أثر الوراثة والبيئة في بناء الشخصية الإنسانية
في السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر - دراسة مقارنة
د. عماد عبدالله محمد الشريفين
د. أحلام محمود علي مطالقة
كلية الشريعة، جامعة اليرموك
عمان - الأردن
تاريخ الاستلام : 06/01/2008 ... تاريخ القبول : 17/07/2008
الخلاصة
يهدف البحث إلى بيان أثر الوراثة والبيئة في بناء الشخصية الإنسانية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر، وذلك من خلال بيان أثر الوراثة، والبيئة في البناء الجسدي، والعقلي، والنفسي، والسلوكي للإنسان في كل من السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر، وقد توصل الباحثان إلى أن الوراثة والبيئة تتفاعلان وتسهمان في بناء الشخصية الإنسانية بجوانبها الجسمية، والعقلية، والنفسية، والسلوكية. وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية، والدراسات النفسية الحديثة.
المقدمة :
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم ، والصلاة والسلام على من أحسن توجيهه إلى الخير في الدنيا والآخرة وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد،(1/1)
فخلال العقود الماضية كانت أغلب الأساسيات التي يركز عليها المنظرون في علم نفس الشخصية موضوع الوراثة، والبيئة، وكيف تعمل الوراثة مع البيئة في المساهمة في بناء الإنسان ونموه، ومع مرور الوقت تغيرت أشكال المناقشة والجدل، بل وتغيرت طبيعة السؤال المطروح، حيث كان السؤال: ما سبب التغير في البناء، هل الوراثة أم البيئة؟ فكان أصحاب الاتجاه البيئي يفترضون أن عقل الإنسان صفحة بيضاء تضاف إليه المعلومات من خلال الخبرة، والتفاعل مع البيئة، وأصحاب الاتجاه الوراثي يفترضون أن الوراثة أكثر قوة في تحديد خطوات النمو، وبناء الشخصية. وفي القرن التاسع عشر، ومنتصف القرن العشرين كان موضوع التساؤل هو: كم تشارك العوامل الوراثية في بناء الشخصية مقارنة بالعوامل البيئية؟ ومن خلال الأساليب الإحصائية تُوصل عام 1928م إلى أن الوراثة تساهم بمعدل (83%) في القدرة العقلية، أما البيئة فتساهم بمعدل (17%)، كما تُوُصِّل عام 1935م إلى أن الوراثة تؤدي دوراً أساسياً مقارنة بالبيئة، بينما بقي باحثون يعتمدون في دراساتهم على النتائج التي توصلت إليها دراسات في الولايات المتحدة، والتي أثبتت أن عامل البيئة أقوى في بناء الشخصية، وقدراتها، وبهذا فإن الجدل لم يستقر؛ مما أدى إلى إعادة تركيب السؤال ليصبح: بأي طريقة تتفاعل الوراثة مع البيئة(1) ؟.(1/2)
إن المتأمل في واقع علم النفس المعاصر يخلص إلى أن المنظرين قد ناقشوا بشكل معمق تأثير الوراثة، والبيئة في شخصية الإنسان، كما أجريت بحوث ودراسات وصلت إلى تضاد في النتائج لإثبات، أو نفي تأثير الوراثة أو البيئة في بناء شخصية الإنسان، والسؤال الذي يُطرَح هو: أين موقف الإسلام، وموقعه من هذه الدراسات؟ خاصة أنه وضع للإنسان أسساً في حياته تضمن له مسيرة طيبة، فالناظر في كتاب الله عزوجل، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يجد كماً من المعلومات، والنصوص، والأفكار التي ترتبط بشخصية الإنسان، وبنائه، لذا يعد هذا البحث بياناً للرؤية الإسلامية في تأثير الوراثة، والبيئة في بناء الشخصية الإنسانية، ومقارنتها بالدراسات النفسية.
مشكلة الدراسة وأسئلتها:
تعددت النظريات في تفسير أثر الوراثة والبيئة في بناء الشخصية، واختلفت باختلاف منهجية أصحابها فثمة من يرى أن الورثة تؤثر تأثيراً مباشراً في بناء الشخصية الإنسانية، وثمة رأي آخر يرى أن البيئة هي التي تؤثر في الشخصية، هذا في ظل غياب الرؤية الإسلامية للموضوع إذ يمكن صياغة مشكلة الدراسة بالسؤال الرئيس الآتي:
ما أثر الوراثة، والبيئة في بناء الشخصية الإنسانية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر؟ ويتفرع عن هذا السؤال المحوري السؤالان الآتيان:
1. ما أثر الوراثة في بناء الشخصية الإنسانية في جوانبها الجسمية، والعقلية، والسلوكية، والنفسية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر؟.
2. ما أثر البيئة في بناء الشخصية الإنسانية في جوانبها الجسمية، والعقلية، والسلوكية، والنفسية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر؟.
أهمية الدراسة:
يرى الباحثان أن أهمية الدراسة تتمثل في النقاط الآتية:
أولاً: أن هناك غبشاً في نظرة البعض إلى العوامل المؤثرة في الشخصية هل هي الوراثة أم البيئة وهذه الدراسة تحاول إزالة الغبش وإيضاح الصورة.(1/3)
ثانياً: التركيز على الجانب الشرعي والنفسي معاً.
ثالثاً: الدراسة الحالية تمثل دعوة للمقارنة بين معطيات علم النفس المعاصر والمعطيات الإسلامية وفتح مجالات جديدة للبحث العلمي.
رابعاً: الدراسة تسهم في مساعدة الوالدين والمربين في تربية الأبناء وتبصيرهم بإمكانية تعديل سلوك الأبناء وفق معطيات البيئة.
أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف الآتية:
? بيان مفهوم كل من: الوراثة، البيئة، الشخصية.
? بيان تأثير الوراثة في بناء الشخصية الإنسانية في جوانبها العقلية والجسمية والنفسية، والسلوكية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر.
? بيان تأثير البيئة في بناء الشخصية الإنسانية في جوانبها العقلية والجسمية والنفسية، والسلوكية من منظور السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر.
? بيان أوجه التشابه والاختلاف في تأثير الوراثة والبيئة في بناء الشخصية الإنسانية بين السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر.
متغيرات الدراسة:
يرى الباحثان أن هذه الدراسة تشتمل على نوعين من المتغيرات:
1 - المتغيرات المستقلة وهي الوراثة والبيئة.
2 - المتغيرات التابعة: وهي البناء الجسدي، والبناء العقلي، والبناء النفسي، والبناء السلوكي(2).
الدراسات السابقة:
في حدود اطلاع الباحثين وبعد مراجعة المكتبات المختصة، لم يعثر على أية دراسة تحمل العنوان أو المضمون ذاته، ولكن ثمة دراسات تتعلق ببعض جزئيات البحث منها.
أ. الرسائل الجامعية:
1. نحو بناء نظرية إسلامية في الشخصية(3).
هدفت الدراسة إلى بيان مفهوم الشخصية ومراحل تطورها والعوامل المؤثرة فيها، إلا أن الباحث لم يفصّل في العوامل المؤثرة في الجوانب المختلفة للشخصية.
2. الأساس الفطري للتربية الإسلامية(4).(1/4)
هدفت الدراسة إلى بيان الإطار العام للأساس الفطري في التربية الإسلامية، وبيان علاقة كل من الوراثة والبيئة بالفطرة، وتلتقي مع الدراسة الحالية في علاقة الوراثة بالفطرة الإنسانية.
3. النمو الإنساني من منظور إسلامي(5).
هدفت الدراسة إلى بيان معالم الرؤية الإسلامية للنمو الإنساني، وتلتقي مع الدراسة الحالية في الكشف عن العوامل المؤثرة في النمو، إلا أن الباحث لم يتوسع في بيان تأثير الوراثة والبيئة في الجوانب المختلفة للشخصية ولم يقارن رؤيته الإسلامية مع ما توصل إليه الفكر التربوي المعاصر.
ب. الكتب المطبوعة:
تعددت الكتب التي تناولت جزئيات تتعلق بموضوع الدراسة ومن أهم هذه الكتب:
1 - الوراثة وأمراض الإنسان(6).
2 - البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية(7).
3 - الشخصية من منظور نفسي إسلامي(8).
4 - النمو الإنساني، أسسه وتطبيقاته(9).
5 - علم الأمراض النفسية، والعقلية، الأسباب، الأعراض، التشخيص، والعلاج(10).
وقد كان من أهم النقاط التي تمتاز بها هذه الدراسة عن غيرها من الدراسات السابقة.
أولاً: بيان تأثير الوراثة والبيئة في كل جانب من جوانب الشخصية منها: الجانب الجسدي، الجانب العقلي، الجانب النفسي، الجانب السلوكي وليس الحديث عن الشخصية بشكل عام كما في الدراسات السابقة.
ثانياً: بيان تأثير الوراثة والبيئة في المنظور الشرعي والمنظور التربوي بشكل مقارن وهذا ما تخلو منه أي دراسة سابقة.
ثالثاً: بيان أوجه التشابه والاختلاف بين المنظور الشرعي والتربوي.
منهج الدراسة:
اعتمد الباحثان في دراستهما المنهجين التاليين:
أولاً: المنهج الاستقرائي، وذلك من خلال:
1 - جمع النصوص ذات العلاقة بموضوع الدراسة من القرآن الكريم، والسنة المطهرة.
2 - الرجوع إلى كتب التفسير، وشروح الحديث؛ لبيان معاني النصوص.
3 - الرجوع إلى كتب التراث الإسلامي، وانتقاء النصوص ذات العلاقة بالموضوع.(1/5)
4 - الرجوع إلى المؤلفات المعاصرة والاستعانة بها في تحديد معالم البحث.
ثانياً: المنهج التحليلي:
حيث يعنى بوصف موضوع الدراسة، ولا يقف عند مجرد الوصف، وجمع المعلومات، بل يتعدى ذلك إلى التحليل، والتعليل، وبيان العلاقات.
خطة البحث التفصيلية:
المقدمة، وتشتمل مشكلة الدراسة وأسئلتها وأهميتها وأهدافها ومتغيراتها والدراسات السابقة ومنهجها.
المبحث الأول: مفاهيم الدراسة: الوراثة، البيئة، الشخصية.
المبحث الثاني: أثر الوراثة في بناء الشخصية الإنسانية في كل من السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر ويشمل:
المطلب الأول: أثر الوراثة في بناء الشخصية الإنسانية في الفكر التربوي المعاصر.
المطلب الثاني: أثر الوراثة في بناء الشخصية الإنسانية في السنة النبوية.
المبحث الثالث: أثر البيئة في بناء الشخصية الإنسانية في كل من السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر.
المطلب الأول: أثر البيئة في بناء الشخصية الإنسانية في الفكر التربوي المعاصر.
المطلب الثاني: أثر البيئة في بناء الشخصية الإنسانية في السنة النبوية.
الخاتمة، وتشمل أهم نتائج البحث.
المبحث الأول: المصطلحات الإجرائية
يحوي البحث مجموعة من المفاهيم، والمصطلحات التي لابد من بيانها، وتوضيحها وهي:
أولاً: الشخصية:
إنّ لفظ شخص لم يرد في القرآن الكريم، ولا في السنة النبوية المطهرة، إلا أن هناك ألفاظاً ومفردات تدل على هذا المصطلح كالنفس، والإنسان، والفرد، والمرء، والذات، وبهذا يندرج تحت هذا المصطلح كل ما ورد في النصوص عن الإنسان من حيث خُلُقه، وجبلته، ونشوؤه، وسلوكه، وخَلْقه، وتعامله، وشعوره، وخياله، وفكره، ومعتقده(11). أما في علم النفس فقد كثرت التعريفات، وتعددت، وهذه الكثرة ناتجة عن تعدد جوانب الشخصية، ومن هذه التعريفات:
? تعريف فلمنج Fleming: الذي يرى أن الشخصية هي "العادات والأعمال التي تؤثر في الآخرين(12).(1/6)
? تعريف وودورث (Wood worth) وماركويس (Marquies) الذي يرى أن الشخصية هي: "الأسلوب العام لسلوك الفرد كما يظهر في عاداته التفكيرية، وتعبيراته، واتجاهاته، وميوله، وطريقته، وسلوكه، وفلسفته الشخصية في الحياة"(13).
? تعريف البورت (Allport) الذي يرى أن الشخصية هي: "التنظيم الديناميكي في الفرد لجميع التكوينات الجسمية – النفسية، وهذا التنظيم هو الذي يحدد الأساليب الفردية التي يتوافق بها الشخص مع البيئة"(14).
? وقيل هي: "التنظيم الذي يتميز بدرجة من الثبات، والاستمرار لخلق الفرد، ومزاجه، وعقله، وجسمه، والذي يحدد توافقه المميز للبيئة التي يعيش فيها"(15).
إن المتأمل في التعريفات السابقة للشخصية يخلص إلى النتائج الآتية:
1. الشخصية مجموعة من الصفات المتداخل بعضها مع بعض.
2. الشخصية تجعل لكل فرد ذاتيته، واستقلاليته عن الآخر، وهي ثابتة إلى حدٍ ما.
3. الشخصية تتفاعل مع البيئة، وتؤثر فيها.
وبناءً على ذلك يرى الباحثان أن الشخصية مجموعة الصفات العقلية والجسدية والسلوكية والنفسية التي تجعل لكل فرد ذاتيته، واستقلاليته عن الآخرين، لذا فالبحث يدور حول تأثير العوامل الوراثية، والبيئية في الصفات العقلية، والجسمية، والسلوكية، والنفسية للإنسان، وتعد هذه الجوانب محددات للبحث.
ثانياً: الوراثة:(1/7)
الوراثة هي الطريقة التي تنتقل بها الصفات، والخصائص من الأصول إلى الفروع وتسبب تشابه الأحفاد، والأبناء بالآباء، والأجداد، أي "جميع العوامل الموجودة في الكائن الحي من اللحظة التي تتم فيها عملية تلقيح الخلية الأنثوية بالخلية الذكرية ..."(16) ، وهذه العوامل هي مجموعة الخصائص، والسمات الجسمية، والعقلية، والحسية، وغيرها والتي تنتقل عن طريق الجينات – الناقلات الوراثية التي تحملها الكروموسومات - وهذه الجينات تحدد السمات الوراثية عندما يخترق أحد الحيوانات المنوية الحاملة لـ (23) كروموسوماً البويضة الأنثوية الحاملة أيضاً لـ (23) كروموسوماً ويعرف هذا علمياً بطور البويضة المخصبة، فتؤثر في الإمكانات، والاستعدادات الوراثية للفرد بشكل مباشر، أو غير مباشر في بناء شخصيته، وتحدد سماتها وخصائصها(17).
ثالثاً: البيئة:
البيئة هي جميع العوامل الخارجية التي تؤثر تأثيراً مباشراً، أو غير مباشر منذ لحظة الإخصاب في رحم المرأة، وتشمل العوامل المادية، والاجتماعية، والثقافية، والحضارية(18) ، وهذه العوامل كثيرة جداً، وتشمل الأسرة، والأصدقاء، والمدرسة، وكل المعاقل التي يتلقى فيها النشء مختلف أنواع العلوم، ويكتسب القيم، والفضائل، والأخلاقيات، حيث تسهم في تشكيل شخصية الفرد، وفي تعيين أنماط سلوكه، وأساليبه في مجابهة مواقف الحياة، وكلما كانت صحية ومتنوعة أثرت إيجابياً في بناء الشخصية، ويمكن تقسيم البيئة إلى قسمين:
البيئة الداخلية (رحم الأم): حيث يتأثر الجنين في هذه المرحلة بعوامل عدة منها، الغذاء، والحالة الانفعالية، والنفسية، والأمراض التي تعتري الأم(19).
البيئة الخارجية: وتشمل البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية.
أ. البيئة الطبيعية: وتشمل كل ما يحيط بالفرد من ظروف مادية كالحرارة، والهواء، والضوء، والتضاريس.
ب. البيئة الاجتماعية: وتشمل الأسرة، وكل ما يحيط بالأسرة من علاقات، والمجتمع.
خلاصة المبحث:(1/8)
الشخصية: مجموعة الصفات الجسمية والعقلية والسلوكية والنفسية التي تجعل لكل فرد ذاتيته واستقلاله عن الآخرين.
الوراثة: هي مجموعة الخصائص التي تنتقل عن طريق النقالات الوراثية وتسبب تشابه الأحفاد والأبناء بالآباء والأجداد.
البيئة: مجموعة العوامل التي تؤثر تأثيراً مباشراً أو غير مباشر منذ لحظة الإخصاب وتشتمل العوامل المادية والاجتماعية والثقافية والحضارية.
المبحث الثاني: أثر الوراثة في بناء الشخصية
في السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر
يشمل هذا المبحث مطلبين:
الأول: أثر الوراثة في بناء الشخصية في الفكر التربوي المعاصر.
والثاني: أثر الوراثة في بناء الشخصية في السنة النبوية.
المطلب الأول: أثر الوراثة في بناء الشخصية في الفكر التربوي المعاصر:
يناقش هذا المطلب أثر الوراثة في بناء الشخصية من الجوانب الجسمية، والعقلية، والنفسية، والسلوكية من منظور الدراسات النفسية.
الفرع الأول: أثر الوراثة في البناء الجسدي للشخصية:
أشار علماء الوراثة إلى أن هناك خصائص وسمات جسدية تنتقل عن طريق الوراثة مثل لون العينين، والشعر، وشكل الأنف، حيث دلت الأبحاث العلمية على أن الأولاد يرثون الطول، والقصر، والضخامة، والنحالة، ولون الشعر، ولون العين، واتساعها، أو ضيقها، والصلع عند الرجال، وتفلطح القدمين، وقصر الأصابع، وغيرها من الصفات.
كما أثبتت الدراسات أن الوراثة مسؤولة عن بعض الأمراض الجسمية السائدة، أو الأمراض الجسمية المتنحية، والأمراض المرتبطة بكروموسوم الجنس، مثل مرض ضمور العضلات المعروف باسم "دودشات"، وهذا المرض يصيب الأطفال دون سن الخامسة، ويؤدي إلى ضمور العضلات، وموت المريض في العشرينات من العمر بسبب فشل التنفس، وضمور عضلات الرئة، وهو ناتج عن أب طبيعي، وأم حاملة لجين المرض، كما ثبت أن مرض الكساح له علاقة مباشرة بالجينات الوراثية(20).
الفرع الثاني: أثر الوراثة في البناء العقلي للشخصية:(1/9)
ثبت لدى علماء الوراثة أن الوراثة هي العامل الرئيس المحدد للسمات الجسمية من قبل الجنس، والطول، والوزن، ولون البشرة، كما ثبت أن عدداً من أوجه الشذوذ الجسمي، أو الطبي متصلة اتصالاً مباشراً في الجينات، إلا أنه عند الحديث عن وراثة الصفات، أو الخصائص العقلية مثل الذكاء، فإن الخلاف يثور، وندلل على الخلاف بالدراسات الخاصة لمعرفة أثر الوراثة في تحديد الذكاء، ومن أهم هذه الدراسات، الدراسة التي أجراها هرندون (Herndon) سنة 1954م، وأثبت فيها أثر الوراثة في تحديد مستوى الذكاء، والذي يمتد من (50%-75%) وهذه النتيجة تؤكد إلى حد كبير نتائج البحث الذي قام به بيركز (Berkes)، حيث بينت أن أثر الوراثة في تحديد نسبة الذكاء يصل إلى (75%)(21) ، ودراسات العالم الأمريكي آثر جنسن (Jensen) الذي يعتقد أن حوالي (80%) من الاختلافات بين الناس في الذكاء يمكن تفسيرها بالفروق الوراثية المباشرة بين هؤلاء الناس(22).(1/10)
واستدل من يدعو إلى أثر البيئة في الذكاء، وأنها تلعب دوراً مهماً في إعاقة نمو الذكاء، والقدرات العقلية، بحالة عزل الطفل عن المجتمع الإنساني، كما في حالة الأطفال الذئاب(23) ، أو حالة الجماعات المنعزلة التي تعيش في القرى النائية، وأكدت أبحاث جيزل ولورد التي أجرياها على أطفال ما قبل المدرسة الابتدائية في البيئات الاجتماعية، والاقتصادية العليا أن هؤلاء يتكلمون أسرع من أطفال البيئات الاجتماعية، والاقتصادية الدنيا، وهكذا يثبت أثر البيئة في القدرات العقلية(24) ، وظهر في الآونة الأخيرة رأي لبعض العلماء والذي يعد الذكاء قدرة كامنة تتحدد أصلاً نتيجة التكوين الوراثي للفرد، وأن للظروف البيئية تأثيرها في الذكاء ونموه، فالبيئة تتيح لهذه القدرة فرصة النمو والعمل، ومن الممكن للبيئة أن تعمل على تحسين الذكاء، وتطويره ويدل على ذلك الدراسة التي قام بها "كيفر" على (16) شاباً في إحدى مؤسسات ضعاف العقول، والتي تتراوح أعمارهم بين (15-18 سنة) عند بدء التجربة، وكان متوسط ذكائهم (66.3%) حسب اختبار بنيه، ومن ثم أعطي هؤلاء دروساً خاصة تهدف إلى إثارة نشاطهم العقلي، وفي نهاية التجربة كان متوسط ذكاء هذه المجموعة (76.4%) بزيادة قدرها (10.1% درجة)(25).(1/11)
إن المتأمل في العرض السابق للدراسات، والأبحاث يلحظ أن فريقاً من الباحثين أثبت أثر الوراثة في البناء العقلي، وفريقاً ثانياً أثبت أثر البيئة، وثالثاً قرر أن الذكاء قدرة كامنة موروثة، وللبيئة تأثير بالغ فيها، وهذا هو الرأي الأصوب؛ لأن الباحثين لا يستطيعان إلغاء أثر البيئة، كما لا يستطيعان إلغاء أثر الوراثة، فالتفاعل الدائم بين ما هو موروث، وما في البيئة هو الذي يحدد البناء العقلي للشخصية، وهذا ما توصل إليه علماء النفس من أن "عوامل الوراثة وعوامل البيئة معاً تتسبب في التباين الذي يلاحظ عادة بين درجات الذكاء عند الناس... فعوامل الوراثة تزودنا بمجموعة من الخصائص والمهارات التي تؤثر في سرعة تعاملنا مع بعض المهمات العقلية ولكن البيئة التي نعيش فيها تلعب دوراً جوهرياً كذلك"(26).
الفرع الثالث: أثر الوراثة في البناء النفسي، والسلوكي للشخصية:
يستدل بأثر الوراثة في بناء الشخصية من الجانب النفسي، والسلوكي في علم النفس بالدراسات التي أجريت على المنحرفين نفسياً، حيث قدمت أدلة على وجود معطيات وراثية عندهم، ومن هذه الأدلة وجود خلل بيولوجي فسيولوجي عند بعض المنحرفين نفسياً، حيث يتم توريث هذا الخلل من الآباء إلى الأبناء، بالإضافة إلى زيادة معدلات الاتفاق في الانحرافات النفسية عند التوائم المتماثلين أكثر من التوائم غير المتماثلين، وأخيراً فإن انتشار الانحرافات النفسية في اسر المنحرفين نفسياً أكثر من الأسر التي لا يوجد فيها انحراف، فإحدى الدراسات تشير إلى "أن (10%) من أبناء الأسر والذين يعانون من مرض الفصام كان أحد الوالدين يعاني من مرض الفصام، وترتفع هذه النسبة إلى (50%) من الأبناء إذا كان الوالدان فصاميين، ووجد أن معدلات الاتفاق بالإصابة بمرض الفصام عند التوائم المتشابهة تتراوح بين (6-86%)، بمتوسط قدره (50%)، وبين صفر و(19%) بمتوسط قدره (12%) عند التوائم غير المتشابهة"(27).(1/12)
ولكن هذا ليس محل اتفاق بين علماء الوراثة، فالدراسات تشير إلى دور الوراثة في الانحرافات النفسية والسلوكية، وهذا لا يمنع تأثير البيئة، وهذا يتفق مع نظرة علماء الاجتماع، فالمعطيات الوراثية لا تفعل فعلها، ولا تؤدي إلى انحرافات نفسية، وسلوكية إلا إذا تفاعلت مع ظروف بيئية سيئة، فالمعطيات الوراثية سبب، ولكنه غير كافٍ، وكذلك الظروف البيئية سبب أيضاً، ولكنه غير كافٍ، فتتفاعل المعطيات الوراثية مع الظروف البيئية، فتحدث الانحرافات النفسية، والسلوكية، فالإنسان لا يرث انحرافاً نفسياً، وإنما يرث استعدادات تجعله مهيئاًً للاضطراب النفسي، أو العقلي، ثم تأتي الظروف البيئية لتساعد في ظهور الانحرافات، وهذا ما أشار إليه علماء النفس من أن "الفرد لا يرث الاضطراب السلوكي أو المرض النفسي كما تورث الملامح الجسمية ولكنه يرث الاستعداد التكويني من والديه وأجداده ويظهر الاضطراب في حال وجود أو توفر العوامل المعززة له وهذا يحدث في حالة الفصام حيث يرث الفرد الاستعداد عبر مورثات متنحية وفي حالة المرح والاكتئاب حيث يرث الفرد الاستعداد عبر مورثات سائدة ذات تأثير كبير(28).
المطلب الثاني: أثر الوراثة في بناء الشخصية في السنة النبوية
يناقش هذا المطلب أثر الوراثة في بناء الشخصية من الجوانب الجسمية، والعقلية، والنفسية، والسلوكية من منظور التربية الإسلامية.
الفرع الأول: أثر الوراثة في البناء الجسمي للشخصية
ورد في السنة النبوية المطهرة العديد من الأحاديث التي تدل على أن الشخصية، أو البناء الجسمي للشخص يتأثر بصفات الآباء، والأجداد، فمن ذلك ما يرويه أبو هريرة أن رجلاً أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :" يا رسول الله ولد لي غلام أسود فقال: "هل لك من إبل؟ قال نعم، قال فما ألوانها؟" قال: حُمر، قال: هل فيها من أورق؟(29) " قال: نعم" قال: "فأنى ذلك؟" قال: لعله نزعة عرق، قال:" فلعل هذا نزعة عرق"(30).(1/13)
فالحديث الشريف يؤكد أن السمات الجسدية مثل اللون تنتقل بالوراثة من الأجداد إلى الأحفاد، حتى وإن لم تظهر في الوالدين، فالحديث الشريف يؤكد الأثر الوراثي للأجداد، والأسلاف - مهما بعدوا - في الإنسان، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ضرب مثالاً واقعياً للأعرابي الناكر للون ابنه الذي لا يشبهه، وهذا ما أكدته الأبحاث العلمية من أن تأثيرات الوراثة في الخصائص الموروثة تنتقل من الأجداد إلى الأحفاد وإن نزلوا.
وورد في حديث آخر تأكيد لانتقال الصفات الجسدية من الآباء إلى الأبناء، فعن العباس سهل عن أبيه، قال: "لما تلاعنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقبضها إليك حتى تلد، فإن تلده مثل وحره، فهو لأبيه عويمر الذي انتفى منه، وإن تلده أسود اللسان والشعر، فهو لابن السحماء الرجل الذي يرمى به، قال عويمر: فلما ولدته أتيت به فاستقبلني مثل الفروة السوداء، ثم أخذت بلحييه، فاستقبلني لسانه مثل التمرة، فقلت صدق الله ورسوله"(31). فالحديث الشريف يؤكد انتقال الصفات الجسدية من الآباء إلى الأبناء، فالمرأة ولدت غلاماً بصفات مشابهة للرجل الذي اتهمت به.
وثمة أحاديث تشير إلى أن الولد يتأثر بشكل الأم، وقد يشبه أعمامه، أو أخواله، ويدل على ذلك ما روته أم سلمة - رضي الله عنها - حيث قالت: "جاءت أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ فقال:" تربت يداك، فبم يشبهها ولدها؟"(32).
وموطن الاستدلال في الحديث كلمة "فبم يشبهها ولدها" وهي كلمة عامة، أي أن الولد يشبه أمه في السمات الجسدية الظاهرة من طول، وقصر، وشكل، وقد يفهم من هذه العبارة الصفات المزاجية، والخصائص العقلية، والنفسية(33).(1/14)
وقوله - عليه السلام - فيما ترويه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها - أن امرأة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"هل تغتسل المرأة إذا احتلمت، وأبصرت الماء؟ فقال: نعم، فقالت لها عائشة: تربت يداك وألت، قالت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : دعيها، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الولد أعمامه(34).
قال ابن حجر:" إن المراد بالعلو هنا السبق لأن كل من سبق فقد علا شأنه، فهو علو معنوي، والمراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه بحسب الكثرة، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه، فبذلك يحصل الشبه"(35). والعلم الحديث يؤكد أن المرأة تفرز بويضات كلها تحمل إشارة الأنوثة (X) ويفرز الرجل خلايا منوية يحمل بعضها إشارة الأنوثة (X)، وبعضها الآخر إشارة الذكورة (Y)، فإذا اخترقت الخلايا المنوية من (X) بويضة الأنثى كان الجنين بنتاً وإذا اخترقت الخلايا المنوية من نوع (Y) بويضة الأنثى كان الجنين ذكراً(36).
وقد لا تظهر الصفات الجسدية إلا للخبراء، ومن ذلك قصة مجزر المدلجي، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "دخل عليّ رسول الله ذات يوم مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال:" الم تري أن مجزر المدلجي نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، فقال: هذه الأقدام بعضها من بعض"(37).
فالحديث الشريف يدل على تأثير الوراثة في صفات جسدية غير واضحة للناس، فكما يذكر أن هناك اختلافاً في اللون بين أسامة، وزيد - رضي الله عنهما -، ولكن القائف(38) مجزر المدلجي عرف العلاقة بينهما من خلال النظر إلى القدمين.
نخلص من النصوص النبوية السابقة إلى أن التربية الإسلامية أشارت بوضوح إلى تأثير الوراثة في البناء الجسدي للشخصية، وقد تكون الصفات الجسدية واضحة، وبيّنة، وقد تعرف من خلال الخبراء، إلا أن الخلاصة هي تأثير الوراثة في البناء الجسدي للإنسان.(1/15)
الفرع الثاني: أثر الوراثة في البناء العقلي والنفسي والسلوكي للشخصية
قبل عرض النصوص التي قد يستدل بها على تأثير الوراثة في الجوانب العقلية والنفسية، والسلوكية للشخصية، لابد من توضيح مفهوم الفطرة التي لها علاقة مباشرة في فهم دور الوراثة في بناء الشخصية من الجوانب العقلية، والنفسية، والسلوكية.
مفهوم الفطرة الإنسانية:
اختلف العلماء في معنى الفطرة ولكنهم جميعاً يؤكدون أنها أمر فيه صلاح الإنسانية، وخيرها(39) ، ويدل على هذا أن القرآن الكريم نسب الفطرة إلى الله تعالى، وهذا يعني أنها أمر محمود، وفي القرآن الكريم تأتي نسبة الشيء المحمود إلى الله تعالى، وإن كان خالقاً، ورباً لكل شيء سبحانه وتعالى، ومن تعريفات الفطرة: "أنها النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، والفطرة التي تخص الإنسان هي ما خلقه عليه جسداً، وعقلاً، فمشي الإنسان فطرة جسدية، ومحاولته أن يتناول الأشياء برجليه خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها، والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية..."(40) ، وقيل: هي الميل المركوز في أصل الخِلقة لتفضيل الإسلام، والأخذ به، وليس منها مجرد ولادة الطفل على خلقه خالية، لا إيمان بها ولا كفر، ولا معرفة، ولا إنكار كالصفحة البيضاء"(41) ، وقيل: "بصيرة ثابتة في جوهرها يولد المرء مزوداً بها لتنزع به نحو الخير في صورته الكلية المجملة (توحيد الله) وتمثل في جوانبها الروحية، والعقلية، والنفسية نظاماً متكامل الحلقات"(42) ، وبناءً عليه يرى الباحثان أن للفطرة مفهومين، مفهوماً خاصاً، وهو التوحيد، ومفهوماً عاماً وهو الخصائص والصفات التي خلق الله الناس عليها وتشمل الدوافع الفطرية، والاستعدادات العقلية، والنفسية، والأخلاقية المزود بها، وظهور التساؤلات عن الكون، والحياة، والإنسان، واتفاق عقول الناس، والارتياح لما يعد معروفاً، والنفور مما يعد منكراً.(1/16)
أما النصوص التي يستدل بها على تأثير الوراثة في الجوانب العقلية، والنفسية، والسلوكية، فيمكن تقسيمها إلى مجموعتين: الأولى: نصوص تدل على تأثير الوراثة في بناء الشخصية بشكل عام، ولا تدل على الجوانب العقلية، والنفسية، والسلوكية بشكل خاص، والأخرى: نصوص يفهم منها تأثير الوراثة، وفي حقيقتها لا تدل على تأثير الوراثة، وإنما تدل على تأثير البيئة، وفيما يلي عرض للمجموعتين.
المجموعة الأولى: النصوص التي تدل على تأثير الوراثة في بناء الشخصية بشكل عام دون تخصيص أي جانب:
1. حديث أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "جاءت أم سليم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نعم، إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة؟ فقال:" تربت يداك فبم يشبهها ولدها"(43). وموطن الاستدلال في الحديث الشريف "فبم يشبهها ولدها"، وهي كلمة عامة تدل على أن الولد قد يشبه أمه في السمات الجسدية، والمزاجية، والخصائص العقلية، والنفسية.
2. حديث عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - في حادثة المرأة التي سألت عن الاحتلام يقول - عليه السلام - : "دعيها، وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك، إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الولد أعمامه"(44) ، وموطن الاستدلال في الحديث الشريف كلمة "الشبه" الذي قد يكون للأعمام، أو الأخوال.
3. قوله - عليه السلام - : "تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه أخواتهن أو إخوانهن"(45).
4. قوله - عليه السلام - :" تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس"(46). وكلمة العرق تعني "جيناً" في علم الوراثة(47).
5. قوله - عليه السلام - :" تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم"(48).(1/17)
فهذا حديث عام يحث فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على اختيار الزوجة الصالحة الكفء، ذات الصفات الحميدة، والصحة الجيدة، لأن تلك الصفات التي تتحلى بها الزوجة تنتقل إلى الأبناء، فالزوجة الكفء تكسب الأبناء الصفات الحميدة، والصحة الجيدة، فصحة الزوجات، وكفاءتهن لها أثر واضح في صفات الأولاد وكفاءتهم(49).
6. ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - أنه قال لبني السائب وقد اعتادوا الزواج بقريباتهم: "مالي أراكم يا بني السائب قد ضويتم (ضعفتم، وهزلتم)، غربوا النكاح لا تضووا"(50).
فالأثر لا يدل على تأثير الوراثة في الجوانب العقلية، والنفسية، والسلوكية خاصة، وإنما يدل على الحرص على نجابة الولد، وضمان سلامته من الأمراض، والعاهات الوراثية، ففي التغريب تزداد الأجسام صلابة، وقوة، وتماسكاً، في حين أن الزواج من القريبات، ولأسباب وراثية يجعل النسل ضعيفاً من حيث الجسم، والذكاء، وقد يورث الأولاد صفات خلقية ذميمة، وعادات اجتماعية مستهجنة(51).
يقول علماء الوراثة: "إن التزواج بين الأقارب من الدرجة الأولى ينقل الأخطاء في المورثات أو الضعف، أو الأمراض، أو العاهات إلى الأجيال بنسبة خمسين بالمئة، والزواج من الأقارب من الدرجة الثانية بنسبة اثنى عشر بالمئة، ومن الدرجة الثالثة بنسبة ستة بالمئة"(52).
وقد أثبت العلم الحديث أن زواج الأقارب ينتج ذرية لدى أفرادها استعداد كبير للأمراض والتشوه بعيوب خلقية .... وأن درجة التناسل تقل حتى قد تصل إلى العقم، في حين أن زواج الأباعد ينتج ذرية تفوق أياً من الأبوين على السواء، كما ثبت أن زواج الأقارب يظهر العديد من الأمراض مثل الصم والبكم والتهاب الشبكية، والصرع والقزمية وضيق عظام المخ، وحساسية الجهاز التنفسي، والشعر الهش وضعف الذاكرة واضمحلال عضلات الأطراف(53).
المجموعة الثانية: النصوص التي قد يفهم منها تأثير الوراثة، وفي حقيقتها لا تدل على ذلك:(1/18)
1 - قوله تعالى: ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ?? ? ں ں ? ژ [آل عمران: 33-34]. يستدل بهذه الآية على إثبات تأثير الوراثة في الصفات المذكورة العقلية، والنفسية، والسلوكية، وفي حقيقتها لا تدل على أثر الوراثة في الصفات، فقد كان من أبناء آدم - عليه السلام - الكافر، وكذلك من أبناء نوح - عليه السلام - ، ولو كانت تعني الوراثة لكان جميع الخلق موحدين، لأن الذرية تعود إلى آدم، فالآية تدل على بيان من اصطفاهم الله من عباده واختارهم لحمل رسالته، فهذه الذرية بعضها من بعض، وليس من الضروري أن تكون ذرية النسب، وقد ذكر آدم، ونوحاً فردين، وآل إبراهيم وآل عمران أسرتين؛ إشارة إلى أن آدم بشخصه، ونوحاً بشخصه هما اللذان وقع عليهما الاختيار، والاصطفاء، أما إبراهيم، وعمران فكان الاصطفاء لهما، ولذريتهما على قاعدة وراثة النبوة والبركة في البيت، فليست وراثة دم، وإنما وراثة عقيدة(54). يقول الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه أن الله اجتبى آدم ونوحاً واختارهما لدينهما وآل إبراهيم وآل عمران لدينهم الذي كانوا عليه لأنهم كانوا أهل الإسلام ... إنما عنى بآل إبراهيم وآل عمران المؤمنين وقد دلنا على أن آل الرجل أتباعه وقومه ومن هو على دينه ... وإنما جعل بعضهم من بعض في الموالاة في الدين والمؤازرة على الإسلام....."(55).
2 - قوله تعالى: ژ ? ٹ ٹ ٹٹ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ ژ [مريم: 27-28]. يستدل بالآية الكريمة على أثر الوراثة في الصفات الخلقية، والآية ليس فيها دليل على توارث الصفات، بل إن فيها ما يدل على بيئة صالحة أثرت في السيدة مريم - عليها السلام -، فكانت صالحة كسائر أفراد أسرتها، فأثر البيئة أقرب إلى الفهم من أثر الوراثة.(1/19)
3 - قوله تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ?? ? ژ [نوح: 26-27] فالآية الكريمة لا تدل على أن الإنسان يولد كافراً بالوراثة، والكفر صفة عقلية، ونفسية، وسلوكية وإنما تدل على أن الأفراد يولدون في بيئة الكفار التي توصي بالكفر للناشئة الصغار، لذا ينشؤون وهم كفار(56).
4 - قوله - عليه السلام - : "إن الود يتوارث"(57) ، وقوله: "إن الود والعداوة يتوارثان"(58). فهذان الحديثان لا يدلان على الوراثة بمفهومها الاصطلاحي، وإنما يدلان على أمرين اثنين هما الأول: أن الإنسان مفطور في جبلته على الود والعداوة – فطرية الأخلاق كما سيأتي – والآخر: أن هذا الود أو العداوة ينتقلان من الآباء إلى الأبناء بفعل عوامل البيئة، فالأب والأم هما اللذان يعززان سلوك الود والعداوة في الأبناء.
5 - قوله - عليه السلام - :" ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً"(59) ، فالحديث الشريف لا يدل على الوراثة، وإنما تحفيز لأن يكونوا كما كان أبوهم إسماعيل - عليه السلام - رامياً.
خلاصة دور الوراثة في بناء الشخصية من الجوانب العقلية والنفسية والسلوكية في السنة النبوية:(1/20)
أولاً: الإسلام يقرر أن الإنسان مفطور على جملة من الأمور التي هي استعدادات يولد الإنسان مزوداً بها دون أن يكتسبها من البيئة، وتعد قوى تبعث النشاط في الكائن الحي، وتبدي السلوك، وتوجه نحو هدف، أو أهداف معينة، فالأمور الفطرية تتعلق بجميع جوانب الشخصية العقلية، والنفسية، والسلوكية، والاجتماعية، وهذا يعني أن الإنسان يرث أسس هذه الجوانب، فتكون في أصلها محايدة، فتجليها العوامل البيئية المختلفة، فما من صفة من الصفات الخلقية، والنفسية، والعقلية إلا وعند الإنسان استعداد لأن تكون صفته إيجابية، أو سلبية، فالوراثة لا تحسم مسارها، وإنما الذي يحسم مسارها هو البيئة مع أن الاستعداد الوراثي موجود، فما يلاحظ من تشابه بين أعضاء بعض الأسر في صفاتهم النفسية، والخلقية، والعقلية يقابله اختلاف يشاهد في أسر أخرى، فالتشابه يمكن رده إلى التربية أي إلى عوامل البيئة.
ومما يدل على فطرية السلوك الأخلاقي في الإنسان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأشج عبد القيس: "إن فيك لخلقين يحبهما الله ورسوله: الحلم والاناة، فقال الصحابي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله: أخلقين تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل جبلك الله عليهما"، فقال الصحابي: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله"(60).(1/21)
فالحديث الشريف يدل على أن لبعض الأفراد استعداداً كامناً في فطرتهم يتمايز به بعضهم عن البعض تبعاً لنوع الاستعداد الخاص ببعض الصفات الفطرية، وتبعاً لمدى قوة الاستعداد في الشخص(61) ، وقد بينت الأحاديث الشريفة التفاوت الفطري في الطبائع الخلقية فقال الرسول - عليه السلام - : "إن بني آدم خلقوا من طبقات شتى، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء. .. ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء"(62). وقوله - عليه السلام - "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ...."(63). فالحديث الشريف أشار إلى أن التكوين الفطري يرافق الإنسان، ويصاحبه في كل أحواله، فالناس بينهم فروق كبيرة، فكما توجد فروق في المعادن، توجد فروق بين الناس، وكل شخص يختلف عن الآخر بمقدار ما فيه من استعدادات، وخصائص كامنة، والبيئة هي التي تؤثر في هذه الاستعدادات.
ثانياً: الإسلام يقرر عدم خضوع السلوك الإنساني العقلي، والنفسي، والأخلاقي عموماً للوراثة، فالسلوك هو ثمرة، ونتيجة الفهم الواعي، والعقل الراجح، مع التأكيد على ما ورد سابقاً من أن الإنسان مزود باستعدادات كامنة فيه، كما قرر من القرآن الكريم انعدام أثر الوراثة المطلق في السلوك، فضرب لنا عدداً من الأمثلة، منها قصة نوح - عليه السلام - وابنه الكافر الذي وصفه الحق سبحانه بأنه ليس من أهل نوح، بل الأولى أن يعلن براءته منه: ژ ? ? ? ? ? پپ پ پ ? ??ژ [سورة هود: 46] فلو كان للوراثة الدور الحاسم لكان ابن نوح من الذين آمنوا مع نوح - عليه السلام - .
خلاصة المبحث:
1 - اتفق العلماء على أن الإنسان يرث من والديه صفات جسدية كالطول، والقصر، والصلع، وشكل الأنف، وغيرها من الصفات الجسمية.(1/22)
2 - ثبت أن الوراثة تلعب دوراً مهماً في تحديد الصفات العقلية، والانحرافات النفسية، والسلوكية، ولكن لا يمكن القول إن الوراثة فقط هي التي تحدد الصفات العقلية، والانحرافات النفسية، والسلوكية، فللبيئة أيضاً دور مهم في هذه الصفات.
3 - السنة النبوية المطهرة أشارت إشارات واضحة إلى توارث الصفات الجسدية بين الآباء والأبناء والأحفاد مهما امتدوا.
4 - النصوص الشرعية أشارت إلى أمور تخلق مع الإنسان بفطرته، وهذه الأمور مرتبطة بالبناء العقلي، والنفسي، والسلوكي للشخصية، فالأخلاق فطرية، ويتفاوت الناس في الطبائع الفطرية الخلقية، حيث تلعب الوراثة دوراً مهماً في البناء الأخلاقي السلوكي.
5 - النصوص الشرعية التي يستدل بها على توارث الصفات العقلية، والخلقية ذات دلالة ظنية يفهم منها توارث الصفات العقلية، والخلقية، وغيرها من الصفات التي لها علاقة ببناء الشخصية.
6 - النصوص الشرعية تقرر عدم خضوع السلوك والأخلاقيات عموماً للوراثة.
المبحث الثالث: أثر البيئة في بناء الشخصية
في السنة النبوية والفكر التربوي المعاصر
يشمل هذا المبحث مطلبين:
الأول: أثر البيئة في بناء الشخصية في الفكر التربوي المعاصر.
الآخر: أثر البيئة في بناء الشخصية في السنة النبوية.
المطلب الأول: أثر البيئة في بناء الشخصية في الفكر التربوي المعاصر:
أصحاب هذا التوجه يعارضون الرأي القائل بأن الشخصية تحدد بالوراثة، ووجهة نظرهم تذهب إلى أن الإنسان هو نتاج البيئة، فكل مجتمع يطبع نفسه على شخصية أفراده، فغالبية من يعيشون في المجتمع تتجسد في شخصياتهم ما يكون سائداً في المجتمع من دوافع، وقيم، وأساليب تفكير، فالآسيوي، والأمريكي، والأوروبي يميل إلى أن تكون معتقداته، ونظم سلوكه تشابه نظرائه في المجتمع(64).(1/23)
ولقد تعددت الدراسات التي تبحث في العوامل المؤثرة في جوانب الشخصية المختلفة، وقد أشارت الدراسات إلى أن لعمر الأم دوراً مباشراً في التأثير في شخصية الطفل، كما أن تغذية الأم الحامل، والحالة الصحية لها، وتعاطي العقاقير، والتعرض للإشعاعات، والتلوث من العوامل المؤثرة في بيئة الرحم، والتي تؤثر سلباً في شخصية الطفل، ويلعب المستوى الاقتصادي للأسرة، ووضع الطفل في الأسرة – ترتيب الطفل - دوراً مهماً في التأثير في شخص الطفل(65) ، والعوامل البيئية التي تؤثر في الشخصية كثيرة جداً تتضح من خلال الآتي:
الفرع الأول: أثر البيئة في البناء الجسمي للشخصية:(1/24)
تتعدد العناصر البيئية التي تؤثر في البناء الجسمي للشخصية، ومن هذه العناصر التي يمكن أن تدخل في مفهوم البيئة "الغذاء" الذي يتلقاه الإنسان في حياته، فالشخص الذي يغذى تغذية سليمة، وصحيحة، ومتنوعة يتمتع بجسد قوي مقاوم للأمراض، أما سوء التغذية فله آثار مدمرة على الجانب الجسدي للإنسان، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن نقص الغذاء يؤدي إلى عدم نمو العظام في الجسم بطريقة سوية، ويضعف مقاومة الجسم للأمراض المختلفة، فمعدل الوزن، والطول لدى التلاميذ الذين يعانون من سوء التغذية كان دون المعدل الطبيعي. أما إذا كان سوء التغذية في مرحلة الحمل، فهذا يؤدي إلى نقص وزن المولود، ونقص الوزن يعد مؤثراً في عدم اكتمال نمو الجنين، مما يؤثر في صحته البدنية، والعقلية، وضعف مقاومته للأمراض، وقد يترتب على هذا النقص التخلف العقلي، والعجز عن اكتساب المعارف، ومن العناصر البيئية المؤثرة في الجانب الجسمي للشخص "الأمراض" التي قد يكون تأثيرها مضاعفاً أو ينتج عنها أحياناً عاهات دائمة، كالعمى، والصمم، أو اضطراب الشخصية، والتي تؤثر بمجموعها في شخصية الإنسان، أما إذا أصيبت الأم الحامل بمرض؛ فإن الأمراض تؤثر في عملية التمثيل الغذائي(66) ، والتركيب الكيميائي للأم الذي يؤثر في نمو الجنين، وقد وجد أن الفيروس الخاص بالحصبة الألمانية إذا أصاب الحامل فإنه يؤدي إلى العديد من التشوهات الخلقية في الجنين، كصغر الدماغ، والتخلف العقلي، وتخلف النمو عموماً، كصغر العينين، وعيوب خلقية في تكوين القلب، والصمم، وتضخم الطحال، والكبد، وعيوب خلقية في العظام(67).
وتؤدي عناصر بيئية أخرى دوراً مهماً في البناء الجسمي للإنسان، فالحرارة، والبرودة، والرطوبة، وانعدام التهوية، والتضاريس، وتعاطي المخدرات كلها عوامل تؤثر في البناء الجسدي.
الفرع الثاني: أثر البيئة في البناء العقلي للشخصية:(1/25)
يثبت علماء النفس أثر البيئة في الجانب العقلي، والجسدي بنظرة سريعة إلى الأطفال المتوحشين الذين عثر عليهم الصيادون في الغابات، فقد ظهر أنهم تأثروا بالبيئة البدائية التي عاشوا فيها، وظهرت لديهم قدرات تتلاءم مع تلك البيئة كالقوة البدنية، وحدة النظر، وسرعة الجري على أربع، وفي المقابل نجد الأطفال العاديين الذين نشؤوا في المجتمع الإنساني العادي يملكون صفات، وقدرات تختلف عن سابقتها، كالمشي، والقدرة اللغوية، والتفكير(68).
كما أن للغذاء دوراً في البناء الجسدي، فقد دلت الدراسات على أن نقص الغذاء يؤدي إلى عدم قدرة الطلبة على التركيز، والانتباه، وتدني مستوى الذكاء، والقدرة على التفكير والابتكار(69) ، وكذلك تفعل الأمراض، فإذا أصيبت الأم الحامل بمرض، وانتقل هذا المرض إلى الطفل، فقد يولد متخلفاً عقلياً. ولمعرفة أثر البيئة في القدرات العقلية، فقد أجريت دراسة أثر التدريب في القدرة على التذكر على مجموعتين من الأطفال متساويتين في العمر الزمني، والسنة الدراسية، والنضج، والتحصيل، وأعطيت المجموعتان اختباراً لتذكر الأرقام، إلا أن المجموعة الأولى أخذت تدريبات خاصة قبل الامتحان، في حين أن المجموعة الثانية لم تتدرب، فظهر أن مجموعة التدريب أظهرت تقدماً على المجموعة الثانية بفضل هذا التدريب(70).
الفرع الثالث: أثر البيئة في البناء النفسي، والسلوكي للشخصية:
قام العديد من العلماء بدراسات تبين أو تؤيد إسهام البيئة في الانحرافات النفسية والسلوكية وفي ضوء هذه الدراسات وجد أن(71):
1 - الخبرات المؤلمة في البيئة التي تعرض لها الأطفال، وهم صغار أثرت في سلوكهم، مما جعلهم منحرفين، وهذا بفعل العوامل البيئية، فقد وجد أن المراهقين المهيئين للقلق تعرضوا للحرمان أكثر من أقرانهم، ووجد أن عدم انسجام الوالدين في حياتهما يؤثر في الأطفال من الناحية النفسية، والسلوكية.(1/26)
2 - الأفراد الذين يعيشون في أسر منحرفة يميلون إلى الانحراف أكثر من غيرهم.
3 - انتشار الانحرافات النفسية، والسلوكية تتأثر بعوامل اجتماعية، واقتصادية، فقد تبين أن الانحرافات ترتفع في فترات الركود الاقتصادي، وتقل في فترات الازدهار، وترتفع عند الملحدين، والعاطلين عن العمل، وغير المتزوجين، وتنخفض عند المتدينين، والمتزوجين، والناجحين في أعمالهم.
المطلب الثاني: أثر البيئة في بناء الشخصية في السنة النبوية
يناقش هذا المطلب دور البيئة في بناء الشخصية في التربية الإسلامية، وهذا يتطلب الحديث عن بعض عناصر البيئة، أو البيئات المباشرة، ودورها في الجوانب الجسمية، والعقلية، والنفسية، والسلوكية.
الفرع الأول: أثر البيئة في البناء الجسدي للشخصية:(1/27)
من العناصر البيئية المؤثرة في البناء الجسدي للإنسان الغذاء، وهو مادة تعمل على بناء الشخصية بجانبيها العقلي، والجسمي، وبدون الغذاء يتوقف البناء الجسدي، والعقلي للإنسان، ولا يستطيع القيام بأموره الدنيوية، أو الأخروية، لذا نلحظ أن اهتمام الإسلام بغذاء الإنسان لم يسبق إليه أي تشريع آخر، ومن مظاهر اهتمام الإسلام بغذاء الإنسان دعوة الأم إلى إرضاع ولدها الرضاع الطبيعي، والرضاع الطبيعي هو الغذاء الأمثل للنمو الجسمي للطفل، لتركيبته المتطورة التي تكسب الطفل النمو الجسمي السليم، والمناعة ضد الأمراض، ومن المظاهر كذلك إباحة أنواع مختلفة من الطعام، والشراب، وتحريم أنواع أخرى؛ حمايةً للبناء الجسدي للإنسان، وفقدان التنوع الغذائي يعرض جسم الإنسان إلى أمراض خطيرة. فنقص البروتين يؤدي إلى بطء النمو، والضعف العام، وتساقط الشعر، وتضخم الكبد مصحوباً بالإسهال الشديد الذي يؤدي إلى فقر الدم، وتظهر فيما بعد أعراض الانهيار الشديد في بنية الجسم، ونقص الفيتامينات، أو انعدام توافرها في الغذاء، يؤدي إلى اختلال في عمليات استقلاب الغذاء داخل الجسم(72) ، أما حرمة بعض أنواع الطعام، والشراب فلضررها البالغ في النمو البناء الجسدي، يقول سبحانه وتعالى: ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ?? ? ? ? ? ? ں ں ? ?? ? ? ? ہ ہ ژ [البقرة:173]. فلحم الخنزير يسبب للإنسان العديد من الأمراض التي تؤثر في البناء الجسمي السليم للإنسان، والخمور كذلك تؤثر في البناء الجسمي للإنسان، فتحدث مشكلات منها، انخفاض درجة حرارة الجسم، وانخفاض نسبة السكر الذي قد يسبب العمى المفاجئ للإنسان، وقد يصاحب شرب الخمر سوء تغذية، وعدة أمراض تؤثر في البناء الجسمي للإنسان.(1/28)
وثمة عناصر بيئية أخرى كثيرة جداً وجه الإسلام إلى التعامل معها بحكمة لتأثيرها البالغ في البناء الجسمي، ومنها الأمراض، والنظافة، والبيئة الطبيعية، والجغرافية من هواء، وحرارة، ورطوبة، وتضاريس، وكل هذه العناصر تقوم بدور مهم في بناء الشخصية، ويكتفي الباحثان هنا بالمثال السابق المتعلق بالغذاء.
الفرع الثاني: أثر البيئة في البناء العقلي للشخصية:
يتضح دور البيئة في البناء العقلي للشخصية، من خلال بيان موقف التربية الإسلامية من مهام العقل، وطلب العلم، وهذا الموقف هو الذي يحدد طبيعة البيئة التعليمية التي من مهامها البناء العقلي للإنسان.
لقد أشاد الإسلام بالعلم والعلماء ودعا إلى طلب العلم، فهو دين يقوم على احترام العقل، يقول سبحانه وتعالى: ژ ? ? ? ? ? ?? ? ?? ژ [المجادلة:11]، ويقول - صلى الله عليه وسلم - : "طلب العلم فريضة على كل مسلم ..." (73) ، كما أن الإسلام دعا إلى البحث والنظر والتأمل والمعرفة والتجريب، يقول سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [الإسراء:36].
إن المتأمل في كتاب الله وسنة نبيه - عليه السلام - يلحظ اهتماماً واضحاً بالبناء العقلي للإنسان، فقد بيّنا الخطوط العريضة التي يجب الالتزام بها من أجل أن يكون البناء العقلي للإنسان سليماً، فنلحظ دعوة القرآن الكريم إلى استخدام أساليب متعددة في التعليم، كأسلوب القصة، والتكرار، وضرب الأمثال، والسؤال، والجواب، وبيان أن الانتباه عامل مهم في التعلم، واكتساب المعرفة، وضرورة توزيع التعلم على فترات؛ لأهميته في اكتساب العلوم، يقول سبحانه وتعالى: ژ ? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ژ [الفرقان: 32].(1/29)
ويخلص الباحثان إلى أن البناء العقلي للإنسان في التربية الإسلامية يقوم على تحرير العقل من القيود، والخرافات، والعمل على طلب الدليل والبرهان. يقول سبحانه: ژ ? ? ? ? ? ? ?? ? ?? ????? ?????ژ [البقرة:111]، ودعوة العقل إلى الابتعاد عن الظن في استنتاج الحقائق" ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک کک ژ [النساء: 157]، بالإضافة إلى الحث على طلب العلم، والتزود من العلوم المختلفة التي تزكي العقل، وترفع مستواه، وهذا ما يجب أن يتوافر في البيئات التعليمية، كما كانت البيئة التعليمية في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - من تنوع في أساليب، وطرائق التعلم، وإثارة للعمليات العقلية العليا، والبعد عن الخرافات، والظنون في استنتاج الحقائق، فلابد من الإشارة إلى أن البيئة التعليمية لا يقصد بها البيئة المدرسية، أو الجامعية فقط، وإنما تشمل كذلك البيئة الاجتماعية الأسرية للإنسان، فالأسرة تلعب دوراً مهماً في البناء العقلي للإنسان، ومن هنا نفهم أهمية أن تبنى الأسرة على أسس سليمة وصحيحة.
الفرع الثالث: أثر البيئة في البناء النفسي والسلوكي للشخصية:(1/30)
أشارت النصوص إلى تأثير البيئة في البناء النفسي، والسلوكي للإنسان، ومن هذه البيئات التي تؤثر البيئة الجغرافية، والاجتماعية. يقول سبحانه وتعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ?? ہ ہ ہ ہ ژ [التوبة: 97]، فالآية الكريمة تقرر قاعدة كلية عن طبيعة الأعراب الذين يسكنون بيئة جغرافية تختلف عن أهل الحضر، فالتعبير بهذا العموم يعطي وصفاً ثابتاً متعلقاً بالبداوة، فنشأتهم أن يكونوا أشد كفراً، ونفاقاً وبعداً عن المعرفة، وانتشار القيم المادية بينهم(74) ، وهذه الأوصاف مؤشرات تدل على البناء النفسي والسلوكي للإنسان، وقد وردت مجموعة من الأحاديث النبوية التي تبين تأثير البيئة الجغرافية، والاجتماعية في البناء النفسي، والسلوكي. فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:" من سكن البادية جفا"(75) ، كما ورد عن النبي - عليه السلام - أن أعرابياً أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هدية، فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أضعافاً حتى رضي، وقال: " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو أنصاري"(76) ، فهؤلاء الذين يسكنون المدن ألطف أخلاقاً من الأعراب؛ لما في طباع الأعراب من الجفاء؛ وذلك بسبب البيئة التي يعيشون فيها.(1/31)
وقد أشار القرآن الكريم، والسنة المطهرة إلى تأثير البيئات الاجتماعية في البناء النفسي، والسلوكي، ومن هذه البيئات بيئة الرفاق أو بيئة جماعة الأقران، حيث حذر القرآن الكريم من بيئة رفاق السوء، فقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ? ? ہ ہ ہ ہ ژ [الفرقان: 27، 28]، فالرفيق السيئ الخلق يؤثر تأثيراً سيئاً فيمن يخالطونه، وكثيراً ما ينحرف الشباب بتأثير رفاق السوء، فعن أبي موسى الأشعري أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:" إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد فيه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد فيه ريحاً خبيثة"(77) ، ويقول - صلى الله عليه وسلم - مبيناً أن الإنسان يتأثر بصديقه بكل شيء:" الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"(78).(1/32)
والبيئة الأسرية لها أكبر الأثر في توجيه الطفل نحو الدين، فيقول الرسول - عليه السلام - :" ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويشركانه قال رجل يا رسول الله: أرأيت لو مات قبل ذلك؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين"(79). وقد حث الإسلام على أن تكون أسس الاختيار في بناء الأسرة سليمة صحيحة من أجل أن نربي الأبناء التربية الإيمانية التي هي مبعث الفضائل، والركيزة الأساسية لدخول الطفل، والإنسان إلى حظيرة الإيمان، وبدون هذه التربية لا ينهض بمسؤولية، ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف غاية، ولا يعمل لمثل أعلى، فتصبح حياته دون هدف كمثل البهائم، يشبع الغرائز، وينطلق وراء الشهوات، والملذات(80) ، وصلاح البيئة الأسرية له أثر كبير في نفس الطفل، فينشأ الطفل سليم النفس، كما ينشأ على الطاعة، والانقياد لله تعالى، يقول سبحانه: ژ ? ? ? ?? ? ں ں ? ژ [آل عمران: 34]، فالدين يحفظ للأسرة الأمن النفسي من خلال التزام أفراد الأسرة بالحقوق، والواجبات، والبعد عن الانفعالات الضارة، والقيام بالعبادات التي تؤثر في البناء الجسمي، والعقلي، والنفسي، والأخلاقي للإنسان، وهي التي تجعل الإنسان دائم التفكير، وعلى وعي دائم بكل ما يصدر عنه من سلوكيات، فسلوكيات الإنسان إن لم توزن بميزان تصبح وبالاً عليه، فالوضوء مثلاً يسهم في الاستقرار النفسي للإنسان؛ لأن الماء يسهم في تخفيف مشاعر القلق، والتوتر التي يتعرض لها الإنسان، الأمر الذي جعل بعض علماء النفس ينصحون بعلاج الأطفال المصابين بالقلق عن طريق استخدام الماء، وهذا ما يعرف بالعلاج بالماء(81).
كما أن الصلاة تخفف التوترات العصبية عند الإنسان، وتبعث في نفسه الشعور بالصفاء الروحي، والاطمئنان القلبي، والأمن النفسي، وتحدث الاسترخاء، والهدوء، والصوم كذلك فيه تربية للنفس، وتهذيب لها، وعلاج لكثير من أمراضها فهو يقوي الإرادة عند الإنسان.
خلاصة المبحث:(1/33)
1 - ثمة دور للبيئة في تحديد الصفات الجسمية للفرد، فتناول الأم لبعض العقاقير يجعلها تلد طفلاً فيه تشوهات خلقية، وعدم تنوع الغذاء يضعف البناء الجسدي للإنسان.
2 - ثمة دور للبيئة في تحديد الصفات، والقدرات، فالتدريب والتعليم لهما أثر بالغ في زيادة، أو ارتفاع نسبة الذكاء، حيث دلت على ذلك الدراسات، وتؤدي البيئة دوراً مهماً في تهيئة عوامل الانحرافات النفسية، والسلوكية.
3 - السنة النبوية اهتمت اهتماماً واضحاً بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان، كما دعا إلى اجتناب البيئات الفاسدة، والعمل على إصلاحها قدر المستطاع، لما لها من تأثير بالغ الأهمية في شخصية الإنسان.
4 - القرآن الكريم يقرر عدم خضوع السلوك لعوامل البيئة مطلقاً، ويدل على هذا حال امرأة فرعون في قوله تعالى: ژ ھ ھ ےے ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [التحريم: 11] التي هي نموذج في التجرد لله تعالى من كل المؤثرات البيئية، وبهذا يعلي الإسلام من قيمة الفهم والعقل.
5 - النصوص تشير إشارات واضحة إلى تأثير البيئات الأسرية، والجغرافية، والاجتماعية، والتعليمية في البناء الجسمي، والسلوكي، والعقلي، والنفسي للإنسان.
الخاتمة
الفرع الأول: نتائج الدراسة
أولاً: تتفق الدراسات النفسية مع التربية الإسلامية في أن البناء الجسدي للشخصية الإنسانية يتحدد بشكل أكبر بفعل عوامل الوراثة، كما يمكن للعوامل البيئية أن تؤثر في البناء الجسدي للإنسان.(1/34)
ثانياً: الدراسات النفسية الأولى أخذت منحىً متطرفاً لإثبات تأثير الوراثة، أو البيئة في البناء العقلي، والنفسي، والسلوكي للإنسان، والدراسات الحديثة أخذت منحىً وسطياً لإثبات تفاعل الوراثة مع البيئة، لتشكيل الشخصية الإنسانية، النصوص الشرعية دلت على أن الإنسان يولد مزوداً بالسمات، والخصائص التي لها دور في بناء الشخصية الإنسانية، وهذه السمات تظهر، أو تختفي من خلال التنشئة الاجتماعية، وهذا ما دلت عليه الدراسات النفسية الحديثة مع الإشارة إلى أن النصوص الشرعية التي يستدل بها على توارث الصفات العقلية، والنفسية، والخلقية هي نصوص عامة.
ثالثاً: الإسلام يقرر عدم خضوع السلوك الإنساني عموماً لعوامل الوراثة والبيئة، وبهذا يعلي الإسلام من قيمة العقل والفهم.
رابعاً: الإسلام يقرر أن الفرد يولد على الفطرة، أي يولد، ويتمتع باستعدادات بيولوجية وراثية كامنة لا تظهر إلا إذا توافرت الظروف البيئية المناسبة، فالتفاعل بين المعطيات الوراثية، والمؤثرات البيئية يؤثر في تشكيل الشخصية.
خامساً: أولى الإسلام البيئة التي يعيش فيها الإنسان اهتماماً بالغاً؛ لتأثيرها الواضح في بنائه الجسمي، والعقلي، والخلقي، والنفسي.
الفرع الثاني: التوصيات:
توصي الدراسة بالعمل على تبني موضوعات بحثية تسهم في التأصيل الإسلامي لعلم النفس ويكون محورها المقارنة بين المعطيات الشرعية ومعطيات علم النفس.
الهوامش
(1) Tomas Murray. (1979). Comparing theories of Child Development. Wadsworth. Publishing, Ince, Belbont, California. P. 32-40.
(2) في البحوث التربوية عادة ما يشار على المتغير الذي يعتقد بأنه يؤثر في النتائج متغيراً مستقلاً، والمتغير الذي يعتقد بأنه يتأثر ببعض المعالجات متغير تابع، انظر: عبد الله الكيلاني، ونضال الشريفين، مدخل إلى البحث في العلوم التربوية والاجتماعية، عمان، دار المسيرة، ط2، 2007م، ص 44-49.(1/35)
(3) مسعد النجار، نحو بناء نظرية إسلامية في الشخصية، رسالة ماجستير، غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية التربية، 1995م.
(4) أحمد الدغشي، الأساس الفطري للتربية الإسلامية، رسالة ماجستير، غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية الشريعة، 1995م.
(5) عماد الشريفين، النمو الإنساني من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه، غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية الشريعة، 2007م.
(6) محمد خليل يوسف، الوراثة وأمراض الإنسان، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1994م.
(7) كمال إبراهيم مرسي، البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط4، 2000م.
(8) شادية التل، الشخصية من منظور نفسي إسلامي، اربد، دار الكتاب، 2006م.
(9) سيد الطواب، النمو الإنساني، أسسه وتطبيقاته، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1995م.
(10) محمد السيد عبد الرحمن، علم الأمراض النفسية والعقلية، القاهرة، دار قباء للطباعة والتوزيع، 2000م .
(11) نزار العاني. الشخصية الإنسانية في التراث الإسلامي، عمان، دار الفرقان، ط1، 1998م، ص 41.
(12) عثمان فراج. أضواء على الشخصية والصحة العقلية، القاهرة، مكتبة النهضة، 1970م، ص 9.
(13) المرجع السابق، ص 11.
(14) المرجع السابق، ص 13.
(15) كامل عويضة. علم النفس، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م، ص 8.
(16) محمد محمود. علم النفس المعاصر في ضوء الإسلام، جدة، دار الشروق، ط1، 1984م، ص 103.
(17) هشام خوجلي، علم نفس النمو، جدة، السعودية، الدار السعودية، ط1، 2001م، ص 275.
(18) شادية التل. علم النفس التربوي في الإسلام، عمان، دار النفائس، ط1، 2005م، ص 96.
(19) شفيق علاونة. سيكولوجية التطور الإنساني، عمان، دار المسيرة، ط1، 2004م، ص 50-54.
(20) محمد خليل يوسف. الوراثة وأمراض الإنسان، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1994م، ص 6-7.(1/36)
(21) فؤاد البهي السيد. الذكاء، القاهرة، دار الفكر العربي، 1994م، ص 30-36. وهانزا بزنك وليوت كامن. الذكاء، ترجمة عمر الشيخ.
(22) شفيق علاونة، سيكولوجية التطور الإنساني، ص 190.
(23) هم الأطفال الذين وجدوا في الغابات ورضعوا من الذئاب واكتسبوا سلوكها.
(24) إبراهيم وجيه محمود. الفروق الفردية في القدرات العقلية، طرابلس، منشورات الجامعة الليبية، 1985م، ص 163-165.
(25) المرجع السابق، ص 165-172.
(26) شفيق علاونة، سيكولوجية التطور الإنساني، عمان، دار المسيرة، ط1، 2004م، ص 192.
(27) كمال إبراهيم مرسي. البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط4، 2000م، ص 223-252.
(28) قاسم صالح، وعلي الطارق، الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية من منظوراتها النفسية والإسلامية، صنعاء، دار الجيل الجديد، 1998م. محمد السيد عبد الرحمن، علم الأمراض النفسية والعقلية الأسباب والأعراض التشخيص والعلاج، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر، 2000م.
(29) الأورق: البعير الذي ليس بناصع البياض كلون الرماد. عبد الرحمن ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، الرياض، دار الوطن، 1997م.
(30) رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب إذا عرض لنفي الولد، ج5، ص 2032، حديث رقم (4999).
(31) رواه الطبراني، المعجم الكبير، ج6، ص 128، حديث رقم (5734) وصححه الألباني.
(32) رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة، ج1، ص 251، حديث رقم (313).
(33) عبد الحميد الزنتاني. أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984م، ص 157.
(34) رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة، ج1، ص 251، حديث رقم (314).
(35) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، ط1، 2004م، ج7، ص 3.(1/37)
(36) محمود عطا عقل، النمو الإنساني، الطفولة والمراهقة، الرياض، السعودية، دار الخريجي، ط5، 1418هـ، ص 131.
(37) رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، ج2، ص 1082، حديث رقم (1459).
(38) الشخص الذي يتعرف للأشياء من خلال تتبع أثر سير.
(39) عدنان باحارث. مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ط5، 1996م، ص 102.
(40) محمد الطاهر بن عاشور. التحرير والتنوير، بيروت، مؤسسة التاريخ، ط1، 2000م، ج21، ص 48.
(41) محمد عز الدين توفيق. دليل الأنفس بين القرآن والعلم الحديث، القاهرة، دار السلام، 1998م، ص 22.
(42) أحمد الدغشي. الأساس الفطري للتربية الإسلامية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية الشريعة، إربد، الأردن، 1995م، ص 12.
(43) رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة، ج1، ص 251، حديث رقم (313).
(44) رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة، ج1، ص 251، حديث رقم (314).
(45) علاء الدين المتقي، كنز العمال، طرف حديث رقم (44557).
(46) رواه ابن ماجة. سنن ابن ماجة، ج1، ص633، حديث 1970. والدساس: أي دخال لأنه ينزع في خفاء ولطف. انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص 82.
(47) شادية التل. الشخصية من منظور نفسي إسلامي، اربد، دار الكتاب، 2006م، ص 124.
(48) رواه الحاكم. المستدرك على الصحيحين، ج2، ص 176، حديث رقم (2687).
(49) عبد الله السعيد. من الاعجاز الطبي في الأحاديث الشريفة، عمان، دار الضياء للنشر والتوزيع، ط1، 1989م، ص 19.
(50) الماوردي، أدب الدنيا والدين، ص 34، وصححه الألباني.
(51) عبدالله علوان، تربية الأولاد في الإسلام، مصر، دار السلام، ط31، 1997م، ج1، ص34.
(52) محمد راتب النابلسي، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دمشق، سوريا، دار المكتبي، ط3، 2005م، ص 151.(1/38)
(53) أحمد خليل، الوراثة وزواج الأقارب والمحرمات، مجلة التربية، قطر، العدد 120، 1997م، ص 273.
(54) سيد قطب. في ظلال القران، جدة، دار الشروق، ط25، 1996م، ج1، ص 391.
(55) محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، بيروت، دار الفكر، 1405هـ، ج 3، ص 234.
(56) سيد قطب، في ظلال القرآن، ج6، ص 3717.
(57) رواه البخاري، الأدب المفرد، ج1، ص 30، حديث رقم (43).
(58) رواه الحاكم، المستدرك على الصحيحين، ج4، ص 195، حديث رقم (7343)، وضعفه الألباني.
(59) رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب التحريض على الرمي، ج3، ص 1063، حديث رقم (2743).
(60) رواه الطبراني، المعجم الكبير، ج5، ص 275، حديث رقم (5313)، وصححه الألباني.
(61) عابد توفيق الهاشمي، مدخل إلى التصور الإسلامي للإنسان والحياة، عمان، دار الفرقان، 1982م، ص 172.
(62) رواه أحمد، المسند، ج2، ص 331، حديث رقم (752).
(63) الألباني، صحيح وضعيف الجامع الصغير، حديث رقم (6797)، وصححه.
(64) ريتشارد. م. سوين. علم الأمراض النفسية والعقلية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1979م، ص 150.
(65) شفيق علاونة، سيكولوجية التطور الإنساني، مرجع سابق، ص 56-69.
(66) العملية التي يتم فيها تحول الغذاء إلى طاقة حيوية في الجسم، والأمراض تؤثر في هذه العملية.
(67) سيد الطواب. النمو الإنساني أسسه وتطبيقاته، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1995م، ص 116.
(68) كامل عويضة. علم النفس، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م، ص 104.
(69) محمود عقل. النمو الإنساني، الطفولة والمراهقة، الرياض، دار الخريجي، ط5، 1418هـ، ص 81.
(70) كامل عويضة. علم النفس، مرجع سابق، ص 106.
(71) كمال إبراهيم مرسي. البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية، مرجع سابق، ص 245-252.
(72) إحسان المحاسنة. البيئة والصحة العامة، عمان، الأردن، دار الشروق، ط2، 1994م، ص 135.(1/39)
(73) رواه ابن ماجة. سنن ابن ماجة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، ج1، ص81، حديث 224.
(74) سيد قطب. في ظلال القرآن، مرجع سابق، 3/1699.
(75) رواه الترمذي. سنن الترمذي، ج4، ص 523، حديث رقم (2256).
(76) رواه ابن حبان. صحيح ابن حبان، ج14، ص 296، حديث رقم (6383).
(77) رواه مسلم. صحيح مسلم، ج4، ص 2026، حديث رقم (2628).
(78) رواه أحمد. مسند أحمد، ج3، ص 334، حديث رقم (8398) وحسنه الألباني.
(79) رواه مسلم. صحيح مسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، ج4، ص 2048، حديث رقم (2658).
(80) عبدالله علوان. تربية الأولاد في الإسلام، القاهرة، دار السلام للطباعة، ط31، 1993م، ج1، ص 128.
(81) عبد الرحمن عيسوي. الإسلام والعلاج النفسي الحديث، بيروت، لبنان، دار النهضة العربية، 1988م، ص 84.
المراجع :
? ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير، بيروت، مؤسسة التاريخ، ط1، 2000م.
? ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط1، ج6.
? الألباني، محمد ناصر الدين، صحيح وضعيف الجامع الصغير، بيروت، المكتب الإسلامي.
? باحارث، عدنان. مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ط5، 1996م.
? البخاري، محمد بن إسماعيل، الأدب المفرد، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار البشائر الإسلامية، ط3، 1409هـ.
? الترمذي، محمد بن عيسى، الجامع الصحيح لسنن الترمذي، دار الإحياء، تحقيق أحمد محمد شاكر.
? التل، شادية. الشخصية من منظور نفسي إسلامي، اربد، دار الكتاب، 2006م.
? التل، شادية. علم النفس التربوي في الإسلام، عمان، دار النفائس، ط1، 2005م.
? التميمي، محمد بن حبان، صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الارناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1414هـ.
? توفيق، محمد عز الدين. دليل الأنفس بين القرآن والعلم الحديث، القاهرة، دار السلام، 1998م.(1/40)
? الجوزي، عبدالرحمن، كشف المشكل من حديث الصحيحين، الرياض، دار الوطن، 1997م.
? الحاكم، محمد بن عبدالله أبو عبد الله، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عطا، دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ.
? خليل، أحمد، الوراثة وزواج الأقارب والمحرمات، مجلة التربية، قطر، العدد 120، 1997م.
? الدغشي، أحمد. الأساس الفطري للتربية الإسلامية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، كلية الشريعة، إربد، الأردن، 1995م.
? الزنتاني، عبد الحميد. أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1984م.
? السعيد، عبد الله. من الإعجاز الطبي في الأحاديث الشريفة، عمان، دار الضياء للنشر والتوزيع، ط1، 1989م.
? سوين، ريتشارد. م. علم الأمراض النفسية والعقلية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1979م.
? السيد، فؤاد البهي. الذكاء، القاهرة، دار الفكر العربي، 1994م.
? الشيباني، أحمد بن حنبل، المسند، مؤسسة الرسالة.
? صالح، القاسم، الطارق، علي، الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية من منظوراتها النفسية والإسلامية، صنعاء، دار الجيل الجديد، 1998م.
? الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، مكتبة العلوم والحكم، ط3، 1404هـ.
? الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، بيروت، دار الفكر، 1405هـ، ج 3.
? الطواب، سيد. النمو الإنساني أسسه وتطبيقاته، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1995م.
? العاني، نزار. الشخصية الإنسانية في التراث الإسلامي، عمان، دار الفرقان، ط1، 1998م.
? عبد الرحمن، محمد السيد، علم الأمراض النفسية والعقلية الأسباب والأعراض التشخيص والعلاج، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر، 2000م.
? العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر. فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت، لبنان، دار الكتب العلمية، ط1، 2004م.
? عقل، محمود. النمو الإنساني، الطفولة والمراهقة، الرياض، دار الخريجي، ط5، 1418هـ.(1/41)
? علاء الدين المتقي بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسسة الرسالة.
? علاونة، شفيق. سيكولوجية التطور الإنساني، عمان، دار المسيرة، ط1، 2004م.
? علوان، عبدالله. تربية الأولاد في الإسلام، القاهرة، دار السلام للطباعة، ط31، 1993م.
? عويضة، كامل. علم النفس، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1996م.
? عيسوي، عبد الرحمن. الإسلام والعلاج النفسي الحديث، بيروت، لبنان، دار النهضة العربية، 1988م.
? فراج، عثمان. أضواء على الشخصية والصحة العقلية، القاهرة، مكتبة النهضة، 1970م.
? قطب، سيد. في ظلال القرآن، جدة، دار الشروق، ط25، 1996م.
? الكيلاني، عبد الله، الشريفين، نضال، مدخل إلى البحث في العلوم التربوية والاجتماعية، عمان، دار المسيرة، ط2، 2007م.
? الماوردي، محمد بن حسين البصري، أدب الدنيا والدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 2003.
? المحاسنة، إحسان. البيئة والصحة العامة، عمان، الأردن، دار الشروق، ط2، 1994م.
? محمود، إبراهيم وجيه. الفروق الفردية في القدرات العقلية، طرابلس، منشورات الجامعة الليبية، 1985م.
? محمود، محمد. علم النفس المعاصر في ضوء الإسلام، جدة، دار الشروق، ط1، 1984م.
? مرسي، كمال إبراهيم. البيئة والوراثة وأثرها في الانحرافات النفسية والسلوكية، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، ط4، 2000م.
? النابلسي، محمد راتب، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دمشق، سوريا، دار المكتبي، ط3، 2005م.
? النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربية.
? الهاشمي، عابد توفيق ، مدخل إلى التصور الإسلامي للإنسان والحياة، عمان، دار الفرقان، 1982م.
? يوسف، محمد خليل. الوراثة وأمراض الإنسان، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1994م.(1/42)
??Tomas Murray. (1979). Comparing theories of Child Development. Wadsworth. Publishing, Ince, Belbont, California. P. 32-40.
* * *
The Effects of Genetics and the Environment in
Building Human Personality as Revealed in the Sunnah and through Modern Educational
Concepts: A Comparative Study
Dr. Emad Abdullah M. Al-Sharafeen and
Dr. Ahlam Mahmoud A. Matalkah
Yarmouk University
Irbid Jordan
ABSTRACT
This research aims to demonstrate the effects of genetics and the environment in building the human personality as revealed in the Prophetic sunnah and through modern educational concepts. It will be shown how genetics and the environment impact humans physically, mentally, psychologically, and behaviorally as understood from the sunnah and modern educational reasoning. The researchers show how genetics and environment are integrated and contribute to one's personality as is proven by Shari'a texts and recent psychological studies.(1/43)