الإعجاز العلمي النبوي
في دعاء تصحيح المدينة
د.عبد البديع حمزة زللي
أستاذ بكلية العلوم في جامعة طيبة
بالمدينة المنورة
تتجلى من حين لآخر آيات من الإعجاز في القرآن الكريم وفي أقوال وأفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - , وذلك منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى الهادي البشير والسراج المنير - صلى الله عليه وسلم - . وقد أخذت هذه المعجزات تتجلى بشكلٍ كبير بعد أن توسعت مجالات العلوم والمعرفة في العصر الحديث توسعاً عظيماً لم يعرفه التاريخ من قبل. ونتيجة لتطور مخترعات الكشف والتحليل, ظهرت حقائق علمية لم يعرفها الناس في العصور السابقة, لكننا نجد أن القرآن الكريم قد دَلَّ أو أشار بشكل معجز على حقيقة من هذه الحقائق المكتشفة حديثاً, أو أن الذي بُعِثَ بجوامع الكلم - صلى الله عليه وسلم - قد أجرى الله سبحانه وتعالى على لسانه أقوالاً أو كلمات تدل عليها دلالة واضحة، لتبقى آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عبر العصور التي تمضي عليها عاملاً قوياً يزيد في إيمان المؤمنين, ودليلاً معجزاً يدل على صدق نبوته - صلى الله عليه وسلم - .
ومن الإعجاز العلمي اللغوي في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول أقوالاً أو يختار لمواضيع مختلفة ألفاظاً أو كلمات محددة تتناسب بشكل دقيق مذهل مع الموضوع الذي كان يقوله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يخبر عنه، ومن أقواله - صلى الله عليه وسلم - المعجزة أنه قد تَحَدَّثَ أو أخبر عن أمور تتعلق بالصحة والطب وسلامة البيئة، رغم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن طبيباً ولم يدرس الطب في حياته, لكنه جاء بشيء من الطب النبوي كآية من الآيات المعجزة التي تدل على صدق نبوته.(1/1)
لقد دلَّ علم أسباب الأمراض أن مصادر الأمراض المعدية إما أن تكون محصورة في نطاق محدود ضيق, وإما أن تنتشر في نطاق كبير واسع لتصيب أعداداً كبيرة من البشر في وقت واحد، وتسبب مرضاً وبائياً. وقد تمكن علماء العصر الحديث من وضع التعليمات والإرشادات التي توضح كيفية التعامل مع المرضى المصابين بالأمراض المعدية والمصابين بالأمراض الوبائية الفتاكة, وذلك بعد أن عرفوا مصادر الأمراض بشكل دقيق, ومن الإعجاز النبوي أننا نجد أن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - قد أخبرنا عن بعض هذه الاكتشافات الحديثة, بل وقد عرَّفنا كيف نتعامل التعامل الصحيح الصريح الذي يحول دون انتقال العدوى من المرضى إلى غيرهم, وذلك قبل أن يكتشف هذه الأمور علماء العصر الحديث (1) .
والتأمل في دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتصحيح المدينة لنقل حُمّاها إلى أماكن أخرى لتكون مدينة صحية تخلو من مصادر الأمراض البيئية يكشف أيضاً عن جوانب أخرى من الإعجاز العلمي.
وجوانب الإعجاز الذي سيتناوله هذا البحث تتعلق بالوباء والحمى, والحكمة في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقلها, واختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفظات الُجْحَفة، ومَهْيَعَة، وخُمّ كإشارة إلى أماكن ُينقل إليها الوباء.
لقد ذكر الحافظ ابن حجر (2) رحمه الله أنه بفضل دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عادت المدينة أصح بلاد الله بعد أن كانت بخلاف ذلك، وكان منع دخول الطاعون المدينة من خصائص المدينة ولوازم دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لها بالصحة.
__________
(1) عبد البديع حمزة زللي. الإعجاز العلمي في لفظتي المريض والممرض في الأحاديث النبوية الشريفة,مجلة بحوث ودراسات المدينة المنورة, العدد26: 185-206(1429هـ).
(2) فتح الباري لابن حجر 10/191.(1/2)
ومن الإعجاز ما يراه الناس كيف انساقت معاني هذه اللفظات الثلاث لتتوافق بشكل عجيب مع ما اكتشفه العلماء عن حقيقة نقل الوباء من الأماكن الموبوءة إلى أماكن جديدة مهيئة لنمو وتكاثر الكائنات الحية الممرضة المُمَثِّلة لهذا الوباء.
وسنعرض في ما يلي الأحاديث التي ذكر فيها الدعاء النبوي الشريف لتصحيح المدينة, ثم نُظهر بعد ذلك جوانب من الإعجاز العلمي في هذا الدعاء.
روى الإمام البخاري (1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال, وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبِّح في أهله ... والموت أدنى من شِراك نَعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلة ... بفخّ وحولي إذخر وجليل
وهل أردنْ يوماً مياه مَجَنَّة ... وهل يبدُوَنْ لي شامة وطَفيل
وقال: اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء.
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"اللهم حبب إلينا المدينة كحُبِّنا مكة أو أشد, اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدِّنا, وصحِّحهَا لنا, وانقل حُمَّاها إلى الجحفة".
قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله, قالت: فكان بُطحان يجري نجلاً، تعني: ماء آجناً."
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب كراهة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تُعْرَى المدينة 6/449، وروى الحديث الإمام مسلم بدون ذكر الأبيات، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها 7/119، والإمام أحمد ابن حنبل في المسند، مسند عائشة رضي الله عنها, 6/267,حديث رقم 26084.(1/3)
وروى أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة, حتى قامت بمهيعة- وهي الجحفة- فأوَّلت أن وباء المدينة نُقل إليها" (1) .
وروى الإمام أحمد (2) رحمه الله في مسنده, عن أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثم صلى بأرض سعد بأصل الحرة, عند بيوت السقيا, ثم قال: (اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك...) الحديث، وفيه: (اللهم حبّب إلينا المدينة، واجعل ما بها من وباء بخم، اللهم إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم).
التأمُّل في أحاديث تصحيح المدينة:
لو تأملنا في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتصحيح المدينة، وأحاديث الرؤيا المتعلقة بهذا الأمر، لوجدنا أن هذا الدعاء يتكون من شقين اثنين:
الشق الأول:
هو تصحيح المدينة، والقضاء على وبائها الذي اشتهرت به في ذلك الحين, وهو الذي كان يسبب إصابة بعض من يسكنها بالحمى.
الشق الثاني:
هو نقل الوباء منها إلى الجحفة ومَهْيَعَة وخُمّ.
ولو تمعنّا في هذين الشقين من الدعاء لرأينا أن الشق الأول هو الأمر المطلوب الذي كان ينشده الناس في ذلك الحين وفي كل الأزمنة، بينما قد تُثار في النفس أسئلة واستفسارات عن الشق الثاني من الدعاء وهو نقل الوباء من المدينة إلى أماكن سُميت بأسماء مُختارة.
فما الحكمة في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بدعاء الخالق القادر جلّت قدرته بتصحيح المدينة دون أن يتضمن هذا الدعاء نقل وبائها إلى أماكن أخرى سمّاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كُورة فأسكنه موضعاً آخر، 21/418. وابن ماجه في سننه، باب تعبير الرؤيا 11/407. والترمذي في سننه، باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم 8/254.
(2) المسند. مسند الأنصار, 5/209,حديث رقم 22696.(1/4)
وهل المقصود بالجُحْفَة ومَهْيَعَة وخُمٍّ هو بالذات الميقات الذي يُحرم منه الحجاج والمعتمرون من أهل الشام ومن يأتي إليه من آسيا وأوروبا عبر طريق شمال الجزيرة؟
أم يكون المقصود بذلك هو نوع من الإعجاز اللغوي والبلاغي في كلام وأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
وإذا كان وجود الوباء في بيئة المدينة يعمل على إصابة البعض بالحمى, فإن انتقال هذا الوباء إلى بيئة أخرى يعني أن هذا المكان سيصبح بيئة موبوءة تسبب الأمراض لمن يعيش فيه، بل ويمتد أذاه إلى من يأتي إليه.
فهل نهى المبعوث رحمةً للعالمين الناسَ من الورود إلى هذا المكان حتى يبتعدوا عن احتمال الإصابة بالوباء؟.
أم جعل الجحفة ميقاتاً يحرم منه الحجاج والمعتمرون، ونقطة بداية نسكٍ عظيم ينطلق منه المسلمون إلى مكة المكرمة حيث يتجمع ويتزاحم فيها الناس من كل فجٍ عميق؟.
إن البحث في موضوع الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بالحمى، وفي الدعاء النبوي المتعلق بتصحيح المدينة من وبائها ونقله إلى أماكن أخرى؛ يكشف عن جوانب من الإعجاز النبوي تتمثل في الإشارة إلى تعريف الحمى، واختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللفظات الثلاث: ( الجحفة ومَهْيَعَة وخُمّ ) كمواطن تنتقل إليها مُسببات الحُمَّى.
ولن نُدرك جوانب الإعجاز النبوي بوضوح إلا حين نشاهد ما كشفه العلم الحديث عن حقيقة الوباء والحمى، ونعرف ما ذكره علماء اللغة عن معاني اللفظات الثلاث التي ورد ذكرها في الأحاديث المتعلقة بتصحيح المدينة: (الجحفة ومَهْيَعَة وخُمّ).
ما هو الوباء؟(1/5)
قال أهل اللغة (1) الوباء هو: المرض العام. يقال: أوبأت الأرض فهي موبئة, ووبئت بالفتح فهي: وبئة, وبالضم فهي موبؤة. وتُعرِّف الموسوعات العلمية الوباء بأنه انتشار مرض يهاجم عدداً من الناس في وقت واحد تقريباً. وقد ينتشر الوباء في مجتمع واحد أو عدة مجتمعات. وعندما ينتشر مرض ما في إقليم معين بشكل دائم يقال: إنه مرض متوطن. ويصاب الناس بالأمراض التي تعتبر وبائية من جراثيم تنتقل من شخص لآخر. وتساعد معرفة مسبب المرض وطريقة انتشاره في القضاء على الأوبئة. فعلى سبيل المثال: تسبب الطاعون الدبلي في هلاك حوالي 60مليون شخص في أوروبا في العصور الوسطى, ثم عرف الناس أنهم أصيبوا بالمرض من براغيث تحملها الجرذان, وعندما تمّ قتل هذه الدواب توقف الوباء. ومن أساليب كفاح الوباء حفظ البيئة نظيفة لكي لا تتكاثر الجراثيم، وإرغام الناس على الحجر الصحي.
ويسبب الوباء كائنات حية مُمْرِضَة تتمثل غالباً في كائنات حيّة دقيقة مجهرية، أي: لا يمكن مشاهدتها إلا بواسطة المجاهر (الميكروسكوبات)، ومن أهمّ هذه الكائنات الفيروسات والبكتريا والفطريات والأوليات، كما يسبب الوباء أيضاً الديدان. وتُسمى جميع الكائنات الحيّة التي تسبب الأمراض الكائنات المُمْرِضَة أو المُمْرِضَات. والوباء إما أن يكون وباءً حبيساً أو يكون وباءً طليقاً، ولارتباط هذا الموضوع بموضوع إظهار الإعجاز النبوي في الإشارة إلى حقيقة الوباء، فسنوضح في ما يلي هذين النمطين منه.
الوباء الحبيس:
__________
(1) فتح الباري, 10/191.(1/6)
يتمثل هذا النمط من الوباء في الكائنات الحيّة المُمْرِضَة التي تظل حبيسة في جسم الإنسان أو الحيوان المصاب بالمرض الوبائي، أو حبيسة في البيئات الخارجية، كالمستنقعات والمياه الراكدة الآسنة الملوثة بالبول والبراز والمواد العضوية الأخرى، والأماكن الوخمة العفنة التي تتجمع فيها الحيوانات النافقة والقاذورات. ولا يمكن لمثل هذا النمط من الوباء أن يصيب الناس إلا إذا تمكنت الكائنات المُمْرِضَة من الانتقال من الوسط الذي تعيش فيه، والدخول في جسم الإنسان السليم فتصيبه ــ بإذن الله ــ بالمرض. ويمكن أن ُيصنف الوباء الحبيس في نوعين هما:
1 - الوباء الحبيس في الأجسام:
هذا النوع من الوباء تسببه كائنات ممرضة تظل حبيسة في أجسام المرضى, ولا تنتقل منهم إلى غيرهم لتصيبهم بالعدوى, إلا في حالة انتقال شيء من دمهم بأي وسيلة إلى الآخرين, أي: لا ينتقل الوباء منهم إلى غيرهم بمخالطتهم، وإنما ينتشر عن طريق الحشرات والحيوانات. فالحشرات الماصّة للدم مثل: البعوض والبراغيث وغيرها من الحشرات التي تتغذى بالدم يمكنها أن تعمل على انتشار الوباء الحبيس في أجسام المرضى، ليصبح مرضاً عاماً، فهي تنقل الأمراض الخطيرة، وتسبب العدوى مثلاً بالحمى الصفراء والملا ريا (البرداء) التي تسبب الحمى.
2 - الوباء الحبيس في البيئة:(1/7)
هذا النوع من الوباء تسببه كائنات مُمْرِضة تظل حبيسة في أجسام المرضى، ولايمكنها أن تنتقل إليهم بشكل مباشر إلا عن طريق البيئة الخارجية, إذ تعتمد حياة الكائنات الممرضة على عائلين اثنين ,أحدهما الإنسان والآخر يوجد في البيئة، كالمياه الراكدة مثلاً التي تصلها الكائنات الممرضة المسببة للوباء عن طريق تبول أو تبرز المرضى, حيث تخرج الكائنات المسببة للمرض مع بولهم أو برازهم وتتحرر في الماء لتبحث عن عائلها الثاني، وتبقى حبيسة في هذه البيئة لايمكنها أن تصل إلى الآخرين إلا عن طريق دخول الناس في البيئات الموبوءة بشكلٍ مباشر دون حائل. ومن الأمراض البيئية التي تسببها بعض الكائنات الحيّة مرض البلهارسيا.
الوباء الطليق:
يتمثل هذا النمط من الوباء في الكائنات الحيّة الدقيقة المُمْرِضَة كالفيروسات والبكتريا التي تتحرر تلقائياً من المريض، فتخرج من جسمه بوسائل مختلفة، ويتلوث بها أيُّ شيء يلمسه المريض. والكائنات الطليقة إما أن تتحرر في بيئة محدودة تحيط بالمريض، ولا تنتقل إلى الآخرين إلا عند ملامسة المريض بدون حائل، كالكائنات المُمْرِضَة التي تسبب مرض الجذام، وإما أن تكون ذات قدرة عالية على الانتشار. وهذا النمط من الوباء شديد الخطورة؛ لأن الكائنات الممرضة لا تكون حبيسة في جسم المريض أو في البيئة الموبوءة وحسب، وإنما تكون طليقة في الهواء الذي يتواجد فيه المريض، أو تتحرر منه لتلوث الأشياء التي يُلامسها المريض، فيصبح ذلك الهواء وهذه الأشياء الملوثة مصدراً لانتشار الوباء بشكلٍ سريع. ومن أمثلة هذا الوباء، الأمراض المعدية السارية التي تنتقل بسهولة من شخصٍ إلى آخر، وتنتشر بسرعة عالية في المجتمع، كمرض الكوليرا والطاعون وأنفلونزا الطيور.
ما هي الحُمَّى؟(1/8)
ذكر ابن منظور (1) أن الحُمَّى والحُمَّةَ هي: علّةٌ يسْتَحِرَُّ بها الجسم. وتُعرِّف الموسوعات الطبية الحمى أنها: حالة ترتفع فيها درجة حرارة الجسم عن حدّها الطبيعي. وتحدث الحمى عندما تكون هناك إصابة مرضية أو ردة فعل لحساسية أو تسمم. وأغلب الأمراض المعدية يصحبها ارتفاع في درجة حرارة الجسم.
وقد أظهرت نتائج الأبحاث والدراسات الطبية أن ارتفاع درجة الحرارة في الأمراض المعدية هو إجراء وقائي يتخذه الجسم ضد الجراثيم المغيرة التي لا تعيش ولا تتكاثر في درجة حرارة عالية، فالحمى المعتدلة تعمل على تعجيل دفاع الجسم ضد الفيروسات والبكتريا المهاجمة، وتعمل أيضاً على زيادة سرعة سريان الدم لتساعد في القضاء على الجراثيم.
والحمى ليست مرضاً وإنما هي عَرَضٌ من أعراض معظم الأمراض المعدية التي قد تؤدي إلى التهاب أحد الأجهزة أو الأعضاء بالجسم أو تعمل على احتقانها، ويصاحب ذلك عادة آلام وارتفاع في درجة حرارة الجسم. وقد أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الأمر في التشبيه البليغ الذي شَبَّّهَ فيه ترابط المسلمين مع بعضهم بالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسم بالحمى والسهر. ففي هذا التشبيه دلالة واضحة على أن الحمى ليست هي المرض، وإنما تظهر بعد ما يحدث المرض.
وحالات الإصابة بالحمى تأتي عادة في نمطين من الحالات التالية:
1. الحالات الفردية: وهي الحمى التي تظهر في فرد أو عدد من الأفراد نتيجة تناول طعام أو شراب ملوّث بالجراثيم المُمْرِضة، فتهاجم عضواً من الأعضاء، أو نتيجة التعرض للمواد السامّة.
2. الحالات الجماعية: وهي الحمى التي تظهر في مجموعات كثيرة من الناس في وقت واحد. وتنتج مثل هذه الحالات غالباً من تعرض الجماعات لوباء يجتاح وينتشر في البيئة التي يعيشون فيها.
ما هي الجُحْفَة؟
__________
(1) لسان العرب، مادة حمم.(1/9)
تدل معاجم اللغة (1) أن الجُحْفَةَ هي: اسمٌ لمكانٍ معروف هو ميقات أهل الشام. وهي موضعٌ بالحجاز بين مكة والمدينة. وذكر الجوهري (2) في الصحاح: ((جُحْفة من غير ألف ولام، هي ميقات أهل الشام,وكان اسمها مَهْيَعَةُ ,فأجحف السيل بأهلها, فسميت جحفة)).
والجحفة من مادة جحف لها معان عديدة, وهي تعني: بقية الماء في أماكن مختلفة. وأورد ابن منظور والفيروزابادي (3) وغيرهم أن من معاني الجحفة: بقية الماء في جوانب الحوض ( والحوض هو: مجتمع الماء في الأماكن المختلفة )، وهي تعني أيضاً: ما اجْتُحِفَ من ماء البئر أو بقي فيها بعد الاجتحاف, وهي: النقطة من المرتع في قرن الفلاة, وقرنها رأسها وقلتها التي تشتبه المياه من جوانبها جمعاء, فلا يدري القارب أيّ المياه منه أقرب بطرفها.
ما هو خُمٌّ؟
أورد ابن منظور (4) في لسان العرب ما ذكره العلماء عن معنى خُم، وخَم، بفتح الخاء وضمها وذكر أنه: ((اسمٌ لغدير معروف بين مكة والمدينة بالجحفة))، وقال ابن دُرَيْدٍ: ((إنما هو خُمٌّ بضم الخاء. وورد ذكره في الحديث)). قال ابن الأَثير: ((هو موضع بين مكة والمدينة تَصُبُّ فيه عين هناك، وبينهما مسجد سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )). وذكر الدكتور الرفاعي (5) ((أن خُماًّ موضع شرق الجحفة على بعد ثمانية كيلومتر منها)).
__________
(1) لسان العرب، مادة جحف.
(2) إسماعيل بن أحمد الجوهري (ت393هـ). الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ط3، بيروت: دار العلم للملايين,1404هـ/1984م, مادة جحف.
(3) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي, (729-817هـ). القاموس المحيط. ط2, بيروت: دار المعرفة,1371/1952م, باب الفاء، فصل الجيم.
(4) لسان العرب، مادة خمم.
(5) صالح بن حامد الرفاعي. الأحاديث الواردة في فضائل المدينة، ص 180.(1/10)
ولفظة خُمّ تُطلق على الشيء العفن خبيث الرائحة، والخُم: هو الغدير الشديد الوخم الذي يتواجد الوباء فيه، فيؤذي صحة من يعيش حوله، ويُسبب ــ بإذن الله ــ موت الصبيان قبل بلوغهم سنّ الرشد إذا استمرت معيشتهم في ذلك المكان. وقد أشار ابن منظور (1) إلى قول الأصمعي عن تأثير مثل الغُدُرِ الشديدة الوخم إذ قال: ((لم يولد بغدير خُمٍّ أحد فعاش إلى أن يحتلم (أي: إلى أن يبلغ سنّ الحلم)، إلا أن يُحَوِّلَ منها)). ويقال: يَخَُم خَمَّاً وخُموماً وهو خَمٌّ أي: أنتن وتغيرت رائحته، كاللحم إذا تغيرت ريحه وفسد كفساد الجيف، ومن هنا يُطلق على قفص الدجاج خُمٌّ، وقال ابن سيده: أرى ذلك لخبث رائحته.
ما هي مَهْيَعَة؟
ذكر ابن منظور (2) : ((مَهْيَعٌ ومَهْيَعة كلاهما موضع قريب من الجُحْفةِ. وقيل: المَهْيعة هي الجحفةُ. وذكر ابن الأَثير في ترجمة مهع: "وفي الحديث: ((وانْقُل حُمَّاها إِلى مَهْيَعةَ)) مهيعة: اسم الجُحْفة وهي ميقاتُ أَهلِ الشام، وبها غَدِيرُ خُمٍّ وهي شديدة الوَخَم".
وتعود لفظة مَهْيَعَة إلى مادة هاعَ, ومن معانيها الفزع والجبن. فيقال: هاعَ يَهاعُ ويَهيع هَيْعاً وهاعاً وهُيُوعاً وهَيْعةً وهَيَعاناً وهَيْعوعة أي: جَبُنَ وفَزِع، ورجل هائِعٌ لائِعٌ وهاعٌ لاعٌ وهاعٍ لاعٍ على القَلْب كلُّ ذلك إِتباع أَي: جبان ضعيف جَزُوع. والهَيْعةُ: صوت الصارخ للفزع، والهَيْعةُ: سيَلانُ الشيء المصْبوبِ على وجه الأَرض، وهاعَتِ الإِبلُ إِلى الماءِ تَهِيعُ إِذا أَرادته فهي هائعة)).
وجوه الإعجاز في دعاء تصحيح المدينة:
وبعد أن عرفنا شيئاً عن ماهية الوباء, وكيف ينتشر في الأرض, يسهل علينا أن نعرف شيئاً من الحكمة في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقل وباء المدينة إلى الأماكن المذكورة في الأحاديث المتعلقة بهذا الأمر.
__________
(1) لسان العرب, مادة هاع.
(2) لسان العرب، مادة هاع.(1/11)
ما هي الحكمة في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقل حُمَّى المدينة:
سبق أن أشرنا إلى أن سؤالاً قد يطرأ على الذهن لمعرفة ما هي الحكمة في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بدعاء الخالق القادر جلت قدرته بتصحيح المدينة فقط, دون أن يتضمن هذا الدعاء نقل وبائها إلى أماكن أخرى سمّاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
إن التمعُّن والتأمُّل ملياً في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُرينا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يبيِّن للناس جميعاً أنه أتى بهديٍ وتشريعات لا تخالف سنة الله في أرضه, فخالق الكون جلت قدرته خلق المخلوقات كلها, وقّدََّر أن يعيش ويستوطن كل مخلوق في بيئة صالحة ملائمة لمعيشته وتكاثره, وإذا ما قدَّر الله سبحانه وتعالى أن يقضي على كائن ما في بيئته التي يعيش فيها، حوَّل هذه البيئة ــ بإذنه ــ إلى بيئة غير صالحة لمعيشته وتكاثره فيها, فيُقضى عليه في هذه البيئة. وسبق أن مرّ بنا أن الوباء ما هو إلا مخلوق ٌمن مخلوقات الله يتمثل في كائنات حيّة مُمْرِضة, يعيش بعضها في البيئات الخارجية المفتوحة، فإذا قُضِِِيَ عليها في بيئة ما, فإن ذلك لا يعني فناء هذه الكائنات الممرضة تماماً, إذ من سُنَّة الله سبحانه وتعالى في أرضه أنه قد يهيئ فرصة الانتقال لبعض أفراد هذه المخلوقات إلى بيئة أخرى بعيدة عن بيئته بالوسائل المختلفة التي سبق ذكرها, وإذا ما انتقلت تلك الكائنات الممرضة إلى البيئات الجديدة فإنها تستطيع أن تعاود نشاطها وتكاثرها فيها, فتنمو وتنتشر, وتصبح هذه البيئة بؤرة فاسدة ومصدراً يعمل على إصابة الناس الذين يعيشون قريباً منها بالأمراض البيئية التي غالباً ما تصاحبها الحمى.(1/12)
وبذلك يظهر لنا شيء من الحكمة في دعاء تصحيح المدينة ونقل وبائها إلى أماكن أخرى سمَّاها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الدلالة على أن القضاء على وباء المدينة الذي أباده الخالق القادر جلت قدرته منها بفضل دعائه - صلى الله عليه وسلم - ، أوالقضاء على أيّ وباء آخر يوجد في أيّ بيئة أخرى، يكون أمر انتقال بعضه إلى البيئات الوخمة التي تتوفر فيها الظروف المناسبة لمعاودة نشاطاته فيها أمراً متحققاً. ويمكننا أن نرى في ذلك الحث على تنظيف وتطهير الأماكن الوخمة حتى لا تكون بيئة مهيئة لاستقبال الوباء الذي يحتمل أن ينتقل إليها من أيّ مكان قريب أو بعيد.
الجُحْفَة ميقات أهل الشام، ليست هي المقصود بانتقال وباء المدينة إليها.
وبعد أن عرفنا المعاني العلمية واللغوية للوباء والحُمَّى والجُحْفَة وخُمّ ومَهْيَعَة، يمكننا القول بأن الجحفة ميقات أهل الشام، ليست هي المقصود بانتقال وباء المدينة إليها لعدة اعتبارات هي:
الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبعوثٌ رحمة للعالمين:(1/13)
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه قد أرسل رسوله سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - وصفيه من خلقه رحمة للعالمين, فقال سبحانه وتعالى (1) : ژ ک ک گ گ گ ژ, فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدعو الله إلا بخير, ولذا يبدو أن دعاء نقل وباء المدينة إلى الجحفة (الميقات المعروف), ليس إلى الجحفة بذاتها, وإنما إلى الأماكن التي يمكن أن تعتبر موطناً طبيعياً للوباء إذا ما تهيأت لاستقباله، والتي يمكن أن نجدها في أيّ بقعة على سطح الأرض. ولم يكن في ذلك الوقت في الجحفة من الأمور التي تدعو المبعوث رحمة للعالمين أن يدعو الله جلت قدرته بنقل الوباء إليها فيتأذى بذلك من يسكنها, والرسول الكريم هو رؤوف ورحيم, ليس بمن يسكن المدينة وحسب؛ وإنما هو رحمة للعالمين كلهم في جميع بقاع الأرض، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يدع على من آذوه, فقد روى الإمام مسلم (2) رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين. قال: ((إني لم أبعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة)). وفي الحديث الآخر: ((إنما أنا رحمة مهداة)) (3) .
الانتقال ليس بعين العرض ولكن بوجود مثله:
ومن المعروف أن جوامع الكلم في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - من معجزاته، فقد يدخل دعاؤه بنقل وباء المدينة إلى الجحفة في باب المجاز، لوجود غدير خُمّ بها في ذلك الحين، وليس بنقل الوباء بعينه إليها.
__________
(1) سورة الأنبياء آية ( 107).
(2) صحيح مسلم، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، 12/494.
(3) سنن الدارمي، باب كيف كان أول شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، 1/12.(1/14)
وقد ذكر ابن تيمية (1) رحمه الله في مجموع الفتاوى أن دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقل حمى المدينة إلى مهيعة وهي الجحفة فيه قولان، مُتسائلاً: ((وهل مثل هذا الانتقال بانتقال عين العَرَض الأول أو بوجود مثله من غير انتقال عينه؟ فقال: فيه للناس قولان، إذ منهم من يجوّز انتقال الأعراض، بل من يجوّز أن تُجعل الأعراض أعياناً كما هو قول ضرار والنجار وأصحابهما كبُرْغُوث وحفص الفرد. لكن إن قيل: هو بوجود مثله من غير انتقالٍ عنه فذلك يكون مع استحالة العرض الأول وفنائه، فيعدم عن ذلك المحل، ويوجد مثله في المحل الثاني)).
وهذا الكلام يعزز القول بأن لفظة الجحفة التي وردت في الأحاديث المتعلقة بتصحيح المدينة ليست هي المكان المعروف بميقات أهل الشام إنما هي الأماكن التي تشتهر بوجود مثله. والله أعلم.
الجُحْفَة لم يسكنها من يستحق البلاء:
لقد احتار العلماء في تبرير سؤال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقل وباء المدينة إلى الجحفة, على اعتبارها المكان المعروف بين مكة والمدينة, وهو ميقات أهل الشام, فذكر الإمام ابن حبان (2) رحمه الله على سبيل المثال (أن العلة في دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنقل الحمى إلى الجحفة أنها حينئذ كانت دار اليهود ولم يكن بها مسلم، فمن أجله قال - صلى الله عليه وسلم - : " وانقل حماها إلى الجحفة")، وقد أورد الدكتور الرفاعي (3) أن الدكتور أكرم العمري عقّب على هذا القول بأن ابن حبان استند إلى معلومات تاريخية خاطئة حيث إن الجحفة لم تكن حينئذ كذلك، إذ لم ينقل ذلك أحد من أصحاب العلم والتاريخ, وبين ابن حبان وهذه الأحداث ثلاثة قرون.
__________
(1) ابن تيمية. مجموع الفتاوى، 18/197.
(2) صحيح ابن حبان 9/40.
(3) صالح بن حامد بن سعيد الرفاعي. الأحاديث الواردة في فضائل المدينة, ط1, المدينة المنورة: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية, الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة,1413هـ/1990م، ص177.(1/15)
على أية حال، فإن الثابت الصحيح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدعو أبداً أن يُؤذيَ الله سبحانه وتعالى قوماً حتى وإن آذوه أو اختلفت ديانتهم عن دينه الحنيف, إلا أن يصبحوا مصدراً عظيماً يعمل على انتهاك حرمات الله في دار المسلمين, فهو لم يدع على مشركي قريش الذين آذوه وأخرجوه من مكة المكرمة. ولم نجد في الكتب أن في الجحفة حينئذ قوماً من المشركين أو من اليهود كانوا يؤذون الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين مما يجعلهم يستحقون الدعاء بأن يصيبهم الأذى والبلاء.
الحقائق العلمية تكشف أين ينتقل الوباء:
تدل الحقائق العلمية أن احتمال انتقال الوباء من بيئة موبوءة إلى أماكن أخرى، ليس مقصوراً على بيئة محددة بذات عينها, ولكن مجال الانتقال مفتوح لأيّ مكان وخم قريب أو بعيد, مُهيأ لاستقبال هذا الوباء, وغالباً ما تكون الأماكن الوخمة القريبة من البيئة الموبوءة هي أكثر الأماكن احتمالاً لانتقال الوباء إليها, ونظراً لوجود أماكن أخرى قريبة من المدينة (كخيبر مثلاً) تتوفر فيها الظروف المناسبة لانتقال الوباء إليها, ونظراً أيضاً لبعد الجحفة (المكان المعروف) عن المدينة, فإن احتمال انتقال وباء المدينة إلى الأماكن القريبة لا يمكن أن يستبعد, بل هو المتوقع. الأمر الذي يدل على أن وباء المدينة المنتقل لا يمكن حصره في مكان واحد, فيظهر عندئذ أن لفظة الجحفة المذكورة في الدعاء، ليس المقصود منها المكان المعروف بين مكة والمدينة, وإنما المقصود منها معانٍ أخرى شملتها اللفظة، وهي تلك الأماكن المهيئة لاستقبال الوباء الذي ينقل إليها والله أعلم. والناس لا يسكنون في الأماكن الوخمة، وبهذا يظهر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يدع بنقل الوباء إلى مكان مأهول بالناس. والله أعلم.
جَعْل الجُحْفَة ميقاتاً لأهل الشام:(1/16)
لقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجُحْفَة - المكان المعروف بين المدينة المنورة ومكة المكرمة ــ ميقاتاً للحجاج والمعتمرين، الأمر الذي يجعل هذا المكان مأهولاً بشكل مستمر بالناس الذين يأتون من الشام والبلاد الأخرى لأجل أداء فريضة الحج أو العمرة، فيأتيه الحجاج في كل عام، ويأتيه المعتمرون في كل شهر، بل وفي كل يوم، ليحرموا من هذا الميقات، وإذا انتقل الوباء إليه، فإن ذلك يعني أن هذا المكان سيصبح مصدراً لنقل الوباء إلى مكة المكرمة، عن طريق بعض الحجاج أو المعتمرين الذين يصيبهم الوباء من هذا المكان، حيث يَتَجَمَّعُ ويتزاحم في مكة الناس الذين يأتون إليها من كل فجٍ عميق، فينتشر أذى هذا الوباء فيها بسهولة، ولا يكون نقل الوباء إلى الجُحْفَة عندئذٍ نكالاً ووبالاً على من يسكنها وحسب، ولكن على بعض من يمرّ بها. وقد بعث الله الخالق الباري سبحانه وتعالى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين، لذلك سعى ودعا إلى كل ما يحمي الناس جميعاً من مصادر الأخطار والأضرار، ولم يسع يوماً ويدع إلى ما يضر الناس ويؤذيهم، أو يضر ويؤذي البيئة التي يعيش فيها الناس وجميع الكائنات الحيّة, فيتضرر الإنسان بضررها. ومن هذا المنطلق فقد جاءت جميع أحكام وتشريعات الإسلام في الحج لتكفل حماية الإنسان والبيئة من الأخطار والأضرار (1) , وجاءت تعليمات معلم البشرية - صلى الله عليه وسلم - لتزيل مصادر الوباء وتعمّم النظافة والطهارة في كل مكان.
__________
(1) عبدالبديع حمزة زللي.الإعجاز العلمي في أحكام الإسلام في الحج: أحكام وتشريعات الإسلام في الحج تكفل حماية الإنسان والبيئة من الأخطار(كتاب لم ينشر)(1/17)
ولأن الحجاج والمعتمرين غالباً ما يمرّون وهم في طريقهم إلى الدار المقدسة ببيئات لشعوبٍ قد تختلف دياناتهم عن دينهم، وأعراقهم عن عرقهم، وثقافاتهم عن ثقافتهم، فقد دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كل الأمور التي تحفظ سلامة هذه البيئات، وعدم العبث بها وإفسادها، بل حثَّ ورغَّب في تنمية البيئة وإصلاحها. وقد مَرَّ بنا كيف نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تلويث موارد المياه حتى لا تتحول إلى بيئات موبوءة، بل أخبر أن كل مسلم يقوم بإصلاح البيئة ويُميط الأذى عنها، فإن له ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً عند الله سبحانه وتعالى. لذا فإن كان في الجحفة غديرٌ خُمّ مُهيأٌ لاستقبال الوباء الذي يمكن أن ينتقل إليه من أيّ مكان، فإن الحجاج والمعتمرين يجدون فيه ما يجلب لهم الأجر والثواب العظيم، عندما يتبعون هدي وتعليمات الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحويله إلى مكانٍ نظيف نقي.
وقد أباحت تشريعات الإسلام قتل الدواب التي تعمل على نشر الوباء, وتؤذي الإنسان وتضره, لكن هذه التشريعات لم تأمر المسلم بإبادة هذه الدواب والقضاء عليها تماماً, فلكل مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى دور مهمّ في البيئة, وقد أوجد خالق الكون جلت قدرته هذه المخلوقات في البيئة بقدر موزون محسوب, غير أن الإنسان بنشاطاته الخاطئة قد يعمل على الإخلال بهذا التوازن فيضر نفسه ويضر بالبيئة, ولذا فإن وجود هذه الدواب يباح قتلها للمحرم عندما تصل إليه في المكان الذي يتواجد فيه حتى يتجنب أذاها.
لمحات من الإعجاز اللغوي والبلاغي في كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - :(1/18)
كتب العلماء في فصاحة كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلاغته شيئاً كثيراً, فقال القاضي عياض (1) رحمه الله: " وأما فصاحة اللسان, وبلاغة القول, فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بالمحل الأفضل, والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع, وبراعة منزع, وإيجاز مقطع، وفصاحة لفظ، وجزالة قول, وصحة معان, وقلّة تكلّف، أوتي جوامع الكلم، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخاطب كل أمة في عهده بلسانها، ويحاورها بلغتها". ولأن هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمتد من عصره - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تقوم الساعة. ولغة هذا العصر هي اللغة العلمية المستندة إلى التطبيقات والإجراءات العملية التي أدّت إلى اكتشاف حقائق علمية لم يكن يعرفها الناس من قبل؛ نجد أن الحقائق العلمية المكتشفة حديثاً تتوافق بشكل تام مع أقواله - صلى الله عليه وسلم - . وربما لا يدل ظاهر بعض أقواله - صلى الله عليه وسلم - على المضمون الذي يقصده من هذه الأقوال، لذا ينبغي الحرص على التأمل والتمعن بعمقٍِ في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يعرف المسلم ما هو المقصود بهذا الكلام, ويدل على ذلك حديث رواه الإمام أحمد (2) رحمه الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر شيئاً فقال: "وذلك عند أوان ذهاب العلم" قال: قلنا يا رسول الله: وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن, ونقرئه أبناءنا ويُقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد,إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء؟".
__________
(1) الشفا للقاضي عياض 1/62.
(2) الإمام أحمد ابن حنبل(164-241هـ). مسند الإمام أحمد ابن حنبل,رقَّم الأحاديث محمد عبد السلام عبد الباقي, ط1, بيروت: دار الكتب العلمية, 1413هـ-1993م,25/342.(1/19)
كما يدل على ذلك أيضاً، قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((بيتٌ لا تمر فيه جياعٌ أهله)) (1) وقد دلَّ العلم الحديث كيف تجوع أجسام الناس رغم أن بطونهم قد تمتلئ بطعام لا يحتوي على العناصر والمواد الضرورية للحياة كتلك الموجودة في التمر (2) .
الإعجاز العلمي النبوي في الإشارة إلى حقيقة الوباء:
لو رجعنا إلى الحقائق العلمية التي كشف النقاب عنها العلم الحديث بعد اختراع وتطوّر أجهزة الكشف والتحليل، لأذهلنا ذلك التوافق العجيب الذي جاء في هذه الحقائق مع ما وجدناه في أقوال وهدي وتشريعات النبي الأميّ صلوات ربي وسلامه عليه, فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أشار في مواضع مختلفة إلى حقيقة الوباء في كونه سبباً من الأسباب التي تنشر العدوى وتُمْرِضُ الناس بإذن الله. ولم يكن العلماء في العصور السابقة يعرفون شيئاً عن الكائنات الحيّة الدقيقة المُمْرِضَة التي تسبب العدوى، ولم يعرفوا أيضاً كيف يكافحون الوباء، وكيف يعملون على عدم انتشاره. وظهر للعالم كله الإعجاز العلمي النبوي في الإشارة إلى حقيقة الوباء وسبل مكافحته.
... وقد عرفنا أن الوباء يمكن أن يكون حبيساً (الوباء الحبيس)، أو يكون طليقاً (الوباء الطليق)، ... وفي دعاء تصحيح المدينة إشارة إلى أن الوباء الذي كان بالمدينة, والذي كان يسبب الحمى لبعضهم، هو من نمط الوباء الحبيس، الذي لا يمكن أن يعمَّ كل الناس الذين يعيشون في البيئة التي يوجد بها، وقد عرفنا أن هذا النمط من الوباء لا يوجد عادة في الأماكن النظيفة الطاهرة، وإنما يوجد غالباً في الأماكن الوخمة.
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، باب في ادخار التمر ونحوه من الأقوات للعيال، 10/356، وأبو داود في سننه، باب في التمر، 10/305، والترمذي، باب ما جاء في استحباب التمر، 6/481.
(2) عبد البديع حمزة زللي. معجزات نبوية: لمحات مضيئة على أحاديث إيقاف تأبير النخيل، ط1، المدينة المنورة، 1418هـ.(1/20)
ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن الأماكن النظيفة يمكن أن تتهيأ بفعل نشاطات الإنسان الخاطئة لاستقبال الوباء المنتقل إليها بأي وسيلة وفي أي وقت، إذ قد يؤدي تلويث المياه الراكدة (الجحفة)، وتجميع القاذورات والمواد العضوية الفاسدة وتراكمها دون معالجة إلى تحويل هذه الأماكن من بيئات نظيفة إلى بيئات موبوءة نتنة عفنة (خُمّ).
ومن هنا يتجلى لنا الإعجاز النبوي في دعاء تصحيح المدينة في أن المياه الراكدة (الجحفة) والأماكن العفنة النتنة (خُمّ) هي أماكن ينتقل إليها الوباء بسهولة. وفي ذلك تنبيهٌ نبويٌ شريف إلى السعي إلى كل الأمور التي تحقق النظافة والطهارة، بل هو - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بها حتى يبتعد الناس عن أذى القاذورات والتلوث الضار.
وجدير بالذكر أن نشير هنا إلى الإعجاز النبوي في التعامل مع المرضى المصابين بالأمراض غير المعدية والمصابين بالأمراض المعدية. ومن العجيب المذهل لغير المسلمين أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ميَّز بين المريض الذي لا يسبب العدوى عن المريض الذي تنتقل العدوى منه إلى الآخرين، قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، كما ميَّز نبيّ الهدى صلوات ربي وسلامه عليه بين المريض بمرض معدٍ في نطاقٍ محدود، والمريض بمرض وبائي سارٍ. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وضع أسس التعامل مع هؤلاء المرضى حيث سبق علماء العصر الحديث في هذا الأمر (1) .
وسنرى فيما بعد كيف شملت تشريعات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحافظ على سلامة البيئة، والعمل على عدم تحويلها إلى أماكن مهيئة لاستقبال الوباء.
اختفاء الوباء المحبوس من الوجود باتباع هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) عبد البديع حمزة زللي. الإعجاز العلمي في لفظتي المرض والمُمْرِض (مرجع سابق)، مجلة بحوث ودراسات المدينة المنورة، العدد 26: 185-206 (1429هـ).(1/21)
محافظة على الثروات المائية, وحتى لا تتهيأ بفعل نشاطات الإنسان الخاطئة لاحتضان الحشرات الناقلة للطفيليات والكائنات الحيّة الممرضة التي قد تصل إليها بطرقٍ مختلفة، ومنها التبول والتبرز في المياه الراكدة، فتتحول هذه المياه الراكدة بسهولة إلى بيئة موبوءة, فقد نهى رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - من إفساد هذه المياه، ونهى عن التبرز والتبول فيها وعدم الاستحمام فيها, وقد كشف لنا العلم الحديث أن هناك أمراضاً كانت ستختفي من الوجود ــ بإذن الله ــ لو اتبع الناس هذا الهدي النبوي الشريف، فمرض البلهارسيا لا ينتقل من شخص مريض به إلى شخص آخر إلا عندما يتبول ويتبرز الشخص المريض في المياه الراكدة، فيخرج بيض هذا الكائن المُمْرِض مع بول أو براز المريض، ويتحرر في الماء، ليبحث عن عائلٍ أولي، ثم يبحث في نهاية الأمر عن ضحيته الجديدة، وهو العائل الثاني المتمثل في الشخص السليم الذي يدخل في هذا الماء الموبوء ليستحم فيه. فلو امتنع الناس وخاصة المريض منهم بالبلهارسيا من التبول والتبرز في المياه الراكدة، لبقيت الكائنات المسببة لهذا المرض حبيسة في جسد الإنسان المريض، دون أن تجد فرصة للانتقال إلى شخصٍ آخر سليم، فيؤدي هذا الأمر إلى انقراض الكائنات التي تسبب مرض البلهارسيا، ولو امتنع الناس عن الاستحمام في المياه الراكدة لظل الوباء الحبيس في الماء غير قادر على إصابة ناس آخرين؛ لأنه لن يستطيع إكمال دورة حياته؛ لعدم عثوره على العائل الثاني وهو الإنسان، فيكون مصيره في النهاية الموت والفناء تماماً. (1)
وبذلك يظهر للعالم أجمع، كيف بعث الله رسوله المختار - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين، لو اتبعوا هديه واستنوا بسنته.
__________
(1) عبد البديع حمزة زللي. الحج مدرسة للحجاج، فحافظوا على التدريس فيها، الكتاب الوثائقي للدورة التدريبية الثانية للأدلاء بالمدينة المنورة، ط1، مؤسسة الأدلاء بالمدينة المنورة، 1417هـ / 1996م.(1/22)
الإعجاز العلمي النبوي في الإشارة إلى حقيقة الحُمَّى:
لو تأملنا في الأحاديث النبوية المتعلقة بالحمى، لوجدنا فيها الإشارة إلى نمطين من حالات الحمى، وهي حالات الحمى الفردية وحالات الحمى الجماعية التي تصيب الجماعات نتيجة التعرض للوباء، ولو نظرنا إلى دعاء تصحيح المدينة, لرأينا أن الدعاء كان يتعلق بإخراج الوباء الذي كان يسبب الحمى لحالات جماعية, في حين أن الدعاء لم يشمل الحالات الفردية التي يُصاب بها الأفراد نتيجة مرض عضو بالجسم لأيّ سبب من الأسباب غير الوبائية, ليتحقق بذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في ما يخص الحالات الفردية بأن الحمى التي يصاب بها المرء نتيجة مرض عضو من أعضاء الجسم, والمتمثل في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو, تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
وعلى أية حال فإن من أصابته الحمى من أيّ مصدر كان، ينبغي عليه تخفيض درجة حرارة جسمه بأي وسيلة متاحة. ولقد دلّ معلم البشرية النبي - صلى الله عليه وسلم - على استخدام الماء كوسيلة مثلى وسريعة لتبريد الحمى وتخفيض درجة حرارة الجسم؛ لأن سعة الماء الحرارية عالية جداً. ولذا فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعالجة المصاب بالحمى بالماء, ذاكراً في ذلك الأمر ثلاثة ألفاظ تدل على إعجاز نبوي شريف (1) فقال - صلى الله عليه وسلم - :
" فأبردوها بالماء "
" فأطفئوها بالماء"
" فنحّوها عنكم بالماء "
الإعجاز العلمي اللغوي في لفظة الجُحْفَة:
__________
(1) عبدالبديع حمزة زللي, الإعجاز في الألفاظ المختارة في أحاديث الحمى. في كتاب وجوه متنوعة من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. ط1, المدينة المنورة,1419هـ.(1/23)
وبعد أن ذكرنا معاني الجحفة، أصبحنا ندرك الآن أن لفظة الجحفة إضافة إلى أنها اسم لميقات أهل الشام, فهي تعني: المياه المتبقية في الأماكن المختلفة. والمياه السطحية الضحلة الراكدة ما هي إلا مياه متبقية من السيول، أو بقيّة مياه متجمعة في المنخفضات بعد نزول المطر، أو مياه متبقية كأثر لعينٍ كانت جارية، أو مياه متبقية من نزح ماء البئر، وسبق أن مرَّ بنا أن مثل هذه المياه ربما تصبح مرتعاً خصيباً للكائنات الحيّة المُمْرِضَة، وموطناً مفضلاً للحشرات الناقلة للطفيليات المُمْرِضَة، فهي الأماكن التي يُحتمل أن ينتقل إليها الوباء والحشرات الناقلة للطفيليات المُمْرِضَة.
ويظهر من ذلك جانب من الإعجاز النبوي في الدعاء بنقل الوباء المسبب لحمى المدينة ليس إلى أي مكان نظيف نقي، ولكن إلى الأماكن التي يمكن لهذه الكائنات الممرضة أن تجد فيها الظروف المناسبة والملائمة للتوطن فيها من جديد، مثل المياه الراكدة على سطح الأرض(الجحفة)، التي يُلَوَِّثها الإنسان ببوله وبرازه وبالقاذورات وغيرها.
ويتجلى الإعجاز عندما نرى كيف انساقت معاني لفظة الجحفة التي اختارها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعاء تصحيح المدينة لتتوافق بشكلٍ عجيب مع حقيقة نقل الوباء من الأماكن الموبوءة إلى الأماكن المهيئة لاستقباله.
الإعجاز العلمي اللغوي في لفظة خُمٍّ:
لقد بيّنت معاجم اللغة أن لفظة خمّ إضافة إلى أنها اسم لمكانٍ قريب من الجحفة, فهي تعني أيضاً: كل شيء وخم خبيث الرائحة، وقد عرفنا أن نتائج الأبحاث والدراسات قد دلّت على أن الأماكن الوخمة التي تنبعث منها الروائح الخبيثة كالمياه الآسنة والمواد العضوية المتحللة المتجمعة والمتراكمة على وجه الأرض، تعتبر بيئة صالحة يمكن أن تنتقل إليها بسهولة مسببات الأمراض, وتعيش وتتكاثر فيها الحشرات الناقلة للطفيليات، لتكون موطناً للوباء.
الإعجاز العلمي اللغوي في لفظة مَهْيَعَة:(1/24)
مَرَّ بنا أن لفظة مَهْيَعَة مشتقة من هاع، فيقال: هاع ويهيع هيعة أي: جبن وفزع، وهيعة تعني أيضاً: صوت الصارخ الفزع. ومن الإعجاز النبوي في ذكر لفظة مَهْيَعَة كمكان ينتقل الوباء إليه، هو أن حال الناس في مثل هذه الأماكن يتفق وينسجم مع هذا المعنى، فمن الطبيعي أن تكون الأماكن الموبوءة محلاً نجد فيه الصراخ والفزع؛ لكثرة المرضى والموتى بها، كما أنه من المعروف أن النفس تجبن عادة عندما ترغب في الذهاب إلى الأماكن الموبوءة، وتفزع عند الذهاب إليها خشيةً وخوفاً من العدوى والإصابة بالمرض.
وبهذا يظهر الإعجاز النبوي في ذكر لفظة مَهْيَعَة في دعاء نقل وباء المدينة إليها،حيث نجد أن معانيها قد انساقت لتتفق بشكل عجيب مع حال الأماكن الموبوءة.
-
المراجع
? ابن تيمية، تقي الدين. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد وابنه. طبع دار العربية, بيروت, ط2 عام 1398 هـ (جـ1-37).
? أبو حاتم بن حبان بن أحمد بن معاذ بن معبد التميمي (ت 340هـ). الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب علاء الدين الفارسي (ت 739هـ).
? ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (733 - 852هـ)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري. ط1، القاهرة، دار البيان للتراث، 1407هـ/1986م.
? ابن حنبل، أحمد (164-241هـ). مسند الإمام أحمد ابن حنبل, رقَّم الأحاديث محمد عبد السلام عبد الباقي, ط1, بيروت: دار الكتب العلمية,1413هـ-1993م.
? ابن منظور الأفريقي المصري، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (630 - 711هـ)، لسان العرب. ط1، بيروت، دار صادر، 1374هـ / 1955م.
? الجوهري, إسماعيل بن أحمد (ت393هـ). الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ط3، بيروت: دار العلم للملايين, 1404هـ/1984م.(1/25)
? الرفاعي، صالح بن حامد بن سعيد. الأحاديث الواردة في فضائل المدينة, ط1, المدينة المنورة: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية, الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة,1413هـ/1990م.
? زللي، عبد البديع حمزة. الحج مدرسة للحجاج، فحافظوا على التدريس فيها، الكتاب الوثائقي للدورة التدريبية الثانية للأدلاء بالمدينة المنورة، ط1، مؤسسة الأدلاء بالمدينة المنورة، 1417هـ / 1996م.
? زللي، عبد البديع حمزة، معجزات نبوية - ملامح مضيئة على أحاديث إيقاف تأبير النخيل، ط1، المدينة المنورة، 1417هـ/1997م.
? زللي، عبد البديع حمزة زللي. وجوه متنوعة من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ط1، المدينة المنورة، 1419هـ/ 1998م.
? زللي، عبد البديع حمزة. الإعجاز العلمي في لفظتي المريض والممرض في الأحاديث النبوية الشريفة, مجلة بحوث ودراسات المدينة المنورة, العدد26: 185-206(1429هـ).
? الفيروز أبادي, مجد الدين محمد بن يعقوب (729-817هـ). القاموس المحيط، ط2, بيروت: دار المعرفه,1371/1952م.
? النووي، الإمام محيي الدين بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي، ط1، القاهرة، المطبعة المصرية بالأزهر، 1347هـ.
-(1/26)