأقصر سورة، وعمَّ الثقلين الإنس والجن ، واستمر التحدي والتقريع في العهد المكي والمدني بمثله ، ثم بعشر
سورٍ مثله ، ثم بسوره، وقد كان التحدي مرحلياً متدرجاً .
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل الكتاب تبيانًا لكل شيء ففتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور إلى صراط العزيز الحميد ، والصلاة والسلام على إمام المتقين خاتِم المرسلين وخاتَمهم ، المؤيد بالقرآن رحمة للعالمين ، وبعد :
فقد أنزل الله كتابه العظيم دليلاً على وحدانيته وهدىً للمتقين ، فأقام به الحجة على الجاحدين ، وتحداهم بالقرآن سنين مرة بعد مرة في غير موضع من القرآن المبين ، فتحداهم أن يأتوا بمثله ، ثم بعشر سور ، ثم بسورة ، وسجل عليهم العجز أنهم لا يستطيعون : "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا " (1) ، ولكون القرآن الكريم كتاباً معجزاً بذاته فقد آثرت أن أكتب عن موضوع (التحدي بالقرآن الكريم) خدمة لكتاب الله تعالى ، فهو موضوع شغل العلماء قديماً وحديثاً لما له من أهمية ترتبط بإثبات إعجاز القرآن الكريم .
وقد رأيت أن أقسم هذا البحث إلى تمهيد ، وفصلين ، وخاتمة ، على النحو التالي :
التمهيد : تحدثت فيه عن إعجاز القرآن وأنه حجة على سامعه ، وأن التحدي به باق إلى يوم القيامة على حد واحد .
الفصل الأول : مقدمات في التحدي ، وفيه ستة مباحث :
المبحث الأول : معنى التحدي لغة واصطلاحا .
المبحث الثاني : الحاجة إلى التحدي .
__________
(1) (الإسراء: 88)(1/1)
المبحث الثالث : وقوع التحدي بالألفاظ المتلوة دون الكلام القديم القائم بذاته سبحانه .
المبحث الرابع : وقوع التحدي للجن .
المبحث الخامس: القدر المعجز الذي وقع به التحدي .
المبحث السادس: وجه الإعجاز الذي وقع به التحدي .
الفصل الثاني : مستويات التحدي ، وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : آيات التحدي .
المبحث الثاني : ترتيب آيات التحدي حسب النزول .
المبحث الثالث : تدرج التحدي .
المبحث الرابع : وقفات مع الآية الأخيرة من آيات التحدي .
الخاتمة : لخصت فيها أهم الحقائق والنتائج التي تم التوصل إليها .
وختامًا : فقد اجتهدت أن أخرج بحثي هذا في أحسن صورة ، فإن كان كذلك فلله الحمد والمنة، وإن كان فيه خلل فكذا صنع البشر، والله أسأل أن يكون خالصًا لوجه الكريم، وأن ينفعني به يوم ألقاه .
والحمد لله رب العالمين
تمهيد:
لقد اعتنى العلماء قديما وحديثا بمعرفة إعجاز القرآن الكريم، ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله تعالى معجز لم يقدر أحد على معارضته بعد تحديهم بذلك، قال تعالى: ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله) (1) .
فلولا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون إلا وهو معجزة. (2)
وقال تعالى:( وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم). (3)
__________
(1) ( التوبة :6).
(2) الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن (2/101) دار الفكر (ط1/ 1408- 1988) والسيوطي جلال الدين بن عبد الرحمن، الإتقان في علوم القرآن (4/4) دار التراث- القاهرة.تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ( ط2/ 1405 - 1985) .
(3) ( العنكبوت :50،51)(1/2)
فأخبرأن الكتاب آية من آياته، وعلم من أعلامه، وأن ذلك يكفي في الدلالة، ويقوم مقام معجزات غيره وآيات سواه من الأنبياء صلوات الله عليهم. (1)
قد جاء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب المنير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فتحدى به أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، تحداهم أن يأتوا بمثله وأمهلهم طوال السنين، فلم يقدروا، فدل على عجزهم وقصورهم، فهو معجزة عامة عمّت الثقلين وبقيت بقاء العصرين، ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها إلى يوم القيامة على حد واحد (2)
الفصل الأول
مقدمات في التحدي
المبحث الأول : معنى التحدي لغةً واصطلاحاً
1) التحدي لغة :
التحدي لغةً بمعنى المباراة والمبارزة.
جاء في لسان العرب " تحديت فلانا إذا بارَيْتَه في فعل ونازَعْتَه الغلبة"،....وهي الحديّا" (3) بمعنى المبارزة والغلبة، يقال: أنا حُدَيّاكَ أي معارضك، وهذا حُدَيّا هذا أي ندّه ونظيره، وأنا حُديّاك بهذا الأمر أي: مباريك الوحيد فابرز لي وحدك. (4)
قال عمرو بن كلثوم في معلقته متحديًا الناس جميعا بمجد قومه وشرفهم (5)
حُدَيّا الناسِ كلِّهِمِ جَميعا ... ... ... مُقارَعَةً بَنِيهمْ عن بَنيِنا
2) التحدي اصطلاحا:
... التحدي اصطلاحا يتصل اتصالا وثيقا بالمعنى اللغوي، فهو طلب الإتيان بالمثل على سبيل المنازعة والغلبة، ويتحدد المثل تبعا لما يتحدى به.
__________
(1) الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، إعجاز القرآن(ص :37 ) دار الفكر ( ط1 , 1986.)
(2) انظر: الزركشي، البرهان (2/102)، والباقلاني، إعجاز القرآن ( ص: 31).
(3) - ابن منظور، محمد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، مادة حدا (14/168) دار صادر- بيروت،( ط1، / 1990)
(4) ) )- انظر ، إبراهيم مصطفى وجماعة، المعجم الوسيط ، مادة (حدا) (1/162) دار إحياء التراث العربي.
(5) الزوزني : أبو عبد الله الحسين بن أحمد ، شرح المعلقات السبع ( ص،177 ) دار الجليل ( ط2 / 1972 ).(1/3)
فالتحدي بالقرآن طلب الإتيان بمثله. (1)
المبحث الثاني : الحاجة إلى التحدي.
... إن التحدي آية ودلالة للنبي على صدقه، لذا تحدى المرسلون بما أمدهم الله من الآيات على صدقهم، فتحدى موسى بالعصا واليد البيضاء، وأقام الحجة على معارضيه، وتحدى عيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص...وتحدى محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن أمة فيها أفصح الفصحاء ومصاقع الخطباء، وسجل عليهم العجز، فصح له ما ادعاه، ولو قدّر لهم الإتيان بمثله لما كان القرآن دليلا وبرهانا له بعد تحديهم.
وتظهر فائدة التحدي من جهات:
أولا: أنها دليل وبرهان على صدق الرسول الذي جاء بها.
قال ابن خلدون عن المعجزة:"....وليس للنبي فيها عند سائر المتكلمين إلا التحدي بها بإذن الله، وهو أن يستدل بها النبي قبل وقوعها على صدقه في مدعاه، فإذا وقعت تنزلت منزلة القول الصريح من الله بأنه صادق، وتكون دلالتها حينئذ على الصدق دلالة قطعية" (2) وإذا كانت دون التحدي لم تنزل منزلة التصديق (3) .
ثانيا: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، فهو بالتحدي يزداد ثباتا وعزما، ويشعر بمدد الله وعونه وأنه يتعهده برعايته.
ولا شك أن المعجزة تشد أزره وترهف عزمه، باعتبارها مؤيدة له ولحزبه، خاذلة لأعدائه ولخصمه (4) .
ثالثا: تسجيل العجز على الأمة التي وقع عليها التحدي رغم حاجة منكريها الشديدة للمعارضة.
__________
(1) ) )- انظر ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، المقدمة (ص: 503)، دار القلم( ط5/1984)
(2) ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون (ص "93) ، مرجع سابق .
(3) عبد الرحمن بن محمد، أبو سعيد (ت: 478) الغنية في أصول الدين (ص:151)، مؤسسة الخدمات والأبحاث- بيروت( ط1 / 1987)
تحقيق عماد الدين أحمد حيدر .
(4) انظر الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان (1/ 39) دار الكتب العلمية، بيروت ( ط1/1988).(1/4)
قال ابن الطيب : " إنما احتيج إلى التحدي لإقامة الحجة وإظهار وجه البرهان" (1) .
رابعا: ومن فوائد التحدي بالقرآن أن يعرف إعجازه من لا دراية له بفنون إعجازه عند وقوفه على عجز الفصحاء والبلغاء بالعلم المتواتر.
قال القاضي ابن الطيب:
"وإنما احتيج في باب القرآن إلى التحدي لأن من الناس من لا يعرف كونه معجزا، فإنما يعرف أولا إعجازه بطريق، لأن الكلام المعجز لا يتميز من غيره بحروفه وصورته، وإنما يحتاج إلى علم وطريق يتوصل به إلى معرفة كونه معجزا، فإن كان لا يعرف بعضهم إعجازه، فيجب أن يعرف هذا، حتى يمكنه أن يستدل به، ومتى رأى أهل ذلك اللسان قد عجزوا عنه بأجمعهم مع التحدي إليه والتقريع به والتمكين منه صار حينئذ بمنزلة من رأى اليد البيضاء وانقلاب العصى ثعبانا تتلقف ما يأفكون..." (2)
المبحث الثالث : وقوع التحدي بالألفاظ المتلوة دون الكلام القديم القائم بالذات .
الذي عليه سلف الأمة أن التحدي وقع بالألفاظ. ونقل العلماء قولا للسابقين أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وممن أورد هذا القول ونبّه على بطلانه: الباقلاني (3) ، وابن عطية (4) ، والزركشي (5) ، والسيوطي (6) ، والألوسي (7) وغيرهم. وينسب هذا القول للإمام الأشعري ولبعض أصحابه.
__________
(1) الباقلاني، محمد بن الطيب، إعجاز القرآن (ص: 47) مرجع سابق.
(2) المرجع السابق (ص: 258).
(3) المرجع السابق (ص: 266).
(4) ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي (ت: 541هـ)، (1/71)،المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق أحمد
صادق الملاح، القاهرة (1974) .
(5) الزركشي، البرهان (2/103). مرجع سابق
(6) )) السيوطي، الإتقان (3/6) مرجع سابق.
(7) (( الألوسي، أبو الفضل محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (1: 28 ) ، دار إحياء التراث العربي- بيروت، خالي
الطبعة وسنة الطبع .(1/5)
أما تحقيق نسبته للإمام الأشعري فقد حمله بعضهم على غلط من الناقل في فهم عبارة الأشعري (1) وطعن آخرون في صحته، ومن ذلك ما ذكره السبكي في ترجمة أبي الحسن الأشعري : "... وما قيل إن مذهبه أن القرآن لم يكن بين الدفتين وليس القرآن في المصحف ونقل ذلك عنه، فهو شنيع فظيع وتلبيس على العوام، فإن الأشعري وكل مسلم غير مبتدع يقول إن القرآن كلام الله، وهو على الحقيقة مكتوب في المصاحف لا على المجاز، ومن قال: إن القرآن ليس في المصاحف على هذا الإطلاق فهو مخطئ، بل القرآن مكتوب في المصحف، والقرآن كلام الله ، وهو قديم، غير مخلوق، لم يزل سبحانه به متكلما، ولا يزال به قائما، ولا يجوز انفصال القرآن عن ذات الله تعالى". (2)
__________
(1) )) انظر: عبد الباقي بن عبد الباقي، العين والأثر في عقائد أهل الأثر، (ص: 102-104)، دار المأمون للتراث- دمشق( ط1،1987م)تحقيق
عصام قلعجي.
(2) ) ) انظر : السبكي ، تاج الدين تقي الدين ، طبقات الشافعية الكبرى ، ( 2/ 285) ، دار المعرفة بيروت ، (ط2 ) لم تذكر سنة الطبع ، وذهب عبد الله بن كلاب إلى أن كلام الله قديم قائم به وأنه ليس بحرف ولا صوت، لا ينقسم ولا يتجزأ، ولا يتبعض، وانه سمي كلام الله سبحانه وتعالى عربيا لأن الرسم الذي هو العبارة عنه وهو قراءته عربي فسمي عربيا لعلة...وما نسمعه من التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل، انظر الأشعري، أبو الحسن، علي بن إسماعيل ( ت: 324هـ) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (ص: 584-585) دار إحياء التراث العربي- بيروت( ط3) تحقيق هلموت ريتر،لم تذكر سنة الطبع .(1/6)
... والذي يظهر لي –والله تعالى أعلم- أن الأشعري له في المسألة قولان، الأخير منهما كقول سائر علماء المسلمين من أن المتلو هو المعجز، وذلك لخلو كتبه –فيما اطلعت عليه- من هذا القول، وقد ذكر قوليه ابن حزم ورد على الأول منهما (1) .
وأما نسبة هذا القول لبعض الأشاعرة، فقد صرح به الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن، قال : " وقد جوّز بعض أصحابنا- يعني الأشاعرة- أن يتحداهم إلى مثل كلامه القديم القائم بنفسه، والذي عوّل عليه مشايخنا ما قدمنا ذكره" (2) . يعني أن الذي تحداهم به أن يأتوا بمثل الحروف التي هي نظم القرآن الكريم منظومة كنظمها متتابعة كتتباعها...ولم يتحدهم بمثل الكلام القديم الذي لا مثل له (3) .
ولنا على ما ذكره الباقلاني حول هذا الموضوع ملحوظتان:
__________
(1) ) ) ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، (ت: 458هـ) الفصل في الملل والأهواء والنحل، (3/10) مكتبة الخانجي- القاهرة، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع .
(2) ) )الباقلاني: إعجاز القرآن (ص: 266) مرجع سابق، وذكره ابن القيم وحسنّه ، انظر : ابن قيم الجوزية ، محمد بن أبي بكر ، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان ، دار الكتب العلمية ، بيروت ( ط2 / 1408هـ،1988م) .
(3) ) )انظر: الباقلاني، إعجاز القرآن (ص:266).(1/7)
الأولى: أن الباقلاني في كتابه "تمهيد الأوائل" بعد أن أشار إلى أن التحدي لم يقع بالكلام القديم وإنما بمثل الحروف المنظومة قال: " ... على أنه يصح من الله تعالى ومن رسوله أن يتحدى بمثل الكلام القديم إذا ادعى ملحد أو معاند أنه مثل كلام الآدميين ومن جنس كلام المخلوقين بأن يقال له: إيت بمثله إن كان له مثل على ما تدعيه، كما قال تعالى: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (1) . و(فإن كان لكم كيد فكيدون) (2) و(أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) (3) فطالبهم بذلك على مذهب التحدي والتقريع، إن كان للباطل برهان وللقديم سبحانه شريك أو كيد يكاد به، وإذا كان ذلك كذلك سقط تعجبهم من ذلك وثبت أنه لا تعلق لأحد فيه" (4) .
الملحوظة الثانية:
... إن الباقلاني يشير في كلامه إلى أن القرآن الذي بين أيدينا هو عبارة عن كلام الله تعالى وأنه دلالات عليه، فيقول في كتابه إعجاز القرآن : " فالتحدي واقع إلى أن يأتوا بمثل الحروف المنظومة التي هي عبارة عن كلام الله تعالى في نظمها وتأليفها وهي حكاية لكلامه" (5) .
وقال:" ...لأن الإعجاز وقع في نظم الحروف التي هي دلالات وعبارات عن كلامه" (6) .
وقال في كتابه –تمهيد الأوائل-: "..إنما تحداهم بمثل الحروف المنظومة التي هي عبارة عنه في براعتها وفصاحتها". (7)
__________
(1) ) ) (البقرة :111)
(2) ) ( المرسلات : 39).
(3) )) (الأنعام : 22).
(4) ) ) الباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، (ص:178-179) مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت( ط1، 1987م).
(5) الباقلاني: إعجاز القرآن (ص: 266). مرجع سابق
(6) ))المرجع السابق (ص:267).
(7) )) الباقلاني: تمهيد الأوائل، (ص:178-179) وقد تابعه على عبارته عدد من العلماء أمثال الزركشي في البرهان (2/103) والسيوطي في الإتقان (3/6).(1/8)
وهذا الذي ذكره الباقلاني هو مذهب الأشاعرة بعامة (1) ، إلا أني رأيت أبا الحسن الأشعري يرد على عبد الله بن كلاب هذا الفهم لكلام الله النفسي حيث قال : "...وزعم عبد الله بن كلاب أن ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل وأن موسى سمع الله متكلما بكلامه، وأن معنى قوله: (فأجره حتى يسمع كلام الله) (2) معناه حتى يفهم كلام الله، ويحتمل على مذهبه أن يكون معناه حتى يسمع التالين يتلونه". (3)
والحق في ذلك ما عليه سائر الأئمة من أن القرآن غير مخلوق وأنه ليس حكاية ولا عبارة عن كلام الله، وإنما هو كلام الله، قال الإمام أحمد رحمه الله: " القرآن كيف تصرف فهو غير مخلوق، ولا نرى القول بالحكاية والعبارة "، وغلّط من قال بهما وجهّله فقال :"من قال إن القرآن عبارة عن كلامه تعالى فقد غلط وجهل" (4) .
وقد ذكر ابن حزم قول الأشاعرة في المسألة فأجلى المسألة وأبان الحق فيها فانظره (5) .
مناقشة أن التحدي وقع بالكلام القديم
__________
(1) انظر أحمد بن إبراهيم بن عيسى (ت: 1329هـ) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم (1/270، 281) المكتب الإسلامي- بيروت( ط3/1406) تحقيق زهير الشاويش ، وانظر : الإيجي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت: 756هـ) المواقف (3/ 141-142) دار الجليل، بيروت( ط1، 1997م) تحقيق د. عبد الرحمن عميرة.
(2) (التوبة: 6) .
(3) الأشعري، أبو الحسن، مقالات الإسلاميين (ص: 585) مرجع سابق .
(4) ) ) عبد الباقي بن عبد الباقي، العين والأثر (ص: 75-76) وانظر ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية (201-202)) ط4/ 1391هـ) .
(5) )) ابن حزم، الفصل في الملل والاهواء والنحل (3/5) مرجع سابق.(1/9)
... عند النظر فيما نقل عن بعض الأشاعرة أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات دون المتلو ، يتبين لنا فساد هذا القول وبطلانه، ذلك أن له لوازم كثيرة فاسدة، كما أن آيات القرآن تثبت بطلانه وإليك بيان ذلك:
1- يلزم من هذا القول عدم كون المقروء المحفوظ كلام الله حقيقة وعدم إكفار من أنكر كلامية ما بين دفتي المصحف مع أنه علم من الدين ضرورة كونه كلام الله حقيقة (1) .
2- عدم كون المعارضة والتحدي بكلام الله تعالى الحقيقي، وأن العرب كلّفت في ذلك ما لا تطيق، إذ الكلام القديم مما لا يمكن الوقوف عليه فلا يتصور التحدي به (2) .
3- لو قلنا إن الكلام القديم هو المعجز لكونه قديماً فقط لاقتضى الحال إعجاز التوراة والإنجيل لأنهما كلامه القديم، وليس ذلك بمعجز في النظم والتأليف (3) .
4- ويلزم من ذلك أن ما دون الآية كاللفظة معجزة، لأنها عين كلامه القديم وليست بمفردها معجزة، والقول بذلك مخالف لإجماع الأمة (4) .
5- إن آيات القرآن تؤكد تأكيدا لا ريب فيه أن هذا المتلو هو القرآن نفسه، فكم في القرآن من آية يقول الله فيها: (إن هذا القرآن)، وهذا إشارة إلى حاضر، وكم فيه:(ولقد صرّفنا في هذا القرآن) (5) و(لقد ضربنا للناس في هذا القرآن) (6) ، وكم من آية تحداهم فيها بالإتيان بمثل هذا القرآن أو بسورة مثله (7) .
__________
(1) عبد الباقي بن عبد الباقي، العين والأثر (ص:102) مرجع سابق.
(2) انظر : الزركشي، البرهان (2/103)، والألوسي، روح المعاني (1/28) مرجعان سابقان.
(3) انظر : الباقلاني، إعجاز القرآن (ص:266) مرجع سابق.
(4) انظر : المرجع السابق (ص:266)
(5) (الإسراء:41) و (الكهف: 54) .
(6) (الروم: 58) و( الزمر: 27) .
(7) انظر : ابن قدامة، أبا محمد عبد الله بن أحمد بن محمد (ت: 620هـ) تحريم النظر في كتب الكلام (ص:66)، دار عالم الكتب- الرياض
( ط1/1990م) تحقيق عبد الرحمن بن محمد دمشقية.(1/10)
ومن أجمل الأقوال وأقواها في بيان بطلان هذا القول ما ذكره ابن حزم حيث قال : "..روي عن الأشعري أن المعجز الذي تحدى الناس بالمجيء بمثله هو الذي لم يزل مع الله تعالى، ولم يفارقه قط ، ولا نزل إلينا، ولا سمعناه، وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان، إذ من المحال أن يكلف أحد أن يجيء بمثل ما لم يعرفه قط ولا سمعه، وأيضا فيلزمه ولا بديل هو نفس قوله أنه إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فإن المسموع المتلو عندنا ليس معجزا بل مقدورا على مثله، وهذا كفر مجرد لا خلاف فيه لأحد، فإنه خلاف للقرآن لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو عشر سور منه، وذلك الكلام الذي هو عند الأشعري هو المعجز ليس له سورا ولا كثيرا بل هو واحد، فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين" (1) .
المبحث الرابع : وقوع التحدي للجن
... ذهب بعضهم إلى أن التحدي وقع للإنس دون الجن، فقد ذكر الزركشي في البرهان تحت عنوان ( مسألة ) : " التحدي إنما وقع للإنس دون الجن، لأن الجن ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه، وإنما ذكروا في قوله: ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن) (2) تعظيما لإعجازه لأن الهيئة الاجتماعية لها من القوة ما ليس للأفراد، فإذا فرض اجتماع جميع الإنس والجن وظاهر بعضهم بعضا وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز" (3) ونقل هذا مناع القطان وارتضاه (4) .
وهذا الذي ذكره الزركشي وارتضاه نقله عنه السيوطي قائلا: قال بعضهم...." وذكره (5) ،الألوسي وردّه (6) .
__________
(1) ابن حزم ،الفصل في الملل والأهواء والنحل، (3/10) مرجع سابق.
(2) (الإسراء : 88)
(3) الزركشي، البرهان (2/119) مرجع سابق.
(4) القطان، مناع خليل، مباحث في علوم القرآن (ص:259) مؤسسة الرسالة ( ط2) لم تذكر سنة الطبع .
(5) السيوطي، الإتقان (3/19-20) مرجع سابق
(6) الألوسي، روح المعاني (15/166) مرجع سابق.(1/11)
وجمهور العلماء على أن التحدي قد وقع للإنس والجن (1) ، وتخصيصهما بالذكر لأن المنكر لكونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما والتحدي إنما كان معهما (2) .
وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الثقلين دون الملائكة (3) .
ولعله لم يذكر الملائكة في آيات التحدي لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا ولأنهم كانوا وسائط في إتيانه. (4)
ومما يدل على أن الجن داخلون في التحدي أن الله تعالى جعل كتابه هداية للثقلين فينتظم بها الإنس والجن في كل عصر ومصر، وفي كل زمان ومكان (5) ، قال سبحانه: (وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) (6) أي ومن بلغه القرآن، وقد تحداهم عليه السلام بالقرآن: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (7) .
__________
(1) انظر الماوردي، أبا الحسن، علي بن محمد بن حبيب، أعلام النبوة (ص:219) دار الكتاب العربي- بيروت،( ط1/1987م)، تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، وانظر : الرازي، أبا بكر ، أحمد بن علي الرازي الجصاص، أحكام القرآن (1/34) دار إحياء التراث العربي- بيروت سنة ( 1405هـ ) تحقيق د. قمحاوي.
(2) انظرالألوسي- روح المعاني (15/166) مرجع سابق
(3) انظر السيوطي- الإتقان (3/20) مرجع سابق.
(4) البيضاوي، عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) (3/466) دار الفكر- بيروت، سنة ( 1996م)، تحقيق عبد القادر حسونة.
(5) انظر الزرقاني، مناهل العرفان (2/134) ، مرجع سابق .
(6) ( الأنعام : 19)
(7) ( الإسراء : 88)(1/12)
وقال تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا، فلما قضي ولّوا إلى قومهم منذرين* قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم* يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم) (1) . قال القرطبي: "وهذا يدل على أنه –أي النبي صلى الله عليه وسلم- كان مبعوثا إلى الجن والإنس" (2) .
ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" (3) .
فإذا كان الجن مخاطبين بالآيات مقصودين بالإنذار فقد صحّ أن يقع التحدي لهم.
المبحث الخامس : القدر المعجز الذي وقع به التحدي
... اختلف العلماء في القدر المعجز من القرآن على أقوال أجملها في الأقوال الثلاثة التالية:
القول الأول:
... إن القرآن قليله وكثيره معجز، وهو قول ابن حزم وعزاه إلى سائر أهل الإسلام (4) .
ودليله أن الله تعالى تحداهم بقوله: (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) (5) .
قال: " ولا يختلف اثنان في أن كل شيء من القرآن قرآن، فكل شيء من القرآن معجز" (6) .
__________
(1) ( الأحقاف : 29-31)
(2) القرطبي، محمد بن أحمد ، الجامع لأحكام القرآن (16/217)، دار إحياء التراث العربي - بيروت ، ( ط2 ، 1405هـ،1985م) .
(3) ))البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري ومعه فتح الباري، كتاب التفسير، باب: فاسجدوا لله واعبدوا (8/480) رقم (4862) دار الريان للتراث- القاهرة، ( ط1/1987م) ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
(4) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/13) مرجع سابق .
(5) (الطور: 34) .
(6) المرجع السابق (3/13) .(1/13)
ولا يخفى ضعف هذا القول وفساده، إذ الاستدلال في غير موضعه لأن الحديث التام لا تتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة (1) .
وينقضه أيضا أن أقل القرآن كلمة وليست بذاتها معجزة.
القول الثاني:
... المعجز سورة قصيرة كانت أو طويلة أو ما كان بقدرها بعدد الحروف أو الكلمات، وهو قول أبي الحسن الأشعري وأصحابه (2) .
واحتجوا بقوله سبحانه: (قل فأتوا بسورة مثله) (3) وبقوله: ( فأتوا بسورة من مثله) (4) .
وهذا القول عليه اعتراضان:
الاعتراض الأول:
إن احتجاجهم بالآيتين السابقتين باطل لأنهم تشبثوا بلفظ (سورة) فيهما، وجعلوا معجزا ما ليس سورة، ولم يقل الله تعالى: ( بمقدار سورة ).
الاعتراض الثاني:
... إن سورة الكوثر عشر كلمات، اثنان وأربعون حرفا، وقد جاء في آيات أخرى على سبيل المثال:( وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان) (5) اثنتا عشرة كلمة، اثنان وسبعون حرفا، وإن اقتصرنا على الأسماء فقط كانت عشر كلمات، اثنين وستين حرفا.
فهذا المذكور هنا من آية سورة النساء أكثر كلمات وحروفا من سورة الكوثر، فينبغي أن يكون معجزا على قولهم ولا يظهر الإعجاز بمجرد ذكر الأسماء (6) .
القول الثالث:
... إن كل سورة برأسها معجزة وهو قول جماعة من أهل العلم (7) وقال به المعتزلة (8) .
__________
(1) انظر الباقلاني، إعجاز القرآن (ص:261)، والسيوطي، الإتقان، (3/18) مرجعان سابقان .
(2) الباقلاني، إعجاز القرآن (ص:261).
(3) (يونس:38) .
(4) (البقرة: 23) .
(5) ( النساء :163) .
(6) انظر: ابن حزم، الفصل في الملل (3/13).مرجع سابق .
(7) انظر: الايجي، المواقف (3/379) مرجع سابق .
(8) الباقلاني، إعجاز القرآن (ص:261) مرجع سابق .(1/14)
قال ابن العربي في مفاضلة سورة الإخلاص على آية الكرسي : " إنها سورة-أي سورة الإخلاص- وهذه آية، فالسورة أعظم من الآية، لأنه وقع التحدي بها، فهي أفضل من الآية التي لم يتحدّ بها" (1) .
وقد أورد ابن حزم على هذا القول اعتراضا مفاده:
أنهم إن قالوا سورة تامة لا أقل لزمهم أن سورة البقرة حاشا آية واحدة أو كلمة واحدة من آخرها أو من أولها ليست معجزة، وهكذا كل سورة من السور الطوال وغيرها، فهل معنى ذلك أن هذه السور التي نقصت آية أو كلمة مقدور على مثلها؟ (2)
الترجيح : الذي يظهر لي- والله أعلم- أن الراجح هو القول الثالث، وأن التحدي يقع بكل سورة بكمالها، وينبغي أن نفرق بين ( معجز ) وبين ( معجز وقع به التحدي)، فنصوص الآيات حددت (سورة) في أقل مراحل التحدي فيجب أن نقف مع النص دون قياس السورة بما يقابلها من عدد الحروف، أو الكلمات، أو الآيات، وذلك لأن مقابلة السورة بواحدة من هذه الثلاث بحاجة لبينة وبرهان.
... ولا يفهم من ذلك أن البشر يمكن لهم أن يأتوا بآية كآية الدين، أو بسورة كسورة البقرة، سوى آية منها كما أشار ابن حزم، لأن ذلك ليس بوسعهم حسبما تواترت الأخبار، فهي معجزة لكن لم يقع التحدي بها.
ويعلم إعجاز ما دون السورة بعجز الناس عن الإتيان بمثله دون أن نقول: إن التحدي وقع به، فقد حكى أبو عبيدة: أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: (فاصدع بما تؤمر...) (3) فسجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام (4) ، ومن كان أعرف بالعربية وفنون بلاغتها كان أعرف بإعجازه.
فإذا كانت آية الدين أعجزتهم فهي معجزة لم يقع بها التحدي ، واذا كانت اللفظة أو اللفظتان أو الثلاثة لم تعجزهم عن الإتيان بمثلها قلنا: إنها غير معجزة ولم يقع بها التحدي .
__________
(1) الزركشي، البرهان (1/524) مرجع سابق ، ولم أجده في أحكام القرآن لابن العربي .
(2) انظر : ابن حزم ، الفصل ( 3/13 ) مرجع سابق .
(3) ( الحجر: 94 ) .
(4) أعلام النبوة (ص: 102)، مرجع سابق .(1/15)
فضبط مقدار المتحدى به من القرآن سورة ، وقدر المعجز منه ما تواترت به الأخبار عن عجز العرب عن الإتيان بمثله ، أرأيت حين تحداهم أن يأتوا ( بعشر سور مثله ) في سورة هود أكان بمقدورهم أن يأتوا بسورة مثله ؟، ولو سئل أحدهم حينها - أي حين نزول الآية-عن مقدار التحدي لقال: عشر سور، ولا يقول: سورة - مع أنها معجزة - لأنها لم تذكر في الآية، مع أن التحدي بسورة مراد أيضاً لكن عرفنا هذا بعد نزول سورة يونس ( فأتوا بسورة مثله ) ولم نعرفه من سورة هود .
المبحث السادس : وجه الإعجاز الذي وقع به التحدي
اختلف العلماء قديما وحديثا في الوجه الذي وقع به التحدي على أقوال متعددة مختلفة، فمنهم من ذهب إلى أن التحدي وقع بنظم القرآن، وأضاف آخرون إنه وقع أيضاً بإعجازه العلمي، أو الغيبي أو التشريعي، أو الروحي، أو العددي ... .الخ.
... وعدّ بعض العلماء وجوه إعجاز القرآن ثمانين وجهًا، ومنهم من زاد على ذلك، قال السيوطي: " وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين، والصواب أنه لا نهاية لوجوه إعجازه" (1)
وعَرْض أقوال العلماء في هذا الجانب يحتاج إلى بيان وتفصيل، وتطويل الكلام لا يسعه هذا المقام، ومن هنا فإني بعد دراسة الأقوال وتمحيصها أعرض الوجه الذي يطمئن إليه القلب، وهو محل اتفاق العلماء حيث التقت عليه أقوالهم وتشعبت فيه أنظارهم ألا وهو (نظم القرآن) وما يرتبط به من البلاغة والبيان، وفصل البلاغة عن النظم ليس مقبولا، فحيث وجد النظم وجدت البلاغة.
فجمهور العلماء ذهب إلى أن نظم القرآن معجز وقع به التحدي، قال ابن عطية: "الذي عليه الجمهور والحذاق، وهو الصحيح في نفسه، أن التحدي وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه". (2)
__________
(1) السيوطي، معترك الاقران في إعجاز القرآن ( ص:3)، دار الفكر العربي، تحقيق علي محمد البجاوي.
(2) ابن عطية، المحرر الوجيز، (1/71) مرجع سابق، ونقله الزركشي في البرهان (2/102)، مرجع سابق.(1/16)
غير أن بعض العلماء اكتفى بالنظم دون المعنى، ومن ذلك ما ذكره الرازي الجصاص بعد إيراده قوله تعالى: ( فأتوا بعشر سور مثله ... ... ) (1) ، قال: " فتحداهم بالنظم دون المعنى في هذه السورة وأظهر عجزهم عنه فكانت معجزة" (2) .
والذي أشكل على هؤلاء ودعاهم إلى القول بإعجاز النظم دون المعنى أن معاني القرآن لا يمكن الإحاطة بها، قال الزركشي :" وقال بعض الأئمة: ليس الإعجاز المتحدى به إلا في النظم، لا في المفهوم، لأن المفهوم لم يمكن الإحاطة به، ولا الوقوف على حقيقة المراد منه، فكيف يتصور أن يتحدى بما لا يمكن الوقوف عليه، إذ هو يسع كل شيء، فأي شيء قوبل به أدّعي أنه غير المراد" (3) .
ويرد على هؤلاء أن النظم تظهر قيمته بما يحمل من المعاني التي هي دلالات على المراد، والصواب أن المعاني تابعة للنظم لا تنفصل عنه، لذا أشار العلماء إلى تلازم المعنى والنظم كما في قول ابن عطية السابق وغيره من أقوال العلماء (4) ، قال شارح العقيدة الطحاوية: " وإعجازه من جهة نظمه ومعناه لا من جهة أحدهما فقط" (5) .
إذن فالوجه المختار الذي وقع به التحدي هو نظم القرآن وما يتصل به من البلاغة والبيان، فهو الذي دلت عليه آيات التحدي: ( فأتوا بعشر سور مثله) (6) ، ولا يراد من اختيار هذا الوجه ردّ وجوه الإعجاز الأخرى كالإعجاز العلمي، أو الغيبي، أو التشريعي، ... الخ، فما صحّ منها يعد وجها من وجوه إعجازه إلا أنه لم يقع به التحدي.
__________
(1) (هود: 13).
(2) ( ( الرازي، أحمد بن علي الجصاص (1/33)، مرجع سابق .
(3) الزركشي، البرهان (2/109)، مرجع سابق.
(4) انظر: أبا السعود، محمد بن محمد العمادي، تفسير أبي السعود المسمى "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" (2/496)، دار الفكر، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
(5) ابن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية (ص :202)، مرجع سابق .
(6) (هود: 13).(1/17)
وهناك فرق بيِّنٌ واضح بين (معجز) و(معجز وقع به التحدي)، فما وقع به التحدي نظمه وبيانه، وهو محل اتفاق العلماء، أما وجوه الإعجاز الأخرى ففيها بين العلماء خلاف، ووجه إعجازه لا يختلف فيه، فلربما يقابل الإعجاز النفسي بخطبة خطيب مفلق يؤثر في قلوب مستمعيه فيبكيهم ثم يضحكهم. قال ابن القيم:" وقد اعترض هذا القول بأن جماعة من أرباب القلوب وذوي الاستغراق في بديع أوصاف المحبوب حصل له من سماع بعض الأشعار ما أخرجه عن طوره وربما مات على فوره" (1) .
وقد يقابل القالب الشكلي (نقض العادة) بما أتى به مسيلمة من الحماقات على وزن القرآن، أو يقال: إن الشعر الحر المعروف لدينا الآن يغاير ما ألفه العرب من الشعر المنظوم أو النثر، ففيه نقض للعادة على زعمهم ، ومن الوجوه المختلف فيها : الإعجاز العلمي، والإعجاز العددي- إن جاز تسميته بذلك-، فالمعجز المتحدى به لا بد أن ينتهي إلى حد لا يبقى معه لبس ولا ريب، بل يقطع به يقينا من غير تردد ولا شك، لذا قلنا بإعجازه بالنظم والبيان.
وأيضا فعند مراجعة كتب التفسير والتاريخ والأدب نجدها تروي معارضات عورض بها القرآن كالذي نسب إلى مسيلمة وسجاح، وأبي العلاء، وكلها محاولات فاشلة لمعارضة نظم القرآن، بيد أننا لا نجد نصا واحدا يعارض القرآن بوجوه الإعجاز الأخرى، مما يدل على أن فهم المعارضة : معارضة النظم لا غير.
وهذا الذي قررناه من أن التحدي وقع بوجه واحد دون غيره، قال به العلماء قديما وحديثا، وأكتفي بعرض قول اثنين، أحدهما من السابقين وهو الخطابي، والآخر من المحدثين وهو الأستاذ محمود شاكر.
أما الخطابي (2) ،
__________
(1) ابن القيم، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن (ص: 384) مرجع سابق.
(2) أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي، صاحب التصانيف، إمام ثقة فقيه زاهد كان من أوعية العلم، توفي سنة: (388: هـ).
انظر: الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء (17/23)، مؤسسة الرسالة –بيروت ( ط 9/1413هـ)، تحقيق ( شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعيم )، والسيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، طبقات الحفاظ، ( ص: 404)، دار الكتب العلمية –بيروت، ( ط1/1403 هـ).(1/18)
فقد رد هذا في رسالته "بيان إعجاز القرآن"، بأن التحدي وقع بالإعجاز الغيبي وما يتضمنه من الإخبار عن الكوائن في مستقبل الزمان مع أنه لم يشكك في إعجاز هذا الوجه فقال:" قلت ولا يشك في أن هذا وما أشبهه من أخباره نوع من أنواع إعجازه، ولكنه ليس بالأمر العام الموجود في كل سورة من سور القرآن، وقد جعل سبحانه في صفة كل سورة أن تكون معجزة بنفسها لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثلها" (1) .
وخلص الخطابي من ذلك ليقرر أن القرآن صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف متضمنا أصحّ المعاني (2) .
وأما الأستاذ محمود شاكر فقد بيَّن أيضا أن التحدي وقع بوجه واحد هو (النظم والبيان)، وأنه الوجه الذي طولب العرب بتذوقه للإقرار والتسليم بصحة ما جاء في القرآن الكريم دون غيره من وجوه الإعجاز الأخرى، قال : " وإذا صح أن قليل القرآن وكثيره سواء في هذا الوجه – أي النظم والبيان- ثبت أن ما في القرآن جملة من حقائق الأخبار عن الأمم السالفة، ومن أنباء الغيب، ومن دقائق التشريع، ومن عجائب الدلالات على ما لم يعرفه البشر من أسرار الكون إلا بعد القرون المتطاولة من تنزيله، كل ذلك بمعزل عن الذي طولب به العرب ... .." (3) .
__________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرآن ( ص: 23-24)، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، دار المعارف –مصر (ط 2 /1387 هـ، 1968م)، تحقيق: محمد خلف، ومحمد زغلول.
(2) انظر: المرجع السابق (ص" 27).
(3) شاكر، محمود، ذكر ذلك في تقديمه لكتاب ( الظاهرة القرآنية) لمالك بن نبي، (ص: 28)، دار الفكر –دمشق، (1406هـ، 1986م).(1/19)
وقال في موقع آخر:" إن ما في القرآن من مكنون الغيب ومن دقائق التشريع ومن عجائب آيات الله في خلقه، كل ذلك بمعزل عن هذا التحدي المفضي إلى الإعجاز، وإن كان ما فيه من ذلك كله يعد دليلا على أنه من عند الله تعالى، ولكنه لا يدل على أن نظمه وبيانه مباين لنظم كلام البشر وبيانهم، وأنه بهذه المباينة كلام رب العالمين لا كلام بشر مثلهم" (1) .
وخلاصة القول: إن التحدي وقع بنظم القرآن وما يتصل به من البلاغة والبيان دون الوجوه الأخرى التي اختلف بها العلماء، وذكر بعضهم أن إطلاق الإعجاز عليها من باب التجوّز (2) .
الفصل الثاني
مستويات التحدي
المبحث الأول : آيات التحدي
زعم المشركون أن باستطاعتهم أن يأتوا بمثل القرآن الكريم ، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختلقه ، فتحداهم الله أن يأتوا بمثله ، وقرَّعهم بالعجز عن الإتيان- مع ما هم عليه من الأنفة والحمية- بما فيه من الآيات التي تبين أنه بلغتهم ومن جنس كلامهم ، فطالبهم أن يأتوا بمثله ، أو بمثل عشر سور منه، أو بمثل سورة ... وتمر عليهم السنوات، وتزداد الآيات، وهم على عجزهم دائمون .
وتعددت آيات التحدي في القرآن الكريم - خمسة مكية وواحدة مدنية - وتنوعت في مقدار التحدي بمثله، أو بمثل سورة، أو عشرة .
وإليك آيات التحدي :
1 ) في سورة البقرة : " وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " (3) .
__________
(1) المرجع السابق، (ص: 31).
(2) زرزور، عدنان محمد، (علوم القرآن : 252) المكتب الإسلامي- بيروت ، ( ط3 / 1412هـ، 1991م) .
(3) (البقرة : 23- 24)(1/20)
2 ) في سورة يونس : " وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " (1)
3 ) في سورة هود : " أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " (2)
4) في سورة الإسراء: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " (3)
5 ) في سورة القصص : "قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه إن كنتم صادقين " (4)
6) في سورة الطور : " أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين " (5)
ومن خلال آيات التحدي يمكن الوقوف على الملاحظات التالية : (6) .
1) طول فترة التحدي والتقريع واستمراها في العهد المكي والمدني .
2) وردت آيات التحدي في سياق واحد، وهو النقاش والجدال مع الكافرين في أمر النبوة والرسالة ومصدر القرآن .
3) كان يسبق آية التحدي إشارة إلى شك الكافرين في القرآن وزعمهم انه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يتبعها إشارة إلى مصدر القرآن وإثبات أنه كلام الله تعالى .
4) إعطاؤهم مهلة يفكرون بها طويلاً، ويستعينون بكل من يختاروا من البشر من أعوانهم ومساعديهم وشهدائهم للاستعانة بهم، وذلك لإثبات عجزهم عن الإتيان بمثله حتى لو استعانوا بغيرهم .
المبحث الثاني : ترتيب آيات التحدي حسب النزول.
الذي عليه جمهور العلماء في نزول سور الآيات السابقة أنها نزلت حسب الترتيب التالي:
__________
(1) (يونس : 37 - 38 ).
(2) (هود : 13 ).
(3) (الإسراء : 88 ).
(4) ( القصص : 49 ).
(5) ( الطور: 33) .
(6) انظر : الخالدي ، صلاح عبد الفتاح ، البيان في إعجاز القرآن ( ص 65-66 ) دار عمار ، عمان ( ط 3 ، 1413 هـ، - 1992 م).(1/21)
(القصص، الإسراء، يونس، هود، الطور ، البقرة).
والسور الخمس الأولى مكية باتفاق (1) ، الأربعة الأولى منها متتالية ، وبينها وبين الخامسة –الطور- نحو بضع وعشرون سورة، أما سورة البقرة فمدنية باتفاق.
__________
(1) كذا ذكر السيوطي في الإتقان (1/28) عن أبي الحسن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ، وقد ذكر السيوطي عن ابن عباس في سورة يونس روايتين، وبيّن أن المشهور كونها مكية ، وبه وردت الروايات من طرق عنه خلافا للرواية الثانية القائلة بمدنيتها.
انظر الإتقان ( 1/31) وأيضا مما يؤكد مكيتها ما أخرجه النحاس بإسناده عن ابن عباس في كتابه الناسخ والمنسوخ (ص: 4)، مكتبة الفلاح- الكويت، (ط1/ 1408 هـ) تحقيق د. محمد عبد السلام محمد، وقال السيوطي في الإتقان (1/25) :" إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات".(1/22)
وقد نص على هذا الترتيب الزركشي (1) ، والسيوطي (2) ، ونسب السيوطي القول به لجابر بن زيد من علماء التابعين (3) ، وللبرهان الجعبري، ولعل أبرز ما اعتمد عليه العلماء في ترتيب السور المكية روايات ضعيفة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (4) ، وعن عكرمة والحسن
البصري (5) .
__________
(1) الزركشي، البرهان (1/249-250) وقال بعد أن أورد ترتيب ما نزل من السور بمكة:" وعليه استقرت الرواية من الثقات".
(2) السيوطي، الإتقان (1/25-29).
(3) قال السيوطي بعد أن ذكر الرواية الواردة عن جابر بن زيد والتي اعتمد عليها البرهان الجعبري في قصيدته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول، قال:" هذا سياق غريب، وفي هذا نظر" أي في ترتيب عامة السور المكية، غير أن ترتيب سور التحدي في هذه الرواية يوافق ما نص عليه السيوطي، انظر الإتقان (1/72-73).
(4) أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (ص:33)، دار الفكر – دمشق، (ط1 /1408هـ، -1987م) تحقيق غزوة بدير، وهو في الإتقان (1/26-27). قلت : إسناده واهٍ، فيه متروك وضعيفان، ففيه عمر بن هارون بن يزيد البلخي، قال ابن حجر في التقريب : "متروك" انظر تقريب التهذيب، ( ص: 355) رقم (4979) مؤسسة الرسالة، ( ط1/ 1416هـ، -1996م)، وفي إسناده أيضا عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن والده، قال ابن حجر عن عثمان: "ضعيف" وقال عن والده: "صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس"، انظر: تقريب التهذيب، (ص: 326) رقم (4502) و (ص: 332) رقم (4600).
(5) أخرجه عنهما البيهقي في دلائل النبوة (7/142-144) دار الريان للتراث –القاهرة (ط1/ 1408هـ، 1988م)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي.
قلت: وهو مرسل ضعيف، ففي إسناده علي بن الحسين بن واقد المخزومي عن أبيه ، أما علي بن الحسين فقد قال ابن حجر في التقريب (ص: 339)رقم ( 4717 ) :" صدوق يهم"، وقال الذهبي:" حسن الحديث قال النسائي ليس به بأس، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث". انظر الذهبي سير أعلام النبلاء (10/211) (مرجع سابق)، وأما والده الحسين بن واقد المروزي فقد وصفه الدارقطني وأبو علي الخليلي بالتدليس، انظر ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني ، طبقات المدلسين (ص: 20)، مكتبة المنار- عمان ( ط1/ 1403هـ، ت-1983م) تحقيق د. عاصم القريوتي، واستنكر أحمد بعض حديثه، وفي رواية قال أحمد ليس بذاك، وفي أخرى قال : له أشياء مناكير،انظر : أحمد بن محمد بن حنبل ، بحر الدم (ص ،116 ) رقم ( 218 ) دار الراية - الرياض ( ط1/1989م) تحقيق د. وصي الله بن محمد.(1/23)
وينبغي التأكيد هنا إلى أنه لم يصح إطلاقا استثناء نزول آيات التحدي من نزول سورها، فمن المعلوم أن ترتيب الآيات في النزول ليس من الضروري أن يكون تابعا لترتيب السور، فربما تتأخر الآية عن سورتها أو تتقدم، غير أنني تتبعت آيات التحدي في السور التي وردت فيها فلم أجد ما يثبت تأخر آية عن سورتها أو تقدمها (1) .
وعلى هذا الترتيب يكون التحدي وقع أولا بالقرآن كله، أو بما نزل من القرآن وقت نزول السورة كما في سورتي القصص والإسراء ، ثم التحدي بسورة كما في يونس، ثم التحدي بعشر سور كما في هود، ثم التحدي بالقرآن كاملا كما في الطور، أو أنها تسجيل للعجز عليهم بعد أن تم تحديهم بالسور السابقة، ومن ثم التحدي بسورة كما في سورة البقرة.
وهذا ترتيبٌ - كما علمت - يعتمد على روايات ضعيفة لا تقوم بها الحجة لإثبات ما ذهب إليه أصحاب هذا القول .
المبحث الثالث : تدرج التحدي
اختلف العلماء في ترتيب آيات التحدي على قولين، فمنهم من تمسك بترتيب النزول، ومنهم من قال: إن التحدي كان مرحليا متدرجا، وهو قول الجمهور، وإليك بيان أقوالهم:
__________
(1) وقد تثبت من ذلك بمتابعة ما أخرجه النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ (ص: 415-777) بإسناده عن ابن عباس عند تلخيص آي القرآن المدني والمكي، فلم يذكر استثناء آيات التحدي من السور التي وردت فيها، وذكر السيوطي في الإتقان (1/25) أن هذا الإسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من علماء العربية المشهورين ، وذكر الزركشي، والسيوطي الآيات المدنيات في السور المكية، فلم يذكرا استثناء آيات التحدي من سورها المكية التي وردت فيها، انظر: البرهان (1/257)" الآيات المدنيات في السور المكية"، والإتقان (1/38) ذكر ما استثني من المكي والمدني، وانظرهذه السور(البقرة، يونس، هود، الإسراء، القصص، الطور)عندالقرطبي(1/154، 8/302،9/2، 10/204، 13/247،17/58).(1/24)
القول الأول: إن التحدي كان وفق ترتيب النزول، ولم يكن مرحليا، وممن ذهب إلى هذا: محمد رشيد رضا (1) ، وسيد قطب (2) ، وعائشة عبد الرحمن (3) .
قال سيد قطب:" قال المفسرون القدامى: إن التحدي كان على الترتيب بالقرآن كله ثم بعشر سور، ثم بسورة واحدة، ولكن هذا الترتيب ليس عليه دليل، بل الظاهر أن سورة يونس سابقة والتحدي فيها بسورة واحدة، وسورة هود لاحقة والتحدي فيها بعشر سور (4) " وقال سيد:" إن التحدي كان يلاحظ حالة القائلين وظروف القول ... فيقول مرة ائتوا بمثل هذا القرآن، أو ائتوا بسورة أو بعشر سور دون ترتيب زمني، لان الغرض كان هو التحدي في ذاته بالنسبة لأي شيء من هذا القرآن، كله أو بعضه أو سورة منه على السواء، فالتحدي كان بنوع هذا القرآن لا بمقداره، والعجز كان عن النوع لا عن المقدار، وعندئذ يستوي الكل والبعض والسورة ولا يلزم ترتيب، إنما هو مقتضى الحالة التي يكون عليها المخاطبون". (5)
__________
(1) انظر: محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشتهر باسم تفسير المنار (1/193) ، دار المنار- مصر (ط 4/ 1373هـ،1954م).
(2) قطب، سيد، في ظلال القرآن( م4/ 523)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، (ط 7/391هـ، /1971م).
(3) انظر: عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، الإعجاز البياني ومسائل ابن الأزرق، (ص: 58-60)ار المعارف –مصر، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
(4) في ظلال القرآن (م 4/ 523).
(5) المرجع السابق ( م 4 / 523 )(1/25)
القول الثاني: إن التحدي كان مرحليا متدرجا، وهو قول جمهور العلماء، وهذا هو الراجح ، فهو ما يقتضيه العقل ولا يناقضه نقل صحيح لضعف الروايات الواردة في ترتيب سور القرآن، واختلف أصحاب هذا القول في تدرج التحدي، هل كان على أربع مراحل (1) ، أم على ثلاث، أم على مرحلتين (2) ، إلا أن أكثرهم اعتمد ثلاث مراحل وهي التحدي بمثله ثم بعشر سور ثم بسورة، وممن قال بذلك ابن تيمية (3) ، والقرطبي (4) ، وابن كثير (5) ، والزركشي (6) ، والسيوطي (7) ، والزرقاني (8) .
__________
(1) انظر: د. فضل وسناء فضل عباس، إعجاز القرآن (ص: 32-33) (عمان / 1991م) ، لم تذكر الطبعة، ولا دار النشر.
(2) انظر: البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3/104) مرجع سابق، والنسفي،عبد الله بن أحمد بن محمود ، تفسير النسفي، (2/182) دار الكتاب العربي ، بيروت ، لم تذكر سنة الطبع.
(3) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/86، 426)، دار العاصمة، الرياض، ( ط1/1412هـ)، تحقيق د. علي حسن وآخرين.
(4) تفسير القرطبي (1/77).
(5) ابن كثير، اسماعيل، تفسير القرآن العظيم (2/419)، دار المعرفة- بيروت، (1388هـ، 1969م) .
(6) البرهان في علوم القرآن (2/118).
(7) الإتقان ( 4/4).
(8) مناهل العرفان (1/ 311-312)، مرجع سابق.(1/26)
وقد جعل بعضهم (1) آية البقرة تكرارا لآية يونس، ولعل العهد المدني كان بحاجة لتأكيد أمر التحدي من جديد، خاصة في مواجهة اليهود وقبائل العرب الذين وصل إليهم الإسلام في ظل الانفتاح الذي شهده الإسلام في المدينة فاحتاج الأمر تأكيد التحدي من جديد ليعلم الخلق أنه ما زال قائماً ، فأكدته أول سورة مدنية، وكان مقداره مقدار أدنى ما تحداهم به في العهد المكي وهو "بسورة مثله" في سورة يونس. وسيأتي الكلام عن الحكمة من مجيء (من) التبعيضية في آية سورة البقرة في المبحث الرابع إن شاء الله تعالى.
من خلال الاطلاع على أقوال الأئمة في ترتيب مرحلية التحدي تبرز مشكلة وهي إن سورة هود التي جاء التحدي فيها بعشر سور متأخرة نزولا في قول الجمهور عن سورة يونس التي جاء التحدي بها بسورة واحدة، فهل تحداهم بسورة واحدة ثم تحداهم بعشر؟.
هذه الإشكالية حاد بعضهم عن ذكرها رغم قوله بترتيب النزول كالزركشي، والسيوطي، أما ما ذكره العلماء جواباً عن هذا فانقسموا فيه إلى فريقين، فريق يقول: بتقدم سورة هود، وحسبه في ذلك جوابا، وفريق آخر يقول: بتقدم سورة يونس على هود، ويقر بترتيب النزول غير أنه يجيب بإجابات مختلفة لحل الإشكال السابق، وإليك بيان أقوالهم :
الفريق الأول: قالوا : إن سورة هود متقدمة نزولا على سورة يونس، وأن التحدي بعشر سابق للتحدي بسورة، وأنه لا يجوز العكس.
وممن قال بذلك أبو حيان (2) ، والرازي (3) ، والألوسي وغيرهم، وذكر الألوسي أنه قول الكثير من العلماء (4) .
__________
(1) انظر: تفسير ابن كثير ( 2/419)، والبرهان (2/118)، والإتقان ( 4/4).
(2) أبو حيان، محمد بن يوسف الغرناطي، البحر المحيط (5/200)، دار الفكر (ط2/ 1398هـ، 1978م) .
(3) التفسير الكبير، (17/195) مرجع سابق.
(4) روح المعاني (12/20) مرجع سابق.(1/27)
وقال الفخر الرازي:" اعلم أن التحدي بعشر سور لا بد وأن يكون سابقا على التحدي بسورة واحدة، وهو مثل أن يقول الرجل لغيره: اكتب عشرة أسطر مثل ما أكتب، فإذا ظهر عجزه عنه، قال: قد اقتصرت منها على سطر واحد مثله، إذا عرفت هذا فنقول: التحدي بالسورة الواحدة ورد في سورة البقرة، وفي يونس ... ،أما تقدم هذه السورة(أي هود) على سورة البقرة فظاهر، لأن هذه السورة مكية وسورة البقرة مدنية، وأما في سورة يونس فالإشكال زائل أيضا لأن كل واحدة من هاتين السورتين مكية، والدليل الذي ذكرناه يقتضي أن تكون سورة هود متقدمة في النزول عن سورة يونس حتى يستقيم الكلام الذي ذكرناه" (1) .
وهذا ما أكده الألوسي بقوله:" والكثير على أن هذا التحدي (أي بعشر في هود) وقع أولا، فلما عجزوا تحداهم (بسورة من مثله) كما نطقت به سورة البقرة ويونس، وهو وإن تأخر تلاوة متقدم نزولا وأنه لا يجوز العكس إذ لا معنى للتحدي بعشر لمن عجز عن التحدي بواحدة" (2) .
الفريق الثاني: قالوا: إن سورة يونس متقدمة على سورة هود، وأجابوا عن الإشكال السابق بإجابات مختلفة، وفيما يلي عرض أقوالهم:
القول الأول: إن سورة هود متأخرة عن سورة يونس ، وإن التحدي بعشر جاء بعد التحدي بواحدة غير
أن التحدي يختلف بينهما، فالمطلوب في يونس: كمال المماثلة بالنظم والإخبار عن الغيوب والأحكام ... .الخ ، أما في هود فالمطلوب: المماثلة بالنظم فقط.
__________
(1) الرازي، التفسير الكبير (17/195).
(2) الألوسي، روح المعاني (12/20) مع ملاحظة أنه قال: "كما نطقت به سورة البقرة ويونس"، ومعلوم أن سورة يونس من غير (من).(1/28)
وإلى هذا القول ذهب ابن عطية (1) والثعالبي (2) وروي عن المبرد (3) .
قال الثعالبي:" وقال بعض الناس: هذه الآية –هود – متقدمة على التي في يونس، إذ لا يصح أن يعجزوا عن واحدة ثم يكلفوا عشرا" ، وأجاب: " وقائل هذا القول لم يلحظ ما ذكرناه من الفرق بين التكليفين في كمال المماثلة مرة كما هو في سورة يونس، ووقوعها على النظم مرة كما هو هنا" (4) .
ومما يضعف هذا القول أن الإخبار بالغيب والأحكام ... .. ليس عاما في سور القرآن، قال الألوسي بعد أن أورد هذا القول:" وضعفه في الكشف (5) ، وقال: إنه لا يطرد في كل سورة من سور القرآن" (6) .
القول الثاني: إن سورة هود متأخرة في النزول إلا أنها لما نزلت على التدريج جاز أن تتأخر تلك الآية عن آية سورة يونس، وهذا لا ينافي تقدم السورة على السورة.
وهذا القول عزاه الألوسي لأبي منصور الثعالبي في الكشف وأورد الرد عليه بأن ادعاء تأخر نزول تلك الآية خلاف الظاهر، وهو لا يقال بالرأي (7) .
__________
(1) عزاه إليه أبو حيان في البحر المحيط (5/208) ، والألوسي، روح المعاني (4/20) مرجعان سابقان، ولم أجده فيما تيسر لي من المطبوع من المحرر الوجيز .
(2) عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، الجواهر الحسان في تفسير القرآن (2/99) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- بيروت.
(3) عزاه إليه البغوي، الحسين بن مسعود، معالم التنزيل (2/376) دار المعرفة- بيروت، ( ط2/ 1407هـ، -1987م)، تحقيق ( خالد العك، ومروان سوار)، والألوسي، روح المعاني (4/20).
(4) الجواهر الحسان في تفسير القرآن ( 2/99).
(5) أي الكشف والبيان في التفسير، وهو لأبي منصور عبد الملك بن أحمد بن إبراهيم الثعالبي، انظر: حاجي خليفة كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/1488) ، مكتبة المثنى- بيروت، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
(6) المرجع السابق ( 12/21 )
(7) الألوسي- روح المعاني (12/ 21).(1/29)
ومما يضعف هذا القول أيضا ما أشرنا إليه في المبحث الثاني من الفصل الثاني عدم صحة استثناء آيات التحدي من السور التي وردت فيها (1) .
القول الثالث : إن قوله في هود: ( فأتوا بعشر سور مثله) معناه: مثل البقرة إلى هود، وهي العاشرة، وهو قول الكرماني (2) ، وعزى بعضهم القول به لابن عباس رضي الله عنهما (3) .
ويُرد على هذا القول بأن سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة، مدنيات نزلن بعد سورة هود، فكيف تم التحدي بها قبل نزولها؟.
قال أبو حيان:" وهذه السور أكثرها مدني، فكيف تصح الحوالة بمكة على ما لم ينزل بعد؟، ولعل هذا لا يصح عن ابن عباس" (4) .
ولا يخفى أيضا أن حاصل هذا القول على ضعفه وبطلانه يقضي أن يكون مبنى التحدي بعشر سور أيضا، وهذا لا يحل إشكالية تأخر هود عن يونس، فيبقى أن التحدي بعشر جاء بعد التحدي بسورة.
__________
(1) انظر: (ص: 17 ).
(2) الكرماني، محمود بن حمزة بن نصر، أسرار التكرار في القرآن (1/23) دار الاعتصام ، دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا ، وعدّها الكرماني عشر سور مع هود ، ابتداء من سورة البقرة ، ثم عاد المصنف عند كلامه عن أسرار التكرار في سورة يونس (1/102) ليثبت خلافه ويقول: " وما في هود إشارة إلى ما تقدمها من أول الفاتحة إلى سورة هود، وهو عشر سور" فزاد الفاتحة فيها وأخرج هود منها.
(3) انظر: أبا حيان، البحر المحيط، ( 5/208)، والألوسي (12/ 20) مرجعان سابقان، ولم أجده مسندا عن ابن عباس.
(4) البحر المحيط ( 5/208).(1/30)
القول الرابع : إن المراد بقوله: (فأتوا بعشر سور مثله) يراد منه السور العشر التي سبقتها والتي حوت القصص القرآني، وممن قال بهذا السيد محمد رشيد رضا، وقد لخص كلامه سيد قطب رحمه الله فقال:" ولقد حاول السيد رشيد رضا في تفسير المنار أن يجد لهذا العدد "عشر سور" علة، فأجهد نفسه طويلا- رحمه الله- ليقول: إن المقصود بالتحدي هنا هو القصص القرآني، وأنه بالاستقراء يظهر أن السور التي كان قد نزل بها قصص مطول إلى وقت نزول سورة هود كانت عشرا، فتحداهم بعشر ... لأن تحديهم بسورة واحدة فيه يعجزهم أكثر من تحديهم بعشر، نظرا لتفرق القصص وتعدد أساليبه، واحتاج المتحدى إلى عشر سور كالتي ورد فيها ليتمكن من المحاكاة إن كان سيحاكي ... الخ، ونحسب- -والله أعلم- أن المسألة أيسر من كل هذا التعقيد. (1) "
ولا يخفى أن هذا القول فيه تكلف ظاهر.
وإذا عرفت بطلان هذه الأقوال جميعها نقول: إن قول الفريق الأول أقوم قيلا وأقوى دليلا، وبخاصة أنك عرفت ضعف الروايات التي اعتمد عليها العلماء في ترتيب النزول.
المبحث الرابع : وقفات مع الآية الأخيرة من آيات التحدي.
لقد اخترت آية البقرة لأنها آخر آيات التحدي يقينا، فهي الآية الوحيدة المدنية، لأن السور السابقة التي وردت فيها آيات التحدي جميعها مكية، ولم يصح استثناء آيات التحدي منها.
ودراسة آية سورة البقرة –آخر آيات التحدي- دراسة تفصيلية تحتاج جهدا كبيرا لا يتسع إليه هذا البحث، لذا فإني أقف مع هذه الآية الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: إن هذه الآيات قد صُدِّرت بالخطاب في الآيتين قبلها بقوله تعالى: ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ... .) (2) .
__________
(1) سيد قطب، في ظلال القرآن (م4/523) مرجع سابق، وانظر كلام محمد رشيد رضا في تفسير المنار (12/32-45) مرجع سابق.
(2) (البقرة : 21).(1/31)
وقد اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب على أربعة أقوال: أحدها أنه عام في جميع الناس، وهو قول ابن عباس، والثاني أنه خطاب لليهود دون غيرهم قاله الحسن ومجاهد، والثالث أنه خطاب للكفار ومشركي العرب وغيرهم قاله السدي، والرابع أنه خطاب للمنافقين واليهود، قاله مقاتل (1) .
والراجح في ذلك أن الخطاب لأهل اللسان العربي، وهذا الذي يفهم من السياق إذ التحدي وقع بنظم القرآن، فلا يتحدى غير العرب بما لا يعرفون، وإذا عجز العرب فغيرهم أعجز.
وقد استفاد بعضهم (2) من عموم الخطاب بـ (يا أيها الناس) ليقرر أن التحدي وقع بوجوه الإعجاز المختلفة، والأول أولى لما تقرر سابقاً من أن التحدي وقع بالنظم كما في المبحث السادس من الفصل الأول.
الوقفة الثانية: عود الضمير في قوله (من مثله)، وموقع (من) من الإعراب.
اختلف العلماء في موقع (من) في الآية الكريمة على أقوال، ويتضح موقعها أكثر عند معرفة عود الضمير (الهاء) في قوله (من مثله) فقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن الهاء تعود على (نزّلنا) أي القرآن الكريم، وهو قول جمهور العلماء (3) .
__________
(1) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، (1/47)، المكتب الإسلامي- بيروت، (ط3/ 1404هـ).
(2) انظر: عباس، د. فضل وسناء فضل، إعجاز القرآن الكريم (ص:33).مرجع سابق.
(3) انظر: الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (1/165-166)، دار الفكر (1405هـ، 1984م) والقرطبي، الجامع لأحكام القرآن (1/232) مرجع سابق.(1/32)
فيكون (من مثله) صفة لسورة، أي سورة كائنة من مثل المنزل، ويكون معنى (من) التبعيض (1) . وقال ابن عطية: "هي للتبعيض أو لبيان الجنس" (2) .
فإن قيل: كيف قال: من مثل القرآن ولا مثل له، قيل: أراد به من مثله على زعمهم (3) .
والمعنى على هذا القول: أي فأتوا بمثل نظمه (4) ، قال ابن عطية:" قال الأكثر من مثل نظمه ووصفه وفصاحة معانيه التي يعرفونها، ولا يعجزهم إلا التأليف الذي خص به القرآن، وبه وقع الإعجاز على قول حذاق أهل النظر" (5) .
وقيل: من مثله في غيوبه، وصدقه وصيانته من التحريف، وقدمه، والقول الأول أبين؛ لأن التحدي وقع بنظم القرآن (6) .
__________
(1) انظر: السمين الحلبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، (1/152)، دار الكتب العلمية- بيروت (ط 1/1994م)، تحقيق الشيخ علي معوّض وجماعة، والرازي، التفسير الكبير، (2/118)، دار إحياء التراث العربي- بيروت (ط3).
(2) ابن عطية، المحرر الوجيز (1/194) مرجع سابق.
(3) السمعاني، ابو المظفر، تفسير سورتي الفاتحة والبقرة (1/421)، مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة، (ط 1/1416هـ، 1995م) دراسة وتحقيق عبد القادر منصور.
(4) انظر: الزركشي، البرهان (2/108)، مرجع سابق.
(5) ابن عطية ، المحرر الوجيز، ( 1/194).
(6) المرجع السابق، (1/195)، ودرويش محي الدين، إعراب القرآن الكريم وبيانه، (1/57)، دار ابن كثير- دمشق (ط 5/ 1417هـ) .(1/33)
القول الثاني: إن الهاء تعود على (عبدنا )، والمعنى فأتوا بسورة من رجل أميّ مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يحسن الكتابة، ولم يجالس أو يدارس العلماء أو يجالس الحكماء، ولم يؤثر عنه ذلك بحال من الأحوال، أو فأتوا من مثل الرسول أي من كل رجل كما تحسبونه في زعمكم شاعر أو مجنون (1) ، فيتعلق (من مثله) بـ (ائتوا) ويكون صفة لسورة، أي بسورة كائنة من رجل مثل عبدنا (2) ، كونه عليه السلام كان عبدًا أميا (3) .
وذهب بعضهم (4) إلى أن (من) زائدة على هذا المعنى لقوله تعالى في سورة يونس: (فأتوا بسورة مثله) (5) ، وهذا القول ضعيف، وسيتضح ضعفه عند بيان القول الراجح .
والأرجح في (من) أنها تبعيضية جاءت لحكمة كما سيتضح بعد قليل (6) .
القول الثالث: إن الهاء تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله: ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه) (7) ، قال السمين الحلبي: " ولا حاجة تدعو إلى ذلك، والمعنى يأباه أيضا" (8) .
__________
(1) انظر: السمرقندي، أبو الليث، نصر بن محمد، بحر العلوم (1/102)، دار الكتب العلمية- بيروت، (ط1/ 1413هـ،1993م)، تحقيق علي محمد معوّض وآخرون، والشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير (1/52) ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي- مصر(ط 2/1383هـ،1964م) ودرويش، إعراب القرآن وبيانه، (1/57) مرجع سابق.
(2) السمين الحلبي، الدر المصون (1/152)، مرجع سابق.
(3) ابن الجوزي، زاد المسير، (1/50)، مرجع سابق.
(4) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (1/233) مرجع سابق، والشوكاني فتح القدير (1/52) مرجع سابق.
(5) (يونس: 38).
(6) انظر صفحة (25 ).
(7) - (النحل: 66).
(8) السمين الحلبي، الدر المصون، ( 1/152) مرجع سابق.(1/34)
القول الرابع: إن الضمير عائد على التوراة والإنجيل، لأن المعنى، فأتوا بسورة من كتاب مثله، فإنها تصدّق ما فيه (1) ، وهذا القول بعيد لأنه خارج عن التحدي المقصود بالآية.
القول الخامس: إنه عائد على الله تعالى، قال الزركشي عن هذا القول إنه ضعيف، بقوله: (بعشر سور مثله) (2) والسياق فيهما واحد (3) .
الراجح في عود الضمير.
والذي يظهر من خلال عرض الأقوال السابقة أن أوجه ما قيل في عود الضمير أنه عائد على القرآن أوعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والأول أرجح، وذلك لوجوه :
أولاً: إن هذا القول عليه جمهور العلماء، وأسنده ابن جرير عن مجاهد وقتادة (4) ، وصوّبه ابن كثير وقال:" اختاره ابن جرير الطبري ، والزمخشري، والرازي، ونقله عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، والحسن البصري وأكثر المحققين" (5) .
ثانياً:إن ذلك مطابق لسائر الآيات الواردة في باب التحدي لاسيما ما جاء في سورة يونس:(فأتوا بسورة مثله) (6) .
ثالثا: إن البحث إنما وقع في المنزل لا في المنزل إليه لأنه قال: ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا) فوجب صرف الضمير إليه (7) .
__________
(1) الشوكاني، فتح القدير (1/52).
(2) (هود: 13).
(3) الزركشي، البرهان، (2/108)، مرجع سابق.
(4) الطبري، جامع البيان، (1/165) مرجع سابق.
(5) ابن كثير ، ( 1/ 59)، مرجع سابق ، وانظر : الزمخشري ، أبا القاسم محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ( 1/ 48 )، دار المعرفة_ بيروت ، لم تذكر سنة الطبع .
(6) انظر: الرازي، التفسير الكبير، (2/118)، مرجع سابق.
(7) انظر: الزمخشري ، الكشاف ( 1/48 ).(1/35)
رابعا: إن عود الضمير على القرآن يقتضي كونهم عاجزين عن الإتيان بمثله سواء اجتمعوا أو انفردوا، وسواء كانوا أميين، أو كانوا عالمين، أما عود الضمير على محمد صلى الله عليه وسلم فذلك لا يقتضي إلا كون أحدهم من الأميين عاجزين عنه لأنه لا يكون مثل محمد إلا الشخص الواحد الأمي، فأما لو اجتمعوا وكانوا قارئين لم يكونوا مثل محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الجماعة لا تماثل الواحد، والقارئ لا يكون مثل الأمي، فالإعجاز على الوجه الأول أقوى (1) .
خامسا: في صرف الضمير إلى القرآن نقرر كون القرآن معجزا لكمال حاله في الفصاحة، وأما لو كان الضمير مصروفا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيقرر حال النبي في كونه أميا بعيدا عن العلم، وهذا وإن كان معجزا أيضا إلا أنه يقرر نوعًا من النقصان في حقه صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فالأول أولى (2) .
سادسا: لو كان الضمير مصروفا إلى محمد عليه السلام لكان ذلك يوهم أن صدور مثل القرآن ممن لم يكن مثل محمد في كونه أميا ممكن، أي أنه ممكن لغير الأمي أن يأتي بمثله، ولو صرفنا الضمير إلى القرآن لدل ذلك على أن صدور مثل القرآن من الأمي وغير الأمي ممتنع فكان هذا أولى (3) .
الوقفة الثالثة: الحكمة من مجيء(من) التبعيضية في قوله (من مثله).
من خلال الوقوف على هذه الحكمة يتبين لنا الفرق بين هذه الآية وآية سورة يونس: (فأتوا بسورة مثله) من غير (من).
__________
(1) انظر: الرازي ، التفسير الكبير ( 2/118 ).
(2) انظر: المرجع السابق ، (2/118).
(3) انظر: المرجع السابق، (2/118).(1/36)
قال البقاعي: " وحكمة الإتيان بمن التبعيضية في هذه السورة دون بقية القرآن أنه سبحانه لما فرض لهم فيها الريب الذي يلزم منه زعمهم أن يكونوا اطلعوا له على مثيل أوسمعوا أن أحدًا عثر له على شبيه اقتضى الحال الإتيان بهذا ليفيد أن المطلوب منهم في التحدي قطعة من ذلك المثل الذي ادعوه حكيمة المعاني، متلائمة المباني، منتظم أولها بآخرها كسور المدينة في صحة الانتظام وحسن الإلتئام.." (1)
وقال الكرماني: بعد أن بيّن أن (من) في الآية للتبعيض :" لما كانت هذه السورة سنام القرآن وأوله بعد الفاتحة حسن دخول (من) فيها ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن من أوله إلى آخره، وغيرها من السور لو دخلها (من) لكان التحدي واقعا على بعض السور دون بعض، ولم يكن ذلك بالسهل. (2) "
الوقفة الرابعة: عند قوله تعالى: ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا).
يأتي الحق سبحانه وتعالى بالنتيجة قبل أن يتم التحدي، لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أنهم لن يفعلوا ولن يستطيعوا.
إن قوله سبحانه: ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) حكم عليهم بالفشل وقت نزول القرآن، وبعد نزول القرآن إلى يوم القيامة؛ لأن الله لا يخفى عن علمه شيء فهو بكل شيء عليم. (3)
ف (لن ) لنفي التأبيد في المستقبل، أي ولن تفعلوا ذلك أبداً.
__________
(1) البقاعي، برهان الدين إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، ( 1/63)، دار الكتب العلمية- بيروت( ط1/ 1995م)، خرج أحاديثه ووضع حواشيه عبد الرزاق غالب المهدي.
(2) الكرماني، أسرار التكرار في القرآن، (ص: 24)، مرجع سابق .
(3) انظر: الشعرواي، محمد متولي، تفسير الشعرواي (1/200)، أخبار اليوم ( لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع).(1/37)
قال ابن كثير: " وهذه أيضا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبرًا جازما قاطعًا مقدمًا غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين، وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن..." (1) .
خاتمة
من كل ما تقدم أستعرض أهم النتائج التي توصلت إليها وأجملها فيما يلي :
أولا : إن سماع القرآن حجة على سامعه ، وقد تحدى القرآن أفصح الفصحاء فعجزوا عن الإتيان بمثله والتحدي به قائم إلى يوم القيامة .
ثانيًا : تظهر الحاجة إلى التحدي لكون التحدي دليلًا على صدق الرسول الذي جاء بالمعجزة ، وفي التحدي بالقرآن تثبيت لفؤاده صلى الله عليه وسلم، وفيه إقامة الحجة وإظهار البرهان على صدق القرآن .
ثالثًا : وقع التحدي بألفاظ القرآن المتلوة، لا كما قال بعض الأشاعرة أنه وقع بالكلام القديم القائم بالذات، وقد نسب القول به إلى أبي الحسن الأشعري ، والأظهر عدم صحة نسبة هذا القول إليه ، أو أنه قال به ثم تراجع عنه في آخر قوليه .
رابعًا : إن القرآن غير مخلوق، ولا يجوز أن نقول : إنه حكاية ، أو دلالة ، أو عبارة عن كلام الله ، وإنما هو كلام الله تعالى .
خامسًا : جمهور العلماء على أن التحدي وقع للإنس والجن، وتخصيصهما بالذكر لأن المنكر لكونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما والتحدي إنما كان لهما .
سادسًا: إن التحدي يقع بكل سورة بكمالها ، وينبغي أن نفرق بين (معجز)، وبين (معجز وقع به التحدي)، فنصوص القرآن حددت (سورة) في أقل مراحل التحدي، فيجب أن نقف عند النص ولا نتجاوزه، ولا يفهم أن آية الدين أو الكرسي غير معجزة ، فالمعجز ما عجز عنه أهل الفصاحة والبيان ولو كان كآية الكرسي؛ لكن الذي وقع به التحدي سورة من القرآن .
__________
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم ( 1/60) مرجع سابق.(1/38)
سابعًا: الذي عليه جمهور العلماء والحذاق ، وهو الصحيح في نفسه أن التحدي وقع في نظم القرآن وما يتصل به من الفصاحة والبيان .
ثامنًا: إن التحدي كان مرحليًا متدرجًا في قول جمهور العلماء ، فوقع بالقرآن أولًا ، ثم بعشر سور منه، ثم بسورة ، وما ذكر من أن سورة هود التي جاء التحدي فيها بعشر سور متأخرة نزولًا عن سورة يونس التي جاء التحدي فيها بسورة واحدة فاعتماد أصحابه على روايات ضعيفة لا تقوم بها الحجة .
تاسعًا: الراجح في عود الضمير في قوله: ( فأتوا بسورة من مثله) أنه يعود على القرآن ، والخطاب في الآية لأهل اللسان العربي، و(من) في الآية تبعيضية جاءت في سورة البقرة دون سورة يونس التي فيها: (فأتوا بسورة مثله)؛ لأن سورة البقرة سنام القرآن وأوله بعد الفاتحة، فحسن دخول (من) فيها ليعلم أن التحدي واقع على جميع سور القرآن، من أوله إلى آخره .
ثبت المراجع
1- إبراهيم مصطفى وجماعة، المعجم الوسيط، دارإحياء التراث العربي، بلا طبعة ولاسنة طبع.
2- أحمد بن إبراهيم بن عيسى، توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، المكتب الإسلامي – بيروت، (ط3/ 1406هـ)، تحقيق زهير الشاويش.
3- الأشعري، أبو الحسن، علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، دار إحياء التراث العربي- بيروت (ط3)، لم تذكر سنة الطبع.
4- الألوسي، أبو الفضل محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي- بيروت، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
5- الإيجي، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد، المواقف، دار الجليل- بيروت، (ط1/ 1997م)، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة.
6- الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، إعجاز القرآن، دار الفكر (ط1/1986م).
7- الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، مؤسسة الكتب الثقافية- بيروت، ( 1/1987م).(1/39)
8- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري ومعه فتح الباري، دار الريان- القاهرة (ط1/ 1987م)، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
9- البقاعي، برهان الدين إبراهيم بن عمر، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، دار الكتب العلمية –بيروت، (ط 1/1995م)، خرج أحاديثه ووضع حواشيه عبد الرزاق المهدي.
10- البغوي، الحسين بن مسعود، معالم التنزيل، دار المعرفة- بيروت(ط2 / 1407هـ،1987م)، تحقيق خالد العك ومحمد سوار.
11- البيضاوي، عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، دار الفكر – بيروت، (1996م)، تحقيق عبد القادر حسونة.
12- البيهقي،أبو بكر، أحمد بن الحسين، دلائل النبوة، دار الريان للتراث- القاهرة (ط1/ 1408هـ،1988م)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي.
13- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، دار المعرفة- الرياض، ( ط1/ 1412هـ )، تحقيق د. علي حسن وآخرين.
14- الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، الجواهر الحسان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي- بيروت.
15- ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن محمد، زاد المسير في علم التفسير، المكتب الإسلامي- بيروت، (ط3/ 1404هـ ).
16- حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي العرب والفنون، مكتبة المثنى- بيروت، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
17- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، تقريب التهذيب، مؤسسة الرسالة(ط1/ 1416هـ).
18- ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، طبقات المدلسين، مكتبة المنار- عمان، (ط 1/ 1403 هـ،1983م)، تحقيق د. عاصم القريوتي.
19- ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي –القاهرة، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
20- ابن حنبل، أحمد بن محمد، بحر الدم، دار الراية- الرياض، (ط1/1989).
21- أبو حيان، محمد بن يوسف الغرناطي، البحر المحيط، دار الفكر، (ط2/1398هـ).(1/40)
22- الخالدي، د. صلاح عبد الفتاح، البيان في إعجاز القرآن، دار عمار- عمان، (ط3/ 1413).
23- الخطابي، أبو سليمان حمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، بيان إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، دار المعارف- مصر (ط2/ 1387هـ،1968م)، تحقيق محمد خلف، ومحمد زغلول.
24- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، مقدمة ابن خلدون، دار القلم، (ط5/ 1984م).
25- درويش، محي الدين، إعراب القرآن الكريم وبيانه،دار ابن كثير- دمشق، ... (ط5/ 1417هـ،1994م).
26- الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة- بيروت، (ط 9/ 1413هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعيم.
27- الرازي، أبو بكر، أحمد بن علي الجصاص، أحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي- بيروت (1405هـ)، تحقيق د. محمد الصادق القمحاوي.
28- زرزور، عدنان محمد، علوم القرآن، المكتب الإسلامي- بيروت،(ط3/1412هـ).
29- الزرقاني، محمد عبد العظيم، مناهل العرفان، دار الكتب العلمية- بيروت، (ط1/1988م).
30- الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله، البرهان في علوم القرآن، دار الفكر(1988م)
31- الزمخشري، أبو القاسم، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التأويل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار المعرفة- بيروت، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
32- الزوزني، أبو عبد الله الحسين بن أحمد، شرح المعلقات السبع، دار الجليل (ط2/ 1972م).
33- السبكي، تاج الدين تقي الدين، طبقات الشافعية الكبرى، دار المعرفة- بيروت (ط2) لم تذكر سنة الطبع.
34- أبو السعود، محمد بن محمد العمادي، تفسير أبي السعود، المسمى: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار الفكر، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
35- السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد، بحر العلوم، دار الكتب العلمية- بيروت (ط1/ 1413هـ،1993م)، تحقيق علي معوض وآخرون.(1/41)
36- السمعاني، أبو المظفر، تفسير سورتي الفاتحة والبقرة، مكتبة العلوم والحكم- المدينة المنورة، (ط1/ 1416هـ،1995م)، دراسة وتحقيق عبد القادر منصور.
37- السمين الحلبي، شهاب الدين أبو العباس بن يوسف، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، دار الكتب العلمية- بيروت (ط1/ 1994م).
38- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، دار التراث- القاهرة، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
39- السيوطي، جلال الدين ، طبقات الحفاظ، دار الكتب العلمية–بيروت (ط1/ 1403هـ).
40- السيوطي، جلال الدين ، معترك الأقران في إعجاز القرآن، دار الفكر العربي، تحقيق علي محمد البجاوي.
41- شاكر، محمود شاكر، في تقديمه لكتاب (الظاهرة القرآنية) لمالك بن نبي، دار الفكر- دمشق (1406هـ،1986م).
42- الشعراوي،محمد متولي، تفسير الشعراوي، أخبار اليوم، بلا طبعة ولا سنة طبع.
43- الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، مطبعة مصطفى البابي الحلبي- مصر(ط2/ 1383هـ،1964م).
44- ابن الضريس، أبو عبد الله محمد بن أيوب البجلي، فضائل القرآن، دار الفكر- دمشق (ط1/1408هـ،1987م)، تحقيق غزوة بدير.
45- الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار الفكر ( 1405هـ،1984م).
46- عائشة عبد الرحمن، (بنت الشاطئ)، الإعجاز البياني ومسائل ابن الأزرق، دار المعارف- مصر، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع.
47- عباس، د. فضل وسناء فضل، إعجاز القرآن(عمان/ 1991م)بلا طبعة ولا دارنشر.
48- عبد الباقي بن عبد الباقي، العين والأثر في عقائد أهل الأثر، دار المأمون للتراث- دمشق (ط1/1987م)، تحقيق عصام قلعجي.
49- عبد الرحمن بن محمد، الغينة في أصول الدين، مؤسسة الخدمات والأبحاث-بيروت (ط1/ 1987م)، تحقيق عماد الدين أحمد حيدر.
50- ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية (ط4/ 1391هـ).(1/42)
51- ابن عطية، عبد الحق بن عطية الغرناطي، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ( القاهرة- 1974م)، تحقيق أحمد الملاح.
52- ابن قدامه، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، تحريم النظر في كتب الكلام، دار عالم الكتب- الرياض، (ط1/1990م) تحقيق عبد الرحمن بن محمد دمشقية.
53- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، دار إحياء التراث العربي- بيروت (ط 2/ 1405هـ،1985م).
54- القطان، مناع خليل، مباحث في علوم القرآن، دار إحياء التراث العربي- بيروت (ط2)، لم تذكر سنة الطبع.
55- قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار إحياء التراث العربي- بيروت (ط1/1391هـ).
56- ابن القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان، دار الكتب العلمية- بيروت (ط2/1408هـ،1988م).
57- ابن كثير، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دارالمعرفة–بيروت (1388هـ،1969م).
58- الكرماني، محمود بن حمزة بن نصر، أسرار التكرار في القرآن، دار الاعتصام، دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا.
59- الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، أعلام النبوة، دار الكتاب العربي- بيروت، (ط1/1987م).
60- محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم المشتهر باسم تفسير المنار، دار المنار- مصر ( ط4/1373هـ،1954م).
61- ابن منظور، محمد بن مكرم ، لسان العرب، دار صادر-بيروت، (ط1/1990م).
62- النحاس،أحمد بن محمد بن إسماعيل، الناسخ والمنسوخ، مكتبة الفلاح- الكويت (ط1/1408هـ)، تحقيق د. محمد عبد السلام محمد.
63- النسفي ، عبد الله بن أحمد بن محمود، تفسير النسفي، دار الكتاب العربي - بيروت، لم تذكر الطبعة ولا سنة الطبع .(1/43)