الفتن المتوسطة التى ظهرت ولم **تَنْقَضِ** بل تتزايد
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعوتُهما واحدة .وحتى يُبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يُقبض العلم ، وتكثرَ الزلازل ، ويتقاربَ الزمان ، وتظهرَ الفتن ، ويكثرَ الهَرْج وهو القتل ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيضَ حتى يٌهِمَّ ربَّ المال من يقبل صدقته ، وحتى يعرضه فيقول الذى يعرضُه عليه : لا أَرَب لى به، وحتى يتطاول الناس فى البنيان ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقولُ : يا ليتنى مكانه ، وحتى تَطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك **{حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيراً }**. ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبَهُما بينهما ، فلا يتبايعانِه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقْحَتِه فلا يَطْعَمُه ، ولتقومن الساعةُ و هو يُلِيط حَوْضَه فلا يَسْقِى فيه ، ولتقومن الساعةُ وقد رفع أُكْلَتُه إلى فيه فلا يطْعَمُها . رواه البخارى (1)
الفئتان : فئة على ومن معه ، وفئة معاوية ومن معه ، وهذا أول خطب طرق فى الإسلام، حيث كانت موقعة صفين .
عظيمتان : كثيرتان . دعواهما واحدة : كل واحدة تدعو إلى الإسلام . قتل فيها من الفريقين سبعون ألفاً .
دجالون ثلاثون : وقد ظهروا جميعاً ، وأخطرهم مسيلمة الكذاب الذى ظهر زمن النبى صلى الله عليه وسلم . وقتله خالد بن الوليد زمن أبى بكر .
__________
(1) فتح البارى7121(1/1)
دجالون : مبالغون فى فساد العباد والبلاد .كذابون على الله ورسوله خلاطون بين الحق والباطل مموهون والفرق بينهم وبين الدجال الأكبر ، أنهم يدعون النبوة وهو يدعى الإلهية . يقبض العلم : وقد وقع ذلك فقد قبض العمل بالعلم ولم يبق الإرسمه ، و قُبض العلماء، وُيقبض العلم أيضاً برفع العلم النافع المتعلق بالكتاب والسنة ، وبقبض العلماء من أهل السنة الجماعة ، فيكثر أهل الجهل والبدع .
كثرة الزلازل : وقد وقع منها الكثير بالعراق والأندلس ، ولكن الذى يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها . وقد استمرت الزلزلة فى بلدة بالروم هى للمسلمين ثلاثة عشر شهرا .
يتقارب الزمان : هو دنو زمان الساعة ، وقيل قصر الأعمار وقله البركة فيها ، وقيل قصر مدة الأيام و الليالى كما فى حديث : يتقارب الزمان حتى تكون **السَّنَةُ** كالشهر ، وقيل تتقارب أحوال أهله فى قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف وينه عن منكر ، كما هو اليوم لغلبه الفسق وظهور أهله . وقيل زمان المهدى لوقوع الأمن فى الارض ، فيستلذ العيش عند ذلك لانبساط عدله ، فتستقصر مدته ، لأنها أيام رخاء وإن طالت .
وتظهر الفتن : أى تكثر وتشتهر ويترتب عليها المحن .
ويكثر الهرْج : يكثر القتل بصورة ليس لها مثيل ، وهو من العلامات الكبرى نتيجة حرب عالمية نووية .
ويكثر المال : وقد كثر المال زمن عثمان ، وبسبب الفتوح زمن الصحابة وتقسيمهم أموال الفرس والروم ، وزمن عمر بن عبد العزيز ، وسيكثر زمن المهدى وعيسى عليه السلام
يُهِمَّ : يحزن مالك المال .
وحتى يعرضه : أى على الناس . ... لا أرب : لا حاجة .
يتطاول الناس فى البنيان : يتزايد الناس فى البنيان فى طوله وعرضه ويفتخرون فى تزيينه وتحسينه ويتباهون به ، وهو كثير وفى ازدياد ، ولعل هذا آخر العلامات الصغرى .(1/2)
يقول يا ليتنى مكانه : يعنى كنت ميتاً حتى لا أرى الفتنة . ولما يرى من عظيم البلاء، وغبن الأولياء ، ورياسة الجهلاء ، وخمول العلماء ، واستيلاء الباطل فى الأحكام ، وعموم الظلم ، واستحلال الحرام ، والتحكم فى الأبدان والأموال والأعراض بغير حق ، وهذا هو ذلك الزمان الذى استولى فيه الباطل على الحق ، وتغلب فيه العبيد على الأحرار من سادات الخلق ، فباعوا الأحكام ، وبدلوا دين الله ، وغيروا حكمه " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم : الكافرون والظالمون والفاسقون . والآية عامة فيمن بدل حكم الله وغيره .
قال ابن المبارك :
وهل أفسد الدين إلا الملوكُ ..... وأحبارُ سوء ورهبانُها .
وقال مكحول : يأتى على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة حمار .
وقال معاذ بن جبل : سيبلى القرآن فى صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت . يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة ، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف ، إن قصروا قالوا : سنبلغ ، وإن أساءوا قالوا : سيغفر لنا ، و إنا لا نشرك بالله شيئاً . رواه الدرامى .
وحتى تطلع الشمس من مغربها : وكأن المطلوب من الناس أن يؤمنوا فى الحالة الغيبية
ولتقومن الساعة : أى النفخة الأولى .
وقد نشر الرجلان ثوبهما : أى : فتحا وفرقا فلا يكملان البيع والشراء .
انصرف الرجل بلبن لقحته : ينصرف الرجل بلبن ناقته الحلوب فلا يشربه ولا يتذوقه .
يليط حوضه : **فلا يسقى** فيه . يصلح حوضه بالطين ، ولا يلحق أن يسقى **دوابه** فيه
رفع أكلته إلى فيه : رفع لقمته ..أى يعاجله أمر الساعة قبل أن يمضغها أو يبتلعها وهذا كله إشارة إلى أن القيامة تقوم بغتة ، وأسرعها رفع اللقمة إلى الفم .
1-رفع العلم وظهور الجهل
عن أنس : قال رسول **الله صلى الله** عليه وسلم : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل ، ويُشرب الخمر ، ويَظهر الزنا . رواه البخارى ومسلم (1)
__________
(1) فتح البارى80 -مسلم 2671(1/3)
يرفع العلم : بموت حملته وقبص العلماء ، وليس المراد محوه من صدور العلماء
يثبت الجهل : أى ينتشر . .... ويشرب الخمر : يكثر شرب الخمر .
يظهر الزنا : أى يفشو وينتشر فى المجتمعات .
عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم **يُبْقِ** عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً ، فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلوا وأضلوا .
رواه البخارى ومسلم (1)
لا يُقبض العلم **انتزاعاً** : أى محوا من الصدور ، وكان تحديث النبى صلى الله عليه وسلم بذلك فى حجة الوداع .والمراد بالعلم هنا : علم الكتاب والسنة .
ولكن بقبض أرواح العلماء وموت حملته ، ولم يوجد من يخلفهم من المفتين والقضاة وغيرهم من أهل العلم ، وفى الحديث دلالة بجواز خلو الزمان عن المجتهد .
وفيه الحث على حفظ العلم و **الاشتغال** به .
وفيه أن الفتوى هى الرياسة الحقيقية ، وذم من يقدم عليها بغير علم .
قال النووى : معناه أن يموت حملة العلم ، ويتخذ الناس جهالا يحكمون بجهالاتهم ، فيضلون ويضلون (2)
قال القاضى عياض : وقد جد ذلك فى زماننا .
قال قطب الدين : هذا قوله مع توفر العلماء فى زمانه فكيف بزماننا ؟
قال العينى : هذا قوله مع كثرة الفقهاء والعلماء من المذاهب الأربعة والمحدثين الكبار فى زمانه ، فكيف بزماننا الذى خلت البلاد عنهم ، وتصدرت الجهال بالإفتاء والتدريس فى المدارس .
__________
(1) فتح البارى 100 -مسلم 2673
(2) مسلم نووى 16/223(1/4)
قلت : هذا قولك يا عيني ، فلو أنك نظرت بعينك إلى من تصدروا الإفتاء وجلسوا على كراسى المشيخة لقلت :كيف يفتى جاهل ومنافق ، فيحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ، فقد أحلوا التداوى بالخمور ، وأحلوا الغناء والموسيقى ، وأحلوا الربا ، ونشروا عبادة الأوثان ، وتحاكموا إلى الطاغوت ، فانتشر الشرك ، وكثرت الفرق ، وتفرقت كلمة المسلمين ، حتى عادت الجاهلية الأولى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتقارب الزمان ، ويقبض **العلم**، وتظهر الفتن ، ويلقى الشح ، ويكثر الهرج . رواه مسلم .
قال ابن بطال : وجميع ما تضمنه الحديث من الأشراط قد رأيناه عيانا ، فقد نقص العلم، وظهر الجهل ، وألقى الشح فى القلوب ، وعمت الفتن وكثر القتل .رواه مسلم (1)
قال ابن حجر تعقيبا على قول ابن بطال : الذي يظهر أن الذى شاهده كان منه الكثير، مع وجود مقابلة ، والمراد من الحديث استحكام ذلك ، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر ، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم ، فلا يبقى إلا الجهل الصرف ، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم ، لأنهم يكونون حينئذ مغمورين فى أولئك . (2)
قال الذهبى : وأما اليوم فما بقى من العلوم القليلة إلا القليل ، فى أناس قليل ، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
وإذا كان هذا فى عصر الذهبى ، فما حال زماننا هذا ، فإنه كلما بعد الزمان من عهد النبوة ، قل العلم وكثر الجهل ، فالصحابة هم أعلم الأمة ثم التابعين ثم بقية الثلاثة المشهود لها بالخير .
__________
(1) فتح البارى 13/16
(2) فتح البارى 13/16(1/5)
ولا يزال العلم ينقص والجهل يكثر ويزداد حتى لا يعرف الناس فرائض الإسلام ، كما جاء فى حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يدرس الإسلام كما يدرس وشى الثوب ، حتى لا يدرى ما صيام ، ولا صلاة ، ولا نسك ولا صدقة ، ويسرى على كتاب الله فى ليلة فلا يبقى فى الأرض منه آية ... الحديث ، و سيأتى فى العلامات الكبرى إن شاء الله .
قال ابن تيمية : يُسرى به آخر الزمان من المصاحف والصدور ، فلا يبقى منه كلمة ، ولا فى المصاحف منه حرف ( مجموع الفتاوى 3/198)
بل سيجيء وقت لا يذكر اسم الله فيه كما جاء فى حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض الله ، الله . رواه مسلم و سيأتى فى العلامات الكبرى .
2- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
عن أبى بكر رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه . رواه ابن ماجه (1)
أى إذا سكتوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، عمهم الله بعقاب ، ثم بعثوا على أعمالهم ، وأما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقا ، لا يرسل الله عليهم العذاب **{وما كنا مهلكى القرى إلا وأهلها ظالمون}**...**{وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}**. ويدل على تعميم العذاب بمن لم ينه عن المنكر ،وإن لم يتعاطاه قول الله تعالى " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذاً مثلهم "ويستفاد من هذا مشروعية الهرب من الكفار ومن الظلمة ، لأن الإقامة معهم إلقاء النفس إلى التهلكة .هذا إذا لم يُعِنْهم ولم يرض بأفعالهم ، فإن أعان أو رضى فهو منهم .
قال مالك : ينبغى للناس أن يغضبوا لأمر الله تعالى فى أن تنتهك فرائضه وحرمه ، والذى أتت به كتبه وأنبياؤه .
__________
(1) ابن ماجه 4005 ( الصحيحة 1564 )(1/6)
قال ابن العربى : قال شيخى : لم أر للخلاص طريقاً أقرب من طريقين : إما أن يغلق المرء على نفسه بابه ، وإما أن يخرج إلى موضع لا يعرف فيه . فإن اضطر إلى مخالطة ، فليكن معهم ببدنه وليفارقهم بقلبه ولسانه .
قال ابن حجر : وفى الحديث تحذير وتخويف عظيم لمن سكت عن النهى ، فكيف بمن داهن فكيف بمن رضى ، فكيف بمن أعان ، نسأل الله العافية والسلامة
وقال القرطبى : إن الناس إذا تظاهروا بالمنكر ، فمن الفرض على من رآه أن يغيره إما بيده ، فإن لم يقدر فبلسانه ، فإن لم يقدر بقلبه ، ليس عليه أكثر من ذلك .
قال العلماء : يكون إهلاك جميع الناس عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصى فيكون طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسقين لقوله عليه الصلاة والسلام ثم بعثوا على نياتهم .
عن أبى أمية الشعبانى قال : قلت يا أبا ثعلبة : كيف تصنع فى هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال : أما والله لقد سألتَ عنها
خبيراً سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ، وهوى متبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذى رأى برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن كالقبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم .
رواه أبو داود و الترمذى (1)
ائتمروا : امتثلوا .... تناهوا : انتهوا واجتنبوا .
شحا مطاعا : بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك .
دنيا : المال والجاه فى الدار الدنية . .... مؤثرة : مختارة على أمور الدين .
عليك بخاصة نفسك : حفظها من المعاصى ...
دع العوام : أترك أمر عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الدال على الخير كفاعله .
__________
(1) أبو داود 4341 - الترمذى 3058 (صحيح لغيره بغوى 4156 )(1/7)
رواه الترمذى (1)
لا عانته عليه ، فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه ، و إلافله ثواب دلالته .
عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان .رواه مسلم (2)
عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَثَلُ المُدْهِن فى حدود الله ، "وفى رواية"القائم على حدود الله" والواقع فيها ، مثلُ قوم استهموا سفينة فصار بعضهم فى أسفلها ، وصار بعضهم فى أعلاها ، فكان الذين فى أسفلها يمرون بالماء على الذين فى أعلاها فتأذَّوْا به ، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتْوه فقالوا : مالك؟
قال : تأذيتم بى ولابد لى من الماء ، فإن أخذوا على يديه أنجْوه ونَجَّواْ أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم . رواه البخارى (3)
المدهن : المحابى والمتساهل الذى يضيع الحقوق ، والذى لا يغير المنكر و يرائى .
استهموا : اقترعوا فأخذ كل واحد منهم سهماً أى نصيباً من السفينة بالقرعة . وهذا دليل من السنة على العمل بالقرعة .
تأذوا : أى بالمار عليهم بالماء حالة السقى .. فإن أخذوا على يديه : منعوه من الحفر .
ينقر : يحفر فى الخشب .
الناس ثلاثة فى حدود الله الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع فى حدود الله ، والمنكر وهو القائم ، والساكت مداهن . وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه ، وإلا هلك العاصى بالمعصية ، والساكت بالرضا بها .
والحديث يفيد : أن تعذيب العامة يكون بذنب الخاصة ، ولكن التعذيب للعامة إذا وقع فى الدنيا فإنه يكفر ذنوبهم أو يرفع درجاتهم .
وفى الحديث أيضا استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف ، ووجوب الصبر على أذى الجار إذا خشى وقوع ما هو أشد ضرراً .
__________
(1) الترمذى 2670 (صحيح - الصحيحة 1160)
(2) مسلم 49
(3) فتح البارى2686(1/8)
عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً رواه احمد (1)
شريطته : أهل الخير والدين .... عجاجة : العجاج :الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه.
عن أسامة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجاء برجل فيطرح فى النار ، فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه ، فَيُطيِف به أهلُ النار فيقولون : أى فلان ، ألست كنتَ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول : إنى كنتَ آمر بالمعروف ولا أفعله ، وأنهى عن المنكر وأفعله . رواه البخارى ومسلم (2)
يطيف به أهل النار : يجتمعون حوله .
3- ذهاب الصالحين
ومن أشراطها ذهاب الصالحين وقلة الأخيار وكثرة الأشرار حتى لا يبقى إلا شرار الناس وهم الذين تقوم عليهم الساعة .
1- عن مرداس الأسلمى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب الصالحون الأول فالأول ، ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله باله . رواه البخارى (3)
حفالة الشعير أو التمر : رذالته ومثلها الحثالة .وهى الرديء من كل شيء .أى آخر ما يبقى من الشعير أو التمر وما يتساقط من قشور التمر والشعير وغيرهما .
لا يبالهم الله باله : لا يرفع لهم قدراً ، ولا يقيم لهم وزناً.عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( يأتى على الناس زمان يغربلون فيه غربلة يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم فكانوا هكذا "وشبك بين أصابعه " ) رواه أحمد (4)
الحثالة : الردىء من كل شيء .
__________
(1) المسند2/210 (صحيح المسند 6965 )
(2) فتح البخارى 7098 -مسلم 2989 )
(3) فتح البارى 6434
(4) المسند 2/220 (صحيح المسند 7049 )(1/9)
وذهاب الصالحين يكون عند كثرة المعاصى ، وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فإن الصالحين أذا رأوا المنكر ولم يغيروه ، وكثر الفساد ، عمهم العذاب مع غيرهم إذا نزل، كما جاء فى حديث البخارى لما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم : (نعم إذا كثر الخبث) رواه البخارى (1)
3-عن الحسن أن النبى صلى الله عليه وسلم : قال لعبد الله بن عمرو : كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت فى حثالة من الناس ؟ مرجت عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا هكذا ، وشبك بين أصابعه ، قال : فكيف ترى يا رسول الله ؟ قال : تعمل بما تعرف وتدع ما تنكر ، وتعمل بخاصة نفسك وتدع عوام الناس . رواه ابن حبان (2)
وعند أبى داود : ألزم بيتك ، وأملك عليك لسانك .
أى يأخذ الله أهل العلم والدين ويبقى غوغاء الناس وأراذلهم ومن لا خير فيهم وهذا عند قبض العلم واتخاذ الناس رؤوساً جهالاً يفتون بغير علم .
4- التماس العلم عند الأصاغر
عن أبى أمية الجمحى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( إن من أشراط الساعة : أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) رواه ابن المبارك (3)
وسئل الأمام عبد الله بن المبارك عن الأصاغر فقال : ( الذين يقولون برأيهم ، فأما صغير يروى عن كبير فليس بصغير)
وقال : ( أتاهم العلم من قبل أصاغرهم يعنى : أهل البدع )" حاشية الزهد صـ31 "
عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : (لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم ، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم ، وتفرقت أهواؤهم هلكوا )(كتاب الزهد لابن المبارك صـ281 ح 815)
5- ارتفاع الأسافل
__________
(1) فتح البارى 3346
(2) ابن حبان 1849 (الصحيحة 206 )
(3) الزهد 61 (كنز العمال 38425 ( الصحيحة 695 )(1/10)
ومن أشراط الساعة ارتفاع أسافل الناس عن خيارهم ، واستئثارهم بالأمور دونهم، فيكون أمر الناس بيد سفهائهم وأراذلهم ومن لا خير فيهم ، وهذا من انعكاس الحقائق وتغير الأحوال .
وهذا أمر مشاهد فى هذا الزمن ، فترى أن كثيراً من رءوس الناس وأهل العقد والحل ، هم أقل الناس صلاحاً وعلماً ، مع أن الواجب أن يكون أهل الدين والتقى هم المقدَّمون على غيرهم فى تولِّى أمور الناس ، لأن أفضل الناس وأكرمهم هم أهل الدين والتقوى ، كما قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات : 13 )
ولذلك لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم : يولى الولايات وأمور الناس **إلا مَنْ هُمْ أصلح ** الناس وأعلمهم ، وكذلك خلفاءه من بعده ، والأمثلة على ذلك كثيرة منها حديث حذيفة أن النبى صلى الله عليه وسلم: قال لأهل نجران : لأ بعثن إليكم رجلاً أميناً حق أمين) فاستشرف له الناس فبعث أبا عبيدة بن الجراح . رواه البخارى (1)
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها ستأتى على الناس سنون خداعة ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويُخُوُّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل وما الرويبضة ؟ قال : السفيه يتكلم فى أمر العامة . رواه أحمد وابن ماجه (2)
سنوات خداعات : تكثر فيها الأمطار ويقل الريع .
الرويبضة : الفاجر الذى قعد عن طلب معالى الأمور وهو الرجل التافه الذى يتكلم فى مصالح الناس وشئونهم ، وفى حديث جبريل الطويل قوله ( ولكن سأحدثك عن أشراطها ...... وإذا كان العراة الحفاة رءوس الناس فذاك من أشراطها ) رواه مسلم
وفى حديث جبريل:وإذا كان العراة الحفاة رءوس الناس،فذلك من أشراطها.رواه مسلم
و سيأتى وفى الصحيح ( إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ) رواه البخارى (3)
__________
(1) فتح البارى 4381
(2) المسند 2/291 ابن ماجه 4036 ( حسن - الصحيحة 1887 )
(3) فتح البارى 6496(1/11)
عن حذيفة بن اليمان عن النبى صلى الله عليه وسلم : قال ( لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا **لكع ابن** لكع ) رواه أحمد و الترمذى (1)
أسعد : أكثرهم مالا ، وأطيبهم عيشاً ، وأرفعهم منصباً ، وأنفذهم حكماً
اللكع : لئيم الأصل والنفسية ، وهو العبد الأحمق واللئيم بن اللئيم ، ردىء النسب ردىء الحسب ، لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق . ويطلق على الصغير ، إذا أطلق على الكبير أريد به صغير العلم والعقل . ( النهاية 4/268 )
وقد حدث هذا فى أغلب بقاع الأرض ، فالرجل يكذب وينافق ويخادع ويخون حتى يصير ذا منصب كبير ، فيكون بذلك سيد الناس وأسعدهم .
قال فى فيض القدير : ويراد باللكع من لا يعرف له أصل ، ولا يحمد له خلق من الأسافل والرعاع .
إذا التحق الأسافل بالأعالى ... فقد طابت منادمة المنايا
وهذا هو الواقع بين المسلمين فى هذا العصر يقولون للرجل : ما أعقله ما أحسن خلقه ، ويصفونه بأ بلغ الأوصاف الحسنة ، وهو من أفسق الناس ، وأقلهم ديناً وأمانة ، وقد يكون عدواً للمسلمين ، ويعمل على هدم الاسلام فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
6-التحية للمعرفة
ومن أشراط الساعة أن الرجل لا يلقى السلام إلا على من يعرفه .
عن أبن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة ) رواه أحمد (2)
وفى رواية له : (إن بين يدى الساعة تسليم الخاصة ) رواه أحمد (3)
__________
(1) المسند 5/389 -الترمذى 2209 (صحيح الترمذى 1799 )
(2) المسند 1/406 - 1/405 (صحيح الجامع 5772 )
(3) المسند 1/407 ( صحيح المسند3870 )(1/12)
وهذا أمر مشاهد فى هذا الزمن فكثير من الناس لا يسلّمون إلا على من يعرفون ، وهذا خلاف السنة ، فإن النبى صلى الله عليه وسلم : حث على إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف ، وأن ذلك **يسبب انتشار** المحبة بين المسلمين التى هى سبب للإيمان الذى به يكون دخول الجنة .
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم . رواه مسلم (1)
7-كثرة التجارة
ومن أشراط الساعة كثرة التجارة وفشوها بين الناس حتى تشارك النساء فيها الرجال .
عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : بين يدى الساعة تسليم الخاصة ، وتفشو التجارة ، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وتُقْطَع الأرحام .
رواه أحمد (2)
عن عمرو بن تغلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أشراط الساعة أن يفشوا المال ويكثر ، وتفشوا التجارة ) . رواه النسائى (3)
وقد وقع هذا فكثرت التجارة ، وشاركت فيها النساء ، وافتتن الناس بجمع المال ، وتنافسوا فيه .
وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم : أنه لا يخشى على هذه الأمة الفقر ، وإنما يخشى عليها أن تبسط عليهم الدنيا ، فيقع بينهم التنافس ، ففى الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام ( والله ما الفقرَ أخشى عليكم ، ولكنى أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم ) .
رواه البخارى ومسلم (4)
فالمنافسة على الدنيا تجر إلى ضعف الدين ، وهلاك الأمة ، وتفرق كلمتها ، كما هو واقع الآن .
8-تقارب الأسواق
__________
(1) مسلم 54
(2) المسند 1/419 ( صحيح المسند 3982 )
(3) النسائى 7/244 (صحيح النسائى 4150 )
(4) فتح البارى 4015 مسلم 2961(1/13)
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ) رواه أحمد (1)
قال الشيخ محمود التويجرى : وأما تقارب الأسواق ، فقد جاء تفسيره فى معنى حديث ضعيف بأنه كسادها ، وقلة أرباحها ، والظاهر والله أعلم ، أن ذلك إشارة إلى ما وقع فى زماننا من تقارب أهل الأرض ، بسبب المراكب الجوية والأرضية والآلات الكهربائية التى تنقل الأصوات ،كالإذاعات والتليفونات الهوائية التى صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها، فلا يكون تغيير فى الأسعار فى قطر من الأقطار إلا ويعلم به التجار أو غالبهم فى جميع أرجاء الأرض فيزيدون فى السعر إن زاد ، وينقصون إن نقص ، ويذهب التاجر فى السيارات إلى أسواق المدائن التى تبعد عنه مسيرة أيام ، فيقضى حاجته منها ، ثم يرجع فى يوم أو بعض يوم ويذهب فى الطائرات إلى أسواق المدائن التى تبعد عنه مسيرة شهر فأكثر ، فيقضى حاجته منها ، ويرجع فى يوم أوبعض يوم .( **إتحاف** الجماعة 1/498 )
فقد تقاربت الأسواق من ثلاثة أوجه :
الأول : سرعة العلم بما يكون فيها من زيادة السعر ونقصانه.
الثانى : سرعة السير من سوق إلى سوق ، ولو كانت مسافة الطريق بعيدة جداً .
الثالث : مقاربة بعضها بعضاً فى الأسعار ، واقتداء بعض أهلها ببعض فى الزيادة والنقصان .والله أعلم .
9-كثرة شرب الخمر
ظهر فى هذه الأمة شرب الخمر ، وتسميتها بغير اسمها ، و الأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها وهذا من أمارات الساعة .
عن أبى موسى الأشعرى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليكونن فى أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف . رواه البخارى تعليقاً (2)
__________
(1) المسند 2/519 (صحيح المسند 10735 )
(2) فتح البارى 4/30 وصله البيهقى 10/221 (صحيح - الصحيحة 91 )(1/14)
عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا .
رواه البخارى ومسلم (1)
عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها إياه ) رواه أحمد (2)
فقد أطلق على الخمر أسماء كثيرة ، حتى سميت بـ (المشروبات الروحية) . ونحو ذلك .
**وفسر ابن** العربى استحلال الخمر بتفسيرين :
الأول : اعتقاد حل شربها .
الثانى : أن يكون المراد بذلك **الاسترسال** فى شربها ،كالاسترسال فى الحلال
وأعظم من ذلك بيعها جهاراً ، وشربها علانية فى بعض البلدان الإسلامية ، وانتشار المخدرات انتشاراً عظيماً لم يسبق له مثيل ، مما ينذر بخطر عظيم ، وفساد كبير ، والأمر لله من قبل ومن بعد .
عن أبى مالك الأشعرى عن النبى صلى الله عليه وسلم : قال ليشربن أناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير . رواه ابن ماجه (3)
والمسخ على حقيقته وهو القول الأرجح كما وقع للأمم السالفة ، ويحتمل أن يكون كنايه عن تبدل أحلامهم .
يسمونها بغير اسمها : أى يبدلون اسمها ليبدلوا بذلك حكمها : ويستترون فى شربها بأسماء الأنبذة . كماء العسل وماء الذرة ونحو ذلك ، ويزعمون أنه غير محرم
قال عمر رضى الله عنه : نزل تحريم الخمر يوم نزل وهى من خمسة أشياء : من العنب والتمر والعسل والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل .
__________
(1) فتح البارى 80 -مسلم 2671
(2) المسند 5/318 (الصحيحة 90 )
(3) ابن ماجه 4020 (صحيح ابن ماجه 3247(1/15)
قال الألبانى فى السلسلة الصحيحة 91 : وفى هذا الحديث - حديث أبى موسى وعيد شديد على من يتحيل فى تحليل ما يحرم بتغيير اسمه وأن الحكم يدور مع العلة ، والعلة فى تحريم الخمر الإسكار ، فمهما وجد الإسكار وجد التحريم ، ولو لم يتغير الاسم .
10- ظهور المعازف
عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليكونن فى أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) رواه البخارى تعليقا وقد مضى فى (كثرة شرب الخمر )
**يستحلون** : فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هى فى الشرع محرمة ، فيستحلها أولئك القوم . المعازف : آلات الملاهى كالعود والطنبور ويطلق على الغناء عزف، وعلى كل لعب عزف .
**الحِرّ** : الفرج والمراد به الزنا .
قرن المعازف مع المقطوع حرمته كالزنا والخمر ، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها
اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها .
قال الألبانى فى السلسلة الصحيحة 91
ولا تغتر أيها القارىء الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهه من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى ، فإنهم والله عن تقليد **يفتون** ، ولهوى الناس اليوم ينصرون ، ومن يقلدون ؟ إنما يقلدون ابن حزم الذى أخطأ فأباح آلات الطرب و الملاهى ، لأن حديث أبى مالك الأشعرى لم يصح عنده ، وقد عرفت أنه صحيح قطعاً .
ثم قال : وليت شعرى ما الذى حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة ، مع أنهم أفقه منه وأعلم وأكثر عدداً أو أقوى حجة .
ثم قال : ولكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا فى أقوال العلماء فيها ، ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة ، دون أن ينظروا موافقة ذلك ، للدليل من الكتاب والسنة . وكم شرعوا للناس بهذه الطريقة أموراً باسم الشريعة الإسلامية ، ويبرأ الإسلام منها ، فإلى الله المشتكى .(1/16)
فأحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك ، وسنة نبيك ، ولا تقل : قال فلان ، فإن الحق لا يعرف بالرجال ، بل اعرف الحق تعرف الرجال . اهـ
وهذه العلامة قد وقع شىء منها فى العصور السابقة ، وهى الآن أكثر ظهوراً فقد ظهرت المعازف فى هذا الزمان ، وانتشرت **انتشاراً** عظيماً وكثر المغنون والمغنيات
وأعظم من ذلك استحلال كثير من الناس للمعازف ، وقد جاء الوعيد لمن فعل ذلك بالمسخ والقذف والخسف كما جاء فى بعض الأحاديث .
كحديث عمران عند الترمذى : بين يدى الساعة مسخ وخسف وقذف : فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك ؟ قال : إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور . (الصحيحة 1787 )
وكحديث أبى مالك الأشعرى السابق فى كثرة شرب الخمر
وقد انتشر فى هذا الزمان الجرس وهو كالمعازف من مزامير الشيطان
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الجرس مزامير الشيطان .
رواه مسلم (1)
والجرس : الجلجل لأن صوته شاغل عن الذكر والفكر : والجرس ما يعلق بعنق الدابة وغيره فيصوت ، لأنه شبيه بالنواقيس ، والجرس الصوت .
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس . رواه مسلم (2)
فيكره الجرس عند الشافعى ومالك .
11- انتشار الربا
ومن أشراط الساعة ظهور الربا وانتشاره بين الناس ، وعدم المبالاة بأكل الحرام
عن ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : بين يدى الساعة يظهر الربا والزنا والخمر . رواه الطبرانى (3)
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ليأتين على الناس زمان لا يبالى المرء بما أخذ المال ، أمن الحلال أم من حرام " . رواه البخارى (4)
__________
(1) مسلم 2114
(2) مسلم 2113
(3) مجمع الزوائد 4/118 (وقال رجاله رجال الصحيح )
(4) فتح البارى 2083(1/17)
وهذا الحديث ينطبق على كثير من المسلمين فى هذا الزمن ، فتجدهم لا يتحرون الحلال فى المكاسب بل يجمعون المال من الحلال والحرام ، وأغلب ذلك بدخول الربا فى معاملات الناس ، فقد انتشرت المصارف المتعاملة بالربا ، ووقع كثير من الناس فى هذا البلاء العظيم .
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا تبايعتم **بالعِيْنَة** : وأخذتم أذناب البقر : ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم . رواه أبو داود (1)
العينة : أن يبع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلم إلى المشترى ، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن أقل مما باع به وينقده الثمن .
قال الجوهرى : العينة السلف .
وقال فى القاموس : التاجر باع **سلعته** بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن اهـ .
قال الرافعى : وبيع العينة هو أن يبع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشترى ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر .اهـ
وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة : مالك و أبو حنيفة و أحمد وابن القيم وجوز ذلك الشافعى وأصحابه كذا فى النيل .
أخذتم أذناب البقر :صاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون الخيل التى هى أعز مكان .
رضيتم بالزرع : أى بكونه همتكم أى حمل هذا على الاشتغال بالزرع فى زمن يتعين فيه الجهاد .
سلط الله عليكم ذلا : صغاراً ومسكنة ، ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل عام
سنة لملاك الأرض ، وسبب هذا الذل أنهم لما تركوا الجهاد فى سبيل الله الذى فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين .
حتى ترجعوا إلى دينكم : **الاشتغال** بأمور دينكم .
12-ظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار
__________
(1) أبو داود 3462 (الصحيحة11 )(1/18)
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة ) . رواه أحمد (1)
الفحش : هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب و المعاصى .
عن عبد الله بن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( إن بين يدى الساعة تسليم الخاصة ، **وفشوّ** التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وشهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق ، وظهور القلم ) . رواه أحمد (2)
وقد وقع ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم فانتشر الفحش بين كثير من الناس ، غير مبالين بالتحدث بما يرتكبون من معاصى ، وما يترتب عليه من عقاب شديد ، وقطعت الأرحام ، فالقريب لا يصل قريبه بل حصل بينهم التقاطع و التدابر ، فتمر الشهور والسنون وهم فى بلد واحد ، فلا يتزاورون ، ولا يتواصلون ، وهذا لاشك أنه من ضعف الإيمان فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على صلة الرحم وحذر من قطيعتها .
وعن جبير بن مطعم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة قاطع رحم )
رواه مسلم (3)
وأما سوء الجوار فحدث عنه ولا حرج ، فكم من جار لا يعرف جاره ولا يتفقد أحواله، ليمد يد العون إليه إن احتاج ، بل ولا يكف شره عنه وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أذى الجار فقال : (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يؤذى جاره ) رواه مسلم (4)
وأمر بالإحسان إلى الجار فقال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره. رواه مسلم (5)
وقال عليه الصلاة والسلام (مازال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )
رواه مسلم (6)
__________
(1) المسند 2/162 ( صحيح المسند 6514 )
(2) المسند 1/407 (صحيح المسند 3870 )
(3) مسلم 2556
(4) مسلم 47
(5) مسلم 48
(6) مسلم 2625(1/19)
عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أشراط الساعة : الفحش و التفحش ، وقطيعة الرحم ، وتخوين الأمين ، وائتمان الخائن ) رواه الطبرانى (1)
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت : هذا مقام العائذ من القطيعة ، قال : نعم ، أما ترضْين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذاكِ لك . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقرأوا إن شئتم : **{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} ، {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}** . رواه مسلم (2)
عن أبى هريرة أن رجلاً قال : يا رسول الله ، إن لى قرابة ، أصلهم و يقطعونى ، وأحسن إليهم ويسيئون إلىّ ، وأحلم عنهم ويجهلون على ، فقال لئن كنت كما قلت ، فكأنما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك . رواه مسلم (3)
يجهلون على : يسيئون .... المل : الرماد الحار ... ظهير : معين ودافع لأذاهم .
13-كثرة الكذب
عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (سيكون فى آخر أمتى أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم )رواه مسلم (4)
وفى رواية : (يكون فى آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لا تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم )رواه مسلم (5)
عن عامر بن عَبَدَة قال : قال عبد الله (أن الشيطان ليتمثل فى صورة الرجل فيأتى القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب ، فيتفرقون فيقول الرجل منهم : سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدرى ما اسمه يحدث) رواه مسلم (6)
__________
(1) الطبرانى فى الأوسط " مجمع الزوائد7/284 " ( الصحيحة 2290 )
(2) مسلم 2554
(3) مسلم 2558
(4) مسلم 6
(5) مسلم 7
(6) مسلم 7(1/20)
عن عبد الله بن عمرو قال : (إن فى البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ) رواه مسلم (1)
قال النووى : (معناه : تقرأ شيئاً ليس بقرآن وتقول : إنه قرآن **لِيَغْتَرَّ به** عوام الناس فلا يغترون ) (شرح النووى لمسلم 1/80 )
وما أكثر الأحاديث الغريبة فى هذا الزمان ، فقد أصبح بعض الناس لا يتورع عن كثرة الكذب ، ونقل الأقوال بدون تثبت من صحتها ، وفى هذا إضلال للناس وفتنة لهم ، ولهذا حذر النبى صلى الله عليه وسلم من تصديقهم ، وقد جعل علماء الحديث هذه الأحاديث أصلا فى وجوب التثبت من نقل الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمحيص الرواة لمعرفة الثقة من غيره ، وبسبب كثرة كذب الناس فى هذا الزمان ، صار الإنسان لا يميز بين الأخبار فلا يعرف صحيحها من سقيمها .
14-كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق
عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بين يدى الساعة تسليم الخاصة و فشو التجارة حتى تعين المرأه زوجها على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان **شهادة** الحق وظهور القلم ) رواه أحمد (2)
**وشهادة الزور هى الكذب متعمداً فى الشهادة** ، فكما أن شهادة الزور سبب لإبطال الحق ، فكذلك كتمان الشهادة سبب لإبطال الحق .
قال الله تعالى : (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه )(البقرة 283)
وعن أبى بكرة قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر "ثلاثا" ؟ الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور ـ أو قول الزور ـ وكان متكئاً فجلس فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت )رواه البخارى ومسلم (3)
وما أكثر شهادة الزور وكتمان شهادة الحق فى هذا الزمن .
__________
(1) مسلم 7
(2) المسند 1/407 (صحيح المسند )
(3) فتح البارى 2654 - مسلم 87(1/21)
ولعظم خطرها قرنها النبى صلى الله عليه وسلم : بالشرك ، وعقوق الوالدين ، فإن شهادة الزور سبب للظلم ، والجور ، وضياع حقوق الناس فى الأموال والأعراض ، وظهورها دليل على ضعف الإيمان ، وعدم الخوف من الرحمن .
15-السلطان وأعوانه
عن أبى هريرة قال : قال صلى الله عليه وسلم : من بدا جفا ، ومن اتَّبع الصيد غفل ، ومن أتى أبواب السلطان افتتن ، وما ازداد عبد من السلطان قرباً إلا **ازداد** من الله بعداً . رواه **أحمد** (1)
من بدا جفا : من سكن البادية صار فيه جفاء الأعراب .
ومن اتبع الصيد غفل : ومن شغله الصيد غفل .
- عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فليس منى ولست منه ولن يرد على الحوض . رواه أحمد (2)
- عن أبى أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيكون رجال من أمتى يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ، ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون فى الكلام ، فأولئك شرار أمتى . رواه الحاكم (3)
الأشداق : جوانب الفم ، والمتشدقون : المتوسعون فى الكلام من غير احتياط واحتراز وقيل المتشدق هو **المستهزئ** بالناس يلوى شدقه بهم وعليهم .
- عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فمن أدرك ذلك منكم ، فلا يكونن : عريفاً ، ولا شرطياً ، ولا جابياً ، ولا خازناً . رواه ابن حبان (4)
العريف : الرئيس أو النقيب الذى يرأس فرقة أو مجموعة .
الشرطى : صاحب الشرطة أو الكتيبة فى الحرب أو البوليس أو المخابرات . وهو الجندى الذى يقوم بحراسة الأمن وتنفيذ أحكام الولاة .
__________
(1) المسند 2/371 (صحيح الصحيحة 1272 )
(2) المسند 2/95 (صحيح الجامع 5702)
(3) المستدرك 3/568 (صحيح الصحيحة 1891 )
(4) ابن حبان 1558 (صحيح الصحيحة 360 )(1/22)
الجابى : الذى يجمع الأموال كالضرائب ويحصل التذاكر وغيره،والجامع للخراج ونحوه
الخازن : الذى فى حيزته عهدة ، الحافظ لبيت المال وأميناً عليه .
وهذه الأربعة تشمل معظم الوظائف .
والمعنى : لا تكن حارساً فلا تعدل ، وجندياً فتظلم .
وشرطة السلطان : نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده .
وفيه الحث على العدل والأمانة والصدق ، وخوف الله دائماً .و التنحى عن رياسة العمل . وقد حدث تأخير الصلاة فى دولة بنى أمية ، وهذا مع الحكام الظلمة
- عن أبى أمامة الباهلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لَيُنْقَضَنَّ عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انقضت عروة ، تشبث الناس بالتى تليها ، فأولهن نقضا الحكم، **وآخرهن** الصلاة .رواه أحمد والحاكم وابن حبان (1)
تنقضن : أى تنحل . عرى الإسلام : ما يتمسك به من أمر الدين . تشبث : تعلق .
- عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخره الصلاة ، رواه الخرائطى (2)
- عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله . رواه الترمذى (3)
عن عابس الغفارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بادروا بالأعمال خصالاً ستاً : إمْرة السفهاء وكثرة الشرط ، وقطيعة الرحم ، وبيع الحكم ، واستخفافاً بالدم ، ونشواً يتخذون القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليس بأ فقهم ولا أعلمهم ، ما يقدمونه إلا ليغُنِّيهم . رواه أحمد والطبرانى (4)
إمرة السفهاء : ولايتهم على الرقاب لما يحدث منهم من العنف والطيش وبكثرتهم يكثر الظلم
__________
(1) المسند 5/251 -الحاكم 4/92 (صحيح الجامع 3873 )
(2) مكارم الخلاق صـ 28 ( الصحيحة 1739 )
(3) الترمذى 2229 (صحيح -الصحيحة 2441 )
(4) المسند 3/494 -الطبرانى 3/443 (**صحيح** الجامع 2812 -الصحيحة 979 )(1/23)
السفيه : ناقص العقل : كثرة الشرط أى كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم يكثر الظلم . ......... بيع الحكم : بأخذ الرشوة
استخفافا بالدم : أى بحقه بأن لا يقتص من القاتل .
قطيعة الرحم : أى القرابة بإيذائه أو عدم إحسان أو هجر وإبعاد .
يتخذون القرآن مزامير : أى قراءته يتغنون بها .
ويأتون به بنغمات مطربة ، وقد كثر ذلك فى هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهى بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها .
يقدمون أحدهم ليغنيهم : أى يقدمون الناس الذين هم أهل ذلك الزمان ليغنيهم بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات .
عن أبى هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يوشك إن طالت بك مدة ، أن ترى قوماً فى أيديهم مثل أذناب البقر ، يغدون فى غضب الله ، ويروحون فى سخط الله . رواه مسلم (1)
الشرطة هم نخبة أصحاب السلطان الذين يقدمهم على سائر الجند .
3-عن ابن مسعود قال : قال صلى الله عليه وسلم : سيلى أموركم بعدى رجال يطفئون السنة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت يا رسول الله : إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألنى يا ابن أم عبد كيف أفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله ) رواه أحمد (2)
4-عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم أمتى تهاب الظالم أن تقول له : إنك الظالم فقد تودع منهم . رواه أحمد (3)
5-عن حذيفة قال : قال صلى الله عليه وسلم : يكون بعدى أئمة لا يهدون بهداى ، ولا يستنون بسنتى ، وسيقوم فيهم رجال ، قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس قال : قلت : كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضُرب ظهركَ وأُخُذ مالك ، فاسمع وأطع .رواه مسلم (4)
__________
(1) مسلم 2857
(2) المسند 1/399 ابن ماجه 2865 (صحيح الجامع 3557
(3) المسند 2/163 -المستدرك 4/96 (صحيح المسند 2521 )
(4) مسلم 1847(1/24)
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويل للأمراء ، ويل للعرفاء ، ويل للأمناء ، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن نواصيهم معلقة بالثريا ، يتجلجلون بين السماء والأرض ، وأنهم لم يلوا عملاً. رواه أحمد والحاكم وابن حبان (1)
الأمراء : الحكام الظلمة الذين لا يعدلون ولا يخافون الله .
العرفاء : العريف وهو النقيب أى دون الرئيس فى العمل .
الأمناء : الذين تسند لهم الأشياء ليحفظوها ، ولا يقومون بأدائها كاملة .
نواصيهم : شعور رءوسهم .
الثريا : نجم فى السماء ، أى يودون أن يعلقوا ويعذبوا فى الدنيا ولا يعذبون فى الآخرة
يتجلجلون : يصعدون وينزلون ويتحركون ولا يثبتون على حال .
لم يلوا عملاً : لم يسند لهم عمل يقومون فيه بالعدل والأمانة بمعنى أنهم بعدوا عن الرياسة .
عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون فى آخر الزمان شرطة، يغدون فى غضب الله ، ويروحون فى سخط الله . رواه أحمد و الطبرانى (2)
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا بد للناس من عريف والعريف فى النار . رواه أبو نعيم فى أخبار أصبهان (3)
العرافة : فيها مصلحة للناس ولكن التحذير من التعرض للرياسة و التأمر على الناس، لأنه إذا لم يقم بحقه ولم يؤد الأمانة فيه أثم واستحق العقوبة ، وخيف عليه من دخول النار .
عن عبد الله بن أبى أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال : اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) رواه البخارى (4)
__________
(1) المسند 2/352-المستدرك 4/91 ابن حبان 1559 (حسن شرح السنة 2468 )
(2) المسند 5/250 -المستدرك4/436 الطبرانى 8000 (صحيح الجامع 8153 )
(3) أخبار أصبهان 2/148 وانظر سنن أبى داود 2934 (صحيح الصحيحة 1417)
(4) فتح البارى 3024(1/25)
عن أبى محجن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخاف على أمتى من بعدى ثلاث : حيف الأئمة ، و إيماناً بالنجوم ، وتكذيباً بالقدر ) رواه ابن عساكر (1)
حيف : جور وظلم .
عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم : ( من كره من أميره شيئاً فليصبر ، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية) . رواه البخارى (2)
من خرج من السلطان : أى من طاعته
فليصبر : يعنى فليصبر على ذلك المكروه ولا يخرج عن طاعته لأن فى ذلك حقن للدماء ، وتسكين للفتنة ، إلا أن يكفر الإمام ويظهر خلاف دعوة الإسلام فلا طاعه لمخلوق عليه ، وفيه دليل على أن السلطان لا ينعزل بالفسق والظلم ، ولا تجوز منازعته فى السلطنة بذلك .
شبراً : أى قدر شبر وهو كناية عن خروجه ، ولو كان بأدنى شىء .
ميتة جاهلية : كموت الجاهلية حيث لم يعرفوا إماماً مطاعاً ، وليس المراد أن يموت كافراً ، بل أنه يموت عاصياً.
عن عبادة بن الصامت (قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا و مكرهنا وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) رواه البخارى (3)
منشطنا : فى حالة نشاطنا
أثرة علينا : استئثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بأنفسهم ، فعليهم الطاعة ولو منعهم حقهم
الأمر : الملك والإمارة .
كفراً بواحاً : منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام ، عند ذلك يَجوز المنازعة بالإنكار عليهم .
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون أمراء ، تعرفون وتنكرون ، فمن نابذهم نجا ، ومن اعتزلهم سلم ، ومن خالطهم هلك .
رواه الطبرانى ومسلم عن أم سلمة (4)
__________
(1) ابن عساكر (صحيح -الصحيحة 1127 )
(2) فتح البارى 7053
(3) فتح البارى 7056
(4) مسلم 1854( صحيح الجامع 3661 )(1/26)
عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(ستكون أمراء ، فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف برىء ، ومن أنكر سَلِم ، ولكن من رضى وتابع . قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال لا . ما
صلوا ) .رواه مسلم (1)
هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل ، ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم .
فمن كره برىء : من كره ذلك المنكر فقد برىء عن إثمه وعقوبته ، وهذا فى حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه ويبرأ .
فمن عرف برىء : فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه .
من رضى وتابع : ولكن الإثم والعقوبة على من رضى وتابع ، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت ، بل وإنما يأثم بالرضا أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه .
16- بيوت الشياطين
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين. فأما إبل الشياطين فقد رأيتها ، يخرج أحدكم بِجَنيِبَات معه قد أسْمَنَها فلا يعلو بعيراً منها ، ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله . وأما بيوت الشياطين فلم أرها . كان سعيد يقول : لا أُراها إلا هذه الأقفاص التى يستر الناس بالديباج رواه أبو داود (2)
تكون : توجد .
إبل الشياطين : يريد بها المعدة للتفاخر والتكاثر ، ولم يقصد بها أمراً مشروعاً ولم تستعمل فيما يكون فيه قُربه . .... بيوت : مساكن
للشياطين : أى إذا كانت زائد على قدر الحاجة ، أو مبنية من مال الحرام ، أو للرياء والسمعة .
فأما إبل الشياطين فقد رأيتها : أى فى زمانى هذا من كلام الرواى وهو أبو هريرة . . وقيل كلام الرسول الله صلى الله عليه وسلم .
جنيبات : الدواب التى تقاد ، والمراد التى ليس عليها راكب .
__________
(1) مسلم 1854
(2) أبو داود 2568 (حسن الصحيحة 93 )(1/27)
وفى رواية بنجيبات : النجيبة الناقة المختارة القوية الخفيفة السريعة .
قد أسمنها : أى للزينة ، لا يركبها فى سفره ولا يحمل عليها متاعاً
فلا يعلو : لا يركب . .... بعيراً منها ويمر : فى السفر .
بأخيه : أى فى الدين . .... قد انقطع به : أى كَلَّ عن السير .
فلا يحمله : فلا يركب أخاه الضعيف عليها ، وهذا إنما الدواب خلقت للإنتفاع بها بالركوب والحمل عليها فإذا لم يحمل عليها من أعيا فى الطريق فقد أطاع الشيطان فى منع الأنتفاع فكأنها للشياطين .
وأما بيوت الشياطين فلم أرها : إلى هنا كلام الصحابى .
قال فى المرقاة : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم ير من الهوادج والمحامل التى يأخذها المترفون فى الأسفار .
سعيد : الراوى عن أبى هريرة
لا أراها : بضم الهمزة أى لا أظنها . وبفتحها : لا أعلمها .
هذه الأقفاص : المحامل والهوادج التى يتخذها المترفون فى الأسفار .
الديباج : الأقمشة النفيسة من الحرير وغيره ، والظاهر أن النهى عنها ليس لذاتها ، بل لسترها بالحرير وتضييع المال والتفاخر والسمعة والرياء .
قال الألبانى فى الصحيحة 93 :
والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام عنى ببيوت الشياطين هذه السيارات الفخمة التى يركبها بعض الناس مفاخرة ومباهاة ، وإذا مروا ببعض المحتاجين إلى الركوب لم يركبوهم ، ويرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم وغطرستهم .فالحديث من أعلام نبوتة صلى الله عليه وسلم .
17- وقوع التناكر بين الناس
عن حذيفة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ؟ فقال : "علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن أخبركم بمشاريطها ، وما يكون بين يديها ، إن بين يديها فتنة وهرجاً " قالوا يا رسول الله ، الفتنة قد عرفناها ، فالهرج ما هو ؟ قال : " بلسان الحبشة : القتل .ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحدٌ أن يعرف أحداً " رواه أحمد (1)
__________
(1) المسند 5/389 (قال الهيثمى ورجاله رجال الصحيح 7/309 )(1/28)
فوقوع التناكر عند كثرة الفتن والمحن وكثرة القتال بين الناس وحينما تستولى المادة على الناس ويعمل كل منهم لحظوظ نفسه ، غير مكترث بمصالح الآخرين ولا بحقوقهم فتنتشر الأنانية البغيضة ، ويحيى الإنسان فى نطاق أهوائه وشهواته فلا تكون هناك قيم أخلاقية يعرف بعض الناس بها بعضاً ، ولا يكون هناك من الأخوة الإيمانية ما يجعلهم يلتقون على الحب فى الله والتعاون على البر والتقوى .
18- ضياع الأمانة
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة،قال كيف إضاعتها؟قال :إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.رواه البخارى (1)
وقد وسد الأمر لغير أهله ، وصار رءوس الناس أسافلهم ، عبيدهم وجها لهم ، فيملكون البلاد ، والحكم فى العباد ، فيجمعون الأموال ، ويطيلون البنيان .
قال قتادة : فهم صم عن استماع الحق ، بكم عن التكلم به ، عمى عن الإبصار له
وسد : أسند وأصله من الوسادة . ويكون عند غلبة الجهل ورفع العلم .
عن حذيفة قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر : حدثنا أن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من القرآن ، ثم علموا من السنة ، وحدثنا عن رفعها قال : ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوَكْت ، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المَجْل ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شىء ، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحدهم يؤدى الأمانة ، فيقال : إن فى بنى فلان رجلاً أميناً ، ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما فى قلبه حبة خردل من إيمان ، ولقد أتى علىّ زمان وما أبالى أيكم بايَعْتَ ، لئن كان مسلماً رده على الإسلام ، وإن كان نصرانياً رده على ساعيه ، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلاناً . رواه البخارى و مسلم (2)
__________
(1) فتح البارى 59
(2) فتح البارى 6497 مسلم 143(1/29)
الأمانة : المراد بها الإيمان ، أو كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف .
الوكت : الأثر اليسير كالنقطة فى الشىء .
المجل : أثر العمل فى اليد . نفط : صار منتفطاً وهو المنتبر أى إذا ورم وامتلأ ماء .
الأمانة : التكليف الذى كلف الله تعالى به عباده .
جذر : أصل .
منتبراً : مرتفعاً .
بايعت : من البيع والشراء .
فإن كان مسلماً فدينه ، وأمانته تمنعه من الخيانة وتحمله على أداء الأمانة ، وإن كان كافراً فساعيه وهو الوالى عليه .
أما اليوم فقد ذهبت الأمانة ، فما بقى لى وثوق بمن أبايعه ، ولا بالساعى ، فما أبايع إلا فلانا وفلاناً أثق بهم .
عن زيد بن ثابت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينه الصلاة ، ورب مصل لا خلاق له عند الله تعالى .
رواه الحكيم الطبرانى (1)
الأمانة : معنى يحصل فى القلب فيأمن به المرء من الردى فى الآخرة والدنيا ، وأصله الإيمان .
وآخر ما يبقى من دينه الصلاة : كلما ضعف الإيمان بحب الدنيا ، ونقص نوره بالمعاصى والشهوات ، وذهبت هيبة سلطانه من القلوب ، اضمحلت الأمانة ، وإذا ضعفت الأمانة ، وخانت الرعية فيها فأخرت الصلاة عن أوقاتها ، وقصر فى إكمالها أدى ذلك إلى ارتفاع أصلها .
لا خلاق : لا نصيب له عند الله من قبولها والإثابة عليها .
19-ظهور الكاسيات العاريات
ومن علامات الساعة خروج النساء عن الآداب الشرعية وذلك بلبس الثياب التى لا تستر عوراتهن و إظهارهن لزينتهن وشعورهن وما يجب ستره من أبدانهن .
__________
(1) الطبرانى فى الأوسط 11/321 (صحيح الجامع 2575 )(1/30)
عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (سيكون فى آخر أمتى رجال يركبون على سروج كأشياء الرجال ، ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات ، على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات لو كانت ورائكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساؤهم ،كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم)
رواه أحمد (1)
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) .رواه مسلم (2)
عن أسامة بن زيد عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء . رواه البخارى ومسلم (3)
وهذه الأحاديث من معجزات النبوة فقد وقع ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم قبل هذا ، وهو فى زماننا هذا أكثر ظهوراً ، وقد سمى النبى صلى الله عليه وسلم : هذا الصنف من النساء بـ " الكاسيات العاريات " لأنهن يلبسن الثياب ومع هذا فهن " عاريات " لأن ثيابهن لا تؤدى وظيفة الستر لرقتها وشفافيتها ، كأكثر ملابس النساء فى هذا العصر ، أو لقصرها الذى يكشف سيقانها وأذرعها وشعرها ونحرها أو لضيقها الذى يصف جسمها .
وهذا إخبار عن شىء مشاهد فى هذا العصر كأنه صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عصرنا هذا ويصفه لنا فقد أصبح فى عصرنا هذا أماكن لتصفيف شعور النساء وتجميلها وتنويع أشكالها فى محلات تسمى " كوافير" يشرف عليها غالباً رجال يتقاضون أغلى الأجور وليس ذلك فحسب فكثير من النساء لا يكتفين بما وهبهن الله من شعر طبيعى فيلجأن إلى شراء شعر صناعى تصله المرأة بشعرها ليبدو أكثر نعومة ولمعاناً وجمالاً ، لتجذب إليها الرجال .
__________
(1) المسند 2/223 (صحيح المسند 7083 )
(2) مسلم 2128
(3) فتح البارى 5096 مسلم 2740(1/31)
كاسيات عاريات : يكشفن لبعض البدن أو يلبسن ثياباً رقيقة أو ضيقة .
مميلات : لأكتافهن .
مائلات : يمشين **متبخترات **.
البخت : الإبل . يكبرون رءوسهن بلف عمامة أو عصابة أو نحوها .
20-كثرة النساء وقلة الرجال
عن أنس قال : لأ حدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من أشراط الساعة أن يقل العلم ، ويظهر الجهل ، ويظهر الزنا ، وتكثر النساء ، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد )رواه البخارى (1)
يرفع العلم : بترك العمل به . يظهر الزنا : ظهر وانتشر فى جميع بلاد العالم .
قيل : إن سبب ذلك كثرة الفتن فيكثر القتل فى الرجال لأنهم أهل الحروب دون النساء.
وقيل إن هذا سيحدث فى المستقبل ، وربما يكون بعد ظهور العلامات الكبرى .
وقيل : إن سبب ذلك كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل عدة موطوءات.
قال الحافظ ابن حجر : "فيه نظر لأنه صرح بالعلة فى حديث أبى موسى .
فقال (من قلة الرجال وكثرة النساء )والظاهر أنها علامة محضة لا لسبب آخر ، بل يُقدِّر الله فى آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ، ويكثر من يولد من الإناث ، وكون كثرة النساء من العلامات مناسب لظهور الجهل ورفع العلم )" فتح البارى 1/179 "
القيم : من يقوم بأمرهن ، لأن الرجال قوامون على النساء .
وليس المراد هنا حقيقة العدد (خمسين )فقد جاء فى حديث أبى موسى رضى الله عنه : (ويرى الرجل يتبعه أربعون **امرأة** يلذن به ) . رواه البخارى مسلم (2)
فيكون مجازاً عن الكثرة ، والله أعلم .
قال القرطبى : يلذن يريد والله أعلم . أن الرجال يقتلون فى الملاحم ، وتبقى نساؤهم أرامل فيقبلن على الرجل الواحد فى قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن يسوسهن ويقوم عليهن من بيع وشراء ، وأخذ وعطاء .
وقيل يلذن به : يلتجئن إليه ليجامعهن .
21-انتشار الزنا
__________
(1) فتح البارى 81
(2) فتح البارى 1414 مسلم 1012(1/32)
ومن العلامات التى ظهرت فُشُوُّ الزنا وكثرته بين الناس ، فقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم : ذلك من أشراط الساعة
عن أنس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويثبت الجهل ، ويشرب الخمر ، ويظهر الزنا "
رواه البخارى و مسلم (1)
عن أبى مالك الأشعرى أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم : يقول (ليكونن فى أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) رواه البخارى (2)
يستحلون : المستحل ما لا يحل فهو كافر إن أظهر ذلك .ومنافق إن أسره ، أو يكون مرتكب المحارم تهاوناً واسخفافاً فهو يقارب الكفر ، والذى يوضح فى النظر أن هذا لا يكون إلا ممن يعتقد الكفر ويتسم بالإسلام ، لأن الله عز وجل لا يخسف من تعود عليه رحمته فى المعاد .قاله العينى .
**الحِرّ** : الفرج ، والمراد الزنا . المعازف : آلات الملاهى .
وأما ظهور الزنا فذلك مشهور خاصة بمصر ، وهذه الشنيعة أكثر ما تكون فى بيوت الملوك والرؤساء حتى يرون النكاح منكراً والسفاح معروفاً ، زعماً منهم أن فى ذلك كسر شوكة الإمارة ، ونقص شأن الرياسة ، فتدخل النساء عليهم بغير عقد شرعى ، حتى أن بعضهم يقع على أزواج الآباء والأبناء ، فغالب أولادهم سفاح .
وفى آخر الزمان بعد ذهاب المؤمنين يبقى شرار الناس ، يتهارجون فيها تهارج الحُمُرِ،كما جاء فى حديث النواس رضى الله عنه " ويبقى شرار الناس ،يتهارجون فيها تهارج الحُمُر ، فعليهم تقوم الساعة "رواه مسلم و سيأتى .
يتهارجون : المراد به الجماع وكثرة النكاح . والمعنى أن يجامع الرجال النساء بحضرة الناس ، كما يفعل الحمير .
عن ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا فى الطريق تسافد الحمير ، قلت : إن ذلك لكائن . قال : نعم ليكونن .
رواه ابن حبان
__________
(1) فتح البارى 80 مسلم 2671
(2) فتح البارى 5590(1/33)
يتسافدوا : السفاد : نزو الذكر على الأنثى . والنزو : الوَثَبان ولا يقال إلا للشاء والدواب والبقر .
عن ابن عمر قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة فى قوم قط ، حتى يعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن مضت فى أسلافهم الذين مضوا . رواه ابن ماجه (1)
وقد فشا الطاعون -طاعون الإيدز - فى هذا الزمان ، وتحققت المعجزة النبوية .
22-تقارب الزمان
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرْج ، وهو القتل القتل ، حتى يكثر فيكم المال فيفيض . رواه البخارى (2)
وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر ، ويكون الشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليوم كالساعة ، وتكون الساعة كاحتراق السعفة ) رواه الترمذى (3)
وللعلماء أقوال فى المراد بتقارب الزمان منها :
1- أن المراد بذلك قلة البركة فى الزمان فيذهب الليل والنهار بسرعة .
قال ابن حجر : قد وجد فى زماننا هذا ، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن
نجده فى العصر الذى قبل عصرنا هذا ) .
2- أن المراد بذلك هو ما يكون فى زمان المهدى وعيسى بن مريم عليه السلام من ... استلذاذ الناس للعيش ، وتوفر الأمن ، وغلبة العدل ، وذلك أن الناس ... يستقصرون أيام الرخاء وأن طالت وتطول عليهم مدة الشدة وإن قصرت .
3- أن المراد تقارب أحوال أهله فى قلة الدين ، حتى لا يكون منهم من يأمر بمعرف ... **وينهى عن** منكر ، لغلبة الفسق ، وظهور أهله ، وذلك عند ترك طلب العلم خاصة، ... والرضا بالجهل .
__________
(1) 1889 (صحيح الصحيحة 418 )
(2) فتح البارى 1036
(3) الترمذى 2332 (صحيح الترمذى 1901 )(1/34)
4- أن المراد تقارب أهل الزمان بسبب توفر وسائل **الاتصالات** والمراكب الأرضية ... والجوية السريعة التى قربت البعيد .
5- أن المراد بذلك هو قصر الزمان ، **وسرعته** سرعة حقيقية ، وذلك فى آخر الزمان ... زمن الدجال .
6- أن المراد هو قرب يوم القيامة .
والواقع أن البركة فى الزمان إنما تكون عن طريق قوة الإيمان ، وعند ضعف الإيمان تقل البركة فى الزمان كما هو حال أهل هذا الزمان . فنجد أن اليوم يمر بسرعة ولا ندرى كيف مر .
23-تشبب المشيخة
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يكون قوم يختضبون فى آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) رواه أحمد (1)
**ما جاء** فى هذا الحديث واقع فى هذا الزمن ، فإنه انتشر بين الرجال صبغ لحاهم ورؤوسهم بالسواد، والذى يظهر والله أعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم (كحواصل الحمام)تشبيه لحال بعض المسلمين فى هذا العصر يحلقون عوارضهم ويدعون ما على أذقانهم من الشعر ، ثم يصبغونه بالسواد ، فيغدوا كحواصل الحمام .
قال ابن الجوزى :
يحتمل أن يكون المعنى لا يريحون رائحة الجنة ، لفعل يصدر منهم ، أو اعتقاد لا لعلة الخضاب، ويكون الخضاب سيماهم ، كما قال فى الخوارج سيماهم التحليق ، وإن كان تحليق الشعر ليس بحرام (الموضوعات 3/55)
24-كثرة الشح
عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح ويكثر الهرْج . رواه البخارى (2)
يلقى : يوضع فى القلوب فيكثر . .... الشح : البخل الشديد مع الحرص .
والشح خلق مذموم نهى عنه الإسلام ، وبين أن من وُقِىَ شح نفسه فقد فاز وأفلح كما
قال تعالى : " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " الحشر : 9 والتغابن 16 .
__________
(1) المسند 1/273 (صحيح الجامع 8153 )
(2) فتح البارى 6037(1/35)
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم ) . رواه مسلم (1)
قال القاضى عياض يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذى أخبر عنهم به فى الدانيا ، بأنهم سفكوا دمائهم ويحتمل أنه هلاك الآخرة ، وهذا الثانى أظهر ، ويحتمل أنه أهلكهم فى الدنيا والآخرة ( انظر شرح النووى لمسلم 16/134 )
26- صدق رؤيا المؤمن
ومن أشراط الساعة صدق رؤيا المؤمن فى آخر الزمان وكلما كان المرء صادقاً فى إيمانه كانت رؤياه صادقة .
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة . رواه مسلم (2)
وفى رواية ست وأربعين وفى رواية سبعين ... ذلك لأن المؤمن يكون فى آخر الزمان غريباً، فيكرمه الله بالرؤيا الصالحة التى تقع كما رأى .
قال الطبرى : إن هذا **الاختلاف** راجع إلى اختلاف حال الرائى .
وقد اختلف العلماء فى تحديد الزمن الذى يقع فيه صدق رؤيا المؤمن على أقوال :
الأول : أن ذلك يقع إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ، ودرست معالم الشريعة ، بسبب الفتن وكثرة القتال ، وأصبح الناس على مثل الفترة ، فهم محتاجون إلى مجدد ، ومذكر لما درس من الدين ، كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء ، لكن لما كان نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء ، وتعذرت النبوة فى هذه الأمة ، فإنهم يعوَّضون بالمرائى الصادقة ،
التى هى جزء من النبوة الآتية بالتبشير والإنذار ، ويؤيد هذا القول حديث أبى هريرة : (يتقارب الزمان ويقبض العلم ) . رواه مسلم (3)
ورجح ابن حجر هذا القول :
__________
(1) مسلم 2578
(2) Hاb ) مسلم 2263
(3) مسلم 2672(1/36)
الثانى أن ذلك يقع عند قلة عدد المؤمنين ، وغلبة الكفر والجهل والفسق على الموجودين ، فيؤنس المؤمن ويعان بالرؤيا الصادقة ، إكراماً له وتسلية ، وعلى هذين القولين لا يختص صدق رؤيا المؤمن بزمان معين ، بل كلما قرب فراغ الدنيا ، وأخذ أمر الدين فى الإضمحلال ، تكون رؤيا المؤمن الصادق صادقة .
الثالث : أن ذلك خاص بزمان عيسى بن مريم عليه السلام ، لأن أهل زمنه أحسن هذه الأمة حالاً بعد الصدر الأول وأصدقهم أقوالاً فكانت رؤياهم لا تكذب . والله أعلم .
26- التهاون بالسنن التى رغب فيها الإسلام
ومن أشراط الساعة التهاون بشعائر الله تعالى .
عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلى فيه ركعتين) . رواه ابن خزيمة (1)
وعن ابن مسعود قال (لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد طرقاً ) . رواه الحاكم (2)
وهذا أمر لا يجوز ، فإن تعظيم المساجد من تعظيم شعائر الله تعالى ، وإن ذلك علامة الإيمان والتقوى ، كما قال تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج :32
وعن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين . رواه مسلم (3)
ومن أعظم البلايا أن صارت المساجد أماكن للسياحة والفرجة للكفار بعد ما كانت محلاً للذكر والعبادة ، وقد حدث هذا فى هذا العصر كما فى البلاد الإسلامية ، والبلاد التى تحت أيدى الكفار ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .
27- اتباع سنن الأمم الماضية
__________
(1) ابن خزيمة 329 (صحيح - الصحيحة 649 )
(2) المستدرك4/446 (صحيح - الصحيحة 578 )
(3) مسلم 714(1/37)
عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم ، قيل يا رسول الله ، اليهود والنصارى ، قال فمن ؟) رواه البخارى و مسلم (1)
وفى رواية للحاكم : وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه .
وفى رواية للبخارى : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى أخذ القرون قبلها شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، قيل يا رسول الله : كفارس والروم ؟ قال : ومن الناس إلا أولئك .
رواه البخارى (2)
عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : من تشبه بقوم فهو منهم
رواه أبو داود و أحمد (3)
أى تزيا فى ظاهره بزيهم ، وفى تخلقه بخلقهم ، وسار بهديهم فى ملبسهم وأفعالهم ، وكان التشبه قد طابق فيه الظاهر والباطن فهو منهم .
قال ابن تيمية :
أقل أحواله أن يقتضى تحريم المتشبه بهم ، وإن كان ظاهرة يقتضى كفر المتشبه بهم .
قال الصنعانى فى سبل السلام : 4/338 حديث 138:
والحديث دال على أن من تشبه بالفساق كان منهم أو الكفار أو المبتدعة فى أى شىء مما يختصمون به من ملبوس أو مركوب أو هيئة ، قالوا : فإذا تشبه بالكافر فى زى واعتقد أن يكون ذلك مثله كفر ، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء ، منهم من قال يكفر وهو ظاهر الحديث ، ومنهم من قال لا يكفر ، ولكن يؤدب .
__________
(1) فتح البارى 7320 مسلم 2669- المستدرك 4/455 ( الصحيحة 1348 )
(2) فتح البارى 6888
(3) ابو داود 4031 - المسند 2/50 ( صحيح الجامع 6149 - المسند 5115 )(1/38)
قال الألبانى : تقرر فى الشرع أنه لا يجوز للمسلمين رجالاً ولا نساءً ، التشبه بالكفار سواء فى عبادتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم ، وهذه قاعدة عظيمة فى الشريعة الإسلامية ، خرج عنها اليوم - مع الأسف كثير من المسلمين حتى الذين يعنون منهم بأمور الدين والدعوة إليه جهلاً بدينهم ، أو تبعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع عادات العصر وتقاليد أوربا الكافرة حتى كان ذلك من أسباب ذل المسلمين وضعفهم وسيطرة الأجانب عليهم واستعمارهم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) لو كانوا يعلمون .
قال ابن كثير :
ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم فى شىء من الأمور الأصلية والفرعية وقال أيضاً : نهى الله عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين فى مقالهم وفعالهم .
عن أبى واقد الليثى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم ، قالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبى صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ، هذا كما قال قوم موسى : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، والذى نفسى بيده لتركبن سنة من كان قبلكم. رواه الترمذى (1)
ذات أنواط : شجرة كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه ويعكفون حولها
سبحان الله : تنزيها وتعجبا .... لتركبن : لتتبعن
سنن : السنة الطريقة حسنة كانت أو سيئة ، والمراد هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التى ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم كما أتى على بنى اسرائيل .
وقال النووى : المراد الموافقة فى المعاصى والمخالفات لا فى الكفر .
وفى هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به .
28-كثرة الكتابة وانتشارها
__________
(1) الترمذى 2180 (صحيح الترمذى 1771 )(1/39)
عن ابن مسعود عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : (إن بين يدى الساعة تسليم الخاصة و فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم ) رواه أحمد (1)
والمراد بظهور القلم والله أعلم : ظهور الكتابة وانتشارها .
عن عمرو بن تغلب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن من أشراط الساعة أن يفشو المال وتكثر التجارة ويظهر العلم ) . رواه النسائى (2)
ومعناه والله أعلم ظهور وسائل العلم وهى كتبه .
وقد ظهرت الكتابة فى هذا الزمن ظهوراً باهراً وانتشرت فى جميع أرجاء الأرض بسبب توفر الآلات الطابعة والتصوير التى سهلت انتشارها . ومع هذا فقد ظهر الجهل فى الناس وقل فيهم العلم النافع وهو علم الكتاب والسنة والعمل بهما ولم تغن عنهم كثرة الكتب شيئاً . (**إتحاف** الجماعة 1/428 )
**29- الفِرَق**
عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سألت ربى ثلاثاً ، فأعطانى ثنتين و منعنى واحدة ، سألت ربى ألا يهلك أمتى بالسنة فأعطانيها ، و سألته ألا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها ، و سألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها . رواه مسلم (3)
سنة عامة : قحط يعمهم ، بل إذا وقع قحط فيكون فى ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقى بلاد الإسلام .
عن ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا . رواه البخارى (4)
وما أكثر ما يختلف المسلمون الآن على أمور تافهة جداً ، ألا فليسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) المسند 1/407 ( صحيح المسند 3870 )
(2) النسائى 7/244 (صحيح- الصحيحة 2767 )
(3) مسلم 2890
(4) فتح البارى 3476(1/40)
قال ابن حجر 5062 وفى هذا الحديث الحض على الجماعة والألفة والتحذير من الفرقة والاختلاف ، والنهى عن المراء فى القرآن بغير حق ، ومن شر ذلك أن تظهر دلالة الآية على شىء يخالف الرأى ، فيتوسل بالنظر وتدقيقه إلى تأويلها وحملها على ذلك الرأى، ويقع اللجاج فى ذلك والمناضلة عليه .
عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من فارق الجماعة شبراً فقد خلع الإسلام من عنقه . رواه أحمد وأبو داود والحاكم (1)
قال الخطابى : الربقة ما يجعل فى عنق الدابة ، كالطوق يمسكها لئلا تشرد ، يقول من خرج من طاعة إمام الجماعة أو فارقهم فى الأمر المجتمع عليه فقد ضل وهلك وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التى هى محفوظة بها ، فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع .
عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تَدَاعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله فى قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله ، وما الوهْن قال حب الدنيا وكراهية الموت . رواه أحمد **وأبو** داود (2)
الغثاء : ما ييبس من النبات فحمله الماء فألقاه فى الجوانب .
الوهن : الضعف وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه .
حب الدنيا وكراهية الموت متلازمان كأنهما شىء واحد
عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون فى النار ، وواحدة فى الجنة وهى الجماعة . وإنه سيخرج من أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلَب لصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله .
__________
(1) أحمد 5/180 أبو داود 4758 الحاكم 1/117 ( صحيح - مشكاة 185 )
(2) أبو داود 4297 ( صحيح - الصحيحة 958 )(1/41)
رواه **أبو** داود (1)
الجماعة : أى أهل القرآن والحديث والفقه والعلم الذين اجتمعوا على اتباع آثاره صلى الله عليه وسلم فى جميع الأحوال كلها ولم يبتدعوا .
الأهواء : البدع ..... تجارى : يقعون ويسقطون ...فلا يسلم منهم أحد .
الكلب : داء يعرض للإنسان من عض الكلب ، وهو داء خطير .
عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أوصيكم بأصحابى ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب ، حتى يحلف الرجل ولا يُستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ، ألا لا يخلون رجل بإمرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ، عليكم بالجماعة . وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوبة الجنة فليلزم الجماعة ، من سرته حسنته و ساءته سيئته فذلكم المؤمن . رواه الترمذى والحاكم (2)
يستحلف : لم يطلب منه الحلف لجرأته على الله .
يستشهد : لم تطلب شهادته والمراد به شهادة الزور ... بحبو بحة : وسط
الجماعة : هى السواد الأعظم . الجماعة المنتظمة بنصب الإمامة
قال الطبرى : قال قوم الأمر للوجوب ، والجماعة هى السواد الأعظم .
وقال قوم : الجماعة الصحابة دون من بعدهم .
وقال قوم : المراد بهم أهل العلم .لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم فى أمر الدين .
قال الطبرى : والصواب أن المراد من الخير لزوم الجماعة الذين فى طاعة من **اجتمعوا** على تأميره ، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة .
قال : وفى الحديث : أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحداً فى الفرقة ، ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع فى الشر ، وعلى ذلك يتنزل ما جاء فى سائر الأحاديث ، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها . اهـ .
30- انتشار الإسلام وانحساره
__________
(1) ابو داود 4597 المسند 102 ( الصحيحة 204)
(2) الترمذى 2165 - المستدرك 1/114 ( صحيح الترمذى 1758 )(1/42)
قال الله تعالى : { هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }
تبشرنا هذه الآية بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها ، وقد يظن البعض أن ذلك قد تحقق فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ، والملوك الصالحين ، وليس كذلك ، فالذى تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق ، كما أشار إلى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم بقوله : لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات و العزى ، قالت عائشة : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله " هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" أن ذلك تاماً ، قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحاً طيبة فتوفى كل من فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم . رواه مسلم (1)
اللات : صنم **لقبيلة ثَقِيْف** . **العُزَّى** : صنم **لقبيلة غَطَفَان** .
لا يذهب الليل والنهار : لا ينقطع الزمان ولا تأتى القيامة
بالهدى : بالتوحيد . دين الحق : الشريعة الثابتة .
ليظهره : ليعليه ويغلبه على الدين كله : على الأديان جميعها
تاماً : عاملاً كاملا شاملا للأزمنة كلها . سيكون من ذلك : أى ما ذكر من تمام الدين ونقصان الكفر .
فيبقى من لا خير فيه : لا إسلام ولا إيمان ولا قرآن ولا حج ولا سائر الأركان ولا علماء الأعيان .
فيرجعون دين آبائهم : أى الأولين من المشركين الجاهلين الضالين المضلين .
عن تميم الدارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله دين الإسلام ، وذلاً يذل به الكفر .
رواه أحمد والحاكم وابن حبان و الطبرانى (2)
__________
(1) مسلم 2907
(2) المسند 4/103 -المستدرك 4/430 -ابن حبان 1631 (صحيح - الصحيحة 3 )(1/43)
قال الألبانى فى الصحيحة 3 : ومما لاشك فيه أن تحقيق هذا **الانتشار** يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء فى معنوياتهم وما دياتهم وسلاحهم ، حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان ، وهذا ما يبشرنا به الحديث .
المدر : أهل القرى والأمصار ، والمدر : الطين المتماسك .
الوبر : هو وبر الجمل والمراد البيوت المصنوعة منه .
عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لى منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإنى سألت ربى لأمتى أن لا يهلكوها بسنة عامة ، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، وإن ربى قال : يا محمد إنى إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، وإنى أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ، وزاد أبو داود ( وإنما أخاف على أمتى الأئمة المضلين ، وإذا وضع فى أمتى السيف لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان وإنه سيكون فى أمتى كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبى ، وأنا خاتم النبيين لا نبى بعدى ، ولا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر الله . رواه مسلم و أبو داود (1)
زوى : جمع ، جمعها وقبضها .
الكنزين : الذهب والفضة والمراد كنزى كسرى وقيصر ملكى العراق والشام .
الأحمر : الذهب وهو أكثر كنز الروم .
الأبيض : الفضة وهى أكثر كنز فارس . وقد دخلت الروم والفرس الإسلام فى خلافة عمر... ... بسنة : بقحط يهلك الأمة . بعامة : يعم الكل .
بيضتهم : معظهم .وجماعتهم وأصلهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم .
لو اجتمع : أى العدو ... أقطارها : نواحى الأرض .
__________
(1) مسلم 2889 أبو داود 4252(1/44)
الأئمة المضلين : أى الداعين إلى البدع والفسق والفجور .
تلحق قبائل من أمتى بالمشركين : وقع هذا فى زمن أبى بكر .
الأوثان : الأصنام .
ظاهرين : غالبين على أهل الباطل ولو حجة .
من خالفهم : أى لثباتهم على دينهم .
حتى يأتى أمر الله : أى الريح الذي يقبض عندها كل مؤمن ومؤمنة .
عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله استقبل بى الشام ، وولى ظهرى اليمن ، وقال لى : يا محمد إنى جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقاً ، وما خلف ظهرك مدداً ولا يزال الإسلام يزيد ، وينقص الشرك وأهله ، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جواراً ، و الذى نفسى بيده لا تذهب الأيام و الليالى حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم. رواه أبو نعيم (1)
مدداً : عوناً وقوة ، رجال يحاربون معك . .... جوراً : ظلماً .
عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها . ثم تكون ملكاً عارضاً فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكاً جبرياً ، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها إذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت . رواه أحمد (2)
عن **أُبَىّ بن** كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين فى الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له فى الآخرة من نصيب . رواه أحمد والحاكم وابن حبان (3)
السناء : العلو **والارتفاع** . ... الدين : التمكن فيه
__________
(1) الحلية 6/107 ( صحيح الجامع 1716 - الصحيحة 35 )
(2) المسند 4/273 ( صحيح - الصحيحة 5 )
(3) المسند 5/134 -ابن حبان 2501 - المستدرك 4/311 (صحيح الجامع 2825 )(1/45)
الرفعة : العلو فى الدنيا والآخرة ... النصر : على الأعداء .
عن أبى جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة ، فأنتم اليوم خير من يومئذ . رواه الطبرانى (1)
التنجيد : التزيين .
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة . رواه مسلم (2)
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة .رواه مسلم (3)
عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إن الإسلام بدأ غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء . رواه مسلم (4)
**وزاد** أحمد : أناس صالحون فى أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم
31- المجددون فى الإسلام
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها . رواه أبو داود والحاكم (5)
قال ابن الأثير فى جامع الأصول 11/320 : ولا يلزم منه أن يكون المبعوث عل رأس المائة رجلاً واحداً ، وإنما قد يكون واحداً وقد يكون أكثر منه ، فإنه لفظة "من" تقع على الواحد والجمع .
قال الطيبى : المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حى عالم يشار إليه .وقال : الرأس مجاز عن آخر السنة ، و تسميتة رأساً باعتبار أنه مبدأ لسنة أخرى .
وقال الكرمانى : المراد من انقضت المدة وهو حى عالم مشار إليه .
قال ابن حجر : أى عند انتهاء مائة سنة .
وقال فى توالى التأسيس : حمل بعض الأئمة "من"فى الحديث على أكثر من الواحد : وهو ممكن بالنسبة للفظ الحديث .
__________
(1) الطبرانى مجمع 8/291 ( الصحيحة 18834 )
(2) مسلم 1923
(3) مسلم 1922
(4) مسلم 145-المسند 2/177 (صحيح الصحيحة 1619 )
(5) أبو داود 4291 -المستدرك 4/522 (صحيح - الصحيحة 599 )(1/46)
قال السيوطى : هو أن تمضى المائة وهو حى ، ويشار بالعلم إلى مقامه ، وينصر السنة فى كلامه ، ويكون جامعاً لكل فن ، ويعم علمه أهل الزمن .
قال العلقمى : معنى التجديد إحياء ما اندرس من العلم بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما .
قال المناوى فى فتح القدير 1/10 : يحتمل من المولد ، أو من البعثة أو من الهجرة ، أو من الوفاة .
قال شمس الحق آبادى : اعلم بأن المراد من رأس السنة آخرها .
والدليل الواضح أن الزهرى وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة المتقدمين والمتأخرين اتفقوا على أن المجددين على رأس المائة الأولى : عمر بن عبد العزيز ، وعلى رأس المائة الثانية: الأمام الشافعى . وقد توفى عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف ، وتوفى الأمام الشافعى أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة .
وقال : المجدد لا يكون إلا من كان عالماً بالعلوم الدينية ، ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها ونصر صاحبها ، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان أو تصنيف الكتب أو التدريس .
وقال : واعلم أنه لا يلزم أن يكون على رأس مائة سنة مجدد واحد فقط ، بل يمكن أن يكون أكثر من واحد .
قال الملا على القارى : والأظهر عندى والله أعلم أن المراد بمن يجدد ليس شخصاً واحد اًبل المراد به جماعة يجدد كل واحد فى بلد فى فن أو فنون من العلوم الشرعية ما تيسر له من الأمور التقريرية أو التحريرية ، ويكون سبباً لبقائه وعدم اندراسه وانقضائه إلى أن يأتى أمر الله .
والخلاصة : أن رأس السنة هو آخرها وبداية سنة جديدة ، وأن المجدد هو الذى يحيى **ما اندرس** من أحكام الشريعة .
والمجددون على أرجح الأقوال هم :
1- على رأس المائة الأولى : عمر بن عبد العزيز ت 101 . الحسن البصرى ت ... 110 ، **وابن شهاب الزهرى** ت 124 .
2- على رأس المائة الثانية : الشافعى "ت 204 "، يحيى بن معين ت 233 .(1/47)
3- على رأس المائة الثالثة : ابن شريح "ت 306 . " أبو الحسن الأشعرى ت 310 ،
أبو بكر النيسابورى ت318 .
4- على رأس المائة الرابعة : أبو حامد **الأسفراينى** "ت 406 " ، القاضى الباقلانى ... ت 403 ، و الحاكم صاحب المستدرك ت 405 .
5- على رأس المائة الخامسة : أبو حامد الغزالى " ت505 " ، البغوى ت 510 ،
** وابن** حزم ت 456 .
6- على رأس المائة السادسة : الفخر الرازى " ت606 " ، النووى ت 676 ، أبو ... السعادات ابن الأثير ت 606 .
7- على رأس المائة السابعة : ابن دقيق العيد "ت702 "
7- على رأس المائة الثامنة : **البُلْقِيْنِىّ** " ت 805 " ابن تيمية ت 728 ، ابن كثير ... ت774
8- على رأس المائة التاسعة : السيوطى "ت911 " .
9- على رأس المائة العشرة : **المُنَاوِىّ** "ت1031"
11- على رأس المائة الحادية عشرة : ابراهيم بن حسن الكورانى ت 1101 .
12- على رأس المائة الثانية عشرة محمد بن عبد الوهاب"ت 1206 "
13- على رأس المائة الثالثة عشرة صديق حسن خان "ت1307 " .
14- على رأس المائة الرابعة عشرة : محمد ناصر الدين الألبانى ، **وعبد العزيز ابن بَاز** .(1/48)