ارتباط التشريع القرآني بالزمان
(بعض الأسرار والحِكَم)
د. عودة عبد عودة عبد الله (1)
ارتباط التشريع القرآني بالزمان
(بعض الأسرار والحِكَم)
مقدمة:
الناظر في القرآن الكريم، يجد أنّ بعض الأحكام التشريعية جاءت مقترنة بفترات زمنية محددة. ولا شكّ أن ارتباط هذه الأحكام بهذه الفترات الزمنية دون غيرها، لا بدَّ وأن يكون لحكمة إلهية، فإنَّ النص القرآني بالِغُ الدقَّة والإِحكام، وهو منزَّهٌ عن العبثية والفوضى، ولا يمكن أنْ يَرِدَ فيه شيءٌ على سبيل الاتِّفاق، دون عناية أو قصد.
ويأتي هذا البحث بغرض تدقيق النظر في هذا التحديد الزمني، في محاولة لاستخراج شيءٍ من هذه الحِكَم والأسرار التي أَمْكَنَ الوقوفُ عليها. فلماذا كانت مدَّة الإيلاء أربعة أشهر؟ وعدّة المطلقة ثلاثة قُروء؟ ومُدّة إرضاع الطفل حولين كاملين؟ هذه الأسئلة وغيرها، حاولتُ في هذا البحث الوقوف على إجاباتٍ شافية واضحة لها.
وكان منهجي في هذا البحث هو إظهار المعنى الإجمالي للنص القرآني أولاً، كقاعدة يمكن الانطلاق من خلالها نحو استنباط هذه الأسرار والحِكم. آملاً في أنْ يكون هذا البحث مساهمة فعلية في الكشف عن كنوز القرآن الكريم وأسراره العجيبة، فهو الكتاب الذي لا يشبع منه العلماء ولا يَخْلَقُ على كَثرة الردّ.
أولاً: مدّة الإيلاء (أربعة أشهر)
قال تعالى: { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 226، 227].
المعنى الإجمالي:
__________
(1) حاصل على دكتوراه في التفسير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا عام 2003م. (ماجستير في التفسير من جامعة آل البيت الأردنية عام 1999م، بكالوريوس في أصول الدين "القرآن والسنة" من الجامعة الأردنية عام 1996م).(1/1)
يبين الله سبحانه في هذا النص: أنه على الذين يحلفون ألا يقربوا نساءهم بغرض الإضرار بهنّ، انتظارُ أربعة أشهر، فإنْ رجعوا إلى نسائهم، وحَنَثُوا في اليمين أثناء هذه المدّة، فإنَّ الله يغفر لهم، وعليهم الكفارة. وإنْ عَزَموا على الطلاق؛ فإنَّ الله سميعٌ لحلْفهم وطلاقهم، وعليمٌ بنيَّاتهم (1) .
والمراد من النص: أنَّ الزوج إذا حلف ألا يقرب زوجته، تنتظره الزوجة مدّة أربعة أشهر، فإن عاشرها في المدّة فبها ونِعمت، ويكون قد حَنَثَ في يمينه، وعليه الكفارة، وإنْ لم يعاشرها يُخيّره القاضي بين الرجوع فيما حَلَف عليه، وإلا طلَّق (2) .
السر في تحديد هذه الفترة الزمنية:
حدّد هذا النص مدّة الإيلاء بأربعة أشهر، فما الحكمة من هذا التحديد؟ وما السر في هذه المدّة بالذات؟.
__________
(1) انظر: المراغي، أحمد مصطفى: تفسير المراغي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1394هـ/1974م)، ج1، ص322.
(2) يرى الجمهور أنه إذا مضت الأربعة أشهر، رُفع الأمر إلى القاضي، والذي يُخير الزوج بين الفيء أو الطلاق. بينما يرى أبو حنيفة أنَّ الطلاق يقع بمضيّ الأربعة أشهر. انظر رأي الإمام أبو حنيفة في: الجصاص، أحمد بن علي الرازي: أحكام القرآن، (د،م: مطبعة الأوقاف الإسلامية بدار الخلافة، د.ر،1335هـ)، ج1، ص356. وانظر الفرق بين مذهب الجمهور والحنفية في هذه المسألة في: الزحيلي، وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته، (دمشق: دار الفكر، ط3، 1409هـ/ 1989م)، ج7، ص554-555.(1/2)
يظهر في هذا التحديد الزمني حفاظ القرآن الكريم على حقوق المرأة، ودفعه للأذى عنها، ذلك أنَّ الرجل في الجاهلية، كان يحلف ألا يمسّ زوجته السنة والسنتين، بل وأكثر من ذلك، بقصد الإضرار بها وإذلالها، فيتركها كالمعلّقة؛ لا هي زوجة ولا هي مطلقة. فأراد سبحانه وتعالى بهذا التشريع أن يضع حداً لهذا العمل الضار؛ فوقَّته بمدّة أربعة أشهر، يتروَّى فيها الرجل، علّه يرجع إلى رشده وصوابه؛ وإلا طلّق زوجته (1) . وبذلك فإنَّ هذا التشريع يصون المرأة عن استعباد الرجل الطائش، ويحميها من أنْ تبقى رهينة الذل والعبودية والاحتقار.
أما السر في تحديد هذه المدّة بأربعة أشهر، فذلك لأن هذه المدة هي غالب ما تستطيع المرأة أن تصبر فيها عن زوجها. وقصة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- في ذلك مشهورة، حيث رُوي أنه خرج في المدينة، يتعسَّس أحوال الرعية ليلاً، فسمع امرأةً تنشد:
ألا طالَ هذا الليلُ واسودَّ جانبُه ... وأرَّقَني أن لا حَبيبَ ألاعبُهْ
فواللهِ لولا اللهُ لا شيءَ غيره ... لزُعْزِعَ من هذا السرير جوانبُه
مخافةُ ربي والحياءُ يكفُّني ... وإكرامُ بَعلي أن تُنال مراكبُهْ
__________
(1) انظر: القرطبي، محمد: الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، 1405هـ/ 1985م)، ج3، ص108 .(1/3)
فلما كان من الغد استدعى عمر – رضي الله عنه – تلك المرأة، وقال لها: أين زوجك؟ فقالت: بعثتَ به إلى العراق. فاستدعى عدداً من النساء (1) فسألهن عن المرأة،كم تصبر عن زوجها؟ فقلن: شهرين، ويقلّ صبرها في ثلاثة أشهر، وينفذ صبرها في أربعة أشهر. فجعل عمر ـ رضي الله عنه ـ مدة غزو الرجل أربعة أشهر، فإذا مضت استردّ الغازين ووجّه قوماً غيرهم (2) .
ثانياً: عِدّة المطلقة (ثلاثة قروء)
قال تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 228].
المعنى الإجمالي:
تبين الآية: أنه يجب على المطلقات المدخول بهنَّ، انتظار مدّة ثلاثة أطهار، أو ثلاث حَيْضات، على خلافٍ في معنى القُرْء (3) . وأنه لا يجوز لهنّ أن يُخفين ما في أرحامهن، من الأولاد أو دم الحيض، استعجالاً في العدّة، وإبطالاً لحقّ الزوج في الرجعة.
__________
(1) وقيل بأنه سأل ابنته حفصة.
(2) انظر هذه القصة في: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص108. ابن كثير، اسماعيل: تفسير القرآن العظيم، (بيروت: دار الخير، ط1، 1410هـ /1990م)، ج1، ص288. أبو حيان، محمد بن يوسف: البحر المحيط، تحقيق: عادل عبد الموجود وآخرون، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ/ 1993م)، ج2، ص193.
(3) أصل الخلاف بين الفقهاء في معنى القُرْء نابع من المعنى اللغوي، ذلك أنّ القُرْء في اللغة يُطلق ويُراد به الحيض والطهر. انظر: ابن منظور، محمد: لسان العرب، (بيروت: دار صادر، د.ر، د.ت)، ج1، ص130.(1/4)
«إنْ كُنَّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر» أي إنْ كُنَّ حقَّاً مؤمنات بالله ويخشين عقابه. وهذا تهديدٌ لهن حتى يُخبرنَ بالحقيقة، من غير زيادةٍ ولا نقصان.
والأزواج أحق بهنّ في الرجعة، من التزويج للأجانب، إذا لم تنقضِ عدتهن، وكان الغرض من الرجعة، حُسْن المعاشرة والإصلاح لا الإضرار.
وللنساء والرجال حقوقاً، الواحد منهم تجاه الآخر، وعليهم وعليهن واجبات، غير أنَّ الرجال لهم عليهنّ درجة، وذلك في الرياسة، ومسؤولية القيام على المصالح، والإنفاق على الأسرة (1) .
السرّ في تحديد هذه الفترة الزمنية:
الحِكمة من تشريع عدّة المطلقة، محدّدة بهذه الفترة الزمنية - ثلاثة قروء- هي: معرفة براءة الرحم من الزوج السابق، وذلك حتى لا تختلط الأنساب، وحتى لا تضيع الحقوق. وهذا أمرٌ متحقق سواء اعتبرنا المراد من القُرْء الحيضة أو الطُهر، فكلا القولين موافق لحكمة التشريع، وعليه فإنَّ الخَطْبَ في الخلاف يسير (2) .
ثم إنَّ في هذه المدّة الزمنية، تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية، إنْ رَأَيَا أنَّ الخير في ذلك،"فإنه لابد من فترةٍ معقولة، يختبر فيها الزوجان عواطفهما بعد الفُرقة، فقد يكون في قلوبهما رمَقٌ من وُدٍّ يُستعاد، وعواطف تُستجاش، ومعانٍ غلبت عليها نزوة أو غلطة أو كبرياء، فإذا سكن الغضب، وهدأت الشِّرة، واطمأنت النفس، استصغرت تلك الأسباب التي دفعت إلى الفراق، وبرزت معانٍ أخرى واعتبارات جديدة، وعاودها الحنين إلى استئناف الحياة، أو عاودها التجمّل رعاية لواجب من الواجبات. والطلاق أبغض الحلال إلى الله، وهو عملية بترٍ لا يُلجأ إليها إلا حين يخيب كلّ علاج" (3) .
__________
(1) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص234- 236.
(2) انظر: رضا، محمد رشيد: المنار، (بيروت: دار المعرفة، ط2، د.ت)، ج2، ص371.
(3) قطب، سيد: في ظلال القرآن، (بيروت: دار الشروق، ط22، 1414هـ/ 1994م)، ج1، ص246.(1/5)
ومن جهة أخرى فإنّ في ذلك تنويه بفخامة أمر النكاح، فهو أمرٌ لا ينتظم بسهولة، ولا ينفك إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان، ينعقد ثم يُفكّ بعد لحظات، لأدنى سبب، بل ولمجرد نزوةٍ عابرة. ومن هنا كان الحرص على هذا النظام، فإن حدث حادثٌ يوجب فكّه، لم يكن بدون أن يتربص الزوجان مدّة يجدان لتربُّصها بالاً، ويقاسيان لها عناءً (1) .
ثالثاً: عدّة المتوفَّى عنها زوجها (أربعة أشهر وعشراً)
قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [البقرة: 234].
المعنى الإجمالي:
على النساء اللواتي يموت أزواجهن، أنْ يَمْكُثنَ في العدّة أربعة أشهر وعشرة أيام، حداداً على أزواجهن- وهذا الحكم لغير الحامل، التي سيأتي الكلام على عِدّتها- فإذا انقضت عدّتهن فلا إثم عليكم أيها الأولياء في الإذن لهنَّ بالزواج، وفعل ما أباحه لهنّ الشرع من الزينة والتعرّض للخطّاب، فإن الله عليم بجميع أعمالكم ويجازيكم عليها.
السرّ في تحديد هذه الفترة الزمنية:
رُوي عن سعيد بن المسيب، وأبي العالية وغيرهما، أن الحكمة في جعل عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، هي معرفة براءة الرّحم من الحمل.
__________
(1) انظر: كشك، عبد الحميد: في رحاب التفسير، (القاهرة: المكتب المصري الحديث، د.ر، د.ت)، ج2، ص440.(1/6)
ويدل عليه ما جاء في الحديث الصحيح: «إنَّ أحدَكم يُجمع خَلقُه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله مَلَكاً يُؤمر بأربع كلماتٍ ويقال له: اكتب عمله ورزقه وشقيٌّ أو سعيد. ثم ينفخ فيه الروح، فإنّ الرجل منكم ليعملُ حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار. ويعملُ حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة» (1) .
فهذه ثلاثة أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشرٍ بعدها، لما قد ينقص بِعَدِّ الشهور، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه.
وبيان ذلك: أنَّ الله جعل عِدَّة المتوفّى عنها زوجها منوطة بالزمن الذي يتحرك فيه الجنين تحرّكاً بيِّناً، محافظة على أنساب الأموات، فهو سبحانه جعل عدّة المطلقة ما يدل على براءة رحمها دلالةً ظنية، وهي ثلاثة قروء كما تقدّم، لأن المطلِّق يعلم حال مطَلَّقته من طُهر وعدمه، لما يعلمه من حالها قبل الطلاق، فلو أنّها ادّعت عليه نسباً، وهو يوقن بانتفائه كان له في اللعان مندوحة.
__________
(1) البخاري، محمد بن إسماعيل: الجامع الصحيح، (بيروت: دار الفكر، د.ر، 1416هـ/1996م)، كتاب بدء الخلق، باب رقم 6، حديث رقم 3208، ج6، ص447.(1/7)
أمّا الميت فلا يدافع عن نفسه، فجُعلت عدته زمناً يُقطع فيه بانتفاء الحمل، وهو "أربعة أشهرٍ وعشراً" وما بين استقرار النطفة في الرحم، إلى نفخ الروح في الجنين أربعة أشهر، كما هو مدلول الحديث السابق، وبما أنَّ الجنين يقوى تدريجياً بعد نفخ الروح فيه، جُعلت العشر الزائدة على الأربعة أشهر، لتحقق تحرك الجنين تحركاً بيِّناً، فإذا مضت هذه المدة الزمنية، حصل اليقين بانتفاء الحمل، إذْ لو كان حملٌ لتحرك لا محالة، وهو يتحرك لأربعة أشهر، وزيدت عليها العشر احتياطاً، لاختلاف حركات الأجنة قوةً وضعفاً باختلاف الجنين (1) .
ومن جهةٍ أخرى، فإن ثمّة سرٌّ آخر في توقيت العدّة بهذه الفترة الزمنية المحددة، يتمثل في احترام الإسلام للمرأة وتقديره لها، وتخفيفه العَنَتَ عنها، ورفعِه عن كاهلها، ذلك أنّ المتوفَّى عنها زوجها في الجاهلية، كانت تلقى الكثير من العَنَت، من الأهل، وأقارب الزوج، بل ومن المجتمع كلّه، فكانت إذا مات زوجها دخلت مكاناً رديئاً، ولبست شرّ ثيابها، ولم تمسّ طيباً ولا زينةً مدّة سنة، ثم تخرج وتقوم بعدّة شعائر تعبدية سخيفة تتفق مع سخافة الجاهلية، فخفف الإسلام عنها كلّ ذلك، ولم يجمع عليها بين فقدان الزوج، واضطهاد الأهل بعده، وإغلاق السبيل في وجهها دون حياةٍ شريفة، وحياةٍ عائلية مطمئنة (2) .
__________
(1) انظر: ابن عاشور، محمد الطاهر: التحرير والتنوير، (تونس: الدار التونسية للنشر، د.ر، 1984م)، ج2، ص442. ويؤكد علم الطب الحديث أنَّ الجنين بالفعل يبدأ بالحركة بين الأسبوع السادس عشر والعشرين، أي بمعدل ثمانية عشر أسبوعاً (18×7= 126 يوماً). انظر:
William ,W. peck , JR , (Obstetrics and Gynecology), 4th Edition, 1970,p11
(2) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج2، ص472. قطب، سيد: الظلال، ج1، ص255.(1/8)
أمّا قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة: 240].
فجمهور المفسرين على أنها منسوخة، وكان ذلك الاعتداد لمدّة حول على الصحيح في أول الإسلام، ثم نُسخت المدّة بقوله تعالى: { أربعة أشهرٍ وعشراً } وهو وإنْ كان متقدماً في التلاوة، فهو متأخر في النزول.
قال الرازي: "فهذا القول هو الذي اتفق عليه أكثر المتقدمين والمتأخرين من المفسرين" (1) .
ومما يدل على كون هذه الآية منسوخة، ما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن الزبير، أنه قال: قلت لعثمان بن عفان: «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً» قد نسختها الآية الأخرى، فلِمَ تكتبها أوَ تدعها، قال: يا ابن أخي لا أُغيرَّ شيئاً منه من مكانه (2) .
وهذا يدل على أنَّ عثمان – رضي الله عنه- كان يعلم أنها منسوخة، ولكنه وضعها في مكانها بتوقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
رابعاً: عِدَّة اليائس والصغيرة (ثلاثة أشهر)، وعدّة الحامل (وضع الحمل)
قال تعالى: { وَاللآئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللآئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرا } [الطلاق: 4].
المعنى الإجمالي:
__________
(1) الرازي، محمد بن عمر: التفسير الكبير، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1415هـ/ 1995م)، ج2، ص492.
(2) البخاري: الصحيح مع الفتح، كتاب التفسير ، باب رقم 41، حديث رقم 4530، ج9، ص51(1/9)
تبين الآية: أنَّ اللآئي بلغن سِنّ اليأس؛ فانقطع حيضهن لِكِبرهنَّ، وكذا الصغار اللواتي لم يحضْن، أو من لم يكن لها حيْض ألبته، فهؤلاء إنْ كنتم شككتم في عدتهن، فهي ثلاثة أشهر. أمّا الحوامل، سواءً منهنّ المطلقة، أو المتوفَّى عنها زوجها، فعدتهنّ هي الفترة الزمنية التي يوجد فيها الحمل، فإذا وضعت حملها انتهت عدتها (1) .
فالآية تحدد ثلاث فترات زمنية، هي:
1- ثلاثة أشهر، وهي عدّة الكبيرة التي بلغت سنّ اليأس.
2- ثلاثة أشهر أيضاً، وهي عدّة الصغيرة التي لا تحيض.
3- المدّة الزمنية الممتدة حتى وضع الحمل، وهي عدّة الحامل.
السر في تحديد هذه الفترات الزمنية:
من أسرار هذا النص القرآني، أنّه بيّن الحكم الشرعي، وأزال اللبس فيما يتعلق بعدّة المرأة التي لا تحيض - سواءً أكانت كبيرة أم صغيرة - وعدّة المرأة الحامل.
ذلك أنَّ هذه الآية حدّدت عدّة الكبيرة والصغيرة بثلاثة شهور، وعدّة الحامل بوضع حملها، فأزالت اللبس والشك الذي كان واقعاً في هذا الحكم.
__________
(1) انظر: أبو حيان، محمد بن يوسف: النهر الماد من البحر، تحقيق: عمر الأسعد، (بيروت: دار الجيل، ط1، 1416 هـ/ 1995م)، ج5، ص 379-380. المراغي: تفسير المراغي، ج28، ص143.(1/10)
ويدل على وجود هذا اللبس، ما رواه البيهقي في سننه، والحاكم في مستدركه وصححه، أنه: لما نزلت عِدّة النساء في سورة البقرة في المطلقة والمتوفى عنها زوجها، قال أبي بن كعب رضي الله عنه: يا رسول الله؛ إنَّ أناساً من أهل المدينة يقولون: قد بقي من النساء ما لم يُذكر فيه شيء، قال: وما هو؟ قال: الصغار، والكبار، وذوات الحمل، قال: فنزلت: { وَاللآئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ... الآية } (1) .
أما حكمة كون العدة بالأشهر في الكبيرة والصغيرة، دون نظر إلى الأقراء، فذلك لانعدام الأقراء في العادة، "والأحكام إنما أجراها الله تعالى على العادات، فهي تعتدّ بالأشهر، فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء انتقلت إلى الدم لوجود الأصل، وإذا وُجد الأصل لم يبق للبدل حكم، كما أنَّ المسنّة إذا اعتدت بالدم ثم ارتفع عادت إلى الأشهر، وهذا إجماع" (2) .
وأما السر في أنَّ هذه المدّة الزمنية (ثلاثة أشهر)، فذلك لأنَّ كل شهرٍ يقوم مقام حيضةٍ أو طُهر، لأنَّ أغلب عوائد النساء أن يكون كل قرء في شهر (3) .
والمراد بالصغيرة هنا التي لم تبلغ سنّ الحيض، أمّا الكبيرة فهي التي يئست من المحيض، وحدد بعضهم (4) لذلك سناً، فقال : ستون سنة، وقيل: خمسٌ وخمسون.
__________
(1) البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى، تحقيق: محمد عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1414هـ/1994م)، كتاب العدد، باب رقم 1، حديث رقم 15379، ج7، ص180. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، (حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية، د.ر، د.ر)، ج2، ص492-493، كتاب التفسير، سورة الطلاق. وقال عنه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(2) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج18، ص165.
(3) انظر: البقاعي، إبراهيم بن عمر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/1995م)، ج8، ص32.
(4) ومنهم: البقاعي: نظم الدرر، ج8، ص31. المراغي: تفسير المراغي، ج28، ص143.(1/11)
قال ابن عاشور: "وترك الضبط بالسنين أوْلى، وإنما هو تقريبٌ لإبّان اليأس" (1) . وإلى ذلك ذهب الإمام ابن تيمية رحمه الله (2) .
وأما السرّ في جعل عدّة الحامل منتهية بوضع الحمل، فلأنه لا أدلّ على براءة الرحم من ذلك، إذ الغرض الأول من العدّة هو التحقق من براءة الرحم، وإذا تحقق ذلك فلا يكون هناك حاجة للانتظار بعدها (3) .
خامساً: مدّة إرضاع الطفل (حولين كاملين)
قال تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير } [البقرة: 233].
__________
(1) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج27، ص316.
(2) يقول في ذلك: "ولا حد لسنٍ تحيض فيه المرأة، بل لو قُدَّر أنها بعد ستين أو سبعين زاد الدم المعروف من الرحم، لكان حيضاً، واليأس المذكور في قوله: «واللآئي يئسن من المحيض» ليس هو بلوغ سن؛ إذ لو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله، وإنما هو أن تيأس المرأة نفسها أن تحيض، فإذا انقطع دمها ويئست من أن يعود، فقد يئست من المحيض، ولو كانت بنت أربعين، ثم إذا تربصت وعاد الدم، تبين أنها لم تكن آيسة، وإن عاودها بعد الأشهر الثلاثة، فهو كما عاود غيرها من الآيسات والمستريبات". الفتاوى، (الرياض: دار عالم الكتب، د.ر، 1412هـ/1991م)، ج19، ص240.
(3) انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج27، ص320.(1/12)
وقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [لقمان: 14].
المعنى الإجمالي:
* تبيَّن الآية الأولى أنَّه على الأمهات أنْ يُرضعن أولادهن لمدّة سنتين كاملتين، إذا شاء الوالدان إتمام الرضاعة. وعلى الأب نفقة الوالدات المطلَّقات وكسوتهن، بما هو متعارف عليه، من غير إسرافٍ ولا تقتير، وحسب طاقته، لتقوم بخدمة ولده حق القيام، فيحفظان الولد من الضرر الذي قد تسببه المشاكل التي بينهما. وإذا لم يوجد الأب فعلى الوارث مثل ما على الأب من الإنفاق على الأم، والقيام بحقوقها. أمّا إذا اتفق الوالدان على فطامه قبل الحولين ورأيا في ذلك مصلحةً له بعد التشاور، فلا إثم عليهما. وإذا أردتم أيها الآباء أن تطلبوا مرضعةً لولدكم غير الأم، بسبب عجزها أو إرادتها الزواج، وعلى وجه عدم المضارّة، فلا إثم عليكم، شريطة أن تدفعوا لها ما اتفقتم عليه من الأجر (1) .
* أما الآية الثانية فتبين العهدَ الذي حمله الله على الإنسان حين أوصاه بالإحسان إلى والديه، لا سيّما أمّه التي حملته جنيناً في بطنها، وهي تزداد كل يوم ضعفاً على ضعف، من حين الحمل إلى حين الولادة، وهو ملازم لها بالرضاعة، حتى فطامه في تمام عامين. ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يشكر ربَّه، على نعمة الإيمان والإحسان إليه، وأن يشكر والديه على نعمة التربية، فالمرجع إليه سبحانه وتعالى، فهو الذي يجازي المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته (2) .
السرّ في تحديد هذه الفترة الزمنية:
__________
(1) انظر: الصابوني، محمد: صفوة التفاسير، (القاهرة: دار السلام، ط1، 1416هـ/ 1996م)، ج1، ص134-135. السعدي، عبد الرحمن: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1417هـ/ 1996م)، ص ص 86-87.
(2) انظر: المرجعين السابقين، ج3، ص1052. ص 597.(1/13)
يظهر في الآيتين السابقتين؛ أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل للطفل على أمّه أن ترضعه حولين كاملين، وفي ذلك سرٌ إلهي وحكمة ربانية: فهو سبحانه خالق هذا الإنسان، وهو العليم بحاجاته، ومتطلبات جسده ونفسه، فهذه الفترة هي أقصى مدة زمنية يكون فيها الطفل بحاجةٍ إلى الرضاعة، فهي الفترة المثلى من جميع الوجوه الصحية والنفسية، وهذا ما أثبتته البحوث الصحية والنفسية المعاصرة (1) .
كما أن في هذا التحديد الزمني أسرار ولطائف أخرى، منها (2) :
1- أنّ المقصود من هذا التحديد ، قطع التنازع بين الزوجين في حال تنازعهما في مدّة الرضاع، فحدّد الله ذلك بالحولين، حتى يرجعا إليه عند وقوع التنازع بينهما، فإذا أراد أحد الأبوين أنْ يفطمه قبل الحولين لم يكن له ذلك، أمّا إذا اجتمعا واتفقا على فطامه قبل الحولين، وثبت أنّ ذلك ليس فيه ضرر على المولود ، فلهما ذلك.
2- وفي هذا التحديد الزمني ما يدل على أنّ الرضاعة المحرِّمة، الجارية مجرى النسب، إنما هي ما كان في الحولين، لأنّه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة. ويُروى في ذلك عن ابن عباس –رضي الله عنهما – أنَّه قال: "لا يَحرُم من الرضاع إلا ما كان في الحولين" (3) .
سادساً: مدّة الحمل والفِصال (ثلاثون شهراً)
__________
(1) انظر: قطب، سيد: الظلال، ج1، ص 254. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج2، ص431.
(2) الرازي: التفسير الكبير، ج2، ص459. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج3، ص162.
(3) أخرجه الدارقطني مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : السنن، تحقيق: عبد الله المدني، (القاهرة: دار المحاسن، د.ر، 1386هـ/ 1966م)، ج4، ص174، كتاب الرضاع، حديث رقم 10. ورواه البيهقي موقوفاً على ابن عباس، وقال: "الصحيح موقوف". السنن الكبرى، كتاب الرّضاع، باب رقم 5، حديث رقم 15668. ج7، ص761.(1/14)
قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ... } [الأحقاف: 15].
المعنى الإجمالي:
حث سبحانه وتعالى عباده على بر الوالدين، لأنَّ في رضاهما رضى الله، وفي سخطهما سخط الله (1) ، فأمر الله بالإحسان إليهما أمراً جازماً ، خاصةً الأم، التي حملت ابنها بِكرْهٍ ومشقة، ووضعته بكرهٍ ومشقة. والمدة الزمنية لحمله وفصاله هي: ثلاثون شهراً؛ أي عامين ونصف، والأم ما تزال تعاني خلال هذه الفترة الزمنية.
السرّ في تحديد هذه الفترة الزمنية:
في تحديد الحمل والفِصال بالفترة الزمنية البالغة "ثلاثون شهراً" من الحِكَم والأسرار ما لا يخفى: فقد دلَّت هذه الآية على أنَّ أقل مدة للحمل هي ستة أشهر، فمدّة الرضاع حولين كاملين كما تقدم. ولمّا كان مجموع مدّة الحمل والرضاع ثلاثون شهراً، فإذا أسقطنا الحولين الكاملين -وهي أربعة وعشرون شهراً- من الثلاثين؛ فإنه يبقى أقل مدة للحمل وهي ستة أشهر (2) .
__________
(1) عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد». الترمذي، محمد: السنن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، 1415هـ/ 1995م)، كتاب البر والصلة، باب رقم 3، حديث رقم 1904، ج4، ص310. وذكره الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة، (الرياض: مكتبة المعارف، ط2، 1407هـ/ 1987م)، رقم 516، ج2، ص29.
(2) انظر: ابن عطية، عبد الحق بن غالب: المحرر الوجيز، تحقيق: عبد السلام محمد، (بيروت: دار الكتب العلمية ، ط1، 1413هـ/ 1993م)، ج5، ص97. الرازي: التفسير الكبير، ج10، ص15.(1/15)
قال ابن كثير: "وقد استدلّ علي -رضي الله عنه- بهذه الآية، مع التي في لقمان { وفصاله في عامين } [لقمان: 14] وقوله تبارك وتعالى: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أنْ يُتمّ الرضاعة } [البقرة: 233] على أنَّ أقل مدّة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح، ووافقه عليه عثمان، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم" (1) .
__________
(1) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج4، ص166.(1/16)
ويُروى في ذلك أنه رُفع إلى عثمان بن عفان – رضي الله عنه- امرأة وَلدت لستة أشهر، فسأل عنها أصحاب النبي، فقال علي- رضي الله عنه-: لا رجم عليها، ألا ترى أنه يقول: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً» وقال: «وفصاله في عامين» وكان الحمل ههنا ستة أشهر، فتركها عثمان رضي الله عنه. وقيل: إنها ولدت مرّة أخرى لستة أشهر (1) .
وهذا التحديد القرآني لهذه الفترة الزمنية، وأنها أقل مدّة للحمل، هو ما أقره الطب الحديث، فيكون هذا من باب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
سابعاً: زمن العورات الثلاث (قبل الفجر، الظهر، بعد العشاء)
__________
(1) انظر الخبر في: الصنعاني، عبد الرزاق: المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (جوها نسبرغ: منشورات المجلس العلمي، ط1، 1392هـ/ 1972م)،كتاب الطلاق، باب التي تضع لستة أشهر، خبر رقم 13443، ج7، ص349-350. السيوطي، جلال الدين: الدر المنثور في التفسير المأثور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1990م)، ج6، ص9. وفي إحدى الروايات: أنه رُفع إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها، فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- فقالت: إنَّ عمر يرجم أختي، فأنشدك الله إنْ كنتَ تعلم أنَّ لها عذراً لما أخبرتني به، فقال علي: إنَّ لها عذراً، فكبرت تكبيرة سمعها عمر من عنده، فانطلقت إلى عمر، فقالت: إن علياً زعم أن لأختي عذراً، فأرسل عمر إلى علي، ما عذرها؟ قال: إنَّ الله عز وجل يقول: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين» وقال: «وحمله وفصاله ثلاثون شهراً» فالحمل ستة أشهر، والفصال أربعة وعشرون شهراً. فخلّى عمر سبيلها. ثم إنها ولدت بعد ذلك لستة أشهر. الصنعاني: المصنف، كتاب الطلاق، باب التي تضع لستة أشهر، خبر رقم 13444، ج7، ص350-351(1/17)
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [النور: 58].
المعنى الإجمالي:
تبين هذه الآية للمؤمنين، ضرورة أن يستأذن أطفالهم والذين ملكت أيمانهم، قبل الدخول عليهم، في ثلاثة أوقات، هي:
1- «مِن قبل صلاة الفجر» أي في الليل؛ وقت النوم والخلود للراحة.
2- «وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة» أي وقت الظهر؛ حين تخلعون ثيابكم للقيلولة.
3- «ومن بعد صلاة العشاء» أي وقت إرادتكم النوم، واستعدادكم له.
فهذه الأوقات الثلاثة عوراتٍ لكم، فعلِّموا أيها المؤمنون عبيدَكم وخدمَكم وصبيانَكم، ألاّ يدخلوا عليكم فيها إلا بعد استئذان. أمّا غير هذه الأوقات؛ فليس في عدم استئذانهم حرج، حتى لا يكون في ذلك مشقة عليهم، لأنهم يطوفون عليكم، ويكثرون من الدخول والخروج (1) .
السر في تحديد الاستئذان بهذه الأوقات الثلاثة:
أما السر في تخصيص هذه الأوقات الثلاثة بالاستئذان، من قِبَل الصغار والخدم دون غيرها، فذلك:
لأنها مظنّة انكشاف العورات، فالوقت قبل الفجر، هو وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم، ولبس ثياب اليقظة. ووقت الظهيرة، هو وقت وضع الثياب للقائلة، لأنَّ النهار يشتد حره في ذلك الوقت. وبعد صلاة العشاء، لأنه وقت التجرّد من ثياب اليقظة، والالتحاق بثياب النوم (2) .
__________
(1) انظر: المراغي: تفسير المراغي، ج18، ص131.
(2) انظر: الرازي: التفسير الكبير، ج8، ص418. أبو حيان: البحر المحيط، ج6، ص433.(1/18)
وفي هذا التشريع القرآني، أدبٌ إسلامي رفيع، وسرٌّ تربويّ بديع، يظهر من جانبين:
1- مراعاة الناحية النفسية والخُلُقية والعصبية للإنسان، فلا يُظنّ أنّ الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة، وأنَّ الصغار قبل البلوغ، لا ينتبهون لهذه المناظر، بينما يقرر النفسيون اليوم، أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم، هي التي تؤثر في حياتهم كلها، وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها، فالله سبحانه وتعالى، يؤدِّب المؤمنين بهذه الآداب، لبناء أمّة سليمة الأعصاب والصدور، ومهذبة المشاعر، وطاهرة القلوب (1) .
2- الحرص على التربية الإسلامية النظيفة للطفل، فلا ينظر الطفل أو الطفلة إلى العورات كأنها شيء عادي ، حتى إذا كبر لم يبال بكشف عورته، ولم تبالِ الفتاة بأن تمشي في الشارع مكشوفة العورة، بل "يجب أن ينشأ الأطفال على ستر العورة، حتى يكون ذلك كالسجية فيهم إذا كبروا" (2) .
ثامناً: مدة الصيام للمتمتع في الحج (عشرة أيام)
قال تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ واتقوا الله واعلموا أنَّ الله شديد العقاب } [البقرة: 196].
المعنى الإجمالي:
__________
(1) انظر: قطب، سيد: الظلال، ج4، ص2532 .
(2) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج18، ص292 .(1/19)
عليكم أيها المؤمنون؛ أنْ تُؤدُّوا الحج والعمرة تامّين بأركانهما وشروطهما، لوجه الله تعالى، فإذا مُنعتم من إتمام الحج أو العمرة بمرضٍ أو عَدُو، وأردتم التحلل، فعليكم أن تذبحوا ما تيسَّر من الهَدْي، ولا يجوز التحلل من الإحرام بالحلق أو التقصير، حتى يصل الهدْيُ المكان الذي يحلّ ذبحه فيه، وهو الحرم أو مكان الإحصار. ومن كان منكم أيّها المحرِمون مريضاً، أو به أذى من رأسه فاضطر للحلق، فعليه فدية. أمَّا إنْ كنتم آمنين من البداية، أو أَمِنْتُم بعد الإحصار، فمن أراد التمتُّع؛ أي اعتمر في أشهر الحج، واستمتع بما يستمتع به غير المحرم، من الطِيب والنساء وغيرها، فعليه ذبح ما تيسَّر له من الهدي، أما من لم يجد ثمن الهدي، فعليه صيام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعه إذا رجع إلى وطنه. وهذا الحكم خاص بغير أهل الحرم، أما سكان الحرم؛ فليس لهم تمتع، وليس عليهم هدي. ثم تختم الآية بالحث على تقوى الله، لأن تطبيق هذه الأحكام مرتبط بالتقوى، وباستشعار عقاب الله لمن خالف (1) .
السر في تحديد هذه الفترة الزمنية:
يُلحظ في الآية السابقة؛ أن الله سبحانه وتعالى، أوجب على المتمتع في الحج، الهدي، فمن لم يجد، فقد أوجب عليه الصيام، ومقدار هذا الصيام، هو عشرة أيامٍ من الزمن، وهذه العشرة موزعة على قسمين:
- قسم منها في الحج ، ومقداره ثلاثة أيام.
- وقسم منها بعد رجوع الحاج إلى وطنه، ومقداره سبعة أيام.
فما هي الحكمة وراء التحديد القرآني لهذه الفترة الزمنية؟ وما هو سرّ توزيعها على هذا النحو؟
يرى ابن عاشور – رحمه الله- أنَّ العَدَدين ثلاثة وسبعة مباركان، فيقول: "وقد سُئلتُ عن حكمة كون الأيام عشرة، فأجبتُ بأنه لعله نشأ من جمع سبعة وثلاثة، لأنهما عددان مباركان" (2) .
__________
(1) انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1، ص286- 291. المراغي: تفسير المراغي، ج1، ص276- 269.
(2) ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج2، ص229.(1/20)
أما حكمة توزيع الأيام العشرة إلى عددين متفاوتين، فذلك لما في حالة الاشتغال بالحج من تعبٍ ومشقة فناسبه الزمن الأقل، وهو الأيام الثلاثة. ولما في حالة الاستقرار عند الأهل من السكون والراحة، فناسبه الزمن الأكثر، وهو الأيام السبعة (1) .
أمَّا السرّ في قوله تعالى عن الثلاثة والسبعة بأنها " عشرة" مع أنَّ ذلك معلوم، فذلك:
لأنه ربما توهَّم متوهِّم، أنه مخير بين الأمرين (ثلاثة في الحج أو سبعة إذا رجع) لأن الواو قد تأتي بمعنى (أو)، كما في قوله تعالى: { مثنى وثلاث ورباع } [النساء: 3] فيكون بقوله: "عشرة" قد أزال احتمال التخيير (2) .
وعلى هذا تكون هذه المدّة الزمنية (عشرة أيام) قد عُلمت جملةً كما عُلمت تفصيلاً، فيُحاط بها من وجهين، فيتأكد العلم، فإن أكثر العرب لا تعرف الحساب، واللائق هو الخطاب الذي يفهمه الخاص والعام، وهو ما يكون بتكرار الكلام، وزيادة الإفهام (3) .
__________
(1) انظر: المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.
(2) انظر: الزجاج، إبراهيم بن السري: معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل شلبي، (بيروت: عالم الكتب، د.ر، د.ت)، ج1، ص268. ابن عطية: المحرر الوجيز، ج1، ص270.الرازي: التفسير الكبير، ج2، ص310.
(3) انظر: القاسمي، محمد: محاسن التأويل، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1415هـ/ 1994م)، ج1، ص499. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج1، ص207.(1/21)
وأمَّا الحكمة من وصف العشرة بأنها "كاملة" فإنما هو زيادة توصية بصيامها، وأن لا يُتهاون فيها، ولا يُنقص من عددها (1) . لأن الأجر الحاصل بصيامها، كامل لا نقص فيه، وذلك" أنَّ المعتاد أنّ يكون البَدَل أضعف حالاً من المُبْدَل، كما في التيمم مع الماء، فالله تعالى بين أنَّ هذا البَدَل ليس كذلك، بل هو كاملٌ في كونه قائماً مقام المبدَل، ليكون الفاقد للهدي، المحتمل لكلفة الصوم، ساكن النفس إلى ما حصل من الأجر الكامل مِنْ عند الله" (2) .
تاسعاً: مدة تأجيل الكفار بعد نزول براءة (أربعه أشهر)
قال تعالى: { فسِيحُوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأنَّ الله مخزي الكافرين } [التوبة: 2]
المعنى الإجمالي:
هذا خطاب من الله للمؤمنين، يبين لهم ما يجب قوله للمشركين، الذين برئ الله ورسوله من عهودهم؛ أي قولوا لهم: لكم الأمان أيها المشركون مدّة أربعة أشهر من حين البراءة، تنتقلون فيها حيث شئتم، واعلموا أنكم حيث كنتم خاضعون لسلطان الله، وأنتم لا تعجزونه، والله كاتب الخزي على الذين يجحدونه (3) .
السرّ في تأجيلهم هذه الفترة الزمنية:
__________
(1) انظر: الزمخشري، محمود: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م)، ج1، ص293.
(2) الرازي: التفسير الكبير، ج2، ص310.
(3) انظر: المراغي: تفسير المراغي، ج10، ص54.(1/22)
أمّا الحكمة في تحديد هذه المدّة الزمنية (أربعة أشهر)، فهي أن يكون لدى المشركين فُسحة من الوقت للنظر والتفكّر في عاقبة أمرهم، والاختيار بين الإسلام والاستعداد للقتال، إذا هم أصروا على شركهم وعدوانهم، فإنه ليس لهم بعد هذه المدّة إلا الإسلام أو القتل، فيصير هذا داعياً لهم إلى الدخول في الإسلام من جهة، أو الاستعداد لخوض الحرب مع المسلمين من جهةٍ أخرى، وذلك لئلا يُنسب المسلمون إلى الغدر، وليعلم هؤلاء أنّ المسلمين غير مكترثين بهم وباستعدادهم في هذه الأشهر (1) .
وفي هذا التأجيل ما يشير إلى عظيم رحمة هذا الدين، خاصةً في ذلك الزمن، حيث لم يكن بين المجتمعات آنذاك إلا القدرة على الغزو أو العجز عنه، بلا إنذار ولا إخطار، ولا رعاية لعهد، متى سنحت الفرصة. "ولكنّ الإسلام هو الإسلام، منذ ذلك الزمان، ذلك أنه منهج الله الذي لا علاقة له بالزمان في أصوله ومبادئه. فليس الزمان هو الذي يرقّيه ويطوّره، ولكنه هو الذي يُرَقي البشرية ويطورها حول محوره وداخل إطاره؛ بينما هو يواجه واقعها المتطور المتغيّر- بتأثيره- بوسائل متجددة ومكافئة لما يطرأ عليها في أثناء تحركه بها قُدُماً من تطوّر وتغير" (2) .
وإنما حُددت هذه المدّة بأربعة أشهر دون زيادة على هذا الزمن، لقوة المسلمين آنذاك، بخلاف صلح الحديبية ؛ فإنه كان على عشر سنين، لضعف المسلمين آنذاك (3) .
__________
(1) انظر: الطباطبائي، محمد: الميزان في تفسير القرآن، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، 1394هـ/ 1974م)، ج9، ص148. اطفيش، محمد: تيسير التفسير، (عُمان: منشورات وزارة التراث القومي والثقافة، د.ر، 1409هـ/ 1989م)، ج4، ص426.
(2) قطب، سيد: الظلال، ج3، ص1559.
(3) انظر: القنوجي، صديق حسن خان: فتح البيان في مقاصد القرآن، (قطر:دار إحياء التراث الإسلامي، د.ر، 1410هـ/1989م)، ج5، ص230.(1/23)
فهذه المدّة إذاً تتناسب مع حالة الأمة الإسلامية قوّة وضعفاً، فحينما كان المسلمون ضعفاء، كان عهدهم في الحديبية عشر سنين، بينما لم تعدْ هناك حاجة لإطالة هذه المدّة أكثر من أربعة أشهر، بل إنَّ الأربعة أشهر تُعدّ كثيرة، ولا تحتاج إلى زيادة عليها في مثل هذه الحالة من قوّة المسلمين. وهو ما يدل عليه قول الألوسي رحمه الله:" وجَعَلَ المدّة أربعة أشهر، قيل: لأنها ثلث السنة، والثلث كثير" (1) .
خاتمة:
نخلُصُ مما سبق إلى أنَّ ارتباط الأحكام التشريعية ـ سالفة الذكر ـ بفترات زمنية محددة، جاء وِفْقَ تقدير الشارع الحكيم، وقد لمسنا في هذا التحديد الزمني حِكَماً وأسراراً رفيعة، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1. في تحديد مدّة الإيلاء بأربعة أشهر حفاظٌ على حقوق المرأة، وحماية لها من الأذى، لأنَّ في إبقائها كالمُعلَّقة إضرارٌ بها وتحطيمٌ لكيانها.
2. في تحديد عدّة المطلقة بثلاثة قروء حماية للأنساب من الاختلاط، وإعطاءُ فرصةٍ للزوجين لإعادة النظر في إمكانية إصلاح الخلل القائم بينهما، وصيانةٌ لعقد الزواج من التلاعب فيه أو الاستهانة به.
3. في تحديد عدّة المتوفَّى عنها زوجها بـ «أربعة أشهر وعشرا» حرصٌ على التيقُّن من براءة الرحم، وتخفيفٌ للعَنَت الذي أقامته الجاهلية على المرأة المتوفَّى عنها زوجها.
4. في تحديد عِدَّة اليائس والصغيرة بثلاثة أشهر، وعِدَّة الحامل بوضع الحمل، إزالةٌ لِلّبْس الحاصل في هذا الموضوع. وتحديدُها بالشهور بالنسبة للصغيرة واليائس؛ فذلك لأنَّ أغلب عوائد النساء أنْ يكون كلّ قرءٍ في شهر، وتحديدُها بوضع الحمل بالنسبة للحامل؛ فلأنَّ ذلك أدلّ على براءة الرحم.
5. في تحديد مدة رضاع الطفل بحولين كاملين حفاظٌ على الطفل من الناحيتين الصحية والنفسية، وقَطْعٌ للنزاع القائم بين الزوجين حول مدّة الرضاع.
__________
(1) الألوسي، محمود: روح المعاني، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، د.ت)، ج10، ص46.(1/24)
6. في تحديد الحمل والفصال بالفترة الزمنية البالغة «ثلاثون شهراً» بيانٌ لأقلّ مدةٍ ممكنة للحمل، وفي هذا قَطْعٌ للنزاع الذي يمكن أن يحدث في هذا الموضوع.
7. في تخصيص أوقات معينة من اليوم بالاستئذان، حرصٌ على التربية الإسلامية النظيفة، من خلال مراعاة الناحية الخُلُقية، وعدم التهاون في كشف العورات أمام الأطفال والخدم.
8. في تأجيل الكفار بعد نزول براءة مدة أربعة أشهر ما يشير إلى عظيم رحمة الدين، والمتمثلة في إعطاء المشركين فُسحة من الوقت للنظر والتفكُّر في عاقبة أمرهم.
قائمة المراجع
1. أبو حيان، محمد بن يوسف: البحر المحيط، تحقيق: عادل عبد الموجود وآخرون، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ/ 1993م).
2. ـــــــــ: النهر الماد من البحر، تحقيق: عمر الأسعد، (بيروت: دار الجيل، ط1، 1416 هـ/ 1995م) .
3. الألباني، محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الصحيحة، (الرياض: مكتبة المعارف، ط2، 1407هـ/ 1987م).
4. الألوسي، محمود: روح المعاني، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، د.ت).
5. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: الفتاوى، (الرياض: دار عالم الكتب، د.ر، 1412هـ/1991م).
6. ابن عاشور، محمد الطاهر: التحرير والتنوير، (تونس: الدار التونسية للنشر، د.ر، 1984م).
7. ابن عطية، عبد الحق بن غالب: المحرر الوجيز، تحقيق: عبد السلام محمد، (بيروت: دار الكتب العلمية ، ط1، 1413هـ/ 1993م).
8. ابن كثير، إسماعيل: تفسير القرآن العظيم، (بيروت: دار الخير، ط1، 1410هـ /1990م).
9. ابن منظور، محمد: لسان العرب، (بيروت: دار صادر، د.ر، د.ت).
10. اطفيش، محمد: تيسير التفسير، (عُمان: منشورات وزارة التراث القومي والثقافة، د.ر، 1409هـ/ 1989م).
11. البخاري، محمد بن إسماعيل: الجامع الصحيح، (بيروت: دار الفكر، د.ر، 1416هـ/1996م).(1/25)
12. البقاعي، إبراهيم بن عمر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/1995م).
13. البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى، تحقيق: محمد عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1414هـ/1994م).
14. الترمذي، محمد: السنن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، 1415هـ/ 1995م).
15. الجصاص، أحمد بن علي الرازي: أحكام القرآن، (د،م: مطبعة الأوقاف الإسلامية بدار الخلافة، د.ر،1335هـ).
16. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، (حلب: مكتبة المطبوعات الإسلامية، د.ر، د.ر).
17. الدارقطني، علي بن عمر: السنن، تحقيق: عبد الله المدني، (القاهرة: دار المحاسن، د.ر، 1386هـ/ 1966م).
18. الرازي، محمد بن عمر: التفسير الكبير، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1415هـ/ 1995م).
19. رضا، محمد رشيد: المنار، (بيروت: دار المعرفة، ط2، د.ت).
20. الزجاج، إبراهيم بن السري: معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل شلبي، (بيروت: عالم الكتب، د.ر، د.ت).
21. الزحيلي، وهبة: الفقه الإسلامي وأدلته، (دمشق: دار الفكر، ط3، 1409هـ/ 1989م).
22. الزمخشري، محمود: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ/ 1995م).
23. السعدي، عبد الرحمن: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1417هـ/ 1996م).
24. السيوطي، جلال الدين: الدر المنثور في التفسير المأثور، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/1990م).
25. الصابوني، محمد: صفوة التفاسير، (القاهرة: دار السلام، ط1، 1416هـ/ 1996م).
26. الصنعاني، عبد الرزاق: المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (جوها نسبرغ: منشورات المجلس العلمي، ط1، 1392هـ/ 1972م).
27. الطباطبائي، محمد: الميزان في تفسير القرآن، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، 1394هـ/ 1974م).(1/26)
28. القاسمي، محمد: محاسن التأويل، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1415هـ/ 1994م).
29. القرطبي، محمد: الجامع لأحكام القرآن، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ر، 1405هـ/ 1985م).
30. قطب، سيد: في ظلال القرآن، (بيروت: دار الشروق، ط22، 1414هـ/ 1994م).
31. القنوجي، صديق حسن خان: فتح البيان في مقاصد القرآن، (قطر:دار إحياء التراث الإسلامي، د.ر، 1410هـ/1989م).
32. كشك، عبد الحميد: في رحاب التفسير، (القاهرة: المكتب المصري الحديث، د.ر، د.ت).
33. المراغي، أحمد مصطفى: تفسير المراغي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1394هـ/1974م).
34. William ,W. peck , JR , Obstetrics and Gynecology, 4Th Edition, 19970(1/27)