الإتقان في علوم القرآن ج 1
____________________
(1/1)
| 1 |
____________________
(1/1)
مقدمة المؤلف
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .
1
قال الشيخ الإمام العالم العلامة الحبر البحر الفهامة المحقق المدقق الحجة الحافظ المجتهد شيخ الإسلام والمسلمين وارث علوم سيد المرسلين جلال الدين أوحد المجتهدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن سيدنا الشيخ المرحوم كمال الدين عالم المسلمين أبو المناقب أبو بكر السيوطي الشافعي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبصرة لأولي الألباب وأودعه من فنون العلوم والحكم العجب العجاب وجعله أجل الكتب قدرا وأغزرها علما وأعذبها نظما وأبلغها في الخطاب { قرآنا عربيا غير ذي عوج } ولا مخلوق لا شبهة فيه ولا ارتياب
2 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرباب الذي عنت لقيوميته الوجوه وخضعت لعظمته الرقاب
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث من أكرم الشعوب وأشرف الشعاب إلى خير أمة بأفضل كتاب صلى الله عليه وسلم الأنجاب صلاة وسلاما دائمين إلى يوم المآب
3 وبعد فإن العلم بحر زخار لا يدرك له من قرار وطود شامخ لا يسلك إلى قنته ولا يصار من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولا ومن رام الوصول إلى إحصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا كيف وقد قال تعالى مخاطبا لخلقه { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } وإن كتابنا القرآن لهو مفجر العلوم ومنبعها ودائرة شمسها ومطلعها أودع فيه سبحانه وتعالى علم كل شيء وأبان فيه كل هدي وغي فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد فالفقيه يستنبط منه الأحكام ويستخرج
____________________
(1/18)
حكم الحلال والحرام والنحوي يبني منه قواعد إعرابه ويرجع إليه في معرفة خطأ القول من صوابه والبياني يهتدي به إلى حسن النظام ويعتبر مسالك البلاغة في صوغ الكلام وفيه من القصص والأخبار ما يذكر أولي الأبصار ومن المواعظ والأمثال ما يزدجر به أولو الفكر والإعتبار إلى غير ذلك من علوم لا يقدر قدرها إلا من علم حصرها هذا مع فصاحة لفظ وبلاغة أسلوب تبهر العقول وتسلب القلوب وإعجاز نظم لا يقدر عليه إلا علام الغيوب
4 ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فسمعت شيخنا أستاذ الأستاذين وإنسان عين الناظرين خلاصة الوجود علامة الزمان فخر العصر وعين الأوان أبا عبد الله محيي الدين الكافيجي مد الله في أجله وأسبغ عليه ظله يقول قد دونت في علوم التفسير كتابا لم أسبق إليه فكتبته عنه فإذا هو صغير الحجم جدا وحاصل ما فيه بابان الأول في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية والثاني في شروط القول فيه بالرأي وبعدهما خاتمة في آداب العالم والمتعلم فلم يشف لي ذلك غليلا ولم يهدني إلى المقصود سبيلا
5 ثم أوقفني شيخنا شيخ مشايخ الإسلام قاضي القضاة وخلاصة الأنام حامل لواء المذهب المطلبي علم الدين البلقيني رحمه الله تعالى على كتاب في ذلك لأخيه قاضي القضاة جلال الدين سماه مواقع العلوم من مواقع النجوم فرأيته تأليفا لطيفا ومجموعا ظريفا ذا ترتيب وتقرير وتنويع وتحبير قال في خطبته
قد اشتهرت عن الإمام الشافعي رضي الله عنه مخاطبة لبعض خلفاء بني العباس فيها ذكر بعض أنواع القرآن يحصل منها لمقصدنا الاقتباس وقد صنف في علوم الحديث جماعة في القديم والحديث وتلك الأنواع في سنده دون متنه وفي
____________________
(1/19)
مسنديه وأهل فنه وأنواع القرآن شاملة وعلومه كاملة فأردت أن أذكر في هذا التصنيف ما وصل إلى علمي مما حواه القرآن الشريف من أنواع علمه المنيف وينحصر في أمور
الأمر الأول مواطن النزول وأوقاته ووقائعه وفي ذلك اثنا عشر نوعا المكي المدني السفري الحضري الليلي النهاري الصيفي الشتائي الفراشي النومي أسباب النزول أول ما نزل آخر ما نزل
الأمر الثاني السند وهو ستة أنواع المتواتر الآحاد الشاذ قراءات النبي صلى الله عليه وسلم الرواة الحفاظ
الأمر الثالث الأداء وهو ستة أنواع الوقف الابتداء الإمالة المد تخفيف الهمزة الإدغام
الأمر الرابع الألفاظ وهو سبعة أنواع الغريب المعرب المجاز المشترك المترادف الإستعارة التشبيه
الأمر الخامس المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشر نوعا العام الباقي على عمومه العام المخصوص العام الذي أريد به الخصوص ما خص فيه الكتاب السنة ما خصصت فيه السنة الكتاب المجمل المبين المؤول المفهوم المطلق المقيد الناسخ والمنسوخ نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين
الأمر السادس المعاني المتعلقة بالألفاظ وهو خمسة أنواع الفصل الوصل الإيجاز الإطناب القصر
وبذلك تكملت الأنواع خمسين ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر الأسماء الكنى الألقاب المبهمات فهذا نهاية ما حصر من الأنواع
6 هذا آخر ما ذكره القاضي جلال الدين في الخطبة ثم تكلم في كل نوع منها بكلام مختصر يحتاج إلى تحرير وتتمات وزوائد مهمات فصنفت في ذلك كتابا سميته التحبير في علوم التفسير ضمنته ما ذكر البلقيني من الأنواع مع زيادة مثلها وأضفت إليه فوائد سمحت القريحة بنقلها وقلت في خطبته
أما بعد فإن العلوم وإن كثر عددها وانتشر في الخافقين مددها فغايتها بحر
____________________
(1/20)
قعره لا يدرك ونهايتها طود شامخ لا يستطاع إلى ذروته أن يسلك ولهذا يفتح لعالم بعد آخر من الأبواب ما لم يتطرق إليه من المتقدمين الأسباب وإن مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة علم التفسير الذي هو كمصطلح الحديث فلم يدونه أحد لا في القديم ولا في الحديث حتى جاء شيخ الإسلام وعمدة الأنام علامة العصر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني رحمه الله تعالى فعمل فيه كتابه مواقع العلوم من مواقع النجوم فنقحه وهذبه وقسم أنواعه ورتبه ولم يسبق إلى هذه المرتبة فإنه جعله نيفا وخمسين نوعا منقسمة إلى ستة أقسام وتكلم في كل نوع منها بالمتين من الكلام فكان كما قال الإمام أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة نهايته كل مبتدئ لشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمرا لم يتقدم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر وصغيرا ثم يكبر
7 فظهر لي استخراج أنواع لم يسبق إليها وزيادة مهمات لم يستوف الكلام عليها فجردت الهمة إلى وضع كتاب في هذا العلم وأجمع به إن شاء الله تعالى شوارده وأضم إليه فوائده وأنظم في سلكه فرائده لأكون في إيجاد هذا العلم ثاني اثنين وواحدا في جمع الشتيت منه كألف أو كألفين ومصيرا فني التفسير والحديث في استكمال التقاسيم إلفين وإذ برز نور كمامه وفاح وطلع بدر كماله ولاح وأذن فجره بالصباح ونادى داعيه بالفلاح سميته التحبير في علوم التفسير وهذه فهرست الأنواع بعد المقدمة
النوع الأول والثاني المكي والمدني
الثالث والرابع الحضري والسفري
الخامس والسادس النهاري والليلي
السابع والثامن الصيفي والشتائي
التاسع والعاشر الفراشي والنومي
الحادي عشر أسباب النزول
الثاني عشر أول ما نزل
الثالث عشر آخر ما نزل
الرابع عشر ما عرفت وقت نزوله
الخامس عشر ما أنزل فيه ولم ينزل على أحد من الأنبياء
____________________
(1/21)
السادس عشر ما أنزل منه على الأنبياء
السابع عشر ما تكرر نزوله
الثامن عشر ما نزل مفرقا
التاسع عشر ما نزل جمعا
العشرون كيفية إنزاله وهذه كلها متعلقة بالنزول
الحادي والعشرون المتواتر
الثاني والعشرون الآحاد
الثالث والعشرون الشاذ
الرابع والعشرون قراءات النبي صلى الله عليه وسلم
الخامس والسادس والعشرون الرواة والحفاظ
السابع والعشرون كيفية التحمل
الثامن والعشرون العالي والنازل
التاسع والعشرون المسلسل وهذه متعلقة بالسند
الثلاثون الابتداء
الحادي والثلاثون الوقف
الثاني والثلاثون الإمالة
الثالث والثلاثون المد
الرابع والثلاثون تخفيف الهمزة
الخامس والثلاثون الإدغام
السادس والثلاثون الإخفاء
السابع والثلاثون الإقلاب
الثامن والثلاثون مخارج الحروف وهذه متعلقة بالأداء
التاسع والثلاثون الغريب
الأربعون المعرب
الحادي والأربعون المجاز
الثاني والأربعون المشترك
الثالث والأربعون المترادف
____________________
(1/22)
الرابع والخامس والأربعون المحكم والمتشابه
السادس والأربعون المشكل
السابع والثامن والأربعون المجمل والمبين
التاسع والأربعون الاستعارة
الخمسون التشبيه
الحادي والثاني والخمسون الكناية والتعريض
الثالث والخمسون العام الباقي على عمومه
الرابع والخمسون العام المخصوص
الخامس والخمسون العام الذي أريد به الخصوص
السادس والخمسون ما خص فيه الكتاب السنة
السابع والخمسون ما خصت فيه السنة الكتاب
الثامن والخمسون المؤول
التاسع والخمسون المفهوم
الستون والحادي والستون المطلق والمقيد
الثاني والثالث والستون الناسخ والمنسوخ
الرابع والستون ما عمل به واحد ثم نسخ
الخامس والستون ما كان واجبا على واحد
السادس والسابع والثامن والستون الإيجاز والإطناب والمساواة
التاسع والستون الأشباه
السبعون والحادي والسبعون الفصل والوصل
الثاني والسبعون القصر
الثالث والسبعون الاحتباك
الرابع والسبعون القول بالموجب
الخامس والسادس والسابع والسبعون المطابقة والمناسبة والمجانسة
الثامن والتاسع والسبعون التورية والاستخدام
الثمانون اللف والنشر
الحادي والثمانون الالتفات
____________________
(1/23)
الثاني والثمانون الفواصل والغايات
الثالث والرابع والخامس والثمانون أفضل القرآن وفاضله ومفضوله
السادس والثمانون مفردات القرآن
السابع والثمانون الأمثال
الثامن والتاسع والثمانون آداب القارئ والمقرئ
التسعون آداب المفسر
الحادي والتسعون من يقبل تفسيره ومن يرد
الثاني والتسعون غرائب التفسير
الثالث والتسعون معرفة المفسرين
الرابع والتسعون كتابة القرآن
الخامس والتسعون تسمية السور
السادس والتسعون ترتيب الآي والسور
السابع والثامن والتاسع والتسعون الأسماء والكنى والألقاب
المائة المبهمات
الأول بعد المائة أسماء من نزل فيهم القرآن
الثاني بعد المائة التاريخ
8 وهذا آخر ما ذكرته في خطبة التحبير وقد تم هذا الكتاب ولله الحمد من سنة اثنتين وسبعين وكتبه من هو في طبقة أشياخي من أولي التحقيق ثم خطر لي بعد ذلك أن أؤلف كتابا مبسوطا ومجموعا مضبوطا أسلك فيه طريق الإحصاء وأمشي فيه على منهاج الاستقصاء هذا كله وأنا أظن أني متفرد بذلك غير مسبوق بالخوض في هذه المسالك فبينا أنا أجيل في ذلك فكرا أقدم رجلا وأؤخر أخرى إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي أحد متأخري أصحابنا الشافعيين ألف كتابا في ذلك حافلا يسمى البرهان في علوم القرآن فتطلبته حتى وقفت عليه فوجدته قال في خطبته
____________________
(1/24)
لما كانت علوم القرآن لا تحصى ومعانيه لا تستقصى وجبت العناية بالقدر الممكن ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث فاستخرت الله تعالى وله الحمد في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه وخاضوا في نكته وعيونه وضمنته من المعاني الأنيقة والحكم الرشيقة ما بهر القلوب عجبا ليكون مفتاحا لأبوابه عنوانا على كتابه معينا للمفسر على حقائقه مطلعا على بعض أسراره ودقائقه وسميته البرهان في علوم القرآن وهذه فهرست أنواعه
النوع الأول معرفة سبب النزول
الثاني معرفة المناسبة بين الآيات
الثالث معرفة الفواصل
الرابع معرفة الوجوه والنظائر
الخامس علم المتشابه
السادس علم المبهمات
السابع في أسرار الفواتح
الثامن في خواتم السور
التاسع في معرفة المكي والمدني
العاشر في معرفة أول ما نزل
الحادي عشر معرفة على كم لغة نزل
الثاني عشر في كيفية إنزاله
الثالث عشر في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة
الرابع عشر معرفة تقسيمه
الخامس عشر معرفة أسمائه
السادس عشر معرفة ما وقع فيه من غير لغة الحجاز
السابع عشر معرفة ما فيه من غير لغة العرب
الثامن عشر معرفة غريبه
التاسع عشر معرفة التصريف
العشرون معرفة الأحكام
الحادي والعشرون معرفة كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح
____________________
(1/25)
الثاني والعشرون معرفة اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص
الثالث والعشرون معرفة توجيه القرآن
الرابع والعشرون معرفة الوقف
الخامس والعشرون علم مرسوم الخط
السادس والعشرون معرفة فضائله
السابع والعشرون معرفة خواصه
الثامن والعشرون هل في القرآن شيء أفضل من شيء
التاسع والعشرون في آداب تلاوته
الثلاثون في أنه هل يجوز في التصانيف والرسائل والخطب استعمال بعض آيات القرآن
الحادي والثلاثون معرفة الأمثال الكامنة فيه
الثاني والثلاثون معرفة أحكامه
الثالث والثلاثون معرفة جدله
الرابع والثلاثون معرفة ناسخه ومنسوخه
الخامس والثلاثون معرفة موهم المختلف
السادس والثلاثون معرفة المحكم من المتشابه
السابع والثلاثون في حكم الآيات المتشابهات الواردة في الصفات
الثامن والثلاثون معرفة إعجازه
التاسع والثلاثون معرفة وجوب متواتره
الأربعون في بيان معاضدة السنة الكتاب
الحادي والأربعون معرفة تفسيره
الثاني والأربعون معرفة وجوه المخاطبات
الثالث والأربعون بيان حقيقته ومجازه
الرابع والأربعون في الكنايات والتعريض
الخامس والأربعون في أقسام معنى الكلام
السادس والأربعون في ذكر ما تيسر من أساليب القرآن
السابع والأربعون في معرفة الأدوات
واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ
____________________
(1/26)
عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله فإن الصناعة طويلة والعمر قصير وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير
هذا آخر كلام الزركشي في خطبته
9 ولما وقفت على هذا الكتاب ازددت به سرورا وحمدت الله كثيرا وقوي العزم على إبراز ما أضمرته وشددت الحزم في إنشاء التصنيف الذي قصدته فوضعت هذا الكتاب العلي الشان الجلي البرهان الكثير الفوائد والإتقان ورتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان وأدمجت بعض الأنواع في بعض وفصلت ما حقه أن يبان وزدته على ما فيه من الفوائد والفرائد والقواعد والشوارد ما يشنف الآذان وسميته ب الإتقان في علوم القرآن وسترى في كل نوع منه إن شاء الله تعالى ما يصلح أن يكون بالتصنيف مفردا وستروى من مناهله العذبة ريا لا ظمأ بعده أبدا وقد جعلته مقدمة للتفسير الكبير الذي شرعت فيه وسميته ب مجمع البحرين ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية وتقرير الدراية ومن الله استمد التوفيق والهداية والمعونة والرعاية إنه قريب مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهذه فهرست أنواعه
النوع الأول معرفة المكي والمدني
الثاني معرفة الحضري والسفري
الثالث النهاري والليلي
الرابع الصيفي والشتائي
الخامس الفراشي والنومي
السادس الأرضي والسمائي
السابع أول ما نزل
الثامن آخر ما نزل
التاسع أسباب النزول
العاشر ما نزل على لسان بعض الصحابة
الحادي عشر ما تكرر نزوله
الثاني عشر ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه
____________________
(1/27)
الثالث عشر معرفة ما نزل مفرقا وما نزل جمعا
الرابع عشر ما نزل مشيعا وما نزل مفردا
الخامس عشر ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم
السادس عشر في كيفية إنزاله
السابع عشر في معرفة أسمائه وأسماء سوره
الثامن عشر في جمعه وترتيبه
التاسع عشر في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه
العشرون في حفاظه ورواته
الحادي والعشرون في العالي والنازل
الثاني والعشرون معرفة المتواتر
الثالث والعشرون في المشهور
الرابع والعشرون في الآحاد
الخامس والعشرون في الشاذ
السادس والعشرون الموضوع
السابع والعشرون المدرج
الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء
التاسع والعشرون في بيان الموصول لفظا المفصول معنى
الثلاثون في الإمالة والفتح وما بينهما
الحادي والثلاثون في الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب
الثاني والثلاثون في المد والقصر
الثالث والثلاثون في تخفيف الهمزة
الرابع والثلاثون في كيفية تحمله
الخامس والثلاثون في آداب تلاوته
السادس والثلاثون في معرفة غريبه
السابع والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز
الثامن والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة العرب
____________________
(1/28)
التاسع والثلاثون في معرفة الوجوه والنظائر
الأربعون في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر
الحادي والأربعون في معرفة إعرابه
الثاني والأربعون في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها
الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه
الرابع والأربعون في مقدمه ومؤخره
الخامس والأربعون في خاصه وعامه
السادس والأربعون في مجمله ومبينه
السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه
الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض
التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده
الخمسون في منطوقه ومفهومه
الحادي والخمسون في وجوه مخاطباته
الثاني والخمسون في حقيقته ومجازه
الثالث والخمسون في تشبيهه واستعارته
الرابع والخمسون في كناياته وتعريضه
الخامس والخمسون في الحصر والاختصاص
السادس والخمسون في الإيجاز والإطناب
السابع والخمسون في الخبر والإنشاء
الثامن والخمسون في بدائع القرآن
التاسع والخمسون في فواصل الآي
الستون في فواتح السور
الحادي والستون في خواتم السور
الثاني والستون في مناسبة الآيات والسور
الثالث والستون في الآيات المشتبهات
الرابع والستون في إعجاز القرآن
الخامس والستون في العلوم المستنبطة من القرآن
____________________
(1/29)
السادس والستون في أمثاله
السابع والستون في أقسامه
الثامن والستون في جدله
التاسع والستون في الأسماء والكنى والألقاب
السبعون في مبهماته
الحادي والسبعون في أسماء من نزل فيهم القرآن
الثاني والسبعون في فضائل القرآن
الثالث والسبعون في أفضل القرآن وفاضله
الرابع والسبعون في مفردات القرآن
الخامس والسبعون في خواصه
السادس والسبعون في رسوم الخط وآداب كتابته
السابع والسبعون في معرفة تأويله وتفسيره وبيان شرفه والحاجة إليه
الثامن والسبعون في شروط المفسر وآدابه
التاسع والسبعون في غرائب التفسير
الثمانون في طبقات المفسرين
فهذه ثمانون نوعا على سبيل الإدماج ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة وغالب هذه الأنواع فيها تصانيف مفردة وقفت على كثير منها
10 ومن المصنفات في مثل هذا النمط وليس في الحقيقة مثله ولا قريبا منه وإنما هي طائفة يسيرة ونبذة قصيرة فنون الأفنان في علوم القرآن لابن الجوزي وجمال القراء للشيخ علم الدين السخاوي والمرشد الوجيز في علوم تتعلق بالقرآن العزيز لأبي شامة والبرهان في مشكلات القرآن لأبي المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة وكلها بالنسبة إلى نوع من هذا الكتاب كحبة رمل في جنب رمل عالج ونقطة قطر في حيال بحر زاخر
11 وهذه أسماء الكتب التي نظرتها على هذا الكتاب ولخصته منها
فمن الكتب النقلية
تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ وابن حيان
____________________
(1/30)
والفريابي وعبد الرزاق وابن المنذر وسعيد بن منصور وهو جزء من سننه والحاكم وهو جزء من مستدركه وتفسير الحافظ عماد الدين بن كثير وفضائل القرآن لأبي عبيد وفضائل القرآن لابن الضريس وفضائل القرآن لابن أبي شيبة المصاحف لابن أبي داود المصاحف لابن اشته الرد على من خالف مصحف عثمان لأبي بكر بن الأنباري أخلاق حملة القرآن للآجري التبيان في آداب حملة القرآن للنووي شرح البخاري لابن حجر
ومن جوامع الحديث والمسانيد مالا يحصى
12 ومن كتب القراءات وتعلقات الأداء
جمال القراء للسخاوي النشر والتقريب لابن الجزري الكامل للهذلي الإرشاد في القراءات العشر للواسطي الشواذ لابن غلبون الوقف والابتداء لابن الأنباري وللسجاوندي وللنحاس وللداني وللعماني ولابن النكزاوي قرة العين في الفتح والإمالة بين اللفظين لابن القاصح
13 ومن كتب اللغات والغريب والعربية والإعراب
مفردات القرآن للراغب غريب القرآن لابن قتيبة وللعزيزي الوجوه والنظائر للنيسابوري ولابن عبد الصمد الواحد والجمع في القرآن لأبي الحسن الأخفش الأوسط الزاهر لابن الأنباري شرح التسهيل والارتشاف لأبي حيان المغني لابن هشام الجنى الداني في حروف المعاني لابن أم قاسم إعراب القرآن لأبي البقاء وللسمين وللسفاقسي ولمنتجب الدين المحتسب في توجيه الشواذ لابن جني الخصائص له الخاطريات له ذا القد له أمالي ابن الحاجب المعرب للجواليقي مشكل القرآن لابن قتيبة اللغات التي نزل بها القرآن للقاسم بن سلام الغرائب والعجائب للكرماني قواعد في التفسير لابن تيمية
14 ومن كتب الأحكام وتعلقاتها
أحكام القرآن لإسماعيل القاضي ولبكر بن العلاء ولابي بكر الرازي وللكيا الهراسي ولابن العربي ولابن الغرس ولابن خويز منداد الناسخ والمنسوخ لمكي ولابن الحصار وللسعيدي ولأبي جعفر النحاس ولابن العربي ولأبي داود السجستاني
____________________
(1/31)
ولأبي عبيد القاسم بن سلام ولأبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي الإمام في أدلة الأحكام للشيخ عز الدين بن عبد السلام
15 ومن الكتب المتعلقة بالإعجاز وفنون البلاغة
إعجاز القرآن للخطابي وللرماني ولابن سراقة وللقاضي أبي بكر الباقلاني ولعبد القاهر الجرجاني وللإمام فخر الدين ولابن أبي الإصبع واسمه البرهان وللزملكاني واسمه البرهان أيضا ومختصره له واسمه المجيد مجاز القرآن لابن عبد السلام الإيجاز في المجاز لابن القيم نهاية التأميل في أسرار التنزيل للزملكاني التبيان في البيان له المنهج المفيد في أحكام التوكيد له بدائع القرآن لابن أبي الإصبع التحبير له الخواطر السوانح في أسرار الفواتح له أسرار التنزيل للشرف البارزي الأقصى القريب للتنوخي منهاج البلغاء لحازم العمدة لابن رشيق الصناعتين للعسكري المصباح لبدر الدين بن مالك التبيان للطيبي الكنايات للجرجاني الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض للشيخ تقي الدين السبكي الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص له عروس الأفراح لولده بهاء الدين روض الأفهام في أقسام الاستفهام للشيخ شمس الدين بن الصائغ نشر العبير في إقامة الظاهر مقام الضمير له المقدمة في سر الألفاظ المقدمة له إحكام الراي في أحكام الآي له مناسبات ترتيب السور لأبي جعفر بن الزبير فواصل الآيات للطوفي المثل السائر لابن الأثير الفلك الدائر على المثل السائر كنز البراعة لابن الأثير شرح بديع قدامة للموفق عبد اللطيف
16 ومن الكتب فيما سوى ذلك من الأنواع
البرهان في متشابه القرآن للكرماني درة التنزيل وغرة التأويل في المتشابه لأبي عبد الله الرازي كشف المعاني عن متشابه المثاني للقاضي بدر الدين بن جماعة أمثال القرآن للماوردي أقسام القرآن لابن القيم جواهر القرآن للغزالي التعريف والإعلام فيما وقع في القرآن من الأسماء والأعلام للسهيلي الذيل عليه لابن عساكر التبيان في مبهمات القرآن للقاضي بدر الدين بن جماعة أسماء من نزل فيهم القرآن لإسماعيل الضرير ذات الرشد في عدد الآي وشرحها للموصلي شرح آيات
____________________
(1/32)
الصفات لابن اللبان الدر النظيم في منافع القرآن العظيم لليافعي
17 ومن كتب الرسم
المقنع للداني شرح الرائية للسخاوي شرحها لابن جبارة
18 ومن الكتب الجامعة
بدائع الفوائد لابن القيم كنز الفوائد للشيخ عز الدين بن عبد السلام الغرر والدرر للشريف المرتضى تذكرة البدر بن الصاحب جامع الفنون لابن شبيب الحنبلي النفيس لابن الجوزي البستان لأبي الليث السمرقندي
19 ومن تفاسير غير المحدثين
الكشاف وحاشيته للطيبي تفسير الإمام فخر الدين تفسير الإصبهاني والحوفي وأبي حيان وابن عطية والقشيري والمرسي وابن الجوزي وابن عقيل وابن رزين والواحدي والكواشي والماوردي وسليم الرازي وإمام الحرمين وابن برجان وابن بزيزة وابن المنير أمالي الرافعي على الفاتحة مقدمة تفسير ابن النقيب
وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود
____________________
(1/33)
النوع الأول في معرفة المكي والمدني
20 أفرده بالتصنيف جماعة منهم مكي والعز الديريني ومن فوائد معرفة ذلك العلم بالمتأخر فيكون ناسخا أو مخصصا على رأي من يرى تأخير المخصص
21 قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة والمدينة وما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي وما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة وما يشبه نزول المكي في المدني وما يشبه نزول المدني في المكي وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلا وما نزل نهارا وما نزل مشيعا وما نزل مفردا والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية وما حمل من مكة إلى المدينة وما حمل من المدينة إلى مكة وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة وما نزل مجملا وما نزل مفسرا وما اختلفوا فيه فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى انتهى
22 قلت وقد أشبعت الكلام على هذه الأوجه فمنها ما أفردته بنوع ومنها ما تكلمت عليه في ضمن بعض الأنواع
____________________
(1/34)
23 وقال ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ الذي علمناه على الجملة من القرآن أن منه مكيا ومدنيا وسفريا وحضريا وليليا ونهاريا وسمائيا وأرضيا وما نزل بين السماء والأرض وما نزل تحت الأرض في الغار
24 وقال ابن النقيب في مقدمة تفسيره المنزل من القرآن على أربعة أقسام مكي ومدني وما بعضه مكي وبعضه مدني وما ليس بمكي ولا مدني
25 اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة
أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أو عام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار أخرج عثمان ابن سعد الرازي بسنده إلى يحيى بن سلام قال ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهو من المكي وما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد ما قدم المدينة فهو من المدني وهذا أثر لطيف يؤخذ منه أن ما نزل في سفر الهجرة مكي اصطلاحا
الثاني أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة والمدني ما نزل بالمدينة وعلى هذا تثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مكي ولا مدني
وقد أخرج الطبراني في الكبير من طريق الوليد بن مسلم عن عفير بن معدان عن ابن عامر عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن في ثلاثة أمكنة مكة والمدينة والشام قال الوليد يعني بيت المقدس
وقال الشيخ عماد الدين بن كثير بل تفسيره بتبوك أحسن
قلت ويدخل في مكة ضواحيها كالمنزل بمنى وعرفات والحديبية وفي المدينة ضواحيها كالمنزل ببدر وأحد وسلع
الثالث أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة والمدني ما وقع خطابا لأهل المدينة وحمل على هذا قول ابن مسعود الآتي
26 قال القاضي أبو بكر في الانتصار إنما يرجع في معرفة المكي والمدني إلى حفظ الصحابة والتابعين ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة وإن وجب في بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول انتهى
____________________
(1/35)
27 وقد أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت
28 وقال أيوب سأل رجل عكرمة عن آية من القرآن فقال نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى سلع أخرجه أبو نعيم في الحلية
29 وقد ورد عن ابن عباس وغيره عد المكي والمدني وأنا أسوق ما وقع لي من ذلك ثم أعقبه بتحرير ما اختلف فيه
30 قال ابن سعد في الطبقات أنبأنا الواقدي حدثني قدامة بن موسى عن أبي سلمة الحضرمي سمعت ابن عباس قال سألت أبي بن كعب عما نزل من القرآن بالمدينة فقال نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة
31 وقال أبو جعفر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ حدثني يموت بن المزرع حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني أنبأنا أبو عبيدة معمر بن المثنى حدثني يونس بن حبيب سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول سألت مجاهدا عن تلخيص آي القرآن المدني من المكي فقال سألت ابن عباس عن ذلك فقال سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة { قل تعالوا أتل } إلى تمام الآيات الثلاث وما تقدم من السور مدنيات ونزلت بمكة سورة الأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرفه من أحد وسورة بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج سوى ثلاث آيات { هذان خصمان } إلى تمام الآيات الثلاث فإنهن نزلن بالمدينة وسورة المؤمنين والفرقان وسورة الشعراء سوى خمس آيات من أخراها نزلن بالمدينة { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى آخرها وسورة النمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان سوى ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام } إلى تمام الآيات وسورة السجدة سوى ثلاث آيات { أفمن كان }
____________________
(1/36)
{ مؤمنا كمن كان فاسقا } إلى تمام الآيات الثلاث وسورة سبأ وفاطر ويس والصافات وص والزمر سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة { قل يا عبادي الذين أسرفوا } إلى تمام الثلاث آيات والحواميم السبع وق والذاريات والطور والنجم والقمر والرحمن والواقعة والصف والتغابن إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة والملك ون والحاقة وسأل وسورة نوح والجن والمزمل إلا آيتين { إن ربك يعلم أنك تقوم } والمدثر إلى آخر القرآن إلا { إذا زلزلت } و { إذا جاء نصر الله } و { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فإنهن مدنيات ونزل بالمدينة سورة الأنفال وبراءة والنور والأحزاب وسورة محمد والفتح والحجرات والحديد وما بعدها إلى التحريم
هكذا أخرجه بطوله وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات من علماء العربية المشهورين
32 وقال البيهقي في دلائل النبوة أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد بن زياد العدل حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه حدثني يزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن قالا أنزل الله من القرآن بمكة { اقرأ باسم ربك } ون والمزمل والمدثر و { تبت يدا أبي لهب } و { إذا الشمس كورت } و { سبح اسم ربك الأعلى } و { والليل إذا يغشى } والفجر والضحى و { ألم نشرح } والعصر والعاديات والكوثر و { ألهاكم التكاثر } و { أرأيت } و { قل يا أيها الكافرون } وأصحاب الفيل والفلق و { قل أعوذ برب الناس } و { قل هو الله أحد } والنجم وعبس و { إنا أنزلناه } و { والشمس وضحاها } و { والسماء ذات البروج } و { والتين والزيتون } و { لإيلاف قريش } والقارعة و { لا أقسم بيوم القيامة } والهمزة والمرسلات وق و { لا أقسم بهذا البلد } و { والسماء والطارق } و { اقتربت الساعة } وص والجن ويس والفرقان والملائكة وطه والواقعة وطسم وطس وطسم وبني إسرائيل والتاسعة وهود ويوسف وأصحاب الحجر والأنعام والصافات
____________________
(1/37)
ولقمان وسبأ والزمر وحم المؤمن وحم الدخان وحم السجدة وحمعسق وحم الزخرف والجاثية والأحقاف والذاريات والغاشية وأصحاب الكهف والنحل ونوح وإبراهيم والأنبياء والمؤمنون وآلم السجدة والطور وتبارك والحاقة وسأل و { عم يتساءلون } والنازعات و { إذا السماء انشقت } و { إذا السماء انفطرت } والروم والعنكبوت
وما نزل بالمدينة { ويل للمطففين } والبقرة وآل عمران والأنفال والأحزاب والمائدة والممتحنة والنساء و { إذا زلزلت } والحديد ومحمد والرعد والرحمن و { هل أتى على الإنسان } والطلاق و { لم يكن } والحشر و { إذا جاء نصر الله } والنور والحج والمنافقون والمجادلة والحجرات و { يا أيها النبي لم تحرم } والصف والجمعة والتغابن والفتح وبراءة
قال البيهقي والتاسعة يريد بها سورة يونس قال وقد سقط من هذه الرواية الفاتحة والأعراف وكهيعص فيما نزل بمكة
33 قال وقد أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن الفضل حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي حدثنا خصيف عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال إن أول ما أنزل الله على نبيه من القرآن { اقرأ باسم ربك } فذكر معنى هذا الحديث وذكر السور التي سقطت من الرواية الأولى في ذكر ما نزل بمكة وقال وللحديث شاهد في تفسير مقاتل وغيره مع المرسل الصحيح الذي تقدم
34 وقال ابن الضريس في فضائل القرآن حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي أنبأنا عمرو بن هارون حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس قال كانت إذا أنزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما شاء وكان أول ما أنزل من القرآن { اقرأ باسم ربك } ثم ن ثم { يا أيها المزمل } ثم { يا أيها المدثر } ثم { تبت يدا أبي لهب } ثم { إذا الشمس كورت } ثم { سبح اسم ربك الأعلى } ثم { والليل إذا يغشى } ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم { إنا أعطيناك } ثم { ألهاكم التكاثر } ثم { أرأيت الذي يكذب } ثم { قل يا أيها الكافرون } ثم
____________________
(1/38)
{ ألم تر كيف فعل ربك } ثم { قل أعوذ برب الفلق } ثم { قل أعوذ برب الناس } ثم { قل هو الله أحد } ثم والنجم ثم عبس ثم { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ثم { والشمس وضحاها } ثم { والسماء ذات البروج } ثم { والتين } ثم { لإيلاف قريش } ثم القارعة ثم { لا أقسم بيوم القيامة } ثم { ويل لكل همزة } ثم والمرسلات ثم ق ثم { لا أقسم بهذا البلد } ثم { والسماء والطارق } ثم { اقتربت الساعة } ثم ص ثم الأعراف ثم { قل أوحي } ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم كهيعص ثم طه ثم الواقعة ثم طسم الشعراء ثم طس ثم القصص ثم بني إسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حمعسق ثم حم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية ثم الأحقاف ثم الذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم { إنا أرسلنا نوحا } ثم سورة إبراهيم ثم الأنبياء ثم المؤمنين ثم تنزيل السجدة ثم الطور ثم تبارك الملك ثم الحاقة ثم سأل ثم { عم يتساءلون } ثم النازعات ثم { إذا السماء انفطرت } ثم { إذا السماء انشقت } ثم الروم ثم العنكبوت ثم { ويل للمطففين } فهذا ما أنزل الله بمكة
وأما ما أنزل بالمدينة سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم { إذا زلزلت } ثم الحديد ثم القتال ثم الرعد ثم الرحمن ثم الإنسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم { إذا جاء نصر الله } ثم النور ثم الحج ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجمعة ثم التغابن ثم الصف ثم الفتح ثم المائدة ثم براءة
35 وقال أبو عبيد في فضائل القرآن حدثنا عبد الله بن صالح ومعاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال نزلت بالمدينة سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والحج والنور والأحزاب والذين كفروا والفتح والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والحواريين يريد الصف والتغابن و { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } و { يا أيها النبي لم تحرم } والفجر والليل و { إنا أنزلناه في ليلة القدر } و { لم يكن } و { إذا زلزلت } و { إذا جاء نصر الله } وسائر ذلك بمكة
36 وقال أبو بكر بن الأنباري حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا حجاج ابن منهال نبأنا هشام عن قتادة قال نزل في المدينة من القرآن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وبراءة والرعد والنحل والحج والنور والأحزاب ومحمد
____________________
(1/39)
والفتح والحجرات والحديد والرحمن والمجادلة والحشر والممتحنة والصف والجمعة والمنافقون والتغابن والطلاق و { يا أيها النبي لم تحرم } إلى رأس العشر و { إذا زلزلت } و { إذا جاء نصر الله } وسائر القرآن نزل بمكة
37 وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه الناسخ والمنسوخ المدني باتفاق عشرون سورة والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة وما عدا ذلك مكي باتفاق ثم نظم في ذلك أبياتا فقال
( يا سائلي عن كتاب الله مجتهدا % وعن ترتب ما يتلى من السور )
( وكيف جاء بها المختار من مضر % صلى الإله على المختار من مضر )
( وما تقدم منها قبل هجرته % وما تأخر في بدو وفي حضر )
( ليعلم النسخ والتخصيص مجتهد % يؤيد الحكم بالتاريخ والنظر )
( تعارض النقل في أم الكتاب وقد % تؤولت الحجر تنبيها لمعتبر )
( أم القرآن وفي أم القرى نزلت % ما كان للخمس قبل الحمد من أثر )
( وبعد هجرة خير الناس قد نزلت % عشرون من سور القرآن في عشر )
( فأربع من طوال السبع أولها % وخامس الخمس في الأنفال ذي العبر )
( وتوبة الله إن عدت فسادسة % وسورة النور والأحزاب ذي الذكر )
( وسورة لنبي الله محكمة % والفتح والحجرات الغر في غرر )
( ثم الحديد ويتلوها مجادلة % والحشر ثم امتحان الله للبشر )
( وسورة فضح الله النفاق بها % وسورة الجمع تذكار لمدكر )
( وللطلاق وللتحريم حكمهما % والنصر والفتح تنبيها على العمر )
( هذا الذي اتفقت فيه الرواة له % وقد تعارضت الأخبار في أخر )
( فالرعد مختلف فيها متى نزلت % وأكثر الناس قالوا الرعد كالقمر )
( ومثلها سورة الرحمن شاهدها % مما تضمن قول الجن في الخبر )
( وسورة للحواريين قد علمت % ثم التغابن والتطفيف ذو النذر )
( وليلة القدر قد خصت بملتنا % ولم يكن بعدها الزلزال فاعتبر )
( وقل هو الله من أوصاف خالقنا % وعوذتان ترد البأس بالقدر )
( وذا الذي اختلفت فيه الرواة له % وربما استثنيت آي من السور )
( وما سوى ذاك مكي تنزله % فلا تكن من خلاف الناس في حصر )
____________________
(1/40)
( فليس كل خلاف جاء معتبرا % إلا خلاف له حظ من النظر ) فصل في تحرير السور المختلف فيها
38 سورة الفاتحة الأكثرون على أنها مكية بل ورد أنها أول ما نزل كما سيأتي في النوع الثامن واستدل لذلك بقوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بالفاتحة كما في الصحيح وسورة الحجر مكية باتفاق وقد امتن على رسوله فيها بها فدل على تقدم نزول الفاتحة عليها إذ يبعد أن يمتن عليه بما لم ينزل بعد وبأنه لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة ولم يحفظ أنه كان في الإسلام صلاة بغير الفاتحة ذكره ابن عطية وغيره
39 وقد روى الواحدي والثعلبي من طريق العلاء بن المسيب عن الفضل بن عمرو عن علي بن أبي طالب قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش
40 واشتهر عن مجاهد القول بأنها مدنية أخرجه الفريابي في تفسيره وأبو عبيد في الفضائل بسند صحيح عنه قال الحسين بن الفضل هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلاف قوله وقد نقل ابن عطية القول بذلك عن الزهري وعطاء وسوادة بن زياد وعبد الله بن عبيد بن عمير
41 وورد عن أبي هريرة بإسناد جيد قال الطبراني في الأوسط حدثنا عبيد ابن غنام نبأنا أبو بكر بن أبي شيبة نبأنا أبو الأحوص عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة أن إبليس رن حين أنزلت فاتحة الكتاب وأنزلت بالمدينة ويحتمل أن الجملة الأخيرة مدرجة من قول مجاهد
42 وذهب بعضهم إلى أنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة مبالغة في تشريفها وفيها قول رابع أنها نزلت نصفين نصفها بمكة ونصفها بالمدينة حكاه أبو الليث السمرقندي
43 سورة النساء زعم النحاس أنها مكية مستندا إلى أن قوله { إن الله يأمركم } الآية نزلت بمكة اتفاقا في شأن مفتاح الكعبة وذلك مستند واه لأنه لا يلزم من نزول آية أو آيات من سورة طويلة نزل معظمها بالمدينة أن تكون مكية خصوصا أن الأرجح أن ما نزل بعد الهجرة مدني ومن راجع أسباب نزول آياتها
____________________
(1/41)
عرف الرد عليه ومما يرد عليه أيضا ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقا وقيل نزلت عند الهجرة
44 سورة يونس المشهور أنها مكية وعن ابن عباس روايتان فتقدم في الآثار السابقة عنها أنها مكية وأخرجه ابن مردويه من طريق العوفي عنه ومن طريق ابن جريج عن عطاء عنه ومن طريق خصيف عن مجاهد عن ابن الزبير
45 وأخرج من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس أنها مدنية ويؤيد المشهور ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر ذلك منهم فقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله تعالى { أكان للناس عجبا } الآية
46 سورة الرعد تقدم من طريق مجاهد عن ابن عباس وعن علي بن أبي طلحة أنها مكية وفي بقية الآثار أنها مدنية
وأخرج ابن مردويه الثاني من طريق العوفي عن ابن عباس ومن طريق ابن جريج عن عثمان بن عطاء عن ابن عباس ومن طريق مجاهد عن ابن الزبير
47 وأخرج أبو الشيخ مثله عن قتادة وأخرج الأول عن سعيد بن جبير
48 وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى { ومن عنده علم الكتاب } أهو عبد الله بن سلام فقال كيف وهذه السورة مكية ويؤيد القول بأنها مدنية ما أخرجه الطبراني وغيره عن أنس أن قوله تعالى { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } إلى قوله { وهو شديد المحال } نزل في قصة أربد بن قيس وعامر بن الطفيل حين قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يجمع به بين الاختلاف أنها مكية إلا آيات منها
49 سورة الحج تقدم من طريق مجاهد عن ابن عباس أنها مكية إلا الآيات التي استثناها وفي الآثار الباقية أنها مدنية
50 وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس ومن طريق ابن جريج وعثمان عن عطاء عن ابن عباس ومن طريق مجاهد عن ابن الزبير أنها
____________________
(1/42)
مدنية قال ابن الغرس في أحكام القرآن وقيل إنها مكية إلا { هذان خصمان } الآيات وقيل إلا عشر آيات وقيل مدنية إلا أربع آيات { وما أرسلنا من قبلك من رسول } إلى { عقيم } قاله قتادة وغيره وقيل كلها مدنية قاله الضحاك وغيره وقيل هي مختلطة فيها مدني ومكي وهو قول الجمهور انتهى
ويؤيد ما نسبه إلى الجمهور أنه ورد في آيات كثيرة منها أنه نزل بالمدينة كما حررناه في أسباب النزول
51 سورة الفرقان قال ابن الغرس الجمهور على أنها مكية وقال الضحاك مدنية
52 سورة يس حكى أبو سليمان الدمشقي له قولا إنها مدنية قال وليس بالمشهور
53 سورة ص حكى الجعبري قولا إنها مدنية خلاف حكاية جماعة الإجماع على أنها مكية
54 سورة محمد حكى النسفي قولا غريبا إنها مكية
55 سورة الحجرات حكى قول شاذ إنها مكية
56 سورة الرحمن الجمهور على أنها مكية وهو الصواب ويدل له ما رواه الترمذي والحاكم عن جابر قال لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن حتى فرغ قال مالي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم من مرة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقصة الجن كانت بمكة
57 وأصرح منه في الدلالة ما أخرجه أحمد في مسنده بسند جيد عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون { فبأي آلاء ربكما تكذبان } وفي هذا دليل على تقدم نزولها على سورة الحجر
58 سورة الحديد قال ابن الغرس الجمهور على أنها مدنية وقال قوم
____________________
(1/43)
إنها مكية ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا
59 قلت الأمر كما قال ففي مسند البزار وغيره عن عمر أنه دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد فقرأها وكان سبب إسلامه
60 وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال لم يكن شيء بين إسلامه وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد } الآية
61 سورة الصف المختار أنها مدنية ونسبه ابن الغرس إلى الجمهور ورجحه ويدل له ما أخرجه الحاكم وغيره عن عبد الله بن سلام قال قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله سبحانه { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } حتى ختمها قال عبد الله فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها
62 سورة الجمعة الصحيح أنها مدنية لما روى البخاري عن أبي هريرة قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه سورة الجمعة { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قلت من هم يا رسول الله الحديث ومعلوم أن إسلام أبي هريرة بعد الهجرة بمدة وقوله { قل يا أيها الذين هادوا } خطاب لليهود وكانوا بالمدينة وآخر السورة نزل في انفضاضهم حال الخطبة لما قدمت العير كما في الأحاديث الصحيحة فثبت أنها مدنية كلها
63 سورة التغابن قيل مدنية وقيل مكية إلا آخرها
64 سورة الملك فيها قول غريب إنها مدنية
65 سورة الإنسان قيل مدنية وقيل مكية إلا آية واحدة { ولا تطع منهم آثما أو كفورا }
66 سورة المطففين قال ابن الغرس قيل إنها مكية لذكر الاساطير فيها
____________________
(1/44)
وقيل مدنية لأن أهل المدينة كانوا أشد الناس فسادا في الكيل وقيل نزلت بمكة إلا قصة التطفيف وقال قوم نزلت بين مكة والمدينة انتهى
67 قلت أخرج النسائي وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل
68 سورة الأعلى الجمهور على أنها مكية قال ابن الغرس وقيل إنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها
69 قلت ويرده ما أخرجه البخاري عن البراء بن عازب قال أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به فما جاء حتى قرأت { سبح اسم ربك الأعلى } في سور مثلها
70 سورة الفجر فيها قولان حكاهما ابن الغرس قال أبو حيان والجمهور على أنها مكية
71 سورة البلد حكى ابن الغرس فيها أيضا قولين وقوله { بهذا البلد } يرد القول بأنها مدنية
72 سورة الليل الأشهر أنها مكية وقيل مدنية لما ورد في سبب نزولها من قصة النخلة كما أخرجناه في أسباب النزول وقيل فيها مكي ومدني
73 سورة القدر فيها قولان والأكثر أنها مكية ويستدل لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي والحاكم عن الحسن بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية على منبره فساءه ذلك فنزلت { إنا أعطيناك الكوثر } ونزلت { إنا أنزلناه في ليلة القدر } الحديث قال المزي وهو حديث منكر
74 سورة لم يكن قال ابن الغرس الأشهر أنها مكية
75 قلت ويدل لمقابله ما أخرجه أحمد عن أبي حبة البدري قال لما نزلت { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب } إلى آخرها قال جبريل يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا الحديث وقد جزم ابن كثير بأنها مدنية واستدل به
____________________
(1/45)
76 سورة الزلزلة فيها قولان ويستدل لكونها مدنية بما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } الآية قلت يا رسول الله إني لراء عملي الحديث وأبو سعيد لم يكن إلا بالمدينة ولم يبلغ إلا بعد أحد
77 سورة العاديات فيها قولان
ويستدل لكونها مدنية بما أخرجه الحاكم وغيره عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا فلبثت شهرا لا يأتيه منها خبر فنزلت { والعاديات } الحديث
78 سورة ألهاكم الأشهر أنها مكية ويدل لكونها مدنية وهو المختار ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن بريدة أنها نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار تفاخروا الحديث
79 وأخرج عن قتادة أنها نزلت في اليهود
80 وأخرج البخاري عن أبي بن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن يعني لو كان لابن آدم واد من ذهب حتى نزلت { ألهاكم التكاثر }
81 وأخرج الترمذي عن علي قال ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت وعذاب القبر لم يذكر إلا بالمدينة كما في الصحيح في قصة اليهودية
82 سورة أرأيت فيها قولان حكاهما ابن الغرس
83 سورة الكوثر الصواب أنها مدنية ورجحه النووي في شرح مسلم لما أخرجه مسلم عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة فرفع رأسه متبسما فقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } { إنا أعطيناك الكوثر } حتى ختمها الحديث
84 سورة الإخلاص فيها قولان لحديثين في سبب نزولها متعارضين وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها ثم ظهر لي بعد ترجيح أنها مدنية كما بينته في أسباب النزول
____________________
(1/46)
85 المعوذتان المختار أنهما مدنيتان لأنهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم كما أخرجه البيهقي في الدلائل 2 فصل
86 قال البيهقي في الدلائل في بعض السور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة فألحقت بها وكذا قال ابن الحصار وكل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة قال إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل 3 فصل في ذكر ما استثني من المكي والمدني
87 وقال ابن حجر في شرح البخاري قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية قال وأما عكس ذلك وهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادرا
88 قلت وها أنا أذكر ما وقفت على استثنائه من النوعين مستوعبا ما رأيته من ذلك على الاصطلاح الأول دون الثاني وأشير إلى أدلة الاستثناء لأجل قول ابن الحصار السابق ولا أذكر الأدلة بلفظها اختصارا وإحالة على كتابنا أسباب النزول
89 الفاتحة تقدم قول أن نصفها نزل بالمدينة والظاهر أنه النصف الثاني ولا دليل لهذا القول
90 البقرة استثني منها آيتان { فاعفوا واصفحوا } و { ليس عليك هداهم }
91 الأنعام قال ابن الحصار استثني منها تسع آيات ولا يصح به نقل خصوصا قد ورد أنها نزلت جملة
92 قلت قد صح النقل عن ابن عباس استثناء { قل تعالوا } الآيات الثلاث كما تقدم والبواقي { وما قدروا الله حق قدره } لما أخرجه ابن أبي حاتم أنها نزلت في مالك بن الصيف وقوله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } الآيتين نزلتا في مسيلمة وقوله { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } وقوله { والذين }
____________________
(1/47)
{ آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } )
93 وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال نزلت الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال { ما أنزل الله على بشر من شيء }
94 وقال الفريابي حدثنا سفيان عن ليث عن بشر قال الأنعام مكية إلا { قل تعالوا أتل } والآية التي بعدها
95 الأعراف أخرج أبو الشيخ بن حيان عن قتادة قال الأعراف مكية إلا آية { واسألهم عن القرية } وقال غيره من هنا إلى { وإذ أخذ ربك من بني آدم } مدني
96 الأنفال استثني منها { وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآية قال مقاتل نزلت بمكة
97 قلت يرده ما صح عن ابن عباس أن هذه الآية بعينها نزلت بالمدينة كما أخرجناه في أسباب النزول واستثنى بعضهم قوله { يا أيها النبي حسبك الله } الآية وصححه ابن العربي وغيره
98 قلت يؤيده ما أخرجه البزار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر
99 براءة قال ابن الغرس مدنية إلا آيتين { لقد جاءكم رسول } إلى آخرها
100 قلت غريب كيف وقد ورد أنها آخر ما نزل واستثنى بعضهم { ما كان للنبي } الآية لما ورد أنها نزلت في قوله عليه الصلاة والسلام لأبي طالب لأستغفرن لك مالم أنه عنك
101 يونس استثني منها { فإن كنت في شك } الآيتين وقوله { ومنهم من يؤمن به } الآية قيل نزلت في اليهود وقيل من أولها إلى رأس
____________________
(1/48)
أربعين مكي والباقي مدني حكاه ابن الغرس والسخاوي في جمال القراء
102 هود استثني منها ثلاث آيات { فلعلك تارك } { أفمن كان على بينة من ربه } { وأقم الصلاة طرفي النهار }
103 قلت دليل الثالثة ما صح من عدة طرق أنها نزلت بالمدينة في حق أبي اليسر
104 يوسف استثني منها ثلاث آيات من أولها حكاه أبو حيان وهو واه جدا لا يلتفت إليه
105 الرعد أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال سورة الرعد مدنية إلا آية قوله { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } وعلى القول بأنها مكية يستثنى قوله { الله يعلم } إلى قوله { شديد المحال } كما تقدم والآية آخرها فقد أخرج ابن مردويه عن جندب قال جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضادتي باب المسجد قال أنشدكم بالله أي قوم أتعلمون أني الذي أنزلت فيه { ومن عنده علم الكتاب } قالوا اللهم نعم
106 إبراهيم أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال سورة إبراهيم مكية غير آيتين مدنيتين { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا } إلى { وبئس القرار }
107 الحجر استثنى بعضهم منها { ولقد آتيناك سبعا } الآية
108 قلت وينبغي استثناء قوله { ولقد علمنا المستقدمين } الآية لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وأنها في صفوف الصلاة
109 النحل تقدم عن ابن عباس أنه استثنى آخرها وسيأتي في السفري ما يؤيده وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال نزلت النحل كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات { وإن عاقبتم } إلى آخرها
____________________
(1/49)
110 وأخرج عن قتادة قال سورة النحل من قوله { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } إلى آخرها مدني وما قبلها إلى آخر السورة مكي وسيأتي في أول ما نزل عن جابر بن زيد أن النحل نزل منها بمكة أربعون وباقيها بالمدينة ويرد ذلك ما أخرجه أحمد عن عثمان بن أبي العاص في نزول { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } وسيأتي في نوع الترتيب
111 الإسراء استثني منها { ويسألونك عن الروح } الآية لما أخرج البخاري عن ابن مسعود أنها نزلت بالمدينة في جواب سؤال اليهود عن الروح واستثني منها أيضا { وإن كادوا ليفتنونك } إلى قوله { إن الباطل كان زهوقا } وقوله { قل لئن اجتمعت الإنس والجن } الآية وقوله { وما جعلنا الرؤيا } الآية و { إن الذين أوتوا العلم من قبله } لما أخرجناه في أسباب النزول
112 الكهف استثني من أولها إلى { جرزا } وقوله { واصبر نفسك } الآية و { إن الذين آمنوا } إلى آخر السورة
113 مريم استثني منها آية السجدة وقوله { وإن منكم إلا واردها }
114 طه استثني منها { فاصبر على ما يقولون } الآية
115 قلت ينبغي أن يستثنى آية أخرى فقد أخرج البزار وأبو يعلى عن أبي رافع قال أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال لا إلا برهن فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم }
116 الأنبياء استثني منها { أفلا يرون أنا نأتي الأرض } الآية
____________________
(1/50)
117 الحج تقدم ما يستثنى منها
118 المؤمنين استثني منها { حتى إذا أخذنا مترفيهم } إلى قوله { مبلسون }
119 الفرقان استثني منها { والذين لا يدعون } إلى { رحيما }
120 الشعراء استثنى ابن عباس منها { والشعراء } إلى آخرها كما تقدم زاد غيره قوله { أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل } حكاه ابن الغرس
121 القصص استثني منها { الذين آتيناهم الكتاب } إلى قوله { الجاهلين } فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس أنها نزلت هي وآخر الحديد في أصحاب النجاشي الذين قدموا وشهدوا وقعة أحد وقوله { إن الذي فرض عليك القرآن } الآية لما سيأتي
122 العنكبوت استثني من أولها إلى { وليعلمن المنافقين } لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها
123 قلت ويضم إليه { وكأين من دابة } الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها
124 لقمان استثنى منها ابن عباس { ولو أنما في الأرض } الآيات الثلاث كما تقدم
125 السجدة استثنى منها ابن عباس { أفمن كان مؤمنا } الآيات الثلاث كما تقدم وزاد غيره { تتجافى جنوبهم } ويدل له ما أخرجه البزار عن بلال قال كنا نجلس في المسجد وناس من الصحابة يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت
____________________
(1/51)
126 سبأ استثني منها { ويرى الذين أوتوا العلم } الآية وروى الترمذي عن فروة بن نسيك المرادي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي . . . الحديث وفيه وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل يا رسول الله وما سبأ . . . الحديث
127 قال ابن الحصار هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع
128 قال ويحتمل أن يكون قوله وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته
129 يس استثني منها { إنا نحن نحيي الموتى } الآية لما أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي سعيد قال كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا واستثنى بعضهم { وإذا قيل لهم أنفقوا } الآية قيل نزلت في المنافقين
130 الزمر استثني منها { قل يا عبادي } الآيات الثلاث كما تقدم عن ابن عباس
131 وأخرج الطبراني من وجه آخر عنه أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة وزاد بعضهم { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } الآية ذكره السخاوي في جمال القراء وزاد غيره { الله نزل أحسن الحديث } الآية وحكاه ابن الجزري
132 غافر استثني منها { إن الذين يجادلون } إلى قوله { لا يعلمون } فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية وغيره أنها نزلت في اليهود لما ذكروا الدجال وأوضحته في أسباب النزول
133 شورى استثني منها { أم يقولون افترى } إلى قوله { بصير }
____________________
(1/52)
134 قلت بدلالة ما أخرجه الطبراني والحاكم في سبب نزولها فإنها نزلت في الأنصار وقوله { ولو بسط } الآية نزلت في أصحاب الصفة واستثنى بعضهم { والذين إذا أصابهم البغي } إلى قوله { من سبيل } حكاه ابن الغرس
135 الزخرف استثني منها { واسأل من أرسلنا } الآية قيل نزلت بالمدينة وقيل في السماء
136 الجاثية استثني منها { قل للذين آمنوا } الآية حكاه في جمال القراء عن قتادة
137 الأحقاف استثني منها { قل أرأيتم إن كان من عند الله } الآية فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبد الله بن سلام وله طرق أخرى لكن أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال أنزلت هذه الآية بمكة إنما كان إسلام ابن سلام بالمدينة وإنما كانت خصومة خاصم بها محمدا صلى الله عليه وسلم
138 وأخرج عن الشعبي قال ليس بعبد الله بن سلام وهذه الآية مكية واستثنى بعضهم { ووصينا الإنسان } الآيات الأربع وقوله { فاصبر كما صبر أولوا العزم } الآية حكاه في جمال القراء
139 ق استثني منها { ولقد خلقنا السماوات } إلى { لغوب } فقد أخرج الحاكم وغيره أنها نزلت في اليهود
140 النجم استثني منها { الذين يجتنبون } إلى { اتقى } وقيل { أفرأيت الذي تولى } الآيات التسع
141 القمر استثني منها { سيهزم الجمع } الآية هو مردود لما سيأتي في النوع الثاني عشر وقيل { إن المتقين } الآيتين
____________________
(1/53)
142 الرحمن استثني منها { يسأله } حكاه في جمال القراء
143 الواقعة استثني منها { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } وقوله { فلا أقسم بمواقع النجوم } إلى { تكذبون } لما أخرجه مسلم في سبب نزولها
144 الحديد يستثنى منها على القول بأنها مكية آخرها
145 المجادلة استثني منها { ما يكون من نجوى ثلاثة } الآية حكاه ابن الغرس وغيره
146 التغابن يستثنى منها على أنها مكية آخرها لما أخرجه الترمذي والحاكم في سبب نزولها
147 التحريم تقدم عن قتادة أن المدني منها إلى رأس العشر والباقي مكي
148 تبارك أخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال أنزلت { تبارك } الملك في أهل مكة إلا ثلاث آيات
149 ن استثني منها { إنا بلوناهم } إلى { يعلمون } ومن { فاصبر } إلى { الصالحين } فإنه مدني حكاه السخاوي في جمال القراء
150 المزمل استثني منها { واصبر على ما يقولون } الآيتين حكاه الأصبهاني وقوله { إن ربك يعلم } إلى آخر السورة حكاه ابن الغرس ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس
151 الإنسان استثني منها { فاصبر لحكم ربك }
152 المرسلات استثني منها { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } حكاه ابن الغرس وغيره
____________________
(1/54)
153 المطففين قيل مكية إلا ست آيات من أولها
154 البلد قيل مدنية إلا أربع آيات من أولها
155 الليل قيل مكية إلا أولها
156 أرأيت نزل ثلاث آيات من أولها بمكة والباقي بالمدينة ضوابط في المكي والمدني
157 أخرج الحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل والبزار في مسنده من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال ما كان { يا أيها الذين آمنوا } أنزل بالمدينة وما كان { يا أيها الناس } فبمكة
158 وأخرجه أبو عبيد في الفضائل عن علقمة مرسلا
159 وأخرج عن ميمون بن مهران قال ما كان في القرآن { يا أيها الناس } أو { يا بني آدم } فإنه مكي وما كان { يا أيها الذين آمنوا } فإنه مدني
160 قال ابن عطية وابن الغرس وغيرهما هو في { يا أيها الذين آمنوا } صحيح وأما { يا أيها الناس } فقد يأتي في المدني
161 وقال ابن الحصار قد اعتنى المتشاغلون بالنسخ بهذا الحديث واعتمدوه على ضعفه وقد اتفق الناس على أن النساء مدنية وأولها { يا أيها الناس } وعلى أن الحج مكية وفيها { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا }
162 وقال غيره هذا القول إن أخذ على إطلاقه فيه نظر فإن سورة البقرة مدنية وفيها { يا أيها الناس اعبدوا ربكم } { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض } وسورة النساء مدنية وأولها { يا أيها الناس }
163 وقال مكي هذا إنما هو في الأكثر وليس بعام وفي كثير من السور المكية { يا أيها الذين آمنوا }
164 وقال غيره الأقرب حمله على أنه خطاب المقصود به أو جل المقصود به أهل مكة أو المدينة
____________________
(1/55)
165 وقال القاضي إن كان الرجوع في هذا إلى النقل فمسلم وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة فضعيف إذ يجوز خطاب المؤمنين بصفتهم وباسمهم وجنسهم ويؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار عليها والازدياد منها نقله الإمام فخر الدين في تفسيره
166 وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه قال كل شيء نزل من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون فإنما نزل بمكة وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة
167 وقال الجعبري لمعرفة المكي والمدني طريقان سماعي وقياسي فالسماعي ما وصل إلينا نزوله بأحدهما
والقياسي كل سورة فيها { يا أيها الناس } فقط أو { كلا } أو أولها حرف تهج سوى الزهراوين والرعد أو فيها قصة آدم وإبليس سوى البقرة فهي مكية وكل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية وكل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية انتهى
168 وقال مكي كل سورة فيها ذكر المنافقين فمدنية زاد غيره سوى العنكبوت
169 وفي كامل الهذلي كل سورة فيها سجدة فهي مكية
170 وقال الديريني رحمه الله
( وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن % ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى )
171 وحكمة ذلك أن نصفه الأخير نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة فتكررت فيه على وجه التهديد والتعنيف لهم والإنكار عليهم بخلاف النصف الأول وما نزل منه في اليهود لم يحتج إلى إيرادها فيه لذلتهم وضعفهم ذكره العماني فائدة
172 أخرج الطبراني عن ابن مسعود نزل المفصل بمكة فمكثنا حججا نقرؤه لا ينزل غيره
____________________
(1/56)
تنبيه
173 قد تبين بما ذكرناه من الأوجه التي ذكرها ابن حبيب المكي والمدني وما اختلف فيه وترتيب نزول ذلك والآيات المدنيات في السور المكية والآيات المكيات في السور المدنية وبقي أوجه تتعلق بهذا النوع ذكر هو أمثلتها فنذكرها وأمثلتها
174 مثال ما نزل بمكة وحكمه مدني { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية نزل بمكة يوم الفتح وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة وقوله { اليوم أكملت لكم دينكم } كذلك
175 قلت وكذا قوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } في آيات أخر
176 ومثال ما نزل بالمدينة وحكمه مكي سورة الممتحنة فإنها نزلت بالمدينة مخاطبة لأهل مكة وقوله في النحل { والذين هاجروا } إلى آخرها نزل بالمدينة مخاطبا به أهل مكة وصدر براءة نزل بالمدينة خطابا لمشركي أهل مكة
177 ومثال ما يشبه تنزيل المدني في السور المكية قوله في النجم { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم } فإن الفواحش كل ذنب فيه حد والكبائر كل ذنب عاقبته النار واللمم ما بين الحدين من الذنوب ولم يكن بمكة حد ولا نحوه
178 ومثال ما يشبه تنزيل مكة في السور المدنية قوله { والعاديات ضبحا } وقوله في الأنفال { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق } الآية
179 ومثال ما حمل من مكة إلى المدينة سورة يوسف والإخلاص
180 قلت وسبح كما تقدم في حديث البخاري
181 ومثال ما حمل من المدينة إلى مكة { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } وآية الربا وصدر براءة وقوله { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم } الآيات
____________________
(1/57)
182 ومثال ما حمل إلى الحبشة { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء } الآيات
183 قلت صح حملها إلى الروم
184 وينبغي أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم فقد صح أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي وأخرجه أحمد في مسنده
185 وأما ما نزل بالجحفة والطائف وبيت المقدس والحديبية فسيأتي في النوع الذي يلي هذا ويضم إليه ما نزل بمنى وعرفات وعسفان وتبوك وبدر وأحد وحراء وحمراء الأسد
____________________
(1/58)
النوع الثاني في معرفة الحضري والسفري
186 أمثلة الحضري كثيرة وأما السفري فله أمثلة تتبعتها منها { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } نزلت بمكة عام حجة الوداع فأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر هذا مقام أبينا إبراهيم قال قال نعم قال أفلا نتخذه مصلى فنزلت
187 وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مر بمقام إبراهيم فقال يا رسول الله أليس نقوم مقام خليل ربنا قال بلى قال أفلا نتخذه مصلى فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت
188 وقال ابن الحصار نزلت إما في عمرة القضاء أو في غزوة الفتح أو في حجة الوداع
189 ومنها { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } الآية روى ابن جرير عن الزهري أنها نزلت في عمرة الحديبية وعن السدي أنها نزلت في حجة الوداع
190 ومنها { وأتموا الحج والعمرة لله } فأخرج ابن أبي حاتم عن صفوان ابن أمية قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم متضمخ بالزعفران عليه جبة فقال كيف تأمرني في عمرتي فنزلت فقال أين السائل عن العمرة ألق عنك ثيابك ثم اغتسل . . . الحديث
191 ومنها { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } الآية نزلت بالحديبية كما أخرجه أحمد عن كعب بن عجرة الذي نزلت فيه والواحدي عن ابن عباس
____________________
(1/59)
192 ومنها { آمن الرسول } الآية قيل نزلت يوم فتح مكة ولم أقف له على دليل
193 ومنها { واتقوا يوما ترجعون فيه } الآية نزلت بمنى عام حجة الوداع فيما أخرجه البيهقي في الدلائل
194 ومنها { الذين استجابوا لله والرسول } الآية أخرج الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس أنها نزلت بحمراء الأسد
195 ومنها آية التيمم في النساء أخرج ابن مردويه عن الأسلع بن شريك أنها نزلت في بعض أسفار النبي صلى الله عليه وسلم
196 ومنها { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } نزلت يوم الفتح في جوف الكعبة كما أخرجه سنيد في تفسيره عن ابن جريج وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس
197 ومنها { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية نزلت بعسفان بين الظهر والعصر كما أخرجه أحمد عن أبي عياش الزرقي
198 ومنها { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } أخرج البزار وغيره عن حذيفة أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له
199 ومنها أول المائدة أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد أنها نزلت بمنى وأخرج في الدلائل عن أم عمرو عن عمها أنها نزلت في مسير له
200 وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب قال نزلت سورة المائدة في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة
201 ومنها { اليوم أكملت لكم دينكم } في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع وله طرق كثيرة لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم
202 وأخرج مثله من حديث أبي هريرة وفيه إنه اليوم الثامن عشر من ذي
____________________
(1/60)
الحجة مرجعه من حجة الوداع وكلاهما لا يصح
203 ومنها آية التيمم فيها في الصحيح عن عائشة أنها نزلت بالبيداء وهم داخلون المدينة وفي لفظ بالبيداء أو بذات الجيش
204 قال ابن عبد البر في التمهيد يقال إنه كان في غزوة بني المصطلق وجزم به في الاستذكار وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان وغزوة بني المصطلق هي غزوة المريسيع واستبعد ذلك بعض المتأخرين قال لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة من ناحية خيبر لقول عائشة إنها نزلت بالبيداء أو بذات الجيش وهما بين المدينة وخيبر كما جزم به النووي لكن جزم ابن التين بأن البيداء هي ذو الحليفة
205 وقال أبو عبيد البكري البيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة قال وذات الجيش من المدينة على بريد
206 ومنها { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية
أخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة السابقة حين أراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به فأطلعه الله على ذلك
207 ومنها { والله يعصمك من الناس } في صحيح ابن حبان عن أبي هريرة أنها نزلت في السفر وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر أنها نزلت في ذات الرقاع بأعلى نخل في غزوة بني أنمار
208 ومنها أول الأنفال نزلت ببدر عقب الوقعة كما أخرجه أحمد عن سعد بن أبي وقاص
209 ومنها { إذ تستغيثون ربكم } الآية نزلت ببدر أيضا كما أخرجه الترمذي عن عمر
210 ومنها { والذين يكنزون الذهب } الآية نزلت في بعض أسفاره كما أخرجه أحمد عن ثوبان
____________________
(1/61)
211 ومنها قوله { لو كان عرضا قريبا } الآيات نزلت في غزوة تبوك كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس
212 ومنها { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } نزلت في غزوة تبوك كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عمر
213 ومنها { ما كان للنبي والذين آمنوا } الآية أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم معتمرا وهبط من ثنية عسفان فزار قبر أمه واستأذن في الاستغفار لها
214 ومنها خاتمة النحل أخرج البيهقي في الدلائل والبزار عن أبي هريرة أنها نزلت بأحد والنبي صلى الله عليه وسلم واقف على حمزة حين استشهد وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب أنها نزلت يوم فتح مكة
215 ومنها { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها } أخرج أبو الشيخ والبيهقي في الدلائل من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أنها نزلت في تبوك
216 ومنها أول الحج أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين قال لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم } إلى قوله { ولكن عذاب الله شديد } نزلت عليه هذه وهو في سفر . . . الحديث وعند ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في مسيره في غزوة بني المصطلق
217 ومنها { هذان خصمان } الآيات قال القاضي جلال الدين البلقيني الظاهر أنها نزلت يوم بدر وقت المبارزة لما فيه من الإشارة ب هذان
218 ومنها { أذن للذين يقاتلون } الآية أخرج الترمذي عن ابن عباس قال لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن
____________________
(1/62)
فنزلت قال ابن الحصار استنبط بعضهم من هذا الحديث أنها نزلت في سفر الهجرة
219 ومنها { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } الآية قال ابن حبيب نزلت بالطائف ولم أقف له على مستند
220 ومنها { إن الذي فرض عليك القرآن } نزلت بالجحفة في سفر الهجرة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك
221 ومنها أول الروم روى الترمذي عن أبي سعيد قال لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت { الم غلبت الروم } إلى قوله { بنصر الله } قال الترمذي غلبت الروم يعني بالفتح
222 ومنها { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } الآية قال ابن حبيب نزلت في بيت المقدس ليلة الإسراء
223 ومنها { وكأين من قرية هي أشد قوة } الآية قال السخاوي في جمال القراء قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما توجه مهاجرا إلى المدينة وقف ونظر إلى مكة وبكى فنزلت
224 ومنها سورة الفتح أخرج الحاكم عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها وفي المستدرك أيضا من حديث مجمع بن جارية أن أولها نزل بكراع الغميم
225 ومنها { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية أخرج الواحدي عن ابن أبي مليكة أنها نزلت بمكة يوم الفتح لما رقي بلال على ظهر الكعبة وأذن فقال بعض الناس أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة
226 ومنها { سيهزم الجمع } الآية قيل إنها نزلت يوم بدر حكاه
____________________
(1/63)
ابن الغرس وهو مردود لما سيأتي في النوع الثاني عشر ثم رأيت عن ابن عباس ما يؤيده
227 ومنها قال النسفي قوله { ثلة من الأولين } وقوله { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } نزلتا في سفره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم أقف له على مستند
228 ومنها { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } أخرج ابن أبي حاتم من طريق يعقوب بن مجاهد أبي حزرة قال نزلت في رجل من الأنصار في غزوة تبوك لما نزلوا الحجر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ثم نزل منزلا آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك فدعا فأرسل الله سحابة فأمطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من المنافقين إنما مطرنا بنوء كذا فنزلت
229 ومنها آية الامتحان { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } الآية أخرج ابن جرير عن الزهري أنها نزلت بأسفل الحديبية
230 ومنها سورة المنافقين أخرج الترمذي عن زيد بن أرقم أنها نزلت ليلا في غزوة تبوك وأخرج سفيان أنها في غزوة بني المصطلق وبه جزم ابن إسحاق وغيره
231 ومنها سورة المرسلات أخرج الشيخان عن ابن مسعود قال بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه { والمرسلات } الحديث
232 ومنها سورة المطففين أو بعضها حكى النسفي وغيره أنها نزلت في سفر الهجرة قبل دخوله صلى الله عليه وسلم المدينة
233 ومنها أول سورة { اقرأ } نزل بغار حراء كما في الصحيحين
234 ومنها سورة الكوثر أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها نزلت يوم الحديبية وفيه نظر
235 ومنها النصر أخرج البزار والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال أنزلت هذه السورة { إذا جاء نصر الله والفتح } على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فأمر بناقته القصواء فرحلت ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة
____________________
(1/64)
النوع الثالث معرفة النهاري والليلي
236 أمثلة النهاري كثيرة قال ابن حبيب نزل أكثر القرآن نهارا وأما الليل فتتبعت له أمثلة
منها آية تحويل القبلة ففي الصحيحين من حديث ابن عمر بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذا أتاهم آت فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة
237 وروى مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ببيت المقدس فنزلت { قد نرى تقلب وجهك في السماء } الآية فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كلهم نحو القبلة لكن في الصحيحين عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأنه أول صلاة صلاها العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت فهذا يقتضي أنها نزلت نهارا بين الظهر والعصر
238 قال القاضي جلال الدين والأرجح بمقتضى الاستدلال نزولها بالليل لأن قضية أهل قباء كانت في الصبح وقباء قريبة من المدينة فيبعد أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر البيان لهم من العصر إلى الصبح
239 وقال ابن حجر الأقوى أن نزولها كان نهارا والجواب عن حديث ابن عمر أن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة
____________________
(1/65)
ووصل وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وقوله قد أنزل عليه الليلة مجاز من إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والذي يليه
240 قلت ويؤيد هذا ما أخرجه النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال مررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت لقد حدث أمر فجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { قد نرى تقلب وجهك في السماء } حتى فرغ منها ثم نزل فصلى الظهر
241 ومنها أواخر آل عمران أخرج ابن حبان في صحيحه وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن عائشة أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الصبح فوجده يبكي فقال يا رسول الله ما يبكيك قال وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي هذه الليلة { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر
242 ومنها { والله يعصمك من الناس } أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من القبة فقال أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله
243 وأخرج الطبراني عن عصمة بن مالك الخطمي قال كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت فترك الحرس
244 ومنها سورة الأنعام أخرج الطبراني وأبو عبيد في فضائله عن ابن عباس قال نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح
245 ومنها آية الثلاثة الذين خلفوا ففي الصحيحين من حديث كعب فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل
246 ومنها سورة مريم روى الطبراني وأبو عبيد في فضائله عن ابن عباس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ولدت لي الليلة جارية فقال والليلة أنزلت علي سورة مريم سمها مريم
____________________
(1/66)
247 ومنها أول الحج ذكره ابن حبيب ومحمد بن بركات السعيدي في كتابه الناسخ والمنسوخ وجزم به السخاوي في جمال القراء وقد يستدل له بما أخرجه ابن مردويه عن عمران بن حصين أنها نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم في سفر وقد نعس بعض القوم وتفرق بعضهم فرفع بها صوته . . . الحديث
248 ومنها آية الإذن في خروج النسوة في الأحزاب قال القاضي جلال الدين والظاهر أنها { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك } الآية ففي البخاري عن عائشة خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت فانكفأت راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليتعشى وفي يده عرق فقلت يا رسول الله خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذ فأوحى الله إليه وإن العرق في يده ما وضعه فقال إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن
249 قال القاضي جلال الدين وإنما قلنا إن ذلك كان ليلا لأنهن إنما كن يخرجن للحاجة ليلا كما في الصحيح عن عائشة في حديث الإفك
250 ومنها { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } على قول ابن حبيب إنها نزلت ليلة الإسراء
251 ومنها أول الفتح ففي البخاري من حديث لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس فقرأ { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } الحديث
252 ومنها سورة المرسلات قال السخاوي في جمال القراء روي عن ابن مسعود أنها نزلت ليلة الجن بحراء
253 قلت هذا أثر لا يعرف ثم رأيت في صحيح الإسماعيلي وهو مستخرجه على البخاري أنها نزلت ليلة عرفة بغار منى وهو في الصحيحين بدون قوله ليلة عرفة والمراد بها ليلة التاسع من ذي الحجة فإنها التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيتها بمنى
254 ومنها المعوذتان فقد قال ابن أشته في المصاحف نبأنا محمد بن
____________________
(1/67)
يعقوب نبأنا أبو داود نبأنا عثمان بن أبي شيبة نبأنا جرير عن بيان عن قيس عن عقبة بن عامر الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علي الليلة آيات لم ير مثلهن { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فرع
ومنه ما نزل بين الليل والنهار في وقت الصبح وذلك آيات
255 منها آية التيمم في المائدة ففي الصحيح عن عائشة وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله { لعلكم تشكرون }
256 ومنها { ليس لك من الأمر شيء } ففي الصحيح أنها نزلت وهو في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح حين أراد أن يقنت يدعو على أبي سفيان ومن ذكر معه تنبيه
257 فإن قلت فما تصنع بحديث جابر مرفوعا أصدق الرؤيا ما كان نهارا لأن الله خصني بالوحي نهارا أخرجه الحاكم في تاريخه قلت هذا الحديث منكر لا يحتج به
____________________
(1/68)
النوع الرابع الصيفي والشتائي
258 قال الواحدي أنزل الله في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول النساء والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها
259 وفي صحيح مسلم عن عمر ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء
260 وفي المستدرك عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله ما الكلالة قال أما سمعت الآية التي نزلت في الصيف { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } وقد تقدم أن ذلك في سفر حجة الوداع فيعد من الصيفي ما نزل فيها كأول المائدة وقوله { اليوم أكملت لكم دينكم } { واتقوا يوما ترجعون } وآية الدين وسورة النصر
261 ومنه الآيات النازلة في غزوة تبوك فقد كانت في شدة الحر أخرجه البيهقي في الدلائل من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره غير أنه في غزوة تبوك قال يا أيها الناس إني أريد الروم فأعلمهم وذلك في زمان البأس وشدة الحر وجدب البلاد فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه إذ قال للجد بن قيس هل لك في بنات بني الأصفر قال يا رسول الله لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنني فائذن لي فأنزل الله { ومنهم من يقول ائذن لي } الآية
____________________
(1/69)
وقال رجل من المنافقين لا تنفروا في الحر فأنزل الله { قل نار جهنم أشد حرا }
262 ومن أمثلة الشتائي قوله { إن الذين جاؤوا بالإفك } إلى قوله { ورزق كريم } ففي الصحيح عن عائشة أنها نزلت في يوم شات
263 والآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب فقد كانت في البرد ففي حديث حذيفة تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب إلا اثني عشر رجلا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب قلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء من البرد . . . الحديث وفيه فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } إلى آخرها أخرجه البيهقي في الدلائل
____________________
(1/70)
النوع الخامس الفراشي والنومي
264 من أمثلة الفراشي قوله { والله يعصمك من الناس } كما تقدم وآية الثلاثة الذين خلفوا ففي الصحيح أنها نزلت وقد بقي من الليل ثلثه وهو صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة
265 واستشكل الجمع بين هذا وقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة ما نزل علي الوحي في فراش امرأة غيرها قال القاضي جلال الدين ولعل هذا كان قبل القصة التي نزل الوحي فيها في فراش أم سلمة
266 قلت ظفرت بما يؤخذ منه الجواب الذي أحسن من هذا فروى أبو يعلى في مسنده عن عائشة قالت أعطيت تسعا . . . الحديث وفيه وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين كما لا يخفى
267 وأما النومي فمن أمثلته سورة الكوثر لما روى مسلم عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا ما أضحكك يا رسول الله فقال أنزل علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر }
268 وقال الإمام الرافعي في أماليه فهم فاهمون من الحديث أن السورة نزلت في تلك الإغفاءة وقالوا من الوحي ما كان يأتيه في النوم لأن رؤيا الأنبياء وحي قال وهذا صحيح لكن الأشبه أن يقال إن القرآن كله نزل في اليقظة وكأنه خطر له في النوم سورة الكوثر المنزلة في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذي وردت
____________________
(1/71)
فيه السورة فقرأها عليهم وفسرها لهم ثم قال وورد في بعض الروايات أنه أغمي عليه وقد يحمل ذلك على الحالة التي كانت تعتريه عند نزول الوحي ويقال لها برحاء الوحي انتهى
269 قلت الذي قاله الرافعي في غاية الاتجاه وهو الذي كنت أميل إليه قبل الوقوف عليه والتأويل الأخير أصح من الأول لأن قوله أنزل علي آنفا يدفع كونها نزلت قبل ذلك بل نقول نزلت في تلك الحالة وليس الإغفاء إغفاء نوم بل الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي فقد ذكر العلماء أنه كان يؤخذ عن الدنيا
____________________
(1/72)
النوع السادس الأرضي والسمائي
270 تقدم قول ابن العربي إن من القرآن سمائيا وأرضيا وما نزل بين السماء والأرض وما نزل تحت الأرض في الغار قال وأخبرنا أبو بكر الفهري قال أنبأنا التميمي أنبأنا هبة الله المفسر قال نزل القرآن بين مكة والمدينة إلا ست آيات نزلت لا في الأرض ولا في السماء ثلاث في سورة الصافات { وما منا إلا له مقام معلوم } الآيات الثلاث وواحدة في الزخرف { واسأل من أرسلنا من قبلك من } الآية والآيتان من آخر سورة البقرة نزلت ليلة المعراج
271 قال ابن العربي ولعله أراد في الفضاء بين السماء والأرض قال وأما ما نزل تحت الأرض فسورة المرسلات كما في الصحيح عن ابن مسعود
272 قلت أما الآيات المتقدمة فلم أقف على مستند لما ذكره فيها إلا آخر البقرة فيمكن أن يستدل بما أخرجه مسلم عن ابن مسعود لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى الحديث وفيه فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك من أمته بالله شيئا المقحمات
273 وفي الكامل للهذلي نزلت { آمن الرسول } إلى آخرها بقاب قوسين
____________________
(1/73)
النوع السابع معرفة أول ما نزل
اختلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال
أحدها وهو الصحيح { اقرأ باسم ربك }
274 روى الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { ما لم يعلم } فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره . . . الحديث
275 وأخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة قالت أول سورة نزلت من القرآن { اقرأ باسم ربك }
276 وأخرج الطبراني في الكبير بسند على شرط الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا عليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة { اقرأ باسم ربك الذي خلق } قال هذه أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/74)
277 وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اقرأ قال وما اقرأ فوالله ما أنا بقارئ فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق } فكان يقول هو أول ما أنزل
278 وقال أبو عبيد في فضائله حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن أول ما أنزل من القرآن { اقرأ باسم ربك } و { ن والقلم }
279 وأخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عبيد بن عمير قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنمط فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال اقرأ باسم ربك ) فيرون أنها أول سورة أنزلت من السماء
280 وأخرج عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتى ملك بنمط من ديباج فيه مكتوب { اقرأ باسم ربك الذي خلق } إلى { ما لم يعلم }
القول الثاني { يا أيها المدثر }
281 روى الشيخان عن سلمة بن عبد الرحمن قال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل قال { يا أيها المدثر } قلت أو { اقرأ باسم ربك } قال أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله { يا أيها المدثر قم فأنذر }
282 وأجاب الأول عن هذا الحديث بأجوبة
أحدها أن السؤال كان عن نزول سورة كاملة فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة اقرأ فإنها أول ما نزل منها صدرها ويؤيد هذا ما في الصحيحين أيضا عن أبي سلمة عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فرجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله { يا أيها المدثر } فقوله الملك الذي جاءني بحراء يدل على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها { اقرأ باسم ربك }
____________________
(1/75)
ثانيها أن مراد جابر بالأولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي لا أولية مطلقة
ثالثها أن المراد أولية مخصوصة بالأمر بالإنذار وعبر بعضهم عن هذا بقوله أول ما نزل للنبوة { اقرأ باسم ربك } وأول ما نزل للرسالة { يا أيها المدثر }
رابعها أن المراد أول ما نزل بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرعب وأما { اقرأ } فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم ذكره ابن حجر
خامسها أن جابرا استخرج ذلك باجتهاده وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روته عائشة قاله الكرماني
وأحسن هذه الأجوبة الأول والأخير
القول الثالث سورة الفاتحة
283 قال في الكشاف ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت { اقرأ } وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب
284 قال ابن حجر والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول وحجته ما أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا فقالت معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت اذهب مع محمد إلى ورقة فانطلقا فقصا عليه فقال إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأفق فقال لا تفعل إذا أتاك فأثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين } حتى بلغ { ولا الضالين } . . . الحديث هذا مرسل رجاله ثقات
285 وقال البيهقي إن كان محفوظا يحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعدما نزلت عليه { اقرأ } و { المدثر }
القول الرابع { بسم الله الرحمن الرحيم }
286 حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره قولا زائدا
____________________
(1/76)
287 وأخرج الواحدي بإسناده عن عكرمة والحسن قالا أول ما نزل من القرآن { بسم الله الرحمن الرحيم } وأول سورة { اقرأ باسم ربك }
288 وأخرج ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس قال أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال يا محمد استعذ ثم قل { بسم الله الرحمن الرحيم }
289 وعندي أن هذا لا يعد قولا برأسه فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق
290 وورد في أول ما نزل حديث آخر روى الشيخان عن عائشة قالت إن أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام
291 وقد استشكل هذا بأن أول ما نزل { اقرأ } وليس فيها ذكر الجنة والنار وأجيب بأن من مقدره أي من أول ما نزل والمراد سورة المدثر فإنها أول ما نزل بعد فترة الوحي وفي آخرها ذكر الجنة والنار فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية { اقرأ } 1 - فرع
292 أخرج الواحدي من طريق الحسين بن واقد قال سمعت علي بن الحسين يقول أول سورة نزلت بمكة { اقرأ باسم ربك } وآخر سورة نزلت بها المؤمنون ويقال العنكبوت وأول سورة نزلت بالمدينة { ويل للمطففين } وآخر سورة نزلت بها { براءة } وأول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم
293 وفي شرح البخاري لابن حجر اتفقوا على أن سورة البقرة أول سورة أنزلت بالمدينة وفي دعوى الاتفاق نظر لقول علي بن الحسين المذكور
294 وفي تفسير النسفي عن الواقدي إن أول سورة نزلت بالمدينة سورة القدر
295 وقال أبو بكر محمد بن الحارث بن أبيض في جزئه المشهور حدثنا أبو العباس عبيد الله بن محمد بن أعين البغدادي حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني حدثنا أمية الأزدي عن جابر بن زيد قال أول ما أنزل الله من القرآن بمكة { اقرأ باسم ربك } ثم { ن والقلم } ثم { يا أيها المزمل } ثم { يا أيها المدثر } ثم الفاتحة ثم
____________________
(1/77)
{ تبت يدا أبي لهب } ثم { إذا الشمس كورت } ثم { سبح اسم ربك الأعلى } ثم { والليل إذا يغشى } ثم { والفجر } ثم { والضحى } ثم { ألم نشرح } ثم { والعصر } ثم { والعاديات } ثم الكوثر ثم { ألهاكم } ثم { أرأيت الذي يكذب } ثم الكافرون ثم { ألم تر كيف } ثم { قل أعوذ برب الفلق } ثم { قل أعوذ برب الناس } ثم { قل هو الله أحد } ثم { والنجم } ثم { عبس } ثم { إنا أنزلناه } ثم { والشمس وضحاها } ثم البروج ثم { والتين } ثم { لإيلاف } ثم { القارعة } ثم القيامة ثم { ويل لكل همزة } ثم { والمرسلات } ثم { ق } ثم البلد ثم الطارق ثم { اقتربت الساعة } ثم { ص } ثم الأعراف ثم الجن ثم { يس } ثم الفرقان ثم الملائكة ثم { كهيعص } ثم { طه } ثم الواقعة ثم الشعراء ثم طس سليمان ثم طسم القصص ثم بني إسرائيل ثم التاسعة يعني يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم الصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثية ثم حم الأحقاف ثم الذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم حم عسق ثم تنزيل السجدة ثم الأنبياء ثم النحل أربعين وبقيتها بالمدينة ثم { إنا أرسلنا نوحا } ثم الطور ثم المؤمنون ثم تبارك ثم الحاقة ثم سأل ثم { عم يتساءلون } ثم { والنازعات } ثم { إذا السماء انفطرت } ثم { إذا السماء انشقت } ثم الروم ثم العنكبوت ثم { ويل للمطففين } فذاك ما أنزل بمكة
وأنزل بالمدينة سورة البقرة ثم آل عمران ثم الأنفال ثم الأحزاب ثم المائدة ثم الممتحنة ثم { إذا جاء نصر الله } ثم النور ثم الحج ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الجمعة ثم التغابن ثم سبح الحواريين ثم الفتح ثم التوبة وخاتمة القرآن
296 قلت هذا سياق غريب وفي هذا الترتيب نظر وجابر بن زيد من علماء التابعين بالقرآن وقد اعتمد البرهان الجعبري على هذا الأثر في قصيدته التي سماها تقريب المأمول في ترتيب النزول فقال
( مكيها ست ثمانون اعتلت % نظمت على وفق النزول لمن تلا )
( أقرأ ونون مزمل مدثر % والحمد تبت كورت الأعلى علا )
( ليل وفجر والضحى شرح وعصر % العاديات وكوثر الهاكم تلا )
( أرأيت قل بالفيل مع فلق كذا % ناس وقل هو نجمها عبس جلا )
____________________
(1/78)
( قدر وشمس والبروج وتينها % لايلاف قارعة قيامة أقبلا )
( ويل لكل المرسلات وقاف مع % بلد وطارقها مع اقتربت كلا )
( صاد وأعراف وجن ثم ياسين % وفرقان وفاطر اعتلى )
( كاف وطه ثلة الشعرا ونمل % قص الاسرا يونس هود ولا )
( قل يوسف حجر وأنعام وذبح % ثم لقمان سبأ زمر جلا )
( مع غافر مع فصلت مع زخرف % ودخان جاثية وأحقاف تلا )
( ذرو وغاشية وكهف ثم شورى % والخليل والأنبيا نحل حلا )
( ومضاجع نوح وطور والفلاح % الملك واعية وسال وعم لا )
( غرق مع انفطرت وكدح ثم روم % العنكبوت وطففت فتكملا )
( وبطيبة عشرون ثم ثمان الطولى % وعمران وأنفال جلا )
( لاحزاب مائدة امتحان والنسا % مع زلزلت ثم الحديد تأملا )
( ومحمد والرعد والرحمن الإنسان % الطلاق ولم يكن حشر ملا )
( نصر ونور ثم حج والمنافق % مع مجادلة وحجرات ولا )
( تحريمها مع جمعة وتغابن % صف وفتح توبة ختمت أولى )
( أما الذي قد جاءنا سفريه % عرفي أكملت لكم قد كملا )
( لكن إذا قمتم فجيشي بدا % وأسأل من أرسلنا الشآمي أقبلا )
( إن الذي فرض انتمى جحفيها % وهو الذي كف الحديبي انجلى ) 2 - فرع في أوائل مخصوصة
297 أول ما نزل في القتال روى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال أول آية نزلت في القتال { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا }
298 وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال أول آية نزلت في القتال بالمدينة { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } وفي الإكليل للحاكم إن أول ما نزل في القتال { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم }
299 أول ما نزل في شأن القتل آية الإسراء { ومن قتل مظلوما } الآية أخرجه ابن جرير عن الضحاك
____________________
(1/79)
300 أول ما نزل في الخمر روى الطيالسي في مسنده عن ابن عمر قال نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء { يسألونك عن الخمر والميسر } الآية فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت الخمر
301 أول آية نزلت في الأطعمة بمكة آية الأنعام { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } ثم آية النحل { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا } إلى آخرها وبالمدينة آية البقرة { إنما حرم عليكم الميتة } الآية ثم آية المائدة { حرمت عليكم الميتة } الآية قاله ابن الحصار
302 وروى البخاري عن ابن مسعود قال أول سورة أنزلت فيها سجدة النجم
303 وقال الفريابي حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } قال هي أول ما أنزل الله من سورة براءة
304 وقال أيضا حدثنا إسرائيل نبأنا سعيد عن مسروق عن أبي الضحى قال أول ما نزل من براءة { انفروا خفافا وثقالا } ثم نزل أولها ثم نزل آخرها
305 وأخرج ابن أشته في كتاب المصاحف عن أبي مالك قال كان أول براءة { انفروا خفافا وثقالا } سنوات ثم أنزلت براءة أول السورة فألفت بها أربعون آية
305 وأخرج أيضا من طريق داود عن عامر في قوله { انفروا خفافا وثقالا }
____________________
(1/80)
قال هي أول آية نزلت في براءة في غزوة تبوك فلما رجع من تبوك نزلت براءة إلا ثمان وثلاثين آية من أولها
306 وأخرج من طريق سفيان وغيره عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال أول ما نزل من آل عمران { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين } ثم أنزلت بقيتها يوم أحد
____________________
(1/81)
النوع الثامن معرفة آخر ما نزل
فيه اختلاف
307 فروى الشيخان عن البراء بن عازب قال آخر آية نزلت { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } وآخر سورة نزلت براءة
308 وأخرج البخاري عن ابن عباس قال آخر آية نزلت آية الربا
309 وروى البيهقي عن عمر مثله والمراد بها قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } وعند أحمد وابن ماجه عن عمر من آخر ما نزل آية الربا
310 وعند ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال خطبنا عمر فقال إن من آخر القرآن نزولا آية الربا
311 وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال آخر شيء نزل من القرآن { واتقوا يوما ترجعون فيه } الآية
312 وأخرج ابن مردويه نحوه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ آخر آية نزلت
313 وأخرجه ابن جرير من طريق العوفي والضحاك عن ابن عباس
314 وقال الفريابي في تفسيره حدثنا سفيان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس قال آخر آية نزلت { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } الآية وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوما
____________________
(1/82)
315 وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال آخر ما نزل من القرآن كله { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليال ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول
316 وأخرج ابن جرير مثله عن ابن جريج
317 وأخرج من طريق عطية عن أبي سعيد قال آخر آية نزلت { واتقوا يوما ترجعون } الآية
318 وأخرج أبو عبيد في الفضائل عن ابن شهاب قال آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين
319 وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن عهدا بالعرش آية الدين مرسل صحيح الإسناد
320 قلت ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا { واتقوا يوما } وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ولأنها في قصة واحدة فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر وذلك صحيح وقول البراء آخر ما نزل { يستفتونك } أي في شأن الفرائض
321 وقال ابن حجر في شرح البخاري طريق الجمع بين القولين في آية الربا { واتقوا يوما } أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن ويجمع بين ذلك وبين قول البراء بأن الآيتين نزلتا جميعا فيصدق أن كلا منهما آخر بالنسبة لما عداهما ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف آية البقرة ويحتمل عكسه والأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاء المستلزمة لخاتمة النزول انتهى
322 وفي المستدرك عن أبي بن كعب قال آخر آية نزلت { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى آخر السورة
323 وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه عن أبي أنهم جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر وكان رجال يكتبون فلما انتهوا إلى هذه الآية من
____________________
(1/83)
سورة براءة { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون } ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } إلى قوله { وهو رب العرش العظيم } وقال هذا آخر ما نزل من القرآن قال فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قوله { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }
324 وأخرج ابن مردويه عن أبي أيضا قال آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } وأخرجه ابن الأنباري بلفظ أقرب القرآن بالسماء عهدا
325 وأخرج أبو الشيخ في تفسيره من طريق علي بن زيد عن يوسف المكي عن ابن عباس قال آخر آية نزلت { لقد جاءكم رسول من أنفسكم }
326 وأخرج مسلم عن ابن عباس قال آخر سورة نزلت { إذا جاء نصر الله والفتح }
327 وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت آخر سورة نزلت المائدة فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه . . . الحديث
328 وأخرجا أيضا عن عبد الله بن عمرو قال آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح
قلت يعني { إذا جاء نصر الله }
329 وفي حديث عثمان المشهور براءة من آخر القرآن نزولا
330 قال البيهقي يجمع بين هذه الاختلافات إن صحت بأن كل واحد أجاب بما عنده
331 وقال القاضي أبو بكر في الانتصار هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن ويحتمل أن كلا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل
____________________
(1/84)
وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو ويحتمل أيضا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب انتهى
332 ومن غريب ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان أنه تلا هذه الآية { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية وقال إنها آخر آية نزلت من القرآن قال ابن كثير هذا أثر مشكل ولعله أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها بل هي مثبتة محكمة
333 قلت ومثله ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } هي آخر ما نزل وما نسخها شيء
334 وعند أحمد والنسائي عنه لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء
335 وأخرج ابن مردويه من طريق مجاهد عن أم سلمة قالت آخر آية نزلت هذه الآية { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل } إلى آخرها
336 قلت وذلك أنها قالت يا رسول الله أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } ونزلت { إن المسلمين والمسلمات } ونزلت هذه الآية فهي آخر الثلاثة نزولا أو آخر ما نزل بعدما كان ينزل في الرجال خاصة
337 وأخرج ابن جرير عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض قال أنس وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } الآية
قلت يعني في آخر سورة نزلت
338 وفي البرهان لإمام الحرمين إن قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية من آخر ما نزل
____________________
(1/85)
339 وتعقبه ابن الحصار بأن السورة مكية باتفاق ولم يرد نقل بتأخر هذه الآية عن نزول السورة بل هي في محاجة المشركين ومخاصمتهم وهم بمكة انتهى تنبيه
340 من المشكل على ما تقدم قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال لم ينزل بعدها حلال ولا حرام مع أنه وارد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإفرادهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين عنه حتى حجه المسلمون لا يخالطهم المشركون ثم أيده بما أخرجه من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة { وأتممت عليكم نعمتي }
____________________
(1/86)
النوع التاسع معرفة سبب النزول
341 أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المديني شيخ البخاري ومن أشهرها كتاب الواحدي على ما فيه من إعواز وقد اختصره الجعبري فحذف أسانيده ولم يزد عليه شيئا وألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابا مات عنه مسودة فلم نقف عليه كاملا وقد ألفت فيه كتابا حافلا موجزا محررا لم يؤلف مثله في هذا النوع سميته لباب النقول في أسباب النزول
342 قال الجعبري نزول القرآن على قسمين قسم نزل ابتداء وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال وفي هذا النوع مسائل
المسألة الأولى
زعم زاعم أنه لا طائل تحت هذا الفن لجريانه مجرى التاريخ وأخطأ في ذلك بل له فوائد
منها معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم
ومنها تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب
ومنها أن اللفظ قد يكون عاما ويقوم الدليل على تخصصه فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته فإن دخول صورة السبب قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع كما حكى الإجماع عليه القاضي أبو بكر في التقريب ولا التفات إلى من شذ فجوز ذلك
ومنها الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال
343 قال الواحدي لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها
____________________
(1/87)
344 وقال ابن دقيق العيد بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن
345 وقال ابن تيمية معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب
346 وقد أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } الآية وقال لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه أخرجه الشيخان
347 وحكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معدي كرب أنهما كانا يقولان الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } الآية ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك وهو أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس فنزلت أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما
348 ومن ذلك قوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب وقد بين ذلك سبب النزول وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء قالوا قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن الصغار والكبار فنزلت أخرجه الحاكم عن أبي فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة وارتاب هل عليهن عدة أو لا وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا فمعنى إن ارتبتم إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتدون فهذا حكمهن
349 ومن ذلك قوله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه الله } فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وهو
____________________
(1/88)
خلاف الإجماع فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك
350 ومن ذلك قوله { إن الصفا والمروة من شعائر الله } الآية فإن ظاهر لفظها لا يقتضي أن السعي فرض وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيته تمسكا بذلك وقد ردت عائشة على عروة في فهمه ذلك بسبب نزولها وهو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما لأنه من عمل الجاهلية فنزلت
351 ومنها دفع توهم الحصر قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله وكانوا على المضادة والمحاداة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلا نزلة من يقول لا تأكل اليوم حلاوة فتقول لا آكل اليوم إلا الحلاوة والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة فكأنه تعالى قال لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل قال إمام الحرمين وهذا في غاية الحسن ولولا سبق الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية
352 ومنها معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها ولقد قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر إنه الذي أنزل فيه { والذي قال لوالديه أف لكما } حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها المسألة الثانية
353 اختلف أهل الأصول هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب والأصح عندنا الأول وقد نزلت آيات في أسباب واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في سلمة بن صخر وآية اللعان في شأن هلال بن أمية وحد القذف في رماة عائشة ثم تعدى إلى غيرهم ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال خرجت هذه الآيات ونحوها لدليل آخر كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل
____________________
(1/89)
قام على ذلك قال الزمخشري في سورة الهمزة يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض
354 قلت ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعا ذائعا بينهم قال ابن جرير حدثني محمد بن أبي معشر أخبرنا أبي أبو معشر نجيح سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي فقال سعيد إن في بعض كتب الله إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الآية فقال سعيد قد عرفت فيمن أنزلت فقال محمد بن كعب إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد
355 فإن قلت فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم { لا تحسبن الذين يفرحون } الآية بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب
قلت أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى { ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } بالشرك من قوله { إن الشرك لظلم عظيم } مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا أبو تميلة بن عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال سألت ابن عباس عن قوله { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } أخاص أم عام قال بل عام
356 وقال ابن تيمية قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم هذه الآية نزلت في كذا لا سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن قوله { وأن احكم }
____________________
(1/90)
{ بينهم } ) نزلت في بني قريظة والنضير ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه فلم يقل أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته انتهى تنبيه
357 قد علمت مما ذكر أن فرض المسألة في لفظ له عموم إما آية نزلت في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا كقوله تعالى { وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى } فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله إجراء له على القاعدة وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد واللام في الأتقى ليست موصولة لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا والأتقى ليس جمعا بل هو مفرد والعهد موجود خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه المسألة الثالثة
358 تقدم أن صورة السبب قطعية الدخول في العام وقد تنزل الآيات على الأسباب الخاصة وتوضع ما يناسبها من الآي العامة رعاية لنظم القرآن وحسن السياق فيكون ذلك الخاص قريبا من صورة السبب في كونه قطعي الدخول في
____________________
(1/91)
العام كما اختار السبكي أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق المجرد مثاله قوله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } إلى آخره فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن فقالوا أنتم مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف في كتابهم وذلك مناسب لقوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فهذا عام في كل أمانة وذلك خاص بأمانة هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق السابق والعام تال للخاص في الرسم متراخ عنه في النزول والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام ولذا قال ابن العربي في تفسيره وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم وقولهم إن المشركين أهدى سبيلا فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات انتهى
359 قال بعضهم ولا يرد تأخر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحو ست سنين لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها المسألة الرابعة
360 قال الواحدي لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وقد قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال اتق الله وقل سدادا ذهب الذين يعلمون فيم أنزل الله القرآن
361 وقال غيره معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا وربما لم يجزم بعضهم فقال أحسب هذه الآية نزلت في كذا كما أخرج
____________________
(1/92)
الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجهه . . . الحديث قال الزبير فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }
362 قال الحاكم في علوم الحديث إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره ومثلوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم }
363 وقال ابن تيمية قولهم نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول عني بهذه الآية كذا وقد تنازع العلماء في قول الصحابي نزلت هذه الآية في كذا هل يجري مجرى المسند كما لو ذكر السبب الذي أنزلت لأجله أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند فالبخاري يدخله في المسند وغيره لا يدخله فيه وأكثر المسانيد على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند انتهى
364 وقال الزركشي في البرهان قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع
____________________
(1/93)
365 قلت والذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك وكذلك ذكره في قوله { واتخذ الله إبراهيم خليلا } سبب اتخاذه خليلا ليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى تنبيه
366 ما تقدم أنه من قبيل المسند من الصحابي إذا وقع من تابعي فهو مرفوع أيضا لكنه مرسل فقد يقبل إذا صح السند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير أو اعتضد بمرسل آخر ونحو ذلك المسألة الخامسة
367 كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعددة وطريق الاعتماد في ذلك أن ينظر إلى العبارة الواقعة فإن عبر أحدهم بقوله نزلت في كذا والآخر نزلت في كذا وذكر أمرا آخر فقد تقدم أن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهما كما سيأتي تحقيقه في النوع الثامن والسبعين وإن عبر واحد بقوله نزلت في كذا وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد وذاك استنباط مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال أنزلت { نساؤكم حرث لكم } في إتيان النساء في أدبارهن وتقدم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه فالمعتمد حديث جابر لأنه نقل وقول ابن عمر استنباط منه وقد وهمه فيه ابن عباس وذكر مثل حديث جابر كما أخرجه أبو داود والحاكم
368 وإن ذكر واحد سببا وآخر سببا غيره فإن كان إسناد أحدهما صحيحا دون الآخر فالصحيح المعتمد مثاله ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله { والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى }
____________________
(1/94)
369 وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال يا خولة ما حدث في بيت رسول الله جبريل لا يأتيني فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله { والضحى } إلى قوله { فترضى }
370 وقال ابن حجر في شرح البخاري قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب وفي إسناده من لا يعرف فالمعتمد ما في الصحيح
371 ومن أمثلته أيضا ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبله بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله { فولوا وجوهكم شطره } فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب } وقال { فأينما تولوا فثم وجه الله }
372 وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عمر قال نزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع
373 وأخرج الترمذي وضعفه من حديث عامر بن ربيعة قال كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت
374 وأخرج الدارقطني نحوه من حديث جابر بسند ضعيف أيضا
375 وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال لما نزلت { ادعوني أستجب لكم } قالوا إلى أين فنزلت مرسل
376 وأخرج عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أخا لكم قد مات فصلوا عليه
____________________
(1/95)
فقالوا إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت معضل غريب جدا
فهذه خمسة أسباب مختلفة وأضعفها الأخير لإعضاله ثم ما قبله لإرساله ثم ما قبله لضعف رواته والثاني صحيح لكنه قال قد أنزلت في كذا ولم يصرح بالسبب والأول صحيح الإسناد وصرح فيه بذكر السبب فهو المعتمد
377 ومن أمثلته أيضا ما أخرجه ابن مردويه وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس قال خرج أمية بن خلف وأبو جهل بن هشام ورجال من قريش فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد تعال فتمسح بآلهتنا وندخل معك في دينك وكان يحب إسلام قومه فرق لهم فأنزل الله { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } الآيات
378 وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أن ثقيفا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا فإذا قبضنا الذي يهدى لها أحرزناه ثم أسلمنا فهم أن يؤجلهم فنزلت هذا يقتضي نزولها بالمدينة وإسناده ضعيف والأول يقتضي نزولها بمكة وإسناده حسن وله شاهد عند أبي الشيخ عن سعيد بن جبير يرتقي إلى درجة الصحيح فهو المعتمد
379 الحال الرابع أن يستوي الإسنادان في الصحة فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
380 وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود اعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا اسألوه عن الروح فسألوه فأنزل الله { ويسألونك عن الروح } الآية فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة والأول خلافه وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصح من غيره وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة
381 الحال الخامس أن يمكن نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة
____________________
(1/96)
بألا تكون معلومة التباعد كما في الآيات السابقة فيحمل على ذلك ومثاله ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فأنزل عليه { والذين يرمون أزواجهم } حتى بلغ { إن كان من الصادقين }
382 وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب السائل فأخبر عاصم عويمرا فقال والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فقال إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا . . . الحديث جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا وإلى هذا جنح النووي وسبقه الخطيب فقال لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد
383 وأخرج البزار عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به قال شرا قال فأنت يا عمر قال كنت أقول لعن الله الأعجز فإنه لخبيث فنزلت
384 قال ابن حجر لا مانع من تعدد الأسباب
385 الحال السادس ألا يمكن ذلك فيحمل على تعدد النزول وتكرره مثاله ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/97)
لأستغفرن لك ما لم أنه عنه فنزلت { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية
386 وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت
387 وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فقال إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول
388 ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } إلى آخر السورة
389 وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله { وإن عاقبتم } الآية فظاهره تأخير نزولها إلى الفتح وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد
390 قال ابن الحصار ويجمع بأنها نزلت أولا بمكة قبل الهجرة مع السورة لأنها مكية ثم ثانيا بأحد ثم ثالثا يوم الفتح تذكيرا من الله لعباده وجعل ابن كثير من هذا القسم آية الروح 1 - تنبيه
391 قد يكون في إحدى القصتين فتلا فيهم الراوي فيقول فنزل مثاله ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال
____________________
(1/98)
كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه فأنزل الله { وما قدروا الله حق قدره } الآية والحديث في الصحيح بلفظ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب فإن الآية مكية
392 ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية { من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك } قال ابن حجر في شرح البخاري ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردا على قول اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ قال وهذا هو المعتمد فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة ابن سلام 2 - تنبيه
393 عكس ما تقدم أن يذكر سبب واحد في نزول آيات متفرقة ولا إشكال في ذلك فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى مثاله ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله { فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع } إلى آخر الآية
394 وأخرج الحاكم عنها أيضا قالت قلت يا رسول الله تذكر الرجال ولا تذكر النساء فأنزلت { إن المسلمين والمسلمات } وأنزلت { أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى }
395 وأخرج أيضا عنها أنها قالت يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } وأنزل { إن المسلمين والمسلمات }
____________________
(1/99)
396 ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه { لا يستوي القاعدون من المؤمنين } . . . { والمجاهدون في سبيل الله } فجاء ابن أم مكتوم وقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله { غير أولي الضرر }
397 وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت أيضا قال كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى فأنزلت { ليس على الضعفاء }
398 ومن أمثلته ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل حجرة فقال إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فطلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علام تشتمني أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم فأنزل الله { يحلفون بالله ما قالوا } الآية وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ وآخره فأنزل الله { يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم } الآية 3 - تنبيه
399 تأمل ما ذكرته لك في هذه المسألة واشدد به يديك فإني حررته واستخرجته بفكري من استقراء صنيع الأئمة ومتفرقات كلامهم ولم أسبق إليه
____________________
(1/100)
النوع العاشر فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة
400 هو في الحقيقة نوع من أسباب النزول والأصل فيه موافقات عمر وقد أفردها بالتصنيف جماعة
401 وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه قال ابن عمر وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر
402 وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن
403 وأخرج البخاري وغيره عن أنس قال قال عمر وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } فنزلت كذلك
404 وأخرج مسلم عن ابن عمر عن عمر قال وافقت ربي في ثلاث في الحجاب وفي أسارى بدر وفي مقام إبراهيم
405 وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال قال عمر وافقت ربي أو وافقني ربي في أربع نزلت هذه الآية { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من }
____________________
(1/101)
{ طين } ) الآية فلما نزلت قلت أنا { فتبارك الله أحسن الخالقين } فنزلت { فتبارك الله أحسن الخالقين }
406 وأخرج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر بن الخطاب فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } قال فنزلت على لسان عمر
407 وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة قال { سبحانك هذا بهتان عظيم } فنزلت كذلك
408 وأخرج ابن أخي ميمي في فوائده عن سعيد بن المسيب قال كان رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعا شيئا من ذلك قالا { سبحانك هذا بهتان عظيم } زيد بن حارثة وأبو أيوب فنزلت كذلك
409 وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال لما أبطأ على النساء الخبر في أحد خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقبلان على بعير فقالت امرأة ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حي قالت فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء فنزل القرآن على ما قالت { ويتخذ منكم شهداء }
410 وقال ابن سعد في الطبقات أخبرنا الواقدي حدثني إبراهيم بن محمد ابن شرحبيل العبدري عن أبيه قال حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } ثم قطعت يده اليسرى فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول { وما محمد إلا رسول } الآية ثم قتل فسقط اللواء قال محمد بن شرحبيل وما نزلت هذه الآية { وما محمد إلا رسول } يومئذ حتى نزلت بعد ذلك تذنيب
411 يقرب من هذا ما ورد في القرآن على لسان غير الله كالنبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/102)
وجبريل والملائكة غير مصرح فإضافته إليهم ولا محكي بالقول كقوله { قد جاءكم بصائر من ربكم } الآية فإن هذا ورد على لسانه صلى الله عليه وسلم لقوله آخرها { وما أنا عليكم بحفيظ }
412 وقوله { أفغير الله أبتغي حكما } الآية فإنه أوردها أيضا على لسانه
413 وقوله { وما نتنزل إلا بأمر ربك } الآية وارد على لسان جبريل
414 وقوله وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ) وارد على لسان الملائكة
415 وكذا { إياك نعبد وإياك نستعين } وارد على ألسنة العباد إلا أنه يمكن هنا تقدير القول أي قولوا وكذا الآيتان الأوليان يصح أن يقدر فيهما قل بخلاف الثالثة والرابعة
____________________
(1/103)
النوع الحادي عشر ما تكرر نزوله
416 صرح جماعة من المتقدمين والمتأخرين بأن من القرآن ما تكرر نزوله قال ابن الحصار قد يتكرر نزول الآية تذكيرا وموعظة وذكر من ذلك خواتيم سورة النحل وأول سورة الروم
417 وذكر ابن كثير منه آية الروح وذكر قوم منه الفاتحة وذكر بعضهم منه قوله { ما كان للنبي والذين آمنوا } الآية
418 وقال الزركشي في البرهان قد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه ثم ذكر منه آية الروح وقوله ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) الآية
419 قال فإن سورة الإسراء وهود مكيتان وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلتا بالمدينة ولهذا أشكل ذلك على بعضهم
ولا إشكال لأنها نزلت مرة بعد مرة قال وكذلك ما ورد في سورة الإخلاص من أنها جواب للمشركين بمكة وجواب لأهل الكتاب بالمدينة وكذلك قوله { ما كان للنبي والذين آمنوا } الآية قال والحكمة في هذا كله أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها فيوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الآية بعينها تذكيرا لهم بها وبأنها تتضمن هذه
____________________
(1/104)
1 - تنبيه
420 قد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث أبي أن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأه على سبعة أحرف فهذا الحديث يدل على أن القرآن لم ينزل من أول وهلة بل مرة بعد أخرى
421 وفي جمال القراء للسخاوي بعد أن حكى القول بنزول الفاتحة مرتين إن قيل فما فائدة نزولها مرة ثانية قلت يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد ونزلت في الثانية ببقية وجوهها نحو ملك ومالك والسراط والصراط ونحو ذلك انتهى 2 - تنبيه
422 أنكر بعضهم كون شيء من القرآن يتكرر نزوله كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل وعلله بأن تحصيل ما هو حاصل لا فائدة فيه وهو مردود بما تقدم من فوائده وبأنه يلزم منه أن يكون كل ما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى فإن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنة ورد بمنع الملازمة وبأنه لا معنى للإنزال إلا أن جبريل كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرآن لم يكن نزل به من قبل فيقرئه إياه ورد بمنع اشتراط قوله لم يكن نزل به من قبل ثم قال ولعلهم يعنون بنزولها مرتين أن جبريل نزل حين حولت القبلة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة فظن ذلك نزولا لها مرة أخرى أو أقرأه فيها قراءة أخرى لم يقرئها له بمكة فظن ذلك إنزالا انتهى
____________________
(1/105)
النوع الثاني عشر ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه
423 قال الزركشي في البرهان قد يكون النزول سابقا على الحكم كقوله { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى } فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في زكاة الفطر وأخرج البزار نحوه مرفوعا
424 وقال بعضهم لا أدري ما وجه هذا التأويل لأن السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة ولا صوم وأجاب البغوي بأنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد } فالسورة مكية وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة حتى قال صلى الله عليه وسلم أحلت لي ساعة من نهار وكذلك نزل بمكة { سيهزم الجمع ويولون الدبر } قال عمر بن الخطاب فقلت أي جمع فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف ويقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت ليوم بدر أخرجه الطبراني في الأوسط
425 وكذلك قوله { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب } قال قتادة وعده الله وهو يومئذ بمكة أنه سيهزم جندا من المشركين فجاء تأويلها يوم بدر أخرجه ابن أبي حاتم
426 ومثله أيضا قوله تعالى { قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد }
427 أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله { قل جاء الحق } قال السيف والآية مكية متقدمة على فرض القتال ويؤيد تفسير ابن مسعود ما أخرجه
____________________
(1/106)
الشيخان من حديثه أيضا قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } { جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد }
428 وقال ابن الحصار ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيرا تصريحا وتعريضا بأن الله سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه ويظهره حتى تفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع ولم تؤخذ الزكاة إلا بالمدينة بلا خلاف وأورد من ذلك قوله تعالى { وآتوا حقه يوم حصاده } وقوله في سورة المزمل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } ومن ذلك قوله فيها { وآخرون يقاتلون في سبيل الله }
429 ومن ذلك قوله تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا } فقد قالت عائشة وابن عمر وعكرمة وجماعة إنها نزلت في المؤذنين والآية مكية ولم يشرع الأذان إلا بالمدينة
430 ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه آية الوضوء ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال حبست الناس في قلادة ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله { لعلكم تشكرون } فالآية مدنية إجماعا وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة
431 قال ابن عبد البر معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل
432 وقال غيره يحتمل أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة
433 قلت يرده الإجماع على أن الآية مدنية
____________________
(1/107)
434 ومن أمثلته أيضا آية الجمعة فإنها مدنية والجمعة فرضت بمكة وقول ابن الغرس إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط يرده ما أخرجه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان يستغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فقلت يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا قال أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة
435 ومن أمثلته قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء } الآية فإنها نزلت سنة تسع وقد فرضت الزكاة قبلها في أوائل الهجرة
436 قال ابن الحصار فقد يكون مصرفها قبل ذلك معلوما ولم يكن فيه قرآن متلو كما كان الوضوء معلوما قبل نزول الآية ثم نزلت تلاوة القرآن تأكيدا به
____________________
(1/108)
النوع الثالث عشر ما نزل مفرقا وما نزل جمعا
437 الأول غالب القرآن ومن أمثلته في السور القصار { اقرأ } أول ما نزل منها إلى قوله { ما لم يعلم } والضحى أول ما نزل منها إلى قوله { فترضى } كما في حديث الطبراني
438 ومن أمثلة الثاني سورة الفاتحة والإخلاص والكوثر وتبت ولم يكن والنصر والمعوذتان نزلتا معا
439 ومنه في السور الطوال المرسلات ففي المستدرك عن ابن مسعود قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت عليه { والمرسلات عرفا } فأخذتها من فيه وإن فاه رطب بها فلا أدري بأيها ختم { فبأي حديث بعده يؤمنون } أو { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون }
440 ومنه سورة الصف لحديثها السابق في النوع الأول
441 ومنه سورة الأنعام فقد أخرج أبو عبيد والطبراني عن ابن عباس قال نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة حولها سبعون ألف ملك
442 وأخرج الطبراني من طريق يوسف بن عطية الصفار وهو متروك عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك
443 وأخرج البيهقي في الشعب بسند فيه من لا يعرف عن علي قال أنزل القرآن خمسا خمسا إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة في ألف يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/109)
444 وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعا أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك
445 وأخرج عن مجاهد قال نزلت الأنعام كلها جملة واحدة معها خمسمائة ملك
446 وأخرج عن عطاء قال أنزلت الأنعام جميعا ومعها سبعون ألف ملك
فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا
447 وقال ابن الصلاح في فتاويه الحديث الوارد في أنها نزلت جملة رويناه من طريق أبي بن كعب وفي إسناده ضعف ولم نر له إسنادا صحيحا وقد روي ما يخالفه فروي أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزلت آيات منها بالمدينة اختلفوا في عددها فقيل ثلاث وقيل ست وقيل غير ذلك انتهى والله أعلم
____________________
(1/110)
النوع الرابع عشر ما نزل مشيعا وما نزل مفردا
448 قال ابن حبيب وتبعه ابن النقيب من القرآن ما نزل مشيعا وهو سورة الأنعام شيعها سبعون ألف ملك وفاتحة الكتاب نزلت ومعها ثمانون ألف ملك وآية الكرسي نزلت ومعها ثلاثون ألف ملك وسورة يس نزلت ومعها ثلاثون ألف ملك { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } نزلت ومعها عشرون ألف ملك وسائر القرآن نزل به جبريل مفردا بلا تشييع
449 قلت أما سورة الأنعام فقد تقدم حديثها بطرقه ومن طرقه أيضا ما أخرجه البيهقي في الشعب والطبراني بسند ضعيف عن أنس مرفوعا نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين لهم زجل بالتقديس والتسبيح والأرض ترتج
450 وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث جابر قال لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق قال الحاكم صحيح على شرط مسلم لكن قال الذهبي فيه انقطاع وأظنه موضوعا
451 وأما الفاتحة وسورة يس و { واسأل من أرسلنا } فلم أقف على حديث فيها بذلك ولا أثر
452 وأما آية الكرسي فقد ورد فيها وفي جميع آيات البقرة حديث أخرج أحمد في مسنده عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } من تحت العرش فوصلت بها
453 وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الضحاك بن مزاحم قال
____________________
(1/111)
خواتيم سورة البقرة جاء بها جبريل ومعه من الملائكة ما شاء الله
454 وبقي سور أخرى منها سورة الكهف قال ابن الضريس في فضائله أخبرنا يزيد بن عبد العزيز الطيالسي حدثنا إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن رافع قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بسورة ملء عظمتها ما بين السماء والأرض شيعها سبعون ألف ملك سورة الكهف تنبيه
455 لينظر في التوفيق بين ما مضى وبين ما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال ما جاء جبريل بالقرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ومعه أربعة من الملائكة حفظة
456 وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بعث ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه مخافة أن يتشبه الشيطان على صورة الملك فائدة
457 قال ابن الضريس أخبرنا محمود بن غيلان عن يزيد بن هارون أخبرني الوليد يعني ابن جميل عن القاسم عن أبي أمامة قال أربع آيات نزلت من كنز العرش لم ينزل منه شيء غيرهن أم الكتاب وآية الكرسي وخاتمة سورة البقرة والكوثر
458 قلت أما الفاتحة فأخرج البيهقي في الشعب من حديث أنس مرفوعا إن الله أعطاني فيما من به علي إني أعطيتك فاتحة الكتاب وهي من كنوز عرشي
459 وأخرج الحاكم عن معقل بن يسار مرفوعا أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش
460 وأخرج ابن راهويه في مسنده عن علي أنه سئل عن فاتحة الكتاب فقال حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أنها نزلت من كنز تحت العرش
461 وأما آخر البقرة فأخرج الدارمي في مسنده عن أيفع الكلاعي قال قال رجل يا رسول الله أي آية تحب أن تصيبك وأمتك قال آخر سورة البقرة فإنها من كنز الرحمة من تحت عرش الله
____________________
(1/112)
462 وأخرج أحمد وغيره من حديث عقبة بن عامر مرفوعا اقرؤوا هاتين الآيتين فإن ربي أعطانيهما من تحت العرش
463 وأخرج من حديث حذيفة أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي
464 وأخرج من حديث أبي ذر أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي
وله طرق كثيرة عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم
465 وأما آية الكرسي فتقدمت في حديث معقل بن يسار السابق
466 وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آية الكرسي ضحك وقال إنها من كنز الرحمن تحت العرش
467 وأخرج أبو عبيد عن علي قال آية الكرسي أعطيها نبيكم من كنز تحت العرش ولم يعطها أحد قبل نبيكم
468 وأما سورة الكوثر فلم أقف فيها على حديث وقول أبي أمامة في ذلك يجري مجرى المرفوع وقد أخرجه أبو الشيخ بن حيان والديلمي وغيرهما من طريق محمد بن عبد الملك الدقيقي عن يزيد بن هارون بإسناده السابق عن أبي أمامة مرفوعا
____________________
(1/113)
النوع الخامس عشر ما أنزل منه على بعض الأنبياء وما لم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم
469 من الثاني الفاتحة وآية الكرسي وخاتمة البقرة كما تقدم في الأحاديث قريبا
470 وروى مسلم عن ابن عباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة
471 وأخرج الطبراني عن عقبة بن عامر قال ترددوا في الآيتين من آخر سورة البقرة { آمن الرسول } إلى خاتمتها فإن الله اصطفى بها محمدا
472 وأخرج أبو عبيد في فضائله عن كعب قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى وإن موسى أعطي آية لم يعطها محمد قال والآيات التي أعطيهن محمد { لله ما في السماوات وما في الأرض } حتى ختم البقرة فتلك ثلاث آيات وآية الكرسي والآية التي أعطيها موسى اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا وخلصنا منه من أجل أن لك الملكوت والأيد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء الدهر الداهر أبدا أبدا آمين آمين
473 وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال السبع الطوال لم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعطي موسى منها اثنتين
474 وأخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة { إنا لله وإنا إليه راجعون }
475 ومن أمثلة الأول ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس قال لما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى } قال صلى الله عليه وسلم كلها في صحف إبراهيم وموسى فلما نزلت
____________________
(1/114)
{ والنجم إذا هوى } فبلغ { وإبراهيم الذي وفى } قال وفى { ألا تزر وازرة وزر أخرى } إلى قوله { هذا نذير من النذر الأولى }
476 وقال سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى
477 وأخرجه ابن أبي حاتم بلفظ نسخ من صحف إبراهيم وموسى
478 وأخرج عن السدي قال إن هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى مثل ما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم
479 وقال الفريابي نبأنا سفيان عن أبيه عن عكرمة { إن هذا لفي الصحف الأولى } قال هؤلاء الآيات
480 وأخرج الحاكم من طريق القاسم عن أبي أمامة قال أنزل الله على إبراهيم مما أنزل على محمد { التائبون العابدون } إلى قوله { وبشر المؤمنين } و { قد أفلح المؤمنون } إلى قوله { فيها خالدون } و { إن المسلمين والمسلمات } الآية والتي في سأل { الذين هم على صلاتهم دائمون } إلى قوله { قائمون } فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم
481 وأخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين الحديث
482 وأخرج ابن الضريس وغيره عن كعب قال فتحت التوراة ب { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } وختمت ب { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } إلى قوله { وكبره تكبيرا }
483 وأخرج أيضا عنه قال فاتحة التوراة فاتحة الأنعام { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } وخاتمة التوراة خاتمة هود { فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون }
____________________
(1/115)
484 وأخرج من وجه أخر عنه قال أول ما أنزل في التوراة عشر آيات من سورة الأنعام { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } إلى آخرها
485 وأخرج أبو عبيد عنه قال أول ما أنزل الله في التوراة عشر آيات من سورة الأنعام { بسم الله الرحمن الرحيم } { قل تعالوا أتل } الآيات قال بعضهم يعني أن هذه الآيات اشتملت على الآيات العشر التي كتبها الله لموسى في التوراة أول ما كتب وهي توحيد الله والنهي عن الشرك واليمين الكاذبة والعقوق والقتل والزنا والسرقة والزور ومد العين إلى ما في يد الغير والأمر بتعظيم السبت
486 وأخرج الدارقطني من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعلمنك آية لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري { بسم الله الرحمن الرحيم }
487 وروى البيهقي عن ابن عباس قال أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود { بسم الله الرحمن الرحيم }
488 وأخرج الحاكم عن ميسرة أن هذه الآية مكتوبة في التوراة بسبعمائة آية { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم } أول سورة الجمعة فائدة
489 يدخل في هذا النوع ما أخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال البرهان الذي أري يوسف ثلاث آيات من كتاب الله { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون } وقوله { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن } الآية وقوله { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت } زاد غيره آية أخرى { ولا تقربوا الزنى }
490 وأخرج ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس في قوله { لولا أن رأى برهان ربه } قال رأى آية من كتاب الله نهته مثلت له في جدار الحائط
____________________
(1/116)
النوع السادس عشر في كيفية إنزاله
فيه مسائل
المسألة الأولى
قال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقال { إنا أنزلناه في ليلة القدر }
491 اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال
أحدها وهو الأصح الأشهر أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة
492 وأخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض
493 وأخرج الحاكم والبيهقي أيضا والنسائي من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة ثم قرأ { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا }
494 وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وفي آخره فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا
____________________
(1/117)
495 وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة من طريق حسان بن حريث عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم أسانيدها كلها صحيحة
496 وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا جملة واحدة ثم أنزل نجوما إسناده لا بأس به
497 وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه قال أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم
498 وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن من وجه آخر عنه دفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة واحدة فوضعه في بيت العزة ثم جعل ينزله تنزيلا
499 وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن محمد عن ابن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس أنه سأل عطية بن الأسود فقال أوقع في قلبي الشك قوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقوله { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وهذا نزل في شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس إنه أنزل في رمضان ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام
500 قال أبو شامة قوله رسلا أي رفقا وعلى مواقع النجوم أي على مثل مساقطها يريد أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على ما وقع مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق
501 القول الثاني أنه نزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك منجما في جميع السنة وهذا القول ذكره الإمام فخر الدين الرازي بحثا فقال يحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثلها من اللوح إلى السماء الدنيا ثم توقف هل هذا أولى أو الأول
502 قال ابن كثير وهذا الذي جعله احتمالا نقله القرطبي عن مقاتل بن حيان وحكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا
____________________
(1/118)
503 قلت وممن قال بقول مقاتل الحليمي والماوردي ويوافقه قول ابن شهاب آخر القرآن عهدا بالعرش آية الدين
504 القول الثالث أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات وبه قال الشعبي
505 قال ابن حجر في شرح البخاري والأول هو الصحيح المعتمد قال وقد حكى الماوردي قولا رابعا إنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضا غريب والمعتمد أن جبريل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة
506 وقال أبو شامة كأن صاحب هذا القول أراد الجمع بين القولين الأول والثاني
507 قلت هذا الذي حكاه الماوردي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال نزل القرآن جملة واحدة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة تنبيهات
508 الأول قيل السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قربناه إليهم لننزله عليهم ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجما بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله مفرقا تشريفا للمنزل عليه ذكر ذلك أبو شامة في المرشد الوجيز
509 وقال الحكيم الترمذي أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا تسليما منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن بعثته كانت رحمة فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا ووضعت النبوة في قلب محمد وجاء
____________________
(1/119)
جبريل بالرسالة ثم الوحي كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله إلى الأمة
510 وقال السخاوي في جمال القراء في نزوله إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له قال وفيه أيضا التسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام في إنزاله كتابه جملة والتفضيل لمحمد في إنزاله عليه منجما ليحفظه
511 قال أبو شامة فإن قلت فقوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } من جملة القرآن الذي نزل جملة أم لا فإن لم يكن منه فما نزل جملة وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة
512 قلت له وجهان أحدهما أن يكون معنى الكلام إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضيناه وقدرناه في الأزل والثاني أن لفظه لفظ الماضي ومعناه الاستقبال أي ينزله جملة في ليلة القدر انتهى
الثاني قال أبو شامة أيضا الظاهر أن نزوله جملة إلى السماء الدنيا قبل ظهور نبوته صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل أن يكون بعدها
قلت الظاهر هو الثاني وسياق الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه
513 وقال ابن حجر في شرح البخاري قد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت منه وفي رواية وصحف إبراهيم لأول ليلة قال وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } ولقوله { إنا أنزلناه في ليلة القدر } فيحتمل أن يكون ليلة القدر في تلك السنة كانت الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول { اقرأ باسم ربك }
514 قلت لكن يشكل على هذا ما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم بعث في شهر ربيع ويجاب عن هذا بما ذكروه أنه نبئ أولا بالرؤيا في شهر مولده ثم كانت مدتها ستة
____________________
(1/120)
أشهر ثم أوحي إليه في اليقظة ذكره البيهقي وغيره
515 نعم يشكل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن عن أبي قلابة قال أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان
516 الثالث قال أبو شامة أيضا فإن قيل ما السر في نزوله منجما وهلا نزل كسائر الكتب جملة
قلنا هذا سؤال قد تولى الله جوابه فقال تعالى { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل فأجابهم تعالى بقوله { كذلك } أي أنزلناه كذلك مفرقا { لنثبت به فؤادك } أي لنقوي به قلبك فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب وأشد عناية بالمرسل إليه ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل
وقيل معنى { لنثبت به فؤادك } أي لنحفظه فإنه عليه السلام كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع
517 وقال ابن فورك قيل أنزلت التوراة جملة لأنها نزلت على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى وأنزل الله القرآن مفرقا لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي
518 وقال غيره إنما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا ومنه ما هو جواب لسؤال وما هو إنكار على قول قيل أو فعل فعل وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم وفسر به قوله { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق } أخرجه عنه ابن أبي حاتم
فالحاصل أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقا تذنيب
519 ما تقدم في كلام هؤلاء من أن سائر الكتب أنزلت جملة هو مشهور
____________________
(1/121)
في كلام العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد يكون إجماعا وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك وقال إنه لا دليل عليه بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن
وأقول الصواب الأول ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة
520 أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قالت اليهود يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ قال المشركون وأخرج نحوه عن قتادة والسدي
521 فإن قلت ليس في القرآن التصريح بذلك وإنما هو على تقدير ثبوته قول الكفار
قلت سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته ولو كانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة كما أجاب بمثل ذلك قولهم { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } فقال { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } وقولهم { أبعث الله بشرا رسولا } فقال { وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم } وقولهم كيف يكون رسولا ولا هم له إلا النساء فقال { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } إلى غير ذلك
522 ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله تعالى في إنزال التوراة على موسى يوم الصعقة { فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة } { وألقى الألواح } { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة } { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة } فهذه الآيات كلها دالة على إتيانه التوراة جملة
523 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
____________________
(1/122)
أعطي موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفا على عبادة العجل رمى بالتوراة من يده فتحطمت فرفع الله منها ستة أسباع وبقي منها سبع
524 وأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رفعه قال الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعا
525 وأخرج النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون قال أخذ موسى الألواح بعدما سكت عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر الله أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأقروا بها
526 وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحجاج قال جاءتهم التوراة جملة واحدة فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوها حتى ظلل الله عليهم الجبل فأخذوها عند ذلك
527 فهذه آثار صحيحة صريحة في إنزال التوراة جملة ويؤخذ من الأثر الأخير منها حكمة أخرى لإنزال القرآن مفرقا فإنه أدعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج بخلاف ما لو نزل جملة واحدة فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي
528 ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا ثم رأيت هذه الحكمة مصرحا بها في الناسخ والمنسوخ لمكي فرع
529 الذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشرا وأكثر وأقل وقد صح نزول العشر آيات في قصة الإفك جملة وصح نزول عشر آيات من أول المؤمنون جملة وصح نزول { غير }
____________________
(1/123)
{ أولي الضرر } ) وحدها وهي بعض آية وكذا قوله { وإن خفتم عيلة } إلى آخر الآية نزلت بعد نزول أول الآية كما حررناه في أسباب النزول وذلك بعض آية
530 وأخرج ابن أشته في كتاب المصاحف عن عكرمة في قوله { بمواقع النجوم } قال أنزل الله القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات
531 وقال النكزاوي في كتاب الوقف كان القرآن ينزل مفرقا الآية والآيتين والثلاث والأربع وأكثر من ذلك
532 وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات
533 وأما ما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق أبي خلدة عن عمر قال تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمسا خمسا ومن طريق ضعيف عن علي قال أنزل القرآن خمسا خمسا إلا سورة الأنعام ومن حفظ خمسا خمسا لم ينسه
فالجواب أن معناه إن صح إلقاؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القدر حتى يحفظه ثم يلقى إليه الباقي لا إنزاله بهذا القدر خاصة ويوضح ذلك ما أخرجه البيهقي أيضا عن خالد بن دينار قال قال لنا أبو العالية تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل خمسا خمسا
المسألة الثانية في كيفية الإنزال والوحي
534 قال الأصفهاني في أوائل تفسيره اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل واختلفوا في معنى الإنزال فمنهم من قال إظهار القراءة ومنهم من قال إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وهو في السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض وهو يهبط في المكان وفي التنزيل طريقان أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل والثاني أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه والأول أصعب الحالين انتهى
____________________
(1/124)
535 وقال الطيبي لعل نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تعالى تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه
536 وقال القطب الرازي في حواشي الكشاف الإنزال لغة بمعنى الإيواء وبمعنى تحريك الشيء من علو إلى أسفل وكلاهما لا يتحققان في الكلام فهو مستعمل فيه في معنى مجازي فمن قال القرآن معنى قائم بذات الله تعالى فإنزاله أن يوجد الكلمات والحروف الدالة على ذلك المعنى ويثبتها في اللوح المحفوظ ومن قال القرآن هو الألفاظ فإنزاله مجرد إثباته في اللوح المحفوظ وهذا المعنى مناسب لكونه منقولا عن المعنيين اللغويين ويمكن أن يكون المراد بإنزاله إثباته في السماء الدنيا بعد الإثبات في اللوح المحفوظ وهذا مناسب للمعنى الثاني والمراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفا روحيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم انتهى
537 وقال غيره في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال
أحدها أنه اللفظ والمعنى وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف وأن تحت كل حرف منها معان لا يحيط بها إلا الله
والثاني أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك }
والثالث أن جبريل ألقى إليه المعنى وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب وأن أهل السماء يقرؤونه بالعربية ثم إنه نزل به كذلك بعد ذلك
538 وقال البيهقي في معنى قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } يريد والله أعلم إنا أسمعنا الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلا به من علو إلى أسفل
539 قال أبو شامة هذا المعنى مطرد في جميع ألفاظ الإنزال المضافة إلى
____________________
(1/125)
القرآن أو إلى شيء منه يحتاج إليه أهل السنة المعتقدون قدم القرآن وأنه صفة قائمة بذات الله تعالى
540 قلت ويؤيد أن جبريل تلقفه سماعا من الله تعالى ما أخرجه الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعا إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة فكلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمر
541 وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة وأصل الحديث في الصحيح
542 وفي تفسير علي بن سهل النيسابوري قال جماعة من العلماء نزل القرآن جملة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة فحفظه جبريل وغشي على أهل السموات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق يعني القرآن وهو معنى قوله { حتى إذا فزع عن قلوبهم } فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة يعني الملائكة وهو معنى قوله تعالى { بأيدي سفرة كرام بررة }
543 وقال الجويني كلام الله المنزل قسمان قسم قال الله لجبريل قل للنبي الذي أنت مرسل إليه إن الله يقول افعل كذا وكذا وأمر بكذا وكذا ففهم جبريل ما قاله ربه ثم نزل على ذلك النبي وقال له ما قاله ربه ولم تكن العبارة تلك العبارة كما يقول الملك لمن يثق به قل لفلان يقول لك الملك اجتهد في الخدمة واجمع جندك للقتال فإن قال الرسول يقول الملك لا تتهاون في خدمتي ولا تترك الجند تتفرق وحثهم على المقاتلة لا ينسب إلى كذب ولا تقصير في أداء الرسالة وقسم آخر قال الله لجبريل اقرأ على النبي هذا الكتاب فنزل جبريل بكلمة من الله من غير تغيير كما يكتب الملك كتابا ويسلمه إلى أمين ويقول اقرأه على فلان فهو لا يغير منه كلمة ولا حرفا انتهى
544 قلت القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السنة كما ورد أن
____________________
(1/126)
جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبريل أداه بالمعنى ولم تجز القراءة بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يبح له إيحاءه بالمعنى والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه والتخفيف على الأمة حيث جعل المنزل إليهم على قسمين قسم يروونه بلفظه الموحى به وقسم يروونه بالمعنى ولو جعل كله مما يروى باللفظ لشق أو بالمعنى لم يؤمن التبديل والتحريف فتأمل
وقد رأيت عن السلف ما يعضد كلام الجويني
545 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري أنه سئل عن الوحي فقال الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء فيثبته في قلبه فيتكلم به ويكتبه وهو كلام الله ومنه ما لا يتكلم به ولا يكتبه لأحد ولا يأمر بكتابته ولكنه يحدث به الناس حديثا ويبين لهم أن الله أمره أن يبينه للناس ويبلغهم إياه فصل
546 وقد ذكر العلماء للوحي كيفيات
إحداها أن يأتيه الملك في مثل صلصلة الجرس كما في الصحيح وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمر سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل تحس بالوحي فقال أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحي إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض قال الخطابي والمراد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يبين له أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل هو صوت خفق أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يفرغ سمعه للوحي فلا يبقي فيه مكانا لغيره وفي الصحيح أن هذه الحالة أشد حالات الوحي عليه وقيل إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد وتهديد
الثانية أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال صلى الله عليه وسلم إن روح القدس نفث في روعي أخرجه الحاكم وهذا قد يرجع إلى الحالة الأولى أو التي بعدها بأن يأتيه في إحدى الكيفيتين وينفث في روعه
الثالثة أن يأتيه في صورة الرجل فيكلمه كما في الصحيح وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول زاد أبو عوانة في صحيحه وهو أهونه علي
____________________
(1/127)
الرابعة أن يأتيه الملك في النوم وعد من هذا قوم سورة الكوثر وقد تقدم ما فيه
الخامسة أن يكلمه الله إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء أو في النوم كما في حديث معاذ أتاني ربي فقال فيم يختصم الملأ الأعلى . . . الحديث وليس في القرآن من هذا النوع شيء فيما أعلم نعم يمكن أن يعد منه آخر سورة البقرة لما تقدم وبعض سورة الضحى وألم نشرح فقد أخرج ابن أبي حاتم من حديث عدي بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت أي رب اتخذت إبراهيم خليلا وكلمت موسى تكليما فقال يا محمد ألم أجدك يتيما فآويت وضالا فهديت وعائلا فأغنيت وشرحت لك صدرك وحططت عنك وزرك ورفعت لك ذكرك فلا أذكر إلا ذكرت معي 1 - فائدة
547 أخرج الإمام أحمد في تاريخه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة
548 قال ابن عساكر والحكمة في توكيل إسرافيل أنه الموكل بالصور الذي فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ونبوته صلى الله عليه وسلم مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحي كما وكل بذي القرنين ريافيل الذي يطوي الأرض وبخالد بن سنان مالك خازن النار
549 وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سابط قال في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة فوكل ثلاثة بحفظه إلى يوم القيامة من الملائكة فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء وبالنصر عند الحروب وبالمهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوما ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء
550 وأخرج أيضا عن عطاء بن السائب قال أول ما يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله على رسله
____________________
(1/128)
2 - فائدة ثانية
551 أخرج الحاكم والبيهقي عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن بالتفخيم كهيئته { عذرا أو نذرا } و { الصدفين } و { ألا له الخلق والأمر } وأشباه هذا قلت أخرجه ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء فبين أن المرفوع منه أنزل القرآن بالتفخيم فقط وأن الباقي مدرج من كلام عمار بن عبد الملك أحد رواة الحديث 3 - فائدة أخرى
552 أخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري قال لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه 4 - فائدة أخرى
553 أخرج ابن سعد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يغط في رأسه ويتربد وجهه أي يتغير لونه بالجريدة ويجد بردا في ثناياه ويعرق حتى يتحدر منه مثل الجمان
المسألة الثالثة في الأحرف السبعة التي نزل القرآن عليها
554 قلت ورد حديث نزل القرآن على سبعة أحرف من رواية جمع من الصحابة أبي بن كعب وأنس وحذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وسليمان بن صرد وابن عباس وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعمرو بن أبي سلمة وعمرو بن العاص ومعاذ بن جبل وهشام بن حكيم وأبي بكرة وأبي جهم وأبي سعيد الخدري وأبي طلحة الأنصاري وأبي هريرة وأبي أيوب فهؤلاء أحد وعشرون صحابيا وقد نص أبو عبيد على تواتره
____________________
(1/129)
555 وأخرج أبو يعلى في مسنده أن عثمان قال على المنبر أذكر الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف لما قام فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك فقال وأنا أشهد معهم اختلاف الأقوال في نزول القرآن على سبعة أحرف
556 وسأسوق من رواتهم ما يحتاج إليه فأقول اختلف في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولا
أحدها أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة قاله ابن سعدان النحوي
557 الثاني أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد بل المراد التيسير والتسهيل والسعة ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلق السبعون في العشرات والسبعمائة في المئين ولا يراد العدد المعين وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه ويرده ما في حديث ابن عباس في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف وفي حديث أبي عند مسلم إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن أقرأ على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف
558 وفي لفظ عنه عند النسائي إن جبريل وميكائيل أتياني فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري فقال جبريل اقرأ القرآن على حرف فقال ميكائيل استزده . . . حتى بلغ سبعة أحرف
559 وفي حديث أبي بكرة عنده اقرأه فنظرت إلى ميكائيل فسكت فعلمت أنه قد انتهت العدة فهذا يدل على إرادة حقيقة العدد وانحصاره
560 الثالث أن المراد بها سبع قراءات وتعقب بأنه لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه إلى القليل مثل { وعبد الطاغوت } و { فلا تقل لهما أف }
____________________
(1/130)
561 الرابع وأجيب بأن المراد أن كل كلمة تقرأ بوجه أو وجهين أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة ويشكل على هذا أن في الكلمات ما قرئ على أكثر وهذا يصلح أن يكون قولا رابعا
562 الخامس أن المراد بها الأوجه التي يقع فيها التغاير ذكره ابن قتيبة قال فأولها ما يتغير حركته ولا يزول معناه وصورته مثل { ولا يضار كاتب } بالفتح والرفع وثانيها ما يتغير بالفعل مثل { باعد } و { باعد } بلفظ الماضي والطلب وثالثها ما يتغير بالنقط مثل { ننشزها } و / < ننشرها > / ورابعها ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل { وطلح منضود } وطلع وخامسها ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل { وجاءت سكرة الموت بالحق } وسكرة الحق بالموت وسادسها ما يتغير بزيادة أو نقصان مثل { وما خلق الذكر والأنثى } والذكر والأنثى وسابعها ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل { كالعهن المنفوش } وكالصوف المنفوش وتعقب هذا قاسم بن ثابت بأن الرخصة وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها وأجيب بأنه لا يلزم من ذلك توهين ما قاله ابن قتيبة لاحتمال أن يكون الانحصار المذكور في ذلك وقع اتفاقا وإنما اطلع عليه بالاستقراء
563 السادس وقال أبو الفضل الرازي في اللوامح الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف الأول اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث الثاني اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر الثالث وجوه الإعراب الرابع النقص والزيادة الخامس التقديم والتأخير السادس الإبدال السابع اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك وهذا هو القول السادس
____________________
(1/131)
564 السابع وقال بعضهم المراد بها كيفية النطق بالتلاوة من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين وتحقيق وهذا هو القول السابع
565 الثامن وقال ابن الجزري قد تتبعت صحيح القراءة وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه لا يخرج عنها وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو { بالبخل } بأربعة ويحسب بوجهين أو متغير في المعنى فقط نحو { فتلقى آدم من ربه كلمات } وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو { تبلو } و { تتلو } أو عكس ذلك نحو { الصراط } و / < السراط > / أو بتغيرهما نحو { وامضوا } / < واسعوا > / وإما في التقديم والتأخير نحو { فيقتلون ويقتلون } أو في الزيادة والنقصان نحو { وصى } و / < أوصى > / فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها قال وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتحقيق والتسهيل والنقل والإبدال فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا انتهى وهذا هو القول الثامن ومن أمثلة التقديم والتأخير قراءة الجمهور { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر
566 التاسع أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة نحو أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة أن جبريل قال يا محمد اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل استزده . . . حتى بلغ سبعة أحرف قال كل شاف كاف ما لم تختم آية
____________________
(1/132)
عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو قولك تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل هذا اللفظ رواية أحمد وإسناده جيد وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه وعند أبي داود عن أبي قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب
567 وعند أحمد من حديث أبي هريرة أنزل القرآن على سبعة آحرف عليما حكيما غفورا رحيما وعنده أيضا من حديث عمر أن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة أسانيدها جياد
568 قال ابن عبد البر إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها إنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا يكون في شيء منها معنى وضده ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده ثم أسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ { كلما أضاء لهم مشوا فيه } مروا فيه سعوا فيه وكان ابن مسعود يقرأ { للذين آمنوا انظرونا } أمهلونا أخرونا
569 قال الطحاوي وإنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون
570 وفي فضائل أبي عبيد من طريق عون بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } فقال الرجل طعام اليتيم فردها فلم يستقم بها لسانه فقال أتسطيع أن تقول طعام الفاجر قال نعم قال فافعل
571 القول العاشر إن المراد سبع لغات وإلى هذا ذهب أبو عبيد وثعلب والأزهري وآخرون واختاره ابن عطية وصححه البيهقي في الشعب وتعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها فجاء عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن قال والعجز سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف وهؤلاء كلهم من هوازن ويقال لهم عليا هوازن ولهذا قال أبو عمرو بن العلاء أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم يعني بني دارم
____________________
(1/133)
572 وأخرج أبو عبيد من وجه آخر عن ابن عباس قال نزل القرآن بلغة الكعبيين كعب قريش وكعب خزاعة قيل وكيف ذاك قال لأن الدار واحدة يعني أن خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم
573 وقال أبو حاتم السجستاني نزل بلغة قريش وهذيل وتميم والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر واستنكر ذلك ابن قتيبة وقال لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش واحتج بقوله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي
574 وقال أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبع مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم قال وبعض اللغات أسعد بها من بعض وأكثر نصيبا
575 وقيل نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر نزل القرآن بلغة مضر وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر السبع من مضر أنهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات
756 ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال أنزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب ولم يكلف أحد منهم الانتقال عن لغته إلى لغة أخرى للمشقة ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل فهم المراد
577 وزاد غيره أن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي بأن يغير كل أحد الكلمة بمرادفها في لغته بل المرعي في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم
578 واستشكل بعضهم هذا بأنه يلزم عليه أن جبريل كان يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات
وأجيب بأنه إنما يلزم هذا لو اجتمعت الأحرف السبعة في لفظ واحد ونحن قلنا كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت سبعة وبعد هذا كله رد
____________________
(1/134)
هذا القول بأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة وقبيلة واحدة وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته فدل على أن المراد بالأحرف السبعة غير اللغات
579 القول الحادي عشر أن المراد سبعة أصناف والأحاديث السابقة ترده والقائلون به اختلفوا في تعيين السبعة فقيل أمر ونهي وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال واحتجوا بما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال . . . الحديث
580 وقد أجاب عنه قوم بأنه ليس المراد بالأحرف السبعة التي تقدم ذكرها في الأحاديث الأخرى لأن سياق تلك الأحاديث يأبى حملها على هذا بل هي ظاهرة في أن المراد أن الكلمة تقرأ على وجهين وثلاثة إلى سبعة تيسيرا وتهوينا والشيء الواحد لا يكون حلالا وحراما في آية واحدة
581 قال البيهقي المراد بالسبعة الأحرف هنا الأنواع التي نزل عليها والمراد بها في تلك الأحاديث اللغات التي يقرأ بها وقال غيره من أول الأحرف السبعة بهذا فهو فاسد لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو حلالا لا ما سواه ولأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله أو حرام كله أو أمثال كله
582 وقال ابن عطية هذا القول ضعيف لأن الإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة
583 وقال الماوردي هذا القول خطأ لأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام
584 وقال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمذاني قوله في الحديث زاجر وآمر الخ استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة وإنما توهم ذلك من جهة الاتفاق في العدد ويؤيده أن في بعض طرقه زجرا وأمرا بالنصب أي نزل على هذه الصفة في الأبواب السبعة
____________________
(1/135)
585 وقال أبو شامة يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب لا للأحرف أي هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه أي أنزله الله على هذه الأصناف لم يقتصر منها على صنف واحد كغيره من الكتب
586 الثاني عشر وقيل المراد بها المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وأقسامه حكاه شيذلة عن الفقهاء وهذا هو القول الثاني عشر
587 الثالث عشر وقيل المراد بها الحذف والصلة والتقديم والتأخير والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب حكاه عن أهل اللغة وهذا هو القول الثالث عشر
588 الرابع عشر وقيل المراد بها التذكير والتأنيث والشرط والجزاء والتصريف والإعراب والأقسام وجوابها والجمع والإفراد والتصغير والتعظيم واختلاف الأدوات حكاه عن النحاة وهذا هو الرابع عشر
589 الخامس عشر وقيل المراد بها سبعة أنواع من المعاملات الزهد والقناعة مع اليقين والجزم والخدمة مع الحياء والكرم والفتوة مع الفقر والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة حكاه عن الصوفية وهذا هو الخامس عشر
590 القول السادس عشر إن المراد بها سبعة علوم علم الإنشاء والإيجاد وعلم التوحيد والتنزيه وعلم صفات الذات وعلم صفات الفعل وعلم العفو والعذاب وعلم الحشر والحساب وعلم النبوات
591 وقال ابن حجر ذكر القرطبي عن ابن حبان أنه بلغ الاختلاف في الأحرف السبعة إلى خمسة وثلاثين قولا ولم يذكر القرطبي منها سوى خمسة ولم أقف على كلام ابن حبان في هذا بعد تتبعي مظانه
592 قلت قد حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره عنه بواسطة الشرف المزني المرسي فقال قال ابن حبان اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولا
____________________
(1/136)
فمنهم من قال هي زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال
الثاني حلال وحرام وأمر ونهي وزجر وخبر ما هو كائن بعد وأمثال
الثالث وعد ووعيد وحلال وحرام ومواعظ وأمثال واحتجاج
الرابع أمر ونهي وبشارة ونذارة وأخبار وأمثال
الخامس محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص
السادس أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل
السابع أمر ونهي وحد وعلم وسر وظهر وبطن
الثامن ناسخ ومنسوخ ووعد ووعيد ورغم وتأديب وإنذار
التاسع حلال وحرام وافتتاح وأخبار وفضائل وعقوبات
العاشر أوامر وزواجر وأمثال وأنباء وعتب ووعظ وقصص
الحادي عشر حلال وحرام وأمثال ومنصوص وقصص وإباحات
الثاني عشر ظهر وبطن وفرض وندب وخصوص وعموم وأمثال
الثالث عشر أمر ونهي ووعد ووعيد وإباحة وإرشاد واعتبار
الرابع عشر مقدم ومؤخر وفرائض وحدود ومواعظ ومتشابه وأمثال
الخامس عشر مفسر ومجمل ومقضي وندب وحتم وأمثال
السادس عشر أمر حتم وأمر ندب ونهي حتم ونهي ندب وأخبار وإباحات
السابع عشر أمر فرض ونهي حتم وأمر ندب ونهي مرشد ووعد ووعيد وقصص
الثامن عشر سبع جهات لا يتعداها الكلام لفظ خاص أريد به الخاص ولفظ عام أريد به العام ولفظ عام أريد به الخاص ولفظ خاص أريد به العام ولفظ ييستغنى بتنزيله عن تأويله ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون
التاسع عشر إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية وتعظيم الألوهية والتعبد لله ومجانبة الإشراك والترغيب في الثواب والترهيب من العقاب
____________________
(1/137)
العشرون سبع لغات منها خمس من هوازن واثنتان لسائر العرب
الحادي والعشرون سبع لغات متفرقة لجميع العرب كل حرف منها لقبيلة مشهورة
الثاني والعشرون سبع لغات أربع لعجز هوازن سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثلاث لقريش
الثالث والعشرون سبع لغات لغة قريش ولغة لليمن ولغة لجرهم ولغة لهوازن ولغة لقضاعة ولغة لتميم ولغة لطيء
الرابع والعشرون لغة الكعبيين كعب بن عمرو كعب بن لؤي ولهما سبع لغات
الخامس والعشرون اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى واحد مثل هلم وهات وتعال وأقبل
السادس والعشرون سبع قراءات لسبعة من الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم
السابع والعشرون همز وإمالة وفتح وكسر وتفخيم ومد وقصر
الثامن والعشرون تصريف ومصادر وعروض وغريب وسجع ولغات مختلفة كلها في شيء واحد
التاسع والعشرون كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف اللفظ فيه
الثلاثون أمهات الهجاء الألف والباء والجيم والدال والراء والسين والعين لأن عليها تدور جوامع كلام العرب
الحادي والثلاثون أنها في أسماء الرب مثل الغفور الرحيم السميع البصير العليم الحكيم
الثاني والثلاثون هي آية في صفات الذات آية تفسيرها في آية أخرى وآية بيانها في السنة الصحيحة وآية في قصة الأنبياء والرسل وآية في خلق الأشياء وآية في وصف الجنة وآية في وصف النار
____________________
(1/138)
الثالث والثلاثون آية في وصف الصانع وآية في إثبات الوحدانية له وآية في إثبات صفاته وآية في إثبات رسله وآية في إثبات كتبه وآية في إثبات الإسلام وآية في نفي الكفر
الرابع والثلاثون سبع جهات من صفات الذات لله التي لا يقع عليها التكييف
الخامس والثلاثون الإيمان بالله ومباينة الشرك وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان وتحريم ما حرم الله وطاعة رسوله
593 قال ابن حبان فهذه خمسة وثلاثون قولا لأهل العلم واللغة في معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا وكلها محتملة وتحتمل غيرها
594 وقال المرسي هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر مع أن كلها موجودة في القرآن فلا أدري معنى التخصيص وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح فإنهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه إنما اختلفا في قراءة حروفه وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح تنبيه
595 اختلف هل المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة فذهب جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى ذلك وبنوا عليه أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء منها وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك
596 وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أنها مشتملة على ما يحتمل رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنة لها لم تترك حرفا منها
597 قال ابن الجزري وهذا هو الذي يظهر صوابه
598 ويجاب عن الأول بما ذكره ابن جرير أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبة على الأمة وإنما كان جائزا لهم ومرخصا لهم فيه فلما رأى
____________________
(1/139)
الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد اجتمعوا على ذلك اجتماعا شائعا وهم معصومون من الضلالة ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام ولا شك أن القرآن نسخ منه في العرضة الأخيرة وغير فاتفق الصحابة على أن كتبوا ما تحققوا أنه قرآن مستقر في العرضة الأخيرة وتركوا ما سوى ذلك
599 أخرج ابن أشته في المصاحف وابن أبي شيبة في فضائله من طريق ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال القراءة التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرؤها الناس اليوم
600 وأخرج ابن أشته عن ابن سيرين قال كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم كل سنة في شهر رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه مرتين فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة
601 وقال البغوي في شرح السنة يقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نسخ وما بقي وكتبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه وكان يقرئ الناس بها حتى مات ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه وولاه عثمان كتب المصاحف
____________________
(1/140)
النوع السابع عشر في معرفة أسمائه وأسماء سوره
602 قال الجاحظ سمى الله كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل سمى جملته قرآنا كما سموا ديوانا وبعضه سورة كقصيدة وبعضها آية كالبيت وآخرها فاصلة كقافية
603 وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيذلة في كتاب البرهان اعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما
سماه كتابا ومبينا في قوله { حم والكتاب المبين }
وقرآنا وكريما { إنه لقرآن كريم }
وكلاما { حتى يسمع كلام الله }
ونورا { وأنزلنا إليكم نورا مبينا }
وهدى ورحمة { لهدى ورحمة للمؤمنين }
وفرقانا { نزل الفرقان على عبده }
وشفاء { وننزل من القرآن ما هو شفاء }
وموعظة { قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور }
وذكرا ومباركا { وهذا ذكر مبارك أنزلناه }
وعليا { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي }
____________________
(1/141)
وحكمة { حكمة بالغة }
وحكيما { تلك آيات الكتاب الحكيم }
ومهيمنا { مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه }
وحبلا { واعتصموا بحبل الله }
وصراطا مستقيما { وأن هذا صراطي مستقيما }
وقيما { قيما لينذر بأسا شديدا }
وقولا وفصلا { إنه لقول فصل }
ونبأ عظيما { عم يتساءلون عن النبإ العظيم }
وأحسن الحديث ومتشابها ومثاني { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني }
وتنزيلا { وإنه لتنزيل رب العالمين }
وروحا { أوحينا إليك روحا من أمرنا }
ووحيا { إنما أنذركم بالوحي }
وعربيا { قرآنا عربيا }
وبصائر { هذا بصائر }
وبيانا { هذا بيان للناس }
وعلما { من بعد ما جاءك من العلم }
وحقا { إن هذا لهو القصص الحق }
وهديا { إن هذا القرآن يهدي }
____________________
(1/142)
وعجبا { قرآنا عجبا }
وتذكرة { وإنه لتذكرة }
والعروة الوثقى { استمسك بالعروة الوثقى }
وصدقا { والذي جاء بالصدق }
وعدلا { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا }
وأمرا { ذلك أمر الله أنزله إليكم }
ومناديا { سمعنا مناديا ينادي للإيمان }
وبشرى { هدى وبشرى }
ومجيدا { بل هو قرآن مجيد }
وزبورا { ولقد كتبنا في الزبور }
وبشيرا ونذيرا { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا }
وعزيزا { وإنه لكتاب عزيز }
وبلاغا { هذا بلاغ للناس }
وقصصا { أحسن القصص }
وسماه أربعة أسماء في آية واحدة { في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة } انتهى
604 فأما تسميته كتابا فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه والكتاب لغة الجمع
605 والمبين لأنه أبان أي أظهر الحق من الباطل
____________________
(1/143)
606 وأما القرآن فاختلف فيه فقال جماعة هو اسم علم غير مشتق خاص بكلام الله فهو غير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي أخرج البيهقي والخطيب وغيرهما عنه أنه كان يهمز قرأت ولا يهمز القرآن ويقول القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل
607 وقال قوم منهم الأشعري هو مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر وسمي به لقران السور والآيات والحروف فيه
608 وقال الفراء هو مشتق من القرائن لأن الآيات منه يصدق بعضها بعضا ويشابه بعضها بعضا وهي قرائن وعلى القولين هو بلا همز أيضا ونونه أصلية
609 وقال الزجاج هذا القول سهو والصحيح أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ونقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها
610 واختلف القائلون بأنه مهموز فقال قوم منهم اللحياني هو مصدر لقرأت كالرجحان والغفران سمي به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر
611 وقال آخرون منهم الزجاج هو وصف على فعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرات الماء في الحوض أي جمعته
612 قال أبو عبيدة وسمي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض
613 وقال الراغب لا يقال لكل جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن قال وإنما سمي قرآنا لكونه جمع ثمرات الكتب السالفة المنزلة وقيل لأنه جمع أنواع العلوم كلها
614 وحكى قطرب قولا إنه إنما سمي قرآنا لأن القارئ يظهره ويبينه من فيه أخذا من قول العرب ما قرأت الناقة سلا قط أي ما رمت بولد أي ما أسقطت ولدا أي ما حملت قط والقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآنا
615 قلت والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي
____________________
(1/144)
616 وأما الكلام فمشتق من الكلم بمعنى التأثير لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده
617 وأما النور فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام
618 وأما الهدى فلأن فيه الدلالة على الحق وهو من باب إطلاق المصدر على الفاعل مبالغة
619 وأما الفرقان فلأنه فرق بين الحق والباطل وجهه بذلك مجاهد كما أخرجه ابن أبي حاتم
620 وأما الشفاء فلأنه يشفي من الأمراض القلبية كالكفر والجهل والغل والبدنية أيضا
621 وأما الذكر فلما فيه من المواعظ وأخبار الأمم الماضية والذكر أيضا الشرف قال تعالى { وإنه لذكر لك ولقومك } أي شرف لأنه بلغتهم
622 وأما الحكمة فلأنه نزل على القانون المعتبر من وضع كل شيء في محله أو لأنه مشتمل على الحكمة
623 وأما الحكيم فلأنه أحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعاني وأحكمت عن تطرق التبديل والتحريف والاختلاف والتباين
624 وأما المهيمن فلأنه شاهد على جميع الكتب والأمم السالفة
625 وأما الحبل فلأنه من تمسك به وصل إلى الجنة أو الهدى والحبل السبب
626 وأما الصراط المستقيم فلأنه طريق إلى الجنة قويم لا عوج فيه
627 وأما المثاني فلأن فيه بيان قصص الأمم الماضية فهو ثان لما تقدمه وقيل لتكرر القصص والمواعظ فيه وقيل لأنه نزل مرة بالمعنى ومرة باللفظ والمعنى كقوله { إن هذا لفي الصحف الأولى } حكاه الكرماني في عجائبه
628 وأما المتشابه فلأنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق
629 وأما الروح فلأنه تحيا به القلوب والأنفس
____________________
(1/145)
630 وأما المجيد فلشرفه
631 وأما العزيز فلأنه يعز على من يروم معارضته
632 وأما البلاغ فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه أو لأن فيه بلاغة وكفاية عن غيره
633 قال السلفي في بعض أجزائه سمعت أبا الكرم النحوي يقول سمعت أبا القاسم التنوخي يقول سمعت أبا الحسن الرماني وسئل كل كتاب له ترجمة فما ترجمة كتاب الله فقال { هذا بلاغ للناس ولينذروا به }
634 وذكر أبو شامة وغيره في قوله تعالى { ورزق ربك خير وأبقى } أنه القرآن 1 - فائدة
635 حكى المظفري في تاريخه قال لما جمع أبو بكر القرآن قال سموه فقال بعضهم سموه إنجيلا فكرهوه وقال بعضهم سموه سفرا فكرهوه من يهود فقال ابن مسعود رأيت بالحبشة كتابا يدعونه المصحف فسموه به
636 قلت أخرج ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر إلتمسوا له إسما فقال بعضهم السفر وقال بعضهم المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسماه المصحف ثم أورده من طريق آخر عن ابن بريدة وسيأتي في النوع الذي يلي هذا 2 - فائدة ثانية
637 أخرج ابن الضريس وغيره عن كعب قال في التوراة يا محمد
____________________
(1/146)
إني منزل عليك توراة حديثة تفتح أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا
638 وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال لما أخذ موسى الألواح قال يا رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في قلوبهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد
639 ففي هذين الأثرين تسمية القرآن توراة وإنجيلا ومع هذا لا يجوز الآن أن يطلق عليه ذلك وهذا كما سميت التوراة فرقانا في قوله { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان } وسمى صلى الله عليه وسلم الزبور قرآنا في قوله خفف على داود القرآن 1 - فصل في أسماء السور
640 قال العتبي السورة تهمز ولا تهمز فمن همزها جعلها من أسأرت أي أفضلت من السؤر وهو ما بقي من الشراب في الإناء كأنها قطعة من القرآن ومن لم يهمزها جعلها من المعنى المتقدم وسهل همزها
641 ومنهم من يشبهها بسور البناء أي القطعة منه أي منزلة بعد منزلة
642 وقيل من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ومنه السوار لإحاطته بالساعد
643 وقيل لارتفاعها لأنها كلام الله والسورة المنزلة الرفيعة قال النابغة
( ألم تر أن الله أعطاك سورة % ترى كل ملك حولها يتذبذب )
644 وقيل لتركيب بعضها على بعض من التسور بمعنى التصاعد والتركب ومنه { إذ تسوروا المحراب }
645 وقال الجعبري حد السورة قرآن يشتمل على آي ذي فاتحة وخاتمة وأقلها ثلاث آيات
____________________
(1/147)
646 وقال غيره السورة الطائفة المترجمة توقيفا أي المسماة باسم خاص بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم
647 وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك ومما يدل لذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة قال كان المشركون يقولون سورة البقرة وسورة العنكبوت يستهزئون بها فنزل { إنا كفيناك المستهزئين }
648 وقد كره بعضهم أن يقال سورة كذا لما رواه الطبراني والبيهقي عن أنس مرفوعا لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والتي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله وإسناده ضعيف بل ادعى ابن الجوزي أنه موضوع
وقال البيهقي إنما يعرف موقوفا على ابن عمر ثم أخرجه عنه بسند صحيح وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم
649 وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ومن ثم لم يكرهه الجمهور فصل
650 قد يكون للسورة إسم واحد وهو كثير وقد يكون لها اسمان فأكثر من ذلك
الفاتحة وقد وقفت لها على نيف وعشرين اسما وذلك يدل على شرفها فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى
651 أحدها فاتحة الكتاب أخرج ابن جرير من طريق ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني وسميت بذلك لأنه يفتتح بها في المصاحف وفي التعليم وفي القراءة في الصلاة وقيل لأنها أول سورة نزلت وقيل لأنها أول سورة كتبت في اللوح المحفوظ حكاه المرسي وقال إنه يحتاج إلى نقل وقيل لأن الحمد فاتحة كل كلام وقيل لأنها فاتحة كل كتاب حكاه المرسي ورده بأن
____________________
(1/148)
الذي افتتح به كل كتاب هو الحمد فقط لا جميع السورة وبأن الظاهر أن المراد بالكتاب القرآن لا جنس الكتاب قال لأنه قد روي من أسمائها فاتحة القرآن فيكون المراد بالكتاب والقرآن واحدا
652 ثانيها فاتحة القرآن كما أشار إليه المرسي
653 وثالثها ورابعها أم الكتاب وأم القرآن وقد كره ابن سيرين أن تسمى أم الكتاب وكره الحسن أن تسمى أم القرآن ووافقهما بقي بن مخلد لأن أم الكتاب هو اللوح المحفوظ قال تعالى { وعنده أم الكتاب } { وإنه في أم الكتاب } وآيات الحلال والحرام قال تعالى { آيات محكمات هن أم الكتاب } قال المرسي وقد روي حديث لا يصح لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب
قلت هذا لا أصل له في شيء من كتب الحديث وإنما أخرجه أبن الضريس بهذا اللفظ عن ابن سيرين فالتبس على المرسي وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تسميتها بذلك فأخرج الدارقطني وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعا إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني
654 واختلف لم سميت بذلك فقيل لأنها يبدأ بكتابتها في المصاحف وبقراءتها في الصلاة قبل السورة قاله أبو عبيدة في مجازه وجزم به البخاري في صحيحه واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم الكتاب وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبتدأ الولد قال الماوردي سميت بذلك لتقدمها وتأخر ما سواها تبعا لها لأنها أمته أي تقدمته ولهذا يقال لراية الحرب أم لتقدمها وإتباع الجيش لها ويقال لما مضى من سني الإنسان أم لتقدمها ولمكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى وقيل أم الشيء أصله وهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن وما فيه من العلوم والحكم كما سيأتي تقريره في النوع الثالث والسبعين وقيل سميت بذلك لأنها أفضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم وقيل لأن حرمتها كحرمة القرآن كله وقيل لأن مفزع أهل الإيمان إليها كما يقال للراية أم لأن مفزع العسكر إليها وقيل لأنها محكمة والمحكمات أم الكتاب
____________________
(1/149)
655 خامسها القرآن العظيم روى أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم وسميت بذلك لاشتمالها على المعاني التي في القرآن
656 سادسها السبع المثاني ورد تسميتها بذلك في الحديث المذكور وأحاديث كثيرة أما تسميتها سبعا فلأنها سبع آيات أخرج الدارقطني ذلك عن علي وقيل فيها سبعة آداب في كل آية أدب وفيه بعد وقيل لأنها خلت من سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء قال المرسي وهذا أضعف مما قبله لأن الشيء إنما يسمى بشيء وجد فيه لا بشيء فقد منه وأما المثاني فيحتمل أن يكون مشتقا من الثناء لما فيها من الثناء على الله تعالى ويحتمل أن يكون من الثنيا لأن الله استثناها لهذه الأمة ويحتمل أن يكون من التثنية قيل لأنها تثنى في كل ركعة ويقويه ما أخرجه ابن جرير بسند حسن عن عمر قال السبع المثاني فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة وقيل لأنها تثنى بسورة أخرى وقيل لأنها نزلت مرتين وقيل لأنها على قسمين ثناء ودعاء وقيل لأنها كلما قرأ العبد منها آية ثناه الله بالإخبار عن فعله كما في الحديث وقيل لأنها اجتمع فيها فصاحة المباني وبلاغة المعاني وقيل غير ذلك
657 سابعها الوافية كان سفيان بن عيينة يسميها به لأنها وافية بما في القرآن من المعاني قاله في الكشاف وقال الثعلبي لأنها لا تقبل التصنيف فإن كل سورة من القرآن لو قرئ نصفها في كل ركعة والنصف الثاني في أخرى لجاز بخلافها وقال المرسي لأنها جمعت بين ما لله وبين ما للعبد
658 ثامنها الكنز لما تقدم في أم القرآن قاله في الكشاف وورد تسميتها بذلك في حديث أنس السابق في النوع الرابع عشر
659 تاسعها الكافية لأنها تكفي في الصلاة عن غيرها ولا يكفي عنها غيرها
660 عاشرها الأساس لأنها أصل القرآن وأول سورة فيه
661 حادي عشرها النور
662 ثاني عشرها وثالث عشرها سورة الحمد وسورة الشكر
____________________
(1/150)
663 رابع عشرها وخامس عشرها سورة الحمد الأولى وسورة الحمد القصرى
664 سادس عشرها وسابع عشرها وثامن عشرها الرقية والشفاء والشافية للأحاديث الآتية في نوع الخواص
665 تاسع عشرها سورة الصلاة لتوقف الصلاة عليها
666 العشرون وقيل إن من أسمائها الصلاة أيضا لحديث قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين أي السورة
667 قال المرسي لأنها من لوازمها فهو من باب تسمية الشيء باسم لازمه وهذا الاسم العشرون
668 الحادي والعشرون سورة الدعاء لاشتمالها عليه في قوله { اهدنا }
669 الثاني والعشرون سورة السؤال لذلك ذكره الإمام فخر الدين
670 الثالث والعشرون سورة تعليم المسألة قال المرسي لأن فيها آداب السؤال لأنها بدئت بالثناء قبله
671 الرابع والعشرون سورة المناجاة لأن العبد يناجي فيها ربه بقوله { إياك نعبد وإياك نستعين }
672 الخامس والعشرون سورة التفويض لاشتمالها عليه في قوله { إياك نعبد وإياك نستعين }
فهذا ما وقفت عليه من أسمائها ولم تجتمع في كتاب قبل هذا
673 ومن ذلك سورة البقرة كان خالد بن معدان يسميها فسطاط القرآن وورد في حديث مرفوع في مسند الفردوس وذلك لعظمها ولما جمع فيها من الأحكام التي لم تذكر في غيرها وفي حديث المستدرك تسميتها سنام القرآن وسنام كل شيء أعلاه
674 وآل عمران روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي عطاف قال إسم آل عمران في التوراة طيبة وفي صحيح مسلم تسميتها والبقرة الزهراوين
____________________
(1/151)
675 والمائدة تسمى أيضا العقود والمنقذة قال ابن الغرس لأنها تنقذ صاحبها من ملائكة العذاب
676 والأنفال أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة الأنفال قال تلك سورة بدر
677 وبراءة تسمى أيضا التوبة لقوله فيها { لقد تاب الله على النبي } الآية والفاضحة أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة التوبة قال التوبة بل هي الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم ومنهم . . . حتى ظننا ألا يبقى أحد منا إلا ذكر فيها
678 وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال قال عمر ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنه لا يبق منا أحد إلا سينزل فيه
679 وكانت تسمى الفاضحة وسورة العذاب أخرج الحاكم في المستدرك عن حذيفة قال التي تسمونها سورة التوبة وهي سورة العذاب
680 وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال كان عمر بن الخطاب إذا ذكر له سورة براءة فقيل سورة التوبة قال هي إلى العذاب أقرب ما كادت تقلع عن الناس حتى ما كادت تبقي منهم أحدا
681 والمقشقشة أخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لابن عمر سورة التوبة فقال وأيتهن سورة التوبة فقال براءة فقال وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هي ما كنا ندعوها إلا المقشقشة أي المبرئة من النفاق
682 والمنقرة أخرج أبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال كانت تسمى براءة المنقرة نقرت عما في قلوب المشركين
683 والبحوث بفتح الباء أخرج الحاكم عن المقداد أنه قيل له لو قعدت العام عن الغزو قال أتت علينا البحوث يعني براءة . . . الحديث
684 والحافرة ذكره ابن الغرس لأنها حفرت عن قلوب المنافقين
685 والمثيرة أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كانت هذه السورة
____________________
(1/152)
تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين وكان يقال لها المثيرة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم
686 وحكى ابن الغرس من أسمائها المبعثرة وأظنه تصحيف المنقرة فإن صح كملت الأسماء عشرة ثم رأيته كذلك أعني المبعثرة بخط السخاوي في جمال القراء وقال لأنها بعثرت عن أسرار المنافقين
687 وذكر فيه أيضا من أسمائها المخزية والمنكلة والمشردة والمدمدمة
688 النحل قال قتادة تسمى سورة النعم أخرجه ابن أبي حاتم
689 قال ابن الغرس لما عدد الله فيها من النعم على عباده
690 الإسراء تسمى أيضا سورة سبحان وسورة بني إسرائيل
691 الكهف ويقال لها سورة أصحاب الكهف كذا في حديث أخرجه ابن مردويه
692 وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا أنها تدعى في التوراة الحائلة تحول بين قارئها وبين النار وقال إنه منكر
693 طه تسمى أيضا سورة التكليم ذكره السخاوي في جمال القراء
694 الشعراء وقع في تفسير الإمام مالك تسميتها بسورة الجامعة
695 النمل تسمى أيضا سورة سليمان
696 السجدة تسمى أيضا المضاجع
697 فاطر تسمى سورة الملائكة
698 يس سماها صلى الله عليه وسلم قلب القرآن أخرجه الترمذي من حديث أنس
699 وأخرج البيهقي من حديث أبي بكر مرفوعا سورة يس تدعى في التوراة المعمة نعم بخيري الدنيا والآخرة وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة وقال إنه حديث منكر
700 الزمر تسمى سورة الغرف
701 غافر تسمى سورة الطول والمؤمن لقوله تعالى فيها { وقال رجل مؤمن }
____________________
(1/153)
702 فصلت تسمى السجدة وسورة المصابيح
703 الجاثية تسمى الشريعة وسورة الدهر حكاه الكرماني في العجائب
704 سورة محمد تسمى القتال
705 ق تسمى سورة الباسقات
706 إقتربت تسمى القمر
707 وأخرج البيهقي عن ابن عباس أنها تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه وقال إنه منكر
708 الرحمن سميت في حديث عروس القرآن أخرجه البيهقي عن علي مرفوعا
709 المجادلة سميت في مصحف أبي الظهار
710 الحشر أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس سورة الحشر قال قل سورة بني النضير قال ابن حجر كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد يوم القيامة وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير
711 الممتحنة قال ابن حجر المشهور في هذه التسمية أنها بفتح الحاء وقد تكسر فعلى الأول هو صفة المرأة التي نزلت السورة بسببها وعلى الثاني هي صفة السورة كما قيل لبراءة الفاضحة وفي جمال القراء تسمى أيضا سورة الإمتحان وسورة المودة
712 الصف تسمى أيضا سورة الحواريين
713 الطلاق تسمى سورة النساء القصرى كذا سماها ابن مسعود أخرجه البخاري وغيره وقد أنكره الداودي فقال لا أرى قوله القصرى محفوظا ولا يقال في سورة من القرآن قصرى ولا صغرى قال ابن حجر وهو رد للأخبار الثابتة بلا مستند والقصر والطول أمر نسبي وقد أخرج البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال طولى الطوليين وأراد بذلك سورة الأعراف
714 التحريم يقال لها سورة المتحرم وسورة لم تحرم
____________________
(1/154)
715 تبارك تسمى سورة الملك
716 وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال هي في التوراة سورة الملك وهي المانعة تمنع من عذاب القبر
717 وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس مرفوعا هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر
718 وفي مسند عبيد من حديث إنها المنجية والمجادلة تجادل يوم القيامة عند ربها لقارئها
719 وفي تاريخ ابن عساكر من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها المنجية
720 وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال كنا نسميها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المانعة
721 وفي جمال القراء تسمى أيضا الواقية والمناعة
722 سأل تسمى المعارج والواقع
723 عم يقال لها النبأ والتساؤل والمعصرات
724 لم يكن تسمى سورة أهل الكتاب وكذلك سميت في مصحف أبي وسورة البينة وسورة القيامة وسورة البرية وسورة الانفكاك ذكر ذلك في جمال القراء
725 أرأيت تسمى سورة الدين وسورة الماعون
726 الكافرون تسمى المقشقشة أخرجه ابن أبي حاتم عن زرارة بن أوفى
727 قال في جمال القراء وتسمى أيضا سورة العبادة
728 قال وسورة النصر تسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاته صلى الله عليه وسلم
729 قال وسورة تبت تسمى سورة المسد
730 وسورة الإخلاص تسمى الأساس لاشتمالها على توحيد الله وهو أساس الدين
____________________
(1/155)
731 قال والفلق والناس يقال لهما المعوذتان بكسر الواو والمشقشقتان من قولهم خطيب مشقشق تنبيه
732 قال الزركشي في البرهان ينبغي البحث عن تعداد الأسامي هل هو توقيفي أو بما يظهر من المناسبات فإن كان الثاني فلم يعدم الفطن أن يستخرج من كل سورة معاني كثيرة تقتضي اشتقاق أسماء لها وهو بعيد
733 قال وينبغي النظر في اختصاص كل سورة بما سميت به ولا شك أن العرب تراعي في كثير من المسميات أخد أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من خلق أو صفة تخصه أو يكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائي للمسمى ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة بما هو أشهر فيها وعلى ذلك جرت أسماء سور القرآن كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم لقرينة قصة البقرة المذكورة فيها وعجيب الحكمة فيها وسميت سورة النساء بهذا الاسم لما تردد فيها شيء كثير من أحكام النساء وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها وإن كان قد ورد لفظ الأنعام في غيرها إلا أن التفصيل الوارد في قوله تعالى { ومن الأنعام حمولة وفرشا } إلى قوله { أم كنتم شهداء } لم يرد في غيرها كما ورد ذكر النساء في سور إلا أن ما تكرر وبسط من أحكامهن لم يرد في غير سورة النساء وكذا سورة المائدة لم يرد ذكر المائدة في غيرها فسميت بما يخصها
734 قال فإن قيل قد ورد في سورة هود ذكر نوح وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى فلم خصت باسم هود وحده مع أن قصة نوح فيها أوعب وأطول قيل تكررت هذه القصص في سورة الأعراف وسورة هود والشعراء بأوعب مما وردت في غيرها ولم يتكرر في واحدة من هذه السور الثلاث اسم هود كتكرره في سورته فإنه تكرر فيها في أربعة مواضع والتكرار من أقوى الأسباب التي ذكرنا
735 قال فإن قيل فقد تكرر اسم نوح فيها في ستة مواضع قيل لما أفردت لذكر نوح وقصته مع قومه سورة برأسها فلم يقع فيها غير ذلك كانت أولى
____________________
(1/156)
بأن تسمى باسمه من سورة تضمنت قصته وقصة غيره انتهى
736 قلت ولك أن تسأل فتقول قد سميت سور جرت فيها قصص أنبياء بأسمائهم كسورة نوح وسورة هود وسورة إبراهيم وسورة يونس وسورة آل عمران وسورة طس سليمان وسورة يوسف وسورة محمد وسورة مريم وسورة لقمان وسورة المؤمن وقصة أقوام كذلك كسورة بني إسرائيل وسورة أصحاب الكهف وسورة الحجر وسورة سبأ وسورة الملائكة وسورة الجن وسورة المنافقين وسورة المطففين ومع هذا كله لم يفرد لموسى سورة تسمى به مع كثرة ذكره في القرآن حتى قال بعضهم كاد القرآن أن يكون كله موسى وكان أولى سورة أن تسمى به سورة طه أو القصص أو الأعراف لبسط قصته في الثلاثة ما لم يبسط في غيرها وكذلك قصة آدم ذكرت في عدة سور ولم تسم به سورة كأنه اكتفاء بسورة الإنسان وكذلك قصة الذبيح من بدائع القصص ولم تسم به سورة الصافات وقصة داود ذكرت في ص ولم تسم به فانظر في حكمة ذلك على أني رأيت بعد ذلك في جمال القراء للسخاوي أن سورة طه تسمى سورة الكليم وسماها الهذلي في كامله سورة موسى وأن سورة ص تسمى سورة داود ورأيت في كلام الجعبري أن سورة الصافات تسمى سورة الذبيح وذلك يحتاج إلى مستند من الأثر فصل
737 وكما سميت السورة الواحدة بأسماء سميت سور باسم واحد كالسور المسماة ب ألم أو الر على القول بأن فواتح السور أسماء لها فائدة في إعراب أسماء السور
738 قال أبو حيان في شرح التسهيل
ما سمي منها بجملة تحكى نحو { قل أوحي } و { أتى أمر الله } أو بفعل لا ضمير فيه أعرب إعراب ما لا ينصرف إلا ما في أوله همزة وصل فتقطع ألفه وتقلب تاؤه هاء في الوقف ويكتب بهاء على صورة الوقف فتقول قرأت إقتربة وفي الوقف إقتربه أما الإعراب فلأنها صارت أسماء والأسماء معربة إلا لموجب بناء وأما قطع همزة الوصل فلأنها لا تكون في الأسماء إلا في ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها
____________________
(1/157)
وأما قلب تائها هاء فلأن ذلك حكم تاء التأنيث التي في الأسماء وأما كتبها هاء فلأن الخط تابع للوقف غالبا
739 وما سمي منها باسم فإن كان من حروف الهجاء وهو حرف واحد وأضفت إليه سورة فعند ابن عصفور أنه موقوف لا إعراب فيه وعند الشلوبين يجوز فيه وجهان الوقف والإعراب أما الأول ويعبر عنه بالحكاية فلأنها حروف مقطعة تحكى كما هي وأما الثاني فعلى جعله اسما لحروف الهجاء وعلى هذا يجوز صرفه بناء على تذكير الحرف ومنعه بناء على تأنيثه وإن لم تضف إليه سورة لا لفظا ولا تقديرا فلك الوقف والإعراب مصروفا وممنوعا وإن كان أكثر من حرف فإن وزان الأسماء الأعجمية كطاسين وحاميم وأضيفت إليه سورة أم لا فلك الحكاية والإعراب ممنوعا لموازنة قابيل وهابيل وإن لم يوازن فإن أمكن فيه التركيب كطاسين ميم وأضيفت إليه سورة فلك الحكاية والإعراب إما مركبا مفتوح النون كحضرموت أو معرب النون مضافا لما بعده مصروفا وممنوعا على إعتقاد التذكير والتأنيث وإن لم تضف إليه سورة فالوقف على الحكاية والبناء كخمسة عشر والإعراب ممنوعا وإن لم يمكن التركيب فالوقف ليس إلا أضيفت إليه سورة أم لا نحو كهيعص وحمعسق ولا يجوز إعرابه لأنه لا نظير له في الأسماء المعربة ولا تركيبه مزجا لأنه لا يركب كذلك أسماء كثيرة وجوز يونس إعرابه ممنوعا
740 وما سمي منها باسم غير حرف الهجاء فإن كان فيه اللام انجر نحو الأنفال والأعراف والأنعام وإلا منع الصرف إن لم يضف إليه سورة نحو هذه هود ونوح وقرأت هود ونوح وإن أضفت بقي على ما كان عليه قبل فإن كان فيه ما يوجب المنع منع نحو قرأت سورة يونس وإلا صرف نحو سورة نوح وسورة هود انتهى ملخصا خاتمة
741 قسم القرآن إلى أربعة أقسام وجعل لكل قسم منه اسم أخرج أحمد وغيره من حديث واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أعطيت مكان التوراة السبع الطول وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل وسيأتي مزيد كلام في النوع الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى
742 وفي جمال القراء قال بعض السلف في القرآن ميادين وبساتين
____________________
(1/158)
ومقاصير وعرائس وديابيح ورياض فميادينه ما افتتح ب الم وبساتينه ما افتتح ب الر ومقاصيره الحامدات وعرائسه المسبحات وديابيجه آل عمران ورياضه المفصل وقالوا الطواسيم والطواسين وآل حم والحواميم
743 قلت وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال الحواميم ديباج القرآن قال السخاوي وقوارع القرآن الآيات التي يتعوذ بها ويتحصن سميت بذلك لأنها تقرع الشيطان وتدفعه وتقمعه كآية الكرسي والمعوذتين ونحوها
744 قلت وفي مسند أحمد من حديث معاذ بن أنس مرفوعا آية العز { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } الآية
____________________
(1/159)
النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه
745 قال الديرعاقولي في فوائده حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء
746 قال الخطابي إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن . . . الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور القول في جمع القرآن ثلاث مرات
747 وقال الحاكم في المستدرك جمع القرآن ثلاث مرات
إحداها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع . . . الحديث
748 قال البيهقي يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم
749 الثانية بحضرة أبي بكر روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو
____________________
(1/160)
بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر وهو والله خير فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر قال زيد قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره { لقد جاءكم رسول } حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر
750 وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين قال قال علي لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه
قال ابن حجر هذا الأثر ضعيف لانقطاعه وبتقدير صحته فمراده بجمعه حفظه في صدره وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد
751 قلت ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله حدثنا بشر ابن موسى حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر قد كره بيعتك فأرسل إليه فقال أكرهت بيعتي قال لا والله قال ما أقعدك عني قال رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر فإنك نعم ما رأيت قال محمد فقلت لعكرمة الفوه كما أنزل
____________________
(1/161)
الأول فالأول قال لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا
752 وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه
753 وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان قتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف إسناده منقطع والمراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه
754 قلت ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه فقال بعضهم سموه السفر قال ذلك اسم تسميه اليهود فكرهوه فقال رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر
755 وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قدم عمر فقال من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط
756 وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه رجاله ثقات مع انقطاعه
757 قال ابن حجر وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب
758 وقال السخاوي في جمال القراء المراد أنهما يشهدان على أن ذلك
____________________
(1/162)
المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن
759 قال أبو شامة وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لا من مجرد الحفظ قال ولذلك قال في آخر سورة التوبة لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة
760 قلت أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر
761 وقد أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت فقال أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده
762 وقال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء
763 قال فإن قيل كيف وقعت الثقة بأصحاب القاع وصدور الرجال قيل لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه
764 وقد تقدم في حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف وفي
____________________
(1/163)
رواية والرقاع وفي أخرى وقطع الأديم وفي أخرى والأكتاف وفي أخرى والأضلاع وفي أخرى والأقتاب فالعسب جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض واللخاف بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق وقال الخطابي صفائح الحجارة والرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه والأقتاب جمع قتب هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه
765 وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل
766 وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف
767 قال ابن حجر ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده
قال والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا قيل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة
768 قال الحاكم والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة
____________________
(1/164)
إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق قال زيد فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فألحقناها في سورتها في المصحف
769 قال ابن حجر وكان ذلك في سنة خمس وعشرين قال وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستندا انتهى
770 وأخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما فاجتمعوا فكتبوا فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية قالوا هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا فيقول كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا
771 وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه قال محمد فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله
772 وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال قال
____________________
(1/165)
علي لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا قال ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول إن قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد يكون كفرا قلنا فما ترى قال أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف قلنا نعم ما رأيت
773 قال ابن التين وغيره الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة
774 وقال القاضي أبو بكر في الانتصار لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد
775 وقال الحارث المحاسبي المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى الجمع من الحملة فهو الصديق وقد قال علي لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها
انتهى
____________________
(1/166)
فائدة
776 اختلف في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة
777 وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال أرسل عثمان أربعة مصاحف
778 قال ابن أبي داود وسمعت أبا حاتم السجستاني يقول كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا 1 - فصل
779 الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين انتهى
وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه
780 وأما النصوص فمنها حديث زيد السابق كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع
781 ومنها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر { بسم الله الرحمن الرحيم } ووضعتموها في السبع الطول فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر { بسم الله الرحمن الرحيم } ووضعتها في السبع الطول
____________________
(1/167)
782 ومنها ما أخرجه أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } إلى آخرها
783 ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال قلت لعثمان { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها قال يابن أخي لا أغير شيئا منه من مكانه
784 ومنها ما رواه مسلم عن عمر قال ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء
785 ومنها الأحاديث في خواتيم سورة البقرة
786 ومنها ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعا من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف
787 ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالا ما ثبت من قراءته صلى الله عليه وسلم لسور عديدة كسورة البقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة والأعراف في صحيح البخاري أنه قرأها في المغرب
788 و { قد أفلح } روى النسائي أنه قرأها في الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أخذته سعلة فركع
789 والروم روى الطبراني أنه قرأها في الصبح
790 و { الم تنزيل } و { هل أتى على الإنسان } روى الشيخان أنه كان يقرؤهما في صبح الجمعة
791 و { ق } في صحيح مسلم أنه كان يقرؤها في الخطبة
792 و { الرحمن } في المستدرك وغيره أنه قرأها على الجن
____________________
(1/168)
793 و { النجم } في الصحيح قرأها بمكة على الكفار وسجد في آخرها
794 و { اقتربت } عند مسلم أنه كان يقرؤها مع { ق } في العيد
795 والجمعة والمنافقون في مسلم أنه كان يقرأ بهما في صلاة الجمعة
796 والصف في المستدرك عن عبد الله بن سلام أنه صلى الله عليه وسلم قرأها عليهم حين أنزلت حتى ختمها في سور شتى من المفصل تدل قراءته صلى الله عليه وسلم لها بمشهد من الصحابة أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على خلافه فبلغ ذلك مبلغ التواتر ابن خزيمة
797 نعم يشكل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال أتى الحارث ابن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها
798 قال ابن حجر ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك إلا بتوقيف
799 قلت يعارضه ما أخرجه ابن أبي داود أيضا من طريق أبي العالية عن أبي بن كعب أنهم جمعوا القرآن فلما انتهوا إلى الآية التي في سورة براءة { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون } ظنوا أن هذا آخر ما أنزل فقال أبي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعد هذا آيتين { لقد جاءكم رسول } إلى آخر السورة
800 وقال مكي وغيره ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة
801 وقال القاضي أبو بكر في الانتصار ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا
802 وقال أيضا الذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه ولم ينسخه ولا رفع تلاوته بعد نزوله هو هذا الذي بين الدفتين الذي
____________________
(1/169)
حواه مصحف عثمان وأنه لم ينقص منه شيء ولا زيد فيه وأن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى ورتبه عليه رسوله من آي السور لم يقدم من ذلك مؤخر ولا أخر منه مقدم وإن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب آي كل سورة ومواضعها وعرفت مواقعها كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة وإنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب سوره وأن يكون قد وكل ذلك إلى الأمة بعده ولم يتول ذلك بنفسه قال وهذا الثاني أقرب
803 وأخرج . . . عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم
804 وقال البغوي في شرح السنة الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن قدموا شيئا أو أخروا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة
805 وقال ابن الحصار ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف 2 - فصل
806 وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضا أو هو باجتهاد من الصحابة خلاف فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في قوليه
____________________
(1/170)
807 قال ابن فارس جمع القرآن على ضربين أحدهما تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا هو الذي تولته الصحابة وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات في السور فهو توقيفي تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه ومما استدل به لذلك اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور فمنهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي كان أوله اقرأ ثم المدثر ثم ن ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني وكان أول مصحف ابن مسعود البقرة ثم النساء ثم آل عمران على اختلاف شديد وكذا مصحف أبي وغيره
808 وأخرج ابن أشته في المصاحف من طريق إسماعيل بن عياش عن حبان ابن يحيى عن أبي محمد القرشي قال أمرهم عثمان أن يتابعوا الطوال فجعلت سورة الأنفال وسورة التوبة في السبع ولم يفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم
وذهب إلى الأول جماعة منهم القاضي في أحد قوليه
809 قال أبو بكر الأنباري أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا لمستخبر ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن
810 وقال الكرماني في البرهان ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب وعليه كان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين وكان آخر الآيات نزولا { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين
811 وقال الطيبي أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقا على حسب المصالح ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ
812 قال الزركشي في البرهان والخلاف بين الفريقين لفظي لأن القائل بالثاني يقول إنه رمز إليهم بذلك ليعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال مالك إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي أو بمجرد استناد فعلي
____________________
(1/171)
بحيث بقي لهم فيه مجال للنظر وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير
813 وقال البيهقي في المدخل كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق
814 ومال ابن عطية إلى أن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وإن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده
815 وقال أبو جعفر بن الزبير الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف كقوله اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران (1) وكحديث سعيد بن خالد قرأ صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة + رواه ابن أبي شيبة في مصنفه + وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع المفصل في ركعة
816 وروى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها
817 وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ { قل هو الله أحد } والمعوذتين
818 وقال أبو جعفر النحاس المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث واثلة أعطيت مكان التوراة السبع الطوال . . . الحديث
قال فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ذلك الوقت وإنما جمع في المصحف على شيء واحد لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن
819 وقال ابن الحصار ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي
820 وقال ابن حجر ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا قال ومما يدل على أن ترتيبها توقيفي ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي قال كنت في الوفد الذين أسلموا من
____________________
1- رواه مسلم
(1/172)
ثقيف . . . الحديث وفيه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرأ علي حزبي من القرآن فأردت ألا أخرج حتى أقضيه فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا كيف تحزبون القرآن قالوا نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى نختم قال فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه
821 قلت ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته صلى الله عليه وسلم سورا ولاء على أن ترتيبها كذلك وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب فلعله فعل ذلك لبيان الجواز
822 وأخرج ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان ابن بلال قال سمعت ربيعة يسأل لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة وإنما أنزلتا بالمدينة فقال قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به ومن كان معه فيه واجتماعهم على علمهم بذلك فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه خاتمة
823 السبع الطوال أولها البقرة وآخرها براءة كذا قال جماعة لكن أخرج الحاكم والنسائي وغيرهما عن ابن عباس قال السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف قال الراوي وذكر السابعة فنسيتها وفي رواية صحيحة عن ابن أبي حاتم وغيره عن سعيد بن جبير أنها يونس وتقدم عن ابن عباس مثله في النوع الأول وفي رواية عند الحاكم أنها الكهف
824 والمئون ما وليها سميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها
825 والمثاني ما ولي المئين لأنها ثنتها أي كانت بعدها فهي لها ثوان
____________________
(1/173)
والمئون لها أوائل وقال الفراء هي السورة التي آيها أقل من مائة لأنها تثنى أكثر مما يثنى الطوال والمئون وقيل لتثنية الأمثال فيها بالعبر والخبر حكاه النكزاوي
826 وقال في جمال القراء هي السور التي ثنيت فيها القصص وقد تطلق على القرآن كله وعلى الفاتحة كما تقدم
827 والمفصل ما ولي المثاني من قصار السور سمي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة وقيل لقلة المنسوخ منه ولهذا يسمى بالمحكم أيضا كما روى البخاري عن سعيد بن جبير قال إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم وآخره سورة الناس بلا نزاع
828 واختلف في أوله على اثني عشر قولا
أحدها ق لحديث أوس السابق قريبا
الثاني الحجرات وصححه النووي
الثالث القتال عزاه الماوردي للأكثرين
الرابع الجاثية حكاه القاضي عياض
والخامس الصافات
السادس الصف
السابع تبارك حكى الثلاثة ابن أبي الصيف اليمني في نكته على التنبيه
الثامن الفتح حكاه الكمال الذماري في شرح التنبيه
التاسع الرحمن حكاه ابن السيد في أمياله على الموطأ
العاشر الإنسان
الحادي عشر سبح حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقي
الثاني عشر الضحى حكاه الخطابي ووجهه بأن القارئ يفصل بين هذه السور بالتكبير وعبارة الراغب في مفرداته المفصل من القرآن السبع الأخير فائدة
829 للمفصل طوال وأوساط وقصار قال ابن معن فطواله إلى عم وأوساطه منها إلى الضحى ومنها إلى آخر القرآن قصاره هذا أقرب ما قيل فيه
____________________
(1/174)
تنبيه
830 أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر عنده المفصل فقال وآي القرآن ليست بمفصل ولكن قولوا قصار السور وصغار السور وقد استدل بهذا على جواز أن يقال سورة قصيرة أو صغيرة وقد كره ذلك جماعة منهم أبو العالية ورخص فيه آخرون ذكره ابن أبي داود
831 وأخرج عن ابن سيرين وأبي العالية قالا لا تقل سورة خفيفة فإنه تعالى يقول { سنلقي عليك قولا ثقيلا } ولكن سورة يسيرة فائدة في ترتيب مصحفي أبي وابن مسعود
832 قال ابن أشتة في كتاب المصاحف أنبأنا محمد بن يعقوب حدثنا أبو داود حدثنا أبو جعفر الكوفي قال هذا تأليف مصحف أبي الحمد ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام ثم الأعراف ثم المائدة ثم يونس ثم الأنفال ثم براءة ثم هود ثم مريم ثم الشعراء ثم الحج ثم يوسف ثم الكهف ثم النحل ثم الأحزاب ثم بني إسرائيل ثم الزمر أولها حم ثم طه ثم الأنبياء ثم النور ثم المؤمنون ثم سبأ ثم العنكبوت ثم المؤمن ثم الرعد ثم القصص ثم النمل ثم الصافات ثم ص ثم يس ثم الحجر ثم حمعسق ثم الروم ثم الحديد ثم الفتح ثم القتال ثم الظهار ثم { تبارك } الملك ثم السجدة ثم { إنا أرسلنا نوحا } ثم الأحقاف ثم ق ثم { الرحمن } ثم الواقعة ثم الجن ثم النجم ثم { سأل سائل } ثم المزمل ثم المدثر ثم { اقتربت } ثم حم الدخان ثم لقمان ثم حم الجاثية ثم الطور ثم الذاريات ثم ن ثم الحاقة ثم الحشر ثم الممتحنة ثم المرسلات ثم { عم يتساءلون } ثم { لا أقسم بيوم القيامة } ثم { إذا الشمس كورت } ثم { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } ثم النازعات ثم التغابن ثم عبس ثم المطففين ثم { إذا السماء انشقت } ثم { والتين والزيتون } ثم { اقرأ باسم ربك } ثم الحجرات ثم المنافقون ثم الجمعة ثم { لم تحرم } ثم الفجر ثم { لا أقسم بهذا البلد } ثم { والليل } ثم { إذا السماء انفطرت } ثم { والشمس }
____________________
(1/175)
{ وضحاها } ) ثم { والسماء والطارق } ثم { سبح اسم ربك } ثم الغاشية ثم الصف ثم سورة أهل الكتاب وهي { لم يكن } ثم الضحى ثم { ألم نشرح } ثم القارعة ثم التكاثر ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم { ويل لكل همزة } ثم { إذا زلزلت } ثم العاديات ثم الفيل ثم { لإيلاف } ثم { أرأيت } ثم { إنا أعطيناك } ثم القدر ثم الكافرون ثم { إذا جاء نصر الله } ثم { تبت } ثم الصمد ثم الفلق ثم الناس
833 قال ابن أشته أيضا وأخبرنا أبو الحسن بن نافع أن أبا جعفر محمد بن عمرو بن موسى حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم حدثنا علي بن مهران الطائي حدثنا جرير بن عبد الحميد قال تأليف مصحف عبد الله بن مسعود
الطوال البقرة والنساء وآل عمران والأعراف والأنعام والمائدة ويونس
والمئين براءة والنحل وهود ويوسف والكهف وبني إسرائيل والأنبياء وطه والمؤمنون والشعراء والصافات
والمثاني الأحزاب والحج والقصص وطس النمل والنور والأنفال ومريم والعنكبوت والروم ويس والفرقان والحجر والرعد وسبأ والملائكة وإبراهيم وص و { الذين كفروا } ولقمان والزمر والحواميم حم المؤمن والزخرف والسجدة وحمعسق والأحقاف والجاثية والدخان و { إنا فتحنا لك } والحشر وتنزيل السجدة والطلاق ون والقلم والحجرات وتبارك والتغابن و { إذا جاءك المنافقون } والجمعة والصف و { قل أوحي } و { إنا أرسلنا } والمجادلة والممتحنة و { يا أيها النبي لم تحرم }
والمفصل الرحمن والنجم والطور والذاريات و { اقتربت الساعة } والواقعة والنازعات و { سأل سائل } والمدثر والمزمل والمطففين وعبس و { هل أتى } والمرسلات والقيامة و { عم يتساءلون } و { إذا الشمس كورت } و { إذا السماء انفطرت } والغاشية و { سبح } والليل والفجر والبروج و { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } والبلد والضحى والطارق والعاديات و { أرأيت } والقارعة و { لم يكن } و { والشمس وضحاها } والتين و { ويل لكل همزة } و { ألم تر كيف } و { لإيلاف قريش } و { ألهاكم } و { إنا أنزلناه } و { إذا زلزلت } والعصر و { إذا جاء نصر الله } والكوثر و { قل يا أيها الكافرون } و { تبت } و { قل هو الله أحد } و { ألم نشرح } وليس فيه الحمد ولا المعوذتان
____________________
(1/176)
النوع التاسع عشر في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه
834 أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به وقيل وثلاث عشرة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة
835 أخرج أبو الشيخ عن أبي روق قال الأنفال وبراءة سورة واحدة
836 وأخرج عن أبي رجاء قال سألت الحسن عن الأنفال وبراءة سورتان أم سورة قال سورتان
837 ونقل مثل قول أبي روق عن مجاهد وأخرجه ابن أبي حاتم عن سفيان
838 وأخرج ابن أشته عن ابن لهيعة قال يقولون إن براءة من { يسألونك } وإنما لم تكتب براءة { بسم الله الرحمن الرحيم } لأنها من { يسألونك } وشبهتهم اشتباه الطرفين وعدم البسملة ويرده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم كلا منهما
839 ونقل صاحب الإقناع أن البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود قال ولا يؤخذ بهذا
840 قال القشيري الصحيح أن التسمية لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها فيها
841 وفي المستدرك عن ابن عباس قال سألت علي بن أبي طالب لم لم تكتب في براءة { بسم الله الرحمن الرحيم } قال لأنها أمان وبراءة نزلت بالسيف
842 وعن مالك أن أولها لما سقط سقط معه البسملة فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها
____________________
(1/177)
843 وفي مصحف ابن مسعود مائة وإثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع
844 أخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال كتب أبي بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين واللهم إنا نستعينك واللهم إياك نعبد وتركهن ابن مسعود وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين
845 وأخرج الطبراني في الدعاء من طريق عباد بن يعقوب الأسدي عن يحيى بن يعلى الأسلمي عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن عبد الله بن زرير الغافقي قال قال لي عبد الملك بن مروان لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جاف فقلت والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك ولقد علمني منه علي بن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمتهما أنت ولا أبوك اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق
846 وأخرج البيهقي من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق
847 قال ابن جريج حكمة البسملة أنهما سورتان في مصحف بعض الصحابة
848 وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن أبي بن كعب أنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما وأنه كان يكتبهما في مصحفه
849 وقال ابن الضريس أنبأنا أحمد بن جميل المروزي عن عبد الله بن المبارك أنبأنا الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال في مصحف ابن عباس قراءة أبي وأبي موسى بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك وفيه اللهم
____________________
(1/178)
إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجو رحمتك إن عذابك بالكفار ملحق
850 وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال أمنا أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين إنا نستعينك ونستغفرك
851 وأخرج البيهقي وأبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران أن جبريل نزل بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة مع قوله { ليس لك من الأمر شيء } الآية لما قنت يدعو على مضر تنبيه
852 كذا نقل جماعة عن مصحف أبي أنه ست عشرة سورة والصواب أنه خمس عشرة فإن سورة الفيل وسورة لإيلاف قريش فيه سورة واحدة ونقل ذلك عن السخاوي في جمال القراء عن جعفر الصادق وأبي نهيك أيضا
853 قلت ويرده ما أخرجه الحاكم والطبراني من حديث أم هاني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضل الله قريشا بسبع . . . الحديث وفيه وإن الله أنزل فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها معهم غيرهم لإيلاف قريش
854 وفي كامل الهذلي عن بعضهم أنه قال الضحى وألم نشرح سورة واحدة نقله الإمام الرازي في تفسيره عن طاوس وعمر بن عبد العزيز وغيره من المفسرين فائدة
855 قيل الحكمة في تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمجردها معجزة وآية من آيات الله والإشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل فسورة يوسف تترجم عن قصته وسورة براءة تترجم عن أحوال المنافقين وأسرارهم إلى غير ذلك وسورت السور طوالا وأوساطا وقصارا تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات وهي معجزة إعجاز سورة البقرة ثم ظهرت لذلك حكمة في التعليم وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيرا من الله على عباده لحفظ كتابه
____________________
(1/179)
856 قال الزركشي في البرهان فإن قلت فهلا كانت الكتب السالفة كذلك قلت لوجهين أحدهما أنها لم تكن معجزات من جهة النظم والترتيب والآخر أنها لم تيسر للحفظ لكن ذكر الزمخشري ما يخالفه فقال في الكشاف
الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سورا كثيرة وكذلك أنزل الله التوراة والإنجيل والزبور وما أوحاه إلى أنبيائه مسورة وبوب المصنفون في كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع وأصناف كان أحسن وأفخم من أن يكون بابا واحدا ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على التحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله ومثله المسافر إذا قطع ميلا أو فرسخا وإنتهى إلى رأس برية نفس ذلك منه ونشط للسير ومن ثم جزيء القرآن أجزاء وأخماسا ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة إعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيعظم عنده ما حفظه ومنه حديث أنس كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة أفضل ومنها التفصيل بسبب تلاحق الأشكال والنظائر وملائمة بعضها لبعض وبذلك تتلاحظ المعاني والنظم إلى غير ذلك من الفوائد انتهى
857 وما ذكره الزمخشري من تسوير سائر الكتب هو الصحيح أو الصواب فقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود وذكروا أن في الإنجيل سورة تسمى سورة الأمثال فصل في عد الآي
858 أفرده جماعة من القراء بالتصنيف قال الجعبري حد الآية قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدإ أو مقطع مندرج في سورة وأصلها العلامة ومنه { إن آية ملكه } لأنها علامة للفضل والصدق أو الجماعة لأنها جماعة كلمة
859 وقال غيره الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها
____________________
(1/180)
860 وقيل هي الواحدة من المعدودات في السور سميت به لأنها علامة على صدق من أتى بها وعلى عجز المتحدى بها
861 وقيل لأنها علامة على علامة إنقطاع ما قبلها من الكلام وانقطاعه مما بعدها
862 قال الواحدي وبعض أصحابنا يجوز على هذا القول تسمية أقل من الآية آية لولا أن التوقيف ورد بما هي عليه الآن
863 وقال أبو عمرو الداني لا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله { مدهامتان }
864 وقال غيره بل فيه غيرها مثل { والنجم } { والضحى } { والعصر } وكذا فواتح السور عند من عدها
865 قال بعضهم الصحيح أن الآية إنما تعلم بتوقيف من الشارع كمعرفة السورة قال فالآية طائفة من حروف القرآن علم بالتوقيف إنقطاعها يعني عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن وعن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن وعما قبلها وما بعدها في غيرهما غير مشتمل على مثل ذلك قال وبهذا القيد خرجت السورة
866 وقال الزمخشري الآيات علم توقيفي لا مجال للقياس فيه ولذلك عدوا { الم } آية حيث وقعت و { المص } ولم يعدوا { المر } و { الر } وعدوا { حم } آية في سورها و { طه } و { يس } ولم يعدوا { طس }
867 قلت ومما يدل على أنه توقيفي ما أخرجه أحمد في مسنده من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود قال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من الثلاثين من آل حم قال يعني الأحقاف قال وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت الثلاثين . . . الحديث
868 وقال ابن العربي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة سبع آيات وسورة الملك ثلاثون آية وصح أنه قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران قال وتعديد
____________________
(1/181)
الآي من معضلات القرآن ومن آياته طويل وقصير ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام ومنه ما يكون في أثنائه
869 وقال غيره سبب اختلاف السلف في عدد الآي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف فإذا علم محلها وصل للتمام فيحسب السامع حينئذ أنها ليست فاصلة
870 وقد أخرج ابن الضريس من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال جميع آي القرآن ستة آلاف وستمائة وست عشرة آية وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وواحد وسبعون حرفا
871 قال الداني أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك فمنهم من لم يزد ومنهم من قال ومائتا آية وأربع آيات وقيل وأربع عشرة وقيل وتسع عشرة وقيل وخمس وعشرون وقيل وست وثلاثون
872 قلت أخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق الفيض بن وثيق عن فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس مرفوعا درج الجنة على قدر آي القرآن بكل آية درجة فتلك ستة آلاف آية ومائتا آية وست عشرة آية بين كل درجتين مقدار ما بين السماء والأرض الفيض قال فيه ابن معين كذاب خبيث
873 وفي الشعب للبيهقي من حديث عائشة مرفوعا عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة قال الحاكم إسناده صحيح لكنه شاذ وأخرجه الآجري في حملة القرآن من وجه آخر عنها موقوفا
874 قال أبو عبد الله الموصلي في شرح قصيدته ذات الرشد في العدد إختلف في عد الآي أهل المدينة ومكة والشام والبصرة والكوفة ولأهل المدينة عددان عدد أول وهو عدد أبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح وعدد آخر وهو عدد إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري وأما عدد أهل مكة فهو مروي عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب وأما عدد أهل الشام فرواه هارون بن موسى الأخفش وغيره عن عبد الله بن ذكوان وأحمد بن يزيد الحلواني وغيره عن هشام بن عمار ورواه ابن ذكوان وهشام عن أيوب بن تميم القارئ عن يحيى بن الحارث الذماري قال هذا العدد الذي نعده عدد أهل الشام
____________________
(1/182)
مما رواه المشيخة لنا عن الصحابة ورواه عبد الله بن عامر اليحصبي لنا وغيره عن أبي الدرداء وأما عدد أهل البصرة فمداره على عاصم بن العجاج الجحدري وأما عدد أهل الكوفة فهو المضاف إلى حمزة بن حبيب الزيات وأبي الحسن الكسائي وخلف بن هشام قال حمزة أخبرنا بهذا العدد ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب
875 قال الموصلي ثم سور القرآن على ثلاثة أقسام قسم لم يختلف فيه لا في إجمال ولا في تفصيل وقسم اختلف فيه تفصيلا لا إجمالا وقسم اختلف فيه جمالا وتفصيلا
فالأول أربعون سورة يوسف مائة وإحدى عشرة الحجر تسع وتسعون النحل مائة وثمانية وعشرون الفرقان سبع وسبعون الأحزاب ثلاثة وسبعون الفتح تسع وعشرون الحجرات والتغابن ثمان عشرة ق خمس وأربعون الذاريات ستون القمر خمس وخمسون الحشر أربع وعشرون الممتحنة ثلاث عشرة الصف أربع عشرة الجمعة والمنافقون والضحى والعاديات إحدى عشرة التحريم اثنتا عشرة ن اثنتان وخمسون الإنسان إحدى وثلاثون المرسلات خمسون التكوير تسع وعشرون الانفطار وسبح تسع عشرة التطفيف ست وثلاثون البروج اثنتان وعشرون الغاشية ست وعشرون البلد عشرون الليل إحدى وعشرون ألم نشرح والتين وألهاكم ثمان الهمزة تسع الفيل والفلق وتبت خمس الكافرون ست الكوثر والنصر ثلاث
876 والقسم الثاني أربع سور القصص ثمان وثمانون عد أهل الكوفة طسم والباقون بدلها { أمة من الناس يسقون }
877 العنكبوت تسع وستون عد أهل الكوفة الم والبصرة بدلها { مخلصين له الدين } والشام { وتقطعون السبيل }
878 الجن ثمان وعشرون عد المكي { لن يجيرني من الله أحد } والباقون بدلها { ولن أجد من دونه ملتحدا }
____________________
(1/183)
879 العصر ثلاث عد المدني الأخير { وتواصوا بالحق } دون { والعصر } وعكس الباقون
880 والقسم الثالث سبعون سورة
الفاتحة الجمهور سبع فعد الكوفي والمكي البسملة دون أنعمت عليهم وعكس الباقون وقال الحسن ثمان فعدهما وبعضهم ست فلم يعدهما وآخر تسع فعدهما و { إياك نعبد }
881 ويقوي الأول ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة والحاكم والدارقطني وغيرهم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } فقطعها آية آية وعدها عد الأعراب وعد { بسم الله الرحمن الرحيم } آية ولم يعد { عليهم }
882 وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن عبد خير قال سئل علي عن السبع المثاني فقال { الحمد لله رب العالمين } فقيل له إنما هي ست آيات فقال { بسم الله الرحمن الرحيم } آية
883 البقرة مائتان وثمانون وخمس وقيل ست وقيل سبع
884 آل عمران مائتان وقيل إلا آية
885 النساء مائة وسبعون وخمس وقيل ست وقيل سبع
886 المائدة مائة وعشرون وقيل واثنتان وقيل وثلاث
887 الأنعام مائة وسبعون وخمس وقيل ست وقيل سبع
888 الأعراف مائتان وخمس وقيل ست
889 الأنفال سبعون وخمس وقيل ست وقيل سبع
890 براءة مائة وثلاثون وقيل إلا آية
891 يونس مائة وعشرة وقيل إلا آية
____________________
(1/184)
892 هود مائة وإحدى وعشرون وقيل اثنتان وقيل ثلاث
893 الرعد أربعون وثلاث وقيل أربع وقيل سبع
894 إبراهيم إحدى وخمسون وقيل اثنتان وقيل أربع وقيل خمس
895 الإسراء مائة وعشر وقيل وإحدى عشرة
896 الكهف مائة وخمس وقيل وست وقيل وعشر وقيل إحدى عشرة
897 مريم تسعون وتسع وقيل ثمان
898 طه مائة وثلاثون واثنتان وقيل أربع وقيل خمس وقيل وأربعون
899 الأنبياء مائة وإحدى عشرة وقيل واثنتا عشرة
900 الحج سبعون وأربع وقيل خمس وقيل ست وقيل ثمان
901 قد أفلح مائة وثمان عشرة وقيل تسع عشرة
902 النور ستون واثنتان وقيل أربع
903 الشعراء مائتان وعشرون وست وقيل سبع
904 النمل تسعون واثنتان وقيل أربع وقيل خمس
905 الروم ستون وقيل إلا آية
906 لقمان ثلاثون وثلاث وقيل أربع
907 السجدة ثلاثون وقيل إلا آية
908 سبأ خمسون وأربع وقيل خمس
909 فاطر أربعون وست وقيل خمس
910 يس ثمانون وثلاث وقيل اثنتان
911 الصافات مائة وثمانون وآية وقيل آيتان
912 ص ثمانون وخمس وقيل ست وقيل ثمان
____________________
(1/185)
913 الزمر سبعون وآيتان وقيل ثلاث وقيل خمس
914 غافر ثمانون وآيتان وقيل أربع وقيل خمس وقيل ست
915 فصلت خمسون واثنتان وقيل ثلاث وقيل أربع
916 الشورى خمسون وقيل ثلاث
917 الزخرف ثمانون وتسع وقيل ثمان
918 الدخان خمسون وست وقيل سبع وقيل تسع
919 الجاثية ثلاثون وست وقيل سبع
920 الأحقاف ثلاثون وأربع وقيل خمس
921 القتال أربعون وقيل إلا آية وقيل إلا آيتين
922 الطور أربعون وسبع وقيل ثمان وقيل تسع
923 النجم إحدى وستون وقيل اثنتان
924 الرحمن سبعون وسبع وقيل ست وقيل ثمان
925 الواقعة تسعون وتسع وقيل سبع قيل ست
926 الحديد ثلاثون وثمان وقيل تسع
927 قد سمع اثنتان وقيل إحدى وعشرون
928 الطلاق إحدى وقيل إثنتا عشرة
929 تبارك ثلاثون وقيل إحدى وثلاثون بعد { قالوا بلى قد جاءنا نذير }
930 قال الموصلي والصحيح الأول
931 قال ابن شنبوذ ولا يسوغ لأحد خلافة للأخبار الواردة في ذلك
932 أخرج أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها حتى غفر له { تبارك الذي بيده الملك }
____________________
(1/186)
933 وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة في القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي سورة تبارك
934 الحاقة إحدى وقيل اثنتان وخمسون
935 المعارج أربعون وأربع وقيل ثلاث
936 نوح ثلاثون وقيل إلا آية وقيل إلا آيتين
937 المزمل عشرون وقيل إلا آية وقيل إلا آيتين
938 المدثر خمسون وخمس وقيل ست
939 القيامة أربعون وقيل إلا آية
940 عم أربعون وقيل وآية
941 النازعات أربعون وخمس وقيل ست
942 عبس أربعون وقيل وآية وقيل وآيتان
943 الإنشقاق عشرون وثلاث وقيل أربع وقيل خمس
944 الطارق سبع عشرة وقيل ست عشرة
945 الفجر ثلاثون وقيل إلا آية وقيل اثنتان وثلاثون
946 الشمس خمس عشرة وقيل ست عشرة
947 اقرأ عشرون وقيل إلا آية
948 القدر خمس وقيل ست
949 لم يكن ثمان وقيل تسع
950 الزلزلة تسع وقيل ثمان
951 القارعة ثمان وقيل عشر وقيل إحدى عشرة
952 قريش أربع وقيل خمس
953 أرأيت سبع وقيل ست
954 الإخلاص أربع وقيل خمس
____________________
(1/187)
955 الناس سبع وقيل ست ضوابط
956 البسملة نزلت مع السورة في بعض الأحرف السبعة من قرأ بحرف نزلت فيه عدها ومن قرأ بغير ذلك لم يعدها
957 وعد أهل الكوفة ألم حيث وقع آية وكذا المص وطه وكهيعص وطسم ويس وحم وعدوا حمعسق آيتين ومن عداهم لم يعد شيئا من ذلك
958 وأجمع أهل العدد على أنه لا يعد ألر حيث وقع آية وكذا ألمر وطس وص وق ون ثم منهم من علل بالأثر وإتباع المنقول وأنه أمر لا قياس فيه ومنهم من قال لم يعدوا ص ون وق لأنها على حرف واحد ولا طس لأنها خالفت أخويها بحذف الميم ولأنها تشبه المفرد كقابيل ويس وإن كانت بهذا الوزن لكن أولها ياء فأشبهت الجمع إذ ليس لنا مفرد أوله ياء ولم يعدوا ألر بخلاف ألم لأنها أشبه بالفواصل من ألر وكذلك أجمعوا على عد { يا أيها المدثر } آية لمشاكلته الفواصل بعده واختلفوا في { يا أيها المزمل }
959 قال الموصلي وعدوا قوله { ثم نظر } آية وليس في القرآن أقصر منها أما مثلها فعم والفجر والضحى تذنيب
960 نظم علي بن محمد الغالي أرجوزة في القرائن والأخوات ضمنها السور التي اتفقت في عدة الآي كالفاتحة والماعون وكالرحمن والأنفال وكيوسف والكهف والأنبياء وذلك معروف مما تقدم 1 - فائدة
961 يترتب على معرفة الآي وعدها وفواصلها أحكام فقهية
منها اعتبارها فيمن جهل الفاتحة فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات
ومنها اعتبارها في الخطبة فإنه يجب فيها قراءة آية كاملة ولا يكفي شطرها إن لم تكن طويلة وكذا الطويلة على ما أطلقه الجمهور وها هنا بحث وهو أن ما إختلف في كونه آخر آية هل تكفي القراءة به في الخطبة محل نظر ولم أر من ذكره
____________________
(1/188)
ومنها اعتبارها في السورة التي تقرأ في الصلاة أو ما يقوم مقامها ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة
ومنها اعتبارها في قراءة قيام الليل ففي أحاديث من قرأ بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ بخمسين آية في ليلة كتب من الحافظين ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ بمائتي آية كتب من الفائزين ومن قرأ بثلاثمائة آية كتب له قنطار من الأجر ومن قرأ بخمسمائة وسبعمائة وألف آية . . . أخرجها الدارمي في مسنده مفرقة
ومنها اعتبارها في الوقف عليها كما سيأتي
962 وقال الهذلي في كامله أعلم أن قوما جهلوا العدد وما فيه من الفوائد حتى قال الزعفراني العدد ليس بعلم وإنما اشتغل به بعضهم ليروج به سوقه قال وليس كذلك ففيه من الفوائد معرفة الوقف ولأن الإجماع انعقد على أن الصلاة لا تصح بنصف آية وقال جمع من العلماء تجزئ بآية وآخرون بثلاثة آيات وآخرون لا بد من سبع والإعجاز لا يقع بدون آية فللعدد فائدة عظيمة في ذلك انتهى 2 - فائدة ثانية
963 ذكر الآيات في الأحاديث والآثار أكثر من أن يحصى كالأحاديث في الفاتحة وأربع آيات من أول البقرة وآية الكرسي والآيتين خاتمة البقرة وكحديث اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } و { الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم }
964 وفي البخاري عن ابن عباس إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام { قد خسر الذين قتلوا أولادهم } إلى قوله { مهتدين }
965 وفي مسند أبي يعلى عن المسور بن مخرمة قال قلت لعبد الرحمن ابن عوف يا خال أخبرنا عن قصتكم يوم أحد قال اقرأ بعد العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال }
____________________
(1/189)
1 - فصل
966 وعد قوم كلمات القرآن سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربعا وثلاثين كلمة وقيل وأربعمائة وسبع وثلاثون ومائتان وسبع وسبعون وقيل غير ذلك
967 قيل وسبب الاختلاف في عد الكلمات أن الكلمة لها حقيقة ومجاز ولفظ ورسم واعتبار كل منها جائز وكل من العلماء اعتبر أحد الجوائز 2 - فصل
968 وتقدم عن ابن عباس عد حروفه وفيه أقوال أخر والاشتغال باستيعاب ذلك مما لا طائل تحته وقد استوعبه ابن الجوزي في فنون الأفنان وعد الأنصاف والأثلاث إلى الأعشار وأوسع القول في ذلك فراجعه منه فإن كتابنا موضوع للمهمات لا لمثل هذه البطالات
969 وقد قال السخاوي لا أعلم لعدد الكلمات والحروف من فائدة لأن ذلك إن أفاد فإنما يفيد في كتاب يمكن فيه الزيادة والنقصان والقرآن لا يمكن فيه ذلك
970 ومن الأحاديث في اعتبار الحروف ما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف
971 وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين رجاله ثقات إلا شيخ الطبراني محمد بن عبيد بن آدم أبي إياس تكلم فيه الذهبي لهذا الحديث وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد فائدة
972 قال بعض القراء القرآن العظيم له أنصاف باعتبارات فنصفه بالحروف النون من { نكرا } في الكهف والكاف من النصف الثاني
____________________
(1/190)
ونصفه بالكلمات الدال من قوله { والجلود } في الحج وقوله { ولهم مقامع } من النصف الثاني
ونصفه بالآيات { يأفكون } من سورة الشعراء وقوله { فألقي السحرة } من النصف الثاني
ونصفه على عداد السور آخر الحديد والمجادلة من النصف الثاني
وهو عشرة بالأحزاب وقيل إن النصف بالحروف الكاف من { نكرا } وقيل الفاء من قوله { وليتلطف }
____________________
(1/191)
النوع العشرون في معرفة حفاظه ورواته
973 روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب أي تعلموا منهم والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبتدأ بهما واثنان من الأنصار وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ومعاذ هو ابن جبل قال الكرماني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد الإعلام بما يكون بعده أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك
974 وتعقب بأنهم لم ينفردوا بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة ومات معاذ في خلافة عمر ومات أبي وابن مسعود في خلافة عثمان وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة وعاش بعدهم زمنا طويلا فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ولا يلزم من ذلك ألا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن بل كان الذي يحفظون مثل الذي حفظوه وأزيد جماعة من الصحابة وفي الصحيح في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلا
975 وروى البخاري أيضا عن قتادة قال سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد قلت من أبو زيد قال أحد عمومتي
976 وروى أيضا من طريق ثابت عن أنس قال مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين أحدهما التصريح بصيغة الحصر في الأربعة
____________________
(1/192)
والآخر ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة
977 وقال المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البعد في العادة وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك
978 قال وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ولا متمسك لهم فيه فإنا لا نسلم حمله على ظاهره سلمناه ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك سلمناه لكن لا يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله ألا يكون حفظ مجموعة الجم الغفير وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه بل إذا حفظ الكل ولو على التوزيع كفى
979 وقال القرطبي قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد قال وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم
980 وقال القاضي أبو بكر الباقلاني الجواب عن حديث أنس من أوجه
أحدها أنه لا مفهوم له فلا يلزم ألا يكون غيرهم جمعه
الثاني المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك
الثالث لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك
الرابع أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بواسطة بخلاف غيرهم فيحتمل أن يكون تلقي بعضه بالواسطة
الخامس أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه وليس الأمر في نفس الأمر كذلك
السادس المراد بالجمع الكتابة فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلبه وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب
____________________
(1/193)
السابع المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت آخر آية فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع الكثير
الثامن أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه وقد أخرج أحمد في الزهد من طريق أبي الزاهرية أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال إن إبني جمع القرآن فقال اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع
981 قال ابن حجر وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ولا سيما الأخير قال وقد ظهر لي احتمال آخر وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من المهاجرين لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج كما أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس منا أربعة من اهتز له العرش سعد بن معاذ ومن عدلت شهادته رجلين خزيمة بن ثابت ومن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت فقال الخزرج منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم
قال والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أنه بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك قال وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وفراغ باله له وهما بمكة وكثرة ملازمة كل منهما للآخر حتى قالت عائشة إنه صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم بكرة وعشيا وقد صح حديث يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه صلى الله عليه وسلم في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار فدل على أنه كان أقرأهم انتهى
وسبقه إلى ذلك ابن كثير
982 قلت لكن أخرج ابن اشته في المصاحف بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال مات أبو بكر ولم يجمع القرآن وقتل عمر ولم يجمع القرآن قال ابن
____________________
(1/194)
أشته قال بعضهم يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا وقال بعضهم هو جمع المصاحف
983 قال ابن حجر وقد ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه ابن أبي داود
984 وأخرج النسائي بسند صحيح عن عبد الله بن عمر قال جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقرأه في شهر . . . الحديث
985 وأخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمد بن كعب القرظي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري
986 وأخرج البيهقي في المدخل عن ابن سيرين قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة لا يختلف فيهم معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد وأبو زيد واختلفوا في رجلين من ثلاثة أبي الدرداء وعثمان وقيل عثمان وتميم الداري
987 وأخرج هو وأبو داود عن الشعبي قال جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أبي وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعد بن عبيد وأبو زيد ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة
988 وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدا وابن مسعود وحذيفة وسالما وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة وعائشة وحفصة وأم سلمة ومن الأنصار عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ومجمع بن جارية وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد وصرح بأن بعضهم إنما أكمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس وعد ابن أبي داود منهم تميما الداري وعقبة بن عامر
وممن جمعه أيضا أبو موسى الأشعري ذكره أبو عمرو الداني تنبيه
989 أبو زيد المذكورفي حديث أنس اختلف في اسمه فقيل سعد ابن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عون ورد بأنه أوسي وأنس خزرجي وقد قال
____________________
(1/195)
إنه أحد عمومته وبأن الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم فدل على أنه غيره
990 وقال أبو أحمد العسكري لم يجمع القرآن من الأوس غير سعد بن عبيد وقال ابن حبيب في المحبر سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
991 وقال ابن حجر قد ذكر أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو وذكر أيضا سعد بن المنذر بن أوس ابن زهير وهو خزرجي لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد
992 قال ثم وجدت عند ابن أبي داود ما رفع الإشكال فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبا ونحن ورثناه
993 قال ابن أبي داود حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار قال ابن أبي داود مات قريبا من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا ومن الأقوال في اسمه ثابت وأوس ومعاذ فائدة
994 ظفرت بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك فأخرج ابن سعد في الطبقات أنبأنا الفضل بن دكين قال حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بدرا قالت له أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة قال إن الله مهد لك شهادة وكان صلى الله عليه وسلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن فغمها غلام لها وجارية كانت دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة
____________________
(1/196)
فصل في المشتهرين بالإقراء
995 المشتهرون بإقراء القرآن من الصحابة سبعة عثمان وعلي وأبي وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري كذا ذكرهم الذهبي في طبقات القراء قال وقد قرأ على أبي جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب وأخذ ابن عباس عن زيد أيضا وأخذ عنهم خلق من التابعين
996 فممن كان بالمدينة ابن المسيب وعروة وسالم وعمر بن عبد العزيز وسليمان وعطاء ابنا يسار ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وابن شهاب الزهري ومسلم بن جندب وزيد بن أسلم
997 وبمكة عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وعكرمة وابن أبي مليكة
998 وبالكوفة علقمة والأسود ومسروق وعبيدة وعمرو بن شرحبيل والحارث بن قيس والربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون وأبو عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش وعبيد بن نضيلة وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي
999 وبالبصرة أبو العالية وأبو رجاء ونصر بن عاصم ويحيى بن يعمر والحسن وابن سيرين وقتادة
1000 وبالشام المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان وخليفة ابن سعد صاحب أبي الدرداء
1001 ثم تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم فكان بالمدينة أبو جعفر يزيد بن القعقاع ثم شيبة بن نصاح ثم نافع بن أبي نعيم
1002 وبمكة عبد الله بن كثير وحميد بن قيس الأعرج ومحمد بن محيصن
1003 وبالكوفة يحيى بن وثاب وعاصم بن أبي النجود وسليمان الأعمش ثم حمزة ثم الكسائي
____________________
(1/197)
1004 وبالبصرة عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو عمر بن العلاء وعاصم الجحدري ثم يعقوب الحضرمي
1005 وبالشام عبد الله بن عامر وعطية بن قيس الكلابي وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر ثم يحيى بن الحارث الذماري ثم شريح بن يزيد الحضرمي
1006 واشتهر من هؤلاء في الآفاق الأئمة السبعة
1 نافع وقد أخذ عن سبعين من التابعين منهم أبو جعفر
2 وابن كثير وأخذ عن عبد الله بن السائب الصحابي
3 وأبو عمرو وأخذ عن التابعين
4 وابن عامر وأخذ عن أبي الدرداء وأصحاب عثمان
5 وعاصم وأخذ عن التابعين
6 وحمزة وأخذ عن عاصم والأعمش والسبيعي ومنصور بن المعتمر وغيره
7 والكسائي وأخذ عن حمزة وأبي بكر بن عياش
1007 ثم انتشرت القراءات في الأقطار وتفرقوا أمما بعد أمم واشتهر من رواة كل طريق من طرق السبعة راويان
فعن نافع قالون وورش عنه
وعن ابن كثير قنبل والبزي عن أصحابه عنه
وعن أبي عمرو الدوري والسوسي عن اليزيدي عنه
وعن ابن عامر هشام وابن ذكوان عن أصحابه عنه
وعن عاصم أبو بكر بن عياش وحفص عنه
وعن حمزة خلف وخلاد عن سليم عنه
وعن الكسائي الدوري وأبو الحارث
1008 ثم لما اتسع الخرق وكاد الباطل يلتبس بالحق قام جهابذة الأمة وبالغوا في الاجتهاد وجمعوا الحروف والقراءات وعزوا الوجوه والروايات وميزوا الصحيح والمشهور والشاذ باصول أصلوها وأركان فصلوها
1009 فأول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام ثم أحمد بن
____________________
(1/198)
جبير الكوفي ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون ثم أبو جعفر بن جرير الطبري ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجواني ثم أبو بكر بن مجاهد ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعا ومفردا وموجزا ومسهبا وأئمة القراءات لا تحصى
1010 وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي ثم حافظ القراءات أبو الخير ابن الجزري
____________________
(1/199)
النوع الحادي والعشرون في معرفة العالي والنازل من أسانيده
1011 أعلم أن طلب علو الإسناد سنة فإنه قرب إلى الله تعالى وقد قسمه أهل الحديث إلى خمسة أقسام ورأيتها تأتي هنا
الأول القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف وهو أفضل أنواع العلو وأجلها وأعلى ما يقع للشيوخ في هذا الزمان إسناد رجاله أربعة عشر رجلا وإنما يقع ذلك من قراءة ابن عامر من رواية ابن ذكوان ثم خمسة عشر وإنما يقع ذلك من قراءة عاصم من رواية حفص وقراءة يعقوب من رواية رويس
1012 الثاني من أقسام العلو عند المحدثين القرب إلى إمام من أئمة الحديث كالأعمش وهشيم وابن جريح والأوزاعي ومالك ونظيره هنا القرب إلى إمام من الأئمة السبعة فأعلى ما يقع اليوم للشيوخ بالإسناد المتصل بالتلاوة إلى نافع اثنا عشر وإلى عامر اثنا عشر
1013 الثالث عند المحدثين العلو بالنسبة إلى رواية أحد الكتب الستة بأن يروي حديثا لو رواه من طريق كتاب من الستة وقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها ونظيره هنا العلو بالنسبة إلى بعض الكتب المشهورة في القراءات كالتيسير والشاطبية ويقع في هذا النوع الموافقات والإبدال والمساواة والمصافحات
1014 فالموافقة أن تجتمع طريقة مع أحد أصحاب الكتب في شيخه وقد يكون مع علو على ما لو رواه من طريقه وقد لا يكون مثاله في هذا الفن قراءة ابن كثير رواية البزي طريق ابن بنان عن أبي ربيعة عنه يرويها ابن الجزري من كتاب المفتاح لأبي منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون ومن كتاب المصباح لأبي الكرم الشهرزوري وقرأ بها كل من المذكورين على عبد السيد بن عتاب فروايته لها
____________________
(1/200)
من أحد الطريقين تسمى موافقة للآخر باصطلاح أهل الحديث
1015 والبدل أن يجتمع معه في شيخ شيخه فصاعدا وقد يكون أيضا بعلو وقد لا يكون مثاله هنا قراءة أبي عمرو رواية الدوري طريق ابن مجاهد عن أبي الزعراء عنه رواها ابن الجزري من كتاب التيسير قرأ بها الداني على أبي القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي وقرأ أبو القاسم بها على أبي طاهر عن ابن مجاهد ومن المصباح قرأ بها أبو الكرم على أبي القاسم يحيى بن أحمد السبتي وقرأ بها يحيى على أبي الحسن الحمامي وقرأ أبو الحسن على أبي طاهر فروايته لها من طريق المصباح تسمى بدلا للداني في شيخ شيخه
1016 والمساواة أن يكون بين الراوي والنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي أو من دونه إلى شيخ أحد أصحاب الكتب كما بين أحد أصحاب الكتب والنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي أو من دونه على ما ذكر من العدد
1017 والمصافحة أن يكون أكثر عددا منه بواحد فكأنه لقي صاحب ذلك الكتاب وصافحه وأخذ عنه مثاله قراءة نافع رواها الشاطبي عن أبي عبد الله محمد ابن علي النفري عن أبي عبد الله بن غلام الفرس عن سليمان بن نجاح وغيره عن أبي عمرو الداني عن أبي الفتح فارس بن أحمد عن عبد الباقي بن الحسن عن إبراهيم بن عمر المقرئ عن أبي الحسين بن بويان عن أبي بكر بن الأشعث عن أبي جعفر الربعي المعروف بأبي نشيط عن قالون عن نافع ورواها ابن الجزري عن أبي بكر الخياط عن أبي محمد البغدادي وغيره عن الصائغ عن الكمال بن فارس عن أبي اليمن الكندي عن أبي القاسم هبة الله بن أحمد الحريري عن الفرضي عن ابن بويان فهذه مساواة لابن الجزري لأن بينه وبين ابن بويان سبعة وهو العدد الذي بين الشاطبي وبينه وهي لمن أخذ عن ابن الجزري مصافحة للشاطبي
1018 ومما يشبه هذا التقسيم الذي لأهل الحديث تقسيم القراء أحوال الإسناد إلى قراءة ورواية وطريق ووجه فالخلاف إن كان لأحد الأئمة السبعة أو العشرة أو نحوهم واتفقت عليه الروايات والطرق عنه فهو قراءة وإن كان للراوي عنه فرواية أو لمن بعده فنازلا فطريق أو لا على هذه الصفة مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه فوجه
____________________
(1/201)
1019 الرابع من أقسام العلو تقدم وفاة الشيخ عن قرينه الذي أخذ عن شيخه فالآخذ مثلا عن التاج بن مكتوم أعلى من الآخذ عن أبي المعالي بن اللبان وعن ابن اللبان أعلى من البرهان الشامي وإن اشتركوا في الأخذ عن أبي حيان لتقدم وفاة الأول على الثاني والثاني على الثالث
1020 الخامس العلو بموت الشيخ لا مع التفات لأمر آخر أو شيخ آخر متى يكون قال بعض المحدثين يوصف الإسناد بالعلو إذا مضى عليه من موت الشيخ خمسون سنة وقال ابن منده ثلاثون فعلى هذا الأخذ عن أصحاب ابن الجزري عال من سنة ثلاث وستين وثمانمائة لأن ابن الجزري آخر من كان سنده عاليا ومضى عليه حينئذ من موته ثلاثون سنة
فهذا ما حررته من قواعد الحديث وخرجت عليه قواعد القراءات ولم أسبق إليه ولله الحمد والمنة
1021 وإذا عرفت العلو بأقسامه عرفت النزول فإنه ضده وحيث ذم النزول فهو ما لم ينجبر بكون رجاله أعلم وأحفظ وأتقن أو أجل أو أشهر أو أورع أما إذا كان كذلك فليس بمذموم ولا مفضول
____________________
(1/202)
النوع الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والعشرون معرفة المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ والموضوع والمدرج
1022 اعلم أن القاضي جلال الدين البلقيني قال القراءة تنقسم إلى متواتر وآحاد وشاذ فالمتواتر القراءات السبعة المشهورة والآحاد قراءات الثلاثة التي هي تمام العشر ويلحق بها قراءة الصحابة والشاذ قراءات التابعين كالأعمش ويحيى بن وثاب وابن جبير ونحوهم
1023 وهذا الكلام فيه نظر يعرف مما سنذكره وأحسن من تكلم في هذا النوع إمام القراء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير بن الجزري قال في أول كتابه النشر كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف صرح بذلك الداني ومكي والمهدوي وأبو شامة وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه
1024 قال أبو شامة في المرشد الوجيز لا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى أحد السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وأنها أنزلت هكذا إلا إذا دخلت في ذلك الضابط وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره ولا يختص ذلك بنقلها عنهم بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة فإن الاعتماد على
____________________
(1/203)
استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه فإن القراءة المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم
1025 ثم قال ابن الجزري فقولنا في الضابط ولو بوجه نريد به وجها من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا مجمعا عليه أم مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه الأئمة بالإسناد الصحيح إذ هو الأصل الأعظم والركن الأقوم وكم من قراءة أنكرها بعض أهل النحو أو كثير منهم ولم يعتبر إنكارهم كإسكان { بارئكم } و { يأمركم } وخفض { والأرحام } ونصب { ليجزي قوما } والفصل بين المضافين في { قتل أولادهم شركاؤهم } وغير ذلك
1026 قال الداني وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل وإذا ثبتت الرواية لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها
1027 قلت أخرج سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن ثابت قال القراءة سنة متبعة قال البيهقي أراد اتباع من قبلنا في الحروف سنة متبعة لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة أو أظهر منها
1028 ثم قال ابن الجزري ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر { قالوا اتخذ الله } في البقرة بغير واو و { وبالزبر وبالكتاب } بإثبات الباء فيهما فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي
____________________
(1/204)
وكقراءة ابن كثير { تجري من تحتها الأنهار } في آخر براءة بزيادة من فإنه ثابت في المصحف المكي ونحو ذلك فإن لم تكن في شيء من المصاحف العثمانية فشاذ لمخالفتها الرسم المجمع عليه
1029 وقولنا ولو احتمالا نعني به ما وافقه ولو تقديرا ك / < ملك يوم الدين > / فإنه كتب في الجميع بلا ألف فقراءة الحذف توافقه تحقيقا وقراءة الألف توافقه تقديرا لحذفها في الخط اختصارا كما كتب / < ملك الملك > /
1030 وقد يوافق اختلاف القراءات الرسم تحقيقا نحو تعلمون بالتاء والياء ويغفر لكم بالياء والنون ونحو ذلك مما يدل تجرده عن النقط والشكل في حذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة رضي الله عنهم في علم الهجاء خاصة وفهم ثاقب في تحقيق كل علم وانظر كيف كتبوا الصراط بالصاد المبدلة من السين وعدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين وإن خالفت الرسم من وجه قد أتت على الأصل فيعتدلان وتكون قراءة الإشمام محتملة ولو كتب ذلك بالسين على الأصل لفات ذلك وعدت قراءة غير السين مخالفة للرسم والأصل ولذلك اختلف في / < بصطة > / الأعراف دون { بسطة } البقرة لكون حرف البقرة كتب بالسين والأعراف بالصاد على أن مخالف صريح الرسم في حرف مدغم أو مبدل أو ثابت أو محذوف أو نحو ذلك لا يعد مخالفا إذا ثبتت القراءة به ووردت مشهورة مستفاضة ولذا لم يعدوا إثبات ياء الزوائد وحذف ياء { فلا تسألني } في الكهف وواو / < وأكون من الصالحين > / والظاء من { بضنين } ونحوه من مخالفة الرسم المردودة فإن الخلاف في ذلك مغتفر إذ هو قريب يرجع إلى معنى واحد وتمشيه صحة القراءة وشهرتها وتلقيها بالقبول بخلاف زيادة كلمة ونقصانها وتقديمها وتأخيرها حتى ولو كانت حرفا واحدا من حروف المعاني فإن حكمه في حكم الكلمة لا تسوغ مخالفة الرسم فيه وهذا هو الحد الفاصل في حقيقة إتباع الرسم ومخالفته
____________________
(1/205)
1031 قال وقولنا وصح مسندها نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله وهكذا حتى ينتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بها بعضهم
1032 قال وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف بصحة السند وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن
1033 قال وهذا مما لا يخفى ما فيه فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآنا سواء وافق الرسم أم لا وإذا شرطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن السبعة وقد قال أبو شامة شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن السبع كلها متواترة أي كل فرد فرد فيما روي عنهم
1034 قالوا والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها
1035 وقال الجعبري الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران فمن أحكم معرفة حال النقلة وأمعن في العربية وأتقن الرسم انحلت له هذه الشبهة
1036 وقال مكي ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام
قسم يقرأ به ويكفر جاحده وهو ما نقله الثقات ووافق العربية وخط المصحف
وقسم صح نقله عن الآحاد وصح في العربية وخالف لفظه الخط فيقبل ولا يقرأ به لأمرين مخالفته لما أجمع عليه وأنه لم يؤخذ بإجماع بل بخبر الآحاد ولا يثبت به قرآن ولا يكفر جاحده ولبئس ما صنع إذ جحده
وقسم نقله ثقة ولا وجه له في العربية أو نقله غير ثقة فلا يقبل وإن وافق الخط
____________________
(1/206)
1037 وقال ابن الجزري مثال الأول كثير ك مالك وملك ويخدعون ويخادعون ومثال الثاني قراءة ابن مسعود وغيره والذكر والأنثى وقراءة ابن عباس وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة ونحو ذلك قال واختلف العلماء في القراءة بذلك والأكثر على المنع لأنها لم تتواتر وإن ثبتت بالنقل فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني
1038 ومثال ما نقله غير ثقة كثير مما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي ومنها { إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع الله ونصب العلماء وقد كتب الدارقطني وجماعة بأن هذا الكتاب موضوع لا أصل له
1039 ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية قليل لا يكاد يوجد وجعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع معائش بالهمزة
1040 قال وبقي قسم رابع مردود أيضا وهو ما وافق العربية والرسم ولم ينقل البتة فهذا رده أحق ومنعه أشد ومرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر بن مقسم وعقد له بسبب ذلك مجلس وأجمعوا على منعه ومن ثم امتنعت القراءة بالقياس المطلق الذي لا أصل له يرجع إليه ولا ركن يعتمد في الأداء عليه
1041 قال أما ما له أصل كذلك فإنه مما يصار إلى قبول القياس عليه كقياس إدغام { قال رجلان } على { قال رب } ونحوه مما لا يخالف نصا ولا أصلا ولا يرد إجماعا مع أنه قليل جدا
1042 قلت أتقن الإمام ابن الجزري هذا الفصل جدا وقد تحرر لي منه أن القراءات أنواع
____________________
(1/207)
الأول المتواتر وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه وغالب القراءات كذلك
1043 الثاني المشهور وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة التواتر ووافق العربية والرسم واشتهر عن القراء فلم يعده من الغلط ولا من الشذوذ ويقرأ به على ما ذكر ابن الجزري ويفهمه كلام أبي شامة السابق ومثاله ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض وأمثلة ذلك كثيرة في فرش الحروف من كتب القراءات كالذي قبله ومن أشهر ما صنف في ذلك التيسير للداني وقصيدة الشاطبي وأوعية النشر في القراءات العشر وتقريب النشر كلاهما لابن الجزري
1044 الثالث الآحاد وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية أو لم يشتهر الاشتهار المذكور ولا يقرأ به وقد عقد الترمذي في جامعه والحاكم في مستدركه لذلك بابا أخرجا فيه شيئا كثيرا صحيح الإسناد من ذلك ما أخرجه الحاكم من طريق عاصم الجحدري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ / < متكئين على رفارف خضر وعباقري حسان > /
1045 وأخرج من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ / < فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرات أعين > /
1046 وأخرج عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قرأ { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } بفتح الفاء وأخرج عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ { فروح وريحان } يعني بضم الراء
1047 الرابع الشاذ وهو ما لم يصح سنده وفيه كتب مؤلفة من ذلك قراءة ملك يوم الدين بصيغة الماضي ونصب يوم وإياك يعبد ببنائه للمفعول
1048 الخامس الموضوع كقراءات الخزاعي
1049 وظهر لي سادس يشبهه من أنواع الحديث المدرج وهو ما زيد في القراءات على وجه التفسير كقراءة سعد بن أبي وقاص / < وله أخ أو أخت من أم > / أخرجها سعيد بن منصور
____________________
(1/208)
1050 وقراءة ابن عباس / < ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج > / أخرجها البخاري
1051 وقراءة ابن الزبير / < ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ما أصابهم > / قال عمر فما أدري أكانت قراءته أم فسر أخرجه سعيد بن منصور وأخرجه ابن الأنباري وجزم بأنه تفسير
1052 وأخرج عن الحسن أنه كان يقرأ / < وإن منكم إلا واردها الورود الدخول > / قال ابن الأنباري قوله الورود الدخول تفسير من الحسن لمعنى الورود وغلط فيه بعض الرواة فألحقه بالقرآن
1053 قال ابن الجزري في آخر كلامه وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءة إيضاحا وبيانا لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قرآنا فهم آمنون من الالتباس وربما كان بعضهم يكتبه معه
1054 وأما من يقول إن بعض الصحابة كان يجيز القراءة بالمعنى فقد كذب انتهى وسأفرد في هذا النوع أعني المدرج تأليفا مستقلا تنبيهات الأول
1055 لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه وأما في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققي أهل السنة للقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله لأن هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم مما تتوفر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله فما نقل آحادا ولم يتواتر يقطع بأنه ليس من القرآن قطعا وذهب كثير من الأصوليين إلى أن التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله وليس بشرط في محله ووضعه وترتيبه بل يكثر فيها نقل الآحاد قيل وهو الذي يقتضيه صنع الشافعي في إثبات البسملة من كل سورة
1056 ورد هذا المذهب بأن الدليل السابق يقتضي التواتر في الجميع ولأنه
____________________
(1/209)
لو لم يشترط لجاز سقوط كثير من القرآن المكرر وثبوت كثير مما ليس بقرآن أما الأول فلأنا لو لم نشترط التواتر في المحل جاز ألا يتواتر كثير من المتكررات الواقعة في القرآن مثل { فبأي آلاء ربكما تكذبان } وأما الثاني فلأنه إذا لم يتواتر بعض القرآن بحسب المحل جاز إثبات ذلك البعض في الموضع بنقل الآحاد
1057 وقال القاضي أبو بكر في الانتصار ذهب قوم من الفقهاء والمتكلمين إلى إثبات قرآن حكما لا علما بخبر الواحد دون الاستفاضة وكره ذلك أهل الحق وامتنعوا منه
1058 وقال قوم من المتكلمين إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة وأوجه وأحرف إذا كانت تلك الأوجه صوابا في العربية وإن لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه وخطؤوا من قال به انتهى
1059 وقد بنى المالكية وغيرهم ممن قال بإنكار البسملة قولهم على هذا الأصل وقرروه بأنها لم تتواتر في أوائل السور وما لم يتواتر فليس بقرآن
1060 وأجيب من قبلنا بمنع كونها لم تتواتر فرب متواتر عند قوم دون آخرين وفي وقت دون آخر ويكفي في تواترها إثباتها في مصاحف الصحابة فمن بعدهم بخط المصحف مع منعهم أن يكتب في المصحف ما ليس منه كأسماء السور وآمين والأعشار فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخطه من غير تمييز لأن ذلك يحمل على اعتقادها فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على إعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا وهذا مما لا يجوز اعتقاده في الصحابة
1061 فإن قيل لعلها أثبتت للفصل بين السور أجيب بأن هذا فيه تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرد الفصل ولو كانت له لكتبت بين براءة والأنفال
1062 ويدل لكونها قرآنا منزلا ما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين } . . . الحديث وفيه وعد { بسم الله الرحمن الرحيم } آية ولم يعد { عليهم }
1063 وأخرج ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال إسترق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن { بسم الله الرحمن الرحيم }
____________________
(1/210)
1064 وأخرج البيهقي في الشعب وابن مردويه بسند حسن من طريق مجاهد عن ابن عباس قال أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود { بسم الله الرحمن الرحيم }
1065 وأخرج الدارقطني والطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن بريدة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري ثم قال بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة قلت { بسم الله الرحمن الرحيم } قال هي هي
1066 وأخرج أبو داود والحاكم والبيهقي والبزار من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه { بسم الله الرحمن الرحيم } زاد البزار فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدئت سورة أخرى
1067 وأخرج الحاكم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل { بسم الله الرحمن الرحيم } فإذا نزلت علموا أن السورة قد انقضت إسناده على شرط الشيخين
1068 وأخرج الحاكم أيضا من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } علم أنها سورة إسناده صحيح
1069 وأخرج البيهقي في الشعب وغيره عن ابن مسعود قال كنا لا نعلم فصلا بين السورتين حتى تنزل { بسم الله الرحمن الرحيم }
1070 قال أبو شامة يحتمل أن يكون ذلك وقت عرضه صلى الله عليه وسلم على جبريل كان لا يزال يقرأ في السورة إلى أن يأمره جبريل بالتسمية فيعلم أن السورة قد انقضت وعبر صلى الله عليه وسلم بلفظ النزول إشعارا بأنها قرآن في جميع أوائل السور ويحتمل أن يكون المراد أن جميع آيات كل سورة كانت تنزل قبل نزول البسملة فإذا كملت آياتها نزل جبريل بالبسملة واستعرض السورة فيعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد ختمت ولا يلحق بها شيء
1071 وأخرج ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح عن ابن عباس قال السبع المثاني فاتحة الكتاب قيل فأين السابعة قال { بسم الله الرحمن الرحيم }
____________________
(1/211)
1072 وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن علي أنه سئل عن السبع المثاني فقال { الحمد لله رب العالمين } فقيل له إنما هي ست آيات فقال { بسم الله الرحمن الرحيم } آية
1073 وأخرج الدارقطني وأبو نعيم والحاكم في تاريخه بسند ضعيف عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي { بسم الله الرحمن الرحيم }
1074 وأخرج الواحدي من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر قال نزلت { بسم الله الرحمن الرحيم } في كل سورة
1075 وأخرج البيهقي من وجه ثالث عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة { بسم الله الرحمن الرحيم } وإذا ختم السورة قرأها ويقول ما كتبت في المصحف إلا لتقرأ
1076 وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأتم الحمد فاقرؤوا { بسم الله الرحمن الرحيم } إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها
1077 وأخرج مسلم عن أنس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم } { إنا أعطيناك الكوثر } . . . الحديث
1078 فهذه الأحاديث تعطي التواتر المعنوي بكونها قرآنا منزلا في أوائل السور
1079 ومن المشكل على هذا الأصل ما ذكره الإمام فخر الدين قال نقل في بعض الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوذتين من القرآن وهو في غاية الصعوبة لأنا إن قلنا إن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن فإنكاره يوجب الكفر وإن قلنا لم يكن حاصلا في ذلك الزمان فيلزم أن القرآن ليس بمتواتر في الأصل قال وإلا غلب على الظن أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقل باطل وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة وكذا قال القاضي أبو بكر لم يصح عنه أنها ليست من القرآن ولا حفظ عنه إنما
____________________
(1/212)
حكها وأسقطها من مصحفه إنكارا لكتابتها لا جحدا لكونها قرآنا لأنه كانت السنة عنده ألا يكتب في المصحف إلا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإثباته فيه ولم يجده كتب ذلك ولا سمعه أمر به
1080 وقال النووي في شرح المهذب أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منها شيئا كفر وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح
1081 وقال ابن حزم في المحلى هذا كذب على ابن مسعود وموضوع وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عنه وفيها المعوذتان والفاتحة
1082 وقال ابن حجر في شرح البخاري قد صح عن ابن مسعود إنكار ذلك فأخرج أحمد وابن حبان عنه أنه كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه
1083 وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله
1084 وأخرج البزار والطبراني من وجه آخر عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان لا يقرأ بهما أسانيده صحيحة
قال البزار لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بهما في الصلاة
1085 قال ابن حجر فقول من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل قال وقد أوله القاضي وغيره على إنكار الكتابة كما سبق قال وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها ويقول إنهما ليستا من كتاب الله قال ويمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتم التأويل المذكور قال لكن من تأمل سياق الطرق المذكورة استبعد هذا الجمع
قال وقد أجاب ابن الصباغ بأنه لم يستقر عنده القطع بذلك ثم حصل الاتفاق بعد ذلك وحاصله أنهما كانتا متواترتين في عصره لكنهما لم يتواترا عنده انتهى
____________________
(1/213)
1086 وقال ابن قتيبة في مشكل القرآن ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين فأقام على ظنه ولا يقول إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار
1087 قال وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن معاذ الله ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل واحد
1088 قلت وإسقاطه الفاتحة من مصحفه أخرجه أبو عبيد بسند صحيح كما تقدم في أوائل النوع التاسع عشر التنبيه الثاني
1089 قال الزركشي في البرهان القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما والقراءات السبع متواترة عند الجمهور وقيل بل مشهورة
1090 قال الزركشي والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر فإن إسنادهم بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات وهي نقل الواحد عن الواحد
1091 قلت في ذلك نظر لما سيأتي واستثنى أبو شامة كما تقدم الألفاظ المختلف فيها عن القراء واستثنى ابن الحاجب ما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتحقيق الهمزة وقال غيره الحق أن أصل المد والإمالة متواتر ولكن التقدير غير متواتر للاختلاف في كيفيته كذا قال الزركشي قال وأما أنواع تحقيق الهمزة فكلها متواترة
1092 وقال ابن الجزري لا نعلم أحدا تقدم ابن الحاجب إلى ذلك وقد نص على تواتر ذلك كله أئمة الأصول كالقاضي أبو بكر وغيره وهو الصواب لأنه
____________________
(1/214)
إذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر هيئة أدائه لأن اللفظ لا يقوم إلا به ولا يصح إلا بوجوده التنبيه الثالث
1093 قال أبو شامة ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل
1094 وقال أبو العباس بن عمار لقد نقل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر وليته إذا إقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة ووقع له أيضا في اقتصاره عن كل إمام على راويين أنه صار من سمع قراءة راو ثالث غيرهما أبطلها وقد تكون هي أشهر وأصح وأظهر وربما بالغ من لا يفهم فخطأ أو كفر
1095 وقال أبو بكر بن العربي ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم وكذا قال غير واحد منهم مكي وأبو العلاء الهمذاني وآخرون من أئمة القراء
1096 وقال أبو حيان ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عن سبعة عشر راويا ثم ساق أسماءهم واقتصر في كتاب ابن مجاهد على اليزيدي واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس فكيف يقتصر على السوسي والدوري وليس لهما مزية على غيرهما لأن الجميع يشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ قال ولا أعرف لهذا سببا إلا ما قضي من نقص العلم
1097 وقال مكي من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما قال ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة وغيرهم ووافق خط المصحف ألا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم فإن الذين صنفوا القراءات من الأئمة المتقدمين كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم السجستاني وأبي جعفر الطبري وإسماعيل القاضي قد ذكروا أضعاف هؤلاء وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة أبي عمرو
____________________
(1/215)
ويعقوب وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم وبالشام على قراءة ابن عامر وبمكة على قراءة ابن كثير وبالمدينة على قراءة نافع واستمروا على ذلك فلما كان على رأس الثلاثمائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي وحذف يعقوب قال والسبب في الاقتصار على السبعة مع أن في أئمة القراء من هو أجل منهم قدرا ومثلهم أكثر من عددهم أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرا جدا فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فأفردوا من كل مصر إماما واحدا ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الإئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به كقراءة يعقوب وأبي جعفر وشيبة وغيرهم قال وقد صنف ابن جبير المكي قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة اختار من كل مصر إماما وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار ويقال إنه وجه بسبعة هذه الخمسة ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين لكن لما لم يسمع لهذين المصحفين خبر وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف البحرين واليمن قارئين كمل بهما العدد فصادف ذلك موافقة العدد الذي ورد الخبر به فوقع ذلك لمن لم يعرف أصل المسألة ولم تكن له فطنة فظن أن المراد بالأحرف السبعة القراءات السبع والأصل المعتمد عليه صحة السند في السماع واستقامة الوجه في العربية وموافقة الرسم وأصح القراءات سندا نافع وعاصم وأفصحها أبو عمرو والكسائي
1098 وقال القراب في الشافي التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر وأوهم أنه لا تجوز الزيادة على ذلك وذلك لم يقل به أحد
1099 وقال الكواشي كل ما صح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة ومتى فقد شرط من الثلاثة فهو الشاذ
1100 وقد اشتد إنكار أئمة هذا الشأن على من ظن انحصار القراءات المشهورة في مثل ما في التيسير والشاطبية وآخر من صرح بذلك الشيخ تقي الدين
____________________
(1/216)
السبكي فقال في شرح المنهاج قال الأصحاب تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بالقراءات السبع ولا تجوز بالشاذة وظاهر هذا يوهم أن غير السبع المشهورة من الشواذ وقد نقل البغوي الاتفاق على القراءة بقراءة يعقوب وأبي جعفر مع السبع المشهورة وهذا القول هو الصواب
1101 قال واعلم أن الخارج عن السبع المشهورة على قسمين منه ما يخالف رسم المصحف فهذا لا شك فيه أنه لا تجوز قراءته لا في الصلاة ولا في غيرها ومنه ما لا يخالف رسم المصحف ولم تشتهر القراءة به وإنما ورد من طريق غريب لا يعول عليها وهذا يظهر المنع من القراءة به أيضا ومنه ما اشتهر عند أئمة هذا الشأن القراءة به قديما وحديثا فهذا لا وجه للمنع منه ومن ذلك قراءة يعقوب وغيره
1102 قال والبغوي أولى من يعتمد عليه في ذلك فإنه مقرئ فقيه جامع للعلوم . . . قال وهكذا التفصيل في شواذ السبعة فإن عنهم شيئا كثيرا شاذا انتهى
1103 وقال ولده في منع الموانع إنما قلنا في جمع الجوامع والسبع متواترة ثم قلنا في الشاذ والصحيح إنه ما وراء العشرة ولم نقل والعشر متواترة لأن السبع لم يختلف في تواترها فذكرنا أولا موضع الإجماع ثم عطفنا عليه موضع الخلاف قال على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة في غاية السقوط ولا يصح القول به عمن يعتبر قوله في الدين وهي لا تخالف رسم المصحف قال وقد سمعت أبي يشدد النكير على بعض القضاة وقد بلغه أنه منع من القراءة بها واستأذنه بعض أصحابنا مرة في إقراء السبع فقال أذنت لك أن تقرئ العشر انتهى
1104 وقال في جواب سؤال سأله ابن الجزري القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل التنبيه الرابع
1105 باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام ولهذا بنى الفقهاء نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة في / < لمستم > / و { لامستم }
____________________
(1/217)
وجواز وطء الحائض عند الانقطاع قبل الغسل وعدمه على الاختلاف في { يطهرن } وقد حكوا خلافا غريبا في الآية إذا قرأت بقراءتين فحكى أبو الليث السمرقندي في كتاب البستان قولين أحدهما أن الله قال بهما جميعا والثاني أن الله قال بقراءة واحدة إلا أنه أذن أن نقرأ بقراءتين ثم اختار توسطا وهو أنه إن كان لكل قراءة تفسير يغاير الآخر فقد قال بهما جميعا وتصير القراءتان بمنزلة آيتين مثل { حتى يطهرن } وإن كان تفسيرهما واحدا ك { البيوت } و { البيوت } فإنما قال بإحداهما وأجاز القراءة بهما لكل قبيلة على ما تعود لسانهم
قال فإن قيل إذا قلتم إنه قال بإحداهما فأي القراءتين هي قلنا التي بلغة قريش انتهى
1106 وقال بعض المتأخرين لاختلاف القراءات وتنوعها فوائد
منها التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة
ومنها إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم إذ لم ينزل كتاب غيرهم إلا على وجه واحد
ومنها إعظام أجرها من حيث أنهم يفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه لفظة لفظة حتى مقادير المدات وتفاوت الإمالات ثم في تتبع معاني ذلك واستنباط الحكم والأحكام من دلالة كل لفظ وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح
ومنها إظهار سر الله في كتابه وصيانته له عن التبديل والاختلاف مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة
ومنها المبالغة في إعجازه بإيجازه إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخف ما كان فيه من التطويل ولهذا كان قوله { وأرجلكم } منزلا لغسل الرجل والمسح على الخف واللفظ الواحد لكن باختلاف إعرابه
____________________
(1/218)
ومنها أن بعض القراءات يبين ما لعله يجهل في القراءة الأخرى فقراءة { يطهرن } بالتشديد مبينة لمعنى قراءة التخفيف وقراءة / < فامضوا إلى ذكر الله > / تبين أن المراد بقراءة { فاسعوا } الذهاب لا المشي السريع
1107 وقال أبو عبيد في فضائل القرآن المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها كقراءة عائشة وحفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر وقراءة ابن مسعود / < فاقطعوا أيمانهما > / وقراءة جابر / < فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم > / قال فهذه الحروف وما شاكلها قد صارت مفسرة للقرآن وقد كان يروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن فكيف إذا روي عن كبار الصحابة ثم صار في نفس القراءة فهو أكثر من التفسير وأقوى فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحة التأويل انتهى
1108 وقد اعتنيت في كتاب أسرار التنزيل ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة التنبيه الخامس
1109 اختلف في العمل بالقراءة الشاذة فنقل إمام الحرمين في البرهان عن ظاهر مذهب الشافعي أنه لا يجوز وتبعه أبو نصر القشيري وجزم به ابن الحاجب لأنه نقله على أنه قرآن ولم يثبت
1110 وذكر القاضيان أبو الطيب والحسين والروياني والرافعي العمل بها تنزيلا لها منزلة خبر الآحاد وصححه ابن السبكي في جمع الجوامع وشرح المختصر
1111 وقد احتج الأصحاب على قطع يمين السارق بقراءة ابن مسعود وعليه أبو حنيفة أيضا واحتج على وجوب التتابع في صوم كفارة اليمين بقراءته / < متتابعات > / ولم يحتج بها أصحابنا لثبوت نسخها كما سيأتي
____________________
(1/219)
التنبيه السادس
1112 من المهم معرفة توجيه القراءات وقد اعتنى به الأئمة وأفردوا فيه كتبا منها الحجة لأبي علي الفارسي والكشف لمكي والهداية للمهدوي والمحتسب في توجيه الشواذ لابن جنى قال الكواشي وفائدته أن يكون دليلا على حسب المدلول عليه أو مرجحا إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقطها وهذا غير مرضي لأن كلا منهما متواتر
1113 وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب أنه قال إذا اختلف الإعرابان في القرآن لم أفضل إعرابا على إعراب فإذا خرجت إلى كلام الناس فضلت الأقوى
1114 وقال أبو جعفر النحاس السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان ألا يقال إحداهما أجود لأنهما جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا
1115 وقال أبو شامة أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة مالك وملك حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين انتهى
1116 وقال بعضهم توجيه القراءات الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة خاتمة
1117 قال النخعي كانوا يكرهون أن يقولوا قراءة عبد الله وقراءة سالم وقراءة أبي وقراءة زيد بل يقال فلان كان يقرأ بوجه كذا وفلان يقرأ بوجه كذا
1118 قال النووي والصحيح أن ذلك لا يكره
____________________
(1/220)
النوع الثامن والعشرون في معرفة الوقف والابتداء
1119 أفرده بالتصنيف خلائق منهم أبو جعفر النحاس وابن الأنباري والزجاج والداني والعماني والسجاوندي وغيرهم وهو فن جليل به يعرف كيف أداء القراءة
1120 والأصل فيه ما أخرج النحاس قال حدثنا محمد بن جعفر الأنباري حدثنا هلال بن العلاء بن أبي وعبد الله بن جعفر قالا حدثنا عبد الله بن عمر الزرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف البكري قال سمعت عبد الله ابن عمر يقول لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه قال النحاس فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن
1121 وقول ابن عمر لقد عشنا برهة من دهرنا يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه
1122 وعن علي في قوله تعالى { ورتل القرآن ترتيلا } قال الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف
1123 قال ابن الأنباري من تمام معرفة القرآن معرفة الوقف والابتداء فيه
1124 وقال النكزاوي باب الوقف عظيم القدر جليل الخطر لأنه لا
____________________
(1/221)
يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل
1125 وفي النشر لابن الجزري لما لم يمكن القارئ أن يقرأ السورة أو القصة في نفس واحد ولم يجز التنفس بين كلمتين حالة الوصل بل ذلك كالتنفس في أثناء الكلمة وجب حينئذ اختيار وقف للتنفس والاستراحة وتعين ارتضاء ابتداء بعده وتحتم ألا يكون ذلك مما يحيل المعنى ولا يخل بالفهم إذ بذلك يظهر الإعجاز ويحصل القصد ولذلك حض الأئمة على تعلمه ومعرفته وفي كلام علي دليل على وجوب ذلك وفي كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع أحد أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع وأبي عمرو ويعقوب وعاصم وغيرهم من الأئمة وكلامهم في ذلك معروف ونصوصهم عليه مشهورة في الكتب ومن ثم اشترط كثير من الخلف على المجيز ألا يحيز أحدا إلا بعد معرفته الوقف والابتداء
1126 وصح عن الشعبي أنه قال إذا قرأت { كل من عليها فان } فلا تسكت حتى تقرأ { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }
قلت أخرجه ابن أبي حاتم فصل في أنواع الوقف
1127 اصطلح الأئمة على أن لأنواع الوقف والابتداء أسماء واختلفوا في ذلك فقال ابن الأنباري الوقف على ثلاثة أوجه تام وحسن وقبيح
فالتام الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يكون بعده ما يتعلق به كقوله { وأولئك هم المفلحون } وقوله { أم لم تنذرهم لا يؤمنون }
والحسن هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كقوله { الحمد لله } لأن الابتداء ب { رب العالمين } لا يحسن لكونه صفة لما قبله
____________________
(1/222)
والقبيح هو الذي ليس بتام ولا حسن كالوقف على بسم من قوله { بسم الله } قال ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه ولا المنعوت دون نعته ولا الرافع دون مرفوعه وعكسه ولا الناصب دون منصوبه وعكسه ولا المؤكد دون توكيده ولا المعطوف دون المعطوف عليه ولا البدل دون مبدله ولا إن أو كان أو ظن وأخواتها دون اسمها ولا اسمها دون خبرها ولا المستثنى منه دون الاستثناء ولا الموصول دون صلته اسميا أوحرفيا ولا الفعل دون مصدره ولا حرف دون متعلقه ولا شرط دون جزائه
1128 وقال غيره الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام تام مختار وكاف جائز وحسن مفهوم وقبيح متروك
فالتام هو الذي لا يتعلق بشيء مما بعده فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده وأكثر ما يوجد عند رؤوس الآي غالبا كقوله { وأولئك هم المفلحون }
وقد يوجد في أثنائها كقوله { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } هنا التمام لأنه انقضى كلام بلقيس ثم قال تعالى { وكذلك يفعلون }
وكذلك { لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } هنا التمام لأنه انقضى كلام الظالم أبي بن خلف ثم قال تعالى { وكان الشيطان للإنسان خذولا }
وقد يوجد بعدها كقوله { مصبحين وبالليل } هنا التمام لأنه معطوف على المعنى أي بالصبح وبالليل
ومثله / < يتكئون وزخرفا > / رأس الآية يتكئون وزخرفا هو التمام لأنه معطوف على ما قبله
وآخر كل قصة وما قبل أولها وآخر كل سورة وقبل ياء النداء وفعل الأمر
____________________
(1/223)
والقسم ولامه دون القول والشرط ما لم يتقدم جوابه وكان الله وما كان وذلك ولولا غالبهن تام ما لم يتقدمهن قسم أو قول أو ما في معناه
والكافي منقطع في اللفظ متعلق في المعنى فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده أيضا نحو { حرمت عليكم أمهاتكم } هنا الوقف ويتبدأ بما بعد ذلك وهكذا كل رأس آية بعدها لام كي وإلا بمعنى لكن وإن الشديدة المكسورة والاستفهام وبل وألا المخففة والسين وسوف للتهديد ونعم وبئس وكيلا ما لم يتقدمهن قول أو قسم
والحسن هو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده نحو { الحمد لله رب العالمين }
والقبيح هو الذي لا يفهم منه المراد كالحمد وأقبح منه الوقف على { لقد كفر الذين قالوا } ويبتدئ { إن الله هو المسيح } لأن المعنى مستحيل بهذا الابتداء ومن تعمده وقصد معناه فقد كفر ومثله في الوقف { فبهت الذي كفر } { فلها النصف ولأبويه }
وأقبح من هذا الوقف على المنفي دون حرف الإيجاب نحو { لا إله إلا الله } { وما أرسلناك } . . . { إلا مبشرا ونذيرا } فإن اضطر لأجل التنفس جاز ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده ولا حرج انتهى
1129 وقال السجاوندي الوقف على خمس مراتب لازم ومطلق وجائز ومجوز لوجه ومرخص ضرورة
فاللازم ما لو وصل طرفاه غير المراد نحو قوله { وما هم بمؤمنين } يلزم الوقف هنا إذ لو وصل بقوله { يخادعون الله } توهم أن الجملة صفة لقوله
____________________
(1/224)
{ بمؤمنين } فانتفى الخداع عنهم وتقرر الإيمان خالصا عن الخداع كما تقول ما هو بمؤمن مخادع والقصد في الآية إثبات الخداع بعد نفي الإيمان
وكما في قوله { لا ذلول تثير الأرض } فإن جملة تثير صفة ل ذلول داخلة حيز النفي أي ليست ذلولا مثيرة للأرض
ونحو { سبحانه أن يكون له ولد } فلو وصلها بقوله { له ما في السماوات وما في الأرض } لأوهم أنه صفة لولد وأن المنفي ولد موصوف بأن له ما في السموات والمراد الولد مطلقا
والمطلق ما يحسن الابتداء بما بعده كالاسم المبتدأ به نحو { الله يجتبي } والفعل المستأنف نحو { يعبدونني لا يشركون بي شيئا } و { سيقول السفهاء } و { سيجعل الله بعد عسر يسرا }
ومفعول المحذوف نحو { وعد الله } { سنة الله }
والشرط نحو { من يشإ الله يضلله }
والاستفهام ولو مقدرا نحو { أتريدون أن تهدوا } { تريدون عرض الدنيا }
والنفي { ما كان لهم الخيرة } { إن يريدون إلا فرارا } حيث لم يكن كل ذلك مقولا لقول سابق
والجائز ما يجوز فيه الوصل والفصل لتجاذب الموجبين من الطرفين نحو { وما أنزل من قبلك } فإن واو العطف تقتضي الوصل وتقديم المفعول على الفعل يقطع النظم فإن التقدير ويوقنون بالآخرة
والمجوز لوجه نحو { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } لأن الفاء في قوله { فلا يخفف عنهم } تقتضي التسبب والجزاء وذلك يوجب الوصل
____________________
(1/225)
وكون نظم الفعل على الاستئناف يجعل للفصل وجها
والمرخص ضرورة ما لا يستغني ما بعده عما قبله لكنه يرخص لانقطاع النفس وطول الكلام ولا يلزمه الوصل بالعود لأن ما بعده جملة مفهومة كقوله { والسماء بناء } لأن قوله { وأنزل } لا يستغنى عن سياق الكلام فإن فاعله ضمير يعود إلى ما قبله غير أن الجملة مفهومة
وأما ما لا يجوز الوقف عليه فكالشرط دون جزائه والمبتدأ دون خبره ونحو ذلك
1130 وقال غيره الوقف في التنزيل على ثمانية أضرب تام وشبيه به وناقص وشبيه به وحسن وشبيه به وقبيح وشبيه به
1131 وقال ابن الجزري أكثر ما ذكر الناس في أقسام الوقف غير منضبط ولا منحصر وأقرب ما قلته في ضبطه إن الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري لأن الكلام إما أن يتم أو لا فإن تم كان اختياريا وكونه تاما لا يخلوا إما ألا يكون له تعلق بما بعده البتة أي لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى فهو الوقف المسمى بالتام لتمامه المطلق يوقف عليه ويبتدأ بما بعده ثم مثله بما تقدم في التام
1132 قال وقد يكون الوقف تاما في تفسير وإعراب وقراءة غير تام على آخر نحو { وما يعلم تأويله إلا الله } تام إن كان ما بعده مستأنفا غير تام إن كان معطوفا ونحو فواتح السور الوقف عليها تام إن أعربت مبتدأ والخبر محذوف أو عكسه أي ألم هذه أو هذه ألم أو مفعولا ب قل مقدرا غير تام إن كان ما بعدها هو الخبر ونحو { مثابة للناس وأمنا } تام على قراءة { واتخذوا } بكسر الخاء كاف على قراءة الفتح ونحو { إلى صراط العزيز الحميد } تام على قراءة من رفع الاسم الكريم بعدها حسن على قراءة من خفض
وقد يتفاضل التام نحو { مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين } كلاهما تام إلا أن الأول أتم من الثاني لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول
____________________
(1/226)
وهذا هو الذي سماه بعضهم شبيها بالتام
ومنه ما يتأكد استحسانه لبيان المعنى المقصود به وهو الذي سماه السجاوندي باللازم وإن كان له تعلق فلا يخلو إما أن يكون من جهة المعنى فقط وهو المسمى بالكافي للاكتفاء به واستغنائه عما بعده واستغناء ما بعده عنه كقوله { ومما رزقناهم ينفقون } وقوله { وما أنزل من قبلك } وقوله { على هدى من ربهم }
ويتفاضل في الكفاية كتفاضل التام نحو { في قلوبهم مرض } كاف { فزادهم الله مرضا } أكفى منه { بما كانوا يكذبون } أكفى منهما
وقد يكون الوقف كافيا على تفسير وإعراب وقراءة غير كاف على آخر نحو قوله { يعلمون الناس السحر } كاف إن جعلت ما بعده نافية حسن إن فسرت موصولة
{ وبالآخرة هم يوقنون } كاف إن أعرب ما بعده مبتدأ خبره { على هدى } حسن إن جعل خبر { الذين يؤمنون بالغيب } أو خبر { والذين يؤمنون بما أنزل }
{ ونحن له مخلصون } كاف على قراءة { أم تقولون } بالخطاب حسن على قراءة الغيب
{ يحاسبكم به الله } كاف على قراءة من رفع { فيغفر } و { يعذب } حسن على قراءة من جزم
وإن كان التعلق من جهة اللفظ فهو المسمى بالحسن لأنه في نفسه حسن مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده للتعلق اللفظي إلا أن يكون رأس آية فإنه يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة الآتي
وقد يكون الوقف حسنا على تقدير وكافيا أو تاما على آخر نحو { هدى للمتقين } حسن إن جعل ما بعده نعتا كاف إن جعل خبر مقدر أو مفعول مقدر
____________________
(1/227)
على القطع تام إن جعل مبتدأ خبره { أولئك }
وإن لم يتم الكلام كان الوقف عليه اضطراريا وهو المسمى بالقبيح لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة من انقطاع نفس ونحوه لعدم الفائدة أو لفساد المعنى نحو { صراط الذين }
وقد يكون بعضه أقبح من بعض نحو { فلها النصف ولأبويه } لإيهامه أنهما مع البنت شركاء في النصف
وأقبح منه نحو { إن الله لا يستحيي } { فويل للمصلين } { لا تقربوا الصلاة }
فهذا حكم الوقف اختياريا واضطراريا
وأما الابتداء فلا يكون إلا اختياريا لأنه ليس كالوقف تدعو إليه ضرورة فلا يجوز إلا بمستقل بالمعنى موف بالمقصود وهو في أقسامه كأقسام الوقف الأربعة وتتفاوت تماما وكفاية وحسنا وقبحا بحسب التمام وعدمه وفساد المعنى وإحالته نحو الوقف على { ومن الناس } فإن الابتداء ب الناس قبيح وب { من } تام فلو وقف على { من يقول } كان الابتداء ب يقول أحسن من الابتداء ب من
وكذا الوقف على { ختم الله } قبيح والابتداء ب الله أقبح وب ختم كاف
والوقف على { عزير ابن الله } و { المسيح ابن الله } قبيح والابتداء بابن قبيح وبعزير والمسيح أشد قبحا
ولو وقف على { ما وعدنا الله } ضرورة كان الابتداء بالجلالة قبيحا وب وعدنا أقبح منه وب ما أقبح منهما
وقد يكون الوقف حسنا والابتداء به قبيحا نحو { يخرجون الرسول وإياكم }
____________________
(1/228)
الوقف عليه حسن والابتداء به قبيح لفساد المعنى إذ يصير تحذيرا من الإيمان بالله
وقد يكون الوقف قبيحا والابتداء جيدا نحو { من بعثنا من مرقدنا هذا } الوقف على هذا قبيح لفصله بين المبتدأ وخبره ولأنه يوهم أن الإشارة إلى المرقد والابتداء بهذا كاف أو تام لاستئنافه تنبيهات الأول
1133 قولهم لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه ولا كذا قال ابن الجزري إنما يريدون به الجواز الأدائي وهو الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة ولا يريدون بذلك أنه حرام ولا مكروه اللهم إلا أن يقصد بذلك تحريف القرآن وخلاف المعنى الذي أراده الله فإنه يكفر فضلا عن أن يأثم الثاني
1134 قال ابن الجزري أيضا ليس كلما يتعسفه بعض المعربين أو يتكلفه بعض القراء أو يتأوله بعض أهل الأهواء مما يقتضي وقفا أو ابتداء ينبغي أن يتعمد الوقف عليه بل ينبغي تحري المعنى الأتم والوقف الأوجه وذلك نحو الوقف على { وارحمنا أنت } والابتداء { مولانا فانصرنا } على معنى النداء
ونحو { ثم جاؤوك يحلفون } ويبتدئ { بالله إن أردنا }
ونحو { يا بني لا تشرك } ويبتدئ { بالله إن الشرك } على معنى القسم
ونحو { وما تشاؤون إلا أن يشاء } ويبتدئ { الله رب العالمين }
ونحو { فلا جناح } ويبتدئ { عليه أن يطوف بهما }
فكله تعسف وتمحل وتحريف للكلم عن مواضعه الثالث
1135 يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك وفي
____________________
(1/229)
حالة جمع القراءت وقراءة التحقيق والتنزيل ما لا يغتفر في غيرها فربما أجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر ولو كان لغير ذلك لم يبح وهذا الذي سماه السجاوندي المرخص ضرورة ومثله بقوله { والسماء بناء }
1136 قال ابن الجزري والأحسن تمثيله بنحو { قبل المشرق والمغرب } وبنحو { النبيين } وبنحو { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } وبنحو { عاهدوا } وبنحو كل من فواصل { قد أفلح المؤمنون } . . . إلى آخر القصة
1137 وقال صاحب المستوفى النحويون يكرهون الوقف الناقص في التنزيل مع إمكان التام فإن طال الكلام ولم يوجد فيه وقف تام حسن الأخذ بالناقص كقوله { قل أوحي } إلى قوله { فلا تدعوا مع الله أحدا } إن كسرت بعده إن وإن فتحتها فإلى قوله { كادوا يكونون عليه لبدا }
1138 قال ويحسن الوقف الناقص أمور منها أن يكون لضرب من البيان كقوله { ولم يجعل له عوجا } فإن الوقف هنا يبين أن { قيما } منفصل عنه وأنه حال في نية التقديم وكقوله { وبنات الأخت } ليفصل به بين التحريم النسبي والسببي ومنها أن يكون الكلام مبنيا على الوقف نحو { يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه }
1139 قال ابن الجزري وكما اغتفر الوقف لما ذكر قد لا يغتفر ولا يحسن فيما قصر من الجمل وإن لم يكن التعلق لفظيا نحو { ولقد آتينا موسى الكتاب } { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } لقرب الوقف على { بالرسل } وعلى { القدس } وكذا يراعى في الوقف الازدواج فيوصل ما يوقف على نظيره مما يوجد التمام عليه وانقطع تعلقه بما بعده لفظا وذلك من أجل ازدواجه نحو
____________________
(1/230)
{ لها ما كسبت } مع { ولكم ما كسبتم } ونحو { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } مع { ومن تأخر فلا إثم عليه } ونحو { يولج الليل في النهار } مع { ويولج النهار في الليل } ونحو { من عمل صالحا فلنفسه } مع { ومن أساء فعليها } الرابع
1140 قد يجيزون الوقف على حرف ويجيز آخرون الوقف على آخر ويكون بين الوقفين مراقبة على التضاد فإذا وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر كمن أجاز الوقف على { لا ريب } فإنه لا يجيزه على { فيه } والذي يجيزه على { فيه } لا يجيزه على { لا ريب }
وكالوقف على { ولا يأب كاتب أن يكتب } فإن بينه وبين { كما علمه الله } مراقبة والوقف على { وما يعلم تأويله إلا الله } فإن بينه وبين { والراسخون في العلم } مراقبة
1141 قال ابن الجزري وأول من نبه على المراقبة في الوقف أبو الفضل الرازي أخذه من المراقبة في العروض الخامس
1142 قال ابن مجاهد لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض عالم باللغة التي نزل بها القرآن
1143 وقال غيره وكذا علم الفقه ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب يقف عند قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } وممن صرح بذلك النكزاوي فقال في كتاب الوقف لا بد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين في
____________________
(1/231)
الفقه لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء لأن في القرآن مواضع ينبغي الوقف على مذهب بعضهم ويمتنع على مذهب آخرين
فأما احتياجه إلى علم النحو وتقديراته فلأن من جعل { ملة أبيكم إبراهيم } منصوبا على الإغراء وقف على ما قبله أما إذا أعمل فيه ما قبله فلا
وأما احتياجه إلى القراءات فلما تقدم من أن الوقف قد يكون تاما على قراءة غير تام على أخرى
وأما احتياجه إلى التفسير فلأنه إذا وقف على { فإنها محرمة عليهم أربعين سنة } كان المعنى إنها محرمة عليهم هذه المدة وإذا وقف على { عليهم } كان المعنى إنها محرمة عليهم أبدا وأن التيه أربعين فرجع في هذا إلى التفسير وقد تقدم أيضا أن الوقف يكون تاما على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر
وأما احتياجه إلى المعنى فضرورة لأن معرفة مقاطع الكلام إنما تكون بعد معرفة معناه كقوله { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله } فقوله { إن العزة } استئناف لا مقولهم وقوله { فلا يصلون إليكما بآياتنا } ويبتدئ { أنتما } وقال الشيخ عز الدين الأحسن الوقف على { إليكما } لأن إضافة الغلبة إلى الآيات أولى من إضافة عدم الوصول إليها لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها وقد غلبوا بها السحرة ولم تمنع عنهم فرعون
وكذا الوقف على قوله { ولقد همت به } ويبتدئ { وهم بها } على أن المعنى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها فقدم جواب لولا ويكون همه منتفيا فعلم بذلك أن معرفة المعنى أصل في ذلك كبير السادس
1144 حكى ابن برهان النحوي عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة أنه ذهب إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والناقص والحسن والقبيح
____________________
(1/232)
وتسميته بذلك بدعة ومتعمد الوقوف على نحوه مبتدع قال لأن القرآن معجز وهو كالقطعة الواحدة فكله قرآن وبعضه قرآن وكله تام حسن وبعضه تام حسن السابع
1145 لأئمة القراء مذاهب في الوقف والإبتداء فنافع كان يراعي محاسنهما بحسب المعنى وابن كثير وحمزة حيث ينقطع النفس واستثنى ابن كثير { وما يعلم تأويله إلا الله } { وما يشعركم } { إنما يعلمه بشر } فتعمد الوقف عليها وعاصم والكسائي حيث تم الكلام وأبو عمرو يتعمد رؤوس الآي ويقول هو أحب إلي فقد قال بعضهم إن الوقف عليه سنة
1146 وقال البيهقي في الشعب وآخرون الأفضل الوقف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها إتباعا لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته
1147 روى أبو داود وغيره عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول { بسم الله الرحمن الرحيم } ثم يقف { الحمد لله رب العالمين } ثم يقف { الرحمن الرحيم } ثم يقف الثامن
1148 الوقف والقطع والسكت عبارات يطلقها المتقدمون غالبا مرادا بها الوقف والمتأخرون فرقوا فقالوا
القطع عبارة عن قطع القراءة رأسا فهو كالانتهاء فالقارئ به كالمعرض عن القراءة والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها وهو الذي يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة ولا يكون إلا على رأس آية لأن رؤوس الآي في نفسها مقاطع أخرج سعيد بن منصور في سننه حدثنا أبو الأحوص عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل أنه قال كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها إسناده صحيح وعبد الله بن أبي الهذيل تابعي كبير وقوله كانوا يدل على أن الصحابة كانوا يكرهون ذلك
والوقف عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف
____________________
(1/233)
القراءة لا بنية الإعراض ويكون في رؤوس الآي وأوساطها ولا يأتي في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما
والسكت عبارة عن قطع الصوت زمنا هو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس واختلاف ألفاظ الأئمة في التأدية عنه مما يدل على طوله وقصره فعن حمزة في السكت على الساكن قبل الهمزة سكتة يسيرة وقال الاشناني قصيرة وعن الكسائي سكتة مختلسة من غير إشباع وقال ابن غلبون وقفة يسيرة وقال مكي وقفة خفيفة وقال ابن شريح وقيفة وعن قتيبة من غير قطع نفس وقال الداني سكتة لطيفة من غير قطع
وقال الجعبري قطع الصوت زمنا قليلا أقصر من زمن إخراج النفس لأنه أن طال صار وقفا في عبارات أخر
1149 قال ابن الجزري والصحيح أنه مقيد بالسماع والنقل ولا يجوز إلا فيما صحت الرواية به لمعنى مقصود بذاته وقيل يجوز في رؤوس الآي مطلقا حالة الوصل لقصد البيان وحمل بعضهم الحديث الوارد على ذلك ضوابط
1150 كل ما في القرآن من الذي والذين يجوز فيه الوصل بما قبله نعتا والقطع على أنه خبر إلا في سبعة مواضع فإنه يتعين الابتداء بها
{ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه } في البقرة
{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه } فيها وفي الأنعام أيضا
{ الذين يأكلون الربا } في البقرة
{ الذين آمنوا وهاجروا } في براءة
{ الذين يحشرون } في الفرقان
{ الذين يحملون العرش } في غافر
1151 وفي الكشاف في قوله { الذي يوسوس } يجوز أن يقف القارئ
____________________
(1/234)
على الموصوف ويبتدئ ب الذي إن حملته على القطع بخلاف ما إذا جعلته صفة
1152 وقال الرماني الصفة إن كانت للاختصاص امتنع الوقف على موصوفها دونها وإن كانت للمدح جاز لأن عاملها في المدح غير عامل الموصوف
1153 الوقف على المستثنى منه دون المستثنى إن كان منقطعا فيه مذاهب
الجواز مطلقا لأنه في معنى مبتدأ حذف خبره للدلالة عليه
والمنع مطلقا لاحتياجه إلى ما قبله لفظا لأنه لم يعهد استعمال إلا وما في معناها إلا متصلة بما قبلها ومعنى لأن ما قبلها مشعر بتمام الكلام في المعنى إذ قولك ما في الدار أحد هو الذي صحح إلا الحمار ولو قلت إلا الحمار على انفراده كان خطأ
والثالث التفصيل فإن صرح بالخبر جاز لاستقلال الجملة واستغنائها عما قبلها وإن لم يصرح به فلا لافتقارها قاله ابن الحاجب في أماليه
1154 الوقف على الجملة الندائية جائز كما نقله ابن الحاجب عن المحققين لأنها مستقلة وما بعدها جملة أخرى وإن كانت الأولى تتعلق به
1155 كل ما في القرآن من القول لا يجوز الوقف عليه لأن ما بعده حكايته قاله الجويني في تفسيره
1156 كلا في القرآن في ثلاثة وثلاثين موضعا منها سبعة للردع إتفاقا فيوقف عليها وذلك
{ عهدا كلا } في مريم
{ عزا كلا } في مريم
{ أن يقتلون قال كلا } في الشعراء
{ إنا لمدركون قال كلا } في الشعراء
{ شركاء كلا } في سبأ
____________________
(1/235)
{ أن أزيد كلا } في المدثر
{ أين المفر كلا } في القيامة
والباقي منها ما هو بمعنى حقا قطعا فلا يوقف عليه ومنها ما احتمل الأمرين ففيه الوجهان
وقال مكي هي أربعة أقسام الأول ما يحسن الوقف فيه عليها على معنى الردع وهو الاختيار ويجوز الابتداء بها على معنى حقا وذلك أحد عشر موضعا
اثنان في مريم وفي { قد أفلح } وسبأ واثنان في المعارج واثنان في المدثر { أن أزيد كلا } { منشرة كلا } وفي المطففين { أساطير الأولين كلا } وفي الفجر { أهانن كلا } وفي الهمزة { أخلده كلا }
الثاني ما يحسن الوقف عليها ولا يجوز الابتداء بها وهو موضعان في الشعراء { أن يقتلون قال كلا } { إنا لمدركون قال كلا }
الثالث ما لا يحسن الوقف عليها ولا الابتداء بها بل توصل بما قبلها وبما بعدها وهو موضعان في عم والتكاثر { ثم كلا سيعلمون } { ثم كلا سوف تعلمون }
الرابع ما لا يحسن الوقف عليها ولكن يبتدأ بها وهو الثمانية عشر الباقية
1157 بل في القرآن في اثنين وعشرين موضعا وهي ثلاثة أقسام
الأول ما لا يجوز الوقف عليها إجماعا لتعليق ما بعدها بما قبلها وهو سبعة مواضع
في الأنعام { بلى وربنا }
في النحل { بلى وعدا عليه حقا }
في سبأ { قل بلى وربي لتأتينكم }
____________________
(1/236)
في الزمر { بلى قد جاءتك }
في الأحقاف { بلى وربنا }
في التغابن { قل بلى وربي }
في القيامة { بلى قادرين }
الثاني ما فيه خلاف والاختيار المنع وذلك خمسة مواضع
في البقرة { بلى ولكن ليطمئن قلبي }
في الزمر { بلى ولكن حقت }
في الزخرف { بلى ورسلنا }
في الحديد { قالوا بلى }
في تبارك { قالوا بلى قد جاءنا }
الثالث ما الاختيار جواز الوقف عليها وهو العشرة الباقية
1158 نعم في القرآن في أربعة مواضع
في الأعراف { قالوا نعم فأذن } والمختار الوقف عليها لأن ما بعدها غير متعلق بما قبلها إذ ليس من قول أهل النار والبواقي فيها وفي الشعراء { قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين }
وفي الصافات { قل نعم وأنتم داخرون } والمختار لا يوقف عليها لتعلق ما بعدها بما قبلها لإتصاله بالقول ضابط
1159 قال ابن الجزري في النشر كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده فصل في كيفية الوقف على أواخر الكلم
1160 للوقف في كلام العرب أوجه متعددة والمستعمل منها عند أئمة
____________________
(1/237)
القراءة تسعة السكون والروم والإشمام والإبدال والنقل والإدغام والحذف والإثبات والإلحاق
1161 فأما السكون فهو الأصل في الوقف على الكلمة المحركة وصلا لأن معنى الوقف الترك والقطع ولأنه ضد الابتداء فكما لا يبتدأ بساكن لا يوقف على متحرك وهو اختيار كثير من القراء
1162 وأما الروم فهو عند القراء عبارة عن النطق ببعض الحركة وقال بعضهم تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظمها قال ابن الجزري وكلا القولين واحد ويختص بالمرفوع والمجزوم والمضموم والمكسور بخلاف المفتوح لأن الفتحة خفيفة إذا خرج بعضها خرج سائرها فلا تقبل التبعيض
1163 وأما الإشمام فهو عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت وقيل أن تجعل شفتيك على صورتها وكلاهما واحد ويختص بالضمة سواء كانت حركة إعراب أم بناء إذا كانت لازمة أما العارضة وميم الجمع عند من ضم وهاء التأنيث فلا روم في ذلك ولا إشمام وقيد ابن الجزري هاء التأنيث بما يوقف عليها بالهاء بخلاف ما يوقف عليها بالتاء للرسم ثم إن الوقف بالروم والإشمام ورد عن أبي عمرو والكوفيين نصا ولم يأت عن الباقين فيه شيء واستحبه أهل الأداء في قراءتهم أيضا وفائدته بيان الحركة التي تثبت في الوصل للحرف الموقوف عليه ليظهر للسامع أو الناظر كيف تلك الحركة الموقوف عليها
1164 وأما الإبدال ففي الاسم المنصوب المنون يوقف عليه بالألف بدلا من التنوين ومثله إذن وفي الاسم المفرد المؤنث بالتاء يوقف عليها بالهاء بدلا منها وفيما آخره همزة متطرفة بعد حركة أو ألف فإنه يوقف عليه عند حمزة بإبدالها حرف مد من جنس ما قبلها ثم إن كان ألفا جاز حذفها نحو { اقرأ } و { نبئ } و { يبدأ } و { إن امرؤ } و { من شاطئ } و { يشاء } و { من السماء } و { من ماء }
1165 وأما النقل ففيما آخره همزة بعد ساكن فإنه يوقف عليه عند حمزة بنقل حركتها إليه فتحرك بهاء ثم تحذف هي سواء أكان الساكن صحيحا نحو { دفء } { ملء } { ينظر المرء } { لكل باب منهم جزء } { بين المرء وقلبه } { بين المرء وزوجه } { يخرج الخبء } ولا ثامن لها أم ياء أو واوا أصليتين سواء كانتا حرف مد نحو { المسيء } { وجيء } و { يضيء } { أن تبوء } { لتنوء } { وما عملت من سوء } أم لين نحو { شيء } { قوم سوء } { مثل السوء }
____________________
(1/238)
1166 وأما الإدغام ففيما آخره همز بعد ياء أو واو زائدتين فإنه يوقف عليه عند حمزة أيضا بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله نحو { النسيء } و { بريء } و { قروء }
1167 وأما الحذف ففي الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلا ويحذفها وقفا وياءات الزوائد وهي التي لم ترسم مائة وإحدى وعشرون منها خمس وثلاثون في حشو الآي والباقي في رؤوس الآي فنافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو جعفر يثبتونها في الوصل دون الوقف وابن كثير ويعقوب يثبتان في الحالين وابن عامر وعاصم وخلف يحذفون في الحالين وربما خرج بعضهم عن أصله في بعضها
1168 وأما الإثبات ففي الياءات المحذوفات وصلا عند من يثبتها وقفا نحو { هاد } و { وآل } و { واق } و { باق }
1169 وأما الإلحاق فما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها في { عم } و { فيم } و { بم } و { لم } و { مم } والنون المشددة من جمع الإناث نحو { هن } و { مثلهن } والنون المفتوحة نحو { العالمين } و { الذين } و { المفلحون } والمشدد المبني نحو { ألا تعلوا علي } و { خلقت بيدي } و { بمصرخي } و { لدى } قاعدة
1170 أجمعوا على لزوم اتباع رسم المصاحف العثمانية في الوقف إبدالا وإثباتا وحذفا ووصلا وقطعا إلا أنه ورد عنهم اختلاف في أشياء بأعيانها كالوقف بالهاء على ما كتب بالتاء وبإلحاق الهاء فيما تقدم وغيره وبإثبات الياء في مواضع لم ترسم بها والواو في { ويدع الإنسان } { يوم يدع الداع } { سندع الزبانية } و { ويمح الله الباطل } والألف في / < أيه المؤمنون > / / < أيه الساحر > / / < أيه الثقلان > /
وتحذف النون في { وكأين } حيث وقع فإن أبا عمرو يقف عليه بالياء ويوصل { أياما } في الإسراء و { مال } في النساء والكهف والفرقان وسأل وقطع { ويكأن } { ويكأنه } و { ألا يسجدوا }
ومن القراء من يتبع الرسم في الجميع
____________________
(1/239)
النوع التاسع والعشرون في بيان الموصول لفظا المفصول معنى
1171 وهو نوع مهم جدير أن يفرد بالتصنيف وهو أصل كبير في الوقف ولهذا جعلته عقبه وبه يحصل حل إشكالات وكشف معضلات كثيرة من ذلك قوله تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها } إلى قوله { جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون } فإن الآية في قصة آدم وحواء كما يفهمه السياق وصرح به في حديث أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق الحسن عن سمرة مرفوعا وأخرجه ابن أبي حاتم وغيره بسند صحيح عن ابن عباس لكن آخر الآية مشكل حيث نسب الإشراك إلى آدم وحواء وآدم نبي مكلم والأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوة وبعدها إجماعا وقد جر ذلك بعضهم إلى حمل الآية على غير آدم وحواء وأنها في رجل وزوجته كانا من أهل الملك وتعدى إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته وما زلت في وقفة من ذلك حتى رأيت ابن أبي حاتم قال أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدي في قوله { فتعالى الله عما يشركون } قال هذه فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب
1172 وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة سمعت صدقة بن عبد الله بن كثير المكي يحدث عن السدي قال هذا من الموصول المفصول
1173 وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا مهران عن سفيان عن السدي عن أبي مالك قال هذه مفصولة إطاعة في الولد { فتعالى الله عما يشركون } هذه لقوم محمد فانحلت عني هذه العقدة وانجلت لي هذه المعضلة واتضح بذلك أن آخر قصة آدم وحواء { فيما }
____________________
(1/240)
{ آتاهما } ) وأن ما بعده تخلص إلى قصة العرب وإشراكهم الأصنام ويوضح ذلك تغيير الضمير إلى الجمع بعد التثنية ولو كانت القصة واحدة لقال عما يشركان كقوله { دعوا الله ربهما } { فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما } وكذلك الضمائر في قوله بعده { أيشركون ما لا يخلق شيئا } وما بعده إلى آخر الآيات وحسن التخلص والإستطراد من أساليب القرآن
1174 ومن ذلك قوله تعالى { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون } الآية فإنه على تقدير الوصل يكون الراسخون يعلمون تأويله وعلى تقدير الفصل بخلافه وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ويؤيد ذلك كون الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ
1175 ومن ذلك قوله تعالى { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فإن ظاهر الآية يقتضي أن القصر مشروط بالخوف وأنه لا قصر مع الأمن وقد قال به لظاهر الآية جماعة منهم عائشة لكن بين سبب النزول أن هذا من الموصول المفصول فأخرج ابن جرير من حديث علي قال سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها فأنزل الله بين الصلاتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } إلى قوله { عذابا مهينا } فنزلت صلاة الخوف فتبين بهذا الحديث أن قوله { إن خفتم } شرط فيما بعده وهو صلاة الخوف لا في صلاة القصر وقد قال ابن جرير هذا تأويل في الآية حسن لو لم تكن في الآية إذا
1176 قال ابن الفرس ويصح مع إذا على جعل الواو زائدة
____________________
(1/241)
1177 قلت يعني ويكون من اعتراض الشرط على الشرط وأحسن منه أن تجعل إذا زائدة بناء على قول من يجيز زيادتها
1178 وقال ابن الجوزي في كتابه التفسير قد تأتي العرب بكلمة إلى جانب كلمة أخرى كأنها معها وهي غير متصلة بها وفي القرآن { يريد أن يخرجكم من أرضكم } هذا قول الملأ فقال فرعون { فماذا تأمرون }
1179 ومثله { أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين } انتهى كلامها فقال يوسف { ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب }
1180 ومثله { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } هذا منتهى قولها فقال تعالى { وكذلك يفعلون }
1181 ومثله { من بعثنا من مرقدنا } انتهى قول الكفار فقالت الملائكة { هذا ما وعد الرحمن } وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في هذه الآية قال آية من كتاب الله أولها أهل الضلالة وآخرها أهل الهدى قالوا { يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا } هذا قول أهل النفاق وقال أهل الهدى حين بعثوا من قبورهم { هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون }
1182 وأخرج عن مجاهد في قوله { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } قال وما يدريكم أنهم يؤمنون إذا جاءت ثم استقبل بخبر فقال { أنها إذا جاءت لا يؤمنون }
____________________
(1/242)
النوع الثلاثون في الإمالة والفتح وما بينهما
1183 أفرده بالتصنيف جماعة من القراء منهم ابن القاصح عمل كتابه قرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين
1184 قال الداني الفتح والإمالة لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فالفتح لغة أهل الحجاز والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد وقيس قال والأصل فيها حديث حذيفة مرفوعا إقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم وأصوات أهل الفسق وأهل الكتابين قال فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة ومن لحون العرب وأصواتها
1185 وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء قال يعني بالألف والياء التفخيم والإمالة
1186 وأخرج في تاريخ القراء من طريق أبي عاصم الضرير الكوفي عن محمد بن عبد الله عن عاصم عن زر بن حبيش قال قرأ رجل على عبد الله بن مسعود طه ولم يكسر فقال عبد الله طه وكسر الطاء والهاء فقال الرجل طه ولم يكسر فقال عبد الله طه وكسر الطاء والهاء فقال الرجل طه ولم يكسر فقال عبد الله طه وكسر ثم قال هكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن الجزري هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ورجاله ثقات إلا محمد بن عبيد الله وهو العزرمي فإنه ضعيف عند أهل الحديث وكان رجلا صالحا لكن ذهبت
____________________
(1/243)
كتبه فكان يحدث من حفظه فأتي عليه من ذلك
قلت وحديثه هذا أخرجه ابن مردويه في تفسيره وزاد في آخره وكذا نزل بها جبريل
1187 وفي جمال القراء عن صفوان بن عسال أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { يا يحيى } فقيل له يا رسول الله تميل وليس هي لغة قريش فقال هي لغة الأخوال بني سعد
1188 وأخرج ابن أشته عن ابن أبي حاتم قال احتج الكوفيون في الإمالة بأنهم وجدوا في المصحف الياءات في موضع الألفات فاتبعوا الخط وأمالوا ليقربوا من الياءات
1189 الإمالة أن ينحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء كثيرا وهو المحض ويقال له أيضا الإضجاع والبطح والكسر قليلا وهو بين اللفظين ويقال له أيضا التقليل والتلطيف وبين بين فهي قسمان شديدة ومتوسطة وكلاهما جائز في القراءة والشديدة يجتنب معها القلب الخالص والإشباع المبالغ فيه والمتوسطة بين الفتح المتوسط والإمالة الشديدة
1190 قال الداني وعلماؤنا مختلفون أيهما أوجه وأولى وأنا أختار الإمالة الوسطى التي هي بين بين لأن الغرض من الإمالة حاصل بها وهو الإعلام بأن أصل الألف الياء والتنبيه على انقلابها إلى الياء في موضع أو مشاكلتها للكسر المجاور لها أو الياء
1191 وأما الفتح فهو فتح القارئ فاه بلفظ الحرف ويقال له التفخيم وهو شديد ومتوسط فالشديد هو نهاية فتح الشخص فاه بذلك الحرف ولا يجوز في القرآن بل هو معدوم في لغة العرب والمتوسط ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة قال الداني وهذا هو الذي يستعمله أصحاب الفتح من القراء
1192 واختلفوا هل الإمالة فرع عن الفتح أو كل منهما أصل برأسه ووجه الأول أن الإمالة لا تكون إلا لسبب فإن فقد لزم الفتح وإن وجد جاز الفتح والإمالة فما من كلمة تمال إلا في العرب من يفتحها فدل اطراد الفتح على أصالته وفرعيتها
____________________
(1/244)
1193 والكلام في الإمالة من خمسة أوجه أسبابها ووجوهها وفائدتها ومن يميل وما يمال
1194 أما أسبابها فذكرها القراء عشرة قال ابن الجزري وهي ترجع إلى شيئين أحدهما الكسرة والثاني الياء وكل منهما يكون متقدما على محل الإمالة من الكلمة أو متأخرا عنه ويكون أيضا مقدرا في محل الإمالة وقد تكون الكسرة والياء غير موجودتين في اللفظ ولا مقدرتين في محال الإمالة ولكنهما مما يعرض في بعض تصاريف الكلمة وقد تمال الألف أو الفتحة لأجل ألف أخرى أو فتحة أخرى ممالة وتسمى هذه إمالة لأجل إمالة وقد تمال الألف تشبيها بالألف الممالة
1195 قال ابن الجزري وتمال أيضا بسبب كثرة الاستعمال وللفرق بين الاسم والحرف فتبلغ الأسباب اثني عشر سببا فأما الإمالة لأجل الكسرة السابقة فشرطها أن يكون الفاصل بينها وبين الألف حرفا واحدا نحو كتاب وحساب وهذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف وأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة أو حرفين أولهما ساكن نحو إنسان أو مفتوحين والثاني هاء لخفائها
1196 وأما الياء السابقة فأما ملاصقة للألف كالحياة والأيامى أو مفصولة بحرفين أحدهما الهاء كيدها
وأما الكسرة المتأخرة فسواء كانت لازمة نحو عابد أم عارضة نحو من الناس وفي النار وأما الياء المتأخرة فنحو مبايع وأما الكسرة المقدرة فنحو خاف إذا الأصل خوف
وأما الياء المقدرة فنحو يخشى والهدى وأبى والثرى فإن الألف في كل ذلك منقلبة عن ياء تحركت وانفتح ما قبلها
وأما الكسرة العارضة في بعض أحوال الكلمة فنحو طاب وجاء وشاء وزاد لأن الفاء تكسر من ذلك مع ضمير الرفع المتحرك
وأما الياء العارضة كذلك نحو تلا وغزا فإن ألفهما عن واو وإنما أميلت لانقلابها ياء في تلي وغزي
1197 وأما الإمالة لأجل الإمالة فكإمالة الكسائي الألف بعد النون من { إنا }
____________________
(1/245)
{ لله } ) لإمالة الألف من { لله } ولم يمل { وإنا إليه } لعدم ذلك بعده وجعل من ذلك إمالة الضحى والقرى وضحاها وتلاها
1198 وأما الإمالة لأجل الشبه فإمالة ألف التأنيث في نحو الحسنى وألف موسى وعيسى لشبهها بألف الهدى
1199 وأما الإمالة لكثرة الاستعمال فكإمالة الناس في الأحوال الثلاث على ما رواه صاحب المبهج
1200 وأما الإمالة للفرق بين الاسم والحرف فكإمالة الفواتح كما قال سيبويه إن إمالة باء وتاء في حروف المعجم لأنها أسماء ما يلفظ به فليست مثل ما ولا وغيرهما من الحروف
1201 وأما وجوهها فأربعة ترجع إلى الأسباب المذكورة أصلها اثنان المناسبة والإشعار فأما المناسبة فقسم واحد وهو فيما أميل لسبب موجود في اللفظ وفيما أميل لإمالة غيره فإنهم أرادوا أن يكون عمل اللسان ومجاورة النطق بالحرف الممال لسبب الإمالة من وجه واحد وعلى نمط واحد
1202 وأما الإشعار فثلاثة أقسام إشعار بالأصل وإشعار بما يعرض في الكلمة في بعض المواضع وإشعار بالشبه المشعر بالأصل
1203 وأما فائدتها فسهولة اللفظ وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة والانحدار أخف على اللسان من الارتفاع فلهذا أمال من أمال وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح أمتن أو الأصل
1204 أما من أمال فكل القراء العشرة إلا ابن كثير فإنه لم يمل شيئا في جميع القرآن
1205 وأما ما يمال فموضع استيعابه كتب القراءات والكتب المؤلفة في الإمالة
____________________
(1/246)
ونذكر هنا ما يدخل تحت ضابط
فحمزة والكسائي وخلف أمالوا كل ألف منقلبة عن ياء حيث وقعت في القرآن في اسم أو فعل كالهدى والهوى والفتى والعمى والزنا وأتى وأبى وسعى ويخشى ويرضى واجتبى واشترى ومثوى ومأوى وأدنى وأزكى
وكل ألف تأنيث على فعلى بضم الفاء أو كسرها أو فتحها كطوبى وبشرى وقصوى والقربى والأنثى والدنيا وإحدى وذكرى وسيما وضيزى وموتى ومرضى والسلوى والتقوى وألحقوا بذلك موسى وعيسى ويحيى
وكل ما كان على وزن فعالى بالضم أو الفتح كسكارى وكسالى وأسارى ويتامى ونصارى والأيامى
وكل ما رسم في المصاحف بالياء نحو بلى ومتى ويا أسفى ويا ويلتى ويا حسرتى وأنى للإستفهام واستثنى من ذلك حتى وإلى وعلى ولدى وما زكى فلم تمل بحال
وكذلك أمالوا من الواوي ما كسر أوله أو ضم وهو الربا كيف وقع والضحى كيف جاء والقوى والعلى
1206 وأمالوا رؤوس الآي من إحدى عشرة سورة جاءت على نسق وهي طه والنجم وسأل والقيامة والنازعات وعبس والأعلى والشمس والليل والضحى والعلق ووافق على هذه السور أبو عمرو وورش
1207 وأمال أبو عمرو كل ما كان فيه راء بعد ألف بأي وزن كان كذكرى وبشرى وأسرى وأراه واشترى ويرى والقرى والنصارى وأسارى وسكارى ووافق على ألفات فعلى كيف أتت
1208 وأمال أبو عمرو والكسائي كل ألف بعدها راء متطرفة مجرورة نحو الدار والنار والقهار والغفار والنهار والديار والكفار والأبكار وبقنطار وأبصارهم وأوبارها وأشعارها وحمارك سواء كانت الألف أصلية أم زائدة
1209 وأمال حمزة الألف من عين الفعل الماضي من عشرة أفعال وهي
____________________
(1/247)
زاد وشاء وجاء وخاب وران وخاف وزاغ وطاب وضاق وحاق حيث وقعت وكيف جاءت
1210 وأمال الكسائي هاء التأنيث وما قبلها وقفا مطلقا بعد خمسة عشر حرفا يجمعها قولك فجثت زينب لذود شمس فالفاء كخليفة ورأفة والجيم كوليجة ولجة والثاء كثلاثة وخبيثة والتاء كبغتة والميتة والزاي كبارزة وأعزة والياء كخشية وشية والنون كسنة وجنة والباء كحبة والتوبة واللام كليلة وثلة والذال كلذة والموقوذة والواو كقسوة والمروة والدال كبلدة وعدة والشين كالفاحشة وعيشة والميم كرحمة ونعمة والسين كالخامسة وخمسة
1211 ويفتح مطلقا بعد عشرة حرف وهي جاع وحروف الاستعلاء قظ خص ضغط والأربعة الباقية وهي أكهر إن كان قبل كل منها ياء ساكنة أو كسرة متصلة أو منفصلة بساكن يميل وإلا يفتح
1212 وبقي أحرف فيها خلف وتفصيل ولا ضابط يجمعها فلتنظر من كتب الفن
1213 وأما فواتح السور فأمال الر في السور الخمسة حمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وبين بين ورش
1214 وأمال الهاء من فاتحة مريم وطه وأبو عمرو والكسائي وأبو بكر
1215 وأمال حمزة وخلف طه دون مريم
1216 وأمال الياء من أول مريم من أمال الر إلا أبا عمرو على المشهور عنه
ومن أول يس الثلاثة الأولون وأبو بكر وروح
1217 وأمال هؤلاء الأربعة الطاء من طه وطسم وطس والحاء من حم في السور السبع ووافقهم في الحاء ابن ذكوان خاتمة
1218 كره قوم الإمالة لحديث نزل القرآن بالتفخيم وأجيب عنه بأوجه
أحدها أنه نزل بذلك ثم رخص في الإمالة
____________________
(1/248)
ثانيها أن معناه أنه يقرأ على قراءة الرجال لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء
ثالثها أن معناه أنزل بالشدة والغلظة على المشركين قال في جمال القراء وهو بعيد في تفسير الخبر لأنه نزل أيضا بالرحمة والرأفة
رابعها أن معناه بالتعظيم والتبجيل أي عظموه وبجلوه فحض بذلك على تعظيم القرآن وتبجيله
خامسها أن المراد بالتفخيم تحريك أوساط الكلم بالضم والكسر في المواضع المختلف فيها دون إسكانها لأنه أشبع لها وأفخم
1219 قال الداني وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس ثم قال حدثنا ابن خاقان حدثنا أحمد بن محمد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا القاسم سمعت الكسائي يخبر عن سلمان عن الزهري قال قال ابن عباس نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم نحو قوله الجمعة وأشباه ذلك من التثقيل ثم أورد حديث الحاكم عن زيد بن ثابت مرفوعا نزل القرآن بالتفخيم
1220 وقال محمد بن مقاتل أحد رواته سمعت عمارا يقول { عذرا أو نذرا } و { الصدفين } يعني بتحريك الأوسط في ذلك
1221 قال ويؤيده قول أبي عبيدة أهل الحجاز يفخمون الكلام كله إلا حرفا واحدا عشرة فإنهم يجزمونه وأهل نجد يتركون التفخيم في الكلام إلا هذا الحرف فإنهم يقولون عشرة بالكسر
1222 قال الداني فهذا الوجه أولى في تفسير الخبر
____________________
(1/249)
النوع الحادي والثلاثون في الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب
1223 أفرد ذلك بالتصنيف جماعة من القراء
1224 الإدغام هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشددا وينقسم إلى كبير وصغير الإدغام الكبير
1225 فالكبير ما كان أول الحرفين فيه متحركا سواء كانا مثلين أم جنسين أم متقاربين وسمي كبيرا لكثرة وقوعه إذ الحركة أكثر من السكون وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه وقيل لما فيه من الصعوبة وقيل لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين والمشهور بنسبته إليه من الإئمة العشرة هو أبو عمرو بن العلاء وورد عن جماعة خارج العشرة كالحسن البصري والأعمش وابن محيصن وغيرهم
1226 ووجهه طلب التخفيف وكثير من المصنفين في القراءات لم يذكروه البتة كأبي عبيد في كتابه وابن مجاهد في مسبعته ومكي في تبصرته
____________________
(1/250)
والطلمنكي في روضته وابن سفيان في هاديه وابن شريح في كافيه والمهدوي في هدايته وغيرهم
1227 قال في تقريب النشر ونعني بالمتماثلين ما اتفقا مخرجا وصفة والمتجانسين ما اتفقا مخرجا واختلفا صفة وبالمتقاربين ما تقاربا مخرجا أو صفة فأما المدغم من المتماثلين فوقع في سبعة عشر حرفا وهي الباء والتاء والثاء والحاء والراء والسين والعين والغين والفاء والقاف والكاف واللام والميم والنون والواو والهاء والياء نحو { الكتاب بالحق } { الموت تحبسونهما } { حيث ثقفتموهم } { النكاح حتى } { شهر رمضان } { الناس سكارى } { يشفع عنده } { يبتغ غير الإسلام } { اختلف فيه } { أفاق قال } { إنك كنت } { لا قبل لهم } { الرحيم مالك } { ونحن نسبح } { فهو وليهم } { فيه هدى } { يأتي يوم }
1228 وشرطه أن يلتقي المثلان خطا فلا يدغم في نحو { أنا نذير } من أجل وجود الألف وأن يكونا من كلمتين فإن التقيا من كلمة فلا يدغم إلا في حرفين نحو { مناسككم } في البقرة و { ما سلككم } في المدثر وألا يكون الأول تاء ضمير المتكلم أو خطابا فلا يدغم نحو { كنت ترابا } { أفأنت تسمع } ولا مشددا فلا يدغم نحو { مس سقر } { رب بما } ولا منونا فلا يدغم نحو { غفور رحيم } { سميع عليم }
1229 وأما المدغم من المتجانسين والمتقاربين فهو ستة عشر حرفا يجمعها رض سنشد حجتك بذل قثم وشرطه ألا يكون الأول مشددا نحو { أشد }
____________________
(1/251)
{ ذكرا } ) ولا منونا نحو { في ظلمات ثلاث } ولا تاء ضمير نحو { خلقت طينا } فالباء تدغم في الميم في { يعذب من يشاء } فقط
1230 والتاء في عشرة أحرف الثاء { بالبينات ثم } والجيم { الصالحات جنات } والذال { السيئات ذلك } والزاي { الجنة زمرا } والسين { الصالحات سندخلهم } ولم يدغم { ولم يؤت سعة } للجزم مع خفة الفتحة والشين { بأربعة شهداء } والصاد { والملائكة صفا } والضاد { والعاديات ضبحا } والطاء { وأقم الصلاة طرفي النهار } والظاء { الملائكة ظالمي }
والثاء في خمسة أحرف التاء { حيث تؤمرون } والذال { والحرث ذلك } والسين { وورث سليمان } والشين { حيث شئتما } والضاد { حديث ضيف }
والجيم في حرفين الشين { أخرج شطأه } والتاء { ذي المعارج تعرج }
والحاء في العين في { زحزح عن النار } فقط
1231 والدال في عشرة أحرف التاء { المساجد تلك } { بعد توكيدها } والثاء { يريد ثواب } والجيم { داود جالوت } والذال { والقلائد ذلك } والزاي { يكاد زيتها } والسين { الأصفاد سرابيلهم } والشين { وشهد شاهد } والصاد { نفقد صواع } والضاد { من بعد ضراء } والظاء { يريد ظلما } ولا تدغم مفتوحة بعد ساكن إلا في التاء لقوة التجانس
1232 والذال في السين في قوله { فاتخذ سبيله } والصاد في قوله { ما اتخذ صاحبة }
1233 والراء في اللام نحو { هن أطهر لكم } { المصير لا يكلف } { والنهار لآيات } فإن فتحت وسكن ما قبلها لم تدغم نحو { والحمير لتركبوها }
1234 والسين في الزاي في قوله { وإذا النفوس زوجت } والشين في قوله { الرأس شيبا }
1235 والشين في السين في { ذي العرش سبيلا } فقط والضاد في { لبعض شأنهم } فقط
1236 والقاف في الكاف إذا ما تحرك ما قبلها نحو { ينفق كيف يشاء } وكذا إذا كانت معها في كلمة واحدة وبعدها ميم نحو { خلقكم }
____________________
(1/252)
1237 والكاف في القاف إذا تحرك ما قبلها نحو { ونقدس لك قال } إلا إن سكن نحو { وتركوك قائما }
1238 واللام في الراء إذا تحرك ما قبلها نحو { رسل ربك } أو سكن وهي مضمومة أو مكسورة نحو { لقول رسول } { إلى سبيل ربك } إلا إن فتحت نحو { فيقول رب } إلا لام قال فإنها تدغم حيث وقعت نحو { قال رب } { قال رجلان }
1239 والميم تسكن عند الباء إذا تحرك ما قبلها فتخفى بغنة نحو { بأعلم بالشاكرين } { يحكم بينهم } { مريم بهتانا } وهذا نوع من الإخفاء المذكور في الترجمة وذكر ابن الجزري له في أنواع الإدغام تبع فيه بعض المتقدمين وقد قال هو في النشر إنه غير صواب فإن سكن ما قبلها أظهرت نحو { إبراهيم بنيه }
1240 والنون تدغم إذا تحرك ما قبلها في الراء وفي اللام نحو { تأذن ربك } { لن نؤمن لك } فإن سكن أظهرت عندهما نحو { يخافون ربهم } { أن يكون لهم } إلا نون نحن فإنها تدغم نحو { نحن له } { وما نحن لك } لكثرة دورها وتكرار النون فيها ولزوم حركتها وثقلها تنبيهان
1241 الأول وافق أبو عمرو حمزة ويعقوب في أحرف مخصوصة استوعبها ابن الجزري في كتابيه النشر والتقريب
1242 الثاني أجمع الأئمة العشرة على إدغام { ما لك لا تأمنا على يوسف } واختلفوا في اللفظ به فقرأ أبو جعفر بإدغامه محضا بلا إشارة وقرأ الباقون بالإشارة روما وإشماما ضابط
1243 قال ابن الجزري جميع ما أدغمه أبو عمرو من المثلين والمتقاربين إذا وصل السورة بالسورة ألف حرف وثلاثمائة وأربعة أحرف لدخول آخر القدر بلم يكن وإذا بسمل ووصل آخر السورة بالبسملة ألف وثلاثمائة وخمسة لدخول آخر الرعد بأول إبراهيم وآخر إبراهيم بأول الحجر وإذا فصل بالسكت ولم يبسمل ألف وثلاثمائة وثلاثة
____________________
(1/253)
الإدغام الصغير
1244 وأما الإدغام الصغير فهو ما كان الحرف الأول فيه ساكنا وهو واجب وممتنع وجائز والذي جرت عادة القراء بذكره في كتب الخلاف هو الجائز لأنه الذي اختلف القراء فيه وهو قسمان
الأول إدغام حرف من كلمة في حروف متعددة من كلمات متفرقة وتنحصر في إذ وقد وتاء التأنيث وهل وبل
1245 فإذ اختلف في إدغامها وإظهارها عند ستة أحرف التاء { إذ تبرأ } والجيم { إذ جعل } والدال { إذ دخلت } والزاي { وإذ زاغت } والسين { إذ سمعتموه } والصاد { وإذ صرفنا }
1246 وقد اختلف فيها عند ثمانية أحرف الجيم { ولقد جاءكم } والذال { ولقد ذرأنا } والزاي { ولقد زينا } والسين { قد سألها } والشين { قد شغفها } والصاد { ولقد صرفنا } والضاد { قد ضلوا } والظاء { فقد ظلم }
1247 وتاء التأنيث اختلف فيها عند ستة أحرف الثاء { بعدت ثمود } والجيم { نضجت جلودهم } والزاي { خبت زدناهم } والسين { أنبتت سبع سنابل } والصاد { لهدمت صوامع } والظاء { كانت ظالمة }
1248 ولام هل وبل اختلف فيها عند ثمانية أحرف تختص بل منها بخمسة الزاي { بل زين } والسين { بل سولت } والضاد { بل ضلوا } والطاء { بل طبع } والظاء { بل ظننتم }
1249 وتختص هل بالثاء { هل ثوب } ويشتركان في التاء والنون { هل تنقمون } { بل تأتيهم } { هل نحن } { بل نتبع }
1250 القسم الثاني إدغام حروف قربت مخارجها وهي سبعة عشر حرفا اختلف فيها
أحدها الباء عند الفاء في { أو يغلب فسوف } { وإن تعجب فعجب } { اذهب فمن } { فاذهب فإن } { ومن لم يتب فأولئك }
الثاني { يعذب من يشاء } في البقرة
____________________
(1/254)
الثالث { اركب معنا } في هود
الرابع { نخسف بهم } في سبأ
الخامس الراء الساكنة عند اللام نحو { يغفر لكم } { واصبر لحكم ربك }
السادس اللام الساكنة في الذال { من يفعل ذلك } حيث وقع
السابع الثاء في الذال في { يلهث ذلك }
الثامن الدال في الثاء { ومن يرد ثواب } حيث وقع
التاسع الذال في التاء من { اتخذتم } وما جاء من لفظه
العاشر الذال فيها من { فنبذتها } في طه
الحادي عشر الذال فيها أيضا في { عذت بربي } في غافر والدخان
الثاني عشر الثاء من { لبثتم } و { لبثت } كيف جاءا
الثالث عشر الثاء في { أورثتموها } في الأعراف والزخرف
الرابع عشر الدال في الذال في { كهيعص ذكر }
الخامس عشر النون في الواو من { يس والقرآن }
السادس عشر النون فيها من { ن والقلم }
السابع عشر النون عند الميم من { طسم } أول الشعراء والقصص قاعدة
1251 كل حرفين التقيا أولهما ساكن وكانا مثلين أو جنسين وجب إدغام الأول منهما لغة وقراءة
فالمثلان نحو { اضرب بعصاك } { ربحت تجارتهم } { وقد دخلوا } { اذهب بكتابي } { وقل لهم } { وهم من } { عن نفس } { يدرككم } { يوجهه }
والجنسان نحو { قالت طائفة } { وقد تبين } { إذ ظلمتم } { بل ران } هل رأيتم { قل رب } ما لم يكن أول المثلين حرف مد نحو { قالوا وهم } { الذي يوسوس } أو أول الجنسين حرف حلق نحو { فاصفح عنهم } فائدة
1252 كره قوم الإدغام في القرآن وعن حمزة أنه كرهه في الصلاة فتحصلنا على ثلاثة أقوال
____________________
(1/255)
تذنيب
1253 يلحق بالقسمين السابقين قسم آخر اختلف في بعضه وهو أحكام النون الساكنة والتنوين ولهما أحكام أربعة إظهار وإدغام وإقلاب وإخفاء
1254 فالإظهار لجميع القراء عند ستة أحرف وهي حروف الحلق الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء نحو { وينأون } { من آمن } { فانهار } { من هاد } { جرف هار } { أنعمت } { من عمل } { عذاب عظيم } { وانحر } { من حكيم حميد } { فسينغضون } { من غل } { إله غيره } { والمنخنقة } { من خير } { قوم خصمون }
وبعضهم يخفي عند الخاء والغين
1255 والإدغام في ستة حرفان بلا غنة وهما اللام والراء نحو { فإن لم تفعلوا } { هدى للمتقين } { من ربهم } { ثمرة رزقا } وأربعة بغنة وهي النون والميم والياء والواو نحو { عن نفس } { حطة نغفر } { من مال } { مثلا ما } { من وال } { ورعد وبرق } { من يقول } { وبرق يجعلون } وبعضهم يدغم في الواو والياء بلا غنة
1256 والإقلاب عند حرف واحد وهو الباء نحو { أنبئهم } { من بعدهم } { صم بكم } بقلب النون والتنوين عند الباء ميما خاصة فتخفى بغنة
1257 والإخفاء عند باقي الحروف وهي خمسة عشر التاء والثاء والجيم والدال والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء والفاء والقاف والكاف نحو { كنتم } { من تاب } { جنات تجري } { الأنثى } { من ثمرة } { قولا ثقيلا } { أنجيتنا } { إن جعل } { خلقا جديدا } { أندادا } { أن دعوا } { وكأسا دهاقا } { أأنذرتهم } { من ذهب } { وكيلا ذرية } { تنزيل من } { من زوال } { صعيدا زلقا } { الإنسان } { من سوء } { ورجلا سلما } { أنشره } { إن شاء } { غفور شكور } { والأنصار } { أن صدوكم } / < جمالات صفر > / { منضود } { من ضل } { وكلا ضربنا } { المقنطرة } { من طين } { صعيدا طيبا } { ينظرون } { من ظهير } { ظلا ظليلا } { فانفلق } { من فضله } { خالدا فيها } { انقلبوا } { من قرار } { سميع قريب } { المنكر } { من كتاب } { كتاب كريم }
والإخفاء حالة بين الإدغام والإظهار ولا بد من الغنة معه
____________________
(1/256)
النوع الثاني والثلاثون في المد والقصر
1258 أفرده جماعة من القراء بالتصنيف والأصل في المد ما أخرجه سعيد ابن منصور في سننه حدثنا شهاب بن خراش حدثني مسعود بن يزيد الكندي قال كان ابن مسعود يقرئ رجلا فقرأ الرجل { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } مرسلة فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن فقال أقرأنيها { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فمد وهذا حديث حسن جليل حجة ونص في الباب رجال إسناده ثقات أخرجه الطبراني في الكبير
1259 المد عبارة عن زيادة مط في حرف المد على المد الطبيعي وهو الذي لا تقوم ذات حرف المد دونه
1260 والقصر ترك تلك الزيادة وإبقاء المد الطبيعي على حاله
1261 وحرف المد الألف مطلقا والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها
1262 وسببه لفظي ومعنوي فاللفظي إما همز أو سكون فالهمز يكون بعد حرف المد وقبله والثاني نحو آدم ورأى وإيمان وخاطئين وأوتوا والموؤودة
1263 والأول إن كان معه في كلمة واحدة فهو المتصل نحو { أولئك } { شاء الله } و { السوأى } و { من سوء } و { يضيء }
1264 وإن كان حرف المد آخر كلمة والهمز أول أخرى فهو المنفصل نحو { بما أنزل } { يا أيها } { قالوا آمنا } { وأمره إلى الله } { في أنفسكم } { به إلا الفاسقين }
____________________
(1/257)
1265 ووجه المد لأجل الهمز أن حرف المد خفي والهمز صعب فزيد في الخفي ليتمكن من النطق بالصعب
1266 والسكون إما لازم وهو الذي لا يتغير في حاليه نحو { الضالين } و { دابة } و { الم } و { أتحاجوني } أو عارض وهو الذي يعرض للوقف ونحوه نحو { العباد } و { الحساب } و { نستعين } و { الرحيم } و { يوقنون } حالة الوقف و { فيه هدى } و { قال لهم } و { يقول ربنا } حالة الإدغام
1267 ووجه المد للسكون التمكن من الجمع بين الساكنين فكأنه قام مقام حركة
1268 وقد أجمع القراء على مد نوعي المتصل وذي الساكن اللازم وإن اختلفوا في مقداره واختلفوا في مد النوعين الآخرين وهما المنفصل وذو الساكن العارض وفي قصرهما
1269 فأما المتصل فاتفق الجمهور على مده قدرا واحدا مشبعا من غير إفحاش
1270 وذهب آخرون إلى تفاضله كتفاضل المنفصل فالطولى لحمزة وورش ودونها لعاصم ودونها لابن عامر والكسائي وخلف ودونها لأبي عمرو والباقين
1271 وذهب بعضهم إلى أنه مرتبتان فقط الطولى لمن ذكر والوسطي لمن بقي
1272 وأما ذو الساكن ويقال له مد العدل لأنه يعدل حركة فالجمهور أيضا على مده مشبعا قدرا واحدا من غير إفراط وذهب بعضهم إلى تفاوته
1273 وأما المنفصل ويقال له مد الفصل لأنه يفصل بين الكلمتين ومد البسط لأنه يبسط بين الكلمتين ومد الاعتبار لاعتبار الكلمتين من كلمة ومد حرف بحرف أي مد كلمة بكلمة والمد الجائز من أجل الخلاف في مده وقصره فقد اختلفت العبارات في مقدار مده اختلافا لا يمكن ضبطه
1274 والحاصل أن له سبع مراتب
الأولى القصر وهو حذف المد العرضي وإبقاء ذات حرف المد على ما فيها
____________________
(1/258)
من غير زيادة وهي في المنفصل خاصة لأبي جعفر وابن كثير ولأبي عمرو عند الجمهور
الثانية فويق القصر قليلا وقدرت بألفين وبعضهم بألف ونصف وهي لأبي عمرو في المتصل والمنفصل عند صاحب التيسير
الثالثة فويقها قليلا وهي التوسط عند الجميع وقدرت بثلاث ألفات وقيل بألفين ونصف وقيل بألفين على أن ما قبلها بألف ونصف وهي لابن عامر والكسائي في الضربين عند صاحب التيسير
الرابعة فويقها قليلا وقدرت بأربع ألفات وقيل بثلاث ونصف وقيل بثلاث على الخلاف فيما قبلها وهي لعاصم في الضربين عند صاحب التيسير
الخامسة فويقها قليلا وقدرت بخمس ألفات وبأربع ونصف وبأربع على الخلاف وهي فيها لحمزة وورش عنده
السادسة فوق ذلك وقدرها الهذلي بخمس ألفات على تقدير الخامسة بأربع وذكر أنها لحمزة
السابعة الإفراط قدرها الهذلي بست وذكرها لورش قال ابن الجزري وهذا الاختلاف في تقدير المراتب بالألفات لا تحقيق وراءه بل هو لفظي لأن المرتبة الدنيا وهي القصر إذا زيد عليها أدنى زيادة صارت ثانية ثم كذلك حتى تنتهي إلى القصوى
1275 وأما العارض فيجوز فيه لكل من القراء كل من الأوجه الثلاثة المد والتوسط والقصر وهي أوجه تخيير وأما السبب المعنوي فهو قصد المبالغة في النفي وهو سبب قوي مقصود عند العرب وإن كان أضعف من اللفظي عند القراء ومنه مد التعظيم في نحو { لا إله إلا هو } { لا إله إلا الله } { لا إله إلا أنت } وقد ورد عن أصحاب القصر في المنفصل لهذا المعنى ويسمى مد المبالغة قال ابن مهران في كتاب المدات إنما سمي مد المبالغة لأنه طلب للمبالغة في نفي إلهية سوى الله تعالى قال وهذا مذهب معروف عند العرب لأنها تمد عند الدعاء وعند الاستغاثة وعند المبالغة في نفي شيء ويمدون ما لا أصل له بهذه العلة قال ابن الجزري وقد ورد عن حمزة مد المبالغة للنفي في لا التي للتبرئة نحو { لا ريب فيه }
____________________
(1/259)
{ لا شية فيها } { لا مرد له } { لا جرم } وقدره في ذلك وسط لا يبلغ الإشباع لضعف سببه نص عليه ابن القصاع
1276 وقد يجتمع السببان اللفظي والمعنوي في نحو { لا إله إلا الله } و { لا إكراه في الدين } و { فلا إثم عليه } فيمد لحمزة مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمز ويلغى المعنوي إعمالا للأقوى وإلغاء للأضعف 1 - قاعدة
1277 إذا تغير سبب المد جاز المد مراعاة للأصل والقصر نظرا للفظ سواء كان السبب همزا أو سكونا سواء تغير الهمز ببين بين أو بإبدال أو حذف والمد أولى فيما بقي لتغير أثره نحو { هؤلاء إن كنتم } في قراءة قالون والبزي والقصر فيما ذهب أثره نحوها في قراءة أبي عمرو 2 - قاعدة
1278 متى اجتمع سببان قوي وضعيف عمل بالقوي وألغي الضعيف إجماعا ويتخرج عليها فروع
منها الفرع السابق في اجتماع اللفظي والمعنوي
ومنها نحو { وجاؤوا أباهم } و { رأى أيديهم } إذا قرئ لورش لا يجوز فيه القصر ولا التوسط بل الإشباع عملا بأقوى السببين وهو المد لأجل الهمز بعده فإن وقف على { جاؤوا } أو { رأي } جازت الأوجه الثلاثة بسبب تقدم الهمز على حرف المد وذهاب سببية الهمز بعده فائدة
1279 قال أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري مدات القرآن على عشرة أوجه
____________________
(1/260)
مد الحجز في نحو / < ءأنذرتهم > / { أأنت قلت للناس } { أئذا متنا } { أؤلقي الذكر عليه } لأنه أدخل بين الهمزتين حاجزا خففهما لاستثقال العرب جمعهما وقدره ألف تامة بالإجماع فحصول الحجز بذلك
ومد العدل في كل حرف مشدد وقبله حرف مد ولين نحو { الضالين } لأنه يعدل حركة أي يقوم مقامها في الحجز بين الساكنين
ومد التمكين في نحو { أولئك } و { الملائكة } و { شعائر } وسائر المدات التي تليها همزة لأنه جلب ليتمكن به من تحقيقها وإخراجها من مخرجها
ومد البسط ويسمى أيضا مد الفصل في نحو { بما أنزل } لأنه يبسط بين كلمتين ويصل به بين كلمتين متصلتين
ومد الروم في نحو { ها أنتم } لأنهم يرومون الهمزة من { أنتم } ولا يحققونها ولا يتركونها أصلا ولكن يلينونها ويشيرون إليها وهذا على مذهب من لا يهمز { ها أنتم } وقدره ألف ونصف
ومد الفرق في نحو { الآن } لأنه يفرق به بين الاستفهام والخبر وقدره ألف تامة بالإجماع فإن كان بين ألف المد حرف مشدد زيد ألف أخرى ليتمكن به من تحقيق الهمزة نحو { والذاكرين الله }
ومد البنية في نحو { ماء } و { دعاء } و { نداء } و / < زكرياء > / لأن الاسم بني على المد فرقا بينه وبين المقصور
ومد المبالغة في نحو { لا إله إلا الله }
ومد البدل من الهمزة في نحو { آدم } و { أخر } و { آمن } وقدره ألف تامة بالإجماع
ومد الأصل في الأفعال الممدودة نحو { جاء } و { شاء } والفرق بينه وبين مد البنية أن تلك الأسماء بنيت على المد فرقا بينها وبين المقصور وهذه مدات في أصول أفعال أحدثت لمعان انتهى
____________________
(1/261)
النوع الثالث والثلاثون في تخفيف الهمز
1280 فيه تصانيف مفردة
اعلم أن الهمز لما كان أثقل الحروف نطقا وأبعدها مخرجا تنوع العرب في تخفيفه بأنواع التخفيف وكانت قريش وأهل الحجاز أكثرهم له تخفيفا ولذلك أكثر ما يرد تخفيفه من طرقهم كابن كثير من رواية ابن فليح وكنافع من رواية ورش وكأبي عمرو فإن مادة قراءته عن أهل الحجاز
1280 م وقد أخرج ابن عدي من طريق موسى بن عبيدة عن نافع عن ابن عمر قال ما همز رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم
قال أبو شامة هذا حديث لا يحتج به وموسى بن عبيدة الربذي ضعيف عند أئمة الحديث
1281 قلت وكذا الحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق حمران بن أعين عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبيء الله فقال لست بنبيء الله ولكني نبي الله قال الذهبي حديث منكر وحمران رافضي ليس بثقة
1282 وأحكام الهمز كثيرة لا يحصيها أقل من مجلد والذي نورده هنا أن تحقيقه أربعة أنواع
أحدها النقل لحركته إلى الساكن قبله فيسقط نحو { قد أفلح } بفتح الدال وبه قرأ نافع من طريق ورش وذلك حيث كان الساكن صحيحا آخرا والهمزة أولا واستثنى أصحاب يعقوب عن ورش { كتابيه إني ظننت } فسكنوا الهاء وحققوا
____________________
(1/262)
الهمزة وأما الباقون فحققوا وسكنوا في جميع القرآن
وثانيها الإبدال بأن تبدل الهمزة الساكنة حرف مد من جنس حركة ما قبلها فتبدل ألفا بعد الفتح نحو { وأمر أهلك } وواوا بعد الضم نحو / < يومنون > / وياء بعد الكسر نحو / < جيت > / وبه يقرأ أبو عمرو وسواء كانت الهمزة فاء أم عينا أم لاما إلا أن يكون سكونها جزما نحو / < ننسأها > / أو بناء نحو / < أرجئه > / أو يكون ترك الهمز فيه أثقل وهو { وتؤوي إليك } في الأحزاب أو يوقع في الالتباس وهو { ورئيا } في مريم فإن تحركت فلا خلاف عنه في التحقيق نحو { يؤوده }
ثالثها التسهيل بينها وبين حركتها فإن اتفق الهمزتان في الفتح سهل الثانية الحرميان وأبو عمرو وهشام وأبدلها ورش ألفا وابن كثير لا يدخل قبلها ألفا وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها والباقون من السبعة يحققون وإن اختلفا بالفتح والكسر سهل الحرميان وأبو عمرو الثانية وأدخل قالون وأبو عمرو قبلها ألفا والباقون يحققون أو بالفتح والضم وذلك في { قل أؤنبئكم } { أأنزل عليه الذكر } { أؤلقي } فقط فالثلاثة يسهلون وقالون يدخل ألفا والباقون يحققون
قال الداني وقد أشار الصحابة إلى التسهيل بكتابة الثانية واوا
رابعها الإسقاط بلا نقل وبه قرأ أبو عمرو إذا اتفقا في الحركة وكانا في كلمتين فإن اتفقا كسرا نحو { هؤلاء إن كنتم } جعل ورش وقنبل الثانية كياء ساكنة وقالون والبزي الأولى كياء مكسورة وأسقطها أبو عمرو والباقون يحققون وإن اتفقا فتحا نحو { جاء أجلهم } جعل ورش وقنبل الثانية كمدة وأسقط الثلاثة الأولى والباقون يحققون أو ضما وهو { أولياء أولئك } فقط أسقطها أبو عمرو وجعلها قالون والبزي كواو مضمومة والآخران يجعلان الثانية كواو ساكنة والباقون يحققون
1283 ثم اختلفوا في الساقط هل هو الأولى أو الثانية الأول عن أبي عمرو والثاني عن الخليل من النحاة
1284 وتظهر فائدة الخلاف في المد فإن كان الساقط الأولى فهو منفصل أو الثانية فهو متصل
____________________
(1/263)
النوع الرابع والثلاثون في كيفية تحمله
1285 اعلم أن حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة صرح به الجرجاني في الشافي والعبادي وغيرهما
1285 م قال الجويني والمعنى فيه ألا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه التبديل والتحريف فإن قام بذلك قوم يبلغون هذا العدد سقط عن الباقين وإلا أثم الكل
وتعليمه أيضا فرض كفاية وهو من أفضل القرب ففي الصحيح خيركم من تعلم القرآن وعلمه
1286 وأوجه التحمل عند أهل الحديث السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه والسماع عليه بقراءة غيره والمناولة والإجازة والمكاتبة والوصية والإعلام والوجادة فأما غير الأولين فلا يأتي هنا لما يعلم مما سنذكره
1287 وأما القراءة على الشيخ فهي المستعملة سلفا وخلفا وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما أخذوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم يأخذ به أحد من القراء والمنع فيه ظاهر لأن المقصود هنا كيفية الأداء وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته بخلاف الحديث فإن المقصود فيه المعنى أو اللفظ لا بالهيئات المعتبرة في أداء القرآن وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضي قدرتهم على الأداء كما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نزل بلغتهم
1288 ومما يدل للقراءة على الشيخ عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل في
____________________
(1/264)
رمضان كل عام ويحكى أن الشيخ شمس الدين بن الجزري لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الخلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة فلم يكتف بقراءته
1289 وتجوز القراءة على الشيخ ولو كان غيره يقرأ عليه في تلك الحالة إذا كان بحيث لا يخفى عليه حالهم وقد كان الشيخ علم الدين السخاوي يقرأ عليه اثنان وثلاثة في أماكن مختلفة ويرد على كل منهم وكذا لو كان الشيخ مشتغلا بشغل آخر كنسخ ومطالعة
وأما القراءة من الحفظ فالظاهر أنها ليست بشرط بل يكفي ولو من المصحف فصل
1290 كيفيات القراءة ثلاث
أحدها التحقيق وهو إعطاء كل حرف حقه من إشباع المد وتحقيق الهمزة وإتمام الحركات وإعتماد الإظهار والتشديدات وبيان الحروف وتفكيكها وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترتيل والتؤدة وملاحظة الجائز من الوقوف بلا قصر ولا اختلاس ولا إسكان محرك ولا إدغامه وهو يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط بتوليد الحروف من الحركات وتكرير الراءات وتحريك السواكن وتطنين النونات بالمبالغة في الغنات كما قال حمزة لبعض من سمعه يبالغ في ذلك أما علمت أن ما فوق البياض برص وما فوق الجعودة قطط وما فوق القراءة ليس بقراءة
وكذا يحترز من الفصل بين حروف الكلمة كمن يقف على التاء من { نستعين } وقفة لطيفة مدعيا أنه يرتل وهذا النوع من القراءة مذهب حمزة وورش وقد أخرج فيه الداني حديثا في كتاب التجويد مسلسلا إلى أبي بن كعب أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم التحقيق وقال إنه غريب مستقيم الإسناد
الثانية الحدر بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين وهو إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمزة ونحو ذلك مما صحت به الرواية مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ
____________________
(1/265)
وتمكن الحروف بدون بتر حروف المد واختلاس أكثر الحركات وذهاب صوت الغنة والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ولا توصف بها التلاوة وهذا النوع مذهب ابن كثير وأبي جعفر ومن قصر المنفصل كأبي عمرو ويعقوب
الثالثة التدوير وهو التوسط بين المقامين من التحقيق والحدر وهو الذي ورد عن أكثر الأئمة ممن مد المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع وهو مذهب سائر القراء وهو المختار عند أكثر أهل الأداء تنبيه
1291 سيأتي في النوع الذي يلي هذا استحباب الترتيل في القراءة والفرق بينه وبين التحقيق فيما ذكره بعضهم أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط فكل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا فصل
1292 من المهمات تجويد القرآن وقد أفرده جماعة كثيرون بالتصنيف ومنهم الداني وغيره أخرج عن ابن مسعود أنه قال جودوا القرآن
1293 قال القراء التجويد حلية القراءة وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ورد الحرف إلى مخرجه وأصله وتلطيف النطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف وإلى ذلك اشار صلى الله عليه وسلم بقوله من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد يعني ابن مسعود وكان رضي الله عنه قد أعطي حظا عظيما في تجويد القرآن ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية وقد عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنا فقسموا اللحن إلى جلي وخفي فاللحن خلل يطرأ على الألفاظ فيخل إلا أن الجلي يخل إخلالا ظاهرا يشترك في معرفته علماء القراءة وغيرهم وهو الخطأ في الإعراب والخفي يخل إخلالا يختص بمعرفته علماء القراءة وأئمة الأداء الذين تلقوه من أفواه العلماء وضبطوه من ألفاظ أهل الأداء
____________________
(1/266)
1294 قال ابن الجزري ولا أعلم لبلوغ النهاية في التجويد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن وقاعدته ترجع إلى معرفة كيفية الوقف والإمالة والإدغام وأحكام الهمز والترقيق والتفخيم ومخارج الحروف وقد تقدمت الأربعة الأول وأما الترقيق فالحروف المستقلة كلها مرققة لا يجوز تفخيمها إلا اللام من اسم الله بعد فتحة أو ضمة إجماعا أو بعد حروف الإطباق في رواية إلا الراء المضمومة أو المفتوحة مطلقا أو الساكنة في بعض الأحوال والحروف المستعلية كلها مفخمة لا يستثنى منها شيء في حال من الأحوال
1295 وأما مخارج الحروف فالصحيح عند القراء ومتقدمي النحاة كالخليل أنها سبعة عشر
وقال كثير من الفريقين ستة عشر فأسقطوا مخرج الحروف الجوفية وهي حروف المد واللين وجعلوا مخرج الألف من أقصى الحلق والواو من مخرج المتحركة وكذا الياء
1296 وقال قوم أربعة عشر فأسقطوا مخرج النون واللام والراء وجعلوها من مخرج واحد
1297 قال ابن الحاجب وكل ذلك تقريب وإلا فلكل حرف مخرج على حدة
1298 قال القراء واختيار مخرج الحرف محققا أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكنا أو مشددا وهو أبين ملاحظا فيه صفات ذلك الحرف
المخرج الأول الجوف للألف والواو والياء الساكنتين بعد حركة تجانسهما
الثاني أقصى الحلق للهمزة والهاء
____________________
(1/267)
الثالث وسطه للعين والحاء المهملتين
الرابع أدناه للفم للغين والخاء
الخامس أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك للقاف
السادس أقصاه من أسفل مخرج القاف قليلا وما يليه من الحنك للكاف
السابع وسطه بينه وبين وسط الحنك للجيم والشين والياء
الثامن للضاد المعجمة من أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس من الجانب الأيسر وقيل الأيمن
التاسع اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى
العاشر للنون من طرفه أسفل اللام قليلا
الحادي عشر للراء من مخرج النون لكنها أدخل في ظهر اللسان
الثاني عشر للطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعدا إلى جهة الحنك
الثالث عشر الحرف الصفير والصاد والسين والزاي من بين طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى
الرابع عشر للظاء والثاء والذال من بين طرفه وأطراف الثنايا العليا
الخامس عشر للفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا
____________________
(1/268)
السادس عشر للباء والميم والواو غير المدية بين الشفتين
السابع عشر الخيشوم للغنة في الإدغام والنون والميم الساكنة
1299 قال في النشر فالهمزة والهاء اشتركا مخرجا وانفتاحا واستفالا وانفردت الهمزة بالجهر والشدة والعين والحاء اشتركا كذلك وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة والغين والخاء اشتركا مخرجا ورخاوة واستعلاء وانفتاحا وانفردت الغين بالجهر والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا وانفردت الجيم بالشدة واشتركت مع الياء في الجهر وانفردت الشين بالهمس والتفشي واشتركت مع الياء في الرخاوة والضاد والظاء اشتركا صفة جهرا ورخاوة واستعلاء واطباقا وافترقا مخرجا وانفردت الضاد بالاستطالة والطاء والدال والتاء اشتركت مخرجا وشدة وانفردت الطاء بالاطباق والاستعلاء واشتركت مع الدال في الجهر وانفردت التاء بالهمس واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال والظاء والذال والثاء اشتركت مخرجا ورخاوة وانفردت الظاء بالاستعلاء والاطباق واشتركت مع الذال في الجهر وانفردت الثاء بالهمس واشتركت مع الذال انفتاحا واستفالا والصاد والزاي والسين اشتركت مخرجا ورخاوة وصفيرا وانفردت الصاد بالإطباق والاستعلاء واشتركت مع السين في الهمس وانفردت الزاي بالجهر واشتركت مع السين في الانفتاح والاستفال فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موفى حقه فليعمل نفسه بإحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب وقوي وضعيف ومفخم ومرقق فيجذب القوي الضعيف ويغلب المفخم المرقق ويصعب على اللسان النطق بذلك على حقه إلا بالرياضة الشديدة فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب حصل حقيقة التجويد
1300 ومن قصيدة الشيخ علم الدين في التجويد ومن خطه نقلت
( لا تحسب التجويد مدا مفرطا % أو مد ما لا مد فيه لوان )
( أو أن تشدد بعد مد همزة % أو أن تلوك الحرف كالسكران )
____________________
(1/269)
( أو أن تفوه بهمزة متهوعا % فيفر سامعها من الغثيان )
( للحرف ميزان فلا تك طاغيا % فيه ولا تك مخسر الميزان )
( فإذا همزت فجيء به متلطفا % من غير ما بهر وغير توان )
( وامدد حروف المد عند مسكن % أو همزة حسنا أخا إحسان ) فائدة
1301 قال في جمال القراء قد إبتدع الناس في قراءة القرآن أصوات الغناء ويقال إن أول ما غني به من القرآن قوله تعالى { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } نقلوا ذلك من تغنيهم بقول الشاعر
( أما القطاة فإني سوف أنعتها % نعتا يوافق عندي بعض ما فيها )
وقد قال صلى الله عليه وسلم في هؤلاء مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم
ومما إبتدعوه شيء سموه الترعيد وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد أو ألم
وآخره سموه الترقيص وهو أن يروم السكون على الساكن ثم ينفر مع الحركة كأنه في عدو أو هرولة
وآخر يسمى التطريب وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به فيمد في غير مواضع المد ويزيد في المد على ما لا ينبغي
وآخر يسمى التحزين وهو أن يأتي على وجه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع
ومن ذلك نوع أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرؤون كلهم بصوت واحد فيقولون في قوله تعالى { أفلا تعقلون } أفل تعقلون بحذف الألف وقال آمنا بحذف الواو ويمدون ما لا يمد ليستقيم لهم الطريق التي سلكوها وينبغي أن يسمى التحريف انتهى فصل في كيفية الأخذ بإفراد القراءات وجمعها
1302 الذي كان عليه السلف أخذ كل ختمة برواية لا يجمعون رواية إلى غيرها إلا أثناء المائة الخامسة فظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة واستقر عليه
____________________
(1/270)
العمل ولم يكونوا يسمحون به إلا لمن أفرد القراءات وأتقن طرقها وقرأ لكل قارئ بختمة على حدة بل إذا كان للشيخ روايات قرؤوا لكل راو بختمة ثم يجمعون له وهكذا
وتساهل قوم فسمحوا أن يقرأ لكل قارئ من السبعة بختمة سوى نافع وحمزة فإنهم كانوا يأخذون بختمة لقالون ثم ختمة لورش ثم ختمة لخلف ثم ختمة لخلاد ولا يسمح أحد بالجمع إلا بعد ذلك نعم إذا رأوا شخصا أفرد وجمع على شيخ معتبر وأجيز وتأهل وأراد أن يجمع القراءات في ختمة لا يكلفونه الإفراد لعلمهم بوصوله إلى حد المعرفة والإتقان ثم لهم في الجمع مذهبان
أحدهما الجمع بالحرف بأن يشرع في القراءة فإذا مر بكلمة فيها خلف أعادها بمفردها حتى يستوفي ما فيها ثم يقف عليها إن صلحت للوقف وإلا وصلها بآخر وجه حتى ينتهي إلى الوقف وإن كان الخلف يتعلق بكلمتين كالمد المنفصل وقف على الثانية واستوعب الخلاف وانتقل إلى ما بعدها وهذا مذهب المصريين وهو أوثق في الاستيفاء وأخف على الآخذ لكنه يخرج عن رونق القراءة وحسن التلاوة
الثاني الجمع بالوقف بأن يشرع بقراءة من قدمه حتى ينتهي إلى وقف ثم يعود إلى القارئ الذي بعده إلى ذلك الوقف ثم يعود وهكذا حتى يفرغ وهذا مذهب الشاميين وهو أشد استحضارا وأشد استظهارا وأطول زمنا وأجود مكانا وكان بعضهم يجمع بالآية على هذا الرسم
1303 وذكر أبو الحسن القيجاطي في قصيدته وشرحها الجامع القراءات شروطا سبعة حاصلها خمسة
أحدها حسن الوقف
ثانيها حسن الابتداء
ثالثها حسن الأداء
____________________
(1/271)
رابعها عدم التركيب فإذا قرأ لقارئ لا ينتقل إلى قراءة غيره حتى يتم ما فيها فإن فعل لم يدعه الشيخ بل يشير إليه بيده فإن لم يتفطن قال لم تصل فإن لم يتفطن مكث حتى يتذكر فإن عجز ذكر له
الخامس رعاية الترتيب في القراءة والابتداء بما بدأ به المؤلفون في كتبهم فيبدأ بنافع قبل ابن كثير وبقالون قبل ورش
1304 قال ابن الجزري والصواب أن هذا ليس بشرط بل مستحب بل الذين أدركناهم من الأستاذين لا يعدون الماهر إلا من يلتزم تقديم شخص بعينه وبعضهم كان يراعي في الجمع التناسب فيبدأ بالقصر ثم بالرتبة التي فوقه وهكذا إلى آخر مراتب المد ويبدأ بالمشبع ثم بما دونه إلى القصر وإنما يسلك ذلك مع شيخ بارع عظيم الاستحضار أما غيره فيسلك معه ترتيب واحد
1305 قال وعلى الجامع أن ينظر ما في الأحرف من الخلاف أصولا وفرشا فما أمكن فيه التداخل أكتفي منه بوجه وما لم يمكن فيه نظر فإن أمكن عطفه على ما قبله بكلمة أو كلمتين أو بأكثر من غير تخليط ولا تركيب إعتمده وإن لم يحسن عطفه رجع إلى موضع ابتدائه حتى يستوعب الأوجه كلها من غير إهمال ولا تركيب ولا إعادة ما دخل فإن الأول ممنوع والثاني مكروه والثالث معيب
1306 وأما القراءة بالتلفيق وخلط قراءة بأخرى فسيأتي بسطه في النوع الذي يلي هذا
1307 وأما القراءات والروايات والطرق والأوجه فليس للقارئ أن يدع منها شيئا أو يخل به فإنه خلل في إكمال الرواية إلا الأوجه فإنها على سبيل التخيير فأي وجه أتى به أجزأه في تلك الرواية
1308 وأما قدر ما يقرأ حال الأخذ فقد كان الصدر الأول لا يزيدون على عشر آيات لكائن من كان وأما من بعدهم فرأوه بحسب قوة الآخذ
1309 قال ابن الجزري والذي استقر عليه العمل الأخذ في الإفراد بجزء من أجزاء مائة وعشرين وفي الجمع بجزء من أجزاء مائتين وأربعين ولم يحد له آخرون حدا وهو اختيار السخاوي
____________________
(1/272)
1310 وقد لخصت هذا النوع ورتبت فيه متفرقات كلام أئمة القراءات وهو نوع مهم يحتاج إليه القارئ كإحتياج المحدث إلى مثله من علم الحديث 1 - فائدة
1311 ادعى ابن خير الإجماع على أنه ليس لأحد أن ينقل حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكن له به رواية ولو بالإجازة فهل يكون حكم القرآن كذلك فليس لأحد أن ينقل آية أو يقرأها ما لم يقرأها على شيخ لم أر في ذلك نقلا ولذلك وجه من حيث أن الاحتياط في أداء ألفاظ القرآن أشد منه في ألفاظ الحديث ولعدم اشتراطه فيه وجه من حيث أن اشتراط ذلك في الحديث وإنما هو لخوف أن يدخل في الحديث ما ليس منه أو يتقول على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله والقرآن محفوظ متلقى متداول ميسر وهذا هو الظاهر 2 - فائدة ثانية
1312 الإجازة من الشيخ غير شرط جواز التصدي للإقراء والإفادة فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف الأولون والصدر الصالح وكذلك في كل علم وفي الإقراء والإفتاء خلافا لما يتوهمه الأغبياء من اعتقاد كونها شرطا وإنما إصطلح الناس على الإجازة لأن أهلية الشخص لا يعلمها غالبا من يريد الأخذ عنه من المبتدئين ونحوهم لقصور مقامهم عن ذلك والبحث عن الأهلية قبل الأخذ شرط فجعلت الإجازة كالشهادة من الشيخ للمجاز بالأهلية 3 - فائدة ثالثة
1313 ما اعتاده كثير من مشايخ القراء من امتناعهم من الإجازة إلا بأخذ مال في مقابلها لا يجوز إجماعا بل إن علم أهليته وجب عليه الإجازة أو عدمها حرم عليه وليست الإجازة مما يقابل بالمال فلا يجوز أخذه عنها ولا الأجرة عليها
1314 وفي فتاوى الصدر موهوب الجزري من أصحابنا أنه سئل عن شيخ طلب من الطالب شيئا على إجازته فهل للطالب رفعه إلى الحاكم وإجباره على الإجازة فأجاب لا تجب الإجازة على الشيخ ولا يجوز أخذ الأجرة عليها
____________________
(1/273)
1315 وسئل أيضا عن رجل أجازه الشيخ بالإقراء ثم بان أنه لا دين له وخاف الشيخ من تفريطه فهل له النزول عن الإجازة فأجاب لا تبطل الإجازة بكونه غير دين وأما أخذ الأجرة على التعليم فجائز ففي البخاري إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله وقيل إن تعين عليه لم يجز واختاره الحليمي وقيل لا يجوز مطلقا وعليه أبو حنيفة لحديث أبي داود عن عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن فأهدى له قوسا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها
وأجاب من جوزه بأن في إسناده مقالا ولأنه تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئا ثم أهدى إليه على سبيل العوض فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم
1316 وفي البستان لأبي الليث التعليم على ثلاثة أوجه
أحدها للحسبة ولا يأخذ به عوضا
والثاني أن يعلم بالأجرة
والثالث أن يعلم بغير شرط فإذا أهدي إليه قبل
فالأول مأجور وعليه عمل الأنبياء والثاني مختلف فيه والأرجح الجواز والثالث يجوز إجماعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معلما للخلق وكان يقبل الهدية 4 - فائدة رابعة
1317 كان ابن بصحان إذا رد على القارئ شيئا فاته فلم يعرفه كتبه عليه عنده فإذا أكمل الختمة وطلب الإجازة سأله عن تلك المواضع فإن عرفها أجازه وإلا تركه يجمع ختمة أخرى 5 - فائدة أخرى
1318 على مريد تحقيق القراءات وإحكام تلاوة الحروف أن يحفظ كتابا
____________________
(1/274)
كاملا يستحضر به اختلاف القراءة وتميز الخلاف الواجب من الخلاف الجائز 6 - فائدة أخرى
1319 قال ابن الصلاح في فتاويه قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها البشر فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك وأنها حريصة لذلك على استماعه من الإنس
____________________
(1/275)
النوع الخامس والثلاثون في آداب تلاوته وتاليه
1320 أفرده بالتصنيف جماعة منهم النووي في التبيان وقد ذكر فيه وفي شرح المهذب وفي الأذكار جملة من الآداب وأنا ألخصها هنا وأزيد عليها أضعافها وأفصلها مسألة مسألة ليسهل تناولها 1 - مسألة
1321 يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته قال تعالى مثنيا على من كان ذلك دأبه { يتلون آيات الله آناء الليل }
1322 وفي الصحيحين من حديث ابن عمر لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار . . .
1323 وروى الترمذي من حديث ابن مسعود من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها
1324 وأخرج من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الرب سبحانه وتعالى من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه
____________________
(1/276)
1325 وأخرج مسلم من حديث أبي أمامة اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه
1326 وأخرج البيهقي من حديث عائشة البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض
1327 وأخرج من حديث أنس نوروا منازلكم بالصلاة وقراءة القرآن
1328 وأخرج من حديث النعمان بن بشير أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن
1329 وأخرج من حديث سمرة بن جندب كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته ومأدبة الله القرآن فلا تهجروه
1330 وأخرج من حديث عبيدة المكي مرفوعا وموقوفا يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن وأتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار وأفشوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون
1331 وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات فأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثماني ختمات أربعا في الليل وأربعا في النهار ويليه من كان يختم في اليوم والليلة أربعا ويليه ثلاثا ويليه ختمين ويليه ختمة
1332 وقد ذمت عائشة ذلك فأخرج ابن أبي داود عن مسلم بن مخراق قال قلت لعائشة إن رجالا يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أو ثلاثا فقالت قرؤوا ولم يقرؤوا كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب ولا بآية فيها تخويف إلا دعا واستعاذ
ويلي ذلك من كان يختم في ليلتين ويليه من كان يختم في كل ثلاث وهو حسن
1333 وكره جماعات الختم في أقل من ذلك لما روى أبو داود والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث
____________________
(1/277)
1334 وأخرج ابن داود وسعيد بن منصور عن ابن مسعود موقوفا قال لا تقرؤوا القرآن في أقل من ثلاث
1335 وأخرج أبو عبيد عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث
1336 وأخرج أحمد وأبو عبيدة عن سعيد بن المنذر وليس له غيره قال قلت يا رسول الله أقرأ القرآن في ثلاث قال نعم إن استطعت
1337 ويليه من ختم في أربع ثم في خمس ثم في ست ثم في سبع وهذا أوسط الأمور وأحسنها وهو فعل الأكثرين من الصحابة وغيرهم
1338 أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن في شهر قلت إني أجد قوة قال أقرأه في عشر قلت إني أجد قوة قال اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك
1339 وأخرج أبو عبيد وغيره من طريق واسع بن حبان عن قيس بن أبي صعصعة وليس له غيره أنه قال يا رسول الله في كم أقرأ القرآن قال في خمسة عشر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أقرأه في جمعة
1340 ويلي ذلك من ختم في ثمان ثم في عشر ثم في شهر ثم في شهرين
1341 أخرج ابن أبي داود عن مكحول قال كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤون القرآن في سبع وبعضهم في شهر وبعضهم في شهرين وبعضهم في أكثر من ذلك
1342 وقال أبو الليث في البستان ينبغي للقارئ أن يختم في السنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة
1343 وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين
1344 وقال غيره يكره تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما بلا عذر نص عليه أحمد لأن عبد الله بن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم في كم نختم القرآن قال في أربعين يوما رواه أبو داود
____________________
(1/278)
1345 وقال النووي في الأذكار المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ وكذلك من كان مشغولا بنشر العلم أو فصل الحكومات أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوات كماله وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة 2 - مسألة
1346 نسيانه كبيرة صرح به النووي في الروضة وغيرها لحديث أبي داود وغيره عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها
1347 وروى أيضا حديث من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة أجذم
1348 وفي الصحيحين تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها 3 - مسألة
1349 يستحب الوضوء لقراءة القرآن لأنه أفضل الأذكار وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر كما ثبت في الحديث
1350 قال إمام الحرمين ولا تكره القراءة للمحدث لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث
1351 قال في شرح المهذب وإذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن القراءة حتى يستقيم خروجها وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة نعم
____________________
(1/279)
يجوز لهما النظر في المصحف وإمراره على القلب وأما متنجس الفم فتكره له القراءة
وقيل تحرم كمس المصحف باليد النجسة 4 - مسألة
1352 وتسن القراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد وكره قوم القراءة في الحمام والطريق قال النووي ومذهبنا لا تكره فيهما قال وكرهها الشعبي في الحش وبيت الرحا وهي تدور قال وهو مقتضى مذهبنا 5 - مسألة
1353 ويستحب أن يجلس مستقبلا متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه 6 - مسألة
1354 ويسن أن يستاك تعظيما وتطهيرا وقد روى ابن ماجة عن علي موقوفا والبزار بسند جيد عنه مرفوعا إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك
1355 قلت ولو قطع القراءة وعاد عن قرب فمقتضى استحباب التعوذ إعادة السواك أيضا 7 - مسألة
1356 ويسن التعوذ قبل القراءة قال تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي أردت قراءته
وذهب قوم إلى أنه يتعوذ بعدها لظاهر الآية وقوم إلى وجوبها لظاهر الأمر
1357 قال النووي فلو مر على قوم سلم عليهم وعاد إلى القراءة فإن أعاد التعوذ كان حسنا قال وصفته المختارة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وكان جماعة من السلف يزيدون السميع العليم انتهى
1358 وعن حمزة أستعيذ ونستعيذ واستعذت واختاره صاحب الهداية من الحنفية لمطابقة لفظ القرآن
____________________
(1/380)
1359 وعن حميد بن قيس أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر
1360 وعن أبي السمال أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي
1361 وعن قوم أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم
1362 وعن آخرين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم وفيها ألفاظ أخر
1363 قال الحلواني في جامعة ليس للاستعاذة حد ينتهى إليه من شاء زاد ومن شاء نقص
1364 وفي النشر لابن الجزري المختار عند أئمة القراءة الجهر بها وقيل يسر مطلقا وقيل فيما عدا الفاتحة قال وقد أطلقوا اختيار الجهر وقيده أبو شامة بقيد لا بد منه وهو أن يكون بحضرة من يسمعه قال لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها لا يفوته منها شيء وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بها إلا بعد أن فاته من المقروء شيء وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها
1365 قال واختلف المتأخرون في المراد بإخفائها فالجمهور على أن المراد به الإسرار فلا بد من التلفظ وإسماع نفسه وقيل الكتمان بأن يذكرها بقلبه بلا تلفظ
1366 قال وإذا قطع القراءة إعراضا أو بكلام أجنبي ولو رد السلام استأنفها أو يتعلق بالقراءة فلا قال وهل هي سنة كفاية أو عين حتى لو قرأ جماعة جملة فهل يكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل أو لا لم أر فيه نصا والظاهر الثاني لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه بالله من شر الشيطان فلا يكون تعوذ واحد كافيا عن آخر انتهى كلام ابن الجزري 8 - مسألة
1367 وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير براءة لأن أكثر العلماء على أنها آية فإذا أخل بها كان تاركا لبعض الختمة عند الأكثرين فإن قرأ من
____________________
(1/281)
أثناء سورة استحبت له أيضا نص عليه الشافعي فيما نقله العبادي قال القراء ويتأكد عند قراءة نحو { إليه يرد علم الساعة } و { وهو الذي أنشأ جنات } لما في ذكر ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان
1368 قال ابن الجزري الابتداء بالآي وسط براءة قل من تعرض له وقد صرح بالبسملة فيه أبو الحسن السخاوي ورد عليه الجعبري 9 - مسألة
1369 لا تحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار إلا إذا نذرها خارج الصلاة فلا بد من نية النذر أو الفرض ولو عين الزمان فلو تركها لم تجز نقله القمولي في الجواهر 10 - مسألة
1370 يسن الترتيل في قراءة القرآن قال تعالى { ورتل القرآن ترتيلا }
1371 وروى أبو داود وغيره عن أم سلمة أنها نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفا حرفا
1372 وفي البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم
1373 وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلا قال له إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال هذا كهذ الشعر إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع
1374 وأخرج الآجري في حملة القرآن عن ابن مسعود قال لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون هم أحدكم آخر السورة
____________________
(1/282)
1375 وأخرج من حديث ابن عمر مرفوعا يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها
1376 قال في شرح المهذب واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع
1377 قالوا وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزئين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل
1378 قالوا واستحباب الترتيل للتدبر ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير وأشد تأثيرا في القلب ولهذا يستحب للأعجمي الذي لا يفهم معناه انتهى
1379 وفي النشر اختلف هل الأفضل الترتيل وقلة القراءة أو السرعة مع كثرتها وأحسن بعض أئمتنا فقال إن ثواب قراءة الترتيل أجل قدرا وثواب الكثرة أكثر عددا لأن بكل حرف عشر حسنات
1380 وفي البرهان للزركشي كمال الترتيل تفخيم ألفاظه والإبانة عن حروفه وألا يدغم حرف في حرف وقيل هذا أقله وأكمله أن يقرأه على منازله فإن قرأ تهديدا لفظ به لفظ المتهدد أو تعظيما لفظ به على التعظيم 11 - مسألة
1381 وتسن القراءة بالتدبر والتفهم فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب قال تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته }
وقال { أفلا يتدبرون القرآن } وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل أو عذاب أشفق وتعوذ أو تنزية نزه وعظم أو دعاء تضرع وطلب
1382 أخرج مسلم عن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح
____________________
(1/283)
البقرة فقرأها ثم النساء فقرأها ثم آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ
1383 وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ
1384 وأخرج أبو داود والترمذي حديث من قرأ { والتين والزيتون } فانتهى إلى آخرها فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ { لا أقسم بيوم القيامة } فانتهى إلى آخرها { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } فليقل بلى ومن قرأ { والمرسلات } فبلغ { فبأي حديث بعده يؤمنون } فليقل آمنا بالله
1385 وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ { سبح اسم ربك الأعلى } قال سبحان ربي الأعلى
1386 وأخرج الترمذي والحاكم عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد
1387 وأخرج ابن مردويه والديلمي وابن أبي الدنيا في الدعاء وغيرهم بسند ضعيف جدا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب } الآية فقال اللهم أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفؤا أحد وأشهد أن وعدك حق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأنك تبعث من في القبور
1388 وأخرج أبو داود وغيره عن وائل بن حجر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { ولا الضالين } فقال آمين يمد بها صوته
1389 وأخرجه الطبراني بلفظ قال آمين ثلاث مرات وأخرجه البيهقي بلفظ قال رب اغفر لي آمين
____________________
(1/284)
1390 وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة أن جبريل لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خاتمة البقرة آمين
1391 وأخرج عن معاذ بن جبل أنه كان إذا ختم سورة البقرة قال آمين
1392 قال النووي ومن الآداب إذا قرأ نحو { وقالت اليهود عزير ابن الله } { وقالت اليهود يد الله مغلولة } أن يخفض بها صوته كذا كان النخعي يفعل 12 - مسألة
1393 لا بأس بتكرير الآية وترديدها روى النسائي وغيره عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى أصبح { إن تعذبهم فإنهم عبادك } الآية 13 - مسألة
1394 يستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع قال تعالى { ويخرون للأذقان يبكون }
1395 وفي الصحيحين حديث قراءة ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا عيناه تذرفان
1396 وفي الشعب للبيهقي عن سعد بن مالك مرفوعا إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا
1397 وفيه من مرسل عبد الملك بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة فإن لم تبكوا فتباكوا
1398 وفي مسند أبي يعلى حديث اقرؤوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن
1399 وعند الطبراني أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن به
1400 قال في شرح المهذب وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يفكر في تقصيره فيها فإن لم
____________________
(1/285)
يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب 14 - مسألة
1401 يسن تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها لحديث ابن حبان وغيره زينوا القرآن بأصواتكم
1402 وفي لفظ عند الدارمي حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا
1403 وأخرج البزار وغيره حديث حسن الصوت زينة القرآن
وفي أحاديث صحيحة كثيرة فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج إلى حد التمطيط
1404 وأما القراءة بالألحان فنص الشافعي في المختصر أنه لا بأس بها وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة
1405 قال الرافعي قال الجمهور ليست على قولين بل المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء أو يدغم في غير موضع الإدغام فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة
1406 قال في زوائد الروضة والصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام يفسق به القارئ ويأثم المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم قال وهذا مراد الشافعي بالكراهة
1407 قلت وفيه حديث اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق فإنه سيجيء أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم أخرجه الطبراني والبيهقي
1408 قال النووي ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت والأصغاء إليها للحديث الصحيح ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها وهي أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها 15 - مسألة
1409 يستحب قراءته بالتفخيم لحديث الحاكم نزل القرآن بالتفخيم قال
____________________
(1/286)
الحليمي ومعناه أنه يقرؤه على قراءة الرجال ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء قال ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء وقد يجوز أن يكون القرآن نزل بالتفخيم فرخص مع ذلك في إمالة ما يحسن إمالته 16 - مسألة
1410 وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة وأحاديث تقتضي الإسرار وخفض الصوت فمن الأول حديث الصحيحين ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به
1411 ومن الثاني حديث أبي داود والترمذي والنسائي الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة
1412 قال النووي والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذى مصلون أو نيام بجهره والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج لربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعضكم في القراءة
1413 وقال بعضهم يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار 17 - مسألة
1414 القراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه لأن النظر فيه عبادة مطلوبة قال النووي هكذا قاله أصحابنا والسلف أيضا ولم أر فيه خلافا قال ولو قيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار القراءة فيه لمن استوى خشوعه وتدبره في حالتي القراءة فيه ومن الحفظ ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لو قرأ من المصحف لكان هذا قولا حسنا
1415 قلت ومن أدلة القراءة في المصحف ما أخرجه الطبراني والبيهقي في
____________________
(1/287)
الشعب من حديث أوس الثقفي مرفوعا قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة
1416 وأخرج أبو عبيد بسند ضعيف فضل قراءة القرآن نظرا على من يقرؤه ظاهرا كفضل الفريضة على النافلة
1417 وأخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعا من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف وقال إنه منكر
1418 وأخرج بسند حسن موقوفا أديموا النظر في المصحف
1419 وحكى الزركشي في البرهان ما بحثه النووي قولا وحكى معه قولا ثالثا إن القراءة من الحفظ أفضل مطلقا وإن ابن عبد السلام اختاره لأن فيه من التدبر ما لا يحصل بالقراءة في المصحف 18 - مسألة
1420 قال في التبيان إذا أرتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي أن يتأدب بما جاء عن ابن مسعود والنخعي وبشير بن أبي مسعود قالوا إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه انتهى
1421 وقال ابن مجاهد إذا شك القارئ في حرف هل بالتاء أو بالياء فليقرأه بالياء فإن القرآن مذكر وإن شك في حرف هل هو مهموز أو غير مهموز فليترك الهمز وإن شك في حرف هل يكون موصولا أو مقطوعا فليقرأ بالوصل وإن شك في حرف هل هو ممدود أو مقصور فليقرأ بالقصر وإن شك في حرف هل هو مفتوح أو مكسور فليقرأ بالفتح لأن الأول غير لحن في موضع والثاني لحن في بعض المواضع
1422 قلت أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال إذا اختلفتم في ياء
____________________
(1/288)
وتاء فاجعلوها ياء ذكروا القرآن ففهم منه ثعلب أن ما احتمل تذكيره وتأنيثه كان تذكيره أجود ورد بأنه يمتنع إرادة تذكير غير الحقيقي التأنيث لكثرة ما في القرآن منه بالتأنيث نحو { النار وعدها الله } { والتفت الساق بالساق } { قالت لهم رسلهم } وإذ امتنع إرادة غير الحقيقي فالحقيقي أولى قالوا ولا يستقيم إرادة أن ما احتمل التذكير والتأنيث غلب فيه التذكير كقوله تعالى { والنخل باسقات } { أعجاز نخل خاوية } فأنث مع جواز التذكير قال تعالى { أعجاز نخل منقعر } { من الشجر الأخضر }
1423 قالوا فليس المراد ما فهم بل المراد ب ذكروا الموعظة والدعاء كما قال تعالى { فذكر بالقرآن } إلا أنه حذف الجار والمقصود ذكروا الناس بالقرآن أي ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه
1424 قلت أول الأثر يأبى هذا الحمل
1425 وقال الواحدي الأمر ما ذهب إليه ثعلب والمراد أنه إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكر نحو { ولا يقبل منها شفاعة } قال ويدل على إرادة هذا أن أصحاب عبد الله من قراء الكوفة كحمزة والكسائي ذهبوا إلى هذا فقرؤوا ما كل من هذا القبيل بالتذكير نحو / < يوم يشهد عليهم ألسنتهم > / وهذا في غير الحقيقي 19 - مسألة
1426 يكره قطع القراءة لمكالمة أحد قال الحليمي لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره
وأيده البيهقي بما في الصحيح كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه
1427 ويكره أيضا الضحك والعبث والنظر إلى ما يلهي
____________________
(1/289)
20 - مسألة
1428 ولا يجوز قراءة القرآن بالعجمية مطلقا سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أم خارجها وعن أبي حنيفة أنه يجوز مطلقا وعن أبي يوسف ومحمد لمن لا يحسن العربية لكن في شارح البزدوي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك ووجه المنع أنه يذهب إعجازه المقصود منه
1429 وعن القفال من أصحابنا إن القراءة بالفارسية لا تتصور قيل له فإذن لا يقدر أحد أن يفسر القرآن قال ليس كذلك لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد الله ويعجز عن البعض أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله تعالى لأن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها وذلك غير ممكن بخلاف التفسير 21 - مسألة
1430 لا تجوز القراءة بالشاذ نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك لكن ذكر موهوب الجزري جوازها في غير الصلاة قياسا على رواية الحديث بالمعنى 22 - مسألة
1431 الأولى أن يقرأ على ترتيب المصحف قال في شرح المهذب لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد فيه الشرع كصلاة صبح يوم الجمعة بألم تنزيل وهل أتى ونظائره فلو فرق السور أو عكسها جاز وترك الأفضل قال وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه لأنه يذهب بعض نوع الإعجاز ويزيل حكمة الترتيب
1432 قلت وفيه أثر أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوسا قال ذاك منكوس القلب
1433 وأما خلط سورة بسورة فعد الحليمي تركه من الآداب لما أخرجه أبو عبيد عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة فقال يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه
____________________
(1/290)
السورة قال خلطت الطيب بالطيب فقال اقرأ السورة على وجهها أو قال على نحوها (1) وهو عند أبي داود موصول عن أبي هريرة بدون آخره
1434 وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن عمر مولى غفرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال إذا قرأت السورة فانفذها
1435 وقال حدثنا معاذ عن ابن عون قال سألت ابن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها وقال ليتق أحدكم أن يأثم إثما كبيرا وهو لا يشعر
1436 وأخرج عن ابن مسعود قال إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحول منها إلى غيرها فتحول إلى { قل هو الله أحد } فإذا ابتدأت فيها فلا تتحول منها حتى تختمها
1437 وأخرج عن ابن أبي الهذيل قال كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها
1438 قال أبو عبيد الأمر عندنا على كراهة قراءة الآيات المختلفة كما أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال وكما كرهه ابن سيرين
1439 وأما حديث عبد الله فوجهه عندي أن يبتدئ الرجل في السورة يريد إتمامها ثم يبدو له في أخرى فأما من ابتدأ القراءة وهو يريد التنقل من آية إلى آية وترك التأليف لآي القرآن فإنما يفعله من لا علم له لأن الله لو شاء لأنزله على ذلك انتهى
1440 وقد نقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة
1441 قال البيهقي وأحسن ما يحتج به أن يقال إن هذا التأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه عن جبريل فالأولى للقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول وقد قال ابن سيرين تأليف الله خير من تأليفكم 23 - مسألة
1442 قال الحليمي يسن استيفاء كل حرف أثبته قارئ ليكون قد أتى على جميع ما هو قرآن
____________________
1- مرسل صحيح
(1/291)
1443 وقال ابن الصلاح والنووي إذا ابتدأ بقراءة أحد من القراء فينبغي ألا يزاد على تلك القراءة ما دام الكلام مرتبطا فإذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى والأولى دوامه على الأولى في هذا المجلس وقال غيرهما بالمنع مطلقا
1444 قال ابن الجزري والصواب أن يقال إن كانت إحدى القراءتين مرتبة على الأخرى منع ذلك منع تحريم كمن يقرأ { فتلقى آدم من ربه كلمات } برفعهما أو نصبهما أخذ رفع آدم من قراءة غير ابن كثير ورفع كلمات من قراءته ونحو ذلك مما لا يجوز في العربية واللغة وما لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية وغيرها فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضا لأنه كذب في الرواية وتخليط وإن كان على سبيل التلاوة جاز 24 - مسألة
1445 يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القراءة قال تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } 25 - مسألة
1446 يسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشرة في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم وفي الحج سجدتان والفرقان والنمل و { الم تنزيل } وفصلت والنجم و { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } وأما ص فمستحبة وليست من عزائم السجود أي متأكداته وزاد بعضهم آخر الحجر نقله ابن الفرس في أحكامه 26 - مسألة
1447 قال النووي الأوقات المختارة للقراءة أفضلها ما كان في الصلاة ثم الليل ثم نصفه الأخير وهي بين المغرب والعشاء محبوبة وأفضل النهار بعد الصبح ولا تكره في شيء من الأوقات لمعنى فيه وأما ما رواه ابن أبي داود عن معاذ بن رفاعة عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر وقالوا هو دراسة يهود فغير مقبول ولا أصل له
____________________
(1/292)
1448 ويختار من الأيام يوم عرفة ثم الجمعة ثم الاثنين والخميس ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان والأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان
1449 ويختار لابتدائه ليلة الجمعة ولختمه ليلة الخميس فقد روى ابن أبي داود عن عثمان بن عفان أنه كان يفعل ذلك
1450 والأفضل الختم أول النهار أو أول الليل لما رواه الدارمي بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص قال إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإن وافق ختمه أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي
1451 قال في الإحياء ويكون الختم أول النهار في ركعتي الفجر وأول الليل في ركعتي سنة المغرب 27 - مسألة
1452 وعن ابن المبارك يستحب الختم في الشتاء أول الليل وفي الصيف أول النهار 28 - مسألة
1453 يسن صوم يوم الختم أخرجه ابن أبي داود عن جماعة من التابعين وأن يحضر أهله وأصدقاؤه أخرج الطبراني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا
1454 وأخرج ابن أبي داود عن الحكم بن عتيبة قال أرسل إلي مجاهد وعنده ابن أبي أمامة وقالا إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن والدعاء يستجاب عند ختم القرآن
1455 وأخرج عن مجاهد قال كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقول عنده تنزل الرحمة 29 - مسألة
1456 يستحب التكبير من الضحى إلى آخر القرآن وهي قراءة المكيين أخرج البيهقي في الشعب وابن خزيمة من طريق ابن أبي بزة سمعت عكرمة بن سليمان قال قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي فلما بلغت الضحى قال كبر
____________________
(1/293)
حتى تختم فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك وقال قرأت على مجاهد فأمرني بذلك وأخبرني مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك كذا أخرجناه موقوفا ثم أخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن بزة مرفوعا
1457 وأخرجه من هذا الوجه أعني المرفوع الحاكم في مستدركه وصححه وله طرق كثيرة عن البزي
1458 وعن موسى بن هارون قال قال لي البزي قال لي محمد بن إدريس الشافعي إن تركت التكبير فقدت سنة من سنن نبيك قال الحافظ عماد الدين بن كثير وهذا يقتضي تصحيحه للحديث
1459 وروى أبو العلاء الهمداني عن البزي أن الأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون قلا محمدا ربه فنزلت سورة الضحى فكبر النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن كثير ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف
1460 وقال الحليمي نكتة التكبير التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل عدته يكبر فكذا هنا يكبر إذا أكمل عدة السورة قال وصفته أن يقف بعد كل سورة وقفة ويقول الله أكبر
1461 وكذا قال سليم الرازي من أصحابنا في تفسيره يكبر بين كل سورتين تكبيرة ولا يصل آخر السورة بالتكبير بل يفصل بينهما بسكتة قال ومن لا يكبر من القراء حجتهم أن في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن بأن يداوم عليه فتوهم أنه منه
1462 وفي النشر اختلف القراء في ابتدائه هل هو من أول الضحى أو من آخرها وفي انتهائه هل هو أول سورة الناس أو آخرها وفي وصله بأولها أو آخرها وقطعه والخلاف في الكل مبني على أصل وهو أنه هل هو لأول السورة أو لآخرها وفي لفظه فقيل الله أكبر وقيل لا إله إلا الله والله أكبر وسواء في التكبير في الصلاة وخارجها صرح به السخاوي وأبو شامة 30 - مسألة
1463 يسن الدعاء عقب الختم لحديث الطبراني وغيره عن العرباض بن سارية مرفوعا من ختم القرآن فله دعوة مستجابة
____________________
(1/294)
1464 وفي الشعب من حديث أنس مرفوعا من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه 31 - مسألة
1465 يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل
1466 وأخرج الدارمي بسند حسن عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ { قل أعوذ برب الناس } افتتح من الحمد ثم قرأ من البقرة إلى { أولئك هم المفلحون } ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام 32 - مسألة
1467 عن الإمام أحمد أنه منع من تكرير سورة الإخلاص عند الختم لكن عمل الناس على خلافه
1467 م قال بعضهم والحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن فيحصل بذلك ختمة
فإن قيل فكان ينبغي أن تقرأ أربعا ليحصل له ختمتان
قلنا المقصود أن يكون على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها وإما التي حصل ثوابها بتكرير السورة انتهى
1468 قلت وحاصل ذلك يرجع إلى جبر ما لعله حصل في القراءة من خلل وكما قاس الحليمي التكبير عند الختم على التكبير عند إكمال رمضان فينبغي أن يقاس تكرير سورة الإخلاص على إتباع رمضان بست من شوال 33 - مسألة
1469 يكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها وأخرج الآجري من حديث عمران بن الحصين مرفوعا من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرؤون القرآن يسألون الناس به
1470 وروى البخاري في تاريخه الكبير بسند صالح حديث من قرأ القرآن
____________________
(1/295)
عند ظالم ليرفع منه لعن بكل حرف عشر لعنات 34 - مسألة
1471 يكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها لحديث الصحيحين في النهي عن ذلك 35 - مسألة
1472 الأئمة الثلاثة على وصول ثواب القراءة للميت ومذهبنا خلافه لقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } فصل في الاقتباس وما جرى مجراه
1473 الاقتباس تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن لا على أنه منه بألا يقال فيه قال الله تعالى ونحوه فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباسا وقد اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله وأما أهل مذهبنا فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا وقد تعرض له جماعة من المتأخرين فسئل عنه الشيخ عز الدين ابن عبد السلام فأجازه واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها وجهت وجهي إلى آخره وقوله اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين واغنني من الفقر
وفي سياق كلام لأبي بكر { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
وفي آخر حديث لابن عمر قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة انتهى
1474 وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام الموعظ والثناء والدعاء وفي النثر لا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق فإن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه وفي النثر جائز
1475 واستعمله أيضا في النثر القاضي عياض في مواضع من خطبة الشفا
1476 وقال الشرف إسماعيل بن المقرئ اليمني صاحب مختصر الروضة في
____________________
(1/296)
شرح بديعيتة ما كان منه في الخطب والمواعظ ومدحه صلى الله عليه وسلم ولو في النظم فهو مقبول وغيره مردود
1477 وفي شرح بديعية ابن حجة الاقتباس ثلاثة أقسام مقبول ومباح ومردود
فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود
والثاني ما كان في القول والرسائل والقصص
والثالث على ضربين أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم والآخر تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله
( أوحى إلى عشاقه طرفه % هيهات هيهات لما توعدون )
( وردفه ينطق من خلفه % لمثل ذا فليعمل العاملون )
قلت وهذا التقسيم حسن جدا وبه أقول
1478 وذكر الشيخ تاج الدين بن السبكي في طبقاته في ترجمة الإمام أبي منصور عبد القاهر بن الطاهر التميمي البغدادي من كبار الشافعية وأجلائهم أن من شعره قوله
( يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف % ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف )
( أبشر بقول الله في آياته % إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف )
وقال استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره له فائدة فإنه جليل القدر والناس ينهون عن هذا وربما أدى بحث بعضهم إلى أنه لا يجوز
وقيل إن ذلك إنما يفعله من الشعراء الذين هم في كل واد يهيمون ويثبون على الألفاظ وثبة من لا يبالي وهذا الأستاذ أبو منصور من أئمة الدين وقد فعل هذا وأسند عنه هذين البيتين الأستاذ أبو القاسم بن عساكر
قلت ليس هذان البيتان من الاقتباس لتصريحه بقول الله وقد قدمنا أن ذلك خارج عنه
1479 وأما أخوه الشيخ بهاء الدين فقال في عروس الأفراح الورع اجتناب ذلك كله وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله
____________________
(1/297)
1480 قلت رأيت استعمال الاقتباس لأئمة أجلاء منهم الإمام أبو القاسم الرافعي وأنشده في أماليه ورواه عنه أئمة كبار قال
( الملك لله الذي عنت الوجوه % له وذلت عنده الأرباب )
( متفرد بالملك والسلطان قد % خسر الذين تجاذبوه وخابوا )
( دعهم وزعم الملك يوم غرورهم % فسيعلمون غدا من الكذاب )
1481 وروى البيهقي في شعب الإيمان عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمي قال أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه
( سل الله من فضله واتقه % فإن التقى خير ما تكتسب )
( ومن يتق الله يصنع له % ويرزقه من حيث لا يحتسب )
1482 ويقرب من الاقتباس شيئان
أحدهما قراءة القرآن يراد بها الكلام قال النووي في التبيان ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافا فروى النخعي أنه كان يكره أن يتأول القرآن لشيء يعرض من أمر الدنيا
1483 وأخرج عن عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة { والتين والزيتون وطور سينين } ثم رفع صوته فقال { وهذا البلد الأمين }
1484 وأخرج عن حكيم بن سعيد أن رجلا من المحكمة أتى عليا وهو في صلاة الصبح فقال { لئن أشركت ليحبطن عملك } فأجابه في الصلاة { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون } انتهى
1485 وقال غيره يكره ضرب الأمثال في القرآن صرح به من أصحابنا العماد البيهقي تلميذ البغوي كما نقله الصلاح في فوائد رحلته
1486 الثاني التوجيه بالألفاظ القرآنية في الشعر وغيره وهو جائز بلا شك
1487 وروينا عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه لما نظم قوله
( مجاز حقيقتها فاعبروا % ولا تعمروا هونوها تهن )
____________________
(1/298)
( وما حسن بيت له زخرف % تراه إذا زلزلت لم يكن )
خشي أن يكون ارتكب حراما لاستعماله هذه الألفاظ القرآنية في الشعر فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين بن دقيق العيد يسأله عن ذلك فأنشده إياهما فقال له قل وما حسن كهف فقال يا سيدي أفدتني وأفتيتني خاتمة
1488 قال الزركشي في البرهان لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري قوله فأدخلني بيتا أحرج من التابوت وأوهى من بيت العنكبوت
وأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت } فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام
1489 لكن استشكل هذا بقوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما دون البعوضة فقال لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة
قلت قد قال قوم في الآية إن معنى قوله { فما فوقها } في الخسة وعبر بعضهم عن هذا بقوله معناه فما دونها فزال الإشكال
تم الجزء الأول من كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي ويليه الجزء الثاني وأوله الباب السادس والثلاثون في معرفة غريبه
____________________
(1/299)
____________________
(1/300)
| 2 |
____________________
(1/301)
بسم الله الرحمن الرحيم
____________________
(1/302)
____________________
(1/1)
النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه
1490 أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم أبو عبيدة وأبو عمر الزاهد وابن دريد ومن أشهرها كتاب العزيزي فقد أقام في تأليفه خمس عشرة سنة يحرره هو وشيخه أبو بكر بن الأنباري
ومن أحسنها المفردات للراغب ولأبي حيان في ذلك تأليف مختصر في كراسين
1491 قال ابن الصلاح وحيث رأيت في كتاب التفسير قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج والفراء والأخفش وابن الأنباري إنتهى
1492 وينبغي الإعتناء به فقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه
1493 وأخرج مثله عمر وابن عمر وابن مسعود موقوفا
1494 وأخرج من حديث ابن عمر مرفوعا من قرأ القرآن فأعربه كان له بكل حرف عشرون حسنة ومن قرأه بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات
1495 المراد بإعرابه معرفة معاني ألفاظه وليس المراد به الإعراب المصطلح عليه عند النحاة وهو ما يقابل اللحن لأن القراءة مع فقده ليست قراءة ولا ثواب فيها
1496 وعلى الخائض في ذلك التثبت والرجوع إلى كتب أهل الفن وعدم الخوض بالظن فهذه الصحابة وهم العرب العرباء وأصحاب اللغة الفصحى ومن نزل القرآن عليهم وبلغتهم توقفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها فلم يقولوا فيها شيئا
____________________
(1/303)
1497 فأخرج أبو عبيد في الفضائل عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله { وفاكهة وأبا } فقال أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم
1498 وأخرج عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر { وفاكهة وأبا } فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ثم رجع إلى نفسه فقال إن هذا لهو الكلف يا عمر
1499 وأخرج من طريق مجاهد عن ابن عباس قال كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها يقول أنا ابتدأتها
1500 وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله { وحنانا من لدنا } فقال سألت عنها ابن عباس فلم يجب فيها شيئا
1501 وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال لا والله ما أدري ما { وحنانا }
1502 وأخرج الفريابي حدثنا إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلمه إلا أربعا { غسلين } و { وحنانا } و { أواه } و { والرقيم }
1503 وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال قال ابن عباس ما كنت أدري ما قوله { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } حتى سمعت قول بنت ذي يزن تعال أفاتحك تقول تعال أخاصمك
1504 وأخرج من طريق مجاهد عن ابن عباس قال ما أدري ما الغسلين ولكني أظنه الزقوم
____________________
(1/304)
فصل
1505 معرفة هذا الفن للمفسر ضرورية كما سيأتي في شروط المفسر قال في البرهان ويحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة أسماء وأفعالا وحروفا فالحروف لقلتها تكلم النحاة على معانيها فيؤخذ ذلك من كتبهم وأما الأسماء والأفعال فتأخذ من كتب علم اللغة وأكبرها كتاب ابن السيد
ومنها التهذيب للأزهري والمحكم لابن سيده والجامع للقزاز والصحاح للجوهري والبارع للفارابي ومجمع البحرين للصاغاني
ومن الموضوعات في الأفعال كتاب ابن القوطية وابن طريف والسرقسطي ومن أجمعها كتاب ابن القطاع
1506 قلت وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة
وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه مرتبا على السور 2 - سورة البقرة
1507 قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ح وقال ابن جرير حدثنا المثنى قالا حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { يؤمنون } قال يصدقون
1508 { يعمهون } يتمادون
1509 { مطهرة } من القذر والأذى
1510 { الخاشعين } المصدقين بما أنزل الله
1511 { وفي ذلكم بلاء } نعمة
____________________
(1/305)
1512 { وفومها } الحنطة
1513 { إلا أماني } أحاديث
1514 { قلوبنا غلف } في غطاء
1515 { ما ننسخ } نبدل
1516 { أو ننسها } نتركها فلا نبدلها
1517 { مثابة } يثوبون إليه ثم يرجعون
1518 { حنيفا } حاجا
1519 { شطره } نحوه
1520 { فلا جناح } فلا حرج
1521 { خطوات الشيطان } عمله
1522 { أهل به لغير الله } ذبح للطواغيت
1523 { وابن السبيل } الضيف الذي ينزل بالمسلمين
1524 { إن ترك خيرا } مالا
1525 { جنفا } إثما
1526 { حدود الله } طاعة الله
1527 { لا تكون فتنة } شرك
1528 { فمن فرض } أحرم
1529 { قل العفو } ما لا يتبين في أموالكم
1530 { لأعنتكم } لأحرجكم وضيق عليكم
1531 { ما لم تمسوهن أو تفرضوا } المس الجماع والفريضة الصداق
1532 { فيه سكينة } رحمة
____________________
(1/306)
1533 { سنة } نعاس
1534 { ولا يؤوده } يثقل عليه
1535 { كمثل صفوان } حجر صلد ليس عليه شيء 3 - آل عمران
1536 { متوفيك } مميتك
1537 { ربيون } جموع 4 - النساء
1538 { حوبا كبيرا } إثما عظيما
1539 { نحلة } مهرا
1540 { وابتلوا اليتامى } اختبروا
1541 { آنستم } عرفتم
1542 { رشدا } صلاحا
1543 { كلالة } من لم يترك والدا ولا ولدا
1544 { ولا تعضلوهن } تقهروهن
1545 { والمحصنات } كل ذات زوج
1546 { طولا } سعة
1547 { محصنات غير مسافحات } عفائف غير زوان في السر والعلانية
1548 { ولا متخذات أخدان } أخلاء
1549 { فإذا أحصن } تزوجن
1550 { العنت } الزنا
____________________
(1/307)
1551 { موالي } عصبة
1552 { قوامون } أمراء
1553 { قانتات } مطيعات
1554 { والجار ذي القربى } الذي بينك وبينه قرابة
1555 { والجار الجنب } الذي ليس بينك وبينه قرابة
1556 { والصاحب بالجنب } الرفيق
1557 { فتيلا } الذي في الشق الذي في بطن النواة
1558 الجبت الشرك
1559 { نقيرا } النقطة التي في ظهر النواة
1560 { وأولي الأمر } أهل الفقه والدين
1561 { ثبات } عصبا سربا متفرقين
1562 { مقيتا } حفيظا
1563 { أركسهم } أوقعهم
1564 { حصرت صدورهم } ضاقت
1565 { أولي الضرر } العذر
1566 { مراغما } التحول من الأرض إلى الأرض
1567 { وسعة } الرزق
1568 { موقوتا } مفروضا
1569 { تألمون } توجعون
1570 { خلق الله } دين الله
____________________
(1/308)
1571 { نشوزا } بغضا
1572 { كالمعلقة } لا هي أيم ولا هي ذات زوج
1573 { وإن تلووا } ألسنتكم بالشهادة أو تعرضوا عنها
1574 { وقولهم على مريم بهتانا } يعني رموها بالزنا 5 - المائدة
1575 { أوفوا بالعقود } ما أحل وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله
1576 { يجرمنكم } يحملنكم
1577 { شنآن } عداوة
1578 { على البر والتقوى } البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه
1579 { والمنخنقة } التي تخنق فتموت
1580 { والموقوذة } التي تضرب بالخشب فتموت
1581 { والمتردية } التي تتردى من الجبل
1582 { والنطيحة } الشاة التي تنطح الشاة
1583 { وما أكل السبع } ما أخذ
1584 { إلا ما ذكيتم } ذبحتم وبه روح
1585 { بالأزلام } القداح
1586 { غير متجانف } متعد لإثم
1587 { من الجوارح } الكلاب والفهود والصقور وأشباهها
1588 { مكلبين } ضواري
1589 { وطعام الذين أوتوا الكتاب } ذبائحهم
____________________
(1/308)
1590 { فافرق } فافصل
1591 { ومن يرد الله فتنته } ضلالته
1592 { ومهيمنا عليه } أمينا القرآن أمين على كل كتاب قبله
1593 { شرعة ومنهاجا } سبيلا وسنة
1594 { أذلة على المؤمنين } رحماء
1595 { مغلولة } يعنون بخيل أمسك ما عنده تعالى الله عن ذلك
1596 { بحيرة } هي الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرا ذبحوه فأكله الرجال دون النساء وإن كانت أنثى جدعوا أذنيها وأما السائبة فكانوا يسيبون من أنعامهم لآلهتهم لا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا ولا يجزون لها وبرا ولا يحملون عليها شيئا وأما الوصيلة فالشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا السابع فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال والنساء وإن كانت أنثى وذكرا في بطن إستحيوها وقالوا وصلته أخته فحرمته علينا وأما الحام فالفحل من الإبل إذا ولد لولده قالوا حمى هذا ظهره فلا يحملون عليه شيئا ولا يجزون له وبرا ولا يمنعونه من حمى رعي ولا من حوض يشرب منه وإن كان الحوض لغير صاحبه 6 - الأنعام
1597 { مدرارا } يتبع بعضها بعضا
1598 { وينأون } يتباعدون
1599 { فلما نسوا } تركوا
1600 { مبلسون } آيسون
1601 { يصدفون } يعدلون
1602 { يدعون } يعبدون
____________________
(1/310)
1603 { جرحتم } كسبتم من الإثم
1604 { يفرطون } يضيعون
1605 { شيعا } أهواء مختلفة
1606 { لكل نبإ مستقر } حقيقة
1607 { أن تبسل } تفضح
1608 { باسطوا أيديهم } البسط الضرب
1609 { فالق الإصباح } ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل
1610 { حسبانا } عدد الأيام والشهور والسنين
1611 { قنوان دانية } قصار النخل اللاصقة عروقها بالأرض
1612 { وخرقوا له } تخرصوا
1613 { قبلا } معاينة
1614 { ميتا فأحييناه } ضالا فهديناه
1615 { على مكانتكم } ناحيتكم
1616 { وحرث حجر } حرام
1617 { حمولة } الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه
1618 { وفرشا } الغنم
1619 { مسفوحا } مهراقا
1620 { ما حملت ظهورهما } ما علق بها من الشحم
1621 { الحوايا } المبعر
1622 { من إملاق } الفقر
____________________
(1/311)
1623 { عن دراستهم } تلاوتهم
1624 { وصدف عنها } أعرض 7 - الأعراف
1625 { مذؤوما } ملوما
1626 { وريشا } مالا
1627 { حثيثا } سريعا
1628 { رجس } سخط
1629 { بكل صراط } الطريق
1630 { ربنا افتح } اقض
1631 { آسى } أحزن
1632 { حتى عفوا } كثروا
1633 { ويذرك وآلهتك } يترك عبادتك
1634 { الطوفان } المطر
1635 { متبر } خسران
1636 { أسفا } الأسف الحزين
1637 { إن هي إلا فتنتك } إن هو إلا عذابك
1638 { وعزروه } حموه ووقروه
1639 { ذرأنا } خلقنا
1640 { فانبجست } انفجرت
1641 { وإذ نتقنا الجبل } رفعناه
1642 { كأنك حفي عنها } لطيف بها
____________________
(1/312)
1643 { مسهم طائف } الطائف اللمة
1644 { لولا اجتبيتها } لولا أحدثتها لولا تلقنتها فأنشأتها 8 - الأنفال
1645 { كل بنان } البنان الأطراف
1646 { جاءكم الفتح } الفتح المدد
1646 م { فرقانا } مخرجا
1647 { ليثبتوك } ليوثقوك
1648 { يوم الفرقان } يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل
1649 { فشرد بهم من خلفهم } نكل بهم من بعدهم
1650 { من ولايتهم } ميراثهم 9 - سورة التوبة
1651 { يضاهئون } يشبهون
1652 { كافة } جميعا
1653 { ليواطئوا } يشبهوا
1654 { ولا تفتني } ولا تخرجني
1655 { إحدى الحسنيين } فتح أو شهادة
1656 { أو مغارات } الغيران في الجبل
1657 { مدخلا } السرب
1658 { هو أذن } يسمع من كل أحد
1659 { واغلظ عليهم } أذهب الرفق عنهم
1660 { وصلوات الرسول } صلوات الرسول استغفاره
1661 { سكن لهم } رحمة
____________________
(1/313)
1662 { ريبة في قلوبهم } شك
1663 { إلا أن تقطع قلوبهم } يعني الموت
1664 { لأواه } الأواه المؤمن التواب
1665 { منهم طائفة } عصبة 10 - يونس
1666 { أن لهم قدم صدق } سبق لهم السعادة في الذكر الأول
1667 { ولا أدراكم } أعلمكم
1668 { ترهقهم } تغشاهم
1669 { من عاصم } مانع
1670 { إذ تفيضون } تفعلون
1671 { وما يعزب } يغيب 11 - هود
1672 { يثنون } يكنون
1673 { حين يستغشون ثيابهم } يغطون رؤوسهم
1674 { لا جرم } بلى
1675 { وأخبتوا } خافوا
1676 { وفار التنور } نبع
1677 { أقلعي } اسكني
1678 { كأن لم يغنوا } يغنوا يعيشوا
1679 { حنيذ } نضيج
1680 { سيء بهم } ساء ظنا بقومه
____________________
(1/314)
1681 { وضاق بهم ذرعا } بأضيافه
1682 { عصيب } شديد
1683 { يهرعون إليه } يسرعون
1684 { بقطع } سواد
1685 { مسومة } معلمة
1686 { على مكانتكم } ناحيتكم
1687 { إن أخذه أليم } موجع
1688 { زفير } صوت شديد
1689 { وشهيق } صوت ضعيف
1690 { غير مجذوذ } غير منقطع
1691 { ولا تركنوا } تذهبوا 12 - يوسف
1692 { شغفها } غلبها
1693 { متكأ } مجلسا
1694 { أكبرنه } أعظمنه
1695 { فاستعصم } امتنع
1696 { بعد أمة } حين
1697 { مما تحصنون } تخزنون
1698 { يعصرون } الأعناب والدهن
1699 { حصحص } تبين
1700 { زعيم } كفيل
____________________
(1/315)
1701 { لفي ضلالك القديم } خطئك 13 - الرعد
1702 { صنوان } مجتمع
1703 { ولكل قوم هاد } داع
1704 { معقبات } الملائكة يحفظونه من أمر الله بإذنه
1705 { بقدرها } على قدر طاقتها
1706 { ولهم سوء الدار } سوء العاقبة
1707 { طوبى لهم } فرح وقرة عين
1708 { أفلم ييأس } يعلم 14 - إبراهيم
1709 { مهطعين } ناظرين
1710 { في الأصفاد } في وثاق
1711 { من قطران } النحاس المذاب 15 - الحجر
1712 { ربما يود الذين كفروا } يتمنى
1713 { مسلمين } موحدين
1714 { في شيع الأولين } أمم
1715 { من كل شيء موزون } معلوم
1716 { من حمإ مسنون } طين رطب
1717 { أغويتني } أضللتني
____________________
(1/316)
1718 { فاصدع بما تؤمر } فأمضه 16 - النحل
1719 { بالروح } بالوحي
1720 { فيها دفء } الثياب
1721 { ومنها جائر } الأهواء المختلفة
1722 { تسيمون } ترعون
1723 { مواخر } جواري
1724 { تشاقون فيهم } تخالفون
1725 { يتفيأ } يتميل
1726 { وحفدة } الأصهار
1727 { عن الفحشاء } الزنا
1728 { يعظكم } يوصيكم
1729 { هي أربى } أكثر 17 - الإسراء
1730 { وقضينا } أعلمنا
1731 { فجاسوا } فمشوا
1732 { حصيرا } سجنا
1733 { فصلناه } بيناه
1734 { أمرنا مترفيها } سلطنا شرارها
1735 { فدمرناها } أهلكناها
1736 { وقضى ربك } أمر
____________________
(1/317)
1737 { ولا تقف } ولا تقل
1738 { ورفاتا } غبارا
1739 { فسينغضون } يهزون
1740 { بحمده } بأمره
1741 { لأحتنكن } لأستولين
1742 { يزجي } يجرى
1742 م 1 { قاصفا } عاصفا
1742 م 2 { تبيعا } نظيرا
1742 م 3 { زهوقا } ذاهبا
1742 م 4 { يؤوسا } قنوطا
1742 م 5 { شاكلته } ناحيته
1742 م 6 { كسفا } قطعا
1742 م 7 { مثبورا } ملعونا
1743 { فرقناه } فصلناه 18 - الكهف
1744 { عوجا } ملتبسا
1745 { قيما } عدلا
1746 { والرقيم } الكتاب
1747 { تزاور } تميل
1748 { تقرضهم } تذرهم
1749 { بالوصيد } بالفناء
1750 { ولا تعد عيناك عنهم } لا تتعداهم إلى غيرهم
1751 { كالمهل } عكر الزيت
____________________
(1/318)
1752 { والباقيات الصالحات } ذكر الله
1753 { موبقا } مهلكا
1754 { موئلا } ملجأ
1755 { حقبا } دهرا
1756 { من كل شيء سببا } علما
1757 { في عين حمئة } حارة
1758 { زبر الحديد } قطع الحديد
1759 { بين الصدفين } الجبلين 19 - مريم
1760 { سويا } من غير خرس
1761 { وحنانا من لدنا } رحمة من عندنا
1762 { سريا } هو عيسى
1763 { جبارا شقيا } عصيا
1764 { واهجرني } اجتنبني
1765 { بي حفيا } لطيفا
1766 { لسان صدق عليا } الثناء الحسن
1767 { غيا } خسرانا
1768 { لغوا } باطلا
1769 { أثاثا } مالا
1770 { ضدا } أعوانا
1771 { تؤزهم أزا } تغويهم إغواء
1772 { نعد لهم عدا } أنفاسهم التي يتنفسون في الدنيا
1773 { وردا } عطاشا
1774 { عهدا } شهادة ألا إله إلا الله
____________________
(1/319)
1775 { إدا } عظيما
1776 { هدا } هدما
1777 { ركزا } صوتا 20 - طه
1778 { بالواد المقدس } المبارك واسمه طوى
1779 { أكاد أخفيها } لا أظهر عليها أحدا غيري
1780 { سيرتها } حالتها
1781 { وفتناك فتونا } اختبرناك اختبارا
1782 { ولا تنيا } لا تبطئا
1783 { أعطى كل شيء خلقه } خلق لكل شيء روحه ثم هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه
1784 { لا يضل } لا يخطئ
1785 { تارة } مرة
1786 { فيسحتكم } فيهلككم
1787 { والسلوى } طائر شبيه بالسماني
1788 { ولا تطغوا } لا تظلموا
1789 { فقد هوى } شقي
1790 { بملكنا } بأمرنا
1791 { ظلت عليه } أقمت
1792 { لننسفنه في اليم } لنذرينه في البحر
1793 { ساء } بئس
1794 { يتخافتون } يتساررون
1795 { قاعا } مستويا
____________________
(1/320)
1796 { صفصفا } لا نبات فيه
1797 { عوجا } واديا
1798 { أمتا } رابية
1799 { وخشعت الأصوات } سكتت
1800 { همسا } الصوت الخفي
1801 { وعنت الوجوه } ذلت
1802 { فلا يخاف ظلما } أن يظلم فيزداد في سيئاته 21 - الأنبياء
1803 { فلك } دوران
1804 { يسبحون } يجرون
1805 { ننقصها من أطرافها } تنقص أهلها وبركتها
1806 { جذاذا } حطاما
1807 { فظن أن لن نقدر عليه } أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه
1808 { من كل حدب } شرف
1809 { ينسلون } يقبلون
1810 { حصب جهنم } شجر
1811 { كطي السجل للكتب } كطي الصحيفة على الكتاب 22 - الحج
1812 { بهيج } حسن
1813 { ثاني عطفه } مستكبرا في نفسه
1814 { وهدوا } ألهموا
____________________
(1/321)
1815 { تفثهم } وضع إحرامهم من حلق الرأس ولبس الثياب وقص الأظفار ونحو ذلك
1816 { منسكا } عيدا
1817 { القانع } المتعفف
1818 { والمعتر } السائل
1819 { إذا تمنى } حدث
1820 { في أمنيته } حديثه
1821 { يسطون } يبطشون 23 - المؤمنون
1822 { خاشعون } خائفون ساكنون
1823 { تنبت بالدهن } هو الزيت
1824 { هيهات هيهات } بعيد بعيد
1825 { تترا } يتبع بعضها بعضا
1826 { وقلوبهم وجلة } خائفين
1827 { يجأرون } يستغيثون
1828 { تنكصون } تدبرون
1829 { سامرا تهجرون } تسمرون حول البيت وتقولون هجرا
1830 { عن الصراط لناكبون } عن الحق عادلون
1831 { تسحرون } تكذبون
1832 { كالحون } عابسون
____________________
(1/322)
24 - النور
1833 { يرمون المحصنات } الحرائر
1834 { ما زكا منكم } ما اهتدى
1835 { ولا يأتل } لا يقسم
1836 { دينهم } حسابهم
1837 { تستأنسوا } تستأذنوا
1838 { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } لا تبدي خلاخيلها ومعضديها ونحرها وشعرها إلا لزوجها
1839 { غير أولي الإربة } المغفل الذي لا يشتهي النساء
1840 { إن علمتم فيهم خيرا } إن علمتم لهم حيلة
1841 { وآتوهم من مال الله } ضعوا عنهم من مكاتبتهم
1842 { فتياتكم } إمائكم
1843 { البغاء } الزنا
1844 { نور السماوات } هادي أهل السماوات
1845 { مثل نوره } هداه في قلب المؤمن
1846 { كمشكاة } موضع الفتيلة
1847 { في بيوت } المساجد
1848 { أن ترفع } تكرم
1849 { ويذكر فيها اسمه } يتلى فيها كتابه
1850 { يسبح } يصلي
1851 { بالغدو } صلاة الغداة
____________________
(1/323)
1852 { والآصال } صلاة العصر
1853 { بقيعة } أرض مستوية
1854 { تحية } التحية السلام 25 - الفرقان
1855 { ثبورا } ويلا
1856 { بورا } هلكى
1857 { هباء منثورا } الماء المهراق
1858 { ساكنا } دائما
1859 { قبضا يسيرا } سريعا
1860 { جعل الليل والنهار خلفة } من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار
1861 { وعباد الرحمن } المؤمنون
1862 { هونا } بالطاعة والعفاف والتواضع
1863 { لولا دعاؤكم } إيمانكم 26 - الشعراء
1864 { كالطود } كالجبل
1865 { فكبكبوا } جمعوا
1866 { ريع } شرف
1867 { لعلكم } كأنكم
1868 { خلق الأولين } دين الأولين
1869 { هضيم } معشبة
____________________
(1/324)
1870 { فارهين } حاذقين
1871 { الأيكة } الغيضة
1872 { والجبلة } الخلق
1873 { في كل واد يهيمون } في كل لغو يخوضون 27 - النمل
1874 { بورك } قدس
1875 { أوزعني } اجعلني
1876 { يخرج الخبء } يعلم كل خفية في السماء والأرض
1877 { طائركم } مصائبكم
1878 { ادارك علمهم } غاب علمهم
1879 { ردف } قرب
1880 { يوزعون } يدفعون
1881 { داخرين } صاغرين
1882 { جامدة } قائمة
1883 { أتقن } أحكم 28 - القصص
1883 م 1 { جذوة } شهاب
1883 م 2 { سرمدا } دائما
1884 { لتنوء } تثقل 29 - العنكبوت
1885 { وتخلقون } تصنعون
1886 { إفكا } كذبا
____________________
(1/325)
30 - الروم
1887 { أدنى الأرض } طرف الشام
1888 { وهو أهون عليه } أيسر
1889 { يصدعون } يتفرقون 31 - لقمان
1890 { ولا تصعر خدك للناس } لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك
1891 { الغرور } الشيطان 32 - السجدة
1892 { إنا نسيناكم } تركناكم
1893 { من العذاب الأدنى } مصائب الدنيا وأسقامها وبلائها 33 - الأحزاب
1894 { سلقوكم } استقبلوكم
1895 { ترجي } تؤخر
1896 { لنغرينك بهم } لنسلطنك عليهم
1897 { الأمانة } الفرائض
1898 { جهولا } غرا بأمر الله 34 - سبأ
1899 { إلا دابة الأرض } الأرضة
1900 { منسأته } عصاه
1901 { سيل العرم } الشديد
____________________
(1/326)
1902 { خمط } الأراك
1903 { حتى إذا فزع } جلي
1904 { الفتاح العليم } القاضي
1905 { فلا فوت } فلا نجاة
1906 { وأنى لهم التناوش } فكيف لهم بالرد 35 - فاطر
1906 م { الكلم الطيب } ذكر الله
1907 { والعمل الصالح } أداء الفرائض
1908 { من قطمير } الجلد الذي يكون على ظهر النواة
1909 { من لغوب } إعياء 36 - يس
1910 { يا حسرة } ويل
1911 { كالعرجون القديم } أصل العذق العتيق
1912 { المشحون } الممتلئ
1913 { من الأجداث } الأجداث القبور
1914 { فاكهون } فرحون 37 - الصافات
1915 { فاهدوهم } وجهوهم
1916 { لا فيها غول } صداع
1917 { بيض مكنون } اللؤلؤ المكنون
1918 { سواء الجحيم } وسط الجحيم
____________________
(1/327)
1919 { ألفوا آباءهم } وجدوا
1920 { وتركنا عليه في الآخرين } لسان صدق للأنبياء كلهم
1921 { من شيعته } أهل دينه
1922 { بلغ معه السعي } العمل
1923 { وتله للجبين } صرعه
1924 { فنبذناه } ألقيناه
1925 { بالعراء } بالساحل
1926 { بفاتنين } مضلين 38 - ص
1927 { ولات حين مناص } ليس حين فرار
1928 { اختلاق } تخريص
1929 { فليرتقوا في الأسباب } السماء
1930 { من فواق } ترداد
1931 { عجل لنا قطنا } العذاب
1932 { فطفق مسحا } جعل يمسح
1933 { جسدا } شيطانا
1934 { رخاء حيث أصاب } مطيعة له حيث أراد
1935 { ضغثا } حزمة
1936 { أولي الأيدي } القوة
1937 { والأبصار } الفقه في الدين
1938 { قاصرات الطرف } عن غير أزواجهن
____________________
(1/328)
1939 { أتراب } مستويات
1940 { وغساق } الزمهرير
1941 { أزواج } ألوان من العذاب 39 - الزمر
1942 { يكور الليل } يحمل
1943 { لمن الساخرين } المخرفين
1944 { من المحسنين } المهتدين 40 - غافر
1945 { ذي الطول } السعة والغنى
1946 { مثل دأب قوم نوح } حال
1947 { في تباب } خسران
1948 { ادعوني } وحدوني 41 - فصلت
1949 { فهديناهم } بينا لهم 42 - الشورى
1950 { رواكد } وقوفا
1951 { أو يوبقهن } يهلكهن 43 - الزخرف
1952 { وما كنا له مقرنين } مطيقين
1953 { ومعارج } الدرج
____________________
(1/329)
1954 { وزخرفا } الذهب
1955 { وإنه لذكر } شرف
1956 { تحبرون } تكرمون 44 - الدخان
1957 { واترك البحر رهوا } سمتا 45 - الجاثية
1958 { وأضله الله على علم } في سابق علمه 46 - الأحقاف
1959 { فيما إن مكناكم فيه } لم نمكنكم فيه 47 - القتال
1960 { من ماء غير آسن } متغير 48 - الحجرات
1961 { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة
1962 { ولا تجسسوا } هو أن تتبع عورات المؤمن 49 - ق
1963 { المجيد } الكريم
1964 { مريج } مختلف
1965 { والنخل باسقات } طوالا
1966 { في لبس } شك
1967 { من حبل الوريد } الوريد عرق العنق
____________________
(1/330)
50 - الذاريات
1968 { قتل الخراصون } يعني المرتابون
1969 { في غمرة ساهون } في ضلالتهم يتمادون
1970 { يفتنون } يعذبون
1971 { ما يهجعون } ينامون
1972 { في صرة } صيحة
1973 { فصكت وجهها } لطمت
1974 { فتولى بركنه } بقوته
1975 { بنيناها بأيد } بقوة
1976 { ذو القوة المتين } الشديد
1977 { ذنوبا } دلوا 51 - الطور
1978 { والبحر المسجور } المحبوس وقيل الموقد
1979 { يوم تمور } تحرك
1980 { يوم يدعون } يدفعون
1981 { فاكهين } معجبين
1982 { وما ألتناهم } ما نقصناهم
1983 { ولا تأثيم } كذب
1984 { ريب المنون } المنون الموت
1985 { المصيطرون } المسلطون الجبارون
____________________
(1/331)
52 - النجم
1986 { ذو مرة } منظر حسن
1987 { أغنى وأقنى } أعطى وأرضى
1988 { الآزفة } من أسماء يوم القيامة
1989 { سامدون } لاهون 53 - الرحمن
1990 { والنجم والشجر } النجم ما ينبسط على الأرض والشجر ما ينبت على ساق
1991 { للأنام } الخلق
1992 { ذو العصف } التبن
1993 { والريحان } خضرة الزرع
1994 { فبأي آلاء ربكما } بأي نعمة الله
1995 { من مارج } خالص النار
1996 { مرج } أرسل
1997 { برزخ } حاجز
1998 { ذو الجلال } ذو العظمة والكبرياء
1999 { سنفرغ لكم } هذا وعيد من الله لعباده وليس بالله شغل
2000 { لا تنفذون } لا تخرجون من سلطاني
2001 { شواظ } لهب النار
2002 { ونحاس } دخان النار
2003 { وجنى الجنتين } ثمار
____________________
(1/332)
2004 { لم يطمثهن } يدن منهن
2005 { نضاختان } فائضتان
2006 { رفرف خضر } المجالس 54 - الواقعة
2007 { مترفين } منعمين
2008 { للمقوين } المسافرين
2009 { غير مدينين } محاسبين
2010 { فروح } راحة 55 - الحديد
2011 { أن نبرأها } نخلقها 56 - الممتحنة
2012 { لا تجعلنا فتنة للذين كفروا } لا تسلطهم علينا فيفتنوننا
2013 { ولا يأتين ببهتان يفترينه } لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم 57 - المنافقون
2014 { قاتلهم الله } لعنهم وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن
2015 { وأنفقوا } تصدقوا 58 - الطلاق
2016 { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة
2017 { عتت } عصت يعني أهلها
____________________
(1/333)
59 - الملك
2018 { تميز } تتفرق
2019 { فسحقا } بعدا 60 - القلم
2020 { لو تدهن فيدهنون } لو ترخص لهم فيرخصون
2021 { زنيم } ظلوم
2022 { قال أوسطهم } أعدلهم
2023 { يوم يكشف عن ساق } هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة
2024 { وهو مكظوم } مغموم
2025 { مذموم } ملوم
2026 { ليزلقونك } ينفذونك 61 - الحاقة
2027 { لما طغى الماء } طغى كثر
2028 { أذن واعية } واعية حافظة
2029 { إني ظننت } أيقنت
2030 { من غسلين } صديد
2031 { الخاطئون } أهل النار 62 - المعارج
2032 { ذي المعارج } العلو والفواضل
____________________
(1/334)
63 - نوح
2033 { سبلا } طرقا
2034 { فجاجا } مختلفة 64 - الجن
2035 { جد ربنا } فعله وأمره وقدرته
2036 { فلا يخاف بخسا } نقصا من حسناته
2037 { ولا رهقا } زيادة في سيئاته 65 - المزمل
2038 { كثيبا مهيلا } الرمل السائل
2039 { وبيلا } شديدا 66 - المدثر
2040 { يوم عسير } شديد
2041 { لواحة للبشر } معرضة 67 - القيامة
2042 { فإذا قرأناه } بيناه
2043 { فاتبع قرآنه } اعمل به
2044 { والتفت الساق بالساق } آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من آيام الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة
2045 { سدى } هملا 68 - الإنسان
2046 { أمشاج } مختلفة الألوان
____________________
(1/335)
2047 { مستطيرا } فاشيا
2048 { عبوسا } ضيقا
2049 { قمطريرا } طويلا 69 - المرسلات
2050 { كفاتا } كنا
2051 { رواسي } جبالا
2052 { شامخات } مشرفات
2053 { ماء فراتا } عذبا 70 - النبأ
2054 { سراجا وهاجا } مضيئا
2055 { من المعصرات } السحاب
2056 { ثجاجا } منصبا
2057 { ألفافا } مجتمعة
2058 { جزاء وفاقا } وفق أعمالهم
2059 { مفازا } متنزها
2060 { وكواعب } نواهد
2061 { يقوم الروح } ملك من أعظم الملائكة خلقا
2062 { وقال صوابا } لا إله إلا الله 71 - النازعات
2063 { الرادفة } النفخة الثانية
2064 { واجفة } خائفة
____________________
(1/336)
2065 { في الحافرة } الحياة
2066 { سمكها } بناءها
2067 { وأغطش } أظلم 72 - عبس
2067 م 1 { سفرة } كتبة
2067 م 2 { وقضبا } القب
2067 م 3 { وفاكهة } الثمار الرطبة
2068 { وجوه يومئذ مسفرة } مشرقة 73 - التكوير
2069 { كورت } أظلمت
2070 { انكدرت } تغيرت
2071 { إذا عسعس } أدبر 74 - الانفطار
2072 { فجرت } بعضها في بعض
2073 { بعثرت } بحثت 75 - المطففين
2074 { لفي عليين } الجنة 76 - الانشقاق
2075 { لن يحور } لن يبعث
2076 { بما يوعون } يسرون 77 - البروج
2077 { الودود } الحبيب
____________________
(1/337)
78 - الطارق
2078 { لقول فصل } حق
2079 { بالهزل } بالباطل 79 - الأعلى
2080 { غثاء } هشيما
2081 { أحوى } أسود متغيرا
2082 { من تزكى } من الشرك
2083 { وذكر اسم ربه } وحد الله
2084 { فصلى } الصلوات الخمس 80 - الغاشية
2085 { الغاشية } و { الطامة } و { الصاخة } و { الحاقة } و { القارعة } من أسماء يوم القيامة
2086 { من ضريع } شجر ذو شوك
2087 { ونمارق } المرافق
2088 { بمصيطر } بجبار 81 - الفجر
2089 { لبالمرصاد } يسمع ويرى
2090 { جما } شديدا
2091 { وأنى له الذكرى } كيف له 82 - البلد
2092 { النجدين } الضلالة والهدى
____________________
(1/338)
83 - الشمس
2093 { طحاها } قسمها
2094 { فألهمها فجورها وتقواها } بين الخير والشر
2095 { ولا يخاف عقباها } لا يخاف من أحد عاقبة 84 - الضحى
2096 { سجى } ذهب
2097 { ما ودعك ربك وما قلى } ما تركك وما أبغضك 85 - الشرح
2098 { فانصب } في الدعاء 86 - قريش
2099 { إيلافهم } لزومهم 87 - الكوثر
2100 { شانئك } عدوك 112 - الإخلاص
2101 { الصمد } السيد الذي كمل في سؤدده 113 - الفلق
2102 { الفلق } الخلق
2103 هذا لفظ ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما مفرقا فجمعته وهو وإن لم يستوعب غريب القرآن فقد أتى على جملة صالحة منه
2104 وهذه ألفاظ لم تذكر في هذه الرواية سقتها من نسخة الضحاك عنه
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحارث ح وقال ابن جرير حدثت عن المنجاب حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى { الحمد لله } قال الشكر لله
2105 { رب العالمين } قال له الخلق كله
2106 { للمتقين } المؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي
2107 { ويقيمون الصلاة } إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها
2108 { مرض } نفاق
2109 { عذاب أليم } نكال موجع
2110 { يكذبون } يبدلون ويحرفون
2111 { السفهاء } الجهال
2112 { طغيانهم } كفرهم
2113 { كصيب } المطر
2114 { أندادا } أشباها
2115 { ونقدس لك } التقديس التطهير
2116 { رغدا } سعة المعيشة
2117 { ولا تلبسوا } تخلطوا
2118 { أنفسهم يظلمون } يضرون
2119 { وقولوا حطة } قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم
2120 { الطور } ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور
2121 { خاسئين } ذليلين
2122 { نكالا } عقوبة
____________________
(1/339)
2123 { لما بين يديها } من بعدهم
2124 { وما خلفها } الذين بقوا معهم
2125 { وموعظة } تذكرة
2126 { بما فتح الله عليكم } بما أكرمكم به
2127 { بروح القدس } الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى
2128 { قانتون } مطيعون
2129 { القواعد } أساس البيت
2130 { صبغة الله } دين الله
2131 { أتحاجوننا } أتخاصموننا
2132 { ينظرون } يؤخرون
2133 { ألد الخصام } شديد الخصومة
2134 { في السلم } في الطاعة
2135 { كافة } جميعا
2136 { كدأب } كصنع
2137 { بالقسط } بالعدل
2138 { الأكمه } الذي يولد وهو أعمى
2139 { ربانيين } علماء فقهاء
2140 { ولا تهنوا } ولا تضعفوا
2141 { واسمع غير مسمع } يقولون اسمع لا سمعت
2142 { ليا بألسنتهم } تحريفا بالكذب
2143 { إلا إناثا } موتى
____________________
(1/341)
2144 { وعزرتموهم } أعنتموهم
2145 { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم } قال أمرتهم
2146 { ثم لم تكن فتنتهم } حجتهم
2147 { بمعجزين } بمسابقين
2148 { قوما عمين } كفارا
2149 { بسطة } شدة
2150 { ولا تبخسوا } لا تنقصوا
2151 { والقمل } الجراد الذي ليس له أجنحة
2152 { يعرشون } يبنون
2153 { متبر } هالك
2154 { فخذها بقوة } بجد وحزم
2155 { إصرهم } عهدهم ومواثيقهم
2156 { مرساها } منتهاها
2157 { خذ العفو } أنفق الفضل
2158 { وأمر بالعرف } بالمعروف
2159 { وجلت } فرقت
2160 { البكم } الخرس
2161 { فرقانا } نصرا
2162 { بالعدوة الدنيا } شاطئ الوادي
2163 { إلا ولا ذمة } الإل القرابة والذمة العهد
2164 { أنى يؤفكون } كيف يكذبون
____________________
(1/342)
2165 { ذلك الدين } القضاء
2166 { عرضا } غنيمة
2167 { الشقة } المسير
2168 { فثبطهم } حبسهم
2169 { ملجأ } الحرز في الجبل
2170 { أو مغارات } الأسراب في الأرض المخيفة
2171 { أو مدخلا } المأوى
2172 { والعاملين عليها } السعاة
2173 { نسوا الله } تركوا طاعة الله
2174 { فنسيهم } تركهم من ثوابه وكرامته
2175 { بخلاقهم } بدينهم
2176 { المعذرون } أهل العذر
2177 { مخمصة } مجاعة
2178 { غلظة } شدة
2179 { يفتنون } يبتلون
2180 { عزيز } شديد
2181 { ما عنتم } ما شق عليكم
2182 { ثم اقضوا إلي } انهضوا إلي
2183 { ولا تنظرون } تؤخرون
2174 { حقت } سبقت
2185 { ويعلم مستقرها } يأتيها رزقها حيث كانت
2186 { منيب } المقبل إلى طاعة الله
____________________
(1/343)
2187 { ولا يلتفت } يتخلف
2188 { ولا تعثوا } تسعوا
2189 { هيت لك } تهيأت لك وكان يقرؤها مهموزة
2190 { وأعتدت } هيأت
2191 { على العرش } السرير
2192 { هذه سبيلي } دعوتي
2193 { المثلات } ما أصاب القرون الماضية من العذاب
2194 { الغيب والشهادة } السر والعلانية
2195 { شديد المحال } شديد المكر والعداوة
2196 { على تخوف } نقص من أعمالهم
2197 { وأوحى ربك إلى النحل } ألهمها
2198 { وأضل سبيلا } أبعد حجة
2199 { قبيلا } عيانا
2200 { وابتغ بين ذلك سبيلا } اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقا لا جهرا شديدا ولا خفضا لا يسمع أذنيك
2201 { رطبا جنيا } طريا
2202 { أن يفرط } يعجل
2203 { يطغى } يعتدي
2204 { لا تظمأ } لا تعطش
2205 { ولا تضحى } لا يصيبك حر
____________________
(1/344)
2206 { إلى ربوة } المكان المرتفع
2207 { ذات قرار } خصب
2208 { ومعين } ماء طاهر
2209 { أمتكم } دينكم
2210 { تبارك } تفاعل من البركة
2211 { كرة } رجعة
2212 { خاوية } سقط أعلاها على أسفلها
2213 { فله خير } ثواب
2214 { يبلس } ييأس
2215 { جدد } طرائق
2216 { إلى صراط الجحيم } طريق النار
2217 { وقفوهم } احبسوهم
2218 { إنهم مسؤولون } محاسبون
2219 { ما لكم لا تناصرون } تمانعون
2220 { مستسلمون } مستنجدون
2221 { وهو مليم } مسيء مذنب
2222 { فصلت } بينت
2223 { والغوا فيه } عيبوه
2224 { مهطعين } مقبلين
2225 { وبست } فتت
2226 { ولا ينزفون } لا يقيئون كما يقيء صاحب خمر الدنيا
____________________
(1/345)
2227 { الحنث العظيم } الشرك
2228 { المهيمن } الشاهد
2229 { العزيز } المقتدر على ما يشاء
2230 { الحكيم } المحكم لما أراد
2231 { خشب مسندة } نخل قيام
2232 { من فطور } تشقق
2233 { وهو حسير } كليل ضعيف
2234 { لا ترجون لله وقارا } لا تخافون له عظمة
2235 { جد ربنا } عظمته
2236 { أتانا اليقين } الموت
2237 { يتمطى } يختال
2238 { أترابا } في سن واحد ثلاث وثلاثين سنة
2239 { مرساها } منتهاها
2240 { متاعا لكم } منفعة
2241 { ممنون } منقوص فصل
2242 قال أبو بكر الأنباري قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيرا الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر وأنكر جماعة لا علم لهم على النحويين ذلك وقالوا إذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلا للقرآن وقالوا وكيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن وهو مذموم في القرآن والحديث قال وليس الأمر كما زعموه من أنا جعلنا الشعر أصلا للقرآن بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر لأن الله تعالى قال { إنا جعلناه قرآنا عربيا } وقال { بلسان عربي مبين }
____________________
(1/346)
2243 وقال ابن عباس الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه
2244 ثم أخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب
2245 وقال أبو عبيد في فضائله حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر
قال أبو عبيد يعني كان يستشهد به على التفسير
2246 قلت قد روينا عن ابن عباس كثيرا من ذلك وأوعب ما رويناه عنه مسائل نافع بن الأزرق وقد أخرج بعضها ابن الأنباري في كتاب الوقف والطبراني في معجمه الكبير وقد رأيت أن أسوقها هنا بتمامها لتستفاد
أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصالحي بقراءتي عليه عن أبي إسحاق التنوخي عن القاسم بن عساكر أنبأنا أبو نصر محمد بن عبد الله الشيرازي أنبأنا أبو المظفر محمد بن أسعد العراقي أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب أنبأنا أبو علي بن شاذان حدثنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن مكرم المعروف بابن الطسي حدثنا أبو سهل السري الجنديسابوري حدثنا يحيى بن أبي عبيدة بحر بن فروخ المكي أنبأنا سعيد بن أبي سعيد أنبأنا عيسى بن دأب عن حميد الأعرج وعبد الله بن أبي بكر بن محمد عن أبيه قال بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به فقاما إليه فقالا إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فقال ابن
____________________
(1/347)
عباس سلاني عما بدا لكما فقال نافع أخبرني عن قول الله تعالى { عن اليمين وعن الشمال عزين } قال العزون الحلق الرقاق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول
( فجاؤوا يهرعون إليه حتى % يكونوا حول منبره عزينا )
2247 قال أخبرني عن قوله { وابتغوا إليه الوسيلة } قال الوسيلة الحاجة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت عنترة وهو يقول
( إن الرجال لهم إليك وسيلة % إن يأخذوك تكحلي وتخضبي )
2248 قال أخبرني عن قوله { شرعة ومنهاجا } قال الشرعة الدين والمنهاج الطريق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت أبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول
( لقد نطق المأمون بالصدق والهدى % وبين للإسلام دين ومنهاجا )
2249 قال أخبرني عن قوله { إذا أثمر وينعه } قال نضجه وبلاغه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( إذا ما مشت وسط النساء تأودت % كما اهتز غصن ناعم النبت يانع )
2250 قال أخبرني عن قوله تعالى { وريشا } قال الريش المال قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( فرشني بخير طالما ما قد بريتني % وخير الموالي من يريش ولا يبري )
2251 قال أخبرني عن قوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في كبد } قال في اعتدال واستقامة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت لبيد بن بيعة وهو يقول
( يا عين هلا بكيت أربد إذ % قمنا وقام الخصوم في كبد )
____________________
(1/348)
2252 قال أخبرني عن قوله تعالى { يكاد سنا برقه } قال السنا الضوء قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول
( يدعو إلى الحق لا يبغي به بدلا % يجلو بضوء سناه داجي الظلم )
2253 قال أخبرني عن قوله تعالى { وحفدة } قال ولد الولد وهم الأعوان قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( حفد الولائد حولهن وأسلمت % بأكفهن أزمة الأجمال )
2254 قال أخبرني عن قوله تعالى { وحنانا من لدنا } قال رحمة من عندنا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت طرفة بن العبد يقول
( أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا % حنانيك بعض الشر أهون من بعض )
2255 قال أخبرني عن قوله تعالى { أفلم ييأس الذين آمنوا } قال أفلم يعلم بلغة بني مالك قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت مالك ابن عوف يقول
( لقد يئس الأقوام أني أنا ابنه % وإن كنت عن أرض العشيرة نائبا )
2256 قال أخبرني عن قوله تعالى { مثبورا } قال ملعونا محبوسا من الخير قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت عبد الله بن الزبعري يقول
( إذ أتاني الشيطان في سنة النوم % ومن مال ميله مثبورا )
2257 قال أخبرني عن قوله تعالى { فأجاءها المخاض } قال ألجأها قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت حسان بن ثابت يقول
( إذ شددنا شدة صادقة % فأجأناكم إلى سفح الجبل )
2258 قال أخبرني عن قوله تعالى { نديا } قال النادي المجلس
____________________
(1/349)
قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( يومان يوم مقامات وأندية % ويوم سير إلى الأعداء تأويب )
2259 قال أخبرني عن قوله تعالى { أثاثا ورئيا } قال الأثاث المتاع والرئي من الشراب قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( كأن على الحمول غداة ولوا % من الرئي الكريم من الأثاث )
2260 قال أخبرني عن قوله تعالى { فيذرها قاعا صفصفا } قال القاع الأملس والصفصف المستوى قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( بملمومة شهباء لو قذفوا بها % شماريخ من رضوى إذن صفصفا )
2261 قال أخبرني عن قوله تعالى { وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى } قال لا تعرق فيها من شدة حر الشمس قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت الشاعر يقول
( رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت % فيضحى وأما بالعشي فيخصر )
2262 قال أخبرني عن قوله تعالى { له خوار } قال له صياح قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( كأن بني معاوية بن بكر % إلى الإسلام صائحة تخور )
2263 قال أخبرني عن قوله تعالى { ولا تنيا في ذكري } قال لا تضعفا عن أمري قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( إني وجدك ما ونيت ولم أزل % أبغي الفكاك له بكل سبيل )
____________________
(1/350)
2264 قال أخبرني عن قوله تعالى { القانع والمعتر } قال القانع الذي يقنع بما أعطي والمعتر الذي يعترض الأبواب قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( على مكثريهم حق من يعتريهم % وعند المقلين السماحة والبذل )
2265 قال أخبرني عن قوله تعالى { وقصر مشيد } قال مشيد بالجص والآخر قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت عدي بن زيد يقول
( شاده مرمرا وجلله كلسا % فللطير في ذراه وكور )
2266 قال أخبرني عن قوله تعالى { شواظ } قال الشواظ اللهب الذي لا دخان له قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
( يظل يشب كيرا بعد كير % وينفخ دائبا لهب الشواظ )
2267 قال أخبرني عن قوله تعالى { قد أفلح المؤمنون } قال فازوا وسعدوا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول لبيد بن ربيعة
( فاعقلي إن كنت لما تعقلي % ولقد أفلح من كان عقل )
2268 قال أخبرني عن قوله تعالى { يؤيد بنصره من يشاء } قال يقوي قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول حسان بن ثابت
( برجال لستمو أمثالهم % أيدوا جبريل نصرا فنزل )
2269 قال أخبرني عن قوله تعالى { ونحاس } قال هو الدخان الذي لا لهب فيه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( يضيء كضوء سراج السليط % لم يجعل الله فيه نحاسا )
2270 قال أخبرني عن قوله تعالى { أمشاج } قال اختلاط ماء
____________________
(1/351)
الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب
( كأن الريش والفوق منه % خلال النصل خالطه مشيج )
2271 قال أخبرني عن قوله تعالى { وفومها } قال الحنطة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أبي محجن الثقفي
( قد كنت أحسبني كأغنى واحد % قدم المدينة عن زراعة فوم )
2272 قال أخبرني عن قوله تعالى { وأنتم سامدون } قال السمود اللهو والباطل قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد
( ليت عادا قبلوا الحق % ولم يبدوا جحودا )
( قيل فقم فانظر إليهم % ثم دع عنك السمودا )
2273 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا فيها غول } قال ليس فيها نتن ولا كراهية كخمر الدنيا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول امرئ القيس
( رب كأس شربت لا غول فيها % وسقيت النديم منها مزاجا )
2274 قال أخبرني عن قوله تعالى { والقمر إذا اتسق } قال اتساقه اجتماعه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول طرفة بن العبد
( إن لنا قلائصا نقانقا % مستوسقات لو تجدن سائقا )
____________________
(1/352)
2275 قال أخبرني عن قوله تعالى { وهم فيها خالدون } قال باقون لا يخرجون منها أبدا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عدي بن زيد
( فهل من خالد إما هلكنا % وهل بالموت يا للناس من عار )
2276 قال أخبرني عن قوله تعالى { وجفان كالجواب } قال كالحياض قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول طرفة بن العبد
( كالجوابي لا تني مترعة % لقرى الأضياف أو للمحتضر )
2277 قال أخبرني عن قوله تعالى { فيطمع الذي في قلبه مرض } قال الفجور والزنى قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الأعشى
( حافظ للفرج راض بالتقى % ليس ممن قلبه فيه مرض )
2278 قال أخبرني عن قوله تعالى { من طين لازب } قال الملتزق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول النابغة
( فلا يحسبون الخير لا شر بعده % ولا يحسبون الشر ضربة لازب )
2279 قال أخبرني عن قوله تعالى { أندادا } قال الأشباه والأمثال قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول لبيد بن ربيعة
( أحمد الله فلا ند له % بيديه الخير ما شاء فعل )
2280 قال أخبرني عن قوله تعالى { لشوبا من حميم } قال الخلط الحميم والغساق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( تلك المكارم لا قعبان من لبن % شيبا بماء فعادا بعد أبوالا )
____________________
(1/353)
2281 قال أخبرني عن قوله تعالى { عجل لنا قطنا } قال القط الجزاء قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الأعشى
( ولا الملك النعمان يوم لقيته % بنعمته يعطي القطوط ويطلق )
2282 قال أخبرني عن قوله تعالى { من حمإ مسنون } قال الحمأ السواد والمسنون المصور قال وهل تعرف العرب ذلك نعم أما سمعت قول حمزة بن عبد المطلب
( أغر كأن البدر سنة وجهه % جلا الغيم عنه ضوءه فتبددا )
2283 قال فأخبرني عن قوله تعالى { البائس الفقير } قال الذي لا يجد شيئا من شدة الحال قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول طرفة
( يغشاهم البائس المدقع % والضيف وجار مجاور جنب )
2284 قال أخبرني عن قوله تعالى { ماء غدقا } قال كثيرا جاريا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( تدنى كراديس ملتفا حدائقها % كالنبت جادت بها أنهارها غدقا )
2285 قال أخبرنا عن قوله تعالى { بشهاب قبس } قال شعلة من نار يقتبسون منه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول طرفة بن العبد
( هم عراني فبت أدفعه % دون سهادي كشعلة القبس )
2286 قال أخبرني عن قوله تعالى { عذاب أليم } قال الأليم الوجيع قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( نام من كان خليا من ألم % وبقيت الليل طولا لم أنم )
2287 قال أخبرني عن قوله تعالى { وقفينا على آثارهم } قال أتبعنا
____________________
(1/354)
على آثار الأنبياء أي بعثنا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عدي بن زيد
( يوم قفت عيرهم من عيرنا % واحتمال الحي في الصبح فلق )
2288 قال أخبرني عن قوله تعالى { إذا تردى } قال إذا مات وتردى في النار قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عدي بن زيد
( خطفته منية فتردى % وهو في الملك يأمل التعميرا )
2289 قال أخبرني عن قوله تعالى { في جنات ونهر } قال النهر السعة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول لبيد بن ربيعة
( ملكت بها كفي فأنهرت فتقها % يرى قائم من دونها ما وراءها )
2290 قال أخبرني عن قوله تعالى { وضعها للأنام } قال الخلق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول لبيد بن ربيعة
( فإن تسألينا مم نحن فإننا % عصافير من هذي الانام المسحر )
2291 قال أخبرني عن قوله تعالى { أن لن يحور } قال أن لن يرجع بلغة الحبشة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( وما المرء إلا كالشهاب وضوئه % يحور رمادا بعد إذ هو ساطع )
2292 قال أخبرني عن قوله تعالى { ذلك أدنى ألا تعولوا } قال أجدى ألا تميلوا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( إنا تبعنا رسول الله واطرحوا % قول النبي وعالوا في الموازين )
2293 قال أخبرني عن قوله تعالى { وهو مليم } قال المسيء المذنب
____________________
(1/355)
قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
( من الآفات ليس لها بأهل % ولكن المسيء هو المليم )
2294 قال أخبرني عن قوله تعالى { إذ تحسونهم بإذنه } قال تقتلونهم قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( ومنا الذي لاقى بسيف محمد % فحس به الأعداء عرض العساكر )
2295 قال أخبرني عن قوله تعالى { ما ألفينا } قال يعني وجدنا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول نابغة بني ذبيان
( فحسبوه فألفوه كما زعمت % تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد )
2296 قال أخبرني عن قوله تعالى { جنفا } قال الجور والميل في الوصية قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عدي بن زيد
( أمك يا نعمان في أخواتها % تأتين ما يأتينه جنفا )
2297 قال أخبرني عن قوله تعالى { بالبأساء والضراء } قال البأساء الخصب والضراء الجدب قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول زيد بن عمرو
( إن الإله عزيز واسع حكم % بكفه الضر والبأساء والنعم )
2298 قال أخبرني عن قوله تعالى { إلا رمزا } قال الإشارة باليد والوحي بالرأس قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( ما في السماء من الرحمن مرتمز % إلا إليه وما في الأرض من وزر )
2299 قال أخبرني عن قوله تعالى { فقد فاز } قال سعد ونجا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عبد الله بن رواحة
____________________
(1/356)
( وعسى أن أفوز ثمت ألقى % حجة أتقي بها الفتانا )
2300 قال أخبرني عن قوله تعالى { سواء بيننا وبينكم } قال عدل قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( تلاقينا فقاضينا سواء % ولكن جر عن حال بحال )
2301 قال أخبرني عن قوله تعالى { الفلك المشحون } قال السفينة الموقرة الممتلئة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عبيد بن الأبرص
( شحنا أرضهم بالخيل حتى % تركناهم أذل من الصراط )
2302 قال أخبرني عن قوله تعالى { زنيم } قال ولد الزنى قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( زنيم تداعته الرجال زيادة % كما زيد في عرض الأديم الأكارع )
2303 قال أخبرني عن قوله تعالى { طرائق قددا } قال المنقطعة في كل وجه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( ولقد قلت وزيد حاسر % يوم ولت خيل زيد قددا )
2304 قال أخبرني عن قوله تعالى { برب الفلق } قال الصبح إذا انفلق من ظلمة الليل قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى
( الفارج الهم مسدولا عساكره % كما يفرج غم الظلمة الفلق )
2305 قال أخبرني عن قوله تعالى { من خلاق } قال نصيب قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
____________________
(1/357)
( يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم % إلا سرابيل من قطر وأغلال )
2306 قال أخبرني عن قوله تعالى { كل له قانتون } قال مقرون قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عدي بن زيد
( قانتا لله يرجو عفوه % يوم لا يكفر عبد ما ادخر )
2307 قال أخبرني عن قوله تعالى { جد ربنا } قال عظمة ربنا قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
( لك الحمد والنعماء والملك ربنا % فلا شيء أعلى منك جدا وأمجد )
2308 قال أخبرني عن قوله تعالى { حميم آن } قال الآن الذي انتهى طبخه وحره قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول نابغة بني ذبيان
( ويخضب لحية غدرت وحانت % بأحمى من نجيع الخوف آن )
2309 قال أخبرني عن قوله تعالى { سلقوكم بألسنة حداد } قال الطعن باللسان قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الأعشى فيهم الخصب والسماحة والنجدة % فيهم والخاطب المسلاق
2310 قال أخبرني عن قوله تعالى { وأكدى } قال كدره بمنه قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الشاعر
( وأعطى قليلا ثم أكدى بمنه % ومن ينشر المعروف في الناس يحمد )
2311 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا وزر } قال الوزر الملجأ قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عمرو بن كلثوم
( لعمرك ما إن له صخرة % لعمرك ما إن له من وزر )
2312 قال أخبرني عن قوله تعالى { قضى نحبه } قال أجله الذي قدر
____________________
(1/358)
له قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول لبيد بن ربيعة
( ألا تسألان المرء ماذا يحاول % أنحب فيقضى أم ضلال وباطل )
2313 قال أخبرني عن قوله تعالى { ذو مرة } قال ذو شدة في أمر الله قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول نابغة بني ذبيان
( وهنا قرى ذي مرة حازم % )
2314 قال أخبرني عن قوله تعالى { المعصرات } قال السحاب يعصر بعضها بعضا فيخرج الماء بين السحابتين قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول النابغة
( تجر بها الأرواح من بين شمأل % وبين صباها المعصرات الدوامس )
2315 قال أخبرني عن قوله تعالى { سنشد عضدك } قال العضد المعين الناصر قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول النابغة
( في ذمة من أبي قابوس منقذة % للخائفين ومن ليست له عضد )
2316 قال أخبرني عن قوله تعالى { في الغابرين } قال في الباقين قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول عبيد بن الأبرص
( ذهبوا وخلفني المخلف فيهم % فكأنني في الغابرين غريب )
2317 قال أخبرني عن قوله تعالى { فلا تأس } قال لا تحزن قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول امرئ القيس
( وقوفا بها صحبي علي مطيهم % يقولون لا تهلك أسى وتجمل )
2318 قال أخبرني عن قوله تعالى { يصدفون } قال يعرضون عن الحق قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول أبي سفيان
( عجبت لحلم الله عنا وقد بدا % له صدفنا عن كل حق منزل )
____________________
(1/359)
2319 قال أخبرني عن قوله تعالى { أن تبسل } قال تحبس قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول زهير
( وفارقتك برهن لا فكاك له % يوم الوداع فقلبي مبسل غلقا )
2320 قال أخبرني عن قوله تعالى { فلما أفلت } قال زالت الشمس عن كبد السماء قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول كعب بن مالك
( فتغير القمر المنير لفقده % والشمس قد كسفت وكادت تأفل )
2321 قال أخبرني عن قوله تعالى { كالصريم } قال الذاهب أما سمعت قول الشاعر
( غدوت عليه غدوة فوجدته % قعودا لديه بالصريم عواذله )
2322 قال أخبرني عن قوله تعالى { تفتأ } قال لا تزال أما سمعت قول الشاعر
( لعمرك ما تفتأ تذكر خالدا % وقد غاله ما غال تبع من قبل )
2323 قال أخبرني عن قوله تعالى { خشية إملاق } قال مخافة الفقر أما سمعت قول الشاعر
( وإني على الإملاق يا قوم ماجد % أعد لأضيافي الشواء المضهبا )
2324 قال أخبرني عن قوله تعالى { حدائق } قال البساتين أما سمعت قول الشاعر
( بلاد سقاها الله أما سهولها % فقضب ودر مغدق وحدائق )
2325 قال أخبرني عن قوله تعالى { مقيتا } قال قادرا مقتدرا أما سمعت قول أحيحة الأنصاري
____________________
(1/360)
( وذي ضغن كففت النفس عنه % وكنت على مساءته مقيتا )
2326 قال أخبرني عن قوله تعالى { ولا يؤوده } قال لا يثقله أما سمعت قول الشاعر
( يعطي المئين ولا يؤوده حملها % محض الضرائب ماجد الأخلاق )
2327 قال أخبرني عن قوله تعالى { سريا } قال النهر الصغير أما سمعت قول الشاعر
( سهل الخليفة ماجد ذو نائل % مثل السري تمده الأنهار )
2328 قال أخبرني عن قوله تعالى { وكأسا دهاقا } قال ملأى أما سمعت قول الشاعر
( أتانا عامر يرجو قرانا % فأترعنا له كأسا دهاقا )
2329 قال أخبرني عن قوله تعالى { لكنود } قال كفور للنعم وهو الذي يأكل وحده ويمنع رفده ويجيع عبده أما سمعت قول الشاعر
( شكرت له يوم العكاظ نواله % ولم أك للمعروف ثم كنودا )
2330 قال أخبرني عن قوله تعالى { فسينغضون إليك رؤوسهم } قال يحركون رؤوسهم استهزاء أما سمعت قول الشاعر
( أتنغض لي يوم الفخار وقد ترى % خيولا عليها كالأسود ضواريا )
2331 قال أخبرني عن قوله تعالى { يهرعون } قال يقبلون إليه بالغضب أما سمعت قول الشاعر
( أتونا يهرعون وهم أسارى % نسوقهم على رغم الأنوف )
2332 قال أخبرني عن قوله تعالى { بئس الرفد المرفود } قال بئس اللعنة بعد اللعنة أما سمعت قول الشاعر
____________________
(1/361)
( لا تقذفن بركن لا كفاء له % وإن تأثفك الأعداء بالرفد )
2333 قال أخبرني عن قوله تعالى { غير تتبيب } قال تخسير أما سمعت قول بشر بن أبي حازم
( هم جدعوا الأنوف فأوعبوها % وهم تركوا بني سعد تبابا )
2334 قال أخبرني عن قوله تعالى { فأسر بأهلك بقطع من الليل } ما يقطع قال آخر الليل سحرا قال مالك بن كنانة
( ونائحة تقوم بقطع ليل % على رجل أصابته شعوب )
أي داهية
2335 قال أخبرني عن قوله تعالى { هيت لك } قال تهيأت لك أما سمعت قول أحيحة الأنصاري
( به أحمي المضاف إذا دعاني % إذا ما قيل للأبطال هيتا )
2336 قال أخبرني عن قوله تعالى { يوم عصيب } قال شديد أما سمعت قول الشاعر
( هم ضربوا قوانس خيل حجر % بجنب الرده في يوم عصيب )
2337 قال أخبرني عن قوله تعالى { مؤصدة } قال مطبقة أما سمعت قول الشاعر
( تحن إلى أجبال مكة ناقتي % ومن دوننا أبواب صنعاء مؤصدة )
2338 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا يسأمون } قال لا يفترون ولا يملون أما سمعت قول الشاعر
( من الخوف لا ذو سأمة من عبادة % ولا هو من طول التعبد يجهد )
2339 قال أخبرني عن قوله تعالى { طيرا أبابيل } قال ذاهبة وجائية
____________________
(1/362)
تنقل الحجارة بمناقيرها وأرجلها فتبلبل عليهم فوق رؤوسهم أما سمعت قول الشاعر
( وبالفوارس من ورقاء قد علموا % أحلاس خيل على جرد أبابيل )
2340 قال أخبرني عن قوله تعالى { ثقفتموهم } قال وجدتموهم أما سمعت قول حسان
( فإنما تثقفن بني لؤي % جذيمة إن قتلهم دواء )
2341 قال أخبرني عن قوله تعالى { فأثرن به نقعا } قال النقع ما يسطع من حوافر الخيل أما سمعت قول حسان
( عدمنا خيلنا إن لم تروها % تثير النقع موعدها كداء )
2342 قال أخبرني عن قوله تعالى { في سواء الجحيم } قال وسط الجحيم أما سمعت قول الشاعر
( رماها بسهم فاستوى في سوائها % وكان قبولا للهوى ذي الطوارق )
2343 قال أخبرني عن قوله تعالى { سدر مخضود } قال الذي ليس له شوك أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
( إن الحدائق في الجنان ظليلة % فيها الكواعب سدرها مخضود )
2344 قال أخبرني عن قوله تعالى { طلعها هضيم } قال منهضم بعضه إلى بعض أما سمعت قول امرئ القيس
( دار لبيضاء العوارض طفلة % مهضومة الكشحين ريا المعصم )
2345 قال أخبرني عن قوله تعالى { قولا سديدا } قال قولا عدلا حقا أما سمعت قول حمزة
( أمين على ما استودع الله قلبه % فإن قال قولا كان فيه مسددا )
____________________
(1/363)
2346 قال أخبرني عن قوله تعالى { إلا ولا ذمة } قال الإل القرابة والذمة العهد أما سمعت قول الشاعر
( جزى الله إلا كان بيني وبينهم % جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلا )
2347 قال أخبرني عن قوله تعالى { خامدين } قال ميتين أما سمعت قول لبيد
( حلوا ثيابهم على عوراتهم % فهم بأفنية البيوت خمود )
2348 قال أخبرني عن قوله تعالى { زبر الحديد } قال قطع الحديد أما سمعت قول كعب بن مالك
( تلظى عليهم حين أن شد حميها % بزبر الحديد والحجارة ساجر )
2349 قال أخبرني عن قوله تعالى { فسحقا } قال بعدا أما سمعت قول حسان
( ألا من مبلغ عني أبيا % فقد ألقيت في سحق السعير )
2350 قال أخبرني عن قوله تعالى { إلا في غرور } قال في باطل أما سمعت قول حسان
( تمنتك الأماني من بعيد % وقول الكفر يرجع في غرور )
2351 قال أخبرني عن قوله تعالى { وحصورا } قال الذي لا يأتي النساء أما سمعت قول الشاعر
( وحصور عن الخنا يأمر الناس % بفعل الخيرات والتشمير )
2352 قال أخبرني عن قوله تعالى { عبوسا قمطريرا } قال الذي ينقبض وجهه من شدة الوجع أما سمعت قول الشاعر
( ولا يوم الحساب وكان يوما % عبوسا في الشدائد قمطريرا )
____________________
(1/364)
2353 قال أخبرني عن قوله تعالى { يوم يكشف عن ساق } قال عن شدة الآخرة أما سمعت قول الشاعر
( قد قامت بنا الحرب على ساق % )
2354 قال أخبرني عن قوله تعالى { إيابهم } قال الإياب المرجع أما سمعت قول عبيد بن الأبرص
( وكل ذي غيبة يؤوب % وغائب الموت لا يؤوب )
2355 قال أخبرني عن قوله تعالى { حوبا } قال إثما بلغة الحبشة قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم أما سمعت قول الأعشى
( فإني وما كلفتموني من أمركم % ليعلم من أمسى أعق وأحوبا )
2356 قال أخبرني عن قوله تعالى { العنت } قال الإثم أما سمعت قول الشاعر
( رأيتك تبتغي عنتي وتسعى % مع الساعي علي بغير ذحل )
2357 قال أخبرني عن قوله تعالى { فتيلا } قال التي تكون في شق النواة أما سمعت قول النابغة
( يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو % ثم لا يرزأ الأعادي فتيلا )
2358 قال أخبرني عن قوله تعالى { من قطمير } قال الجلدة البيضاء التي على النواة أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت
( لم أنل منهم فسيطا ولا زبدا % ولا فوفة ولا قطميرا )
2359 قال أخبرني عن قوله تعالى { أركسهم } قال حبسهم أما سمعت قول أمية
____________________
(1/365)
( أركسوا في جهنم إنهم كانوا % عتاة تقول كذبا وزورا )
2360 قال أخبرني عن قوله تعالى { أمرنا مترفيها } قال سلطنا أما سمعت قول لبيد
( إن يغبطوا ييسروا وإن أمروا % يوما يصيروا للهلك والفقد )
2361 قال أخبرني عن قوله تعالى { أن يفتنكم الذين كفروا } قال يضلكم بالعذاب والجهد بلغة هوازن أما سمعت قول الشاعر
( كل امرئ من عباد الله مضطهد % ببطن مكة مقهور ومفتون )
2362 قال أخبرني عن قوله تعالى { كأن لم يغنوا } قال كأن لم يكونوا أما سمعت قول لبيد
( وغنيت سبتا قبل مجرى داحس % لو كان للنفس اللجوج خلود )
2363 قال أخبرني عن قوله تعالى { عذاب الهون } قال الهوان أما سمعت قول الشاعر
( إنا وجدنا بلاد الله واسعة % تنجي من الذل والمخزاة والهون )
2364 قال أخبرني عن قوله تعالى { ولا يظلمون نقيرا } قال النقير ما في شق النواة ومنه تنبت النخلة أما سمعت قول الشاعر
( وليس الناس بعدك في نقير % وليسوا غير أصداء وهام )
2365 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا فارض } قال الهرمة أما سمعت قول الشاعر
( لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا % يساق إليه ما يقوم على رجل )
____________________
(1/366)
2366 قال أخبرني عن قوله تعالى { الخيط الأبيض من الخيط الأسود } قال بياض النهار من سواد الليل وهو الصبح إذا انفلق أما سمعت قول أمية
( الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق % والخيط الأسود لون الليل مكموم )
2367 قال أخبرني عن قوله تعالى { بئسما اشتروا به أنفسهم } قال باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا أما سمعت قول الشاعر
( يعطى بها ثمنا فيمنعها % ويقول صاحبها ألا تشري )
2368 قال أخبرني عن قوله تعالى { حسبانا من السماء } قال نار من السماء أما سمعت قول حسان
( بقية معشر صبت عليهم % شآبيب من الحسبان شهب )
2369 قال أخبرني عن قوله تعالى { وعنت الوجوه } قال استسلمت وخضعت أما سمعت قول الشاعر
( ليبك عليك كل عان بكربة % وآل قصي من مقل وذي وفر )
2370 قال أخبرني عن قوله تعالى { معيشة ضنكا } قال الضنك الضيق الشديد أما سمعت قول الشاعر
( والخيل قد لحقت بها في مأزق % ضنك نواحيه شديد المقدم )
2371 قال أخبرني عن قوله تعالى { من كل فج } قال طريق أما سمعت قول الشاعر
( وحازوا العيال وسدوا الفجاج % بأجساد عاد لها آيدان )
2372 قال أخبرني عن قوله تعالى { ذات الحبك } قال ذات طرائق والخلق الحسن أما سمعت قول زهير بن أبي سلمى
( هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا % لا ينكصون إذا ما استرحموا رحموا )
____________________
(1/367)
2373 قال أخبرني عن قوله تعالى { حرضا } قال المدنف الهالك من شدة الوجع أما سمعت قول الشاعر
( أمن ذكر ليلى أن نأت غربة بها % كأنك جم للأطباء محرض )
2374 قال أخبرني عن قوله تعالى { يدع اليتيم } قال يدفعه عن حقه أما سمعت قول أبي طالب
( يقسم حقا لليتيم ولم يكن % يدع لدى أيسارهن الأصاغرا )
2375 قال أخبرني عن قوله تعالى { السماء منفطر به } قال منصدع من خوف يوم القيامة أما سمعت قول الشاعر
( ظباهن حتى أعرض الليل دونها % أفاطير وسمي رواء جذورها )
2376 قال أخبرني عن قوله تعالى { فهم يوزعون } قال يحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير أما سمعت قول الشاعر
( وزعت رعيلها بأقب نهد % إذا ما القوم شدوا بعد خمس )
2377 قال أخبرني عن قوله تعالى { كلما خبت } قال الخبو الذي يطفأ مرة ويسعر أخرى أما سمعت قول الشاعر
( وتخبو النار عن آذان قومي % وأضرمها إذا ابتردوا سعيرا )
2378 قال أخبرني عن قوله تعالى { كالمهل } قال كدردي الزيت أما سمعت قول الشاعر
( تباري بها العيس السموم كأنها % تبطنت الأقراب من عرق مهلا )
2379 قال أخبرني عن قوله تعالى { أخذا وبيلا } قال شديدا ليس له ملجأ أما سمعت قول الشاعر
( وخزي الحياة وخزي الممات % وكلا أراه طعاما وبيلا )
____________________
(1/368)
2380 قال أخبرني عن قوله تعالى { فنقبوا في البلاد } قال هربوا بلغة اليمن أما سمعت قول عدي بن زيد
( نقبوا في البلاد من حذر الموت % وجالوا في الأرض أي مجال )
2381 قال أخبرني عن قوله تعالى { إلا همسا } قال الوطء الخفي والكلام الخفي أما سمعت قول الشاعر
( فباتوا يدلجون وبات يسري % بصير بالدجا هاد هموس )
2382 قال أخبرني عن قوله تعالى { مقمحون } قال المقمح الشامخ بأنفه المنكس رأسه أما سمعت قول الشاعر
( ونحن على جوانبها قعود % نغض الطرف كالإبل القماح )
2383 قال أخبرني عن قوله تعالى { في أمر مريج } قال المريج الباطل أما سمعت قول الشاعر
( فراعت فابتدرت بها حشاها % فخر كأنه خوط مريج )
2384 قال أخبرني عن قوله تعالى { حتما مقضيا } قال الحتم الواجب أما سمعت قول أمية
( عبادك يخطئون وأنت رب % بكفيك المنايا والحتوم )
2385 قال أخبرني عن قوله تعالى { وأكواب } قال القلال التي لا عرى لها أما سمعت قول الهذلي
( فلم ينطق الديك حتى ملات % كؤوب الدنان له فاستدارا )
2386 قال أخبرني عن قوله تعالى { ولا هم عنها ينزفون } قال لا يسكرون أما سمعت قول عبد الله بن رواحة
____________________
(1/369)
( ثم لا ينزفون عنها ولكن % يذهب الهم عنهم والغليل )
2387 قال أخبرني عن قوله تعالى { كان غراما } قال ملازما شديدا كلزوم الغريم الغريم أما سمعت قول بشر بن أبي حازم
( ويوم النسار ويوم الجفا % ركانا عذابا وكانا غراما )
2388 قال أخبرني عن قوله تعالى { والترائب } قال هو موضع القلادة من المرأة أما سمعت قول الشاعر
( والزعفران على ترائبها % شرقا به اللبات والنحر )
2389 قال أخبرني عن قوله تعالى { وكنتم قوما بورا } قال هلكى بلغة عمان وهم من اليمن أما سمعت قول الشاعر
( فلا تكفروا ما قد صنعنا إليكمو % وكافوا به فالكفر بور لصانعه )
2390 قال أخبرني عن قوله تعالى { نفشت } قال النفش الرعي بالليل أما سمعت قول لبيد
( بدلن بعد النفش الوجيفا % وبعد طول الجرة الصريفا )
2391 قال أخبرني عن قوله تعالى { ألد الخصام } قال الجدل المخاصم في الباطل أما سمعت قول مهلهل
( إن تحت الأحجار حزما وجودا % وخصيما ألد ذا معلاق )
2392 قال أخبرني عن قوله تعالى { بعجل حنيذ } قال النضيج مما يشوى بالحجارة أما سمعت قول الشاعر
( لهم راح وفار المسك فيهم % وشاويهم إذا شاؤوا حنيذا )
2393 قال أخبرني عن قوله تعالى { من الأجداث } قال القبور أما سمعت قول ابن رواحة
____________________
(1/370)
( حينا يقولون إذ مروا على جدثي % أرشده يا رب من عان وقد رشدا )
2394 قال أخبرني عن قوله تعالى { هلوعا } قال ضجرا جزوعا أما سمعت قول بشر بن أبي حازم
( لا مانعا لليتيم نحلته % ولا مكبا لخلقه هلعا )
2395 قال أخبرني عن قوله تعالى { ولات حين مناص } قال ليس بحين فرار أما سمعت قول الأعشى
( تذكرت ليلى حين لات تذكر % وقد بنت منها والمناص بعيد )
2396 قال أخبرني عن قوله تعالى { ودسر } قال الدسر الذي تخرز به السفينة أما سمعت قول الشاعر
( سفينة نوتي قد احكم صنعها % مثخنة الألواح منسوجة الدسر )
2397 قال أخبرني عن قوله تعالى { ركزا } قال حسا أما سمعت قول الشاعر
( وقد توجس ركزا مقفر ندس % بنبأة الصوت ما في سمعه كذب )
2398 قال أخبرني عن قوله تعالى { باسرة } قال كالحة أما سمعت قول عبيد بن الأبرص
( صبحنا تميما غداة النسار % شهباء ملمومة باسره )
2399 قال أخبرني عن قوله تعالى { ضيزى } قال جائرة أما سمعت قول امرئ القيس
( ضازت بنو أسد بحكمهم % إذ يعدلون الرأس بالذنب )
2400 قال أخبرني عن قوله تعالى { لم يتسنه } قال تغيره السنون أما سمعت قول الشاعر
____________________
(1/371)
( طاب منه الطعم والريح معا % لن ترا متغيرا من آسن )
2401 قال أخبرني عن قوله تعالى { ختار } قال الغدار الظلوم الغشوم أما سمعت قول الشاعر
( لقد علمت واستيقنت ذات نفسها % بألا تخاف الدهر صرمي ولا ختري )
2402 قال أخبرني عن قوله تعالى { عين القطر } قال الصفر أما سمعت قول الشاعر
( فألقى في مراجل من حديد % قدور القطر ليس من البراة )
2403 قال أخبرني عن قوله تعالى { أكل خمط } قال الأراك أما سمعت قول الشاعر
( وما مغزل فرد تراعي بعينها % أغن غضيض الطرف من خلل الخمط )
2404 قال أخبرني عن قوله تعالى { اشمأزت } قال نفرت أما سمعت قول عمرو بن كلثوم
( إذا عض الثقاف بها اشمأزت % وولته عشو زنة زبونا )
2405 قال أخبرني عن قوله تعالى { جدد } قال طرائق أما سمعت قول الشاعر
( قد غادر النسع في صفحاتها جددا % كأنها طرق لاحت على أكم )
2406 قال أخبرني عن قوله تعالى { أغنى وأقنى } قال أغنى من الفقر وأقنى من الغنى فقنع به أما سمعت قول عنترة العبسي
( فأقنى حياءك لا أبالك واعلمي % أني امرؤ سأموت إن لم أقتل )
2407 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا يلتكم } قال لا ينقصكم
____________________
(1/372)
بلغة بني عبس أما سمعت قول الحطيئة العبسي
( أبلغ سراة بني سعد مغلغلة % جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا )
2408 قال أخبرني عن قوله تعالى { وأبا } قال الأب ما تعتلف منه الدواب أما سمعت قول الشاعر
( ترى به الأب واليقطين مختلطا % على الشريعة يجري تحتها الغرب )
2409 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا تواعدوهن سرا } قال السر الجماع أما سمعت قول امرئ القيس
( ألا زعمت بسباسة اليوم أنني % كبرت وألا يحسن السر أمثالي )
2410 قال أخبرني عن قوله تعالى { فيه تسيمون } قال ترعون أما سمعت قول الأعشى
( ومشى القوم بالعماد إلي الرزحاء % وأعيا المسيم أين المساق )
2411 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا ترجون لله وقارا } قال لا تخشون لله عظمة أما سمعت قول أبي ذؤيب
( إذا لسعته النحل لم يرج لسعها % وخالفها في بيت نوب عواسل )
2412 قال أخبرني عن قوله تعالى { ذا متربة } قال ذا حاجة وجهد أما سمعت قول الشاعر
( تربت يداك ثم قل نوالها % وترفعت عنك السماء سجالها )
2413 قال أخبرني عن قوله تعالى { مهطعين } قال مذعنين خاضعين أما سمعت قول تبع
( تعبدني نمر بن سعد وقد درى % ونمر بن سعد لي مدين ومهطع )
____________________
(1/373)
2414 قال أخبرني عن قوله تعالى { هل تعلم له سميا } قال ولدا أما سمعت قول الشاعر
( أما السمي فأنت منه مكثر % والمال فيه تغتدي وتروح )
2415 قال أخبرني عن قوله تعالى { يصهر } قال يذاب أما سمعت قول الشاعر
( سخنت صهارته فظل عثانه % في سيطل كفيت به يتردد )
2416 قال أخبرني عن قوله تعالى { لتنوء بالعصبة } قال لتثقل أما سمعت قول امرئ القيس
( تمشي فتثقلها عجيزتها % مشي الضعيف ينوء بالوسق )
2417 قال أخبرني عن قوله تعالى { كل بنان } قال أطراف الأصابع أما سمعت قول عنترة
( فنعم فوارس الهيجاء قومي % إذا علقوا الأسنة بالبنان )
2418 قال أخبرني عن قوله تعالى { إعصار } قال الريح الشديدة أما سمعت قول الشاعر
( فله في آثارهن خوار % وحفيف كأنه إعصار )
2419 قال أخبرني عن قوله تعالى { مراغما } قال منفسحا بلغة هذيل أما سمعت قول الشاعر
( وأترك أرض هجرة إن عندي % رجاء في المراغم والتعادي )
2420 قال أخبرني عن قوله تعالى { صلدا } قال أملس أما سمعت قول أبي طالب
( وإني لقرم وابن قرم لهاشم % لآباء صدق مجدهم معقل صلد )
____________________
(1/374)
2421 قال أخبرني عن قوله تعالى { لأجرا غير ممنون } قال غير منقوص أما سمعت قول زهير
( فضل الجواد على الخيل البطاء فلا % يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا )
2422 قال أخبرني عن قوله تعالى { جابوا الصخر } قال نقبوا الحجارة في الجبال فاتخذوها بيوتا أما سمعت قول أمية
( وشق أبصارنا كيما نعيش بها % وجاب للسمع أصماخا وآذانا )
2423 قال أخبرني عن قوله تعالى { حبا جما } قال كثيرا أما سمعت قول أمية
( إن تغفر اللهم تغفر جما % وأي عبد لك لا ألما )
2424 قال أخبرني عن قوله تعالى { غاسق } قال الظلمة أما سمعت قول زهير
( ظلت تجوب يداها وهي لاهية % حتى إذا جنح الإظلام والغسق )
2425 قال أخبرني عن قوله تعالى { في قلوبهم مرض } قال النفاق أما سمعت قول الشاعر
( أجامل أقواما حياء وقد أرى % صدورهم تغلي على مراضها )
2426 قال أخبرني عن قوله تعالى { يعمهون } قال يلعبون ويترددون أما سمعت قول الأعشى
( أراني قد عمهت وشاب رأسي % وهذا اللعب شين بالكبير )
2427 قال أخبرني عن قوله تعالى { إلى بارئكم } قال خالقكم أما سمعت قول تبع
( شهدت على أحمد أنه % رسول من الله باري النسم )
____________________
(1/275)
2428 قال أخبرني عن قوله تعالى { لا ريب فيه } قال لا شك فيه أما سمعت قول ابن الزبعري
( ليس في الحق يا أمامة ريب % إنما الريب ما يقول الكذوب )
2429 قال أخبرني عن قوله تعالى { ختم الله على قلوبهم } قال طبع عليها أما سمعت قول الأعشى
( وصهباء طاف يهود بها % فأبرزها وعليها ختم )
2430 قال أخبرني عن قوله تعالى { صفوان } قال الحجر الأملس أما سمعت قول أوس بن حجر
( على ظهر صفوان كأن متونه % عللن بدهن يزلق المتنزلا )
2431 قال أخبرني عن قوله تعالى { فيها صر } قال برد أما سمعت قول نابغة
( لا يبرمون إذا ما الأرض جللها % صر الشتاء من الإمحال كالأدم )
2432 قال أخبرني عن قوله تعالى { تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } قال توطن المؤمنين أما سمعت قول الأعشى
( وما بوأ الرحمن بيتك منزلا % بأجياد غربي الصفا والمحرم )
2433 قال أخبرني عن قوله تعالى { ربيون } قال جموع كثيرة أما سمعت قول حسان
( وإذ معشر تجافوا عن القصد % حملنا عليهم ربيا )
2434 قال أخبرني عن قوله تعالى { مخمصة } قال مجاعة أما سمعت قول الأعشى
( تبيتون في المشتى ملاء بطونكم % وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا )
____________________
(1/376)
2435 قال أخبرني عن قوله تعالى { وليقترفوا ما هم مقترفون } قال ليكتسبوا ما هم مكتسبون أما سمعت قول لبيد
( وإني لآت ما أتيت وإنني % لما اقترفت نفسي علي لراهب )
2436 هذا آخر مسائل نافع بن الأزرق وقد حذفت منها يسيرا نحو بضعة عشر سؤالا وهي أسئلة مشهورة وأخرج الأئمة أفرادا منها بأسانيد مختلفة إلى ابن عباس
2437 وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء منها قطعة وهي المعلم عليها بالحمرة صورة ك قال حدثنا بشر بن أنس أنبأنا محمد بن علي ابن الحسن بن شقيق أنبأنا أبو صالح هدبة بن مجاهد أنبأنا مجاهد بن شجاع أنبأنا محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران قال دخل نافع بن الأزرق المسجد فذكره
2438 وأخرج الطبراني في معجمه الكبير منها قطعة وهي المعلم عليها صورة ط من طريق جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال خرج نافع بن الأزرق . . . فذكره
____________________
(1/377)
النوع السابع والثلاثون ) فيما وقع فيه بغير لغة الحجاز )
2439 تقدم الخلاف في ذلك في النوع السادس عشر ونورد هنا أمثلة ذلك وقد رأيت فيه تأليفا مفردا
2440 أخرج أبو عبيد من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله { وأنتم سامدون } قال الغناء وهي يمانية
2441 وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة هي بالحميرية
2442 وأخرج أبو عبيد عن الحسن قال كنا لا ندري ما الأرائك حتى لقينا رجل من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عندهم الحجلة فيها السرير
2443 وأخرج عن الضحاك في قوله تعالى { ولو ألقى معاذيره } قال ستوره بلغة أهل اليمن
2444 وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله تعالى { لا وزر } قال لا حيل وهي بلغة أهل اليمن
2445 وأخرج عن عكرمة في قوله تعالى { وزوجناهم بحور } قال هي لغة يمانية وذلك أن أهل اليمن يقولون زوجنا فلانا بفلانة
2446 قال الراغب في مفرداته ولم يجيء في القرآن زوجناهم حورا كما يقال زوجته امرأة تنبيها أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا بالمناكحة
____________________
(1/378)
2447 وأخرج عن الحسن في قوله تعالى { لو أردنا أن نتخذ لهوا } قال اللهو بلسان اليمن المرأة
2448 وأخرج عن محمد بن علي في قوله تعالى { ونادى نوح ابنه } قال هي بلغة طيء ابن امرأته
2449 قلت وقد قرئ ونادى نوح ابنها
2450 وأخرج عن الضحاك في قوله تعالى { أعصر خمرا } قال عنبا بلغة أهل عمان يسمون العنب خمرا
2451 وأخرج ابن عباس في قوله تعالى { أتدعون بعلا } قال ربا بلغة أهل اليمن
2452 وأخرج عن قتادة قال بعلا ربا بلغة أزدشنودة
2453 وأخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب الوقف عن ابن عباس قال الوزر ولد الولد بلغة هذيل
2454 وأخرج فيه عن ابن الكلبي قال المرجان صغار اللؤلؤ بلغة اليمن
2455 وأخرج في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان عن مجاهد قال الصواع الطرجهالة بلغة حمير
2456 وأخرج فيه عن أبي صالح في قوله تعالى { أفلم ييأس الذين آمنوا } قالوا أفلم يعلموا بلغة هوازن
2457 وقال الفراء قال الكلبي بلغة النخع
2458 وفي مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس { يفتنكم } يضلكم بلغة هوازن
2459 وفيها { بورا } هلكى بلغة عمان
2460 وفيها { فنقبوا } هربوا بلغة اليمن
2461 وفيها { لا يلتكم } لا ينقصكم بلغة بني عبس
____________________
(1/379)
2462 وفيها { مراغما } منفسحا بلغة هذيل
2463 وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمرو بن شرحبيل في قوله تعالى { سيل العرم } المسناة بلغة أهل اليمن
2464 وأخرج جويبر في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى { في الكتاب مسطورا } قال مكتوبا وهي لغة حميرية يسمون الكتاب أسطورا
2465 وقال أبو القاسم في الكتاب الذي ألفه في هذا النوع في القرآن 1 - بلغة كنانة
2466 { السفهاء } الجهال
2467 { خاسئين } صاغرين
2468 { شطره } تلقاءه
2469 { لا خلاق } لا نصيب
2470 { وجعلكم ملوكا } أحرارا
2471 { قبيلا } عيانا
2472 { بمعجزين } سابقين
2473 { يعزب } يغيب
2474 { ولا تركنوا } ولا تميلوا
2475 { في فجوة } ناحية
2476 { موئلا } ملجأ
2477 { مبلسون } آيسون
____________________
(1/380)
2478 { دحورا } طردا
2479 { الخراصون } الكذابون
2480 { أسفارا } كتبا
2481 { أقتت } جمعت
2482 { لكنود } كفور للنعم 2 - بلغة هذيل
2483 { والرجز } العذاب
2484 { شروا } باعوا
2485 { عزموا الطلاق } حققوا
2486 { صلدا } نقيا
2487 { آناء الليل } ساعاته
2488 { من فورهم } وجههم
2489 { مدرارا } متتابعا
2490 { فرقانا } مخرجا
2491 { حرض } حض
2492 { عيلة } فاقة
2493 { وليجة } بطانة
2494 { انفروا } اغزوا
2495 { السائحون } الصائمون
____________________
(1/381)
2496 { العنت } الإثم
2497 { ببدنك } بدرعك
2498 { غمة } شبهة
2499 { لدلوك الشمس } زوالها
2500 { شاكلته } ناحيته
2501 { رجما } ظنا
2502 { ملتحدا } ملجأ
2503 { يرجو } يخاف
2504 { هضما } نقصا
2505 { هامدة } مغبرة
2506 { واقصد في مشيك } أسرع
2507 { الأجداث } القبور
2508 { ثاقب } مضيء
2509 { بالهم } حالهم
2510 { يهجعون } ينامون
2511 { ذنوبا } عذابا
2512 { ودسر } المسامير
2513 { من تفاوت } عيب
____________________
(1/382)
2514 { أرجائها } نواحيها
2515 { أطوارا } ألوانا
2516 { بردا } نوما
2517 { واجفة } خائفة
2518 { مسغبة } مجاعة
2519 { المبذرين } المسرفين 3 - وبلغة حمير
2520 { أن تفشلا } أن تجبنا
2521 { عثر } اطلع
2522 { في سفاهة } جنون
2523 { فزيلنا } فميزنا
2524 { مرجوا } حقيرا
2525 { السقاية } الإناء
2526 { مسنون } منتن
2527 { إمام } كتاب
2528 { فسينغضون } يحركون
2529 { حسبانا } بردا
2530 { من الكبر عتيا } نحولا
____________________
(1/383)
2531 { مآرب } حاجات
2532 { خرجا } جعلا
2533 ( غراما ) بلاء
2534 { الصرح } البيت
2535 { أنكر الأصوات } أقبحها
2536 { يتركم } ينقصكم
2537 { مدينين } محاسبين
2538 { رابية } شديدة
2539 { وبيلا } شديدا 4 - بلغة جرهم
2539 م 1 { بجبار } بمسلط
2539 م 2 { مرض } زنا
2539 م 3 { القطر } النحاس
2539 م 4 { محشورة } مجموعة
2539 م 5 { معكوفا } محبوسا
2540 { فباؤوا } استوجبوا
2541 { شقاق } ضلال
2542 { خيرا } مالا
2543 { كدأب } كأشباه
2544 { تعولوا } تميلوا
2545 { لم يغنوا } لم يتمتعوا
2546 { فشرد } نكل
2547 { أراذلنا } سفلتنا
____________________
(1/384)
2548 { عصيب } شديد
2549 { لفيفا } جميعا
2550 { محسورا } منقطعا
2551 { حدب } جانب
2552 { من خلاله } السحاب
2553 { الودق } المطر
2554 { لشرذمة } عصابة
2555 { ريع } طريق
2556 { ينسلون } يخرجون
2557 { لشوبا } مزجا
2558 { الحبك } الطرائق
2559 { بسور } الحائط 5 - وبلغة أزدشنوءة
2560 { لا شية } لا وضح
2561 العضل الحبس
2562 { أمة } سنين
2563 { الرس } البئر
2564 { كاظمين } مكروبين
____________________
(1/385)
2565 { غسلين } الحار الذي تناهى حره
2566 { لواحة } حراقه 6 - وبلغة مذحج
2567 { رفث } جماع
2568 { مقيتا } مقتدرا
2569 { بظاهر من القول } بكذب
2570 { بالوصيد } الفناء
2571 { حقبا } دهرا
2572 { الخرطوم } الأنف 7 - وبلغة خثعم
2573 { تسيمون } ترعون
2574 { مريج } منتشر
2575 { صغت } مالت
2576 { هلوعا } ضجورا
2577 { شططا } كذبا 8 - وبلغة قيس عيلان
2578 { نحلة } فريضة
2579 { حرجا } ضيقا
2580 { لخاسرون } مضيعون
____________________
(1/386)
2581 { تفندون } تستهزئون
2582 { صياصيهم } حصونهم
2583 { تحبرون } تنعمون
2584 { رجيم } ملعون
2585 { يلتكم } ينقصكم 9 - وبلغة سعد العشيرة
2586 { وحفدة } أختان
2587 { كل } عيال 10 - وبلغة كندة
2588 { فجاجا } طرقا
2589 { وبست } فتتت
2590 { تبتئس } تحزن 11 - وبلغة عذرة
2591 { اخسؤوا } اخزوا 12 - وبلغة حضرموت
2592 { ربيون } رجال
2593 { دمرنا } أهلكنا
2594 { لغوب } إعياء
2595 { منسأته } عصاه
____________________
(1/387)
13 - وبلغة غسان
2596 { وطفقا } عمدا
2597 { بئيس } شديد
2598 { سيء بهم } كرههم 14 - وبلغة مزينة
2599 { لا تغلوا } لا تزيدوا 15 - وبلغة لخم
2600 { إملاق } جوع
2601 { ولتعلن } ولتقهرن 16 - وبلغة جذام
2602 { فجاسوا خلال الديار } تخللوا الأزقة 17 - وبلغة بني حنيفة
2603 { بالعقود } العهود
2604 { جناح } اليد
2605 { الرهب } الفزع 18 - وبلغة اليمامة
2606 { حصرت } ضاقت 19 - وبلغة سبأ
2607 { تميلوا ميلا عظيما } تخطئوا خطأ بينا
____________________
(1/388)
2608 { تبرنا } أهلكنا 20 - وبلغة سليم
2609 { نكص } رجع 21 - وبلغة عمارة
2610 { الصاعقة } الموت 21 م - وبلغة طيء
2610 م 1 { ينعق } يصيح
2610 م 2 { رغدا } خصبا
2610 م 3 { سفه نفسه } خسرها
2610 م 4 { يس } يا إنسان 22 - وبلغة خزاعة
2611 { أفيضوا } انفروا والإفضاء الجماع 23 - وبلغة عمان
2612 { خبالا } غيا
2613 { نفقا } سربا
2614 { حيث أصاب } أراد 24 - وبلغة تميم
2615 { أمة } نسيان
2616 { بغيا } حسدا 25 - وبلغة أنمار
2617 { طائره } عمله
2618 { وأغطش } أظلم 26 - وبلغة الأشعريين
2619 { لأحتنكن } لأستأصلن
____________________
(1/389)
2620 { تارة } مرة
2621 { اشمأزت } مالت ونفرت 27 - وبلغة الأوس
2622 { لينة } النخل 28 - وبلغة الخزرج
2623 { ينفضوا } يذهبوا 29 - وبلغة مدين
2624 { فافرق } فاقض
انتهى ما ذكره أبو القاسم ملخصا
2625 وقال أبو بكر الواسطي في كتابه الإرشاد في القراءات العشر في القرآن من اللغات خمسون لغة لغة قريش وهذيل وكنانة وخثعم والخزرج وأشعر ونمير وقيس وعيلان وجرهم واليمن وأزدشنوءة وكندة وتميم وحمير ومدين ولخم وسعد العشيرة وحضرموت وسدوس والعمالقة وأنمار وغسان ومذحج وخزاعة وغطفان وسبأ وعمان وبنو حنيفة وثعلبة وطيئ وعامر بن صعصعة وأوس ومزينة وثقيف وجذام وبلي وعذرة وهوازن والنمر واليمامة
ومن غير العربية الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط
2626 ثم ذكر في أمثلة ذلك غالب ما تقدم عن أبي القاسم وزاد
{ الرجز } العذاب بلغة بلي
2627 { طائف من الشيطان } نخسة بلغة ثقيف
2628 { بالأحقاف } الرمال بلغة ثعلبة
____________________
(1/390)
2629 وقال ابن الجوزي في فنون الأفنان في القرآن 1 - بلغة همذان
{ وريحان } الرزق
2630 { عين } بيض
2631 { وعبقري } الطنافس 2 - وبلغة نصر بن معاوية
2632 { ختار } الغدار 3 - وبلغة عامر بن صعصعة
2633 { وحفدة } الخدم 4 - وبلغة ثقيف
2634 { تعولوا } العول الميل 5 - وبلغة عك
2635 { الصور } القرن
2636 وقال ابن عبد البر في التمهيد قول من قال نزل بلغة قريش معناه عندي الأغلب لأن غير لغة قريش موجودة في جميع القراءات من تحقيق الهمزة ونحوها وقريش لا تهمز
2637 وقال الشيخ جمال الدين بن مالك أنزل الله القرآن بلغة الحجازيين إلا قليلا فإنه نزل بلغة التميميين كالإدغام في { ومن يشاق الله } وفي { من يرتد منكم عن دينه } فإن إدغام المجزوم لغة تميم ولهذا قل والفك لغة الحجاز ولهذا كثر نحو { وليملل } { يحببكم الله } { يمددكم } { اشدد به أزري } { ومن يحلل عليه غضبي }
____________________
(1/391)
2638 قال وقد أجمع القراء على نصب { إلا اتباع الظن } لأن لغة الحجاز بين التزام النصب في المنقطع كما أجمعوا على نصب { ما هذا بشرا } لأن لغتهم إعمال ما
2639 وزعم الزمخشري في قوله { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } أنه استثناء منقطع جاء على لغة بني تميم فائدة
2640 قال الواسطي ليس في القرآن حرف غريب من لغة قريش غير ثلاثة أحرف لأن كلام قريش سهل لين واضح وكلام العرب وحشي غربي فليس في القرآن إلا ثلاثة أحرف غريبة { فسينغضون } وهو تحريك الرأس { مقيتا } مقتدرا { فشرد بهم } سمع
____________________
(1/392)
النوع الثامن والثلاثون فيما وقع فيه بغير لغة العرب
2641 قد أفردت في هذا النوع كتابا سميته المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب وها أنا ألخص هنا فوائده فأقول اختلف الأئمة في وقوع المعرب في القرآن فالأكثرون ومنهم الإمام الشافعي وابن جرير وأبو عبيدة والقاضي أبو بكرو بن فارس على عدم وقوعه فيه لقوله تعالى { قرآنا عربيا } وقوله تعالى { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي } وقد شدد الشافعي النكير على القائل بذلك
2642 وقال أبو عبيدة إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ومن زعم أن { كذابا } بالنبطية فقد أكبر القول
2643 وقال ابن فارس لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتى بلغات لا يعرفونها
2644 وقال ابن جرير ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها بالفارسية أو الحبشية أو النبطية أو نحو ذلك إنما اتفق فيها توارد اللغات فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد
2645 وقال غيره بل كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلغتهم بعض مخالطة لسائر الألسنة في أسفارهم فعلقت من لغاتهم ألفاظا غيرت بعضها بالنقص من حروفها واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الفصيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن
2646 وقال آخرون كل هذه الألفاظ عربية صرفة ولكن لغة العرب متسعة
____________________
(1/393)
جدا ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الجلة وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح
2647 قال الشافعي في الرسالة لا يحيط باللغة إلا نبي
2648 وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك إنما وجدت هذه الألفاظ في لغة العرب لأنها أوسع اللغات وأكثرها ألفاظا ويجوز أن يكونوا سبقوا إلى هذه الالفاظ
2649 وذهب آخرون إلى وقوعه فيه وأجابوا عن قوله تعالى { قرآنا عربيا } بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيا والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية وعن قوله تعالى { أأعجمي وعربي } بأن المعنى من السياق أكلام أعجمي ومخاطب عربي واستدلوا بإتفاق النحاة على أن منع صرف نحو إبراهيم للعلمية والعجمة ورد هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف فالكلام في غيرها موجه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس وأقوى ما رأيته للوقوع وهو اختياري ما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال في القرآن من كل لسان
2650 وروى مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه
2651 فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين ونبأ كل شيء فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك فقال من خصائص القرآن على سائر كتب الله تعالى المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم ولم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم والقرآن احتوى على جميع لغات العرب وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير انتهى
2652 وأيضا النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة وقد قال تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم وإن كان أصله بلغة قومه هو
____________________
(1/394)
2653 وقد رأيت الخويي ذكر لوقوع المعرب في القرآن فائدة أخرى فقال إن قيل أن إستبرق ليس بعربي وغير العربي من الألفاظ دون العربي في الفصاحة والبلاغة فنقول لو اجتمع فصحاء العالم وأرادوا أن يتركوا هذه اللفظة ويأتوا بلفظ يقوم مقامها في الفصاحة لعجزوا عن ذلك وذلك لأن الله تعالى إذا حث عباده على الطاعة فإن لم يرغبهم بالوعد الجميل ويخوفهم بالعذاب الوبيل لا يكون حثه على وجه الحكمة فالوعد والوعيد نظرا إلى الفصاحة واجب ثم إن الوعد بما يرغب فيه العقلاء وذلك منحصر في أمور الأماكن الطيبة ثم المآكل الشهية ثم المشارب الهنية ثم الملابس الرفيعة ثم المناكح اللذيذة ثم ما بعده مما يختلف فيه الطباع فإذن ذكر الأماكن الطيبة والوعد به لازم عند الفصيح ولو تركه لقال من أمر بالعبادة ووعد عليها بالأكل والشرب إن الأكل والشرب لا ألتذ به إذا كنت في حبس أو موضع كريه فإذن ذكر الله الجنة ومساكن طيبة فيها وكان ينبغي أن يذكر من الملابس ما هو أرفعها وأرفع الملابس في الدنيا الحرير وأما الذهب فليس مما ينسج منه ثوب ثم إن الثوب الذي من غير الحرير لا يعتبر فيه الوزن والثقل وربما يكون الصفيق الخفيف أرفع من الثقيف الوزن وأما الحرير فكلما كان ثوبه أثقل كان أرفع فحينئذ وجب على الفصيح أن يذكر الأثقل والأثخن ولا يتركه في الوعد لئلا يقصر في الحث والدعاء ثم هذا الواجب الذكر إما أن يذكر بلفظ واحد موضوع له صريح أو لا يذكر بمثل هذا ولا شك أن الذكر باللفظ الواحد الصريح أولى لأنه أوجز وأظهر في الإفادة وذلك إستبرق فإن أراد الفصيح أن يترك هذا اللفظ ويأتي بلفظ آخر لم يمكنه لأن ما يقوم مقامه إما لفظ واحد أو ألفاظ متعددة ولا يجد العربي لفظا واحدا يدل عليه لأن الثياب من الحرير عرفها العرب من الفرس ولم يكن لهم بها عهد ولا وضع في اللغة العربية للديباج الثخين اسم وإنما عربوا ما سمعوا من العجم واستغنوا به عن الوضع لقلة وجوده عندهم وندرة تلفظهم به وأما إن ذكره بلفظين فأكثر فإنه يكون قد أخل بالبلاغة لأن ذكر لفظين لمعنى يمكن ذكره بلفظ تطويل فعلم بهذا أن لفظ إستبرق يجب على كل فصيح أن يتكلم به في موضعه ولا يجد ما يقوم مقامه وأي فصاحة أبلغ من أن لا يوجد غيره مثله انتهى
2654 وقال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن حكى القول بالوقوع عن الفقهاء والمنع عن العربية والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن
____________________
(1/395)
هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب فمن قال إنها عربية فهو صادق ومن قال أعجمية فصادق ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون
2655 وهذا سرد الألفاظ الواردة في القرآن من ذلك مرتبة على حروف المعجم
2656 أباريق حكى الثعالبي في فقه اللغة أنها فارسية وقال الجواليقي الإبريق فارسي معرب ومعناه طريق الماء أو صب الماء على هينة
2657 أب قال بعضهم هو الحشيش بلغة أهل الغرب حكاه شيذلة
2658 أبلعي أخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه في قوله تعالى { ابلعي ماءك } قال بالحبشية أزدرديه
2659 وأخرج أبو الشيخ من طريق جعفر بن محمد عن أبيه قال اشربي بلغة الهند
2660 أخلد قال الواسطي في الإرشاد أخلد إلى الأرض ركن بالعبرية
2661 الأرائك حكى ابن الجوزي في فنون الأفنان أنها السرر بالحبشية
2662 آزر عد في المعرب على قول من قال إنه ليس بعلم لأبي إبراهيم ولا للصنم
2663 وقال ابن أبي حاتم ذكر عن معتمر بن سليمان قال سمعت أبي يقرأ { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } يعني بالرفع قال بلغني أنها أعوج وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه وقال بعضهم هي بلغتهم يا مخطئ
2664 أسباط حكى أبو الليث في تفسيره أنها بلغتهم كالقبائل بلغة العرب
____________________
(1/396)
2665 إستبرق أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه الديباج الغليظ بلغة العجم
2666 أسفار قال الواسطي في الإرشاد هي الكتب بالسريانية
2667 وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال هي الكتب بالنبطية
2668 إصري قال أبو القاسم في لغات القرآن معناه عهدي بالنبطية
2669 أكواب حكى ابن الجوزي أنها الأكواز بالنبطية
2670 وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها بالنبطية جرار ليست لها عرى
2671 إل قال ابن جنى ذكروا أنه اسم الله تعالى بالنبطية
2672 أليم حكى ابن الجوزي أنه الموجع بالزنجية وقال شيذلة بالعبرانية
2673 إناه نضجه بلسان أهل المغرب ذكره شيذلة وقال أبو القاسم بلغة البربر وقال في قوله تعالى { حميم آن } هو الذي انتهى حره بها وفي قوله تعالى { من عين آنية } أي حارة بها
2674 أواه أخرج أبو الشيخ بن حبان من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الأواه الموقن بلسان الحبشة
2675 وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن مجاهد وعكرمة
2676 وأخرج عن عمرو بن شرحبيل قال الرحيم بلسان الحبشة
2677 وقال الواسطي الأواه الدعاء بالعبرية
2678 أواب أخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل قال الأواب المسبح بلسان الحبشة
2679 وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى { أوبي معه } قال سبحي بلسان الحبشة
2680 الملة الآخرة قال شيذلة الجاهلية الأولى أي الآخرة في الملة
____________________
(1/397)
الآخرة أي الأولى بالقبطية والقبط يسمون الآخرة الأولى والأولى الآخرة وحكاه الزركشي في البرهان
2681 بطائنها قال شيذلة في قوله تعالى { بطائنها من إستبرق } أي ظواهرها بالقبطية وحكاه الزركشي
2682 بعير أخرج الفريابي عن مجاهد في قوله تعالى { كيل بعير } أي كيل حمار
2683 وعن مقاتل إن البعير كل ما يحمل عليه بالعبرانية
2684 بيع قال الجواليقي في كتاب المعرب البيعة والكنيسة جعلهما بعض العلماء فارسيين معربين
2685 تنور ذكروا الجواليقي والثعالبي أنه فارسي معرب
2686 تتبيرا أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى { وليتبروا ما علوا تتبيرا } قال تبره بالنبطية
2687 تحت قال أبو القاسم في لغات القرآن في قوله تعالى { فناداها من تحتها } أي بطنها بالنبطية
2688 ونقل الكرماني في العجائب مثله عن مؤرخ
2689 الجبت أخر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت اسم الشيطان بالحبشية
2690 وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال الجبت بلسان الحبشة الشيطان وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال الجبت الساحر بلسان الحبشة
2691 جهنم قيل أعجمية وقيل فارسية وعبرانية أصلها كهنام
____________________
(1/398)
2692 حرم أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال وحرم وجب بالحبشية
2693 حصب أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى { حصب جهنم } قال حطب جهنم بالزنجية
2694 حطة قيل معناه قولوا صوابا بلغتهم
2695 حواريون أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال الحواريون الغسالون بالنبطية وأصله هواري
2696 حوب تقدم في مسائل نافع بن الأزرق عن ابن عباس أنه قال حوبا إثما بلغة الحبشة
2697 دارست معناه قارأت بلغة اليهود
2698 دري معناه المضيء بالحبشية حكاه شيذلة وأبو القاسم
2699 دينار ذكر الجواليقي وغيره أنه فارسي
2700 راعنا أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن ابن عباس قال راعنا سب بلسان اليهود
2701 ربانيون قال الجواليقي قال أبو عبيدة العرب لا تعرف الربانيين وإنما عرفها الفقهاء وأهل العلم قال وأحسب الكلمة ليست بعربية وإنما هي عبرانية أو سريانية وجزم القاسم بأنها سريانية
2702 ربيون ذكر أبو حاتم أحمد بن حمدان اللغوي في كتاب الزينة أنها سريانية
2703 الرحمن ذهب المبرد وثعلب إلى أنه عبراني وأصله بالخاء المعجمة
2704 الرس في العجائب للكرماني إنه عجمي ومعناه البئر
2705 الرقيم قيل إنه اللوح بالرومية حكاه شيذلة
2706 وقال أبو القاسم هو الكتاب بها
____________________
(1/399)
2707 وقال الواسطي هو الدواة بها
2708 رمزا عده ابن الجوزي في فنون الأفنان من المعرب
2709 وقال الواسطي هو تحريك الشفتين بالعبرية
2710 رهوا قال أبو القاسم في قوله تعالى { واترك البحر رهوا } أي سهلا دمثا بلغة النبط
2711 وقال الواسطي أي ساكنا بالسريانية
2712 الروم قال الجواليقي هو أعجمي اسم لهذا الجيل من الناس
2713 زنجبيل ذكر الجواليقي والثعالبي أنه فارسي
2714 السجل أخرج ابن مردويه من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال السجل بلغة الحبشة الرجل
2715 وفي المحتسب لابن جني السجل الكتاب قال قوم هو فارسي معرب
2716 سجيل أخرج الفريابي عن مجاهد قال سجيل بالفارسية أولها حجارة وآخرها طين
2717 سجين ذكر أبو حاتم في كتاب الزينة أنه غير عربي
2718 سرادق قال الجواليقي فارسي معرب وأصله سرادر وهو الدهليز
2719 وقال غيره الصواب أنه بالفارسية سرابرده أي ستر الدار
2720 سري أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى { سريا } قال نهرا بالسريانية
2721 وعن سعيد بن جبير بالنبطية
____________________
(1/400)
2722 وحكى شيذلة أنه باليونانية
2723 سفرة أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله تعالى { بأيدي سفرة } قال بالنبطية القراء
2724 سقر ذكر الجواليقي أنها أعجمية
2725 سجدا قال الواسطي في قوله تعالى { وادخلوا الباب سجدا } أي مقنعي الرؤوس بالسريانية
2726 سكر أخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال السكر بلسان الحبشة الخل
2727 سلسبيل حكى الجواليقي أنه عجمي
2728 سنا عده الحافظ ابن حجر في نظمه ولم أقف عليه لغيره
2729 سندس قال الجواليقي هو رقيق الديباج بالفارسية
2730 وقال الليث لم يختلف أهل اللغة والمفسرون في أنه معرب
2731 وقال شيذلة هو بالهندية
2732 سيدها قال الواسطي في قوله تعالى { وألفيا سيدها لدى الباب } أي زوجها بلسان القبط
2733 قال أبو عمرو لا أعرفها في لغة العرب
2734 سينين أخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن عكرمة قال سينين الحسن بلسان الحبشة
2735 سيناء أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال سيناء بالنبطية الحسن
2736 شطر أخرج ابن أبي حاتم عن رفيع في قوله تعالى { شطر المسجد } قال تلقاء بلسان الحبش
____________________
(1/401)
2737 شهر قال الجواليقي ذكر بعض أهل اللغة أنه بالسريانية
2738 الصراط حكى النقاش وابن الجوزي أنه الطريق بلغة الروم ثم رأيته في كتاب الزينة لأبي حاتم
2739 صرهن أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى { فصرهن } قال هي نبطية فشققهن
2740 وأخرج مثله عن الضحاك
2741 وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال مامن اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء قيل وما فيه من الرومية قال فصرهن يقول قطعهن
2742 صلوات قال الجواليقي هي بالعبرانية كنائس اليهود وأصلها صلوتا
2743 وأخرج ابن أبي حاتم نحوه عن الضحاك
2744 طه أخرج الحاكم في المستدرك من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { طه } قال هو كقولك يا محمد بلسان الحبش
1745 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال { طه } بالنبطية
2746 وأخرج عن سعيد بن جبير قال طه يا رجل بالنبطية
2747 وأخرج عن عكرمة قال طه يا رجل بلسان الحبشة
2748 الطاغوت هو الكاهن بالحبشية
2749 طفقا قال بعضهم معناه قصدا بالرومية وحكاه شيذلة
2750 طوبى اسم الجنة بالحبشية وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال بالهندية
2751 طور أخرج الفريابي عن مجاهد قال الطور الجبل بالسريانية
2752 وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه بالنبطية
____________________
(1/402)
2752 م طوى في العجائب للكرماني قيل هو معرب معناه ليلا وقيل هو رجل بالعبرانية
2753 عبدت قال أبو القاسم في قوله تعالى { عبدت بني إسرائيل } معناه قتلت بلغة النبط
2754 عدن أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن قوله تعالى { جنات عدن } قال جنات كروم وأعناب بالسريانية
2755 ومن تفسير جويبر أنه بالرومية
2756 العرم أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال العرم بالحبشية وهي المسناة التي يجمع فيها الماء ثم ينبثق
2757 غساق قال الجواليقي والواسطي هو البارد المنتن بلسان الترك
2758 وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن بريدة قال الغساق المنتن وهو بالطخارية
2759 غيض قال أبو القاسم غيض نقص بلغة الحبشة
2760 فردوس أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وقال الفردوس بستان بالرومية
2761 وأخرج عن السدي قال الكرم بالنبطية وأصله فرداسا
2762 فوم قال الواسطي هو الحنطة بالعبرية
2763 قراطيس قال الجواليقي يقال إن القرطاس أصله غير عربي
2764 قسط أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال القسط العدل بالرومية
2765 قسطاس أخرج الفريابي عن مجاهد قال القسطاس العدل بالرومية
2766 وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال القسطاس بلغة الروم الميزان
____________________
(1/403)
2767 قسورة أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الأسد يقال له بالحبشية قسورة
2768 قطنا قال أبو القاسم معناه كتابنا بالنبطية
2769 قفل حكى الجواليقي عن بعضهم أنه فارسي معرب
2770 قمل قال الواسطي الدبا بلسان العبرية والسريانية
2771 قال أبو عمرو لا أعرفه في لغة أحد من العرب
2772 قنطار ذكر الثعالبي في فقه اللغة أنه بالرومية اثنا عشر ألف أوقية
2773 وقال الخليل زعموا أنه بالسريانية ملء جلد ثور ذهبا أو فضة
2774 وقال بعضهم إنه بلغة بربر ألف مثقال
2775 وقال ابن قتيبة قيل إنه ثمانية آلاف مثقال بلسان أهل إفريقية
2776 القيوم قال الواسطي هو الذي لا ينام بالسريانية
2777 كافور ذكر الجواليقي وغيره أنه فارسي معرب
2778 كفر قال ابن الجوزي كفر عنا معناه امح عنا بالنبطية
2779 وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله تعالى { كفر عنهم سيئاتهم } قال بالعبرانية محا عنهم
2780 كفلين أخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال كفلين ضعفين بالحبشية
2781 كنز ذكر الجواليقي أنه فارسي معرب
2782 كورت أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير كورت غورت وهي بالفارسية
2783 لينة في الإرشاد للواسطي هي النخلة
2784 وقال الكلبي لا أعلمها إلا بلسان يهود يثرب
____________________
(1/404)
2785 متكأ أخرج ابن أبي حاتم عن سلمة بن تمام الشقري قال متكأ بلسان الحبش يسمون الترنج متكأ
2786 مجوس ذكر الجواليقي أنه أعجمي
2787 مرجان حكى الجواليقي عن بعض أهل اللغة أنه أعجمي
2787 م مسك ذكر الثعالبي أنه فارسي
2788 مشكاة أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال المشكاة الكوة بلغة الحبشة
2789 مقاليد أخرج الفريابي عن مجاهد قال مقاليد مفاتيح بالفارسية
2790 وقال ابن دريد والجواليقي الإقليد والمقليد المفتاح فارسي معرب
2791 مرقوم قال الواسطي في قوله تعالى { كتاب مرقوم } أي مكتوب بلسان العبرية
2792 مزجاة قال الواسطي مزجاة قليلة بلسان العجم وقيل بلسان القبط
2793 ملكوت أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله تعالى { ملكوت } قال هو الملك ولكنه بكلام النبطية ملكوتا
2794 وأخرجه أبو الشيخ عن ابن عباس وقال الواسطي في الإرشاد هو الملك بلسان النبط
2795 مناص قال أبو القاسم معناه فرار بالنبطية
2796 منسأة أخرج ابن جرير عن السدي قال المنسأة العصا بلسان الحبشة
2797 منفطر أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى { السماء منفطر به } قال ممتلئة به بلسان الحبشة
____________________
(1/405)
2798 مهل قيل هو عكر الزيت بلسان أهل المغرب حكاه شيذلة
2799 وقال أبو القاسم بلغة البربر
2800 ناشئة أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود قال ناشئة الليل قيام الليل بالحبشية
2801 وأخرج البيهقي عن ابن عباس مثله
2802 ن حكى الكرماني في العجائب عن الضحاك أنه فارسي أصله النون ومعناه أصنع ما شئت
2803 هدنا قيل معناه تبنا بالعبرانية حكاه شيذلة وغيره
2804 هود قال الجواليقي الهود اليهود أعجمي
2805 هون أخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران في قوله تعالى { يمشون على الأرض هونا } قال حكماء بالسريانية
2806 وأخرج عن الضحاك مثله
2807 وأخرج عن أبي عمران الجوني أنه بالعبرانية
2808 هيت لك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هيت لك هلم لك بالقبطية
2809 وقال الحسن هي بالسريانية كذلك أخرجه ابن جرير
2810 وقال عكرمة هي بالحورانية كذلك أخرجه أبو الشيخ
2811 وقال أبو زيد الأنصاري هي بالعبرانية وأصله هيتلج أي تعاله
2812 وراء قيل معناه أمام بالنبطية وحكاه شيذلة وأبو القاسم
2813 وذكر الجواليقي أنها غير عربية
2814 وردة ذكر الجواليقي أنها غير عربية
2815 وزر قال أبو القاسم هو الحبل والملجأ بالنبطية
____________________
(1/406)
2816 ياقوت ذكر الجواليقي والثعالبي وآخرون أنه فارسي
2817 يحور أخرج ابن أبي حاتم عن داود بن هند في قوله تعالى { إنه ظن أن لن يحور } قال بلغة الحبشة يرجع
2818 وأخرج مثله عن عكرمة
2819 وتقدم في أسئلة نافع بن الأزرق عن ابن عباس
2820 يس أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى { يس } قال يا إنسان بالحبشية
2821 وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال يس يا رجل بلغة الحبشة
2822 يصدون قال ابن الجوزي معناه يضجون بالحبشية
2823 يصهر قيل معناه ينضج بلسان أهل المغرب حكاه شيذلة
2824 اليم قال ابن قتيبة اليم البحر بالسريانية
2825 وقال ابن الجوزي بالعبرانية
2826 وقال شيذلة بالقبطية
2827 اليهود قال الجواليقي أعجمي معرب منسوبون إلى يهوذا بن يعقوب فعرب بإهمال الدال
2828 فهذا ما وقفت عليه من الألفاظ المعربة في القرآن بعد الفحص الشديد سنين ولم تجتمع قبل في كتاب قبل هذا
2829 وقد نظم القاضي تاج الدين بن السبكي منها سبعة وعشرين لفظا في أبيات وذيل عليها الحافظ أبو الفضل بن حجر بأبيات فيها أربعة وعشرون لفظا وذيلت عليها بالباقي وهو بضع وستون فتمت أكثر من مائة لفظة فقال ابن السبكي
____________________
(1/407)
( السلسبيل وطه كورت بيع % روم وطوبى وسجيل وكافور )
( والزنجبيل ومشكاة سرادق مع % إستبرق صلوات سندس طور )
( كذا قراطيس ربانيهم وغساق % ودينار والقسطاس مشهور )
( كذاك قسورة واليم ناشئة % ويؤت كفلين مذكور ومسطور )
( له مقاليد فردوس يعد كذا % فيما حكى ابن دريد منه تنور )
2830 وقال ابن حجر
( وزدت حرم ومهل والسجل كذا % السري والأب ثم الجبت مذكور )
( وقطنا وإناه ثم متكئا % دارست يصهر منه فهو مصهور )
( وهيت والسكر الأواه مع حصب % وأوبي معه والطاغوت مسطور )
( صرهن إصري وغيض الماء مع وزر % ثم الرقيم مناص والسنا النور )
2831 وقلت أيضا
( وزدت يس والرحمن مع ملكوت % ثم سينين شطر البيت مشهور )
( ثم الصراط ودري يحور ومرجان % ويم مع القنطار مذكور )
( وراعنا طفقا هدنا ابلعي ووراء % والأرائك والأكواب مأثور )
( هود وقسط كفر رمزه سقر % هون يصدون والمنساة مسطور )
( شهر مجوس وإقفال يهود حواريون % كنز وسجين وتتبير )
( بعير آزر حوب وردة عرم % إل ومن تحتها عبدت والصور )
( ولينة فومها رهو وأخلد مزجاة % وسيدها القيوم موقور )
( وقمل ثم أسفار عنى كتبا % وسجدا ثم ربيون تكثير )
( وحطة وطوى والرس نون كذا % عدن ومنفطر الأسباط مذكور )
( مسك أباريق ياقوت رووا فهنا % ما فات من عدد الألفاظ محصور )
( وبعضهم عد الأولى مع بطائنها % والآخره لمعاني الضد مقصور )
____________________
(1/408)
النوع التاسع والثلاثون في معرفة الوجوه والنظائر
2832 صنف فيها قديما مقاتل بن سليمان ومن المتأخرين ابن الجوزي وابن الدامغاني وأبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري وابن فارس وآخرون
2833 فالوجوه للفظ المشترك الذي يستعمل في عدة معان كلفظ الأمة وقد أفردت في هذا الفن كتابا سميته معترك الأقران في مشترك القرآن
2834 والنظائر كالألفاظ المتواطئة وقيل النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني وضعف لأنه لو أريد هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة وهم يذكرون في تلك الكتب اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعا لأقسام والنظائر نوعا آخر
وقد جعل بعضهم ذلك من أنواع معجزات القرآن حيث كانت الكلمة الواحدة تنصرف إلى عشرين وجها وأكثر وأقل ولا يوجد ذلك في كلام البشر
2835 وذكر مقاتل في صدر كتابه حديثا مرفوعا لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة
2836 قلت هذا أخرجه ابن سعد وغيره عن أبي الدرداء موقوفا ولفظه لا يفقه الرجل كل الفقه وقد فسره بعضهم بأن المراد أن يرى اللفظ الواحد يحتمل معاني متعددة فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة ولا يقتصر به على معنى واحد
2837 وأشار آخرون إلى أن المراد به استعمال الإشارات الباطنة وعدم الاقتصار على التفسير الظاهر
____________________
(1/409)
2838 وقد أخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الدرداء قال إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها
قال حماد فقلت لأيوب أرأيت قوله حتى ترى للقرآن وجوها أهو أن يرى له وجوها فيهاب الإقدام عليه قال نعم هو هذا
2839 وأخرج ابن سعد من طريق عكرمة عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة
2840 وأخرج من وجه آخر أن ابن عباس قال له يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم في بيوتنا نزل قال صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن خاصمهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصا فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة
2841 وهذه عيون من أمثلة هذا النوع من ذلك الهدى يأتي على سبعة عشر وجها
1 بمعنى الثبات { اهدنا الصراط المستقيم }
2 والبيان { أولئك على هدى من ربهم }
3 والدين { إن الهدى هدى الله }
4 والإيمان { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى }
5 والدعاء { ولكل قوم هاد } { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا }
6 وبمعنى الرسل والكتب { فإما يأتينكم مني هدى }
7 والمعرفة { وبالنجم هم يهتدون }
8 وبمعنى النبي صلى الله عليه وسلم { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى }
____________________
(1/410)
9 وبمعنى القرآن { ولقد جاءهم من ربهم الهدى }
10 والتوراة { ولقد آتينا موسى الهدى }
11 والاسترجاع { وأولئك هم المهتدون }
12 والحجة { لا يهدي القوم الظالمين } بعد قوله تعالى { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } أي لا يهديهم حجة
13 والتوحيد { إن نتبع الهدى معك }
14 والسنة { فبهداهم اقتده } { وإنا على آثارهم مهتدون }
15 والإصلاح { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين }
16 والإلهام { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } أي ألهمهم المعاش
17 والتوبة { إنا هدنا إليك }
18 والإرشاد { أن يهديني سواء السبيل }
2842 ومن ذلك السوء يأتي على أوجه
1 الشدة { يسومونكم سوء العذاب }
2 والعقر { ولا تمسوها بسوء }
3 والزنى { ما جزاء من أراد بأهلك سوءا } { ما كان أبوك امرأ سوء }
4 والبرص { بيضاء من غير سوء }
5 والعذاب { إن الخزي اليوم والسوء }
6 والشرك { ما كنا نعمل من سوء }
____________________
(1/411)
7 والشتم { لا يحب الله الجهر بالسوء } { وألسنتهم بالسوء }
8 والذنب { يعملون السوء بجهالة }
9 وبمعنى بئس { ولهم سوء الدار }
10 والضر { ويكشف السوء } { وما مسني السوء }
11 والقتل والهزيمة { لم يمسسهم سوء }
2843 ومن ذلك الصلاة تأتي على أوجه
1 الصلوات الخمس { ويقيمون الصلاة }
2 وصلاة العصر { تحبسونهما من بعد الصلاة }
3 وصلاة الجمعة { إذا نودي للصلاة }
4 والجنازة { ولا تصل على أحد منهم }
5 والدعاء { وصل عليهم }
6 والدين { أصلاتك تأمرك }
7 والقراءة { ولا تجهر بصلاتك }
8 والرحمة والاستغفار { إن الله وملائكته يصلون على النبي }
9 ومواضع الصلاة { وصلوات ومساجد } { لا تقربوا الصلاة }
2844 ومن ذلك الرحمة وردت على وجه
1 الإسلام { يختص برحمته من يشاء }
2 والإيمان { وآتاني رحمة من عنده }
____________________
(1/412)
3 والجنة { ففي رحمة الله هم فيها خالدون }
4 والمطر { بشرا بين يدي رحمته }
5 والنعمة { ولولا فضل الله عليكم ورحمته }
6 والنبوة { أم عندهم خزائن رحمة ربك } { أهم يقسمون رحمة ربك }
6 م والقرآن { قل بفضل الله وبرحمته }
7 والرزق { خزائن رحمة ربي }
8 والنصر والفتح { إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة }
9 والعافية { أو أرادني برحمة }
10 والمودة { رأفة ورحمة } { رحماء بينهم }
11 والسعة { تخفيف من ربكم ورحمة }
12 والمغفرة { كتب على نفسه الرحمة }
13 والعصمة { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم }
2845 ومن ذلك الفتنة وردت على أوجه
1 الشرك { والفتنة أشد من القتل } { حتى لا تكون فتنة }
2 والإضلال { ابتغاء الفتنة }
3 والقتل { أن يفتنكم الذين كفروا }
4 والصد { واحذرهم أن يفتنوك }
5 والضلالة { ومن يرد الله فتنته }
6 والمعذرة { ثم لم تكن فتنتهم }
____________________
(1/413)
7 والقضاء { إن هي إلا فتنتك }
8 والإثم { ألا في الفتنة سقطوا }
9 والمرض { يفتنون في كل عام }
10 والعبرة { لا تجعلنا فتنة }
11 والعقوبة { أن تصيبهم فتنة }
12 والاختبار { ولقد فتنا الذين من قبلهم }
13 والعذاب { جعل فتنة الناس كعذاب الله }
14 والإحراق { يوم هم على النار يفتنون }
15 والجنون { بأيكم المفتون }
2846 ومن ذلك الروح ورد على أوجه
1 الأمر { وروح منه }
2 والوحي { ينزل الملائكة بالروح }
3 والقرآن { أوحينا إليك روحا من أمرنا }
4 والرحمة { وأيدهم بروح منه }
5 والحياة { فروح وريحان }
6 وجبريل { فأرسلنا إليها روحنا } { نزل به الروح الأمين }
7 وملك عظيم { يوم يقوم الروح }
8 وجيش من الملائكة { تنزل الملائكة والروح فيها }
9 وروح البدن { ويسألونك عن الروح }
2847 ومن ذلك القضاء ورد على أوجه
1 الفراغ { فإذا قضيتم مناسككم }
____________________
(1/414)
2 والأمر { إذا قضى أمرا }
3 والأجل { فمنهم من قضى نحبه }
4 والفصل { لقضي الأمر بيني وبينكم }
5 والمضي { ليقضي الله أمرا كان مفعولا }
6 والهلاك { لقضي إليهم أجلهم }
7 والوجوب { قضي الأمر }
8 والإبرام { في نفس يعقوب قضاها }
9 والإعلام { وقضينا إلى بني إسرائيل }
10 والوصية { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه }
11 والموت { فقضى عليه }
12 والنزول { فلما قضينا عليه الموت }
13 والخلق { فقضاهن سبع سماوات }
14 والفعل { كلا لما يقض ما أمره } يعني حقا لم يفعل
15 والعهد { إذ قضينا إلى موسى الأمر }
2848 ومن ذلك الذكر ورد على أوجه
1 ذكر اللسان { فاذكروا الله كذكركم آباءكم }
2 وذكر القلب { ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم }
3 والحفظ { واذكروا ما فيه }
4 والطاعة والجزاء { فاذكروني أذكركم }
5 والصلوات الخمس { فإذا أمنتم فاذكروا الله }
6 والعظة { فلما نسوا ما ذكروا به } { وذكر فإن الذكرى }
____________________
(1/415)
7 والبيان { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم }
8 والحديث { اذكرني عند ربك } أي حدثه بحالي
9 والقرآن { ومن أعرض عن ذكري } { ما يأتيهم من ذكر }
10 والتوراة { فاسألوا أهل الذكر }
11 والخبر { سأتلو عليكم منه ذكرا }
12 والشرف { وإنه لذكر لك }
13 والعيب { أهذا الذي يذكر آلهتكم }
14 واللوح المحفوظ { من بعد الذكر }
15 والثناء { وذكر الله كثيرا }
16 والوحي { فالتاليات ذكرا }
16 م والرسول { ذكرا رسولا }
17 والصلاة { ولذكر الله أكبر }
18 وصلاة الجمعة { فاسعوا إلى ذكر الله }
19 وصلاة العصر { عن ذكر ربي }
2849 ومن ذلك الدعاء ورد على أوجه
1 العبادة { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك }
2 والاستعانة { وادعوا شهداءكم }
3 والسؤال { ادعوني أستجب لكم }
4 القول { دعواهم فيها سبحانك اللهم }
5 والنداء { يوم يدعوكم }
6 والتسمية { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا }
____________________
(1/416)
2850 ومن ذلك الإحصان ورد على أوجه
1 العفة { والذين يرمون المحصنات }
2 والتزوج { فإذا أحصن }
3 والحرية { نصف ما على المحصنات من العذاب } فصل
2851 قال ابن فارس في كتاب الأفراد كل ما في القرآن من ذكر الأسف فمعناه الحزن إلا { فلما آسفونا } فمعناه أغضبونا
2852 وكل ما فيه من ذكر البروج فهي الكواكب إلا { ولو كنتم في بروج مشيدة } فهي القصور الطوال الحصينة
2853 وكل ما فيه من ذكر البر والبحر فالمراد بالبحر الماء وبالبر التراب اليابس إلا { ظهر الفساد في البر والبحر } فالمراد به البرية والعمران
2854 وكل ما فيه من بخس فهو النقص إلا { بثمن بخس } أي حرام
2855 وكل ما فيه من البعل فهو الزوج إلا { أتدعون بعلا } فهو الصنم
2856 وكل ما فيه من البكم فالخرس عن الكلام بالإيمان إلا { عميا وبكما وصما } في الإسراء و { أحدهما أبكم } في النحل فالمراد به عدم القدرة على الكلام مطلقا
2857 وكل ما فيه جثيا فمعناه جميعا إلا { وترى كل أمة جاثية } فمعناه تجثو على ركبها
2858 وكل ما فيه من حسبان فهو العدد إلا { حسبانا من السماء } في الكهف فهو العذاب
____________________
(1/417)
2859 وكل ما فيه حسرة فالندامة إلا { ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم } فمعناه الحزن
2860 وكل ما فيه من الدحض فالباطل إلا { فكان من المدحضين } فمعناه من المقروعين
2861 وكل ما فيه من رجز فالعذاب إلا { والرجز فاهجر } فالمراد به الصنم
2862 وكل ما فيه من ريب فالشك إلا { ريب المنون } يعني حوادث الدهر
2863 وكل ما فيه من الرجم فهو القتل إلا { لأرجمنك } فمعناه لأشتمنك و { رجما بالغيب } أي ظنا
2864 وكل ما فيه من الزور فالكذب مع الشرك إلا { منكرا من القول وزورا } فإنه كذب غير الشرك
2865 وكل ما فيه من زكاة فهو المال إلا { وحنانا من لدنا وزكاة } أي طهرة
2866 وكل ما فيه من الزيغ فالميل إلا { وإذ زاغت الأبصار } أي شخصت
2867 وكل ما فيه من سخر فالاستهزاء إلا { سخريا } في الزخرف فهو من التسخير والاستخدام
2868 وكل سكينة فيه طمأنينة إلا التي في قصة طالوت فهو شيء كرأس الهرة له جناحان
____________________
(1/418)
2869 وكل سعير فيه فهو النار والوقود إلا { في ضلال وسعر } فهو العناء
2870 وكل شيطان فيه فإبليس وجنوده إلا { وإذا خلوا إلى شياطينهم }
2871 وكل شهيد فيه غير القتلى فمن يشهد في أمور الناس إلا { وادعوا شهداءكم } فهو شركاؤكم
2872 وكل ما فيه من أصحاب النار فأهلها إلا { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } فالمراد خزنتها
2873 وكل صلاة فيه عبادة ورحمة إلا { وصلوات ومساجد } فهي الأماكن
2874 وكل صمم فيه ففي سماع الإيمان والقرآن خاصة إلا الذي في الإسراء
2875 وكل عذاب فيه فالتعذيب إلا { وليشهد عذابهما } فهو الضرب
2876 وكل قنوت فيه طاعة إلا { كل له قانتون } فمعناه مقرون
2877 وكل كنز فيه مال إلا الذي في الكهف فهو صحيفة علم
2878 وكل مصباح فيه كوكب إلا الذي في النور فالسراج
2879 وكل نكاح فيه تزوج إلا { حتى إذا بلغوا النكاح } فهو الحلم
2880 وكل نبأ فيه خبر إلا { فعميت عليهم الأنباء } فهي الحجج
____________________
(1/419)
2881 وكل ورود فيه دخول إلا { ولما ورد ماء مدين } يعني هجم عليه ولم يدخله
2882 وكل ما فيه من { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فالمراد من العمل إلا التي في الطلاق فالمراد من النفقة
2883 وكل يأس فيه قنوط إلا التي في الرعد فمن العلم
2884 وكل صبر فيه محمود إلا { لولا أن صبرنا عليها } { واصبروا على آلهتكم }
هذا آخر ما ذكره ابن فارس
2885 وقال غيره كل صوم فيه فمن العبادة إلا { نذرت للرحمن صوما } أي صمتا
2886 وكل ما فيه من الظلمات والنور فالمراد الكفر والإيمان إلا التي في أول الأنعام فالمراد ظلمة الليل ونور النهار
2887 وكل إنفاق فيه فهو الصدقة إلا { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } فالمراد به المهر
2888 وقال الداني كل ما فيه من الحضور بالضاد فهو من المشاهدة إلا موضعا واحدا فإنه بالظاء من الاحتظار وهو المنع وهو قوله تعالى { كهشيم المحتظر }
2889 وقال ابن خالويه ليس في القرآن بعد بمعنى قبل إلا حرف واحد { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر }
2890 قال مغلطاي في كتاب الميسر قد وجدنا حرفا آخر وهو قوله تعالى { والأرض بعد ذلك دحاها }
____________________
(1/420)
2891 قال أبو موسى في كتاب المغيث معناه هنا قبل لأنه تعالى خلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء فعلى هذا خلق الأرض قبل خلق السماء انتهى
2892 قلت قد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون بشيء من هذا النوع فأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة هذا إسناده جيد وابن حبان يصححه
2893 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن أليم فهو الموجع
2894 وأخرج من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن قتل فهو لعن
2895 وأخرج من طريق الضحاك عن ابن عباس قال كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب
2896 وقال الفريابي حدثنا قيس عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل تسبيح في القرآن صلاة وكل سلطان في القرآن حجة
2897 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن الدين فهو الحساب
2898 وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال كل ريب شك إلا مكانا واحدا في الطور { ريب المنون } يعني حوادث الأمور
2899 وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب
2900 وأخرج عن الضحاك قال كل كأس ذكره الله في القرآن إنما عنى به الخمر
2901 وأخرج عنه قال كل شيء في القرآن فاطر فهو خالق
____________________
(1/421)
2902 وأخرج عن سعيد بن جبير قال كل شيء في القرآن إفك فهو كذب
2902 م وأخرج عن أبي العالية قال كل آية في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام والنهي عن المنكر فهو عبادة الأوثان
2903 وأخرج عن أبي العالية قال كل آية في القرآن يذكر فيها حفظ الفرج فهو من الزنى إلا قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } فالمراد ألا يراها أحد
2904 وأخرج عن مجاهد قال كل شيء في القرآن إن الإنسان كفور إنما يعني به الكفار
2905 وأخرج عن عمر بن عبد العزيز قال كل شيء في القرآن خلود فإنه لا توبة له
2906 وأخرج عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال كل شيء في القرآن يقدر فمعناه يقل
2907 وأخرج عنه قال التزكي في القرآن كله إسلام
2908 وأخرج عن أبي مالك قال وراء في القرآن أمام كله غير حرفين { فمن ابتغى وراء ذلك } يعني سوى ذلك { وأحل لكم ما وراء ذلكم } يعني سوى ذلكم
2909 وأخرج عن أبي بكر بن عياش قال ما كان كسفا فهو عذاب وما كان كسفا فهو قطع السحاب
2910 وأخرج عن عكرمة قال ما صنع الله فهو السد ما صنع الناس فهو السد
2911 وأخرج ابن جرير عن أبي روق قال كل شيء في القرآن جعل فهو خلق
2912 وأخرج عن مجاهد قال المباشرة في كل كتاب الله الجماع
____________________
(1/422)
2913 وأخرج عن ابن زيد قال كل شيء في القرآن فاسق فهو كاذب إلا قليلا
2914 وأخرج ابن المنذر عن السدي قال ما كان في القرآن { حنيفا } مسلما وما كان في القرآن { حنفاء } مسلمين حجاجا
2915 وأخرج عن سعيد بن جبير قال العفو في القرآن على ثلاثة أنحاء نحو تجاوز عن الذنب ونحو في القصد في النفقة { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } ونحو في الإحسان فيما بين الناس { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح }
2916 وفي صحيح البخاري قال سفيان بن عيينة ما سمى الله المطر في القرآن إلا عذابا وتسميه العرب الغيث
2917 قلت استثني من ذلك { إن كان بكم أذى من مطر } فإن المراد به الغيث قطعا
2918 وقال أبو عبيدة إذا كان في العذاب فهو أمطرت وإذا كان في الرحمة فهو مطرت فرع
2919 أخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال قال لي ابن عباس احفظ عني كل شيء في القرآن { وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير } فهو للمشركين فأما المؤمنون فما أكثر أنصارهم وشفعاءهم
2920 وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال كل طعام في القرآن فهو نصف صاع
2921 وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال كل شيء في القرآن قليل وإلا قليل فهو دون العشرة
2922 وأخرج عن مسروق قال ما كان في القرآن على صلاتهم يحافظون حافظوا على الصلوات فهو على مواقيتها
____________________
(1/423)
2923 وأخرج عن سفيان بن عيينة قال كل شيء في القرآن وما يدريك فلم يخبر وما أدراك فقد أخبر به
2924 وأخرج عنه قال كل مكر في القرآن فهو عمل
2925 وأخرج عن مجاهد قال ما كان في القرآن قتل لعن فإنما عني به الكافر
2926 وقال الراغب في مفرداته قيل كل شيء ذكره الله بقوله وما أدراك فسره وكل شيء ذكره بقوله وما يدريك تركه وقد ذكر { وما أدراك ما سجين } { وما أدراك ما عليون } ثم فسر الكتاب لا السجين ولا العليون وفي ذلك نكتة لطيفة انتهى ولم يذكرها
وبقيت أشياء تأتي في النوع الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى
____________________
(1/424)
النوع الأربعون في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر
2927 وأعني بالأدوات الحروف وما شاكلها من الأسماء والأفعال والظروف
2928 اعلم أن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها كما في قوله تعالى { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } فاستعملت على في جانب الحق وفي في جانب الضلال لأن صاحب الحق كأنه مستعل يصرف نظره كيف شاء وصاحب البطل كأنه منغمس في ظلام منخفض لا يدري أين يتوجه
2929 وقوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف } عطف على الجمل الأول بالفاء والأخيرة بالواو لما انقطع نظام الترتب لأن التلطف غير مرتب على الإتيان بالطعام كما كان الإتيان به مترتبا على النظر فيه والنظر فيه مترتبا على التوجه في طلبه والتوجه في طلبه مترتبا على قطع الجدال في المسألة عن مدة اللبث وتسليم العلم له تعالى
2930 وقوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء } الآية عدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة إيذانا إلى أنهم أكثر استحقاقا للمتصدق عليهم بمن سبق ذكره باللام لأن في للوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه
2931 وقال الفارسي إنما قال { وفي الرقاب } ولم يقل وللرقاب ليدل على أن العبد لا يملك
____________________
(1/425)
2932 وعن ابن عباس قال الحمد لله الذي قال { عن صلاتهم ساهون } ولم يقل في صلاتهم
2933 وسيأتي ذكر كثير من أشباه ذلك
وهذا سردها مرتبة على حروف المعجم وقد أفرد هذا النوع بالتصنيف خلائق من المتقدمين كالهروي في الأزهية والمتأخرين كابن أم قاسم في الجنى الداني 1 - الهمزة
2934 تأتي على وجهين
أحدها الاستفهام وحقيقته طلب الإفهام وهي أصل أدواته ومن ثم اختصت بأمور
أحدها جواز حذفها كما سيأتي في النوع السادس والخمسين
ثانيها أنها ترد لطلب التصور والتصديق بخلاف هل فإنها للتصديق خاصة وسائر الأدوات للتصور خاصة
ثالثها إنها تدخل على الإثبات نحو { أكان للناس عجبا } { آلذكرين حرم } وعلى النفي نحو { ألم نشرح } وتفيد حينئذ معنيين
أحدهما التذكر والتنبيه كالمثال المذكور وكقوله تعالى { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } والآخر التعجب من الأمر العظيم كقوله تعالى { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت } وفي كلا الحالين هي تحذير نحو { ألم نهلك الأولين }
رابعها تقديمها على العاطف تنبيها على إصالتها في التصدير نحو { أو كلما عاهدوا عهدا } { أفأمن أهل القرى } { أثم إذا ما وقع } وسائر أخواتها يتأخر عنه كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة نحو { فكيف تتقون } { فأين تذهبون } { فأنى تؤفكون } { فهل يهلك } { فأي الفريقين } { فما لكم في المنافقين }
____________________
(1/426)
خامسها أنه لا يستفهم بها حتى يهجس في النفس إثبات ما يستفهم عنه بخلاف هل فإنه لما لا يترجح عنده فيه نفي ولا إثبات حكاه أبو حيان عن بعضهم
سادسها أنها تدخل على الشرط نحو { أفإن مت فهم الخالدون } { أفإن مات أو قتل انقلبتم } بخلاف غيرها
وتخرج عن الاستفهام الحقيقي فتأتي لمعان تذكر في النوع السابع والخمسين فائدة
2935 إذا دخلت على رأيت امتنع أن تكون من رؤية البصر أو القلب وصار بمعنى أخبرني وقد تبدل هاء وخرج على ذلك قراءة قنبل { ها أنتم هؤلاء } بالقصر وقد تقع في القسم ومنه ما قرئ ولا نكتم شهادة بالتنوين آلله بالمد
2936 الثاني من وجهي الهمزة أن تكون حرفا ينادى به القريب وجعل منه الفراء { أم من هو قانت آناء الليل } على قراءة تخفيف الميم أي صاحب هذه الصفات
2937 قال هشام ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير ياء ويقربه سلامته من دعوى المجاز إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته ومن دعوى كثرة الحذف إذ التقرير عند من جعلها للاستفهام أمن هو قانت خير أم هذا الكافر أي المخاطب بقوله { قل تمتع بكفرك قليلا } فحذف شيئان معادل الهمزة والخبر 2 - أحد
2938 قال أبو حاتم في كتاب الزينة هو اسم أكمل من الواحد ألا ترى أنك إذا قلت فلان لا يقوم له واحد جاز في المعنى أن يقوم اثنا فأكثر بخلاف قولك لا يقوم له أحد
وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد تقول ليس في الدار واحد فيجوز
____________________
(1/427)
أن يكون من الدواب والطير والوحش والإنس فيعم الناس وغيرهم بخلاف ليس في الدار أحد فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم
2939 قال ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الأول وبمعنى الواحد فيستعمل في الإثبات وفي النفي نحو { قل هو الله أحد } أي واحد وأول { فابعثوا أحدكم بورقكم } وبخلافهما فلا يستعمل إلا في النفي تقول ما جاءني من أحد ومنه { أيحسب أن لن يقدر عليه أحد } و { أن لم يره أحد } { فما منكم من أحد } { ولا تصل على أحد }
وواحد يستعمل فيها مطلقا وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث قال تعالى { لستن كأحد من النساء } بخلاف الواحد فلا يقال كواحد من النساء بل كواحدة
وأحد يصلح للأفراد والجمع
قلت ولهذا وصف قوله تعالى { فما منكم من أحد عنه حاجزين } بخلاف الواحد
2940 والأحد له جمع من لفظه وهو الأحدون والآحاد وليس للواحد جمع من لفظه فلا يقال واحدون بل اثنان وثلاثة
2941 والأحد ممتنع الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب بخلاف الواحد انتهى ملخصا وقد تحصل من كلامه بينهما سبعة فروق
2942 وفي أسرار التنزيل للبارزي في سورة الإخلاص فإن قيل المشهور في كلام العرب أن الأحد يستعمل بعد النفي والواحد بعد الإثبات فكيف جاء أحد هنا بعد الإثبات
قلنا قد اختار أبو عبيد أنهما بمعنى واحد وحينئذ فلا يختص أحدهما بمكان دون الآخر وإن غلب استعمال أحد في النفي ويجوز أن يكون العدول هنا عن الغالب رعاية للفواصل انتهى
____________________
(1/428)
2943 وقال الراغب في مفردات القرآن أحد يستعمل على ضربين أحدهما في النفي فقط والآخر في الإثبات
فالأول لاستغراق جنس الناطقين ويتناول الكثير والقليل ولذلك صح أن يقال ما من أحد فاضلين كقوله تعالى { فما منكم من أحد عنه حاجزين } والثاني على ثلاثة أوجه
الأول المستعمل في العدد مع العشرات نحو أحد عشر أحد وعشرين
والثاني المستعمل مضافا إليه بمعنى الأول نحو { أما أحدكما فيسقي ربه خمرا }
والثالث المستعمل وصفا مطلقا ويختص بوصف الله تعالى نحو { قل هو الله أحد } وأصله وحد إلا أن وحدا يستعمل في غيره انتهى 3 - إذ
2944 ترد على أوجه
أحدها أن تكون إسما للزمن الماضي وهو الغالب ثم قال الجمهور لا تكون إلا ظرفا نحو { فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا } أو مضافا إليها الظرف نحو { بعد إذ هديتنا } { يومئذ تحدث } { وأنتم حينئذ تنظرون }
وقال غيرهم تكون مفعولا به نحو { واذكروا إذ كنتم قليلا } وكذا المذكورة في أوائل القصص كلها مفعول به بتقدير أذكر
وبدلا منه نحو { واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت } فإذ بدل إشتمال من مريم على حد البدل في { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } { اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء } أي اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور فهي بدل كل من كل والجمهور يجعلونها في الأول ظرفا لمفعول محذوف أي واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلا وفي الثاني ظرفا لمضاف إلى المفعول محذوف أي واذكر قصة مريم ويؤيد ذلك التصريح به في { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء }
____________________
(1/429)
2945 وذكر الزمخشري أنها تكون مبتدأ وخرج عليه قراءة بعضهم لمن من الله على المؤمنين قال التقدير منه إذ بعث فإذ في محل رفع كإذا في قولك أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما أي لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه انتهى قال ابن هشام ولا نعلم بذلك قائلا
2946 وذكر كثير أنها تخرج عن المضي إلى الإستقبال نحو { يومئذ تحدث أخبارها } والجمهور أنكروا ذلك وجعلوا الآية من باب { ونفخ في الصور } أعني من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة الماضي الواقع واحتج المثبتون منهم ابن مالك بقوله تعالى { فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم } فإن يعلمون مستقبل لفظا ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه وقد عمل في إذ فيلزم أن تكون بمنزلة إذا
2947 وذكر بعضهم أنها تأتي في الحال نحو { ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } أي حين تفيضون فيه فائدة
2948 أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال ما كان في القرآن إن بكسر الألف فلم يكن وما كان إذ فقد كان
2949 الوجه الثاني أن تكون للتعليل نحو { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } أي ولن ينفعكم اليوم إشراككم في العذاب لأجل ظلمكم في الدنيا وهل هي حرف بمنزلة لام العلة أو ظرف بمعنى وقت والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ قولان المنسوب إلى سيبويه الأول وعلى الثاني في الآية إشكال لأن إذ لا تبدل من اليوم لإختلاف الزمانين ولا تكون ظرفا ل ينفع لأنه لا يعمل في ظرفين ولا ل مشتركون لأن معمول خبر إن وأخواتها لا يتقدم عليها ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ولأن إشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم
2950 ومما حمل على التعليل { وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم }
____________________
(1/430)
وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف وأنكر الجمهور هذا القسم وقالوا التقدير بعد إذا ظلمتم
2951 وقال ابن جني راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى { ولن ينفعكم اليوم } الآية مستشكلا إبدال إذ من اليوم وآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وأنهما في حكم الله سواء فكأن اليوم ماض انتهى
2952 الوجه الثالث التوكيد بأن تحمل على الزيادة قاله أبو عبيدة وتبعه ابن قتيبة وحملا عليه آيات منها { وإذ قال ربك للملائكة }
2953 الرابع التحقيق كقد وحملت عليه الآية المذكورة وجعل منه السهيلي قوله { بعد إذ أنتم مسلمون } قال ابن هشام وليس القولان بشيء مسألة
2954 تلزم إذ الإضافة إلى جملة إما إسمية نحو { واذكروا إذ أنتم قليل } أو فعلية فعلها ماض لفظا ومعنى نحو { وإذ قال ربك للملائكة } { وإذ ابتلى إبراهيم ربه } أو معنى لا لفظا نحو { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه } وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه } وقد تحذف الجملة للعلم بها ويعوض عنها التنوين وتكسر الذال لإلتقاء الساكنين نحو { ويومئذ يفرح المؤمنون } { وأنتم حينئذ تنظرون }
2955 وزعم الأخفش أن إذ في ذلك معربة لزوال افتقارها إلى الجملة وأن الكسرة إعراب لأن اليوم والحين مضافان إليها ورد بأن بناءها لوضعها على حرفين وبأن الإفتقار باق في المعنى كالموصول تحذف صلته 4 - إذا
على وجهين
2956 أحدهما أن تكون للمفاجأة فتختص بالجمل الإسمية ولا تحتاج
____________________
(1/431)
لجواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو { فألقاها فإذا هي حية تسعى } { فلما أنجاهم إذا هم يبغون } { وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا }
2957 قال ابن الحاجب ومعنى المفاجأة حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية تقول خرجت فإذا الأسد بالباب فمعناه حضور الأسد معك في زمن وصفك بالخروج أو في مكان خروجك وحضوره معك في مكان خروجك ألصق بك من حضوره في خروجك لأن ذلك المكان يخصك دون ذلك الزمان وكلما كان ألصق كانت المفاجأة فيه أقوى واختلف في إذا هذه فقيل إنها حرف وعليه الأخفش ورجحه ابن مالك وقيل ظرف مكان وعليه المبرد ورجحه ابن عصفور وقيل ظرف زمان وعليه الزجاج ورجحه الزمخشري وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة قال التقدير ثم إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت ثم قال ابن هشام ولا يعرف ذلك لغيره وإنما يعرف ناصبها عندهم الخبر المذكور أو المقدر قال ولم يقع الخبر معها في التنزير إلا مصرحا به
2958 الثاني أن تكون لغير المفاجأة فالغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمنة معنى الشرط وتختص بالدخول على الجمل الفعلية وتحتاج لجواب وتقع في الابتداء عكس الفجائية والفعل بعدها إما ظاهر نحو { إذا جاء نصر الله } أو مقدر نحو { إذا السماء انشقت } وجوابها إما فعل نحو { فإذا جاء أمر الله قضي بالحق } أو جملة اسمية مقرونة بالفاء نحو { فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير } { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب } أو فعلية طلبية كذلك نحو { فسبح بحمد ربك } أو اسمية مقرونة بإذا الفجائية نحو { إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } { فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون }
وقد يكون مقدرا لدلالة ما قبله عليه أو لدلالة المقام وسيأتي في أنواع الحذف
____________________
(1/432)
2959 وقد تخرج إذا عن الظرفية قال الأخفش في قوله تعالى { حتى إذا جاؤوها } إن إذا جر بحتى وقال ابن جني في قوله تعالى { إذا وقعت الواقعة } الآية فيمن نصب { خافضة رافعة } إن إذا الأولى مبتدأ والثانية خبر والمنصوبان حالان وكذا جملة ليس ومعمولاها والمعنى وقت وقوع الواقعة خافضة لقوم رافعة لآخرين هو وقت رج الأرض والجمهور أنكروا خروجها عن الظرفية وقالوا في الآية الأولى إن حتى حرف إبتداء داخل على الجملة بأسرها ولا عمل له وفي الثانية إن إذا الثانية بدل من الأولى والأولى ظرف وجوابها محذوف لفهم المعنى وحسنه طول الكلام وتقديره بعد إذا الثانية أي انقسمتم أقساما وكنتم أزواجا ثلاثة
2960 وقد تخرج عن الإستقبال فترد للحال نحو { والليل إذا يغشى } فإن الغشيان مقارن لليل { والنهار إذا تجلى } { والنجم إذا هوى } وللماضي نحو { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } الآية فإن الآية نزلت بعد الرؤية والانفضاض وكذا قوله تعالى { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } { حتى إذا بلغ مطلع الشمس } { حتى إذا ساوى بين الصدفين }
2961 وقد تخرج عن الشرطية نحو { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } فإذا في الآيتين ظرف لخبر المبتدأ بعدها ولو كانت شرطية والجملة الاسمية جواب لاقترنت بالفاء وقول بعضهم إنه على تقديرها مردود بأنها لا تحذف إلا لضرورة وقول آخر إن الضمير توكيد لا مبتدأ وأن ما بعده الجواب تعسف وقول آخر جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة بعدها تكلف من غير ضرورة تنبيهات الأول
2962 المحققون على أن ناصب إذا شرطها والأكثرون أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه
____________________
(1/433)
الثاني
2963 قد تستعمل إذا للاستمرار في الأحوال الماضية والحاضرة والمستقبلة كما يستعمل الفعل المضارع لذلك ومنه { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون } أي هذا شأنهم أبدا وكذا قوله تعالى { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } الثالث
2964 ذكر ابن هشام في المغني إذ ما ولم يذكر إذا ما وقد ذكرها الشيخ بهاء الدين السبكي في عروس الأفراح في أدوات الشرط فأما إذ ما فلم تقع في القرآن ومذهب سيبويه أنها حرف وقال المبرد وغيره إنها باقية على الظرفية وأما إذا ما فوقعت في القرآن في قوله تعالى { وإذا ما غضبوا } { إذا ما أتوك لتحملهم } ولم أر من تعرض لكونها باقية على الظرفية أو محولة إلى الحرفية ويحتمل أن يجري فيها القولان في إذ ما ويحتمل أن يجزم ببقائها على الظرفية لأنها أبعد عن التركيب بخلاف إذ ما الرابع
2965 تختص إذا بدخولها على المتيقن والمظنون والكثير الوقوع بخلاف إن فإنها تستعمل في المشكوك والموهوم النادر ولهذا قال تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } ثم قال { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فأتى بإذا في الوضوء لتكرره وكثرة أسبابه وبإن في الجنابة لندرة وقوعها بالنسبة إلى الحدث وقال تعالى { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا } { وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } أتى في جانب الحسنة بإذا لأن نعم الله على العباد كثيرة ومقطوع بها وبأن في جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع ومشكوك فيها
2966 نعم أشكل على هذه القاعدة آيتان الأولى قوله تعالى { ولئن متم }
____________________
(1/434)
أفإن مات فأتى بإن مع أن الموت محقق الوقوع والأخرى قوله تعالى { وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون } فأتى بإذا في الطرفين وأجاب الزمخشري عن الأولى بأن الموت لما كان مجهول الوقت أجري مجرى غير المجزوم وأجاب السكاكي عن الثانية بأنه قصد التوبيخ والتقريع فأتى بإذا ليكون تخويفا لهم وإخبارا بأنهم لا بد أن يمسهم شيء من العذاب واستفيد التقليل من لفظ المس وتنكير ضر
وأما قوله تعالى { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } فأجيب عنه بأن الضمير في مسه للمعرض المتكبر لا لمطلق الإنسان ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به
2967 وقال الخويي الذي أظنه أن إذا يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك لأنها ظرف وشرط فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف الخامس
2968 خالفت إذا إن أيضا في إفادة العموم قال ابن عصفور فإذا قلت إذا قام زيد قام عمرو أفادت أنه كلما قام زيد قام عمرو قال هذا هو لصحيح وفي أن المشروط بها إذا كان عدما يقع الجزاء في الحال وفي إن لا يقع حتى يتحقق اليأس من وجوده وفي أن جزاءها مستعقب لشرطها على الاتصال لا يتقدم ولا يتأخر بخلاف إن وفي أن مدخولها لا تجزمه لأنها لا تتمخض شرطا خاتمة
2969 قيل قد تأتي إذا زائدة وخرج عليه { إذا السماء انشقت } أي انشقت السماء كما قال { اقتربت الساعة }
____________________
(1/435)
5 - إذا
2970 قال سيبويه معناها الجواب والجزاء فقال الشلوبين في كل موضع وقال الفارسي في الأكثر والأكثر أن تكون جوابا لأن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين قال الفراء وحيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة نحو { إذا لذهب كل إله بما خلق } وهي حرف ينصب المضارع بشرط تصديرها واستتقباله واتصالها أو انفصالها بالقسم أو بلا النافية قال النحاة وإذا وقعت بعد الواو والفاء جاز فيها الوجهان نحو { وإذا لا يلبثون خلافك } { فإذا لا يؤتون الناس } وقرئ شاذا بالنصب فيهما
2971 وقال ابن هشام التحقيق أنه إذا تقدمها شرط وجزاء وعطفت فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذا لوقوعها حشوا أو على الجملتين جميعا جاز الرفع والنصب وكذا إذا تقدمها مبتدأ خبره فعل مرفوع إن عطفت على الفعلية رفعت أو الإسمية فالوجهان
2972 وقال غيره إذا نوعان
الأول أن تدل على إنشاء السببية والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها نحو أزورك غدا فتقول إذا أكرمك وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجمل الفعلية فتنصب المضارع المستقبل المتصل إذا صدرت
والثاني أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم أو منبهة على مسبب حصل في الحال وهي حينئذ غير عاملة لأن المؤكدات لا يعتمد عليها والعامل يعتمد عليه نحو إن تأتني إذا آتيك والله إذا لأفعلن ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط وتدخل هذه على الاسمية فتقول إذا أنا أكرمك ويجوز توسطها وتأخرها ومن هذا قوله تعالى { ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا } فهي مؤكدة للجواب مرتبطة بما تقدم تنبيهان الأول
2973 سمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول في قوله تعالى { ولئن أطعتم }
____________________
(1/436)
بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ) ليست إذا هذه الكلمة المعهودة وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها بالتنوين كما في يومئذ وكنت أستحسن هذا جدا وأظن أن الشيخ لا سلف له في ذلك ثم رأيت الزركشي قال في البرهان بعد ذكره لإذا المعنيين السابقين
وذكر لهما بعض المتأخرين معنى ثالثا وهي أن تكون مركبة من إذ التي هي ظرف زمن ماض ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا لكن حذفت الجملة تخفيفا وأبدل منها التنوين كما في قولهم في حينئذ وليست هذه الناصبة للمضارع لأن تلك تختص به ولذا عملت فيه ولا يعمل ألا ما يختص وهذه لا تختص بل تدخل على الماضي كقوله تعالى { وإذا لآتيناهم } { إذا لأمسكتم } { إذا لأذقناك } وعلى الاسم نحو { وإنكم إذا لمن المقربين } قال وهذا المعنى لم يذكره النحاة لكنه قياس ما قالوه في إذ
2974 وفي التذكرة لأبي حيان ذكر لي علم الدين القمني أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن إذا عوض من الجملة المحذوفة وليس هذا قول نحوي
2975 وقال الخويي وأنا أظن أنه يجوز أن تقول لمن قال أنا آتيك إذا أكرمك بالفرع على معنى إذا أتيتني أكرمك فحذفت أتيتني وعوضت التنوين من الجملة فسقطت الألف لإلتقاء الساكنين قال ولا يقدح في ذلك إتفاق النحاة على أن الفعل في مثل ذلك منصوب بإذا لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا له ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعدها إذا أريد بها إذا الزمانية معوضا من جملتها التنوين كما أن منهم من يجزم ما بعد من إذا جعلها شرطية ويرفعه إذا أريد بها الموصولة انتهى
2976 فهؤلاء قد حاموا حول ما حام عليه الشيخ إلا أنه ليس أحد منهم من المشهورين بالنحو وممن يعتمد قوله فيه نعم ذهب بعض النحاة إلى أن أصل إذا الناصبة اسم والتقدير في إذا أكرمك إذا جئتني أكرمك فحذفت الجملة وعوض منها
____________________
(1/437)
التنوين وأضمرت أن وذهب آخرون إنها حرف مركبة من إذ وإن حكى القولين ابن هشام في المغني التنبيه الثاني
2977 الجمهور على أن إذا يوقف عليها بالألف المبدلة من النون وعليه إجماع القراء وجوز قوم منهم المبرد والمازني في غير القرآن الوقوف عليها بالنون كلن وإن وينبني على الخلاف في الوقوف عليها كتابتها فعلى الأول تكتب بالألف كما رسمت في المصاحف وعلى الثاني بالنون
2978 وأقول الإجماع في القرآن على الوقف عليها وكتابتها بالألف دليل على أنها اسم منون لا حرف آخره نون خصوصا أنها لم تقع فيه ناصبة للمضارع فالصواب إثبات هذا المعنى لها كما جنح إليه الشيخ ومن سبق النقل عنه 6 - أف
2979 كلمة تستعمل عند التضجر والتكره وقد حكى أبو البقاء في قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } قولين
أحدهما أنه اسم لفعل الأمر أي كف واترك
والثاني أنه اسم لفعل ماض أي كرهت وتضجرت
وحكى غيره ثالثا أنه إسم لفعل مضارع أي أتضجر منكما
2980 وأما قوله تعالى في سورة الأنبياء { أف لكم } فأحاله أبو البقاء على ما سبق في الإسراء ومقتضاه تساويهما في المعنى
2981 وقال العزيزي في غريبه هنا أي بئسا لكم
2982 وفسر صاحب الصحاح أف بمعنى قذرا
2983 وقال في الإرتشاف أف أتضجر
____________________
(1/438)
2984 وفي البسيط معناه التضجر وقيل الضجر وقيل تضجرت ثم حكى فيها تسعا وثلاثين لغة
2985 قلت قرئ منها في السبع أف بالكسر بلا تنوين وأف بالكسر والتنوين وأف بالفتح بلا تنوين وفي الشاذ أف بالضم منونا وغير منون وأف بالتخفيف
2986 أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } قال لا تقذرهما
2987 وأخرج عن أبي مالك قال هو الرديء من الكلام 7 - أل
2988 على ثلاثة أوجه
أحدها أن تكون اسما موصولا بمعنى الذي وفروعه وهي الداخلة على أسماء الفاعلين والمفعولين نحو { إن المسلمين والمسلمات } إلى آخر الآية { التائبون العابدون } الآية
وقيل هي حينئذ حرف تعريف وقيل موصول حرفي
2989 الثاني أن تكون حرف تعريف وهي نوعان عهدية وجنسية وكل منهما على ثلاثة أقسام
فالعهدية إما أن يكون مصحوبها معهودا ذكريا نحو { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } { فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب } وضابط هذه أن يسد الضمير مسدها مع مصحوبها أو معهودا ذهنيا نحو { إذ هما في الغار } { إذ يبايعونك تحت الشجرة } أو معهودا حضوريا نحو { اليوم أكملت لكم دينكم } { اليوم أحل لكم الطيبات }
____________________
(1/439)
2990 قال ابن عصفور وكذا كل واقعة بعد اسم الإشارة أو أي في النداء وإذا الفجائية أو في اسم الزمان الحاضر نحو الآن
2991 والجنسية إما لاستغراق الأفراد وهي التي تخلفها كل حقيقة نحو { وخلق الإنسان ضعيفا } { عالم الغيب والشهادة } ومن دلائلها صحة الاستثناء من مدخولها نحو { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } ووصفه بالجمع نحو { أو الطفل الذين لم يظهروا } وإما لاستغراق خصائص الأفراد وهي التي تخلفها كل مجازا نحو { ذلك الكتاب } أي الكتاب الكامل في الهداية الجامع لصفات جميع الكتب المنزلة وخصائصها وإما لتعريف الماهية والحقيقة والجنس وهي التي لا تخلفها كل لا حقيقة ولا مجازا نحو { وجعلنا من الماء كل شيء حي } { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة } قيل والفرق بين المعرف بأل وبين اسم الجنس النكرة هو الفرق بين المقيد والمطلق لأن المعرف بها يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد
2992 الثالث أن تكون زائدة وهي نوعان لازمة كالتي في الموصولات على القول بأن تعريفها بالصلة وكالتي في الأعلام المقارنة لنقلها كاللات والعزى أو لغلبتها كالبيت للكعبة والمدينة لطيبة والنجم للثريا وهذه في الأصل للعهد
2993 أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى { والنجم إذا هوى } قال الثريا وغير لازمة كالواقعة في الحال وخرج عليه قراءة بعضهم { ليخرجن الأعز منها الأذل } بفتح الياء أي ذليلا لأن الحال واجبة التنكير إلا أن ذلك غير فصيح فالأحسن تخريجها على حذف مضاف أي خروج الأذل كما قدره الزمخشري مسألة
2994 إختلف في أل في اسم الله تعالى فقال سيبويه هي عوض من الهمزة
____________________
(1/440)
المحذوفة بناء على أن أصله إله دخلت أل فنقلت حركة الهمزة إلى اللام ثم أدغمت قال الفارسي ويدل على ذلك قطع همزها ولزومها
2995 وقال آخرون هي مزيدة للتعريف تفخيما وتعظيما وأصل إله لاه وقال قوم هي زائدة لازمة لا للتعريف
2996 وقال بعضهم أصله هاء الكتابة زيدت فيه لام الملك فصار له ثم زيدت أل تعظيما وفخموه توكيدا
2997 وقال الخليل وخلائق هي من بنية الكلمة وهو اسم علم لا اشتقاق له ولا أصل خاتمة
2998 أجاز الكوفيون وبعض البصريين وكثير من المتأخرين نيابة أل عن الضمير المضاف إليه وخرجوا على ذلك { فإن الجنة هي المأوى } والمانعون يقدرون له
2999 وأجاز الزمخشري نيابتها عن الظاهر أيضا وخرج عليه { وعلم آدم الأسماء كلها } فإن الأصل أسماء المسميات 8 - ألا
3000 بالفتح والتخفيف وردت في القرآن على أوجه
أحدها للتنبيه فتدل على تحقيق ما بعدها قال الزمخشري ولذلك قل وقوع الجمل بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم وتدخل على الاسمية والفعلية نحو { ألا إنهم هم السفهاء } { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } قال في المغني ويقول المعربون فيها حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من الهمزة ولا وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق نحو { أليس ذلك بقادر }
____________________
(1/441)
الثاني والثالث التحضيض والعرض ومعناهما طلب الشيء لكن الأول طلب بحث والثاني طلب بلين وتختض فيهما بالفعلية نحو { ألا تقاتلون قوما نكثوا } { قوم فرعون ألا يتقون } { ألا تأكلون } { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } 9 - ألا
3001 بالفتح والتشديد حرف تحضيض ولم يقع في القرآن لهذا المعنى فيما أعلم إلا أنه يجوز عندي أن يخرج عليه قوله { ألا يسجدوا لله } وأما قوله تعالى { ألا تعلوا علي } فليست هذه بل هي كلمتان أن الناصبة ولا النافية أو أن المفسرة ولا الناهية 10 - إلا
3002 بالكسر والتشديد على أوجه
أحدها الاستثناء متصلا نحو { فشربوا منه إلا قليلا } { ما فعلوه إلا قليل } أو منقطعا نحو { قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا } { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى }
الثاني بمعنى غير فيوصف بها وبتاليها جمع منكر أو شبهه ويعرب الإسم الواقع بعدها بإعراب غير نحو { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } فلا يجوز أن تكون هذه الآية للاستثناء لأن آلهة جمع منكر في الإثبات فلا عموم له فلا يصح الاستثناء منه ولأنه يصير المعنى حينئذ لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل باعتبار مفهومه
الثالث أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك ذكره الأخفش والفراء وأبو عبيدة وخرجوا عليه { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } { لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء } أي ولا الذين
____________________
(1/442)
ظلموا ولا من ظلم وتأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع
الرابع بمعنى بل ذكره بعضهم وخرج عليه { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة } أي بل تذكرة
الخامس بمعنى بدل ذكره ابن الصائغ وخرج عليه { آلهة إلا الله } أي بدل الله أو عوضه وبه يخرج عن الإشكال المذكور في الاستثناء وفي الوصف بإلا من جهة المفهوم
3003 وغلط ابن مالك فعد من أقسامها نحو { إلا تنصروه فقد نصره الله } وليست منها بل هي كلمتان إن الشرطية ولا النافية فائدة
3004 قال الرماني في تفسيره معنى إلا اللازم لها الاختصاص بالشيء دون غيره فإذا قلت جاءني القوم إلا زيدا فقد اختصصت زيدا بأنه لم يجيء وإذا قلت ما جاءني إلا زيد فقد اختصصته بالمجيء وإذا قلت ما جاءني زيد إلا راكبا فقد اختصصته بهذه الحالة دون غيرها من المشيء والعدو ونحوه 11 - الآن
3005 إسم للزمن الحاضر وقد يستعمل في غيره مجازا وقال قوم هي محل للزمانين أي ظرف للماضي وظرف للمستقبل وقد يتجوز بها عما قرب من أحدهما
3006 وقال ابن مالك لوقت حضر جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو بعضه نحو { الآن خفف الله عنكم } { فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا } قال وظرفيته غالبة لا لازمة
3007 واختلف في أل التي فيه فقيل للتعريف الحضوري وقيل زائدة لازمة
____________________
(1/443)
12 - إلى
3008 حرف جر له معان
أشهرها إنتهاء الغاية زمانا نحو { ثم أتموا الصيام إلى الليل } أو مكانا نحو { إلى المسجد الأقصى }
أو غيرهما نحو { والأمر إليك } أي منته إليك ولم يذكر لها الأكثرون غير هذا المعنى
3009 وزاد ابن مالك وغيره تبعا للكوفيين معاني أخر منها المعية وذلك إذا ضممت شيئا إلى آخر في الحكم به أو عليه أو التعلق نحو { من أنصاري إلى الله } { وأيديكم إلى المرافق } { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم }
3010 قال الرضي والتحقيق أنها للانتهاء أي مضافة إلى المرافق وإلى أموالكم
3011 وقال غيره ما ورد من ذلك مؤول على تضمين العامل وإبقاء إلى على أصلها والمعنى في الآية الأولى من يضيف نصرته إلى نصرة الله أو من ينصرني حال كوني ذاهبا إلى الله
3012 ومنها الظرفية كفي نحو { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } أي فيه { هل لك إلى أن تزكى } أي في أن
3013 ومنها مرادفة اللام وجعل منه { والأمر إليك } أي لك وتقدم أنه من الانتهاء
3014 ومنها التبيين قال ابن مالك وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعدما يفيد حبا أو بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل نحو { رب السجن أحب إلي }
3015 ومنها التوكيد وهي الزائدة نحو { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } في قراءة بعضهم بفتح الواو أي تهواهم قاله الفراء
____________________
(1/444)
3016 وقال غيره هو على تضمين تهوى معنى تميل تنبيه
3017 حكى ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري أن إلى تستعمل اسما فيقال انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليه وخرج عليه من القرآن قوله تعالى { وهزي إليك بجذع النخلة } وبه يندفع إشكال أبي حيان فيه بأن القاعدة المشهورة أن الفعل لا يتعدى إلى ضمير يتصل بنفسه أو بالحرف وقد رفع المتصل وهما لمدلول واحد في غير باب ظن 13 - اللهم
3018 المشهور أن معناه يا الله حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم المشددة في آخره
وقيل أصله يا الله أمنا بخير فركب تركيب حيهلا
3019 وقال أبو رجاء العطادي الميم فيها تجمع سبعين اسما من أسمائه
3020 وقال ابن ظفر قيل إنها الاسم الأعظم واستدل لذلك بأن الله دال على الذات والميم دالة على الصفات التسعة والتسعين ولهذا قال الحسن البصري اللهم تجمع الدعاء
3021 وقال النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه 14 - أم
3022 حرف عطف وهي نوعان
متصلة وهي قسمان
الأول أن يتقدم عليها همزة التسوية نحو { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا } { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم }
____________________
(1/445)
والثاني أن يتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين نحو { آلذكرين حرم أم الأنثيين }
3023 وسميت في القسمين متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني بأحدهما عن الآخر وتسمى أيضا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في القسم الأول والاستفهام في الثاني
3024 ويفترق القسمان من أربعة أوجه
أحدها وثانيها أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابا لأن المعنى معها ليس على الاستفهام وأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب لأنه خبر وليست تلك كذلك الاستفهام منها على حقيقته والثالث والرابع أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين وتكون الجملتان فعليتين واسميتين ومختلفتين نحو { سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون } وأم الأخرى تقع بين المفردين وهو الغالب فيها نحو { أأنتم أشد خلقا أم السماء } وبين جملتين ليسا في تأويلهما
3025 النوع الثاني منقطعة وهي ثلاثة أقسام
مسبوقة بالخبر المحض نحو { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } { أم يقولون افتراه }
ومسبوقة بالهمزة لغير الاستفهام نحو { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها } إذ الهمزة في ذلك للإنكار فهي بمنزلة النفي والمتصلة لا تقع بعده
ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة نحو { قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور }
3026 ومعنى أم المنقطعة الذي لا يفارقها الإضراب ثم تارة تكون له مجردا وتارة تضمن مع ذلك استفهاما إنكاريا
____________________
(1/446)
3027 فمن الأول { أم هل تستوي الظلمات والنور } لأنه لا يدخل الاستفهام على استفهام
3028 ومن الثاني { أم له البنات ولكم البنون } تقديره بل أله البنات إذ لو قدرت الإضراب المحض لزم المحال تنبيهان الأول
3029 قد ترد أم محتملة للاتصال وللانقطاع كقوله تعالى { قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون }
3030 قال الزمخشري يجوز في أم أن تكون معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقرير لحصول العلم بكون أحدهما ويجوز أن تكون منقطعة الثاني
3031 ذكر أبو زيد أن أم تقع زائدة وخرج عليه قوله تعالى { أفلا تبصرون أم أنا خير } قال التقدير أفلا يبصرون أنا خير 15 - أما
3032 بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل وتوكيد
أما كونها حرف شرط فبدليل لزوم الفاء بعدها نحو { فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون } وأما قوله تعالى { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم } فعلى تقدير القول أي فيقال لهم أكفرتم فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف وكذا قوله { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم }
3033 وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم وكقوله { أما السفينة فكانت لمساكين } { وأما الغلام } { وأما الجدار } وقد يترك تكرارها استغناء بأحد القسمين عن الآخر وسيأتي في أنواع الحذف
____________________
(1/447)
3034 وأما التوكيد فقال الزمخشري فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد تقول زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت أما زيد فذاهب ولذلك قال سيبويه في تفسيره مهما يكن من شيء فزيد ذاهب
3035 ويفصل بين أما والفاء إما بمبتدأ كالآيات السابقة أو خبر نحو أما في الدار فزيد أو جملة شرط نحو { فأما إن كان من المقربين فروح } الآيات أو اسم منصوب بالجواب نحو { فأما اليتيم فلا تقهر } أو اسم معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء نحو { وأما ثمود فهديناهم } في قراءة بعضهم بالنصب تنبيه
3036 ليس من أقسام أما التي في قوله تعالى / < أماذا كنتم تعملون > / بل هي كلمتان أم المنقطعة وما الاستفهامية 16 - إما
3037 بالكسر والتشديد ترد لمعان
الإبهام نحو { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم }
والتخيير نحو { إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا } { إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى } { فإما منا بعد وإما فداء }
والتفصيل نحو { إما شاكرا وإما كفورا } تنبيهات الأول
3038 لا خلاف أن إما الأولى في هذه الأمثلة ونحوها غير عاطفة واختلف في الثانية فالأكثرون على أنها عاطفة وأنكره جماعة منهم ابن مالك لملازمتها غالبا الواو العاطفة وادعى ابن عصفور الإجماع على ذلك قال وإنما ذكروها في باب العطف لمصاحبتها لحرفه
____________________
(1/448)
3039 وذهب بعضهم إلى أنها عطفت الاسم على الاسم والواو عطفت إما على إما وهو غريب الثاني
3040 سيأتي أن هذه المعاني لأو والفرق بينهما وبين إما أن إما يبنى الكلام معها من أول الأمر على ما جيء بها لأجله ولذلك وجب تكرارها وأو يفتتح الكلام معها على الجزم ثم يطرأ الإبهام أو غيره ولهذا لم يتكرر الثالث
3041 ليس من أقسام إما التي في قوله { فإما ترين من البشر أحدا } بل هي كلمتان إن الشرطية وما الزائدة 17 - إن
3042 بالكسر والتخفيف على أوجه
الأول أن تكون شرطية نحو { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } { وإن يعودوا فقد مضت } وإذا دخلت على لم فالجزم بلم لا بها لنحو { فإن لم تفعلوا } أو على لا فالجزم بها لا بلا نحو { وإلا تغفر لي } { إلا تنصروه } والفرق أن لم عامل يلزم معموله ولا يفصل بينهما بشيء وإن يجوز الفصل بينهما وبين معمولها بمعموله ولا لا تعمل الجزم إذا كانت نافية فأضيف العمل إلى إن الثاني
3043 أن تكون نافية وتدخل على الاسمية والفعلية نحو { إن الكافرون إلا في غرور } { إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم } { إن أردنا إلا الحسنى } { إن يدعون من دونه إلا إناثا } قيل ولا تقع إلا وبعدها إلا كما تقدم أو لما المشددة نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } في قراءة التشديد ورد بقوله { إن عندكم من سلطان بهذا } { وإن أدري لعله فتنة لكم }
____________________
(1/449)
3044 ومما حمل على النافية قوله { إن كنا فاعلين } { قل إن كان للرحمن ولد } وعلى هذا فالوقف هنا { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } أي في الذي ما مكناكم فيه وقيل هي زائدة ويؤيد الأول قوله { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } وعدل عن ما لئلا تتكرر فيثقل اللفظ
3045 قلت وكونها للنفي هو الوارد عن ابن عباس كما تقدم في نوع الغريب من طريق ابن أبي طلحة وقد اجتمعت الشرطية والنافية في قوله { ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده } وإذا دخلت النافية على الاسمية لم تعمل عند الجمهور
3046 وأجاز الكسائي والمبرد إعمالها عمل ليس وخرج عليه قراءة سعيد ابن جبير { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } فائدة
3047 أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال كل شيء في القرآن إن فهو إنكار الثالث
3048 أن تكون مخففة من الثقيلة فتدخل على الجملتين ثم الأكثر إذا دخلت على الاسمية إهمالها نحو { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } { وإن كل لما جميع لدينا محضرون } { إن هذان لساحران } في قراءة حفص وابن كثير
3049 وقد تعمل نحو { وإن كلا لما ليوفينهم } في قراءة الحرميين وإذا دخلت على الفعل فالأكثر كونه ماضيا ناسخا نحو { وإن كانت لكبيرة } { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك } { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك } { وإن نظنك لمن الكاذبين } وحيث وجدت إن وبعدها اللام المفتوحة فهي المخففة من الثقيلة الرابع
3050 أن تكون زائدة وخرج عليه { فيما إن مكناكم فيه }
____________________
(1/450)
الخامس
3051 أن تكون للتعليل كإذ قاله الكوفيون وخرجوا عليه قوله تعالى { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ونحو ذلك مما الفعل فيه محقق الوقوع
3052 وأجاب الجمهور عن آية المشيئة بأنه تعليم للعباد كيف يتكلمون إذا أخبروا عن المستقيل أو بأن أصل ذلك الشرط ثم صار يذكر للتبرك أو أن المعنى لتدخلن جميعا إن شاء الله ألا يموت منكم أحد قبل الدخول وعن سائر الآيات بأنه شرط جيء به للتهييج والإلهاب كما تقول لابنك إن كنت ابني فأطعني السادس
3053 أن تكون بمعنى قد ذكره قطرب وخرج عليه { فذكر إن نفعت الذكرى } أي قد نفعت ولا يصح معنى الشرط فيه لأنه مأمور بالتذكير على كل حال
3054 وقال غيره هي للشرط ومعناه ذمهم واستبعاد لنفع التذكير فيهم وقيل التقدير وإن لم تنفع على حد قوله { سرابيل تقيكم الحر } فائدة
3055 قال بعضهم وقع في القرآن إن بصيغة الشرط وهو غير مراد في ست مواضع
{ ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا }
{ واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون }
{ وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان }
{ إن ارتبتم فعدتهن }
{ أن تقصروا من الصلاة إن خفتم }
{ وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا }
____________________
(1/451)
18 - أن
3056 بالفتح والتخفيف على أوجه
الأول أن تكون حرفا مصدريا ناصبا للمضارع ويقع في موضعين في الإبتداء فيكون في محل رفع نحو { وأن تصوموا خير لكم } { وأن تعفوا أقرب للتقوى } وبعد لفظ دال على معنى غير اليقين فيكون في محل رفع نحو { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع } { وعسى أن تكرهوا شيئا }
ونصب نحو { نخشى أن تصيبنا دائرة } { وما كان هذا القرآن أن يفترى } { فأردت أن أعيبها }
وخفض نحو { أوذينا من قبل أن تأتينا } { من قبل أن يأتي أحدكم الموت }
وأن هذه موصول حرفي وتوصل بالفعل المتصرف مضارعا كما مر وماضيا نحو { لولا أن من الله علينا } { ولولا أن ثبتناك }
وقد يرفع المضارع بعدها إهمالا لها حملا على ما أختها كقراءة ابن محيصن { لمن أراد أن يتم الرضاعة } الثاني
3057 أن تكون مخففة من الثقيلة فتقع بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته نحو { أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا } { علم أن سيكون } { وحسبوا ألا تكون } في قراءة الرفع ) الثالث
3058 أن تكون مفسرة بمنزلة أي نحو { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا } { ونودوا أن تلكم الجنة } وشرطها أن تسبق بجملة فلذلك غلط من جعل منها { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }
وأن يتأخر عنها جملة وأن يكون في الجملة السابقة معنى القول ومنه
____________________
(1/452)
{ وانطلق الملأ منهم أن امشوا } إذ ليس المراد بالانطلاق المشي بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام كما أنه ليس المراد المشي المتعارف بل الاستمرار على المشي
3059 وزعم الزمخشري أن التي في قوله { أن اتخذي من الجبال بيوتا } مفسرة بأن قبله { وأوحى ربك إلى النحل } والوحي هنا إلهام باتفاق وليس في الإلهام معنى القول وإنما هي مصدرية أي باتخاذ الجبال وألا يكون في الجملة السابقة أحرف القول
3060 وقال الزمخشري في قوله { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله } إنه يجوز أن تكون مفسرة للقول على تأويله بالأمر أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله
3061 قال ابن هشام وهو حسن وعلى هذا فيقال في الضابط أن لا تكون فيه حروف إلا والقول مؤول بغيره
3062 قلت وهذا من الغرائب كونهم يشرطون أن يكون فيها معنى القول فإذا جاء لفظه أولوه بما في معناه مع صريحه وهو نظير ما تقدم من جعلهم أل في الآن زائدة مع قولهم بتضمنها معناها وألا يدخل عليها حرف جر الرابع
3063 أن تكون زائدة والأكثر أن تقع بعد لما التوقيتية نحو { ولما أن جاءت رسلنا لوطا }
3064 وزعم الأخفش أنها تنصب المضارع وهي زائدة وخرج عليه { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله } { وما لنا ألا نتوكل على الله } قال فهي زائدة بدليل { وما لنا لا نؤمن بالله } الخامس
3065 أن تكون شرطية كالمكسورة قاله الكوفيون وخرجوا عليه { أن تضل إحداهما } { أن صدوكم عن المسجد الحرام } { صفحا أن كنتم قوما } { مسرفين } ) قال ابن هشام ويرجحه عندي تواردهما على محل واحد والأصل التوافق وقد قرئ بالوجهين في الآيات المذكورة ودخول الفاء بعدها في قوله { فتذكر }
____________________
(1/453)
فتذكر السادس
3066 أن تكون نافية قال بعضهم في قوله { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } أي لا يؤتى والصحيح أنها مصدرية أي ولا تؤمنوا أن يؤتى أي بإيتاء أحد السابع
3067 أن تكون للتعليل كما قاله بعضهم في قوله تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم } { يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا } والصواب أنها مصدرية وقبلها لام العلة مقدرة الثامن
3068 أن تكون بمعنى لئلا قاله بعضهم في قوله { يبين الله لكم أن تضلوا } والصواب أنها مصدرية والتقدير كراهة أن تضلوا 19 - إن
3069 بالكسر والتشديد على أوجه
أحدها التأكيد والتحقيق وهو الغالب نحو { إن الله غفور رحيم } { إنا إليكم لمرسلون } قال عبد القاهر والتأكيد بها أقوى من التأكيد باللام قال وأكثر مواقعها بحسب الاستقراء والجواب لسؤال ظاهر أو مقدر إذا كان للسائل فيه ظن
والثاني التعليل أثبته ابن جني وأهل البيان ومثلوه بنحو { واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } وهو نوع من التأكيد
____________________
(1/454)
الثالث معنى نعم أثبته الأكثرون وخرج عليه قوم منهم المبرد { إن هذان لساحران } 20 - أن
3070 بالفتح والتشديد على وجهين
أحدهما أن تكون حرف تأكيد والأصح أنها فرع المكسورة وأنها موصول حرفي تؤول مع اسمها وخبرها بالمصدر فإن كان الخبر مشتقا بالمصدر المؤول به من لفظه نحو { لتعلموا أن الله على كل شيء قدير } أي قدرته وإن كان جامدا قدر بالسكون
وقد استشكل كونها للتأكيد بأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك منها لم يفد تأكيدا وأجيب بأن التأكيد للمصدر المنحل وبهذا يفرق بينها وبين المكسورة لأن التأكيد في المكسورة للإسناد وهذا لأحد الطرفين
الثاني أن يكون لغة في لعل وخرج عليها { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } في قراءة الفتح أي لعلها 21 - أنى
3071 اسم مشترك بين الاستفهام والشرط فأما الاستفهام فترد فيه بمعنى كيف نحو { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } { أنى يؤفكون } ومن أين نحو { أنى لك هذا } أي من أين أتى هذا أي من أين جاءنا
3072 قال في عروس الأفراح والفرق بين أين ومن أين أن أين سؤال عن المكان الذي حل فيه الشيء ومن أين سؤال عن المكان الذي برز منه الشيء وجعل من هذا المعنى ما قرئ شاذا { أنا صببنا الماء صبا }
3073 وبمعنى متى وقد ذكرت المعاني الثلاثة في قوله تعالى { فأتوا حرثكم أنى شئتم }
____________________
(1/455)
3074 وأخرج ابن جرير الأول من طريق عن ابن عباس وأخرج الثاني عن الربيع بن أنس واختاره وأخرج الثالث عن الضحاك وأخرج قولا رابعا عن ابن عمر وغيره أنها بمعنى حيث شئتم واختار أبو حيان وغيره أنها في الآية شرطية وحذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه لأنها لو كانت استفهامية لاكتفت بما بعدها كما هو شأن الاستفهامية أن تكتفي بما بعدها أي تكون كلاما يحسن السكوت عليه إن كان اسما أو فعلا 22 - أو
3075 حرف عطف ترد لمعان
الشك من المتكلم نحو { قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم }
والإبهام على السامع نحو { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } والتخيير بين المعطوفين بأن يمتنع الجمع بينهما
والإباحة بألا يمتنع الجمع
ومثل الثاني بقوله { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم } الآية ومثل الأولى بقوله تعالى { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وقوله { فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة }
3067 واستشكل بأن الجمع في الآيتين غير ممتنع
وأجاب ابن هشام بأنه ممتنع بالنسبة إلى وقوع كل كفارة أو فدية بل يقع واحد منهن كفارة أو فدية والباقي قربة مستقلة خارجة عن ذلك
3077 قلت وأوضح من هذا التمثيل قوله { أن يقتلوا أو يصلبوا } الآية على قول من جعل الخيرة في ذلك إلى الإمام فإنه يمتنع عليه الجمع بين هذه الأمور بل يفعل منها واحدا يؤدي اجتهاده إليه
3078 والتفصيل بعد الإجمال نحو { وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا }
____________________
(1/456)
{ إلا قالوا ساحر أو مجنون } أي قال بعضهم كذا وبعضهم كذا
3079 والإضراب كبل وخرج عليه { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } { فكان قاب قوسين أو أدنى } وقراءة بعضهم { أو كلما عاهدوا عهدا } بسكون الواو
3080 ومطلق الجمع كالواو نحو { لعله يتذكر أو يخشى } { لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا }
3081 والتقريب ذكره الحريري وأبو البقاء وجعل منه { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب }
ورد بأن التقريب مستفاد من غيرها
3082 ومعنى إلا في الاستثناء ومعنى إلى وهاتان ينصب المضارع بعدهما بأن مضمرة وخرج عليها { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فقيل إنه منصوب لا مجزوم بالعطف على تمسوهن لئلا يصير المعنى لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء إن طلقتموهن في مدة انتفاء أحد هذين الأمرين مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس لزم مهر المثل وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى فكيف يصح دفع الجناح عند انتفاء أحد الأمرين ولأن المطلقات المفروض لهن قد ذكرن ثانيا بقوله { وإن طلقتموهن } الآية وترك ذكر الممسوسات لما تقدم من المفهوم ولو كانت تفرضوا مجزوما لكانت الممسوسات والمفروض لهن مستويات في الذكر وإذا قدرت أو بمعنى إلا خرجت المفروض لهن عن مشاركة الممسوسات في الذكر وكذا إذا قدرت بمعنى إلى وتكون غاية لنفي الجناح لا لنفي المسيس
وأجاب ابن الحاجب عن الأول بمنع كون المعنى مدة انتفاء أحدهما بل مدة لم يكن واحد منهما وذلك بنفيهما جميعا لأنه نكرة في سياق النفي الصريح
____________________
(1/457)
وأجاب بعضهم عن الثاني بأن ذكر المفروض لهن إنما كان لتيقن النصف لهن لا لبيان أن لهن شيئا في الجملة
ومما خرج على هذا المعنى قراءة أبي / < تقاتلونهم أو يسلموا > / تنبيهات
3083 الأول لم يذكر المتقدمون لأو هذه المعاني بل قالوا هي لأحد الشيئين أو الأشياء قال ابن هشام وهو التحقيق والمعاني المذكورة مستفادة من القرائن
3084 الثاني قال أبو البقاء أو في النهي نقيضة أو في الإباحة فيجب اجتناب الأمرين كقوله { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } فلا يجوز فعل أحدهما فلو جمع بينهما كان فعلا للمنهي عنه مرتين لأن كل واحد منهما أحدهما
وقال غيره أو في مثل هذا بمعنى الواو تفيد الجمع
3085 وقال الطيبي الأولى أنها على بابها وإنما جاء التعميم فيما من النهي الذي فيه معنى النفي والنكرة في سياق النفي تعم لأن المعنى قبل النهي تطيع آثما أو كفورا أي واحدا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا فالمعنى لا تطع واحدا منهما فالتعميم فيهما من جهة النهي وهي على بابها
3086 الثالث لكون مبناها على عدم التشريك عاد الضمير إلى مفرديها بالإفراد بخلاف الواو وأما قوله تعالى { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } فقيل إنها بمعنى الواو وقيل المعنى أن يكون الخصمان غنيين أو فقيرين فائدة
3087 أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس كل شيء في القرآن أو فهو مخير فإذا كان فمن لم يجد فهو الأول فالأول
3088 وأخرج البيهقي في سننه عن ابن جريج قال كل شيء في القرآن فيه
____________________
(1/458)
أو فللتخيير إلا قوله { أن يقتلوا أو يصلبوا } ليس بمخير فيها قال الشافعي وبهذا أقول 23 - أولى
3089 في قوله تعالى { أولى لك فأولى } وفي قوله تعالى { فأولى لهم } قال في الصحاح قولهم أولى لك كلمة تهديد ووعيد قال الشاعر
( فأولى له ثم أولى له % )
3090 قال الأصمعي فمعناه قاربه ما يهلكه أي نزل به
3091 قال الجوهري ولم يقل أحد فيها أحسن مما قال الأصمعي
3092 وقال قوم هو اسم فعل مبني ومعناه وليك شر بعد شر ولك تبيين
3093 وقيل هو علم للوعيد غير مصروف ولذا لم ينون وإن محله رفع على الابتداء ولك الخبر ووزنه على هذا فعلى والألف للإلحاق وقيل أفعل
3094 وقيل معناه الويل لك وأنه مقلوب منه والأصل أويل فأخر حرف العلة ومنه قول الخنساء
( هممت لنفسي بعض الهموم % فأولى لنفسي أولى لها )
3095 وقيل معناه الذم لك أولى من تركه فحذف المبتدأ لكثرة دورانه في الكلام وقيل المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب
3096 وقال ثعلب أولى لك في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك كأنه يقول قد وليت الهلاك أو قد دانيت الهلاك أصله من الولي وهو القرب ومنه { قاتلوا الذين يلونكم } أي يقربون منكم
3097 وقال النحاس العرب تقول أولى لك أي كدت تهلك وكأن تقديره أولى لك الهلكة
____________________
(1/459)
24 - إي
3098 بالكسر والسكون حرف جواب بمعنى نعم فتكون لتصديق المخبر ولإعلام المستخبر ولوعد الطالب قال النحاة ولا تقع إلا قبل القسم
3099 قال ابن الحاجب وإلا بعد الاستفهام نحو { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي } 25 - أي
3100 بالفتح والتشديد على أوجه
الأول أن تكون شرطية نحو { أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }
الثاني استفهامية نحو { أيكم زادته هذه إيمانا } وإنما يسأل بها عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما نحو { أي الفريقين خير مقاما } أي أنحن أم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
الثالث موصولة نحو { لننزعن من كل شيعة أيهم أشد }
3101 وهي في الأوجه الثلاثة معربة وتبنى في الوجه الثالث على الضم إذا حذف عائدها وأضيفت كالآية المذكورة وأعربها الأخفش في هذه الحالة أيضا وخرج عليه قراءة بعضهم بالنصب وأول قراءة الضم على الحكاية وأولها غيره على التعليق للفعل وأولها الزمخشري على أنها خبر مبتدأ محذوف وتقدير الكلام لنزعن بعض كل شيعة فكأنه قيل من هذا البعض فقيل هو الذي أشد ثم حذف المبتدآن المكتنفان لأي
3102 وزعم ابن الطراوة أنها في الآية مقطوعة عن الإضافة مبنية وأن هم أشد مبتدأ وخبر ورد برسم الضمير متصلا بأي وبالإجماع على إعرابها إذا لم تضف
الرابع أن تكون وصلة إلى نداء ما فيه أل نحو { يا أيها الناس } { يا أيها النبي }
____________________
(1/460)
26 - إيا
3103 زعم الزجاج أنها اسم ظاهر والجمهور ضمير ثم اختلفوا فيه على أقوال
أحدها أنه كلمة ضمير هو وما اتصل به
والثاني أنه وحده ضمير وما بعده اسم مضاف له يفسر ما يراد به من تكلم وغيبة وخطاب نحو { فإياي فارهبون } { بل إياه تدعون } { إياك نعبد }
والثالث أنه وحده ضمير وما بعده حروف تفسر المراد
والرابع أنه عماد وما بعده هو الضمير وقد غلط من زعم أنه مشتق وفيه سبع لغات قرئ بها بتشديد الياء وتخفيفها مع الهمزة وإبدالها هاء مكسورة ومفتوحة هذه ثمانية يسقط منها بفتح الهاء مع التشديد 27 - أيان
3104 اسم استفهام وإنما يستفهم به عن الزمان المستقبل كما جزم به ابن مالك وأبو حيان ولم يذكر فيه خلافا
وذكر صاحب المعاني مجيئها للماضي
3105 وقال السكاكي لا تستعمل إلا في مواضع التفخيم نحو { أيان مرساها } { أيان يوم الدين }
3106 والمشهور عند النحاة أنها كمتى تستعمل في التفخيم وغيره
وقال بالأول من النحاة علي بن عيسى الربعي وتبعه صاحب البسيط فقال إنما تستعمل في الاستفهام عن الشيء المعظم أمره
3107 وفي الكشاف قيل إنها مشتقى من أوى فعلان منه لأن معناه أي وقت وأي فعل من آويت إليه لأن البعض آو إلى الكل ومتساند وهو بعيد
وقيل أصله أي آن
____________________
(1/461)
وقيل أي أوان حذفت الهمزة من أوان والياء الثانية من أي وقلبت الواو ياء وأدغمت الساكنة فيها وقرئ بكسر همزتها 28 - أين
3108 اسم استفهام عن المكان نحو { فأين تذهبون } وترد شرطا عاما في الأمكنة وأينما أعم منها نحو { أينما يوجهه لا يأت بخير } 29 - الباء المفردة
3109 حرف جر له معان أشهرها الإلصاق ولم يذكر لها سيبويه غيره
وقيل إنه لا يفارقها قال في شرح اللب وهو تعلق أحد المعنيين بالآخر ثم قد يكون حقيقة نحو { وامسحوا برؤوسكم } أي ألصقوا المسح برؤوسكم { فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } وقد يكون مجازا نحو { وإذا مروا بهم } أي بمكان يقربون منه
الثاني التعدية كالهمزة نحو { ذهب الله بنورهم } { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } أي أذهبه كما قال { ليذهب عنكم الرجس }
وزعم المبرد والسهيلي أن بين تعدية الباء والهمزة فرقا وأنك إذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا له في الذهاب ورد بالآية
الثالث الاستعانة وهي الداخلة على آلة الفعل كباء البسملة
الرابع السببية وهي التي تدخل على سبب الفعل نحو { فكلا أخذنا بذنبه } { ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل } ويعبر عنها أيضا بالتعليل
الخامس المصاحبة كمع نحو { اهبط بسلام } { قد جاءكم الرسول بالحق } { فسبح بحمد ربك }
____________________
(1/462)
السادس الظرفية كفى زمانا ومكانا نحو { نجيناهم بسحر } { ولقد نصركم الله ببدر }
السابع الاستعلاء كعلى نحو { من إن تأمنه بقنطار } أي عليه بدليل { إلا كما أمنتكم على أخيه }
الثامن المجاوزة كعن نحو { فاسأل به خبيرا } أي عنه بدليل { يسألون عن أنبائكم } ثم قيل تختص بالسؤال وقيل لا نحو { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } أي وعن أيمانهم { ويوم تشقق السماء بالغمام } أي عنه
التاسع التبعيض كمن نحو { عينا يشرب بها عباد الله } أي منها
العاشر الغاية كإلى نحو { وقد أحسن بي } أي إلى
الحادي عشر المقابلة وهي الداخلة على الأعواض نحو { ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون } وإنما لم نقدرها باء السببية كما قال المعتزلة لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب
الثاني عشر التوكيد وهي الزائدة فتزاد في الفاعل وجوبا في نحو { أسمع بهم وأبصر } وجوازا غالبا في نحو { كفى بالله شهيدا } فإن الاسم الكريم فاعل وشهيدا نصب على الحال أو التمييز والباء زائدة ودخلت لتأكيد الاتصال لأن الاسم في قوله { كفى بالله } متصل بالفعل اتصال الفاعل
3110 قال ابن الشجري وفعل ذلك إيذانا بأن الكفاية من الله ليست كالكفاية من غيره في عظم المنزلة فضوعف لفظها لتضاعف معناها وقال الزجاج دخلت لتضمن كفى معنى اكتفى
3111 قال ابن هشام وهو من الحسن بمكان
____________________
(1/463)
3112 وقيل الفاعل مقدر والتقدير كفى الاكتفاء بالله فحذف المصدر وبقي معموله دالا عليه ولا تزاد في فاعل كفى بمعنى وقى نحو { فسيكفيكهم الله } { وكفى الله المؤمنين القتال }
3113 وفي المفعول نحو { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } { وهزي إليك بجذع النخلة } { فليمدد بسبب إلى السماء } { ومن يرد فيه بإلحاد }
3114 وفي المبتدأ نحو { بأيكم المفتون } أي أيكم وقيل هي ظرفية أي في أي طائفة منكم
3115 وفي اسم ليس في قراءة بعضهم { ليس البر أن تولوا } بنصب البر
3116 وفي الخبر المنفي نحو { وما الله بغافل } قيل والموجب وخرج عليه { جزاء سيئة بمثلها }
3117 وفي التوكيد وجعل منه { يتربصن بأنفسهن } فائدة
3118 اختلف في الباء من قوله { وامسحوا برؤوسكم } فقيل للإلصاق وقيل للتبعيض وقيل زائدة وقيل للاستعانة وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء 30 - بل
3119 حرف إضراب إذا تلاها جملة
ثم تارة يكون معنى الإضراب الإبطال لما قبلها نحو { وقالوا اتخذ الرحمن }
____________________
(1/464)
{ ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } ) أي بل هم عباد { أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق }
3120 وتارة يكون معناه الانتقال من غرض إلى آخر نحو { ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا } فما قبل بل فيه على حاله وكذا { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا }
3121 وذكر ابن مالك في شرح كفايته أنها لا تقع في القرآن إلا على هذا الوجه ووهمه ابن هشام وسبق ابن مالك إلى ذلك صاحب البسيط ووافقه ابن الحاجب فقال في شرح المفصل إبطال الأول وإثباته للثاني إن كان في الإثبات من باب الغلط فلا يقع مثله في القرآن . . . انتهى
أما إذا تلاها مفرد فهي حرف عطف ولم تقع في القرآن كذلك 31 - بلى
3122 حرف أصلي الألف وقيل الأصل بل والألف زائدة وقيل هي للتأنيث بدليل إمالتها
ولها موضعان
أحدهما أن تكون ردا لنفي يقع قبلها نحو { ما كنا نعمل من سوء بلى } أي عملتم السوء { لا يبعث الله من يموت بلى } أي يبعثهم { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } { قالوا ليس علينا في الأميين سبيل } ثم قال { بلى } أي عليهم سبيل { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } ثم قال { بلى } أي يدخلها غيرهم { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } ثم قال { بلى } أي تمسهم ويخلدون فيها
الثاني أن تقع جوابا لاستفهام دخل على نفي فتفيد إبطاله سواء كان
____________________
(1/465)
الاستفهام حقيقيا نحو أليس زيد بقائم فتقول بلى وتوبيخا نحو { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى } { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى } أو تقريريا نحو { ألست بربكم قالوا بلى } قال ابن عباس وغيره لو قالوا نعم كفروا ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب فكأنهم قالوا لست ربنا بخلاف بلى فإنها لإبطال النفي فالتقدير أنت ربنا
3123 ونازع في ذلك السهيلي وغيره بأن الاستفهام التقريري خبر موجب ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله { أفلا تبصرون أم أنا خير } لأنها بعد الإيجاب وإذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الإيجاب تصديق له انتهى
3124 قال ابن هشام ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها عن الإيجاب اتفاقا 32 - بئس
3125 فعل لإنشاء الذم لا يتصرف 33 - بين
3126 قال الراغب هي موضوعة للخلل بين الشيئين ووسطهما قال تعالى { وجعلنا بينهما زرعا }
وتارة تستعمل ظرفا وتارة اسما فمن الظرف { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } { فاحكم بيننا بالحق }
ولا تستعمل إلا فيما له مسافة نحو بين البلدان أو له عدد ما اثنان فصاعدا نحو وبين الرجلين وبين القوم ولا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرر نحو { ومن بيننا وبينك حجاب } { فاجعل بيننا وبينك موعدا }
____________________
(1/466)
وقرئ قوله تعالى { لقد تقطع بينكم } بالنصب على أنه ظرف وبالرفع على أنه اسم مصدر بمعنى الوصل
ويحتمل الأمرين قوله تعالى { ذات بينكم } وقوله { فلما بلغا مجمع بينهما } أي فراقهما 34 - التاء
3127 حرف جر معناه القسم يختص بالتعجب وباسم الله تعالى قال في الكشاف في قوله { وتالله لأكيدن أصنامكم } الباء أصل حرف القسم والواو بدل منها والتاء بدل من الواو وفيها زيادة معنى التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يديه وتأتيه مع عتو نمروذ وقهره انتهى 35 - تبارك
3128 فعل لا يستعمل إلا بلفظ الماضي ولا يستعمل إلا الله 36 - تعال
3129 فعل لا يتصرف ومن ثم قيل إنه اسم فعل 37 - ثم
3130 حرف يقتضي ثلاثة أمور
التشريك في الحكم والترتيب والمهلة وفي كل خلاف
أما التشريك فزعم الكوفيون والأخفش أنه قد يتخلف بأن تقع زائدة فلا تكون عاطفة البتة وخرجوا على ذلك { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم }
وأجيب بأن الجواب فيها مقدر
3131 وأما الترتيب والمهلة فخالف قوم في اقتضائها إياهما تمسكا بقوله { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } { وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه }
____________________
(1/467)
{ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } والاهتداء سابق على ذلك { ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب }
وأجيب عن الكل بأن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم
3132 قال ابن هشام وغير هذا الجواب أنفع منه لأنه يصحح الترتيب فقط لا المهملة إذ لا تراخي بين الإخبارين والجواب المصحح لهما ما قيل في الأولى إن العطف على مقدر أي من نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها وفي الثانية أن سواه عطف على الجملة الأولى لا الثانية وفي الثالثة أن المراد ثم دام على الهداية فائدة
3133 أجرى الكوفيون ثم مجرى الفاء والواو في جواز نصب المضارع المقرون بها بعد فعل الشرط وخرج عليه قراءة الحسن { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت } بنصب يدركه 38 - ثم
3134 بالفتح اسم يشار به إلى المكان البعيد نحو { وأزلفنا ثم الآخرين } وهو ظرف لا يتصرف فلذلك غلط من أعربه مفعولا ل رأيت في قوله { وإذا رأيت ثم } وقرئ { فإلينا مرجعهم ثم الله } أي هنالك الله شهيد بدليل { هنالك الولاية لله الحق }
3135 وقال الطبري في قوله { أثم إذا ما وقع آمنتم به } معناه هنالك وليست ثم العاطفة
____________________
(1/468)
وهذا وهم أشبه عليه المضمومة بالمفتوحة
3136 وفي التوشيح لخطاب ثم ظرف فيه معنى الإشارة إلى حيث لأنه هو في المعنى 39 - جعل
3137 قال الراغب لفظ عام في الأفعال كلها وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها ويتصرف على خمسة أوجه
أحدها يجري مجرى صار وطفق ولا يتعدى نحو جعل زيد يقول كذا
والثاني مجرى أوجد فيتعدى لمفعول واحد نحو { وجعل الظلمات والنور }
والثالث في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه نحو { جعل لكم من أنفسكم أزواجا } { وجعل لكم من الجبال أكنانا }
والرابع في تصيير الشيء على حالة دون حالة نحو { الذي جعل لكم الأرض فراشا } { وجعل القمر فيهن نورا }
الخامس الحكم بالشيء على الشيء حقا كان نحو { وجاعلوه من المرسلين } أو باطلا نحو { ويجعلون لله البنات } { الذين جعلوا القرآن عضين } 40 - حاشا
3138 اسم بمعنى التنزيه في قوله تعالى { حاش لله ما علمنا عليه من سوء } { حاش لله ما هذا بشرا } لا فعل ولا حرف بدليل قراءة بعضهم / < حاشا لله > / بالتنوين كما يقال براءة لله وقراءة ابن مسعود / < حاشا الله > / بالإضافة كمعاذ الله وسبحان الله ودخولها على اللام في قراءة السبعة والجار لا
____________________
(1/469)
يدخل على الجار وإنما ترك التنوين في قراءتهم لبنائها لشبهها بحاشا الحرفية لفظا
وزعم قوم أنها اسم فعل معناه أتبرأ وتبرأت لبنائها
ورد بإعرابها في بعض اللغات
3139 وزعم المبرد وابن جني أنها فعل وأن المعنى في الآية جانب يوسف المعصية لأجل الله وهذا التأويل لا يتأتى في الآية الأخرى
3140 وقال الفارسي حاشا فعل من الحشا وهو الناحية أي صار في ناحية أي بعد مما رمي وتنحى عنه فلم يغشه ولم يلابسه ولم يقع في القرآن حاشا إلا استثنائية 41 - حتى
3141 حرف لانتهاء الغاية ك إلى لكن يفترقان في أمور
فتنفرد حتى بأنها لا تجر إلا الظاهر وإلا الآخر المسبوق بذي إجزاء أو الملاقي له نحو { سلام هي حتى مطلع الفجر }
وأنها لإفادة تقضي الفعل قبلها شيئا فشيئا
وأنها لا يقابل بها ابتداء الغاية
وأنها يقع بعدها المضارع المنصوب بأن المقدرة ويكونان في تأويل مصدر مخفوض ثم لها حينئذ ثلاثة معان
مرادفة إلى نحو { لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } أي إلى رجوعه
ومرادفة كي التعليلية نحو { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم } و { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا }
وتحتملها نحو { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله }
ومرادفة إلا في الاستثناء وجعل منه ابن مالك وغيره { وما يعلمان من أحد حتى يقولا }
____________________
(1/470)
مسألة
3142 متى دل دليل على دخول الغاية التي بعد إلى وحتى في حكم ما قبلها أو على عدم دخوله فواضح أنه يعمل به
فالأول نحو { وأيديكم إلى المرافق } { وأرجلكم إلى الكعبين } دلت السنة على دخول المرافق والكعبين في الغسل
والثاني نحو { ثم أتموا الصيام إلى الليل } دل النهي عن الوصال على عدم دخول الليل في الصيام { فنظرة إلى ميسرة } فإن الغاية لو دخلت هنا لوجب الإنظار حال اليسار أيضا وذلك يؤدي إلى عدم المطالبة وتفويت حق الدائن
وإن لم يدل دليل على واحد منهما ففيها أربعة أقوال
أحدها وهو الأصح تدخل مع حتى دون إلى حملا على الغالب في البابين لأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول مع إلى والدخول مع حتى فوجب الحمل عليه عند التردد
والثاني تدخل فيهما عليه
والثالث لا فيهما واستدل للقولين في استوائهما بقوله { ومتعناهم إلى حين } وقرأ ابن مسعود { حتى حين } تنبيه
3143 ترد حتى ابتدائية أي حرفا يبتدأ بعده الجمل أي تستأنف فتدخل على الاسمية والفعلية المضارعية والماضية نحو { حتى يقول الرسول } بالرفع { حتى عفوا وقالوا } { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر }
3144 وادعى ابن مالك أنها في الآيات جارة لإذا ولأن مضمرة في الآيتين والأكثرون على خلافه
وترد عاطفة ولا أعلمه في القرآن لأن العطف بها قليل جدا ومن ثم أنكره الكوفيون البتة
____________________
(1/471)
فائدة
3145 إبدال حائها عينا لغة هذيل وبها قرأ ابن مسعود أخرج 42 - حيث
3146 ظرف مكان قال الأخفش وترد للزمان مبنية على الضم تشبيها بالغايات فإن الإضافة إلى الجمل كلا إضافة ولهذا قال الزجاج في قوله { من حيث لا ترونهم } ما بعد حيث صلة لها وليست بمضافة إليه يعني أنها غير مضافة للجملة بعدها فصارت كالصلة لها أي كالزيادة وليست جزءا منها وفهم الفارسي أنه أراد أنها موصولة فرد عليه
3147 ومن العرب من يعربها ومنهم من يبنيها على الكسر لالتقاء الساكنين وعلى الفتح للتخفيف وتحتملها قراءة من قرأ { من حيث لا يعلمون } بالكسر { الله أعلم حيث يجعل رسالته } بالفتح والمشهور أنها لا تتصرف
3148 وجوز قوم في الآية الأخيرة كونها مفعولا به على السعة قالوا ولا تكون ظرفا لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان ولأن المعنى أنه يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة لا شيئا في المكان وعلى هذا فالناصب لها يعلم محذوفا مدلولا عليه ب أعلم لا به لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إلا إن أولته بعالم
3149 وقال أبو حيان الظاهر إقرارها على الظرفية المجازية وتضمين أعلم معنى ما يتعدى إلى الظرف فالتقدير الله أنفذ علما حيث يجعل أي هو نافذ العلم في هذا الموضع 43 - دون
3150 ترد ظرفا نقيص فوق فلا تتصرف على المشهور
وقيل تتصرف وبالوجهين قرئ { ومنا دون ذلك } بالرفع والنصب
وترد اسما بمعنى غير نحو { أم اتخذوا من دونه آلهة } أي غيره
____________________
(1/472)
3151 وقال الزمخشري معناه أدنى مكان من الشيء
وتستعمل للتفاوت في الحال نحو زيد دون عمرو أي في الشرف والعلم
واتسع فيه فاستعمل في تجاوز حد إلى حد نحو { لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } أي لا تجاوزوا ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين 44 - ذو
3152 اسم بمعنى صاحب وضع للتوصل إلى وصف الذوات بأسماء الأجناس كما أن الذي وضعت صلة إلى وصف المعارف بالجمل ولا يستعمل إلا مضافا ولا يضاف إلى ضمير ولا مشتق وجوزه بعضهم وخرج عليه قراءة ابن مسعود { وفوق كل ذي علم عليم }
وأجاب الأكثرون عنها بأن العالم هنا مصدر كالباطل أو بأن ذي زائدة
3153 قال السهيلي والوصف ب ذو أبلغ من الوصف بصاحب والإضافة بها أشرف فإن ذو يضاف للتابع وصاحب يضاف إلى المتبوع تقول أبو هريرة صاحب النبي ولا تقول النبي صاحب أبي هريرة وأما ذو فإنك تقول ذو المال وذو الفرس فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع وبني على هذا الفرق أنه تعالى قال في سورة الأنبياء { وذا النون } فأضافه إلى النون وهو الحوت وقال في سورة ن { ولا تكن كصاحب الحوت } قال والمعنى واحد لكن بين اللفظين تفاوت كثير في حسن الإشارة إلى الحالتين فإنه حين ذكره في معرض الثناء عليه أتى بذي لأن الإضافة بها أشرف وبالنون لأن لفظه أشرف من لفظ الحوت لوجوده في أوائل السور وليس في لفظ الحوت ما يشرفه لذلك فأتى به وبصاحب حين ذكره في معرض النهي عن اتباعه 45 - رويدا
3154 اسم لا يتكلم به إلا مصغرا مأمورا به وهو تصغير رود وهو المهل
____________________
(1/473)
46 - رب
3155 حرف في معناه ثمانية أقوال
أحدها أنها للتقليل دائما وعليه الأكثرون
الثاني للتكثير دائما كقوله تعالى { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } فإنه يكثر منهم تمني ذلك وقال الأولون هم مشغولون بغمرات الأهوال فلا يفيقون بحيث يتمنون ذلك إلا قليلا
الثالث أنها لهما على السواء
الرابع للتقليل غالبا والتكثير نادرا وهو اختياري
الخامس عكسه
السادس لم توضع لواحد منهما بل هي حرف إثبات لا تدل على تكثير ولا تقليل وإنما يفهم ذلك من خارج
السابع للتكثير في موضع المباهاة والافتخار وللتقليل فيما عداه
الثامن لمبهم العدد تكون تقليلا وتكثيرا وتدخل عليها ما فتكفها عن عمل الجر وتدخلها على الجمل والغالب حينئذ دخولها على الفعلية الماضي فعلها لفظا ومعنى ومن دخولها على المستقبل الآية السابقة قيل إنه على حد { ونفخ في الصور } 47 - السين
3156 حرف يختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال وينزل منه منزلة الجزء فلذا لم تعمل فيه وذهب البصريون إلى أن مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف وعبارة المعربين حرف تنفيس ومعناها حرف توسع لأنها تقلب المضارع من الزمن الضيق وهو الحال إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال
3157 وذكر بعضهم أنها قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال كقوله تعالى { ستجدون آخرين } الآية { سيقول السفهاء } الآية لأن ذلك إنما
____________________
(1/474)
نزل بعد قولهم { ما ولاهم } فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا للاستقبال
3158 قال ابن هشام وهذا لا يعرفه النحويون بل الاستمرار مستفاد من المضارع والسين باقية على الاستقبال إذ الاستمرار إنما يكون في المستقبل
3159 قال وزعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة ولم أر من فهم وجه ذلك ووجه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه وقد أومأ إلى ذلك في سورة البقرة فقال { فسيكفيكهم الله } معنى السين أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين وصرح به في سورة براءة فقال في قوله { أولئك سيرحمهم الله } السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في قولك سأنتقم منك 48 - سوف
3160 كالسين وأوسع زمانا منها عند البصريين لأن كثرة الحروف تدل على كثرة المعنى ومرادفة لها عند غيرهم وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها نحو { ولسوف يعطيك }
3161 قال أبو حيان وإنما امتنع إدخال اللام على السين كراهة توالي الحركات في لسيدحرج ثم طرد الباقي
3162 قال ابن بابشاذ والغالب على سوف استعمالها في الوعيد والتهديد وعلى السين استعمالها في الوعد وقد تستعمل سوف في الوعد والسين في الوعيد 49 - سواء
3163 تكون بمعنى مستو فتقصر مع الكسر نحو { مكانا سوى } وتمد مع الفتح نحو { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } وبمعنى الوسط فيمد مع الفتح نحو { في سواء الجحيم }
وبمعنى التمام فكذلك نحو { في أربعة أيام سواء } أي تماما
ويجوز أن يكون منه { واهدنا إلى سواء الصراط }
____________________
(1/475)
3164 ولم ترد في القرآن بمعنى غير وقيل وردت وجعل منه في البرهان { فقد ضل سواء السبيل } وهو وهم وأحسن منه قول الكلبي في قوله تعالى { ولا أنت مكانا سوى } إنها استثنائية والمستثنى محذوف أي مكانا سوى هذا المكان حكاه الكرماني في عجائبه قال وفيه بعد لأنها لا تستعمل غير مضافة 50 - ساء
3165 فعل للذم لا يتصرف 51 - سبحان
3166 مصدر بمعنى التسبيح لازم النصب والإضافة إلى مفرد ظاهر نحو { وسبحان الله } { سبحان الذي أسرى } أو مضمر نحو { سبحانه أن يكون له ولد } { سبحانك لا علم لنا } وهو مما أميت فعله
3167 وفي العجائب للكرماني من الغريب ما ذكره المفصل أنه مصدر سبح إذا رفع صوته بالدعاء والذكر وأنشد
( قبح الإله وجوه تغلب كلما % سبح الحجيج وكبروا إهلالا )
3168 أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { سبحان الله } قال تنزيه الله نفسه عن السوء 52 - ظن
3169 أصله للاعتقاد الراجح كقوله تعالى { إن ظنا أن يقيما حدود الله } وقد تستعمل بمعنى اليقين كقوله تعالى { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم }
3170 أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد قال كل ظن في القرآن يقين وهذا مشكل بكثير من الآيات لم تستعمل فيها بمعنى اليقين كالآية الأولى
3171 وقال الزركشي في البرهان الفرق بينهما في القرآن ضابطان
____________________
(1/476)
أحدهما أنه حيث وجد الظن محمودا مثابا عليه فهو اليقين وحيث وجد مذموما متوعدا عليه بالعقاب فهو الشك
والثاني أن كل ظن يتصل بعده أن الخفيفة فهو شك نحو { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول } وكل ظن يتصل به أن المشددة فهو يقين كقوله { إني ظننت أني ملاق حسابيه } { وظن أنه الفراق } وقرئ / < وأيقن أنه الفراق > / والمعنى في ذلك أن المشددة للتأكيد فدخلت على اليقين والخفيفة بخلافها فدخلت في الشك ولهذا دخلت الأولى في العلم نحو { فاعلم أنه لا إله إلا الله } { وعلم أن فيكم ضعفا }
والثانية في الحسبان نحو { وحسبوا ألا تكون فتنة }
ذكر ذلك الراغب في تفسيره وأورد على هذا الضابط { وظنوا أن لا ملجأ من الله }
وأجيب بأنها هنا اتصلت بالاسم وهو ملجأ وفي الأمثلة السابقة اتصلت بالفعل ذكره في البرهان قال فتمسك بهذا الضابط فهو من أسرار القرآن
3172 وقال ابن الأنباري قال ثعلب العرب تجعل الظن علما وشكا وكذبا فإن قامت براهين العلم فكانت أكبر من براهين الشك فالظن يقين وإن اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك وإن زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب قال الله تعالى { إن هم إلا يظنون } أراد يكذبون انتهى 53 - على
3173 حرف جر له معان أشهرها الاستعلاء حسا أو معنى نحو { وعليها وعلى الفلك تحملون } { كل من عليها فان } { فضلنا بعضهم على بعض } { ولهم علي ذنب }
____________________
(1/477)
ثانيها للمصاحبة كمع نحو { وآتى المال على حبه } أي مع حبه { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم }
ثالثها للإبتداء كمن نحو { إذا اكتالوا على الناس } أي من الناس { لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم } أي منهم بدليل احفظ عورتك إلا من زوجتك
رابعها التعليل كاللام نحو { ولتكبروا الله على ما هداكم } أي لهدايته إياكم
خامسها الظرفية كفي نحو { ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها } أي في حين { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } أي في زمن ملكه
سادسها معنى الباء نحو { حقيق على أن لا أقول } أي بأن كما قرأ أبي فائدة
3174 هي في نحو { وتوكل على الحي الذي لا يموت } بمعنى الإضافة والإسناد أي أضف توكلك وأسنده إليه كذا قيل وعندي أنها فيه بمعنى باء الاستعانة وفي نحو { كتب على نفسه الرحمة } لتأكيد التفضل لا الإيجاب والاستحقاق وكذا في نحو { ثم إن علينا حسابهم } لتأكيد المجازاة
3175 قال بعضهم وإذا ذكرت النعمة في الغالب مع الحمد لم تقترن بعلى وإذا أريدت النعمة أتى بها ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال تنبيه
3176 ترد على اسما فيما ذكره الأخفش إذا كان مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد نحو { أمسك عليك زوجك } لما تقدمت الإشارة إليه في إلى وترد فعلا من العلو ومنه { إن فرعون علا في الأرض }
____________________
(1/478)
54 - عن
3177 حرف جر له معان
أشهرها المجاوزة نحو { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } أي يجاوزونه ويبعدون عنه
ثانيها البدل نحو { لا تجزي نفس عن نفس شيئا } ثالثها التعليل نحو { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة } أي لأجل موعدة { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } أي لقولك
رابعها بمعنى على نحو { فإنما يبخل عن نفسه } أي عليها
خامسها بمعنى من نحو { يقبل التوبة عن عباده } أي منهم بدليل { فتقبل من أحدهما }
سادسها بمعنى بعد نحو { يحرفون الكلم عن مواضعه } بدليل أن في آية أخرى { من بعد مواضعه } { لتركبن طبقا عن طبق } أي حالة بعد حالة تنبيه
3178 ترد اسما إذا دخل عليها من وجعل ابن هشام { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } قال فتقدر معطوفة على مجرور من لا على من ومجرورها 55 - عسى
3179 فعل جامد لا يتصرف ومن ثم ادعى قوم أنه حرف ومعناه الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه وقد اجتمعتا في قوله تعالى { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم }
3180 قال ابن فارس وتأتي للقرب والدنو نحو { قل عسى أن يكون ردف لكم }
____________________
(1/479)
3181 وقال الكسائي كل ما في القرآن من عسى على وجه الخبر فهو موحد كالآية السابقة ووجه على معنى عسى الأمر أن يكون كذا وما كان على الاستفهام فإنه يجمع نحو { فهل عسيتم إن توليتم } قال أبو عبيدة معناه هل عرفتم ذلك وهل أخبرتموه
3182 وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهما عن ابن عباس قال كل عسى في القرآن فهي واجبة
3183 وقال الشافعي يقال عسى من الله واجبة
3184 وقال ابن الأنباري عسى في القرآن واجبة إلا في موضعين
أحدهما { عسى ربكم أن يرحمكم } يعني بني النضير فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة
والثاني { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا } فلم يقع التبديل
3185 وأبطل بعضهم الاستثناء وعمم القاعدة لأن الرحمة كانت مشروطة بألا يعودوا كما قال { وإن عدتم عدنا } وقد عادوا فوجب عليهم العذاب والتبديل مشروطا بأن يطلق ولم يطلق فلا يجب
3186 وفي الكشاف في سورة التحريم عسى إطماع من الله تعالى لعباده وفيه وجهان
أحدهما أن يكون ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بلعل وعسى ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت
والثاني أن يكون جيء به تعليما للعباد أن يكونوا بين الخوف والرجاء
3187 وفي البرهان عسى ولعل من الله واجبتان وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين لأن الخلق هم الذين يعرض لهم الشكوك والظنون والبارئ منزه عن ذلك والوجه في إستعمال هذه الألفاظ أن الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكون فيها ولا يقطعون على الكائن منها والله يعلم الكائن منها على الصحة صارت لها
____________________
(1/480)
نسبتان نسبة إلى الله تسمى نسبة قطع ويقين ونسبة إلى المخلوقين تسمى نسبة شك وظن فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد تارة بلفظ القطع بحسب ما هي عليه عند الله تعالى نحو { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند الخلق نحو { فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده } ونحو { فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } وقد علم الله حال إرسالهما ما يفضي إليه حال فرعون لكن ورد اللفظ بصورة ما يختلج في نفس موسى وهارون من الرجاء والطمع ولما نزل القرآن بلغة العرب جاء على مذاهبهم في ذلك والعرب قد تخرج الكلام المتيقن في صورة المشكوك لأغراض
3188 وقال ابن الدهان عسى فعل ماضي اللفظ والمعنى لأنه طمع قد حصل في شيء مستقبل
3189 وقال قوم ماضي اللفظ مستقبل المعنى لأنه إخبار عن طمع يريد أن يقع تنبيه
3190 وردت في القرآن على وجهين
أحدهما رافعة لإسم صريح بعده فعل مضارع مقرون بأن والأشهر في إعرابها حينئذ أنها فعل ماض ناقص عامل عمل كان فالمرفوع إسمها وما بعده الخبر وقيل متعد بمنزلة قارب معنى وعملا أو قاصر بمنزلة قرب من أن يفعل وحذف الجار توسعا وهو رأي سيبويه والمبرد وقيل قاصر بمنزلة قرب وأن يفعل بدل اشتمال من فاعلها
الثاني أن يقع بعدها أن والفعل فالمفهوم من كلامهم أنها حينئذ تامة وقال ابن مالك عندي أنها ناقصة أبدا وأن وصلتها سدت مسد الجزأين كما في { أحسب الناس أن يتركوا }
____________________
(1/481)
56 - عند
3191 ظرف مكان تستعمل في الحضور والقرب سواء كانا حسيين نحو { فلما رآه مستقرا عنده } { عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى } أو معنويتين نحو { قال الذي عنده علم من الكتاب } { وإنهم عندنا لمن المصطفين } { في مقعد صدق عند مليك } { أحياء عند ربهم } { ابن لي عندك بيتا في الجنة } فالمراد بهذه الآيات قرب التشريف ورفعة المنزلة
3192 ولا تستعمل إلا ظرفا أو مجرورة بمن خاصة نحو { فمن عندك } { ولما جاءهم كتاب من عند الله }
وتعاقبها لدى ولدن نحو { لدى الحناجر } { لدى الباب } { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون }
3193 وقد إجتمعتا في قوله { آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما }
ولو جيء فيهما بعند أو لدن صح لكن ترك دفعا للتكرار وإنما حسن تكرار لدى في { وما كنت لديهم } لتباعد ما بينهما
3194 وتفارق عند ولدى لدن من ستة أوجه
فعند ولدى تصلح في محل ابتداء غاية وغيرها ولا تصلح لدن إلا في ابتداء غاية
وعند ولدى يكونان فضلة نحو { وعندنا كتاب حفيظ } { ولدينا كتاب ينطق بالحق } ولدن لا تكون فضلة
وجر لدن بمن أكثر من نصبها حتى أنها لم تجيء في القرآن منصوبة وجر عند كثير وجر لدى ممتنع
____________________
(1/482)
وعند ولدى يعربان ولدن مبنية في لغة الأكثرين
ولدن قد لا تضاف وقد تضاف للجملة بخلافهما
3195 وقال الراغب لدن أخص من عند وأبلغ لأنه يدل على ابتداء نهاية الفعل انتهى
وعند أمكن من لدن من وجهين أنها تكون ظرفا للأعيان والمعاني بخلاف لدى وعند تستعمل في الحاضر والغائب ولا تستعمل لدى إلا في الحاضر ذكرهما ابن الشجري وغيره 57 غير
3196 إسم ملازم للإضافة والإبهام فلا تتعرف ما لم تقع بين ضدين ومن ثم جاز وصف المعرفة بها في قوله { غير المغضوب عليهم } والأصل أن تكون وصفا للنكرة نحو { فنعمل غير الذي كنا نعمل }
3197 وتقع حالا إن صلح موضعها لا واستثناء إن صلح موضعها إلا فتعرب بإعراب الاسم التالي إلا في ذلك الكلام وقرئ قوله تعالى { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } بالرفع على أنها صفة القاعدون
أو إستثناء وأبدل على حد { ما فعلوه إلا قليل } وبالنصب على الاستثناء وبالجر خارج السبع صفة للمؤمنين
3198 وفي المفردات للراغب غير تقال على أوجه
الأول أن تكون للنفي المجرد من غير إثبات معنى به نحو مررت برجل غير قائم أي لا قائم قال تعالى { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى } { وهو في الخصام غير مبين }
الثاني بمعنى إلا فيستثنى بها وتوصف به النكرة نحو { ما لكم من إله غيره } { هل من خالق غير الله }
____________________
(1/483)
الثالث لنفي الصورة من غير مادتها نحو الماء إذا كان حارا غيره إذا كان باردا ومنه قوله تعالى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها }
الرابع أن يكون ذلك متناولا لذات نحو { بما كنتم تقولون على الله غير الحق } { أغير الله أبغي ربا } { ائت بقرآن غير هذا } { يستبدل قوما غيركم } إنتهى 58 - الفاء
3199 ترد على أوجه
أحدها أن تكون عاطفة فتفيد ثلاثة أمور
أحدها الترتيب معنويا كان نحو { فوكزه موسى فقضى عليه } أو ذكريا وهو عطف مفصل على مجمل نحو { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه } { سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } { ونادى نوح ربه فقال رب } الآية وأنكره أي الترتيب الفراء واحتج بقوله { أهلكناها فجاءها بأسنا }
وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها
ثانيها التعقيب وهو في كل شيء بحسبه وبذلك ينفصل عن التراخي في نحو { أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة } { خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة } الآية
ثالثها السببية غالبا نحو { فوكزه موسى فقضى عليه } فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) { لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم }
____________________
(1/484)
وقد تجيء لمجرد الترتيب نحو { فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم } { فأقبلت امرأته في صرة فصكت } { فالزاجرات زجرا فالتاليات }
3200 الوجه الثاني أن يكون لمجرد السببية من غير عطف نحو { إنا أعطيناك الكوثر فصل } إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر وعكسه
3201 الثالث أن تكون رابطة للجواب حيث لا يصلح لأن يكون شرطا بأن كان جملة إسمية نحو { إن تعذبهم فإنهم عبادك } { وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير } أو فعلية فعلها جامد نحو { إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين } { ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } { إن تبدوا الصدقات فنعما هي } { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا } أو إنشائي نحو { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } { فإن شهدوا فلا تشهد معهم } واجتمعت الاسمية والإنشائية في قوله { إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين } أو ماض لفظا ومعنى نحو { إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل } أو مقرون بحرف استقبال نحو { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم } { وما يفعلوا من خير فلن يكفروه }
وكما تربط الجواب بشرطه تربط شبه الجواب بشبه الشرط نحو { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين } إلى قوله { فبشرهم }
3202 الوجه الرابع أن تكون زائدة وحمل عليه الزجاج هذا { فليذوقوه } ورد بأن الخبر { حميم } وما بينهما معترض وخرج عليه
____________________
(1/485)
الفارسي { بل الله فاعبد } وغيره { ولما جاءهم كتاب من عند الله } إلى قوله { فلما جاءهم ما عرفوا }
3203 الخامس أن تكون للاستئناف وخرج عليه { كن فيكون } بالرفع 59 - في
3204 حرف جر له معان
أشهرها الظرفية مكانا أو زمانا نحو { غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } حقيقة كالآية أو مجازا نحو { ولكم في القصاص حياة } { لقد كان في يوسف وإخوته آيات } { إنا لنراك في ضلال مبين }
ثانيها المصاحبة كمع نحو { ادخلوا في أمم } أي معهم { في تسع آيات }
ثالثها التعليل نحو { فذلكن الذي لمتنني فيه } { لمسكم فيما أفضتم فيه } أي لأجله
رابعها الإستعلاء نحو { ولأصلبنكم في جذوع النخل } أي عليها
خامسها معنى الباء نحو { يذرؤكم فيه } أي بسببه
سادسها معنى إلى نحو { فردوا أيديهم في أفواههم } أي إليها
سابعها معنى من نحو { ويوم نبعث من كل أمة شهيدا } أي منهم بدليل الآية الأخرى
ثامنها معنى عن نحو { فهو في الآخرة أعمى } أي عنها وعن محاسنها
____________________
(1/486)
تاسعها المقايسة وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق نحو { فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل }
عاشرها التوكيد وهي الزائدة نحو { وقال اركبوا فيها } أي أركبوها 60 - قد
3205 حرف مختص بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من ناصب وجازم وحرف تنفيس ماضيا كان أو مضارعا ولها معان
التحقيق مع الماضي نحو { قد أفلح المؤمنون } { قد أفلح من زكاها } وهي في الجملة الفعلية المجاب بها القسم مثل إن واللام في الاسمية المجاب بها في إفادة التوكيد والتقريب مع الماضي أيضا تقربه من الحال تقول قام زيد فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد فإن قلت قد قام اختص بالقريب قال النحاة وإنبنى على إفادتها ذلك أحكام
منها منع دخولها على ليس وعسى ونعم وبئس لأنهن للحال فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل ولأنهن لا يفدن الزمان
ومنها وجوب دخولها على الماضي الواقع حالا إما ظاهرة نحو { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا } أو مقدرة نحو { هذه بضاعتنا ردت إلينا } { أو جاؤوكم حصرت صدورهم } وخالف في ذلك الكوفيون والأخفش وقالوا لا تحتاج لذلك لكثرة وقوعه حالا بدون قد
3206 وقال السيد الجرجاني وشيخنا العلامة الكافيجي ما قاله البصريون غلط سببه إشتباه لفظ الحال عليهم فإن الحال الذي تقربه قد حال الزمان والحال المبين للهيئة حال الصفات وهما متغايران في المعنى
3207 المعنى الثالث التقليل مع المضارع قال في المغني وهو ضربان تقليل وقوع الفعل نحو قد يصدق الكذوب وتقليل متعلقه نحو { قد يعلم ما }
____________________
(1/487)
{ أنتم عليه } ) أي أن ما هم عليه هو أقل معلوماته تعالى قال وزعم بعضهم أنها في هذه الآية ونحوها للتحقيق انتهى
وممن قال بذلك الزمخشري قال إنها أدخلت لتوكيد العلم ويرجع ذلك إلى توكيد الوعيد
3208 الرابع التكثير ذكره سيبويه وغيره وخرج عليه الزمخشري قوله { قد نرى تقلب وجهك في السماء } قال أي ربما نرى ومعناه تكثير الرؤية
3209 الخامس التوقع نحو قد يقدم الغائب لمن يتوقع قدومه وينتظره وقد قامت الصلاة لأن الجماعة منتظرون ذلك وحمل عليه بعضهم { قد سمع الله قول التي تجادلك } لأنها كانت تتوقع إجابة الله لدعائها 61 - الكاف
3210 حرف جر له معان
أشهرها التشبيه نحو { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام }
والتعليل نحو { كما أرسلنا فيكم رسولا } قال الأخفش أي لأجل إرسالنا فيكم رسولا منكم { فاذكروني أذكركم } { واذكروه كما هداكم } أي لأجل هدايته إياكم { ويكأنه لا يفلح الكافرون } أي أعجب لعدم فلاحهم { اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } والتوكيد وهي الزائدة وحمل عليه الأكثرون { ليس كمثله شيء } ولو كانت غير زائدة لزم إثبات المثل وهو محال والقصد بهذا الكلام نفيه
3211 قال ابن جني وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا
3212 وقال الراغب إنما جمع بين الكاف والمثل لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعا
____________________
(1/488)
3213 وقال ابن فورك ليست زائدة والمعنى ليس مثل مثله شيء وإذا نفيت التماثل عن المثل فلا مثل لله في الحقيقة
3214 وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام مثل تطلق ويراد بها الذات كقولك مثلك لا يفعل هذا أي أنت لا تفعله كما قال
( ولم أقل مثلك أعني به % سواك يا فردا بلا مشبه )
وقد قال تعالى { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } أي بالذي آمنتم به إياه لأن إيمانهم لا مثل له فالتقدير في الآية ليس كذاته شيء
3215 وقال الراغب المثل هنا بمعنى الصفة ومعناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنه وإن كان وصف بكثير مما وصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما تستعمل في البشر ولله المثل الأعلى تنبيه
3216 ترد الكاف إسما بمعنى مثل فتكون في محل إعراب ويعود عليها الضمير
3217 قال الزمخشري في قوله تعالى { كهيئة الطير فأنفخ فيه } إن الضمير في فيه للكاف في كهيئة أي فأنفخ في ذلك الشيء المماثل فيصير كسائر الطيور انتهى مسألة
3218 الكاف في ذلك أي في اسم الإشارة وفروعه ونحوه حرف خطاب لا محل له من الإعراب وفي إياك قيل حرف وقيل إسم مضاف إليه وفي أرأيتك قيل حرف وقيل إسم في محل رفع وقيل نصب والأول أرجح 62 - كاد
3219 فعل ناقص أتى منه الماضي والمضارع فقط له اسم مرفوع وخبر مضارع مجرد من أن ومعناها قارب فنفيها نفي للمقاربة وإثباتها إثبات للمقاربة
____________________
(1/489)
واشتهر على ألسنة كثير أن نفيها إثبات وإثباتها نفي فقولك كاد زيد يفعل معناه لم يفعل بدليل { وإن كادوا ليفتنونك } وما كاد يفعل معناه فعل بدليل { وما كادوا يفعلون }
3220 أخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن كاد وأكاد ويكاد فإنه لا يكون أبدا
3221 وقيل إنها تفيد الدلالة على وقوع الفعل بعسر وقيل نفي الماضي إثبات بدليل { وما كادوا يفعلون } ونفي المضارع نفي بدليل { لم يكد يراها } مع أنه لم ير شيئا والصحيح الأول أنها كغيرها نفيها نفي وإثباتها إثبات فمعنى كاد يفعل قارب الفعل ولم يفعل وما كاد يفعل ما قارب الفعل فضلا عن أن يفعل فنفي الفعل لازم من نفي المقاربة عقلا
3222 وأما آية { فذبحوها وما كادوا يفعلون } فهو إخبار عن حالهم في أول الأمر فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها وإثبات الفعل إنما فهم من دليل آخر وهو قوله { فذبحوها }
3223 وأما قوله { لقد كدت تركن } مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن لا قليلا ولا كثيرا فإنه مفهوم من جهة أن لولا الامتناعية تقتضي ذلك فائدة
3224 ترد كاد بمعنى أراد ومنه { كذلك كدنا ليوسف } { أكاد أخفيها } وعكسه كقوله { جدارا يريد أن ينقض } أي يكاد 63 - كان
3225 فعل ناقص متصرف يرفع الاسم وينصب الخبر ومعناه في الأصل المضي والانقطاع نحو { كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا } وتأتي بمعنى الدوام والاستمرار نحو { وكان الله غفورا رحيما } { وكنا بكل شيء عالمين }
____________________
(1/490)
أي لم يزل كذلك وعلى هذا المعنى تتخرج جميع الصفات الذاتية المقترنة بكان
3226 قال أبو بكر الرازي كان في القرآن على خمسة أوجه
بمعنى الأزل والأبد كقوله { وكان الله عليما حكيما }
بمعنى المضي المنقطع وهو الأصل في معناها نحو { وكان في المدينة تسعة رهط }
وبمعنى الحال نحو { كنتم خير أمة أخرجت للناس } { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا }
وبمعنى الاستقبال نحو { ويخافون يوما كان شره مستطيرا }
وبمعنى صار نحو { وكان من الكافرين } انتهى
3227 قلت أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال عمر بن الخطاب لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا ولكن قال كنتم في خاصة أصحاب محمد
3228 وترد كان بمعنى ينبغي نحو { ما كان لكم أن تنبتوا شجرها } { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا }
3229 وبمعنى حضر أو وجد نحو { وإن كان ذو عسرة } { إلا أن تكون تجارة } { وإن تك حسنة }
3230 وترد للتأكيد وهي الزائدة وجعل منه { وما علمي بما كانوا يعملون } أي بما يعملون 64 - كأن
3231 بالتشديد حرف للتشبيه المؤكد لأن الأكثر على أنه مركب من كاف التشبيه وأن المؤكدة والأصل في كأن زيدا أسد أن زيدا كأسد قدم حرف التشبيه اهتماما به ففتحت همزة أن لدخول الجار
____________________
(1/491)
3232 قال حازم وإنما تستعمل حيث يقوى الشبه حتى يكاد الرائي يشك في أن المشبه هو المشبه به أو غيره ولذلك قالت بلقيس { كأنه هو }
3233 قيل وترد للظن والشك فيما إذا كان خبرها غير جامد
3234 وقد تخفف نحو { كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } 65 - كأين
3235 اسم مركب من كاف التشبيه وأي المنونة للتكثير في العدد نحو { وكأين من نبي قاتل معه ربيون }
3236 وفيها لغات منها كائن بوزن بائع وقرأ بها ابن كثير حيث وقعت وكأي بوزن كعب وقرئ بها / < وكأي من نبي قتل > / وهي مبنية لازمة الصدر ملازمة للإبهام مفتقرة للتمييز وتمييزها مجرور بمن غالبا وقال ابن عصفور لازما 66 - كذا
3237 لم ترد في القرآن إلا للإشارة نحو { أهكذا عرشك } 67 - كل
3238 اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر المضاف هو إليه نحو { كل نفس ذائقة الموت }
3239 والمعرف المجموع نحو { وكلهم آتيه يوم القيامة فردا } { كل الطعام كان حلا } وأجزاء المفرد المعرف نحو { يطبع الله على كل قلب متكبر } بإضافة قلب إلى متكبر أي على كل أجزائه وقراءة التنوين لعموم أفراد القلوب
3240 وترد باعتبار ما قبلها وما بعدها على ثلاثة أوجه
أحدها أن تكون نعتا لنكرة أو معرفة فتدل على كماله وتجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظا ومعنى نحو { ولا تبسطها كل البسط } أي بسطا كل
____________________
(1/492)
البسط أي تاما { فلا تميلوا كل الميل }
ثانيها أن تكون توكيدا لمعرفة ففائدتها العموم وتجب إضافتها إلى ضمير راجع للمؤكد نحو { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } وأجاز الفراء والزمخشري قطعها حينئذ عن الإضافة لفظا وخرج عليه قراءة بعضهم / < إنا كلا فيها > /
ثالثها تكون تابعة بل تالية للعوامل فتقع مضافة إلى الظاهر وغير مضافة نحو { كل نفس بما كسبت رهينة } { وكلا ضربنا له الأمثال }
وحيث أضيفت إلى منكر وجب في ضميرها مراعاة معناها نحو { وكل شيء فعلوه } { وكل إنسان ألزمناه } { كل نفس ذائقة الموت } { كل نفس بما كسبت رهينة } { وعلى كل ضامر يأتين }
3241 أو إلى معرف جاز مراعاة لفظها في الإفراد والتذكير ومراعاة معناها وقد اجتمعا في قوله { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }
3242 أو قطعت فكذلك نحو { قل كل يعمل على شاكلته } { فكلا أخذنا بذنبه } { وكل أتوه داخرين } { وكل كانوا ظالمين }
وحيث وقعت في حيز النفي بأن تقدمت عليها أداته أو الفعل المنفي فالنفي موجه إلى الشمول خاصة
ويفيد بمفهومه إثبات الفعل لبعض الأفراد وإن وقع النفي في خبرها فهو موجه إلى كل فرد هكذا ذكره البيانيون
3243 وقد أشكل على هذه القاعدة قوله { إن الله لا يحب كل مختال فخور } إذ يقتضي إثبات الحب لمن فيه أحد الوصفين
وأجيب بأن دلالة المفهوم إنما يعول عليها عند عدم المعارض وهو هنا
____________________
(1/493)
موجود إذ دل الدليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا مسألة
3244 تتصل ما بكل نحو { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا } وهي مصدرية ولكنها نابت بصلتها عن ظرف زمان كما ينوب عنه المصدر الصريح والمعنى كل وقت ولهذا تسمى ما هذه المصدرية الظرفية أي النائبة عن الظرف لا أنها ظرف في نفسها فكل من كلما منصوب على الظرف لإضافته إلى شيء هو قائم مقامه وناصبه الفعل الذي هو جواب في المعنى
3245 وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أن كلما للتكرار
3246 قال أبو حيان وإنما ذلك من عموم ما لأن الظرفية مراد بها العموم وكل أكدته 68 - كلا وكلتا
3247 إسمان مفردان لفظا مثنيان معنى مضافان أبدا لفظا ومعنى إلى كلمة واحدة معرفة دالة على اثنين قال الراغب وهما في التثنية ككل في الجمع قال تعالى { كلتا الجنتين آتت } { أحدهما أو كلاهما } 69 - كلا
3248 مركبة عند ثعلب من كاف التشبيه ولا الثانية شددت لامها لتقوية المعنى ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين
3249 وقال غيره بسيطة فقال سيبويه والأكثرون حرف معناه الردع والزجر لا معنى لها عندهم إلا ذلك حتى إنهم يجيزون أبدا الوقف عليها والابتداء بما بعدها وحتى قال جماعة منهم متى سمعت كلا في سورة فاحكم بأنها مكية لأن فيها معنى التهديد والوعيد وأكثر ما نزل ذلك بمكة لأن أكثر العتو كان بها
3250 قال ابن هشام وفيه نظر لأنه لا يظهر معنى الزجر في نحو { ما شاء ركبك كلا } { يوم يقوم الناس لرب العالمين كلا } { ثم إن علينا بيانه }
____________________
(1/494)
{ كلا } ) وقولهم إنته عن ترك الإيمان بالتصوير في أي صورة شاء الله وبالبعث وعن العجلة بالقرآن تعسف إذ لم تتقدم في الأولين حكاية نفي ذلك عن أحد ولطول الفصل في الثالثة بين كلا وذكر العجلة وأيضا فإن أول ما نزل خمس آيات من أول سورة العلق ثم نزل { كلا إن الإنسان ليطغى } فجاءت في افتتاح الكلام
3251 ورأى آخرون أن معنى الردع والزجر ليس مستمرا فيها فزادوا معنى ثانيا يصح عليه أن يوقف دونها ويبتدأ بهاء
3252 ثم اختلفوا في تعيين ذلك المعنى فقال الكسائي تكون بمعنى حقا وقال أبو حاتم بمعنى ألا الاستفتاحية
3253 قال أبو حيان ولم يسبقه إلى ذلك أحد وتابعه جماعة منهم الزجاج
3254 وقال النضر بن شميل حرف جواب بمنزلة أي ونعم وحملوا عليه { كلا والقمر }
3255 وقال الفراء وابن سعدان بمعنى سوف وحكاه أبو حيان في تذكرته
3256 قال مكي وإذا كان بمعنى حقا فهي اسم وقرئ { كلا سيكفرون بعبادتهم } بالتنوين ووجه بأنه مصدر كل إذا أعيا أي كلوا في دعواهم وانقطعوا أو من الكل وهو الثقل أي حملوا كلا
3257 وجوز الزمخشري كونه حرف ردع نون كما في / < سلاسلا > /
3258 ورده أبو حيان بأن ذلك إنما صح في / < سلاسلا > / لأن اسم أصله التنوين فرجع به إلى أصله للتناسب
3259 قال ابن هشام وليس التوجيه منحصرا عند الزمخشري في ذلك بل جوز كون التنوين بدلا من حرف الإطلاق المزيد في رأس الآية ثم أنه وصل بنية الوقف
____________________
(1/495)
70 - كم
3260 إسم مبني لازم الصدر مبهم مفتقر إلى التمييز وترد إستفهامية ولم تقع في القرآن وخبرية بمعنى كثير
3261 وإنما تقع غالبا في مقام الافتخار والمباهاة نحو { وكم من ملك في السماوات } { وكم من قرية أهلكناها } { وكم قصمنا من قرية }
3262 وعن الكسائي أن أصلها كما فحذفت الألف مثل بم ولم وحكاه الزجاج ورده بأنه لو كان كذلك لكانت مفتوحة الميم 71 - كي
3263 حرف له معنيان
أحدهما التعليل نحو { كي لا يكون دولة بين الأغنياء }
والثاني معنى أن المصدرية نحو { لكي لا تأسوا } لصحة حلول أن محلها ولأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل 72 - كيف
3264 إسم يرد على وجهين
الشرط وخرج عليه { ينفق كيف يشاء } { يصوركم في الأرحام كيف يشاء } { فيبسطه في السماء كيف يشاء } وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها
والاستفهام وهو الغالب ويستفهم بها عن حال الشيء لا عن ذاته قال الراغب وإنما يسأل بها عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيه ولهذا لا يصح أن يقال في الله كيف قال وكلما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو التوبيخ نحو { كيف تكفرون } { كيف يهدي الله قوما }
____________________
(1/496)
73 - اللام
3265 أربعة أقسام جارة وناصبة وجازمة ومهملة غير عاملة
فالجارة مكسورة مع الظاهر وأما قراءة بعضهم { الحمد لله } فالضمة عارضة للإتباع مفتوحة مع المضمر إلا الياء ولها معان
الاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات نحو { الحمد لله } { لله الأمر } { ويل للمطففين } { لهم في الدنيا خزي }
والاختصاص نحو { إن له أبا } { فإن كان له إخوة }
والملك نحو { له ما في السماوات وما في الأرض }
والتعليل نحو { وإنه لحب الخير لشديد } أي وإنه من أجل حب المال لبخيل { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة } الآية في قراءة حمزة أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء محمد صلى الله عليه وسلم { مصدق لما معكم لتؤمنن به } فما مصدرية واللام تعليلية وقوله { لإيلاف قريش } وتعلقها ب يعبدوا وقيل بما قبلها أي { فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش } ورجح بأنهما في مصحف أبي سورة واحدة
3266 وموافقة إلى نحو { بأن ربك أوحى لها } { كل يجري لأجل مسمى }
3267 وعلى نحو { ويخرون للأذقان } { دعانا لجنبه } { وتله للجبين } { وإن أسأتم فلها } { لهم اللعنة } أي عليهم كما قال الشافعي
3268 وفي نحو { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة } { لا يجليها لوقتها إلا هو }
____________________
(1/497)
{ يا ليتني قدمت لحياتي } أي في حياتي وقيل هي فيها للتعليل أي لأجل حياتي في الآخرة
3269 وعند كقراءة الجحدري { بل كذبوا بالحق لما جاءهم }
3270 وبعد نحو { أقم الصلاة لدلوك الشمس }
3271 وعن نحو { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه } أي عنهم وفي حقهم لا أنهم خاطبوا به المؤمنين وإلا لقيل ما سبقتمونا
والتبليغ وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه كالإذن
3272 والصيرورة وتسمى لام العاقبة نحو { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } فهذا عاقبة التقاطهم لا علته إذ هي التبني ومنع قوم ذلك وقالوا هي للتعليل مجازا لأن كونه عدوا لما كان ناشئا عن الالتقاط وإن لم يكن عرضا لهم نزل منزلة الغرض على طريق المجاز
3273 وقال أبو حيان الذي عندي أنها للتعليل حقيقة وأنهم التقطوه ليكون لهم عدوا وذلك على حذف مضاف تقديره لمخافة أن يكون كقوله { يبين الله لكم أن تضلوا } أي كراهة أن تضلوا انتهى
3274 والتأكيد وهي الزائدة أو المقوية للعامل الضعيف لفرعية أو تأخير نحو { ردف لكم } { يريد الله ليبين لكم } { وأمرنا لنسلم } { فعال لما يريد } { إن كنتم للرؤيا تعبرون } { وكنا لحكمهم شاهدين }
3275 والتبيين للفاعل أو المفعول نحو { فتعسا لهم } { هيهات هيهات لما توعدون } { هيت لك }
____________________
(1/498)
3276 والناصبة هي لام التعليل وادعى الكوفيون نصبها وقال غيرهم بأن مقدرة في محل جر باللام
3277 والجازمة وهي لام الطلب وحركتها الكسر وسليم تفتحها وإسكانها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها نحو { فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي } وقد تسكن بعد ثم نحو { ثم ليقضوا } وسواء كان الطلب أمرا نحو { لينفق ذو سعة } أو دعاء نحو { ليقض علينا ربك }
3278 وكذا لو خرجت إلى الخبر نحو { فليمدد له الرحمن } { ولنحمل خطاياكم }
3279 أو التهديد نحو { ومن شاء فليكفر }
3280 وجزمها فعل الغائب كثير نحو { فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك } وفعل المخاطب قليل ومنه / < فبذلك فلتفرحوا > / في قراءة التاء وفعل المتكلم أقل ومنه { ولنحمل خطاياكم }
3281 وغير العاملة أربع لام الابتداء وفائدتها أمران توكيد مضمون الجملة ولهذا زحلقوها في باب إن عن صدر الجملة كراهة توالي مؤكدين وتخليص المضارع للحال
وتدخل في المبتدأ نحو { لأنتم أشد رهبة }
وفي خبر إن نحو { إن ربي لسميع الدعاء } { وإن ربك ليحكم بينهم } { وإنك لعلى خلق عظيم } واسمها المؤخر نحو { إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة }
واللام الزائدة في خبر أن المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير { إلا إنهم ليأكلون }
____________________
(1/499)
{ الطعام } ) والمفعول كقوله { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه }
ولام الجواب للقسم أو لو أو لولا نحو { تالله لقد آثرك الله } { وتالله لأكيدن أصنامكم } { لو تزيلوا لعذبنا } { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }
واللام الموطئة وتسمى المؤذنة وهي الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم مقدر نحو { لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار } وخرج عليها قوله تعالى { لما آتيتكم من كتاب وحكمة } 74 - لا
3282 على أوجه
الوجه الأول أن تكون نافية وهي أنواع
أحدها أن تعمل عمل إن وذلك إذا أريد بها نفس الجنس على سبيل التنصيص وتسمى حينئذ تبرئة وإنما يظهر نصبها إذا كان اسمها مضافا أو شبهه وإلا فيركب معها نحو { لا إله إلا هو } { لا ريب فيه } فإن تكررت جاز التركيب والرفع نحو { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال } { لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } { لا لغو فيها ولا تأثيم }
ثانيها أن تعمل عمل ليس نحو { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين }
ثالثها ورابعها أن تكون عاطفة أو جوابية ولم يقعا في القرآن
خامسها أن تكون على غير ذلك فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها أو فعلا ماضيا لفظا أو تقديرا وجب تكرارها
____________________
(1/500)
نحو { لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار } { لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون } { فلا صدق ولا صلى }
أو مضارعا لم يجب نحو { لا يحب الله الجهر } { قل لا أسألكم عليه أجرا }
وتعترض لا هذه بين الناصب والمنصوب نحو { لئلا يكون للناس } والجازم والمجزوم نحو { إلا تفعلوه }
3283 الوجه الثاني أن تكون لطلب الترك فتختص بالمضارع وتقتضي جزمه واستقباله سواء كان نهيا نحو { لا تتخذوا عدوي } { لا يتخذ المؤمنون الكافرين } { ولا تنسوا الفضل بينكم } أو دعاء نحو { لا تؤاخذنا }
3284 الوجه الثالث التأكيد وهي الزائدة نحو { ما منعك ألا تسجد } { ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن } { لئلا يعلم أهل الكتاب } أي ليعلموا قال ابن جني لا هنا مؤكدة قائمة مقام إعادة الجملة مرة أخرى
3285 واختلف في قوله { لا أقسم بيوم القيامة } فقيل زائدة وفائدتها مع التوكيد التمهيد لنفي الجواب والتقدير لا أقسم بيوم القيامة لا يتركون سدى ومثله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } ويؤيده قراءة لأقسم وقيل نافية لما تقدم عندهم من إنكار البعث فقيل لهم ليس الأمر كذلك ثم استؤنف القسم قالوا وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة الواحدة ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة نحو { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } و { ما أنت بنعمة ربك بمجنون }
3286 وقيل منفيتها أقسم على أنه إخبار لا إنشاء واختاره الزمخشري قال والمعنى نفي ذلك أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاما له بدليل { فلا أقسم بمواقع }
____________________
(1/501)
{ النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } ) فكأنه قيل إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام أي أنه يستحق إعظاما فوق ذلك
3287 واختلف في قوله تعالى { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا } فقيل لا نافية وقيل ناهية وقيل زائدة وفي قوله تعالى { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } فقيل زائدة وقيل نافية والمعنى يمتنع عدم رجوعهم إلى الآخرة تنبيه
3288 ترد لا اسما بمعنى غير فيظهر إعرابها فيما بعدها نحو { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } { لا مقطوعة ولا ممنوعة } { لا فارض ولا بكر } فائدة
3289 قد تحذف ألفها وخرج عليه ابن جني / < واتقوا فتنة لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة > / 75 - لات
3290 اختلف فيها فقال قوم فعل ماض بمعنى نقص وقيل أصلها ليس تحركت الياء فقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها وأبدلت السين تاء وقيل هي كلمتان لا النافية زيدت عليها التاء لتأنيث الكلمة وحركت لالتقاء الساكنين وعليه الجمهور وقيل هي لا النافية والتاء زائدة في أول الحين واستدل له أبو عبيدة بأنه وجدها في مصحف عثمان مختلطة بحين في الخط
3291 واختلف في عملها فقال الأخفش لا تعمل شيئا فإن تلاها مرفوع فمبتدأ وخبر أو منصوب فبفعل محذوف فقوله تعالى { ولات حين مناص } بالرفع أي كائن لهم وبالنصب أي لا أرى حين مناص
____________________
(1/502)
وقيل تعمل عمل إن
3292 وقال الجمهور تعمل عمل ليس وعلى كل قول لا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين ولا تعمل إلا في لفظ الحين قيل أو ما رادفه قال الفراء وقد تستعمل حرف جر لأسماء الزمان خاصة وخرج عليها قوله { ولات حين } بالجر 76 - لا جرم
3293 وردت في القرآن في خمسة مواضع متلوة بأن واسمها ولم يجيء بعدها فعل واختلف فيها فقيل لا نافية لما تقدم وجرم فعل معناه حق وأن مع ما في حيزه في موضع رفع
وقيل زائدة وجرم معناه كسب أي كسب لهم عملهم الندامة وما في حيزها في موضع نصب
وقيل هما كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا
وقيل معناهما لا بد وما بعدها في موضع نصب بإسقاط حرف الجر 77 - لكن
3294 مشددة النون حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ومعناه الاستدراك وفسر بأن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام مخالف لما بعدها أو مناقض له نحو { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا }
3295 وقد ترد للتوكيد مجردا عن الاستدراك قاله صاحب البسيط وفسر الاستدراك برفع ما توهم ثبوته نحو ما زيد شجاعا لكنه كريم لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان فنفي أحدهما يوهم نفي الآخر
3296 ومثل التوكيد بنحو لو جاءني أكرمته لكنه لم يجيء فأكدت ما أفادته لو من الامتناع
3297 واختار ابن عصفور أنها لهما معا وهو المختار كما أن كأن للتشبيه
____________________
(1/503)
المؤكد ولهذا قال بعضهم إنها مركبة من لكن أن فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين 78 - لكن
3298 مخففة ضربان
أحدهما مخففة من الثقيلة وهي حرف ابتداء لا يعمل بل لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة لاقترانها بالعاطف في قوله { ولكن كانوا هم الظالمين }
والثاني عاطفة إذا تلاها مفرد وهي أيضا للاستدراك نحو { لكن الله يشهد } { لكن الرسول } { لكن الذين اتقوا ربهم } 79 - لدى ولدن
3299 تقدمتا في عند 80 - لعل
3300 حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر وله معان
أشهرها التوقع وهو الترجي في المحبوب نحو { لعلكم تفلحون }
والإشفاق في المكروه نحو { لعل الساعة قريب } وذكر التنوخي أنها تفيد تأكيد ذلك
الثاني التعليل وخرج عليه { فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى }
الثالث الاستفهام وخرج عليه { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } { وما يدريك لعله يزكى } ولذا علق تدري
3301 قال في البرهان وحكى البغوي عن الواقدي أن جميع ما في القرآن
____________________
(1/504)
من لعل فإنها للتعليل إلا قوله { لعلكم تخلدون } فإنها للتشبيه قال وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة
3302 ووقع في صحيح البخاري في قوله { لعلكم تخلدون } أن لعل للتشبيه وذكر غيره أنه للرجاء المحض وهو بالنسبة إليهم انتهى
3303 قلت أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال لعلكم في القرآن بمعنى كي غير آية في الشعراء { لعلكم تخلدون } يعني كأنكم تخلدون
3304 وأخرج عن قتادة قال كان في بعض القراءة / < وتتخذون مصانع كأنكم خالدون > / 81 - لم
3305 حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا نحو { لم يلد ولم يولد } والنصب بها لغة حكاها اللحياني وخرج عليها قراءة { ألم نشرح } 82 - لما
3306 على أوجه
أحدها أن تكون حرف جزم فتختص بالمضارع وتنفيه وتقلبه ماضيا ك لم لكن يفترقان من أوجه أنها لا تقترن بأداة شرط ونفيها مستمر إلى الحال وقريب منه ومتوقع ثبوته قال ابن مالك في { لما يذوقوا عذاب } المعنى لم يذوقوه وذوقه لهم متوقع وقال الزمخشري في { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد وأن نفيها آكد من نفي لم فهي لنفي قد فعل ولم لنفي فعل ولهذا قال الزمخشري في الفائق تبعا لابن جني إنها مركبة من لم وما وإنهم لما زادوا في الإثبات قد زادوا في النفي ما وأن منفي لما جائزة الحذف اختيارا بخلاف لم وهي أحسن ما يخرج عليه { وإن كلا لما } أي لما يهملوا أو يتركوا قاله ابن الحاجب
____________________
(1/505)
3307 قال ابن هشام ولا أعرف وجها في الآية أشبه من هذا وإن كانت النفوس تستبعده لأن مثله لم يقع في التنزيل قال والحق ألا يستبعد ولكن الأولى أن يقدر لما يوفوا أعمالها أي أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفونها
3308 الثاني أن تدخل على الماضي فتقضي جملتين وجدت الثانية عند وجود الأولى نحو { فلما نجاكم إلى البر أعرضتم } ويقال فيها حرف وجود لوجود وذهب جماعة إلى أنها حينئذ ظرف بمعنى حين
3309 وقال ابن مالك بمعنى إذ لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة وبجواب هذه يكون ماضيا كما تقدم وجملة اسمية بالفاء أو بإذا الفجائية نحو { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد } { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون }
3310 وجوز ابن عصفور كونه مضارعا نحو { فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا } وأوله غيره ب جادلنا
3311 الثالث أن تكون حرف استثناء فتدخل على الاسمية والماضية نحو { إن كل نفس لما عليها حافظ } بالتشديد أي إلا { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } 83 - لن
3312 حرف نفي ونصب واستقبال والنفي بها أبلغ من النفي بلا فهي لتأكيد النفي كما ذكره الزمخشري وابن الخباز حتى قال بعضهم وإن منعه مكابرة فهي لنفي إني أفعل ولا لنفي أفعل كما في لم ولما
3313 قال بعضهم العرب تنفي المظنون بلن والمشكوك بلا ذكره ابن الزملكاني في التبيان
3314 وادعى الزمخشري أيضا أنها لتأييد النفي كقوله { لن يخلقوا ذبابا } { ولن تفعلوا }
____________________
(1/506)
3315 وقال ابن مالك وحمله على ذلك اعتقاده في { لن تراني } أن الله لا يرى
ورد غيره بأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في { فلن أكلم اليوم إنسيا } ولم يصح التوقيت في { لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى } ولكان ذكر الأبد في { ولن يتمنوه أبدا } تكرارا والأصل عدمه واستفادة التأبيد في { لن يخلقوا ذبابا } ونحوه من خارج
ووافقه على إفادة التأبيد ابن عطية وقال في قوله { لن تراني } لو بقينا على هذا النفي لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا في الآخرة لكن ثبت في الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه
3316 وعكس ابن الزملكاني مقالة الزمخشري فقال إن لن لنفي ما قرب وعدم امتداد النفي ولا يمتد معها النفي قال وسر ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعاني ولا آخرها الألف والألف يمكن امتداد الصوت بها بخلاف النون فطابق كل لفظ معناه قال ولذلك أتى بلن حيث لم يرد به النفي مطلقا بل في الدنيا حيث قال { لن تراني } وب لا في قوله { لا تدركه الأبصار } حيث أريد نفي الإدراك على الإطلاق وهو مغاير للرؤية انتهى
3317 قيل وترد لن للدعاء وخرج عليه { رب بما أنعمت علي فلن أكون } الآية 84 - لو
3318 حرف شرط في المضي يصرف المضارع إليه بعكس إن الشرطية
واختلف في إفادتها الامتناع وكيفية إفادتها إياه على أقوال
أحدها أنها لا تفيده بوجه ولا تدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب بل هي لمجرد ربط الجواب بالشرط دالة على التعليق في الماضي كما دلت إن
____________________
(1/507)
على التعليق في المستقبل ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت
3319 قال ابن هشام وهذا القول كإنكار الضروريات إذ فهم الامتناع منها كالبديهي فإن كل من سمع لو فعل فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد ولهذا جاز استدراكه فتقول لو جاء زيد أكرمته لكنه لم يجئ
3320 الثاني وهو لسيبويه قال إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره أي أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره والمتوقع غير واقع فكأنه قال حرف يقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته
3321 الثالث وهو المشهور على ألسنة النحاة ومشى عليه المعربون أنها حرف امتناع لامتناع أي يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط فقولك لو جئت لأكرمتك دال على امتناع الإكرام لامتناع المجيء واعترض بعدم امتناع الجواب في مواضع كثيرة كقوله تعالى { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله } { ولو أسمعهم لتولوا } فإن عدم النفاد عند فقد ما ذكر والتولي عند عدم الإسماع أولى
3322 والرابع وهو لابن مالك أنها حرف يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه من غير تعرض لنفي التالي قال فقيام زيد من قولك لو قام زيد قام عمرو محكوم بانتفائه وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو وهل وقع لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له لا تعرض لذلك قال ابن هشام وهذه أجود العبارات فائدة
3323 أخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن لو فإنه لا يكون أبدا فائدة ثانية
3324 تختص لو المذكورة بالفعل وأما نحو { قل لو أنتم تملكون } فعلى تقديره
____________________
(1/508)
3325 قال الزمخشري وإذا وقعت أن بعدها وجب كون خبرها فعلا ليكون عوضا عن الفعل المحذوف ورده ابن الحاجب بآية / < ولو أن ما في الأرض > / وقال إنما ذاك إذا كان مشتقا لا جامدا ورده ابن مالك بقوله
( لو أن حيا مدرك الفلاح % أدركه ملاعب الرماح )
3326 قال ابن هشام وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا ولم يتنبه لها الزمخشري كما لم يتنبه لآية لقمان ولا ابن الحاجب وإلا لما منع من ذلك ولا ابن مالك وإلا لما استدل بالشعر وهي قوله { يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } ووجدت آية الخبر فيها ظرف { لو أن عندنا ذكرا من الأولين }
3327 ورد ذلك الزركشي في البرهان وابن الدماميني بأن لو في الآية الأولى للتمني والكلام في الامتناعية وأعجب من ذلك أن مقالة الزمخشري سبقه إليها السيرافي وهذا الاستدراك وما استدرك به منقول قديما في شرح الإيضاح لابن الخباز لكن في غير مظنته فقال في باب إن وأخواتها قال السيرافي لو أن زيدا أقام لأكرمته لا يجوز لو أن زيدا حاضرا لأكرمته لأنك لم تلفظ بفعل يسد مسد ذلك الفعل هذا كلامه وقد قال تعالى { وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } فأوقع خبرها صفة ولهم أن يفرقوا بأن هذه للتمني فأجريت مجرى ليت كما تقول ليتهم بادون انتهى كلامه
3328 وجواب لو إما مضارع منفي بلم أو ماض مثبت أو منفي بما والغالب على المثبت دخول اللام عليه نحو { لو نشاء لجعلناه حطاما } ومن تجرده { لو نشاء جعلناه أجاجا } والغالب على المنفي تجرده نحو { ولو شاء ربك ما فعلوه } فائدة ثانية
3329 قال الزمخشري الفرق بين قولك لو جاءني زيد لكسوته ولو زيد جاءني لكسوته ولو أن زيدا جاءني لكسوته أن القصد في الأول مجرد ربط
____________________
(1/509)
الفعلين وتعليق أحدهما بصاحبه لا غير من غير تعرض لمعنى زائد على التعلق الساذج وفي الثاني انضم إلى التعليق أحد معنيين إما نفي الشك والشبهة وأن المذكور مكسو لا محالة وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره وتخرج عليه آية { لو أنتم تملكون } وفي الثالث مع ما في الثاني زيادة التأكيد الذي تعطيه أن وإشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظه ويخرج عليه { ولو أنهم صبروا } ونحوه فتأمل ذلك وخرج عليه ما وقع في القرآن من أحد الثلاثة تنبيه
3330 ترد لو شرطية في المستقبل وهي التي يصلح موضعها إن نحو { ولو كره المشركون } { ولو أعجبك حسنهن }
ومصدرية وهي التي يصلح موضعها أن المفتوحة وأكثر وقوعها بعد ود ونحوه نحو { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم } { يود أحدهم لو يعمر } { يود المجرم لو يفتدي } أي الرد والتعمير والافتداء
وللتمني وهي التي يصلح موضعها ليت نحو { فلو أن لنا كرة } ولهذا نصب الفعل في جوابها
وللتعليل وخرج عليه { ولو على أنفسكم } 85 - لولا
3331 على أوجه
أحدها أن تكون حرف امتناع لوجود فتدخل على الجملة الإسمية ويكون جوابها فعلا مقرونا باللام إن كان مثبتا نحو { فلولا أنه كان من المسبحين للبث } ومجردا منها إن كان منفيا نحو { ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا } وإن وليها ضمير فحقه أن يكون ضمير رفع نحو { لولا أنتم لكنا مؤمنين }
____________________
(1/510)
الثاني أن تكون بمعنى هلا فهي للتحضيض والعرض في المضارع أو ما في تأويله نحو { لولا تستغفرون الله } { لولا أخرتني إلى أجل قريب } وللتوبيخ والتنديم في المضارع نحو { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } { فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله } { ولولا إذ سمعتموه قلتم } { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } { فلولا إذا بلغت الحلقوم } { فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين }
الثالث أن تكون للاستفهام ذكر الهروي وجعل منه { لولا أخرتني } { لولا أنزل إليه ملك } والظاهر أنها فيهما بمعنى هلا
الرابع أن تكون للنفي ذكره الهروي أيضا وجعل منه { فلولا كانت قرية آمنت } أي فما آمنت قرية أي أهلها عند مجيء العذاب فنفعها إيمانها والجمهور لم يثبتوا ذلك وقالوا المراد في الآية التوبيخ على ترك الإيمان قبل مجيء العذاب ويؤيده قراءة أبي فهلا والاستثناء حينئذ منقطع فائدة
3332 نقل عن الخليل أن جميع ما في القرآن من لولا فهي بمعنى هلا إلا { فلولا أنه كان من المسبحين } وفيه نظر لما تقدم من الآيات
وكذا قوله { لولا أن رأى برهان ربه } لولا فيه امتناعية وجوابها محذوف أي لهم بها أو لواقعها
وقوله { لولا أن من الله علينا لخسف بنا } وقوله { لولا أن ربطنا على قلبها } أي لأبدت به في آيات أخر
3333 وقال ابن أبي حاتم أنبأنا موسى الخطمي أنبأنا هارون بن أبي حاتم أنبأنا عبد الرحمن بن حماد عن أسباط عن السدي عن أبي مالك قال كل ما في القرآن فلولا فهو فهلا إلا حرفين في يونس
____________________
(1/511)
{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها } يقول فما كانت قرية وقوله { فلولا أنه كان من المسبحين }
وبهذا يتضح مراد الخليل وهو أن مراده لولا المقترنة بالفاء 86 - لوما
3334 بمنزلة لولا قال تعالى { لو ما تأتينا بالملائكة } وقال المالقي لم ترد إلا للتحضيض 87 - ليت
3335 حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ومعناه التمني وقال التنوخي إنها تفيد تأكيده 88 - ليس
3336 فعل جامد ومن ثم ادعى قوم حرفيته ومعناه نفي مضمون الجملة في الحال ونفي غيره بالقرينة
3337 وقيل هي لنفي الحال وغيره وقواه ابن الحاجب بقوله تعالى { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم } فإنه نفي للمستقبل
3338 قال ابن مالك وترد للنفي العام المستغرق المراد به الجنس كلا التبرئة وهو مما يغفل عنه وخرج عليه { ليس لهم طعام إلا من ضريع } 89 - ما
3339 اسمية وحرفية
فالاسمية ترد موصولة بمعنى الذي نحو { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } ويستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع والغالب استعمالها فيما لا يعلم وقد تستعمل في العالم نحو { والسماء وما بناها } { ولا أنتم عابدون ما أعبد } أي الله ويجوز في ضميرها مراعاة اللفظ والمعنى واجتمعا في قوله
____________________
(1/512)
تعالى { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } وهذه معرفة بخلاف الباقي
3340 واستفهامية بمعنى أي شيء ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته وأجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم نحو { ما هي } { ما لونها } { ما ولاهم } { وما تلك بيمينك } { وما الرحمن }
ولا يسأل بها عن أعيان أولى العلم خلافا لمن أجازه وأما قول فرعون { وما رب العالمين } فإن قاله جهلا ولهذا أجابه موسى بالصفات
3341 ويجب حذف ألفها إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها فرقا بينها وبين الموصولة نحو { عم يتساءلون } { فيم أنت من ذكراها } { لم تقولون ما لا تفعلون } { بم يرجع المرسلون }
3342 وشرطية نحو { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت } { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } وهذه منصوبة بالفعل بعدها
3343 تعجبية نحو { فما أصبرهم على النار } { قتل الإنسان ما أكفره } ولا ثالث لهما في القرآن إلا في قراءة سعيد بن جبير ما أغرك بربك الكريم ومحلها رفع بالابتداء وما بعدها خبر وهي نكرة تامة
3344 ونكرة موصوفة نحو { بعوضة فما فوقها } { نعما يعظكم } أي نعم شيئا يعظكم به
3345 وغير موصوفة نحو { فنعما هي } أي نعم شيئا هي
____________________
(1/513)
3346 والحرفية ترد مصدرية إما زمانية نحو { فاتقوا الله ما استطعتم } أي مدة استطاعتكم أو غير زمانية نحو { فذوقوا بما نسيتم } أي بنسيانكم
3347 ونافية إما عاملة عمل ليس نحو { ما هذا بشرا } { ما هن أمهاتهم } { فما منكم من أحد عنه حاجزين } ولا رابع لها في القرآن
3348 أو غير عاملة نحو { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } { فما ربحت تجارتهم }
3349 قال ابن الحاجب وهي لنفي الحال ومقتضى كلام سيبويه أن فيها معنى التأكيد لأنه جعلها في النفي جوابا لقد في الإثبات فكما أن قد فيها معنى التأكيد فكذلك ما جعل جوابا لها
3350 وزائدة للتأكيد إما كافة نحو { إنما هو إله واحد } { أنما إلهكم إله واحد } { كأنما أغشيت وجوههم } { ربما يود الذين كفروا }
3351 أو غير كافة نحو { فإما ترين } { أيا ما تدعوا } { أيما الأجلين قضيت } { فبما رحمة } { مما خطيئاتهم } { مثلا ما بعوضة }
3352 قال الفارسي جميع ما في القرآن من الشرط بعد إما مؤكد بالنون لمشابهة فعل الشرط بدخول ما للتأكيد لفعل القسم من جهة أن ما كاللام في القسم لما فيها من التأكيد وقال أبو البقاء زيادة ما مؤذنة بإرادة شدة التأكيد فائدة
3353 حيث وقعت ما قبل ليس أو لم أو لا أو بعد إلا فهي موصولة نحو { ما ليس لي بحق } { ما لم يعلم } { ما لا تعلمون } { إلا ما علمتنا }
____________________
(1/514)
وحيث وقعت بعد كاف التشبيه فهي مصدرية وحيث وقعت بعد الباء فإنها تحتملهما نحو { بما كانوا يظلمون }
وحيث وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر احتملت الموصولة والاستفهامية نحو { وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } { ولتنظر نفس ما قدمت لغد }
3354 وحيث وقعت في القرآن قبل إلا فهي نافية إلا في ثلاثة عشر موضعا
{ مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا }
{ فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون }
{ ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين }
{ ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف }
{ وما أكل السبع إلا ما ذكيتم }
{ ولا أخاف ما تشركون به إلا }
{ وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا }
{ ما دامت السماوات والأرض إلا } في موضعي هود
{ فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا } { ما قدمتم لهن إلا }
( وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله )
{ وما بينهما إلا بالحق } حيث كان
____________________
(1/515)
90 - ماذا
3355 ترد على أوجه
أحدها أن تكون ما استفهاما وذا موصولة وهو أرجح الوجهين في { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو } في قراءة الرفع أي الذي ينفقونه العفو إذ الأصل أن تجاب الاسمية بالاسمية والفعلية بالفعلية
الثاني أن يكون ما استفهاما وذا إشارة
الثالث أن تكون ماذا كلها استفهاما على التركيب وهو أرجح الوجهين في { ماذا ينفقون قل العفو } في قراءة النصب أي ينفقون العفو
الرابع أن يكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي
الخامس أن تكون ما زائدة وذا للإشارة
السادس أن تكون ما استفهاما وذا زائدة ويجوز أن يخرج عليه 91 - متى
3356 ترد استفهاما عن الزمان نحو { متى نصر الله } وشرطا 92 - مع
3357 اسم بدليل جرها بمن في قراءة بعضهم { هذا ذكر من معي } وهي بمعنى عند وأصلها لمكان الاجتماع أو وقته نحو { ودخل معه السجن فتيان } { أرسله معنا } { لن أرسله معكم }
3358 وقد يراد به مجرد الاجتماع والاشتراك من غير ملاحظة المكان والزمان نحو { وكونوا مع الصادقين } { واركعوا مع الراكعين }
وأما نحو { إني معكم } { إن الله مع الذين اتقوا } { وهو معكم أين ما كنتم } { إن معي ربي سيهدين } فالمراد به العلم والحفظ والمعونة مجازا
____________________
(1/516)
3359 قال الراغب والمضاف إليه لفظ مع هو المقصود كالآيات المذكورة 93 - من
3360 حرف جر له معان أشهرها
ابتداء الغاية مكانا وزمانا وغيرهما نحو { من المسجد الحرام } { من أول يوم } { إنه من سليمان }
3361 والتبعيض بأن يسد بعض مسدها نحو { حتى تنفقوا مما تحبون } وقرأ ابن مسعود بعض ما تحبون
3362 والتبيين وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما نحو { ما يفتح الله للناس من رحمة } { ما ننسخ من آية } { مهما تأتنا به من آية } ومن وقوعها بعد غيرهما { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } { من أساور من ذهب }
3363 والتعليل { مما خطيئاتهم أغرقوا } { يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق }
3364 والفصل بالمهملة وهي الداخلة على ثاني المتضادين نحو { يعلم المفسد من المصلح } { حتى يميز الخبيث من الطيب }
3365 والبدل نحو { أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة } أي بدلها { لجعلنا منكم ملائكة في الأرض } أي بدلكم
3366 وتنصيص العموم نحو { وما من إله إلا الله } قال في الكشاف هو بمنزلة البناء على الفتح في { لا إله إلا الله } في إفادة معنى الاستغراق
3367 ومعنى الباء نحو { ينظرون من طرف خفي } أي به
____________________
(1/517)
3368 وعلى نحو { ونصرناه من القوم } أي عليهم
3369 وفي نحو { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } أي فيه وفي الشامل عن الشافعي أن من في قوله تعالى { فإن كان من قوم عدو لكم } بمعنى في بدليل قوله { وهو مؤمن }
3370 وعن نحو { قد كنا في غفلة من هذا } أي عنه
3371 وعند نحو { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله } أي عند
3372 والتأكيد وهي الزائدة في النفي أو النهي أو الاستفهام نحو { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور }
3373 وأجازها قوم في الإيجاب وخرجوا عليه { ولقد جاءك من نبإ المرسلين } { يحلون فيها من أساور } { من جبال فيها من برد } { يغضوا من أبصارهم } فائدة
3374 أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن ابن عباس قال لو أن إبراهيم حين دعا قال فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه اليهود والنصارى ولكنه خص حين قال { أفئدة من الناس } فجعل ذلك للمؤمنين
3375 وأخرج عن مجاهد قال لو قال إبراهيم فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لزاحمتكم عليه الروم وفارس وهذا صريح في فهم الصحابة والتابعين التبعيض من من
3376 وقال بعضهم حيث وقعت يغفر لكم في خطاب المؤمنين لم تذكر معها من كقوله في الأحزاب { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم } وفي الصف { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على }
____________________
(1/518)
{ تجارة تنجيكم من عذاب أليم } ) إلى قوله { يغفر لكم ذنوبكم }
3377 وقال في خطاب الكفار في سورة نوح { يغفر لكم من ذنوبكم } وكذا في سورة إبراهيم وفي سورة الأحقاف وما ذاك إلا للتفرقة بين الخطابين لئلا يسوى بين الفريقين في الوعد ذكره في الكشاف 94 - من
3378 لا تقع إلا اسما فترد موصولة نحو { وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون }
3379 وشرطية نحو { من يعمل سوءا يجز به }
3380 واستفهامية نحو { من بعثنا من مرقدنا }
3381 ونكرة موصوفة { ومن الناس من يقول } أي فريق يقول
3382 وهي ك ما في استوائها في المذكر والمفرد وغيرهما والغالب استعمالها في العالم عكس ما ونكتته ما أكثر وقوعا في الكلام منها وما لا يعقل أكثر ممن يعقل فأعطوا ما كثرت مواضعه الكثير وما قلت للقليل للمشاكلة
3383 قال ابن الأنباري واختصاص من بالعالم وما بغيره في الموصولتين دون الشرطيتين لأن الشرط يستدعي الفعل ولا يدخل على الأسماء 95 - مهما
3384 اسم لعود الضمير عليها في { مهما تأتنا به } قال الزمخشري عاد عليها ضمير به وضمير بها حملا على اللفظ وعلى المعنى وهي شرط لما لا يعقل غير الزمان كالآية المذكورة
3385 وفيها تأكيد ومن ثم قال قوم إن أصلها ما الشرطية وما الزائدة أبدلت ألف الأولى هاء دفعا للتكرار
____________________
(1/519)
96 - النون
3386 على أوجه
اسم وهي ضمير النسوة نحو { فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن } وحرف وهي نوعان نون التوكيد وهي خفيفة وثقيلة نحو { ليسجنن وليكونن } { لنسفعا بالناصية } ولم تقع الخفيفة في القرآن إلا في هذين الموضعين
3387 قلت وثالث في قراءة شاذة وهي { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم }
ورابع في قراءة الحسن { ألقيا في جهنم } ذكره ابن جني في المحتسب
3388 ونون الوقاية وتلحق ياء المتكلم المنصوبة بفعل نحو { فاعبدني } { ليحزنني } أو حرف نحو { يا ليتني كنت معهم } { إنني أنا الله } والمجرورة بلدن نحو { من لدني عذرا } أو من أو عن نحو { ما أغنى عني ماليه } { وألقيت عليك محبة مني } 97 - التنوين
3389 نون تثبت لفظا لا خطا وأقسامه كثيرة
تنوين التمكين وهو اللاحق للأسماء المعربة نحو { وهدى ورحمة } { وإلى عاد أخاهم هودا } { إنا أرسلنا نوحا }
3390 وتنوين التنكير وهو اللاحق لأسماء الأفعال فرقا بين معرفتها ونكرتها نحو التنوين اللاحق لأف في قراءة من نونه ولهيهات في قراءة من نونها
3391 وتنوين المقابلة وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو { مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات }
____________________
(1/520)
3392 وتنوين العوض إما عن حرف آخر مفاعل المعتل نحو { والفجر وليال } { ومن فوقهم غواش } أو عن اسم مضاف إليه في كل وبعض وأي نحو { كل في فلك يسبحون } { فضلنا بعضهم على بعض } { أيا ما تدعوا }
3393 وعن الجملة المضاف إليها إذ نحو { وأنتم حينئذ تنظرون } أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم
3394 أو إذا على ما تقدم عن شيخنا ومن نحا نحوه نحو { وإنكم إذا لمن المقربين } أي إذا غلبتم
3395 وتنوين الفواصل الذي يسمى في غير القرآن الترنم بدلا من حرف الإطلاق ويكون في الاسم والفعل والحرف وخرج عليه الزمخشري وغيره { قواريرا } { والليل إذا يسر } { كلا سيكفرون } بتنوين الثلاثة 98 - نعم
3396 حرف جواب فيكون تصديقا للمخبر ووعدا للطالب وإعلاما للمستخبر وإبدال عينها حاء وكسرها وإتباع النون لها في الكسر لغات قرئ بها 99 - نعم
3397 فعل لإنشاء المدح لا يتصرف 100 - الهاء
3398 اسم ضمير غائب يستعمل في الجر والنصب نحو { قال له صاحبه وهو يحاوره } وحرف للغيبة وهو اللاحق لإيا وللسكت نحو { ما هيه } { كتابيه } { حسابيه } { سلطانيه } { ماليه } { لم يتسنه } وقرئ بها في أواخر آي الجمع كما تقدم وقفا
____________________
(1/521)
101 - ها
3399 ترد اسم فعل بمعنى خذ ويجوز مد ألفه فيتصرف حينئذ للمثنى والجمع نحو { هاؤم اقرؤوا كتابيه }
واسما ضميرا للمؤنث نحو { فألهمها فجورها وتقواها }
3400 وحرف تنبيه فتدخل على الإشارة نحو هؤلاء { هذان خصمان } وهاهنا وعلى ضمير الرفع المخبر عنه بإشارة نحو { ها أنتم أولاء } وعلى نعت أي في النداء نحو { يا أيها الناس }
ويجوز في لغة أسد حذف ألف هذه وضمها اتباعا وعليه قراءة / < أيه الثقلان > / 102 - هات
3401 فعل أمر لا يتصرف ومن ثم ادعى بعضهم أنه اسم فعل 103 - هل
3402 حرف استفهام يطلب به التصديق دون التصور ولا يدخل على منفي ولا شرط ولا أن ولا اسم بعده فعل غالبا ولا عاطف
3403 قال ابن سيده ولا يكون الفعل معها إلا مستقبلا ورد بقوله تعالى { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا }
3404 وترد بمعنى قد وبه فسر { هل أتى على الإنسان }
3405 وبمعنى النفي نحو { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } ومعان أخر ستأتي في مبحث الاستفهام 104 - هلم
3406 دعاء إلى الشيء وفيه قولان
____________________
(1/522)
أحدهما أن أصله ها ولم من قولك لممت الشيء أي أصلحته فحذفت الألف وركب
وقيل أصله هل أم كأنه قيل هل لك في كذا أمه أي أقصده فركبا ولغة الحجاز تركه على حاله في التثنية والجمع وبها ورد القرآن ولغة تميم إلحاقه العلامات 105 - هنا
3407 اسم يشار به للمكان القريب نحو { إنا ها هنا قاعدون }
وتدخل عليه اللام والكاف فيكون للبعيد نحو { هنالك ابتلي المؤمنون }
3408 وقد يشار به للزمان اتساعا وخرج عليه { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت } { هنالك دعا زكريا ربه } 106 - هيت
3409 اسم فعل بمعنى أسرع وبادر قال في المحتسب وفيها لغات قرئ ببعضها { هيت } بفتح الهاء والتاء وهيت بكسر الهاء وفتح التاء وهيت بفتح الهاء وكسر التاء وهيت بفتح الهاء وضم التاء وقرئ / < هئت > / بوزن جئت وهو فعل بمعنى تهيأت وقرئ / < هيئت > / وهو فعل بمعنى أصلحت 107 - هيهات
3410 اسم فعل بمعنى بعد قال تعالى { هيهات هيهات لما توعدون } قال الزجاج البعد لما توعدون قيل وهذا غلط أوقعه فيه اللام فإن تقديره بعد الأمر لما توعدون أي لأجله
3411 وأحسن منه أن اللام لتبيين الفاعل وفيها لغات قرئ منها بالفتح وبالضم وبالخفض مع التنوين في الثلاثة وعدمه 108 - الواو
3412 جاره وناصبة وغير عاملة
____________________
(1/523)
فالجارة واو القسم نحو { والله ربنا ما كنا مشركين }
3413 والناصبة واو مع فتنصب المفعول معه في رأي قوم نحو { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } ولا ثاني له في القرآن والمضارع في جواب النفي أو الطلب عند الكوفيين نحو { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } { يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون }
3414 واو الصرف عندهم ومعناها أن الفعل كان يقتضي إعرابا فصرفته عنه إلى النصب نحو { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } في قراءة النصب
3415 وغير العاملة أنواع
أحدها واو العطف وهي لمطلق الجمع فتعطف الشيء على مصاحبه نحو { فأنجيناه وأصحاب السفينة }
وعلى سابقه نحو { أرسلنا نوحا وإبراهيم }
ولاحقه نحو { يوحي إليك وإلى الذين من قبلك }
3416 وتفارق سائر حروف العطف في اقترانها بإما نحو { إما شاكرا وإما كفورا }
وب لا بعد نفي نحو { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم }
وب لكن نحو { ولكن رسول الله }
وتعطف العقد على النيف والعام على الخاص وعكسه نحو { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } { رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات }
والشيء على مرادفه نحو { صلوات من ربهم ورحمة } { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله }
____________________
(1/524)
والمجرور على الجوار نحو { برؤوسكم وأرجلكم }
3417 وقيل ترد بمعنى أو وحمل عليه مالك { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية
وللتعليل وحمل عليه الخارزنجي الواو الداخلة على الأفعال المنصوبة
3418 ثانيها واو الاستئناف نحو { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } { لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } { واتقوا الله ويعلمكم الله } { من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم } بالرفع إذ لو كانت عاطفة لنصب نقر وانجزم ما بعده ونصب أجل
3419 ثالثها واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية نحو { ونحن نسبح بحمدك } { يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } { لئن أكله الذئب ونحن عصبة }
3420 وزعم الزمخشري أنها تدخل على الجملة الواقعة صفة لتأكيد ثبوت الصفة للموصوف ولصوقها بها كما تدخل على الحالية وجعل من ذلك { ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم }
3421 رابعها واو الثمانية ذكرها جماعة كالحريري وابن خالويه والثعلبي وزعموا أن العرب إذا عدوا يدخلون الواو بعد السبعة إيذانا بأنها عدد تام وأن ما بعده مستأنف وجعلوا من ذلك قوله { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } إلى قوله { سبعة وثامنهم كلبهم }
وقوله { التائبون العابدون } إلى قوله { والناهون عن المنكر } لأنه الوصف الثامن
وقوله { مسلمات } إلى قوله { وأبكارا }
____________________
(1/525)
والصواب عدم ثبوتها وأنها في الجميع للعطف
3422 خامسها الزائدة وخرج عليه واحدة من قوله { وتله للجبين وناديناه }
3423 سادسها واو ضمير الذكور في اسم أو فعل نحو المؤمنون { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا }
3424 سابعها واو علامة المذكرين في لغة طيء وخرج عليه { وأسروا النجوى الذين ظلموا } { ثم عموا وصموا كثير منهم }
3425 ثامنها الواو المبدلة من همزة الاستفهام المضموم ما قبلها كقراءة قنبل / < وإليه النشور وأمنتم > / / < قال فرعون وآمنتم به > / 109 - ويكأن
3426 قال الكسائي كلمة تندم وتعجب وأصله ويلك والكاف ضمير مجرور
3427 وقال الأخفش وي اسم فعل بمعنى أعجب والكاف حرف خطاب وأن على إضمار اللام والمعنى أعجب لأن الله
3428 وقال الخليل وي وحدها وكأن كلمة مستقلة للتحقيق لا للتشبيه
3429 وقال ابن الأنباري يحتمل وي كأنه ثلاثة أوجه أن يكون ويك حرفا وأنه حرف والمعنى ألم تر وأن تكون كذلك والمعنى ويلك وأن تكون وي حرفا للتعجب وكأنه حرف ووصلا خطا لكثرة الاستعمال كما وصل / < يبنؤم > / 110 - ويل
3430 قال الأصمعي ويل تقبيح قال تعالى { ولكم الويل مما تصفون }
____________________
(1/526)
3431 وقد يوضع موضع التحسر والتفجع نحو { يا ويلتنا } { يا ويلتى أعجزت }
3432 أخرج الحربي في فوائده من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك فجزعت منها فقال لي يا حميراء إن ويحك أو ويسك رحمة فلا تجزعي منها ولكن اجزعي من الويل 111 - يا
3433 حرف لنداء البعيد حقيقة أو حكما وهي أكثر أحرفه استعمالا ولهذا لا يقدر عند الحذف سواها نحو { رب اغفر لي } { يوسف أعرض } ولا ينادى اسم الله وأيها وأيتها إلا بها
3434 قال الزمخشري وتفيد التأكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جدا
3435 وترد للتنبيه فتدخل على الفعل والحرف نحو / < ألا يا اسجدوا > / { يا ليت قومي يعلمون } تنبيه
3436 ها قد أتيت على شرح معاني الأدوات الواقعة في القرآن على وجه موجز مفيد محصل للمقصود منه ولم أبسطه لأن محل البسط والأطناب إنما هو تصانيفنا في فن العربية وكتبنا النحوية والمقصود في جميع أنواع هذا الكتاب إنما هو ذكر القواعد والأصول لا استيعاب الفروع والجزئيات
____________________
(1/527)
النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه
3437 أفرده بالتصنيف خلائق منهم مكي وكتابه في المشكل خاصة والحوفي وهو أوضحها وأبو البقاء العكبري وهو اشهرها والسمين وهو أجلها على ما فيه من حشو وتطويل ولخصة السفاقسي فحرره وتفسير أبي حيان مشحون بذلك
3438 ومن فوائد هذا النوع معرفة المعنى لأن الإعراب يميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين
3439 أخرج أبو عبيد في فضائله عن عمر بن الخطاب قال تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن
3440 وأخرج عن يحيى بن عتيق قال قلت للحسن يا أبا سعيد الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته قال حسن يا بن أخي فتعلمها فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها
3441 وعلى الناظر في كتاب الله تعالى الكاشف عن أسراره النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها ككونها مبتدأ أو خبرا أو فاعلا أو مفعولا أو في مبادئ الكلام أو في جواب إلى غير ذلك
3442 ويجب عليه مراعاة أمور
أحدها وهو أول واجب عليه أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفردا أو مركبا قبل الإعراب فإنه فرع المعنى ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه
وقالوا في توجيه نصب { كلالة } في قوله تعالى { وإن كان رجل يورث }
____________________
(1/528)
{ كلالة } ) إنه يتوقف على المراد بها فإن كان اسما للميت فهو حال ويورث خبر كان أو صفة وكان تامة أو ناقصة وكلالة خبر أو للورثة فهو على تقدير مضاف أي ذا كلالة وهو أيضا حال أو خبر كما تقدم أو للقرابة فهو مفعول لأجله
وقوله { سبعا من المثاني } إن كان المراد بالمثاني القرآن ف { من } للتبعيض أو الفاتحة فلبيان الجنس
وقوله { إلا أن تتقوا منهم تقاة } فإن كان بمعنى الأتقاء فهي مصدر أو بمعنى متقى أي أمرا يجب اتقاؤه فمفعول به أو جمعا كرماة فحال
وقوله { غثاء أحوى } إن أريد به الأسود من الجفاف واليبس فهو صفة لغثاء أو من شدة الخضرة فحال من المرعى
3443 قال ابن هشام وقد زلت أقدام كثير من المعربين راعوا في الإعراب ظاهر اللفظ ولم ينظروا في موجب المعنى من ذلك قوله { أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء } فإنه يتبادر إلى الذهن عطف أن نفعل على أن نترك وذلك باطل لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون وإنما هو عطف على ما فهو معمول للترك والمعنى أن نترك أن نفعل وموجب الوهم المذكور أن المعرب يرى أن والفعل مرتين وبينهما حرف العطف
3444 الثاني أن يراعي ما تقتضيه الصناعة فربما راعى المعرب وجها صحيحا ولا ينظر في صحته في الصناعة فيخطئ
من ذلك قول بعضهم / < وثمودا فما أبقى > / إن ثمودا مفعول مقدم وهذا ممتنع لأن ل ما النافية الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها بل هو معطوف على عادا أو على تقدير وأهلك ثمودا
3445 وقول بعضهم في { لا عاصم اليوم من أمر الله } { لا تثريب عليكم اليوم } إن الظرف متعلق باسم لا وهو باطل لأن اسم لا حينئذ مطول فيجب
____________________
(1/529)
نصبه وتنوينه وإنما هو متعلق بمحذوف
3446 وقول الحوفي إن الباء من قوله { فناظرة بم يرجع المرسلون } متعلقة ب ناظرة وهو باطل لأن الاستفهام له الصدر بل هو متعلق بما بعده
وكذا قول غيره في { ملعونين أينما ثقفوا } إنه حال من معمول ثقفوا أو أخذوا باطل لأن الشرط له الصدر بل هو منصوب على الذم
3447 الثالث أن يكون مليا بالعربية لئلا يخرج عل ما لم يثبت كقول أبي عبيدة في { كما أخرجك ربك } إن الكاف قسم حكاه مكي وسكت عليه فشنع ابن الشجري عليه في سكوته ويبطله أن الكاف لم تجئ بمعنى واو القسم وإطلاق ما الموصولة على الله وربط الموصول بالظاهر وهو فاعل أخرجك وباب ذلك الشعر
وأقرب ما قيل في الآية إنها مع مجرورها خبر محذوف أي هذه الحال من تنفيلك الغزاة على ما رأيت في كراهتهم لها كحال إخراجك للحرب في كراهيتهم لها وكقول ابن مهران في قراءة / < إن البقر تشابهت > / بتشديد التاء إنه من زيادة التاء في أول الماضي ولا حقيقة لهذه القاعدة وإنما أصل القراءة إن البقرة تشابهت بتاء الوحدة ثم أدغمت في تاء تشابهت فهو إدغام من كلمتين
3448 الرابع أن يتجنب الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذة ويخرج على القريب والقوي والفصيح فإن لم يظهر فيه إلا الوجه البعيد فله عذر وإن ذكر الجميع لقصد الإغراب والتكثير فصعب شديد أو لبيان المحتمل وتدريب الطالب فحسن في غير ألفاظ القرآن أما التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظن إرادته فإن لم يغلب شيء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسف ومن ثم خطئ من قال في { وقيله } بالجر أو النصب إنه عطف على لفظ الساعة أو محلها لما بينهما من التباعد والصواب أنه قسم أو مصدر قال مقدرا
____________________
(1/530)
3449 ومن قال في { إن الذين كفروا بالذكر } إن خبره { أولئك ينادون من مكان بعيد } والصواب أنه محذوف
3450 ومن قال في { ص والقرآن ذي الذكر } إن جوابه { إن ذلك لحق } والصواب أنه محذوف أي ما الأمر كما زعموا أو أنه لمعجز أو إنك لمن المرسلين
3451 ومن قال في { فلا جناح عليه أن يطوف } إن الوقف على جناح وعليه إغراء لأن إغراء الغائب ضعيف بخلاف القول بمثل ذلك في { عليكم ألا تشركوا } فإنه حسن لأن إغراء المخاطب فصيح
3452 من قال في { ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } إنه منصوب على الاختصاص لضعفه بعد ضمير المخاطب والصواب أنه منادى
3453 من قال في { تماما على الذي أحسن } بالرفع إن أصله أحسنوا فحذفت الواو اجتزاء عنها بالضمة لأن باب ذلك الشعر والصواب تقدير مبتدأ أي هو أحسن
3454 ومن قال في { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم } بضم الراء المشددة إنه من باب
( إنك إن يصرع أخوك تصرع % )
لأن ذلك خاص بالشعر والصواب أنها ضمة إتباع وهو مجزوم
3455 ومن قال في { وأرجلكم } إنه مجرور على الجوار لأن الجر على الجوار في نفسه ضعيف شاذ لم يرد منه إلا أحرف يسيرة والصواب أنه معطوف على { برؤوسكم } على أن المراد به مسح الخف
3456 قال ابن هشام وقد يكون الموضع لا يتخرج إلا على وجه مرجوح فلا حرج على مخرجه كقراءة / < نجي المؤمنين > / قيل الفعل ماض ويضعفه إسكان آخره وإنابة ضمير المصدر عن الفاعل مع وجود المفعول به وقيل مضارع أصله
____________________
(1/531)
ننجي بسكون ثانيه ويضعفه أن النون لا تدغم في الجيم وقيل أصله ننجي بفتح ثانيه وتشديد ثالثه فحذفت النون ويضعفه أن ذلك لا يجوز إلا في التاء
3457 الخامس أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة فتقول في نحو { سبح اسم ربك الأعلى } يجوز كون الأعلى صفة للرب وصفة للاسم وفي نحو { هدى للمتقين الذين } يجوز كون الذين تابعا ومقطوعا إلى النصب بإضمار أعني أو أمدح وإلى الرفع بإضمار هم
3458 السادس أن يراعي الشروط المختلفة بحسب الأبواب ومتى لم يتأملها اختلطت عليه الأبواب والشرائط ومن ثم خطئ الزمخشري في قوله تعالى { ملك الناس إله الناس } إنهما عطف بيان والصواب أنهما نعتان لاشتراط الاشتقاق في النعت والجمود في عطف البيان
3459 وفي قوله في { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } بنصب تخاصم إنه صفة للإشارة لأن اسم الإشارة إنما ينعت بذي اللام الجنسية والصواب كونه بدلا
3460 وفي قوله في { فاستبقوا الصراط } وفي { سنعيدها سيرتها } إن المنصوب فيهما ظرف لأن ظرف المكان شرطه الإبهام والصواب أنه على إسقاط الجار توسعا وهو فيهما إلى
3461 وفي قوله { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله } إن أن مصدرية وهي وصلتها عطف بيان على الهاء لامتناع عطف البيان على الضمير كنعته وهذا الأمر السادس عده ابن هشام في المغني ويحتمل دخوله في الأمر الثاني
3462 السابع أن يراعي في كل تركيب ما يشاكله فربما خرج كلاما على شيء ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ومن ثم خطئ
____________________
(1/532)
الزمخشري في قوله في { ومخرج الميت من الحي } إنه عطف على { فالق الحب والنوى } ولم يجعله معطوفا على { يخرج الحي من الميت } لأن عطف الاسم على الاسم أولى ولكن مجيء قوله { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } بالفعل فيهما يدل على خلاف ذلك ومن ثم خطئ من قال في { ذلك الكتاب لا ريب فيه } إن الوقف على ريب وفيه خبر هدى ويدل على خلاف ذلك قوله في سورة السجدة { تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين }
3463 ومن قال في { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } إن الرابط الإشارة وإن الصابر والغافر جعلا من عزم الأمور مبالغة والصواب أن الإشارة للصبر والغفران بدليل { وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } ولم يقل إنكم
3464 ومن قال في نحو { وما ربك بغافل } إن المجرور في موضع رفع والصواب في موضع نصب لأن الخبر لم يجيء في التنزيل مجردا من الباء إلا وهو منصوب
3465 ومن قال في { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } إن الاسم الكريم مبتدأ والصواب أنه فاعل بدليل { ليقولن خلقهن العزيز العليم } تنبيه
3466 وكذا إذا جاءت قراءة أخرى في ذلك الموضع بعينه تساعد أحد الإعرابين فينبغي أن يترجح كقوله { ولكن البر من آمن } قيل التقدير ولكن ذا البر وقيل ولكن البر بر من آمن ويؤيد الأول أنه قرئ ولكن البار تنبيه
3467 وقد يوجد ما يرجح كلا من المحتملات فينظر في أولاها نحو { فاجعل بيننا وبينك موعدا } ف موعدا محتمل للمصدر ويشهد له { لا نخلفه }
____________________
(1/533)
{ نحن ولا أنت } ) وللزمان ويشهد له { قال موعدكم يوم الزينة } وللمكان ويشهد له { مكانا سوى } وإذا أعرب مكانا بدلا منه لا ظرفا لنخلفه تعين ذلك
3468 الثامن أن يراعي الرسم ومن ثم خطئ من قال في { سلسبيلا } إنها جملة أمرية أي سل طريقا موصلة إليها لأنها لو كانت كذلك لكتبت مفصولة
3469 ومن قال في { إن هذان لساحران } إنها إن واسمها أي إن القصة وذان مبتدأ خبره لساحران والجملة خبر إن وهو باطل برسم إن منفصلة وهذان متصلة
3470 ومن قال في { ولا الذين يموتون وهم كفار } إن اللام للابتداء والذين مبتدأ والجملة بعده خبره وهو باطل فإن الرسم ولا
3471 ومن قال في { أيهم أشد } إن هم أشد مبتدأ وخبر وأي مقطوعة عن الإضافة وهو باطل برسم أيهم متصلة
3472 ومن قال في { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } إن هم ضمير رفع مؤكد للواو وهو باطل برسم الواو فيهما بلا ألف بعدها والصواب أنه مفعول
3473 التاسع أن يتأمل عند ورود المشتبهات ومن ثم خطئ من قال في { أحصى لما لبثوا أمدا } إنه فعل تفضيل والمنصوب تمييز وهو باطل فإن الأمد ليس محصيا بل محصى وشرط التمييز المنصوب بعد أفعل كونه فاعلا في المعنى فالصواب إنه فعل وأمدا مفعول مثل { وأحصى كل شيء عددا }
3474 العاشر ألا يخرج على خلاف الأصل أو خلاف الظاهر لغير مقتض ومن ثم خطئ مكي في قوله في { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي } إن الكاف نعت لمصدر أي إبطالا كإبطال الذي والوجه كونه حالا من الواو أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي فهذا لا حذف فيه
____________________
(1/534)
3475 الحادي عشر أن يبحث عن الأصلي والزائد نحو { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } فإنه قد يتوهم أن الواو في { يعفون } ضمير الجمع فيشكل إثبات النون وليس كذلك بل هي فيه لام الكلمة فهي أصلية والنون ضمير النسوة والفعل معها مبني ووزنه يفعلن بخلاف { وأن تعفوا أقرب } فالواو فيه ضمير الجمع وليست من أصل الكلمة
3476 الثاني عشر أن يجتنب إطلاق لفظ الزائد في كتاب الله تعالى فإن الزائد قد يفهم منه أنه لا معنى له وكتاب الله منزه عن ذلك ولذا فر بعضهم إلى التعبير بدله بالتأكيد والصلة والمقحم
3477 وقال ابن الخشاب اختلف في جواز إطلاق لفظ الزائد في القرآن فالأكثرون على جوازه نظرا إلى أنه نزل بلسان القوم ومتعارفهم ولأن الزيادة بإزاء الحذف هذا للاختصار والتخفيف وهذا للتوكيد والتوطئة ومنهم من أبى ذلك وقال هذه الألفاظ المحمولة على الزيادة جاءت لفوائد ومعان تخصها فلا أقضي عليها بالزيادة
3478 قال والتحقيق أنه إن أريد بالزيادة إثبات معنى لا حاجة إليه فباطل لأنه عبث فتعين أن إلينا به حاجة لكن الحاجة إلى الأشياء قد تختلف بحسب المقاصد فليست الحاجة إلى اللفظ الذي عده هؤلاء زيادة كالحاجة إلى اللفظ المزيد عليه انتهى
3479 وأقول بل الحاجة إليه كالحاجة إليه سواء بالنظر إلى مقتضى الفصاحة والبلاغة وأنه لو ترك كان الكلام دونه مع إفادته أصل المعنى المقصود أبتر خاليا عن الرونق البليغي لا شبهة في ذلك ومثل هذا يستشهد عليه بالإسناد البياني الذي خالط كلام الفصحاء وعرف مواقع استعمالها وذاق حلاوة ألفاظهم وأما النحوي الجافي فعن ذلك بمنقطع الثرى تنبيهات الأول
3480 قد يتجاذب المعنى والإعراب الشيء الواحد بأن يوجد في الكلام
____________________
(1/535)
أن المعنى يدعو إلى أمر والإعراب يمنع منه والمتمسك به صحة المعنى ويؤول لصحة المعنى الإعراب وذلك كقوله تعالى { إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر } فالظرف الذي هو يوم يقتضي المعنى أنه يتعلق بالمصدر وهو رجع أي أنه على رجعه في ذلك اليوم لقادر لكن الإعراب يمنع منه لعدم جواز الفصل بين المصدر ومعموله فيجعل العامل فيه فعلا مقدرا دل عليه المصدر وكذا { أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون } فالمعنى يقتضي تعلق إذ بالمقت والإعراب يمنعه للفصل المذكور فيقدر له فعل يدل عليه الثاني
3481 قد يقع في كلامهم هذا تفسير معنى وهذا تفسير إعراب والفرق بينهما أن تفسير الإعراب لا بد فيه من ملاحظة الصناعة النحوية وتفسير المعنى لا تضره مخالفة ذلك الثالث
3482 قال أبو عبيد في فضائل القرآن حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله تعالى { إن هذان لساحران } وعن قوله تعالى { والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة } وعن قوله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون } فقالت يا بن أخي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتاب هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين
3483 وقال حدثنا حجاج عن هارون بن موسى أخبرني الزبير بن الخريت عن عكرمة قال لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال ستعربها بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف أخرجه ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان وابن أشته في كتاب المصاحف
____________________
(1/536)
3484 ثم أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وابن أشته نحوه من طريق يحيى بن يعمر
3485 وأخرج من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ { والمقيمين الصلاة } ويقول هو لحن من الكاتب
3486 وهذه الآثار مشكلة جدا وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقوه ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهي عن تغييره ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضي ذلك الخطأ وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة
أحدها أن ذلك لا يصح عن عثمان فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدة مصاحف فإن قيل إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقها على ذلك أو في بعضها فهو اعتراف بصحة البعض ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن
الوجه الثاني على تقدير صحة الرواية إن ذلك محمول على الرمز والإشارة ومواضع الحذف نحو الكتب والصابرين وما أشبه ذلك
الثالث أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا / < ولا أوضعوا > / و / < لا أذبحنه > / بألف بعد لا و / < جزاؤا الظالمين > / بواو وألف و / < بأييد > / بيائن فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب المصاحف
____________________
(1/537)
3487 وقال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك لا تقوم بها حجة لأنها منقطعة غير متصلة وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام فيتبين فيه خللا ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنا أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب لأن الخط منبئ عن النطق فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن متقنا لألفاظه موافقا على ما رسم في المصاحف المنقذة إلى الأمصار والنواحي ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن مبارك حدثنا أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري مولى عثمان قال كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها / < لم يتسن > / وفيها / < لا تبديل للخلق > / وفيها / < فأمهل الكافرين > / قال فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب { لخلق الله } ومحى فأمهل وكتب { فمهل } وكتب { لم يتسنه } ألحق فيها الهاء قال ابن الأنباري فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده انتهى
3488 قلت ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه ابن أشته في المصاحف قال حدثنا الحسن بن عثمان أنبأنا الربيع بن بدر عن سوار بن شبيب قال سألت ابن الزبير عن المصاحف فقال قام رجل إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القرآن فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة فطعن طعنته التي مات بها فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له فجمع عثمان المصاحف ثم بعثني إلى عائشة فجئت بالصحف فعرضناها عليها حتى
____________________
(1/538)
قومناها ثم أمر بسائرها فشققت فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم
3489 ثم قال ابن اشته أنبأنا محمد بن يعقوب أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث أنبأنا أحمد بن مسعدة أنبأنا إسماعيل أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر قال لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا فهذا الأثر لا إشكال فيه وبه يتضح معنى ما تقدم فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في التابوة والتابوت فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك فيه شيئا ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان فلزم منه ما لزم من الإشكال فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ولله الحمد
3490 وبعد فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى وأما الجواب بالرمز وما بعده فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكور لا يطابقه فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن معنى قولها أخطئوا أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز قال والدليل على ذلك مالا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه قال وأما قول سعيد بن جبير لحن من الكاتب فيعني باللحن القراءة واللغة يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته وفيها قراءة أخرى
3491 ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال { إن هذان لساحران } وإن هذين لساحران سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء والواو في قوله { والصابئون } مكان الياء قال ابن أشته يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف مثل الصلوة والزكوة والحيوة
3492 وأقول هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا وقد تكلم أهل العربية على هذه الأحرف ووجهوها على أحسن توجيه
____________________
(1/539)
أما قوله { إن هذان لساحران } ففيه أوجه
أحدها أنه جار على لغة من يجري المثنى بالألف في أحواله الثلاثة وهي لغة مشهورة لكنانة وقيل لبني الحارث
الثاني أن اسم إن ضمير الشأن محذوفا والجملة مبتدأ وخبر خبر إن
الثالث كذلك إلا أن ساحران خبر مبتدأ محذوف والتقدير لهما ساحران
الرابع أن إن هنا بمعنى نعم
الخامس أن ها ضمير القصة اسم إن وذان لساحران مبتدأ وخبر وتقدم رد هذا الوجه بانفصال إن واتصال ها في الرسم
3493 قلت وظهر لي وجه آخر وهو أن الإتيان بالألف لمناسبة ساحران { يريدان } كما نون / < سلاسلا > / لمناسبة { وأغلالا } و { من سبإ } لمناسبة { بنبإ }
3494 وأما قوله { والمقيمين الصلاة } ففيه أيضا أوجه
أحدها أنه مقطوع إلى المدح بتقدير أمدح لأنه أبلغ
الثاني أنه معطوف على المجرور في { يؤمنون بما أنزل إليك } أي ويؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء وقيل الملائكة وقيل التقدير يؤمنون بدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين وقيل بإجابة المقيمين
الثالث إنه معطوف على قبل أي ومن قبل المقيمين فحذفت قبل وأقيم المضاف إليه مقامه
الرابع أنه معطوف على الكاف في { قبلك }
الخامس أنه معطوف على الكاف في { إليك }
السادس أنه معطوف على الضمير في { منهم }
حكى هذه الأوجه أبو البقاء
3495 وأما قوله { والصابئون } ففيه أيضا أوجه
____________________
(1/540)
أحدها أنه مبتدأ حذف خبره أي والصابئون كذلك
الثاني أنه معطوف على محل إن مع اسمها فإن محلهما رفع بالابتداء
الثالث أنه معطوف على الفاعل في { هادوا }
الرابع أن إن بمعنى نعم ف { الذين آمنوا } وما بعده في موضع رفع { والصابئون } عطف عليه
الخامس أنه على إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد والنون حرف الإعراب حكى هذه الأوجه أبو البقاء
3496 تذنيب يقرب مما تقدم عن عائشة ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أشته في المصاحف من طريق إسماعيل المكي عن أبي خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة فقال جئت أسألك عن آية في كتاب الله تعالى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها قالت أية آية قال { والذين يؤتون ما آتوا } أو والذين يأتون ما آتوا ) فقالت أيتهما أحب إليك قلت والذي نفسي بيده لأحدهما أحب إلي من الدنيا جميعا قالت أيهما قلت والذين يأتون ما آتوا فقالت أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها وكذلك أنزلت ولكن الهجاء حرف
3497 وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { حتى تستأنسوا وتسلموا } قال إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ هو فيما أحسب مما أخطأت به الكتاب
3498 وما أخرجه ابن الأنباري من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فقيل له إنها في المصحف { أفلم ييأس } فقال أظن الكاتب كتبها وهو ناعس
3499 وما أخرجه سعيد بن منصور من طريق سعيد بن جبير عن ابن
____________________
(1/541)
عباس أنه كان يقول في قوله تعالى { وقضى ربك } إنما هي ووصى ربك التزقت الواو بالصاد
3500 وأخرجه ابن أشته بلفظ استمد الكاتب مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد
3500 م وأخرجه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ ووصى ربك ويقول أمر ربك إنهما واوان التصقت إحداهما بالصاد
3501 وأخرجه من طريق أخرى عن الضحاك أنه قال كيف تقرأ هذا الحرف قال { وقضى ربك } قال ليس كذلك نقرؤها نحن ولا ابن عباس إنما هو ووصى ربك وكذلك كانت تقرأ وتكتب فاستمد كاتبكم فاحتمل القلم مدادا كثيرا فالتصقت الواو بالصاد ثم قرأ { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ولو كانت قضى من الرب لم يستطع أحد رد قضاء الرب ولكنه وصية أوصى بها العباد
3502 وما أخرجه سعيد بن منصور وغيره من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأ { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء } ويقول خذوا هذه الواو واجعلوها هنا / < والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم > / . . . الآية
3503 وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس قال انزعوا هذه الواو فاجعلوها في { الذين يحملون العرش ومن حوله }
3504 وما أخرجه ابن أشته وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى { مثل نوره كمشكاة } قال هي خطأ من الكاتب هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة إنما هي مثل نور المؤمن كمشكاة
3505 وقد أجاب ابن أشته عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطئوا في الاختيار وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن قال فمعنى قول عائشة حرف الهجاء ألقى إلى الكاتب
____________________
(1/542)
هجاء غير ما كان الأولى أن يلقى إليه من الأحرف السبعة قال وكذا معنى قول ابن عباس كتبها وهو ناعس يعني فلم يتدبر الوجه الذي هو أولى من الآخر وكذا سائرها
3506 وأما ابن الأنباري فإنه جنح إلى تضعيف الروايات ومعارضتها بروايات أخر عن ابن عباس وغيره بثبوت هذه الأحرف في القراءة والجواب الأول أولى وأقعد
3507 ثم قال ابن أشته حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو داود حدثنا ابن الأسود حدثنا يحيى بن آدم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد قال قالوا لزيد يا أبا سعيد أوهمت إنما هي ثمانية أزواج من الضأن اثنين اثنين ومن المعز اثنين اثنين ومن الإبل اثنين اثنين ومن البقر اثنين اثنين فقال لأن الله تعالى يقول { فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } فهما زوجان كل واحد منهما زوج الذكر زوج والأنثى زوج
3508 قال ابن أشته فهذا الخبر يدل على أن القوم يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة وأقربها في المأخذ وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف وأن الأخرى كانت قراءة معروفة عند كلهم وكذا ما أشبه ذلك انتهى فائدة
فيما قرئ بثلاثة أوجه الإعراب أو البناء أو نحو ذلك
3509 قد رأيت تأليفا لطيفا لأحمد بن يوسف بن مالك الرعيني سماه تحفة الأقران فيما قرئ بالتثليث من حروف القرآن
3510 { الحمد لله } قرئ بالرفع على الابتداء والنصب على المصدر والكسر على إتباع الدال اللام في حركتها
3511 { رب العالمين } قرئ بالجر على أنه نعت وبالرفع على القطع بإضمار مبتدأ وبالنصب عليه بإضمار فعل أو على النداء
3512 { الرحمن الرحيم } قرئ بالثلاثة
____________________
(1/543)
3513 { اثنتا عشرة عينا } قرئ بسكون الشين وهي لغة تميم وكسرها وهي لغة الحجاز وفتحها وهي لغة بلي
3514 { بين المرء } قرئ بتثليث الميم لغات فيه
3515 { فبهت الذي كفر } قراءة الجماعة بالبناء للمفعول وقرئ بالبناء للفاعل بوزن ضرب وعلم وحسن
3516 { ذرية بعضها من بعض } قرئ بتثليث الذال
3517 { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام } قرئ بالنصب عطفا على لفظ الجلالة وبالجر عطفا على ضمير به وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والأرحام مما يجب أن تتقوه وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه
3518 { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر } قرئ بالرفع صفة لقاعدون وبالجر صفة ل المؤمنين وبالنصب على الاستثناء
3519 { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } قرئ بالنصب عطفا على الأيدي وبالجر على الجوار أو غيره وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف دل عليه ما قبله
3520 { فجزاء مثل ما قتل من النعم } قرئ بجر مثل بإضافة جزاء إليه وبرفعه وتنوين مثل صفة له وبنصبه مفعول ب جزاء
3521 { والله ربنا } قرئ بجر ربنا نعتا أو بدلا وبنصبه على النداء أو بإضمار أمدح وبرفعه ورفع لفظ الجلالة مبتدأ وخبر
3522 { ويذرك وآلهتك } قرئ برفع يذرك ونصبه وجزمه للخفة
3523 { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } قرئ بنصب شركاءكم مفعولا معه أو معطوفا أو بتقدير وادعوا وبرفعه عطفا على ضمير فأجمعوا أو مبتدأ خبره محذوف وبجره عطفا على كم في أمركم
____________________
(1/544)
3524 { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها } قرئ بجر الأرض عطفا على ما قبله وبنصبها من باب الاشتغال وبرفعها على الابتداء والخبر ما بعدها
3525 { موعدك بملكنا } قرئ بتثليث الميم
3526 { وحرام على قرية } قرئ بلفظ الماضي بفتح الراء وكسرها وضمها وبلفظ الوصف بكسر الراء وسكونها مع فتح الحاء وبسكونها مع كسر الحاء وحرام بالفتح وألف فهذه سبع قراءات
3527 { كوكب دري } قرئ بتثليث الدال
3528 { ياسين } القراءة المشهورة بسكون النون وقرئ شاذا بالفتح للخفة والكسر لالتقاء الساكنين وبالضم على النداء
3529 { سواء للسائلين } قرئ بالنصب على الحال وشاذا بالرفع أي هو وبالجر حملا على الأيام
3530 { ولات حين مناص } قرئ بنصب حين ورفعه وجره
3531 { وقيله يا رب } قرئ بالنصب على المصدر وبالجر وتقدم توجيهه وشاذا بالرفع عطفا على { علم الساعة }
3532 قاف القراءة المشهورة بالسكون وقرئ شاذا بالفتح والكسر لما مر أي للخفة ولالتقاء الساكنين
3533 { الحبك } فيه سبع قراءات ضم الحاء والباء وكسرهما وفتحهما وضم الحاء وسكون الباء وضمها وفتح الباء وكسرها وسكون الباء وكسرها وضم الباء
3534 { والحب ذو العصف والريحان } قرئ برفع الثلاثة ونصبها وجرها
____________________
(1/545)
3535 { وحور عين كأمثال اللؤلؤ } قرئ برفعهما وجرهما ونصبهما بفعل مضمر أي ويزوجون فائدة
3536 قال بعضهم ليس في القرآن على كثرة منصوباته مفعول معه
3537 قلت في القرآن عدة مواضع أعرب كل منها مفعولا معه
أحدها وهو أشهرها قوله تعالى { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } أي أجمعوا أنتم مع شركائكم أمركم ذكره جماعة منهم
الثاني قوله تعالى { قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال الكرماني في غرائب التفسير هو مفعول معه أي مع أهليكم
الثالث قوله تعالى { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين }
3538 قال الكرماني يحتمل أن يكون قوله والمشركين مفعولا معه من الذين أو من الواو في كفروا
____________________
(1/546)
النوع الثاني والأربعون في قواعد مهمة يحتاج المفسر إلى معرفتها قاعدة في الضمائر
3539 ألف ابن الأنباري في بيان الضمائر الواقعة في القرآن مجلدين وأصل وضع الضمير للإختصار ولهذا قام قوله { أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما } مقام خمسة وعشرين كلمة لو أتى بها مظهرة
3540 وكذا قوله تعالى { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } قال مكي ليس في كتاب الله آية إشتملت على ضمائر أكثر منها فإن فيها خمسة وعشرين ضميرا ومن ثم لا يعدل إلى المنفصل إلا بعد تعذر المتصل بأن يقع في الإبتداء نحو { إياك نعبد } أو بعد إلا نحو { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } مرجع الضمير
3541 لا بد له من مرجع يعود إليه ويكون ملفوظا به سابقا مطابقا به نحو { ونادى نوح ابنه } { وعصى آدم ربه } { إذا أخرج يده لم يكد يراها }
3542 أو متضمنا له نحو { اعدلوا هو أقرب } فإنه عائد على العدل المتضمن له أعدلوا { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } أي المقسوم لدلالة القسمة عليه
3543 أو دالا عليه بالإلتزام نحو { إنا أنزلناه } أي القرآن لأن الإنزال
____________________
(1/547)
يدل عليه التزاما { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه } ف عفي يستلزم عافيا أعيد عليه الهاء من إليه
3544 أو متأخرا لفظا لا رتبة مطابقا نحو { فأوجس في نفسه خيفة موسى } { ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون } { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }
3545 أو رتبة أيضا في باب ضمير الشأن والقصة ونعم وبئس والتنازع
3546 أو متأخرا دالا بالإلتزام نحو { فلولا إذا بلغت الحلقوم } { كلا إذا بلغت التراقي } أضمر الروح أو النفس لدلالة الحلقوم والتراقي عليها { حتى توارت بالحجاب } أي الشمس لدلالة الحجاب عليها
3547 وقد يدل عليه السياق فيضمر ثقة بفهم السامع نحو { كل من عليها فان } { ما ترك على ظهرها } أي الأرض أو الدنيا { ولأبويه } أي الميت ولم يتقدم له ذكر
3548 وقد يعود على لفظ المذكور دون معناه نحو { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } أي عمر معمر آخر
3549 وقد يعود على بعض ما تقدم نحو { يوصيكم الله في أولادكم } إلى قوله { فإن كن نساء } { وبعولتهن أحق بردهن } بعد قوله { والمطلقات } فإنه خاص بالرجعيات والعائد عليه فيهن وفي غيرهن
3550 وقد يعود على المعنى كقوله في آية الكلالة { فإن كانتا اثنتين } ولم يتقدم لفظ مثنى يعود عليه قال الأخفش لأن الكلالة تقع على الواحد والاثنين والجمع فثنى الضمير الراجع إليها حملا على المعنى كما يعود الضمير جمعا على من حملا على معناها
____________________
(1/548)
3551 وقد يعود على لفظ شيء والمراد به الجنس من ذلك الشيء قال الزمخشري كقوله { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } أي بجنسي الفقير والغني لدلالة { غنيا أو فقيرا } على الجنسين ولو رجع إلى المتكلم به لوحده
3552 وقد يذكر شيئان ويعاد الضمير إلى أحدهما والغالب كونه الثاني نحو { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة } فأعيد الضمير للصلاة وقيل للإستعانة المفهومة من { استعينوا } { جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل } أي القمر لأنه الذي يعلم به الشهور { والله ورسوله أحق أن يرضوه } أراد يرضوهما فأفرد لأن الرسول هو داعي العباد والمخاطب لهم شفاها ويلزم من رضاه رضا ربه تعالى
3553 وقد يثنى الضمير ويعود على أحد المذكورين نحو { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من أحدهما
3554 وقد يجيء الضمير متصلا بشيء وهو لغيره نحو { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } يعني آدم ثم قال { ثم جعلناه نطفة } فهذه لولده لأن آدم لم يخلق من نطفة
3555 قلت هذا هو باب الاستخدام ومنه { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } ثم قال { قد سألها } أي أشياء أخر مفهومة من لفظ أشياء السابقة
3556 وقد يعود الضمير على ملابس ما هو له نحو { إلا عشية أو ضحاها } أي ضحى يومها لا ضحى العشية نفسها لأنه لا ضحى لها
3557 وقد يعود على غير مشاهد محسوس والأصل خلافه نحو { وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } فضمير له عائد على الأمر وهو إذ ذاك غير موجود لأنه لما كان سابقا في علم الله كونه كان بمنزلة الشاهد الموجود
____________________
(1/549)
قاعدة
3558 الأصل عوده على أقرب مذكور ومن ثم أخر المفعول الأول في قوله { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض } ليعود الضمير عليه لقربه إلا أن يكون مضافا ومضافا إليه فالأصل عوده للمضاف لأنه المحدث عنه نحو { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }
3559 وقد يعود على المضاف إليه نحو { إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا }
3560 وإختلف في { أو لحم خنزير فإنه رجس } فمنهم من أعاده على المضاف ومنهم من أعاده إلى المضاف إليه قاعدة
3561 الأصل توافق الضمائر في المرجع حذرا من التشتيت ولهذا لما جوز بعضهم في { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم } أن الضمير في الثاني للتابوت وفي الأول لموسى عابه الزمخشري وجعله تنافرا مخرجا للقرآن عن إعجازه فقال والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ومراعاته أهم ما يجب على المفسر
3562 وقال في { لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه } الضمائر لله تعالى والمراد بتعزيره تعزير دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فقد أبعد
3563 وقد يخرج عن هذا الأصل كما في قوله { ولا تستفت فيهم منهم أحدا } فإن ضمير فيهم لأصحاب الكهف ومنهم لليهود قاله ثعلب والمبرد
3564 ومثله { ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا } قال ابن عباس ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه
3565 وقوله { إلا تنصروه } الآية فيها إثنا عشر ضميرا كلها
____________________
(1/550)
للنبي صلى الله عليه وسلم إلا ضمير عليه فلصاحبه كما نقله السهيلي عن الأكثرين لأنه صلى الله عليه وسلم لم تنزل عليه السكينة وضمير جعل له تعالى
3566 وقد يخالف بين الضمائر حذرا من التنافر نحو { منها أربعة حرم } الضمير للإثني عشر ثم قال { فلا تظلموا فيهن } أتى بصيغة الجمع مخالفا لعوده على الأربعة ضمير الفصل
3567 ضمير بصيغة المرفوع مطابق لما قبله تكلما وخطابا وغيبة إفرادا وغيره وإنما يقع بعد مبتدأ أو ما أصله المبتدأ وقبل خبر كذلك نحو { وأولئك هم المفلحون } { وإنا لنحن الصافون } { كنت أنت الرقيب عليهم } { تجدوه عند الله هو خيرا } { إن ترن أنا أقل منك مالا } { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم }
3568 وجوز الأخفش وقوعه بين الحال وصاحبها وخرج عليه قراءة { هن أطهر } بالنصب
3569 وجوز الجرجاني وقوعه قبل مضارع وجعل منه { إنه هو يبدئ ويعيد } وجعل منه أبو البقاء { ومكر أولئك هو يبور }
3570 ولا محل لضمير الفصل من الإعراب وله ثلاثة فوائد الإعلام بأن ما بعده خبر لا تابع والتأكيد ولهذا سماه الكوفيون دعامة لأنه يدعم به الكلام أي يقوى ويؤكد وبني عليه بعضهم أنه لا يجمع بينه وبينه فلا يقال زيد نفسه هو الفاضل والاختصاص
3571 وذكر الزمخشري الثلاثة في { وأولئك هم المفلحون } فقال فائدته الدلالة على أن ما بعده خبر لا صفة والتوكيد وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره
____________________
(1/551)
ضمير الشأن والقصة
3572 ويسمى ضمير المجهول قال في المغني خالف القياس من خمسة أوجه
أحدهما عوده على ما بعده لزوما إذ لا يجوز للجملة المفسرة له ان تتقدم عليه ولا شيء منها
والثاني أن مفسره لا يكون إلا جملة
والثالث أنه لا يتبع بتابع فلا يؤكد ولا يعطف عليه ولا يبدل منه
والرابع أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو ناسخه
والخامس أنه ملازم للإفراد
ومن أمثلته { قل هو الله أحد } { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } { فإنها لا تعمى الأبصار }
وفائدته الدلالة على تعظيم المخبر عنه وتفخيمه بأن يذكر أولا مبهما ثم يفسر تنبيه
3573 قال ابن هشام متى أمكن الحمل على غير ضمير الشأن فلا ينبغي أن يحمل عليه ومن ثم ضعف قول الزمخشري في { إنه يراكم } إن إسم إن ضمير الشأن والأولى كونه ضمير الشيطان ويؤيده قراءة { وقبيله } بالنصب وضمير الشأن لا يعطف عليه 1 - قاعدة
3574 جمع العلاقات لا يعود عليه الضمير غالبا إلا بصيغة الجمع سواء كان للقلة أو للكثرة نحو { والوالدات يرضعن } { والمطلقات يتربصن } وورد الإفراد في قوله تعالى { أزواج مطهرة } ولم يقل مطهرات
____________________
(1/552)
3575 وأما غير العاقل فالغالب في جمع الكثرة الإفراد وفي القلة الجمع وقد إجتمعا في قوله { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } إلى أن قال { منها أربعة حرم } فأعاد منها بصيغة الإفراد على الشهور وهي للكثرة ثم قال { فلا تظلموا فيهن } فأعاده جمعا على أربعة حرم وهي للقلة
3576 وذكر الفراء لهذه القاعدة سرا لطيفا وهو أن المميز مع جمع الكثرة هو ما زاد على العشرة لما كان واحدا وحد الضمير ومع القلة وهو العشرة فما دونها لما كان جمعا جمع الضمير 2 - قاعدة
3577 إذا إجتمع في الضمائر مراعاة اللفظ والمعنى بدئ باللفظ ثم بالمعنى هذا هو الجادة في القرآن قال تعالى { ومن الناس من يقول } ثم قال { وما هم بمؤمنين } أفرد أولا باعتبار اللفظ ثم جمع باعتبار المعنى وكذا { ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم } { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا }
3578 قال الشيخ علم الدين العراقي ولم يجيء في القرآن البداءة بالحمل على المعنى إلا في موضع واحد وهو قوله { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } فأنث خالصا حملا على معنى ما ثم راعى اللفظ فذكر فقال { محرم } إنتهى
3579 قال ابن الحاجب في أماليه إذا حمل على اللفظ الحمل بعده على المعنى وإذا حمل على المعنى ضعف الحمل بعده على اللفظ لأن المعنى أقوى فلا يبعد الرجوع إليه بعد إعتبار اللفظ ويضعف بعد إعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف
3580 وقال ابن جني في المحتسب لا يجوز مراجعة اللفظ بعد إنصرافه عنه إلى المعنى وأورد عليه قوله تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون } ثم قال { حتى إذا جاءنا } فقد ارجع اللفظ بعد الإنصراف عنه إلى المعنى
____________________
(1/553)
3581 وقال محمود بن حمزة في كتاب العجائب ذهب بعض النحويين إلى أنه لا يجوز الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى وقد جاء في القرآن بخلاف ذلك وهو قوله { خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا }
3582 قال ابن خالويه في كتاب ليس القاعدة في من ونحوه الرجوع من اللفظ إلى المعنى ومن الواحد إلى الجمع ومن المذكر إلى المؤنث نحو { ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا } { من أسلم وجهه لله } إلى قوله { ولا خوف عليهم } أجمع على هذا النحويون
3583 قال وليس في كلام العرب ولا في شيء من العربية الرجوع من المعنى إلى اللفظ إلا في حرف واحد إستخرجه ابن مجاهد وهو قوله تعالى { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين } الآية وحد في يؤمن ويعمل ويدخله ثم جمع في قوله خالدين ثم وحد في قوله { أحسن الله له رزقا } فرجع بعد الجمع إلى التوحيد 3 - قاعدة في التذكير والتأنيث
3584 التأنيث ضربان حقيقي وغيره فالحقيقي لا تحذف تاء التأنيث من فعله غالبا إلا إن وقع فصل وكلما كثر الفصل حسن الحذف والإثبات مع الحقيقي أولى ما لم يكن جمعا وأما غير الحقيقي فالحذف فيه مع الفصل أحسن نحو { فمن جاءه موعظة من ربه } { قد كان لكم آية } فإن كثر الفصل ازداد حسنا نحو { وأخذ الذين ظلموا الصيحة }
3585 والإثبات أيضا حسن نحو { وأخذت الذين ظلموا الصيحة } فجمع بينهما في سورة هود
3586 واشار بعضهم إلى ترجيح الحذف واستدل بأن الله قدمه على الإثبات حيث جمع بينهما
____________________
(1/554)
3587 ويجوز الحذف أيضا مع عدم الفصل حيث الإسناد إلى ظاهره فإن كان إلى ضميره إمتنع
3588 وحيث وقع ضمير أو إشارة بين مبتدأ وخبر أحدهما مذكر والآخر مؤنث جاز في الضمير والإشارة التذكير والتأنيث كقوله تعالى { قال هذا رحمة من ربي } فذكر والخبر مؤنث لتقدم المبتدأ وهو مذكر وقوله تعالى { فذانك برهانان من ربك } ذكر والمشار إليه اليد والعصا وهما مؤنثان لتذكير الخبر وهو برهانان
3589 وكل اسماء الأجناس يجوز فيها التذكير حملا على الجنس والتأنيث حملا على الجماعة كقوله { أعجاز نخل خاوية } { أعجاز نخل منقعر } { إن البقر تشابه علينا } وقرئ { تشابهت } { السماء منفطر به } { إذا السماء انفطرت }
3590 وجعل منه بعضهم { جاءتها ريح عاصف } { ولسليمان الريح عاصفة }
3591 وقد سئل ما الفرق بين قوله تعالى { فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة } وقوله { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة }
وأجيب بأن ذلك لوجهين لفظي وهو كثرة حروف الفاصل في الثاني والحذف مع كثرة الحواجز أكثر ومعنوي وهو أن من في قوله { من حقت } راجعة إلى الجماعة وهي مؤنثة لفظا بدليل { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا } ثم قال { ومنهم من حقت عليه الضلالة } أي من تلك الأمم ولو قال ضلت لتعينت التاء والكلامان واحد وإذا كان معناهما واحدا كان إثبات التاء أحسن من تركها لأنها ثابتة فيما هو من معناه وأما { فريقا هدى } الآية فالفريق يذكر ولو قال فريق ضلوا لكان بغير تاء وقوله { حق عليهم الضلالة } في معناه فجاء
____________________
(1/555)
بغير تاء وهذا أسلوب لطيف من أساليب العرب أن يدعوا حكم اللفظ الواجب في قياس لغتهم إذا كان في مرتبة كلمة لا يجب لها ذلك الحكم 4 - قاعدة في التعريف والتنكير
3592 أعلم أن لكل منهما مقاما لا يليق بالآخر أما التنكير فله أسباب
أحدها إرادة الوحدة نحو { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } أي رجل واحد و { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل }
الثاني إرادة النوع نحو { هذا ذكر } أي نوع من الذكر { وعلى أبصارهم غشاوة } أي نوع غريب من الغشاوة لا يتعارفه الناس بحيث غطى ما لا يغطيه شيء من الغشاوات { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } أي نوع منها وهو الازدياد في المستقبل لأن الحرص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر
ويحتمل الوحدة والنوعية معا قوله { والله خلق كل دابة من ماء } أي كل نوع من أنواع الدواب من نوع من أنواع الماء وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف
الثالث التعظيم بمعنى أنه أعظم من أن يعين ويعرف نحو { فأذنوا بحرب } أي بحرب أي حرب { ولهم عذاب أليم } { وسلام عليه يوم ولد } { سلام على إبراهيم } { أن لهم جنات }
الرابع التكثير نحو { أئن لنا لأجرا } أي وافرا جزيلا
ويحتمل التعظيم والتكثير معا نحو { وإن يكذبوك فقد كذبت رسل } أي رسل عظام ذوو عدد كثير
الخامس التحقير بمعنى إنحطاط شأنه إلى حد لا يمكن أن يعرف نحو { إن نظن إلا ظنا } أي ظنا حقيرا لا يعبأ به وإلا لاتبعوه لأن ذلك ديدنهم بدليل
____________________
(1/556)
{ إن يتبعون إلا الظن } { من أي شيء خلقه } أي من شيء حقير مهين ثم بينه بقوله { من نطفة خلقه }
السادس التقليل نحو { ورضوان من الله أكبر } أي رضوان قليل منه أكبر من الجنات لأنه راس كل سعادة
( قليل منك يكفيني ولكن % قليلك لا يقال له قليل )
3593 وجعل منه الزمخشري { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } أي ليلا قليلا أي بعض ليل
وأورد عليه أن التقليل رد الجنس إلى فرد من أفراده لا تنقيص فرد إلى جزء من أجزائه وأجاب في عروس الأفراح بأنا لا نسلم أن الليل حقيقة في جميع الليلة بل كل جزء من أجزائها يسمى ليلا
3594 وعد السكاكي من الأسباب ألا يعرف من حقيقته إلا ذلك وجعل منه أن تقصد التجاهل وأنك لا تعرف شخصه كقولك هل لك في حيوان على صورة إنسان يقول كذا وعليه من تجاهل الكفار { هل ندلكم على رجل ينبئكم } كأنهم لا يعرفونه
وعد غيره منها قصد العموم بأن كانت سياق النفي نحو { لا ريب فيه } { فلا رفث } الآية
أو الشرط نحو { وإن أحد من المشركين استجارك }
أو الامتنان نحو { وأنزلنا من السماء ماء طهورا }
3595 وأما التعريف فله أسباب فبالإضمار لأن المقام مقام التكلم أو الخطاب أو الغيبة وبالعلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع إبتداء باسم مختص به نحو { قل هو الله أحد } { محمد رسول الله }
3596 أو لتعظيم أو إهانة حيث علمه يقتضي ذلك فمن التعظيم ذكر
____________________
(1/557)
يعقوب بلقبه إسرائيل لما فيه من المدح والتعظيم بكونه صفوة الله أو سري الله على ما سيأتي في معناه في الألقاب ومن الإهانة قوله { تبت يدا أبي لهب } وفيه أيضا نكتة أخرى وهي الكناية عن كونه جهنميا
3597 وبالإشارة لتمييزه أكمل تمييز بإحضاره في ذهن السامع حسا نحو { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه }
3598 وللتعريض بغباوة السامع حتى أنه لا يتميز له الشيء إلا بإشارة الحس وهذه الآية تصلح لذلك ولبيان حاله في القرب والبعد فيؤتى في الأول بنحو هذا وفي الثاني بنحو ذلك وأولئك
3599 ولقصد تحقيره بالقرب كقول الكفار { أهذا الذي يذكر آلهتكم } { أهذا الذي بعث الله رسولا } { ماذا أراد الله بهذا مثلا } وكقوله تعالى { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب }
3600 ولقصد تعظيمه بالبعد نحو { ذلك الكتاب لا ريب فيه } ذهابا إلى بعد درجته
3601 وللتنبيه بعد ذكر المشار إليه بأوصاف قبله على أنه جدير بما يرد بعده من أجلها نحو { أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون }
3602 وبالموصولية لكراهة ذكره بخاص اسمه إما سترا عليه أو إهانة له أو لغير ذلك فيؤتى بالذي ونحوها موصولة بما صدر منه من فعل أو قول نحو { والذي قال لوالديه أف لكما } { وراودته التي هو في بيتها }
3603 وقد يكون لإرادة العموم نحو { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } الآية { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم }
3604 وللإختصار نحو { لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما }
____________________
(1/558)
{ قالوا } ) أي قولهم إنه آدر إذ لو عدد أسماء القائلين لطال وليس للعموم لأن بني إسرائيل كلهم لم يقولوا في حقه ذلك
3605 وبالألف واللام للإشارة إلى معهود خارجي أو ذهني أو حضوري
3606 وللإستغراق حقيقة أو مجازا أو لتعريف الماهية وقد مرت أمثلتها في نوع الأدوات
3607 وبالإضافة لكونها أخصر طريق ولتعظيم المضاف نحو { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } { ولا يرضى لعباده الكفر } أي الأصفياء في الآيتين كما قاله ابن عباس وغيره
3608 ولقصد العموم نحو { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } أي كل أمر الله تعالى فائدة
3609 سئل عن الحكمة في تنكير أحد وتعريف الصمد من قوله تعالى { قل هو الله أحد الله الصمد } وألفت في جوابه تأليفا مودعا في الفتاوى وحاصله أن في ذلك أجوبة
أحدها أنه نكر للتعظيم والإشارة إلى أن مدلوله وهو الذات المقدسة غير ممكن تعريفها والإحاطة بها
الثاني أنه لا يجوز إدخال أل عليه كغير وكل وبعض وهو فاسد فقد قرئ شاذا ( قل هو الله الأحد الله الصمد ) حكى هذه القراءة أبو حاتم في كتاب الزينة عن جعفر بن محمد
الثالث وهو مما خطر لي أن هو مبتدأ والله خبر وكلاهما معرفة فاقتضى الحصر فعرف الجزآن في الله الصمد لإفادة الحصر ليطابق الجملة الأولى واستغنى عن تعريف أحد فيها لإفادة الحصر دونه فأتى به على أصله من
____________________
(1/559)
التنكير على أنه خبر ثان وإن جعل الاسم الكريم مبتدأ وأحد خبره ففيه من ضمير الشأن ما فيه من التفخيم والتعظيم فأتى بالجملة الثانية على نحو الأولى بتعريف الجزأين للحصر تفخيما وتعظيما قاعدة أخرى تتعلق بالتعريف والتنكير
3610 إذا ذكر الإسم مرتين فله أربعة أحوال لأنه إما أن يكونا معرفتين أو نكرتين أو الأول نكرة والثاني معرفة أو بالعكس
3611 فإن كانا معرفتين فالثاني هو الأول غالبا دلالة على المعهود الذي هو في الأصل في اللام أو الإضافة نحو { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } { فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص } { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة } { وقهم السيئات ومن تق السيئات } { لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات }
3612 وإن كانا نكرتين فالثاني غير الأول غالبا وإلا لكان المناسب هو التعريف بناء على كونه معهودا سابقا نحو { الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } فإن المراد بالضعف الأول النطفة وبالثاني الطفولية وبالثالث الشيخوخة
3613 وقال ابن الحاجب في قوله تعالى { غدوها شهر ورواحها شهر } الفائدة في إعادة لفظ الشهر الإعلام بمقدار زمن الغدو وزمن الرواح والألفاظ التي تأتي مبينة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار ولو أضمر فالضمير إنما يكون لما تقدم باعتبار خصوصيته فإذا لم يكن له وجب العدول عن المضمر إلى الظاهر
3614 وقد إجتمع القسمان في قوله تعالى { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } فالعسر الثاني هو الأول واليسر الثاني غير الأول ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الآية لن يغلب عسر يسرين
____________________
(1/560)
3615 وإن كان الأول نكرة والثاني معرفة فالثاني هو الأول حملا على العهد نحو { أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } { فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة } { إلى صراط مستقيم صراط الله } { ما عليهم من سبيل إنما السبيل }
3616 وإن كان الأول معرفة والثاني نكرة فلا يطلق القول بل يتوقف على القرائن فتارة تقوم قرينة على التغاير نحو { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا } { ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى } قال الزمخشري المراد جميع ما أتاه من الدين والمعجزات والشرائع وهدى إرشادا وتارة تقوم قرينة على الإتحاد نحو { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا } تنبيه
3617 قال الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح وغيره إن الظاهر أن هذه القاعدة غير محررة فإنها منتقصة بآيات كثيرة منها في القسم الأول
{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } فإنهما معرفتان والثاني غير الأول فإن الأول العمل والثاني الثواب { أن النفس بالنفس } أي القاتلة بالمقتولة وكذا سائر الآية { الحر بالحر } الآية { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } ثم قال { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } فإن الأول آدم والثاني ولده
{ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به } فإن الأول القرآن والثاني التوراة والإنجيل
3618 ومنها في القسم الثاني
{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }
____________________
(1/561)
{ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } فإن الثاني فيهما هو الأول وهما نكرتان
3619 ومنها في القسم الثالث
{ أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير }
{ ويؤت كل ذي فضل فضله }
{ ويزدكم قوة إلى قوتكم }
{ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم }
{ زدناهم عذابا فوق العذاب }
{ وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن } فإن الثاني فيها غير الأول
3620 وأقول لا إنتفاض بشيء من ذلك عند التأمل فإن اللام في الإحسان للجنس فيما يظهر وحينئذ يكون في المعنى كالنكرة وكذا آية النفس والحر بخلاف آية العسر فإن أل فيها إما للعهد أو للإستغراق كما يفيده الحديث وكذا آية الظن لا نسلم فيها أن الثاني فيها غير الأول بل هو عينه قطعا إذ ليس كل ظن مذموما كيف وأحكام الشريعة ظنية وكذا آية الصلح لا مانع من أن يكون المراد منها الصلح المذكور وهو الذي بين الزوجين وإستحباب الصلح في سائر الأمور مأخوذ من السنة ومن الآية بطريق القياس بل لا يجوز القول بعموم الآية وأن كل صلح خير لأن ما أحل حراما من الصلح أو حرم حلالا فهو ممنوع وكذا آية القتال ليس الثاني فيها عين الأول بلا شك لأن المراد بالأول المسؤول عنه القتال الذي وقع في سرية ابن الحضرمي سنة اثنتين من الهجرة لأنه سبب نزول الآية والمراد بالثاني جنس القتال لا ذاك بعينه وأما آية { وهو الذي في السماء إله } فقد أجاب عنها الطيبي أنها من باب التكرير لإفادة أمر زائد بدليل تكرير ذكر الرب فيما قبله من قوله { سبحان رب السماوات والأرض رب العرش } ووجهه الأطناب في تنزيهه تعالى عن نسبة الولد إليه وشرط القاعدة ألا يقصد التكرير
____________________
(1/562)
3621 وقد ذكر الشيخ بهاء الدين في آخر كلامه إن المراد بذكر الاسم مرتين كونه مذكورا في كلام واحد أو كلامين بينهما تواصل بأن يكون أحدهما معطوفا على الآخر وله به تعلق ظاهر وتناسب واضح وأن يكونا من متكلم واحد ودفع بذلك إيراد آية القتال لأن الأول فيها محكي عن قول السائل والثاني محكي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة في الإفراد والجمع
3622 من ذلك السماء والأرض حيث وقع في القرآن ذكر الأرض فإنها مفردة ولم تجمع بخلاف السموات لثقل جمعها وهو أرضون ولهذا لما أريد ذكر جميع الأرضين قال { ومن الأرض مثلهن } وأما السماء فذكرت تارة بصيغة الجمع وتارة بصيغة الإفراد لنكت تليق بذلك المحل لما أوضحته في أسرار التنزيل والحاصل أنه حيث أريد العدد أتي بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة والكثرة نحو { سبح لله ما في السماوات } أي جميع سكانها على كثرتهم { يسبح لله ما في السماوات } أي كل واحد على اختلاف عددها { قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله } إذ المراد نفي علم الغيب عن كل من هو في واحدة من السموات
وحيث أريد الجهة أتي بصيغة الإفراد نحو { وفي السماء رزقكم } { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } أي من فوقكم
3623 ومن ذلك الريح ذكرت مجموعة ومفردة فحيث ذكرت في سياق الرحمة جمعت أو في سياق العذاب أفردت
3624 أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهو رحمة وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب ولهذا ورد في الحديث اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وذكر في حكمة ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهبات والمنافع وإذا هاجت منها ريح أثير لها من مقابلها ما يكسر سورتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكانت في
____________________
(1/563)
الرحمة رياحا وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد ولا معارض لها ولا دافع وقد خرج عن هذه القاعدة قوله تعالى في سورة يونس { وجرين بهم بريح طيبة } وذلك لوجهين لفظي وهو المقابلة في قوله { جاءتها ريح عاصف } ورب شيء يجوز في المقابلة ولا يجوز إستقلالا نحو { ومكروا ومكر الله } ومعنوي وهو أن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد فإن اختلفت عليها الرياح كان سبب الهلاك والمطلوب هنا ريح واحدة ولهذا أكد هذا المعنى بوصفها بالطيب وعلى ذلك أيضا جرى قوله { إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد }
3625 وقال ابن المنير إنه على القاعدة لأن سكون الريح عذاب وشدة على أصحاب السفن
3626 ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات وإفراد سبيل الحق وجمع سبل الباطل في قوله تعالى { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } لأن طريق الحق واحدة وطريق الباطل متشعبة متعددة والظلمات بمنزلة طرق الباطل والنور بمنزلة طريق الحق بل هما هما ولهذا وحد ولي المؤمنين وجمع أولياء الكفار لتعددهم في قوله تعالى { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات }
3627 ومن ذلك إفراد النار حيث وقعت والجنة وقعت مجموعة ومفردة لأن الجنان مختلفة الأنواع فحسن جمعها والنار مادة واحدة ولأن الجنة رحمة والنار عذاب فناسب جمع الأولى وإفراد الثانية على حد الرياح والريح
3628 ومن ذلك إفراد السمع وجمع البصر لأن السمع غلب عليه المصدرية فأفرد بخلاف البصر فإنه اشتهر في الجارحة ولأن متعلق السمع الأصوات وهي حقيقة واحدة ومتعلق البصر الألوان والأكوان وهي حقائق مختلفة فأشار في كل منهما إلى متعلقه
____________________
(1/564)
3629 ومن ذلك إفراد الصديق وجمع الشافعين في قوله تعالى { فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } وحكمته كثرة الشفعاء في العادة وقلة الصديق
3630 قال الزمخشري ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم نهضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة وأما الصديق فأعز من بيض الأنوق
3631 ومن ذلك الألباب لم يقع إلا مجموعا لأن مفرده ثقيل لفظا
3632 ومن ذلك مجيء المشرق والمغرب بالإفراد والتثنية والجمع فحيث أفردا فاعتبارا للجهة وحيث ثنيا فاعتبارا لمشرق الصيف والشتاء ومغربهما وحيث جمعا فاعتبارا لتعدد المطالع في كل فصل من فصلي السنة
3633 وأما وجه اختصاص كل موضوع بما وقع فيه ففي سورة الرحمة وقع بالتثنية لأن سياق السورة سياق المزدوجين فإنه سبحانه وتعالى ذكر أولا نوعي الإيجاد وهما الخلق والتعليم ثم ذكر سراجي العالم الشمس والقمر ثم نوعي النبات ما كان على ساق وما لا ساق له وهما النجم والشجر ثم نوعي السماء والأرض ثم نوعي العدل والظلم ثم نوعي الخارج من الأرض وهما الحبوب والرياحين ثم نوعي المكلفين وهما الإنس والجان ثم نوعي المشرق والمغرب ثم نوعي البحر الملح والعذب فلهذا حسن تثنية المشرق والمغرب في هذه السورة وجمعا في قوله { فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون } وفي سورة الصافات للدلالة على سعة القدرة والعظمة فائدة
3634 حيث ورد البار مجموعا في صفة الآدميين قيل أبرار وفي صفة الملائكة قيل بررة ذكره الراغب ووجهه بأن الثاني أبلغ لأنه جمع بار وهو أبلغ من بر مفرد الأول
3635 وحيث ورد الأخ مجموعا في النسب قيل إخوة وفي الصداقة قيل إخوان قاله ابن فارس وغيره وأورد عليه في الصداقة { إنما المؤمنون إخوة }
____________________
(1/565)
وفي النسب { أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن } { أو بيوت إخوانكم } فائدة
3636 ألف أبو الحسن الأخفش كتابا في الإفراد والجمع ذكر فيه جمع ما وقع في القرآن مفردا ومفرد ما وقع جمعا وأكثره من الواضحات وهذه أمثلة من خفي ذلك
المن لا واحد له
3637 السلوى لم يسمع له بواحد
3638 النصارى قيل جمع نصراني وقيل جمع نصير كنديم وقبيل
3639 العوان جمعه عون
3640 الهدى لا واحد له
3641 الإعصار جمعه أعاصير
3642 الأنصار واحده نصير كشريف وأشراف
3643 الأزلام واحدها زلم ويقال زلم بالضم
3644 مدرارا جمعه مدارير
3645 أساطير واحده أسطورة وقيل أسطار جمع سطر
3646 الصور جمع صورة وقيل واحد الأصوار
3647 فرادى جمع أفراد جمع فرد
3648 قنوان جمع قنو وصنوان جمع صنو وليس في اللغة جمع ومثنى بصيغة واحدة إلا هذان ولفظ ثالث لم يقع في القرآن قاله ابن خالويه في كتاب ليس
3649 الحوايا جمع حاوية وقيل حاوياء
3650 نشرا جمع نشور
____________________
(1/566)
3651 عضين وعزين جمع عضة وعزة
3652 المثاني جمع مثنى
3653 تارة جمعها تارات وتير
3654 أيقاظا جمع يقظ
3655 الأرائك جمع أريكة
3656 سرى جمعه سريان كخصي وخصيان
3657 آناء الليل جمع إنا بالقصر كمعى وقيل إنى كقرد وقيل إنوة كفرقة
3658 الصياصي جمع صيصية
3659 منسأة جمعها مناسئ
3660 الحرور جمعه حرور بالضم
3661 غرابيب جمع غربيب
3662 أتراب جمع ترب
3663 الآلاء جمع إلى كمعى وقيل ألى كقفى وقيل إلى كقرد وقيل ألو
3664 التراقي جمع ترقوة بفتح أوله
3665 الأمشاج جمع مشيج
3666 ألفافا جمع لف بالكسر
3667 العشار جمع عشر
3668 الخنس جمع خانسة وكذا الكنس
3669 الزبانية جمه زبينة وقيل زابن وقيل زباني
3670 أشتاتا جمع شت وشتيت
3671 أبابيل لا واحد له وقيل واحده إبول مثل عجول وقيل إبيل مثل إكليل
____________________
(1/567)
فائدة
3672 ليس في القرآن من الألفاظ المعدولة إلا ألفاظ العدد مثنى وثلاث ورباع ومن غيرها طوى فيما ذكره الأخفش في الكتاب المذكور ومن الصفات أخر في قوله تعالى { وأخر متشابهات }
3673 قال الراغب وغيره هي معدولة عن تقدير ما فيه الألف واللام وليس له نظير في كلامهم فإن أفعل إما أن يذكر معه من لفظا أو تقديرا فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وتحذف منه من فتدخل عليه الألف واللام ويثنى ويجمع وهذه اللفظة من بين أخواتها جوز فيها ذلك من غير الألف واللام
3674 وقال الكرماني في الآية المذكورة لا يمتنع كونها معدولة عن الألف واللام مع كونها وصفا لنكرة لأن ذلك مقدر من وجه غير مقدر من وجه 1 - قاعدة
3675 مقابلة الجمع بالجمع تارة تقتضي مقابلة كل فرد من هذا بكل فرد من هذا كقوله { واستغشوا ثيابهم } أي استغشى كل منهم ثوبه
3676 { حرمت عليكم أمهاتكم } أي على كل من المخاطبين أمه
3677 { يوصيكم الله في أولادكم } أي كلا في أولاده
3678 { والوالدات يرضعن أولادهن } أي كل واحدة ترضع ولدها
3679 وتارة يقتضي ثبوت الجمع لكل فرد من أفراد المحكوم عليه نحو { فاجلدوهم ثمانين جلدة }
3680 وجعل منه الشيخ عز الدين { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات }
وتارة يحتمل الأمرين فيحتاج إلى دليل يعين أحدهما
3681 وأما مقابل الجمع بالمفرد فالغالب ألا يقتضي تعميم المفرد وقد
____________________
(1/568)
يقتضيه كما في قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } المعنى على كل واحد لكل يوم طعام مسكين { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } لأن على كل واحد منهم ذلك 2 - قاعدة في الألفاظ التي يظن بها الترادف وليست منه
3682 من ذلك الخوف والخشية لا يكاد اللغوي يفرق بينهما ولا شك أن الخشية أعلى منه وهي أشد الخوف فإنها مأخوذة من قولهم شجرة خشية أي يابسة وهو فوات بالكلية والخوف من ناقة خوفاء أي بها داء وهو نقص وليس بفوات ولذلك خصت الخشية بالله في قوله تعالى { ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب }
وفرق بينهما أيضا بأن الخشية تكون من عظم المختشى وإن كان الخاشي قويا والخوف يكون من ضعف الخائف وإن كان المخوف أمرا يسيرا ويدل لذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدل على العظمة نحو شيخ للسيد الكبير وخيش لما غلظ من اللباس ولذا وردت الخشية غالبا في حق الله تعالى نحو { من خشية الله } { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وأما { يخافون ربهم من فوقهم } ففيه نكتة لطيفة فإنه في وصف الملائكة ولما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظا شدادا فهم بين يديه تعالى ضعفاء ثم أردفع بالفوقية الدالة على العظمة فجمع بين الأمرين ولما كان ضعف البشر معلوما لم يحتج إلى التنبيه عليه
3683 ومن ذلك الشح والبخل والشح هو أشد البخل قال الراغب الشح بخل مه حرص
وفرق العسكري بين البخل والضن بأن الضن أصله أن يكون بالعواري والبخل بالهبات ولهذا يقال هو ضنين بعلمه ولا يقال بخيل لأن العلم بالعارية أشبه منه بالهبة لأن الواهب إذا وهب شيئا خرج عن ملكه بخلاف العارية ولهذا قال
____________________
(1/569)
تعالى { وما هو على الغيب بضنين } ولم يقل ببخيل
3684 ومن ذلك السبيل والطريق والأول أغلب وقوعا في الخير ولا يكاد اسم الطريق يراد به الخير إلا مقرونا بوصف أو إضافة تخلصه لذلك كقوله { يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم } وقال الراغب السبيل الطريق التي فيها سهولة فهو أخص
3685 ومن ذلك جاء وأتى فالأول يقال في الجواهر والأعيان والثاني في المعاني والأزمان ولهذا ورد جاء في قوله { ولمن جاء به حمل بعير } { وجاؤوا على قميصه بدم كذب } { وجيء يومئذ بجهنم } وآتى في { أتى أمر الله } { أتاها أمرنا }
وأما { وجاء ربك } أي أمره فإن المراد به أهوال القيامة المشاهدة وكذا { فإذا جاء أجلهم } لأن الأجل كالمشاهدة ولهذا عبر عنه بالحضور في قوله { حضر أحدكم الموت } ولهذا فرق بينهما في قوله { جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق } لأن الأول والعذاب وهو مشاهد مرئي بخلاف الحق
3686 وقال الراغب الإتيان مجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء قال ومنه قيل للسائل المار على وجهه أتى وأتاوى
3687 ومن ذلك مد وأمد قال الراغب أكثر ما جاء الإمداد في المحبوب نحو { وأمددناهم بفاكهة } والمد في المكروه نحو { ونمد له من العذاب مدا }
3688 ومن ذلك سقى وأسقى فالأول لما لا كلفة فيه ولهذا ذكر في شراب الجنة نحو { وسقاهم ربهم شرابا } والثاني لما فيه كلفة ولهذا ذكر في ماء الدنيا نحو { لأسقيناهم ماء غدقا }
3689 وقال الراغب الإسقاء أبلغ من السقي لأن الإسقاء أن يجعل له ما
____________________
(1/570)
يسقي منه ويشرب والسقي أن يعطيه ما يشرب
3690 ومن ذلك عمل وفعل فالأول لما كان من امتداد زمان نحو { يعملون له ما يشاء } { مما عملت أيدينا } لأن خلق الأنعام والثمار والزروع بامتداد والثاني بخلافه نحو { كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } { كيف فعل ربك بعاد } { كيف فعلنا بهم } لأنها إهلاكات وقعت من غير بطء { ويفعلون ما يؤمرون } أي في طرفة عين ولهذا عبر بالأول في قوله { وعملوا الصالحات } حيث كان المقصود المثابرة عليها لا الإتيان بها مرة أو بسرعة وبالثاني في قوله { وافعلوا الخير } حيث كان بمعنى سارعوا كما قال { فاستبقوا الخيرات } وقوله { والذين هم للزكاة فاعلون } حيث كان القصد يأتون بها على سرعة من غير توان
3691 ومن ذلك القعود والجلوس فالأول لما فيه لبث بخلاف الثاني ولهذا يقال قواعد البيت ولا يقال جوالسه للزومها ولبثها ويقال جليس الملك ولا يقال قعيده لأن مجالس الملوك يستحب فيها التخفيف ولهذا استعمل الأول في قوله { مقعد صدق } للإشارة إلى أنه لا زوال له بخلاف { تفسحوا في المجالس } لأنه يجلس فيه زمانا يسيرا
3692 ومن ذلك التمام والكمال وقد اجتمعا في قوله { أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فقيل الإتمام لإزالة نقصان الأصل والإكمال لإزالة نقصان العوارض بعد تمام الأصل ولهذا كان قوله { تلك عشرة كاملة } أحسن من تامة فإن التمام من العدد قد علم وإنما نفى احتمال نقص في صفاتها وقيل تم يشعر بحصول نقص قبله وكمل لا يشعر بذلك
3693 وقال العسكري الكمال اسم لاجتماع أبعاض الموصوف به والتمام اسم للجزء الذي يتم به الموصوف ولهذا يقال القافية تمام البيت ولا يقال
____________________
(1/571)
كماله ويقولون البيت بكماله أي باجتماعه
3694 ومن ذلك الإعطاء والإيتاء قال الخويي لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما وظهر لي بينهما فرق ينبئ عن بلاغة كتاب الله وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله لأن الإعطاء له مطاوع تقول أعطاني فعطوت ولا يقال في الإيتاء أتاني فأتيت وإنما يقال آتاني فأخذت والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الفعل الذي لا مطاوع له لأنك تقول قطعته فانقطع فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول في المحل لولاه ما ثبت المفعول ولهذا يصح قطعته فما انقطع ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك فلا يجوز ضربته فانضرب أو فما انضرب ولا قتلته فانقتل ولا فما انقتل لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها فالإيتاء أقوى من الإعطاء قال وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى قال تعالى { تؤتي الملك من تشاء } لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة وكذا { يؤتي الحكمة من يشاء } { آتيناك سبعا من المثاني } لعظم القرآن وشأنه وقال { إنا أعطيناك الكوثر } لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه قريب إلى منازل العز في الجنة فعبر فيه بالإعطاء لأنه يترك عن قرب وينتقل إلى ما هو أعظم منه وكذا { يعطيك ربك فترضى } لما فيه من تكرير الإعطاء والزيادة إلى أن يرضى كل الرضا وهو مفسر أيضا بالشفاعة وهي نظير الكوثر في الانتقال بعد قضاء الحاجة منه وكذا { أعطى كل شيء خلقه } لتكرر حدوث ذلك باعتبار الموجودات { حتى يعطوا الجزية } لأنها موقوفة على قبول منا وإنما يعطونها عن كره فائدة
3695 قال الراغب خص دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء نحو { وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } قال وكل موضع ذكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ذكر فيه أوتوا لأن أوتوا قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول وآتيناهم يقال فيمن كان منه قبول
____________________
(1/572)
3696 ومن ذلك السنة والعام قال الراغب الغالب استعمال السنة في الحول الذي فيه الشدة والجدب ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة والعام ما فيه الرخاء والخصب وبهذا تظهر النكتة في قوله { ألف سنة إلا خمسين عاما } حيث عبر عن المستثنى بالعام وعن المستثنى منه بالسنة 3 - قاعدة في السؤال والجواب
3697 الأصل في الجواب أن يكون مطابقا للسؤال إذا كان السؤال متوجها وقد يعدل في الجواب عما يقتضيه السؤال تنبيها على أنه كان من حق السؤال أن يكون كذلك ويسميه السكاكي الأسلوب الحكيم
3698 وقد يجيء الجواب أعم من السؤال للحاجة إليه في السؤال وقد يجيء أنقص لاقتضاء الحال ذلك
3699 مثال ما عدل عنه قوله تعالى { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
سألوا عن الهلال لم يبدو دقيقا مثل الخيط ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ فأجيبوا ببيان حكمة ذلك تنبيها على أن الأهم السؤال عن ذلك لا ما سألوا عنه كذا قال السكاكي ومتابعوه واسترسل التفتازاني في الكلام إلى أن قال لأنهم ليسوا ممن يطلع على دقائق الهيئة بسهولة
3700 وأقول ليت شعري من أين لهم أن السؤال وقع عن غير ما حصل الجواب به وما المانع من أن يكون إنما وقع عن حكمة ذلك ليعلموها فإن نظم الآية محتمل لذلك كما أنه محتمل لما قالوه والجواب ببيان الحكمة دليل على ترجيح الاحتمال الذي قلناه وقرينة ترشد إلى ذلك إذ الأصل في الجواب المطابقة للسؤال والخروج عن الأصل يحتاج إلى دليل ولم يرد بإسناد لا صحيح ولا غيره أن السؤال وقع على ما ذكروه بل ورد ما يؤيد ما قلناه فأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال بلغنا أنهم قالوا يا رسول الله لم خلقت الأهلة فأنزل الله { يسألونك عن الأهلة } فهذا صريح في أنهم سألوا عن حكمة ذلك لا عن كيفيته من جهة الهيئة ولا يظن ذو دين بالصحابة الذين هم أدق فهما وأغزر علما أنهم ليسوا ممن
____________________
(1/573)
يطلع على دقائق الهيئة بسهولة وقد اطلع عليها آحاد العجم الذين أطبق الناس على أنهم أبلد أذهانا من العرب بكثير هذا لو كان للهيئة أصل معتبر فكيف وأكثرها فاسد لا دليل عليه وقد صنفت كتابا في نقض أكثر مسائلها بالأدلة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صعد إلى السماء ورآها عيانا وعلم ما حوته من عجائب الملكوت بالمشاهدة وأتاه الوحي من خالقها ولو كان السؤال وقع عما ذكروه لم يمتنع أن يجابوا عنه بلفظ يصل إلى أفهامهم كما وقع ذلك لما سألوا عن المجرة وغيرها من الملكوتيات نعم المثال الصحيح لهذا القسم جواب موسى لفرعون حيث قال { وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما } لأن ما سؤال عن الماهية والجنس ولما كان هذا السؤال في حق البارئ سبحانه وتعالى خطأ لأنه لا جنس له فيذكر ولا تدرك ذاته عدل إلى الجواب بالصواب ببيان الوصف المرشد إلى معرفته ولهذا تعجب فرعون من عدم مطابقته للسؤال فقال لمن حوله { ألا تستمعون } أي جوابه الذي لم يطابق السؤال فأجاب موسى بقوله { ربكم ورب آبائكم الأولين } المتضمن إبطال ما يعتقدونه من ربوبية فرعون نصا وإن كان دخل في الأول ضمنا إغلاظا فزاد فرعون في الاستهزاء فلما رآهم موسى لم يتفطنوا أغلظ في الثالث بقوله { إن كنتم تعقلون }
3701 ومثال الزيادة في الجواب قوله تعالى { الله ينجيكم منها ومن كل كرب } في جواب { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر }
3702 وقول موسى { هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي } في جواب { وما تلك بيمينك يا موسى } زاد في الجواب استلذاذا بخطاب الله تعالى
3703 وقول قوم إبراهيم { نعبد أصناما فنظل لها عاكفين } في جواب { ما تعبدون } زادوا في الجواب إظهارا للابتهاج والاستمرار على مواظبتها ليزداد غيظ السائل
3704 ومثال النقص منه قوله تعالى { قل ما يكون لي أن أبدله } في جواب { ائت بقرآن غير هذا أو بدله } أجاب عن التبديل دون الاختراع قال
____________________
(1/574)
الزمخشري لأن التبديل في إمكان البشر دون الاختراع فطوى ذكره للتنبيه على أنه سؤال محال
3705 وقال غيره التبديل أسهل من الاختراع وقد نفي إمكانه فالاختراع أولى تنبيه
3706 قد يعدل عن الجواب أصلا إذا كان السائل قصده التعنت نحو { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي }
3707 قال صاحب الإفصاح إنما سأل اليهود تعجيزا وتغليظا إذ كان الروح يقال بالاشتراك على روح الإنسان والقرآن وعيسى وجبريل وملك آخر وصنف من الملائكة فقصد اليهود أن يسألوه فبأي مسمى أجابهم قالوا ليس هو فجاءهم الجواب مجملا وكان هذا الإجمال كيدا يرد به كيدهم 1 - قاعدة
3708 قيل أصل الجواب أن يعاد فيه نفس السؤال ليكون وفقه نحو { أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف } ف أنا في جوابه هو أنت في سؤالهم وكذا { أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا } فهذا أصله ثم إنهم أتوا عوض ذلك بحروف الجواب اختصارا وتركا للتكرار
3709 وقد يحذف السؤال ثقة بفهم السامع بتقديره نحو { قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده } فإنه لا يستقيم أن يكون السؤال والجواب من واحد فتعين أن يكون قل الله جواب سؤال كأنهم سألوا لما سمعوا ذلك فمن يبدأ الخلق ثم يعيده 2 - قاعدة
3710 الأصل في الجواب أن يكون مشاكلا للسؤال فإن كان جملة اسمية فينبغي أن يكون الجواب كذلك ويجيء كذلك في الجواب المقدر إلا أن ابن مالك
____________________
(1/575)
قال في قولك زيد في جواب من قرأ إنه من باب حذف الفعل على جعل الجواب جملة فعلية قال وإنما قدرته كذلك لا مبتدأ مع احتماله جريا على عادتهم في الأجوبة إذا قصدوا تمامها قال تعالى { من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها } { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } فلما أتى بالفعلية مع فوات مشاكلة السؤال علم أن تقدير الفعل أولا أولى انتهى
3711 وقال ابن الزملكاني في البرهان أطلق النحويون القول بأن زيدا في جواب من قام فاعل على تقدير قام زيد والذي توجبه صناعة علم البيان أنه مبتدأ لوجهين
أحدهما أنه يطابق الجملة المسؤل بها في الاسمية كما وقع التطابق في قوله { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } في الفعلية وإنما لم يقع التطابق في قوله { ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين } لأنهم لو طابقوا لكانوا مقرين بالإنزال وهم من الإذعان به على مفاوز
الثاني أن اللبس لم يقع عند السائل إلا فيمن فعل الفعل فوجب أن يتقدم الفاعل في المعنى لأنه متعلق غرض السائل وأما الفعل فمعلوم عنده ولا حاجة به إلى السؤال عنه فحري أن يقع في الأواخر التي هي محل التكملات والفضلات
3712 وأشكل على هذا { بل فعله كبيرهم } في جواب { أأنت فعلت هذا } فإن السؤال وقع عن الفاعل لا عن الفعل فإنهم لم يستفهموه عن الكسر بل عن الكاسر ومع ذلك صدر الجواب بالفعل
وأجيب بأن الجواب مقدر دل عليه السياق إذ بل لا تصلح أن يصدر بها الكلام والتقدير ما فعلته بل فعله
3713 قال الشيخ عبد القاهر حيث كان السؤال ملفوظا به فالأكثر ترك الفعل في الجواب والاقتصار على الاسم وحده وحيث كان مضمرا فالأكثر
____________________
(1/576)
التصريح به لضعف الدلالة عليه ومن غير الأكثر { يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال } في قراءة البناء للمفعول 1 - فائدة
3714 أخرج البزار عن ابن عباس قال ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن
وأورده الإمام الرازي بلفظ أربعة عشر حرفا وقال منها ثمانية في البقرة
{ وإذا سألك عبادي عني }
{ يسألونك عن الأهلة }
{ يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم }
{ يسألونك عن الشهر الحرام }
{ يسألونك عن الخمر والميسر }
{ ويسألونك عن اليتامى }
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
{ ويسألونك عن المحيض }
والتاسع { يسألونك ماذا أحل لهم } في المائدة
والعاشر { يسألونك عن الأنفال }
والحادي عشر { يسألونك عن الساعة أيان مرساها }
والثاني عشر { ويسألونك عن الجبال }
والثالث عشر { ويسألونك عن الروح }
والرابع عشر { ويسألونك عن ذي القرنين }
____________________
(1/577)
3715 قلت السائل عن الروح وعن ذي القرنين مشركو مكة واليهود كما في أسباب النزول لا الصحابة فالخالص اثنا عشر كما صحت به الرواية 2 - فائدة
3716 قال الراغب السؤال إذا كان للتعريف تعدى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه وتارة ب عن وهو أكثر نحو { ويسألونك عن الروح } وإذا كان لاستدعاء مال فإنه يعدى بنفسه أو بمن وبنفسه أكثر نحو { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } { واسألوا ما أنفقتم } { واسألوا الله من فضله } قاعدة في الخطاب بالاسم والخطاب بالفعل )
3717 الاسم يدل على الثبوت والاستمرار والفعل يدل على التجدد والحدوث ولا يحسن وضع أحدهما موضع الآخر فمن ذلك قوله تعالى { وكلبهم باسط ذراعيه } وقيل يبسط لم يؤد الغرض لأنه يؤذن بمزاولة الكلب البسط وأنه يتجدد له شيء بعد شيء فباسط أشعر بثبوت الصفة
3718 وقوله { هل من خالق غير الله يرزقكم } لو قيل رازقكم لفات ما أفاده الفعل من تجدد الرزق شيئا بعد شيء ولهذا جاءت الحال في صورة المضارع مع أن العامل الذي يفيده ماض نحو { وجاؤوا أباهم عشاء يبكون } إذ المراد أن يفيد صورة ما هم عليه وقت المجيء وأنهم آخذون في البكاء يجددونه شيأ بعد شيء وهو المسمي حكاية الحال الماضية وهذا هو سر الإعراض عن اسم الفاعل والمفعول ولهذا أيضا عبر ب الذين ينفقون ولم يقل المنفقون كما قيل المؤمنون والمتقون لأن النفقة أمر فعلي شأنه الانقطاع والتجدد بخلاف الإيمان فإن له حقيقة تقوم بالقلب يدوم مقتصاها وكذلك التقوى والإسلام والصبر والشكر والهدى والعمى والضلالة والبصر كلها لها مسميات حقيقة أو مجازية تستمر وآثار تتجدد وتنقطع فجاءت بالاستعمالين
3719 وقال تعالى في سورة الأنعام { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت }
____________________
(1/578)
{ من الحي } ) قال الإمام فخر الدين لما كان الاعتناء بشأن إخراج الحي من الميت أشد أتى فيه بالمضارع ليدل على التجدد كما في قوله { الله يستهزئ بهم } تنبيهات الأول
3720 المراد بالتجدد في الماضي الحصول وفي المضارع أن من شأنه أن يتكرر ويقع مرة بعد أخرى صرح بذلك جماعة منهم الزمخشري في قوله { الله يستهزئ بهم }
3721 قال الشيخ بهاء الدين السبكي وبهذا يتضح الجواب عما يورد من نحو علم الله كذا فإن علم الله لا يتجدد وكذا سائر الصفات الدائمة التي يستعمل فيها الفعل وجوابه أن معنى علم الله كذا وقع علمه في الزمن الماضي ولا يلزم أنه لم يكن قبل ذلك فإن العلم في زمن ماض أعم من المستمر على الدوام قبل ذلك الزمن وبعده وغيره ولهذا قال تعالى حكاية عن إبراهيم { الذي خلقني فهو يهدين } الآيات فأتى بالماضي في الخلق لأنه مفروغ منه وبالمضارع في الهداية والإطعام والإسقاء والشفاء لأنها متكررة متجددة تقع مرة بعد أخرى الثاني
3722 مضمر الفعل فيما ذكر كمظهره ولهذا قالوا إن سلام الخليل أبلغ من سلام الملائكة حيث { قالوا سلاما قال سلام } فإن نصب سلاما إنما يكون على إرادة الفعل أي سلمنا سلاما وهذه العبارة مؤذنة بحدوث التسليم منهم إذ الفعل متأخر عن وجود الفاعل بخلاف سلام إبراهيم فإنه مرتفع بالإبتداء فاقتضى الثبوت على الإطلاق وهو أولى مما يعرض له الثبوت فكأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به الثالث
3723 ما ذكرناه من دلالة الاسم على الثبوت والفعل على التجدد والحدوث هو المشهور عند أهل البيان وقد أنكره أبو المطرف بن عمير في كتاب التمويهات على التبيان لابن الزملكاني وقال إنه غريب لا مستند له فإن الاسم إنما
____________________
(1/579)
يدل على معناه فقط أما كونه يثبت المعنى للشيء فلا ثم أورد قوله تعالى { ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } وقوله { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون }
3724 وقال ابن المنير طريقة العربية تلوين الكلام ومجيء الفعلية تارة والاسمية أخرى من غير تكلف لما ذكروه وقد رأينا الجملة الفعلية تصدر من الأقوياء الخلص إعتمادا على أن المقصود حاصل بدون التأكيد نحو { ربنا آمنا } ولا شيء بعد { آمن الرسول } وقد جاء التأكيد في كلام المنافقين فقالوا { إنما نحن مصلحون } 1 - قاعدة في المصدر
3725 قال ابن عطية سبيل الواجبات الإتيان بالمصدر مرفوعا كقوله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وسبيل المندوبات الإتيان به منصوبا كقوله تعالى { فضرب الرقاب } ولهذا إختلفوا هل كانت الوصية للزوجات واجبة لاختلاف القراءة في قوله { وصية لأزواجهم } بالرفع والنصب
3726 قال أبو حيان والأصل في هذه التفرقة في قوله تعالى { فقالوا سلاما قال سلام } فإن الأول مندوب والثاني واجب والنكتة في ذلك أن الجملة الاسمية أثبت وآكد من الفعلية 2 - قاعدة في العطف
3727 هو ثلاثة أقسام
عطف على اللفظ وهو الأصل وشرطه إمكان توجه العامل إلى المعطوف
وعطف على المحل وله ثلاث شروط أحدها إمكان ظهور ذلك المحل في
____________________
(1/580)
الصحيح فلا يجوز مررت بزيد وعمرا لأنه لا يجوز مررت زيدا الثاني أن يكون الموضع بحق الإصالة فلا يجوز هذا الضارب زيدا وأخيه لأن الوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته الثالث وجود المحرز أي الطالب لذلك المحل فلا يجوز إن زيدا وعمرا قاعدان لأن الطالب لرفع عمرو هو الابتداء وهو قد زال بدخول إن وخالف في هذا الشرط الكسائي مستدلا بقوله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون } الآية وأجيب بأن خبر إن فيها محذوف أي مأجورون أو آمنون ولا تختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائدا وقد أجاز الفارسي في قوله { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } أن يكون يوم القيامة عطفا على محل هذه
3728 وعطف التوهم نحو ليس زيد قائما ولا قاعد بالخفض على توهم دخول الباء في الخبر وشرط جوازه صحة دخول ذلك العامل المتوهم وشرط حسنه كثرة دخوله هناك وقد وقع هذا العطف في المجرور في قول زهير
( بدا لي أني لست مدرك ما مضي % ولا سابق شيئا إذا كان جائيا )
3729 وفي المجزوم في قراءة غير أبي عمرو { لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن } خرجه الخليل وسيبويه على أنه عطف على التوهم لأن معنى لولا أخرتني فأصدق ومعنى أخرني أصدق واحد وقراءة قنبل / < إنه من يتقي ويصبر > / خرجه الفارسي عليه لأن من الموصولة فيها معنى الشرط
3730 وفي المنصوب في قراءة حمزة وابن عامر { ومن وراء إسحاق يعقوب } بفتح الباء لأنه على معنى ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب
3731 وقال بعضهم في قوله تعالى { وحفظا من كل شيطان } إنه عطف على معنى { إنا زينا السماء الدنيا } وهو إنا خلقنا الكواكب في السماء الدنيا زينة للسماء
____________________
(1/581)
3732 وقال بعضهم في قراءة / < ودوا لو تدهن فيدهنوا > / إنه على معنى أن تدهن
3733 وقيل في قراءة حفص { لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع } بالنصب إنه عطف على معنى لعلي أن أبلغ لأن خبر لعل يقترن بأن كثيرا
3734 وقيل في قوله تعالى { ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم } إنه على تقدير ليبشركم ويذيقكم تنبيه
3735 ظن ابن مالك أن المراد بالتوهم الغلط وليس كذلك كما نبه عليه أبو حيان وابن هشام بل هو مقصد صواب والمراد أنه عطف على المعنى أي جوز العربي في ذهنه ملاحظة ذلك المعنى في المعطوف عليه فعطف ملاحظا له لا أنه غلط في ذلك ولهذا كان الأدب أن يقال في مثل ذلك في القرآن إنه عطف على المعنى 1 - مسألة
3736 إختلف في جواز عطف الخبر على الإنشاء وعكسه فمنعه البيانيون وابن مالك وابن عصفور ونقله عن الأكثرين وأجازه الصفار وجماعة مستدلين بقوله تعالى { وبشر الذين آمنوا } في سورة البقرة { وبشر المؤمنين } في سورة الصف
وقال الزمخشري في الأولى ليس المعتمد بالعطف الأمر حتى يطلب له مشاكل بل المراد عطف جملة ثواب المؤمنين على جملة ثواب الكافرين
وفي الثانية إن العطف على { تؤمنون } لأنه بمعنى آمنوا ورد بأن الخطاب به للمؤمنين وب بشر للنبي صلى الله عليه وسلم وبأن الظاهر في { تؤمنون } إنه تفسير للتجارة لا
____________________
(1/582)
3737 وقال السكاكي الأمران معطوفان على قل مقدرة قبل يا أيها وحذف القول كثير 2 - مسألة
3738 اختلف في جواز عطف الاسمية على الفعلية وعكسه فالجمهور على الجواز وبعضهم على المنع وقد لهج به الرازي في تفسيره كثيرا ورد به على الحنفية القائلين بتحريم أكل متروك التسمية أخذا من قوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } فقال هي حجة للجواز لا للتحريم وذلك أن الواو ليست عاطفة لتخالف الجملتين بالاسمية والفعلية ولا للاستئناف لأن أصل الواو أن تربط ما بعدها بما قبلها فبقي أن تكون للحال فتكون جملة الحال مقيدة للنهي والمعنى لا تأكلوا منه في حال كونه فسقا ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقا والفسق قد فسره الله تعالى بقوله { أو فسقا أهل لغير الله به } فالمعنى لا تأكلوا منه إذا سمي عليه غير الله ومفهومه فكلوا منه إذا لم يسم عليه غير الله تعالى انتهى
3739 قال ابن هشام ولو أبطل العطف بتخالف الجملتين بالإنشاء والخبر لكان صوابا 3 - مسألة
3740 اختلف في جواز العطف على معمولي عاملين فالمشهور عن سيبويه المنع وبه قال المبرد وابن السراج وابن هشام وجوزه الأخفش والكسائي والفراء والزجاج وخرج عليه قوله تعالى { إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون } فيمن نصب { آيات } الأخيرة 4 - مسألة
3741 اختلف في جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار
____________________
(1/583)
فجمهور البصريين على المنع وبعضهم والكوفيون على الجواز وخرج عليه قراءة حمزة { واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام }
3742 وقال أبو حيان في قوله تعالى { وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام } إن المسجد معطوف على ضمير به وإن لم يعد الجار قال والذي نختاره جواز ذلك لوروده في كلام العرب كثيرا نظما ونثرا قال ولسنا متعبدين باتباع جمهور البصريين بل نتبع الدليل
تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله النوع الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه
____________________
(1/584)
إياد محرم عبلة سليم محمد شريم الاتقان في علوم القرآن ( ج 3 - 4 ) للأمام جلال الدين السيوطي الشافعي
____________________
(2/1)
| 3 |
____________________
(2/1)
النوع الثالث والأربعون في المحكم والمتشابه
3743 قال تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } وقد حكى ابن حبيب النيسابوري في المسألة ثلاثة أقوال
أحدها أن القرآن كله محكم لقوله تعالى { كتاب أحكمت آياته }
( الثاني كله متشابه لقوله تعالى { كتابا متشابها مثاني }
الثالث وهو الصحيح إنقسامه إلى محكم ومتشابه للآية المصدر بها
والجواب عن الآيتين أن المراد بإحكامه إتقانه وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه وبتشابهه كونه يشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والإعجاز
3744 وقال بعضهم الآية لا تدل على الحصر في الشيئين إذ ليس فيها شيء من طرقه وقد قال تعالى { لتبين للناس ما نزل إليهم } والمحكم لا تتوقف معرفته على البيان والمتشابه لا يرجى بيانه
3745 وقد اختلف في تعيين المحكم والمتشابه على أقوال
فقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل السور
وقيل المحكم ما وضح معناه والمتشابه نقيضه
وقيل المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه ما احتمل أوجها
____________________
(2/5)
وقيل المحكم ما كان معقول المعنى والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات وإختصاص الصيام برمضان دون شعبان قاله الماوردي
وقيل المحكم ما استقل بنفسه والمتشابه ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره
وقيل المحكم ما تأويله تنزيله والمتشابه ما لا يدري إلا بالتأويل
وقيل المحكم ما لم تتكرر ألفاظه ومقابله المتشابه
وقيل المحكم الفرائض والوعد والوعيد والمتشابه القصص والأمثال
3746 أخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به
3747 وأخرج الفريابي عن مجاهد قال المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا
3748 وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال المحكمات هي أوامره الزاجرة
3749 وأخرج عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية فقال أبو فاختة فواتح السور وقال يحيى الفرائض والأمر والنهي والحلال
3750 وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عباس قال الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات { قل تعالوا } والآيتان بعدها
3751 وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله تعالى { منه آيات محكمات } قال من ها هنا { قل تعالوا } إلى ثلاث آيات ومن ها هنا { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } إلى ثلاث آيات بعدها
3752 وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال المحكمات ما لم ينسخ منه والمتشابهات ما قد نسخ
____________________
(2/6)
3753 وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال المتشابهات فيما بلغنا آلم والمص والمر والر
3754 قال ابن أبي حاتم وقد روي عن عكرمة وقتادة وغيرهما أن المحكم الذي يعمل به والمتشابه الذي يؤمن به ولا يعمل به 1 - فصل
3755 اختلف هل المتشابه مما يمكن الإطلاع على علمه أو لا يعلمه إلا الله على قولين منشؤهما الاختلاف في قوله { والراسخون في العلم } هل هو معطوف و { يقولون } حال أو مبتدأ خبره { يقولون } والواو للاستئناف وعلى الأول طائفة يسيرة منهم مجاهد وهو رواية عن ابن عباس فأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } قال أنا ممن يعلم تأويله
3756 وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله { والراسخون في العلم } قال يعلمون تأويله ويقولون آمنا به
3757 وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال الراسخون في العلم يعلمون تأويله ولو لم يعلموا تأويله لم يعلموا ناسخه من منسوخه ولا حلاله من حرامه ولا محكمه من متشابهه
3758 واختار هذا القول النووي فقال في شرح مسلم إنه الأصح لأنه يبعد أن يخاطب الله عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته
3759 وقال ابن الحاجب إنه الظاهر وأما الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم خصوصا أهل السنة فذهبوا إلى الثاني وهو أصح الروايات عن ابن عباس
3760 قال ابن السمعاني لم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة واختاره العتبي قال وقد كان يعتقد مذهب أهل السنة لكنه سها في هذه المسألة
قال ولا غرو فإن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة
____________________
(2/7)
3761 قلت ويدل لصحة مذهب الأكثرين ما أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والحاكم في مستدركه عن ابن عباس أنه كان يقرأ / < وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به > / فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجاتها أن يكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه في ذلك على من دونه
ويؤيد ذلك أن الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وإبتغاء الفتنة وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب
وحكى الفراء أن في قراءة أبي بن كعب أيضا ( ويقول الراسخون )
3762 وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق الأعمش قال في قراءة ابن مسعود / < وإن تأويلة إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به > /
3763 وأخرج الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى قوله { أولوا الألباب } قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم )
3764 وأخرج الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا الله . . . ) الحديث
3765 وأخرج ابن مردوية من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فأمنوا به )
3766 وأخرج الحاكم عن أبن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا
____________________
(2/8)
بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا )
3767 وأخرج البيهقي في الشعب نحوه من حديث أبي هريرة
3768 وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مرفوعا ( أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب )
3769 ثم أخرجه من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا بنحوه
3770 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال ( نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به وهو من عند الله كله )
3771 وأخرج أيضا عن عائشة قالت ( كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمتشابهه ولا يعلمونه )
3772 وأخرج أيضا عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قال إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة
3773 وأخرج الدارمي في مسنده عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت قال أنا عبد الله بن صبيغ فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمي رأسه وفي رواية عنده فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبرة ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود فقال إن كنت تريد قتلى فاقتلني قتلا جميلا
فأذن له إلى أرضه وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألا يجالسه أحد من المسلمين
3774 وأخرج الدارمي عن عمر بن الخطاب قال إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بمشتبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله
3775 فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن المتشابه مما لا يعلمه إلا الله وأن الخوض فيه مذموم وسيأتي قريبا زيادة على ذلك
3776 قال الطيبي المراد بالمحكم ما اتضح معناه والمتشابه بخلافه لأن اللفظ الذي يقبل معنى إما أن يحتمل غيره أو لا والثاني النص والأول إما أن
____________________
(2/9)
تكون دلالته على ذلك الغير أرجح أو لا والأول هو الظاهر والثاني إما أن يكون مساوية أو لا والأول هو المجمل والثاني المؤول فالمشترك بين النص والظاهر هو المحكم والمشترك بين المجمل والمؤول هو المتشابه
ويؤيد هذا التقسيم أنه تعالى أوقع المحكم مقابلا للمتشابه قالوا فالواجب أن يفسر المحكم بما يقابله
ويعضد ذلك أسلوب الآية وهو الجمع مع التقسيم لأنه تعالى فرق ما جمع في معنى الكتاب بأن قال { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } وأراد أن يضيف إلى كل منهما ما شاء فقال أولا { فأما الذين في قلوبهم زيغ } إلى أن قال { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } وكان يمكن أن يقال ( وأما الذين في قلوبهم إستقامة فيتبعون المحكم ) لكنه وضع موضع ذلك { والراسخون في العلم } لإتيان لفظ الرسوخ لأنه لا يحصل إلا بعد التتبع العام والاجتهاد البليغ فإذا استقام القلب على طرق الإرشاد ورسخ القدم في العلم أفصح صاحبه النطق بالقول الحق وكفى بدعاء الراسخين في العلم { ربنا لا تزغ قلوبنا } إلى آخره شاهدا على أن { الراسخون في العلم } مقابل لقوله { الذين في قلوبهم زيغ }
وفيه أشارة إلى أن الوقف على قوله { إلا الله } تام وإلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه في الحديث بقوله ( فاحذروهم )
3777 وقال بعضهم العقل مبتلى باعتقاد حقية المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادة كالحكيم إذا صنف كتابا أجمل فيه أحيانا ليكون موضع خضوع المتعلم لأستاذه وكالملك يتخذ علامة يجتاز بها من يطلعه على سره
وقيل لو لم يبتل العقل الذي هو أشرف البدن لاستمر العالم في أبهة العلم على التمرد فبذلك يستأنس إلى التذلل بعز العبودية والمتشابه هو موضع خضوع العقول لبارئها استسلاما واعترافا بقصورها
وفي ختم الآية بقوله تعالى { وما يذكر إلا أولوا الألباب } تعريض بالزائغين ومدح للراسخين يعني من لم يتذكر ويتعظ ويخالف هواه فليس من أولي العقول ومن ثم قال الراسخون { ربنا لا تزغ قلوبنا } إلى آخر الآية فخضعوا لبارئهم لاستنزال العلم اللدني بعد أن إستعاذوا به من الزيغ النفساني
3778 وقال الخطابي المتشابه على ضربين أحدهما ما إذا رد إلى المحكم
____________________
(2/10)
واعتبر به عرف معناه والآخر ما لا سبيل إلى الوقوف على حقيقته وهو الذي يتبعه أهل الزيغ فيطلبون تأويله ولا يبلغون كنهه فيرتابون فيه فيفتتنون
3779 وقال ابن الحصار قسم الله آيات القرآن إلى محكم ومتشابه وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب لأن إليها ترد المتشابهات وهي التي تعتمد في فهم مراد الله من خلقه في كل ما تعبدهم به من معرفته وتصديق رسله وإمتثال أوامره واجتناب نواهيه وبهذا الإعتبار كانت أمهات
ثم أخبر عن الذين في قلوبهم زيغ أنهم هم الذين يتبعون ما تشابه منه ومعنى ذلك أن من لم يكن على يقين من المحكمات وفي قلبه شك واسترابة كانت راحته في تتبع المشكلات المتشابهات ومراد الشارع منها التقدم إلى فهم المحكمات وتقديم الأمهات حتى إذا حصل اليقين ورسخ العلم لم تبال بما أشكل عليك
ومراد هذا الذي في قلبه زيغ التقدم إلى المشكلات وفهم المتشابه قبل فهم الأمهات وهو عكس المعقول والمعتاد والمشروع ومثل هؤلاء مثل المشركين الذين يقترحون على رسلهم آيات غير الآيات التي جاءوا بها ويظنون أنهم لو جاءتهم آيات أخر لآمنوا عندها جهلا منهم وما علموا أن الإيمان بإذن الله تعالى
إنتهى
3780 وقال الراغب في مفردات القرآن الآيات عند إعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب
محكم على الإطلاق ومتشابه على الإطلاق ومحكم من وجه متشابه من وجه
فالمتشابه بالجملة ثلاثة أضرب
متشابه من جهة اللفظ فقط ومن جهة المعنى فقط ومن جهتهما
فالأول ضربان أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة إما من جهة الغرابة نحو ( الأب ) و ( يزفون ) أو الاشتراك كاليد واليمين
وثانيهما يرجع إلى جملة الكلام المركب وذلك ثلاثة أضرب
ضرب لاختصار الكلام نحو { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم }
____________________
(2/11)
وضرب لبسطه نحو { ليس كمثله شيء } لأنه لو قيل ( ليس مثله شيء ) كان أظهر للسامع
وضرب لنظم الكلام نحو { أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } تقديره ( أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا )
والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة فإن تلك الأوصاف لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو ليس من جنسه
والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب
الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو { فاقتلوا المشركين } والثاني من جهة الكيفية كالوجوب والندب نحو { فانكحوا ما طاب لكم من النساء }
والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو { اتقوا الله حق تقاته }
والرابع من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } { إنما النسيء زيادة في الكفر } فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه الآية
الخامس من جهة الشروط التي يصح بها الفعل أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح
قال وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب
ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت الساعة وخروج الدابة ونحو ذلك
وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة
____________________
(2/12)
وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )
وإذا عرفت هذه الجهة عرفت أن الوقف على قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } ووصله بقوله { والراسخون في العلم } جائز وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم
إنتهى
3781 وقال الإمام فخر الدين صرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لا بد فيه من دليل منفصل وهو إما لفظي أو عقلي
والأول لا يمكن إعتباره في المسائل الأصولية لأنه لا يكون قاطعا لأنه موقوف على إنتفاء الاحتمالات العشرة المعروفة وإنتفاؤها مظنون والموقوف على المظنون مظنون والظني لا يكتفي به في الأصول
وأما العقلي فإنما يفيد صرف اللفظ من ظاهره لكونه الظاهر محالا وأما إثبات المعنى المراد فلا يمكن بالعقل لأن طريق ذلك ترجيح مجاز على مجاز وتأويل على تأويل وذلك الترجيح لا يمكن إلا بالدليل اللفظي والدليل اللفظي في الترجيح ضعيف لا يفيد إلا الظن والظن لا يعول عليه في المسائل الأصولية القطعية فلهذا اختار الأئمة المحققون من السلف والخلف بعد إقامة الدليل القاطع على أن حمل اللفظ على ظاهره محال ترك الخوض في تعيين التأويل
انتهى
وحسبك بهذا الكلام من الإمام 2 - فصل
3782 من المتشابه آيات الصفات ولابن اللبان فيها تصنيف مفرد نحو { الرحمن على العرش استوى } { كل شيء هالك إلا وجهه } { ويبقى وجه ربك } { ولتصنع على عيني } ( يد الله فوق أيديهم ) { والسماوات مطويات بيمينه }
____________________
(2/13)
3783 وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها
3784 أخرج أبو القاسم اللالكائي في السنن عن طريق قرة بن خالد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } قالت الكيف غير معقول والإستواء غير مجهول والإقرار به من الإيمان والجحود به كفر
3785 وأخرج أيضا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل عن قوله { الرحمن على العرش استوى } فقال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق
3786 وأخرج أيضا عن مالك أنه سئل عن الآية فقال الكيف غير معقول والإستواء غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
3787 وأخرج البيهقي عنه أنه قال ( هو كما وصف نفسه ولا يقال كيف وكيف )
مرفوع
3788 وأخرج اللالكائي عن محمد بن الحسن قال إتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه
3789 وقال الترمذي في الكلام على حديث الرؤية المذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم قالوا ( نروي هذه الأحاديث كما جاءت ونؤمن بها ولا يقال كيف ولا نفسر ولا نتوهم )
3790 وذهبت طائفة من أهل السنة على أننا نؤولها على ما يليق بجلاله تعالى وهذا مذهب الخلف
وكان إمام الحرمين يذهب إليه ثم رجع عنه فقال في الرسالة النظامية الذي نرتضيه دينا وندين الله به عقدا إتباع سلف الأمة فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها
3791 وقال ابن الصلاح على هذه الطريقة مضى صدر الأمة وساداتها
____________________
(2/14)
وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدق عنها ويأباها
3792 واختار ابن برهان مذهب التأويل قال ومنشأ الخلاف بين الفريقين هل يجوز أن يكون في القرآن شيء لم نعلم معناه أو لا بل يعلمه الراسخون في العلم
3792 م وتوسط ابن دقيق العيد فقال إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم ينكر أو بعيدا توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه قال وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقيف كما في قوله تعالى { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } فنحمله على حق الله وما يجب له ذكر ما وقفت عليه من تأويل الآية المذكورة على طريقة أهل السنة
3793 من ذلك صفة الاستواء وحاصل ما رأيت فيها سبعة أجوبة
أحدها حكى مقاتل والكلبي عن ابن عباس أن ( استوى ) بمعنى استقر وهذا إن صح يحتاج إلى تأويل فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم
3794 ثانيها أن ( استوى ) بمعنى ( استولى ) ورد بوجهين
أحدهما أن الله تعالى مستول على الكونين والجنة والنار وأهلهما فأي فائدة في تخصيص العرش
والآخر أن الاستيلاء إنما يكون بعد قهر وغلبة والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك
3795 أخرج اللالكائي في السنة عن ابن الأعرابي أنه سئل عن معنى ( استوى ) فقال هو على عرشه كما أخبر فقيل يا أبا عبد الله معناه ( استولى ) قال اسكت لا يقال استولى على الشيء إلا إذا كان له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل استولى
3796 ثالثها أنه بمعنى صعد قاله أبو عبيد ورد بأنه تعالى منزه عن الصعود أيضا
____________________
(2/15)
3797 رابعها أن التقدير ( الرحمن علا ) أي إرتفع من العلو والعرش له استوى
حكاه إسماعيل الضرير في تفسيره
ورد بوجهين أحدهما أنه جعل ( على ) فعلا وهي حرف هنا بإتفاق فلو كانت فعلا لكتبت بالألف كقوله { علا في الأرض }
والآخر أنه رفع ( العرش ) ولم يرفعه أحد من القراء
3798 خامسها أن الكلام تم عند قوله { الرحمن على العرش } ثم ابتدأ بقوله { استوى له ما في السماوات وما في الأرض }
ورد بأنه يزيل الآية عن نظمها ومرادها
قلت ولا يتأتى له في قوله { ثم استوى على العرش }
3799 سادسها أن معنى ( استوى ) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه كقوله { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } أي قصد وعمد إلى خلقها قاله الفراء والأشعري وجماعة أهل المعاني
وقال إسماعيل الضرير إنه الصواب
قلت يبعده تعديته بعلى ولو كان كما ذكروه لتعدى بإلى كما في قوله { ثم استوى إلى السماء }
3800 سابعها قال ابن اللبان الاستواء المنسوب إليه تعالى بمعنى اعتدل أي قام بالعدل كقوله تعالى { قائما بالقسط } والعدل هو إستواؤه ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعزته كل شيء خلقه موزونا بحكمته البالغة
3801 ومن ذلك النفس في قوله تعالى { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } ووجه بأنه خرج على سبيل المشاكله مرادا به الغيب لأنه مستتر كالنفس
3802 وقوله { ويحذركم الله نفسه } أي عقوبته وقيل إياه
3803 وقال السهيلي النفس عبارة عن حقيقة الوجود دون معنى زائد وقد استعمل من لفظة النفاسة والشيء النفيس فصلحت للتعبير عنه سبحانه وتعالى
____________________
(2/16)
3804 وقال ابن اللبان أولها العلماء بتأويلات منها أن النفس عبر بها عن الذات قال وهذا وإن كان سائغا في اللغة ولكن تعدي الفعل إليها بفي المفيدة للظرفية محال عليه تعالى
وقد أولها بعضهم بالغيب أي ولا أعلم ما في غيبك وسرك قال وهذا حسن لقوله في آخر الآية { إنك أنت علام الغيوب }
3805 ومن ذلك الوجه وهو مؤول بالذات
وقال ابن اللبان في قوله { يريدون وجهه } { إنما نطعمكم لوجه الله } { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } المراد إخلاص النية
3806 وقال غيره في قوله { فثم وجه الله } أي الجهة التي أمر بالتوجه إليها
3807 ومن ذلك العين وهي مؤولة بالبصر أو الإدراك
بل قال بعضهم إنها حقيقة في ذلك خلافا لتوهم بعض الناس أنها مجاز وإنما المجاز في تسمية العضو بها
3808 وقال ابن اللبان نسبة العين إليه تعالى اسم لآياته المبصرة التي بها سبحانه ينظر للمؤمنين وبها ينظرون إليه قال تعالى { فلما جاءتهم آياتنا مبصرة } نسب البصر للآيات على سبيل المجاز تحقيقا لأنها المرادة بالعين المنسوبة إليه وقال { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها } قال فقوله { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } أي بآياتنا تنظر بها إلينا وننظر بها إليك قال ويؤيد أن المراد بالأعين هنا الآيات كونه علل بها الصبر لحكم ربه صريحا في قوله { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك } قال وقوله في سفينة نوح { تجري بأعيننا } أي بآياتنا بدليل { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } وقال { ولتصنع على عيني } أي على حكم آيتي التي أوحيتها إلى أمك { أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم } الآية
إنتهى
____________________
(2/17)
وقال غيره المراد في الآيات كلاءته تعالى وحفظه
3809 ومن ذلك اليد في قوله { لما خلقت بيدي } { يد الله فوق أيديهم } { مما عملت أيدينا } { وأن الفضل بيد الله } وهي مؤولة بالقدرة
3809 م وقال السهيلي اليد في الأصل كالبصر عبارة عن صفة لموصوف ولذلك مدح سبحانه وتعالى بالأيدي مقرونة مع الأبصار في قوله { أولي الأيدي والأبصار } ولم يمدحهم بالجوارح لأن المدح إنما يتعلق بالصفات لا بالجواهر قال ولهذا قال الأشعري إن اليد صفة ورد بها الشرع
والذي يلوح من معنى هذه الصفة أنها قريبة من معنى القدرة إلا أنها أخص والقدرة أعم كالمحبة مع الإرادة والمشيئة فإن في اليد تشريفا لازما
3810 وقال البغوي في قوله ( بيدي ) في تحقيق الله التثنية في اليد دليل على أنها ليست بمعنى القدرة والقوة والنعمة وإنما هما صفتان من صفات ذاته
3811 وقال مجاهد اليد ها هنا صلة وتأكيد كقوله { ويبقى وجه ربك } قال البغوي وهذا تأويل غير قوي لأنها لو كانت صلة لكان لإبليس أن يقول إن كنت خلقته فقد خلقتني وكذلك في القدرة والنعمة لا يكون لآدم في الخلق مرية على إبليس
3812 وقال ابن اللبان فإن قلت فما حقيقة اليدين في خلق آدم قلت الله أعلم بما أراد ولكن الذي إستثمرته من تدبر كتابه أن ( اليدين ) إستعارة لنور قدرته القائم بصفة فضله ولنورها القائم بصفة عدله
ونبه على تخصيص آدم وتكريمه بأن جمع له في خلقه بين فضله وعدله
قال وصاحبة الفضل هي اليمين التي ذكرها في قوله { والسماوات مطويات بيمينه } سبحانه وتعالى
3813 ومن ذلك الساق في قوله { يوم يكشف عن ساق } ومعناه عن
____________________
(2/18)
شدة وأمر عظيم كما يقال قامت الحرب على ساق
3814 أخرج الحاكم في المستدرك من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله { يوم يكشف عن ساق } قال إذا خفى عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر
( اصبر عناق إنه شر باق % قد سن لي قومك ضرب الأعناق )
( وقامت الحرب بنا على ساق % )
قال ابن عباس هذا يوم كرب وشدة
3815 ومن ذلك الجنب في قوله تعالى { على ما فرطت في جنب الله } أي في طاعته وحقه لأن التفريط إنما يقع في ذلك ولا يقع في الجنب المعهود
3816 ومن ذلك صفة القرب في قوله { فإني قريب } { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } أي بالعلم
3817 ومن ذلك صفة الفوقية في قوله { وهو القاهر فوق عباده } { يخافون ربهم من فوقهم } والمراد بها العلو من غير جهة وقد قال فرعون { وإنا فوقهم قاهرون } ولا شك أنه لم يرد العلو المكاني
3818 ومن ذلك صفة المجيء في قوله { وجاء ربك } { أو يأتي ربك } أي أمره لأن الملك إنما يأتي بأمره أو بتسليطه كما قال تعالى { وهم بأمره يعملون } فصار كما لو صرح به
3819 وكذا قوله { فاذهب أنت وربك فقاتلا } أي اذهب بربك أي بتوفيقه وقوته
3820 ومن ذلك صفة الحب في قوله { يحبهم ويحبونه } { فاتبعوني يحببكم الله }
____________________
(2/19)
3821 وصفة الغضب في قوله { وغضب الله عليهم }
3822 وصفة الرضا في قوله { رضي الله عنهم }
3823 وصفة العجب في قوله { بل عجبت } بضم التاء وقوله { وإن تعجب فعجب قولهم }
3824 وصفة الرحمة في آيات كثيرة
3825 وقد قال العلماء كل صفة يستحيل حقيقتها على الله تعالى تفسر بلازمها
3826 قال الإمام فخر الدين جميع الأعراض النفسانية أعني الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء لها أوائل ولها غايات مثاله الغضب فإن أوله غليان دم القلب وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب عليه فلفظ الغضب في حق الله لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب بل على غرضه الذي هو إرادة الإضرار وكذلك الحياء له أول وهو إنكسار يحصل في النفس وله غرض وهو ترك الفعل فلفظ الحياء في حق الله يحمل على ترك الفعل لا على إنكسار النفس
إنتهى
3827 وقال الحسين بن الفضل العجب من الله إنكار الشيء وتعظيمه
3828 وسئل الجنيد عن قوله { وإن تعجب فعجب قولهم } فقال إن الله لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله فقال { وإن تعجب فعجب قولهم } أي هو كما تقول
3829 ومن ذلك لفظه ( عند ) في قوله تعالى { عند ربك } و { من عنده } ومعناهما الإشارة إلى التمكين والزلفى والرفعة
3830 ومن ذلك قوله { وهو معكم أين ما كنتم } أي بعلمه وقوله { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم }
____________________
(2/20)
3831 قال البيهقي الأصح أن معناه أنه المعبود في السموات وفي الأرض مثل قوله { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله }
3832 وقال الأشعري الظرف متعلق ب ( يعلم ) أي عالم بما في السموات والأرض
3833 ومن ذلك قوله { سنفرغ لكم أيها الثقلان } أي سنقصد لجزائكم تنبيه
3834 قال ابن اللبان ليس من المتشابه قوله تعالى { إن بطش ربك لشديد } لأنه فسره بعده بقوله { إنه هو يبدئ ويعيد } تنبيها على أن بطشه عبارة عن تصرفه في بدئه وإعادته وجميع تصرفاته في مخلوقاته فصل
3835 ومن المتشابه أوائل السور والمختار فيها أيضا أنها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله تعالى أخرج ابن المنذر وغيره عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال إن لكل كتاب سرا وإن سر هذا القرآن فواتح السور
3836 وخاض في معناها آخرون فأخرج ابن أبي حاتم وغيره من طريق أبي الضحى عن ابن عباس في قوله { الم } قال أنا الله أعلم وفي قوله { المص } قال أنا الله أفصل وفي قوله { الر } أنا الله أرى
3837 وأخرج من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { الم } و { حم } و { ن } قال اسم مقطع
3838 وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال { الر } و { حم } و { ن } حروف الرحمن مفرقة
3839 وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال { الر } من الرحمن
3840 وأخرج عنه أيضا قال { المص } الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد
____________________
(2/21)
3841 وأخرج أيضا عن الضحاك في قوله { المص } قال أنا الله الصادق وقيل { المص } معناه المصور وقيل { الر } معناه أنا الله أعلم وأرفع حكاهما الكرماني في غرائبه
3842 وأخرج الحاكم وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في { كهيعص } قال الكاف من كريم والهاء من هاد والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق
3843 وأخرج الحاكم أيضا من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال كاف هاد أمين عزيز صادق
3844 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله { كهيعص } قال هو هجاء مقطع الكاف من الملك والهاء من الله والياء والعين من العزيز والصاد من المصور
3845 وأخرج عن محمد بن كعب مثله إلا أنه قال والصاد من الصمد
3846 وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال كبير هاد أمين عزيز صادق
3847 وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله { كهيعص } قال الكاف الكافي والهاء الهادي والعين العالم والصاد الصادق
3848 وأخرج من طريق يوسف بن عطية قال سئل الكلبي عن { كهيعص } فحدث عن أبي صالح عن أم هانىء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كاف هاد أمين عالم صادق
3849 وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { كهيعص } قال يقول أنا الكبير الهادي علي أمين صادق
3850 وأخرج عن محمد بن كعب في قوله { طه } قال الطاء من { ذي الطول } وأخرج عنه أيضا في قوله { طسم } قال الطاء في { ذي الطول } والسين من القدوس والميم من الرحمن
____________________
(2/22)
3851 وأخرج عن سعيد بن جبير في قوله { حم } قال حاء اشتقت من الرحمن وميم اشتقت من الرحيم
3852 وأخرج عن محمد بن كعب في قوله { حم عسق } قال الحاء والميم من الرحمن والعين من العليم والسين من القدوس والقاف من القاهر
3853 وأخرج عن مجاهد قال فواتح السور كلها هجاء مقطع
3854 وأخرج عن سالم بن عبد الله قال { الم } و { حم } و { ن } ونحوها اسم الله مقطعة
3855 وأخرج عن السدي قال فواتح السور أسماء من أسماء الرب جل جلاله فرقت في القرآن
3856 وحكى الكرماني في قوله { ق } إنه حرف من اسمه قادر وقاهر
3857 وحكى غيره في قوله { ن } إنه مفتاح اسمه تعالى نور وناصر
3858 وهذه الأقوال كلها راجعة إلى قول واحد وهو إنها حروف مقطعة كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى والاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية قال الشاعر
( قلت لها قفي فقالت قاف % )
أي وقفت
3859 وقال
( بالخير خيرات وإن شرا فا % ولا أريد الشر إلا أن تا )
أراد وإن شرا فشر وإلا أن تشاء
3860 وقال
( ناداهم ألا الجموا ألا تا % قالوا جميعا كلهم ألافا )
أراد ألا تركبون ألا فاركبوا
3861 وهذا القول اختاره الزجاج وقال العرب تنطق بالحرف الواحد تدل
____________________
(2/23)
عليه به على الكلمة التي هو منها
وقيل إنها الاسم الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها
كذا نقله ابن عطية
3862 وأخرج ابن جرير بسند صحيح عن ابن مسعود قال هو اسم الله الأعظم
3863 وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي أنه بلغه عن ابن عباس قال { الم }
اسم من أسماء الله الأعظم
3864 وأخرج ابن جرير وغيره من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال { الم } و { طسم } و { ص } وأشباهها قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله وهذا يصلح أن يكون قولا ثالثا أي أنها برمتها أسماء الله ويصلح أن يكون من القول الأول ومن الثاني
وعلى الأول مشى ابن عطية وغيره
3865 ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه في تفسيره من طريق نافع بن أبي نعيم القارئ عن فاطمة بنت علي بن أبي طالب أنها سمعت علي بن أبي طالب يقول يا { كهيعص } اغفر لي
3866 وما أخرجه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله { كهيعص } قال يا من يجير ولا يجار عليه
3867 وأخرج عن أشهب قال سألت مالك بن أنس أينبغي لأحد أن يتسمى ب { يس } فقال ما أراه ينبغي لقول الله { يس والقرآن الحكيم } يقول هذا اسم تسميت به
3868 وقيل هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر أخرجه عبد الرزاق عن قتادة
3869 وأخرجه ابن أبي حاتم بلفظ كل هجاء في القرآن فهو اسم من أسماء القرآن
3870 وقيل هي أسماء للسور نقله الماوردي وغيره عن زيد بن أسلم ونسبه صاحب الكشاف إلى الأكثر
3871 وقيل هي فواتح للسور كما يقولون في أول القصائد بل و لا بل
3872 أخرج ابن جرير من طريق الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال { الم } و { حم } و { المص } و { ص } ونحوها فواتح افتتح الله بها القرآن
____________________
(2/24)
3873 وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج قال قال مجاهد { الم } و { المر } فواتح افتتح الله بها القرآن
قلت ألم يكن يقول هي أسماء قال لا
3874 وقيل هذا حساب أبي جاد لتدل على مدة هذه الأمة
3875 وأخرج ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رياب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } فأتى أخاه حيي ابن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه { الم ذلك الكتاب } قال أنت سمعته قال نعم فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك { الم ذلك الكتاب } فقال بلى فقالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفندخل في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم قال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم { المص } قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد ستون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة هل مع هذا غيره قال نعم { الر } قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة
هل مع هذه غيره قال نعم { المر } قال هذه أثقل وأطول هذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قال قوموا عنه
ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين
فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } أخرجه ابن جرير من هذا الطريق وابن المنذر ومن وجه آخر عن ابن جرير معضلا
____________________
(2/25)
3876 وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { الم } قال هذه الأحرف الثلاثة من الأحرف التسعة والعشرين دارت بها الألسن ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه تعالى وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلائه وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم فالألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله فالألف سنة واللام ثلاثون والميم أربعون
3877 قال الخويي وقد استخرج بعض الأئمة من قوله تعالى { الم غلبت الروم } أن البيت المقدس تفتحه المسلمون في سنة ثلاثة وثمانين وخمسمائة ووقع كما قاله
3878 وقال السهيلي لعل عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر للإشارة إلى مدة بقاء هذه الأمة
3879 قال ابن حجر وهذا باطل لا يعتمد عليه فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه الزجر عن عد أبي جاد والإشارة إلى أن ذلك من جملة السحر وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له في الشريعة
3880 وقد قال القاضي أبو بكر بن العربي في فوائد رحلته ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السور
3881 وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم ولا يصل منها إلى فهم
والذي أقوله إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم بل تلى عليهم { حم } فصلت و { ص } وغيرهما فلم ينكروا ذلك بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم إلى عثرة وغيرها وحرصهم على زلة فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه
انتهى
3882 وقيل وهي تنبيهات كما في النداء عده ابن عطية مغايرا للقول بأنها فواتح والظاهر أنه بمعناه
3883 قال أبو عبيدة { الم } افتتاح كلام
____________________
(2/26)
3884 وقال الخويي القول بأنها تنبيهات جيد لأن القرآن كلام عزيز وفوائده عزيزة فينبغي أن يرد على سمع متنبه فكان من الجائز أن يكون الله قد علم في بعض الأوقات كون النبي صلى الله عليه وسلم في عالم البشر مشغولا فأمر جبريل بأن يقول عند نزوله { الم } و { الر } و { حم } ليسمع النبي صوت جبريل فيقبل عليه ويصغي إليه
قال وإنما لم تستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم والقرآن كلام لا يشبه الكلام فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد لتكون أبلغ في قرع سمعه
انتهى
3885 وقيل إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه ويكون تعجبهم منه سببا لاستماعهم واستماعهم له سببا لاستماع ما بعده فترق القلوب وتلين الأفئدة
وعد هذا جماعة قولا مستقلا والظاهر خلافه وإنما يصلح هذا مناسبة لبعض الأقوال لا قولا في معناه إذ ليس فيه بيان معنى
3886 وقيل إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي أ ب ت ث . . فجاء بعضها مقطعا وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل القرآن بلغتهم أنه بالحروف التي يعرفونها فيكون ذلك تعريفا لهم ودلالة على عجزهم أن يأتوا بمثله بعد أن علموا أنه منزل بالحروف التي يعرفونها ويبنون كلامهم منها
وقيل المقصود بها الإعلام بالحروف التي يتركب منها الكلام فذكر منها أربعة عشر حرفا وهي نصف جميع الحروف وذكر من كل جنس نصفه
فمن حرف الحلق الحاء والعين والهاء
ومن التي فوقها القاف والكاف
ومن الحرفين الشفهيين الميم
ومن المهموسة السين والحاء والكاف والصاد والهاء
ومن الشديدة الهمزة والطاء والقاف والكاف
ومن المطبقة الطاء والصاد
ومن المجهورة الهمزة والميم واللام والعين والراء والطاء والقاف والياء والنون ومن المنفتحة الهمزة والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ومن المستعلية القاف والصاد والطاء
ومن المنخفضة الهمزة واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون
ومن القلقلة القاف والطاء
____________________
(2/27)
ثم إنه تعالى ذكر حروفا مفردة وحرفين حرفين وثلاثة ثلاثة وأربعة وخمسة لأن تراكيب الكلام على هذا النمط ولا زيادة على الخمسة
3887 وقيل هي أمارة جعلها الله لأهل الكتاب إنه سينزل على محمد كتابا في أول سور منه حروف مقطعة
3888 هذا ما وقفت عليه من الأقوال في أوائل السور من حيث الجملة وفي بعضها أقوال أخر فقيل إن طه ويس بمعنى يا رجل أو يا محمد أو يا إنسان وقد تقدم في المعرب
3889 وقيل هما اسمان من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
3890 قال الكرماني في غرائبه ويقويه في يس قراءة ( يسن ) بفتح النون وقوله ( آل ياسين )
وقيل طه أي طأ الأرض أو اطمئن فيكون فعل أمر والهاء مفعول أو للسكت أو مبدلة من الهمزة
3891 أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { طه } هو كقولك افعل
وقيل طه أي يا بدر لأن الطاء بتسعة والهاء بخمسة فذلك أربعة عشر إشارة إلى البدر لأنه يتم فيها
ذكره الكرماني في غرائبه
3892 وقيل في قوله { يس } أي يا سيد المرسلين وفي قوله { ص } معناه صدق الله
3893 وقيل أقسم بالصمد الصانع الصادق وقيل معناه صاد يا محمد عملك بالقرآن أي عارضه به فهو أمر من المصاداة
3894 وأخرج عن الحسين قال صاد حادث القرآن يعني انظر فيه
3895 وأخرج عن سفيان بن حسين قال كان الحسن يقرؤها ( صاد والقرآن ) يقول عارض القرآن
3896 وقيل ص اسم بحر عليه عرش الرحمن وقيل اسم بحر يحيي به الموتى
3897 وقيل معناه صاد محمد قلوب العباد حكاها الكرماني كلها
3898 وحكى في قوله { المص } أي معناه ( ألم نشرح لك صدرك ) وفي
____________________
(2/28)
{ حم } أنه صلى الله عليه وسلم وقيل معناه ( حم ) ما هو كائن وفي ( حمعسق ) أنه جبل قاف وقيل ( ق ) جبل محيط بالأرض
أخرجه عبد الرزاق عن مجاهد
3899 وقيل أقسم بقوة قلب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هي الكاف من قوله { قضي الأمر } دلت على بقية الكلمة
3900 وقيل معناها قف يا محمد على أداء الرسالة والعمل بما أمرت حكاهما الكرماني
3901 وقيل ( ن ) هو الحوت
أخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا ( أول ما خلق الله القلم والحوت
قال اكتب قال ما أكتب قال كل شيء كائن إلى يوم القيامة ثم قرأ { ن والقلم } فالنون الحوت والقاف القلم
3902 وقيل هو اللوح المحفوظ أخرجه ابن جرير من مرسل ابن قرة مرفوعا
3903 وقيل هو الدواة أخرجه عن الحسن وقتادة
3904 وقيل هو المداد حكاه ابن قرصة في غريبه
3905 وقيل هو القلم حكاه الكرماني عن الجاحظ
3906 وقيل هو اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم حكاه ابن عساكر في مبهماته
3907 وفي المحتسب لابن جني أن ابن عباس قرأ / < حم سق > / بلا عين ويقول السين كل فرقة تكون والقاف كل جماعة تكون
3908 قال ابن جنى وفي هذه القراءة دليل على أن الفواتح فواصل بين السور ولو كانت أسماء الله لم يجز تحريف شيء منها لأنها لا تكون حينئذ أعلاما والأعلام تؤدى بأعيانها ولا يحرف شيء منها
3909 وقال الكرماني في غرائبه في قوله تعالى { الم أحسب الناس } الاستفهام هنا يدل على انقطاع الحروف عما بعدها في هذه السورة وغيرها خاتمة
3910 أورد بعضهم سؤالا وهو أنه هل للمحكم مزية على المتشابه أو لا فإن قلتم بالثاني فهو خلاف الإجماع أو بالأول فقد نقضتم أصلكم في أن جميع كلام
____________________
(2/29)
الله سبحانه وتعالى سواء وأنه منزل بالحكمة
3911 وأجلب أبو عبد الله البكراباذي بأن المحكم كالمتشابه من وجه ويخالفه من وجه فيتفقان في أن الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعد معرفة حكمة الواضع وأنه لا يختار القبيح ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه فمن سمعه أمكنه أن يستدل به في الحال والمتشابه يحتاج إلى فكرة ونظر ليحمله على الوجه المطابق ولأن المحكم أصل والعلم بالأصل أسبق ولأن المحكم يعلم مفصلا والمتشابه لا يعلم إلا مجملا
3912 وقال بعضهم إن قيل ما الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده به البيان والهدى قلت إن كان مما يمكن علمه فله فوائد
منها الحث للعلماء على النظر الموجب للعلم بغوامضه والبحث عن دقائقه فإن استدعاء الهمم لمعرفة ذلك من أعظم القرب
ومنها ظهور التفاضل وتفاوت الدرجات إذ لو كان القرآن كله محكما لا يحتاج إلى تأويل ونظر لاستوت منازل الخلق ولم يظهر فضل العالم على غيره
3913 وإن كان مما لا يمكن علمه فله فوائد
منها ابتلاء العباد بالوقوف عنده والتوقف فيه والتفويض والتسليم والتعبد بالاشتغال به من جهة التلاوة كالمنسوخ وإن لم يجز العمل بما فيه وإقامة الحجة عليهم لأنه لما نزل بلسانهم ولغتهم وعجزوا عن الوقوف على معناه مع بلاغتهم وأفهامهم دل على أنه نزل من عند الله وأنه الذي أعجزهم عن الوقوف على معناه
3914 وقال الإمام فخر الدين من الملحدة من طعن في القرآن لأجل اشتماله على المتشابهات وقال إنكم تقولون إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة ثم إنا نراه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه فالجبري متمسك بآيات الجبر كقوله تعالى { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا } والقدري يقول هذا مذهب الكفار بدليل أنه تعالى حكى ذلك عنهم في معرض الذم في قوله { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر }
____________________
(2/30)
وفي موضع آخر { وقالوا قلوبنا غلف }
ومنكر الرؤية متمسك بقوله تعالى { لا تدركه الأبصار }
ومثبت الجهة متمسك بقوله تعالى { يخافون ربهم من فوقهم } { الرحمن على العرش استوى } والنافي متمسك بقوله تعالى { ليس كمثله شيء }
ثم يسمى كل واحد الآيات الموافقة لمذهبه محكمة والآيات المخالفة له متشابهة وإنما آل في ترجيح بعضها على البعض إلى ترجيحات خفية ووجوه ضعيفة فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا
قال والجواب أن العلماء ذكروا لوقوع المتشابه فيه فوائد
منها أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب
ومنها أنه لو كان القرآن كله محكما لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه والانتفاع به فإذا كان مشتملا على المحكم والمتشابه طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته فينظر فيه جميع أرباب المذاهب ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات وبهذا الطرق يتخلص المبطل من باطله ويتصل إلى الحق
ومنها أن القرآن إذا كان مشتملا على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق التأويلات وترجيح بعضها على بعض وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة فكان في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة
ومنها أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص والعوام وطبائع العوام تنفر في
____________________
(2/31)
أكثر الأمر عن درك الحقائق فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه ظن أن هذا عدم ونفي فوقع التعطيل فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما توهموه وتخيلوه ويكون ذلك مخلوطا بما يدل على الحق الصريح فالقسم الأول وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من المتشابهات والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر من المحكمات
____________________
(2/32)
النوع الرابع والأربعون في مقدمه ومؤخره
وهو قسمان
3915 الأول ما أشكل معناه بحسب الظاهر فلما عرف أنه من باب التقديم والتأخير اتضح
وهو جدير أن يفرد بالتصنيف وقد تعرض السلف لذلك في آيات
3916 فأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى { ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا } قال هذا من تقاديم الكلام يقول ( لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة )
3917 وأخرج عنه أيضا في قوله تعالى { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } قال هذا من مقاديم الكلام يقول ( لولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما )
3918 وأخرج عن مجاهد في قوله تعالى { أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما } قال هذا من التقديم والتأخير ( أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا )
3919 وأخرج عن قتادة في قوله تعالى { إني متوفيك ورافعك إلي } قال هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إلي ومتوفيك
3920 وأخرج عن عكرمة في قوله تعالى { لهم عذاب شديد بما نسوا يوم } { الحساب } ) قال هذا من التقديم والتأخير يقول ( لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا )
3921 وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله تعالى { ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا }
____________________
(2/33)
قال هذه الآية مقدمة ومؤخرة إنما هي ( أذاعوا به إلا قليلا منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم ينج قليل ولا كثير )
3922 وأخرج عن ابن عباس في قوله تعالى { فقالوا أرنا الله جهرة } قال إنهم إذا رأوا الله فقد رأوه إنما قالوا ( جهرة أرنا الله ) قال هو مقدم ومؤخر
قال ابن جرير يعني أن سؤالهم كان جهرة
3923 ومن ذلك قوله { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } قال البغوي هذه أول القصة وإن كان مؤخرا في التلاوة
3924 وقال الواحدي كان الاختلاف في القاتل قبل ذبح البقرة وإنما أخر في الكلام لأنه تعالى لما قال { إن الله يأمركم } الآية علم المخاطبون أن البقرة لا تذبح إلا للدلالة على قاتل خفيت عينه عليهم فلما استقر علم هذا في نفوسهم أتبع بقوله { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } فسألتم موسى فقال { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة }
3925 ومنه { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } والأصل ( هواه إلهه ) لأن من اتخذ إلهه هواه غير مذموم فقدم المفعول الثاني للعناية به
3926 وقوله { والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى } على تفسير ( أحوى ) بالأخضر
وجعله نعتا للمرعى أي أخرجه أحوى وأخر رعاية للفاصلة
3927 وقوله { وغرابيب سود } والأصل ( سود غرابيب ) لأن الغربيب الشديد السواد
3928 وقوله { فضحكت فبشرناها } أي فبشرناها فضحكت
____________________
(2/34)
3929 وقوله { ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه } أي لهم بها وعلى هذا فالهم منفي عنه
3930 الثاني ما ليس كذلك وقد ألف فيه العلامة شمس الدين بن الصائغ كتابه ( المقدمة في سر الألفاظ المقدمة ) قال فيه الحكمة الشائعة الذائعة في ذلك الاهتمام كما قال سيبويه في كتابه كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم وهم ببيانه أعنى
3931 قال هذه الحكمة إجمالية وأما تفاصيل أسباب التقديم وأسراره فقد ظهر لي منها في الكتاب العزيز عشرة أنواع
الأول التبرك كتقديم اسم الله تعالى في الأمور ذات الشأن ومنه قوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } وقوله { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } الآية
3932 الثاني التعظيم كقوله { ومن يطع الله والرسول } { إن الله وملائكته يصلون } { والله ورسوله أحق أن يرضوه }
3933 الثالث التشريف كتقديم الذكر على الأنثى نحو { إن المسلمين والمسلمات } الآية والحر في قوله { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } والحي في قوله { يخرج الحي من الميت } الآية { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } والخيل في قوله { والخيل والبغال والحمير لتركبوها } والسمع في قوله { وعلى سمعهم وعلى أبصارهم } وقوله { إن السمع والبصر والفؤاد } وقوله { إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } حكى ابن عطية عن النقاش أنه استدل بها على تفضيل السمع والبصر ولذا وقع في وصفه تعالى { سميع بصير } بتقديم ( السميع )
3934 ومن ذلك تقديمه صلى الله عليه وسلم على نوح ومن معه في قوله { وإذ أخذنا من }
____________________
(2/35)
{ النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح } ) الآية وتقديم الرسول في قوله { من رسول ولا نبي } وتقديم المهاجرين في قوله { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } وتقديم الإنس على الجن حيث ذكرا في القرآن وتقديم النبيين ثم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين في آية النساء وتقديم إسماعيل على إسحاق لأنه أشرف بكون النبي صلى الله عليه وسلم من ولده وأسن وتقديم موسى على هارون لاصطفائه بالكلام وقدم هارون عليه في سورة طه رعاية للفاصلة
وتقديم جبريل على ميكائيل في آية البقرة لأنه أفضل وتقديم العاقل على غيره في قوله { متاعا لكم ولأنعامكم } { يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات }
3935 وأما تقديم الأنعام في قوله { تأكل منه أنعامهم وأنفسهم } فلأنه تقدم ذكر الزرع فناسب تقديم الأنعام بخلاف آية ( عبس ) فإنه تقدم فيها { فلينظر الإنسان إلى طعامه } فناسب تقديم ( لكم )
وتقديم ( المؤمنين ) على ( الكفار ) في كل موضع وأصحاب اليمين على أصحاب الشمال والسماء على الأرض والشمس على القمر حيث وقع إلا في قوله { خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا } فقيل لمراعاة الفاصلة وقيل لأن انتفاع أهل السموات العائد عليهن الضمير به أكثر
3936 وقال ابن الأنباري يقال إن القمر وجهه يضيء لأهل السموات وظهره لأهل الأرض ولهذا قال تعالى { فيهن } لما كان أكثر نوره يضيء إلى أهل السماء
3937 ومنه تقديم الغيب على الشهادة في قوله { عالم الغيب والشهادة } لأن علمه أشرف وأما { فإنه يعلم السر وأخفى } فأخر فيه رعاية للفاصلة
3938 الرابع المناسبة وهي إما مناسبة المتقدم لسياق الكلام كقوله { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون } فإن الجمال بالجمال وإن كان ثابتا حالتي السراح والإراحة إلا أنها حالة إراحتها وهو مجيئها من المرعى آخر النهار يكون الجمال بها أفخر إذ هي فيه بطان وحالة سراحها للمرعى أول النهار
____________________
(2/36)
يكون الجمال بها دون الأول إذ هي فيه خماص
ونظيره قوله { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } قدم نفي الإسراف لأن الشرف في الإنفاق
3939 وقوله { يريكم البرق خوفا وطمعا } لأن الصواعق تقع مع أول برقة ولا يحصل المطر إلا بعد توالي البرقات
3940 وقوله { وجعلناها وابنها آية للعالمين } قدمها على الابن لما كان السياق في ذكرها في قوله { والتي أحصنت فرجها } ولذلك قدم الابن في قوله { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } وحسنه تقدم موسى في الآية قبله
3941 ومنه قوله { وكلا آتينا حكما وعلما } قدم الحكم وإن كان العلم سابقا عليه لأن السياق فيه لقوله في أول الآية { إذ يحكمان في الحرث }
3942 وإما مناسبة لفظ هو من التقدم أو التأخر كقوله { الأول والآخر } { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } { بما قدم وأخر } { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } { لله الأمر من قبل ومن بعد } { له الحمد في الأولى والآخرة } وأما قوله { فلله الآخرة والأولى } فلمراعاة الفاصلة وكذا قوله { جمعناكم والأولين }
3943 الخامس الحث عليه والحض على القيام به حذرا من التهاون به كتقديم الوصية على الدين في قوله { من بعد وصية يوصي بها أو دين } مع أن الدين مقدم عليها شرعا
3944 السادس السبق وهو إما في الزمان باعتبار الإيجاد بتقديم الليل على النهار والظلمات على النور وآدم على نوح ونوح على إبراهيم وإبراهيم على موسى وهو على عيسى وداود على سليمان والملائكة على البشر في قوله { الله }
____________________
(2/37)
{ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس } ) وعاد على ثمود والأزواج على الذرية في قوله { قل لأزواجك وبناتك }
3945 والسنة على النوم في قوله { لا تأخذه سنة ولا نوم }
3946 أو باعتبار الإنزال كقوله { صحف إبراهيم وموسى } { وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان }
3947 أو باعتبار الوجوب والتكليف نحو { اركعوا واسجدوا } { فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } الآية { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( نبدأ بما بدأ الله به )
3948 أو بالذات نحو { مثنى وثلاث ورباع } { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم } وكذا جميع الأعداد كل مرتبة هي متقدمة على ما فوقها بالذات
وأما قوله { أن تقوموا لله مثنى وفرادى } فللحث على الجماعة والاجتماع على الخير
3949 السابع السببية كتقديم العزيز على الحكيم لأنه عز فحكم والعليم عليه لأن الإحكام والإتقان ناشئ عن العلم
وأما تقديم الحكيم عليه في سورة الأنعام فلأنه مقام تشريع الأحكام
3950 ومنه تقديم العبادة على الاستعانة في سورة الفاتحة لأنها سبب حصول الإعانة وكذا قوله { يحب التوابين ويحب المتطهرين } لأن التوبة سبب الطهارة { لكل أفاك أثيم } لأن الإفك سبب الإثم { يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم } لأن البصر داعية إلى الفرج
3951 الثامن الكثرة كقوله { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } لأن الكفار أكثر { فمنهم ظالم لنفسه } الآية قدم الظالم لكثرته ثم المقتصد ثم
____________________
(2/38)
السابق ولهذا قدم السارق على السارقة لأن السرقة في الذكور أكثر والزانية على الزاني لأن الزنى فيهن أكثر
3952 ومنه تقديم الرحمة على العذاب حيث وقع في القرآن غالبا ولهذا ورد ( إن رحمتي غلبت غضبي )
3953 وقوله { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } قال ابن الحاجب في أماليه إنما قدم الأزواج لأن المقصود الإخبار أن فيهم أعداء ووقوع ذلك في الأزواج أكثر منه في الأولاد وكان أقعد في المعنى المراد فقدم ولذلك قدمت الأموال في قوله { أنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأن الأموال لا تكاد تفارقها الفتنة { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } وليست الأولاد في استلزام الفتنة مثلها فكان تقديمها أولى
3954 التاسع الترقي من الأدنى إلى الأعلى كقوله { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها } الآية بدأ بالأدنى لغرض الترقي لأن اليد أشرف من الرجل والعين أشرف من اليد والسمع أشرف من البصر
3955 ومن هذا النوع تأخير الأبلغ وقد خرج عليه تقديم الرحمن على الرحيم والرءوف على الرحيم والرسول على النبي في قوله { وكان رسولا نبيا } وذكر لذلك نكت أشهرها مراعاة الفاصلة
3956 العاشر التدلي من الأعلى إلى الأدنى وخرج عليه { لا تأخذه سنة ولا نوم } { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون }
3957 هذا ما ذكره ابن الصائغ وذكر غيره أسبابا أخر منها كونه أدل
____________________
(2/39)
على القدرة وأعجب كقوله { فمنهم من يمشي على بطنه } الآية وقوله { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير } قال الزمخشري قدم الجبال على الطير لأن تسخيرها له وتسبيحها أعجب وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز لأنها جماد والطير حيوان ناطق
ومنها رعاية الفواصل وسيأتي لذلك أمثلة كثيرة
ومنها أفادة الحصر للاختصاص وسيأتي في النوع الخامس والخمسين تنبيه
3958 قد يقدم لفظ في موضع ويؤخر في آخر ونكتة ذلك إما لكون السياق في كل موضع يقتضي ما وقع فيه كما تقدمت الإشارة إليه وإما لقصد البداءة والختم به للاعتناء بشأنه كما في قوله { يوم تبيض وجوه } الآيات وإما لقصد التفنن في الفصاحة وإخراج الكلام على عدة أساليب كما في قوله { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } وقوله { وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا }
وقوله { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور }
وقال في الأنعام { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس }
____________________
(2/40)
النوع الخامس والأربعون في عامه وخاصه
3959 العام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر وصيغته ( كل ) مبتدأة نحو { كل من عليها فان } أو تابعة نحو { فسجد الملائكة كلهم أجمعون }
3960 والذي والتي وتثنيتهما وجمعهما نحو { والذي قال لوالديه أف لكما } فإن المراد به كل من صدر منه هذا القول بدليل قوله بعد { أولئك الذين حق عليهم القول } { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة } { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } { للذين اتقوا عند ربهم جنات } { واللائي يئسن من المحيض } الآية { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا } الآية { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما }
3961 وأي وما ومن شرطا واستفهاما وموصولا نحو { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } { من يعمل سوءا يجز به }
3962 والجمع المضاف نحو { يوصيكم الله في أولادكم }
والمعرف بأل نحو { قد أفلح المؤمنون } { فاقتلوا المشركين }
3963 واسم الجنس المضاف نحو { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } أي كل أمر الله
____________________
(2/41)
3964 والمعرف بأل نحو { وأحل الله البيع } أي كل بيع { إن الإنسان لفي خسر } أي كل إنسان بدليل { إلا الذين آمنوا }
3965 والنكرة في سياق النفي والنهي نحو { فلا تقل لهما أف } { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } { ذلك الكتاب لا ريب فيه } { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }
وفي سياق الشرط نحو { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله }
وفي سياق الإمتنان نحو { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } 1 - فصل
3966 العام على ثلاثة أقسام
الأول الباقي على عمومه قال القاضي جلال الدين البلقيني ومثاله عزيز إذ مامن عام إلا ويتخيل فيه التخصيص فقوله { يا أيها الناس اتقوا ربكم } قد يخص منه غير المتكلف و { حرمت عليكم الميتة } خص منها حالة الاضطرار وميتة السمك والجراد وحرم الربا خص منه العرايا
3967 وذكر الزركشي في البرهان أنه كثير في القرآن وأورد منه { وأن الله بكل شيء عليم } { إن الله لا يظلم الناس شيئا } { ولا يظلم ربك أحدا } { والله خلقكم من تراب ثم من نطفة } { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا }
3968 قلت هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية فالظاهر أن مراد البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية وقد استخرجت من القرآن بعد الفكر آية فيها وهي قوله { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية فإنه لا خصوص فيها
3969 الثاني العام المراد به الخصوص
3970 الثالث العام المخصوص وللناس بينهما فروق
____________________
(2/42)
أن الأول لم يرد شموله لجميع الأفراد لا من جهة تناول اللفظ ولا من جهة الحكم بل هو ذو أفراد استعمل في فرد منها
والثاني أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لها لا من جهة الحكم
3971 ومنها أن الأول مجاز قطعا لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي بخلاف الثاني فإن فيه مذاهب أصحها أنه حقيقة وعليه أكثر الشافعية وكثير من الحنفية وجميع الحنابلة ونقله إمام الحرمين عن جميع الفقهاء
3972 وقال الشيخ أبو حامد إنه مذهب الشافعي وأصحابه وصححه السبكي لأن تناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص وذلك التناول حقيقي اتفاقا فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا
3973 ومنها أن قرينة الأول عقلية والثاني لفظيه
3974 ومنها أن قرينة الأول لا تنفك عنه وقرينة الثاني قد تنفك عنه
3975 ومنها أن الأول يصح أن يراد به واحدا اتفاقا وفي الثاني خلاف
3976 ومن أمثلة المراد به الخصوص قوله تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } والقائل واحد نعيم بن مسعود الأشجعي أو أعرابي من خزاعة كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبي رافع لقيامه مقام كثير في تثبيط المؤمنين عن ملاقاة أبي سفيان
3977 قال الفارسي ومما يقوي أن المراد به واحد قوله { إنما ذلكم الشيطان } فوقعت الإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى واحد بعينه ولو كان المعنى جمعا لقال ( إنما أولئكم الشيطان ) فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ
3978 ومنها قوله تعالى { أم يحسدون الناس } أي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة
3979 ومنها قوله { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } أخرج ابن جرير من
____________________
(2/43)
طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله { من حيث أفاض الناس } قال إبراهيم
3980 ومن الغريب قراءة سعيد بن جبير / < من حيث أفاض الناسي > / قال في المحتسب يعني آدم لقوله { فنسي ولم نجد له عزما }
3981 ومنها قوله تعالى { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } أي جبريل كما في قراءة ابن مسعود
3982 وأما المخصوص فأمثلته في القرآن كثيرة جدا وهو أكثر من المنسوخ إذ ما من عام إلا وقد خص
ثم المخصص له إما متصل وإما منفصل
فالمتصل خمسة وقعت في القرآن
أحدها الاستثناء نحو { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا } { والشعراء يتبعهم الغاوون } إلى قوله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية { ومن يفعل ذلك يلق أثاما } إلى قوله { إلا من تاب } { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } { كل شيء هالك إلا وجهه }
3983 الثاني الوصف نحو { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن }
3984 الثالث الشرط نحو { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية }
3985 الرابع الغاية نحو { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله { حتى يعطوا الجزية } { ولا تقربوهن حتى يطهرن } { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } الآية
____________________
(2/44)
3986 والخامس بدل البعض من الكل نحو { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
والمنفصل آية أخرى في محل آخر أو حديث أو إجماع أو قياس
3987 ومن أمثلة ما خص بالقرآن قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } خص بقوله { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة } وبقوله { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن }
3988 وقوله { حرمت عليكم الميتة والدم } خص من الميتة السمك بقوله { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة } ومن الدم الجامد بقوله { أو دما مسفوحا }
3989 وقوله { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } الآية خص بقوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به }
( 3990 وقوله { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } خص بقوله { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }
3991 وقوله { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } خص بقوله { حرمت عليكم أمهاتكم } الآية
3992 ومن أمثلة ما خص بالحديث قوله تعالى { وأحل الله البيع } خص منه البيوع الفاسدة وهي كثيرة بالسنة { وحرم الربا } خص منه العرايا بالسنة
3993 وآيات المواريث خص منها القاتل والمخالف في الدين بالسنة
____________________
(2/45)
3994 وآية تحريم الميتة خص منها الجراد بالسنة وآية { ثلاثة قروء } خص منها الأمة بالسنة
3995 وقوله { ماء طهورا } خص منه المتغير بالسنة
3996 وقوله { والسارق والسارقة فاقطعوا } خص منه من سرق دون ربع دينار بالسنة
3997 ومن أمثلة ما خص بالإجماع آية المواريث خص منها الرقيق فلا يرث بالإجماع ذكره مكي
3998 ومن أمثلة ما خص بالقياس آية الزنا { فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } خص منها العبد بالقياس على الأمة المنصوصة في قوله { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } المخصص لعموم الآية ذكره مكي أيضا 2 - فصل
3999 من خاص القرآن ما كان مخصصا لعموم السنة وهو عزيز ومن أمثلته قوله تعالى { حتى يعطوا الجزية } خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )
4000 وقوله { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } خص عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات المكروهة بإخراج الفرائض
4001 وقوله { ومن أصوافها وأوبارها } الآية خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( ما أبين من حي فهو ميت )
4002 وقوله { والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم } خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )
4003 وقوله { فقاتلوا التي تبغي } خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا التقى المسلمان بالسيف فالقاتل والمقتول في النار )
____________________
(2/46)
فروع منثورة تتعلق بالعموم والخصوص
4004 الأول إذا سيق العام للمدح أو الذم فهل هو باق على عمومه فيه مذاهب أحدها نعم إذ لا صارف عنه ولا تنافي بين العموم وبين المدح أو الذم
والثاني لا لأنه لم يسق للتعميم بل للمدح أو للذم
والثالث وهو الأصح التفصيل فيعم إن لم يعارضه عام آخر لم يسق لذلك ولا يعم ن عارضه ذلك جمعا بينهما
مثاله ولا معارض قوله تعالى { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم }
ومع المعارض قوله تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } فإنه سيق للمدح وظاهره يعم الأختين بملك اليمين جمعا وعارضه في ذلك { وأن تجمعوا بين الأختين } فإنه شامل لجمعهما بملك اليمين ولم يسق للمدح فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله له
4005 ومثاله في الذم { والذين يكنزون الذهب والفضة } الآية فإنه سيق للذم وظاهره يعم الحلي المباح وعارضه في ذلك حديث جابر ( ليس في لحلي زكاة ) فحمل الأول على غير ذلك
4006 الثاني اختلف في الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم نحو { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } هل يشمل الأمة فقيل نعم لأن أمر القدوة أمر لأتباعه معه عرفا والأصح في الأصول المنع لاختصاص الصيغة به
4007 الثالث اختلف في الخطاب ب ( يأيها الناس ) هل يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم على مذاهب أصحها وعليه الأكثرون نعم لعموم الصيغة له
4008 أخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال إذا قال الله ( يأيها الذين آمنوا افعلوا ) فالنبي صلى الله عليه وسلم منهم
4009 والثاني لا لأنه ورد على لسانه لتبليغ غيره ولما له من الخصائص
____________________
(2/47)
4010 والثالث إن اقترن ب ( قل ) لم يشمله لظهوره في التبليغ وذلك قرينة عدم شموله وإلا فيشمله
4011 الرابع الأصح في الأصول أن الخطاب ( يأيها الناس ) يشمل الكافر والعبد لعموم اللفظ
وقيل لا يعم الكافر بناء على عدم تكليفه بالفروع ولا العبد لصرف منافعه إلى سيده شرعا
4012 الخامس اختلف في ( من ) هل تتناول الأنثى فالأصح نعم خلافا للحنفية لنا قوله تعالى { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى } فالتفسير بهما دال على تناول ( من ) لهما وقوله { ومن يقنت منكن لله }
4013 واختلف في جمع المذكر السالم هل يتناولها فالأصح لا وإنما يدخلن فيه بقرينة أما المكسر فلا خلاف في دخولهن فيه
4014 السادس اختلف في الخطاب ( يا أهل الكتاب ) هل يشمل المؤمنين فالأصح لا لأن اللفظ قاصر على من ذكر
وقيل إن شركوهم في المعنى شملهم وإلا فلا
واختلف في الخطاب ( يأيها الذين آمنوا ) هل يشمل أهل الكتاب فقيل لا بناء على أنهم غير مخاطبين بالفروع
وقيل نعم واختاره ابن السمعاني قال وقوله ( يأيها الذين آمنوا ) خطاب تشريف لا تخصيص
____________________
(2/48)
النوع السادس والأربعون في مجمله ومبينه
4015 المجمل مالم تتضح دلالته وهو واقع في القرآن خلافا لداود الظاهري وفي جواز بقائه مجملا أقوال أصحها لا يبقى المكلف بالعمل به بخلاف غيره
4016 وللإجمال أسباب
منها الاشتراك نحو { والليل إذا عسعس } فإنه موضوع لأقبل وأدبر { ثلاثة قروء } فإن القرء موضوع للحيض والطهر { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } يحتمل الزوج والولي فإن كلا منهما بيده عقدة النكاح
4017 ومنها الحذف نحو { وترغبون أن تنكحوهن } يحتمل ( في ) و ( عن )
4018 ومنها اختلاف مرجع الضمير نحو { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } يحتمل عود ضمير الفاعل في ( يرفعه ) إلى ما عاد عليه ضمير ( إليه ) وهو الله
ويحتمل عوده إلى العمل والمعنى أن العمل الصالح هو الذي يرفع الكلم الطيب
ويحتمل عوده إلى الكلم الطيب أي أن الكلم الطيب وهو التوحيد يرفع العمل الصالح لأنه لا يصح العمل إلا مع الإيمان
4019 ومنها احتمال العطف والاستئناف نحو { إلا الله والراسخون في العلم يقولون }
____________________
(2/49)
4020 ومنها غرابة اللفظ نحو { فلا تعضلوهن }
4021 ومنها عدم كثرة الاستعمال الآن نحو { يلقون السمع } أي يسمعون { ثاني عطفه } أي متكبرا { فأصبح يقلب كفيه } أي نادما
4022 ومنها التقديم والتأخير نحو { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } أي ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما { يسألونك كأنك حفي عنها } أي يسألونك عنها كأنك حفي
4023 ومنها قلب المنقول نحو { وطور سينين } أي سيناء { على إل ياسين } أي على الياس
4024 ومنها التكرير القاطع لوصل الكلام في الظاهر نحو { للذين استضعفوا لمن آمن منهم } فصل
4025 قد يقع التبيين متصلا نحو { من الفجر } بعد قوله { الخيط الأبيض من الخيط الأسود }
4026 ومنفصلا في آية أخرى نحو { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } بعد قوله { الطلاق مرتان } فإنها بينت أن المراد به الطلاق الذي يملك الرجعة بعده ولولاها لكان الكل منحصرا في الطلقتين
4027 وقد أخرج أحمد وأبو داود في ناسخه وسعيد بن منصور وغيرهم عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل يا رسول الله أرأيت قول الله { الطلاق مرتان } فأين الثالثة قال التسريح بإحسان
4028 وأخرج ابن مردويه عن أنس قال قال رجل يا رسول الله ذكر الله الطلاق مرتين فأين الثالثة قال { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان }
____________________
(2/50)
4029 وقوله { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } دال على جواز الرؤية ومفسر أن المراد بقوله { لا تدركه الأبصار } لا تحيط به دون ( لا تراه )
4030 وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لا تدركه الأبصار } لا تحيط به
4031 وأخرج عن عكرمة أنه قيل له عند ذكر الرؤية أليس قد قال { لا تدركه الأبصار } فقال ألست ترى السماء أفكلها ترى
4032 وقوله { أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم } الآية فسره قوله { حرمت عليكم الميتة }
4033 وقوله { مالك يوم الدين } فسره قوله { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك } الآية
4034 وقوله { فتلقى آدم من ربه كلمات } فسره قوله { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية
4035 وقوله { وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا } فسره قوله في آية النحل { بالأنثى }
4036 وقوله { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } قال العلماء بيان هذا العهد قوله { لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي } إلى آخره فهذا عهده وعهدهم { لأكفرن عنكم سيئاتكم } إلى آخره
4037 وقوله { صراط الذين أنعمت عليهم } بينه قوله { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين } الآية
4038 وقد يقع التبيين بالسنة مثل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } { ولله على }
____________________
(2/51)
{ الناس حج البيت } ) وقد بينت السنة أفعال الصلاة والحج ومقادير نصب الزكوات في أنواعها 1 - تنبيه
4039 اختلف في آيات هل هي من قبيل المجمل أو لا
4040 منها آية السرقة قيل إنها مجملة في اليد لأنها تطلق على العضو إلى الكوع وإلى المرفق وإلى المنكب وفي القطع لأنه يطلق على الإبانة وعلى الجرح ولا ظهور لواحد من ذلك وإبانة الشارع من الكوع تبين أن المراد ذلك
وقيل لا إجمال فيها لأن القطع ظاهر في الإبانة
4041 ومنها { وامسحوا برؤوسكم } قيل إنها مجملة لترددها بين مسح الكل والبعض ومسح الشارع الناصية مبين لذلك
وقيل لا وإنما هي لمطلق المسح الصادق بأقل ما يطلق عليه الاسم ويفيده
4042 ومنها { حرمت عليكم أمهاتكم } قيل مجملة لأن إسناد التحريم إلى العين لا يصح لأن إنما يتعلق بالفعل فلا بد من تقديره وهو محتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها ولا مرجح لبعضها
وقيل لا لوجود المرجح وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد تحريم الاستمتاع بوطء أو نحوه ويجري ذلك في كل ما علق فيه التحريم والتحليل بالأعيان
4043 ومنها { وأحل الله البيع وحرم الربا } قيل إنها مجملة لأن الربا الزيادة وما من بيع إلا وفيه زيادة فافتقر إلى بيان ما يحل وما يحرم
وقيل لا لأن البيع منقول شرعا فحمل على عمومه مالم يقم دليل التخصيص
4044 وقال الماوردي للشافعي في هذه الآية أربعة أقوال
أحدها أنها عامة فإن لفظها لفظ عموم يتناول كل بيع ويقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل وهذا القول أصحها عند الشافعي وأصحابه لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز فدل على أن الآية تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها فبين صلى الله عليه وسلم المخصوص
قال فعلى هذا في العموم قولان
____________________
(2/52)
أحدهما أنه عموم أريد به العموم وإن دخله التخصيص
والثاني أنه عموم أريد به الخصوص قال والفرق بينهما أن البيان في الثاني متقدم على اللفظ وفي الأول متأخر عنه مقترن به
قال وعلى القولين يجوز الاستدلال بالآية في المسائل المختلف فيها ما لم يقع دليل تخصيص
والقول الثاني أنها مجملة لا يعقل منها صحه بيع من فساده إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم هل هي مجملة بنفسها أم بعارض ما نهي عنه من البيوع وجهان
وهل الإجمال في المعنى المراد دون لفظها لأن لفظ البيع اسم لغوي معناه معقول لكن لما قام بإزائه من السنة ما يعارضه تدافع العمومان ولم يتعين المراد إلا ببيان السنة فصار محلا لذلك دون اللفظ أو في اللفظ أيضا لأنه لما لم يكن المراد منه ما وقع عليه الاسم وكانت له شرائط غير معقولة في اللغة كان مشكلا أيضا وجهان
قال وعلى الوجهين لا يجوز الاستدال بها على صحة بيع ولا فساده وإن دلت على صحة البيع من أصله
قال وهذا هو الفرق بين العموم والمجمل حيث جاز الاستدلال بظاهر العموم ولم يجز الاستدلال بظاهر المجمل
والقول الثالث أنها عامة مجملة معا قال واختلف في وجه ذلك على أوجه
أحدها أن العموم في اللفظ والإجمال في المعنى فيكون اللفظ عاما مخصوصا والمعنى مجملا لحقه التفسير
والثاني أن العموم في { وأحل الله البيع } والإجمال في { وحرم الربا }
والثالث أنه كان مجملا فلما بينه صلى الله عليه وسلم صار عاما فيكون داخلا في المجمل قبل البيان وفي العموم بعد البيان فعلى هذا يجوز الاستدلال بظاهرها في البيوع المختلف فيها
والقول الرابع أنها تناولت بيعا معهودا ونزلت بعد أن أحل النبي صلى الله عليه وسلم بيوعا وحرم بيوعا فاللام للعهد فعلى هذا لا يجوز الاستدلال بظاهرها
انتهى
4045 ومنها الآيات التي فيها الأسماء الشرعية نحو { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } { ولله على الناس حج البيت } قيل
____________________
(2/53)
إنها مجملة لاحتمال الصلاة لكل دعاء والصوم لكل إمساك والحج لكل قصد والمراد بها لا تدل عليه اللغة فافتقر إلى البيان
وقيل لا بل يحمل على كل ما ذكر إلا ما خص بدليل 2 - تنبيه
4046 قال ابن الحصار من الناس من جعل المجمل والمحتمل بإزاء شيء واحد
قال والصواب أن المجمل اللفظ المبهم الذي لا يفهم المراد منه والمحتمل اللفظ الواقع بالوضع الأول على معنيين مفهومين فصاعدا سواء كان حقيقة في كلها أو بعضها
قال والفرق بينهما أن المحتمل يدل على أمور معروفة واللفظ مشترك متردد بينهما والمبهم لا يدل على أمر معروف مع القطع بأن الشارع لم يفوض لأحد بيان المجمل بخلاف المحتمل
____________________
(2/54)
النوع السابع والأربعون
في ناسخه ومنسوخه
4047 أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو داود السجستاني وأبو جعفر النحاس وابن الأنباري ومكي وابن العربي
وآخرون
4048 قال الأئمة لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ
4049 وقد قال علي لقاض أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت
4050 وفي هذا النوع مسائل
الأولى يرد النسخ بمعنى الإزالة ومنه قوله { فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته }
4051 وبمعنى التبديل ومنه { وإذا بدلنا آية مكان آية }
4052 وبمعنى التحويل كتناسخ المواريث بمعنى تحويل الميراث من واحد إلى واحد
4053 وبمعنى النقل من موضع إلى موضع ومنه نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه حاكيا للفظه وخطه
4054 قال مكي وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن وأنكر على النحاس إجازته ذلك محتجا بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وأنه إنما يأتي بلفظ آخر
____________________
(2/55)
4055 وقال السعيدي يشهد لما قاله النحاس قوله تعالى { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } وقال { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم }
4056 ومعلوم أن ما نزل من الوحي نجوما جميعه في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ كما قال تعالى { في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون }
4057 الثانية النسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير وقد أجمع المسلمون على جوازه وأنكره اليهود ظنا منهم أنه بداء كالذي يرى الرأي ثم يبدو له وهو باطل لأنه بيان مدة الحكم كالإحياء بعد الإماتة وعكسه والمرض بعد الصحة وعكسه والفقر بعد الغنى وعكسه وذلك لا يكون بداء فكذا الأمر والنهي
4058 واختلف العلماء فقيل لا ينسخ القرآن إلا بقرآن لقوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } قالوا ولا يكون مثل القرآن وخيرا منه إلا قرآن
4059 وقيل بل ينسخ القرآن بالسنة لأنها أيضا من عند الله قال تعالى { وما ينطق عن الهوى } وجعل منه آية الوصية الآتية
4060 والثالث إذا كانت السنة بأمر الله من طريق الوحي نسخت وإن كانت باجتهاد فلا
حكاه ابن حبيب النيسابوري في تفسيره
4061 وقال الشافعي حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له ليتبين توافق القرآن والسنة وقد بسطت فروع هذه المسألة في شرح منظومة جمع الجوامع في الأصول
4062 الثالثة لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي ولو بلفظ الخبر أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ ومنه الوعد والوعيد
وإذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أدخل في كتب النسخ كثيرا من آيات الإخبار والوعد والوعيد
4063 الرابعة النسخ أقسام
____________________
(2/56)
أحدها نسخ المأمور به قبل امتثاله وهو النسخ على الحقيقة كآية النجوى
الثاني ما نسخ مما كان شرعا لمن قبلنا كآية شرع القصاص والديه أو كان أمر به أمرا جمليا كنسخ التوجه إلى بيت المقدس بالكعبة وصوم عاشوراء برمضان وإنما يسمى هذا نسخا تجوزا
الثالث ما أمر به لسبب ثم يزول السبب كالأمر حين الضعف والقلة بالصبر والصفح ثم نسخ بإيجاب القتال وهذا في الحقيقة ليس نسخا بل هو من قسم المنسأ كما قال تعالى / < أو ننسأها > / فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون وفي حال الضعف يكون الحكم وجوب الصبر على الأذى وبهذا يضعف ما لهج به كثيرون من أن الآية في ذلك منسوخة بآية السيف وليس كذلك بل هي من المنسأ بمعنى أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعله يقتضي ذلك الحكم ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ أنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله
4064 وقال مكي ذكر جماعة أن ما ورد في الخطاب مشعر بالتوقيت والغاية مثل قوله في البقرة { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } محكم غير منسوخ لأنه مؤجل بأجل والمؤجل بأجل لا نسخ فيه
4065 الخامسة قال بعضهم سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ أقسام قسم ليس فيه ناسخ ولا منسوخ وهو ثلاثة وأربعون سورة الفاتحة ويوسف ويس والحجرات والرحمن والحديد والصف والجمعة والتحريم والملك والحاقة ونوح والجن والمرسلات وعم والنازعات والانفطار وثلاث بعدها والفجر وما بعدها إلى آخر القرآن إلا التين والعصر والكافرين
وقسم فيه الناسخ والمنسوخ وهي خمسة وعشرون البقرة وثلاث بعدها والحج والنور وتالياها والأحزاب وسبأ والمؤمن والشورى والذاريات والطور والواقعة والمجادلة والمزمل والمدثر وكورت والعصر
وقسم فيه الناسخ فقط وهو ست الفتح والحشر والمنافقون والتغابن والطلاق والأعلى
____________________
(2/57)
وقسم فيه المنسوخ فقط وهو الأربعون الباقية
كذا قال وفيه نظر يعرف مما سيأتي
4066 السادسة قال مكي الناسخ أقسام
فرض نسخ فرضا ولا يجوز العمل بالأول كنسخ الحبس للزواني بالحد
وفرض نسخ فرضا ويجوز العمل بالأول كآية المصابرة
وفرض نسخ ندبا كالقتال كان ندبا ثم صار فرضا
وندب نسخ فرضا كقيام الليل نسخ بالقراءة في قوله { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن }
4067 السابعة النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب
أحدها ما نسخ تلاوته وحكمه معا قالت عائشة كان فيما أنزل ( عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن ) رواه الشيخان
وقد تكلموا في قولها ( وهن مما يقرأ ) فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك
وأجيب بأن المراد قارب الوفاة أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها
وقال أبو موسى الأشعري نزلت ثم رفعت
وقال مكي هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضا غير متلو ولا أعلم له نظيرا
انتهى
4068 الضرب الثاني ما نسخ حكمه دون تلاوته وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة وهو على الحقيقة قليل جدا وإن أكثر الناس من تعداد الآيات فيه فإن المحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بين ذلك وأتقنه
4069 والذي أقوله أن الذي أورده المكثرون أقسام قسم ليس من النسخ في شيء ولا من التخصيص ولا له بهما علاقة بوجه من الوجوه وذلك مثل قوله تعالى { ومما رزقناهم ينفقون } و { أنفقوا من ما رزقناكم } ونحو ذلك
قالوا
____________________
(2/58)
إنه منسوخ بآية الزكاة وليس كذلك بل هو باق أما الأولى فإنها خبر في معرض الثناء عليهم بالإنفاق وذلك يصلح أن يفسر بالزكاة وبالإنفاق على الأهل وبالإنفاق في الأمور المندوبة كالإعانة والإضافة وليس في الآية ما يدل على أنها نفقة واجبة غير الزكاة والآية الثانية يصلح حملها على الزكاة وقد فسرت بذلك
4070 وكذا قوله تعالى { أليس الله بأحكم الحاكمين } قيل إنها مما نسخ بآية السيف وليس كذلك لأنه تعالى أحكم الحاكمين أبدا لا يقبل هذا الكلام النسخ وإن كان معناه الأمر بالتفويض وترك المعاقبة
4071 وقوله في البقرة { وقولوا للناس حسنا } عده بعضهم من المنسوخ بآية السيف
وقد غلطه ابن الحصار بأن الآية حكاية عما أخذه على بني إسرائيل من الميثاق فهو خبر لا نسخ فيه وقس على ذلك
4072 وقسم هو من قسم المخصوص لا من قسم المنسوخ وقد اعتنى ابن العربي بتحريره فأجاد كقوله { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } { والشعراء يتبعهم الغاوون } { إلا الذين آمنوا } { فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } وغير ذلك من الآيات التي خصت باستثناء أو غاية
وقد أخطأ من أدخلها في المنسوخ
4073 ومنه قوله { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } قيل أنه نسخ بقوله { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } وإنما هو مخصوص به
4074 وقسم رفع ما كان عليه الأمر في الجاهلية أو في شرائع من قبلنا أو في أول الإسلام ولم ينزل في القرآن كإبطال نكاح نساء الآباء ومشروعية القصاص والدية وحصر الطلاق في الثلاث وهذا إدخاله في قسم الناسخ قريب ولكن عدم إدخاله أقرب وهو الذي رجحه مكي وغيره ووجهوه بأن ذلك لو عد في الناسخ لعد جميع القرآن منه إذ كله أو أكثره رافع لما كان عليه الكفار وأهل الكتاب
قالوا وإنما حق الناسخ والمنسوخ أن تكون آية نسخت آية
انتهى
____________________
(2/59)
نعم النوع الأخير منه وهو رافع ما كان في أول الإسلام إدخاله أوجه من القسمين قبله
4075 إذا عملت ذلك فقد خرج من الآيات التي أوردها المكثرون الجم الغفير مع آيات الصفح والعفو إن قلنا إن آية السيف لم تنسخها وبقي مما يصلح لذلك عدد يسير وقد أفردته بأدلته في تأليف لطيف وها أنا أورده هنا محررا
فمن البقرة
4076 قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية منسوخة قيل بأية المواريث وقيل بحديث ( ألا لا وصية لوارث ) وقيل بالإجماع حكاه ابن العربي
4077 قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية } قيل منسوخة بقوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقيل محكمة و ( لا ) مقدرة
4078 وقوله { أحل لكم ليلة الصيام الرفث } ناسخة لقوله { كما كتب على الذين من قبلكم } لأن مقتضاها الموافقة فيما كانوا عليه من تحريم الأكل والوطء بعد النوم ذكره ابن العربي
وحكى قولا آخر أنه نسخ لما كان بالسنة
4078 قوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام } الآية منسوخة بقوله { وقاتلوا المشركين كافة } الآية أخرجه ابن جرير عن عطاء بن ميسرة
4079 قوله تعالى { والذين يتوفون منكم } إلى قوله { متاعا إلى الحول } منسوخة بآية أربعة أشهر وعشرا والوصية منسوخة بالميراث والسكنى ثابتة عند قوم منسوخة عند آخرين بحديث ( ولا سكنى )
4080 وقوله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } منسوخة بقوله بعده { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها }
____________________
(2/60)
ومن آل عمران
4081 قوله تعالى { اتقوا الله حق تقاته } قيل إنه منسوخ بقوله { فاتقوا الله ما استطعتم } وقيل لا بل هو محكم
وليس فيها آية يصح فيها دعوى النسخ غير هذه الآية
ومن النساء
4082 قوله تعالى { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } منسوخة بقوله { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله }
4083 قوله تعالى { وإذا حضر القسمة } الآية قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في العمل بها
4084 قوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة } الآية منسوخة بآية النور
ومن المائدة
4085 قوله تعالى { ولا الشهر الحرام } منسوخة بإباحة القتال فيه
4086 قوله تعالى { فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } منسوخة بقوله { وأن احكم بينهم بما أنزل الله }
4087 وقوله تعالى { أو آخران من غيركم } منسوخ بقوله { وأشهدوا ذوي عدل منكم }
ومن الأنفال
4088 قوله تعالى { إن يكن منكم عشرون صابرون } الآية منسوخة بالآية بعدها
ومن براءة
4089 قوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } منسوخة بآيات العذر وهو
____________________
(2/61)
قوله { ليس على الأعمى حرج } الآية وقوله تعالى { ليس على الضعفاء } الآيتين وبقوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة }
ومن النور
4090 قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } الآية منسوخة بقوله { وأنكحوا الأيامى منكم }
4091 قوله تعالى { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية قيل منسوخة وقيل لا ولكن تهاون الناس في العمل بها
ومن الأحزاب
4092 قوله تعالى { لا يحل لك النساء } الآية منسوخة بقوله { إنا أحللنا لك أزواجك } الآية
ومن المجادلة
4093 قوله تعالى { إذا ناجيتم الرسول فقدموا } الآية منسوخة بالأية بعدها
ومن الممتحنة
4094 قوله تعالى { فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا } قيل منسوخ بآية السيف وقيل بآية الغنيمة وقيل محكم
ومن المزمل
4095 قوله { قم الليل إلا قليلا } قيل منسوخ بآخر السورة ثم نسخ الآخر بالصلوات الخمس
4096 فهذه إحدى وعشرون آية منسوخة على خلاف في بعضها لا يصح دعوى النسخ في غيرها
والأصح في آية الإستئذان والقسمة الإحكام فصارت تسعة
____________________
(2/62)
عشر ويضم إليها قوله تعالى { فأينما تولوا فثم وجه الله } على رأي ابن عباس أنها منسوخة بقوله { فول وجهك شطر المسجد الحرام } الآية فتمت عشرون
4097 وقد نظمتها في أبيات فقلت
( قد أكثر الناس في المنسوخ من عدد % وأدخلوا فيه آيا ليس تنحصر )
( وهاك تحرير آي لا مزيد لها % عشرين حررها الحذاق والكبر )
( آي التوجه حيث المرء كان وأن % يوصي لأهليه عند الموت محتضر )
( وحرمة الأكل بعد النوم من رفث % وفدية لمطيق الصوم مشتهر )
( وحق تقواه فيما صح من أثر % وفي الحرام قتال للألي كفروا )
( والاعتداد بحول مع وصيتها % وأن يدان حديث النفس والفكر )
( والحلف والحبس للزاني وترك أولى % كفروا شهادتهم والصبر والنفر )
( ومنع عقد لزان أو لزانية % وما على المصطفى في العقد محتظر )
( ودفع مهر لمن جاءت وآية نجواه % كذاك قيام الليل مستطر )
( وزيد آية الاستئذان من ملكت % وآية القسمة الفضلى لمن حضروا )
4098 فإن قلت ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة
فالجواب من وجهين
أحدهما أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه فتركت التلاوة لهذه الحكمة
والثاني أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة وأما ما ورد في القرآن ناسخا لما كان عليه الجاهلية أو كان في شرع من قبلنا أو في أول الإسلام فهو أيضا قليل العدد كنسخ استقبال بيت المقدس بآية القبلة وصوم عاشوراء بصوم رمضان في أشياء أخر حررتها في كتابي المشار إليه فوائد منثورة
4099 قال بعضهم ليس في القرآن ناسخ إلا والمنسوخ قبله في الترتيب إلا في آيتين آية العدة في البقرة وقوله { لا يحل لك النساء } تقدم
____________________
(2/63)
وزاد بعضهم ثالثة وهي آية الحشر في الفئ على رأي من قال إنها منسوخة بآية الأنفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء }
وزاد قوم رابعة وهي قوله { خذ العفو } يعني الفضل من أموالهم على رأي من قال إنها منسوخة بآية الزكاة
4100 وقال ابن العربي كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخ بآية السيف وهي { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية نسخت مائة وأربعا وعشرين آية ثم نسخ آخرها أولها
انتهى وقد تقدم ما فيه
4101 وقال أيضا من عجيب المنسوخ قوله تعالى { خذ العفو } الآية فإن أولها وآخرها وهو { وأعرض عن الجاهلين } منسوخ ووسطها محكم
وهو { وأمر بالعرف }
4102 وقال من عجيبه أيضا آية أولها منسوخ وآخرها ناسخ ولا نظير لها وهي قوله { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يعني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا ناسخ لقوله { عليكم أنفسكم }
4103 وقال السعيدي لم يمكث منسوخ مدة أكثر من قوله تعالى { قل ما كنت بدعا من الرسل } الآية مكثت ست عشرة سنة حتى نسخها أول الفتح عام الحديبية
4104 وذكر هبة الله بن سلامة الضرير أنه قال في قوله تعالى { ويطعمون الطعام على حبه } الآية إن المنسوخ من هذه الجملة { وأسيرا } والمراد بذلك أسير المشركين فقرئ عليه الكتاب وابنته تسمع فلما انتهى إلى هذا الموضع قالت له أخطأت يا أبت قال وكيف قالت أجمع المسلمون على أن الأسير يطعم ولا يقتل جوعا فقال صدقت
4105 وقال شيذلة في البرهان يجوز نسخ الناسخ فيصير منسوخا كقوله
____________________
(2/64)
{ لكم دينكم ولي دين } نسخها قوله تعالى { فاقتلوا المشركين } ثم نسخ هذه بقوله { حتى يعطوا الجزية } كذا قال وفيه نظر من وجهين
أحدهما ما تقدمت الإشارة إليه
والآخر أن قوله { حتى يعطوا الجزية } مخصص للآية لا ناسخ
نعم يمثل له بأخر سورة المزمل فإنه ناسخ لأولها منسوخ بفرض الصلوات
4106 وقوله { انفروا خفافا وثقالا } ناسخ لآيات الكف منسوخ بآيات العذر
4107 وأخرج أبو عبيد عن الحسن وأبي ميسرة قالا ليس في المائدة منسوخ
ويشكل بما في المستدرك عن ابن عباس أن قوله { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } منسوخ بقوله { وأن احكم بينهم بما أنزل الله }
4108 وأخرج أبو عبيد وغيره عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن نسخ القبلة
4109 وأخرج أبو داود في ناسخه من وجه آخر عنه قال أول آية نسخت من القرآن القبلة ثم الصيام الأول
4110 قال مكي وعلى هذا فلم يقع في المكي ناسخ
قال وقد ذكر أنه وقع في آيات منها قوله تعالى في سورة غافر { يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا } فإنه ناسخ لقوله { ويستغفرون لمن في الأرض }
4111 قلت أحسن من هذه نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها أو بإيجاب الصلوات الخمس وذلك بمكة اتفاقا 1 - تنبيه
4112 قال ابن الحصار إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي يقول آية كذا نسخت كذا
____________________
(2/65)
4113 قال وقد يحكم به عند وجود التعارض المقطوع به من علم التاريخ ليعرف المتقدم والمتأخر
4114 قال ولا يعتمد في النسخ قول عوام المفسرين بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح ولا معارضة بينة لأن النسخ يتضمن رفع حكم وإثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد
4115 قال والناس في هذا بين طرفي نقيض فمن قائل لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول ومن متساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد
والصواب خلاف قولهما
انتهى
4116 الضرب الثالث ما نسخ تلاوته دون حكمه وقد أورد بعضهم فيه سؤالا وهو ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم وهلا بقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها
وأجاب صاحب الفنون بأن ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به فيسرعون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام والمنام أدنى طريق الوحي وأمثلة هذا الضرب كثيرة
4117 قال أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرآن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر
4118 وقال حدثنا ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن
4119 وقال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن المبارك بن فضالة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال قال لي أبي بن كعب كأي تعد سورة الأحزاب قلت اثنتين وسبعين آية أو ثلاثة وسبعين آية قال إن كانت لتعدل سورة البقرة وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم
قلت وما آية الرجم قال ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم )
____________________
(2/66)
4120 وقال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالت لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم ( الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة )
4121 وقال حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنت أبي يونس قالت قرأ علي أبي وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
وعلى الذين يصلون الصفوف الأول ) قالت قبل أن يغير عثمان المصاحف
4122 وقال حدثنا عبد الله بن صالح عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه أتيناه فعلمنا مما أوحي إليه
قال فجئت ذات يوم فقال إن الله يقول ( إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو أن لابن آدم واديا لأحب أن يكون إليه الثاني ولو كان له الثاني لأحب أن يكون إليهما الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
4123 وأخرج الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } ومن بقيتها ( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب
وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )
4124 وقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن أبي موسى الأشعري قال نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها ( أن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب )
4125 وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال كنا نقرأ سورة نشبهها المسبحات فأنسيناها غير أني حفظت منها ( يأيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا
____________________
(2/67)
تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة )
4126 وقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن سعيد عن الحكم بن عتيبة عن عدي بن عدي قال قال عمر كنا نقرأ ( لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ) ثم قال لزيد بن ثابت أكذلك قال نعم
4127 وقال حدثنا ابن أبي مريم عن نافع بن عمر الجمحي وحدثني ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال قال عمر لعبد الرحمن بن عوف ألم تجد فيما أنزل علينا ( أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ) فإنا لا نجدها قال أسقطت فيما أسقط من القرآن
4128 وقال حدثنا ابن أبي مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي سفيان الكلاعي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم أخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك فقال مسلمة ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )
4129 وأخرج الطبراني في الكبير إن ابن عمر قال قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال ( إنها مما نسخ فالهوا عنها )
4130 وفي الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا وقنت يدعو على قاتليهم قال أنس ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع ( أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا )
4131 وفي المستدرك عن حذيفة قال ما تقرءون ربعها يعني براءة
4132 قال الحسين بن المنادي في كتابه ( الناسخ والمنسوخ ) ومما رفع رسمه من القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتي الخلع والحفد
____________________
(2/68)
2 - تنبيه
4133 حكى القاضي أبو بكر في الانتصار عن قوم إنكار هذا الضرب لأن الأخبار فيه أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخار آحاد لا حجة فيها
4134 وقال أبو بكر الرازي نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } ولا يعرف اليوم منها شيء
ثم لا يخلو ذلك من أن يكون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا توفي لا يكون متلوا في القرآن أو يموت وهو متلو موجود بالرسم ثم ينسيه الله الناس ويرفعه من أذهانهم
وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
انتهى
4135 وقال في البرهان في قول عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني آية الرجم ظاهره أن كتابتها جائزة وإنما منعه قول الناس والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما يمنعه فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب
وقد يقال لو كانت التلاوة باقية لبادر عمر ولم يعرج على مقالة الناس لأن مقالة الناس لا تصلح مانعا
وبالجملة هذه الملازمة مشكلة ولعله كان يعتقد أنه خبر واحد والقرآن لا يثبت به وإن ثبت الحكم ومن هنا أنكر ابن ظفر في ( الينبوع ) عد هذا مما نسخ تلاوته قال لأن خبر الواحد لا يثبت القرآن
قال وإنما هذا المنسأ لا النسخ وهما مما يلتبسان والفرق بينهما أن المنسأ لفظه قد يعلم حكمه
انتهى
____________________
(2/69)
4136 وقوله ( لعله كان يعتقد أنه خبر واحد ) مردود فقد صح أنه تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم
4137 وأخرج الحاكم من طريق كثير بن الصامت قال كان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص يكتبان المصحف فمرا على هذه الآية فقال زيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ) فقال عمر لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم
4138 قال ابن حجر في شرح المنهاج فيستفاد من هذا الحديث السبب في نسخ تلاوتها لكون العمل على غير الظاهر من عمومها
4139 قلت وخطر لي في ذلك نكتة حسنة وهو أن سببه التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقيا لأنه أثقل الأحكام وأشدها وأغلظ الحدود وفيه الإشارة إلى ندب الستر
4140 وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت ألا تكتبها في المصحف قال ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان ولقد ذكرنا ذلك فقال عمر أنا أكفيكم فقال يا رسول الله اكتب لي آية الرجم قال لا تستطيع
قوله ( اكتب لي ) أي ائذن لي في كتابتها أو مكني من ذلك
4141 وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن يعلى بن حكيم عن زيد بن أسلم أن عمر خطب الناس فقال لا تشكوا في الرجم فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف فسألت أبي بن كعب فقال أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعت في صدري وقلت تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر
4142 قال ابن حجر وفيه إشارة إلى بيان السبب في رفع تلاوتها وهو الاختلاف
____________________
(2/70)
3 - تنبيه
4143 قال ابن الحصار في هذا النوع إن قيل كيف يقع النسخ إلى غير بدل وقد قال تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وهذا إخبار لا يدخله خلف
فالجواب أن نقول كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ فهو بدل مما قد نسخت تلاوته وكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن فقد أبدله بما علمناه وتواتر إلينا لفظه ومعناه
____________________
(2/71)
النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض
4144 أفرده بالتصنيف قطرب والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات وكلامه تعالى منزه عن ذلك كما قال { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا وليس به في الحقيقة فاحتيج لإزالته كما صنف في مختلف الحديث وبيان الجمع بين الأحاديث المتعارضة وقد تكلم في ذلك ابن عباس وحكى عنه التوقف في بعضها
4145 قال عبد الرزاق في تفسيره أنبأنا معمر عن رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال رأيت أشياء تختلف علي من القرآن فقال ابن عباس ما هو أشك قال ليس بشك ولكنه اختلاف قال هات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله يقول { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } وقال { ولا يكتمون الله حديثا } فقد كتموا وأسمعه يقول { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ثم قال { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } وقال { أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } حتى بلغ { طائعين } ثم قال في الآية الأخرى { أم السماء بناها } ثم قال { والأرض بعد ذلك دحاها } وأسمعه يقول { كان الله } ما شأنه يقول { وكان الله }
فقال ابن عباس أما قوله { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين } فإنهم لما رأوا يوم القيامة وأن الله يغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا
____________________
(2/72)
يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا ( والله ربنا ما كنا مشركين فختم الله على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )
وأما قوله { فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
وأما قوله { خلق الأرض في يومين } فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض
وأما قوله { والأرض بعد ذلك دحاها } يقول جعل فيها جبلا وجعل فيها نهرا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا
وأما قوله { كان الله } فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك
فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك وإن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون
4146 أخرجه بطوله الحاكم في المستدرك وصححه وأصله في الصحيح قال ابن حجر في شرحه حاصل ما فيه السؤال عن أربعة مواضع
الأول نفي المسألة يوم القيامة وإثباتها
الثاني كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه
الثالث خلق الأرض أو السماء أيهما تقدم
الرابع الإتيان بحرف ( كان ) الدالة على المضي مع أن الصفة لازمة
وحاصل جواب ابن عباس عن الأول أن نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية وإثباتها فيما بعد ذلك
وعن الثاني أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم
وعن الثالث أنه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوة ثم خلق السموات
____________________
(2/73)
فسواهن في يومين ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيام للأرض
وعن الرابع بأن ( كان ) وإن كانت للماضي لكنها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنه لم يزل كذلك
4147 فأما الأول فقد جاء فيه تفسير آخر أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقول عن السدي أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن نفي المساءلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية
4148 وقد تأول ابن مسعود نفي المساءلة على معنى آخر وهو طلب بعضهم من بعض العفو فأخرج ابن جرير من طريق زاذان قال أتيت ابن مسعود فقال يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادى ألا إن هذا فلان فمن كان له حق قبله فليأت قال فتود المرأة يومئذ أن يثبت لها حق على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
ومن طريق أخرى قال لا يسأل أحد يومئذ بنسب شيئا ولا يتساءلون به ولا يمت برحم
4149 وأما الثاني فقد ورد بأبسط منه فيما أخرجه ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال قول الله { ولا يكتمون الله حديثا } وقوله { والله ربنا ما كنا مشركين } فقال إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم آتي ابن عباس ألقي عليه متشابه القرآن فأخبرهم أن الله إذا جمع الناس يوم القيامة قال المشركون إن الله لا يقبل إلا ممن وحده فيسألهم فيقولون { والله ربنا ما كنا مشركين } قال فيختم على أفواههم وتستنطق جوارحهم
4150 ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في أثناء حديث وفيه ( ثم يلقى الثالث فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ويثني ما استطاع فيقول الآن نبعث شاهدا عليك فيذكر في نفسه من الذي يشهد علي فيختم علي فيه وتنطق جوارحه
____________________
(2/74)
4151 أما الثالث ففيه أجوبة أخرى منها أن { ثم } بمعنى الواو فلا إيراد
وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله { ثم كان من الذين آمنوا }
وقيل على بابها وهي لتعارف ما بين الخلقين لا للتراخي في الزمان
وقيل ( خلق ) بمعنى ( قدر )
4152 وأما الرابع وجواب ابن عباس عنه فيحتمل كلامه أنه أراد أنه سمى نفسه ( غفورا رحيما ) وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقضى
وأما الصفتان فلا تزالان كذلك لا ينقطعان لأنه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده قاله الشمس الكرماني
4153 قال ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين أحدهما أن التسمية هي التي كانت وانتهت والصفة لا نهاية لها والآخر أن معنى ( كان ) الدوام فإنه لا يزال كذلك
ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين
والجواب على دفعهما كأن يقال هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ ( كان )
4154 والجواب عن الأول بأن كان في الماضي تسمى به
وعن الثاني بأن ( كان ) تعطى معنى الدوام وقد قال النحاة كان لثبوت خبرها ماضيا دائما أو منقطعا
4155 وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس أن يهوديا قال له إنكم تزعمون أن الله كان عزيزا حكيما فكيف هو اليوم فقال إنه كان في نفسه عزيزا حكيما
4156 موضع آخر توقف فيه ابن عباس
قال أبو عبيدة حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال سأل رجل ابن عباس عن { في يوم كان }
____________________
(2/75)
{ مقداره ألف سنة } ) وقوله { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما
4157 وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وزاد ( ما أدرى ما هما وأكره أن أقول فيهما ما لا أعلم ) قال ابن أبي مليكة فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسئل عن ذلك فلم يدر ما يقول فقلت له ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس فأخبرته فقال ابن المسيب للسائل هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيهما وهو أعلم مني
4158 وروى عن ابن عباس أيضا أن يوم الألف هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه ويوم الألف في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات ويوم الخمسين ألفا هو يوم القيامة
فأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال له حدثني ما هؤلاء الآيات { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } و { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة }
{ وإن يوما عند ربك كألف سنة } فقال يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة والسموات في ستة أيام كل يوم يكون ألف سنة و { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة } قال ذلك مقدار المسير
4159 وذهب بعضهم إلى أن المراد بهما يوم القيامة وأنه باعتبار حال المؤمن والكافر بدليل قوله { يوم عسير على الكافرين غير يسير } فصل
4160 قال الزركشي في البرهان للإختلاف أسباب
أحدها وقوع المخبر به على أنواع مختلفة وتطويرات شتى كقوله في خلق آدم { من تراب } ومرة { من حمإ مسنون } ومرة { من طين لازب }
____________________
(2/76)
ومرة { من صلصال كالفخار } فهذه ألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال مختلفة لأن الصلصال غير الحمإ والحمأ غيرالتراب إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب ومن التراب تدرجت هذه الأحوال
4161 وكقوله { فإذا هي ثعبان } وفي موضع { تهتز كأنها جان } والجان الصغير من الحيات والثعبان الكبير منها وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته
4162 الثاني لاختلاف الموضوع كقوله { وقفوهم إنهم مسؤولون } وقوله { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين } مع قوله { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } قال الحليمي فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه
وحمله غيره على إختلاف الأماكن لأن في القيامة مواقف كثيرة ففي موضع يسألون وفي آخر لا يسألون وقيل إن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ والمنفى سؤال المعذرة وبيان الحجة
4163 وكقوله { اتقوا الله حق تقاته } مع قوله { فاتقوا الله ما استطعتم } حمل الشيخ أبو الحسن الشاذلي الآية الأولى على التوحيد بدليل قوله بعدها { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } والثانية على الأعمال
وقيل بل الثانية ناسخة للأولى
وكقوله { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } مع قوله { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } فالأولى تفهم إمكان العدل والثانية تنفيه
والجواب أن الأولى في توفية الحقوق والثانية في الميل القلبي وليس في قدرة الإنسان
____________________
(2/77)
4164 وكقوله { إن الله لا يأمر بالفحشاء } مع قوله { أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } فالأولى في الأمر الشرعي والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير
4165 الثالث لاختلافهما في جهتي الفعل كقوله { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت } أضيف القتل إليهم والرمي إليه صلى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير
4166 الرابع لاختلافهما في الحقيقة والمجاز كقوله { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } أي سكارى من الأهوال مجازا لا من الشراب حقيقة
4167 الخامس بوجهين واعتبارين كقوله { فبصرك اليوم حديد } مع قوله { خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي } قال قطرب فبصرك أي علمك ومعرفتك بها قوية من قولهم بصر بكذا أي علم وليس المراد رؤية العين
4168 قال الفارسي ويدل على ذلك قوله { فكشفنا عنك غطاءك }
4169 وكقوله { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } مع قوله { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة
وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجه القلوب لذلك وقد جمع بينهما في قوله { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله }
4170 ومما استشكلوه قوله تعالى { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا } فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين
وقال في آية أخرى { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث }
____________________
(2/78)
الله بشرا رسولا ) فهذا حصر آخر في غيرهما
وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية الأولى ( وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة أن تأتيهم سنة الأولين من الخسف أو غيره أو يأتيهم العذاب قبلا في الآخرة ) فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين ولا شك أن إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد
فهذا حصر في السبب الحقيقي لأن الله هو المانع في الحقيقة
ومعنى الآية الثانية ( وما منع الناس أن يؤمنوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولا ) لأن قولهم ليس مانعا من الإيمان لأنه لا يصلح لذلك وهو يدل على الإستغراب بالإلتزام وهو المناسب للمانعية واستغرابهم ليس مانعا حقيقيا بل عاديا لجواز وجود الإيمان معه بخلاف إرادة الله تعالى فهذا حصر في المانع العادي والأول حصر في المانع الحقيقي فلا تنافى أيضا
4171 ومما استشكل أيضا قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } { فمن أظلم ممن كذب على الله } مع قوله { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه } { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } ألى غير ذلك من الآيات
ووجهه أن المراد بالإستفهام هنا النفي والمعنى ( لا أحد أظلم ) فيكون خبرا وإذا كان خبرا وأخذت الآيات على ظواهرها أدى إلى لتناقص
وأجيب بأوجه
منها تخصيص كل موضع بمعنى صلته أي لا أحد من المعاندين أظلم ممن منع مساجد الله ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا تخصص بالصلات زال التناقض
ومنها أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لما لم يسبق أحد إلى مثله حكم عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سالكا طريقهم وهذا يئول معناه إلى ما قبله لأن المراد السبق إلى المانعية والإفترائية
ومنها وادعى أبو حيان أنه الصواب أن نفي الأظلمية لا يستدعي نفي
____________________
(2/79)
الظالمية لأن نفى المقيد لا يدل على نفي المطلق وإذا لم يدل على نفي الظالمية لم يلزم التناقض لأن فيها إثبات التسوية في الأظلمية وإذا ثبتت التسوية فيها لم يكن أحد ممن وصف بذلك يزيد على الآخر لأنهم يتساوون في الأظلمية وصار المعنى لا أحد أظلم ممن إفترى وممن منع ونحوها ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر كما إذا قلت لا أحد أفقه منهم
إنتهى
وحاصل الجواب أن نفي التفضيل لا يلزم منه نفي المساواة
وقال بعض المتأخرين هذا إستفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة ولا نفيها عن غيره
4172 وقال الخطابي سمعت ابن أبي هريرة يحكى عن أبي العباس بن سريج قال سأل رجل بعض العلماء عن قوله { لا أقسم بهذا البلد } فأخبر أنه لا يقسم به
ثم أقسم به في قوله { وهذا البلد الأمين } فقال أيما أحب إليك أجيبك ثم أقطعك أو أقطعك ثم أجيبك فقال أقطعني ثم أجبني فقال له أعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم كانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا وعليه مطعنا فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ولكن القوم علموا وجهلت ولم ينكروا منه ما أنكرت
ثم قال له إن العرب قد تدخل ( لا ) في أثناء كلامها وتلغى معناها وأنشد فيه أبياتا تنبيه
4173 قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إذا تعارضت الآي وتعذر فيها الترتيب والجمع طلب التاريخ وترك المتقدم بالمتأخر ويكون ذلك نسخا وإن لم يعلم وكان الإجماع على العمل بإحدى الآيتين علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا
____________________
(2/80)
على العمل بها
قال ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تخلوان عن هذين الوضعين
4174 قال غيره وتعارض القراءتين بمنزلة تعارض الآيتين نحو { وأرجلكم } بالنصب والجر ولهذا جمع بينهما بحمل النصب على الغسل والجر على مسح الخف
4175 وقال الصيرفي جماع الإختلاف والتناقص أن كل كلام صح أن يضاف بعض ما وقع الاسم عليه إلى وجه من الوجوه فليس فيه تناقض وإنما التناقض في اللفظ ما ضاده من كل جهة ولا يوجد في الكتاب والسنة شيء من ذلك أبدا وإنما يوجد فيه النسخ في وقتين
4176 وقال القاضي أبو بكر لا يجوز تعارض أي القرآن والآثار وما يوجبه العقل فلذلك لم يجعل قوله { الله خالق كل شيء } معارضا لقوله { وتخلقون إفكا } { وإذ تخلق من الطين } لقيام الدليل العقلي أنه لا خالق غير الله فتعين تأويل ما عارضه فيؤول ( وتخلقون ) على ( تكذبون ) وتخلق على ( تصور ) فائدة
4177 قال الكرماني عند قوله تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } الإختلاف على وجهين إختلاف تناقض وهو ما يدعو فيه أحد الشيئين إلى خلاف الآخر وهذا هو الممتنع على القرآن وإختلاف تلازم وهو ما يوافق الجانبين كاختلاف مقادير السور والآيات وإختلاف الأحكام من الناسخ والمنسوخ والأمر والنهي والوعد والوعيد
____________________
(2/81)
النوع التاسع والأربعون في مطلقه ومقيده
4178 المطلق الدال على الماهية بلا قيد وهو مع المقيد كالعام مع الخاص قال العلماء متى وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه وإلا فلا بل يبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب
4179 والضابط أن الله إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد وجب تقييده به وإن كان له أصل غيره لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر فالأول مثل اشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والفرق والوصية في قوله { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقوله { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } وقد أطلق الشهادة في البيوع وغيرها في قوله { وأشهدوا إذا تبايعتم } { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم }
والعدالة شرط في الجميع
4180 ومثل تقييده ميراث الزوجين بقوله { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه
4181 وكذلك ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين
4182 وكذلك ما اشترط في كفارة القتل من الرقبة المؤمنة وإطلاقها في كفارة الظهار واليمين والمطلق كالمقيد في وصف الرقبة
____________________
(2/82)
4183 وكذلك تقييد الأيدي بقوله { إلى المرافق } في الوضوء وإطلاقه في التيمم
4184 وتقييد إحباط العمل بالردة بالموت على الكفر في قوله { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } الآية وأطلق في قوله { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله }
4185 وتقييد تحريم الدم بالمسفوح في الأنعام وأطلق فيما عداها
4186 فمذهب الشافعي حمل المطلق على المقيد في الجميع
4187 ومن العلماء من لا يحمله ويجوز أعتاق الكافر في كفارة الظهار واليمين ويكتفي في التيمم بالمسح إلى الكوعين ويقول إن الردة تحبط العمل بمجردها
4188 والثاني مثل تقييد الصوم بالتتابع في كفارة القتل والظهار وتقييده بالتفريق في صوم التمتع
وأطلق كفارة اليمين وقضاء رمضان فيبقى على إطلاقه من جوازه مفرقا ومتتابعا لا يمكن حمله عليهما لتنافي القيدين وهما التفريق والتتابع ولا على أحدهما لعدم المرجح تنبيهات
4189 الأول إذا قلنا بحمل المطلق على المقيد فهل هو من وضع اللغة أو بالقياس مذهبان
الأول أن العرب من مذهبها إستحباب الإطلاق إكتفاء بالمقيد وطلبا للإيجاز والإختصار
4190 الثاني ما تقدم محله إذا كان الحكمان بمعنى واحد وإنما إختلفا في الإطلاق والتقييد فأما إذا حكم في شيء بأمور ثم في أخر ببعضها وسكت فيه عن بعضها فلا يقتضى الإلحاق كالأمر بغسل الأعضاء الأربعة في الوضوء وذكر في التيمم عضوين فلا يقال بالحمل ومسح الرأس والرجلين بالتراب فيه أيضا وكذلك ذكر العتق والصوم والإطعام في كفارة الظهار واقتصر في كفارة القتل على الأولين ولم يذكر الإطعام فلا يقال بالحمل وإبدال الصيام بالطعام
____________________
(2/83)
النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه
4191 المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص نحو { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا في الكتاب والسنة
وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الرد عليهم قال لأن الغرض من النص الإستقلال بإفادة المعنى على قطع مع إنحسام جهات التأويل والإحتمال وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية إنتهى
أو مع إحتمال غيره إحتمالا مرجوحا فالظاهر نحو { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهو فيه أظهر وأغلب ونحو { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإنه يقال للإمقطاع طهر وللوضوء والغسل وهو في الثاني أظهر
فإن حمل على المرجوح لدليل فهو تأويل ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولا كقوله { وهو معكم أين ما كنتم } فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم أو على الحفظ والرعاية
4192 وكقوله { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } فإنه يستحيل حمله على الظاهر لإستحالة أن يكون للإنسان أجنحة فيحمل على الخضوع وحسن الخلق
____________________
(2/84)
4193 وقد يكون مشتركا بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز ويصح حمله عليهما جميعا سواء قلنا بجواز إستعمال اللفظ في معنييه أو لا ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين مرة أريد هذا ومرة أريد هذا
4194 ومن أمثلته { ولا يضار كاتب ولا شهيد } فإنه يحتمل لا يضارر الكاتب والشهيد صاحب الحق بجور في الكتابة والشهادة و ( لا يضارر ) بالفتح أي لا يضرهما صاحب الحق بإلزامهما مالا يلزمهما وإجبارهما على الكتابة والشهادة
4195 ثم أن توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سميت دلالة إقتضاء نحو { واسأل القرية } أي أهلها وإن لم تتوقف ودل اللفظ على ما لم يقصد به سميت دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } على صحة صوم من أصبح جنبا إذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا في جزء من النهار
وقد حكي هذا الإستنباط عن محمد بن كعب القرظي فصل
4196 والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق وهو قسمان مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة
فالأول ما يوافق حكمه المنطوق فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب كدلالة { فلا تقل لهما أف } على تحريم الضرب لأنه أشد وإن كان مساويا سمي لحن الخطاب أي معناه كدلالة { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } على تحريم الإحراق لأنه مساو للأكل في الإتلاف
واختلف هل دلالة ذلك قياسية أو لفظية مجازية أو حقيقية على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية
4197 والثاني ما يخالف حكمه المنطوق وهو أنواع
مفهوم صفة نعتا كان أو حالا أو ظرفا أو عددا نحو { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبين في خبره فيجب قبول خبر الواحد العدل
____________________
(2/85)
{ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد }
{ الحج أشهر معلومات } أي فلا يصح الإحرام به في غيرها
{ فاذكروا الله عند المشعر الحرام } أي فالذكر عند غيره ليس محصلا للمطلوب { فاجلدوهم ثمانين جلدة } أي لا أقل ولا أكثر
4198 وشرط نحو { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن } أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن
4199 وغاية نحو { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } أي فإذا نكحته تحل للإول بشرطه
4200 وحصر نحو { لا إله إلا الله } { إنما إلهكم الله } أي فغيره ليس بإله { فالله هو الولي } أي فغيره ليس بولي { لإلى الله تحشرون } أي لا إلى غيره { إياك نعبد } أي لا غيرك
4201 واختلف في الإحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط
منها ألا يكون المذكور خرج للغالب ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله { وربائبكم اللاتي في حجوركم } فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج فلا مفهوم له لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن
وألا يكون موافقا للواقع ومن ثم لا مفهوم لقوله { ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به } وقوله { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } وقوله { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا }
والإطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول
____________________
(2/86)
فائدة
4202 قال بعضهم الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أو بفحواها أو باقتضائها وضرورتها أو بمعقولها المستنبط منها
حكاه ابن الحصار
وقال هذا كلام حسن
قلت فالأول دلالة المنطوق والثاني دلالة المفهوم والثالث دلالة الاقتضاء والرابع دلالة الإشارة
____________________
(2/87)
النوع الحادي والخمسون في وجوه مخاطباته
4203 قال ابن الجوزي في كتابه ( النفيس ) الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجها
وقال غيره على أكثر من ثلاثين وجها
أحدها خطاب العام والمراد به العموم كقوله { الله الذي خلقكم }
4204 والثاني خطاب الخاص والمراد به الخصوص كقوله { أكفرتم بعد إيمانكم } { يا أيها الرسول بلغ }
4205 الثالث خطاب العام والمراد به الخصوص كقوله { يا أيها الناس اتقوا ربكم } لم يدخل فيه الأطفال والمجانين
4206 الرابع خطاب الخاص والمراد العموم كقوله { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } افتتح الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق وقوله { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } الآية قال أبو بكر الصيرفي كان إبتداء الخطاب له فلما قال في الموهوبة { خالصة لك } علم أن ما قبلها له ولغيره
4207 الخامس خطاب الجنس كقوله { يا أيها النبي }
4208 السادس خطاب النوع نحو { يا بني إسرائيل }
4209 السابع خطاب العين نحو { وقلنا يا آدم اسكن } { يا نوح اهبط }
____________________
(2/88)
{ يا إبراهيم قد صدقت } { يا موسى لا تخف } { يا عيسى إني متوفيك }
ولم يقع في القرآن الخطاب ب ( يا محمد ) بل { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } تعظيما له وتشريفا وتخصيصا بذلك عما سواه وتعليما للمؤمنين ألا ينادوه باسمه
4210 الثامن خطاب المدح نحو { يا أيها الذين آمنوا } ولهذا وقع خطابا لأهل المدينة { والذين آمنوا وهاجروا }
أخرج ابن أبي حاتم عن خيثمة ما تقرءون في القرآن { يا أيها الذين آمنوا } فإنه في التوراة ( يأيها المساكين )
4211 وأخرج البيهقي وأبو عبيد وغيرهما عن ابن مسعود قال إذا سمعت الله يقول { يا أيها الذين آمنوا } فأوعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه
4212 التاسع خطاب الذم نحو { يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم } { قل يا أيها الكافرون } ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين وأكثر الخطاب ب { يا أيها الذين آمنوا } على المواجهة وفي جانب الكفار جيء بلفظ الغيبة إعراضا عنهم كقوله { إن الذين كفروا } { قل للذين كفروا }
4213 العاشر خطاب الكرامة كقوله { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } قال بعضهم ونجد الخطاب بالنبي في محل لا يليق به الرسول وكذا عكسه كقوله في الأمر بالتشريع العام { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } وفي مقام الخاص { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } قال وقد يعبر بالنبي في مقام التشريع العام لكن مع قرينة إرادة العموم كقوله { يا أيها النبي إذا طلقتم } ولم يقل ( طلقت )
4214 الحادي عشر خطاب الإهانة نحو { فإنك رجيم } { اخسؤوا فيها ولا تكلمون }
____________________
(2/89)
4215 الثاني عشر خطاب التهكم نحو { ذق إنك أنت العزيز الكريم }
4216 الثالث عشر خطاب الجمع بلفظ الواحد نحو { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم }
4217 الرابع عشر خطاب الواحد بلفظ الجمع نحو { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات } إلى قوله { فذرهم في غمرتهم } فهو خطاب له صلى الله عليه وسلم وحده إذ لا نبي معه ولا بعده
4218 وكذا قوله { وإن عاقبتم فعاقبوا } الآية خطاب له صلى الله عليه وسلم وحده بدليل قوله { واصبر وما صبرك إلا بالله } الآية وكذا قوله { فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا } بدليل قوله { قل فأتوا } وجعل منه بعضهم { قال رب ارجعون } أي ارجعني وقيل ( رب ) خطاب له تعالى و ( ارجعون ) للملائكة
4219 وقال السهيلي هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب فاختلط فلا يدري ما يقول من الشطط
وقد إعتاد أمرا يقوله في الحياة من رد الأمر إلى المخلوقين
4220 الخامس عشر خطاب الواحد بلفظ الإثنين نحو { ألقيا في جهنم } والخطاب لمالك خازن النار وقيل لخزنه النار والزبانية فيكون من خطاب الجمع بلفظ الإثنين وقيل للملكين الموكلين في قوله { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } فيكون على الأصل
وجعل المهدوي من هذا النوع { قال قد أجيبت دعوتكما }
قال الخطاب لموسى وحده لأنه الداعي
وقيل لهما لأن هارون أمن على دعائه والمؤمن أحد الداعيين
4221 السادس عشر خطاب الإثنين بلفظ الواحد كقوله { فمن ربكما يا موسى } أي وياهرون وفيه وجهان
أحدهما أنه أفرده بالنداء لإدلاله عليه بالتربية
والآخر لأنه صاحب الرسالة والآيات وهارون تبع له ذكره ابن عطية
____________________
(2/90)
وذكر في الكشاف آخر وهو أن هارون لما كان أفصح من موسى نكب فرعون عن خطابه حذرا من لسانه
4222 ومثله { فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى }
قال ابن عطية أفرده بالشقاء لأنه المخاطب أولا والمقصود في الكلام وقيل لأنه الله جعل الشقاء في معيشة الدنيا في جانب الرجال
وقيل إغضاء عن ذكر المرأة كما قيل من الكرم ستر الحرم
4223 السابع عشر خطاب الإثنين لفظ الجمع كقوله { أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة }
4223 م الثامن عشر خطاب الجمع بلفظ الاثنين كما تقدم في { ألقيا }
4224 التاسع عشر خطاب الجمع بعد الواحد كقوله { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل } قال ابن الأنباري جمع في الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومثله { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء }
4225 العشرون عكسه نحو { وأقيموا الصلاة } { وبشر المؤمنين }
4226 الحادي والعشرون خطاب الإثنين بعد الواحد نحو { أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض }
4227 الثاني والعشرون عكسه نحو { فمن ربكما يا موسى }
4228 الثالث والعشرون خطاب العين والمراد به الغير نحو { يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين } الخطاب له والمراد أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان تقيا وحاشاه من طاعة الكفار ومنه { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب } الآية حاشاه صلى الله عليه وسلم من الشك وإنما المراد بالخطاب التعريض بالكفار
4229 أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال لم يشك صلى الله عليه وسلم ولم يسأل
ومثله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا } الآية { فلا تكونن من الجاهلين } وأنحاء ذلك
____________________
(2/91)
4230 الرابع والعشرون خطاب الغير والمراد به العين نحو { لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم }
4231 الخامس والعشرون الخطاب العام الذي لم يقصد به مخاطب معين نحو { ألم تر أن الله يسجد له } { ولو ترى إذ وقفوا على النار } { ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم } لم يقصد بذلك خطاب معين بل كل أحد وأخرج في صورة الخطاب لقصد العموم يريد أن حالهم تناهت في الظهور بحيث لا يختص بها راء دون راء بل كل من أمكن منه الرؤية داخل في ذلك الخطاب
4232 السادس والعشرون خطاب الشخص ثم العدول إلى غيره نحو { فإن لم يستجيبوا لكم } خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للكفار { فاعلموا أنما أنزل بعلم الله } بدليل { فهل أنتم مسلمون } ومنه { إنا أرسلناك شاهدا } إلى قوله { لتؤمنوا } فيمن قرأ بالفوقية
4233 السابع والعشرون خطاب التلوين وهو الإلتفات
4234 الثامن والعشرون خطاب الجمادات خطاب من يعقل نحو { فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها }
4235 التاسع والعشرون خطاب التهييج نحو { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }
4236 الثلاثون خطاب التحنن والإستعطاف نحو { يا عبادي الذين أسرفوا }
4237 الحادي والثلاثون خطاب التحبب نحو { يا أبت لم تعبد } { يا بني إنها إن تك } { يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي }
____________________
(2/92)
4238 الثاني والثلاثون خطاب التعجيز نحو { فأتوا بسورة }
4239 الثالث والثلاثون خطاب التشريف وهو كل ما في القرآن مخاطبة ب ( قل ) فإنه تشريف منه تعالى لهذه الأمة بأن يخاطبها بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة
4240 الرابع والثلاثون خطاب المعدوم ويصح ذلك تبعا لموجود نحو { يا بني آدم } فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل من بعدهم 1 - فائدة
4241 قال بعضهم خطاب القرآن ثلاثة أقسام
قسم لا يصح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم
وقسم لا يصح إلا لغيره
وقسم لهما
4242 قال ابن القيم تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله وله الحمد كله أزمة الأمور كلها بيده ومصدرها منه ومردها إليه مستويا على العرش لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته عالما بما في نفوس عبيده مطلعا على أسرارهم وعلانيتهم منفردا بتدبير المملكة يسمع ويرى ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقدر ويقضي ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه
فتأمل كيف تجده يثنى على نفسه ويمجد نفسه ويحمد نفسه وينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه يذكرهم بنعمه عليهم ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها ويحذرهم من نقمه ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ويثنى على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسيء أعمالهم وقبيح صفاتهم ويضرب الأمثال وينوع الأدلة والبراهين ويجيب عن شبه أعدائه
____________________
(2/93)
أحسن الأجوبة ويصدق الصادق ويكذب الكاذب ويقول الحق ويهدي السبيل ويدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وآلامها ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ويذكرهم غناه عنهم وعن جميع الموجودات وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير إليه وأنه لن ينال أحد ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر زلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم والدافع عنهم والحامي عنهم والناصر لهم والكفيل بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب والموفي لهم بوعده وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه فهو مولاهم الحق ونصيرهم على عدوهم فنعم المولى ونعم النصير
وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما جوادا رحيما جميلا هذا شأنه فكيف لا تحبه وتنافس في القرب منه وتنفق أنفاسها في التودد إليه ويكون أحب إليها من كل ما سواه ورضاه آثر عندها من رضا كل من سواه وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها بحيث إن فقدت وهلكت لم تنتفع بحياتها 2 - فائدة
4243 قال بعض الأقدمين أنزل القرآن على ثلاثين نحوا كل نحو منه غير صاحبه فمن عرف وجوهها ثم تكلم في الدين أصاب ووفق ومن لم يعرفها وتكلم في الدين كان الخطأ إليه أقرب وهي المكي والمدني والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والتقديم والتأخير والمقطوع والموصول والسبب والإضمار والخاص والعام والأمر والنهي والوعد والوعيد والحدود والأحكام والخبر والإستفهام والأبهة والحروف المصرفة والإعذار والإنذار والحجة والإحتجاج والمواعظ والأمثال والقسم
4244 قال فالمكي مثل { واهجرهم هجرا جميلا }
____________________
(2/94)
4245 والمدني مثل { وقاتلوا في سبيل الله }
4246 والناسخ والمنسوخ واضح
4247 والمحكم مثل { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } ونحوه مما أحكمه الله وبينه
4248 والمتشابه مثل { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا } الآية ولم يقل { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا } كما قال في المحكم وقد ناداهم في هذه الآية بالإيمان ونهاهم عن المعصية ولم يجعل فيها وعيدا فاشتبه على أهلها ما يفعل الله بهم
4249 والتقديم والتأخير مثل { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } التقدير كتب عليكم الوصية إذا حضر أحدكم الموت
4250 والمقطوع والموصول مثل { لا أقسم بيوم القيامة } فلا مقطوع من أقسم وإنما هو في المعنى ( أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) ولم يقسم
4251 والسبب والإضمار مثل { واسأل القرية } أي أهل القرية
4252 والخاص والعام مثل { يا أيها النبي } فهذا في المسموع خاص { إذا طلقتم النساء } فصار في المعنى عاما
4253 والأمر وما بعده إلى الإستفهام أمثلتها واضحة
4254 والأبهة مثل { إنا أرسلنا } { نحن قسمنا } عبر بالصيغة الموضوعة للجماعة للواحد تعالى تفخيما وتعظيما وأبهة
4255 والحروف المصرفة كالفتنة تطلق على الشرك نحو { حتى لا تكون فتنة }
____________________
(2/95)
4256 وعلى المعذرة نحو { ثم لم تكن فتنتهم } أي معذرتهم
4257 وعلى الإختبار نحو { قد فتنا قومك من بعدك }
4258 والإعتذار نحو { فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم } اعتذر أنه لم يفعل ذلك إلا بمعصيتهم
والبواقي أمثلتها واضحة
____________________
(2/96)
النوع الثاني والخمسون في حقيقته ومجازه
4259 لا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن وهي كل لفظ بقي على موضوعه ولا تقديم فيه ولا تأخير وهذا أكثر الكلام
4260 وأما المجاز فالجمهور أيضا على وقوعه فيه وأنكره جماعة منهم الظاهرية وابن القاص من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب والقرآن منزه عنه وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير وذلك محال على الله تعالى
وهذه شبهة باطلة ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن فقد إتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها
4261 وقد أفرده بالتصنيف الإمام عز الدين بن عبد السلام ولخصته مع زيادات كثيرة في كتاب سميته ( مجاز الفرسان إلى مجاز القرآن ) وهو قسمان
الأول المجاز في التركيب ويسمى مجاز الإسناد والمجاز العقلي وعلاقته الملابسة وذلك أن يسند الفعل أو شبهة إلى ما هو له أصالة لملابسته له كقوله تعالى { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } نسبت الزيادة وهي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا لها
{ يذبح أبناءهم } { يا هامان ابن لي } نسب الذبح وهو فعل الأعوان إلى فرعون والبناء وهو فعل العملة إلى هامان لكونهما آمرين به
4262 وكذا قوله { وأحلوا قومهم دار البوار } نسب الإحلال إليهم لتسببهم في كفرهم بأمرهم إياهم به
____________________
(2/97)
4263 ومنه قوله تعالى { يوما يجعل الولدان شيبا } نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه
( عيشة راضية ) أي مرضية
{ فإذا عزم الأمر } أي عزم عليه بدليل { فإذا عزمت }
4264 وهذا القسم أربعة أنواع
أحدها ما طرفاه حقيقيان كالآية المصدر بها وكقوله { وأخرجت الأرض أثقالها }
ثانيها مجازيان نحو { فما ربحت تجارتهم } أي ما ربحوا فيها وإطلاق الربح والتجارة هنا مجاز
ثالثها ورابعها ما أحد طرفيه حقيقي دون الآخر
4265 أما الأول والثاني فكقوله { أم أنزلنا عليهم سلطانا } أي برهانا { كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو } فإن الدعاء من النار مجاز
وقوله { حتى تضع الحرب أوزارها } { تؤتي أكلها كل حين } { فأمه هاوية } وإسم الأم الهاوية مجاز أي كما أن الأم كافلة لولدها وملجأ له كذلك النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع
4266 القسم الثاني المجاز في المفرد ويسمى اللغوي وهو إستعمال اللفظ في غير ما وضع له أولا وأنواعه كثيرة
أحدها الحذف وسيأتي مبسوطا في نوع المجاز فهو به أجدر خصوصا إذا قلنا إنه ليس من أنواع المجاز
4267 الثاني الزيادة وسبق تحرير القول فيها في نوع الإعراب
4268 الثالث إطلاق إسم الكل على الجزء نحو { يجعلون أصابعهم في }
____________________
(2/98)
{ آذانهم } ) أي أناملهم ونكتة التعبير عنها بالأصابع الإشارة إلى إدخالها على غير المعتاد مبالغة من الفرار فكأنهم جعلوا الأصابع { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } أي وجوههم لأنه لم ير جملتهم { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } أطلق الشهر وهو إسم لثلاثين ليلة وأراد جزء منه كذا أجاب به الإمام فخر الدين عن إستشكال أن الجزاء إنما يكون بعد تمام الشرط والشرط أن يشهد الشهر وهو إسم لكله حقيقة فكأنه أمر بالصوم بعد مضي الشهر وليس كذلك وقد فسره علي وابن عباس وابن عمر على أن المعنى من شهد أول الشهر فليصم جميعه وإن سافر في أثنائه
أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما وهو أيضا من هذا النوع ويصلح أن يكون من نوع الحذف
4269 الرابع عكسه نحو { ويبقى وجه ربك } أي ذاته { فولوا وجوهكم شطره } أي ذواتكم إذ الاستقبال يجب بالصدر { وجوه يومئذ ناعمة } { وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة } عبر بالوجوه عن جميع الأجساد لأن التنعم والنصب حاصل بكلها { ذلك بما قدمت يداك } { فبما كسبت أيديكم } أي قدمت وكسبتم ونسب ذلك إلى الأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها { قم الليل } { وقرآن الفجر } { واركعوا مع الراكعين } { ومن الليل فاسجد له } أطلق كلا من القيام والقراءة والركوع والسجود على الصلاة وهو بعضها { هديا بالغ الكعبة } أي الحرم كله بدليل أنه لا يذبح فيها تنبيه
4270 ألحق بهذين النوعين شيئان
أحدهما وصف البعض بصفة الكل كقوله { ناصية كاذبة خاطئة } فالخطأ صفة الكل وصف به الناصية عكسه كقوله { إنا منكم وجلون } والوجل
____________________
(2/99)
صفة القلب { ولملئت منهم رعبا } والرعب إنما يكون في القلب
والثاني إطلاق لفظ بعض مرادا به الكل ذكره أبو عبيدة وخرج عليه قوله { ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه } أي كله { وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } وتعقب بأنه لا يجب على النبي بيان كل ما اختلف فيه بدليل الساعة والروح ونحوهما وبأن موسى كان وعدهم بعذاب في الدنيا وفي الآخرة فقال ( يصبكم هذا العذاب في الدنيا وهو بعض الوعيد من غير نفي عذاب الآخرة ) ذكره ثعلب
4271 قال الزوكشي ويحتمل أيضا أن يقال إن الوعيد مما لا يستنكر ترك جميعه فكيف بعضه ويؤيد ما قاله ثعلب قوله { وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم }
4272 الخامس إطلاق إسم الخاص على العام نحو { إنا رسول رب العالمين } أي رسله
4273 السادس عكسه نحو { ويستغفرون لمن في الأرض } أي المؤمنين بدليل قوله { ويستغفرون للذين آمنوا }
4274 السابع إطلاق إسم الملزوم على اللازم نحو . . .
4275 الثامن عكسه نحو { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } أي هل يفعل أطلق الإستطاعة على الفعل لأنها لازمة له
4276 التاسع إطلاق المسبب على السبب نحو { وينزل لكم من السماء رزقا } { قد أنزلنا عليكم لباسا } أي مطرا يتسبب عنه الرزق واللباس { لا يجدون نكاحا } أي مؤنة من مهر ونفقة وما لا بد للمتزوج منه
4277 العاشر عكسه نحو { ما كانوا يستطيعون السمع } أي القبول والعمل به لأنه مسبب عن السمع
____________________
(2/100)
تنبيه
4278 من ذلك نسبة الفعل إلى سبب السبب كقوله { فأخرجهما مما كانا فيه } { كما أخرج أبويكم من الجنة } فإن المخرج في الحقيقة هو الله تعالى وسبب ذلك أكل الشجرة وسبب الأكل وسوسة الشيطان
4279 الحادى عشر تسمية الشيء باسم ما كان عليه نحو ( وآتوا اليتامى أموالهم ) أي الذين كانوا يتامى إذ لا يتم بعد البلوغ { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } أي الذين كانوا أزواجهن { من يأت ربه مجرما } سماه مجرما باعتبار ما كان في الدنيا من الإجرام
4280 الثاني عشر تسميته باسم ما يؤول إليه نحو { إني أراني أعصر خمرا } أي عنبا يؤول إلى الخمرية { ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } أي صائرا إلى الكفر والفجور { حتى تنكح زوجا غيره } سماه زوجا لأن العقد يؤول إلى زوجية لأنها لا تنكح إلا في حال كونه زوجا { فبشرناه بغلام حليم } { نبشرك بغلام عليم } وصفه في حال البشارة بما يؤول إليه من العلم والحلم
4281 الثالث عشر إطلاق إسم الحال على المحل نحو { ففي رحمة الله هم فيها خالدون } أي في الجنة لأنها محل الرحمة { بل مكر الليل } أي في الليل { إذ يريكهم الله في منامك } أي في عينك على قول الحسن
4282 الرابع عشر عكسه نحو { فليدع ناديه } أي أهل ناديه أي مجلسه
ومنه التعبير باليد عن القدرة نحو { بيده الملك }
وبالقلب عن العقل نحو { لهم قلوب لا يفقهون بها } أي عقول
وبالأفواه عن الألسن نحو { يقولون بأفواههم }
( وبالقرية عن ساكنيها نحو { واسأل القرية }
____________________
(2/101)
4283 وقد إجتمع هذا النوع وما قبله في قوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } فإن أخذ الزينة غير ممكن لأنها مصدر فالمراد محلها فأطلق عليه إسم الحال وأخذها للمسجد نفسه لا يجب فالمراد الصلاة فأطلق إسم المحل على الحال
4284 الخامس عشر تسمية الشيء بإسم آلته نحو { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } أي ثناء حسنا لأن اللسان آلته { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } أي بلغة قومه
4285 السادس عشر تسمية الشيء باسم ضده نحو { فبشرهم بعذاب أليم } والبشارة حقيقة في الخبر السار ومنه تسمية الداعي إلى الشيء باسم الصارف عنه ذكره السكاكي وخرج عليه قوله تعالى { ما منعك ألا تسجد } يعني ما دعاك إلى ألا تسجد وسلم بذلك من دعوى زيادة ( لا )
4286 السابع عشر إضافة الفعل إلى ما لا يصح منه تشبيها نحو { جدارا يريد أن ينقض فأقامه } وصفه بالإرادة وهي من صفات الحي تشبيها لميله للوقوع بإرادته
4287 الثامن عشر إطلاق الفعل والمراد مشارفته ومقاربته وإرادته نحو { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن } أي قاربن بلوغ الأجل أي إنقضاء العدة لأن الإمساك لا يكون بعده وهو في قوله { فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } حقيقة { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } أي فإذا قرب مجيئه
وبه يندفع السؤال المشهور فيها أن عند مجيء الأجل لا يتصور تقديم ولا تأخير { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم } الآية أي لو قاربوا أن يتركوا خافوا لأن الخطاب للأوصياء وإنما يتوجه إليهم قبل الترك لأنهم بعده أموات { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } أي أردتم القيام { فإذا قرأت القرآن فاستعذ } أي أردت القراءة
____________________
(2/102)
لتكون الإستعاذة قبلها { وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا } أي أردنا إهلاكها وإلا لم يصح العطف بالفاء
4288 وجعل منه بعضهم قوله { من يهد الله فهو المهتد } أي من يرد الله هدايته وهو حسن جدا لئلا يتحد الشرط والجزاء
4289 التاسع عشر القلب إما قلب إسناد نحو { ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } أي لتنوء العصبة بها { لكل أجل كتاب } أي لكل كتاب أجل { وحرمنا عليه المراضع } أي حرمناه على المراضع { ويوم يعرض الذين كفروا على النار } أي تعرض النار عليهم لأن المعروض عليه هو الذي له الإختيار
( وإنه لحب الخير لشديد ) أي وإن حبه للخير { وإن يردك بخير } أي يرد بك الخير
( فتلقى آدم من ربه كلمات ) لأن المتلقي حقيقة هو آدم كما قرئ بذلك أيضا
أو قلب عطف نحو { ثم تول عنهم فانظر } أي فانظر ثم تول { ثم دنا فتدلى } أي تدلى فدنا لأنه بالتدلي مال إلى الدنو
أو قلب تشبيه وسيأتي في نوعه
4290 العشرون إقامة صيغة مقام أخرى وتحته أنواع كثيرة
منها إطلاق المصدر على الفاعل نحو { فإنهم عدو لي } ولهذا أفرده
وعلى المفعول نحو { ولا يحيطون بشيء من علمه } أي من معلومه { صنع الله } أي مصنوعه { وجاؤوا على قميصه بدم كذب } أي مكذوب فيه لأن الكذب من صفات الأقوال لا الأجسام
4291 ومنها إطلاق البشرى على المبشر به والهوى على المهوي والقول على المقول
4292 ومنها إطلاق الفاعل والمفعول على المصدر نحو { ليس لوقعتها }
____________________
(2/103)
{ كاذبة } ) أي تكذيب { بأيكم المفتون } أي الفتنة على أن الباء غير زائدة
4293 ومنها إطلاق فاعل على مفعول نحو { ماء دافق } أي مدفوق { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } أي لا معصوم { جعلنا حرما آمنا } أي مأمونا فيه
4294 وعكسه نحو { إنه كان وعده مأتيا } أي آتيا { حجابا مستورا } أي ساترا
وقيل على بابه أي مستورا على العيون لا يحس به أحد
4295 ومنها إطلاق ( فعيل ) بمعنى ( مفعول ) نحو { وكان الكافر على ربه ظهيرا }
4296 ومنها إطلاق واحد من المفرد والمثنى والجمع على آخر منها
4297 مثال إطلاق المفرد على المثنى { والله ورسوله أحق أن يرضوه } أي يرضوهما فأفرد لتلازم الرضاءين
4298 وعلى الجمع نحو { إن الإنسان لفي خسر } أي الأناسي بدليل الإستثناء منه { إن الإنسان خلق هلوعا } بدليل { إلا المصلين }
4299 ومثال إطلاق المثنى على المفرد { ألقيا في جهنم } أي ألق
4300 ومنه كل فعل نسب إلى شيئين وهو لأحدهما فقط نحو { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح دون العذب ونظيره { ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها } وإنما تخرج الحلية من الملح { وجعل القمر فيهن نورا } أي في إحداهن { نسيا حوتهما } والناسي
____________________
(2/104)
يوشع بدليل قوله لموسى { فإني نسيت الحوت } وإنما أضيف النسيان إليهما معا لسكوت موسى عنه { فمن تعجل في يومين } والتعجيل في اليوم الثاني { على رجل من القريتين عظيم } قال الفارسي أي من إحدى القريتين
وليس منه { ولمن خاف مقام ربه جنتان } وأن المعنى جنة واحدة خلافا للفراء
وفي كتاب ( ذا القد ) لابن جني أن منه { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين } وإنما المتخذ إلها عيسى دون مريم
4301 ومثال إطلاقه على الجمع { ثم ارجع البصر كرتين } أي كرات لأن البصر لا يحسر إلا بها
وجعل منه بعضهم قوله { الطلاق مرتان }
4302 ومثال إطلاق الجمع على المفرد { قال رب ارجعون } أي أرجعني وجعل منه ابن فارس { فناظرة بم يرجع المرسلون } والرسول واحد بدليل { ارجع إليهم } وفيه نظر لأنه يحتمل أنه خاطب رئيسهم لا سيما وعادة الملوك جارية ألا يرسلوا واحدا
وجعل منه { فنادته الملائكة } { ينزل الملائكة بالروح } أي جبريل { وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها } والقاتل واحد
4304 ومثال إطلاقه على المثنى { قالتا أتينا طائعين } { قالوا لا تخف خصمان } { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أي أخوان { فقد صغت قلوبكما } أي قلباكما
{ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } إلى قوله { وكنا لحكمهم شاهدين }
4305 ومنها إطلاق الماضي على المستقبل لتحقق وقوعه نحو { أتى أمر الله } أي الساعة بدليل { فلا تستعجلوه }
{ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات } { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس } الآية { وبرزوا لله جميعا }
____________________
(2/105)
{ ونادى أصحاب الأعراف }
4306 وعكسه لإفادة الدوام والإستمرار فكأنه وقع واستمر نحو { أتأمرون الناس بالبر وتنسون } { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان }
أي تلت { ولقد نعلم } أي علمنا { قد يعلم ما أنتم عليه } أي علم { فلم تقتلون أنبياء الله } أي قتلتم { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } { ويقول الذين كفروا لست مرسلا } أي قالوا
4307 ومن لواحق ذلك التعبير عن المستقبل باسم الفاعل أو المفعول لأنه حقيقة في الحال لا في الإستقبال نحو { وإن الدين لواقع }
{ ذلك يوم مجموع له الناس }
4308 ومنها إطلاق الخبر على الطلب أمرا أو نهيا أو دعاء مبالغة في الحث عليه حتى كأنه وقع وأخبر عنه
قال الزمخشري ورود الخبر والمراد الأمر أو النهي أبلغ من صريح الأمر أو النهي كأنه سورع فيه إلى الإمتثال وأخبر عنه نحو { والوالدات يرضعن } { والمطلقات يتربصن } { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } على قراءة الرافع { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } أي لا تنفقوا إلا إبتغاء وجه الله { لا يمسه إلا المطهرون } أي لا يمسسه { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } أي لا تعبدوا بدليل { وقولوا للناس حسنا }
{ لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم } أي اللهم اغفر لهم
4309 وعكسه نحو { فليمدد له الرحمن مدا } أي يمد { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } أي ونحن حاملون بدليل { وإنهم لكاذبون } والكذب إنما يرد على الخبر { فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا }
____________________
(2/106)
4310 قال الكواشي في الآية الأولى الأمر بمعنى الخبر أبلغ من الخبر لتضمنه اللزوم نحو ( إن زرتنا فلنكرمك ) يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم
وقال ابن عبد السلام لأن الأمر للإيجاب فشبه الخبر به في إيجابه
4311 منها وضع النداء موضع التعجب نحو { يا حسرة على العباد }
قال الفراء معناه فيالها حسرة وقال ابن خالوية هذه من أصعب مسألة في القرآن لأن الحسرة لا تنادى وإنما ينادى الأشخاص لأن فائدته التنبيه ولكن المعنى على التعجب
4312 ومنها وضع جمع القلة موضع الكثرة نحو { وهم في الغرفات آمنون } وغرف الجنة لا تحصى { لهم درجات عند ربهم } ورتب الناس في علم الله أكثر من العشرة لا محالة { الله يتوفى الأنفس } { أياما معدودات } ونكتة التقليل في هذه الآية التسهيل على المكلفين
4313 وعكسه نحو { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }
4314 ومنها تذكير المؤنث على تأويله بمذكر نحو { فمن جاءه موعظة من ربه } أي وعظ { وأحيينا به بلدة ميتا } على تأويل البلدة بالمكان
{ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي } أي الشمس أو الطالع
{ إن رحمة الله قريب من المحسنين }
قال الجوهري ذكرت على معنى الإحسان
4315 وقال الشريف المرتضى في قوله { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم } إن الإشارة للرحمة وإنما لم يقل ( ولتلك ) لأن تأنيثها غير حقيقي ولأنه يجوز أن يكون في تأويل ( أن يرحم )
4316 ومنها تأنيث المذكر نحو { الذين يرثون الفردوس هم فيها } أنث الفردوس وهو مذكر حملا على معنى الجنة { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }
____________________
(2/107)
أنت ( عشرا ) حيث حذف الهاء مع إضافتها إلى ( الأمثال ) وواحدها مذكر فقيل لإضافة الأمثال إلى مؤنث وهو ضمير الحسنات فاكتسب منه التأنيث وقيل هو من باب مراعاة المعنى لأن ( الأمثال ) في المعنى مؤنثه لأن مثل الحسنة حسنة والتقدير فله عشر حسنات أمثالها
وقد قدمنا في القواعد المهمة قاعدة في التذكير والتأنيث
4317 ومنها التغليب وهو إعطاء الشيء حكم غيره
وقيل ترجيح أحد المعلومين على الآخر وإطلاق لفظه عليهما إجراء للمختلفين مجرى المتفقين نحو { وكانت من القانتين } { إلا امرأته كانت من الغابرين } والأصل ( من القانتات ) و ( الغابرات ) فعدت الأنثى من المذكر بحكم التغليب { بل أنتم قوم تجهلون } أتى بتاء الخطاب تغليبا لجانب ( أنتم ) على جانب ( قوم ) والقياس أن يؤتى بياء الغيبة لأنه صفة ل ( قوم ) وحسن العدول عنه وقوع الموصوف خبرا عن ضمير المخاطبين { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم } غلب في الضمير المخاطب وإن كان ( من تبعك ) يقتضي الغيبة وحسنه أنه لما كان الغائب تبعا للمخاطب في المعصية والعقوبة جعل تبعا له في اللفظ أيضا وهو من محاسن إرتباط اللفظ بالمعنى { ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض } غلب غير العاقل حيث أتى ب ( ما ) لكثرته وفي آية أخرى ب ( من ) فغلب العاقل لشرفه { لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا } أدخل شعيب في ( لتعودن ) بحكم التغليب إذ لم يكن في ملتهم أصلا حتى يعود فيها وكذا قوله { إن عدنا في ملتكم } { فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس } عد منهم بالإستثناء تغليبا لكونه كان بينهم { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } أي المشرق والمغرب
4318 قال ابن الشجري وغلب المشرق لأنه أشهر الجهتين { مرج البحرين } أي الملح والعذب والبحر خاص بالملح فغلب لكونه أعظم { ولكل درجات } أي من المؤمنين والكفار والدرجات للعلو والدركات للسفل
____________________
(2/108)
فاستعمل الدرجات في القسمين تغليبا للاشرف
4319 قال في البرهان وإنما كان التغليب من باب المجاز لأن اللفظ لم يستعمل فيما وضع له ألا ترى أن ( القانتين ) موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف فإطلاقه على الذكور والإناث إطلاق على غير ما وضع له وكذا باقي الأمثلة
4320 ومنها إستعمال حروف الجر في غير معانيها الحقيقية كما تقدم في النوع الأربعين
4321 ومنها إستعمال صيغة ( افعل ) لغير الوجوب وصيغة ( لا تفعل ) لغير التحريم وأدوات الإستفهام لغير طلب التصور والتصديق وأداة التمني والترجي والنداء لغيرها كما سيأتي كل ذلك في الإنشاء
4322 ومنها التضمين وهو إعطاء الشيء معنى الشيء ويكون في الحروف والأفعال والأسماء
4323 أما الحروف فتقدم في حروف الجر وغيرها
4324 وأما الأفعال فأن يضمن فعل معنى فعل آخر فيكون فيه معنى الفعلين معا وذلك بأن يأتي الفعل متعديا بحرف ليس من عادته التعدي به فيحتاج إلى تأويله أو تأويل الحرف ليصح التعدي به والأول تضمين الفعل والثاني تضمين الحرف
واختلفوا أيهما أولى فقال أهل اللغة وقوم من النحاة التوسع في الحرف
وقال المحققون التوسع في الفعل لأنه في الأفعال أكثر مثاله { عينا يشرب بها عباد الله } فيشرب إنما يتعدى بمن فتعديته بالباء إما على تضمينه معنى ( يروي ) و ( يلتذ ) أو تضمين الباء معنى ( من ) نحو { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } فالرفث لا يتعدى بإلى إلا على تضمن معنى الإفضاء { هل لك إلى أن تزكى } والأصل ( في أن ) فضمن معنى ( أدعوك ) { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } عديت بعن لتضمنها معنى العفو والصفح
4325 وأما في الأسماء فأن يضمن اسم معنى اسم لإفادة معنى الاسمين
____________________
(2/109)
معا نحو { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } ضمن ( حقيق ) معنى ( حريص ) ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه وإنما كان التضمين مجازا لأن اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا فالجمع بينهما مجاز 1 - فصل في أنواع مختلف في عدها من المجاز
4326 وهي ستة
أحدها الحذف فالمشهور أنه من المجاز وأنكره بعضهم لأن المجاز استعمال اللفظ في غير موضوعه والحذف ليس كذلك
4327 وقال ابن عطية حذف المضاف هو عين المجاز ومعظمه وليس كل حذف مجازا
4328 وقال القرافي الحذف أربعة أقسام
قسم يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو { واسأل القرية } أي أهلها إذ لا يصح إسناد السؤال إليها
وقسم يصح بدونه لكن يتوقف عليه شرعا كقوله { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أي فأفطر فعدة
وقسم يتوقف عليه عادة لا شرعا نحو { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } أي فضربه
وقسم يدل عليه دليل غير شرعي ولا هو عادة نحو { فقبضت قبضة من أثر الرسول } دل الدليل على أنه إنما قبض من أثر حافر فرس الرسول
وليس في هذه الأقسام مجاز إلا الأول
4329 وقال الزنجاني في المعيار إنما يكون مجازا إذا تغير حكم فأما
____________________
(2/110)
إذا لم يتغير كحذف خبرالمبتدأ المعطوف على جملة فليس مجازا إذ لم يتغير حكم ما بقي من الكلام
4330 وقال القزويني في الإيضاح متى تغير إعراب الكلمة بحذف أو زيادة فهي مجاز نحو { واسأل القرية } { ليس كمثله شيء } فإن كان الحذف أو الزيادة لا يوجب تغير الإعراب نحو { أو كصيب } { فبما رحمة } فلا توصف الكلمة بالمجاز
4331 الثاني التأكيد زعم قوم أنه مجاز لأنه لا يفيد إلا ما أفاده الأول
والصحيح أنه حقيقة
4332 قال الطرطرشي في العمدة ومن سماه مجازا قلنا له إذا كان التأكيد بلفظ الأول نحو ( عجل عجل ) ونحوه فإن جاز أن يكون الثاني مجازا جاز في الأول لأنهما في لفظ واحد وإذا بطل حمل الأول على المجاز بطل حمل الثاني عليه لأنه مثل الأول
4332 الثالث التشبيه زعم قوم أنه مجاز والصحيح أنه حقيقة
4333 قال الزنجاني في المعيار لأنه معنى من المعاني وله ألفاظ تدل عليه وضعا فليس في نقل اللفظ عن موضوعه
4334 وقال الشيخ عز الدين إن كان بحرف فهو حقيقة أو بحذفه فمجاز بناء على أن الحذف من باب المجاز
4335 الرابع الكناية وفيها أربعة مذاهب
أحدها أنها حقيقة قال ابن عبد السلام وهو الظاهر لأنها استعملت فيما وضعت له وأريد بها الدلالة على غيره
الثاني أنها مجاز
الثالث أنها لا حقيقة ولا مجاز وإليه ذهب صاحب التلخيص لمنعه في المجاز أن يراد المعنى الحقيقي مع المجازي وتجويزه ذلك فيه
____________________
(2/111)
الرابع وهو اختيار الشيخ تقي الدين السبكي أنها تنقسم إلى حقيقة ومجاز فإن استعملت اللفظ في معناه مرادا منه لازم المعنى أيضا فهو حقيقة وإن لم يرد المعنى بل عبر بالملزوم عن اللازم فهو مجاز لاستعماله في غير ما وضع له
والحاصل أن الحقيقة منها أن يستعمل اللفظ فيما وضع له ليفيد غير ما وضع له والمجاز منها أن يريد به غير موضوعه استعمالا وإفادة
4336 الخامس التقديم والتأخير عده قوم من المجاز لأن تقديم ما رتبته التأخير كالمفعول وتأخير ما رتبته التقديم كالفاعل نقل لكل واحد منهما عن مرتبته وحقه
4337 قال في البرهان والصحيح أنه ليس منه فإن المجاز نقل ما وضع إلى ما لم يوضع له
4338 السادس الالتفات قال الشيخ بهاء الدين السبكي لم أر من ذكر هل هو حقيقة أو مجاز قال وهو حقيقة حيث لم يكن معه تجريد 2 - فصل فيما يوصف بأنه حقيقة ومجاز باعتبارين
4339 هو الموضوعات الشرعية كالصلاة والزكاة والحج فإنها حقائق بالنظر إلى الشرع مجازات بالنظر إلى اللغة 3 - فصل في الواسطة بين الحقيقة والمجاز
4340 قيل بها في ثلاثة أشياء
أحدها اللفظ قبل الاستعمال وهذا القسم مفقود في القرآن ويمكن أن يكون منه أوائل السور على القول بأنها للإشارة إلى الحروف التي يتركب منها الكلام
ثانيها الإعلام
ثالثها اللفظ المستعمل في المشاكلة نحو { ومكروا ومكر الله } { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
ذكر بعضهم أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز قال لأنه لم يوضع لما استعمل فيه فليس حقيقة ولا علاقة معتبرة فليس مجازا كذا في شرح بديعية ابن جابر لرفيقه
____________________
(2/112)
قلت والذي يظهر أنها مجاز والعلاقة المصاحبة خاتمة
4341 لهم مجاز المجاز وهو أن يجعل المجاز المأخوذ عن الحقيقة بمثابة الحقيقة بالنسبة إلى مجاز آخر فيتجوز بالمجاز الأول عن الثاني لعلاقة بينهما كقوله تعالى { ولكن لا تواعدوهن سرا } فإنه مجاز عن مجاز فإن الوطء تجوز عنه بالسر لكونه لا يقع غالبا إلا في السر وتجوز به عن العقد لأنه مسبب عنه فالمصحح للمجاز الأول الملازمة والثاني السببية والمعنى ( لا تواعدوهن عقد نكاح )
4342 وكذا قوله { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } فإن قوله { لا إله إلا الله } مجاز عن تصديق القلب بمدلول هذا اللفظ والعلاقة السببية لأن توحيد اللسان مسبب عن توحيد الجنان والتعبير ب ( لا إله إلا الله ) عن الوحدانية من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه
4343 وجعل منه ابن السيد قوله { أنزلنا عليكم لباسا } فإن المنزل عليهم ليس هو نفس اللباس بل الماء المنبت للزرع المتخذ منه الغزل المنسوج منه اللباس
____________________
(2/113)
النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته
4344 التشبيه نوع من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها
4345 قال المبرد في الكامل لو قال قائل هو أكثر كلام العرب لم يبعد
4346 وقد أفرد تشبيهات القرآن بالتصنيف أبو القاسم بن البندار البغدادي في كتاب سماه ( الجمان )
4347 وعرفه جماعة منهم السكاكي بأنه الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى
4348 وقال ابن أبي الإصبع هو أخراج الأغمض إلى الأظهر
4349 وقال غيره هو إلحاق شيء بذي وصف في وصفه
4350 وقال بعضهم هو أن تثبت للمشبه حكما من أحكام المشبه به والغرض منه تأنيس النفس بإخراجها من خفي إلى جلي وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيانا
4351 وقيل الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار
4352 وأدواته حروف وأسماء وأفعال فالحروف الكاف نحو ( كرماد ) وكأن نحو { كأنه رؤوس الشياطين }
والأسماء مثل وشبه ونحوهما مما يشتق من المماثلة والمشابهة قال الطيبي ولا تستعمل ( مثل ) إلا في حال أو صفة لها شأن
____________________
(2/114)
وفيها غرابة نحو { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر } والأفعال نحو { يحسبه الظمآن ماء } { يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى }
4353 قال في التخليص أتباعا للسكاكي وربما يذكر فعل ينبئ عن التشبيه فيؤتى في التشبيه القريب بنحو ( علمت زيدا أسدا ) الدال على التحقيق وفي البعيد بنحو ( حسبت زيدا أسدا ) الدال على الظن وعدم التحقيق
4354 وخالفه جماعة منهم الطيبي فقالوا في كون هذه الأفعال تنبئ عن التشبيه نوع خفاء والأظهر أن الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد وأن الأداة محذوفة مقدرة لعدم استقامة المعنى بدونه ذكر أقسامه
4355 ينقسم التشبيه باعتبارات
الأول باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام لأنهما إما حسيان أو عقليان أو المشبه به حسي والمشبه عقلي أو عكسه
4356 مثال الأول { والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } { كأنهم أعجاز نخل منقعر }
4357 ومثال الثاني { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة } كذا مثل به في البرهان وكأنه ظن أن التشبيه واقع في القسوة وهو غير ظاهر بل هو واقع بين القلوب والحجارة فهو من الأول
4358 ومثال الثالث { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح }
4359 ومثال الرابع لم يقع في القرآن بل منعه الإمام أصلا لأن العقل مستفاد من الحس فالمحسوس أصل للمعقول وتشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعا والفرع أصلا وهو غير جائز
وقد اختلف في قوله تعالى { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }
____________________
(2/115)
4360 الثاني ينقسم باعتبار وجهه إلى مفرد ومركب والمركب أن ينتزع وجه الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض كقوله { كمثل الحمار يحمل أسفارا } فالتشبيه مركب من أحوال الحمار وهو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه
4361 وقوله { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء } إلى قوله { كأن لم تغن بالأمس } فإن فيه عشر جمل وقع التركيب من مجموعها بحيث لو سقط منها شيء اختل التشبيه إذ المقصود تشبيه حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها واغترار الناس بها بحال ماء نزل من السماء وأنبت أنواع العشب وزين بزخرفها وجه الأرض كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة حتى إذا طمع أهلها فيها وظنوا أنها مسلمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة فكأنها لم تكن بالأمس
4362 وقال بعضهم وجه تشبيه الدنيا بالماء أمران
أحدهما أن الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تضررت وإن أخذت قدر الحاجة انتفعت به فكذلك الدنيا
والثاني أن الماء إذا طبقت عليه كفك لتحفظه لم يحصل فيه شيء فكذلك الدنيا
4363 وقوله { مثل نوره كمشكاة فيها مصباح } الآية فشبه نوره الذي يلقيه في قلب المؤمن بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة إما بوضعه في مشكاة وهي الطاقة التي لا تنفذ وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للبصر وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقودا لأنه من زيت شجرة في وسط السراج لا شرقية ولا غربية فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار بل تصيبها الشمس أعدل إصابة وهذا مثل ضربه الله للمؤمن ثم ضرب للكافر مثلين أحدهما كسراب بقيعة والآخر كظلمات في بحر لجي . . إلى آخره وهو أيضا تشبيه تركيب
4364 الثالث ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام
____________________
(2/116)
أحدها تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع اعتمادا على معرفة النقيض والضد فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة كقوله { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } شبه بما لا يشك أنه قبيح لما حصل في نفوس الناس من بشاعة صورة الشياطين وإن لم ترها عيانا
4365 الثاني عكسه وهو تشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه كقوله { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة } الآية
أخرج ما لا يحس وهو الإيمان إلى ما يحس وهو السراب والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة
4366 الثالث إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت كقوله تعالى { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } والجامع بينهما الارتفاع في الصورة
4367 الرابع إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها كقوله { وجنة عرضها كعرض السماء والأرض } والجامع العظم وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة
4368 الخامس إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها كقوله تعالى { وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والجامع فيهما العظم والفائدة إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام في ألطف ما يكون من الماء وما في ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال وقطعها الأقطار البعيدة في المسافة القريبة وما يلازم ذلك من تسخير الرياح للإنسان فتضمن الكلام نبأ عظيما من الفخر وتعداد النعم وعلى هذه الأوجه الخمسة تجري تشبيهات القرآن
4369 الرابع ينقسم باعتبار آخر إلى
مؤكد وهو ما حذفت فيه الأداة نحو { وهي تمر مر السحاب } أي مثل مر السحاب
{ وأزواجه أمهاتهم } { وجنة عرضها السماوات والأرض }
ومرسل وهو ما لم تحذف كالآيات السابقة
____________________
(2/117)
والمحذوف الأداة أبلغ لأنه نزل فيه الثاني منزلة الأول تجوزا 1 - قاعدة
4370 الأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به وقد تدخل على المشبه إما لقصد المبالغة فيقلب التشبيه ويجعل المشبه هو الأصل نحو { قالوا إنما البيع مثل الربا } كان الأصل أن يقولوا إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع فعدلوا عن ذلك وجعلوا الربا أصلا ملحقا به البيع في الجواز لأنه الخليق بالحل
ومنه قوله تعالى { أفمن يخلق كمن لا يخلق } فإن الظاهر العكس لأن الخطاب لعبدة الأوثان الذين سموها آلهة تشبيها بالله سبحانه وتعالى فجعلوا غير الخالق مثل الخالق فخولف في خطابهم لأنهم بالغوا في عبادتهم وغلوا حتى صارت عندهم أصلا في العبادة فجاء الرد على وفق ذلك
4371 وإما لوضوح الحال نحو { وليس الذكر كالأنثى } فإن الأصل ( وليس الأنثى كالذكر ) وإنما عدل عن الأصل لأن المعنى وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت وقيل لمراعاة الفواصل لأن قبله { إني وضعتها أنثى }
4372 وقد تدخل على غيرهما اعتمادا على فهم المخاطب نحو { كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم } الآية المراد ( كونوا أنصار الله خالصين في الانقياد كشأن مخاطبي عيسى إذ قالوا . . ) 2 - قاعدة
4373 القاعدة في المدح تشبيه الأدنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن الذم مقام الأدنى والأعلى طارئ فيقال في المدح حصى كالياقوت وفي الذم ياقوت كالزجاج
4374 وكذا في السلب ومنه { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } أي في النزول لا في العلو
{ أم نجعل المتقين كالفجار } أي في سوء الحال أي لا نجعلهم كذلك
____________________
(2/118)
4375 نعم أورد على ذلك { مثل نوره كمشكاة } فإنه شبه فيه الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب
وأجيب بأنه للتقريب إلى أذهان المخاطبين إذ لا أعلى من نوره فيشبه به فائدة
4376 قال ابن أبي الإصبع لم يقع في القرآن نشبيه شيئين بشيئين ولا أكثر من ذلك إنما وقع فيه تشبيه واحد بواحد فصل
4377 زوج المجاز بالتشبيه فتولد بينهما الاستعارة فهي مجاز علاقته المشابهة أو يقال في تعريفها اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي
والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا لأعم منهما فأسد في قولك رأيت أسدا يرمى موضوع للسبع لا للشجاع ولا لمعنى أعم منهما كالحيوان الجريء مثلا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما
4378 وقيل مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله في جنس المشبه به فكان استعمالها فيما وضعت له فيكون حقيقة لغوية ليس فيها غير نقل الاسم وحده وليس نقل الاسم المجرد استعارة لأنه لا بلاغة فيه بدليل الأعلام المنقولة فلم يبق إلا أن يكون مجازا عقليا
4379 وقال بعضهم حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجلي أو حصول المبالغة أو المجموع
مثال إظهار الخفي { وإنه في أم الكتاب } فإن حقيقته ( وإنه في أصل الكتاب ) فاستعير لفظ الأم للأصل لأن الأولاد تنشأ من الأم كما تنشأ الفروع من الأصول وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير
____________________
(2/119)
مرئيا فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العيان وذلك أبلغ في البيان
4380 ومثال إيضاح ما ليس بجلي ليصير جليا { واخفض لهما جناح الذل } فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة فاستعير للذل أولا ( جانب )
ثم للجانب جناح وتقدير الاستعارة القريبة ( واخفض لهما جانب الذل ) أي اخفض جانبك ذلا وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيا لأجل حسن البيان ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقي الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنا احتيج في الاستعارة إلى ما هو أبلغ من الأولى فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل صدق عليه أنه خفض جانبه والمراد خفض يلصق الجانب بالأرض ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر
4381 ومثال المبالغة { وفجرنا الأرض عيونا } وحقيقته ( وفجرنا عيون الأرض ) ولو عبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونا فرع
4382 أركان الاستعارة ثلاثة مستعار وهو لفظ المشبه به ومستعار منه وهو معنى اللفظ المشبه ومستعار له وهو المعنى الجامع
4383 وأقسامها كثيرة باعتبارات فتنقسم باعتبار الأركان الثلاثة إلى خمسة أقسام
أحدها استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس نحو { واشتعل الرأس شيبا } فالمستعارة منه هو النار والمستعار له الشيب والوجه هو الانبساط ومشابهة ضوء النار لبياض الشيب وكل ذلك محسوس وهو أبلغ مما لو قيل ( اشتعل شيب الرأس ) لإفادة عموم الشيب لجميع الرأس
ومثله { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } أصل الموج حركة الماء فاستعمل في حركتهم على سبيل الاستعارة والجامع سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة
{ والصبح إذا تنفس }
____________________
(2/120)
استعير خروج النفس شيئا فشيئا لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلا قليلا بجامع التتابع على طريق التدريج وكل ذلك محسوس
4384 الثاني استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي
4385 قال ابن أبي الإصبع وهي ألطف من الأولى نحو { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار } فالمستعار منه السلخ الذي هو كشط الجلد عن الشاة والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل والترتب أمر عقلي
ومثله { فجعلناها حصيدا } أصل الحصيد النبات والجامع الهلاك وهو أمر عقلي
4386 الثالث استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي
قال ابن أبي الإصبع وهي ألطف الاستعارات نحو { من بعثنا من مرقدنا } المستعار منه الرقاد أي النوم والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والكل عقلي
ومثله { ولما سكت عن موسى الغضب } المستعار السكوت والمستعار منه الساكت والمستعار له الغضب
4387 الرابع استعارة محسوس لمعقول بوجه عقلي أيضا نحو { مستهم البأساء والضراء } استعير المس وهو حقيقة في الأجسام وهو محسوس لمقاساة الشدة والجماع اللحوق وهما عقليان
{ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه } فالقذف والدمغ مستعاران وهما محسوسان والحق والباطل مستعار لهما وهما معقولان
{ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس } استعير الحبل المحسوس للعهد وهو معقول
4388 { فاصدع بما تؤمر } استعير الصدع وهو كسر الزجاجة وهو محسوس للتبليغ وهو معقول والجماع التأثير وهو أبلغ من ( بلغ ) وإن كان بمعناه لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ فقد لا يؤثر التبليغ والصدع يؤثر جزما
____________________
(2/121)
4389 { واخفض لهما جناح الذل } قال الراغب لما كان الذل على ضربين ضرب يضع الإنسان وضرب يرفعه وقصد في هذا المكان إلى ما يرفع استعير لفظ الجناح فكأنه قيل استعمل الذل الذي يرفعك عند الله
4390 وكذا قوله { يخوضون في آياتنا } { فنبذوه وراء ظهورهم } { أفمن أسس بنيانه على تقوى } { ويبغونها عوجا } { ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور } { فجعلناه هباء منثورا } { في كل واد يهيمون } { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } كلها من استعارة المحسوس للمعقول والجامع عقلي
4391 الخامس استعارة معقول لمحسوس والجماع عقلي أيضا نحو { إنا لما طغى الماء } المستعار منه التكبر وهو عقلي والمستعار له كثرة الماء وهو حسي والجامع الاستعلاء وهو عقلي أيضا مثله { تكاد تميز من الغيظ } { وجعلنا آية النهار مبصرة }
4392 وتنقسم باعتبار اللفظ إلى
أصلية وهي ما كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس كآية { بحبل الله } { من الظلمات إلى النور } { في كل واد }
4393 وتبعية وهي ما كان اللفظ فيها غير اسم جنس كالفعل والمشتقات كسائر الآيات السابقة وكالحروف نحو { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا } شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب غلبة الغائية عليه ثم استعير في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به
4394 وتنقسم باعتبار آخر إلى مرشحة ومجردة ومطابقة
فالأولى وهي أبلغها أن تقترن بما يلائم المستعار منه نحو { أولئك الذين }
____________________
(2/122)
{ اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم } ) استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم قرن بما يلائمه من الربح والتجارة
والثانية أن تقرن بما يلائم المستعار له نحو { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } استعير اللباس للجوع ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة ولو أراد الترشيح لقال ( فكساها ) لكن التجريد هنا أبلغ لما في لفظ الإذاقة من المبالغة في الألم باطنا
والثالثة ألا تقرن بواحد منهما
4395 وتنقسم باعتبار آخر إلى تحقيقية وتخييلية ومكنية وتصريحية
فالأولى ما تحقق معناها حسا نحو { فأذاقها الله } الآية أو عقلا نحو { وأنزلنا إليكم نورا مبينا } أي بيانا واضحا وحجة لامعة { اهدنا الصراط المستقيم } أي الدين الحق فإن كلا منهما يتحقق عقلا
4396 والثانية أن يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه
ويدل على ذلك التشبيه المضمر في النفس بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به
ويسمى ذلك التشبيه المضمر استعارة بالكناية ومكنيا عنها لأنه لم يصرح به بل دل عليه بذكر خواصه
4397 ويقابله التصريحية ويسمى إثبات ذلك الأمر المختص بالمشبه به للمشبه استعارة تخييلية لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به وبه يكون كمال المشبه به وقوامه في وجه الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به
ومن أمثلة ذلك { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه } شبه العهد بالحبل وأضمر في النفس فلم يصرح بشيء من أركان التشبيه سوى العهد المشبه ودل عليه بإثبات النقض الذي هو من خواص المشبه به وهو الحبل وكذا { واشتعل الرأس شيبا } طوى ذكر المشبه به وهو النار ودل عليه بلازمه وهو الاشتعال { فأذاقها الله }
____________________
(2/123)
الآية شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر فأوقع عليه الإذاقة { ختم الله على قلوبهم } شبهها في ألا تقبل الحق بالشيء الموثوق المختوم
ثم أثبت لها الختم { جدارا يريد أن ينقض } شبه ميلانه للسقوط بانحراف الحي فأثبت له الإرادة التي هي من خواص العقلاء
4398 ومن التصريحية آية { مستهم البأساء } { من بعثنا من مرقدنا }
4399 وتنقسم باعتبار آخر إلى
وفاقية بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنا نحو { أو من كان ميتا فأحييناه } أي ضالا فهديناه استعير الإحياء من جعل الشيء حيا للهداية التي بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء
4400 وعنادية وهي ما لا يمكن اجتماعهما في شيء كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه واجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع
4401 ومن العنادية التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أو نقيض نحو { فبشرهم بعذاب أليم } أي أنذرهم استعيرت البشارة وهي الإخبار بما يسر للإنذار الذي هو ضده بإدخاله في جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء ونحو { إنك لأنت الحليم الرشيد } عنى الغوي السفيه تهكما { ذق إنك أنت العزيز الكريم }
4402 وتنقسم باعتبار آخر إلى تمثيلية وهي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد نحو ( واعتصموا بحبل الله جميعا ) شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكارة باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه
____________________
(2/124)
تنبيه
4403 قد تكون الاستعارة بلفظين نحو / < قوارير قوارير من فضة > / يعني تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة بل في صفاء القارورة وبياض الفضة
{ فصب عليهم ربك سوط عذاب } فالصب كناية عن الدوام والسوط عن الإيلام فالمعنى عذبهم عذابا دائما مؤلما 1 - فائدة
4404 أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهاما للحاجة ولأنه لم يرد في ذلك إذن من الشرع وعليه القاضي عبد الوهاب المالكي
4405 وقال الطرطوشي إن أطلق المسلمون الاستعارة فيه أطلقناها وإنامتنعوا امتنعنا ويكون هذا من قبيل ( إن الله عالم ) والعلم هو العقل ثم لا نصفه به لعدم التوقيف
انتهى 2 - فائدة ثانية
4406 تقدم أن التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها واتفق البلغاء على أن الإستعارة أبلغ منه لأنها مجاز وهو حقيقة والمجاز أبلغ فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة
وكذا الكناية أبلغ من التصريح والاستعارة أبلغ من الكناية كما قال في عروس الأفراح إنه الظاهر لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة ولأنها مجاز قطعا وفي الكناية خلاف
4407 وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية كما يؤخذ من الكشاف ويليها المكنية صرح به الطيبي لاشتمالها على المجاز العقلي
والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة والتخييلية أبلغ من التحقيقية والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والمبالغة في كمال التشبيه لا زيادة في المعنى لا توجد في غير ذلك
____________________
(2/125)
خاتمة
4408 من المهم تحرير الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة نحو ( زيد أسد )
4409 قال الزمخشري في قوله تعالى { صم بكم عمي } فإن قلت هل يسمى ما في الآية استعارة قلت مختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيها بليغا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوا عنه صالحا لأن يراد المنقول عنه والمنقول له لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحا
4410 وعلله السكاكي بأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه و ( زيد أسد ) لا يمكن كونه حقيقة فلا يجوز أن يكون استعارة وتابعه صاحب الإيضاح
4411 قال في عروس الأفراح وما قالاه ممنوع وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر
قال بل لو عكس ذلك وقيل لا بد من عدم صلاحيته لكان أقرب لأن الاستعارة مجاز لا بد له قرينة فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة وصرفناه إلى حقيقته وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة إما لفظية أو معنوية نحو ( زيد أسد ) فالإخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقته
قال والذي نختاره في نحو ( زيد أسد ) أنه قسمان تارة يقصد به التشبيه فتكون أداة التشبيه مقدرة وتارة يقصد به الاستعارة فلا تكون مقدرة ويكون الأسد مستعملا في حقيقته وذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإن لم تقم فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى فيصار إليها
4412 وممن صرح بهذا الفرق عبد اللطيف البغدادي في ( قوانين
____________________
(2/126)
البلاغة )
وكذا قال حازم الفرق بينهما أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه
____________________
(2/127)
النوع الرابع والخمسون في كناياته وتعريضه
4413 هما من أنواع البلاغة وأساليب الفصاحة وقد تقدم أن الكناية أبلغ من التصريح
وعرفها أهل البيان بأنها لفظ أريد به لازم معناه
4414 وقال الطيبي ترك التصريح بالشيء إلى ما يساويه في اللزوم فينتقل منه إلى الملزوم
وأنكر وقوعها في القرآن من أنكر المجاز فيه بناء على أنها مجاز وقد تقدم الخلاف في ذلك
4415 وللكناية أسباب
أحدها التنبيه على عظم القدرة نحو { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } كناية عن آدم
4416 ثانيها ترك اللفظ إلى ما هو أجمل نحو { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة } فكنى بالنعجة عن المرأة كعادة العرب في ذلك لأن ترك التصريح بذكر النساء أجمل منه ولهذا لم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلا مريم
4417 قال السهيلي وإنما ذكرت مريم باسمها على خلاف عادة الفصحاء لنكتة وهو أن الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في ملأ ولا يبتذلون أسماءهن بل يكنون عن الزوجة بالفرش والعيال ونحو ذلك فإذا ذكروا الإماء لم يكنوا عنهن ولم يصونوا أسماءهن عن الذكر فلما قالت النصارى في مريم ما قالوا صرح الله باسمها ولم يكن تأكيدا للعبودية ( إلا ) التي هي صفة لها وتأكيدا لأن عيسى لا أب له وإلا لنسب إليه
____________________
(2/128)
4418 ثالثها أن يكون التصريح مما يستقبح ذكره ككناية الله عن الجماع بالملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والدخول والسر في قوله { ولكن لا تواعدوهن سرا }
والغشيان في قوله { فلما تغشاها }
4419 أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المباشرة الجماع ولكن الله يكني
4420 وأخرج عنه قال إن الله كريم يكني ما شاء وإن الرفث هو الجماع وكنى عن طلبه بالمراودة في قوله { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } وعنه أو عن المعانقة باللباس في قوله { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } وبالحرث في قوله { نساؤكم حرث لكم }
4421 وكنى عن البول ونحوه بالغائط في قوله { أو جاء أحد منكم من الغائط } وأصله المكان المطمئن من الأرض
4422 وكني عن قضاء الحاجة بأكل الطعام في قوله في مريم وإبنها { كانا يأكلان الطعام }
4423 وكنى عن الأستاه بالأدبار في قوله { يضربون وجوههم وأدبارهم } أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في هذه الآية قال يعني أستاههم ولكن الله يكني
4424 وأورد على ذلك التصريح بالفرج في قوله { التي أحصنت فرجها }
وأجيب بأن المراد به فرج القميص والتعبير به من ألطف الكنايات وأحسنها أي لم يعلق ثوبها بريبة فهي طاهرة الثوب كما يقال نقى الثوب وعفيف الذيل كناية عن العفة ومنه { وثيابك فطهر } وكيف يظن أن نفخ جبريل وقع في فرجها وإنما نفخ في جيب درعها
ونظيره أيضا { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن }
____________________
(2/129)
قلت وعلى هذا ففي الآية كناية عن كناية ونظيره ما تقدم من مجاز المجاز
4425 رابعها قصد البلاغة والمبالغة نحو { أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } كنى عن النساء بأنهن ينشأن في الترفه والتزين الشاغل عن النظر في الأمور ودقيق المعاني ولو أتى بلفظ ( النساء ) لم يشعر بذلك والمراد نفي ذلك عن الملائكة
4426 وقوله { بل يداه مبسوطتان } كناية عن سعة جوده وكرمه جدا
4427 خامسها قصد الإختصار كالكناية عن ألفاظ متعددة بلفظ ( فعل ) نحو { لبئس ما كانوا يفعلون } { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } أي فإن لم تأتوا بسورة من مثله
4428 سادسها التنبيه على مصيره نحو { تبت يدا أبي لهب } أي جهنمي مصيره إلى اللهب { حمالة الحطب في جيدها حبل } أي نمامة مصيرها إلى أن تكون حطبا لجهنم في جيدها غل
4429 قال بدر الدين بن مالك في المصباح إنما يعدل عن التصريح إلى الكناية لنكتة كالإيضاح أو بيان حال الموصوف أو مقدار حاله أو القصد إلى المدح أو الذم أو الإختصار أو الستر أو الصيانة أو التعمية والإلغاز أو التعبير عن الصعب بالسهل أو عن المعنى القبيح باللفظ الحسن
4430 واستنبط الزمخشري نوعا من الكناية غريبا وهو أن تعمد إلى جملة معناها على خلاف الظاهر فتأخذ الخلاصة من غير إعتبار مفرداتها بالحقيقة والمجاز فتعبر بها عن المقصود كما تقول في نحو { الرحمن على العرش استوى } إنه كناية عن الملك فإن الإستواء على السرير لا يحصل إلا مع الملك فجعل كناية عنه وكذا قوله { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات }
____________________
(2/130)
{ بيمينه } ) كناية عن عظمته وجلالته من غير ذهاب بالقبض واليمين إلى جهتين حقيقة ومجاز تذنيب
4431 من أنواع البديع التي تشبه الكناية الإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظه الموضوع له ولا بدلالة الإشارة بل بلفظ يرادفه كقوله تعالى { وقضي الأمر } والأصل ( وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته )
وعدل عن ذلك إلى لفظ الإرداف لما فيه من الإيجاز والتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع وقضاء من لا يرد قضاؤه والأمر يستلزم آمرا فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره وأن الخوف من عقابه ورجاء ثوابه يحضان على طاعة الآمر ولا يحصل ذلك كله من اللفظ الخاص
4432 وكذا قوله { واستوت على الجودي } حقيقة ذلك ( جلست ) فعدل عن اللفظ الخاص بالمعنى إلى مرادفه لما في الإستواء من الإشعار بجلوس متمكن لا زيغ فيه ولا ميل وهذا لا يحصل من لفظ ( الجلوس )
4433 وكذا { فيهن قاصرات الطرف } الأصل ( عفيفات ) وعدل عنه للدلالة على أنهن مع العفة لا تطمح أعينهن إلى غير أزواجهن ولا يشتهين غيرهم
ولا يؤخذ ذلك من لفظ العفة
4434 قال بعضهم والفرق بين الكناية والإرداف أن الكناية إنتقال من لازم إلى ملزوم والإرداف من مذكور إلى متروك
4435 ومن أمثلته أيضا { ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } عدل في الجملة الأولى عن قوله ( بالسوءى ) مع أن فيه مطابقة للجملة الثانية إلى ( بما عملوا ) تأدبا أن يضاف السوء إلى الله تعالى فصل
4436 للناس في الفرق بين الكناية والتعريض عبارات متقاربة فقال
____________________
(2/131)
الزمخشري الكناية ذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره
4437 وقال ابن الأثير الكناية ما دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز بوصف جامع بينهما والتعريض اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي أو المجازي كقول من يتوقع صلة والله إني محتاج فإنه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا وإنما فهم من عرض اللفظ أي جانبه
4438 وقال السبكي في كتاب الإغريض في الفرق بين الكناية والتعريض الكناية لفظ استعمل في معناه مرادا منه لازم المعنى فهي بحسب إستعمال اللفظ في المعنى حقيقة والتجوز في إرادة أفادة ما لم يوضع له
وقد لا يراد منها المعنى بل يعبر بالملزوم عن اللازم وهي حينئذ مجاز ومن أمثلته { قل نار جهنم أشد حرا } فإنه لم يقصد أفادة ذلك لأنه معلوم بل إفادة لازمه وهو أنهم يردونها ويجدون حرها إن لم يجاهدوا
وأما التعريض فهو لفظ إستعمل في معناه للتلويح بغيره نحو { بل فعله كبيرهم هذا } نسب الفعل إلى كبير الأصنام المتخذة آلهة كأنه غضب أن تعبد الصغار معه تلويحا لعابدها بأنها لا تصلح أن تكون آلهة لما يعلمون إذا نظروا بعقولهم من عجز كبيرها عن ذلك الفعل والإله لا يكون عاجزا فهو حقيقة أبدا
4439 وقال السكاكي التعريض ما سيق لأجل موصوف غير مذكور ومنه أن يخاطب واحد ويراد غيره وسمي به لأنه أميل الكلام إلى جانب مشارا به إلى آخر يقال نظر إليه بعرض وجهه أي جانبه
4440 قال الطيبي وذلك يفعل إما لتنويه جانب الموصوف ومنه { ورفع بعضهم درجات } أي محمدا صلى الله عليه وسلم إعلاء لقدره أي أنه العلم الذي لا يشتبه
4441 وإما لتلطف به واحتراز عن المخاشنة نحو { وما لي لا أعبد الذي فطرني } أي ومالكم لا تعبدون بدليل قوله { وإليه ترجعون } وكذا قوله
____________________
(2/132)
{ أأتخذ من دونه آلهة } ووجه حسنه إسماع من يقصد خطابه الحق على وجه يمنع غضبه إذ لم يصرح بنسبته للباطل والإعانة على قبوله إذ لم يرد له إلا ما أراده لنفسه
4442 وإما لإستدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم ومنه { لئن أشركت ليحبطن عملك } خوطب النبي صلى الله عليه وسلم وأريد غيره لإستحالة الشرك عليه شرعا
4443 وإما للذم نحو { إنما يتذكر أولوا الألباب } فإنه تعريض بذم الكفار وأنهم في حكم البهائم الذين لا يتذكرون
4444 وإما للإهانة والتوبيخ نحو { وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت } فإن سؤالها لإهانة قاتلها وتوبيخه
4445 وقال السبكي التعريض قسمان
قسم يراد به معناه الحقيقي ويشار به إلى المعنى الآخر المقصود كما تقدم
وقسم لا يراد بل يضرب مثلا للمعنى الذي هو مقصود التعريض كقول إبراهيم { بل فعله كبيرهم هذا }
____________________
(2/133)
النوع الخامس والخمسون في الحصر والاختصاص
4446 أما الحصر ويقال له القصر فهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص ويقال أيضا إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه
4447 وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف وكل منهما إما حقيقي وإما مجازي
4448 مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقيا نحو ( ما زيد إلا كاتب ) أي لا صفة له غيرها وهو عزيز لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية وعلى عدم تعذرها يبعد أن تكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها ولذا لم يقع في التنزيل
4449 ومثاله مجازيا { وما محمد إلا رسول } أي أنه مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه الذي هو من شأن الإله
4450 ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقيا { لا إله إلا الله }
4451 ومثاله مجازيا { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } الآية كما قال الشافعي فيما تقدم نقله عنه في أسباب النزول إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات وكانت سجيتهم تخالف وضع الشرع ونزلت الآية مسبوقة بذكر شبههم في البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وكان الغرض أبانة كذبهم فكأنه قال لا حرام إلا ما أحللتموه والغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي وقد تقدم بأبسط من هذا
____________________
(2/134)
4452 وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام قصر إفراد وقصر قلب وقصر تعيين
4453 فالأول يخاطب به من يعتقد الشركة نحو { إنما هو إله واحد } خوطب به من يعتقد إشتراك الله والأصنام في الألوهية
4454 والثاني يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له نحو { ربي الذي يحيي ويميت } خوطب به نمرود الذي اعتقد أنه هو المحيي المميت دون الله { ألا إنهم هم السفهاء } خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم { وأرسلناك للناس رسولا } خوطب به من يعتقد من اليهود إختصاص بعثته بالعرب
4455 والثالث يخاطب به من تساوى عنده الأمران فلم يحكم بإثبات الصفة لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها فصل
4456 طرق الحصر كثيرة
أحدها النفي والإستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو غيرهما والإستثناء بإلا أو غير نحو { لا إله إلا الله } { وما من إله إلا الله } { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به }
ووجه إفادته الحصر أن الإستثناء المفرغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدر وهو مستثنى منه لأن الإستثناء إخراج فيحتاج إلى مخرج منه والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي ولا بد أن يكون عاما لأن الإخراج لا يكون إلا من عام ولا بد أن يكون مناسبا للمستثنى في جنسه مثل ما قام إلا زيد أي أحد وما أكلت إلا تمرا أي مأكولا
ولا بد أن يوافقه في صفته أي إعرابه وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلاضرورة ببقاء ما عداه على صفة الإنتفاء
4457 وأصل إستعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلا بالحكم وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب نحو { وما محمد إلا }
____________________
(2/135)
{ رسول } ) فإنه خطاب للصحابة وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نزل إستعظامهم له عن الموت منزلة من يجهل رسالته لأن كل رسول فلا بد من موته فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته
4458 الثاني إنما الجمهور على أنها للحصر فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم
وأنكر قوم أفادتها إياه منهم أبو حيان
واستدل مثبتوه بأمور
منها قوله تعالى { إنما حرم عليكم الميتة } بالنصب فإن معناه ( ما حرم عليكم إلا الميتة ) لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر فكذا قراءة النصب والأصل إستواء معنى القراءتين
4459 ومنها أن ( إن ) للإثبات و ( ما ) للنفي فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي والإثبات لكن تعقب بأن ( ما ) زائدة كافة لا نافية
4460 ومنها أن ( إن ) للتأكيد و ( ما ) كذلك فاجتمع تأكيدان فأفادا الحصر
قاله السكاكي وتعقب بأنه لو كان إجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو ( إن زيدا لقائم )
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر
4461 ومنها قوله تعالى { قال إنما العلم عند الله } { قال إنما يأتيكم به الله } { قل إنما علمها عند ربي } فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناها ( لا آتيكم به إنما يأتي به الله ولا أعلمها إنما يعلمها الله ) وكذا قوله { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } { ما على المحسنين من سبيل } إلى قوله { إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء } { وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي } { وإن تولوا فإنما عليك البلاغ }
ولا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر
____________________
(2/136)
4462 وأحسن ما تستعمل ( إنما ) في مواقع التعريض نحو { إنما يتذكر أولوا الألباب }
4463 الثالث أنما بالفتح عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي فقالا في قوله تعالى { قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد } إنما لقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم نحو ( إنما زيد قائم ) و ( إنما يقوم زيد )
وقد اجتمع الأمران في هذه الآية لأن ( إنما يوحي إلي ) مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و ( أنما الهكم ) بمنزلة إنما زيد قائم وفائدة إجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على إستئثار الله بالوحدانية
4464 وصرح التنوخي في الأقصى القريب بكونها للحصر فقال كلما أوجب أن ( إنما ) بالكسر للحصر أوجب أن ( أنما ) بالفتح للحصر لأنها فرع عنها وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه والأصل عدمه
4465 ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه إنحصار الوحي في الوحدانية وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام
4466 الرابع العطف بلا أو بل ذكره أهل البيان ولم يحكوا فيه خلافا
4467 ونازع فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح فقال أي قصر في العطف بلا إنما فيه نفي وإثبات فقولك زيد شاعر لا كاتب لا تعرض فيه لنفي صفة ثالثة والقصر إنما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبت حقيقة أو مجازا وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب وأما العطف ببل فأبعد منه لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات
4467 الخامس تقديم المعمول نحو { إياك نعبد } { لإلى الله تحشرون } وخالف فيه قوم وسيأتي بسط الكلام فيه قريبا
4468 السادس ضمير الفصل نحو { فالله هو الولي } أي لا غيره
____________________
(2/137)
{ وأولئك هم المفلحون } { إن هذا لهو القصص الحق } { إن شانئك هو الأبتر }
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه
واستدل له السهيلي بأنه أتي به في كل موضع ادعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله ولم يؤت به حيث لم يدع وذلك في قوله { وأنه هو أضحك وأبكى } إلى آخر الآيات فلم يؤت به في { وأنه خلق الزوجين } { وأن عليه النشأة } { وأنه أهلك عادا الأولى } لأن ذلك لم يدع لغير الله وأتي به في الباقي لادعائه لغيره
قال في عروس الأفراح وقد استنبطت دلالته على الحصر من قوله { فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم } لأنه لو لم يكن للحصر لما حسن لأن الله لم يزل رقيبا عليهم وإنما الذي حصل بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير الله تعالى ومن قوله { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } فإنه ذكر لتبيين عدم الإستواء وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للإختصاص
4469 السابع تقديم المسند إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر قد يقدم المسند إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي والحاصل على رأيه أن له أحوالا
أحدها أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتا فيأتي للتخصيص نحو أنا قمت وأنا سعيت في حاجتك فإن قصد به قصر الإفراد أكد بنحو ( وحدي ) أو قصر القلب أكد بنحو ( لا غيري ) ومنه { بل أنتم بهديتكم تفرحون } فإن ما قبله من قوله { أتمدونن بمال } ولفظ ( بل ) المشعر بالإضراب يقضي بأن المراد ( بل أنتم لا غيركم ) فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم
قاله في عروس الأفراح
قال وكذا قوله { لا تعلمهم نحن نعلمهم } أي لا نعلمهم إلا نحن
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص قال الشيخ بهاء الدين ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام
ثانيها أن يكون المسند منفيا نحو ( أنت لا تكذب ) فإنه أبلغ في نفي الكذب من ( لا تكذب ) ومن ( لا تكذب أنت )
وقد يفيد التخصيص ومنه { فهم لا يتساءلون }
____________________
(2/138)
ثالثها أن يكون المسند إليه نكرة مثتبا نحو ( رجل جاءني ) فيفيد التخصيص إما بالجنس أي لا امرأة أو الوحدة أي لا رجلان
رابعها أن يلي المسند إليه حرف النفي فيفيده نحو ( ما أنا قلت هذا ) أي لم أقله مع أن غيري قاله ومنه { وما أنت علينا بعزيز } أي العزيز علينا رهطك لا أنت ولذا قال { أرهطي أعز عليكم من الله }
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر ووافقه السكاكي وزاد شروطا وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني
4470 الثامن تقديم المسند ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر على المبتدأ يفيد الإختصاص
ورده صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد وهو ممنوع فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رتبته التأخير يفيده ومثلوه بنحو ( تميمي أنا )
4471 التاسع ذكر المسند إليه ذكر السكاكي أنه قد ذكر ليفيد التخصيص
وتعقبه صاحب الإيضاح
وصرح الزمخشري بأنه أفاد الإختصاص في قوله { الله يبسط الرزق } في سورة الرعد وفي قوله { الله نزل أحسن الحديث } وفي قوله { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل }
ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده فيكون من أمثله الطريق السابع
4472 العاشر تعريف الجزءين ذكر الإمام فخر الدين في نهاية الإيجاز أنه يفيد الحصر حقيقة أو مبالغة نحو ( المنطلق زيد ) ومنه في القرآن فيما ذكر الزملكاني في أسرار التنزيل { الحمد لله } قال إنه يفيد الحصر كما في { إياك نعبد } أي { الحمد لله } لا لغيره
4473 الحادي عشر نحو ( جاء زيد نفسه ) نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم أنه يفيد الحصر
____________________
(2/139)
4474 الثاني عشر نحو ( إن زيدا لقائم ) نقله المذكور ايضا
4475 الثالث عشر نحو ( قائم ) في جواب ( زيد إما قائم أو قاعد )
ذكره الطيبي في شرح التبيان
4476 الرابع عشر قلب بعض حروف الكلمة فإنه يفيد الحصر على ما نقله في الكشاف في قوله { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } قال القلب للإختصاص بالنسبة إلى لفظ ( الطاغوت ) لأن وزنه على قول ( فعلوت ) من الطغيان كملكوت ورحموت قلب بتقديم اللام على العين فوزنه ( فلعوت ) ففيه مبالغات التسمية بالمصدر والبناء بناء مبالغة والقلب وهو للاختصاص إذ لا يطلق على غير الشيطان تنبيه
4477 كاد أهل البيان يطبقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر سواء كان مفعولا أو ظرفا أو مجرورا ولهذا قيل في { إياك نعبد وإياك نستعين } معناه ( نخصك بالعبادة والاستعانة ) وفي { لإلى الله تحشرون } معناه ( إليه لا إلى غيره ) وفي { لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } أخرت الصلة في الشهادة الأولى وقدمت في الثانية لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم وفي الثاني إثبات إختصاصهم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم
4478 وخالف في ذلك ابن الحاجب فقال في شرح المفصل الإختصاص الذي يتوهمه كثير من الناس من تقديم المعمول وهم واستدل على ذلك بقوله { فاعبد الله مخلصا له الدين } ثم قال { بل الله فاعبد }
ورد هذا الإستدلال بأن ( مخلصا له الدين ) أغنى عن إفادة الحصر في الآية الأولى ولو لم يكن فما المانع من ذكر المحصور في محل بغير صيغة الحصر كما قال تعالى { واعبدوا ربكم } وقال { أمر ألا تعبدوا إلا إياه } بل قوله { بل الله فاعبد } من أقوى أدلة الإختصاص فإن قبلها { لئن أشركت ليحبطن عملك } فلو لم يكن للإختصاص وكان معناها ( أعبد الله ) لما حصل الإضراب الذي هو معنى ( بل )
____________________
(2/140)
4479 واعترض أبو حيان على مدعي الإختصاص بنحو { أفغير الله تأمروني أعبد }
وأجيب بأنه لما أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله وكان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة
4480 ورد صاحب الفلك الدائر الإختصاص بقوله { كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل } وهو من أقوى ما رد به
وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم بل الغلبة وقد يخرج الشيء عن الغالب
4481 قال الشيخ بهاء الدين وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة وهي { أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون } فإن التقديم في الأول قطعا ليس للإختصاص وفي ( إياه ) قطعا للإختصاص
4482 وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الإقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الإختصاص ومن الناس من ينكر ذلك ويقول إنما يفيد الاهتمام وقد قال سيبويه في كتابه وهم يقدمون ما هم به أعنى
والبيانيون على إفادته الإختصاص ويفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر وليس كذلك وإنما الإختصاص شيء والحصر شيء آخر والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظة ( الحصر ) وإنما عبروا بالإختصاص والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه وبيان ذلك أن الإختصاص افتعال من الخصوص والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء والثاني معنى منضم إليه يفصله عن غيره كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب فإذا قلت ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما إنضم إليه منك ومن زيد
وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب وكونه واقعا منك وكونه واقعا على زيد قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السواء
وقد يترجح قصده لبعضها على بعض ويعرف ذلك بما إبتدأ به كلامه فإن الإبتداء بالشيء يدل على الإهتمام به وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم فإذا قلت زيدا ضربت علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان فقد يقصد من جهة عمومه وقد يقصد من جهة
____________________
(2/141)
خصوصه والثاني هو الإختصاص وأنه هو الأهم عند المتكلم وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره بإثبات ولا نفي ففي الحصر معنى زائد عليه وهو نفي ما عدا المذكور
وإنما جاء هذا في { إياك نعبد } للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله تعالى ولذا لم يطرد في بقية الآيات فإن قوله ( أفغير دين الله يبغون ) لو جعل في معنى ( ما يبغون إلا غير دين الله ) وهمزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر لا مجرد بغيهم غير دين الله وليس المراد
وكذلك { آلهة دون الله تريدون } المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر
وقد قال الزمخشري في { وبالآخرة هم يوقنون } في تقديم ( الآخرة ) وبناء ( يوقنون ) على ( هم ) تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان وأن اليقين ما عليه من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك
4483 وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن وقد اعترض عليه بعضهم فقال تقديم ( الآخرة ) أفاد ان إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها وهذا الإعتراض من قائلة مبني على ما فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر وليس كذلك ثم قال المعترض وتقديم ( هم ) أفاد أن هذا القصر مختص بهم فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا { لن تمسنا النار } وهذا منه أيضا إستمرار على ما في ذهنه من الحصر أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر وهو ممنوع
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام
أحدها بما وإلا كقولك ( ما قام إلا زيد ) صريح في نفي القيام عن غير زيد ويقتضي إثبات القيام لزيد قيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم لأن ( إلا ) موضوعة للإستثناء وهو الإخراج فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام بل قد يستلزمه فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم والتبس على بعض الناس لذلك فقال إنه بالمنطوق
____________________
(2/142)
والثاني الحصر ب ( إنما ) وهو قريب من الأول فيما نحن فيه وإن كان جانب الإثبات فيه أظهر فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم
الثالث الحصر الذي قد يفيده التقديم وليس هو على تقدير تسليمه مثل الحصرين الأولين بل هو في قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا وهو المنطوق والأخرى ما فهم من التقديم والحصر يقتضي نفي المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم لأن المفهوم لا مفهوم له فإذا قلت أنا لا أكرم إلا إياك أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره ولا يلزم أنك لا تكرمه وقد قال تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية وهو ساكت عن نكاحه الزانية فقال سبحانه وتعالى بعده { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } بيانا لما سكت عنه في الأولى
فلو قال ( بالآخرة يوقنون ) أفاد بمنطوقه إيقانهم بها ومفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها
وليس ذلك مقصودا بالذات والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض فهو حصر مجازي وهو دون قولنا ( يوقنون بالآخرة لا بغيرها ) فاضبط هذا وإياك أن تجعل تقديره ( لايوقنون إلا بالآخرة )
إذا عرفت هذا فتقديم ( هم ) أفاد أن غيرهم ليس كذلك فلو جعلنا التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة ) كان المقصود المهم النفي فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها كما زعم المعترض ويطرح أفهام أنه لا يوقن بالآخرة
ولا شك أن هذا ليس بمراد بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة مثل ( ما ) و ( إلا ) ومثل ( إنما ) وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق وليس أحدهما متقيدا بالآخر حتى نقول إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور بل أفاد نفي الإيقان مطلقا عن غيرهم وهذا كله على تقدير تسليم الحصر ونحن نمنع ذلك ونقول إنه اختصاص وأن بينهما فرقا
إنتهى كلام السبكي
____________________
(2/143)
النوع السادس والخمسون في الإيجاز والإطناب
4484 اعلم أنهما من أعظم أنواع البلاغة حتى نقل صاحب سر الفصاحة عن بعضهم أنه قال البلاغة هي الإيجاز والإطناب
4485 قال صاحب الكشاف كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع أنشد الجاحظ
( يرمون بالخطب الطوال وتارة % وحى الملاحظ خيفة الرقباء )
4486 واختلف هل بين الإيجاز والإطناب واسطة وهي المساواة أو لا وهي داخلة في قسم الإيجاز فالسكاكي وجماعة على الأول لكنهم جعلوا المساواة غير محمودة ولا مذمومة لأنهم فسروها بالمتعارف من كلام أوساط الناس الذين ليسوا في رتبة البلاغة وفسروا الإيجاز بأداء المقصود بأقل من عبارة المتعارف والإطناب أداؤه بأكثر منها لكون المقام خليقا بالبسط
وابن الأثير وجماعة على الثاني فقالوا الإيجاز التعبير عن المراد بلفظ غير زائد والإطناب بلفظ أزيد
4487 وقال القزويني الأقرب أن يقال إن المقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله إما بلفظ مساو للأصل المراد أو ناقص عنه واف أو زائد عليه لفائدة والأول المساواة والثاني الإيجاز والثالث الإطناب
4488 واحترز ب ( واف ) عن الإخلال وبقولنا لفائدة عن الحشو
____________________
(2/144)
والتطويل فعنده ثبوت المساواة واسطة وأنها من قسم المقبول
4489 فإن قلت عدم ذكرك المساواة في الترجمة لماذا هل هو لرجحان نفيها أو عدم قبولها أو لأمر غير ذلك
قلت لهما ولأمر ثالث وهو أن المساواة لا تكاد توجد خصوصا في القرآن وقد مثل لها في التلخيص بقوله تعالى { ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله } وفي الإيضاح بقوله { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا }
وتعقب بأن في الآية الثانية حذف موصوف ( الذين ) وفي الأولى إطناب بلفظ ( السيء ) لأن المكر لا يكون إلا سيئا وإيجاز بالحذف إن كان الاستثناء غير مفرغ أي بأحد وبالقصر في الإستثناء وبكونها حاثة على كف الأذى عن جميع الناس محذرة عن جميع ما يؤدي إليه وبأن تقديرها يضر بصاحبه مضرة بليغة فأخرج الكلام مخرج الاستعارة التبعية الواقعة على سبيل التمثيلية لأن ( يحيق ) بمعنى ( يحيط ) فلا يستعمل إلا في الأجسام تنبيه
4490 الإيجاز والاختصار بمعنى واحد كما يؤخذ من المفتاح وصرح به الطيبي
4491 وقال بعضهم الاختصار خاص بحذف الجمل فقط بخلاف الإيجاز قال الشيخ بهاء الدين وليس بشيء
والإطناب قيل بمعنى الإسهاب والحق أنه أخص منه فإن الإسهاب التطويل لفائدة أو لا لفائدة كما ذكره التنوخي وغيره فصل في نوعي الإيجاز
4492 الإيجاز قسمان إيجاز قصر وإيجاز حذف
____________________
(2/145)
إيجاز القصر
4493 فالأول هو الوجيز بلفظه قال الشيخ بهاء الدين الكلام القليل إن كان بعضا من كلام أطول منه فهو إيجاز حذف وإن كان كلاما يعطي معنى أطول منه فهو إيجاز قصر
4494 وقال بعضهم إيجاز القصر هو تكثير المعنى بتقليل اللفظ
4495 وقال آخر هو أن يكون اللفظ بالنسبة إلى المعنى أقل من القدر المعهود عادة
وسبب حسنه أنه يدل على التمكن في الفصاحة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( أوتيت جوامع الكلم )
4496 وقال الطيبي في التبيان الإيجاز الخالي من الحذف ثلاثة أقسام
أحدها إيجاز القصر وهو أن يقصر اللفظ على معناه كقوله { إنه من سليمان } إلى قوله { وأتوني مسلمين } جمع في أحرف العنوان والكتاب والحاجة
وقيل في وصف بليغ كانت ألفاظه قوالب معناه
قلت وهذا رأي من يدخل المساواة في الإيجاز
الثاني إيجاز التقدير وهو أن يقدر معنى زائد على المنطوق ويسمى بالتضييق أيضا وبه سماه بدر الدين بن مالك في المصباح لأنه نقص من الكلام ما صار لفظه أضيق من قدر معناه نحو { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } أي خطاياه غفرت فهي له لا عليه { هدى للمتقين } أي للضالين الصائرين بعد الضلال إلى التقوى
الثالث الإيجاز الجامع وهو أن يحتوي اللفظ على معان متعددة نحو { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية فإن العدل هو الصراط المستقيم المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط المومى به إلى جميع الواجبات في الاعتقاد والأخلاق
____________________
(2/146)
والعبودبة
والإحسان هو الإخلاص في واجبات العبودية لتفسيره في الحديث بقوله ( أن تعبد الله كأنك تراه ) أي تعبده مخلصا في نيتك وواقفا في الخضوع آخذا أهبة الحذر . . إلى ما لا يحصى
{ وإيتاء ذي القربى } هو الزيادة على الواجب من النوافل هذا في الأوامر
وأما النواهي فبالفحشاء الإشارة إلى القوة الشهوانية وبالمنكر إلى الإفراط الحاصل من آثار الغضبية أو كل محرم شرعا وبالبغي إلى الاستعلاء الفائض عن الوهمية
4497 قلت ولهذا قال ابن مسعود ما في القرآن آية أجمع للخير والشر من هذه الآية أخرجه في المستدرك
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه قرأها يوما ثم وقف فقال إن الله جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه
4498 وروى أيضا عن ابن أبي شهاب في معنى حديث الشيخين ( بعثت بجوامع الكلم ) قال بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك
4499 ومن ذلك قوله تعالى { خذ العفو } الآية فإنها جامعة لمكارم الأخلاق لأن في أخذ العفو التساهل والتسامح في الحقوق واللين والرفق في الدعاء إلى الدين وفي الأمر بالمعروف كف الأذى وغض البصر وما شاكلهما من المحرمات وفي الإعراض الصبر والحلم والتؤدة
4500 ومن بديع الإيجاز قوله تعالى { قل هو الله أحد } إلى آخرها فإنه نهاية التنزيه وقد تضمنت الرد على نحو أربعين فرقة كما أفرد ذلك بالتصنيف بهاء الدين بن شداد
4501 وقوله { أخرج منها ماءها ومرعاها } دل بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والعصف والحطب واللباس والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء
____________________
(2/147)
4502 وقوله { لا يصدعون عنها ولا ينزفون } جمع فيه جميع عيوب الخمر من الصداع وعدم العقل وذهاب المال ونفاد الشراب
4503 وقوله { وقيل يا أرض ابلعي ماءك } الآية أمر فيها ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء ما لو شرح ما اندرج في هذه الجملة من بديع اللفظ والبلاغة والإيجاز والبيان لجفت الأقلام
وقد أفردت بلاغة هذه الآية بالتأليف
4504 وفي العجائب للكرماني أجمع المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية بعد أن فتشوا جميع كلام العرب والعجم فلم يجدوا مثلها في فخامة ألفاظها وحسن نظمها وجودة معانيها في تصوير الحال مع الإيجاز من غير إخلال
4505 وقوله تعالى { يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } الآية جمع في هذه اللفظة أحد عشر جنسا من الكلام نادت وكنت ونبهت وسمت وأمرت وقصت وحذرت وخصت وعمت وأشارت وعذرت فالنداء ( يا ) والكناية ( أي ) والتنبيه ( ها ) والتسمية ( النمل ) والأمر ( ادخلوا ) والقصص ( مساكنكم ) والتحذير ( لا يحطمنكم ) والتخصيص ( سليمان ) والتعميم ( جنوده ) والإشارة ( وهم ) والعذر ( لا يشعرون ) فأدت خمس حقوق حق الله وحق رسوله وحقها وحق رعيتها وحق جنود سليمان
4506 وقوله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الآية جمع فيها أصول الكلام النداء والعموم والخصوص والأمر والإباحة والنهي والخبر
4507 وقال بعضهم جمع الله الحكمة في شطر آية { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }
4508 وقوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } الآية قال
____________________
(2/148)
ابن العربي هي من أعظم أي في القرآن فصاحة إذ فيها أمران ونهيان وخبران وبشارتان
4509 وقوله { فاصدع بما تؤمر } قال ابن أبي الأصبع المعنى صرح بجميع ما أوحي إليك وبلغ كل ما أمرت ببيانه وإن شق بعض ذلك على بعض القلوب فانصدعت والمشابهة بينهما فيما يؤثره التصريح في القلوب فيظهر أثر ذلك على ظاهر الوجوه من التقبض والانبساط ويلوح عليها من علامات الإنكار والاستبشار كما يظهر على ظاهر الزجاجة المصدوعة فانظر إلى جليل هذه الاستعارة وعظم إيجازها وما انطوت عليه من المعاني الكثيرة
4510 وقد حكي أن بعض الأعراب لما سمع هذه الآية سجد وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام
4511 وقوله تعالى { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } قال بعضهم جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما فيها على التفصيل لم يخرجوا عنه
4512 وقوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعيا إلى ألا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حياة لهم
وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم ( القتل أنفى للقتل ) بعشرين وجها أو أكثر
4513 وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك
4514 الأول أن ما يناظره من كلامهم وهو قوله ( القصاص حياة ) أقل حروفا فإن حروفه عشرة وحروف ( القتل أنفى للقتل ) أربعة عشر
4515 الثاني أن نفي القتل لا يستلزم الحياة والآية ناصة على ثبوتها التي هي الغرض المطلوب منه
____________________
(2/149)
4516 الثالث أن تنكير ( حياة ) يفيد تعظيما فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } ولا كذلك المثل فإن اللام فيه للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء
4517 الرابع أن الآية فيه مطردة بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلما وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبدا
4518 الخامس أن الآية خالية من تكرار لفظ ( القتل ) الواقع في المثل والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلا بالفصاحة
4519 السادس أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فإن فيه حذف ( من ) التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها وحذف ( قصاصا ) مع القتل الأول ( وظلما ) مع القتل الثاني والتقدير القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما من تركه
4520 السابع أن في الآية طباقا لأن القصاص مشعر بضد الحياة بخلاف المثل
4521 الثامن أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلا ومكانا لضده الذي هو الحياة واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة ذكره في الكشاف وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال ( في ) عليه
4522 التاسع أن في المثل توالي أسباب كثيرة حفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكرة فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت فصاحته بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات
نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا يتبين إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة
4523 العاشر أن المثل كالمتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه
____________________
(2/150)
4524 الحادي عشر سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون
4525 الثاني عشر اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهو غير ملائم للقاف وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق
4526 الثالث عشر في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت ولا كذلك تكرير القاف والتاء
4527 الرابع عشر سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة بخلاف لفظ ( الحياة ) فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل
4528 الخامس عشر أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل بخلاف مطلق القتل
4529 السادس عشر الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه
4530 السابع عشر أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة وقوله ( في القصاص حياة ) مفهوم من أول وهلة
4531 الثامن عشر أن في المثل بناء ( أفعل ) التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه
4532 التاسع عشر أن ( أفعل ) في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافيا للقتل ولكن القصاص أكثر نفيا وليس الأمر كذلك والآية سالمة من ذلك
4533 العشرون أن الآية رادعة عن القتل والجرح معا لشمول القصاص لهما والحياة أيضا في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص مصلحة الحياة وقد يسرى إلى النفس فيزيلها ولا كذلك المثل
____________________
(2/151)
في أول الآية ( ولكم ) وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لنخصيصهم بالمعنى مع وجوده فيمن سواهم تنبيهات الأول
4534 ذكر قدامة من أنواع البديع الإشارة وفسرها بالإتيان بكلام قليل ذي معان جمة وهذا هو إيجاز القصر بعينه لكن فرق بينهما ابن أبي الأصبع بأن الإيجاز دلالته مطابقة ودلالة الإشارة إما تضمن أو التزام فعلم منه أن المراد بها ما تقدم في مبحث المنطوق الثاني
4535 ذكر القاضي أبو بكر في إعجاز القرآن أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم هي عبارة عنه قال وهو نوعان أحدهما ما يفهم من البنية كقوله معلوم فإنه يوجب أنه لا بد من عالم والثاني من معنى العبارة كبسم الله الرحمن الرحيم فإنه تضمن تعليم الاستفتاح في الأمور باسمه على جهة التعظيم لله تعالى والتبرك باسمه الثالث
4536 ذكر ابن الأثير وصاحب عروس الأفراح وغيرهما أن من أنواع إيجاز القصر باب الحصر سواء كان بإلا أو بإنما أو غيرهما من أدواته لأن الجملة فيها نابت مناب جملتين وباب العطف لأن حرفه وضع للإغناء عن إعادة العامل
وباب النائب عن الفاعل لأنه دل على الفاعل بإعطائه حكمه وعلى المفعول بوضعه
وباب الضمير لأنه وضع للاستغناء به عن الظاهر اختصارا ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع إمكان المتصل
وباب علمت أنك قائم لأنه متحمل لاسم واحد سد مسد المفعولين من غير حذف
4537 ومنها باب التنازع إذا لم نقدر على رأي الفراء
4538 ومنها طرح المفعول اقتصارا على جعل المتعدي كاللازم وسيأتي تحريره
4539 ومنها جميع أدوات الاستفهام والشرط فإن ( كم مالك ) يغني عن
____________________
(2/152)
قولك ( أهو عشرون أم ثلاثون ) وهكذا إلى ما لا يتناهى
4540 ومنها الألفاظ اللازمة للعموم كأحد
4541 ومنها لفظ التثنية والجمع فإنه يغني عن تكرير المفرد وأقيم الحرف فيهما مقامه اختصارا
4542 ومما يصلح أن يعد من أنواعه المسمى بالاتساع من أنواع البديع وهو أن يؤتى بكلام يتسع فيه التأويل بحسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني كفواتح السور ذكره ابن أبي الإصبع إيجاز الحذف
4543 القسم الثاني من قسمي الإيجاز الحذف وفيه فوائد
ذكر أسبابه
منها مجرد الاختصار والاحتراز عن العبث لظهوره
4544 ومنها التنبيه على أن الزمان يتقاصر عن الإتيان بالمحذوف وأن الاشتغال بذكره يفضي إلى تفويت المهم وهذه هي فائدة باب التحذير والإغراء وقد اجتمعا في قوله تعالى { ناقة الله وسقياها } فناقة الله تحذير بتقدير ( ذروا ) و ( سقياها ) إغراء بتقدير ( الزموا )
4545 ومنها التفخيم والإعظام لما فيه من الإبهام
4546 قال حازم في منهاج البلغاء إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه أو يقصد به تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيحذف ويكتفي بدلالة الحال وتترك النفس تجول في الأشياء المكتفي بالحال عن ذكرها قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل على النفوس ومنه قوله في وصف أهل الجنة { حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها } فحذف الجواب إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كنه ما هنالك
____________________
(2/153)
4547 وكذا قوله { ولو ترى إذ وقفوا على النار } أي لرأيت أمرا فظيعا لا تكاد تحيط به العبارة
4548 ومنها التخفيف لكثرة دورانه في الكلام كما في حذف حرف النداء نحو { يوسف أعرض } ونون ( لم يك ) والجمع السالم ومنه قراءة { والمقيمي الصلاة } وياء { والليل إذا يسر }
وسأل المؤرج السدوسي الأخفش عن هذه الآية فقال عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه والليل لما كان لا يسرى وإنما يسرى فيه نقص منه حرف كما قال تعالى { وما كانت أمك بغيا } الأصل ( بغية ) فلما حول عن فاعل نقص منه حرف
4549 ومنها كونه لا يصلح إلا له نحو { عالم الغيب والشهادة } { فعال لما يريد }
4550 ومنها شهرته حتى يكون ذكره وعدمه سواء قال الزمخشري وهو نوع من دلالة الحال التي لسانها أنطق من لسان المقال وحمل عليه قراءة حمزة { تساءلون به والأرحام } لأن هذا مكان شهر بتكرر الجار فقامت الشهرة مقام الذكر
4551 ومنها صيانته عن ذكره تشريفا كقوله تعالى { قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات } الآيات حذف فيها المبتدأ في ثلاثة مواضع قبل ذكر الرب أي ( هو رب ) ( الله ربكم ) ( الله رب المشرق ) لأن موسى استعظم حال فرعون وإقدامه على السؤال فأضمر اسم الله تعظيما وتفخيما ومثله في عروس الأفراح بقوله تعالى { رب أرني أنظر إليك } أي ذاتك
4552 ومنها صيانة اللسان عنه تحقيرا له نحو { صم بكم } أي هم أو المنافقون
____________________
(2/154)
4553 ومنها قصد العموم نحو { وإياك نستعين } أي على العبادة وعلى أمورنا كلها
{ والله يدعو إلى دار السلام } أي كل واحد
4554 ومنها رعاية الفاصلة نحو { ما ودعك ربك وما قلى } أي ( وما قلاك )
4555 ومنها قصد البيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة نحو { ولو شاء لهداكم } أي ولو شاء هدايتكم فإنه إذا سمع السامع ( ولو شاء ) تعلقت نفسه بم شاء ابنهم عليه لا يدري ما هو فلما ذكر الجواب استبان بعد ذلك وأكثر ما يقع ذلك بعد أداة شرط لأن مفعول المشيئة مذكور في جوابها
4556 وقد يكون مع غيرها استدلالا بغير الجواب نحو { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } وقد ذكر أهل البيان أن مفعول المشيئة والإرادة لا يذكر إلا إذا كان غريبا أو عظيما نحو { لمن شاء منكم أن يستقيم } { لو أردنا أن نتخذ لهوا } وإنما اطرد أو كثر حذف مفعول المشيئة دون سائر الأفعال لأنه يلزم من وجود المشيئة وجود المشاء فالمشيئة المستلزمة لمضمون الجواب لا يمكن أن تكون إلا مشيئة الجواب ولذلك كانت الإرادة مثلها في اطراد حذف مفعولها ذكره الزملكاني والتنوخي في ( الأقصى القريب ) قالوا وإذا حذف بعد ( لو ) فهو المذكور في جوابها أبدا وأورد في عروس الأفراح { قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة } فإن المعنى ( لو شاء ربنا إرسال الرسل لأنزل ملائكة ) لأن المعنى معين على ذلك فائدة
4557 قال الشيخ عبد القاهر ما من اسم حذف في الحالة التي ينبغي أن يحذف فيها إلا وحذفه أحسن من ذكره وسمى ابن جني الحذف شجاعة العربية لأنه يشجع على الكلام قاعدة في حذف المفعول اختصارا واقتصارا
4558 قال ابن هشام جرت عادة النحويين أن يقولوا بحذف المفعول
____________________
(2/155)
اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل ويريدون بالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو { كلوا واشربوا } أي أوقعوا هذين الفعلين والتحقيق أن يقال يعني كما قال أهل البيان تارة يتعلق الغرض بالإعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من أوقعه ومن أوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا إلى فعل كون عام فيقال حصل حريق أو نهب وتارة يتعلق بالإعلام بمجرد إيقاع الفعل للفاعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى إذ المنوى كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة ما لا مفعول له
ومنه { ربي الذي يحيي ويميت } { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } { وإذا رأيت ثم } إذ المعنى ربي الذي يفعل الإحياء والإماتة
وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينتفي عنه العلم وأوقعوا الأكل والشرب وذروا الإسراف وإذا حصلت منك رؤية
4559 ومنه { ولما ورد ماء مدين } الآية ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رحمهما إذ كانتا على صفة الذياد وقومهما على السقي لا لكون مذودهما غنما وسقيهم إبلا وكذلك المقصود من ( لا نسقى ) السقي لا المسقي
ومن لم يتأمل قدر ( يسقون إبلهم ) و ( تذودان غنمهما ) و ( لا نسقي غنما )
وتارة يقصد إسناد الفعل إلى فاعله وتعليقه بمفعوله فيذكران نحو { لا تأكلوا الربا } { ولا تقربوا الزنى } وهذا النوع الذي إذا لم يذكر محذوفه قيل محذوف
4560 وقد يكون في اللفظ ما يستدعيه فيحصل الجزم بوجوب تقديره نحو { أهذا الذي بعث الله رسولا } { وكلا وعد الله الحسنى }
4561 وقد يشتبه الحال في الحذف وعدمه نحو { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } قد يتوهم أن معناه ( نادوا ) فلا حذف أو ( سموا ) فالحذف واقع
____________________
(2/156)
ذكر شروطه
4562 هي ثمانية
أحدها وجود دليل إما حالي نحو { قالوا سلاما } أي سلمنا سلاما أو مقالي نحو { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } { قال سلام قوم منكرون } أي سلام عليكم أنتم قوم منكرون
4563 ومن الأدلة العقل حيث يستحيل صحة الكلام عقلا إلا بتقدير محذوف
4564 ثم تارة يدل على أصل الحذف من غير دلالة على تعيينه بل يستفاد التعيين من دليل آخره نحو { حرمت عليكم الميتة } فإن العقل يدل على أنها ليست المحرمة لأن التحريم لا يضاف إلى الأجرام وإنما هو والحل يضافان إلى الأفعال فعلم بالعقل حذف شيء
وأما تعينه وهو التناول فمستفاد من الشرع وهو قوله صلى الله عليه وسلم
( إنما حرم أكلها ) لأن العقل لا يدرك محل الحل ولا الحرمة ( وأما قول صاحب التلخيص إنه من باب دلالة العقل أيضا فتابع فيه السكاكي من غير تأمل أنه مبنى على أصول المعتزلة )
4565 وتارة يدل العقل أيضا على التعيين نحو { وجاء ربك } أي أمره بمعنى عذابه لأن الحق دل على استحالة مجيء البارئ لأنه من سمات الحادث وعلى أن الجائي أمره
( أوفوا بالعقود ) { وأوفوا بعهد الله } أي بمقتضى العقود وبمقتضى عهد الله لأن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما وفاء ولا نقض وإنما الوفاء والنقض بمقتضاهما وما ترتب عليهما من أحكامهما
4566 وتارة يدل على التعيين العادة نحو { فذلكن الذي لمتنني فيه } دل العقل على الحذف لأن يوسف لا يصح ظرفا للوم ثم يحتمل أن يقدر ( لمتنني في حبه ) لقوله { قد شغفها حبا } وفي مراودتها لقوله { تراود فتاها } والعادة
____________________
(2/157)
دلت على الثاني لأن الحب المفرط لا يلام صاحبه عليه عادة لأنه ليس اختياريا بخلاف المراودة للقدرة على دفعها
4567 وتارة يدل عليه التصريح به في موضع آخر وهو أقواها نحو { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } أي أمره بدليل { أو يأتي أمر ربك } { وجنة عرضها السماوات } أي كعرض بدليل التصريح به في ى ية الحديد ( الآية 22 )
{ رسول من الله } أي من عند الله بدليل { ولما جاءهم رسول من عند الله }
4568 ومن الأدلة على أصل الحذف العادة بأن يكون العقل غير مانع من إجراء اللفظ على ظاهره من غير حذف نحو { لو نعلم قتالا لاتبعناكم } أي مكان قتال والمراد مكانا صالحا للقتال وإنما كان كذلك لأنهم كانوا أخبر الناس بالقتال ويتعيرون بأن يتفوهوا بأنهم لا يعرفونه فالعادة تمنع أن يريدوا ( لو نعلم حقيقة القتال ) فلذلك قدره مجاهد ( مكان قتال )
ويدل عليه أنهم أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة
4569 ومنها الشروع في الفعل نحو ( بسم الله ) فيقدر ما جعلت التسمية مبدأ له فإن كانت عند الشروع في القراءة قدرت ( أقرأ ) أو الأكل قدرت ( آكل ) وعلى هذا أهل البيان قاطبة خلافا لقول النحاة أنه يقدر ( ابتدأت ) أو ( ابتدائي ) كائن ( بسم الله )
ويدل على صحة الأول التصريح به في قوله { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } وفي حديث ( باسمك ربي وضعت جنبي )
4570 ومنها الصناعة النحوية كقولهم في { لا أقسم } التقدير ( لأنا أقسم ) لأن فعل الحال لا يقسم عليه وفي { تالله تفتأ } التقدير ( لا تفتأ ) لأنه لو كان الجواب مثبتا دخلت اللام والنون كقوله { وتالله لأكيدن }
4571 وقد توجب الصناعة التقدير وإن كان المعنى غير متوقف عليه كقولهم في { لا إله إلا الله } إن الخبر محذوف أي موجود وقد أنكره الإمام
____________________
(2/158)
فخر الدين وقال هذا الكلام لا يحتاج إلى تقدير وتقدير النحاة فاسد لأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا انتفت مطلقة كان ذلك دليلا على سلب الماهية مع القيد وإذا انتفت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر
ورد بأن تقديرهم ( موجود ) يستلزم نفي كل إله غير الله قطعا فإن العدم لا كلام فيه فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة
ثم لا بد من تقدير خبر لاستحالة مبتدأ بلا خبر ظاهر أو مقدر وإنما يقدر النحوي ليعطي القواعد حقها وإن كان المعنى مفهوما تنبيه
4572 قال ابن هشام إنما يشترط الدليل فيما إذا كان المحذوف الجملة بأسرها أو أحد ركنيها أو يفيد معنى فيها هي مبنية عليه نحو { تالله تفتأ }
أما الفضلة فلا يشترط لحذفها وجدان دليل بل يشترط ألا يكون في حذفها ضرر معنوي أو صناعي
قال ويشترط في الدليل اللفظي أن يكون طبق المحذوف ورد قول الفراء في { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين } إن التقدير ( بلى ليحسبنا قادرين ) لأن الحسبان المذكور بمعنى الظن والمقدر بمعنى العلم لأن التردد في الإعادة كفر فلا يكون مأمورا به
قال والصواب فيها قول سيبوية إن ( قادرين ) حال أي بل نجمعها قادرين لأن فعل الجمع أقرب من فعل الحسبان ولأن ( بلى ) لإيجاب المنفى وهو فيها فعل الجمع
4573 الشرط الثاني ألا يكون المحذوف كالجزء ومن ثم لم يحذف الفاعل ولا نائبه ولا اسم كان وأخواتها
4574 قال ابن هشام وأما قول ابن عطية في { بئس مثل القوم } إن التقدير ( بئس المثل مثل القوم ) فإن أراد تفسير الإعراب وأن الفاعل لفظ ( المثل ) محذوفا فمردود وإن أراد تفسير المعنى وأن في ( بئس ) ضمير المثل مستترا فسهل
4575 الثالث ألا يكون مؤكدا لأن الحذف مناف للتأكيد إذ الحذف مبني
____________________
(2/159)
على الإختصار والتأكيد مبنى على الطول ومن ثم رد الفارسي على الزجاج في قوله في { إن هذان لساحران } إن التقدير ( إن هذان لهما ساحران ) فقال الحذف والتوكيد باللام متنافيان وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما لأن المحذوف لدليل كالثابت
4576 الرابع ألا يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر ومن ثم لم يحذف اسم الفعل لأنه اختصار للفعل
4577 الخامس ألا يكون عاملا ضعيفا فلا يحذف الجار والناصب للفعل والجازم إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل
4578 السادس ألا يكون المحذوف عوضا عن شيء ومن ثم قال ابن مالك إن حرف النداء ليس عوضا من ( أدعو ) لإجازة العرب حذفه ولذا أيضا لم تحذف التاء من إقامة واستقامة وأما { وأقام الصلاة } فلا يقاس عليه ولا خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها
4579 السابع ألا يؤدي حذفه إلى تهيئة العامل القوي ومن ثم لم يقس على قراءة / < وكل وعد الله الحسنى > / فائدة
4580 اعتبر الأخفش في الحذف التدريج حيث أمكن ولهذا قال في قوله تعالى { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا } إن الأصل ( لا تجزى فيه فحذف حرف الجر فصار ( تجزيه ) ثم حذف الضمير فصار ( تجزي ) وهذه ملاطفة في الصناعة ومذهب سيبويه أنهما حذفا معا قال ابن جني وقول الأخفش أوفق في النفس وآنس من أن يحذف الحرفان معا في وقت واحد 1 - قاعدة
4581 الأصل أن يقدر الشيء في مكانه الأصلي لئلا يخالف الأصل من
____________________
(2/160)
وجهين الحذف ووضع الشيء في غير محله فيقدر المفسر في نحو ( زيدا رأيته ) مقدما عليه
وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه لإفادة الاختصاص كما قاله النحاة وإذا منع منه مانع نحو { وأما ثمود فهديناهم } إذ لا يلي ( أما ) فعل 2 - قاعدة
4582 ينبغي تقليل المقدر مهما أمكن لتقل مخالفة الأصل ومن ثم ضعف قول الفارسي في { واللائي لم يحضن } إن التقدير ( فعدتهن ثلاثة أشهر ) والأولى أن يقدر ( كذلك )
4583 قال الشيخ عز الدين ولا يقدر من المحذوفات إلا أشدها موافقة للغرض وأفصحها لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام كما يفعلون في ذلك في الملفوظ به نحو { جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس } قدر أبو علي ( جعل الله نصب الكعبة ) وقدر غيره ( حرمة الكعبة ) وهو أولى لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة
قال ومهما تردد المحذوف بين الحسن والأحسن وجب تقدير الأحسن لأن الله وصف كتابه بأنه أحسن الحديث فليكن محذوفه أحسن المحذوفات كما أن ملفوظه أحسن الملفوظات
قال ومتى تردد بين أن يكون مجملا أو مبينا فتقدير المبين أحسن نحو { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } لك أن تقدر ( في أمر الحرث ) و ( في تضمين الحرث ) وهو أولى لتعينه والأمر مجمل لتردده بين أنواع 3 - قاعدة
4584 إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر وحينئذ فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف
فأما الفعل فإنه غير الفاعل اللهم إلا أن يعتضد الأول برواية
____________________
(2/161)
أخرى في ذلك الموضع أو بموضع آخر يشبهه
فالأول كقراءة { يسبح له فيها } بفتح الباء { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله } بفتح الحاء فإن التقدير ( يسبحه رجال ) و ( يوحيه الله ) ولا يقدران مبتدأين حذف خبرهما لثبوت فاعلية الاسمين في رواية من بنى الفعل للفاعل
والثاني نحو { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } فتقدير ( خلقهم الله ) أولى من ( الله خلقهم ) لمجيء { خلقهن العزيز العليم } 4 - قاعدة
4585 إذا دار الأمر بين كون المحذوف أولا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى ومن ثم رجح أن المحذوف في نحو { أتحاجوني } نون الوقاية لا نون الرفع وفي { نارا تلظى } التاء الثانية لا تاء المضارعة وفي { والله ورسوله أحق أن يرضوه } أن المحذوف خبر الثاني لا الأول وفي نحو { الحج أشهر } أن المحذوف مضاف للثاني أي حج أشهر لا الأول أي أشهر الحج
وقد يجب كونه من الأول نحو { إن الله وملائكته يصلون على النبي } في قراءة من رفع ( ملائكته ) لاختصاص الخبر بالثاني لوروده بصيغة الجمع وقد يجب كونه من الثاني نحو { أن الله بريء من المشركين ورسوله } أي بريء أيضا لتقدم الخبر على الثاني فصل ( في أنواع الحذف )
4486 الحذف على أنواع
أحدها ما يسمى بالاقتطاع وهو حذف بعض حروف الكلمة وأنكر ابن الأثير ورود هذا النوع في القرآن ورد بأن بعضهم جعل منه فواتح السور على القول بأن كل حرف منها من اسم من أسمائه كما تقدم
وادعى بعضهم أن الباء في { وامسحوا برؤوسكم } أول كلمة بعض ثم حذف الباقي
ومنه قراءة بعضهم / < ونادوا يا مال > / بالترخيم ولما سمعها بعض السلف قال ما أغنى أهل النار عن
____________________
(2/162)
الترخيم وأجاب بعضهم بأنهم لشدة ما هم عجزوا عن إتمام الكلمة
ويدخل في هذا النوع حذف همزة ( أنا ) في قوله / < لكنا هو الله وربي > / إذ الأصل ( لكن أنا ) حذفت همزة ( أنا ) تخفيفا وأدغمت النون في النون
ومثله ما قرئ / < ويمسك السماء أن تقع علرض > / / < بما أنزليك > / / < فمن تعجل في يومين فلثم عليه > / / < إنها لحدى الكبر > /
4587 النوع الثاني ما يسمى بالاكتفاء وهو أن يقتضي المقام ذكر شيئين بينهما تلازم وارتباط فيكتفي بأحدهما عن الآخر لنكتة
ويختص غالبا بالارتباط العطفي كقوله { سرابيل تقيكم الحر } أي والبرد وخصص الحر بالذكر لأن الخطاب للعرب وبلادهم حارة والوقاية عندهم من الحر أهم لأنه أشد عندهم من البرد وقيل لأن البرد تقدم ذكر الامتنان بوقايته صريحا في قوله { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها } وفي قوله { وجعل لكم من الجبال أكنانا } وفي قوله تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء }
ومن أمثلة هذا النوع { بيدك الخير } أي والشر وإنما خص الخير بالذكر لأنه مطلوب العباد ومرغوبهم أو لأنه أكثر وجودا في العالم أو لأن إضافة الشر إلى الله ليس من بابا الآداب كما قال صلى الله عليه وسلم ( والشر ليس إليك )
4588 ومنها { وله ما سكن في الليل والنهار } أي وما تحرك وخص السكون بالذكر لأنه أغلب الحالين على المخلوق من الحيوان والجماد ولأن كل متحرك يصير إلى السكون
4589 ومنها { الذين يؤمنون بالغيب } أي والشهادة لأن الإيمان بكل منهما واجب وآثر الغيب لأنه أمدح ولأنه يستلزم الإيمان بالشهادة من غير عكس
4590 ومنها { ورب المشارق } أي والمغارب
4591 ومنها { هدى للمتقين } أي وللكافرين قاله ابن الأنباري ويؤيده قوله { هدى للناس }
____________________
(2/163)
4592 ومنها { إن امرؤ هلك ليس له ولد } أي ولا والد بدليل أنه أوجب للأخت النصف وإنما يكون ذلك مع فقد الأب لأنه يسقطها
4593 النوع الثالث ما يسمى بالاحتباك وهو من ألطف الأنواع وأبدعها وقل من تنبه له أو نبه عليه من أهل فن البلاغة ولم أره في شرح بديعية الأعمى لرفيقه الأندلسي وذكره الزركشي في البرهان ولم يسمه هذا لاسم بل سماه الحذف المقابلي
4594 وأفرده بالتصنيف من أهل العصر العلامة برهان الدين البقاعي قال الأندلسي في شرح البديعية من أنواع البديع الاحتباك وهو نوع عزيز وهو أن يحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ومن الثاني ما أثبت نظيره في الأول كقوله تعالى { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق } الآية التقدير ومثل الأنبياء والكفار كمثل الذي ينعق والذي ينعق به فحذف من الأول الأنبياء لدلالة ( الذي ينعق ) عليه ومن الثاني الذي ينعق به لدلالة ( الذين كفروا ) عليه
4595 وقوله { وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء } التقدير تدخل غير بيضاء وأخرجها تخرج بيضاء فحذف من الأول ( غير بيضاء ) ومن الثاني ( وأخرجها )
4596 وقال الزركشي هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كل واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه كقوله تعالى { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون } التقدير ( إن افتريته فعلي إجرامي وأنتم برآء منه وعليكم إجرامكم وأنا بريء مما تجرمون )
4597 وقوله { ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم } التقدير ( ويعذب المنافقين إن شاء فلا يتوب عليهم أو يتوب عليهم فلا يعذبهم )
____________________
(2/164)
4598 وقوله { ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن } أي حتى يطهرن من الدم ويتطهرن بالماء فإذا طهرن وتطهرن فأتوهن
4599 وقوله { خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا } أي عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا صالح
4600 قلت ومن لطيفه قوله { فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة } أي فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت
4601 وفي الغرائب للكرماني في الآية الأولى التقدير ( مثل الذين كفروا معك يا محمد كمثل الناعق مع الغنم ) فحذف من كل طرف ما يدل عليه الطرف الآخر
وله في القرآن نظائر وهو أبلغ ما يكون من الكلام
انتهى
4602 ومأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق
وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق
4603 النوع الرابع ما يسمى بالاختزال هو ما ليس واحدا مما سبق وهو أقسام لأن المحذوف إما كلمة اسم أو فعل أو حرف أو أكثر
4604 أمثله حذف الاسم
حذف المضاف هو كثير في القرآن جدا حتى قال ابن جني في القرآن منه زهاء ألف موضع
وقد سردها الشيخ عز الدين في كتابه ( المجاز ) على ترتيب السور والآيات ومنه { الحج أشهر } أي حج أشهر أو أشهر الحج
{ ولكن البر من آمن } أي ذا البر أو بر من
{ حرمت عليكم أمهاتكم } أي نكاح أمهاتكم
{ لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات } أي ضعف عذاب
{ وفي الرقاب } أي وفي تحرير الرقاب
____________________
(2/165)
3605 حذف المضاف إليه يكثر في ياء المتكلم نحو { رب اغفر لي }
4606 وفي الغايات نحو { لله الأمر من قبل ومن بعد } أي من قبل الغلب ومن بعده
4607 وفي كل وأي وبعض
وجاء في غيرهن كقراءة { فلا خوف عليهم } بضم بلا تنوين أي فلا خوف شيء عليهم
4608 حذف المبتدأ يكثر في جواب الاستفهام نحو { وما أدراك ما هيه نار } أي هي نار
وبعد فاء الجواب { من عمل صالحا فلنفسه } أي فعمله لنفسه { ومن أساء فعليها } أي فإساءته عليها وبعد القول نحو { وقالوا أساطير الأولين } { قالوا أضغاث أحلام }
4609 وبعد ما الخبر صفة له في المعنى نحو { التائبون العابدون } ونحو { صم بكم عمي }
4610 ووقع في غير ذلك نحو { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } { لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ } أي هذا
{ سورة أنزلناها } أي هذه
4611 ووجب في النعت المقطوع إلى الرفع حذف الخبر نحو { أكلها دائم وظلها } أي دائم
4612 ويحتمل الأمرين { فصبر جميل } أي أجمل أو فأمري صبر
{ فتحرير رقبة } أي عليه أو فالواجب
4613 حذف الموصوف { وعندهم قاصرات الطرف } أي حور قاصرات
{ أن اعمل سابغات } أي دروعا سابغات
{ أيها المؤمنون } أي القوم المؤمنون
____________________
(2/166)
4614 حذف الصفة نحو { يأخذ كل سفينة } أي صالحة بدليل أنه قرئ كذلك و ( أن تعييبها ) لا يخرجها عن كونها سفينة
{ الآن جئت بالحق } أي الواضح وإلا لكفروا بمفهوم ذلك
{ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } أي نافعا
4615 حذف المعطوف عليه { أن اضرب بعصاك البحر } فانفلق أي فضرب فانفلق
وحيث دخلت واو العطف على لام التعليل ففي تخريجه وجهان
أحدهما أن يكون تعليلا معلله محذوف كقوله { وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا } فالمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ذلك
والثاني أنه معطوف على علة أخرى مضمرة ليظهر صحة العطف أي فعل ذلك ليذيق الكافرين بأسه وليبلي
4616 حذف المعطوف مع العاطف { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل } أي ومن أنفق بعده
( بيدك الخير ) أي والشر
4617 حذف المبدل منه خرج عليه { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب } أي لما تصفه والكذب بدل من الهاء
4618 حذف الفاعل لا يجوز إلا في فاعل المصدر نحو { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير } أي دعائه الخير
وجوزه الكسائي مطلقا لدليل وخرج عليه { إذا بلغت التراقي } أي الروح { حتى توارت بالحجاب } أي الشمس
4619 حذف المفعول تقدم أنه كثير في مفعول المشيئة والإرادة
ويرد في غيرهما نحو { إن الذين اتخذوا العجل }
أي إلها
{ كلا سوف تعلمون } أي عاقبة أمركم
4620 حذف الحال يكثر إذا كان قولا نحو { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام } أي قائلين
____________________
(2/167)
4621 حذف المنادى / < ألا يا اسجدوا > / أي يا هؤلاء
{ يا ليت } أي يا قوم
4622 حذف العائد يقع في أربعة أبواب
الصلة نحو { أهذا الذي بعث الله رسولا } أي بعثه
والصفة نحو { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس } أي فيه
والخبر نحو { وكلا وعد الله الحسنى } أي وعده
والحال
4623 حذف مخصوص نعم { إنا وجدناه صابرا نعم العبد } أي أيوب
{ فقدرنا فنعم القادرون } أي نحن
{ ولنعم دار المتقين } أي الجنة
4624 حذف الموصول نحو { آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } أي والذي أنزل إليكم لأن الذي أنزل إلينا ليس هو الذي أنزل إلى من قبلنا ولهذا أعيدت ( ما ) في قوله { آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم }
4625 أمثلة حذف الفعل
يطرد إذا كان مفسرا نحو { وإن أحد من المشركين استجارك } { إذا السماء انشقت }
{ قل لو أنتم تملكون }
4626 ويكثر في جواب الاستفهام نحو { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا } أي أنزل
4627 وأكثر منه حذف القول نحو { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا } أي يقولان ربنا
4628 ويأتي في غير ذلك نحو { انتهوا خيرا لكم } أي وأتوا { والذين تبوؤوا الدار والإيمان } أي وألفوا الإيمان أو اعتقدوا { اسكن أنت وزوجك الجنة }
____________________
(2/168)
أي وليسكن زوجك { وامرأته حمالة الحطب } أي أذم
{ والمقيمين الصلاة } أي أمدح { ولكن رسول الله } أي كان
{ وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم } أي يوفوا أعمالهم
4629 أمثلة حذف الحرف
قال ابن جني في المحتسب أخبرنا أبو علي قال قال أبو بكر حذف الحرف ليس بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام الكلام لضرب من الاختصار فلو ذهبت تحذفها لكنت مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به
4630 حذف همزة الاستفهام
قرأ ابن محيصن / < سواء عليهم أنذرتهم > / وخرج عليه { هذا ربي } في المواضع الثلاثة
{ وتلك نعمة تمنها } أي أو تلك
4631 حذف الموصوف الحرفي
قال ابن مالك لا يجوز إلا في ( أن ) نحو { ومن آياته يريكم البرق }
4632 وحذف الجار يطرد مع أن وأن نحو { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم } { أطمع أن يغفر لي } { أيعدكم أنكم } أي بأنكم
وجاء مع غيرهما نحو { قدرناه منازل } أي قدرنا له { ويبغونها عوجا } أي لها { يخوف أولياءه } أي يخوفكم بأوليائه
{ واختار موسى قومه } أي من قومه
{ ولا تعزموا عقدة النكاح } أي على عقدة النكاح
4633 حذف العاطف خرج عليه الفارسي { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا } أي وقلت { وجوه يومئذ ناعمة } أي ووجوه عطفا على { وجوه يومئذ خاشعة }
____________________
(2/169)
4634 حذف فاء الجواب وخرج عليه الأخفش { إن ترك خيرا الوصية للوالدين }
4635 حذف حرف النداء كثير { ها أنتم أولاء } { يوسف أعرض } { قال رب إني وهن العظم مني } { فاطر السماوات والأرض }
4636 وفي العجائب للكرماني كثر حذف ( يا ) في القرآن من الرب تنزيها وتعظيما لأن في النداء طرفا من الأمر
4637 حذف ( قد ) في الماضي إذا وقع حالا نحو { أو جاؤوكم حصرت صدورهم } { أنؤمن لك واتبعك الأرذلون }
4638 حذف ( لا ) النافية يطرد في جواب القسم إذا كان المنفي مضارعا نحو { تالله تفتأ }
وورد في غيره نحو { وعلى الذين يطيقونه فدية } أي لا يطيقونه
{ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم } أي لئلا تميد
4639 حذف لام التوطئة { وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن } { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون }
4640 حذف لام الأمر خرج عليه { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا } أي ليقيموا
4641 حذف لام ( لقد ) يحسن مع طول الكلام نحو { قد أفلح من زكاها }
4642 حذف نون التوكيد خرج عليه قراءة { ألم نشرح } بالنصب
4643 حذف التنوين خرج عليه { قل هو الله أحد الله الصمد } { ولا الليل سابق النهار } بالنصب
____________________
(2/170)
4644 حذف نون الجمع خرج عليه قراءة / < وما هم بضاري به من أحد > /
4645 حذف حركة الإعراب والبناء وخرج عليه قراءة { فتوبوا إلى بارئكم } و ( يأمركم ) { وبعولتهن أحق } بسكون الثلاثة
وكذا { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } { فأواري سوأة أخي } { ما بقي من الربا }
4646 أمثلة حذف أكثر من كلمة
حذف مضافين { فإنها من تقوى القلوب } أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب
{ فقبضت قبضة من أثر الرسول } أي من أثر حافر فرس الرسول { تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت } أي كدوران عين الذي
{ وتجعلون رزقكم } أي بدل شكر رزقكم
4647 حذف ثلاثة متضايفات
{ فكان قاب قوسين } أي فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين فحذف ثلاثة من اسم كان وواحد من خبرها
4648 حذف مفعولي باب ظن { أين شركائي الذين كنتم تزعمون } أي تزعمونهم شركائي
4649 حذف الجار مع المجرور { خلطوا عملا صالحا } أي بسيء { وآخر سيئا } أي بصالح
4650 حذف العاطف مع المعطوف تقدم
4651 حذف حرف الشرط وفعله يطرد بعد الطلب نحو { فاتبعوني يحببكم الله } أي إن اتبعتموني
{ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } أي إن قلت لهم يقيموا
4652 وجعل منه الزمخشري { فلن يخلف الله عهده } أي إن اتخذتم عند الله عهدا
فلن يخلف الله
____________________
(2/171)
4653 وجعل منه أبو حيان { فلم تقتلون أنبياء الله من قبل } أي إن كنتم آمنتم بما أنزل إليكم فلم تقتلون
4654 حذف جواب الشرط { فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء } أي فافعل
{ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون } أي أعرضوا بدليل ما بعده
{ أئن ذكرتم } أي تطيرتم
{ ولو جئنا بمثله مددا } أي لنفذ
{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم } أي لرأيت أمرا فظيعا
{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم } أي لعذبكم
{ لولا أن ربطنا على قلبها } أي لأبدت به
{ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم } أي لسلطكم على أهل مكة
4655 حذف جملة القسم { لأعذبنه عذابا شديدا } أي والله حذف جوابه
{ والنازعات غرقا } الآيات أي لتبعثن
{ ص والقرآن ذي الذكر } أي إنه لمعجز { ق والقرآن المجيد } أي ما الأمر كما زعموا
4656 حذف جملة مسببة عن المذكور نحو { ليحق الحق ويبطل الباطل } أي فعل ما فعل
4657 حذف جمل كثيرة نحو { فأرسلون يوسف أيها الصديق } أي فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له يا يوسف خاتمة
4658 تارة لا يقام شيء مقام المحذوف كما تقدم وتارة يقام ما يدل عليه نحو { فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم } فليس الإبلاغ هو الجواب لتقدمه
____________________
(2/172)
على توليهم وإنما التقدير ( فإن تولوا فلا لوم علي ) أو فلا عذر لكم لأني أبلغتكم
{ وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك } أي فلا تحزن واصبر
{ وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين } أي يصيبهم مثل ما أصابهم فصل ( في نوعي الإطناب )
4659 كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف كذلك انقسم الإطناب إلى بسط وزيادة الإطناب بالبسط )
4660 فالأول الإطناب بتكثير الجمل كقوله تعالى { إن في خلق السماوات والأرض } الآية في سورة البقرة
أطنب فيها أبلغ الإطناب لكون الخطاب مع الثقلين وفي كل عصر وحين للعالم منهم والجاهل والموافق منهم والمنافق
4661 وقوله { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به } فقوله ( ويؤمنون به ) إطناب لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسنه إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه
{ وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } وليس من المشركين مزك
والنكتة الحث للمؤمنين على أدائها والتحذير من المنع حيث جعل من أوصاف المشركين الإطناب بالزيادة
4662 والثاني يكون بأنواع
أحدها دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد السابقة في نوع الأدوات
4663 وهي إن وأن ولام الابتداء والقسم وألا الاستفتاحية وأما وها التنبيه وكأن في تأكيد التشبيه ولكن في تأكيد الاستدراك وليت في تأكيد
____________________
(2/173)
التمني ولعل في تأكيد الترجي وضمير الشأن وضمير الفصل وإما في تأكيد الشرط وقد والسين وسوف والنونان في تأكيد الفعلية ولا التبرئة ولن ولما في تأكيد النفي
وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطب به منكرا أو مترددا
4664 ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه كقوله تعالى حكاية عن رسل عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى { إنا إليكم مرسلون } فأكد بأن وإسمية الجملة
وفي المرة الثانية { قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون } فأكد بالقسم وإن واللام وإسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا { ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون }
4665 وقد يؤكد بها والمخاطب به غير منكر لعدم جريه على مقتضى إقراره فينزل منزلة المنكر
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره وعلى ذلك يخرج قوله { ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون } أكد الموت تأكيدين وإن لم ينكر لتنزيل المخاطبين لتماديهم في الغفلة تنزيل من ينكر الموت وأكد إثبات البعث تأكيدا واحدا وإن كان أشد نكيرا لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر حثا لهم على النظر في أدلته الواضحة
ونظيره قوله تعالى { لا ريب فيه } نفى عنه الريبة ب ( لا ) على سبيل الاستغراق مع أنه ارتاب فيه المرتابون لكن نزل منزلة العدم تعويلا على ما يزيله من الأدلة الباهرة كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك
4666 وقال الزمخشري بولغ في تأكيد الموت تنبيها للإنسان على أن يكون الموت نصب عينيه ولا يغفل عن ترقبه فإن مآله إليه فكأنه أكدت جملته ثلاث مرات لهذا المعنى لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غاية السعي حتى كأنه يخلد ولم يؤكد جملة البعث إلا بإن لأنه أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يقبل إنكارا
____________________
(2/174)
4667 وقال التاج بن الفركاح أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع الإنساني خلفا عن سلف واستغنى عن تأكيد البعث هنا لتأكيده والرد على منكره في مواضع كقوله { قل بلى وربي لتبعثن }
4668 وقال غيره لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغنى عن إعادة اللام لذكرها في الأول
4669 وقد يؤكد بها أي اللام للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوح بالخبر فاستشرفت نفسه إليه نحو { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحا ويشعر بأنه قد حق عليهم العذاب فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا محكوما عليهم بذلك أو لا فقيل إنهم مغرقون بالتأكيد
4670 وكذا قوله { يا أيها الناس اتقوا ربكم } لما أمرهم بالتقوى وظهور ثمرتها والعقاب على تركها محله الآخرة تشوقت نفوسهم إلى وصف حال الساعة فقال { إن زلزلة الساعة شيء عظيم } بالتأكيد ليقرر عليه الوجوب
4671 وكذا قوله { وما أبرئ نفسي } فيه تحيير للمخاطب وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه وهي برئية زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء فأكده
بقوله { إن النفس لأمارة بالسوء }
4672 وقد يؤكد لقصد الترغيب نحو { فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } أكد بأربع تأكيدات ترغيبا للعباد في التوبة
4673 وقد سبق الكلام على أدوات التأكيد المذكورة ومعانيها ومواقعها في النوع الأربعين 1 - فائدة
4674 إذا اجتمعت إن واللام كان بمنزلة تكرير الجملة ثلاث مرات
____________________
(2/175)
لأن ( إن ) أفادت التكرير مرتين فأذا دخلت اللام صارت ثلاثا
وعن الكسائي أن اللام لتوكيد الخبر وإن لتوكيد الاسم
وفيه تجوز لأن التوكيد للنسبة لا للاسم ولا للخبر وكذلك نون التوكيد الشديدة بمنزلة تكرير الفعل ثلاثا والخفيفة بمنزلة تكريره مرتين
فقال سيبويه في نحو ( يأيها ) الألف والهاء لحقتا أيا توكيدا فكأنك كررت ( يا ) مرتين وصار الاسم تنبيها
هذا كلامه وتابعه الزمخشري 2 - فائدة
4675 قوله تعالى { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا } قال الجرجاني في نظم القرآن ليست اللام فيه للتأكيد فإنه منكر فكيف يحقق ما ينكره وإنما قاله حكاية لكلام النبي صلى الله عليه وسلم الصادر منه بأداة التأكيد فحكاه فنزلت الآية على ذلك النوع الثاني دخول الأحرف الزائدة
4676 قال ابن جني كل حرف زيد في كلام العرب فهو قائم مقام إعادة الجملة مرة أخرى
4677 وقال الزمخشري في كشافه القديم الباء في خبر ما وليس لتأكيد النفي كما أن اللام لتأكيد الإيجاب
4678 وسئل بعضهم عن التأكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاطه لا يخل بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع يجدون من زيادة الحرف معنى لا يجدونه بإسقاطه
قال ونظيره العارف بوزن الشعر طبعا إذا تغير عليه البيت بنقص أنكره وقال أجد نفسي على خلاف ما أجدها بإقامة الوزن
فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع بنقصانها ويجد نفسه بزيادتها على معنى بخلاف ما يجدها بنقصانه
ثم باب الزيادة في الحروف وزيادة الأفعال قليل والأسماء أقل
4679 أما الحروف فيزداد منها إن وأن وإذ وإذا وإلى وأم والباء والفاء وفي والكاف واللام ولا وما ومن والواو وتقدمت في نوع الأدوات مشروحة
____________________
(2/176)
4680 وأما الأفعال فزيد منها ( كان ) وخرج عليه { كيف نكلم من كان في المهد صبيا } وأصبح وخرج عليه { فأصبحوا خاسرين }
4681 وقال الرماني العادة أن من به علة تزاد بالليل أن يرجو الفرج عندالصباح فاستعمل ( أصبح ) لأن الخسران حصل لهم في الوقت الذي يرجون فيه الفرج فليست زائدة
4682 وإما الأسماء فنص أكثر النحويين على أنها لا تزاد ووقع في كلام المفسرين الحكم عليها بالزيادة في مواضع كلفظ ( مثل ) في قوله { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به } أي بما النوع الثالث التأكيد الصناعي
4683 وهو أربعة أقسام
أحدها التوكيد المعنوي بكل واجمع وكلا وكلتا نحو { فسجد الملائكة كلهم أجمعون } وفائدته رفع توهم المجاز وعدم الشمول
4684 وادعى الفراء أن ( كلهم ) أفادت ذلك و ( أجمعون ) أفادت اجتماعهم على السجود وأنهم لم يسجدوا متفرقين
4685 ثانيها التأكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول إما بمرادفه نحو { ضيقا حرجا } بكسر الراء و { وغرابيب سود } وجعل منه الصفار
{ فيما إن مكناكم فيه } على القول بأن كليهما للنفي
وجعل منه غيره { قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } فوراء هنا ليس ظرفا لأن لفظ ( ارجعوا ) ينبئ عنه بل هو اسم فعل بمعنى ( ارجعوا ) فكأنه قال ارجعوا ارجعوا
4686 وإما بلفظه ويكون في الاسم والفعل والحرف والجملة
فالاسم والجملة نحو / < قوارير قوارير > / { دكا دكا }
4687 والفعل { فمهل الكافرين أمهلهم }
____________________
(2/177)
4688 واسم الفعل نحو { هيهات هيهات لما توعدون }
4689 والحرف نحو { ففي الجنة خالدين فيها } { أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم }
4690 والجملة نحو { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا }
4691 والأحسن اقتران الثانية بثم نحو { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون }
4692 ومن هذا النوع تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل نحو { اسكن أنت وزوجك الجنة } { فاذهب أنت وربك } { وإما أن نكون نحن الملقين }
4693 ومن تأكيد المنفصل بمثله { وهم بالآخرة هم كافرون }
4694 ثالثها تأكيد الفعل بمصدره وهو عوض من تكرار الفعل مرتين وفائدته رفع توهم المجاز في الفعل بخلاف التوكيد السابق فإن لرفع توهم المجاز في المسند إليه
كذا فرق به ابن عصفور وغيره
ومن ثم رد بعض أهل السنة على بعض المعتزلة في دعواه نفي التكليم حقيقة بقوله { وكلم الله موسى تكليما } لأن التوكيد رفع المجاز في الفعل
ومن أمثلته { وسلموا تسليما } { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا } { جزاؤكم جزاء موفورا }
4695 وليس منه { وتظنون بالله الظنونا } بل هو جمع ( ظن ) لاختلاف أنواعه
وأما { إلا أن يشاء ربي شيئا } فتحتمل أن يكون منه وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن
4696 والأصل في هذا النوع أن ينعت بالوصف المراد نحو { اذكروا الله ذكرا كثيرا }
____________________
(2/178)
{ وسرحوهن سراحا جميلا }
وقد يضاف وصفه إليه نحو { اتقوا الله حق تقاته } وقد يؤكد بمصدر فعل آخر أو إسم عين نيابه عن المصدر نحو { وتبتل إليه تبتيلا } والتبتيل مصدر ( بتل )
{ والله أنبتكم من الأرض نباتا } أي إنباتا إذ النبات إسم عين
4697 رابعها الحال المؤكدة نحو { ويوم أبعث حيا } { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } { وأرسلناك للناس رسولا } { ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون } { وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد }
4698 وليس منه { ولى مدبرا } لأن التولية قد لا تكون إدبارا بدليل قوله { فول وجهك شطر المسجد الحرام }
ولا { فتبسم ضاحكا } لأن التبسم قد لا يكون ضحكا ولا { وهو الحق مصدقا } لاختلاف المعنيين إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقا لما قبله النوع الرابع التكرير
4699 وهو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة خلافا لبعض من غلط
وله فوائد
منها التقرير وقد قيل الكلام إذا تكرر تقرر وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله { وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا }
4700 ومنها التأكيد
4701 ومنها زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ومنه { وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع } فإنه كرر فيه النداء لذلك
____________________
(2/179)
4702 ومنها إذا طال الكلام وخشي تناسى الأول أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده ومنه { ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها } { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها } { ولما جاءهم كتاب من عند الله } إلى قوله { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } { إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم }
4703 ومنها التعظيم والتهويل نحو { الحاقة ما الحاقة } { القارعة ما القارعة } { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين }
4704 فإن قلت هذا النوع أحد أقسام النوع الذي قبله فإن منها التأكيد بتكرار اللفظ فلا يحسن عده نوعا مستقلا
قلت هو يجامعه ويفارقه ويزيد عليه وينقص عنه فصار أصلا برأسه فإنه قد يكون التأكيد تكرارا كما تقدم في أمثلته وقد لا يكون تكرارا كما تقدم أيضا وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيدا للتأكيد معنى
4705 ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين مؤكده نحو { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله } { إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين } فالآيتان من باب التكرير لا التأكيد اللفظي الصناعي
ومنه الآيات المتقدمة في التكرير للطول
4706 ومنه ما كان لتعدد المتعلق بأن يكون المكرر ثانيا متعلقا بغير ما تعلق به الأول وهذا القسم يسمى بالترديد كقوله { الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري } وقع فيها الترديد أربع مرات
____________________
(2/180)
4707 وجعل منه قوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } فإنها وإن تكررت نيفا وثلاثين مرة فكل واحدة تتعلق بما قبلها ولذلك زادت على ثلاثة ولو كان الجميع عائدا إلى شيء واحد لما زاد على ثلاثة لأن التأكيد لا يزيد عليها
قاله ابن عبد السلام وغيره
4708 وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النقمة للتحذير نعمة
وقد سئل أي نعمة في قوله { كل من عليها فان } فأجيب بأجوبة أحسنها النقل من دار الهموم إلى دار السرور وإراحة المؤمن والبار من الفاجر
4709 وكذا قوله { ويل يومئذ للمكذبين } في سورة المرسلات لأنه تعالى ذكر قصصا مختلفة وأتبع كل قصة بهذا القول فكأنه قال عقب كل قصة ( ويل يومئذ للمكذب بهذه القصة )
4710 وكذا قوله في سورة الشعراء { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } كررت ثماني مرات كل مرة عقب كل قصة فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها وما اشتملت عليه من الآيات والعبر
وبقوله { وما كان أكثرهم مؤمنين } إلى قومه خاصة ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصف العزيز الرحيم للإشارة إلى أن العزة على من لم يؤمن منهم والرحمة لمن آمن
4711 وكذا قوله في سورة القمر { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قال الزمخشري كرر ليجددوا عند سماع كل نبأ منها إتعاظا وتنبيها وإن كلا من تلك الأنباء مستحق لإعتبار يختص به وأن يتنبهوا كيلا يغلبهم السرور والغفلة
4712 قال في عروس الأفراح فإن قلت إذا كان المراد بكل ما قبله فليس
____________________
(2/181)
ذلك بإطناب بل هي ألفاظ كل أريد به غير ما أريد بالآخر
قلت إذا قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر ولكن كرر ليكون نصا فيما يليه وظاهرا في غيره
فإن قلت يلزم التأكيد قلت والأمر كذلك ولا يرد عليه أن التأكيد لا يزاد به عن ثلاثة لأن ذاك في التأكيد الذي هو تابع أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع
انتهى
4713 ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا } إلى قوله { وكان الله غنيا حميدا } { ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا } قال فإن قيل ما وجه تكرار قوله { ولله ما في السماوات وما في الأرض } في آيتين إحداهما في أثر الأخرى قلنا لإختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض وذلك أن الخبر عنه في إحدى الآيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه
وفي الأخرى حفظ بارئه إياه وعلمه به وبتدبيره قال فإن قيل أفلا قيل ( وكان الله غنيا حميدا وكفى بالله وكيلا ) قيل ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تختتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير
إنتهى
4714 وقال تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب } قال الراغب الكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } والكتاب الثاني التوراة والثالث الجنس كتب الله كلها أي ما هو من شيء من كتب الله وكلامه
4715 ومن أمثلة ما يظن تكرارا وليس منه { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } إلى آخرها فإن ( لا أعبد ما تعبدون ) أي في المستقبل ( ولا أنتم عابدون ) أي في الحال ( ما أعبد ) في المستقبل ( ولا أنا عابد ) أي في الحال ما عبدتم في الماضي ( ولا أنتم عابدون ) أي في المستقبل ( ما أعبد ) أي في الحال
فالحاصل أن القصد نفى عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة
4716 وكذا { فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم } ثم قال
____________________
(2/182)
{ فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } ثم قال { واذكروا الله في أيام معدودات } فإن المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر فالأول الذكر في مزدلفة عند الوقوف بقزح وقوله { واذكروه كما هداكم } إشارة إلى تكرره ثانيا وثالثا ويحتمل أن يراد به طواف الإفاضة بدليل تعقيبه بقوله { فإذا قضيتم } والذكر الثالث إشارة إلى رمي جمرة العقبة والذكر الأخير لرمي أيام التشريق
4717 ومنه تكرير حرف الإضراب في قوله { بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر } وقوله { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون }
4718 ومنه قوله { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين } ثم قال { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } فكرر الثاني ليعم كل مطلقة فإن الآية الأولى في المطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة وقيل لأن الأولى لا تشعر بالوجوب ولهذا لما نزلت قال بعض الصحابة إن شئت أحسنت وإن شئت فلا فنزلت الثانية أخرجه ابن جرير
4719 ومن ذلك تكرير الأمثال كقوله { وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات }
4720 وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة بالمستوقد نارا ثم ضربه بأصحاب الصيب
قال الزمخشري والثاني أبلغ من الأول لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته قال ولذلك أخر وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ
4721 ومن ذلك تكرير القصص كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء قال بعضهم ذكر الله موسى في مائة وعشرين موضعا من كتابه
4722 وقال ابن العربي في القواصم ذكر الله قصة نوح في خمس وعشرين آية وقصة موسى في تسعين آية
____________________
(2/183)
4723 وقد ألف البدر بن جماعة كتابا سماه ( المقتنص في فوائد تكرار القصص ) وذكر في تكرير القصص فوائد
منها أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله أو إبدال كلمة بأخرى لنكتة وهذه عادة البلغاء
4724 ومنها أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور من تقدمهم فلولا تكرار القصص لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم آخرين وكذا سائر القصص فأراد الله إشتراك الجميع فيها فيكون فيه إفادة لقوم وزيادة تأكيد لآخرين
4725 ومنها أن في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا يخفى من الفصاحة
4726 ومنها أن الدواعي لا تتوفر على نقلها كتوفرها على نقل الأحكام فلهذا كررت القصص دون الأحكام
4727 ومنها أنه تعالى أنزل هذا القرآن وعجز القوم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا ثم أوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله أي بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبروا
4728 ومنها أنه لما تحداهم قال { فأتوا بسورة من مثله } فلو ذكرت القصة في موضع واحد واكتفي بها لقال العربي ائتونا أنتم بسورة من مثله فأنزلها سبحانه وتعالى في تعداد السور دفعا لحجتهم من كل وجه
4728 ومنها أن القصة لما كررت كان في ألفاظها في كل موضع زيادة ونقصان وتقديم وتأخير وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج المعنى الواحد في صور متباينة في النظم وجذب النفوس إلى سماعها لما جبلت عليه من حب التنقل في الأشياء المتجددة واستلذاذها بها وإظهار خاصة القرآن حيث لم يحصل مع تكرير ذلك فيه هجنة في اللفظ ولا ملل عند سماعه فباين ذلك كلام المخلوقين
____________________
(2/184)
4729 وقد سئل ما الحكمة في عدم تكرير قصة يوسف وسوقها مساقا واحدا في موضع واحد دون غيرها من القصص وأجيب بوجوه
أحدها أن فيها تشبيب النسوة به وحال إمرأة ونسوة افتتن بأبدع الناس جمالا فناسب عدم تكرارها لما فيه من الإغضاء والستر وقد صحح الحاكم في مستدركه حديث النهي عن تعليم النساء سورة يوسف
ثانيها أنها إختصت بحصول الفرج بعد الشدة بخلاف غيرها من القصص فإن مآلها إلى الوبال كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم فلما اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقلها لخروجها عن سمت القصص
ثالثها قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إنما كرر الله قصص الأنبياء وساق قصة يوسف مساقا واحدا إشارة إلى عجز العرب كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلت في سائر القصص
قلت وظهر لي جواب رابع وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم كما رواه الحاكم في مستدركه فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من إستيعاب القصة وترويح النفس بها والإحاطة بطرفيها
وجواب خامس وهو أقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كررت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك لتكرير تكذيب الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكلما كذبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حل على المكذبين ولهذا قال تعالى في آيات { فقد مضت سنة الأولين } { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك
4730 وبهذا أيضا يحصل الجواب عن حكمة عدم تكرير قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وقصة موسى مع الخضر وقصة الذبيح
4731 فإن قلت قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين وليست من قبيل ما ذكرت
قلت الأولى في سورة ( كهيعص ) وهي مكية أنزلت خطابا لأهل مكة والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطابا لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بها ذكر المحاجة والمباهلة
____________________
(2/185)
النوع الخامس الصفة
4732 وترد لأسباب
أحدها التخصيص في النكرة نحو { فتحرير رقبة مؤمنة }
4733 الثاني التوضيح في المعرفة أي زيادة البيان نحو { ورسوله النبي الأمي }
4734 الثالث المدح والثناء ومنه صفات الله تعالى نحو { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين } { هو الله الخالق البارئ المصور }
4735 ومنه { يحكم بها النبيون الذين أسلموا } فهذا الوصف للمدح وإظهار شرف الإسلام والتعريض باليهود وأنهم بعداء عن ملة الإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم وأنهم بمعزل عنها
قاله الزمخشري
4736 الرابع الذم نحو { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }
4737 الخامس التأكيد لرفع الإيهام نحو { لا تتخذوا إلهين اثنين } فإن ( إلاهين ) للتثنية فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهي عن الإشراك ولإفادة أن النهي عن ( إلاهين ) إنما هو لمحض كونهما إثنين فقط لا لمعنى آخر من كونهما عاجزين أو غير ذلك
ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية كقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد ) وتطلق ويراد بها نفي العدة فالتثنية باعتبارها فلو قيل ( لا تتخذوا الهين ) فقط لتوهم أنه نهى عن إتخاذ جنسين آلهة وإن جاز أن يتخذ من نوع واحد عدد آلهة ولهذا أكد بالوحدة قوله { إنما هو إله واحد }
4738 ومثله { فاسلك فيها من كل زوجين اثنين } على قراءة تنوين ( كل ) وقوله { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } فهو تأكيد لرفع توهم تعدد النفخة لأن هذه الصيغة قد تدل على الكثرة بدليل { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }
____________________
(2/186)
4739 ومن ذلك قوله { فإن كانتا اثنتين } فإن لفظ ( كانتا ) تفيد التثنية فتفسيره بإثنتين لم يفد زيادة عليه
4740 وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسي بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن الصفة لأنه قد كان يجوز أن يقال ( فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين أو صالحتين أو غير ذلك من الصفات ) فلما قال ( اثنتين ) أفهم أن فرض الثنتين تعلق بمجرد كونهما ثنتين فقط وهي فائدة لا تحصل من ضمير المثنى
وقيل أراد ( فإن كانتا اثنتين فصاعدا ) فعبر بالأدنى عنه وعما فوقه إكتفاء
ونظيره { فإن لم يكونا رجلين } والأحسن أن الضمير عائد على الشهيدين المطلقين
4741 ومن الصفات المؤكدة قوله { ولا طائر يطير بجناحيه } فقوله ( يطير ) لتأكيد أن المراد بالطائر حقيقته فقد يطلق مجازا على غيره وقوله ( بجناحيه ) لتأكيد حقيقة الطيران لأنه يطلق مجازا على شدة العدو والإسراع في المشي
4742 ونظيره { يقولون بألسنتهم } لأن القول يطلق مجازا على غير اللسان بدليل { ويقولون في أنفسهم }
4743 وكذا { ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } لأن القلب قد يطلق مجازا على العين كما أطلقت العين مجازا على القلب في قوله { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } 1 - قاعدة
4744 الصفة العامة لا تأتي بعد الخاصة لا يقال رجل فصيح متكلم بل متكلم فصيح وأشكل على هذه قوله تعالى في إسماعيل { وكان رسولا نبيا } وأجيب أنه حال لا صفة أي مرسلا في حال نبوته
وقد تقدم في نوع التقديم والتأخير أمثلة من هذه
____________________
(2/187)
2 - قاعدة
4745 إذا وقعت الصفة بعد متضايفين أولهما عدد جاز إجراؤها على المضاف وعلى المضاف إليه فمن الأول { سبع سماوات طباقا } ومن الثاني { سبع بقرات سمان } 1 - فائدة
4746 إذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن إن تباعد معنى الصفات العطف نحو { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } وإلا تركه نحو { ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم } 2 - فائدة
4747 قطع النعوت في مقام المدح والذم أبلغ من إجرائها قال الفارسي إذا ذكرت صفات في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن يخالف في إعرابها لأن المقام يقتضي الإطناب فإذا خولف في الإعراب كان المقصود أكمل لأن المعاني عند الإختلاف تتنوع وتتفنن وعند الإتحاد تكون نوعا واحدا
4748 مثاله في المدح { والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة } { ولكن البر من آمن بالله } إلى قوله { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين }
4749 وقرئ شاذا { الحمد لله رب العالمين } برفع ( رب ) ونصبه
4750 ومثاله في الذم { وامرأته حمالة الحطب } النوع السادس البدل
4751 والقصد به الإيضاح بعد الإبهام وفائدته البيان والتأكيد
أما الأول فواضح أنك إذا قلت ( رأيت زيدا أخاك ) بينت أنك تريد بزيد الأخ لا غير
أما التأكيد فلأنه على نية تكرار العامل فكأنه من جملتين ولأنه دل على ما دل عليه
____________________
(2/188)
الأول إما بالمطابقة في بدل الكل أو بالتضمن في بدل البعض أو بالإلتزام في بدل الإشتمال
4752 مثال الأول { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } { لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله } { لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة }
4753 ومثال الثاني { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض }
4754 ومثال الثالث { وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره } { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } { قتل أصحاب الأخدود النار } { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم }
4755 وزاد بعضهم بدل الكل من البعض وقد وجدت له مثالا في القرآن وهو قوله { يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن } ف ( جنات عدن ) بدل من الجنة التي هي بعض وفائدته تقرير أنها جنات كثيرة لا جنة واحدة
قال ابن السيد وليس كل بدل يقصد به رفع الإشكال الذي يعرض في المبدل منه بل من البدل ما يراد به التأكيد وإن كان ما قبله غنيا عنه كقوله { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله } ألا ترى أنه لو لم يذكر الصراط الثاني لم يشك أحد في أن الصراط المستقيم هو صراط الله وقد نص سيبويه على أن من البدل ما الغرض منه التأكيد
انتهى
4756 وجعل منه ابن عبد السلام { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } قال ولا بيان فيه لأن الأب لا يلتبس بغيره ورد بأنه يطلق على الجد فأبدل لبيان إرادة الأب حقيقة
____________________
(2/189)
النوع السابع عطف البيان
4757 وهو كالصفة في الإيضاح لكن يفارقها في أنه وضع ليدل على الإيضاح باسم مختص به بخلافها فإنها وضعت لتدل على معنى حاصل في متبوعها
4758 وفرق ابن كيسان بينه وبين البدل بأن البدل هو المقصود وكأنك قررته في موضع المبدل منه وعطف البيان وما عطف عليه كل منهما مقصود
4759 وقال ابن مالك في شرح الكافية عطف البيان يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ويفارقه في أن تكميله متبوعه بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أو سببية
ومجرى التأكيد في تقوية دلالته ويفارقه في أنه لا يرفع توهم مجاز ومجرى البدل في صلاحيته للإستقلال ويفارقه في أنه غير منوي الإطراح
ومن أمثلته { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } { من شجرة مباركة زيتونة }
4760 وقد يأتي لمجرد المدح بلا إيضاح ومنه { جعل الله الكعبة البيت الحرام } فالبيت الحرام عطف بيان للمدح لا للإيضاح النوع الثامن عطف أحد المترادفين على الآخر
4761 والقصد منه التأكيد أيضا وجعل منه { إنما أشكو بثي وحزني } { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا }
{ فلا يخاف ظلما ولا هضما } { لا تخاف دركا ولا تخشى } { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } قال الخليل العوج والأمت بمعنى واحد { سرهم ونجواهم } { شرعة ومنهاجا } { لا تبقي ولا تذر } { إلا دعاء ونداء } { أطعنا سادتنا وكبراءنا } { لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب } فإن ( نصب ) كلغب وزنا ومعنى { صلوات من ربهم ورحمة } { عذرا أو نذرا } قال ثعلب هما بمعنى
____________________
(2/190)
4762 وأنكر المبرد وجود هذا النوع في القرآن وأول ما سبق على إختلاف المعنيين
4763 وقال بعضهم المخلص في هذا أن تعتقد أن مجموع المترادفين يحصل معنى لا يوجد عند إنفرادهما فإن التركيب يحدث معنى زائدا وإذا كانت كثرة الحروف تفيد زيادة المعنى فكذلك كثرة الألفاظ النوع التاسع عطف الخاص على العام
4764 وفائدته التنبيه على فضله حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات
4765 وحكى أبو حيان عن شيخه أبي جعفر بن الزبير أنه كان يقول هذا العطف يسمى بالتجريد كأنه جرد من الجملة وأفرد بالذكر تفضيلا
4766 ومن أمثلته { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة } فإن إقامتها من جملة التمسك بالكتاب وخصت بالذكر إظهارا لمرتبتها لكونها عماد الدين وخص جبريل وميكائيل بالذكر ردا على اليهود في دعوى عداوته وضم إليه ميكائيل لأنه ملك الرزق الذي هو حياة الأجساد كما أن جبريل ملك الوحي الذي هو حياة القلوب والأرواح
4767 وقيل إن جبريل وميكائيل لما كانا أميري الملائكة لم يدخلا في لفظ الملائكة أولا كما أن الأمير لا يدخل في مسمى الجند
حكاه الكرماني في العجائب
4768 ومن ذلك { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } بناء على أنه لا يختص بالواو كما هو رأي ابن مالك فيه وفيما قبله وخص المعطوف في الثانية بالذكر تنبيها على زيادة قبحه
____________________
(2/191)
تنبيه
4769 المراد بالخاص والعام هنا ما كان فيه الأول شاملا الثاني لا المصطلح عليه في الأصول النوع العاشر عطف العام على الخاص
4770 وأنكر بعضهم وجوده فأخطأ والفائدة فيه واضحة وهو التعميم وأفرد الأول بالذكر إهتماما بشأنه
4771 ومن أمثلته { إن صلاتي ونسكي } والنسك العبادة فهو أعم { آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } { رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات } { فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير }
4772 وجعل منه الزمخشري { ومن يدبر الأمر } بعد قوله { قل من يرزقكم } النوع الحادي عشر الإيضاح بعد الإبهام
4773 قال أهل البيان إذا أردت أن تبهم ثم توضح فإنك تطنب
وفائدته إما رؤية المعنى في صورتين مختلفتين الإبهام والإيضاح أو لتمكن المعنى في النفس تمكنا زائدا لوقوعه بعد الطلب فإنه أعز من المنساق بلا تعب أو لتكمل لذة العلم به فإن الشيء إذا علم من وجه ما تشوقت النفس للعلم به من باقي وجوهه وتألمت فإذا حصل العلم من بقية الوجوه كانت لذته أشد من علمه من جميع وجوهه دفعة واحدة
4774 ومن أمثلته { رب اشرح لي صدري } فإن { اشرح } يفيد طلب شرح شيء ما و ( صدري ) يفيد تفسيره وبيانه
وكذلك { ويسر لي أمري } والمقام يقتضي التأكيد للإرسال المؤذن بتلقى الشدائد
وكذلك { ألم نشرح لك صدرك }
____________________
(2/192)
فإن المقام يقتضي التأكيد لأنه مقام إمتنان وتفخيم
وكذا { وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين }
4775 ومنه التفصيل بعد الإجمال نحو { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا } إلى قوله { منها أربعة حرم } وعكسه كقوله { ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } أعيد ذكر ( العشرة ) لرفع توهم أن الواو في ( وسبعة ) بمعنى ( أو ) فتكون الثلاثة داخلة فيها كما في قوله { خلق الأرض في يومين } ثم قال { وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام } فإن من جملتها اليومين المذكورين أولا وليست أربعة غيرهما
وهذا أحسن الأجوبة في الآية وهو الذي أشار إليه الزمخشري ورجحه ابن عبد السلام وجزم به الزملكاني في ( أسرار التنزيل )
4776 قال ونظيره { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } فإنه رافع لإحتمال أن تكون تلك العشرة من غير مواعدة
4777 قال ابن عسكر وفائدة الوعد بثلاثين أولا ثم بعشر ليتجدد له قرب إنفضاء المواعدة ويكون فيه متأهبا مجتمع الرأي حاضر الذهن لأنه لو وعد بالأربعين أولا كانت متساوية فلما فصلت استشعرت النفس قرب التمام وتجدد بذلك عزم لم يتقدم
4778 وقال الكرماني في العجائب في قوله { تلك عشرة كاملة } ثمانية أجوبة جوابان من التفسير وجواب من الفقه وجواب من النحو وجواب من اللغة وجواب من المعنى وجوابان من الحساب وقد سقتها في ( أسرار التنزيل ) النوع الثاني عشر التفسير
4779 قال أهل البيان وهو أن يكون في الكلام لبس وخفاء فيؤتى بما يزيله ويفسره
____________________
(2/193)
4780 ومن أمثلته { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا }
فقوله ( إذا مسه ) الخ تفسير للهلوع كما قال أبو العالية وغيره
4781 { القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم } قال البيهقي في ( شرح الأسماء الحسنى ) قوله { لا تأخذه سنة } تفسير للقيوم
4782 { يسومونكم سوء العذاب يذبحون } الآية فيذبحون وما بعده تفسير للسوم
4783 { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } الآية ف ( خلقه ) وما بعده تفسير للمثل
4784 { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } ف ( تلقون ) تفسير لإتخاذهم أولياء
4785 { الصمد لم يلد ولم يولد } الآية قال محمد بن كعب القرظي لم يلد إلى آخره تفسير للصمد وهو في القرآن كثير
4786 قال ابن جني ومتى كانت الجملة تفسيرا لم يحسن الوقف على ما قبلها دونها لأن تفسير الشيء لا حق به ومتمم له وجار مجرى بعض أجزائه النوع الثالث عشر وضع الظاهر موضع المضمر
4787 ورأيت فيه تأليفا مفردا لابن الصائغ وله فوائد
منها زيادة التقرير والتمكين نحو { قل هو الله أحد الله الصمد } { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل } { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } { لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله }
4788 ومنها قصد التعظيم نحو { واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم }
____________________
(2/194)
{ أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون } { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } { ولباس التقوى ذلك خير }
4789 ومنها قصد الإهانة والتحقير نحو { أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } { إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان }
4790 ومنها إزالة اللبس حيث يوهم الضمير أنه غير الأول نحو { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك } لو قال ( تؤتيه ) لأوهم أنه الأول قاله ابن الخشاب
{ الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء } لأنه لو قال ( عليهم دائرته ) لأوهم أن الضمير عائد إلى الله تعالى
{ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه } لم يقل ( منه ) لئلا يتوهم عود الضمير إلى الأخ فيصير كأنه مباشر بطلب خروجها وليس كذلك لما في المباشرة من الأذى الذي تأباه النفوس الأبية فأعيد لفظ الظاهر لنفي هذا ولم يقل ( من وعائه ) لئلا يتوهم عود الضمير إلى يوسف لأن العائد عليه ضمير ( استخرجها )
4791 ومنها قصد تربية المهابة وإدخال الروع على ضمير السامع وبذكر الإسم المقتضى لذلك كما تقول الخليفة أمير المؤمنين يأمرك بكذا ومنه { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } { إن الله يأمر بالعدل }
4792 ومنها قصد تقوية داعية المأمور ومنه { فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين }
4793 ومنها تعظيم الأمر نحو { أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير } { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق } { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان }
4794 ومنها الإستلذاذ بذكره ومنه { وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة } لم
____________________
(2/195)
يقل ( منها ) ولهذا عدل عن ذكر الأرض إلى الجنة
4795 ومنها قصد التوصل من الظاهر إلى الوصف ومنه { فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله } بعد قوله { إني رسول الله } لم يقل ( فآمنوا بالله وبي ) ليتمكن من إجراء الصفات التي ذكرها وليعلم أن الذي وجب الإيمان به والإتباع له هو من وصف بهذه الصفات ولو أتى بالضمير لم يمكن ذلك لأنه لا يوصف
4796 ومنها التنبيه على علية الحكم نحو { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا } { فإن الله عدو للكافرين } لم يقل ( لهم ) إعلاما بأن من عادى هؤلاء فهو كافر وإن الله إنما عاداه لكفره
{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون } { والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }
4797 ومنها قصد العموم نحو { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة } لم يقل
( إنها ) لئلا يفهم تخصيص ذلك بنفسه { أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا }
4798 ومنها قصد الخصوص نحو { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } لم يقل ( لك ) تصريحا بأنه خاص به
4799 ومنها الإشارة إلى عدم دخول الجملة في حكم الأولى نحو { فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل } فإن ( ويمح الله ) إستئناف لا داخل في حكم الشرط
4800 ومنها مراعاة الجناس ومنه { أعوذ برب الناس } السورة
____________________
(2/196)
ذكره الشيخ عز الدين ومثله ابن الصائغ بقوله { خلق الإنسان من علق } ثم قال { علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى } فإن المراد بالإنسان الأول الجنس وبالثاني آدم أو من يعلم الكتابة أو إدريس وبالثالث أبو جهل
4801 ومنها مراعاة الترصيع وتوازن الألفاظ في التركيب ذكره بعضهم في قوله { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى }
4802 ومنها أن يتحمل ضميرا لا بد منه ومنه { أتيا أهل قرية استطعما أهلها } لو قال ( استطعماها ) لم يصح لأنهما لم يستطعما القرية أو ( استطعماهم ) فكذلك لأن جملة ( استطعما ) صفة لقرية النكرة لا ل ( أهل ) فلا بد أن يكون فيها ضمير يعود عليها ولا يمكن إلا مع التصريح بالظاهر
4803 كذا حرره السبكي في جواب سؤال سأله الصلاح الصفدي في ذلك حيث قال
( أسيدنا قاضي القضاة ومن إذا % بدا وجهه استحيا له القمران )
( ومن كفه يوم الندى ويراعه % على طرسه بحران يلتقيان )
( ومن إن دجت في المشكلات مسائل % جلاها بفكر دائم اللمعان )
( رأيت كتاب الله أكبر معجز % لأفضل من يهدى به الثقلان )
( ومن جملة الإعجاز كون اختصاره % بإيجاز ألفاظ وبسط معان )
( ولكنني في الكهف أبصرت آية % بها الفكر في طول الزمان عناني )
( وما هي إلا ( استطعما أهلها ) فقد % نرى استطعماهم مثله ببيان )
( فما الحكمة الغراء في وضع ظاهر % مكان ضمير إن ذاك لشان )
( فارشد على عادات فضلك حيرتي % فمالي بها عند البيان يدان ) تنبيه
4804 إعادة الظاهر بمعناه أحسن من إعادته بلفظه كما مر في آيات { إنا لا نضيع أجر المصلحين } { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } ونحوها
____________________
(2/197)
4805 ومنه { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء } فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ ( الله ) لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية
لأن دائرة الربوبية أوسع
4806 ومنه { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض } إلى قوله { بربهم يعدلون }
وإعادته في جملة أخرى أحسن منه في الجملة الواحدة لانفصالها وبعد الطول أحسن من الإضمار لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرع فيه كقوله { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه } بعد قوله { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } النوع الرابع عشر الإيغال وهو الإمعان
4807 وهو ختم الكلام بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها
وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر ورد بأنه وقع في القرآن من ذلك { يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } فقوله ( وهم مهتدون ) إيغال لأنه يتم المعنى بدونه إذ الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه
4808 وجعل ابن أبي الإصبع منه { ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } فإن قوله ( إذا ولوا مدبرين ) زائد على المعنى مبالغة في عدم انتفاعهم
{ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } زائد على المعنى لمدح المؤمنين والتعريض بالذم لليهود وأنهم بعيدون عن الإيقان
{ إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } فقوله ( مثل ما ) إلى آخره إيغال زائد على المعنى لتحقيق هذا الوعد وأنه واقع معلوم ضرورة لا يرتاب فيه أحد النوع الخامس عشر التذييل
4809 وهو أن يؤتى بجملة عقب جملة والثانية تشتمل على المعنى الأول
____________________
(2/198)
لتأكيد منطوقه أو مفهومه ليظهر المعنى لمن لم يفهمه ويتقرر عند من فهمه نحو { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } { كل نفس ذائقة الموت } { ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } النوع السادس عشر الطرد والعكس
4810 قال الطيبي وهو أن يؤتى بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس كقوله { ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات } إلى قوله { ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن } فمنطوق الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس وكذا قوله { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }
4811 قلت وهذا النوع يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك النوع السابع عشر التكميل
4812 ويسمى بالاحتراس وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم نحو { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } فإنه لو اقتصر على ( أذلة ) لتوهم أنه لضعفهم فدفعه بقوله ( أعزة )
ومثله { أشداء على الكفار رحماء بينهم } لو اقتصر على ( أشداء ) لتوهم أنه لغلظهم
{ تخرج بيضاء من غير سوء } { لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون } احتراس لئلا يتوهم نسبة الظلم إلى سليمان
ومثله { فتصيبكم منهم معرة بغير علم } وكذا { قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون } فالجملة الوسطى احتراس لئلا يتوهم أن التكذيب مما في نفس الأمر
قال في عروس الأفراح فإن قيل كل من ذلك أفاد معنى جديدا فلا يكون إطنابا
قلنا هو إطناب لما قبله من حيث رفع توهم غيره وإن كان له معنى في نفسه
____________________
(2/199)
النوع الثامن عشر التتميم
4813 وهو أن يؤتى في كلام لا يوهم غير المراد بفضلة تفيد نكتة كالمبالغة في قوله { ويطعمون الطعام على حبه } أي مع حب الطعام أي اشتهائه فإن الإطعام حينئذ أبلغ وأكثر أجرا ومثله { وآتى المال على حبه } { ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف } فقوله ( وهو مؤمن ) تتميم في غاية الحسن النوع التاسع عشر الاستقصاء
4814 وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه فيأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصى جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا كقوله تعالى { أيود أحدكم أن تكون له جنة } الآية فإنه تعالى لو اقتصر على قوله ( جنة ) لكان كافيا فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها { من نخيل وأعناب } فإن مصاب صاحبها بها أعظم ثم زاد { تجري من تحتها الأنهار } متمما لوصفها بذلك ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال { له فيها من كل الثمرات } فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها ثم قال في وصف صاحبها { وأصابه الكبر } ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب بقوله بعد وصفه بالكبر { وله ذرية } ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية بالضعفاء ثم ذكر استصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت حيث قال { فأصابها إعصار } ولم يقتصر على ذكره للعلم بأنه لا يحصل سرعة الهلاك فقال { فيه نار } ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيها من الأنهار ورطوبة الأشجار فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله { فاحترقت } فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله
4815 قال ابن أبي الإصبع والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل أن التتميم يرد على المعنى الناقص ليتم والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصى لوازمه وعوارضه
____________________
(2/200)
وأوصافه وأسبابه حتى يستوعب جميع ما تقع الخواطر عليه فلا يبقى لأحد فيه مساغ النوع العشرون الاعتراض
4816 وسماه قدامة التفاتا وهو الإتيان بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب في أثناء كلام أو كلامين اتصلا معنى لنكته غير دفع الإيهام كقوله { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } فقوله { سبحانه } اعتراض لتنزيه الله سبحانه وتعالى عن البنات والشناعة على جاعليها
وقوله { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } فجملة الاستثناء اعتراض للتبرك
4817 ومن وقوعه بأكثر من جملة { فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين نساؤكم حرث لكم } فقوله { نساؤكم } متصل بقوله { فأتوهن } لأنه بيان له وما بينهما اعتراض للحث على الطهارة وتجنب الأدبار
وقوله { يا أرض ابلعي ماءك } إلى قوله { وقيل بعدا } فيه اعتراض بثلاث جمل وهي { وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي }
قال في الأقصى القريب ونكتته إفادة أن هذا الأمر واقع بين القولين لا محالة ولو أتى به آخرا لكان الظاهر تأخره فبتوسطه ظهر كونه غير متأخر
ثم فيه اعتراض في اعتراض فإن ( وقضي الأمر ) معترض بين ( وغيض ) و ( واستوت ) لأن الاستواء يحصل عقب الغيض
وقوله { ولمن خاف مقام ربه جنتان } إلى قوله { متكئين على فرش } فيه اعتراض بسبع جمل إذا أعرب حالا منه
4818 ومن وقوع اعتراض في اعتراض { فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم } اعترض بين القسم وجوابه بقوله { وإنه لقسم } الآية وبين القسم وصفته بقوله { لو تعلمون } تعظيما للمقسم به وتحقيقا لإجلاله وإعلاما لهم بأن له عظمة لا يعلمونها
4819 قال الطيبي في التبيان ووجه حسن الاعتراض حسن الإفادة مع أن
____________________
(2/201)
مجيئه مجيء ما لا يترقب فكون كالحسنة تأتيك من حيث لا تحتسب النوع الحادي والعشرون التعليل
4820 وفائدته التقرير والأبلغية فإن النفوس أبعث على قبول الأحكام المعللة من غيرها وغالب التعليل في القرآن على تقدير جواب سؤال اقتضته الجملة الأولى
4821 وحروفه اللام وإن وأن وإذ والباء وكي ومن ولعل وقد مضت أمثلتها في نوع الأدوات
4822 ومما يقتضي التعليل لفظ ( الحكمة ) كقوله { حكمة بالغة } وذكر الغاية من الخلق نحو قوله { جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء } { ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا }
____________________
(2/202)
النوع السابع والخمسون في الخبر والإنشاء
4823 اعلم أن الحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصار الكلام فيهما وأنه ليس له قسم ثالث
4824 وادعى قوم أن أقسام الكلام عشرة نداء ومسألة وأمر وتشفع وتعجب وقسم وشرط ووضع وشك واستفهام
4825 وقيل تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسألة
4826 وقيل ثمانية بإسقاط التشفع لدخوله فيها
4827 وقيل سبعة بإسقاط الشك لأنه من قسم الخبر
4828 وقال الأخفش هي ستة خبر واستخبار ولأمر ونهي ونداء وتمن
4829 وقال بعضهم خمسة خبر وأمر وتصريح وطلب ونداء
4830 وقال قوم أربعة خبر واستخبار وطلب ونداء
4831 وقال كثيرون ثلاثة خبر وطلب وإنشاء قالوا لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب أو لا الأول الخبر والثاني إن اقترن معناه بلفظه فهو الإنشاء وإن لم يقترن بل تأخر عنه فهو الطلب
والمحققون على دخول الطلب في الإنشاء وأن معنى ( اضرب ) مثلا وهو طلب الضرب مقترن بلفظه وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه
4832 وقد اختلف الناس في حد الخبر فقيل لا يحد لعسره وقيل لأنه ضروري لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة ورجحه الإمام في المحصول
____________________
(2/203)
4833 والأكثر على حده قال القاضي أبو بكر والمعتزلة الخبر الكلام الذي يدخله الصدق والكذب فأورد عليه خبر الله تعالى فإنه لا يكون إلا صادقا فأجاب القاضي بأنه يصح دخوله لغة
4834 وقيل الذي يدخله التصديق والتكذيب وهو سالم من الإيراد المذكور
4835 وقال أبو الحسن البصري كلام يفيد بنفسه نسبة فأورد عليه نحو ( قم ) فإنه يدخل في الحد لأن القيام منسوب والطلب منسوب
4836 وقيل الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيا أو إثباتا
4837 وقيل القول المقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي والإثبات
4838 وقال المتأخرين الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه
4839 وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة الكلام إن أفاد بالوضع طلبا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أو تحصيلها أو الكف عنها والأول الاستفهام والثاني الأمر والثالث النهي
وإن لم يفد طلبا بالوضع فإن لم يحتمل الصدق والكذب سمى تنبيها وإنشاء لأنك نبهت به على مقصودك وأنشأته أي ابتكرته من غير أن يكون موجودا في الخارج سواء أفاد طلبا باللازم كالمتمني والترجي والنداء والقسم أم لا كأنت طالق
وإن احتملهما من حيث هو فهو الخبر فصل
4840 القصد بالخبر إفادة المخاطب وقد يرد بمعنى الأمر نحو { والوالدات يرضعن } { والمطلقات يتربصن }
4841 وبمعنى النهي نحو { لا يمسه إلا المطهرون }
____________________
(2/204)
4842 وبمعنى الدعاء نحو { وإياك نستعين } أي أعنا ومنه { تبت يدا أبي لهب وتب } فإنه دعاء عليه
وكذا { قاتلهم الله }
وكذا { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا }
4843 وجعل منه قوم { حصرت صدورهم } قالوا هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد
4844 ونازع ابن العربي في قولهم إن الخبر يرد بمعنى الأمر أو النهي قال في قوله تعالى { فلا رفث } ليس نفيا لوجود الرفث بل نفي لمشروعيته فإن الرفث يوجد من بعض الناس وأخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعا لا إلى وجوده محسوسا كقوله { والمطلقات يتربصن } ومعناه مشروعا لا محسوسا فإنا نجد مطلقات لا يتربصن فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي
وكذا { لا يمسه إلا المطهرون } أي لا يمسه أحد منهم شرعا فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع
قال وهذه الدفينة التي فاتت العلماء فقالوا إن الخبر يكون بمعنى النهي وما وجد ذلك قط ولا يصح أن يوجد فإنهما مختلفان حقيقة ويتباينان وضعا
انتهى فرع
4845 من أقسامه على الأصح التعجب
4846 قال ابن فارس وهو تفصيل شيء على أضرابه
4847 وقال ابن الصائغ استعظام صفة خرج بها المتعجب منه عن نظائره
4848 وقال الزمخشري معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين
____________________
(2/205)
لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله
4849 وقال الرماني المطلوب في التعجب الإبهام لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه فكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن
قال وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي سببه والصيغة الدالة عليه تسمى تعجبا مجازا
قال ومن أجل الإبهام لم تعمل ( نعم ) إلا في الجنس من أجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر
4850 ثم قد وضعوا للتعجب صيغا من لفظه وهي ( ما أفعل ) و ( أفعل به ) وصيغا من غير لفظه نحو ( كبر ) كقوله { كبرت كلمة تخرج من أفواههم } { كبر مقتا عند الله } { كيف تكفرون بالله } قاعدة
4851 قال المحققون إذا ورد التعجب من الله صرف إلى المخاطب كقوله { فما أصبرهم على النار } أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم وإنما لا يوصف تعالى بالتعجب لأنه استعظام يصحبه الجهل وهو تعالى منزه عن ذلك ولهذا تعبر جماعة بالتعجيب بدله أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين
ونظير هذا مجيء الدعاء والترجي منه تعالى إنما هو بالنظر إلى ما تفهمه العرب أي هؤلاء مما يجب أن يقال لهم عندكم هذا ولذلك قال سيبويه في قوله تعالى { لعله يتذكر أو يخشى } المعنى اذهبا على رجائكما وطمعكما وفي قوله { ويل للمطففين } { ويل يومئذ للمكذبين } لا نقول هذا دعاء لأن الكلام بذلك قبيح ولكن العرب إنما تكلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون فكأنه قيل لهم { ويل للمطففين } أي هؤلاء مما وجب هذا القول لهم لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشرور والهلكة فقيل هؤلاء ممن دخل في الهلكة 1 - فرع
4852 من أقسام الخبر الوعد والوعيد نحو { سنريهم آياتنا في الآفاق }
____________________
(2/206)