أصل السوسن والزعفران من كل وَاحِد نصف جُزْء ويعجن بِعَسَل ويقرّص وَيسْتَعْمل ويتمضمض بعده بالخل صرفا أَو ممزوجاً بِمَاء الْورْد أَو يُؤْخَذ دَوَاء أقوى من هَذَا وَهُوَ من القرطاس المحرق ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الزرنيخ دِرْهَمَانِ وَنصف وسكّ وسماق وزنجبيل وفلفل محرق أَقْرَاص فلدفيون من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ يتَّخذ مِنْهُ دلُوكا ولصوقاً وَيجْعَل عَلَيْهِ خرقَة كتَّان. والقلي وَحده إِذا اسْتعْمل على العفونة قلعهَا وأسقطها وَأنْبت لَحْمًا جيدا. وَمِمَّا جرب: أقاقيا زرنيخ أَحْمَر زرنيخ أصفر نورة شب يتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص بخلّ ثمَّ يسحق بِمَاء الْعَسَل أَو طبيخ الأبهل. أما إِن كَانَت العفونة فِي نفس السن فدواؤه حكها إِن كَانَت فِي الطّرف أَو بردهَا بالمبرد أَو قلع السن إِن كَانَت العفونة تلِي أصل السن. وَإِن كَانَ هُنَاكَ استرخاء اللثة وَكَانَ السَّبَب حُدُوث العفونة فعلاجها شدها بِمَا نذْكر فِي بَاب استرخاء اللثة. وَإِن كَانَ الْخَلْط صفراوياً عفن فِي الْمعدة أَو فِي جلدَة الْفَم فَلَا شَيْء أَنْفَع لَهُ من المشمش الرطب على الرِّيق وَكَذَلِكَ الْبِطِّيخ أَو الْخِيَار أَو الخوخ. وَإِذا لم يحضر المشمش أَو الخوخ الرطب اسْتعْمل نقوع القديد مِنْهُمَا على الرِّيق وخصوصاً قديد المشمش. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك اسْتِعْمَال السويق بالسكر وَمَاء الثَّلج وَاسْتِعْمَال حبوب صبريه ذَكرنَاهَا فِي الأقراباذين. وَيجْعَل غذاءه كل غسّال مبرد غير مُسْتَحِيل إِلَى الصَّفْرَاء وَإِن كَانَ الْخَلْط بلغمي اسْتعْمل الْقَيْء أَولا وَاسْتعْمل الأيارجات المنقّية لفم الْمعدة الْمَذْكُورَة فِي بَاب الْمعدة وَاسْتعْمل الأطريفل الصَّغِير والزنجبيل المربى والصحناة خَاصَّة وَيجْعَل غذاءه المطجّنات ويقلّ شرب المَاء الْكثير ويهجر الْفَوَاكِه والبقول الرّطبَة ويتخذ مساويكه من الْأَشْجَار المرّة المقطّعة مثل الْأَرَاك وَالزَّيْتُون. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ من الْأَدْوِيَة أَن تَأْخُذ كل بكرَة من ورق الآس مَعَ مثله زبيباً منزوع الْعَجم كالجوزة وَمثل ذَلِك من جوز السرو والابهل وَالزَّبِيب وينفعهم حب الصنوبر وَأَيْضًا حب الفوفل قرنفل خولنجان من كل وَاحِد نصف دِرْهَم مسك كافور من كل وَاحِد دانق عَاقِر قرحاً دِرْهَم صَبر ثَلَاثَة دَرَاهِم خَرْدَل دِرْهَم يتَّخذ حبا بالطلي. والأدوية البسيطة المجرّبة فَهِيَ مثل الكندر وَالْعود الْهِنْدِيّ والقرفة وقشور الأترج والورد والكافور والصندل والقرنفل والكبابة والمصطكي والبسباسة وجوزبوا وأصل الأذخر والأرمال والأشنة وأظفار الطّيب والقاقلة والفلنجمشق وورق الأترج والسنبل والنارمشك والزنجبيل وَسَائِر مَا تَجدهُ فِي الألواح المفردة وَمِمَّا يعجن بِهِ الْأَدْوِيَة الميبة والميسوسن وعصارة الأترج. فصل فِي بَقَاء الْفَم مَفْتُوحًا الْفَم يبْقى مَفْتُوحًا إِمَّا لشدّة الْحَاجة إِلَى التنفس الْعَظِيم أَو للالتهاب الملهب أَو للضيق والخناق أَو لضعف عضل الْفَم فَلَا تعْمل عَملهَا فِي النّوم وَذَلِكَ فِي الْأَمْرَاض الحادة رَدِيء وَأما ألوان اللِّسَان فَأولى الْمَوَاضِع بتفصيلها مَوَاضِع أُخْرَى وَعند ذكر الْأَمْرَاض الحادة.(2/265)
الْفَنّ السَّابِع أَحْوَال الْأَسْنَان وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة فصل فِي الْكَلَام فِي الْأَسْنَان قد علمتَ أنَّا تكلمنا فِي الْأَسْنَان وتشريحها ومنافعها فَيجب أَن يتأمّل مَا قيل هُنَاكَ وليعلم أَن الْأَسْنَان من جملَة الْعِظَام الَّتِي لَهَا حسّ لما يَأْتِيهَا من عصب دماغي لين فَإِذا أَلِمَتْ أحسّ بِمَا يعرض فِيهَا من ضَرْبَان واختلاج وَرُبمَا أحست بحكّة ودغدغة. وَقد يعرض فِيهَا أَعْرَاض من الاسترخاء والقلق والانقلاع والنتوّ وَمن تغير اللَّوْن فِي جوهرها وَفِي الطليان الْمركب عَلَيْهَا ويعرض لَهَا التألم والتأكل والتعفّن والتكسّر. وَقد يعرض لَهَا الأوجاع الشَّدِيدَة والحكة ويعرض لَهَا الضرس وَهُوَ صنف من أوجاعها ويعرض لَهَا الْعَجز عَن مضغ الحلو والحامض والتضرّر من الْحَار والبارد وَقلة الصَّبْر عَن لِقَاء أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا. وَقد يعرض لَهَا تغير فِي مقاديرها بالطبع بِأَن تطول وتعظم أَو تنسحق وتصغر. وَقد يعرض فِيهَا أَنْوَاع من الورم - وَلَا عجب من ذَلِك - فَإِن كل مَا يقبل التمدد بإنماء الْغذَاء يقبل التمدد بالعضل وَلَو لم تكن قَابِلَة للمواد النافذة فِيهَا المزيدة إِيَّاهَا مَا كَانَت تخضر وتسودّ فَإِن ذَلِك لنفوذ الْفضل فِيهَا. وَقد خلقت الْأَسْنَان قَابِلَة للنمو وَالزِّيَادَة دَائِما ليقوم لَهَا ذَلِك بدل مَا ينسحق حَتَّى إِن السنّ المحاذية لموْضِع السنّ الساقطة أَو المقلوعة تزداد طولا إِذا كَانَت الزِّيَادَة ترد عَلَيْهَا وَلَا يقابلها الانسحاق. وَاعْلَم أَن الْأَسْنَان قد يسْتَدلّ على مزاجها من اللثة ولونها هَل هِيَ صفراء مرّية أَو بَيْضَاء بلغمية أَو حَمْرَاء دموية وَهل هِيَ إِلَى كمودة وَسَوَاد سوداوي. فصل فِي حفظ صِحَة الْأَسْنَان من أحب أَن تسلم أَسْنَانه فَيجب أَن يُرَاعِي ثَمَانِيَة أَشْيَاء: مِنْهَا أَن يتحرّز عَن تَوَاتر فَسَاد الطَّعَام وَالشرَاب فِي الْمعدة لأمر فِي جَوْهَر(2/266)
الطَّعَام وَهُوَ أَن يكون قَابلا للْفَسَاد سَرِيعا كاللبن والسمك المملوح والصحناة أَو لسوء تَدْبِير تنَاوله مِمَّا قد عرف فِي مَوْضِعه. وَمِنْهَا: أَن لَا يلح على الْقَيْء وخصوصاً إِذا كَانَ مَا يتقيأ حامضاً. وَمِنْهَا: أَن يجْتَنب مضغ كل علك وخصوصاً إِذا كَانَ حلواً كالناطف والتين العلك. وَمِنْهَا: اجْتِنَاب المضرسات. وَمِنْهَا: اجْتِنَاب كل شَدِيد الْبرد وخصوصاً على الْحَار وكل شَدِيد الحرّ وخصوصاً على الْبَارِد. وَمِنْهَا: أَن يديم تنقية مَا يتخلّل الْأَسْنَان من غير استقصاء وتعد إِلَى أَن يضرّ بالعمور وباللحم الَّذِي بَين الْأَسْنَان فيخرجه أَو يحرّك الْأَسْنَان. وَمِنْهَا: اجْتِنَاب أَشْيَاء تضرّ الْأَسْنَان بخاصيتها مثل الكرّات فَإِنَّهُ شَدِيد الضَّرَر بالأسنان واللثِّة وَسَائِر مَا ذكرنَا فِي الْمُفْردَات. وَأما السِّوَاك: فَيجب أَن يسْتَعْمل بالاعتدال وَلَا يستقصى فِيهِ استقصاء يذهب ظلم الْأَسْنَان وماءها ويهيئها لقبُول النَّوَازِل والأبخرة الصاعدة من الْمعدة وَتصير سَببا للخطر. وَإِذا اسْتعْمل السِّوَاك باعتدال جلا الْأَسْنَان وقوّاها وقوى العمور وَمنع الْحفر وطيَّب النكهة. وَأفضل الْخشب بِالسِّوَاكِ مَا فِيهِ قبض ومرارة وَيجب أَن يتعهّد تدهين الْأَسْنَان عِنْد النّوم وَقد يكون ذَلِك الدّهن إِمَّا مثل دهن الْورْد إِن احْتِيجَ إِلَى تبريد وَأما مثل دهن البان والناردين إِن احْتِيجَ إِلَى تسخين. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مركَب مِنْهُمَا وَالْأولَى أَن يدلك أَولا بالعسل إِن كَانَ هُنَاكَ برد(2/267)
أَو بالسكّر إِن كَانَ هُنَاكَ ميل إِلَى برد أَو قلَّة حرّ وكل وَاحِد مِنْهُمَا يجمع خلالاً محمودة الْجلاء والتغرية والتسخين والتنقية. وَالسكر فِي ذَلِك كُله دون الْعَسَل وَإِن سحق الطبرزذ وخلط بالعسل وَاسْتعْمل جلّى ونقّى وَشد اللثة. ثمَّ يجب أَن يتبع بالدهن. وَمِمَّا يحفظ صِحَة الْأَسْنَان أَن يتمضمض فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ بشراب طبخ فِيهِ أصل اليتّوع فَإِنَّهُ غَايَة بَالغ لَا يُصِيب صَاحبه وجع الْأَسْنَان وَكَذَلِكَ رَأس الأرنب المحرق إِذا استنّ بِهِ وَكَذَلِكَ الْملح المعجون بالعسل إِذا أحرق أَو لم يحرق. والمحرق أصوب وَيجب أَن يتَّخذ مِنْهُ بندقة وَيجْعَل فِي خرقَة ويدلك بِهِ الْأَسْنَان وَكَذَلِكَ الدَّلْك بالترمس وَكَذَلِكَ الشبّ الْيَمَانِيّ بِشَيْء من المرّ وخصوصاً الشبّ المحرق بالخلّ. وَإِذا اندبغت الْأَسْنَان بِهَذِهِ الْأَدْوِيَة فَيجب أَن يسْتَعْمل بعْدهَا الْعَسَل والدلك بِهِ أَو بالسكر ثمَّ يسْتَعْمل الدَّلْك بالأدهان على نَحْو مَا وصفناه. وَإِذا كَانَت السن عرضة للنوازل وَجب أَن يمسك فِي الْفَم طبيخ الْأَشْيَاء القابضة إمساكاً طَويلا ويدام ذرّ الشب وَالْملح المحرقين عَلَيْهَا. قَول كلّي فِي علاج الْأَسْنَان والأدوية السّنيَّة: الْأَدْوِيَة السّنيَّة مِنْهَا حافظة وَمِنْهَا معالجة لِأَن جَوْهَر الْأَسْنَان يَابِس والأدوية الحافظة لصِحَّة الْأَسْنَان ولردّها فِي أَكثر الْأَمر إِلَى الْوَاجِب هِيَ الْأَدْوِيَة المجففة وَأما الحارة أَو الْبَارِدَة فَيحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد عَارض من إِحْدَى الكيفيتين قد زَالَت بهَا عَن المزاج الطبيعي زوالاً كَبِيرا فأشدّ الْأَدْوِيَة مُنَاسبَة لمصَالح الْأَسْنَان هِيَ المجففة المعتدلة فِي الكيفتين الْأُخْرَيَيْنِ وكل سنّي يجفف إِمَّا لَيْسَ للسنّ لَا لِأَنَّهُ سني بل لأجل عَارض يعرض لَهُ ثمَّ المجففات بَارِدَة يابسة وحارة يابسة. وأجود أدوية الْأَسْنَان مَا يجمع إِلَى التجفيف والنشافة جلاء وَتَحْلِيل فضل إِن انْدفع إِلَى السنّ تحليلاً باعتدال وَمنع مَادَّة تنجلب إِلَيْهَا فالمجففات الْبَارِدَة وَالَّتِي إِلَى برد مَا لَا تضرس بحموضتها أَو عفوصتها تضريس الحصرم وحماض الأترج وَهِي السكّ والكافور والصندل والورد وبزره والجلنار وَدم الْأَخَوَيْنِ وَثَمَرَة الطرفاء والعفص والكهرباء واللؤلؤ والفوفل ودقيق الشّعير ولحاء شَجَرَة التوت وورق الطرفاء وأصل الحماض. والحارة وَالَّتِي إِلَى حرّ مَا فَمِنْهَا مَا حره فِي جوهره وَمِنْهَا مَا حرّه مكتسب. وَالَّذِي الْحر فِي جوهره مثل الْملح المحرق والشيح المحرق والسعد الحيّ والمحرق والدارصيني والزوفاء وفقّاح الأذخر وَثَمَرَة الْكبر. وَأقوى مِنْهَا قشر أَصله وَالْعود والمسك والبرشاوشان الْحَيّ والمحرق وورق السرو والأبهل والساذج وَقرن الأيل المحرق وَغير المحرق ورماد قشر الْكَرم ورماد رَأس الأرنب وَالتَّمْر المحرق والحارة بقوّة مكتسبة كرماد العفص وَإِذا طفئ بالخلّ كَانَ إِلَى الِاعْتِدَال أقرب ورماد قضبان الْكَرم ورماد الْقصب وَمَا أشبه ذَلِك. وَأما المعتدلة فَمثل قرن الأيل المحرق إِذا غسل وَمثل جوز الدلب وَمِنْهَا لحاء شَجَرَة الصنوبر وَمِنْهَا أدوية جَاءَت من طَرِيق التَّرْكِيب وَهِي مثل دَقِيق الشّعير إِذا عجن بملح وميسوسن ثمَّ أحرق وَالتَّمْر المعجون بالقطران يحرق حَتَّى يصير جمراً ثمَّ يرشّ عَلَيْهِ ميسوسن. وَمن السنونات المجرّبة سنُون مجرّب وَنحن واصفوه ونسخته: قرن الأيل المحرق عشرَة دَرَاهِم ورق السرو عشرَة دَرَاهِم جوز الدلب بِحَالهِ خَمْسَة دَرَاهِم أصل فيطايلون عشرَة برشياوشان محرق خَمْسَة ورد منزوع الأقماع ثَلَاثَة سنبل ثَلَاثَة ينعّم سحقه ويتخذ مِنْهُ سنُون.(2/268)
وَأَيْضًا سنُون أخر جيّد نسخته: يُؤْخَذ قرن الأيل محرق كزمازك وَهُوَ ثَمَرَة الطرفاء وَسعد وَورد وسنبل الطّيب من كل وَاحِد دِرْهَم ملح إندراني ربع دِرْهَم يتَّخذ مِنْهَا سنُون. وَسَنذكر أَيْضا سنونات أُخْرَى فِي أَبْوَاب مُسْتَقْبلَة وسنونات أُخْرَى فِي القراباذين. ونبتدئ فَنَقُول: إنَّ علاج الْأَسْنَان بالمجففات علاج كَمَا علمت مُنَاسِب وبالمسخّنات والمبرّدات علاج يحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد شدّة الزَّوَال عَن الِاعْتِدَال الْخَاص. والأدوية السنيّة مِنْهَا سنونات وَمِنْهَا مضوغات وَمِنْهَا لطوخات ومخبّصات على الْأَسْنَان أَو على الفكّ وَمِنْهَا مضمضات وَمِنْهَا دلوكات وَمِنْهَا أَشْيَاء تحشى وَمِنْهَا كمادات وَمِنْهَا كاويات وَمِنْهَا قالعات وَمِنْهَا بخورات وَمِنْهَا سعوطات وَمِنْهَا قطورات فِي الْأذن وَمِنْهَا استفراغات للمادة بفصد أَو حجامة من أقرب الْمَوَاضِع. وَمن أدوية الْأَسْنَان مَا هِيَ محلّلة وَمِنْهَا مَا هِيَ مبردة وَمِنْهَا مَا هِيَ مخدرة. والمخدرات إِذا اسْتعْملت فِي الْأَسْنَان كَانَت أبعد شَيْء من الْخطر لَكِن إكثارها رُبمَا أفسد جَوْهَر الْأَسْنَان. وَكَذَلِكَ الْأَدْوِيَة الشَّدِيدَة التَّحْلِيل والتسخين يجب أَن لَا تسْتَعْمل إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَهِي مثل الحنظل والخربق وقثاء الْحمار وَغير ذَلِك وَأَن يتوفى وُصُول شَيْء مِنْهَا وَمن المخدرات إِلَى الْجوف. وَكَثِيرًا مَا يحْتَاج إِلَى ثقب السن بمثقب دَقِيق لينفس عَنهُ الْمَادَّة المؤدية ولتجد الْأَدْوِيَة نفوذاً إِلَى قَعْره. والخل مَعَ كَونه مضراً بالأسنان قد يَقع فِي أدوية الْأَسْنَان المبردة والمسخنة مَعًا. أما المبردة فَلِأَنَّهُ يبرد بجوهره وَلِأَنَّهُ ينفذ وَأما فِي المسخنة فَلِأَنَّهُ ينفذ وَلِأَنَّهُ يعين بالتقطيع على التَّحْلِيل وَأما مضرّته حِينَئِذٍ فَتكون مَكْسُورَة بالأدوية السنيّة الَّتِي تخالطه. فصل فِي أوجاع الْأَسْنَان اعْلَم أَن الْأَسْنَان قد توجع بِسَبَب وجع يكون فِي جوهرها على مَا أخبرنَا بِهِ سالفاً وَقد يكون لسَبَب وجع يكون فِي الْعصبَة الَّتِي فِي أَصْلهَا وَقد يكون لسَبَب وجع يكون فِي اللثّة وورم وَزِيَادَة لحم نابت فِيهَا يقبل الْمَادَّة أَو لاسترخائها وترهّلها فَتقبل الْموَاد الرَّديئَة فتعفن فِيهَا وتؤذي الْأَسْنَان وَأَيْضًا تجْعَل الْأَسْنَان قلقة. وَقد يعسر على كثير من المتألمين فِي أسنانهم الوجعة التَّمْيِيز بَينهَا. وأنواع علاجها مُخْتَلفَة. وَأَسْبَاب أوجاع الْأَسْنَان: إِمَّا سوء مزاج ساذج من برد أَو حرّ أَو جفاف لعدم الْغذَاء كَمَا فِي الْمَشَايِخ دون الرطب على مَا علم فِي مَوْضِعه أَو مَعَ مَادَّة أَو ريح. والمادة إِمَّا أَن توجع بِالْكَثْرَةِ أَو بالغلظ أَو بالحدّة. وَقد تكون الْمَادَّة مورمة للسنّ نَفسهَا وَقد تكون مؤكلة وَرُبمَا ولدت دوداً. ومبدأ الْمَادَّة إِمَّا من الْمعدة(2/269)
أَو من الرَّأْس أَو من الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا وَإِن كَانَ الْبدن كُله ممتلئاً من تِلْكَ الْعَادة فَإِن المجرى من الْبدن إِلَى الْأَسْنَان من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ. وَقد توجع الْأَسْنَان فِي الحميات الحادة على سَبِيل الْمُشَاركَة فِي سوء المزاج. وَإِذا حدث تَحت المتكل من الْأَسْنَان وجع وضربان فَفِي أَصله فضل لم تنضج فيعالج الوجع والورم ثمَّ ليقلع. العلامات: يجب أَن تتأمل فتنظر هَل مَعَ وجع السن مرض فِي اللثة أَو فِي نَوَاحِيهَا فَإِن وجدت ورماً فِي اللثة حدست وحكمت أَنه رُبمَا لم يكن السَّبَب فِي نفس السن وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الغمز على نفس اللثة يؤلم. وَإِن لم تَجِد ورماً فِي اللثة فالسبب إِمَّا فِي نفس السن وَإِمَّا فِي العصب الَّذِي فِي أَصله. فَإِن أحسست ورماً فِي السن أَو تأكلاً فالسبب فِي جوهره. وَكَذَلِكَ إِذا أحسست الْأَلَم يَمْتَد طول السن. وَإِمَّا إِن لم تحس ألماً إِلَّا فِي الْغَوْر فالسبب فِي الْعصبَة الَّتِي فِي أَصله وخصوصاً إِذا وجدت وجَعاً فاضياً فِي العمور أَو فِي الفك وأحسست كالضرس. وَأَنت تستدل على الأمزجة الحارة والباردة بِمَا عملته وعَلى الْيَابِس بضمور السن وقلقه وعَلى الرّيح بانتقال الوجع الممدد وعَلى الْخَلْط الغليظ برسوخ الوجع من غير حرارة وبرودة ظاهرتين جدا وعَلى الْخَلْط الْحَار الدموي أَو الصفراوي بِسُرْعَة التأذي بِمَا يوجع وبغرز يكون فِي الوجع وَتغَير لون إِلَى مشاكلة الْخَلْط وحرارة حادة عِنْد اللَّمْس. وَيعرف أَن مبدأ الْخَلْط من الدِّمَاغ أَو من الْمعدة بِمَا يجد فِي أَحدهمَا أَو كليهمَا من الامتلاء وَإِذا كَانَ سَبَب الوجع فِي اللثة لم يغن الْقلع وَلم يحْتَج إِلَيْهِ. وَإِذا كَانَ فِي السنّ زَالَ الوجع بِالْقَلْعِ وَإِذا كَانَ فِي الْعصبَة فَرُبمَا زَالَ بِالْقَلْعِ وَرُبمَا لم يزل وَإِنَّمَا يَزُول بِسَبَب وجدان الْمَادَّة الَّتِي تطلب الطيعة أَو المواء تحليلها مَكَانا وَاسِعًا تنْدَفع فِيهِ بَعْدَمَا كَانَت مخنوقة محبوسة فِي السن. المعالجات: أما إِن كَانَ الوجع بمشاركة عُضْو فابدأ بتنقية الْعُضْو المشارك بفصد أَو بإسهال بِمثل الأيارج وشحم الحنظل أَو بِمثل السقمونيا أَو بِمثل النقوعات أَو بالغرافرات المنقية للرأس إِن كَانَ السَّبَب فِي الرَّأْس. وَأما إِذا كَانَ هُنَاكَ ورم محسوس فِي اللثة والعمور فَيجب أَن تبدأ بالفصد فِي الإسهال بِحَسب الْقُوَّة والشرائط وَأَن تمسك فِي الِابْتِدَاء فِي جَمِيعهَا المبردات من العصارات والسلاقات وَنَحْوهَا فِي الفخ مقواة بالكافور من غير إفراط فِي الْقَبْض وَكَثِيرًا مَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على دهن الْورْد والمصطكي أَو على زَيْت الأنفاق أَو على مثل دهن الآس وينفع من ذَلِك أَن يُؤْخَذ نَبِيذ عَتيق ودهن ورد خام يطْبخ نَبِيذ الزَّبِيب فِيهِ طبخاً جيدا ويمسك(2/270)
فِي الْفَم ثمَّ بعد ذَلِك يتمزج إِلَى المحللات المنضجة ويتوقّى أَن يسيل من القوية مِنْهَا شَيْء إِلَى الْجوف ويتدرج أَيْضا إِلَى استفراغ من نفس الْعُضْو بِأَن يُرْسل على أصُول الْأَسْنَان العلق أَو يفصد كعرق الَّذِي تَحت اللِّسَان أَو يحجم تَحت اللِّحْيَة بِشَرْط. وَإِذا اشْتَدَّ الوجع فَيجب أَن يلصق على أصل السن عاقرقرحا مَعَ كافور ويعيدهما كلّما انحلا وَإِن زَادَت الشدَّة من الوجع احْتِيجَ كثيرا إِلَى اسْتِعْمَال أفيون مَعَ دهن الْورْد. وَكلما وجد عَن ذَلِك محيص فَتَركه أولى بل يجب أَن يسْتَعْمل بالإنضاج وَأما إِذا كَانَ السَّبَب فِي نفس السن أَو فِي الْعصبَة وَلم يكن مَادَّة بل سوء مزاج عولج مِمَّا يضاده من الْأَدْوِيَة السّنيَّة الْمَعْلُومَة. فَإِن كَانَ سَبَب سوء مزاجه وَضَعفه عضا على حَار تمضمض بدهن بَارِد المزاج مفتر ثمَّ تصيره بَارِدًا بِالْفِعْلِ. وَإِن كَانَ سَبَب سوء مزاجه عضاً على بَارِد اسْتعْمل بدل ذَلِك من الأدهان الحارة مثل دهن النادرين ودهن البان وعضّ على صفرَة الْبيض المشوية الحارة أَو على خبز حَار. وَقد ينفع التَّدْبِير أَن فِي كل الْأَصْنَاف لسوء المزاجين الْمَذْكُورين. وَأما إِذا كَانَ السَّبَب الساذج يبساً فينفع مِنْهُ أَن يدلك بِمثل الزّبد وشحم البط وَإِن كَانَ مَعَ مَادَّة أَي مَادَّة كَانَت حارة أَو غَلِيظَة أَو كَثِيرَة وَجب أَن يستفرغ بحسبها وَيجب أَن تبدأ فِي الِابْتِدَاء بِمَا يبرد ويردع فِي جَمِيع ذَلِك وَإِن كَانَ ذَلِك فِي الْمَادَّة الحارة أَزِيد وجوبا وَفِي الغليظة أقلّ. وَمن الْأَشْيَاء القوية الردع وخصوصاً فِي الْموَاد الْبَارِدَة الشبّ المحرق والمطفئ بالخل مَعَ مثله ملح يسحقان جيدا ثمَّ يستعملان ثمَّ يتمضمض بعدهمْ بِالْخمرِ. وَمِمَّا يصلح للردع العفص بالخل فَإِن كَانَت الْمَادَّة حارة عولجت بالعصارات المبردة ودبر فِي تعديلها فَإِن لم ينجع ذَلِك دبر إِمَّا فِي تحليلها وَإِمَّا فِي تحديرها وَإِن كَانَت الْمَادَّة غَلِيظَة أَو كَثِيرَة دبر بَعْدَمَا ذَكرْنَاهُ من علام الِابْتِدَاء بالتحليل أَيْضا وَالْأولَى أَن يكون فِي الْمَضْمَضَة بالخل ودهن الْورْد فَإِنَّهُ رُبمَا جذب الْخلّ الرطوبات الْأَصْلِيَّة بعد الفضول وَرُبمَا أحتجت أنتجمع إِلَى المحلّلات أدوية قوابض لِأَن الْعُضْو يَابِس. وَأما إِن كَانَ السَّبَب ريحًا فالعلاج المحللات الَّتِي تذكر وخصوصاً السكبينج وَحب الحرمل والقنّة. فصل فِي الْأَدْوِيَة المحلّلة المستعملة فِي أوجاع الْأَسْنَان المحتاجة إِلَى التَّحْلِيل مِنْهَا مضمضات يجب فِي جَمِيعهَا أَن تمسك فِي الْفَم مُدَّة طَوِيلَة مثل خلّ طبخ فِيهِ سلخ الْحَيَّة أَو خلّ طبخ فِيهِ حنظل وَهُوَ قوي نَافِع جدا وَإِذا كَانَ الْبرد ظَاهرا فبالشراب أَو زرنباد أَو عاقرقرحا أَو حلتيت مَعَ خَرْدَل أَو قشور الْكبر أَو قشور الصنوبر أَو فوذنج أَو ورق الدلب أَو الجعدة وقشوره بخل أَو مَاء وَكَذَلِكَ ورق الْغَار والشيلم وَكَذَلِكَ(2/271)
عيدَان الثوم مَعَ عاقرقرحا أَو خل جعل فِيهِ كندس يمسك فِي الْفَم أَو عاقرقرحا وثمر الطرفاء فِي الخلّ أَو مرزنحوش يَابِس أَو أصل قثاء الْحمار أَو عصارته فِي الْخلّ أَو مَعَ حرمل مطبوخين فِي الْخلّ أَو كبيكج مطبوخاً فِي الخلّ. وللوجع الضرباني طبخ العفص الْفَج بالخل أَو عِنَب الثَّعْلَب بالخل وطبيخ البنج بالخلّ أَو قرن الأيل المحرق مطبوخاً بالخلّ العنصلي أَو مسحوقاً مجعولاً فِي سكنجبين وَمِنْهَا غرغرات بِمثل مَا ذكرنَا من المضمضات وَمن ذَلِك أَن يطْبخ الزَّبِيب الْجبلي والثوم فِي المَاء ويتغرغر بِهِ وَيتْرك الْفَم مَفْتُوحًا ليسيل لعاب كثير. وَمِنْهَا مضوغات تتَّخذ من الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة وأمثالها من ذَلِك: أَن يُؤْخَذ فوتنج جبلي وعاقرقرحا وفلفل أَبيض وَمر ويعجن بِلَحْم الزَّبِيب وببندق ويمضغ مِنْهُ بندقة بندقة. وَمِنْهَا لطرخات وأطلية ونضوخات وأضمدة تتَّخذ من الْأَدْوِيَة المحللة الْمَعْرُوفَة وَتجمع بِمَا لَهُ قوام مثل عسل أَو قطران أَو شَيْء محلول فِي المَاء ينْحل بِهِ أَو عَجنا بِالْمَاءِ وَحده أَو يُؤْخَذ كرنب بحضض ويطلى أَو يُؤْخَذ للضربان خَرْدَل مسحوق وَيُوضَع على أصل السن. وَمِمَّا جرّب أَن يُؤْخَذ لبّ نوى الخوخ وَنصفه فلفل يعجن بقطران ويدلك بالسنّ أَو يلصق عَلَيْهِ أَو يلطخ بالترياق وَحده أَو الحلتيت وَحده أَو الشجرنا أَو أراسطنحان أَو سورطنحان أَو شونيز مسحوقاً معجوناً بِزَيْت يلطخ بِهِ. مِمَّا جرب أَن يُؤْخَذ مر فلفل وعاقرقرحا وميويزج وزنجبيل من كل وَاحِد جُزْء وبورق أرمني جُزْء وَنصف ينعّم سحقها وتطلى بِهِ الْأَسْنَان واللثّة فَإِنَّهُ شَدِيد النَّفْع. وَقد تضمّد اللحى بِمثل الخطمي والبابونج والشبث والحلبة وبزر الْكَتَّان بطبيخ الشبث ودهنه وَيسْتَعْمل. وَقد. زعم جالينوس أَن كبد سَام أبرص إِذا جعلت على السنّ الوجعة المتألمة سكن وجعها وَقتهَا. وَمِنْهَا كمّادات من خَارج وَيجب أَن يسْتَعْمل إمّا قبل الطَّعَام بساعتين أَو بعده بِأَرْبَع سَاعَات. وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ لشدَّة الوجع مثل أَن يكمّد بالملح والجاورش أَو بالزيت المسخّن أَو بالشمع الذائب وَقد تكمّد اللحى تكميداً بعد تكميد ليجذب إِلَيْهِ الْمَادَّة فَإِذا ورم اللحى سكن الوجع وخصوصاً إِذا كويت السن بدهن يغلي فِي الْوَقْت. وَمِنْهَا كاويات وتدبير بالكي مثل أَن يطْبخ الزَّيْت بِبَعْض الْأَدْوِيَة المحلّلة الْمَذْكُورَة أَو وَحده وَتُؤْخَذ مسلّة تحمّى وتغمس فِي ذَلِك الزَّيْت وتنفذ فِي تجويف أنبوب متهندم على السنّ الوجعة حَتَّى تبلغ السن وتكويه وَقد جعل على مَا حواليه شمع أَو عجين أَو شَيْء آخر يحول بَين السنّ وَمَا حواليه من الْأَسْنَان والعمور. ونفع هَذَا لما تكون الْمَادَّة فِيهِ فِي نفس السن أَكثر وَقد يقطر أَيْضا فِي الأنبوب الدّهن المغلي بعد الِاحْتِيَاط الْمَذْكُور وَالزَّيْت أوفق من أدهان أُخْرَى. وَرُبمَا احْتِيجَ فِي الكاويات إِلَى أَن تثقب السن بمثقب دَقِيق لتنفذ فِيهِ الْقُوَّة الكاوية. وَإِذا لم تنجع المعالجات كويت السن بالمسلّة المحمّاة مَرَّات حَتَّى تكون قد بالغت فِي كيه فيسكن الوجع وتفتت السن.(2/272)
وَمِنْهَا دلوكات تتَّخذ مِمَّا سلف والزنجبيل بالعسل دلوك جيد. وَأَيْضًا الْخلّ وَالْملح وَأَيْضًا الْخلّ وشحم الحنظل مَعَ عاقرقرحا. وَمِنْهَا دخن وبخورات وأجودها أَن تكون فِي القمع. وَقد يتَّخذ من المحلّلات مثل عروق الحنظل أَو حبّه أَو حبّ الْخَرْدَل أَو حافر حمَار أَو بزر البصل - وخصوصاً الدُّود - أَو ورق الآس أَو جعدة أَو ورق السذاب أَو عاقرقرحا. وَمِنْهَا سعوطات محللة مثل مَاء قثاء الْحمار وعصارة أصُول السلق أَو الرّطبَة أَو مَاء المرزنجوش. وَمِنْهَا قطورات فِي الْأذن الَّتِي للوجع مثل أَن تسْتَعْمل هَذِه السعوطات قطوراً فِي الْأذن أَو عصارة الْكبر الرطب. وَمِنْهَا حَشْو للتأكل إِن كَانَ سَبَب الوجع من التأكّل وَيجب أَن يرفق وَلَا يحشى بعنف وشدّة فيزيد فِي الوجع مثل سكّ مَعَ سعد أَو مَعَ مصطكى. وَأقوى من ذَلِك الحلتيت مَعَ كبيكج أَو شونيز مسحوقاً بِزَيْت أَو فلفل أَو درديّ محرق أَو فربيون أَو عاقرقرحا أَو يحشى بدواء لب الخوخ أَو الفلفل الْمَذْكُور بل يحشى الْحَار بالباردات والبارد بالحارات. وَمِنْهَا قلوعات نفرّد لَهَا بَابا وَلَا يجوز اسْتِعْمَالهَا إِلَّا أَن يكون الوجع فِي نفس السنّ لَا غير. فصل فِي الْأَدْوِيَة المخدرة قد تسْتَعْمل على الْوُجُوه الْمَذْكُورَة فِي التَّحْلِيل لَكِن الأولى أَن تكون ملطوخة أَو ملصقة أَو محشوة على أَنَّهَا قد تسْتَعْمل مضمضات وبخورات فَمِنْهَا أَن يُؤْخَذ بزر البنج والأفيون والميعة والقنّة من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ فلفل وحلتيت شَامي من كل وَاحِد دِرْهَم يتَّخذ مِنْهُ شياف بعقيد الْعِنَب وَيُوضَع على السنّ الوجعة. أَو يُؤْخَذ أفيون وجندبيدستر بالسواء ويقطر مِنْهُمَا حَبَّة أَو حبتان فِي دهن الْورْد فِي الْأذن من الْجَانِب الوجع أَو يتَّخذ لصوق من أصل اليبروح بِمَاء يمسِكهُ أَو يبخر على مَا بَين من صفة التبخير ببزر البنج أَو بطبيخ أصل اليبروح وَحده أَو مَعَ البنج بشراب ويمسك أَيْضا فِي الْفَم وَقد يسقى أَيْضا المخدرات مثل الفلونيا فَإِنَّهُ يسقاه المشتكي سنه وَيَأْخُذ مِنْهُ فِي فَمه فينام فينضج مَرضه ويسكن ألمه. وَمن جملَة مَا يخدّر من غير أَذَى المَاء الْمبرد بالثلج تبريداً بَالغا وَيُؤْخَذ بالفم أخذا بعد أَخذ حَتَّى يخدر السنّ فيسكن الوجع الْبَتَّةَ وَإِن كَانَ رُبمَا زَاد فِي الِابْتِدَاء. فصل فِي السن المتحرّكة قد تفلق السن بِسَبَب باد من سقطة أَو ضَرْبَة وَقد يَقع من رُطُوبَة ترخي العصب الشادّ للسن وَتَكون السنّ مَعَ ذَلِك سَمِينَة لم تقصف وَقد يَقع لتأكل يعرض لمنابت الْأَسْنَان فيوسّعها أَو يدقق السن بِمَا ينقص مِنْهَا أَو لانثلام الدردر وَقد يَقع لضمور يعرض فِي الْأَسْنَان ليبس غَالب كَمَا يعرض للناقهين والمشايخ الَّذين جَاعُوا جوعا متوالياً وقصّر عَنْهُم الْغذَاء وَقد يَقع لقُصُور لحم العمور.(2/273)
المعالجات: يجب أَن يجْتَنب المضغ بِتِلْكَ السنّ ويقل الْكَلَام وَلَا يولع بهَا بيد أَو لِسَان وَبِالْجُمْلَةِ يتْرك المضغ إِلَى الحسو مَا أمكن. فَإِن كَانَ السَّبَب تأكلاً وعولج التآكل وَاسْتعْمل القوابض المسددة من الْأَدْوِيَة السّنيَّة مضمضات ودلوكات وَغير ذَلِك. وَإِن كَانَ السَّبَب ضموراً تدورك بالأغذية على أَن هَذَا مِمَّا يعسر تلافيه. ثمَّ تعالج بالمرطبات إلصاقاً ودلكاً وقطوراً فِي الْأذن مثل دهن الْورْد وَالْخلاف وعصارة ورق عِنَب الثَّعْلَب بل بالقوابض وَإِن كَانَ لضمور السن لم تنجع الْأَدْوِيَة فَإِنَّهَا لَا تكَاد تسمتها مسرعة بل يجب أَن تعالج بالأدوية القابضة الْبَارِدَة وَكَذَلِكَ إِن حدث عَن ضَرْبَة. فَإِن حدث عَن رُطُوبَة مرخية وَجب أَن تعالج بالقوابض المسخّنة كالمضمضة بِمَاء طبخ فِيهِ السحر وورق السرو أَو نَبِيذ زبيب طبخ فِيهِ الشب بِنصفِهِ ملحاً أَو مَاء طبخ فِيهِ السكبينج. وَمن اللصوقات: شبّ دِرْهَمَانِ ملح دِرْهَم يلصق على أَصله أَو قشور النّحاس مَعَ الزَّيْت وأصل السوسن وقشور السرو من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن الشبّ جُزْء أَو يُؤْخَذ رماد الطرفاء وملح سَوَاء أَو قرن أيل محرق وملح معجون بِعَسَل محرق تمر محرق من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم وَمن المر والزعفران والسنبل والمصطكي من كل وَاحِد جزءان سذاب يَابِس سمّاق وجلنار وَمن كل وَاحِد ثَلَاثَة يتَّخذ مِنْهُ سنُون ولصوق. وَأَيْضًا القوابض مخلوطة بِالصبرِ بالقلقطار وقليميا. سنُون: صَالح لهَذَا الْبَاب وَغَيره: ونسخته: سعد وَورد وسنبل الطّيب ملح إندرتي كزمازك قرن أيل محرق أَجزَاء سَوَاء. وَالَّذِي يكون بِسَبَب نُقْصَان لحم العمور يُؤْخَذ لَهُ شبّ يمَان وعود محرق وَسعد وجلنار وسمّاق. فصل فِي تثقّب الْأَسْنَان وتآكلها يعرض ذَلِك كُله من رُطُوبَة رَدِيئَة تعفن فِيهَا. الْغَرَض فِي علاج التآكل منع الزِّيَادَة على مَا نَأْكُل وَذَلِكَ بتنقية الْجَوْهَر الْفَاسِد مِنْهُ وَتَحْلِيل الْمَادَّة المؤدية إِلَى ذَلِك وَيمْنَع السنّ أَن تقبل تِلْكَ الْموَاد وَتصرف تِلْكَ الْموَاد عَنْهَا بالاستفراغات إِن احْتِيجَ إِلَيْهَا. والأدوية الْمَانِعَة من التآكل هِيَ المجفّفة فَإِن كَانَ قَوِيا احْتَاجَ إِلَى قوي شَدِيد التجفيف والإسخان وَإِن كَانَ ضَعِيفا كفى مَا فِيهِ تجفيف وَقبض مثل الآس والحضض والناردين. واستعمالها يكون من كلّ صنف مَا ذكر وأكثرها من بَاب الحشو فَمن ذَلِك تحشى بسكّ وَسعد أَو بسكّ مُمْسك وَحده فَإِنَّهُ يمْنَع التآكل ويسكّن الوجع أَو يحشى بمصطكى وَسعد أَو بمرّ أَو(2/274)
بميعة أَو بعفص وحضض أَو بميعة وأفيون أَو بقنّة وكبريت أصفر وحضض أَو بعلك البطم والفلفل أَو بسك وعلك البطم والفوتنج أَو بالشونيز المدقوق المعجون بالخلّ وَالْعَسَل أَو بالكبريت حَشْوًا وطلاءً أَو بزنجبيل مطبوخاً بِعَسَل وخلّ فَإِنَّهُ غَايَة. أَو بحلتيت وقطران أَو بحلتيت وشيح أَو بحلتيت وَحده ويغلى بموم لِئَلَّا يتحلّل فَإِنَّهُ شَدِيد التسكين للوجع أَو بالقير وَحده أَو مَعَ الْأَدْوِيَة أَو بالحضض والزاج وَقد جرّب الكافور فِي الحشو فَكَانَ نَافِعًا غَايَة وَيمْنَع زِيَادَة التآكل ويسكّن الْأَلَم وَيجب أَن يَسْتَعِين بِمَا مضى فِي بَاب وجع الْأَسْنَان. وَقد يسْتَعْمل فِي ذَلِك أطلية من جندبيدستر وعاقرقرحا وأفيون وقنة أَجزَاء سَوَاء وبفلفل وقاقلة بِعَسَل أَو عاقرقرحا وَمر بِعَسَل وحبة الخضراء بِعَسَل أَو تُرَاب طيب صب عَلَيْهِ خل مغلي أَو كبد عظاية أَو كبريت حَيّ بِمثلِهِ حضض أَو فلفل وَلبن اليتّوع أَو بورق وعاقرقرحا أَو قنة وبزرينج أَو ميعة وأفيون. دَوَاء جيد وَصفته: يُؤْخَذ من البورق والبنج من كل وَاحِد جزآن وَمن العاقرقرحا والفلفل من كل وَاحِد جُزْء من الأفيون ثَلَاثَة أَجزَاء يوضع على الْموضع. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ من ميعة الرُّمَّان وَمن الفلفل وَمن الأبهل من كل وَاحِد جُزْء وَمن الميويزج وبزر الأنجرة والأفيون من كل وَاحِد نصف جُزْء وَقد يسْتَعْمل الحشو والطلاء مَعًا وَقد يَجْعَل على الْموضع فلفنديون قوي أَو سورنجان أَو نورة جزآن نوشادر وشب ومرّ وعفص وأقاقيا وإيرسا جُزْء جُزْء وسعتر محرق وزبد الْبَحْر وَرُبمَا زيد فِيهِ قنة وَقد ينفع من المضمضات الممسكة فِي الْفَم نفعا عَظِيما أَن يطْبخ أصُول الْكبر بالخل حَتَّى يذهب نصف الْخلّ ويمسك فِي الْفَم وَقد يسْتَعْمل قطورات فِي نفس التآكل مثل الزرنيخ الْمُذَاب فِي الزَّيْت يغلى فِيهِ ويقطر فِي الأكحّال وَمِمَّا ينفع أَن يقطر فِي جَانب السن المأكولة دهن اللوز. فصل فِي تفتت الْأَسْنَان وتكسرها يكون السَّبَب فِي ذَلِك فِي الْأَكْثَر اسْتِحَالَة مزاجها إِلَى رُطُوبَة وَقد يعرض أَن تيبس يبساً شَدِيدا. وَالْفرق بَينهمَا الضمور وضدّه فَإِن كَانَ هُنَاكَ دَلِيل تغيّر لون أَو تَأْكُل دلّ على مزاج رطب ذِي مَادَّة. وعلاج: الأول منع الْمَادَّة وتقوية السن بالقوابض القوية الْمَذْكُورَة والشب. والنوشادر قوي التَّأْثِير فِي ذَلِك فَإِن كَانَت مسخنة مَعَ ذَلِك لم يغن إِلَّا مثل الخربق الْأسود معجوناً بالعسل. وَأما إِن كَانَ عَن يبس فعلاجه علاج اليبس الْمَذْكُور. فصل فِي تغير لون الْأَسْنَان قد يكون ذَلِك لتغير لون مَا يركبهَا من الطلاوة فَيحدث قلح وَرُبمَا تحجر فِي أصُول السن تحجّراً يعسر قلعه وَقد يكون لمادة رَدِيئَة تنفذ فِي جَوْهَر السن وتتغير فِيهَا وَيفْسد لَوْنهَا إِلَى باذنجية وَنَحْوهَا من غير أَن يكون عَلَيْهَا قلح.(2/275)
المعالجات: أما الأوّل: فيعالج بِمَا يجلو وينقي مثل زبد الْبَحْر وَالْملح والحرف المسحوق ورماد الصدف ورماد أصل الْقصب والزرواند المدحرج والصعتر المحرق وَالْملح الأندراني أَجزَاء سَوَاء وَإِن شِئْت زِدْت فِيهِ صدف الحلزون محرقاً أَو يُؤْخَذ من القيشور المحرق جُزْء. وَمن الفلفل جُزْء وَمن الحماما ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن الساذج اثْنَان وَمن الجصّ المحرق عشرَة يدقّ وَيسْتَعْمل. فَإِن كَانَ مفرطاً فالزنجار بالعسل وَمِمَّا يبيض فِي الْحَال سحيق الغضار الصيني أَو سحيق الزّجاج أَو المسحقونيا أَو السنباذج وَحجر الماس. وَأما الثَّانِي: فيعالج بِمَا يحلل الْمَادَّة ويخرجها ويجلو مَعًا مثل الفلفل والفوذج والقسط والزراوند المدحرج والحلتيت يخلط بالجالية الْمَذْكُورَة وَمثل السنون الَّذِي ذَكرْنَاهُ قبل هَذَا الْبَاب. سنُون جيّد وَصفته: أصل الزراوند جُزْء قرن الأيل المحرق جزآن مصطكي ثَلَاثَة أَجزَاء دهن الْورْد خَمْسَة أَجزَاء يسحق وَيسْتَعْمل. آخر: يُؤْخَذ القيشور وَالْملح المشوي والسوسن من كل وَاحِد أَرْبَعَة سعد خَمْسَة سنبل وَاحِد فلفل سِتَّة. آخر: يُؤْخَذ من الْملح الَّذِي صيّر فِي الإحراق كالجمر ثَلَاثَة وَمن الساذج جزآن وَمن السنبل جُزْء وَأَيْضًا رماد الصدف أَرْبَعَة ورد يَابِس خَمْسَة سعد ثَلَاثَة فقاح الأذخر وَاحِد. فصل فِي تسهيل نَبَات الْأَسْنَان قد يعرض للصبيان أَن يعسر نَبَات أسانهم فيألمون وَرُبمَا شَاركهُ استطلاق الطبيعة فَيحْتَاج أَن تعدل بالأطلية على الْبَطن والعصارات المسقاة لإمساكها فَيحْتَاج أَن تطلى بالشيافات الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب الكلّي. فمما يسهّل نَبَات الْأَسْنَان الدَّلْك بالشحوم والأدمغة وخصوصاً بدماغ الأرنب مستخرجاً من رَأسه بعد الطَّبْخ والحنّاء وَالسمن ودهن السوسن. وَقد قيل أَن لبن الكلبة ينفع فِي ذَلِك مَنْفَعَة شَدِيدَة بالخاصية. وَإِن اشتدّ الوجع طلي بعصارة عِنَب الثَّعْلَب بدهن ورد مسخّن وَيجب أَن يمْنَع المضغ على شَيْء لَهُ قوام بل يجب أَن تدخل الظِّئْر أصبعها فِي فَمه حِين مَا يَبْتَدِئ بوجع لنبات الْأَسْنَان فتدلك لثّته دلكا شَدِيدا لتسيل عَنهُ الرُّطُوبَة من طَرِيق اللثّة ثمَّ يمسح بالأدوية الْمَذْكُورَة. وَإِذا ظَهرت الْأَسْنَان يَسِيرا وَجب أَن يضمّد الرَّأْس والعنق والفكّان بصوف مغموس فِي دهن مفتَر ويمطر أَيْضا فِي أُذُنه الدّهن وَقد ذكرنَا نَحوا من هَذَا الْبَاب فِي الْكتاب الأول.(2/276)
فصل فِي تَدْبِير قلع الْأَسْنَان إِنَّه قد يتأدّى أَمر السنّ الوجعة إِلَى أَن لَا تقبل علاجاً البتّة أَو تكون كلما سكن مَا يؤذيها من الآفة عَاد عَن قريب ثمَّ تكون مجاورتها لسَائِر الْأَسْنَان مضرّة بهَا يعديها مَا بهَا فَلَا يُوجد إِلَى استصلاحها سَبِيل فَيكون علاجها الْقلع. وَقد يقْلع بالكلبتين بعد كشط مَا يُحِيط بأصلها عَنْهَا. وَيجب أَن يتأمّل قبل الْقلع فَينْظر هَل العلّة فِي نفس السنّ فَإِنَّهُ لم تكن لم يجب أَن تقلع فَلَا تقلعنّ وَذَلِكَ حِين يكون السَّبَب فِي اللثّة أَو فِي الْعصبَة الَّتِي تَحت السنّ فَإِن ذَلِك وَإِن خفّف الوجع قَلِيلا فَلَيْسَ يُبطلهُ بل يعود وَإِنَّمَا يخفّفه بِمَا تحلّل من الْمَادَّة فِي الْحَال وَبِمَا يُوصل من الْأَدْوِيَة إِلَيْهِ. وَفِي قلع مَا لَا يتحرّك من الْأَسْنَان خطر فِي أَوْقَات كَثِيرَة فَرُبمَا كشف عَن الفكّ وعفن جوهراً وهيّج وجعاً شَدِيدا وَرُبمَا هيّج وجع الْعين والحمّى. وَإِذا علمت أَن الْقلع يعسر وَلَا يحْتَملهُ الْمَرِيض فَلَيْسَ من الصَّوَاب أَن تُحرك بِشدَّة فَإِن ذَلِك مِمَّا يزِيد فِي الوجع على أَنه يتَّفق أَحْيَانًا أَن تكون الْعلَّة لَيست فِي السنّ فَإِذا زعزعت انحلّت الْمَادَّة الَّتِي تحتهَا وَسكن الوجع. وَقد تقلع بالأدوية والأصوب أَن يشرط حوالي السنّ بمبضع وَيسْتَعْمل عَلَيْهِ الدَّوَاء. فَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ قشور أصل التوت وعاقرقرحا ويسحق فِي الشَّمْس بخلّ ثَقِيف حَتَّى يصير كالعسل ثمَّ يطلى بِهِ أصل السن فِي الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات أَو يسحق العاقرقرحا ويشمس فِي الخلّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يقطر على الْمَشْرُوط وَيتْرك عَلَيْهِ سَاعَة أَو ساعتين وَقد درعت الصَّحِيحَة موماً ثمَّ يجذب فيقلع. أَو يَجْعَل بدل العاقرقرحا أصُول قثاء الْحمار أَو تطلى بالزرنيخ المربى بالخلّ فَإِنَّهُ يرخيه أَو يُؤْخَذ بزر الأنجرة وقنه بِالسَّوِيَّةِ أَو بزر الأنجرة وَمن الكندر ضعفه فَيُوضَع فِي أصل الضرس. وَرُبمَا أغلي بورق التِّين فَإِنَّهُ يرخّيه ويقلعه بسهولة. ودرديّ الخلّ نَفسه عَجِيب. أَو يُؤْخَذ قشور التوت وقشور الْكبر والزرنيخ الْأَصْفَر والعاقرقرحا وَالْعُرُوق وأصول الحنظل وشبرم ويعجن بِمَاء الشب أَو بالخل الثقيف وَيتْرك ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يطلى. أَو يُؤْخَذ عروق صفر وقشور التوت من كل وَاحِد جُزْء وَمن الزرنيخ الْأَصْفَر جزءان يعجن بالعسل وَيجْعَل حوالي الضرس مُدَّة فَإِنَّهُ يقلعه. أَو يُؤْخَذ أصل القيصوم وَلبن اليتوع جُزْء وأصل اليتوع جزءان وَيُوضَع عَلَيْهِ. وَإِن كَانَت السنّ ضَعِيفَة فأذب الشمع مَعَ الْعَسَل فِي الشَّمْس ثمَّ قطّر عَلَيْهِ زيتاً فصل فِي تفتيت السنّ المتآكلة وَهُوَ كالقلع بِلَا وجع: يعجن الدَّقِيق بِلَبن اليتوع وَيُوضَع عَلَيْهِ سَاعَات فَإِنَّهُ يفتّت وَيجب أَن يوضع فِيهِ ورق اللبلاب الْعَظِيم الحاد. وشحم الضفدع الشجري قَاطع مفتت وَهُوَ الضفدع الْأَخْضَر الَّذِي يأوي النَّبَات وَالشَّجر ويطفر من شَجَرَة إِلَى شَجَرَة.(2/277)
(فصل فِي دود الْأَسْنَان)
يُؤْخَذ بزور البنج وبزر كراث من كل وَاحِد أَرْبَعَة بزر بصل اثْنَان وَنصف يعجن بشحم الماعز دفا ويحبب كلَ حَبَّة وزن دِرْهَم ويبخّر مِنْهُ بِحَبَّة مَعَ تَغْطِيَة لرأس القمع. فصل فِي سَبَب صرير الْأَسْنَان صرير الْأَسْنَان فِي النّوم يكون لضعف عضل الفكين وكالتشنج لَهَا ويعرض للصبيان كثيرا وَيَزُول إِذا أدركوا. وَإِذا كثر صرير الْأَسْنَان وصريفها فِي النّوم أنذر بسكتة أَو صرع أَو تشنّج أَو دلّ على ديدان فِي الْبَطن. وَالَّذِي من الديدان يكون ذَا فترات وَيجب أَن يعالج المبتلي بذلك بتنقية الرَّأْس وتدهين الْعُنُق بالأدهان الحارة العطرة الَّتِي فِيهَا قوّة الْقَبْض. فصل فِي السنّ الَّتِي تطول يجب أَن تُؤْخَذ بالأصبعين أَو بالآلة القابضة ثمَّ تُبْرَدُ بالمبرد ثمَّ يُؤْخَذ حبّ الْغَار والشبّ فصل فِي الضَرَس: الضَرَس خدر مَا يعرض للسنّ بِسَبَب مخشن وَهُوَ إِمَّا قَابض وإمّا عفص وَقد يكون مِمَّا لَاقَى السنّ وارداً من خَارج أَو مقيئاً. وَقد يكون مِمَّا يتصعّد إِلَيْهِ من الْمعدة إِذا كَانَ هُنَاكَ خلط حامض وَقد يتبع التصوّر الوهمي عِنْد مُشَاهدَة من يقضم الحامض جدا قضماً باسترسال. المعالجات: ينفع مِنْهُ مضغ البقلة الحمقاء جدا أَو الحوك أَو بزر البقلة الحمقاء مدقوقاً مبلولاً بِالْمَاءِ وعلك الأنباط أَو لوز أَو جوز ملكي والنارجيل خَاصَّة أَو البندق أَو زَيْت الأنفاق دلكا أَو عكر الزَّيْت المغلظ فِي إِنَاء نُحَاس كالعسل فِي الشَّمْس أَو على النَّار أَو الْمَضْمَضَة بِلَبن الأتن والدهن المفتر أَو قير دنان الشَّرَاب أَو حبّ الْغَار أَو زراوند طايل أَو حلتيت أَو لبن اليتّوع أَو العنصل وَالْملح لمضادته للحموضة نَافِع جدا من الضَرَس. فصل فِي ذهَاب مَاء الْأَسْنَان هُوَ أَن يكون السنّ لَا يحْتَمل شَيْئا بَارِدًا أَو حاراً أَو صلباً وَأَكْثَره من برد وَهُوَ مُقَدّمَة لوجع الْأَسْنَان. المعالجات: إِذا كَانَ السَّبَب فِي ذَلِك بردا: اسْتعْمل حب الْغَار والشب والزراوند الطَّوِيل والتكميد(2/278)
الدَّائِم بصفرة بيض فَإِن لم يسكن بذلك دلك بأيارج فيقرا. فَإِن لم ينجع فالترياق ودهن الْخَرْدَل نَافِع جدا والقطران المسخن إِذا مسح بِهِ مرَارًا فَهُوَ نَافِع جدا. وَإِن كَانَ السَّبَب مزاجاً حاراً - وَهُوَ قَلِيل - يدلّ عَلَيْهِ لون اللثّة وملمسها وملمس الْأَسْنَان فَيجب أَن يدام تمريخها بدهن الْورْد المفتت فِيهِ كافور وصندل وَيسْتَعْمل عَلَيْهِ لعاب بزرقطونا بِمَاء الْورْد ومضغ البقلة الحمقاء أَو بزرها خَاصَّة فصل فِي ضعف الْأَسْنَان: ينفع مِنْهُ القوابض الْمَذْكُورَة والعفص المحرق المطفأ بالخلّ وحبّ الآس الْأَبْيَض وَالْملح الدراني المقلي والمطفأ بالخلّ والرامك والسنونات الفاضلة. سنُون جيّد: يُؤْخَذ سعد ثَلَاثَة دَرَاهِم هليلج أصفر منزوع خَمْسَة دَرَاهِم قرفة خَمْسَة دَرَاهِم دارصيني ثَلَاثَة دَرَاهِم شبّ دِرْهَمَانِ عاقرقرحا سَبْعَة دَرَاهِم نوشادر دِرْهَم دارفلفل دِرْهَم وسك دِرْهَم زعفران دِرْهَم ملح خَمْسَة دَرَاهِم سمّاق دِرْهَمَيْنِ ثَمَرَة الطرفاء ثَلَاثَة قاقلة أَرْبَعَة زرنياد سِتَّة عشر جلّنار أَرْبَعَة يسحق الْجَمِيع وَيجمع. سنُون جيد: يُؤْخَذ صندل أَحْمَر كباية فوفل من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم قرفة خَمْسَة دَرَاهِم سنُون: لهَذَا الشَّأْن جيد يُؤْخَذ كشك الشّعير فيرضّ ويلتّ بِعَسَل وقطران يسير شَامي ويقرص ويقمص قرطاساً وَيُوضَع على آجرة مَوْضُوعَة فِي أصل تنور فَإِذا أسودّ لَونه أخرج فَأخذ مِنْهُ جُزْء وَمن فتات الْعود والجلنار والسعد وقشر الرُّمَّان وَالْملح من كل وَاحِد جُزْء يسحق ويتخذ مِنْهُ سنُون. وَرُبمَا أَخذ من الشّعير المحرق الْمَوْصُوف عشرُون جُزْءا وَمن السعد والفول والمزمازك من كل وَاحِد أَرْبَعَة أَجزَاء وَمن الزنجبيل جُزْء ويتخذ مِنْهُ سنُون.(2/279)
الْفَنّ الثَّامِن أَحْوَال اللثة والشفتين وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة: فصل فِي أمراض اللثّة اللثة تعرض لَهَا الأورام بِسَبَب مَادَّة تنزل إِلَيْهَا فِي أَكثر الْأَمر من الرَّأْس وَقد يكون بمشاركة الْمعدة وَقد يعرض لَهَا أورام فِي ابْتِدَاء الاسْتِسْقَاء وعروض سوء الْقنية لما يتَصَعَّد إِلَيْهَا من الأبخرة الْفَاسِدَة. ويستدل على جنس الْمَادَّة باللون واللمس. وَقد يكون مِنْهُ ظَاهر قريب سريع الْقبُول للعلاج وغائر بعيد بطيء الْقبُول للعلاج وَقد يكون مَعَ حمى. المعالجات: إِن كَانَت الْمَادَّة فضلَة حارة اسْتعْمل الاستفراغ وفصد الجُهارك وعولج فِي الِابْتِدَاء بالمضمضات المبردة وفيهَا قبض مثل مَاء الْورْد وَاللَّبن الحامض وَمَاء الآس ومياه أوراق القوابض الْبَارِدَة وسلاقة الجلنار وَمَاء لِسَان الْحمل ونقيع البلوط وعصارة بقلة الحمقاء ثمَّ بعد ذَلِك يتمضمض بِزَيْت انفاق ودهن شَجَرَة المصطكى ودهن الآس فِي كل أُوقِيَّة مِنْهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم مصطكى أَو ولدهن شَجَرَة المصطكي قُوَّة عَجِيبَة شَدِيدَة فِي تسكين أوجاع أورام اللثة وخصوصاً الحَدِيث. فَإِنَّهُ يقمع وَلَا يخشن وأخصّ مَنَافِعه فِي حَال الوجع ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَعْمل مثل عصارة إيرسا الرطب فَإِنَّهُ يسيل الدَّم ويريح أَو عصارة ورق الزَّيْتُون أَو عكر الْخمر أَو عصارة السذاب أَو دهن الحبّة الخضراء مغلي بِمَاء فِيهِ ورقه أَو سلاقة الزراوند الطَّوِيل فَإِن كَانَ الورم الْحَار غائراً وَيُسمى باروليسر وَلَا يتحلّل بالأدوية بل يتقيّح فَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى علاج الْحَدِيد وَرُبمَا أدّى جوهره إِلَى إنبات لحم جَدِيد. فَإِذا قاح اسْتعْمل عَلَيْهِ الزنجار والعفص أَو قشور النّحاس بالخلّ أَيَّامًا أَو سوري محرق مَعَ عفص. وَإِذا كَانَت اللثة لَا تزَال تنتفخ وترم وَلَا تَبرأ احْتِيجَ إِلَى كي. وأجوده أَن يُؤْخَذ الزَّيْت المغلي بصوفة ملفوفة على ميل مرَارًا حَتَّى تضمر وتبيضّ. وَإِذا كَانَ الورم من رُطُوبَة(2/280)
فضلية وَجب فِي الِابْتِدَاء أَن يتمضمض بالأدهان الحارة وبالعسل وَالزَّيْت والربّ ثمَّ يسْتَعْمل المحلّلات القوية الْمَذْكُورَة كثيرا. فصل فِي اللثّة الدامية ينفع مِنْهَا الشبّ المحرق المطفأ بالخل مَعَ ضعفه ملح الطَّعَام وَمثله وَنصفه سوري ينثر عَلَيْهِ وَأَيْضًا يحرق الطريخ المملوح إِلَى أَن يصير كالجمر فَيُؤْخَذ من رماده جُزْء وَمن الْورْد الْيَابِس جزءان وَأَيْضًا يُؤْخَذ الآس والعدس المحرق جُزْء جُزْء والسمّاق والسوري جزءان فقّاح الأذخر فصل فِي شقوق اللثّة يجْرِي فِي علاجها مجْرى شقوق الشّفة وَسَيذكر. فصل فِي قُرُوح اللثّة وتآكّلها ونواصيرها قُرُوح اللثة بَعْضهَا ساذجة وَبَعضهَا مبتدئة فِي التعفّن وَبَعضهَا آخذ فِي التآكل. المعالجات: أمَّا الساذجة فعلاجها علاج القُلاع وَأما الآخذة فِي التعفّن فَيجب أَن تعالج بِمثل الأبهل والحسك فَإِن نفع وَإِلَّا أَخذ من العفص جُزْء وَمن المرّ نصف جُزْء وَجمع بدهن الْورْد وَاسْتعْمل. وَمن أَصْنَاف المضمضات النافعة الْمَضْمَضَة بخلّ العنصل والمضمضة بألبان الأتن والمضمضة بسلاقة ورق الزَّيْتُون وسلاقة الْورْد والعدس والعفص وأقماع الرُّمَّان. وَأما المتآكل فَإِن كَانَ ممعناً فِيهِ فَيحْتَاج أَن يعالج بالقلقنديون الْخَاص بِهِ الْمَذْكُور فِي الأقراباذين وَكَذَلِكَ النواصير ثمَّ تنثر عَلَيْهِ الْأَدْوِيَة القابضة. وَمِمَّا جرّب حِينَئِذٍ ثَمَرَة الطرفاء وعاقرقرحا من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم ماميران دِرْهَم هليلج أصفر دِرْهَمَانِ ورد يَابِس دِرْهَمَانِ باقلى ونوشادر وكبابة وزبد الْبَحْر من كل نصف دِرْهَم جلنار وزعفران وعفص من كل وَاحِد دِرْهَم كافور ربع دِرْهَم ويتّخذ مِنْهُ سنُون. وَأَيْضًا السنونات الْوَاقِع فِيهَا الزراوند وَأما المتوسّط فَيُؤْخَذ عاقرقرحا وأصل السوسن من كل وَاحِد جُزْء وَمن الجلّنار والسمّاق والعفص الْغَيْر المثقوب والشبّ من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ يسحق ويتخذ مِنْهُ سنُون وَيسْتَعْمل على الْمُتَوَسّط من التآكل والناصور وَكَذَلِكَ الجلنار وخبث الْحَدِيد يكبس بِهِ اللثّة ثمَّ يتمضمض بخل العنصل أَو خل طبخ فِيهِ ورق الزَّيْتُون وَأَيْضًا يسْتَعْمل فلونيا فِي الْموضع المتآكل فَيكون جيدا والفودنجي والمعاجين الْمَانِعَة للعفونة المحللة لما حصل. وَمِنْهَا المعجون الحرملي فَإِن لم ينجع فَلَا بُد من قلقنديون.(2/281)
وَمِمَّا يقرب مِنْهُ أَن يُؤْخَذ شب ونورة وعفص وزرنيخان أَجزَاء سَوَاء يُؤْخَذ مِنْهُ دانق بعد السحق الشَّديد ويدلك بِهِ دلكا جيدا ثمَّ يصبر عَلَيْهِ سَاعَة ثمَّ يتمضمض بدهن الْورْد وَرُبمَا جعل فِيهِ أقاقيا وَيصْلح أَن يتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص وتجفف وتعدّ للْحَاجة وَرُبمَا اقْتصر على الزرنيخين والنورة وأقاقيا وقرص. وَقد ينفع الكي الْمَذْكُور وَهُوَ مِمَّا يسْقط التآكل وينبت اللَّحْم الصَّحِيح ثمَّ يسْتَعْمل سنُون من العفص مَعَ ثَلَاثَة من المر فَإِنَّهُ ينْبت اللَّحْم ويشد اللثة وفصد الجُهارك نَافِع فِيهِ. فصل فِي نَتن اللثة علاجه مَذْكُور فِي بَاب البخر. فصل فِي نُقْصَان لحم اللثة يُؤْخَذ من الكندر الذّكر وَمن الزراوند المدحرج وَمن دم الْأَخَوَيْنِ وَمن دَقِيق الكرسنة وأصل السوسن أَجزَاء سَوَاء يعجن بعد السحق بِعَسَل وخلّ العنصل وَيسْتَعْمل دلُوكا وَقد يُؤْخَذ دَقِيق الكرسنّة عشرَة دَرَاهِم فيعجن بِعَسَل ويقرّص وَيُوضَع على آجرة أَو خزفة مَوْضُوعَة فِي أَسْفَل تنور أَو يخبز فِي تنور حَتَّى يبلغ أَن ينسحق ويكاد أَن يَحْتَرِق. وَلما يَحْتَرِق فيسحق ويلقى عَلَيْهِ من دم الْأَخَوَيْنِ أَرْبَعَة وَمن الكندر الذّكر مثله وَمن الزراوند المدحرج والايرسا من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ ويستن بِهِ على الْوَجْه الْمَذْكُور. فصل فِي استرخاء اللثة أما إِن كَانَ يَسِيرا فَيَكْفِي فِيهِ التمضمض بِمَا يطْبخ فِيهِ القوابض الحارة أَو الْبَارِدَة بِحَسب المزاج. وَمِمَّا هُوَ شَدِيد النَّفْع فِي ذَلِك الشبّ الْمَطْبُوخ فِي الخلّ. وَأما إِن كَانَ كثيرا فَالصَّوَاب فِيهِ أَن يشرط وَيتْرك الدَّم يجْرِي ويتفل مَا يجْرِي مِنْهُ ثمَّ يتمضمض بعده بسلاقة القوابض على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي مَا سلف. وَمِمَّا هُوَ مُوَافق لذَلِك من السلاقات أَن يُؤْخَذ من ثَمَر الطرفاء المدقوق ثَلَاثَة دَرَاهِم ورق الْحِنَّاء دِرْهَمَيْنِ زراوند دِرْهَمَيْنِ يفتّر وَيسْتَعْمل. أَو يُؤْخَذ من الجلّنار وقشور الرُّمَّان ستّة ستّة وَمن الزرنيخين والشبّ الْيَمَانِيّ ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَمن الْورْد والسمّاق الْبَغْدَادِيّ ثَمَانِيَة ثَمَانِيَة وَمن سنبل الطّيب وفقّاح الأذخر عشرَة عشرَة يتَّخذ مِنْهُ صفة لصوق لذَلِك يسْتَعْمل بعد الْمَضْمَضَة نَافِع ورد بأقماعه فلفل سَبْعَة سَبْعَة جَفتْ البقوط جلّنار حبّ الآس الْأَخْضَر أَرْبَعَة أَرْبَعَة الخرنوب النبطي والسمّاق المنقّى الأرماك خَمْسَة خَمْسَة أَو بدل الأرمام آس ثَمَانِيَة وَقد ينفع التحنيك بالأيارج الصَّغِير ويتمضمض بعده بخلّ العنصل وبخلّ الحنظل وَيسْتَعْمل السنونات القوية.(2/282)
فصل فِي اللَّحْم الزَّائِد يَجْعَل عَلَيْهِ قلقنت ومرّ فَإِنَّهُ يذهبه ويذيبه. فصل فِي الشفتين وأمراضهما الشفتان خلقتا غطاء للفم والأسنان ومحبساً للعاب ومعيناً فِي النَّاس على الْكَلَام وجمالاً وَقد خلقتا من لحم وَعصب هِيَ شظايا العضل المطيف بِهِ. فصل فِي شقوق الشفتين الْأَدْوِيَة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِي علاج الشقوق هِيَ الَّتِي تجمع إِلَى الْقَبْض والتجفيف تَلْيِينًا. وَمن الْأَدْوِيَة النافعة فِي ذَلِك الكثيراء إِذا أمْسكهُ فِي الْفَم وَقَلبه بِاللِّسَانِ. وَمن التَّدْبِير النافع فِيهِ تدهين السُّرَّة والمقعدة وَأَن يطلى عَلَيْهِ الزّبد الْحَادِث من ذَلِك قِطْعَة قثاء على أُخْرَى ويطلى عَلَيْهِ مَاء السبستان أَو مَاء الشّعير أَو لعاب بزرقطونا. وَمن الدسومات الزّبد والمخّ. والشحوم شحوم العجاجيل والأوز بِعَسَل ودهن الْحبَّة الخضراء أَو دهن الْورْد وَفِيه بَيَاض الْبيض وَمن الْأَدْوِيَة المجرّبة عفص مسحوق وإسفيذاج الرصاص ونشا وكثيراء وشحم الدَّجَاج. وَأَيْضًا العفص مسحوقاً بالخل وَأَيْضًا المصطكى وعلك البطم وزوفا وَالْعَسَل يتَّخذ مِنْهَا كالمرهم وَأَيْضًا مرداسنج ساذنج عروق الْكَرم من كل وَاحِد نصف جُزْء دهنج نصف جُزْء وأظلاف الْمعز مسحوقة زعفران من كل وَاحِد ثلث جُزْء وكافور سدس جُزْء يجمع بستّة أَجزَاء شمع وستّة عشر جُزْءا دهن ورد. وَأَيْضًا العنبر الْمُذَاب بدهن البان أَو دهن الأترج ربع جُزْء وَيسْتَعْمل قيروطياً وَيجْعَل غذاءه الأكارع والنمبرشت. فصل فِي أورام الشفتين وقروحهما يجب أَن يبتدأ فِيهَا باستفراغ الْخَلْط الْغَالِب ثمَّ يسْتَعْمل الْأَدْوِيَة الموضعية أما الأورام فَهِيَ قريبَة الْأَحْكَام من أورام اللثة وحاجتها إِلَى علاج أقوى قَلِيلا أمسّ.(2/283)
وَأما الْأَدْوِيَة الموضعية للقروح فيتخذ من القوابض مثل الهليلج والحضض وبزر الْورْد وَجوز السرو وأصل الكركم. وَرُبمَا وَقع فِيهَا دهنج وأظلاف الْمعز محرقة وسعتر محرق ودخان مَجْمُوع والأشنة. وَأما الأدهان الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا فدهن المشمش ودهن الْجَوْز الْهِنْدِيّ. فصل فِي البواسير فَإِن كَانَ هُنَاكَ بواسير فَمَا ينفع مِنْهَا خبث الْحَدِيد ومرداسنج وأسفيذاج وزعفران وشب فصل فِي اخْتِلَاج الشّفة أَكثر مَا يعرض يعرض لمشاركة فمّ الْمعدة وخصوصاً إِذا كَانَ بهَا غثيان وحركة نَحْو دفع شَيْء بِالْقَذْفِ لَا سِيمَا فِي الْأَمْرَاض الحادة وأوقات البحارين. وَقد يكون بمشاركة العصب الجائي إِلَيْهَا من الدِّمَاغ والنخاع بمشاركتها للدماغ.(2/284)
الْفَنّ التَّاسِع أَحْوَال الْحلق وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة: وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة فصل فِي تشريح أَعْضَاء الْحلق يَعْنِي بِالْحلقِ الفضاء الَّذِي فِيهِ مجريا النَّفس والغذاء وَمِنْه الزَّوَائِد الَّتِي هِيَ اللهاة واللوزتان والغلصمة. وَقد عرفت تشريح المريء وتشريح الحنجرة. وَأما اللهاة فَهِيَ جَوْهَر لحمي معلّق على أَعلَى الحنجرة كالحجاب. ومنفعته تدريج الْهَوَاء لِئَلَّا يقرع بِبرْدِهِ الرئة فَجْأَة وليمنع الدُّخان وَالْغُبَار وليكون مقرعة للصوت يُقَوي بهَا ويعظم كَأَنَّهُ بَاب مؤصد على مخرج الصَّوْت بِقَدرِهِ. وَلذَلِك يضر قطعهَا بالصوت ويهيئ الرئة لقبُول الْبرد والتأذّي بِهِ والسعال عَنهُ. وَأما اللوزتان فهما اللحمتان الناتئتان فِي أصل اللِّسَان إِلَى فَوق كَأَنَّهُمَا أذنان صغيرتان وهما لحمتان عصبيتان كغدتين ليكونا أقوى وهما من وَجه كأصلين للأذنين. وَالطَّرِيق إِلَى المريء بَينهمَا. ومنفعتهما أَن يعبّيا الْهَوَاء عِنْد رَأس القصبة كالخزانة لكيلا ينْدَفع الْهَوَاء جملَة عِنْد استنشاق الْقلب فيشرق الْحَيَوَان. أما الغلصمة فَهِيَ لحم صفاقي لاصق بالحنك تَحت اللهاة متدلّ منطبق على رَأس القصبة وَفَوق الغلصمة الْفَائِق وَهُوَ عَظِيم ذُو أَرْبَعَة أضلاع اثْنَان من أَسْفَل. وَأما القصبة والمريء فَنَذْكُر تشريحهما من بعد. فصل فِي أمراض أَعْضَاء الْحلق قد يعرض فِي كل وَاحِدَة من هَذِه أمراض المزاج والأورام وانحلال الْفَرد. فصل فِي الطَّعَام الَّذِي يغصّ بِهِ وَمَا يجْرِي مجْرَاه إِذا نشب شَيْء لَهُ حجم فَيجب أَن يبْدَأ وَيْلكُمْ الْعُنُق وَمَا بَين الْكَتِفَيْنِ ضربا بعد ضرب فَإِن لم يغن أعين بالقيء وَرُبمَا كَانَ فِي ذَلِك خطر.(2/285)
فصل فِي الشوك وَمَا يجْرِي مجْرَاه أما الشوك وشظايا الْعود والعظم وَمَا أشبه ذَلِك فَيجب أَن ينظر فَإِن كَانَ الْحس يُدْرِكهُ أَو كَانَت الريشة أَو عقافة من خيزران أَو وتر الْقوس مثنياً يَنَالهُ فَإِنَّهُ يدْفع بِهِ أَو يجذب بِهِ فَإِن كَانَت الْآلَة الناقشة للشوك تناله فَالصَّوَاب استخراجه على مَا نَصِف. وَإِن فَاتَ الْحس فَيجب أَن يتحسّى عليهالأحساء المزلقة فَإِن لم ينجع هيّج الفواقي والقيء بالإصبع والريشة والدواء. وَمِمَّا جرب أَن يشرب كل يَوْم دِرْهَم وَاحِد من الْحَرْف المسحوق بِالْمَاءِ الْحَار ويتقيأ فَإِنَّهُ يقذف بالناشب. وَالْأولَى أَن يتقيأ بعد طَعَام مالئ وَقد يشدّ خيط قوي بِلَحْم مشروح ويبلع ثمَّ يجذب فَيخرج الناشب وَكَذَلِكَ بِالتِّينِ الْيَابِس المشدود بخيط إِذا مضغ قَلِيلا ثمَّ بلع وَقد يُغَرْغر بِرَبّ الْعِنَب الْمَطْبُوخ فِيهِ التِّين فيبيّن الناشب عَن مَوْضِعه وَقد يضمد الْحلق من خَارج بأضمدة فِيهَا إنضاج وتفتيح رَقِيق لينفتح الْموضع وَتخرج الشَّوْكَة أَو مَا يجْرِي مجْراهَا بذاتها وَمِثَال هَذَا الضماد الْمُتَّخذ من دَقِيق الشّعير بالزيت وَالْمَاء الفاتر. فصل فِي العلق إِنَّه قد يتَّفق أَن يكون بعض المياة عالقاً علقاً صغَارًا خُفْيَة يذهل خفاؤها عَن التحرّز مِنْهَا فتبلع وَرُبمَا علقت فِي ظَاهر الْحلق وَرُبمَا علقت فِي بَاطِن المريء وَرُبمَا علقت فِي الْمعدة وَرُبمَا كَانَت صَغِيرَة لَا يبصرها متأمل وَقت علوقها وَإِذا أَتَى على ذَلِك وَقت يعْتد بِهِ وامتصت من الدَّم مِقْدَارًا صَالحا ربت جثتها وَظهر حجمها. علاماته: يعرض لمن علق بِهِ العلق غم وكرب وَنَفث دم وَإِذا رَأَيْت الصَّحِيح ينفث دَمًا رَقِيقا أَو يقيئه أَحْيَانًا فَتَأمل حَال حلقه فَرُبمَا كَانَت بِهِ علقَة. معالجات: قد يعالج الْمدْرك مِنْهُ بالبصر بعلاج الْأَخْذ والنزع على مَا نصفه وَقد يعالج بالأدوية من الغراغر إِن كَانَت بِقرب الْحلق والبخورات وَمِنْهَا السعوطات إِن كَانَت مَالَتْ إِلَى الْأنف وبالمقيئات والمسهلات للديدان وَمَا أشبههَا إِن كَانَت وَقعت فِي الْغَوْر وَفِي الْمعدة. وَقد يحتال لَهَا بحيل أُخْرَى من ذَلِك أَن ينغمس الْإِنْسَان فِي مَاء حَار أَو يقْعد فِي حمّام حَار وخصوصاً على ثوم تنَاوله ثمَّ لَا يزَال يكرّر أَخذ المَاء الْبَارِد المثلوج فِي فَمه وقتا بعد وَقت حَتَّى تتْرك الْعلقَة الْموضع الَّذِي علقت بِهِ هرباً من الحرّ وتميل إِلَى نَاحيَة الْبرد فَإِن احْتِيجَ أَن يصبر على ذَلِك الحرّ إِلَى أَن يخَاف الغشي صَبر عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تَدْبِير جيد جدا فِي إِخْرَاجه وَكَثِيرًا مَا ينفع فِيهِ الِاقْتِصَار على أكل الثوم وَالْقعُود فِي الشَّمْس فاغر الْفَم بحذاء مَاء بَارِد مثلوج وَمن النَّاس من يسْقِي صَاحب العلق الفسافس وَضَربا من البقّ الْحمر الدموية الشبيهة بالقراد الصغار الْجُلُود الَّتِي يكَاد يفسخها الْمس وَإِن كَانَ بِرِفْق بخلّ أَو شراب أَو يبخر بِهِ الْحلق بقمع وَلَعَلَّه الَّذِي(2/286)
يسقى فِي بِلَادنَا الأنجل. والخل وَحده إِذا تحسي فَرُبمَا أخرجه من الْحلق وخصوصاً مَعَ الْملح. وَأما الغراغر: فَمِنْهَا الغرغرة بالخلّ والحلتيت وَحدهمَا أَو بملح والغرغرة بالخردل مَعَ ضعفه من بورق أَو الْخَرْدَل مَعَ مثله نوشادر أَو الغرغرة بشيح مَعَ نصفه كبريت أَو أفسنتين مَعَ مثله شونيز أَو بخلّ خمر طبخ فِيهِ الثوم وشيح وترمس وحنظل وسرخس أَو خل خمر مِقْدَار أوقيتين جعل فِيهِ من البورق ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الثوم سِنَان. وللغرغرة بعصير ورق الغرب خاصيّة فِي إِخْرَاجه وَكَذَلِكَ الغرغرة بالخلّ مَعَ الحلتيت أَو قلقطار وَمَاء. وَأما إِذا حصل فِي الْمعدة فَيجب أَن يسقى من هَذَا الدَّوَاء ونسخته: شيح قيسوم أفسنتين شونيز ترمس قسط جَوف البرنج الكابلي سرخس من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ أَن بخلّ ممزوج وَأَيْضًا يطعم صَاحبه الثوم والبصل أَو الكرنب أَو الفودنج النَّهْرِي الرطب والخردل مطيباً وكل حاد حريف ثمَّ يتقيأ بعده إِن سهل عَلَيْهِ الْقَيْء. فَإِن لم يسهل فالشيء المالح الحاد وَإِن كَانَ علوقها فِي الْأنف وَأوجب إسعاطها فسعط بالخلّ والشونيز وعصارة قثاء الْحمار والخربق وَإِذا عرض أَن يَنْقَطِع فليحذر صَاحبه الصياح وَالْكَلَام. وَإِن سَالَ عَم أَو قذفه أَو أسهله فعالج كلا بِمَا تَدْرِي فِي بَاب. وللسورنجان خاصية فِي دفع ذَلِك. وَأما كَيْفيَّة أَخذهَا بالقالب فَأن يُقَام الْبَالِغ للعلقة فِي الشَّمْس وَيفتح فَمه ويغمز لِسَانه إِلَى أَسْفَل بِطرف الْميل الَّذِي كالمغرفة فَإِذا لمحت الْعلقَة ضع الْقلب فِي أصل عُنُقهَا لِئَلَّا تَنْقَطِع وَهَذَا القالب هُوَ الَّذِي تنْزع بِهِ البواسير. فصل فِي الخوانيق وَالذّبْح إِن الاختناق هُوَ امْتنَاع نُفُوذ النَّفس إِلَى الرئة وَالْقلب وَهُوَ شَيْء يعرض من أَسبَاب كَثِيرَة مثل شرب أدوية خانقة وأدوية سمّية وَمثل جمود اللَّبن فِي بعض الأحشاء. لَكِن الَّذِي كلامنا فِيهِ الْآن هُوَ مَا كَانَ بِسَبَب يعرض فِي نفس آلَات التنفس الْقَرِيبَة من الحنجرة من ورم أَو انطباق أَو عجز قوّة عَن تَحْرِيك آلَات الِاسْتِنْشَاق. وَأَنت تعلم أَن الورم يسدّ وَأَن ضغط الْعُضْو والمجاور يسدّ منافذ جَار. وَأَنت تعلم أَن العضل المحرّكة للأعضاء التحريك الجاذب إِلَيْهَا للهواء وَهِي عضل الحنجرة كَمَا نذْكر حَالهَا فِي بَاب التنفّس. إِذا عجزت عَن تحريكها وفعلها ليبس استولى على هَذِه العضل الَّتِي فِي دَاخل الحنجرة وَمَا يَليهَا أَو لاسترخاء أَو لتشنج أَو لآفة أُخْرَى لم يُمكن الْحَيَوَان أَن يتنفس وَإِن كَانَ المجرى غير مسدود. وَأما الانطباق بِسَبَب ضغط المجاور فَإِنَّهُ قد يَقع بِسَبَب زَوَال الفقرات الَّتِي فِي أول الْعُنُق(2/287)
إِلَى دَاخل بِسَبَب ضَرْبَة أَو سقطة وَلَا علاج لَهُ ولورم فِي عضل الخرز أَو أربطتها أَو فِي عضل المريء وأربطته بالمشاركة أَو لشَيْء من الْأَسْبَاب الَّتِي تجذبها إِلَى دَاخل أَو لتشنّج يعرض فِيهَا أَيْضا بجذبها وأردؤه الْيَابِس أَو لآفات أُخْرَى من آفَات العصب يُهَيِّئ لذَلِك. وَأكْثر مَا يعرض ذَلِك يعرض للصبيان بِسَبَب لين رباطاتهم. وأعظمه خطراً مَا كَانَ فِي الْفَقْرَة الثَّانِيَة وَمَا فَوْقهَا وَإِذا كَانَ دون ذَلِك فَهُوَ أسلم. وأشدّه مَا كَانَ فِي الْفَقْرَة الأولى فَإِنَّهُ أشدّ وأحدّ وَمن بَاب المجاور مَا يكون بِسَبَب الديدان. وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب عسر الازدراد. وَأما أَقسَام الورم بِحَسب الْأَعْضَاء المتورّمة فَهِيَ أَرْبَعَة: فَإِنَّهَا إِمَّا أَن يكون الورم فِي العضلات الْخَارِجَة عَن الحنجرة المائلة إِلَى قدّام وَإِلَى أَسْفَل حَتَّى يكون الورم يظْهر وَتظهر حمرته فِي مقدم العنف أَو الصَّدْر أَو القص أَو يكون فِي العضلات الْخَارِجَة عَنْهَا وَلَكِن فِي الَّتِي إِلَى خلف وَفِي عضلات المريء حَتَّى يكون الورم ولونه يظْهر فِي دَاخل الْفَم وَرُبمَا تأدّى إِلَى الفقار والنخاع بالمشاركة أَو يكون فِي العضلات الْبَاطِنَة من المريء وَمَا يَلِيهِ فبضيق النَّفس بالمجاورة وَلَا يظْهر للحسّ وَيكون فِي العضلات الْبَاطِنَة من الحنجرة وَفِي الغشاء المستبطن لَهَا وَهُوَ شرّ الْأَرْبَعَة وَهُوَ لَا يظْهر للحسّ أَيْضا وَقد يجْتَمع من هَذِه الأورام عدَّة اثْنَان أَو ثَلَاثَة. وَسبب هَذِه الأورام سَبَب سَائِر الأورام وَرُبمَا كَانَ لبَعض الأغذية خاصية فِي إِحْدَاث هَذِه الأورام كالحندقوق. وَقيل إِن ترياقه الخسّ أَو الهندبا وَرُبمَا لم يكن السَّبَب الامتلائي فِي الْبدن كُله بل كَانَ الْبدن نقيّاً وَإِنَّمَا فضلت الفضلة فِي الْأَعْضَاء الْمُجَاورَة لأعضاء الْحلق فأحدثت ورماً وَقد يقسم هَذَا الورم فَيُقَال مِنْهُ ظَاهر للحسّ خَارج وَمِنْه ظَاهر للحسّ إِذا تَأمل بَاطِن الْحلق دَاخِلا وَمِنْه مَا لَا يظْهر للحس فَمِنْهُ فِي المريء وَمِنْه فِي دَاخل الحنجرة وَإِنَّمَا يتَأَمَّل ذَلِك بدلع اللِّسَان بعد فغر الْفَم بِشدَّة مَعَ غمز اللِّسَان إِلَى أَسْفَل. وَقد تعرض هَذِه الأورام من الدَّم وَقد تعرض من المرّة الصَّفْرَاء وَقد تعرض من البلغم وَأكْثر خنقه بإطباق العضل مرخياً. والبلغمي سليم وبرؤه سريع سهل وَرُبمَا تطاول أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَمن البلغمي مَا تولّده من بلغم لزج غليظ بَارِد وَمِنْه مَا تولده من بلغم لطيف حَار. وَمثل هَذَا البلغم إِذا نزل من الرَّأْس وَهُوَ إِنَّمَا يكون من الرَّأْس فِي أَكثر الْأَمر فَإِنَّهُ يتَمَكَّن إِلَى العضلات السُّفْلى من الحنجرة وَالَّذِي من البلغم الغليظ فَيكون فِي عضلات أَعلَى الحنجرة لثقله وقلّة نُفُوذه وقلّما يعرض من السَّوْدَاء. وَقَالَ بَعضهم: أَنه لَا يعرض البتّة لِأَن السَّوْدَاء يقلّ انصبابها من عُضْو إِلَى عُضْو دفْعَة وَلكنه لَا يبعد مَعَ نحور ذَلِك أَن يعرض دفْعَة أَو قَلِيلا قَلِيلا ثمَّ يختنق.(2/288)
وَرُبمَا كَانَ انتقالاً من الورم الْحَار وعَلى كل حَال فَهُوَ رَدِيء. وكل ورم خناقي فإمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن تنْتَقل مادته وَإِمَّا أَن يجمع ويقيح. وَقد يرم دَاخل القصبة لكنه لَا يبلغ أَن يخنق. والخناق الرَّدِيء المحرج إِلَى إدامة فتح الْفَم ودلع اللِّسَان يسمّى الْكَلْبِيّ. فَتَارَة يُقَال ذَلِك للكائن فِي العضل الدَّاخِل فِي الحنجرة وَتارَة يُقَال للْوَاقِع فِي صنفي العضل مَعًا وَتارَة يُقَال للَّذي يعرض إِلَى التشنّج إِذا اندفعت الْمَادَّة إِلَى جِهَة الأعصاب وَقد تنصبّ إِلَى نَاحيَة الْقلب فَتقْتل وَقد تنصبّ إِلَى نَاحيَة الْمعدة. وكل مخنوق يَمُوت فَإِنَّهُ يتشنّج أَولا. والخناق الْكَلْبِيّ قد يقتل فِيمَا بَين الْيَوْم الأول وَالرَّابِع وَقد تكْثر الخوانيق وأشباهها فِي الرّبيع الشتوي وَإِذا اشتدّ الخناق جعل النشر منخرياً يستعان فِيهِ بتحريك الورقة وأحوجّ كثيرا إِلَى تَحْرِيك الصَّدْر مَعَ الورقة وَإِلَى إسراع وتواتر إِن أعانت الْقُوَّة وَلم يكن لنفسهم نفخة وَإِن لم يكن خناقاً. وعروض الاختناق فِي الحمّيات الحادة رَدِيء جدا لِأَن الْحَاجة فِيهَا إِلَى التنفس شَدِيدَة. العلامات: الْعرض الْعَام لجَمِيع أَصْنَاف الخوانيق: ضيق النَّفس وَبَقَاء الْفَم مَفْتُوحًا وصعوبة الابتلاع حَتَّى إِنَّه رُبمَا أَرَادَ صَاحبه أَن يشرب المَاء فَيخرج من مَنْخرَيْهِ وجحوظ الْعَينَيْنِ وَخُرُوج اللِّسَان فِي الشَّديد مِنْهُ ضعف حركته وَرُبمَا دَامَ كثيرا وَيكون كَلَامه من الصِّنْف الَّذِي يُقَال أَن فلَانا يتَكَلَّم من مَنْخرَيْهِ وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَاف ذَلِك فَإِن الَّذِي ينْسب إِلَى هَذَا فِي عَادَة النَّاس إِنَّمَا هُوَ مسدود المنخرين فَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ لَا يتَكَلَّم من المنخرين. وَأما الوجع فَلَا يشتدّ فِي البلغمي والصلب ويشتدّ فِي الْحَار. وَإِن اشْتَدَّ الوجع فَرُبمَا انتفخت الرَّقَبَة كلهَا وَالْوَجْه وتدلّى اللِّسَان. وَأسلم الذبْحَة مَا لَا يعسر مَعهَا النَّفس. ونبض أَصْحَاب الخناق فِي أَوله متواتر مُخْتَلف ثمَّ يصير صَغِيرا متفاوتاً ويشترك جَمِيع الورم فِي أَنه يحسّ إِمَّا بالبصر وَإِمَّا باللّمس بِأَن تحس أَعْضَاء المريء والحنجرة جاسية متمدّدة وَيكون صَاحبه كَأَنَّهُ يَشْتَهِي الْقَيْء والزوالي يكون مَعَه انجذاب من الرَّقَبَة إِلَى دَاخل وتقصّع حَيْثُ زَالَ الفقار وَإِذا لمس أوجع وَإِذا نَام على قَفاهُ لم يسغْ شَيْئا يبلغهُ البتّة وَالْفرق بَين ضيق النَّفس الْكَائِن بِسَبَب الذبْحَة والكائن بِسَبَب ذَات الرئة أَن الَّذِي فِي ذَات الرئة لَا يختنق دفْعَة وَهَذَا قد يختنق. وَالْفرق بَين الورم فِي الحنجرة والورم فِي المريء أَنه إِذا كَانَ البلع مُمكنا وَالنَّفس مُمْتَنع فالورم فِي الحنجرة أَو كَانَ بِالْعَكْسِ فالورم فِي المريء وَرُبمَا عظمت الحنجرة(2/289)
حَتَّى يمْتَنع البلع وَرُبمَا عظم المريء حَتَّى يمْتَنع التنفّس وَإِنَّمَا يضيق النَّفس من أورام المريء مَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ وَأما دون ذَلِك فَلَا يمنعالنفس وَإِن عسر أَو ضيّق لِأَنَّهُ لَا يبلغ أَن يزاحم القصبة وطرفها فَلَا يدخلهَا هَوَاء الْبَتَّةَ. وَإِذا كَانَ الورم فِي المريء وَفِي العضلات الدَّاخِلَة لم يتَبَيَّن للحسّ ولطئ اللِّسَان بالحنك لطأً شَدِيدا. وَالْفرق بَين الورم الرَّدِيء الَّذِي لَا يبرأ والورم الَّذِي لَيْسَ بذلك الرَّدِيء بل هُوَ فِي آخر عضل المريء وَإِن كَانَ لَا يرى أَنه لَا يضيق مَعَه النَّفس إِلَّا عِنْد البلع. والرديء مِنْهُ الَّذِي يكون دَاخل الحنجرة وَلَا يظْهر للحس من خَارج مِنْهُ شَيْء وَلَا من دَاخل إِذا تؤمل حلقه بل هُوَ غائر ثمَّ الَّذِي لَا يرى من دَاخل وَيرى من خَارج. والخناق الرَّدِيء فَإِنَّهُ يعجّل إِلَى منع التنفّس وَإِذا اسْتلْقى صَاحبه امْتنع نَفسه أصلا وَإِذا لم يستلق يكون عسر النَّفس أَيْضا دَائِم تمديد الْعُنُق احتيالاً للتنفس يتململ ويحبّ الانتصاب وَيقدر على الِاضْطِجَاع. وَإِذا بلع ضيق النَّفس وَالْحَاجة إِلَى إِخْرَاج البخار الدخاني إِلَى أَن تزعج الْقُوَّة المتنفسة الرطوبات إِلَى خَارج فِي التنفس فَيظْهر الزّبد فَلَا رَجَاء فِيهِ وَلَا يجب أَن يعالج. على أَنه قد يعرض أَن يزِيد المخنوق أَحْيَانًا ثمَّ يعافى وَذَلِكَ إِذا كَانَت هُنَاكَ قُوَّة وشهوة غذَاء. وَغلظ اللِّسَان واسوداده من العلامات الرَّديئَة وَإِذا كَانَ مَعَ الخوانيق الرَّديئَة حمى شَدِيدَة فالموت عَاجل لِأَن الْحمى تحوج إِلَى نفس كثير. وَقد قيل فِي عَلَامَات الْمَوْت السَّرِيع أَن من كَانَ بِهِ خوانيق فَتغير لون مُؤخر عُنُقه عَن حمرته الْمُعْتَادَة تغيراً إِلَى الْبيَاض أَو إِلَى الخضرة وعرق إبطه وأرنبته عرقاً بَارِدًا فَإِنَّهُ يَمُوت فِي أحد يوميه. وَأما عَلَامَات الرَّجَاء فَأن تنْتَقل الْحمرَة إِلَى خَارج وَكَثِيرًا مَا يفتحون حينئذٍ أَعينهم ويفيقون وَكَذَلِكَ إِذا تغير نفسهم وَأخذُوا يتنفسون نفسا قَصِيرا وَذَلِكَ لأَنهم يبتدرون فِي حَال الشدَّة إِلَى تَطْوِيل النَّفس ليدخلوه قَلِيلا قَلِيلا فَإِذا قصر فقد زَالَ سَبَب المستدعي للتطويل وعادت الْأَعْضَاء إِلَى الْحَال الطبيعية. وَكَذَلِكَ إِذا حدث ورم فِي الْجَانِب الْمُقَابل رُجي مَعَه الانحلال لما عرفت. وَأما عَلَامَات انْتِقَال الخناق فَهُوَ أَن يرى فِي الورم ضمور وانحلال من غير انفجار إِلَى خَارج مَعَ استراحة ثمَّ يجب أَن يتَأَمَّل أَمر النبض فَإِن صَار مُوجبا عَظِيما وَحدث سعال فَهُوَ ذَا ينْتَقل إِلَى ذَات الرئة وَإِن كَانَ النبض متشنّجاً فَهُوَ ينْتَقل إِلَى التشنّج وَإِن ضعف النبض جدا وَصغر وتفاوت وهاج خفقان وانحلّت الغريزية وَحدث غشي فالمادة منصبّه إِلَى نَاحيَة الْقلب. وَإِن حدث وجع فِي الْمعدة وغثيان فقد انصبّ إِلَى الْمعدة. وَأما عَلَامَات الْجمع فَأن يُوجد لين قَلِيل مَعَ مُجَاوزَة الرَّابِع وَقد يعرض للخناق الَّذِي تظهر حمرته فِي الْعُنُق وناحية الصَّدْر أَن تغيب الْحمرَة وَذَلِكَ يكون على(2/290)
وَجْهَيْن إِمَّا لرجوع الْمَادَّة إِلَى الْبَاطِن وَإِمَّا لاستفراغ الْمَادَّة. وَإِذا كَانَ بِسَبَب استفراغ الْمَادَّة فَهُوَ مرجو ويخفّ مَعَه النَّفس الشَّديد. وَالْآخر رَدِيء. وعلامات الدموي مِنْهُ عَلَامَات الدَّم الْمَعْلُومَة وَحُمرَة اللِّسَان وَالْوَجْه وَالْعين. ووجدان طعم الدَّم إِمَّا حلاوة أَو مثل طعم الشَّرَاب الشَّديد والوجع الشَّديد التمددي ضيق النَّفس. وعلامات الصفراوي التهاب وحرارة وغمّ شَدِيد وعطش شَدِيد ووجع شَدِيد جدا لذّاع ومرارة ويبس وسهر وَلَيْسَ يبلغ تضييقه للنَّفس مبلغ الْوَاقِع من الدَّم. وَقد دلّ عَلَيْهِ لون اللِّسَان وحرقة الْموضع وحدته وَكَأن فِي الْموضع شَيْئا حريفاً لاذعاً. ووجع الصفراوي أقل من وجع الدموي. وعلامات البلغمي ملوحة أَو بورقية مَعَ حرارة ولزوجة لِأَن هَذَا البلغم يكون فَاسِدا متعفناً. وَقد يدل عَلَيْهِ بَيَاض لون اللِّسَان وَالْوَجْه وَقلة العطس وَقلة الالتهاب وَقد يدلع اللِّسَان بالإرخاء وقلّما يعرض مَعَه ورم فِي الغدد وَيكون الوجع مَعَه قَلِيلا أَو مَعْدُوما وَلَا يكون مَعَه حمّى وتتطاول مدَّته إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَإِذا جَاهد صَاحبه أمكنه الإساغة. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ينفذ وعلامات السوداوي الصلابة وَطعم الحموضة والعفوصة وَأَن يعرض قَلِيلا قَلِيلا وَرُبمَا كَانَ انتقالاً من الورم الْحَار. وعلامات الْكَائِن عَن يبس الْأَعْضَاء المنفّسة أَيهَا كَانَت قلّة رُطُوبَة فِي الْفَم وَالِانْتِفَاع بِالْمَاءِ الْحَار فِي الْوَقْت لما يرطّب ويرخّي. وَاعْلَم أَنه قد يعرض للْإنْسَان وجع راتب سنة أَو سنتَيْن فِي حلقه فَيدل على تحجّر فضل فِي نواحي الْحلق. فصل فِي كَلَام كلّي فِي معالجات الأورام الْعَارِضَة فِي نواحي الْحلق والحنجرة والغدد الَّتِي تطيف بهَا واللهاة والغلصمة واللوزتين يجب أَن يستفرغ أوّل كل شَيْء من الْمَادَّة الفاعلة لذَلِك بالفصد والإسهال وَأَن يجذب الْمَادَّة إِلَى الْجِهَة الْمُخَالفَة وَلَو بالمحاجم تُوضَع على الْمَوَاضِع الْبَعِيدَة المقابعة لَهَا وربط الْأَطْرَاف ربطاً مؤلماً وَأَن يبتدأ بالأدوية القابضة ممزوجة بِمَا لَهُ قَلِيل جلاء كالعسل وأفضلها قشور الْجَوْز ثمَّ بربّ التوت. وَاعْلَم أَن الْمُبَادرَة إِلَى التغرغر بالخلّ كَمَا يَبْتَدِئ ورم اللهاة أَو خناق مِمَّا يمْنَع ويردع ويجلب رُطُوبَة كَثِيرَة وَيكون مَعَه امْتنَاع مَا كَاد يحدث. وَمن هَذِه الْأَدْوِيَة مثل الشبّ والعفص والجلّنار والرمانين المطبوخين إِلَى النَّهْرِي يتّخذ مِنْهُمَا لعوق. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك حلق اليافوخ ثمَّ طلاؤه بعصارة أقاقيا هَذَا فِي الأول ثمَّ يتدرّج إِلَى المنضجات ثمَّ إِلَى المفتّحات القوية حَتَّى إِلَى دَرَجَة النوشادر والعاقرقرحا وَمَا(2/291)
نذكرهُ. وَمِمَّا ينفع فِي ذَلِك التعطيس بِمثل الكندس والقسط وورق الدفلي والمرزنجوش. وَمن الْأَشْيَاء المجرّبة الَّتِي تفعل بخاصيتها فِي أورام الخوانيق واللهاة واللوزتين وَبِالْجُمْلَةِ أَعْضَاء الْحلق نفعا عَظِيما أَن يُؤْخَذ خيوط وخصوصاً مصبوغة بالأرجوان البحري فيخنق بهَا أَفْعَى ثمَّ يطوّق عنق من بِهِ هَذِه الأورام فَإِن ذَلِك يَنْفَعهُ نفعا بليغاً عَظِيما عجيباً مجاوزاً للقدر المتوقّع. وَاللَّبن من الْأَدْوِيَة الشَّرِيفَة. والانتهاء بِمَا يردع ويليّن ويسكّن الأوجاع وَيجب أَن يتَأَمَّل فِي اسْتِعْمَال مَا يقبض أَو يحلّل أَو ينضج وَينظر إِلَى حَال الْبدن فِي لينه وصلابته فتقوى القوى فِي الصلبة وتليّن فِي اللينة وَكَذَلِكَ يُرَاعِي السنّ والمزاج وَالزَّمَان وَالْعَادَة وَقد يخص أورام اللهاة واللوزتين واسترخاؤهما الْقطع ويفرد لَهُ بَابا وَمن وُجُوه العلاج الغمز على الْموضع. ومواضعه ثَلَاثَة: أَحدهمَا عِنْدَمَا يَزُول الفقار وَالثَّانِي فِي أورام اللهاة واللوزتين المحوجة إِلَى إشالتها عَن سُقُوطهَا إِلَى فَوق وَالثَّالِث فِي الأورام البلغمية إِذا ضيقت المنفذين فاستعين بالغمز على تنقيتها وتلطيفها. علاج الذّبْح والخوانيق وكل اختناق من كل سَبَب: أما الْحَار فَيجب أَن يبْدَأ فِيهِ بالفصد وَلَا يخرج الدَّم الْكثير دفْعَة وخصوصاً إِذا كَانَت قد أخذت القوّة فِي الضعْف بل يُؤْخَذ عشرَة عشرَة كل سَاعَة إِلَى الْيَوْم الثَّالِث بالتفاريق المتوالية فَإِن لم يكن أَخذ فِي الضعْف فَيجب أَن لَا يزَال يخرج الدَّم إِلَى أَن يعرض الغشي فِي الْقوي وَيجب أَن لَا ينحى بِالتَّفْرِيقِ نَحْو حفظ الْقُوَّة وَدفع الغشي فَإِن الغشي إِذا عرض لَهُم أسقط قوتهم فيجتمع عسر التنفس وَسُقُوط الْقُوَّة وخصوصاً وهم مؤاخذون بتقليل الْغذَاء اخْتِيَارا أَو ضَرُورَة لَا سِيمَا إِن كَانَت حمى. وَقد يجب أَن يُرَاعى فِي أَمر الفصد شَيْئا آخر وَهُوَ أَنه رُبمَا كَانَ سَبَب غَلَبَة الورم فِي الخوانيق احتباساً لَا سِيمَا من مُعْتَاد كَدم حيض وَدم البواسير وَفِي مثل ذَلِك يجب أَن يكون الفصد من جَانب يجذب إِلَى الْجِهَة الَّتِي وَقع عَنْهَا الاحتباس مثل مَا يجب هَهُنَا من فصد الصَّافِن وحجامة السَّاق فَإِذا خرج دم كثير فَرُبمَا سكن الْعَارِض من سَاعَته وَرُبمَا احتجت إِلَى إِعَادَته من غَد. وبالحقيقة أَنه إِن احتملت الْحَال المدافعة بالفصد إِلَى النضج فَذَلِك أفضل لتبقى القوّة فِي الْبدن وَيَقَع الاستفراغ من نفس مَادَّة الْمَرَض ويقتصر على إرْسَال متواتر أَيَّامًا عشْرين بِعشر وزنات دم أَو خمس وزنات ويسهل التنفس وَكَذَلِكَ أَيْضا الغراغر تؤخّر أَن كَانَ هُنَاكَ امتلاء وَكَانَت الغراغر تؤلم خوفًا من الجذب بل تسْتَعْمل الغراغر بعد التنقية. من الذّبْح صنف آخر يكون فِي أقْصَى الغلصمة فَإِذا فصد قبل انحطاط الْعلَّة انحطّ إِلَى المخنق وَأكْثر مَا يعرف بِهِ وَقت الخناق من الِابْتِدَاء والتزيد والانتهاء والانحطاط هُوَ من حَال الازدراد وتزيد عسره ووقوفه أَو انحطاطه وَمَا دَامَ فِي التزيد وَلم يكن ضَرُورَة لم يفصد الفصد الْبَالِغ بل يقْتَصر على مَا قُلْنَا.(2/292)
وَإِذا كَانَ الخناق لَيْسَ بمشاركة من امتلاء الْبدن كُله بل كَانَت الفضلة فِي نَاحيَة الْحلق فَقَط وَلم يخْش مدَدا جَازَ أَن لَا يفصد بل يبعد عَن بدنه أَسبَاب التَّحَلُّل المحوج إِلَى الْبَدَل الْكثير وَيمْنَع الْغذَاء ليَكُون بدنه مُسْتَعْملا لدمه فِي الاغتذاء وصارفاً إِيَّاه عَن جِهَة الورم كَأَنَّهُ يغصبها الدَّم ثمَّ يقبل على التَّحْلِيل والإنضاج. وَإِن فصدت رُبمَا لم يحْتَمل ذَلِك وَلم يكن بُد من تغذية وَفِي التغذية تَعْذِيب وخصوصاً حِين لَا يشْبع وَلَا يُؤَخر فصد الْعرق الَّذِي تَحت اللِّسَان بل يجب أَن يُبَادر إِلَى ذَلِك وَلَو فِي الْيَوْم بل وَلَو فِي خلل التفاريق الْمَذْكُورَة وخصوصاً إِذا كَانَت الْعُرُوق الَّتِي تَحت اللِّسَان متمدّدة. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى فصد الوداج وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى شَرط اللِّسَان نَفسه وَإِلَى حجامة السَّاق فَإِنَّهُ نَافِع جدا. وَمن كَانَ يعتاده الخوانيق فَيجب أَن يفصد قبل عروضها كَمَا ترى امتلاء وَعند الرّبيع. وَمِمَّا هُوَ شَدِيد النَّفْع الْمُبَادرَة إِلَى اسْتِعْمَال الحقن القوية جدا إِلَّا أَن تمنع الْحمى فَحِينَئِذٍ يجب أَن يقْتَصر على الحقن اللينة. وللحقن القوية والشيافات مَنْفَعَة فِي ذَلِك قَوِيَّة. وَيجب أَن ترْبط الْأَطْرَاف ويطوق الْعُنُق بصوف وخصوصاً صوف الزوفا مغموساً أَيَّة كَانَ فِي الزَّيْت أَو فِي دهن البابونج فَإِنَّهُ مليّن مسكن للوجع ثمَّ فِي آخِره تخلط بِهِ الجواذب حِين لَا تَنْفَع هَذِه وَهِي مثل البورق والخردل والقسط والجندبيدستر والكبريت والمراهم القوية المحمّرة وَأَيْضًا بِمثل عسل البلاذر وكل مَا ينقط وَيجب أَن يقْتَصر فِي غذائهم إِلَى الْيَوْم الثَّالِث على السكنجبين وشراب الْعَسَل ثمَّ يتدرج إِلَى مَاء الشّعير مَعَ بعض الْأَشْرِبَة اللذيذة ثمَّ إِلَى محّ الْبيض ثمَّ إِذا سهل البلغ اسْتعْملت الأحساء بخندروس. وَفِي آخِره نجْعَل الأحساء من المنضجات ثمَّ المحلّلات. وَإِذا عسر البلع وضعت المحاجم على الرَّقَبَة عِنْد الخرزة الثَّانِيَة بالمصّ أَو بالنَّار ليتسع المنفذ قَلِيلا قَلِيلا ويسيغ كل مَا يتجرع من الأغذية فَإِذا فرغ من ذَلِك أزلت المحاجم. وَأما النارية فَإِنَّهَا تسْقط بِنَفسِهَا وَلَا بَأْس أَن يشرط أَيْضا(2/293)
وَيخرج الدَّم من هُنَا وَمن الأخدعين ثمَّ يحجم محجمة وَاحِدَة على الرَّأْس وتوضع أَيْضا محاجم على الذقن تَحت الْحلق وَذَلِكَ بعد قطع الْمَادَّة فَإِن جَمِيع هَذَا يجذب الْمَادَّة إِلَى خلاف ويقلّلها. وكذلكالأول ويضعها تَحت الثدي وعَلى الْكَاهِل وَلَا بَأْس بِإِدْخَال مَا ينقّي من الخيزران وَنَحْوه ملفوفاً عَلَيْهِ قطنة فَإِن فِي التنقية توسيعاً وَرُبمَا أَدخل فِي الْحلق قَصَبَة معمولة من ذهب أَو فضَّة أَو نَحْوهمَا تعين على التنفس. وَكَذَلِكَ إِذا اشْتَدَّ الضّيق لم يكن من وضع المحاجم على الرَّقَبَة. وَقد ينفع فِي توسيع البلع وَالنَّفس غمز الأكتاف وَأما الْأَدْوِيَة فِي الِابْتِدَاء فالقوابض وخصوصاً للدموي. وَأفضل القوابض مَا لَهُ مَعَ قَبضه جَوْهَر لطيف يغوص بِهِ. وَمن الْأَشْيَاء الَّتِي أخرجتها التجربة فَإِن القوابض المخلوطة المركبة أَنْفَع من المفردة البسيطة. وَرُبمَا اشْتَدَّ الوجع فِي أول الْأَمر. فاحتيج إِلَى أَن يخلط بالقوابض مَا يسكّن الوجع ويلين مثل شراب البنفسج والفانيذ وَاللَّبن الْحَار ولعاب بزر كتَّان والمبيختج وَرُبمَا لم تكن الانصباب فَلم يكن بدّ من المحلّلة يخلط بهَا أَو رُبمَا لم يكن الْمَادَّة كَثِيرَة فِي الانصباب وَيكون الورم لَيْسَ قَوِيا فيبتدأ وَيسْتَعْمل العفص والنوشادر فَإِنَّهُ يمْنَع بقوّة ويحلل بِقُوَّة. وَأما الصفراوي فَيجب أَن يكون أَكثر الفصد مصروفاً فِيهِ إِلَى التبريد مَعَ الْقَبْض وَقد يسْتَعْمل فِيهِ لطوخات وَقد يسْتَعْمل فِيهِ وَفِي كل غرغرات وَيسْتَعْمل نفوخات بمنفاخ ونثورات. فَمن ذَلِك التغرغر بالسكنجبين وَالْمَاء والخلّ وَالْمَاء فَإِنَّهُ عَظِيم الْمَنْفَعَة فِي أول الْحَار والبارد وبرب التوت وخاصة الْبري ثمَّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سكر أَو عسل وَيسْتَعْمل فِي الِابْتِدَاء صرفا ومقوى بقوابض من جنس عصارة السماق والحصرم مجفّفين وكما هما والجلنار وَإِنَّمَا يَجْعَل فِي مثله الْعَسَل لينقَي لَا ليقوي وَكَذَلِكَ طبيخ القسب بالعسل أَو طبيخ السمّاق وبعقيد الْعِنَب. وَأقوى من ذَلِك عصارة الْجَوْز الرطب وَهِي من أفضل أدوية هَذَا الورم عصارة الْورْد الطري. وَرب الخشخاش إِذا خلط بالقوابض كَانَ شَدِيد النَّفْع فِي الِابْتِدَاء. وَأقوى من طبيخ الآس. والبلوط والسماق وَمَاء الكزبرة والسماق وَمَاء قشور الْجَوْز وَمَاء الآس وَمَاء طبخ فِيهِ العدس جدا أَو السفرجل الْقَابِض جدا. وللزعرور خاصية والشب الْيَمَانِيّ أَيْضا لَهُ خاصية فِي ذَلِك وَأَيْضًا ينْفخ فِي الْحلق نفوخاً من بزر الْورْد والسماق والجلنار أَجزَاء سَوَاء والكافور شَيْء قَلِيل. وللصفراوي عصارات الْبُقُول الْبَارِدَة مخلوطة بِمَا لَهُ قبض مَا وعصارة عَصا الرَّاعِي وعصارة عِنَب الثَّعْلَب وعصارة قضبان الْكَرم. وَمن المشتركات بَينهمَا فِي الِابْتِدَاء بزر الْورْد وبزر البقلة ولعاب بزر قطونا ونشاء وطباشير وسمّاق وَكَثِيرًا وكافور(2/294)
ويتخذ مِنْهُ حبّ مفرطح وَيُؤْخَذ تَحت اللِّسَان وَإِذا انْقَطع التحلب فَيجب أَن يخلط بربّ التوت المرّ والزعفران فَإِن المر غواص بِقُوَّة قَبضه تَحْلِيله. ويغوص الزَّعْفَرَان فيجتمعان على الإنضاج وَإِن رَأَيْته يمِيل إِلَى الصلابة خلط بالتوت شَيْئا من البورق وَإِذا قَارب الْمُنْتَهى أَو حصل فِيهِ فَيجب أَن يسْتَعْمل أَيْضا مَا فِيهِ تسكين وتليين كاللبن الحليب مدافاً فِيهِ فلوس من الْخِيَار شنبر والزفت فِي رب التوت أَو طبخ التِّين والحلبة أَو ربّ الآس مَعَ الميبختج أَو عصير الكرنب بِعَسَل أَو ميبختج أَو الْمقل الْعَرَبِيّ محلولاً بِرَبّ الْعِنَب فَإِنَّهُ نَافِع جدا أَو مَاء الْأُصُول مطبوخاً فِيهِ زبيب أَو حلبة وتمر وتين والمرّ والزعفران والدارصيني غرغرة بالسكنجبين وَمَاء الْعَسَل. وتستعمل الأضمدة أَيْضا للإنضاج مثل ضمّاد الساهر. وتقطير دهن اللوز فِي الْأذن نَافِع فِي هَذَا الْوَقْت. وَإِذا رَأَيْته لَا ينضج وَرَأَيْت صلابة وَجب أَن يسْتَعْمل فِي أدويته الكبريت. وَإِذا كَانَ قد نضج فاجتهد فِي تفجير الورم بالغراغر الَّتِي تجمع إِلَى التليين التفجير كبعض الْأَدْوِيَة الحادة فِي اللَّبن يُغَرْغر بِهِ وَإِن كَانَ ظَاهرا وتطاول وَلَا ينفجر فَلَا بَأْس بِاسْتِعْمَال الْحَدِيد. وَمن الْأَدْوِيَة المعتدلة مَعَ الْمُبَادرَة إِلَى التفجير طبيخ التِّين بالحلبة وَالتَّمْر وطبيخ العدس بالورد وَرب السوسن وبزر المرو. وَبعد ذَلِك يتدرج إِلَى مَا هُوَ أقوى فيخلط بربّ التوت بورق وَكَثِيرًا وَأَيْضًا بزر مرو مدافاً فِي لبن مَاعِز والأدهان المسخّنة وخصوصاً مَعَ عسل وسكّ ويتغرغر بِمثل مَاء الْعَسَل طبخ فِيهِ تين وفودنج ومرزنجوش وشبث ونعناع وأصل السوس ونمام مَجْمُوعَة ومفرقة. وللقسط - وخصوصاً البحري - مَنْفَعَة عَظِيمَة فِي مثل هَذَا الْوَقْت. وَفِي حَقِيقَة الِانْتِهَاء تقصد الْجلاء التَّام والتفجير بِمثل النطرون والبورق والحلتيت والمرّ والفلفل والجندبيدستر وَفرق الخطاطيف وخرء الديك يُغَرْغر بِهِ مَعَ رب التوت بل بالنوشادر والعاقرقرحا وبزر الحرمل والخردل وبزر الفجل بِالْمَاءِ والسكنجبين وَيسْتَعْمل هَذِه نفوخات. وَنفخ النوشادر مريح وَإِذا انحطت الْعلَّة اسْتعْملت الشَّرَاب والحمّام والتنطيل. صفة حب نَافِع فِي الِانْتِهَاء: أصل السوسن أَرْبَعَة أَجزَاء حلتيت نصف جُزْء يجمع بعصارة الكرنب أَو عقيد الْعِنَب. وَأما علاج البلغمي. فَمن ذَلِك أَن يدْخل فِي الْحلق قضيب مغموز معوّج ملفوف عَلَيْهِ خرق يطلى بِهِ الورم وتنقّى بِهِ الرُّطُوبَة. وللعتيق مِنْهُ حلتيت بدارصيني أَو يسهل بالقوقايا والأيارج وَنَحْوه ويحقن بالحقن الحادة القوية جدا. وَأما علاج السوداوي فأنفع الْأَدْوِيَة لَهُ دَوَاء الحرمل غرغرة ولطوخاً من دَاخل وخارج. وَأما الْأَدْوِيَة الَّتِي لَهَا خاصية وموافقة فِي كل وَقت فخرء الْكَلْب الْأَبْيَض وَالذِّئْب(2/295)
الْأَبْيَض. يجوع الْكَلْب وَيطْعم الْعِظَام وَحدهَا حَتَّى يبْقى يخرأ أَبيض يكون قَلِيل النتن. وَكَذَلِكَ زبل الْإِنْسَان وخصوصاً الصَّبِي وَيجب أَن يجْهد حَتَّى يكون مَا يغتذي بِهِ بِقدر مَا ينهضم وأفضله لَهُ الْخبز والترمس بِقدر قَلِيل ويسقى عَلَيْهِ شرابًا عتيقاً ثمَّ يُؤْخَذ رجيعه ويجفف فَإِنَّهُ أقل نَتنًا. فَإِن اشْتهى مَعَ الْخبز شَيْئا آخر فالأغذية الجيدة الهضم الْحَسَنَة الكيموس الحارة المزاج باعتدال مثل لُحُوم الدَّجَاج والحجل وأطراف الماعز فَإِن هَذِه مَعَ جودة الهضم تخرج ثفلاً قَلِيل النتن. وَمن أدويته الفاعلة بالملح بالخاصية الخطاف المحرق يذبح ويسيل الدَّم على الأجنحة ثمَّ يذر عَلَيْهَا ملح وَيجْعَل فِي موز كطين ويسدر رَأسه ويودع التَّنور. لِأَن يودع الزّجاج المطيّن بطين الْحِكْمَة أصوب عِنْدِي. وَكَذَلِكَ خرء الخطاطيف المحرق بِقُوَّة وَقد يحنّك صَاحب الخناق الْملح بالعسل والخل وَالزَّيْت. وَكَذَلِكَ أورام اللهاة وَقد يحنّك أَيْضا بمرارة الثور بالعسل ومرارة السلحفاة وزهر النّحاس ورؤوس السميكات المملوحة خُصُوصا اللهاة وَكَذَلِكَ الغرغرة بالسكنجبين الْمَطْبُوخ فِيهِ بزر الفجل والقلقطار والقلقديس جيدان لورم النغانغ. وَمن المركبات دَوَاء التوث بالمر والزعفران ودواء الخطاطيف ودواء الحرمل ودواء قشور الْجَوْز الطري وأقراص أندروس ودواؤه جيد بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: خرء الْكَلْب الْأَبْيَض محرقاً فِي خزف أَو غير محرق أُوقِيَّة فلفل دِرْهَمَيْنِ عفص محرق قشور الرُّمَّان لحى الْخِنْزِير أَو القرد أَو الضبع من كل وَاحِد نصف أُوقِيَّة مر وقسط من كل وَاحِد نصف أُوقِيَّة ينْفخ أَو يلطخ. وَأَيْضًا فِي آخِره وَفِي وَقت الشدّ عذرة صبي عَن خبز وترمس وخرء الْكَلْب والخطاطيف المحرقة والنوشادر يُكَرر فِي الْيَوْم مَرَّات. وَرُبمَا ورم لِسَان المخنوق أَيْضا وَرُبمَا يحوج إِلَى معالجته وَقد تكلمنا فِي أمراض اللِّسَان وَالَّذِي يخص هَذَا الْموضع مَعَ وجوب الرُّجُوع إِلَى مَا قيل هُنَاكَ أَن يحتال بعد الفصد فِي جذب الْموَاد إِلَى أَسْفَل وَقد يفعل ذَلِك فِي هَذَا الْموضع أيارج فيقرا فَإِن لَهُ خاصية فِي جذب الْموَاد إِلَى أعالي فَم الْمعدة والمريء وَالْحلق ثمَّ يسْتَعْمل عَلَيْهِ المبردات الرادعة كعصارة الخس وَهُوَ ذُو خاصية دلّ عَلَيْهَا رُؤْيا نافعة ثمَّ إِن احْتِيجَ إِلَى تَحْلِيل لطيف فعل. وَأما الفقاري فَمَا ينْتَفع بِهِ فِي تَدْبيره أَن يحتال بغمز الْموضع بالرفق إِلَى خلف فَرُبمَا ارْتَدَّت الفقارة. وَذَلِكَ الغمز قد يكون بِآلَة أَو بالإصبع وَقد يجد بذلك رَاحَة والآلة شَيْء مثل اللجام يدْخل فِي الْحلق وَيدْفَع مَا دخل إِلَى دَاخل. والغمز ضارّ جدا فِي الأورام وَإِذا اشتدت الخوانيق وَلم تنجع الْأَدْوِيَة وأيقن بِالْهَلَاكِ كَانَ الَّذِي يُرْجَى بِهِ التخليص شقّ القصبة وَذَلِكَ بِأَن(2/296)
تشقّ الرباطات الَّتِي بَين حلقتين من حلق القصبة من غير أَن ينَال الغضروف حَتَّى يتنفس مِنْهُ ثمَّ يخاط عِنْد الْفَرَاغ من تَدْبِير الورم ويعالج فَيبرأ. وَوجه علاجه أَن يمد الرَّأْس إِلَى خلف ويمسك وَيُؤْخَذ الْجلد ويشق. وأصوبه أَن يُؤْخَذ الْجلد بصنارة وَيبعد ثمَّ يكْشف عَن القصبة ويشق مَا بَين حلقتين من الْوسط بحذاء شقّ الْجلد ثمَّ يخلط وَيجْعَل عَلَيْهِ الذرور الْأَصْفَر وَيجب أَن تطوى شفتا شقّ الْجلد ويخاط وَحده من غير أَن يُصِيب الغضروف والأغشية شَيْء. وَهَذَا حكم مثل هَذَا الشقّ وَإِن لم ينفع بِهَذَا الْغَرَض. فَإِن ظنّ أَن فِي تِلْكَ الأربطة نَفسهَا ورماً أَو آفَة لم يجب أَن يسْتَعْمل الشق وَإِذا غشي على العليل وخشيت أَن يتم الاختناق بادرت إِلَى الحقن القوية وفصد الْعرق الَّذِي تَحت اللِّسَان وفصد عرق الْجَبْهَة وَتَعْلِيق المحاجم على الفقار وَتَحْت الذقن بِشَرْط وَغير شَرط فَإِن كَانَ سَبَب اختناقه وغشيه الْعرق فَإِنَّهُ ينكس ليسيل المَاء ثمَّ يدخن بِمَا لَهُ قُوَّة وَطيب حَتَّى يَسْتَيْقِظ. أما المتخلص عَن خناق الشدّ فَيجب أَن يفصد ويحقن ويحسى أَيَّامًا حسواً من دَقِيق الحمص وَاللَّبن أَو مَاء اللَّحْم مدافاً فِيهِ الْخبز وصفرة الْبيض. وَاعْلَم أَن من كَانَ بِهِ وجع فِي الْحلق فَالْأولى بِهِ هجر الْكَلَام من أَي وجع كَانَ. فصل فِي اللهاة واللوزتين هَذِه قد يعرض لَهَا نَوَازِل تورمها حَتَّى تمنع النَّفس وَقد تسترخي اللهاة من غير ورم فَيحْتَاج إِلَى مَا جففها ويقبضها من الْبَارِدَة والحارة وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى قطعهَا. وتقرب معالجتها من معالجة الخوانيق وتعالج فِي الِابْتِدَاء بلطوخات ويرقق بمسها بريشة فَإِن الإصبع فِي غير وقية وَغير رفْقَة رُبمَا عنف. والعظيم مِنْهَا الْقَلِيل الالتهاب تسْتَعْمل عَلَيْهِ الْأَدْوِيَة العفصة. والملتهب يصلح لَهُ مَا هُوَ أَشد تبريداً مثل مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمثل بزر الْورْد وورقه فَإِن لَهما فعلا قَوِيا. وَمِمَّا هُوَ أقوى فِي هَذَا الْبَاب الصمغ الْعَرَبِيّ والكثيراء والعنزروت بالبسفايخ لطوخاً وَأَيْضًا جلّنار جزآن شب يماني جُزْء منخولين بحرير وَيسْتَعْمل بملعقة مَقْطُوعَة الرَّأْس عرضا وَرُبمَا زيد فِيهِ زعفران وكافور وَيسْتَعْمل لطوخاً وَأَيْضًا العفص مسحوقاً بالخل يلطخ بريشة وَأَيْضًا مَاء الرُّمَّان الحامض بالقوابض وَأَيْضًا حجر شاذنج وَحجر خروجوس محرقاً الَّذِي يُسمى أخراطيوس وَالْحجر الأفررجي وطباشير وطين مختوم والأرمني وربّ الحصرم وَثَمَرَة الشَّوْكَة والتبخّر بأعواد الشبث مِمَّا يقبض اللهاة جدا وَأَيْضًا عصارة الرُّمَّان الحلو المدقوق مَعَ قشره مَعَ سدسه عسلاً مُقَومًا مثخّناً فَإِنَّهُ لطوخ جيد. وَيجب مَعَ التغرغر بالقوابض(2/297)
أَن يديم الغرغرة بِالْمَاءِ الْحَار فَإِن ذَلِك يعده لفعل القوابض فِيهِ وتليينه وَيمْنَع تصليب القوابض إِيَّاه فَإِن أورثها القوابض صلابة أَو انعصاراً وانقباضاً مؤلماً اسْتعْمل فِيهَا اللعابات والصمغ والكثيراء والنشا والأنزروت وبزر الخطمي وَمَاء النخالة وَالشعِير أَو يقوم عصارة أَطْرَاف العوسج بخمسه عسلاً أَو وَزنه زيتاً أَو طبيخ الْورْد والسماق بسدسه عسلاً يطْبخ ويقوّم ويطلى من خَارج بِمَا لَهُ تجفيف وَقبض قوي مثل مَا يتَّخذ بالعفص والشب الْيَمَانِيّ وَالْملح وَهُوَ الْمُتَقَدّم على جَمِيع ذَلِك قبل. وللسودواي عفص فجّ جُزْء زاج أَحْمَر سماق من كل وَاحِد ثَلَاثَة أَجزَاء وَثلث ملح مشوي عشْرين جُزْءا وَيسْتَعْمل. دَوَاء جيد فِي الْأَحْوَال والأوقات ونسخته: شب يماني ثَلَاثَة أَجزَاء بزر ورد جزآن قسط جُزْء يسْتَعْمل ضماداً بريشة أَو بمرفعة اللهاة وَهُوَ دَوَاء جيد. أُخْرَى: يُؤْخَذ عصارة الرُّمَّان بقشره وَيقوم بخمسه عسلاً ويطلى. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ شب جُزْء ونوشادر نصف جُزْء وعفص فج ثلثا جُزْء وزاج ثَلَاثَة أَجزَاء وَإِذا بلغ الْمُنْتَهى أَو قاربه اسْتعْمل المرّ والزعفران والسعد وَمَا أشبهه. وللدارشيشعان خاصية وفقّاح الأذخر وعيدان البلسان والأشنبة تسْتَعْمل لطوخات. ومياهها غراغر وخصوصاً إِذا اسْتعْمل مِنْهَا غراغر بطبيخ أصل السوسن وبزر الْورْد مَعَ عسل ويقطر دهن اللوز فِي الْأذن فِي كل وَقت فَإِنَّهُ نَافِع. فَإِن جمعت اللوزتان وَمَا يَليهَا اسْتعْملت السلاقات الْمَذْكُورَة فِي بَاب الخناق فَإِن دَامَ الوجع وَلم يسكن عاودت الإسهال فَإِن لم يتم بذلك اسْتعْملت القوية التَّحْلِيل مثل عصارة قثاء الْحمار والكرنب والقنطوريون والنطرون الْأَحْمَر بِعَسَل أَو وَحدهَا وَإِذا صلب الورم وَطَالَ فَلَيْسَ لَهُ كالحلتيت وَإِذا أخذت تدقّ فِي مَوضِع وتغلظ فِي مَوضِع فاقطع وَمَا أمكن أَن يدافع بدلك وتضمره بنوشادر يرفعهُ إِلَيْهِ بملعقة كاللجام فَهُوَ أولى. وَلَا يجب أَن تقطع إِلَّا إِذا ذبل أَصْلهَا فإنّ فِيهِ خطراً عَظِيما. وَهَذِه صفة غرغرة تجفف قُرُوح أورام النغانغ وتنقّيها ونسخته: عدس جلّنار من كل وَاحِد خَمْسَة شياف ماميثا زعفران قسط من كل وَاحِد جُزْء يطْبخ بِالْمَاءِ وَيُؤْخَذ من سلاقته جُزْء ويمزج بِنصفِهِ ربّ التوث وربعه عسلاً ويتغرغر بِهِ. فصل فِي سُقُوط اللهاة قد تسْقط اللهاة بحمّى وَقد تسْقط بِغَيْر حمى وسقوطها أَن تمتدّ إِلَى أَسْفَل حَتَّى لَا ترجع إِلَى موضعهَا وَرُبمَا احْتَاجَ المزدرد إِلَى الغمز بالإصبع حَتَّى يسوغ. المعالجات: إِن كَانَ هُنَاكَ حرارة وَحُمرَة فصدت ثمَّ اسْتعْملت الغراغر الْمَذْكُورَة فِي الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة مثل الغرغرة بالخلّ وَمَاء الْورْد ثمَّ يشال بورد وصندل وجلنار وكافور وَرب التوث خَاصَّة فِي الْآلَة الشبيهة باللجام. وَيجب أَن يكون بِرِفْق مَا أمكن فَإِن لم يكن هُنَاكَ حرارة وَحُمرَة استعملتا غرغرة بالسكنجبين(2/298)
والخردل أَو المريّ النبطي ويشال بالآلة الْمَذْكُورَة. والدواء الَّذِي يشال بِهِ العفص والنوشادر مسحوقتين. وَأقوى العلاج أَن يكبس بالآلة إِلَى فَوق ممتدّاً إِلَى خَارج بالأدوية القوابض أَو المخلوطة بالمحلّلات على مَا يجب وَرُبمَا غمز بالإصبع ملطوخة بِمثل رث التوت والجوز وَغير ذَلِك. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة للكبس جلنار وشب وكافور. وَمن الجيدة فِي الإشالة الْمسك والنوشادر والعفص بالجلّنار. والسك ألطف بعد أَن لَا يكون هُنَاكَ آفَة من ورم وامتلاء فَإِذا وقف تغرغر بِمَاء الثَّلج غرغرة بعد غرغرة. وَمِمَّا جرت لذَلِك أَن يُؤْخَذ بزر الْورْد نصف رَطْل عصارة لحية التيس ثَلَاث أَوَاقٍ يطْبخ فِي الْعَسَل أَو فِي الطلاء وَهُوَ أقوى. وَالصبيان قد يشيل لهاتهم العفص المسحوق بالخل وخصوصاً إِذا طلي مِنْهُ على نوافيخهم. فصل فِي إِفْرَاد كَلَام فِي قطع اللهاة واللوزتين يجب أَن ينظر فِي اللهاة دقّتها وضمورها وخصوصاً فِي أَسْفَلهَا وخصوصاً إِن غلظ طرفها وَرشح مِنْهُ كالقيح فَهُوَ أوّل وَقت وَحِينَئِذٍ يقطع بالحديد أَو بالأدوية الكاوية ويحتاط بإسهال لطيف يتقدمه وَنقص الْبدن عَن الامتلاء إِن كَانَ بِهِ من دم أَو غَيره فَإِن الْقطع مَعَ الامتلاء خطر والدقيق المستطيل كذنب الفارة الرَّاكِب على اللِّسَان من غير امتلاء وَحُمرَة. أَو سَواد فَإِن قطعه قَلِيل الْخطر. فصفة قطعهَا أَن يكبس اللِّسَان إِلَى أَسْفَل ويتمكّن من اللهاة بالقالب ويجر إِلَى أَسْفَل وَلَا يستأصل قطعهَا بل يتْرك مِنْهَا شَيْء فَإنَّك إِن قربته من الحنك لم يكد الدَّم يرقأ الْبَتَّةَ مَعَ أَنه لَا يجب أَن يقطع شَيْئا قَلِيلا فَتكون الآفة تبقى بِحَالِهَا بل يجب أَن يقطع قدر مَا زَاد على الطبيعي. وَأما إِذا كَانَت حَمْرَاء وارمة فَفِي قطعهَا خطر وَرُبمَا انْبَعَثَ دم لَا يرقأ بكَل رقوء. وَمن الْأَدْوِيَة القاطعة لَهَا الحلتيت والشب لَا يزَال يَجْعَل على أَصْلهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطهَا. من الْأَدْوِيَة المسقطة إِيَّاهَا بالكي هُوَ النوشادر مَعَ الحلتيت والزاجات. وَيجب أَن يقبض بِهَذِهِ الْأَدْوِيَة على اللهاة بالآلة الموصوفة وَتمسك سَاعَة من غير قطع حَتَّى يعْمل فِيهِ ثمَّ يُعَاد فِيهِ إِلَى أَن تسودّ فَإِن اسودت سَقَطت بعد ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْأَكْثَر وَيجب أَن يكون المعالج منكباً فاتح الْفَم حَتَّى يسيل لعابة وَلَا يحتبس فِي فَمه. وَأما اللوزتان فيعلقان بصنّارة ويجذبان إِلَى خَارج مَا أمكن من غير أَن ينجذب مَعهَا الصفاقات فيقطعان باستدارة من فَوق الأَصْل وَعند ربع الطول بالآلة القاطعة من بعد أَن تقلب الْآلَة القاطعة وتقطع الْوَاحِدَة بعد الْأُخْرَى وَبعد مُرَاعَاة الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة فِي لَوْنهَا وحجمها فَإِذا سقط مِنْهَا مَا قطع ترك الدَّم يسيل بِقدر صَالح وصاحبها منكبّ على وَجهه لِئَلَّا يدْخل الدَّم حلقه ثمَّ يتمضمض بِمَاء وخل مبردين ويتقيأ ويسعل لينقّي بَاطِنه ثمَّ يَجْعَل عَلَيْهِ مَا يقطع الدَّم مثل القلقطار والشبّ والزاج يتغرغر بطبيخ العليق وورق الآس مفتراً. فصل فِي ذكر آفَات الْقطع(2/299)
من ذَلِك الضَّرَر بالصوت وَمن ذَلِك تَعْرِيض الرئة للبرد وَالْحر فَيعرض سعال عَن كل برد وحرّ وَلَا يصبر على الْعَطش وَمن ذَلِك تَعْرِيض الْمعدة لسوء مزاج عَن سَبَب بَارِد من ريح وغبار وَنَحْوه وَكَثِيرًا مِنْهُم يستبرد الْهَوَاء المعتدل وَكَثِيرًا مِنْهُم استحكم الْبرد فِي صَدره ورئته حَتَّى مَاتَ وَقد يعرض مِنْهُ نزف دم لَا يحتبس. علاج نزف دم قطع اللهاة واللوزتين: يجب أَن تُوضَع المحاجم على الْعُنُق والثديين ويفصد من الْعُرُوق السافلة الْمُشَاركَة كالأبطي وَنَحْوه فصداً للجذب. وَأما الْمُفْردَات الحابسة للدم واللطوخات المستعملة لذَلِك فَهِيَ مثل الزاج يلطخ بِهِ أَو يذر الزاج عَلَيْهِ والمبرّدات بِالْفِعْلِ فكماء الثَّلج والعصارات الْبَارِدَة القابضة الْمَعْرُوفَة مثل عصارة الحصرم وعراجين الْكَرم والريباس وعنب الثَّعْلَب وَمَاء السفرجل الحامض. وَمن الْأَشْيَاء المجربة الَّتِي لَهَا خاصية فِي هَذَا الْبَاب وَيجب أَن يسْتَعْمل فِي الْحَال دَوَاء شهد بِهِ من الْعلمَاء الْمَعْرُوف بديوحانس وَهُوَ الكوهارك وَأَيْضًا عصارة لِسَان الْحمل إِذا اسْتعْمل وخصوصاً بأقراص الكهرباء والطين الْمَخْتُوم وَيجب أَن لَا يسْتَعْمل مِنْهَا شَيْء حَار بل بَارِد بِالْفِعْلِ فَإِن الْحَرَارَة بِمَا تجذب تبطل فعل الدَّوَاء.(2/300)
(الْفَنّ الْعَاشِر أَحْوَال الرئة والصدر)
وَهُوَ خمس مقالات: الْمقَالة الأولى الْأَصْوَات وَالنَّفس فصل فِي تشريح الحنجرة والقصبة والرئة أما قَصَبَة الرئة: فَهِيَ عُضْو مؤلف من غضاريف كَثِيرَة دوائر يصل بَعْضهَا على بعض فَمَا لَاقَى مِنْهَا منفذ الطَّعَام الذب خَلفه وَهُوَ المريء وَجعل نَاقِصا وقريباً من نصف دَائِرَة وَجعل قطعه إِلَى المريء ويماس المريء مِنْهُ جسم غشائي لَا غضروفي بل الْجَوْهَر الغضروفي: مِنْهُ إِلَى قدّام والتفّت هَذِه الغضاريف برباطات يجللها غشاء وَيجْرِي على جَمِيع ذَلِك من الْبَاطِن غشاء أملس إِلَى اليبس والصلابة مَا هُوَ وَذَلِكَ أَيْضا من ظَاهره وعَلى رَأسه الفوقاني الَّذِي يَلِي الْفَم والحنجرة وطرفه الْأَسْفَل يَنْقَسِم إِلَى قسمَيْنِ ثمَّ يَنْقَسِم أقساماً تجْرِي فِي الرئة مجاورة لشعب الْعُرُوق الضاربة والساكنة وَيَنْتَهِي توزعها إِلَى فوهات هِيَ أضيق جدا من فوهات مَا يشاكلها وَيجْرِي مَعهَا. فَأَما تخليقها من غضروف فليوجد فِيهَا الانتفاخ وَلَا يلجئه اللين إِلَى الانطباق ولتكون صلابتها واقية لَهَا إِذا كَانَ وَضعهَا إِلَى قُدَّام ولتكون صلابتها سَببا لحدوث الصَّوْت أَو معينا عَلَيْهِ. وتأليفها من غضاريف كَثِيرَة مربوطة بأغشية ليمكنها الامتداد والاجتماع عِنْد الِاسْتِنْشَاق وَالنَّفس وَلَا تألم من المصادمات الَّتِي تعرض لَهَا من تَحت وَفَوق وَمن الانجذابات الَّتِي تعرض لَهَا إِلَى طرفيها ولتكون الآفة إِذا عرضت لم تتسع وَلم تستمل وَجعلت مستديرة لتَكون أحوى وَأسلم. وَإِنَّمَا نقص مَا يماس المريء مِنْهَا لِئَلَّا يزاحم اللُّقْمَة النافذة بل ينْدَفع عَن وَجههَا إِذا مددت المريء إِلَى السعَة فَيكون تجويفها حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ مستعار للمريء إِذْ المريء يَأْخُذ فِي الانبساط إِلَيْهِ وَينفذ فِيهِ وخصوصاً والإزدراد لَا يُجَامع النَّفس لِأَن الإزدراد يحوج إِلَى انطباق مجْرى قيصبة الرئة من فَوق لِئَلَّا يدخلهَا الطَّعَام الْمَار فَوْقهَا وَيكون انطباقها بركوب الغضروف المتكئ على المجرى وَكَذَلِكَ الَّذِي يُسمى الَّذِي لَا اسْم لَهُ. وَإِذا كَانَ الازدراد والقيء يحوجان إِلَى انطباق فَم هَذَا المجرى لم يكن أَن يَكُونَا عِنْدَمَا يتنفس.(2/301)
وَخلق لأجل التصويت الشَّيْء الَّذِي يُسمى لِسَان المزمار يتضايق عِنْده طرف القصبة ثمَّ يَتَّسِع عِنْد الحنجرة فيبتدئ من سَعَة إِلَى ضيق ثمَّ إِلَى فضاء وَاسع كَمَا فِي المزمار فَلَا بُد للصوت من تضييق الْمحبس. وَهَذَا الجرم الشبيه بِلِسَان وَأما تصليب الغشاء الَّذِي يستبطنها فليقاوم حِدة النَّوَازِل والنفوث الرَّديئَة والبخار الدخاني الْمَرْدُود من الْقلب وَلِئَلَّا يسترخي بقرع الصَّوْت. وَأما انقسامها أَولا إِلَى قسمَيْنِ فلأنّ الرئة ذَات قسمَيْنِ. وَأما تشعبها مَعَ الْعُرُوق السواكن فليأخذ مِنْهَا الْغذَاء. وَأما ضيق فوهاتها فليكون بِقدر مَا ينفذ فِيهَا النسيم إِلَى الشرايين المؤدية إِلَى الْقلب وَلَا ينفذ إِلَيْهَا فِيهَا دم الْغذَاء وَلَو ينفذ يحدث نفث الدَّم فَهَذِهِ صُورَة قَصَبَة الرئة. أما الحنجرة: فَإِنَّهَا آلَة لتَمام الصَّوْت ولتحبس النَّفس وَفِي داخلها الجرم الشبيه بِلِسَان الزمامر من المزمار. وَقد ذَكرْنَاهُ وَمَا يُقَابله من الحنك وَهُوَ مثل الزَّائِدَة الَّتِي تشابه رَأس المزمار فيتمّ بِهِ الصَّوْت. والحنجرة مشدودة مَعَ القصبة بالمبريء شداً إِذا همَ المريء للإزدراد وَمَال إِلَى أَسْفَل لجذب اللُّقْمَة انطبقت الحنجرة وَارْتَفَعت إِلَى فَوق واستند انطباق بعض غضاريفها إِلَى بعض فتمددت الأغشية والعضل. وَإِذا حَاذَى الطَّعَام مجْرى المريء يكون فَم القصبة والحنجرة ملتصقين بالحنك من فَوق فلايمكن أَن يدخلهَا من الْحَاصِل عِنْد المريء شَيْء فَيجوز بهَا الطَّعَام وَالشرَاب من غير أَن يسْقط إِلَى القصبة شَيْء إلاّ فِي أحايين يستعجل فِيهَا بالإزدراد قبل استتمام هَذِه الْحَرَكَة أَو يعرض للطعام حَرَكَة إِلَى المريء مشوّشة فَلَا تزَال الطبيعة تعْمل فِي دَفعه بالسعال. وَقد ذكرنَا تشريح غضاريف الحنجرة وعضلها فِي الْكتاب الأول. وَأما الرئة: فَإِنَّهَا مؤلفة من أَجزَاء أَحدهَا شعب القصبة وَالثَّانِي شعب الشريان الوريدي وَالثَّالِث شعب الوريد الشرياني ويجمعها لَا محَالة لحم رخو مَا متخلخل هوائي خلق من أرقّ دم وألطفه. وَذَلِكَ أَيْضا غذاؤها وَهُوَ كثير المنافذ لَونه إِلَى الْبيَاض خُصُوصا فِي رئات مَا تمّ خلقه من الْحَيَوَان. وَخلق متخلخلاً ليتسع الْهَوَاء وينضج فِيهِ ويندفع فَضله عَنهُ كَمَا خلق الكبد بِالْقِيَاسِ إِلَى الْغذَاء وَهُوَ ذُو قسمَيْنِ: أَحدهمَا إِلَى الْيَمين وَالْآخر إِلَى الْيَسَار وَالْقسم الْأَيْسَر ذُو شعبتين وَالْقسم الْأَيْمن ذُو ثَلَاث شعب وَمَنْفَعَة الرئة بِالْجُمْلَةِ الِاسْتِنْشَاق. وَمَنْفَعَة الِاسْتِنْشَاق إعداد هَوَاء للقلب أَكثر من الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي نبضة وَاحِدَة. وَمَنْفَعَة هَذِه الاعداد أَن يكون للحيوان عِنْدَمَا يغوص فِي المَاء وعندما يصوّت صَوتا طَويلا متّصلاً يشْغلهُ عَن أَخذ الْهَوَاء أَو يعاف استنشاقه لأحوال وَأَسْبَاب دَاعِيَة إِلَيْهِ من نَتن وَغَيره هَوَاء معد يَأْخُذهُ الْقلب. وَمَنْفَعَة هَذَا الْهَوَاء الْمعد أَن يعدل بِرُوحِهِ حرارة الْقلب وَأَن يمدّ(2/302)
الرّوح بالجوهر الَّذِي هُوَ أغلب فِي مزاجه من غير أَن يكون الْهَوَاء وحدة كَمَا ظنّ بَعضهم يَسْتَحِيل روحاً كَمَا لَا يكون المَاء وَحده يغذو عضوا وَلَكِن كل وَاحِد مِنْهُمَا أما جُزْء غاذ وَأما منقذ مبذرق. أما المَاء فلغذاء الْبدن وَأما الْهَوَاء فلغذاء الرّوح وكل وَاحِد من غذَاء الْبدن وَالروح جسم مركب لَا بسيط. وَأما مَنْفَعَة إِخْرَاج الْفضل المحترق من الرّوح وكل وَاحِد من غذَاء الْبدن وَالروح جسم مركب لَا بسيط. وَأما مَنْفَعَة إِخْرَاج الْفضل المحترق من الرّوح وَهُوَ دخانيته والرئة لدُخُول الْهَوَاء الْبَارِد فَإِن هَذَا المستنشق يكون لَا محَالة قد اسْتَحَالَ إِلَى السخونة فَلَا ينفع فِي تَعْدِيل الرّوح. وَأما تشعّب الْعُرُوق والقصبة فِي الرئة فَإِن القصبة والشريان الوريدي يَشْتَرِكَانِ فِي تَمام فعل النَّفس. والشريان الوريدي والوريد الشرياني يَشْتَرِكَانِ فِي غذَاء الرئة من الدَّم النضيج الصافي الجائي من الْقلب. وَأما مَنْفَعَة اللَّحْم فليسدّ الْخلَل وَيجمع الشّعب. وَأما تخلخله فليصلح للاستنشاق فَإِنَّهُ لَيْسَ إِنَّمَا ينفذ الْهَوَاء فِي القصبة فَقَط بل قد يتَخَلَّص إِلَى جرم الرئة مِنْهُ وَفِي ذَلِك استظهار فِي الاستكثار وليعين أَيْضا بالانقباض على الدّفع فَيكون مستعداً للحركتين وَلذَلِك مَا تنتفخ الرئة بالنفخ. وَأما بياضه فلغلبة الْهَوَاء على مَا يتغذى بِهِ ولتردده الْكثير فِيهِ. وَأما انقسامها بِاثْنَتَيْنِ لِئَلَّا يتعطل التنفّس لآفة تصيب أحد الشقّين. وكل شُعْبَة تتشعّب كَذَلِك إِلَى شعبتين. وَأما الْخَامِسَة الَّتِي فِي الْجَانِب الْأَيْمن فَهِيَ فرَاش وطيء للعرق المسمّى الأجوف وَلَيْسَ نَفعه فِي النَّفس بِكَثِير وَلما كَانَ الْقلب أميل يسير إِلَى الشمَال وجد فِي جِهَة الشمَال شاغل لفضاء الصَّدْر وَلَيْسَ فِي الْيَمين فَحسن أَن يكون للرئة فِي جَانب الْيَمين زِيَادَة تكون وطاء للعروق فقد وَقعت حَاجَة. والرئة يغشيها غشاء عصبي ليَكُون لَهَا على مَا علمت حسن مَا يوجّه فَإِن لم يكن مداخلاً كَانَ مجللاً. على أنّ الرئة نَفسهَا وطاء للقلب بلينها ووقاية لَهُ. والصدر مقسوم إِلَى تجويفين يفصل بَينهمَا غشاء ينشأ من محاذاة منتصف القصّ فَلَا منفذ من أحد التجويفين إِلَى الآخر. وَهَذَا الغشاء بِالْحَقِيقَةِ غشاءان وَهُوَ يتَّصل من خلف بالفقار وَمن فَوق بملتقى الترقوتين. وَالْغَرَض فِي خلقهما أَن يكون الصَّدْر ذَا بطنين إِن أصَاب أَحدهمَا آفَة كمل الآخر أَفعَال التنفّس وأغراضه. وَمن مَنَافِعهَا ربط المريء والرئة وأعضاء الصَّدْر بَعْضهَا لبَعض. وَأما الْحجاب فقد ذكرنَا صورته ومنفعته فِي تشريح العضل فَإِنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ أحد العضل وَهُوَ من ثَلَاث طَبَقَات المتوسّطة مِنْهَا هِيَ حَقِيقَة الْوتر الَّذِي بِهِ يتمّ فعلهَا والطبقة الَّتِي فَوْقهَا هِيَ كالأساس وَالْقَاعِدَة لأغشية الصَّدْر الَّتِي تستبطنه والطبقة السافلة مثل ذَلِك لأغشية الصفاق. وَفِي الْحجاب ثقبان: الْكَبِير مِنْهُمَا منفذ المريء والشريان الْكَبِير والأصغر ينفذ فِيهِ الوريد الْمُسَمّى الْأَبْهَر وَهُوَ شَدِيد التعلّق بِهِ والالتحام.(2/303)
فصل فِي أمزجة الرئة وَطَرِيق سلامات أحوالها نقُول: أما المزاج الْحَار فيدلّ عَلَيْهِ سَعَة الصَّدْر وَعظم النَّفس وَرُبمَا تضَاعف والنفخة وَالصَّوْت وَثقله وقلّة التضرّر بالهواء الْبَارِد وكثرته بالحار وأعراض عَطش يسكنهُ النسيم الْبَارِد كثيرا من غير شرب وَكَثِيرًا مَا يَصْحَبهُ لَهب وسعال. وَأما المزاج الْبَارِد فَيدل عَلَيْهِ صغر الصَّدْر وَصغر النَّفس وَالصَّوْت وحدتهما والتضرر بِكُل بَارِد وَكثر تولد البلغم فِيهَا وَكَثِيرًا مَا يتضاعف بِهِ النَّفس ويصحبه الربو والسعال. وَأما المزاج الرطب فَيدل عَلَيْهِ كَثْرَة الفضول وبحوحة الصَّوْت والخرخرة وخصوصاً إِذا كَانَت مَعَ مَادَّة وَكَانَت مائلة إِلَى فَوق وَالْعجز عَن رفع الصَّوْت لَا لضعف الْبدن. وَأما المزاج الْيَابِس فيدلّ عَلَيْهِ قلّة الفضول وخشونة الصَّوْت ومشابهته بِصَوْت الكراكي وَرُبمَا كَانَ هُنَاكَ ربو لشدَّة التكاثف وكل وَاحِد من هَذِه الأمزجة قد يكون للرئة طبيعياً وَقد يكون عرضياً ويشتركان فِي شَيْء من العلامات ويفترقان فِي شَيْء. فَأَما مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ: فالعلامات الْمَذْكُورَة إلاّ مَا يسْتَثْنى من بعد وَأما مَا يفترقان فِيهِ فشيئان: أَحدهمَا أَن المزاج إِذا كَانَ طبيعياً كَانَت الْعَلامَة وَاقعَة بالطبع وَإِن كَانَ عرضياً كَانَت الْعَلامَة لَهُ عرضية وَقد حدث بِهِ إِلَّا أَن تكون الْعَلامَة من جنس مَا لَا يَقع إِلَّا بالطبع فَقَط فَتكون عَلامَة للطبيعي مِثَاله عظم الصَّدْر أَو صغره. وَاعْلَم أنّ أخصّ الدَّلَائِل على أَحْوَال الصَّدْر والرئة النَّفس فِي حرّه وبرده وعظمه وصغره وسهولته وعسره ونتنه وَطيب رَائِحَته وَغير ذَلِك من أَحْوَاله وَكَذَلِكَ الصَّوْت أَيْضا فِي مثل ذَلِك وَمثل مَا يدلّ الخناقي مِنْهُ على أَن الآفة فِي العضل الباسطة والأبحّ على أَنَّهَا فِي العضل القابضة إِن كَانَت الآفة فِي العضل والسعال والنفث والنبض. وَقد تبيّن لَك كَيْفيَّة دَلَائِل النَّفس وَكَيْفِيَّة دَلَائِل الصَّوْت وَكَيْفِيَّة دَلَائِل السعال وَكَيْفِيَّة دَلَائِل النفث. وَأما النبض وَمَا يُوجِبهُ بِحَسب الأمزجة والأمراض فقد عرفت ذَلِك. والرئة مجاورة للقلب وَالِاسْتِدْلَال من أَحْوَاله عَلَيْهَا أقوى والنبض أدلّ على مَا يَلِي شعب الْعصبَة من الرئة والسعال أدلّ على مَا يَلِي القصبة ولحمية الرئة. وإحساس اللذع والنخس دَلِيل خَاص على أَن الْمَادَّة فِي الأغشية والعضلات فَإِذا كَانَ الانتفاث بسعال خَفِيف فالمادة قريبَة من أعالي القصبة وَمَا يَليهَا وَإِن كَانَت لَا تنفث إِلَّا بسعال قوي فالمادة غائرة بعيدَة وَقد تصْحَب آفَات أَعْضَاء الصَّدْر عَلَامَات من أَعْضَاء بعيدَة مثل الدوار فِي أورام الْحجاب وحمرةَ الْوَجْه فِي أورام الرئة.(2/304)
فصل فِي الْأَمْرَاض الَّتِي تعرض للرئة تعرض للرئة الْأَمْرَاض المختصة بالمتشابهة الْأَجْزَاء والأمراض الآلية وخصوصاً السدد فِي عروقها وأجزاء قصبتها وخصوصاً الْعُرُوق الخشنة وَفِي خلخلة جرمها وَقد تكون لأسباب السدد كلهَا حَتَّى الانطباق والأمراض الْمُشْتَركَة. وَقد تكْثر أمراض الرئة فِي الشتَاء والخريف لِكَثْرَة النَّوَازِل وخصوصاً فِي خريف مطير بعد صيف يَابِس شمَالي والهواء الْبَارِد ضارّ بالرئة إِلَّا أَن تكون متأذّية بِالْحرِّ الشَّديد وَكَثِيرًا مَا تؤدّي أمراض الرئة إِلَى أمراض الكبد كَمَا تُؤدِّي شدَّة بردهَا وَشدَّة حرهَا إِلَى الاسْتِسْقَاء وَكَذَلِكَ الْحجاب. فصل فِي علاجات الرئة لتتأمل مَا قيل فِي بَاب الربو والتنفُّس ولتنتقل إِلَى غَيره مِمَّا يُشَارِكهُ فِي السَّبَب من الْأَمْرَاض وَقد ترَاض الرئة بِمثل رفع الصَّوْت وَمثل النَّفس النافخ لتلطف بذلك فضولها ولاستعمال الْأَدْوِيَة الصدريّة هَيْئَة خَاصَّة فَإِنَّهَا تجب أَن تسْتَعْمل حبوباً ولعوقات فِي أَكثر الْأَمر تمسك فِي الْفَم ويبلع مَا يتَحَلَّل مِنْهَا قَلِيلا قَلِيلا لتطول مُدَّة عبورها فِي جَوَاز القصبة ويتعاود فيتأدّى إِلَى القصبة والرئة وخصوصاً إِذا نَام مُسْتَلْقِيا وارتخت العضل كلهَا الَّتِي على الرئة وقصبتها. وَأقرب وُجُوه إمالة فضول الرئة هُوَ الْجَانِب الَّذِي يَلِي الْمَرْء فَذَلِك ينْتَفع بالقيء كثيرا إِذا لم يكن هُنَاكَ مَانع. فصل فِي الْموَاد الناشبة فِي الرئة وأحكامها ومعالجاتها الْموَاد الَّتِي تحصل فِي الرئة قد تكون من جنس الرُّطُوبَة وَقد تكون من جنس الْقَيْح وَقد تكون من جنس الدَّم. والمواد الحارة الرقيقة. والمواد الناشبة فِي الرئة قد يعسر انتفائها أما لغلظها ولزوجتها فَلَا تتنفث وَأما لرقتها فَلَا يلْزمهَا الرّيح الدافعة إِيَّاهَا بالسعال بل تَنْعَقِد الرُّطُوبَة عَن الرّيح فتباينها الرّيح غير قالعة وَإِمَّا لشدَّة كثرتها وَإِذا كَانَت الأخلاط الصدرية غَلِيظَة فَلَا تبالغ فِي التجفيف بل اشْتغل بالتليين والتقطيع مَعَ تَحْلِيل بمداراة وَيكون أهم الْأَمريْنِ إِلَيْك التقطيع أَي تكون الْعِنَايَة بالتقطيع أَكثر مِنْهَا بالتحليل وَاسْتعْمل فِي جَمِيع تِلْكَ الْأَدْوِيَة مَاء الْعَسَل فَإِنَّهُ ينفذها ويجلو أَو يلين وَأَنت تعرف طَرِيق اسْتِعْمَال مَاء الْعَسَل. فصل فِي الْأَدْوِيَة الصدرية المفردة والمركبة وجهة اسْتِعْمَالهَا الْأَدْوِيَة الصدرية هِيَ الْأَدْوِيَة الَّتِي تنقي الصَّدْر وَهِي على مَرَاتِب. الْمرتبَة الأولى مثل دَقِيق الباقلا وَمَاء الْعَسَل وبزر الْكَتَّان المقلو واللوز وَالشرَاب الحلو فَإِنَّهُ شَدِيد التفتيح لسدد الرئة كَمَا أَنه شَدِيد التوليد لسدد الكبد كَمَا(2/305)
ستعلم علّته فِي بَاب الكبد. وَمن الباردات حب القثاء والقند والبطيخ والقرع. وَأما السّمن فَإِن اقْتصر عَلَيْهِ كَانَ إنضاجه أَكثر من تنقيته فَإِن لعق مَعَ عسل ولوز مرّ كَانَ إنضاجه أقلّ وتنقيته أَكثر. وَأقوى من ذَلِك علك البطم واللوز المر وسكنجبين العنصل والحلبة والكُندر. وتمر هيرون لَهُ قُوَّة فِي هَذِه الْمَعْنى وَأقوى من ذَلِك الكمّون والفلفل والكرسنّة وأصول السوسن وأصل الجاوشير والجندبيدستر بالعسل والعنصل المشوي مسحوقاً معجوناً بالعسل والقنطوريون الْكَبِير والزراوند المدحرج والشونيز والدودة الَّتِي تكون تَحت الجرار إِذا جفّفت على خزف فَوق الْجَمْر أَو فِي التنّور حَتَّى تبيض وتخلط بالعسل وَكَذَلِكَ الراسن إِذا وَقع فِي الْأَدْوِيَة وماؤه شَدِيد النَّفْع والراوند من جملَة مَا يسهّل النفث والساليوس شَدِيد الْمَنْفَعَة والبُلْبُوس نَافِع منقّ جدا خُصُوصا النيء وَبعده الَّذِي لم يسلق إِلَّا سلقة وَاحِدَة. والزعفران يُقَوي آلَات النَّفس جدا ويسهل النَّفس جدا وَهَذِه الْأَدْوِيَة تصلح مشروبةً وَتصْلح ضماداً. وَمن الْأَدْوِيَة المركّبة: حبّ أفلاطون وَهُوَ حبّ الميعة وشراب الزوفا بالنسخ الْمُخْتَلفَة ودواء أندروماخس ودواء سقلنيادوس ودواء جالينوس وأشربة الخشخاش بنسخ ودواء مغناوس ودواء البلاذر بالهليلجات. وَمِمَّا ينفث الأخلاط الغليظة والمدة أَن يُؤْخَذ من السكبينج والمر من كل وَاحِد مِثْقَال قردمانا مثقالين أفيون مِثْقَال جندبيدستر مِثْقَال يعجن بشراب حُلْو الشربة مِنْهُ نصف مِثْقَال. وَمِمَّا جُرب: هَذَا الدَّوَاء وَصفته: يُؤْخَذ كندر أَرْبَعَة وَمر اثْنَيْنِ مَعَ ثَلَاث أَوَاقٍ ميبختج يُطبخ كالعسل ويُلعق أَو عصارة الكرنب بِمثلِهِ عسلاً أَو سلاقته يطبخان حَتَّى ينْعَقد أَو النَّار نَار الْجَمْر. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ مرّ وفلفل وبزر الأنجرة وسكبينج وخردل يتَّخذ مِنْهُ حبّ ويسقى مِنْهُ غدْوَة وَعَشِيَّة عِنْد النّوم. وَأَيْضًا: خَرْدَل دِرْهَم بورق تسع قراريط عصارة قثاء الْحمار وأنيسون من كلّ وَاحِد قِيرَاط وَمن الْأَدْوِيَة القوية فِي ذَلِك أَن يُؤْخَذ المحروث والخردل وبزر الأنجرة وعصارة قثّاء الْحمار وأنيسون يجمع ذَلِك كُله بِعَسَل ويعجن بِهِ. وَمن الأخلاط المائلة إِلَى الْحَار حلبة أوقيتين بزر كتَّان أُوقِيَّة وَنصف كرسنّة نصف أُوقِيَّة جَوف حبّ الْقطن نصف أُوقِيَّة ربّ السوس أوقيتين يلتّ الْجَمِيع بدهن اللوز وَيجمع بِعَسَل. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ سبستان وتين أَبيض وزبيب منزوع الْعَجم وأصول السوسن وبرشاوشان يطْبخ بِالْمَاءِ طبخاً نَاعِمًا ويسقى مِنْهُ وَإِن طبخ فِي هَذَا المَاء بسفايج وَتَربد كَانَ نَافِعًا. وَاعْلَم أَنه كثيرا مَا يحتبس الشَّيْء فِي الصَّدْر وَهُوَ قَابل للانتفاث إِلَّا أَن الْقُوَّة تضعف عَنهُ وَحِينَئِذٍ فَيجب أَن يستعان بالعطاس.(2/306)
فصل فِي كَلَام كليّ فِي التنفس التّنفس يتمّ بحركتين ووقفتين بَينهمَا على مِثَال مَا عَلَيْهِ الْأَمر فِي النبض إِلَّا أَن حَرَكَة التنفس إرادية يُمكن أَن تغيَّر بالإرادة عَن مجْرَاه الطبيعي والنبض الطبيعي صرف وَالْغَرَض فِي النَّفس أَن يمْلَأ الرئة نسيماً بَارِدًا حَتَّى بعد النبضات القلبية فَلَا يزَال الْقلب يَأْخُذ مِنْهُ الْهَوَاء الْبَارِد ويردّ إِلَيْهِ البخار الدخاني إِلَى أَن يعرض لذَلِك المستنشق أَمْرَانِ: أَحدهمَا استحالته عَن برده بتسخين مَا يجاوره وَمَا يخالطه واستحالته عَن صِفَاته بمغالطة البخار الدخاني لَهُ فَحِينَئِذٍ يَزُول عَنهُ الْمَعْنى الَّذِي بِهِ يصلح لاستمداد النبض مِنْهُ فَيحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه وَالِاسْتِدْلَال مِنْهُ. وَبَين الْأَمريْنِ وقفتان واستدخاله - وَهُوَ الِاسْتِنْشَاق - يكون بانبساط الرئة تَابِعَة لحركة أجرام يطيب بهَا حِين يعسر الْأَمر فِيهَا وإخراجه يكون لانقباض الرئة تَابِعَة لحركة أجرام يطِيف بهَا. وَالنَّفس عِنْد الْعَامَّة هُوَ الْمخْرج وَعند الْأَطِبَّاء وَفِي اصْطِلَاح مَا بَينهم تَارَة الْمخْرج كَمَا عِنْد الْعَامَّة وَتارَة هَذِه الْجُمْلَة كَمَا أَن النبض عِنْد الْعَامَّة هُوَ الْحَرَكَة الانبساطية وَعند الْأَطِبَّاء فِيهِ اصْطِلَاح خَاص على النَّحْو الْمَعْلُوم فِيهِ وحركة النَّفس المعتدل الطبيعي الْخَالِي عَن الآفة يتمّ بحركة الْحجاب فَإِن احْتِيجَ إِلَى زِيَادَة قُوَّة لما لَيْسَ يدْخل إِلَّا بِمَشَقَّة أَو لتقوي النَّفس ليخرج نفخه شَارك الْحجاب فِي هَذِه المعونة عضل الصَّدْر كلهَا حَتَّى أعاليها أَو لَا بُد فبعض السافلة مِنْهَا فَقَط فَإِن احْتِيجَ إِلَى أَن يكون صَوتا لم يكن بُد من اسْتِعْمَال عضل الحنجرة فَإِن احْتِيجَ إِلَى أَن يقطع حروفاً ويؤلف مِنْهُ كَلَام لم يكن بدّ من اسْتِعْمَال عضل اللِّسَان وَرُبمَا احْتِيجَ فِيهَا إِلَى اسْتِعْمَال عضل الشّفة. وكما أنّ فِي النبض عَظِيما وصغيراً وطويلاً وقصيراً وسريعاً وبطيئاً وحاراً وبارداً ومتواتراً ومتفاوتاً وقوياً وضعيفاً ومنقطعاً ومتّصلاً ومتشنّجاً ومرتعشاً وَقَلِيل حَشْو الْعُرُوق وَكَثِيره وأموراً محمودة وأموراً مذمومة ولكلِّ ذَلِك أَسبَاب كل ذَلِك دَلِيل على أَمر مَا وَلها اخْتِلَاف بِحَسب الأمزجة والأسنان والأجناس والعوارض الْبَدَنِيَّة والنفسانية كَذَلِك للنَّفس هَذِه الْأُمُور المعدودة وَمَا يشبهها ولكلّ أَمر مِنْهَا فِيهِ سَبَب وكل أَمر مِنْهَا دَلِيل. فَمن النَّفس عَظِيم وَمِنْه صَغِير وَمِنْه طَوِيل وَمِنْه قصير وَمِنْه سريع وَمِنْه بطيء وَمِنْه متفاوت وَمِنْه متواتر وَمِنْه ضيّق وَمِنْه وَاسع وَمِنْه سهل وَمِنْه عسر وَمِنْه قوي وَمِنْه ضَعِيف وَمِنْه حَار وَمِنْه بَارِد وَمِنْه مستوٍ وَمِنْه مُخْتَلف. وَمن أَصْنَاف النَّفس مَا لَهُ أَسمَاء خَاصَّة مثل النَّفس الْمُنْقَطع وَالنَّفس المضاعف وَالنَّفس المنتصب وَالنَّفس الخناقي وَالنَّفس المستكره فِي الفترات كَمَا يكون فِي السكتة وَنَحْوهَا. والآفات الَّتِي تعرض فِي آلَات النَّفس فَيدْخل مِنْهَا آفَة فِي النَّفس إِمَّا أَن يكون فِي أَعْضَاء النَّفس أَو فِي مباديها أَو فِيمَا يشاركها بالجوار.(2/307)
وأعضاء النَّفس هِيَ الحنجرة والرئة والقصبة وَالْعُرُوق الخشنة والشرايين والحجاب وعضل الصَّدْر والصدر نَفسه فَإِن الآفة قد تكون فِي الصَّدْر نَفسه إِذا كَانَ ضيقا صَغِيرا فَيحدث لذَلِك فِي النَّفس آفَة وَأما مباديها فالدماغ نَفسه والنخاع أَيْضا لِأَنَّهُ منشأ للحجاب فَإِنَّهُ ينْبت أَكثر من الزَّوْج الرَّابِع من عصب النخاع وتتصل بِهِ شُعْبَة من الْخَامِس وَالسَّادِس والعصب الجائي إِلَيْهَا. وَأما الْأَعْضَاء الْمُشَاركَة بالجوار إِلَيْهَا فكالمعدة والكبد وَالرحم والإمعاء وَسَائِر الأحشاء وَتلك الْآفَات إِمَّا سوء مزاج مضعّف حَار أَو بَارِد أَو رطب أَو يَابِس أيا كَانَ ساذجاً أَو بمادة من خلط محتبس أَو منصبّ إِلَيْهِ كثيرا أَو لزجاً أَو غليظاً والمدة والقيح من جُمْلَتهَا أَو من ريح أَو بخار وَإِمَّا مرض آلي من فالج أَو تشنج أَو انحلال فَرد من تصدع أَو تعفن أَو تقرّح أَو تَأْكُل أَو من ورم بَارِد أَو حَار أَو صلب أَو من وجع. وَأَنت تعلم مِمَّا نَقصه عَلَيْك أَن النَّفس قوي الدّلَالَة وجار مجْرى النبض بعد أَن تراعى الْعَادة فِيهِ كَمَا يجب أَن تراعي الْأَمر الطبيعي الْمُعْتَاد فِي النبض أَيْضا. فصل فِي النَّفس الْعَظِيم وَالصَّغِير وأسبابه ودلائله النَّفس الْعَظِيم: هُوَ النَّفس الَّذِي ينَال هَوَاء كثيرا جدا فَوق المعتدل وَهُوَ الَّذِي تنبسط مِنْهُ أَعْضَاء النَّفس فِي الْجِهَات كلهَا انبساطاً وافر الْعظم مَا يستنشق. وَالصَّغِير الضّيق يكون حَاله فِي ذَلِك بالضد فيصغر مَا يستنشق وَكَذَلِكَ فِي جَانب الْإِخْرَاج. وَأَسْبَاب النَّفس الْعَظِيم هِيَ: أَسبَاب النبض الْعَظِيم أَعنِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فقد يظنّ أَن الصَّغِير هُوَ الَّذِي يتم بحركة الْحجاب فَقَط وَذَلِكَ لَيْسَ صَحِيحا على الْإِطْلَاق فَإِنَّهُ - وَإِن كَانَ قد يكون مَا يتم بحركة الْحجاب وَحده صَغِيرا - فَرُبمَا كَانَ ذَلِك معتدلاً فَإِن المعتدل لَا يفْتَقر إِلَى حَرَكَة غير الْحجاب إِذا كَانَ الْحجاب قويّ الْقُوَّة وَرُبمَا كَانَ النَّفس صَغِيرا فَإِن كَانَت الْأَعْضَاء الصدرية كلهَا تتحرك إِذا كَانَت كلهَا ضَعِيفَة فَلَا يَفِي الْحجاب وَحده بِالنَّفسِ الْمُحْتَاج إِلَيْهَا وَلَا إِن كَانَت الْحَاجة إِلَى المعتدل بل يحْتَاج أَن يعاونه الْجَمِيع ثمَّ لَا يكون بِالْجَمِيعِ من الْوَفَاء باستنشاق الْهَوَاء وإخراجه الْوَاقِع مثلهمَا عَن الْحجاب وَحده لَو كَانَ سليما صَحِيحا قَوِيا لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِد من تِلْكَ الْأَعْضَاء يَفِي بانبساط تَامّ وَلَا بِالْقدرِ الَّذِي إِذا اجْتمع إِلَيْهِ مَعُونَة غَيره حصل من الْجَمِيع بسط للرئة كَاف معتدل وَذَلِكَ لضعف من القوى أَو الضّيق من المنافذ كَمَا يعرض فِي ذَات الرئة لَكِن يجب أَن يكون عَظِيم النَّفس مُعْتَبرا بِمِقْدَار مَا يتصرّف فِيهِ من الْهَوَاء مَقْبُولًا ومردوداً وَلنْ يتمّ ذَلِك إِلَّا بحركة جَامِعَة من العضلة الصدريّة وَمَا يَليهَا ثمَّ لَا تنعكس حَتَّى تكون كلهَا تتحرك فِيهِ(2/308)
العضل كلهَا فَهُوَ نفس عَظِيم بل إِذا تحِركت كلهَا الْحَرَكَة الَّتِي تبلغ فِي الْبسط وَالْقَبْض تَصرفا فِي هَوَاء كثير. وَالصَّغِير هُوَ على مُقَابلَته وَقد يبلغ من شدّة حَرَكَة أَعْضَاء النَّفس للاستنشاق أَن تتحرك منبسطة من قدّام إِلَى الترقوتين وَمن خلف إِلَى عظم الْكَتِفَيْنِ وَمن الْجَانِبَيْنِ إِلَى مُعظم لحم الْكَتف وَرُبمَا استعانت بالمنخرين بل تستعين بهما فِي أَكثر الْأَحْوَال وَقد يخْتَلف الْحَال فِي الانقباض أعظم وَذَلِكَ بِحَسب الْمَادَّة الَّتِي تحْتَاج إِلَى أَن تخرج الانقباض والكيفية الَّتِي تحْتَاج أَن تعدل بالإدخال والانبساط فَأَيّهمَا كَانَت الْحَاجة إِلَيْهِ أمس كَانَت الْحَرَكَة الَّتِي تحبسه أَزِيد فَإِن احْتِيجَ إِلَى إطفاء اللهيب كَانَ الانبساط عَظِيما وَإِذا اتّفق فِي إِنْسَان إِن كَانَ غير عَظِيم الِاسْتِنْشَاق بل صغيره ثمَّ كَانَ عَظِيم الْإِخْرَاج للنَّفس كَانَ ذَلِك دَلِيلا على أَن الْحَرَارَة الغريزية نَاقِصَة والغريبة الدَّاخِلَة زَائِدَة. والأسباب فِي تجشم هَذِه الْأَعْضَاء كلهَا للحركة بعنف أَرْبَعَة: فَإِنَّهَا إِمَّا أَن تكون بِسَبَب عَظِيم الْحَاجة لالتهاب حرارة فِي نواحي الْقلب وَإِمَّا لسَبَب فِي العضل المحركة من ضعف فِي نَفسهَا أَو بمشاركة الْأُصُول وَمثل مَا هُوَ فِي آخر الدق والسل وَفِي جَمِيع الْمدَّة فَإِنَّهَا تضعف القوّة أَو لعِلَّة إِلَيْهِ بهَا خَاصَّة أَو بمشاركتها الْمَذْكُورَة فِيمَا سلف عَن تشنج يعرض لَهَا أَو فالج أَو سوء مزاج أَو ورم ووجع أَو غير ذَلِك يعرض للعضل عَن الانبساط مثل امتلاء الْمعدة عَن أغذية أَو ريَاح إِذا جَاوز الْحَد فحال بَين الْحجاب والانبساط فَلم ينبسط هُوَ وَحده. وَإِمَّا لضيق المنافذ الَّتِي هِيَ الحنجرة وجداول القصبة والشرايين وَمَا يتَّصل بهَا من منافذ النَّفس مثل التخلخل الَّذِي فِي الرئة فَإِنَّهَا إِذا امْتَلَأت أخلاطاً كثرت فِيهِ السدد أَو عرض فِيهَا الورم وَهَؤُلَاء كأصحاب الربو وَأَصْحَاب الْمدَّة وَأَصْحَاب ذَات الرئة. وَأما الْغَفْلَة مَعَ حَاجَة أَو قلّة حَاجَة حَتَّى طَالَتْ الْمدَّة بَين النفسين فاحتيج إِلَى نفس عَظِيم يتلافى مَا وَقع من التَّقْصِير مثل نفس وَمن جملَة هَذِه الْحَاجة عظم نفس النَّائِم لِأَنَّهُ يكثر فِيهِ البخارات الدخانية ويغفل فِيهِ النَّفس عَن إِرَادَة إِخْرَاج النَّفس إِلَى أَن يكثر بهَا الدَّاعِي فَيخرج لَا محَالة عَظِيما وَكَذَلِكَ نفس من مزاج قلبه لَيْسَ بذلك الحاد المتقاضي بِالنَّفسِ فيدافع إِلَى وَقت الضَّرُورَة ويتلافى بالعظم مَا فَاتَهُ بالمدافعة العلامات الَّتِي يفرّق بهَا بَين أَسبَاب حَرَكَة الصَّدْر كُله إِن كَانَ ذَلِك بِسَبَب كَثْرَة الْحَاجة وَتَكون الْقُوَّة قَرْيَة كَانَ النَّفس كثيرا فِي إِدْخَاله وَفِي نفخه وَيكون ملمس النَّفس حاراً ملتهباً والنبض أَيْضا عَظِيما دَالا على الْحَرَارَة وَتَكون عَلَامَات الالتهاب مَوْجُودَة فِي الصَّدْر وَالْوَجْه والعينين وَفِي اللِّسَان فِي لَونه وخشونته وَغير ذَلِك فَإِن لم يكن ذَلِك وَلم تكن الْقُوَّة سَاقِطَة وَكَأَنَّهَا لَا يُمكنهَا الْبسط التَّام فالسبب الضيّق فِي شَيْء مِمَّا عددناه. وَأما إِن كَانَت الْأَعْضَاء كلهَا تحاول أَن تتحرّك ثمَّ لَا تتحرك حَرَكَة يعْتد بهَا وَلَا(2/309)
تنبسط الْبسط التَّام مثل مَا يروم مَا لَا يكون ويعول كل التعويل على المنخرين وَلَا يكون هُنَاكَ عِنْد الرَّد نفخة فالقوّة المحرّكة الَّتِي للعضل مؤفّة وَإِذا كَانَ الضّيق من رُطُوبَة فِي القصبة وَمَا يَليهَا كَانَ مَعَ العلامات فِي النَّفس خرخرة وَاحْتَاجَ صَاحبه إِلَى تنحنح وَهُوَ زِيَادَة عَلامَة على عَلامَة الضّيق الْكُلِّي وَإِن لم يكن ذَلِك كَانَ السَّبَب أغوص من ذَلِك وَإِذا حدث الضّيق الخرخري دفْعَة فقد سَالَتْ إِلَى الرئة مَادَّة من النَّوَازِل أَو سَالَ إِلَى الرئة أَولا ثمَّ إِلَى القصبة ثَانِيًا مُدَّة وقيح من عُضْو. فصل فِي النَّفس الشَّديد هُوَ الَّذِي يكون مَعَ عظمه كَأَن الْقُوَّة تتكلف هُنَاكَ فضل انزعاج للإدخال والنفخ بِالْإِخْرَاجِ فَيكون مَعَ الْعظم قُوَّة هم. فصل فِي النَّفس العالي الشاهق: هُوَ الصِّنْف من النَّفس الْعَظِيم الَّذِي يفْتَقر فِيهِ إِلَى تَحْرِيك أعالي عضل الصَّدْر وَلَا تبلغ الْحَاجة فِيهِ إِلَى تَحْرِيك الْحجاب وأسافل عضل الصَّدْر وَكَثِيرًا مَا يحدث هَذَا النَّفس فِي الحميات الوبائية. فصل فِي النَّفس الصَّغِير تعرف أَسبَابه للمعرفة بِأَسْبَاب الْعَظِيم على سَبِيل الْمُقَابلَة وَقد يصغر النَّفس بِسَبَب الوجع إِذا حَال الوجع بَين أَعْضَاء التنفس وَبَين حركاتها وَقد يصغر النَّفس الضّيق وَإِذا اقْترن بِهِ التثاؤب دلّ على موت الطبيعة وَإِذا اقْترن بِهِ التَّوَاتُر دلّ على وجع فِي أَعْضَاء التنفس وَمَا يَليهَا من الْمعدة وَنَحْوه مثل قروحها وأورامها. العلامات: عَلَامَات أَسبَاب النَّفس الصَّغِير الْمُقَابلَة لأسباب النَّفس الْعَظِيم مَعْلُومَة بِحَسب الْمُقَابلَة وَأما الَّذِي يكون صغره عَن الوجع لَا عَن الضّيق فَيدل عَلَيْهِ وجود الوجع وَإِن صَاحب الوجع لَو احْتمل ارْجع وصبر عَلَيْهِ أمكنه أَن يعظم نَفسه وَمَعَ ذَلِك فقد يَقع فِي خلال نَفسه نفس عَظِيم تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَإِلَى احْتِمَال الوجع أَو تصيب الْحَاجة فِيهِ غَفلَة من الوجع والكائن عَن الضّيق بِخِلَاف ذَلِك كُله. النَّفس الطَّوِيل هُوَ الَّذِي يطول فِيهِ مدّة تَحْرِيك الْهَوَاء فِي استنشاقه ورده لتتمكن الْقُوَّة من التَّصَرُّف فِي الْهَوَاء الْكثير وَرُبمَا منع عَن الْعَظِيم السَّرِيع وجع أَو ضيق فأقيم الطول فِي اسْتِيفَائه المبلع المستنشق مقَام الْعَظِيم السَّرِيع. فصل فِي النَّفس الْقصير هُوَ مُخَالف للطويل وَإِذا قرن بِهِ التَّوَاتُر كَانَ سَببه وجعاً فِي آلَة التنفس وَمَا يَليهَا وَإِذا قرن بِهِ التَّفَاوُت دلّ على موت الغريزة.(2/310)
فصل فِي النَّفس السَّرِيع هُوَ الَّذِي تكون الْحَرَكَة فِيهِ فِي مُدَّة قَصِيرَة مَعَ بُلُوغ الْحَاجة لَا كالقصير وَالصَّغِير وَالسَّبَب فِيهِ شقة الْحَاجة إِذا لم يبلغ الْكِفَايَة فِيهَا بالعظم إِمَّا لِأَن الْحَاجة فَوق الْبلُوغ إِلَيْهِ بالعظم وَإِمَّا لِأَن الْعظم حَائِل مثل مَا قيل فِي النبض. وَذَلِكَ الْحَائِل إِمَّا فِي الْآلَة وَإِمَّا فِي الْقُوَّة قد تكون السرعة فِي إِحْدَى الحركتين أَكثر مِنْهَا قي الْأُخْرَى مثل الْمَذْكُور فِي النَّفس الْعَظِيم. فصل فِي النَّفس البطيء هُوَ ضد السَّرِيع وضد أَسبَابه وَقد يبطئ الوجع إِذا كَانَ الْعُضْو المتنفّس يحْتَاج إِلَى أَن يَتَحَرَّك بِرِفْق وتؤدة. فصل فِي النَّفس الْمُتَوَاتر هُوَ الَّذِي يقصر الزَّمَان بَينه وَبَين الَّذِي قبله. وَمن أَسبَابه شدَّة الْحَاجة إِذا لم ينْقض بالعظم والسرعة لِأَنَّهَا أَكثر من الْبلُوغ إِلَيْهِ بهما لِأَن دونهمَا حَائِلا من وجع أَو ورم أَو ضيق لمواد كَثِيرَة أَو انضغاط أَو انصباب قيح فِي فضاء الصَّدْر أَو شَيْء آخر من أَسبَاب الضّيق. وَأَنت تعرف الْفرق بَين الْوَاقِع بِسَبَب الْحَاجة وَالْوَاقِع بِسَبَب الوجِع وَغير ذَلِك مِمَّا سلف لَك فِي بَاب الْعَظِيم. وَالنَّفس الْمُتَوَاتر على مَا شهد أبقراط يستتبع آفَة لتجفيف الرئة وأتعاب أَعْضَاء النَّفس فِيمَا يَليهَا. فصل فِي النَّفس الْبَارِد يدل على موت الْقُوَّة وطفء الْحَرَارَة الغريزية واستحالة مزاج الْقلب إِلَى الْبرد وَهُوَ أردأ عَلامَة فِي الْأَمْرَاض الحادة وخصوصاً إِذا كَانَ مَعَه نداوة فتتمّ دلَالَته على انحلال الغريزية. فصل فِي النَّفس المنتن هُوَ دَاخل فِي البخر وَيُفَارق سَائِر أَصْنَاف البخر بِأَن تِلْكَ الْأَصْنَاف قد تروح النتن فِي غير حَال التنفس وَهَذَا إِنَّمَا ينتن عِنْدَمَا يخرج النَّفس وَهَذَا يدل على أخلاط عفنة فِي أَعْضَاء التنفس إمّا القصبة وَإِمَّا الرئة إِذا عفن فِيهَا خلط أَو مُدَّة. فصل فِي الِانْتِقَالَات الَّتِي تجْرِي بَين النَّفس الْعَظِيم وَالنَّفس السَّرِيع وَالنَّفس الْمُتَوَاتر وأضدادها لقد علمت أَن الْحَاجة إِذا زَادَت وَلم يكن لَهَا حَائِل عظم النَّفس فَإِن زَادَت أَكثر أسْرع فَإِن زَادَت أَكثر تَوَاتر فَإِذا تراجعت الْحَاجة نقص أَولا التَّوَاتُر ثمَّ السرعة ثمَّ الْعظم وَكَذَلِكَ إِذا قلّ الْحول وَالْمَنْع وَإِذا فقد التراجع فِي الْمعَانِي الثَّلَاثَة وجد التَّفَاوُت أَكثر ثمَّ(2/311)
الإبطاء ثمَّ الصغر فَيكون الْخُرُوج عَن الطبيعي إِلَى الصفر أقلّ من إِلَى البطء وأليهما أقل مِنْهُ إِلَى التَّفَاوُت. وَاعْتبر هَذَا فِي الانبساط والانقباض جَمِيعًا تحسب اخْتِلَاف الحاجتين المذكورتين اخْتِلَافا فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَإِذا كَانَ السَّبَب فِي الانبساط أدعى إِلَى الزِّيَادَة كَانَ الزَّمَان الَّذِي قبل الانبساط أقصر وَإِذا كَانَ مثل ذَلِك السَّبَب فِي الانقباض كَانَ زمَان السّكُون الَّذِي قبل الانقباض أقصر وَالنَّفس المتتابع السَّرِيع يتبع ورماً حاراً وضيقاً عَن سدة. فصل فِي النَّفس المتحرّك أَي المحرك للرئة هَذَا النَّفس يدلّ على خور من الْقُوَّة أَو ضيق شَدِيد خانق فِي الذبْحَة أَو جمع مدّة وانصبابها أَو خلط. سوء التنفس يعم الْأَحْوَال الْخَارِجَة عَن الطبيعة فِي التنفس الَّتِي لَا تتبع أعراضاً صحية بل أعراضاً مرضية آلية وَذَلِكَ مثل عسر الْبَوْل وضيق النَّفس وتضاعف النَّفس وَانْقِطَاع النَّفس وَنَفس الانتصاب. وَقد يعرض لأنواع سوء المزاج والامتلاء والسدد ومجاورة ضواغط وأورام وأوجاع ولموانع للحركة ولقروح فِي الْحجاب ونواحي الصَّدْر وَسُقُوط الْقُوَّة من أمراض ناهكة وحمّيات حادة وبائية وسموم مشروبة. وكل سوء تنفس وضيقه وعسره لمادة فَإِنَّهُ يزْدَاد عِنْد الاستلقاء وَيكون وسطا عِنْد الِاضْطِجَاع على جنب ويخف مَعَ الانتصاب. وَفِي الخوانيق الدَّاخِلَة يمْتَنع عِنْد الاستلقاء أصلا. فصل فِي ضيق النَّفس هُوَ أَن لَا يجد الْهَوَاء الْمُتَصَرف فِيهِ بِالنَّفسِ منفذاً فِي جِهَة حركته إِلَّا ضيقا لَا يتسرّب فِيهِ إِلَّا قَلِيلا قَلِيلا. وأسبابه إِمَّا أورام فِي تِلْكَ المنافذ الَّتِي هِيَ الحنجرة والقصبة وشعبها أَو الشرايين وَفِي نفس خلخلة الرئة وجرمها. وَأَشد أورامها تضييقاً للنَّفس مَا كَانَ صلباً أَو أخلاط كَثِيرَة فِيهَا غَلِيظَة أَو لمزجة أَو مائية تَجْتَمِع فِي الرئة أَو انطباق يعرض لَهَا من ضاغط مجاور من ورم حَار فِي كبد أَو معدة أَو طحال أَو أخلاط منصبة فِي الفضاء لاستسقاء أَو غَيره مثل مَا يكون من انفجار أورام فِي الْجوف الْأَسْفَل تحول دون الانبساط أَو تكاثف عَن يبس أَو قبض أَو عَن برد يُصِيب الرئة والحجاب أَو عَن سَبَب فِي العصب والحجاب وَهُوَ أولى بِأَن يُسمى عسر النَّفس أَو عَن أبخرة دخانية تضيق مدَاخِل النَّفس فِي الْمَوَاضِع الضيقة. وَقد يكون سَبَب ضيق الصَّدْر فَلَا تَجِد الْأَعْضَاء المنبسطة للنَّفس مجالاً وَقد يكون بِسَبَب البُحران وعلامة لَهُ إِذا مَالَتْ الْموَاد عَن الأورام الْبَاطِنَة إِلَى(2/312)
فَوق وَقد يكون عسر النَّفس وضيقه بِسَبَب سيلان الْموَاد عَن الأورام الْبَاطِنَة منتقلة إِلَى نواحي الرَّأْس وتُنذر بأورام خلف. الْأُذُنَيْنِ إِن كَانَ الْأَمر أسلم أَو فِي الدِّمَاغ إِن كَانَ أصعب. العلامات: عَلَامَات الأورام الخناقية قد سلفت لَك. وَأما عَلامَة الورم الَّذِي يكون فِي نفس الرئة فالوجع الثقيل وَفِي العضلات والحجب الصدرية الوجع الناخس الْبَاطِن وَهُوَ أقوى وأشدّ وَالظَّاهِر وَهُوَ أَضْعَف. وَأما فِي غضاريف الرئة فالوجع الَّذِي فِيهِ مصيص وَرُبمَا أدّى إِلَى السعال وَإِن كَانَت حارة فالحمى. وعلامات الخناقية مَعْرُوفَة تشتدّ عِنْد الاستلقاء وَأما عَلَامَات امتلاء الأخلاط فَإِن كَانَت فِي القصبة فالنفث والشوق إِلَى السعال وَالِانْتِفَاع بِهِ مَعَ انتفاث الشَّيْء بِأَدْنَى سعال وَمَعَ خرخرة وَإِن كَانَت فِي الرئة كَانَ الْحَال كَذَلِك إِلَّا أَن السعال يَأْخُذ من مَكَان أغور وَلَا يكون خرخرة إِلَّا بِقدر مَا يصعب من المنفث وَإِن كَانَ فِي الفضاء فثقل ينصبّ من جَانب إِلَى جَانب مَعَ تغيّر الِاضْطِجَاع ثمَّ يَبْدُو النفث وَلَا يكون فِيهِ مَعَ ضيق النَّفس سعال يعتدّ بِهِ. فصل فِي النَّفس الْمُخْتَلف النَّفس يخْتَلف مثل أَسبَاب اخْتِلَاف النبض وَيكون اختلافه منتظماً وَغير مُنْتَظم. فصل فِي النَّفس المتضاعف هُوَ من أَصْنَاف الْمُخْتَلف وَهُوَ النَّفس الَّذِي يتمّ بالانبساط فِيهِ وَهُوَ الفحم أَو الانقباض وَهُوَ التغيّر بحركتين بَينهمَا وَقْفَة كَنَفس الصَّبِي إِذْ بَكَى فَيكون فِيهِ فَحم إِذا انبسط وَتغَير إِذا انقبض. وَسَببه إِمَّا حرارة كَثِيرَة فَلَا ينْتَفع بِمَا استنشق بل يُوجب ابْتِدَاء حد فِي الزِّيَادَة وَإِمَّا ضعف فِي آلَات النَّفس الْمَعْلُومَة يحوج إِلَى استراحة فِي النَّفس وَإِمَّا لسوء مزاج مسْقط للقوّة أَو مجفّف أَو مصلب للآلة وَهُوَ الْأَكْثَر وَإِمَّا لوجع فِيهَا أَو فِي مجاوراتها أَو ورم. والمجاورات مثل الْحجاب والكبد وَالطحَال. والكبد أشدّ مُشَاركَة من الطحال وَإِمَّا لمَرض آلي مِمَّا قد عدّ مرَارًا أَو كَثْرَة تشنج كَائِن أَو يكون وَهَذَا النَّفس عَلامَة رَدِيئَة فِي الْأَمْرَاض الحادة والحمّيات الحادة. وَأما إِذا عرض من برد فَإِنَّهُ مِمَّا يشفيه الحمّى. فصل فِي النَّفس المنتصف(2/313)
فصل فِي النَّفس الْعسر هُوَ أَن تكون التصرّف فِي الْهَوَاء شاقاً كَانَ ضيّق أَو لم يكن ضيق. وَالسَّبَب فِي آفَات أَعْضَاء التنفس على مَا قيل فِي غَيره وَرُبمَا كَانَ لسَبَب كلهيب ناريّ يغلب على الْقلب وَيكون لبرد مميت للقوة المحركة أَو آيف لَهما كَمَا يعرض عِنْد برد الْحجاب بِسَبَب تبرده من طلاء أَو غَيره وَقد يكون لسوء مزاج يعرض للحجاب مثل برد من الْهَوَاء أَو برد من ضماد يوضع عَلَيْهِ لسَبَب فِي نَفسه أَو لسَبَب فِي الْمعدة والكبد فَيَقَع هُوَ فِي جوَار ذَلِك الضمّاد وَلَا يجود انبساطه وَقد يكون لسدّة فيحتبس عِنْدهَا الرّيح المستنشق وَيحْتَاج إِلَى جهد حَتَّى ينفتح. وَهَذَا مُخَالف للضيق وَرُبمَا كَانَت السدّة ورماً وَقد يكون لدواء مسهّل أثاره وَلم يسهل أَو لحقنة حادّة لم تسهّل وَكَذَلِكَ إِذا لم يبلغ الفصد فِي ذَات الْجنب الْحَاجة وَيجب أَن تقْرَأ مَا كتبناه فِي آخر قَوْلنَا فِي ضيق النَّفس هَهُنَا أَيْضا. فصل فِي انتصاب النَّفس هُوَ النَّفس الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لصَاحبه إِلَّا أَن ينْتَصب وَيَسْتَوِي ويمدّ رقبته مدا إِلَى فَوق فينفتح بِسَبَبِهِ المجرى وَلَا يَسْتَطِيع أَن يحني الْعُنُق لِأَنَّهُ يضيّق عَلَيْهِ النَّفس كَمَا يضيق على منجذب الرَّقَبَة نَحْو خلف وَكَذَلِكَ لَا يقدر أَن يحني الصَّدْر والصهر إِلَى خلف. وَإِذا أَزَال هَذِه النصبة وخصوصاً إِذا اسْتلْقى عرض لَهُ أَن تنطبق مِنْهُ أَجزَاء الرئة بَعْضهَا مَعَ بعض فتسدّ المجاري لِأَنَّهَا فِي الأَصْل فِي مثله تكون مسدودة فِي الْأَكْثَر وَإِنَّمَا فِيهَا فتح يسير يُبطلهُ ميلان الْأَجْزَاء بَعْضهَا على بعض. وَقد يكون ذَلِك الإنسداد عارضاً فِي الحميات وَنَحْوهَا لأبخرة مائية ورطوبات متحلبة وَقد تكون بِالْحَقِيقَةِ لأخلاط مالئة وسَادَة وأورام أَو لِأَن العضل مسترخية فَإِذا لم تتحلّ إِلَى نَاحيَة الرجل بل تدلّت إِلَى نَاحيَة الظّهْر والصدر ضغطت. فصل فِي كَلَام كلّي فِي نفس الطبائع وَالْأَحْوَال فِي نفس الْأَسْنَان أما الصّبيان فَإِنَّهُم محتاجون إِلَى إِخْرَاج الفضول الدخانية حَاجَة شَدِيدَة لِأَن الهضم فيهم أَكثر وأدوم وَلَيْسَت حَاجتهم إِلَى التطفئة بقليلة وقوتهم لَيست بالشديدة جدا لأَنهم لم يكملوا فِي أبدانهم وقواهم فَلَا بُد من أَن يَقع فِي نبضهم تَوَاتر وَسُرْعَة شديدان مَعَ عظم مَا لَيْسَ بذلك الشَّديد. وَأما الشبَّان فنفسهم أعظم وَلَكِن أقل سرعَة وتواتراً إِذا الْحَاجة تَبْغِ فيهم بالعظم. وَأما الكهول فنفسهم أقلّ فِي الْمعَانِي الزَّائِدَة من نفس الشبَّان وَلَيْسَ فِي قلّة نفس الْمَشَايِخ وَأما الْمَشَايِخ فنفسهم أَصْغَر وَأَبْطَأ وأشدّ تَفَاوتا لما لَا يخفى عَلَيْك. فصل فِي نفس الممتلئ من الْغذَاء وَمن الْحَبل وَالِاسْتِسْقَاء وَغَيره نفسهم إِلَى الصغر لِأَن الْحجاب مضغوط عَن الْحَرَكَة الباسطة وَلما صغر نبضهم لم(2/314)
يكن بِهِ من سرعَة وتواتر وَإِن كَانَت الْقُوَّة كَافِيَة أَو تَوَاتر وَحده إِن كَانَت منقوصة. فصل فِي نفس المستحم أما المستحم بالحار فَإِنَّهُ يعظم نَفسه للْحَاجة ولين الْآلَة ويسرع ويتواتر للْحَاجة وَأما المستحمّ بالبارد فَأمره بِالْعَكْسِ. فصل فِي نفس النَّائِم إِذا كَانَت القوّة قَوِيَّة فَإِن نَفسه يعظم ويتفاوت لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَة فِي بَاب النبض وَيكون انقباضه أعظم وأسرع من انبساطه لِأَن الهضم فِيهِ أَكثر. فصل فِي نفس الوجع فِي أَعْضَاء الصَّدْر هُوَ كَمَا علمت مِمَّا سلف منا لَك بَيَانه إِلَى الصغر وَالْقصر وَرُبمَا تضَاعف وَرُبمَا عسر وَقد يبطؤ إِذا لم يكن تلهب وتواتر كَمَا علمت وَيكون صغره وقصره أَكثر من بطئه لِأَن داعيه إِلَى الاحتباس وَقلة الأنبساط أَكثر من دَاعِيَة إِلَى الرِّفْق والتأدي بِعظم الإنبساط أشدّ من التأدي بالسرعة فَإِن التهب الْقلب وسخن لم يكن بُد من سرعَة وَإِن تُؤَدّى ّ بهَا. فصل فِي نفس من ضَاقَ نَفسه لأي سَبَب كَانَ وَنَفس صَاحب الربو: يحْتَاج أَن يتلافى مَا يكون بالضيق تلافياً من جِهَة السرعة والتواتر لأي سَبَب كَانَ فِي أَكثر الْأَمر فَيكون نَفسه صَغِيرا ضيقا متواتراً وَنَفس صَاحب الربو مِمَّا يشْرَح فِي بَابه. فصل فِي نفس أَصْحَاب الْمدَّة قد يتكلّفون بسط الصَّدْر كُله مَعَ حرارة ونفخة وَلَا يكون هُنَاكَ عظم وَلَا مُوجبَات القوّة لأنّ صَاحب هَذِه الْعلَّة يكون قد أمعن فِي الضعْف وَالْقُوَّة فِي أَصْحَاب ذَات الرئة والربو بَاقِيَة. فصل فِي أَصْحَاب الذبْحَة والاختناق: يكون مَعَ بسط عَظِيم وَمَعَ سرعَة وتواتر للْحَاجة وغور الْمَادَّة لَا يكون لَهُم نفخة. فصل فِي كَلَام مُجمل فِي الربو الربو عِلّة رئية لَا يجد الوادع مَعهَا بدا من تنفس متواتر مثل النَّفس الَّذِي يحاوله المخنوق أَو المكدود. وَهَذِه العلّة إِذا عرضت للمشايخ لم تكد تَبرأ وَلَا تنضج وَكَيف وَهِي فِي الشَّبَاب عسرة الْبُرْء أَيْضا. وَفِي أَكثر الْأَمر تزداد عِنْد الاستلقاء وَهَذِه العلّة من الْعِلَل المتطاولة وَلها مَعَ ذَلِك نَوَائِب حادة على مِثَال نَوَائِب الصرع والتشنّج. وَقد تكون الآفة فِيهَا فِي نفس الرئة وَمَا يتّصل بهَا لتلحّج أخلاط(2/315)
غَلِيظَة فِي الشرايين وشعبها الصغار ورواضعها وَرُبمَا كَانَت فِي نفس قَصَبَة الرئة وَرُبمَا كَانَت فِي خلخلة الرئة والأماكن الخالية وَهَذِه الرطوبات قد تكون منصبّة إِلَيْهَا من الرَّأْس خُصُوصا فِي الْبِلَاد الجنوبية وَمَعَ كَثْرَة هبوب الرِّيَاح الجنوبية وَتَكون مندفعة إِلَيْهَا من مَوَاضِع أُخْرَى وَقد تكون بِسَبَب توليدها فِيهَا بردهَا فتبتدئ قَلِيلا قَلِيلا وَقد تكون بِسَبَب خلط لَيْسَ فِي الرئة وشرايينها بل فِي الْمعدة منصبّاً من الرَّأْس والكبد أَو متولداً فِي الْمعدة والبُهر الْحَادِث عِنْد الإصعاد هُوَ لمزاحمة الْمعدة للحجاب ومزاحمة الْحجاب للرئة وَقد تكون الكبد إِذا بردت أَو غلظت مُعينَة على الربو. وَهَذِه الأخلاط قد تؤذي بالكيفية وَقد تؤذي بالكمّية وَالْكَثْرَة وَقد تكون فِي النَّادِر من جفاف الرئة ويبسها واجتماعها إِلَى نَفسهَا وَقد تكون من بردهَا وَقد تكون لآفة مبادئ أَعْضَاء التنفّس من العصب والنخاع والدماغ أَو نَوَازِل تنْدَفع إِلَيْهَا مِنْهَا وَقد تكون بمشاركة أَعْضَاء مجاورة تزاحم أَعْضَاء النَّفس فَلَا ينبسط مثل الْمعدة الممتلئة إِذا زاحمت الْحجاب وَقد يعرض بِسَبَب كَثْرَة البخار الدخاني إِذا احتقن فِي الرئة وَصَارَ إِلَيْهَا وَقد يكون بِسَبَب ريح يحتقن فِي أَعْضَاء التنفّس ويزاحم النَّفس وَقد يكون بِسَبَب صغر الصَّدْر فَلَا يسع الْحَاجة من النَّفس وَيكون ذَلِك آفَة جبلية فِي النَّفس كَمَا يعرض فِي الْغذَاء من صغر الْمعدة وَقد يشتدّ الربو فَيصير نفس الانتصاب وَكَثِيرًا مَا ينْتَقل إِلَى ذَات الرئة. العلامات: إِن كَانَ سَبَب الربو أخلاطاً ورطوبات فِي القصبة نَفسهَا كَانَ هُنَاكَ ضيق فِي أول التنفس مَعَ تنحنح ونحير واحتباس مَادَّة واقفة وثفل مَعَ نفث شَيْء من مَكَان قريب. وَإِن كَانَت الأخلاط عَن نزلة كَانَ دفْعَة وَإِلَّا كَانَ قَلِيلا قَلِيلا. وَإِن كَانَت فِي الْعُرُوق الخشنة دَامَ اخْتِلَاف النبض خفقانياً وَرُبمَا أَذَى إِلَى خفقان يستحكم وَيهْلك. وَأكْثر نبض أَصْحَاب الربو خفقاني وَإِن كَانَ خَارج الفضاء كَيفَ كَانَ لم يكن سعال وَإِن كَانَ بمشاركة المبادئ دلّ عَلَيْهِ مَا مضى لَك وَإِن كَانَ بمشاركة المجاورات دلّ عَلَيْهِ إزدياده بِسَبَب هيجان مَادَّة بهَا وامتلاء يَقع فِيهَا وَإِن كَانَ عَن نزلات دلّ عَلَيْهِ حَالهَا وَإِن كَانَ عَن انفجار مُدَّة دَفعه إِلَى أَعْضَاء التنفس دلّ عَلَيْهِ مَا تقدّم من ورم وَجمع ثمَّ مَا حدث عَن انفجار إِن كَانَ عَن يبس دلّ عَلَيْهِ الْعَطش وَعدم النفث الْبَتَّةَ وَأَن يقلّ عِنْد تنَاول مَا يرطّب وَاسْتِعْمَال مَا يرطّب وَإِن كَانَ بِسَبَب ريح دلّ عَلَيْهِ خفّة نواحي الصَّدْر مَعَ ضيق يخْتَلف بِحَسب تنَاول النوافخ وَمَا لَا نفخ لَهُ وَإِن كَانَ(2/316)
بِسَبَب برد مزاج الرئة وكما يكون فِي الْمَشَايِخ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ قَلِيلا قَلِيلا ويستحكم. علاج الربو وضيق النَّفس وأقسامه: أما الْكَائِن عَن الرطوبات فالعلاج وَالْوَجْه فِيهِ أَن يقبل على إفناء الرطوبات الَّتِي فِي رئاتهم بالرفق والاعتدال وَإِن علمت أَن الآفة الْعَارِضَة فِيهَا هِيَ الْكَثْرَة فاستفرغ الْبدن لَا محَالة بالإسهال وَيجب أَن تكون الْأَدْوِيَة ملطّفة منضّجة من غير تسخين شَدِيد يُؤَدِّي إِلَى تجفيف الْمَادَّة وتغليظها وَلِهَذَا لم يلق الْأَوَائِل فِي معاجين الربو أفيوناً وَلَا بنجاً وَلَا يبروحاً اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون المُرَاد بذلك منع نزلة إِذا كثرت بل وَلَا بزرقطونا إِلَّا مَا شَاءَ الله وَلذَلِك يجب أَن تتعهّد ترطيب الْمَادَّة وإنضاجها إِذا كَانَت غَلِيظَة أَو لزجة وَلَا تقتصر على تلطيف أَو تقطيع ساذج بل رُبمَا أدّى عنفه وعصيان الْمَادَّة إِلَى جِرَاحَة فِي الرئة فَإِن جَمِيع مَا يدر يضرّ هَذِه الْعلَّة من حَيْثُ يدرّ لإخراجه الرَّقِيق من الرُّطُوبَة وَإِذا أحسست مَعَ الربو بغلظ فِي الكبد فَيجب أَن تخلط بالأدوية الصدرية أدوية من جنس الغافت والأفسنتين. وَالَّذِي يجمع بَين الْأَمريْنِ جمعا شَدِيدا هُوَ مثل قوّة الصَّبْغ والزراوند أَيْضا وَإِذا كَانَ المعالج صَبيا فَيجب أَن تخلط الْأَدْوِيَة بِلَبن أمه وتكفيهم الْأَدْوِيَة المعتدلة مثل الرازيانج الرطب مَعَ اللَّبن. وَمِمَّا يعين على النضج والنفث مرقة الديك الْهَرم. وَمن التَّدْبِير النافع لَهُم أَن يسْتَعْمل دلك الصَّدْر وَمَا يَلِيهِ بِالْأَيْدِي والمناديل الخشنة خَاصَّة إِذا كَانَ هُنَاكَ نفس الانتصاب دلكا معتدلاً يَابسا من غير دهن إِلَّا أَن يَقع إعياء فيستعمل بالدهن وَيجب أَن يسْتَعْمل فِي بعض الْأَوْقَات القيصوم والنطرون ويدلك بِهِ دلكا شَدِيدا. وَإِن كَانَت الْمَادَّة كَثِيرَة فَلَا بُد من تنقية بمسهل متّخذ من مثل بزر الأنجرة والبسفانج وفثاء الْحمار وشحم الخنظل. وَمن التَّدْبِير فِي ذَلِك بعد التنقية والقيء اسْتِعْمَال الصَّوْت وَرَفعه متدرّجاً فِيهِ إِلَى قُوَّة وَطول. وَمن التَّدْبِير فِي ذَلِك اسْتِعْمَال الْقَيْء المتّصل وخصوصاً بعد كل الفجل وَشرب أَرْبَعَة دَرَاهِم من البورق مَعَ وزن خمس أَوَاقٍ من شراب الْعَسَل وَذَلِكَ إِذا قويت العلّة. صَعب الْأَمر. والخربق الْأَبْيَض نَافِع جدا وَهُوَ فِي أمراض الصَّدْر مَأْمُون غير مخوف. والأصوب أَن يُؤْخَذ قطع من الخربق فيغرز فِي الفجل وَيتْرك كَذَلِك يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ ينْزع عَنهُ ويؤكل ذَلِك الفجل وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الْخَرْدَل فيغرز فِي الفجل وَيتْرك كَذَلِك يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ ينْزع عننه ويؤكل ذَلِك الفجل وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الْخَرْدَل وَالْملح من كل وَاحِد وزن دِرْهَم وَمن البورق الأرمني نصف دِرْهَم وَمن النطرون دانق يسقى فِي خَمْسَة أساتير مَاء وَعَسَلًا وَمِقْدَار الْعَسَل فِيهِ أُوقِيَّة. وَمن التَّدْبِير فِي ذَلِك إدامة تليين الطبيعة ويعينهم على ذَلِك تنَاول الْكبر المملّح قبل الطَّعَام والطريخ الْعَتِيق ومرقة الديك الْهَرم مَعَ لبّ القرطم واللبلاب والسلق فَإِن لم يلن بذلك سقِِي مَاء الشّعير شَدِيد الطَّبْخ فِيهِ قَلِيل أَو فربيون.(2/317)
والأفتيمون شَدِيد النَّفْع فِي هَذِه الْعلَّة. فَإِن اتخذ من مَاء طبخ فِيهِ الأفتيمون مَاء عسل. كَانَ شَدِيد النَّفْع وَكَذَلِكَ ليتناول مِنْهُ مِثْقَال بالميبختج. وَكَذَلِكَ طبيخ التِّين والفوذنج والسذاب فِي المَاء يتَّخذ مِنْهُ مَاء الْعَسَل. وَأَيْضًا طبيخ الحلبة بِالتِّينِ السمين مَعَ عسل كثير يسْتَعْمل قبل وَمن التَّدْبِير فِي ذَلِك رياضة يتدرّج فِيهَا من بطء إِلَى سرعَة لِئَلَّا تحدث فيهم المعاجلة اختناقاً لتحريكها الْمَادَّة بعنف. وَأما اغتذاؤهم فَيجب أَن يكون بعد مثل مَا ذَكرْنَاهُ من الرياضة وَيكون خبزهم خبْزًا نضيجاً متوبلاً من عجين خمير ونقلهم الملطّفات الَّتِي يَقع فِيهَا حبّ الرشاد وزوفا وصعتر وفوذنج ودسومة أطعمتهم من شحوم الأرانب والأيايل والغزلان والثعالب خَاصَّة وَلَا سِيمَا رئاتها فَإِن رئة الثَّعْلَب دَوَاء لهَذِهِ الْعلَّة إِذا جفف وسُقي مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ. وَكَذَلِكَ رئة الْقُنْفُذ الْبري. وَأما لحمانهم فَمثل السّمك الصخوري النَّهْرِي دون الآجامي وَمثل العصافير والحجل والدرّاج. ومرقة الديوك تنفعهم. وَقد يَقع لِسَان الْحمل فِي أغذية أَصْحَاب الربو. وَأما شرابهم فَلْيَكُن الريحاني الْعَتِيق الرَّقِيق الْقَلِيل الْمِقْدَار فَأَما إِذا أَرَادوا أَن يكثروا النضج ويعينوا على النفث فليأخذوا مِنْهُ الرَّقِيق جدا. وشراب الْعَسَل يَنْفَعهُمْ أَيْضا. وَفِي الْخُمُور الحلوة المعانة بأَشْيَاء ملطفة تُضَاف إِلَيْهَا مَنْفَعَة لَهُم لما فِيهَا من الْجلاء والتليين والتسخين المعتدل. وَيجب أَن يساعدوا بَين الطَّعَام وَالشرَاب وَلَا يرووا من المَاء دفْعَة بل دفعات وَأما الْأُمُور الَّتِي يجب أَن يجتنبوها فَمن ذَلِك الحمّام مَا قدرُوا وخصوصاً على الطَّعَام وَالنَّوْم الْكثير وخصوصاً نوم النَّهَار. وَالنَّوْم على الطَّعَام أضرّ شَيْء لَهُم إِلَّا أَن يصيبهم فَتْرَة شَدِيدَة وإعياء وحرارة فليناموا حِينَئِذٍ نوماً يَسِيرا وَيجب أَن يجتنبوا كلَ حَبَّة فِيهَا نفخ وَأَن يجتنبوا الشَّرَاب على الطَّعَام كَانَ مَاء أَو شرابًا. والأدوية المسهلة القوية الَّتِي تلائمهم فَمثل أَن يسقوا من الجاوشير وشحم الحنظل من كل وَاحِد نصف دِرْهَم بِمَاء الْعَسَل أَو جندبادستر مَعَ الأشقّ وَحب الغاريقون لَا بُد من اسْتِعْمَاله فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ إِذا قويت الْعلَّة. ونسخته: غاريقون ثَلَاثَة أصل السوسن وَاحِد فراسيون وَاحِد تَرَبد خَمْسَة أيارج فيقرا أَرْبَعَة شَحم حنظل وأنزلوت من كل وَاحِد دِرْهَم مر دِرْهَم تعجن بميبختج والشربة وزن دِرْهَمَيْنِ. وَأَيْضًا شَحم حنظل نصف مِثْقَال أنيسون سدس مِثْقَال يعجن بِالْمَاءِ ويحبّب وَيسْتَعْمل بعد اسْتِعْمَال الحقنة الساذجة قبله بِيَوْم وَهِي الَّتِي تكون من مثل مَاء السلق ودهن السمسم والبورق وَمَا يجْرِي مجْرى ذَلِك. وَأَيْضًا شَحم الحنظل دانقين بزر أنجرة دِرْهَم أفتيمون نصف دِرْهَم يعجن بِمَاء الْعَسَل وَهُوَ شربة ينْتَظر عَلَيْهَا ثَلَاث سَاعَات ثمَّ يسقون أُوقِيَّة أَو ثَلَاث أَوَاقٍ مَاء الْعَسَل. وَأَيْضًا شَحم حنظل والشيح بِالسَّوِيَّةِ بورق نصف جُزْء وأصل السوسن جُزْء ويحبّب. والشربة مِنْهُ من نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَمَيْنِ ينْتَظر سَاعَة ويسقى نصف قوطولي مَاء الْعَسَل.(2/318)
وَأَيْضًا خَرْدَل مِثْقَال ملح الْعَجِين نصف مِثْقَال عصارة قثّاء الْحمار نصف مِثْقَال يتّخذ مِنْهُ ثَمَانِيَة أَقْرَاص وَيشْرب يَوْمًا قرصاً وَيَوْما لَا وليشربه بِمَاء الْعَسَل فَإِن هَذَا يَلِيق الطبيعة وينفث بسهولة. وَأما سَائِر الْأَدْوِيَة فَيجب أَن ينْتَقل فِيهَا وَلَا يواصل الدَّوَاء الْوَاحِد دَائِما مِنْهَا فتألفه الطبيعة. وَأَيْضًا بَين الْأَدْوِيَة والأبدان مناسبات لَا تحرّك إلاّ بالتجربة فَإِذا جربت فَالْزَمْ الأنفع. وَيجب أَن تراعي جِهَة مصب الْمَادَّة فَإِن كَانَ من الرَّأْس فدبر الرَّأْس بالعلاج الْمَذْكُور للنوازل مَعَ تَدْبِير تنقية الْخَلْط وَرُبمَا وَقع فِيهَا المخدرات. والطين الأرمني عَجِيب فِي منع النَّوَازِل. وَأما تفاريق الْأَدْوِيَة فَمثل دَوَاء ديسقوريدس وَمثل الزراوند المدحرج يسقى مِنْهُ كل يَوْم نصف دِرْهَم مَعَ المَاء أَو مثل سكبينج مَعَ شراب والأبهل وَجوز السرو وَأَيْضًا الفاشرستين والناشر أَرْبَعَة دوانيق وَنصف بِمَاء الْأُصُول وَأَيْضًا الْخلّ المنقوع فِيهِ بزر الأنجرة مرَارًا أَو وزن دِرْهَمَيْنِ بزر الْحَرْف مقطّراً عَلَيْهِ دهن لوز حُلْو أَو أصل الفوّة نصف وَربع مَعَ سكنجبين عنصلي فَإِن سكنجبين العنصل نَافِع جدا. والعنصل المشوي نَفسه خُصُوصا مَعَ عسل وزراوند مدحرج والفوتنجين والشيح والسوسن وكمافيطوس وجندبادستر. وَأَيْضًا مطبوخ قنطوريون والقنطوريون بصنفيه نَافِع لَهُم فِي حَالين: الغليظ عِنْد الْحَرَكَة وَفِي الِابْتِدَاء وَالرَّقِيق عِنْد السّكُون وَفِي الْأَوَاخِر يتّخذ لعوقا بِعَسَل. وَأَيْضًا علك الأنباط وَحده أَو مَعَ قَلِيل عاقرقرحا وبارزد وجاوشير قوي جدا من هَذِه العلّة إِلَّا أَنه مِمَّا يجب أَن تتّقى غائلته الْعَظِيمَة بالعصب. ودواء الكبريت شَدِيد النَّفْع لهَذَا. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الْحَرْف والسمسم من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الزوفا الْيَابِس سَبْعَة دَرَاهِم والشربة بِقدر الْمُشَاهدَة وَأَيْضًا رئة الثَّعْلَب يابسة خَمْسَة فوتنج جبلي أَرْبَعَة بزر كرفس وساذج من كل وَاحِد ثَمَانِيَة حَماما وفلفل من كل وَاحِد أَرْبَعَة بزر بنج اثْنَان وَيُؤْخَذ عصارة بصل العنصل بِمِثْلِهَا عسلاً ويعقد على فَحم ويسقى مِنْهُ بنطرون قبل الطَّعَام وَمثله بعده. وَأَيْضًا فوتنج وحاشا وإيرسا وفلفل وأنيسون يعجن بِعَسَل وَيسْتَعْمل قدر البندقة بكرَة وَعَشِيَّة. وَأَيْضًا فوتنج وحاشا وإيرسا وفلفل وأنيسون يعجن بِعَسَل وَيسْتَعْمل قدر البندقة بكرَة وَعَشِيَّة. وَأَيْضًا جعدة وشيح أرمني وكمافيطوس وجندبادستر وكندر وزوفا من كل وَاحِد مِثْقَال يخلط بِعَسَل وَهُوَ شربتان. أَو بورق أَرْبَعَة فلفل أَبيض اثْنَان أنجدان ثَلَاثَة أشقّ اثْنَان يعجن بميبختج. والشربة مِنْهُ قدر باقلاة بِمَاء الْعَسَل. أَو جندبادستر وزراوند مدحرج وأشقّ من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ فلفل عشر حبات تخلطه بربّ الْعِنَب. والشربة مِقْدَار باقلاة فِي السكنجبين. وَأَيْضًا فراسيون وقسط وميعة وَحب صنوبر من كل وَاحِد مِثْقَال جعدة وجندبادستر من كل وَاحِد مِثْقَال فلفل أَبيض وعصارة قثاء الْحمار من كل وَاحِد نصف يعجن بِعَسَل والشربة مِنْهُ قدر باقلاة بِمَاء الْعَسَل المسخّن.(2/319)
وَأَيْضًا خَرْدَل وبورق من كلّ وَاحِد جزآن وفوتنج نهري وعصارة قثاء الْحمار من كل وَاحِد جُزْء يعجن بخلّ العنصل. والشربة مِنْهُ مِقْدَار كرسنّة بِمَاء الشهد على الرِّيق. وَأَيْضًا شيح وأفسنتين وسذاب معجوناً بِعَسَل أَو تطبخ هَذِه الْأَدْوِيَة بِعَسَل أَو يعْقد السلاقة بالعسل. وَالْأول يسقى بالسكنجبين أَو طبيخ الفوتنج بِاللَّبنِ وخصوصاً إِذا كَانَ هُنَاكَ حرارة. وَاعْلَم أَن الراسن وماءه شَدِيد النَّفْع من هَذِه الْعلَّة. وَمن الْأَدْوِيَة القوية فِيهَا: الزرنيخ بالراتينج يتّخذ مِنْهُ حبّ للربو ويسقى الزرنيخ بِمَاء الْعَسَل أَو الكبريت بالنمبرشت. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة الْقَرِيبَة الِاعْتِدَال: الكمون بخلّ ممزوج وَهُوَ نَافِع جدا لنَفس الانتصاب وَأَيْضًا لعاب الْخَرْدَل الْأَبْيَض بِمثلِهِ عسل يطْبخ لعوقاً وَيسْتَعْمل وَعند شدَّة الاختناق وضيق النَّفس يُؤْخَذ من البورق أَرْبَعَة دَرَاهِم مَعَ دِرْهَمَيْنِ من حرف مَعَ خمس أَوَاقٍ مَاء وَعَسَلًا فَإِنَّهُ ينفع من سَاعَته وَهُوَ نَافِع من عرق النسا والأدهان الَّتِي تقطر على أشربتهم دهن اللوز الحلو والمرّ ودهن الصنوبر. والمروخات فَمثل دهن السوسن ودهن الْغَار يمزج بِهِ الصَّدْر وَكَذَلِكَ دهن الشبث. وَأما التدخّن. فبمثل الزرنيخ والكبريت يدخّن بهما شَحم وَأَيْضًا الميعة السائلة والبارزد وَالصَّبْر الأسقوطري. وَأَيْضًا زرنيخ وزراوند طَوِيل يسحقان ويعجنان بشحم الْبَقر ويتخذ مِنْهُ بَنَادِق ويبخّر مِنْهُ بدرهم عشرَة أَيَّام كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات. وَأما الْكَائِن من الربو وضيق النَّفس بِسَبَب أبخرة دخانية يستولي على الْقلب وَعَن أخلاط تكون فِي الشرايين فقد ينْتَفع فيهمَا بالفصد وأولاه من الْجَانِب الْأَيْسَر. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الرّيح فالقصد فِي علاجه أَمْرَانِ: أَحدهمَا تَحْلِيل الرّيح بِرِفْق وَذَلِكَ بالملطّفات الْمَعْلُومَة وَالثَّانِي تفتيح السدد ليجد العَاصِي عَن التَّحْلِيل مِنْهَا منفذاً. وَمِمَّا ينفع ذَلِك التمريخ أَيْضا بدهن الناردين ودهن الْغَار ودهن السذاب. وَمن الأضمدة النافعة الشبث والبابونج والمرزنجوش مطبوخات يُكمّد بهَا الصَّدْر والجنبان. وَمن المشروبات الشجرينا والأمروسيا وَأَيْضًا السكبينج والجاوشير الشربة من أَيهمَا كَانَ مِثْقَال. وَأما الْكَائِن من الربو وضيق النَّفس بِسَبَب النَّوَازِل فَيجب أَن يشْتَغل بعلاج منع النَّوَازِل وتفتيت مَا اجْتمع. وَأما المظنّون من ضيق النَّفس أَنه بِسَبَب الأعصاب وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ ضرب من عسر النَّفس وَمن سوء النَّفس لَيْسَ من بَاب ضيق النَّفس فقد ذكرنَا علاجه فِي بَاب عسر النَّفس. وَأما الْكَائِن عَن النَّفس فينفع مِنْهُ شِرب ألبان الأتن والمعز والعصارات والأدهان الْبَارِدَة المرطبة ودهن اللوز فِي الإحساء الرّطبَة وَالشرَاب الرَّقِيق المزاج وهجر المسخّنات بِقُوَّة والمحللات والمجففات مِمَّا عملت. ويوافقهم الأطلية المرطّبة والمراهم(2/320)
والمروّخات الناعمة. وَأما ضيق النَّفس الْكَائِن بِسَبَب الْحَرَارَة وَيُوجد مَعَه التهاب فَيجب أَن يسْتَعْمل فِيهَا المراهم المبردة والقيروطات المبرّدة وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ ضرب من سوء النَّفس لَا ضيق النَّفس وشراب البنفسج وَمَاء الشّعير نَافِع فِيهِ. وَأَن الْكَائِن عَن الْبرد فالمسخنات المشروبة والمطلية وطبيخ الحلبة بالزيت نَافِع. فصل فِي سَائِر أَصْنَاف سوء النَّفس إِن كَانَ السَّبَب فِي سوء التنفس حرارة الْقلب اسْتعْملت الْأَدْوِيَة المبردة مشروبة وطلاء وَإِن كَانَ السَّبَب كَثْرَة البخارات الَّتِي فِي الْقلب نَفسه أَو الَّتِي تَأتي الرئة من مَوَاضِع أُخْرَى فافصد الباسليق وَاسْتعْمل الاستفراغ بِمَاء الْجُبْن الْمُتَّخذ بالكسنجبين مَعَ أيارج فيقرا وَاسْتعْمل دلك الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. وَإِن كَانَ السَّبَب رُطُوبَة معتدلة إِلَّا أَنَّهَا سادة فَاسْتعْمل مَا يجلو مثل حب الصنوبر والجوز وَالزَّبِيب وينفع من سوء التنفّس الرطب سكّرجة من مَاء الباذروج أَو من مَاء السذاب. وَإِن كَانَ السَّبَب رُطُوبَة غَلِيظَة فَاسْتعْمل المنقيات الْمَذْكُورَة القوية الْجلاء كالعنصل والزوفا وَنَحْوه. وَنَرْجِع إِلَى مَا قيل فِي بَاب الربو وَمَا عدّ فِي الصدريات وَإِن كَانَت الأبخرة والرطربات تَأتي من مَوَاضِع أُخْرَى عولج الدِّمَاغ مِنْهَا بعلاج النزلة وتنقية الرَّأْس إِلَّا أَن تكون النزلة من ضعف جَوْهَر الدِّمَاغ فَلَا علاج لَهُ وعولج مَا يَأْتِي من مَوَاضِع أُخْرَى بعد الفصد والاستفراغ وَتقبل على تَقْوِيَة الصَّدْر بِمثل الزراوند والأسقورديون والاسطوخودس والديافود الساذج والمقوى نافعان جدا فِي تَقْوِيَة الرَّأْس. وَإِن كَانَ بِسَبَب الأعصاب فَاسْتعْمل مَا يقوّيها ويقوّي الرّوح مثل الأدهان العطرية. وَإِن كَانَ الورم فِي المريء أَو سوء مزاج عولج ذَلِك بِمَا قيل فِي بَابه. وَإِن كَانَ بمشاركة الْمعدة نقّيت الْمعدة وقوّيت بِمَا نذكرهُ فِي بَابه. وَإِن كَانَ من برد فَاسْتعْمل مثل الشجرينا والأمروسيا والأنقرديا. وَإِن كَانَ من يبس فَاسْتعْمل مثل الفانيذ بِاللَّبنِ الحليب وَمَا قيل فِي أَبْوَاب أُخْرَى. وَإِن كَانَ من ريَاح اسْتعْملت الكمّادات الْمَذْكُورَة فِي بَاب الربو والضمّادات وَغَيرهَا. وَاعْلَم أَن الزَّعْفَرَان من جملَة الْأَدْوِيَة النافعة من سوء التنفس وعسره لتقويته آلَات التنفّس وتسهيله للنَّفس حَسْبَمَا يَنْبَغِي. فصل فِي عسر النَّفس من هَذِه الْجُمْلَة ومعالجاته إِن كَانَ ذَلِك من رُطُوبَة فان جالينوس يَأْمر بدواء العنصل المعجون بالعسل فِي كل شهر مرَّتَيْنِ والشربة سِتَّة وَثَلَاثُونَ قيراطاً وَالْيَوْم الَّذِي يَأْخُذ فِيهِ لَا يتكلّم وَلَا يَتَحَرَّك قبل ذَلِك الْيَوْم بيومين وَفِي السَّاعَة السَّابِعَة يتَنَاوَل الْخبز بِالشرابِ الممزوج وبالعشي صفرَة(2/321)
الْبيض مَعَ لب الْخبز وَمن الْغَد فروجاً صَغِيرا يتَّخذ مِنْهُ مرقاً ويستحم من عَشِيَّة الْغَد. فَإِن لم يزل بِهَذَا اسْتعْمل معجون البسذ ودواء أندروماخس خُصُوصا إِذا تطاولت الْعلَّة. وَإِن كَانَ السَّبَب من الرَّأْس اسْتعْمل غسل الرَّأْس كل أُسْبُوع مرَّتَيْنِ بصابون وبورق ويستكثر من المعطسات ويتغرغر بِرَبّ التوث مَعَ الصَّبْر والمر يسْتَعْمل رياضة التمريخ على الظّهْر وَيسْتَعْمل ربط السَّاق مبتدئاً من فَوق إِلَى أَسْفَل وَيسْتَعْمل المنقيات الْمَذْكُورَة وحباً بِهَذِهِ الصّفة وَهُوَ أَن يُؤْخَذ شيح وقضبان السذاب وحشيش الأفسنتين يحبّب كل يَوْم حبتين كالحمص وَبعد السكنجبين وخصوصاً العنصلي. وَأَيْضًا يُؤْخَذ جندبادستر وشيح من كل وَاحِد جُزْء أفسنتين وكمون من كل وَاحِد نصف جُزْء ويحبّب كالحمص. ولعوق الكرنب جيد لَهُم. وَأَيْضًا يُؤْخَذ كلس العلق الَّذِي تَحت الجرار إِذا أحرق فِي كوز خزف حَتَّى يترمد ويخلط بِعَسَل وَيسْتَعْمل مِنْهُ كل يَوْم ملعقة. وَهَذِه الْوُجُوه كلهَا تَنْفَع إِذا كَانَ السَّبَب عصبياً. وَأما إِن كَانَ من حرارة فَهَذَا القرص نَافِع جدا وَهُوَ أَن يُؤْخَذ ورد ستبة أصل السوسن أَرْبَعَة عشرَة أَمِير بارس اثْنَان لَك وراوند مصطكى وصمغ وكثيراء وَرب سوس وبزر الْخَبَّازِي من كل وَاحِد دِرْهَم عصارة الغافت وعصارة الأفسنتين والسنبل الأنيسون وبزر الرازيانج من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم زعفران نصف دِرْهَم بزر الْخِيَار والقثاء والقرع والبطيخ من كل وَاحِد دِرْهَم وَيجب أَن يسْتَعْمل الاستفراغ بِمَا يخرج الأخلاط الحارة. وَأما إِن كَانَ بِسَبَب ضعف منابت العصب أَو آفَة فَيجب أَن يعالج بِمَا يُقَوي الرّوح الَّذِي فِي العصب والأدهان الحارة العطرة مثل دهن النرجس والسوسن والرازقي والأدهان المتخذة بالأفاويه والقيروطيات المتخذة من تِلْكَ الأدهان ودهن الزَّعْفَرَان. والزعفران نَفسه غَايَة فِي الْمَنْفَعَة. وَإِن كَانَ السَّبَب ضَرْبَة أَصَابَت منابت تِلْكَ لأعصاب عَالَجت بِمَا يَنْبَغِي من مَوَانِع الورم. الْمقَالة الثَّانِيَة الصَّوْت الصَّوْت فَاعله العضل الَّتِي عِنْد الحنجرة بِتَقْدِير الْفَتْح وَيدْفَع الْهَوَاء الْمخْرج وقرعه وآلته الحنجرة والجسم الشبيه بِلِسَان المزمار وَهِي الْآلَة الأولى الْحَقِيقِيَّة وَسَائِر الْآلَات بواعث ومعينات وباعث مادته الْحجاب وعضل الصَّدْر ومؤدّي مادته الرئة ومادته الْهَوَاء الَّذِي يموج عِنْد الحنجرة. وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالآفة تعرض لَهُ أما من الْأَسْبَاب الفاعلة وَأما بِسَبَب الْبَاعِث للمادة. وآفته إِمَّا بطلَان وَإِمَّا نُقْصَان وَإِمَّا تغيّر بحوحة أَو حدّة أَو ثقل أَو خشونة أَو ارتعاش أَو غير ذَلِك. وكل وَاحِد من هَذِه الْأَسْبَاب إِنَّمَا يعتلّ إِمَّا لسوء مزاج مُفْرد أَو مَعَ مَادَّة وخصوصاً من نزلة تعرض للحنجرة أَو لما يعرض لَهَا من انحلال فَرد أَو انْقِطَاع أَو ورم أَو وجع أَو ضَرْبَة أَو سقطة.(2/322)
وَقد تكون الآفة فِيهِ نَفسه وَقد تكون بشركة المبدأ الْقَرِيب من الأعصاب الَّتِي تتشظى إِلَى تِلْكَ العضل ومباديها أَو الْبعيد كالدماغ وَقد تكون بشركة الْعُضْو المجاور من أَعْضَاء الْغذَاء أَو أَعْضَاء النَّفس أَو الْمُحِيط بهما من الْبَطن والصدر والمتصل بهما من خرزة الفقار أَو من الحنك فَإِن تغيره إِلَى رُطُوبَة أَو إِلَى يبوسة وخشونة قد تغيّر الصَّوْت. وَمن هَذَا الْقَبِيل قطع اللهاة واللوزتين فَإِن صَاحبهَا إِذا صَوت أحسّ كالدغدغة القوية الملجئة إِلَى التنحنح وَرُبمَا انسدت حُلُوقهمْ عِنْد كل صياح. وَأما من جِهَة المؤدّي فَإِن الصَّوْت يتَغَيَّر بِشدَّة حر الرئة أَو بردهَا أَو رطوبتها وسيلان الْقَيْح إِلَيْهَا من الأورام أَو سيلان النَّوَازِل إِلَيْهَا أَو يبوستها. فالحرارة تعظم الصَّوْت والبرودة تخدره وتصغّره واليبوسة تخشنه وتشبهه بأصواب الكراكي والرطوبة تبحّه والملاسة تعدّل الصَّوْت وتملّسه. وَإِذا امْتَلَأت الرئة رُطُوبَة وَلم تكن القصبة نقية لم يُمكن الْإِنْسَان أَن يصوت صَوتا عَالِيا وَلَا صافياً لِأَن ذَلِك بِقدر صفاء الرئة والحنجرة وضد صفائها. وَقد يخْتَلف الصَّوْت فِي ثقله وَخِفته بِحَسب سَعَة قَصَبَة الرئة وضيقها وسعة الحنجرة وضيقها وَإِذا اشتدت الْآفَات الْمَذْكُورَة فِي الْأَعْضَاء الباعثة والمؤدية بَطل الصَّوْت وَلم يجب أَن يبطل الْكَلَام فَإِن الْكَلَام قد يتم بِالنَّفسِ المعتدل كَرجل كَانَ أصَاب عصبه الرَّاجِع عِنْد الْحَاجة إِلَى كشفه بالحديد برد فَذهب صَوته وَالْآخر عولج فِي خنازير فَانْقَطَعت إِحْدَى العصبتين الراجعتين فَانْقَطع نصف صَوته. وَإِذا كَانَت الآفة بالعضل المثنية صَار الصَّوْت أبح وَإِذا كَانَت بالعضل المحرّكة الباسطة كَانَ الصَّوْت خناقياً بل رُبمَا حدث مِنْهُ خناق وَإِذا كَانَت بالعضل المحرّكة القابضة صَار الصَّوْت نفخياً وَإِذا بَطل فعلهَا بَطل الصَّوْت وَإِذا حدث فِيهَا استرخاء غير تَامّ وَحَالَة شَبيهَة بالرعشة ارتعش الصَّوْت وَإِذا لم تبلغ الرُّطُوبَة أَن ترخي أبحت الصَّوْت فالبحّة إِذا عرضت تعرض عَن رُطُوبَة وَلَو كثرت قَلِيلا أرعشت وَلَو كثرت كثيرا أبطلت. وَقد يبح الصَّوْت لسعة آلَات التصويت فَيحدث بهَا إعياء أَو تورّم وتوتّر. وأردؤه مَا كَانَ على الطَّعَام وَقد يبح للبرد الخشن وللحر المفرط بِمَا ييبسان المزاج وَكَذَلِكَ السهر والأغذية المخشنة ويبح لِكَثْرَة الصياح وتجلب بلة بِسَبَبِهَا إِلَى الطَّبَقَة المغشية للحلق والحنجرة. والبحوحة الَّتِي تعرض للمشايخ لَا تَبرأ وَإِذا كَانَ الصَّيف شمالياً يَابسا. وخريفه جنوبي مطير فَإِن البحوحة تكْثر فِيهِ. والدوالي إِذا ظَهرت كَانَت كثيرا من أَسبَاب صَلَاح الصَّوْت. وَاعْلَم أَن الناقهين والضعاف والمتخاشعين المتشبهين بالضعفاء لقلّة قوتهم كَأَنَّهُمْ(2/323)
يعجزون عَن التصريف فِي هَوَاء كثير فيضيقون الحنجرة حَتَّى يحتد صوتهم وَإِذا اجْتهد الضَّعِيف أَن يُوسع حنجرته ويثقل صَوته لم يسمع الْبَتَّةَ. علاج انْقِطَاع الصَّوْت: إِن كَانَ لسوء مزاج فِي بعض العضل أَو آفَة عولج بِمَا يجب فِي بَابه مِمَّا عَلمته وَمن أحس بابتداء انْقِطَاع الصَّوْت وَجب أَن يُبَادر بالعلاج قبل أَن يقوى فَيَأْخُذ من صفرَة بَيْضَة مسلوقة وسمسماً مقشراً ولبناً حليباً من كل وَاحِد ملعقة ويسقى بِالْمَاءِ كل يَوْم ثَلَاثَة أَيَّام. وَيجب أَن يتحسى مَا ينطبخ فِي بَاطِن الرمانة الأمليسية الحلوة المطبوخة المدفونة فِي رماد حَار وَتُؤْخَذ عَنهُ إِذا لانت ويقلع أَعْلَاهَا ويصبّ مَا فِيهَا بالمخوض وَيصب فِيهِ قَلِيل مَاء السكر وَيشْرب. وَإِن كَانَت من رُطُوبَة فِي العضل الْقَرِيبَة من الحنجرة أَو الحنجرة بالغت فِي الإرخاء وَلَا يكون هُنَاكَ وجع وَيكون كدورة وَثقل فَيجب أَن يُؤْخَذ تين يَابِس وفوتنج ويطبخان ثمَّ يخلط الصمغ الْعَرَبِيّ المسحوق بسلاقتهما حَتَّى يصير كالعسل ويلعق أَو يُؤْخَذ مرّ وزعفران بعقيد الْعِنَب أَو يُؤْخَذ زعفران ثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف ربّ السوس وكُندر من كل وَاحِد دِرْهَم يجمع بِرَبّ الْعِنَب أَو بِعَسَل ويعقد أَو يُؤْخَذ من الزَّعْفَرَان وَاحِد وَمن الحلتيت نصف وَمن الْعَسَل ثَلَاثَة يطْبخ حَتَّى ينْعَقد ويحبّب ويمسك تَحت اللِّسَان. ولعوق الكرنب نَافِع لَهُم أَيْضا. ومضغ قضبان الكرنب الرطب وتجرعّ مَائه قَلِيلا قَلِيلا نَافِع. وَإِذا لم ينجع لعوق الكرنب جعل عَلَيْهِ قَلِيل حلتيت ودقيق الكرسنة والحلبة والكراث الشَّامي والنبطي والبصل وعصارته والثوم والفستق وَالْعِنَب الحلو الشتوي نافعة. وَأَيْضًا يُؤْخَذ الزنجبيل المربى بِاللَّبنِ الْبَالِغ فِي التربية ويدق حَتَّى يصير مثل المح ويلقى عَلَيْهِ نصفه دَار فلفل مسحوقاً كالكحل وربعه زعفران كَذَلِك وَمثل الْجَمِيع نشَاء ويسحق ويعجن بالطبرزد المحلول الْمُقَوّم أَو بالعسل وَهُوَ منقّ جدا. وَمن الأغذية مَا يُقَوي الْجَنِين مثل الأكارع خُصُوصا أكارع الْبَقر يَأْكُل مِنْهَا العصب فَقَط وخصوصاً بِعَسَل أَو مطبوخة بالعسل وَإِن كَانَ من يبس وخصوصاً بمشاركة المري وعلامته أَن لَا يكون مَعَ البحّة عظم بل صغر وَحده وصفاء مَا وَيكون مَعَ خشونة ووجع فَيجب أَن يُؤْخَذ عِنْد النّوم ملعقة من دهن بنفسج طري مذاب بالسكّر الطبرزد وينفعه لعاب بزرقطونا بِمَاء سكّر كثير والأغذية المرطّبة الملينة ومرق الدَّجَاج إسفيذباجات ومرق الْبُقُول الْمَعْلُومَة والتين نَافِع لانْقِطَاع الصَّوْت كَانَ من رُطُوبَة أَو يبوسة ودواء التِّين المتّخذ بالفوتنج والاستلقاء نَافِع لضعف الصَّوْت وبحّته. قد علمت أَسبَاب البحة فَاعْلَم أَن من بُحَّ صَوته فَيجب أَن يجْتَنب كل حامض مالح خشن وحاد حريف إِلَّا أَن يُرِيد بذلك العلاج والتقطيع فيستعملها مخلوطة بأدوية(2/324)
ليّنة فَإِن عرضت البحة من كَثْرَة الصياح أَخذ التِّين والنعنع وَالصَّبْر أَجزَاء سَوَاء ويعجن بالميبختج ويتحسّى من لباب الْقَمْح وكشك الشّعير ودهن اللوز والزعفران وَيسْتَعْمل طلاء الْعِنَب. وينفعه مَا قيل فِي انْقِطَاع الصَّوْت خُصُوصا دَوَاء الحلتيت بالزعفران وَإِن كَانَ هُنَاكَ حرارة فرق السرمق وَالْخيَار وَمَاء الشّعير وحبّ القثاء واللوز والنشاء. وَإِن كَانَ السَّبَب بردا انْتفع أَيْضا بدواء الحلتيت والزعفران الْمَذْكُور وَأَن يَأْخُذ من الْخَرْدَل المقلو ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الفلفل وَاحِدًا وَمن الكرسنة وَمن اللبني والقنّة من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم ويتخذ مِنْهُ حبا ويمسكه تَحت اللِّسَان أَو يَأْخُذ من المرّ وزن دِرْهَمَيْنِ وَمن اللبان عشرَة وَتجمع بطلاء. وَإِن كَانَ من صياح وتعب انْتفع بالحمام انْتِفَاع سَائِر أَصْنَاف الأعياء وتنفعهم الأغذية المرخّية والمغرية كاللبن وصفرة الْبيض النيمبرشت بِلَا ملح والأطرية والاحساء الْمَعْرُوفَة ومرق السرمق والخبازى وَمَا أشبهه والحبوب المتخذة من النشاء والكثيراء وربّ السوس والصمغ والحبوب اللّينة المنضجة فَإِنَّهُ إِن كَانَ كالورم تحلل بهَا. وَكَذَلِكَ الغراغر واللعوقات اللّينة من جملَة مَا يعالج بِهِ الخوانيق الحارة. وَكَذَلِكَ الاحساء الَّتِي تجمع إِلَى التغرية جلاء بِلَا لذع مثل الْمُتَّخذ من دَقِيق الباقلا وبزر الكتّان. وَأقوى من ذَلِك صمغ البطم وَيجب لصَاحب هَذِه البحة أَن يهجر الشَّرَاب أصلا وخصوصاً فِي الِابْتِدَاء. وَإِذا كَانَ ورم: فَإِذا تقادم شرب الشَّرَاب الحلو. والفجل الْمَطْبُوخ والمري يَنْفَعهُمْ. وَإِن كَانَ من رُطُوبَة فَلَا بدّ من الجوالي الْمَذْكُورَة فِي انْقِطَاع الصَّوْت. وَجَمِيع تِلْكَ الْأَدْوِيَة تَنْفَعهُ والأحساء المتخذة من دَقِيق الباقلاء وفيهَا دَقِيق الكرسنّة نافعة فِي هَذَا الْبَاب. ودقيق الكرسنّة نَافِع والأشياء الَّتِي فِي الدرجَة الأولى من الْجلاء وَكَذَلِكَ الأطرية وَاللَّبن ثمَّ السّمن وعقيد الْعِنَب وأصل السوس وربّه ثمَّ الباقلا بالعسل وطبيخ التِّين ثمَّ المرّ والعنصل وَمَا يجْرِي مجْراهَا وَإِن كَانَت هَذِه البحوحة الرّطبَة من النَّوَازِل أعْطى صَاحبهَا الخشخاش وربّه وَمِمَّا يصفّي الصَّوْت الخشن والكدر مضغ الكبابة. وَمن الْأَدْوِيَة المزيلة للبحوحة مَاء رمان حُلْو مغلي ثمَّ يقطر عَلَيْهِ دهن البنفسج ويقوّم. كَلَام فِي الْأَدْوِيَة الحافظة لملاسة الصَّوْت المخشنة لَهُ: هِيَ الباقلا وحبّ الصنوبر وَالزَّبِيب والتين والصمغ والحلبة وبزر الكتّان وَالتَّمْر وأصل السوس واللوز وخصوصاً المرّ وقصب السكر والسبستان وشراب الْعَسَل بالميبختج الْمَذْكُور بعد. وَمن الْأَدْوِيَة الحارة المرّ والحلتيت والفلفل والبارزد واللبان وعلك البطم والفوتنج واللبني والراتينج وخل العنصل إِذا لم يكن من حرارة ويبس وأصول الجاوشير. وَمن الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة حبّ القثاء والقرع والنشاء والكثيراء والصمغ ولعاب بزرقطونا والجلاب وربّ السوس. وصفرة الْبيض من أصلح الْموَاد لتركيب سَائِر الْأَدْوِيَة بهَا وَكَذَلِكَ اللَّبن الحليب.(2/325)
(فصل فِي الصَّوْت الخشن وعلاجه)
تعرض خشونة الصَّوْت من الْبرد من توتّر عضل الصَّوْت وَمن حَالَة كالتشنّج تعرض فِيهَا وَمن جفاف رُطُوبَة فِيهَا من كَثْرَة الترنّم وَمن قطع اللهاة وَمن الْجِمَاع والسهر. وعلاجه الحمية من الْأَسْبَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا مرّة وَترك الترنم وَتَنَاول المليّنات الْمَذْكُورَة فِي بَاب البحوحة والتين الرطب واليابس وَالزَّبِيب وخصوصاً المنقع فِي دهن اللوز فنفعه عَظِيم وَالَّذين يعرض لَهُم ذَلِك من قطع اللهاة فَالصَّوَاب لَهُم أَن يطْبخ عقيد الْعِنَب بِمثلِهِ عسلاً طبخاً بِقدر مَا ينْزع بِهِ الرغوة ثمَّ يمزج بِمَاء حَار ويتغرغر بِهِ ويسقى صَاحبه مِنْهُ وعتيقه أَنْفَع من طريه. فصل فِي الصَّوْت الْقصير وَسبب قصر الصَّوْت قصر النَّفس وَيجب أَن يتدرّج فِي تَطْوِيل النَّفس بِأَن يعْتَاد حصر النَّفس ويتدرج فِي الرياضة والصعود والهبوط فِي الروابي والدرج والإحصار المحوج إِلَى التنفس ليتدرج إِلَى تَطْوِيل النَّفس كتطويل الْمكْث أَيْضا فِي الحمّام الْحَار وَفِي كل مَا يَسْتَدْعِي النَّفس وتعجيله وليحبس نَفسه وَيفْعل ذَلِك كُله ويرتاض ويستحمّ وَبعد الْخُرُوج من الحمّام يجب أَن يشرب الشَّرَاب فَإِن الشَّرَاب أغذى للروح وَكَذَلِكَ بعد الطَّعَام وَليكن كثيرا بِنَفس وَاحِد وَالنَّوْم نَافِع لَهُم. فصل فِي الصَّوْت الغليظ قد يعرض من أَسبَاب البحّة المرخّية الموسّعة للمجاري ويعرض من كَثْرَة الصياح. وعلاجه أصعب وَقد يعرض لمن يزاول النفخ الْكثير فِي المزامير وَفِي البوقات خَاصَّة لما يعرض من تقطيع نفسهم واحتباسه فِي الرئة فتتوسع المجاري. فصل فِي الصَّوْت الدَّقِيق هَذَا ضدّ الكدر وأسبابه ضدّ ذَلِك من السهر والإعياء والترنم وخصوصاً بعد الطَّعَام والرياضة المتعبة والاستفراغات. وعلاجه أَن يودع الصَّوْت وَيلْزم الرياضة المعتدلة المخصبة والأغذية المعتدلة وَدخُول الحمّام كل بكرَة ويهجر القوابض والمجفّفات والمياه. فصل فِي الصَّوْت المظلم الكدر هُوَ الَّذِي يشبه صَوت الرصاص إِذا صكّ بعضه بِبَعْض وَسَببه رُطُوبَة غَلِيظَة جدا وَتَنْفَع مِنْهُ الرياضة والمصارعة وَحصر النَّفس والتدلّك الْيَابِس بخرق الْكَتَّان وَدخُول الْحمام وَاسْتِعْمَال فصل فِي الصَّوْت المرتعش يُؤمر صَاحبه أَن لَا يَصِيح وَلَا يرفع صَوته مُدَّة شهر ويقل كَلَامه مَا أمكن وضحكه وَالْحَرَكَة والعدو والصعود والهبوط وَالْغَضَب ويودع الْيَدَيْنِ ويريحهما مَا أمكن ثمَّ(2/326)
ليستلق وليتكلّف الْكَلَام وَقد أثقل صَدره بِمثل الرصاص وضعا فَوق صَدره بِقدر مَا يحْتَمل. وَأفضل الأغذية لَهُ مَا يقوّي جنبه وَهِي العضل والأكارع وَمَا فِيهِ تغرية وَقبض. الْمقَالة الثَّالِثَة السعال وَنَفث الدَّم فصل فِي السعال السعال من الحركات الَّتِي تدفع بهَا الطبيعة أَذَى عَن عضوٍ مَا وَهَذَا الْعُضْو فِي السعال هُوَ الرئة والأعضاء الَّتِي تتصل بهَا الرئة أَو فِيمَا يشاركها. والسعال للصدر كالعطاس للدماغ وَيتم بانبساط الصَّدْر وانقباضه وحركة الْحجاب. وَهُوَ إِمَّا لسَبَب خَاص بالرئة وَإِمَّا على سَبِيل الْمُشَاركَة. وَالسَّبَب الْمُوجب للسعال إِمَّا باد وَإِمَّا وَاصل وَإِمَّا سَابق. فأسباب السعال الْبَادِيَة شَيْء من الْأَسْبَاب الْبَادِيَة تجْعَل أَعْضَاء الصَّدْر مؤفة فِي مزاجها أَو هيئتها مثل برد يُصِيب الرئة والعضلات فِي الصَّدْر أَو غير ذَلِك فتتحرك الطبيعة إِلَى دفع المؤذي أَو لشَيْء من هَذِه الْأَسْبَاب الْبَادِيَة يَأْتِيهَا فيشجنها أَو شَيْء ميبس أَو مخشن مثل غُبَار أَو دُخان أَو طعم غذَاء حامض أَو عفص أَو حريف أَو شَيْء غَرِيب يَقع فِي المجرى الَّتِي لَا تقبل غير النَّفس كَمَا يعرض من السعال بِسَبَب سُقُوط شَيْء من الطَّعَام أَو الشَّرَاب فِي تِلْكَ المجرى لغفلة أَو اشْتِغَال بِكَلَام. وَأما أَسبَاب السعال الْوَاصِلَة فَمثل مَا يعرض من الْأَسْبَاب الْبَدَنِيَّة المسخّنة للمزاج أَو المبردة أَو المرطّبة أَو المجففة بِغَيْر مَادَّة أَو بمادة دموية أَو صفراوية أَو بلغمية رقيقَة أَو غَلِيظَة أَو سوداوية. وَذَلِكَ فِي الْأَقَل. فَإِن كَانَت تِلْكَ الْمَادَّة منصبة من فَوق فَإِنَّهَا مَا دَامَت تنزلق على القصبة كَمَا ينزل الشَّيْء على الْحَائِط لم تهيج كثير سعال فَإِذا أَرَادَت أَن تنصب فِي فضاء القصبة هاج سعال وَكَذَلِكَ إِذا لذعت وَكَذَلِكَ إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الرئة فَأَرَادَتْ الطبيعة أَن تدافعها أَو كَانَت مندفعة من الْمعدة أَو الكبد أَو من بعض أَعْضَاء الصَّدْر إِلَى بَعْضهَا ومتولّدة فِيهَا. وَقد تكون بِسَبَب انحلال الْفَرد وبسبب الأورام والسدد فِي الْحجاب أَو فِي الرئة أَو الْحُلْقُوم وَجَمِيع الْمَوَاضِع الْقَابِلَة لهَذِهِ الْموَاد والآفات من الرئة والحجاب الحاجز وحجاب مَا بَين الْقلب والرئة. وَأما الْأَسْبَاب السَّابِقَة فالامتلاء وتقدّم أَسبَاب بدنية للأسباب الْوَاصِلَة الْمَذْكُورَة. وَأما السعال الْكَائِن بالمشاركة فَمثل الَّذِي يكون(2/327)
بمشاركة الْبدن كُله فِي الحمّيات خُصُوصا مَعَ حمّى محرقة أَو حمّى يَوْم تعبية وَنَحْوهَا أَو وبائية أَو بمشاركة الْبدن بِغَيْر حمى. والسعال مِنْهُ يَابِس وَمِنْه رطب. واليابس هُوَ الَّذِي لَا نفث مَعَه وَيكون إِمَّا لسوء مزاج حَار أَو بَارِد أَو يَابِس مُفْرد. وَقد يكون فِي ابْتِدَاء حُدُوث الأورام الحارة فِي نواحي الصَّدْر إِلَى أَن ينضج وَقد يكون مَعَ الورم الصلب سعال يَابِس جدا وَقد يكون لأورام الكبد فِي نواحي المعاليق وَفِي الأحيان لأورام الطحال وَقد يكون لمُدَّة تملأ فضاء الصَّدْر فَلَا تنْدَفع إِلَّا بالسعال. وَاعْلَم أَنه رُبمَا خرج من السعال شَيْء حجري مثل حمص أَو برد. وَسَببه خلط غليظ تحجره فِيهِ الْحَرَارَة وَقد شهد بِهِ الاسكندر وَشهد بِهِ فولس وَذكر أَنه خرج من هَذَا الصِّنْف فِي النفث وَنحن أَيْضا قد شاهدنا ذَلِك. والسعال الْملح كثيرا مَا يُؤَدِّي إِلَى نفث الدَّم وَقد يكثر السعال فِي الشتَاء وَفِي الرّبيع الشتوي وَرُبمَا كثر فِي الرّبيع المعتدل وَيكثر عِنْد هبوب الشمَال وَإِذا كَانَ الصَّيف شمالياً قَلِيل الْمَطَر وَكَانَ الخريف جنوبياً مطيراً كثُر السعال فِي الشتَاء. العلامات: أما عَلامَة السعال الْبَارِد فتبريده مَعَ الْبرد ونقصانه مَعَ نُقْصَان الْبرد وَمَعَ الحرّ ورصاصية الْوَجْه وَقلة الْعَطش وَرُبمَا كَانَ مَعَ الْبَارِد نزلة فيحسّ نزُول شَيْء إِلَى الصَّدْر وامتداده فِي الْحلق ويقلّ مَعَ جذب الْمَادَّة إِلَى الْأنف وتلقى مَا ينزل إِلَى الْحلق بالتنحنح وَيرى عَلَامَات النزلة من دغدغة فِي مجاري النزلة وتمدّد فِيمَا يَلِي الْجَبْهَة وممدّة فِي المنخرين وَغير ذَلِك وَأَن لَا ينفث فِي أول الْأَمر ثمَّ ينفث شَيْئا بلغمياً نيئاً ثمَّ إِلَى صفرَة وخضرة وَرُبمَا كَانَ مَعَ ذَلِك حمّى. وعلامة الْحَار التهاب عطس وسكونه بالهواء الْبَارِد أَكثر من سكونه بِالْمَاءِ وَحُمرَة وَجه وَعظم نبض. وعلامات الرطب رُطُوبَة جَوْهَر الرئة وعروضه للمشايخ والمرطوبين وَكَثْرَة الخرخرة وخصوصاً فِي النّوم وَبعده. وعلامة الْيَابِس ازدياده مَعَ الْحَرَكَة والجوع وخفّته عِنْد السّكُون والشبع والاستحمام وَشرب المرطّبات. وعلامة الساذج فِي جَمِيع ذَلِك أَن لَا يكون نفث الْبَتَّةَ وعلامة الَّذِي مَعَ الْمَادَّة النفث وَيدل على جنس الْمَادَّة جنس النفث وعلامة مَا يكون عَن الأورام وَنَحْوهَا وجود عَلَامَات ذَات الْجنب وَذَات الرئة الحارين والباردين وَغير ذَلِك مِمَّا نذكرهُ فِي بَابه. وعلامة مَا يكون من التقيح عَلَامَات التقيّح الَّتِي نذكرها ووجع ويبس وَكَثِيرًا مَا يكون رطبا. وعلامة مَا يكون من القروح عَلَامَات ذكرت فِي بَاب قُرُوح الرئة من نفث حشكريشة أَو قيح أَو طَائِفَة من جرم الرئة وَحلق القصبة وَكَونه بعد(2/328)
نَوَازِل أكالة وَبعد نفث الدَّم والأورام. وَأكْثر الْيَابِس يكون إِذا كَانَ هُنَاكَ مَادَّة لضعف الدافعة للنقاء كَمَا تعلم فِي بَابه. وعلامة مَا يكون بالمشاركة إِمَّا مُشَاركَة الْمعدة فِيمَا يعرف من دَلَائِل أمراض الْمعدة وَيزِيد السعال مَعَ تزيد الْحَال الْمُوجبَة لَهُ فِي الْمعدة كَانَ امتلاء أَو خلاء وبحسب الأغذية وَأكْثر ذَلِك يهيج عِنْد الامتلاء وَعند الهضم والكائن بمشاركة الكبد فَيعلم بعلامات الكبد وَإِذا كَانَ الورم حاراً لم يكن بُد من حمى فَإِن لم يكن حاراً لم يكن بدّ من ثقل ثمَّ تَأمل سَائِر الدَّلَائِل الَّتِي تعلمهَا وَاعْلَم أَن الْأَشْيَاء الحارة ترق الْمَادَّة فَلَا تتفث والباردة كشراب الخشخاش والحريرة تجمع الْمَادَّة إِلَى انتفاث إِلَّا أَنَّهَا إِذا أفرطت أجمدت. وشراب الزوفا إِنَّمَا يصلح إِذا أُرِيد جلاء المسعل الغليظ فَنعم الجالي هُوَ. وَأما الرَّقِيق فَلَا وَإِذا لم يكن هُنَاكَ نفث لَا رَقِيق وَلَا غليظ فالعلة خشونة الصَّدْر والعلاج اللعوقات. وَقد يعرض للمحموم سعال فَإِن لم يسكن السعال رجعت الحمّى إِلَى الِابْتِدَاء. والقوابض جدا تضيّق مجاري النفث وَمَاء الشّعير نعم الْجَامِع لنفث وَإِذا احْتبسَ النفث وحُم الرجل فقد عفنت الْمَادَّة وأوقعت فِي حمّى عفونة أَو دقّ. أما علاج المزاج الْبَارِد فَهُوَ أَنه إِن كَانَ خَفِيف الْمبلغ وَكَانَ من سَبَب بادٍ خارجي أصلحه حصر النَّفس فَإِنَّهُ يسخّن الرئة بسهولة فِي الْحَال فَإِن احْتِيجَ إِلَى علاج أقوى لهَذَا وَلغيره من المزاج الْبَارِد فَمن علاجه أَن يمسك تَحت اللِّسَان بندقة من مر أَو ميعة متخذة بِعَسَل وَأَن يتَنَاوَل من دردي القطران ملعقة أَو من علك البطم مَعَ عسل أَو يشرب دهن البلسان مَعَ سكبينج إِلَى مِثْقَال وَكَذَلِكَ الكبريت بالنيمبرشت ولعوقات اللعاب الحارة والكرسنة بالعسل وَمَاء الرُّمَّان الحلو مفتَّراً ملقى عَلَيْهِ عسل أَو فانيذ. وَيسْتَعْمل فِي المروخات على الصَّدْر مثل دهن السوسن ودهن النرجس بشمع أَحْمَر وكثيراء. وينفع الجلنجبين العسلي بِمَاء التِّين وَالزَّبِيب وأصل السوس والبرشاوشان ودهن لوز مَعَ مِثْقَال قوفي مدوفاً فِيهِ. وينفع طبيخ الزوفاء بالزوفا والأسارون مَعَ تين وَغير ذَلِك. وأغذيتهم الأحساء الحنطية بالحلبة وَالسمن والتين وَالتَّمْر وأصول الكرّاث الشَّامي. وَمن الأدهان دهن الفستق وحبّ صنوبر. والأطرية بالفانيذ نَافِع لَهُم.(2/329)
وَأما اللحوم فلحوم الفراريج والديوك والاسفيذباجات بهَا وَلُحُوم الحوليات من الضَّأْن والتنقل والفستق وَحب الصنوبر وَالزَّبِيب مَعَ الحلبة وقصب السكر والتين والمشمش والموز. وَأكل التِّين الْيَابِس مَعَ الْجَوْز واللوز يقطع المزمن مِنْهُ. وَالشرَاب الرَّقِيق الريحاني الْعَتِيق وَأما علاج السعال الْحَار فبالملطفات الْمَعْرُوفَة من العصارات والأدهان أطلية ومروخات. والجلاب أَيْضا نَافِع لَهُم وَسقي الدياقود الساذج بكرَة وَعَشِيَّة على النُّسْخَة الَّتِي نذكرها وَكَذَلِكَ لعوق الخشخاش جيد ونسخته: يُؤْخَذ خَمْسَة عشر خشخاشة لَيست طرية جدا ويُنقع فِي قسط من مَاء الْعين أَو مَاء الْمَطَر وَهُوَ أفضل يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ يهرى بالطبخ ويصفّى ويُلقى عَلَيْهِ على كل جُزْء من الْمُصَفّى نصف جُزْء عسلاً أَو سكرا ويقوّم لعوقاً والشربة ملعقة بالعشى. وَمِمَّا ينفع هَؤُلَاءِ مَاء الشّعير بالسبستان وشراب البنفسج والبنفسج المربى وطبيخ الزوفاء الْبَارِد وخصوصاً إِذا نضج أَو فِي آخِره وَمَاء الرُّمَّان المقوّم يلقى عَلَيْهِ السكر الطبرزذ وقصب السكر أَيْضا ولعوقاتهم من لعاب بزرقطونا وَحب السفرجل والنشاء والصمغ الْعَرَبِيّ والحبوب واللبوب الَّتِي نذكرها فِي بَاب حبوب السعال وَرُبمَا جعل فِيهَا مخدّرات. وأغذيتهم من الْبُقُول الْبَارِدَة ولبوب مثل القثاء والقرع وَالْخيَار بدهن اللوز والباقلا المرضوض الْمهرِي بالطبخ بدهن اللوز ودهن القرع وَمَاء الشّعير والأحساء المتخذة من الشّعير والباقلا والبقول والنشاء وَمَاء النخالة. فَإِن كَانَت الطبيعة إِلَى الانحلال فسويق الشّعير بالسكّر والأطرية وَإِن اشتدّ الْأَمر فماء الشّعير نُسْخَة دياقودا بَارِد: يُؤْخَذ الخشخاش الرطب بقشوره ويهرى طبخاً فِي المَاء ويصفى ويُلقى عَلَيْهِ سكر وَيقوم تَقْوِيم الْجلاب وَإِن لم يكن الرطب نقع بزره الْيَابِس مدقوقاً فِي المَاء يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ يطْبخ فَإِن احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى جمع مَعَه القشر وخصوصاً من الْأسود وَإِن اشْتَدَّ الْأَمر جعل مَعَه شَيْء يسير من بزر البنج ديف فِيهِ قَلِيل أفيون. وَأما علاج المزاج الرطب والرطوبة فِي نفس الرئة فبالمجففات الْيَابِسَة مخلوطة بالجالية. وَمن ذَلِك تركيب على هَذِه الصّفة طين أرمني وكثيراء وصمغ عَرَبِيّ من كل وَاحِد جُزْء فوذنج وزوفاء وحاشا ودارصيني وبرشاوشان من كل وَاحِد نصف جُزْء ويعجن وَيسْتَعْمل.(2/330)
وَأما علاج المزاج الْيَابِس فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون حمى أَو لَا يكون فَإِن لم يكن حمّى فأوفق الْأَشْيَاء اسْتِعْمَال ألبان الأتن والماعز وَغَيرهَا مَعَ سَائِر التَّدْبِير. وَإِن كَانَ حمّى فاستعمال سَائِر المرطّبات المشروبة وَاسْتِعْمَال القيروطات المبرّدة الْمَعْرُوفَة وَاسْتِعْمَال مَاء الشّعير وترطيب الْغذَاء دَائِما بالأدهان وتحسّي الأحساء اللوزية المرطبة. وَإِن كَانَ مزاج مركّب فَركب التَّدْبِير وَإِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة رقيقَة فأنضجها بالدياقودات الساذجة واللعوقات الخشخاشية واللعابية الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي القراباذين. فَإِن كَانَت غَلِيظَة حلّلتها وجلوتها على الشَّرْط الْمَذْكُور فِيمَا سلف من أَن لَا يسخن إِلَّا باعتدال بل تجتهد فِي أَن تليّن وتقطع وتزلق وَاسْتعْمل المقيئات الْمَذْكُورَة وَمِمَّا هُوَ أخص بِهَذَا الْموضع علك الأنباط بالعسل أَو قرطم بالعسل أَو سعد بِمثلِهِ عسلاً أَو ربّ السوس وكثيراء أَو قنّة ولوز حُلْو سَوَاء. وَالصَّبْر قد يمسك فِي الْفَم مَعَ الْعَسَل فينفع جدا. أَو يَأْخُذ ثَلَاث بيضات صِحَاح وضعفها عسلاً وَنِصْفهَا سمناً يُؤْخَذ من الفلفل أَرْبَعُونَ حَبَّة تسحق وتعجن بذلك وتعقد من غير إنضاج. وَأَيْضًا يُؤْخَذ سَبْعَة أرؤس كرّاث شَامي وتطبخ فِي ثَلَاثَة أَرْطَال مَاء حَتَّى يبْقى الثُّلُث ويصفّى ويُخلط بِالْبَاقِي عصارة قشره وَعسل ويطبخ. وَأَيْضًا يُؤْخَذ ورد رطب ثَمَانِيَة وحبّ الصنوبر وَاحِد صمغ البطم وَاحِد زبيب أَرْبَعَة عسل صنوبر وبزر الأنجرة من كل وَاحِد أُوقِيَّة بزر كتَّان وفلفل من كل وَاحِد ثَلَاث أَوَاقٍ تُعجن بِعَسَل وتستعمل. أَو يُؤْخَذ تمر لحيم خَمْسَة أَجزَاء سوسن ثَمَانِيَة أَجزَاء زعفران وفلفل من كل وَاحِد جزآن كرسنّة عشْرين جُزْءا وتعجن بِعَسَل منزوع الرغوة. أَو يُؤْخَذ من الزَّعْفَرَان وَمن سنبل الطّيب وَمن الفلفل من كل وَاحِد جُزْء فراسيون وزوفا من كل وَاحِد ثَلَاثَة أَجزَاء مرّ وسوسن من كل وَاحِد جزآن تعجن بِعَسَل مصفّى ويُسقى للمزمن القطران بالعسل لعقا أَو الْقسْط الْهِنْدِيّ بِمَاء الشبث الْمَطْبُوخ قدر سكرجة مَعَ ملعقة خلّ. وَأَيْضًا بزر كتَّان مقلو بِعَسَل وَحده أَو مَعَ فلفل لكل عشرَة وَاحِد أَو فوذنج. وَأَيْضًا يلعق عسل اللبني مَعَ عسل النَّحْل والجاوشير أَيْضا. والخردل واللوز المرّ وَأَيْضًا المثروديطوس. وَالصبيان يكفيهم الحبق الْمَطْبُوخ بِلَبن امْرَأَة حَتَّى يكون فِي قوام الْعَسَل أَو بِمَاء الرازيانج الرطب وَإِن كَانَ السَّبَب فِيهَا نزلة عولجت النزلة وَإِن احْتِيجَ فِي منعهَا إِلَى اسْتِعْمَال ضماد التِّين فَاسْتعْمل على الرَّأْس وامسك تَحت اللِّسَان كل وَقت وَفِي اللَّيْل خَاصَّة حبّ النشاء ويغرغر بالقوابض الَّتِي لَا طعم حامض وَلَا طعم عفص لَهَا والدياقودا الساذج إِن كَانَت حارة أَو مَعَ المر والزعفران وَغَيره إِن كَانَت بَارِدَة. وَأما الْكَائِن عَن الأورام والقروح فِي الرئة والصدر فَليرْجع فِي علاجها إِلَى مَا نذكرهُ فِي بَاب ذَات الرئة وَذَات الكبد والسلّ وَقد يُتخذ للسعال حبوب تمسك فِي الْفَم فَمِنْهَا حبوب للسعال الْحَار من ذَلِك حبّ السعال(2/331)
الْمَعْرُوف وَمن ذَلِك حبوب تؤلف من ربّ سوس وصمغ وكثيراء والنشاء ولعاب بزرقطونا وحبّ السفرجل ولبّ الْحُبُوب حبّ القثاء والقرع والقثد والخبازي وَمن الطباشير وحبّ الخشخاش وَنَحْو ذَلِك. وَقد يتَّخذ بِهَذِهِ الصّفة نشَاء وكثيراء وَرب سوس يحبّب بعصارة الخسّ. وَمن ذَلِك حبوب للسعال الْبَارِد تتَّخذ من ربّ السوس وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ المنقّى ولباب الْقَمْح والزعفران وكثيراء وحبّ الصنوبر وحبّ الْقطن وحبّ الآس وبزر الخشخاش وقشره والأنيسون والشبث والمرّ والزعفران والفانيذ. وَمن ذَلِك حبوب يُزَاد فِيهَا التخدير والتنويم وَيكون الْعُمْدَة فِيهَا المخدّرات وتخلط بهَا أدوية بادزهرية حارة. فَمن الْحُبُوب المجرّبة لذَلِك - وَهُوَ يسكن السعال الْعَتِيق المؤذي حبّ الميعة الْمَعْرُوف وَأَيْضًا يُؤْخَذ - ميعة وجندبادستر وأسارون وأفيون سَوَاء يتَّخذ مِنْهُ حبّات ويمسك فِي الْفَم. وَأَيْضًا بزر بنج شبّ وحبّ صنوبر ثَلَاث وزعفران وَاحِد بميبختج ويُحبب. وَأَيْضًا ميعة ومرّ وأفيون من كلّ وَاحِد نصف أُوقِيَّة دهن البلسان وزعفران من كلّ وَاحِد درخميان يحبّب كالكرسنّة. وَقد يسْتَعْمل فِي السعال الْعَتِيق الرطب الدخن الْمَذْكُورَة فِي بَاب الربو وَإِذا كَانَت الرُّطُوبَة إِلَى قدر اسْتعْمل بخور من زرنيخ أَحْمَر وخرء الأرنب ودقيق الشّعير وقشر الفستق معجوناً بصفرة الْبيض مقرّضاً كل قرص مِنْهُ درهما مجفّفهّ فِي الشَّمْس ويدخّن بِهِ ثَلَاث مَرَّات وَأَيْضًا زراوند ومرّ وميعة وباذاورد بالسويّة وزرنيخ مثل الْجَمِيع يعجن بِسمن الْبَقر وببندق ويُتَبخّر بِوَاحِدَة. وَأما السعال الْكَائِن فِي الحمّيات فقد أفرد لَهُ تَدْبِير عِنْد أَعْرَاض الحمّيات. فصل فِي نفث الدَّم الدَّم قد يخرج ثفلاً فَيكون من أَجزَاء الْفَم وَقد يخرج تنخّماً فَيكون من نَاحيَة الْحلق وَقد يخرج تنحنحاً فَيكون من القصبة وَقد يخرج قيئاً فَيكون من المريء وفم الْمعدة أَو من الْمعدة وَمن الكبد وَقد يخرج سعالاً فَيكون من نواحي الصَّدْر والرئة وَالَّذِي من الصَّدْر لَيْسَ فِيهِ من الْخَوْف أما فِي الَّذِي من الرئة فَإِن الَّذِي من الصَّدْر يبرأ سَرِيعا وَإِن لم يبرأ لم يكن لَهُ غائلة قُرُوح الرئة وَكَثِيرًا مَا يصير قروحاً ناصورية يعاود كل وَقت بنفث الدَّم.(2/332)
والأسباب الْقَرِيبَة لجَمِيع ذَلِك جِرَاحَة لسَبَب باد من ضَرْبَة أَو سقطة على الصَّدْر أَو على الكبد والحجاب أَو شَيْء قَاطع أَو سعال ملحّ أَو صياح أَو تَحْدِيد صَوت بِلَا تدريج أَو ضجر. وَلِهَذَا يكثر بالمجانين وبالذين يضجرون من كل شَيْء وَقد ينتفث من الْقَيْء العنيف خُصُوصا فِي المستعدّين. وَقد ينتفث عَن تنَاول مسهّلات حادة وأغذية حادّة كالثوم والبصل أَو خوف أَو غمّ محدّ للدم أَو نوم على غير وطاء أَو علقَة لصقت بِالْحلقِ دَاخله أَو سَبَب وَاصل وَهُوَ إِمَّا فِي الْعُرُوق أَو فِي غَيرهَا. وَالَّذِي فِي الْعُرُوق إِمَّا انْقِطَاع وَإِمَّا انصداع وَإِمَّا انفتاح وسعة من حدّة أَو استرخاء وَإِمَّا تَأْكُل لحدّة خلط وَإِمَّا لسخافة راسخة. وَكَثِيرًا مَا تتسع المنافذ من أَجزَاء القصبة والشرايين فَوق الَّذِي فِي الطَّبْع فيرشح الدَّم إِلَى القصبة. وَالَّذِي فِي غير الْعُرُوق إِمَّا جِرَاحَة وَإِمَّا قرحَة وَقد يكون عَن ورم دموي فِي الرئة يرشح مِنْهُ الدَّم وَمثل هَذِه الْأَسْبَاب إِلَّا الْعلقَة ولهذه الْأَسْبَاب الْوَاصِلَة أَسبَاب أقدم مِنْهَا وَهِي إِمَّا لِكَثْرَة الْمَادَّة وَذَلِكَ إِمَّا لِكَثْرَة الأغذية وَترك الرياضة وَإِمَّا لِأَنَّهَا فاضلة عَن أعداد الطبيعة كَمَا يعرض مِمَّا أَنبأَنَا عَنهُ فِي الْكتاب الكلّي عِنْد ترك رياضة أَو احتباس طمث أَو دم بواسير أَو قطع عُضْو وَإِمَّا لجذبها وَإِمَّا لشدَّة حركتها وَإِمَّا لرياح فِي الْعُرُوق نَفسهَا وخصوصاً فِي المتحنجين فَإِنَّهُم يكثر ذَلِك فيهم وَإِمَّا لاستعداد الْآلَات الخاوية للمادة وَذَلِكَ لبرد يقبضهَا ويعسر انبساطها فَلَا تطيع الْقُوَّة المكلفة ذَلِك بالإمداد بل بالاستنشاق وَإِمَّا لحرارة خَارِجَة أَو دَاخِلَة أَو يبوسة قد أعدّها أَي ذَلِك كَانَ بالتكثيف والتجفيف للانشقاق عَن أدنى سَبَب أَو لرطوبة أرختها فوسعت مسامها أَو ملاقاة خارق أكّال أَو قطاع أَو معفن. وَإِذا عرض الامتلاء الدموي أَقبلت الطبيعة على دفع الْمَادَّة إِلَى أَي جِهَة أمكنتها إِذا كَانَت أشدّ اسْتِعْدَادًا أَو أقرب من مَكَان الْفضل فدفعتها بنفث أَو إسالة من البواسير أَو فِي الطمث أَو فِي الرعاف فَإِن كَانَت الْعُرُوق قَوِيَّة لَا تخلى عَن الدَّم عرض الْمَوْت فَجْأَة لإنصباب الدَّم إِلَى تجاويف الْعُرُوق وَمن يَعْتَرِيه نفث الدَّم فَهُوَ يعرض أَن تصيبه قرحَة الرئة فإنّ النفث فِي الْأَكْثَر يكون عَن جِرَاحَة والجراحة تميل إِلَى أَن تكون قرحَة وَإِذا أعقب نفث الدَّم المحتبس نفث دم خيف أَن يكون هَذَا الثَّانِي عارضاً عَن قرحَة استحالت إِلَيْهَا الْجراحَة الأولى وَكَثِيرًا مَا يكون الدَّم المنفوث رعافاً سَالَ من الرَّأْس إِلَى الرئة. وَإِذا كَانَ نفث الدَّم من نواحي الرئة تعلّق بِهِ خوفان خوف من(2/333)
إفراطه وَخَوف من جراحته أَن يصير قرحَة وَلَيْسَ كل نفث دم مخوفا بل مَا كَانَ لَا يحتبس أَو كَانَ مَعَ حمّى وَكَثِيرًا مَا يكون نفث الدَّم بِسَبَب الْبرد وورم فِي الكبد أَو فِي الطحال. العلامات: الْقَرِيب من الحنجرة ينفث بسعال قَلِيل والبعيد بسعال كثير وَكلما كَانَ أبعد تنفث بسعال أشدّ وَإِذا نيم على الْجَانِب الَّذِي فِيهِ الْعلَّة ازْدَادَ انتفاث مَا ينتفث وَيجب أَن ينظر أَولا حَتَّى لَا يكون مَا ينفث مرعوفاً ويتعرّف ذَلِك بمادة الرعاف وبعروضه ويخفة عرضت للرأس بعد ثقل. وعلامات رُعَاف كَانَت مثل حمرَة الْوَجْه وَالْعين والتباريق أَمَام الْعين وَأَن لَا يكون زبدياً وَيكون دفْعَة. وعلامة الدَّم المنفوث من جَوْهَر لحم الرئة من جِرَاحَة أَو قرحَة أَن يكون زبدياً وَيكون مُنْقَطِعًا لَا وجع لَهُ وَهُوَ أقلّ مِقْدَارًا من العرقي وَأعظم غائلة وأردأ عَاقِبَة وَقد يقذف الزُّبْدِيُّ أَصْحَاب ذَات الْجنب وَذَات الرئة إِذا كَانَ فِي رئاتهم حرارة نارية مغلية. وَقد يكون الزُّبْدِيُّ من قَصَبَة الرئة وَلَكِن يَجِيء بتنخع وسعال بسير وَيكون مَا يخرج يَسِيرا أَيْضا وَيكون هُنَاكَ حس مَا بالألم. والمنفوث من عروقها لَا يكون زبدياً وَيكون أسخن وَأَشد قواماً من قوام الَّذِي فِي الرئة وأشبه بِالدَّمِ وَإِن لم يكن فِي غلظ الدَّم الَّذِي فِي الصَّدْر. وعلامة المنفوث فِي الصَّدْر سَواد لَونه وغلظه وجموده لطول الْمسَافَة مَعَ زبدية مَا ورغوة مَعَ وجع فِي الصَّدْر يدل على مَوضِع الْعلَّة ويؤكده ازدياده بِالنَّوْمِ عَلَيْهِ وَسبب ذَلِك الوجع عصبية أَعْضَاء الصَّدْر وَيكون انتفاثه قَلِيلا قَلِيلا لَيْسَ قبضا وَيكون نفثه بسعال شَدِيد حَتَّى ينفث. وعلامة الْكَائِن من انْقِطَاع الْعُرُوق غزارة الدَّم وعلامة التأكّل تقدم أَسبَاب التأكل من تنَاول أَشْيَاء حريفة ونزول نَوَازِل حريفة وَأَن يكون حمّى وَنَفث قيح أَو قشره أَو جُزْء من الرئة وَيكون نفث مثل مَاء اللَّحْم ويبتدئ نفث الدَّم قَلِيلا قَلِيلا ثمَّ رُبمَا انبثق دفْعَة فانتفث شَيْء صَالح ولونه رَدِيء وعلامة تفتح أَفْوَاه الْعُرُوق من الامتلاء أَن لَا يكون وجع الْبَتَّةَ وتوجد رَاحَة ولذّة وَيخرج فِي الأول أقل من الْخَارِج بِسَبَب الِانْقِطَاع والانشقاق فِي أول الْأَمر وَهُوَ أَكثر من الَّذِي يخرج عَن التأكل فِي أَكثر الْأَوْقَات. وعلامة الراشح عَن ورم قلته وَحُضُور عَلَامَات ذَات الرئة وَغَيرهَا. المعالجات: المبتلي بنفث الدَّم كل وَقت يجب أَن يُرَاعِي حَال امتلائه فَكلما أحس فِيهِ بامتلاء بودر بالفصد وخصوصاً إِذا كَانَ صَدره فِي الْخلقَة ضيقا أَو كَانَ السعال عَلَيْهِ(2/334)
ملحاً. والأصوب أَن يمال الدَّم مِنْهُم إِلَى نَاحيَة السّفل بفصد الصَّافِن وَبعده بفصد الباسليق وَإِذا درّ طمث النِّسَاء فِي الْوَقْت وعَلى الْكِفَايَة زَالَ بذلك نفث الدَّم مِنْهُنَّ كَمَا قد يحدث فِيهِنَّ باحتباسه وَيجب أَن يتحرز عَن جَمِيع الْأَسْبَاب المحركة للدم مثل الأغذية المسخنة وَمثل الوثبة والصيحة والضجر وَالْجِمَاع وَالنَّفس العالي وَالْكَلَام الْكثير وَالنَّظَر إِلَى الْأَشْيَاء الْحمر وَشرب الشَّرَاب الْكثير وَكَثْرَة الاستحمام ويجتنب المفتحات من الْأَدْوِيَة مثل الكرفس وَالصَّبْر والسمسم وَالشرَاب والجبن الْعَتِيق فَإِنَّهُ ضار لَهُم. وَأما الطري فنافع. والأغذية الْمُوَافقَة لَهُم كل مغرّ ومسدد وكل ملحم وكل مبرد للدم مَانع من غليانه. وَمن ذَلِك اللَّبن المبطوخ لما فِيهِ من تغرية ومخيض الْبَقر لما فِيهِ من الْقَبْض والزبد والجبن الطري غير مملوح والفواكه القابضة وَضرب من الإجاص الصَّغِير فِيهِ قبض وزيت الأنفاق الطري الْعَصْر قد يَقع فَي تدسيم أطعمتهم والمياه الشبية شَدِيدَة الْمَنْفَعَة لَهُم. وَأما الْكَائِن عَن نفس جرم الرئة فَيجب أَن يسقى صَاحبه الْأَدْوِيَة الملحمة الْيَابِسَة كالطين والشافنج بِمَاء لِسَان الْحمل والخل الممزوج بِالْمَاءِ. وَأما علاجه عَن تَدْبِير غذائه فَأن يُبَادر ويفصد مِنْهُ الباسليق من الشق الَّذِي يحدس أَن انحلال الْفَرد فِيهِ فصداً دَقِيقًا وَيُؤْخَذ الدَّم فِي دفعات بَينهَا سَاعَات ثَلَاث أَو نَحْوهَا مَعَ مُرَاعَاة الْقُوَّة فَإِن الفصد يجذب الدَّم إِلَى الْخلاف وَيمْنَع أَيْضا حُدُوث الورم فِي الْجراحَة وتدلك أَطْرَافهم وتشد شداً مبتداً من فَوق إِلَى أَسْفَل وَيمْنَعُونَ الْأُمُور الْمَذْكُورَة ويعدّل هواؤهم وَيكون اضطجاعهم على جنب وعَلى هَيْئَة كالانتصاب لِئَلَّا يَقع بعض أَجزَاء صَدره على بعض وَقد يوافقهم الْخلّ الممزوج بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ يمْنَع النزف وينقي نَاحيَة الصَّدْر والرئة عَن دم إِن احْتبسَ فِيهَا فَلَا يجمد ويسقون الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة والمغرية فَإِن المغرية هَهُنَا أولى مَا يجب أَن يشْتَغل بِهِ وَإِذا وجد مَعَ التغرية التنقية كَانَ غَايَة الْمَطْلُوب. وبزرقطونا نَافِع مَعَ تبريده حَيْثُ يكون عَطش شَدِيد. وَرُبمَا احْتِيجَ أَن تخلط بهَا المدرّات لأمرين: أَحدهمَا: لتسكين الدَّم وترقيقه وَالثَّانِي: للتنويم وَإِزَالَة الْحَرَكَة. وَسَنذكر الْأَدْوِيَة الْمُشْتَركَة لأصناف نفث الدَّم فِي آخر هَذَا الْبَاب. وَإِذا عرض نفث الدَّم من نزلة وَلم تكن النزلة حريفة صفراوية فصدت الرجل من سَاعَته وأدمت ربط أَطْرَافه منحدراً من فَوق إِلَى أَسْفَل ودلكتها بِزَيْت حَار ودهن حَار مثل دهن قثاء الْحمار وَنَحْوه وَلَا يدهن الرَّأْس الْبَتَّةَ وَيكون أغذيتهم الْحِنْطَة بِشَيْء من العفوصات على سَبِيل الأحساء وَتَكون هَذِه العفوصات من الثِّمَار وَمَا يُشبههُ. وَعند الضعْف يطْعمُون خبْزًا منقوعاً فِي خل ممزوج بِمَاء بَارِد وَيسْتَعْمل عَلَيْهِم الحقن الحادة لتجذب الْمَادَّة عَن نَاحيَة الرَّأْس وخصوصاً إِذا لم يُمكن الفصد لمَانع وَيجب أَن يجْتَهد فِي تبريد الرَّأْس مَا أمكن وَلَا يجْهد جهداً كثيرا فِي ترطيبه.(2/335)
وَمِمَّا يَنْفَعهُ سقِِي أَقْرَاص الكهرباء فَإِن لم ينجع مَا ذكرنَا لم يكن بُد من علاج النزلة وحبسها مثل حلق الرَّأْس وَاسْتِعْمَال الضماد الْمُتَّخذ بزبل الْحمام يضمّد وَينْزع بِحَسب الْحَاجة. وَزعم جالينوس أَن امْرَأَة أَصَابَهَا نزف دم من النزلة فحقنتها بحقنة حادّة وخصوصاً إِذا لم يُمكن فصدها لِأَنَّهَا كَانَت نفثت أَرْبَعَة أَيَّام وضعفت وغذّاها بحريرة وَفَاكِهَة فِيهَا قبض إِذْ كَانَ عهدها بالغذاء بَعيدا وعالج رَأسهَا بدواء ذرق الْحمام وَأذن لَهَا فِي الْحمام لأجل الدَّوَاء وَلم يدهن رَأسهَا لئلاّ يرطب وسقاها الترياق الطري لينوّمها فإنّ فِي هَذَا الترياق قوى الأفيون ينوم وَيمْنَع دغدغة السعال ويسكّن من سيلان الْموَاد بالتغليظ. وَأما فِي الْيَوْم الثَّانِي من هَذَا الدَّوَاء فَلم يتعرّض لتحريكها بل تَركهَا هادئة سَاكِنة على حَاجَة بهَا إِلَى تنيقية الرئة وَأكْثر مَا دبرهَا بِهِ أَن دلك أطرافها وسقاها قدر باقلاة من الترياق الحَدِيث أقلّ من الأمس وَكَانَ غَرَضه أَن يمزجها إِلَى الْعَسَل لتسقي بِهِ الرئة ثمَّ تَركهَا سَاعَة ثمَّ ذَلِك أطرافها وَأَعْطَاهَا بعد ذَلِك مَاء الشّعير مَعَ قَلِيل خبز لينعش الْقُوَّة وَفِي الرَّابِع أَعْطَاهَا ترياقاً عتيقاً مَعَ عسل كثير لينقي رئتها تنقية شَدِيدَة وغذّاها فِي سَائِر الْأَيَّام على الْوَاجِب ودبرها تَدْبِير الناقهين وَمَعَ ذَلِك فقد كَانَ يضع على رَأسهَا وقتا بعد وَقت قيروطي الثافسيا ويحرّم عَلَيْهَا الاستحمام. وَهَذَا تَدْبِير جيد وَيجب أَن يكون الترياق ترياق مَا بَين شَهْرَيْن إِلَى أَرْبَعَة أشهر فَإِنَّهُ ينوم وَيحبس النزلة وَلَا يقرب رُؤُوس هَؤُلَاءِ بالدهن وَلَا بُد من حلق الرَّأْس لاستعمال هَذِه المحمرات وَلَو للنِّسَاء وَلَا بُد من إسهال بِمثل حب القوقايا إِن كَانَ هُنَاكَ كَثْرَة وَذَلِكَ بعد الفصد ثمَّ يلْزم الْأَدْوِيَة المحمّرة. وَمَا كَانَ من انْشِقَاق عرق أَو انْقِطَاعه وَكَانَ سَببه الامتلاء فَيجب أَن لَا يغذى مَا أمكن بل يجوع ثَلَاثَة أَيَّام يقْتَصر فِيهَا كل يَوْم على غذَاء قَلِيل من شَيْء لزج وَأما إِذا لم يظْهر سُقُوط الْقُوَّة دوفع بالتغذية مَا أمكن إِلَى الرَّابِع وَإِن خيف سُقُوط الْقُوَّة خوفًا وَاجِبا غذوا بِمَا يتَوَلَّد عَنهُ خلط معتدل أَو إِلَى برد وَفِيه تغرية ولزاق وتلزيج وَقبض وخاصة تَغْلِيظ الدَّم كالهريسة بالأكارع وكالرؤوس وكالنيمبرشت وكالأطرية خَاصَّة مَا طبخ بالعدس وكالعدس والعناب وَإِن أمكن أَن لَا يغذى بِالْقَوِيّ فعل وَاقْتصر على مَاء الشّعير وخصوصاً الْمَطْبُوخ مَعَ عدس أَو عناب أَو سفرجل وَالْخبْز المغموس فِي المَاء الْبَارِد أَو فِي شَيْء حامض مزور كُله مبرد بِالْفِعْلِ. ومخيض الْبَقر إِذا تطاولت الْعلَّة نَافِع لقبضه وبرده والألبان المغلاة لتغريتها وللزاقها نافعة فِي ذَلِك. فَإِن لم يغن وزادت فِي الدَّم فضرّت. والسمك الرضراضي شَدِيد الْمَنْفَعَة. وَيجب أَن يكون أغذية هَؤُلَاءِ وَالَّذين بعدهمْ بَارِدَة بِالْفِعْلِ. والجبن الطري الْغَيْر المملوح شَدِيد الْمَنْفَعَة لَهُم جدا. وَإِذا غذوت هَذَا وَأَمْثَاله بِلَحْم فاختر من اللحمان مَا كَانَ قَلِيل(2/336)
الدَّم يَابسا خَفِيفا كلحوم القطا والشفانين والدرّاج مطبوخاً فِي قبوضات وعفوصات. وَمن الْأَشْيَاء المجرّبة فِي قطع دم النفث مضغ البقلة الحمقاء وابتلاع مَائه فَرُبمَا حبس فِي الْوَقْت. وَمن الْفَوَاكِه السفرجل والتفاح القابضان العفصان والعناب الرطب وَحب الآس والخرنوب الشَّامي وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى. وَقد يتَّخذ لَهُم نقل من الطين الْمَخْتُوم والأرمني بالصمغ الْعَرَبِيّ وَقَلِيل كافور. وَإِذا احْتبسَ الدَّم وَوصل إِلَى الرَّابِع يجب أَن يغذّي ويقوّي وَيبدأ بِمثل الْخبز المغموس فِي المَاء وبمثل الهرائس والأكارع والأدمغة وَإِن كَانَ الانشقاق والانقطاع بِسَبَب حدّة الدَّم فاعمل مَا يجب من إمالة الدَّم إِلَى الْأَطْرَاف وَإِلَى خلاف الْجِهَة واستفراغ الصَّفْرَاء ثمَّ برّد بِقُوَّة ورطّب وَاسْتعْمل القوابض أَيْضا والمغريات وَمَاء الشّعير والسرطانات والقرع ودواء أندروماخس ودواء جالينوس. وَأما الْكَائِن من انفتاح الْعُرُوق فالأدوية الَّتِي يجب أَن تسْتَعْمل فِيهِ هِيَ القابضة والعفصة مَعَ تغرية كَمَا كَانَت الْأَدْوِيَة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِيمَا سلف هِيَ المغرية الملحمة مَعَ قبض وَهَذِه مثل الجلنار وأقماع الرُّمَّان والسماق وعصارة الطراثيث وعصارة عساليج الْكَرم وورق العوسج والبلوط والكهربا والأقاقيا والحُضَض وعصارة الْورْد وعصارة عَصا الرَّاعِي والشكاعى وعصارة الحصرم وَهُوَ فاقسطيداس. وَقد يُقَوي هَذِه وَمَا يتّخذ مِنْهَا بالشبّ والعفص وَالصَّبْر والأفسنتين يتَّخذ مِنْهَا أدوية مركبة وأقراص مَعْدُودَة لهَذَا الْبَاب. وَقد ركبت من هَذِه الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة وَرُبمَا طبخت هَذِه الْأَدْوِيَة فِي الْمِيَاه الساذجة أَو بعض العصارات وَشرب طبيخها وَرُبمَا اتخذ مِنْهَا ضمّادات وَقد تخلط بهَا وَتجمع أدوية النفث الْمَذْكُورَة والأدوية الصدرية مثل الكرفس والنانخواه والأنيسون والسنبل والرامك وَقد يخلط بهَا المخدّرات أَيْضا مثل قشور أصل اليبروج والبنج والخشخاش وَقد يخلط بهَا المغرّيات كالصمغ وقشار الكندر وكوكب ساموس والطباشير وبزر لِسَان الْحمل ولعاب بزرالقطونا وبزره وعصارة البقلة الحمقاء ولعاب حبّ السفرجل. وَأما إِذا كَانَ رشحاً من ورم فعلاجه الفصد والاستفراغ ثمَّ الإنضاج. وَلَا يعالج بالقوابض فَذَلِك يجلب آفَة عَظِيمَة بل يجب أَن يعالج بعلاج ذَات الرئة. وَأما الْكَائِن عَن التأكّل فَهُوَ صَعب العلاج عسر وكالميئوس مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يبرأ وَلَا يلتحم إِلَّا مَعَ زَوَال سوء المزاج وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا فِي مُدَّة فِي مثلهَا أما أَن تصلب القرحة أَو تعفن لَكِن رُبمَا نفع أَن لَا يدع الأكّال يستحكم بنفض الْخَلْط الْحَار وَرُبمَا أسهل الصَّفْرَاء والغليظة مَعًا بِمثل حبّ الغاريقون. فَإِن احتجت إِلَى فعل تَقْوِيَة لذَلِك قوّيته واحتملت فِي تسكين دغدغة السعال بدواء البزور فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْهُ أَن ينفع نفعا تَاما. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن علاجهم التنقية بالاستفراغ بالفصد وَغَيره والأغذية الجيدة الكيموس وَرُبمَا يسقى للأكال اللبان والمرّ وآذان الجداء وبزر البقلة الحمقاء وأصل الخطمي وأقراص الْكَوْكَب زيد فِيهِ من الأفيون نصف جُزْء. وأدوية مركبة ذكرهَا فولس(2/337)
وتذكر فِي القراباذين. وأدويتهم النافعة هِيَ مَا يَقع فِيهَا الشادنة وَدم الْأَخَوَيْنِ والكهربا والسندروس والطين الْمَخْتُوم. وَبِالْجُمْلَةِ كلّ مجفّف مغر ملحم. وَأما الْكَائِن من الصَّدْر فيعالج بالأضمدة وبالأدوية الَّتِي فِيهَا جَوْهَر لطيف أَو مَعهَا جَوْهَر لطيف قد خلط بهَا وَهِي مِمَّا ذَكرْنَاهُ ليصل إِلَى الصَّدْر وَمَاء الباذروج فِي نَفسه يجمع بَين الْأَمريْنِ وَإِذا حدس أَن سَبَب نفث الدَّم حرّ فالأدوية الْمَذْكُورَة كلهَا مُوَافقَة لذَلِك وَإِذا حدس أَن السَّبَب برد أورث نفث الدَّم على الْوَجْه الْمَذْكُور فعلاجه كَمَا زعم جالينوس أَن ذَلِك أصَاب فَتى فعالجه هُوَ بِأَن فصده فِي الْيَوْم الأول وَثني ودلك أَطْرَافه وشدّهاعلى مَا يجب فِي كل حبس نزف دم وغذّاه بحساء وَوضع على صَدره قيروطياً من الثافسيا وَرَفعه عَنهُ وَقت الْعشَاء لِئَلَّا يزِيد إسخانة على الْقدر الْمَطْلُوب وغذَّاه بحساء وسقاه دَوَاء البزور وَلما كَانَ الْيَوْم الثَّالِث اسْتعْمل على صَدره ذَلِك القيرطي ثَلَاث سَاعَات ثمَّ أَخذه وغذّاه بِمَاء الشّعير واسفيدباجة بِلَحْم البط فَلَمَّا اعتدل مزاج رئته وَزَالَ الْخَوْف عَن حُدُوث الورم نقّى الرئة بترياق عَتيق متكامل ودرجه إِلَى شرب لبن الأتن وَإِلَى سَائِر تَدْبِير نافث الدَّم. وَزعم جالينوس أَن كَانَ من أدْركهُ من هَؤُلَاءِ فِي الْيَوْم الأول برأَ وَالْأَخِرُونَ اخْتلفت أَحْوَالهم وَقد شاهدنا أَيْضا من هَذَا من نفعته هَذِه الطَّرِيقَة وَنَحْوهَا وَإِذا حدس أَن السَّبَب رُطُوبَة واسترخاء اسْتعْمل مَا فِيهِ تجفيف وتسخين وَقبض مثل أصل الأذخر والمصطكي والكمّون المقلو والفودنج الْجبلي والقلقديس والجندبيدستر والزعفران للإبلاع وَقد يخلط بهَا قوابض معتدلة بِمثل الشاهبلّوط وَقد اتَّخذت من هَذِه مركّبات ذكرت فِي القراباذين. وَإِذا حدس أَن السَّبَب يبوسة وَذَلِكَ فِي الْأَقَل اسْتعْمل المرطّبات الْمَعْلُومَة من الألبان والأدهان والعصارات بعد التَّدْبِير الْمُشْتَرك من إمالة الْمَادَّة إِلَى خلاف الْجِهَة وَلَكِن الَّذِي يَلِيق بِهَذَا الْموضع عَن الفصد وَغَيره أقلّ وأضعف من الَّذِي يَلِيق بِغَيْرِهِ. وَإِذا كَانَ السَّبَب صدمة على الكبد فعلاجه هَذَا السفوف. ونسخته: رواند صيني عشرَة لكّ خَمْسَة طين أرمني خَمْسَة والشربة من مَجْمُوعَة دِرْهَم وَنصف. وَإِمَّا الْأَدْوِيَة الْمُشْتَركَة فالمفردات مِنْهَا مَذْكُورَة فِي الْكتاب الثَّانِي فِي الجداول الْمَعْلُومَة وَالَّذِي يَلِيق بِهَذَا الْموضع الشادنج فَإِنَّهُ إِذا سحق سحقاً كالغبار وَشرب مِنْهُ مِثْقَال فِي بعض القوابض أَو العصارات نفع أجل نفع وَإِذا مضغت البقلة الحمقاء وابتلع مَاؤُهَا فَرُبمَا حبس فِي الْحَال وَمَاء الْخِيَار وعصارته وخصوصاً مَعَ بعض المغريات القابضة جدا إِذا تجرعّ يَسِيرا يَسِيرا وَقرن الأيل المحرق إِذا خلط بالأدوية كَانَ كثير النَّفْع وَذَلِكَ مَاء النعناع وَأَيْضًا ثَمَرَة الغرب وزن دِرْهَم وَأَيْضًا فقّاح الكزبرة وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم بِمَاء بَارِد غدْوَة وَعَشِيَّة وَأَيْضًا البسّد(2/338)
فَإِنَّهُ شَدِيد النَّفْع وطين ساموس وَزعم أَنه يُسمى باليونانية كَوْكَب الأَرْض وَيُشبه أَن يكون غير الطلق وَأَيْضًا يُؤْخَذ دم الجدي قبل أَن يجمد يسقى مِنْهُ نصف أُوقِيَّة نيئاً ثَلَاثَة أَيَّام وَأَيْضًا حبّ الآس وبزر لِسَان الْحمل وزن دِرْهَمَيْنِ فِي مَاء لِسَان الْحمل أَو عصارة الْورْد فَإِنَّهُ غَايَة والسفرجل نَافِع وخصوصاً المشوي. وَأَيْضًا أنفحة الأرانب بِمَاء الْورْد وَهِي وَغَيرهَا من الأنافح بمطبوخ عفص أَو بِمَاء الباذونج وخصوصاً للصدري أَو طين مختوم وبدله طين ساموس بِشَيْء من الْخلّ وَأَيْضًا سومقوطون وَهِي حيّ الْعَالم. وَقَالَ رجل فِي بعض مَا جمع أَنه نوع من الفوذنج ينْبت بَين الصخر يفرك ويؤكل بالملح وَيُسمى بالموصل اليبروح البرّي أَو التفاح الْبري وَفِي ذَلِك نظر وَهَذَا الدَّوَاء يسقى مَعَ مثله نشا. وَأَيْضًا: مِمَّا يَنْفَعهُ أَن يسقى من الشبّ الْيَمَانِيّ فَإِنَّهُ غَايَة وخصوصاً فِي صفرَة بيض مفترة لم دِرْهَم من بزر البنج بِمَاء الْعَسَل وَيجب أَن يسقى الْأَدْوِيَة الحابسة للنفث بِالشرابِ العفص لتنفذ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون حمى فيسقى حِينَئِذٍ مَعَ عصارة أُخْرَى. وللعتيق الْقَدِيم بزر الكراث النبطي وحبّ الآس جزآن بالسواء يسقى مِنْهُمَا إِلَى دِرْهَمَيْنِ بِمَاء عَصا الرَّاعِي أَو تُؤْخَذ عصارة الكراث الشَّامي أُوقِيَّة والخلّ نصف أُوقِيَّة يسقى بِالْغَدَاةِ أَو يسقى حراقة الإسفنج بِشَيْء من نَبِيذ. وجالينوس يعالج نزف الدَّم بالترياق والمثروديطوس والأدوية الطّيبَة الرَّائِحَة فَإِنَّهَا تقوّي الطبيعة على الْبُخْل بِالدَّمِ وإلحام الْجرْح وَكَذَلِكَ أَقْرَاص الْكَوْكَب ودواء أندروماخس والقنطوريون يجمع إِلَى حبس النفث التنقية فليسق مِنْهُ المحموم بِمَاء وَغَيره بشراب. والصقالبة يعالجون بطبيخ أصل القنطوريون الْجَلِيل. وَمن الْأَشْرِبَة عصارة لِسَان الْحمل وزن دِرْهَم عصارة لِسَان الثور وزن دِرْهَمَيْنِ عصارة بقلة الحمقاء وزن دِرْهَمَيْنِ عصارة أَغْصَان الْورْد الغضّة أُوقِيَّة يدق بِلَا رشّ المَاء عَلَيْهَا ويصفّى وَلَا يطْبخ بل يداف فِيهِ شَيْء من الطين الْمَخْتُوم ويسقى أَو تُؤْخَذ عصارة أَغْصَان الْورْد ويداف فِيهَا عصارة هيوفقسطيداس أَو الشاذنج وَقرن الأيل محرقاً وتسقى وَمن الأقراص قرص بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: أقاقيا وجُلَّنار وَورد أَحْمَر وعصارة لحية التيس وجفت البلّوط وقشور الكندر سَوَاء. وَأَيْضًا يُؤْخَذ زرنيخ قشور أصل اللفّاح طين الْبحيرَة كندر أقاقيا بزر بقلة الحمقاء بزر باذروج جلّنار كافور يتَّخذ أقراصاً. الشربة دِرْهَمَانِ بِنصْف أُوقِيَّة مَاء أَو شراب عفص أَو مَاء الباذروج.(2/339)
وَأَيْضًا بزر خشخاش وطين مختوم هيوفقسطيداس كندر كافور تسقى بِمَاء الباذروج. وَأَيْضًا قرص ذكره ابْن سرافين وَهُوَ الْمُتَّخذ بصمغ اللوز. وَأما الأدهان المستعملة على الصَّدْر فَفِي الصَّيف دهن السفرجل وَفِي الشتَاء دهن السنبل. وَهَذِه صفة قرص جيد: يُؤْخَذ طين الْبحيرَة. وبُسذ وكوكب ساموس وَورد يَابِس من كل وَاحِد جزآن كهرباء وصمغ ونشا من كل وَاحِد جُزْء يخلط ويقرص والشربة مِنْهُ أَرْبَعَة مَثَاقِيل للمحموم فِي عصارة قابضة ولغير المحموم فِي شراب وخصوصاً الْقَابِض. وَمن الأضمدة الْمُشْتَركَة دَقِيق الشّعير ودقاق الكندر وأقاقيا ببياض الْبيض وَإِذا حبست الدَّم فاقبل على إلحام الْجراحَة. وَمنع الورم وإلحام الْجراح هُوَ مِمَّا تعلمه من المغرّيات القابضة وَمنع الورم لمنع الْغذَاء وجذب الْموَاد إِلَى الْأَطْرَاف وتبريد الصَّدْر وَيجب أَن يجرع الْخلّ الممزوج مرَارًا وَيجب أَن يتحرّز بعد الاحتباس والإقبال أَيْضا عَن الْأُمُور الْمَذْكُورَة. وَأما المَاء الَّذِي يشربونه فَيجب أَن يكون مَاء الْمَطَر أَو مَاء يَقع فِيهِ الطين الأرمني والورد. وَمَاء الْحَدِيد المطفأ فِيهِ الْحَدِيد نَافِع جدا لقبضه. وَإِذا خيف جمود الدَّم فِي الرئة فَيجب أَن يسقى فِي الِابْتِدَاء خلا ممزوجاً بِمَاء إِلَّا أَن يكون سعال فَيجب أَن يحذر حِينَئِذٍ الخلّ وَأمر للدم الجامد بِنصْف دِرْهَم دندكركم بِشَيْء من مَاء الكراث وملعقة سكنجبين. وَمن المركبات كَذَلِك حلبة مطبوخة دِرْهَمَانِ زراوند دِرْهَم مر ثَلَاث دَرَاهِم دهن السوسن دِرْهَم فلفل وَاحِد بنج وَاحِد ورد دِرْهَمَانِ يقرص ويصف فِي الظل ويسقى بِمَاء الرازيانج والكرفس. وَأَيْضًا أنفحة الأرنب ورماد خشب التِّين مَعَ حاشا أَو شعير مَعَ عسل أَو يسهّلون بِمَا يستفرغ من أدوية مفرعة ذَكرنَاهَا فِي الْكتاب الثَّانِي ومركبات ذَكرنَاهَا فِي القراباذين واقرأ كتَابنَا فِي تَحْلِيل الدَّم الجامد من الْكتاب الرَّابِع. الْمقَالة الرَّابِعَة أورام أَعْضَاء نواحي الصَّدْر أصُول نظرية من علم أورام أَعْضَاء نواحي الصَّدْر وقروحها سوى الْقلب فصل فِي كَلَام كلي فِي أوجاع نواحي الصَّدْر وَالْجنب ذَات الْجنب: إِنَّه قد يعرض فِي الْحجب والصفاقات والعضل الَّتِي فِي الصَّدْر ونواحيها والأضلاع أورام دموية موجعة جدا تسمى شوصة وبرساماً وَذَات الْجنب(2/340)
وَقد تكون أَيْضا أوجاع هَذِه الْأَعْضَاء لَيست من ورم وَلَكِن من ريَاح فتغلظ فيظن أَنَّهَا من هَذِه العلّة وَلَا تكون. وَذَات الْجنب ورم حَار فِي نواحي الصَّدْر إِمَّا فِي العضلات الْبَاطِنَة وَفِي الْحجاب المستبطن للصدر وَإِمَّا فِي الْحجاب الحاجر وَهُوَ الْخَالِص أَو فِي العضل الظَّاهِرَة الْخَارِجَة أَو الْحجاب الْخَارِج بمشاركة الْجلد أَو بِغَيْر مُشَاركَة. وَأعظم هَذَا وأهوله مَا كَانَ فِي الْحجاب الحاجز نَفسه وَهُوَ أصعبه. ومادة هَذَا الورم فِي الْأَكْثَر مرار أَو دم رَدِيء لِأَن الْأَعْضَاء الصفاقية لَا ينفذ فِيهَا إِلَّا اللَّطِيف المراري ثمَّ الدَّم الْخَالِص وَلذَلِك تكون نَوَائِب اشتداد حماة غبا فِي الْأَكْثَر وَلذَلِك قلّما يعرض لمن يتجشأ فِي الْأَكْثَر حامضاً لِأَنَّهُ بلغمي المزاج وَمَعَ ذَلِك قد يكون من دم محترق وَقد يكون من بلغم عفن وَقد يكون فِي الندرة من سَوْدَاء عفن ملتهب وَقد بَينا فِي الْكتاب الكلّي أَنه لَيْسَ من شَرط الورم الْحَار أَن لَا يكون من بلغم وسوداء بل قد يكون من بلغم وسوداء على صفة إِلَّا أَنه لَا يكون حاراً إِلَّا إِذا كَانَ من مرّة أَو دم. فَإِن كَانَ من غَيرهمَا كَانَ مزمناً وَهَذَا شَيْء لَيْسَ يحصله كثير من النَّاس. وَلما كَانَ كل ورم إِمَّا أَن يتحلّل وَإِمَّا أَن يجمع وَإِمَّا أَن يصلب فَكَذَلِك حَال ذَات الْجنب. لَكِن الصلابة فِي ذَات الْجنب ممّا يقلّ فَهُوَ إِذن إِمَّا أَن يتحلّل وَإِمَّا أَن يجمع أَي فِي غَالب الْأَحْوَال. وَذَات الْجنب إِذا تحلّلت قبلت الرئة فِي الْأَكْثَر مَا يتَحَلَّل مِنْهُ ونفثته وأخرجته وَرُبمَا تحلّل إِلَى جِهَة أُخْرَى. وَإِذا اجْتمعت الْمدَّة احْتِيجَ ضَرُورَة إِلَى أَن تنضج لتتفجر فَرُبمَا تنفث الرئة الْمدَّة وَرُبمَا قبلهَا الْعرق الأجوف فَخرجت بالبول وَرُبمَا انصبت إِلَى مجاري الثفل فاستفرغت فِي الإسهال. وَقد تقع كثيرا إِلَى الْأَمَاكِن الخالية واللحوم الغددية فَتحدث أوراماً فِي مثل الأرنبتين والمغابن وَخلف الْأُذُنَيْنِ. وَكَثِيرًا مَا تنْدَفع الْمَادَّة إِلَى الدِّمَاغ وأعضاء أُخْرَى كَمَا سنذكر فَيَقَع خطر أَو يهْلك وَرُبمَا خنقت الْمَادَّة الرئة بكثرتها وملئها مجْرى النَّفس وَرُبمَا لم تكن كثرتها هَذِه الْكَثْرَة وَلَا كَانَت إِلَّا نضيجة مُدَّة كَانَت أَو نفثاً مثل الْمدَّة إِلَّا أَن القوى تكون سَاقِطَة فتعجز عَن النفث وَلذَلِك يجب أَن تقوى الْقُوَّة فِي هَذَا الْوَقْت حَتَّى تقوى على الانقباض الشَّديد للسعال النافث فَإِن هَذَا النفث فعل يتم بقوّتين إِحْدَاهمَا طبيعية منضجة ودافعة أَيْضا وَالْأُخْرَى إرادية دافعة وَإِذا لم تقويا جَمِيعًا أمكن أَن تعجز عَن التنقية. وَاعْلَم أَن عسر النفث إِمَّا أَن يكون من الْقُوَّة إِذا كَانَت ضَعِيفَة أَو من الْآلَة إِذا كَانَت الْآلَة تتأذى بحركة نَفسهَا أَو حَرَكَة جارها أَو من الْمَادَّة إِذا كَانَت رقيقَة جدا أَو كَانَت غَلِيظَة أَو لزجة. وَفِي مثل هَذِه الْأَحْوَال قد يعرض فِي الرئة كالغليان لاختلاط الْهَوَاء بالمادة العاصية المنصبة إِلَى الرئة والعصبة(2/341)
وَمَتى لم يستنق بالنفث فِي ذَات الْجنب إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فقد جمع. وَمَتى لم يستنق الْقَيْح بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا فقد وَقع فِي ذَات الرئة والسلّ وَقد ينق التقيح فِي السَّابِع وَأما فِي الْأَكْثَر فَيكون فِي الْعشْرين وَفِي الْأَرْبَعين وَفِي الستّين وَقد يَقع انفجار قبل النضج لدفع الطبيعة الْمَادَّة المؤذية بكثرتها أَو حدّتها أَو لحرارة المزاج وَالسّن والفصل والبلد أَو لتناول المفجرات من المشروبات قبل الْوَقْت من جِهَة خطأ الطَّبِيب. وَسَنذكر المفجرات من بعد أَو لحركة من العليل مفرطة متعبة أَو صَيْحَة وَذَلِكَ خطر. وَقد يعرض أَن ينْتَقل ذَات الْجنب إِلَى ذَات الرئة بِأَن تقبل الرئة مَادَّة الورم ثمَّ لَا تجيد نفثها وتحتبس فِيهَا فتتورّم. وَقد يعرض أَن ينْتَقل ذَات الْجنب إِلَى السل تَارَة بوساطة ذَات الرئة على النَّحْو الَّذِي سنذكر وَتارَة بِغَيْر وساطة ذَات الرئة بِأَن تقرّح الْمَادَّة أَو الْمدَّة المتحللة مِنْهُ جَوْهَر الرئة لحدّتها ورداءتها وَقد يعرض أَن ينْتَقل إِلَى التشنج والكزاز بِأَن تنْدَفع الْمَادَّة فِي الأعصاب الْمُتَّصِلَة والعضو الَّذِي فِيهِ الورم فَإِنَّهُ عُضْو عصباني وَهَذَا انْتِقَال قَاتل قد لَا ينفع مَعَه سَائِر العلاجات الجيدة. وَقد يعقب ذَات الرئة وَالْجنب كالخدر فِي مُؤخر عضد صَاحبه وأنسيه وساعده إِلَى أَطْرَاف الْأَصَابِع وَقد يحمل على جِهَة الْقلب فَيعرض مِنْهُ خفقان يتبعهُ الغشي وَإِلَى جَانب الدِّمَاغ أَيْضا فِي حَال التَّحَلُّل قبل الْجمع وَفِي حَال الْجمع وَقد تنْتَقل الْمَادَّة إِلَى الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة فَتَصِير خراجات وَقد يكون انتقالها هَذَا بنفوذها فِي جَوَاهِر العصب وَالْوتر بل الْعِظَام وَإِذا مَالَتْ إِلَى الْمَوَاضِع السفلية ثمَّ انفتحت وَصَارَت نواصير كَانَ ذَلِك من أَسبَاب الْخَلَاص وَلَكِن تكون النواصير خبيثة معدية. وَإِن مَالَتْ إِلَى المفاصل وَصَارَت نواصير خلص العليل أَيْضا لَكِن رُبمَا أزمن الْعُضْو خُصُوصا إِذا لم يكن هُنَاكَ استفراغ آخر ببراز أَو بَوْل غليظ كثير الرسوب أَو نفث كثير نضيج فَإِن كَانَ شَيْء من هَذَا كَانَ أسلم فَإِن ذَلِك يدل على قلّة الْمَادَّة المحدثة للخراج وَإِمْكَان إصلاحها بالنضج. وَهَذِه الخراجات إِذا خفيت وَغَارَتْ دلّت على آفَة ونكس وخصوصاً إِذا زحفت الْمَادَّة إِلَى الرئة وَقد يعرض من شدَّة الحمّى تَوَاتر النَّفس وَمن تَوَاتر النَّفس لزوجة النفث فَإِن النفث يجِف بِسَبَب النَّفس الْمُتَوَاتر ويعرض من لزوجة النفث شدَّة الوصب وازدياد اللهيب وَمن ازدياد اللهيب تَوَاتر النَّفس وَمن تَوَاتر النَّفس اللزوجة فَلَا يزَالَانِ يتعاونان على الغائلة. وَأما أَنه أَي أَصْنَاف ذَات الْجنب والرئة أردأ أهوَ الَّذِي يكون فِي الْجَانِب الْأَيْسَر المجاور للقلب أَو الَّذِي يكون فِي الْجَانِب الْأَيْمن فَإِن بَعضهم جعل هَذَا أردأ وَبَعْضهمْ جعل ذَلِك أردأ إِلَّا أَن الْحق هُوَ أَن الْقَرِيب من جِهَة الْمَكَان أردأ لكنه أولى بِأَن ينضج وَيقبل التَّحْلِيل إِن كَانَ من شَأْنه وَقد يُوقع فِي ذَات الْجنب الامتلاء من الأخلاط إِذا عرض فِي نَاحيَة الرَّأْس(2/342)
أَو نَاحيَة الصَّدْر أَو فِي بعض الْعُرُوق المنصبة إِلَى نواحي الصَّدْر وَقد يورثه كثيرا من شرب الْمِيَاه الْبَارِدَة الحاقنة للمواد وَالْبرد الزَّائِد كَمَا تحدثه الْحَرَارَة الشَّدِيدَة وَشرب الشَّرَاب الصّرْف المحرّك للأخلاط المثير لَهَا. وَذَات الْجنب أَكثر مَا يعرض فِي الخريف والشتاء وخصوصاً بعد ربيع شتوي وَيكثر فِي الرّبيع الشتوي وهبوب الشمَال يكثر الفضول أَو يحقن الفضول فتكثر مَعَه أوجاع. الْجنب والأضلاع خُصُوصا عقيب الْجنُوب وَفِي الصَّيف. وَعند هبوب الْجنُوب يقلّ جدا لكنه إِذا كَانَ الصَّيف جنوبياً مطيراً وَكَذَلِكَ الخريف يكثر فِي آخر الخريف فِي أَصْحَاب الصَّفْرَاء ذَات الْجنب وَأما على غير هَذِه الصُّورَة. فذات الْجنب يقلّ فِي الأهوية والبلدان والرياح الجنوبية. ويقل أَيْضا فِي النِّسَاء اللَّاتِي يطمثن لِأَن مزاجهن إِلَى الرُّطُوبَة دون المرارية وَإِذا عرض للحوامل كَانَ مهْلكا ويقل فِي الشُّيُوخ فَإِن عرض قتل لضعف قواهم عَن النفث والتنقية. وَذَات الْجنب رُبمَا الْتبس بِذَات الكبد فَإِن المعاليف إِذا تمددت لورم الكبد تأدى ذَلِك إِلَى الْحجاب والغشاء فأحس فِيهِ بوجع وتأذى إِلَى ضيق النَّفس فَيحْتَاج إِلَى أَن يعرف الْفرق بَينهمَا وَرُبمَا الْتبس بالسرسام وَذَات الْجنب أَو غير ذَلِك مِمَّا قيل. وَاعْلَم أَن ذَات الْجنب إِذا اقْترن بِهِ نفث الدَّم كَانَ مثل الاسْتِسْقَاء تقترن بِهِ الحمّى فَيحْتَاج الأول - وَهُوَ ذَات الْجنب - إِلَى علاج قَابض بِحَسب نفث الدَّم ملين بِحَسب ذَات الْجنب كَمَا أَن الثَّانِي يحْتَاج إِلَى علاج مسخن مجفّف أَو مجفّف معتدل بِسَبَب الاسْتِسْقَاء مبرّد مرطّب بِسَبَب الحمّى. وَكَثِيرًا مَا يكون سَبَب ذَات الْجنب وَذَات الرئة تنَاول أغذية غَلِيظَة الْغذَاء مُغَلّظَة للدم كالقبيط فيندفع إِلَى نواحي الثندوة وَالْجنب وعلاجه ترقيق الْمَادَّة بالحمام وَيخرج مِنْهُ إِلَى سكنجبين يشربه ويجتنب التمريخ بالدهن فَإِنَّهُ جذّاب وَرُبمَا اسْتغنى بِهَذَا عَن الفصد. عَلَامَات ذَات الْجنب: لذات الْجنب الْخَالِص عَلَامَات خَمْسَة: وَهِي حمّى لَازِمَة لمجاورة الْقلب وَالثَّانيَِة وجع ناخس تَحت الأضلاَع لِأَن الْعُضْو غشائي وَكَثِيرًا مَا لَا يظْهر إِلَّا عِنْد التنفس وَقد يكون مَعَ النخس تمدّد وَرُبمَا كَانَ أَكثر والتمدّد يدلّ على الْكَثْرَة والنخس على الْقُوَّة فِي النّفُوذ واللذع وَالثَّالِثَة ضيق نفس لضغط الورم وصغره وتواتر مِنْهُ وَالرَّابِعَة نبض منشاري سَببه الاختلاَف ويزداد اختلافه وَيخرج عَن النظام عِنْد الْمُنْتَهى لضعف الْقُوَّة وَكَثْرَة الْمَادَّة وَالْخَامِسَة السعال فَإِنَّهُ قد يعرض فِي أول هَذِه العلّة سعال يَابِس ثمَّ ينفث(2/343)
وَرُبمَا كَانَ هَذَا السعال مَعَ النفث من أول الْأَمر وَهُوَ مَحْمُود جدا وَإِنَّمَا يعرض السعال لتأذي الرئة بالمجاورة ثمَّ يرشح مَا يوشح إِلَيْهَا من مَادَّة الْمَرَض فَيحْتَاج إِلَى نفثه فَإِن تحلّل كُله وترشّح فقد استنقى مَا جمع والخالص مِنْهُ لَا يكون مَعَه ضَرْبَان لِأَن الْعُضْو عادم لِكَثْرَة الشرايين وَلما كَانَ ذَات الْجنب يشبه ذَات الكبد بِسَبَب السعال والحمّى وضيق النَّفس ولتمدّد المعاليق واندفاع الْأَلَم إِلَى الغشاء المستبطن وَجب أَن يفرق بَينهَا وَبَينهَا وَأَيْضًا يشبه ذَات الرئة بِسَبَب ذَلِك وبسبب النفث فَيجب أَن يفرق بَينهمَا. فَالْفرق بَين ذَات الْجنب وَذَات الكبد أَن النبض فِي ذَات الكبد موجي والوجع ثقيل لَيْسَ بناخس وَالْوَجْه مُسْتَحِيل إِلَى الصُّفْرَة الرَّديئَة والسعال غير نافث بل تكون سعالات يابسة متباطئة وَرُبمَا اسودّ اللِّسَان بعد صفرته وَالْبَوْل يكون غليظاً استسقائياً وَيكون البرَاز كبدياً ويحسّ بثقل فِي الْجَانِب الْأَيْمن وَلَا يُدْرِكهُ اللَّمْس فيوجع. وَرُبمَا كَانَ فِي ذَات الكبد إسهال يشبه غسالة اللَّحْم الطري لضعف الْقُوَّة وَإِذا كَانَ الورم فِي الحدبة أحسّ بِهِ فِي اللَّمْس كثيرا وَإِن كَانَ فِي التقعير كشف عَنهُ التنفس المستعصي إِذا دلّ على شَيْء ثقيل معلّق وضيق النَّفس فِي ذَات الكبد متشابه فِي الْأَوْقَات غير شَدِيد جدا وَأما الْمَجْنُون فسعاله نافث ووجعه ناخس وبوله أحسن قواماً ولونه أحسن مَا يكون وضيق نَفسه أشدّ وَهُوَ ذَاهِب إِلَى الازدياد على الِاتِّصَال حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ فِي كلّ سِتّ سَاعَات تفَاوت فِي الازدياد كثير. وَالْفرق بَينه وَبَين ذَات الرئة أَيْضا هُوَ أَن نبض ذَات الرئة موجي ووجعه ثقيل وضيق نَفسه أشدّ وَنَفسه أسخن وعلامات أُخْرَى وَلما كَانَ ذَات الْجنب قد تعرض مَعَه أَعْرَاض السرسام الْمُنكرَة مثل اخْتِلَاط الدّهن والهذيان وتواتر النَّفس والخفقان والغشي وَمَا هُوَ دون ذَلِك وصعوبة الكرب وَشدَّة الضجر وشدّة الْعَطش وتغيّر السحنة إِلَى ألوان مُخْتَلفَة وشدّة الحمّى وقيء المرارة وَالسَّبَب فِي هَذِه الْأَعْرَاض مُشَاركَة الصَّدْر للأعضاء الرئيسية ومجاورتها وَجب أَن نفرق بَين الْأَمريْنِ أَعنِي البرسام والسرسام. فَمن الفروق أَن اخْتِلَاط الدّهن يعرض فِي السرسام أَولا ثمَّ تشتدّ فِيهِ سَائِر الْأَعْضَاء وَيكون التنفس فِيهِ أسلم ويتأخر فَسَاد النَّفس عَن الِاخْتِلَاط وَيكون مَعَه أعراضه الْخَاصَّة كحمرة الْعَينَيْنِ وانجذابهما إِلَى فَوق. وَأما فِي البرسام فَيتَأَخَّر اخْتِلَاط الذِّهْن وَرُبمَا لم يكن إِلَى قرب الْمَوْت بل كَانَ عقل سليم وَلكنه يتقدّمه فِيهِ تغير النَّفس وسوءه وَيكون فِي الأولى تمدّد فِي المراق إِلَى فَوق كَأَنَّهُ ينجذب إِلَى(2/344)
الورم ووجع ناخس. وَمن الفروق فِي ذَلِك أَن النبض فِي السرسام عَظِيم إِلَى التَّفَاوُت وَفِي ذَات الْجنب صَغِير إِلَى التَّوَاتُر ليتلافى الصغر وَذَات الْجنب إِذا اشتدّ اشتدت الْأَعْرَاض الْمَذْكُورَة مَعَه ويبس اللِّسَان وخشن. وَإِذا ازْدَادَ عرض احمرار فِي الْوَجْه وَالْعين والقلق الشَّديد وَفَسَاد النَّفس واختلاط الذِّهْن والعرق الْمُنْقَطع وَرُبمَا أدّى إِلَى اخْتِلَاف رَدِيء. إِذا لم يكن ذَات الْجنب خَالِصا بل كَانَ فِي الغشاء المجلّل للأضلاع أَو فِي العضل الْخَارِجَة كَانَ لَهُ عَلَامَات وَكَانَ الوجع فِيهِ والآفة إِلَى حد فَإِن الَّذِي يكون فِي الغشاء الْخَارِج يُدْرِكهُ اللَّمْس وَرُبمَا شَاركهُ الْجلد فَيظْهر لِلْبَصَرِ وَرُبمَا انفجر خراجاً وَلم يُوجب نفثاً. وَهَذَا الانفجار قد يكون بالطبع وَقد يكون بالصناعة. وَالَّذِي يكون فِي العضل الْخَارِجَة يكون مَعَه ضَرْبَان فَإِن كَانَ الإحساس بِهِ مَعَ الِاسْتِنْشَاق كَانَ فِي العضل الباسطة وَإِن كَانَ الإحساس بِهِ فِي الردّ كَانَ فِي العضل القابضة. وَقد علمت أَنَّهُمَا جَمِيعًا موجودان فِي الطبقتين جَمِيعًا الدَّاخِلَة والخارجة. والغمز أَيْضا يدْرك هَذَا الضَّرْب من ذَات الْجنب الَّتِي لَيست بخالصة وَهَذَا الْغَيْر الْخَالِص لَا يفعل من الوجع الناخس وَمن ضيق النَّفس والسعال وَمن صلابة النبض ومنشاريته وشدّة الحمّى وأعراضها مَا يكون فِي الْخَالِص. وَرُبمَا كَانَ النبض ليّناً وَرُبمَا كَانَ حمّى بِسَبَب ورم فِي غير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة أَو لسَبَب آخر مثل نفث مفرط وَغَيره وَلَا يكون ذَات الْجنب إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ وجع ناخس ونبض منشاري وَغير ذَلِك وَفِي الْأَكْثَر غير الْحَقِيقَة يكون الوجع أَسْفَل مشط الْكَتف وَمَا كَانَ من الْخَالِص فِي الْحجاب الحاجز كَانَ الوجع إِلَى الشراسيف وَكَانَ اخْتِلَاط الْعقل فِيهِ أَكثر واشتدت الْأَعْرَاض والموجع وعسر النَّفس وَلم تكن سرعَة شدَّة الحمّى كَمَا فِي غَيره بل رُبمَا تأخّر إِلَى أَن يعفن العضل فتقوى الْحمى جدا وَإِن كَانَ فِي الغشاء المستبطن للصدر وَكَانَ الوجع إِلَى الترقوة وَاخْتلف الوجع لاخْتِلَاف مماسة أَجزَاء الغشاء للترقوة ولاختلاف الْأَجْزَاء فِي الْحس وَلَا يكون مَعَه ضَرْبَان الْبَتَّةَ. والوجع المائل إِلَى نَاحيَة الشراسيف قد يكون بِسَبَب الورم فِي الْحجاب الحاجز وَقد يكون لحدوث الورم فِي الْأَعْضَاء اللحمية الَّتِي فِي الأضلاع وَلَيْسَ فِيهِ كثير خطر. عَلَامَات الرَّدِيء مِنْهُ والسليم: يدل على سَلَامَته النفث السهل السَّرِيع النضيج وَهُوَ الْأَبْيَض الأملس المستوي والنبض الَّذِي لَيْسَ بشديد الصلابة والمنشارية وقلّة الوجع وَسَائِر الْأَعْرَاض وسلامة النّوم وَالنَّفس وَقبُول العلاج وَاحْتِمَال الْمَرِيض لما بِهِ واستواء الْحَرَارَة فِي(2/345)
الْبدن مَعَ لين وَقلة عَطش وكرب وَكَون الْعرق الْبَارِد وَالْبَوْل وَالْبرَاز على الْحَالة المحمودة. ونضج الْبَوْل عَلامَة جَيِّدَة فِيهِ كَمَا أَن رداءته عَلامَة رَدِيئَة جدا ورداءة البرَاز ونتنه وَشدَّة صفرته عَلامَة رَدِيئَة وَظهر الرعاف من العلامات الجيدة النافعة فِي ذَات الْجنب والرديء أَن تكون أعراضه ودلائله شَدِيدَة قَوِيَّة والنفث محتبساً أَو بطيئاً وَهُوَ غير نضيج إِمَّا أَحْمَر صرفا أَو أسود ويزداد لزوجة وخنقاً كمداً وعسراً وَيكون على ضد من سَائِر مَا عددنا للجيّد. وَمن العلامات الرَّديئَة أَن يكون هُنَاكَ بَوْل عكر غير مستو وَهُوَ دموي فَإِنَّهُ رَدِيء يدل على التهاب شؤون الدِّمَاغ وَمن العلامات الرَّديئَة أَن يكون هُنَاكَ حرارة شَدِيدَة وخصوصاً إِذا كَانَ مَعَ برد فِي الْأَطْرَاف ووجع يَمْتَد إِلَى خلف وَزِيَادَة من الوجع إِذا نَام على الْجَانِب العليل فَإِذا حدث بِهِ أَو بِصَاحِب ذَات الرئة اخْتِلَاف فِي آخِره دلّ على أَن الكبد قد ضعفت وَهُوَ رَدِيء وَهُوَ فِي أَوله جيد بل أَمر نَافِع. وَإِمَّا الِاخْتِلَاف الَّذِي يَجِيء بعد ذَلِك وَلَا يَزُول بِهِ عسر النَّفس وَالْكرب فَرُبمَا قتل فِي الرَّابِع أَو قبله. واختلاج مَا تَحت الشراسيف فِي ذَات الْجنب كثيرا مَا يدل على اخْتِلَاط الْعقل لمشاركة الْحجاب الرَّأْس وَتَكون هَذِه حَرَكَة من مواد الْحجاب. وحركتها فِي الْأَكْثَر فِي مثل هَذِه الْعلَّة حَرَكَة صاعدة. وَمن العلامات الرَّديئَة أَن تغور الخراجات المنحياة عَن ذَات الْجنب من غير سُكُون الحمّى وَلَا نفث جيد فَإِن ذَلِك يدل على الْمَوْت لما يكون مَعَه لَا محَالة من رُجُوع الْمَادَّة إِلَى الْغَوْر. وَأما العلامات الجيدة والرديئة الَّتِي تكون بعد التقيّح فنفرد لَهُ بَابا. وَاعْلَم أَن ذَات الْجنب إِذا لم يكن فِيهِ نفث فَهُوَ إِمَّا ضَعِيف جدا وَإِمَّا رَدِيء خَبِيث جدا. فَإِنَّهُ إِمَّا أَن لَا يكون مَعَه كثير مَادَّة يعتدّ بهَا وَإِمَّا أَن تكون عاصية عَن الانتفات خبيثة. قَالَ أبقراط: أَنه كثيرا مَا يكون النفث جيدا سهلاً وَكَذَلِكَ النَّفس وَيكون هُنَاكَ عَلَامَات أُخْرَى رَدِيئَة قاتلة مثل صنف يكون الوجع مِنْهُ إِلَى خلف وَيكون كأنّ ظهر صَاحبه ظهر مَضْرُوب وَيكون بَوْله دموياً قيحياً وقلما يفلح بل يَمُوت مَا بَين الْخَامِس وَالسَّابِع وقليلاً مَا يَمْتَد إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَفِي الْأَكْثَر إِذا تجَاوز السَّابِع نجا وَكَثِيرًا مَا يظْهر بَين كَتِفي صَاحبه حمرَة وتسخن كتفاه وَلَا يقدر أَن يقْعد فَإِن سخن بَطْنه وَخرج مِنْهُ برَاز أصفر مَاتَ إِلَّا أَن يُجَاوز السَّابِع. وَهَذَا إِذا أسْرع إِلَيْهِ نفث كثير الْأَصْنَاف مختلفها ثمَّ اشتدّ الوجع مَاتَ فِي الثَّالِث وَإِلَّا برِئ. وَضرب آخر يحسّ مَعَه بضربان يَمْتَد من الترقوة إِلَى السَّاق وَيكون البزاق فِيهِ نقياً لَا رسوب مَعَه وَالْمَاء نقياً وَهُوَ قَاتل لميل الْمَادَّة إِلَى الرَّأْس فَإِن جَاوز السَّابِع برِئ. عَلَامَات أوقاته: إِذا لم يكن نفث أَو كَانَ النفث رَقِيقا أَو قَلِيلا أَو الَّذِي يُسمى بزاقاً على مَا نذكرهُ فَهُوَ(2/346)
الِابْتِدَاء وَمَا تزداد الْأَعْرَاض فِيهِ ويزداد النفث وَيَأْخُذ فِي الرّقة ويزداد فِي الخثورة وَفِي السهولة وَيَأْخُذ فِي الْحمرَة إِن كَانَت إِلَى الاصفرار الْمُنَاسب للحمرة فَهُوَ الازدياد ثمَّ إِذا نفث العليل نفثاً سهلاً نضجاً على مَا ذَكرْنَاهُ من النضج وَيكون كثيرا وَيكون الوجع خَفِيفا فَذَلِك هُوَ وَقت الْمُنْتَهى وَوقت موافاة النضج التَّام ثمَّ إِذا أَخذ النفث ينقص مَعَ ذَلِك القوام وَتلك السهولة وَمَعَ عدم الوجع ونقصان الْأَعْرَاض فقد انحط فَإِذا أحتبس النفث عَن زَوَال الْأَعْرَاض الْبَتَّةَ فقد عَلَامَات أصنافه بِحَسب أَسبَابه: الْأَشْيَاء الَّتِي مِنْهَا يستدلّ على السَّبَب الْفَاعِل لذات الْجنب النفث فِي لَونه إِذا كَانَ بسيط اللَّوْن. أَو مختلط اللَّوْن وَمن مَوضِع الوجع وَمن الحمّى وشدتها ونوبتها فَإِن النفث إِذا كَانَ إِلَى الْحمرَة دلّ على الدَّم وَإِذا كَانَ إِلَى الصُّفْرَة دلّ على الصَّفْرَاء. والأشقر يدلّ على اجْتِمَاعهمَا وَإِذا كَانَ إِلَى الْبيَاض وَلم يكن للنضج دلّ على البلغم وَإِذا كَانَ إِلَى السوَاد والكمودة وَلم يكن لسَبَب صابغ من خَارج من دُخان وَنَحْوه دلّ على السَّوْدَاء. وَأَيْضًا فَإِن الوجع فِي البلغم والسوداء فِي أَكثر الْأَمر يكون منسفلاً وَإِلَى اللين وَفِي الآخرين متصعِّداً ملتهباً وَأَيْضًا فَإِن الْحمى إِن كَانَت شَدِيدَة كَانَت من مواد حارة وَإِن كَانَت غير شَدِيدَة كَانَت من مواد إِلَى الْبرد مَا هِيَ وَرُبمَا دلّت بالنوائب دلَالَة جَيِّدَة. عَلَامَات انْتِقَاله: أَنه إِذا لم ينفث نفثاً مَحْمُودًا سَرِيعا وَلم يستنشق فِي أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فقد انْتقل إِلَى الْجمع وَيدل على ابْتِدَائه فِي تصعده شدَّة الوجع وعسر النَّفس وضيقه وتضاغطه عِنْد الْبسط مَعَ صغر وَشدَّة الحمّى وخشونة اللِّسَان خَاصَّة ويبس السعال لتلزج الْمَادَّة وكثافة الْحجاب وَضعف الْقُوَّة وَسُقُوط الشَّهْوَة والأخلاط والسهر ويقل نخسه فِي ذَلِك الْموضع وَإِذا جمع وَتمّ الْجمع سكنت الحمّى والوجع وازداد الثّقل فَإِذا انفجر عرض نافض مُخْتَلف واستعراض نبض مَعَ اختلافه وَتسقط القوّة وتذبل النَّفس. وَكَثِيرًا مَا تعرض حمى شَدِيدَة لِلذع الْمدَّة للأعضاء ولذع الورم فَإِذا انفجر ثمَّ لم يستنق من يَوْم الانفجار إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا أدّى إِلَى السلّ وانفجار المتقيح فِي الْيَوْم السَّابِع وأبعده فِي الْأَقَل وَأَكْثَره بعد ذَلِك إِلَى الْعشْرين وَالْأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ. وَكلما كَانَت عوارض الْجمع أشدّ كَانَ الانفجار أسْرع وَكلما كَانَت أَلين كَانَ الإنفجار أَبْطَأَ وخصوصاً الْحمى من جملَة الْعَوَارِض. وَإِذا ظَهرت العلامات الظَّاهِرَة الهائلة وَكنت قد شاهدت دَلَائِل محمودة فِي النفث وَغَيره فَلَا تجزع كل الْجزع فَإِن عروضها بِسَبَب الْجمع لَا بِسَبَب آخر. وكل ذَات جنب لَا يسكن وَجَعه بنفث وَلَا فصد وَلَا إسهال وَلَا غير ذَلِك فتوقع مِنْهُ تقييحاً أَو قتلا قبله بِحَسب سَائِر الدَّلَائِل. وَإِذا رَأَيْت النبض يشْتَد(2/347)
تمدده وخصوصاً إِذا اشْتَدَّ تواتره فَإِن ذَلِك ينذر إِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة بِأَنَّهُ ينْتَقل إِلَى ذَات الرئة والتقيح والسل. وَبِالْجُمْلَةِ إِذا كَانَ هُنَاكَ دَلَائِل قُوَّة وسلامة ثمَّ لم يسكن الوجع بنفث أَو إسهال أَو فصد وتكميد فَهُوَ آيل إِلَى التقيح. وَأما إِن لم تكن دَلَائِل السَّلامَة من ثبات الْقُوَّة وثبات الشَّهْوَة وَغير ذَلِك فَإِن ذَلِك يُنذر بِأَنَّهُ قَاتل وينذر بالغشي أَولا. على أَن الشَّهْوَة تسْقط فِي أَكثر الْأَمر عِنْد الانفجار وتحمر الوجنتان لما يتصاعد إِلَيْهِمَا من البخار وتسخن الْأَصَابِع لذَلِك أَيْضا. وَإِذا انفجر إِلَى فضاء الصَّدْر أوهم الخفة أَيَّامًا ثمَّ يسوءه حَاله وَإِذا انفجر رَأَيْت النب على مَا حكيناه قد ضعف واستعرض وَأَبْطَأ وتفاوت لانحلال الْقُوَّة بالاستفراغ وانطفاء الْحَرَارَة الغريزية. ويعرض أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ نافض يتبعهُ حَتَّى بِسَبَب لذع الأخلاط فَإِن كَانَت الْمَادَّة من المنفجر كَثِيرَة وَالْقُوَّة ضَعِيفَة أدَّت إِلَى الْهَلَاك. وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة وَاشْتَدَّ التمدد والتواتر فَإِن ذَلِك كَمَا علمت ينذر بالغشي وَإِن كَانَ التَّوَاتُر دون ذَلِك وَدون مَا يُوجِبهُ نفس ذَات الْجنب فَرُبمَا أنذر بالسبات أَو التشنج أَو بطء النضج وَإِنَّمَا يحدث السبات لقبُول الدِّمَاغ الأبخرة الرّطبَة الَّتِي هِيَ لَا محَالة لَيست بِتِلْكَ الحادة إِلَّا لتواتر النبض جدا قبولاً مَعَ ضعفه عَن دَفعهَا فِي الأعصاب. وَيحدث التشنج لقُوَّة الدِّمَاغ على دَفعهَا فِي الأعصاب وَيدل على بطء التقيح لغلظ الْمَادَّة وَلِأَنَّهَا لَيست تنْتَقل وَأَن الدِّمَاغ والأعصاب قَوِيَّة لَا تقبله. وَرُبمَا أنذرت بالتشنج وَذَلِكَ إِذا كَانَ النَّفس يشْتَد ضيقه اشتداداً والحمى لَيست بقوية. وَإِذا رَأَيْت الْعلَّة قد سكنت يَسِيرا وَخفت وَلم يكن هُنَاكَ نفث فَرُبمَا انْتقصَ الْمَادَّة ببول أَو برَاز وَظهر اخْتِلَاف مراري رَقِيق أَو ظهر بَوْل غليظ. فَإِن لم ير ذَلِك فسيظهر خراج فَإِن رَأَيْت تمدداً فِي المراق والشراسيف وحرارة وثفلاً أنذر ذَلِك بخراج عِنْد الأرنبتين أَو إِلَى السَّاقَيْن. وميله إِلَى السَّاقَيْن شَدِيد الدّلَالَة على السَّلامَة. وَفِي مثل هَذَا يَأْمر أبقراط بالاستسهال بالخربق. فَإِن رَأَيْت مَعَ ذَلِك عسر نفس وضيق صدر وصداعاً وثفلاً فِي الترقوة والثدي والساعد وحرارة إِلَى فَوق أنذر ذَلِك بميل الْمَادَّة إِلَى نَاحيَة الْأُذُنَيْنِ وَالرَّأْس. فَإِن كَانَت الْحَالة هَذِه وَلم يظْهر ورم وَلَا خراج فِي هَذِه النَّاحِيَة فَإِن الْمَادَّة تميل إِلَى الدِّمَاغ نَفسه وَتقتل.(2/348)
فصل فِي كَلَام جَامع فِي النفث يبْدَأ فِي الثَّانِي وَالثَّالِث: أفضل النفث وأسرعه وأسهله وَأَكْثَره وأنضجه الَّذِي هُوَ الْأَبْيَض الأملس المستوي الَّذِي لَا لزوجة فِيهِ بل هُوَ معتدل القوام. وَمَا كَانَ قَرِيبا من هَذَا النضج يسكن أخلاطاً إِن كَانَت قبله أَو سهراً أَو عرضا آخر رديئاً ويليه المائل إِلَى الْحمرَة فِي أول الْأَيَّام والمائل إِلَى الصُّفْرَة وَبعد ذَلِك الزُّبْدِيُّ. وَسبب الزبدية هُوَ أَن يكون فِي الْخَلْط شَيْء رَقِيق قَلِيل يخالطه هَوَاء كثير وَتَكون المخالطة شَدِيدَة جدا. على أَن الزُّبْدِيُّ لَيْسَ بذلك الْجيد بل هُوَ أميل إِلَى الرداءة. وأردؤه فِي الأول الْأَحْمَر الصّرْف أَو الْأَصْفَر الصّرْف الناري. وَمن الرَّدِيء جدا الْأَبْيَض اللزج المستدير. وأردأ الْجَمِيع الْأسود وخصوصاً المنتن مِنْهُ. والأصفر خير من الْأسود. وَمن الغليظ المدحرج المستدير وَهَذَا المستدير خير من الْأَحْمَر وَإِن كَانَ رديئاً ودليلاً على غلظ الْمَادَّة واستيلاء الْحَرَارَة وينفر بطول من الْمَرَض يؤول إِلَى سلّ وذبول. والأحمر خير من الْأَصْفَر لِأَن الدَّم الطبيعي - وَهُوَ الْأَحْمَر - والبلغم المعتدل أَلين جانباً من الْأَصْفَر الأكال المحرق والأخضر يدل على جمود أَو على احتراق شَدِيد وَلَا يزِيل حكم رداءة النفث فِي جوهره سهولة خُرُوجه والمنتن رَدِيء وانتفاث أَمْثَال هَذِه الرَّديئَة يكون للكثرة لَا للنضج وكل نفث لَا يسكن مَعَه الْأَذَى فَلَيْسَ بجيد. وَمن عَادَتهم أَنهم يسمون الساذج الَّذِي لَا يخالطه شَيْء غَرِيب نضيج أَو شَيْء من الدَّم أَو شَيْء من الصَّفْرَاء أَو السَّوْدَاء بزاقاً وَلَا يسمونه نفثاً وَمثل هَذَا إِذا دَامَ وَلم يخْتَلط بِهِ شَيْء وَلم يعرض لَهُ حَال يدل على أَن الأخلاط هُوَ دَاء ينضج فَإِنَّهُ يدلّ على طول الْعلَّة وَإِذا كَانَ مَعَ عدم النضج رديئاً دلّ على الْهَلَاك. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن النفث يدل بلونه وَيدل بقوامه من غلظه ورقته وَيدل بشكله من استدارته وَغير استدارته ويدلّ بمقداره فِي كثرته وقلّته والنفث المالح يدلّ على نزلة أكّالة وَنَفث الْخَلْط الغليظ بل الْقَيْح قد لَا يكون بِسَبَب قُرُوح الرئة بل بِسَبَب رُطُوبَة صديديّة تتحلّب من أبدان من جَاوز الثَّلَاثِينَ إِلَى الْخمسين وَترك الرياضة فيجتمع فِي فضاء الصَّدْر وينتفث وَيَقَع بِهِ الاسْتِسْقَاء فِي مُدَّة أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى سِتِّينَ وَلَا يكون بِهِ كَبِير بَأْس. وَإِذ أنفث فِي الْيَوْم الأول شَيْئا رَقِيقا غير نضيج فيتوقع أَن ينضج فِي الرَّابِع ويتحرّز فِي السَّابِع. فَإِن لم ينضج فِي الرَّابِع أَو كَانَ ابْتِدَاء النفث لَيْسَ من الْيَوْم الأول فبحرانه فِي الْحَادِي عشر أَو الرَّابِع عشر. فَإِن لم ينفث إِلَى مَا بعد الرَّابِع ثمَّ نفث وَفِيه نضج مَاء فَالْأَمْر متوسط. وَإِن لم يكن فِيهِ نضج فالعلة تطول مَعَ رَجَاء وخصوصاً إِذا كَانَت هُنَاكَ عَلَامَات جَيِّدَة من الْقُوَّة والشهوة والنبض.(2/349)
وَأما إِذا لم ينفث إِلَى السَّابِع أَو نفث بِلَا نضج الْبَتَّةَ بل إِنَّمَا هُوَ خلط ساذج فَإِن وجدت الْقُوَّة ضَعِيفَة علمت أَنَّهَا لَا تنضج إِلَّا بعد زمَان فَإِنَّهَا تخور قبل ذَلِك وَلَا تجَاوز الرَّابِع عشر. وَرُبمَا هلك قبله لِأَن بحران مثل هَذَا إِلَى أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ. والطبيعة الضعيفة لَا تمتد سَالِمَة إِلَى ذَلِك الْوَقْت وَإِن وجدت الْقُوَّة قويّة وَرَأَيْت الشهوتين معتدلتين محمودتين وَرَأَيْت النّوم وَالنَّفس على مَا يَنْبَغِي وَرَأَيْت الْبَوْل نضيجاً جيدا رَجَوْت أَن يُجَاوز الرَّابِع عشر ثمَّ يَمُوت فِي الْأَكْثَر بعْدهَا. وكلّ هَذَا إِذا كَانَت الْمَادَّة الَّتِي توجب الْعلَّة حادة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن أطول بحران الْخَفِيف مِنْهُ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا وَرُبمَا امْتَدَّ إِلَى عشْرين يَوْمًا وَرُبمَا امْتَدَّ إِلَى عشْرين. وَقد زعم جالينوس أَنه رُبمَا استسقى بالنفث إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وصادف بِهِ بحران بحراناً تَاما وَقد قُلْنَا أَن النفث الساذج البزاقي يدل على طول الْعلَّة وَقد يتَّفق أَن يكون توقع البحران لوقت بِعرْض دَلِيل يَجعله أقرب أَو دَلِيل فَيَجْعَلهُ أبعد مثلا إِذا كَانَ النفث وَالْأَحْوَال تدل على أَن البحران يكون فِي الرَّابِع عشر فَيظْهر بعد السَّابِع نفث أسود وخصوصاً فِي يَوْم رَدِيء كالثامن فَإِنَّهُ يدلّ على أَن البحران الرَّدِيء يتَقَدَّم وَإِن ظهر يدلّ ذَلِك دَلِيل جيد على نضج مَحْمُود دلّ على أَن البحران الرَّدِيء يتَأَخَّر والجيد يتَقَدَّم. فصل فِي ذَات الرئة ذَات الرئة ورم حَار فِي الرئة وَقد يَقع ابْتِدَاء وَقد يتبع حُدُوث نَوَازِل نزلت إِلَى الرئة أَو خوانيق انْحَلَّت إِلَى الرئة أَو ذَات جنب اسْتَحَالَ ذَات الرئة. وأمثال هَذِه يقتل إِلَى السَّابِع وَإِن قويت الطبيعة على نفث الْمَادَّة فَإِنَّهَا فِي الْأَكْثَر توقع فِي السل. وَذَات الرئة تكون عَن خلط وَلَكِن أَكثر مَا تكون تكون عَن البلغم لِأَن الْعُضْو سخيف قَلما يحتبس فِيهِ الْخَلْط الرَّقِيق كَمَا أَن أَكثر ذَات الْجنب مراري بعكس هَذَا الْمَعْنى لِأَن الْعُضْو غشائي كثيف مستحصف فَلَا ينفذ فِيهِ إِلَّا اللَّطِيف الحاد. على أَنه قد يكون من الدَّم وَقد يكون من جنس الْحمرَة وَهُوَ قتال فِي الْأَكْثَر بحدّته ومجاورته للقلب وَقلة انتفاعه بالمشروب والمضمود فَإِن المشروب لَا يصل إِلَيْهِ وَهُوَ يحفظ من قُوَّة تبريده مَا يُقَابله والمضمود لَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ تبريداً يوازيه. وَذَات الرئة قد تَزُول بالتحلل وَقد تؤول إِلَى التقيّج وَقد تصلب وَكَثِيرًا مَا تنْتَقل إِلَى خراجات وَقد تنْتَقل إِلَى قرانيطس وَهُوَ رَدِيء. وَرُبمَا انْتقل إِلَى ذَات الْجنب وَهُوَ فِي الْقَلِيل النَّادِر وَقد يعقب خدراً مثل الْمَذْكُور فِي ذَات الْجنب وَهُوَ أَكثر عقَابا لَهُ وَلَيْسَ نفع الرعاف فِي ذَات الرئة كنفعه فِي ذَات الْجنب لاخْتِلَاف الْمَادَّتَيْنِ ولأنّ الجذب من الرئة أبعد مِنْهُ فِي الْحجاب وأغشية الصَّدْر وعضلاته.(2/350)
العلامات: عَلَامَات ذَات الرئة حمّى حادة لِأَنَّهُ ورم حَار فِي الأحشاء وضيق نفس شَدِيد كالخانق ينصب المتنفس لأجل الورم ويُضيّق المسالك وحرارة نفس شَدِيد وَثقل لِكَثْرَة مَادَّة فِي عُضْو غير حساس الْجَوْهَر حساس الغشاء الَّذِي لُف فِيهِ وتمدد فِي الصَّدْر كُله بِسَبَب ذَلِك ووجع يَمْتَد من الصَّدْر وَمن العمق إِلَى نَاحيَة الْقصر والصلب. وَقد يحس بِهِ بَين الْكَتِفَيْنِ وَقد يحس بضربان تَحت الْكَتف والترقوة والثدي إِمَّا مُتَّصِلا وَإِمَّا عِنْدَمَا يسعل وَلَا تحْتَمل أَن يضطجع إِلَّا على الْقَفَا وَأما على الْجنب فيختنق. وَصَاحب ذَات الرئة يحمرّ لِسَانه أَولا ثمَّ يسودّ وَيكون لِسَانه بِحَيْثُ تلصق بِهِ الْيَد إِذا لمسته بهَا مَعَ غلظ وَرُبمَا شَاركهُ فِي التمدد وامتلاء الْوَجْه كُله وَيظْهر فِي الوجنتين حمرَة وانتفاخ لما يتَصَعَّد إِلَيْهِمَا من البخار مَعَ لحميتهما وتخلخلهما ليسَا كالجبهة فِي جلديتها. وَرُبمَا اشتدت الْحمرَة حَتَّى الْمَصْبُوغ وَرُبمَا أحس بصعود البخار كَأَنَّهُ نَار تعلوه وَتظهر نفخة شَدِيدَة وَنَفس عالٍ سريع لعظم الْحمى وآفتها. وتهيج العينان وتثقل حركتهما وتمتلئ عروقهما وتثقل الأجفان وَالسَّبَب فِيهِ أَيْضا البخار وَيظْهر فِي القرنية شبه تورّم وَفِي الحدقة شبه جحوظ مَعَ دسومة وَسمن وتغلظ الرَّقَبَة. وَرُبمَا حدث سبات لِكَثْرَة البخار الرطب وَرُبمَا كَانَ مَعَه برد أَطْرَاف. وَأما النبض فَيكون موجيّاً لينًا لأنّ الورم فِي عُضْو لين والمادة رطبَة والموج مُخْتَلف لَا محَالة فِي انبساط وَاحِد. وَرُبمَا انْقَطع وَرُبمَا صَار ذَا فرعتين وَذَلِكَ فِي انبساط وَاحِد. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك بِحَسب انبساطات كَثِيرَة وَقد يَقع فِي الانبساطات الْكَثِيرَة وَقد يَقع فِيهِ الْوَاقِع فِي الْوسط. ونبضه فِي الْأَكْثَر عَظِيم لشدَّة الْحَاجة ولين الْآلَة إِلَّا أَن تضعف الْقُوَّة جدا. وَأما التَّوَاتُر فيشتد ويقل بِحَسب الْحمى وَالْحَاجة وبحسب كِفَايَة الْقُوَّة وَذَلِكَ بالعظم أَو عجزها هنه. وَقد ذكر أبقراط أَنه إِذا حدث بهم خراجات عِنْد الثديين وَمَا يليهما وانفتحت نواصير تخلصوا. وَذَلِكَ مَعْلُوم السَّبَب وَكَذَلِكَ إِذا حدثت خراجات فِي السَّاق كَانَت عَلامَة محمودة. وَإِذا انْتقل فِي النَّادِر إِلَى ذَات الْجنب خف ضيق النَّفس وَحدث وخز. ونفثهم قد يكون أَيْضا على ألوان مثل نفث ذَات الْجنب وَأَكْثَره بلغمي. وَأما ذَات الرئة الَّذِي يكون من جنس الْحمرَة فَيكون فِيهِ ضيق النَّفس. والثقل المحسوس فِي الصَّدْر أقل لَكِن الاتهاب يكون فِي غَايَة الشدَّة. وعلامات انْتِقَاله إِلَى التقيّح قريبَة من عَلَامَات ذَات الْجنب فِي مثله وَهُوَ أَن تكون الْحمى لَا تنقص وَلَا الوجع وَلَا يرى نقص يعتدّ بِهِ بنفث أَو بَوْل غليظ فِي رسوب أَو برَاز فَإِنَّهُ إِن رَأَيْت الْمَرِيض مَعَ هَذِه العلامات سالما قَوِيا(2/351)
فَهُوَ يؤول إِلَى التقيح أَو إِلَى الْخراج إِمَّا إِلَى فَوق وَإِمَّا إِلَى أَسْفَل بِحَسب العلامات الْمَذْكُورَة فِي ذَات الْجنب. وَإِن لم يكن هُنَاكَ قُوَّة سَلامَة فتوقع الْهَلَاك. وَإِذا صَار بصاقه حلواً فقد تقيح فَإِن تنقى فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِلَّا طَال وَإِذا طَال الزَّمَان بِذَات الرئة أورث تهيج الرجلَيْن لضعف الغاذية وخصوصاً فِي الأطرف وَإِذا مَالَتْ الْمَادَّة إِلَى المثانة رجيت السَّلامَة.
(فصل فِي الورم الصلب فِي الرئة)
قد يعرض فِي الرئة ورم صلب ويدلّ عَلَيْهِ ضيق النَّفس مَعَ أَنه يزْدَاد على الْأَيَّام وَيكون مَعَ ثقل وَقلة نفث وَشدَّة يبوسة من السعال وتواتره وَرُبمَا خص فِي الأحيان مَعَ قلَّة الْحَرَارَة فِي الصَّدْر. فصل فِي الورم الرخو فِي الرئة قد يعرض فِي الرئة الورم الرخو وَيدل عَلَيْهِ ضيق نفس مَعَ بصاق كثير ورطوبة فِي الصَّدْر من غير حرارة كَثِيرَة وَلَا حمرَة فِي الْوَجْه بل رصاصية. فصل فِي البثور فِي الرئة وَقد يعرض فِي الرئة بثور وعلامته أَن يحسّ ثقل وضيق نفس مَعَ سرعَة وتواتر فِي الصَّدْر والتهاب من غير حمى عَامَّة. فصل فِي اجْتِمَاع المَاء فِي الرئة قد تَجْتَمِع فِي الرئة مائية وَيدل على ذَلِك مليلة وَحمى لينَة وورم فِي الْأَطْرَاف وَسُوء التنفس وَنَفث رَقِيق مائي وَحَال كَحال المستسقي. فصل فِي الورم أَو الْجراحَة الْعَارِضَة لقصبة الرئة عَلَامَات ذَلِك حمى ضَعِيفَة وضربان فِي وسط الظّهْر فَإِن القصبة لَيست كالرئة فِي أَن لَا تحسّ وَلكنه وجع خَفِيف ويعرض مَعَ ذَلِك حكة الْجَسَد وبحّة الصَّوْت فَإِن تقرحت كَانَت نكهة سمكية وَنَفث نزر. فصل فِي الْقَيْح وَجمع الْمدَّة الْقَيْح فِي كَلَام الْأَطِبَّاء يَأْتِي على مَعْنيين: أَحدهمَا: مَاء يسْتَعْمل فِي كل مَوضِع وَهُوَ جمع الورم للمدة. وَالثَّانِي: مَا يسْتَعْمل خَاصَّة فِي أمراض الصَّدْر وَيُرَاد بِهِ امتلاء الفضاء الَّذِي بَين الصَّدْر والرئة من قيح انفجر إِلَيْهِ إِمَّا فِي الْجَانِبَيْنِ مَعًا وَإِمَّا فِي جَانب وَاحِد.(2/352)
وَأَسْبَاب هَذَا الامتلاء: إِمَّا نزلة تصبّ الْمَادَّة دفْعَة أَو قُرُوح فِي الرئة تسيل مِنْهَا مُدَّة صديدية فينتفح بعد عشْرين يَوْمًا فِي الْأَكْثَر ثمَّ ينفث وَإِمَّا انفجار ورم فِي نواحي الصَّدْر وَهُوَ الْأَكْثَر وَيكون ذَلِك إِمَّا مُدَّة نضيجة وَإِمَّا شَيْئا كالدردي. وأحوال ذَلِك أَرْبَعَة فَإِنَّهُ: إِمَّا يَحِيق بِالْكَثْرَةِ ليقْتل وَيظْهر ذَلِك بِأَن يَأْخُذ نَفسه يضيق وَلَا ينفث وَإِمَّا أَن تعفن الرئة فيوقع فِي السل وَإِمَّا أَن يستنقي بالنفث المتدارك السهل وَإِمَّا أَن يستنقي باندفاع من طَرِيق الْعرق الْعَظِيم والشريان الْعَظِيم إِلَى المثانة بولاً غليظاً وَيكون سلوكه أَولا من الوريد إِلَى الكبد ثمَّ إِلَى الْكُلية وَقد يرد إِلَى الأمعاء برازاً وهما محمودان وَقد سلف منا كَلَام فِي ذكر مُدَّة الانفجار. وَيعرف ذَلِك بِحَسب قوّة العلامات وبحسب السن والفصل والمزاج. والمشايخ يهْلكُونَ فِي التقيح أَكثر من الشَّبَاب لضعف نَاحيَة قُلُوبهم والشباب يهْلكُونَ فِي الأوجاع أَكثر من الْمَشَايِخ لشدَّة حسهم. وَقد ذكرنَا عَلَامَات التقيّح فِي بَاب عَلَامَات انفعالات ذَات الْجنب وَكَذَلِكَ عَلَامَات الانفجار. وَأما عَلَامَات امتلاء فضاء الصَّدْر من الْقَيْح فثقل وسعال يَابِس مَعَ بهر ووجع. وَرُبمَا كَانَ فِي كثير مِنْهُم سعال رطب يحِيل حفة من النفث وَيكون نفسهم مُتَتَابِعًا وَلذَلِك يكون كَلَامهم سَرِيعا وتتحرك وترات أنوفهم إِلَى الانضمام عِنْد التنفس وتلزمهم حمّى دقية إِلَى الإستسقاء. وَأما عَلامَة الْجِهَة الَّتِي فِيهَا الْمدَّة فتعرف بِأَن يضطجع العليل مرّة على جنب وَمرَّة على آخر والجانب الَّذِي يتَعَلَّق عَلَيْهِ ثقل ضاغط هُوَ الْجَانِب الْمُقَابل لموْضِع الْمدَّة وَيعرف من صَوت الْمدَّة ورجرجتها وخضِخضتها. وَمن النَّاس من يضع على الصَّدْر وجوانبه خرقَة كتَّان مغموسة فِي طير أَحْمَر مداف فِي المَاء ويتفقد الْموضع الَّذِي يجفّ أَولا فَهُوَ مَوضِع الْقَيْح. وَأما عَلَامَات الانفجار السَّلِيم فَأن يكون الانفجار يعقبه سُكُون الْحمى ونهوض الشَّهْوَة وسهولة النفث والتنفس أَو تحدث مَعَه خراجات فِي الْجنب أَو نَوَاحِيهَا تصير نواصير وَكَذَلِكَ الَّذِي يكون مِنْهُم أَو يبط فَتخرج مِنْهُ مُدَّة نقية بَيْضَاء. وَأما عَلَامَات الرَّدِيء فَأن تظهر عَلَامَات الاختناق والغشي أَو النفث الرَّدِيء أَو السل. وَإِذا كوي أَو بط خرجت مِنْهُ مُدَّة حميّة مُنْتِنَة. وَأما العلامات المفرّقة بَين الْمدَّة وَبَين البلغم فِي النفث فَهِيَ رسوب مُدَّة النفث فِي المَاء وإنتانها على النَّار والبلغم طَاف فِي المَاء غير منتن على النَّار على أَن الْمدَّة قد تنفث فِي غير السل على مَا بَيناهُ فِي مَوضِع متقدّم. وَقد ينفث المتقيح شَيْئا كثيرا جدا وَقد رَأَيْت من نفث فِي سَاعَة وَاحِدَة قَرِيبا من منوين بالصغير أَو منا وَأكْثر من نصف وجالينوس شهد بِأَنَّهُ رُبمَا قذف المتقيح كل يَوْم قَرِيبا من خمسين أُوقِيَّة وَهُوَ قريب من تسع قوطولات.(2/353)
وَقد عرفت الْفرق بَين الْمدَّة وَبَين الرطوبات الْأُخْرَى فَإِن الْمدَّة تتَمَيَّز بالنتن عِنْد النفث وَعند الْإِلْقَاء على النَّار وترسب وَلَا تطفو. وَأما عَلَامَات انْتِقَال التقيح إِلَى السل فكمودة اللَّوْن وامتداد الجبين والعنق وتسخّن الْأَصَابِع كلهَا سخونة لَا تفارق حَتَّى فِيمَن عَادَة أَطْرَافه أَن تبرد فِي الحميات وَحمى تزيد لَيْلًا بِسَبَب الْغذَاء وتعقف من الْأَظْفَار لذوبان اللَّحْم تحتهَا وتدسّم من الْعَينَيْنِ مَعَ ضرب من الْبيَاض والصفرة وعلامات أُخْرَى سنذكرها فِي بَاب السلّ. فصل فِي قُرُوح الرئة والصدر وَمِنْهَا السل هَذِه القروح إِمَّا أَن تكون فِي الصَّدْر وَإِمَّا أَن تكون فِي الْحجاب وَإِمَّا أَن تكون فِي الرئة وَهَذَا الْقسم الْأَخير هُوَ السل وَإِمَّا أَن تكون فِي القصبة وَقد ذَكرنَاهَا. وَأسلم هَذِه القروح قُرُوح الصَّدْر وَذَلِكَ لِأَن عروق الصَّدْر أَصْغَر وأجزاؤه أَصْلَب فَلَا يعظم فِيهَا الشَّرّ وَلِأَن الصديد لَا يبْقى فِيهَا بل يسيل إِلَى فضاء الصَّدْر وَلَيْسَ كَذَلِك حَال الرئة وَلِأَن حركته غير قَوِيَّة محسوسة كحركة الرئة بل يكَاد أَن يكون سَاكِنا لِأَنَّهُ لحمي واللحمي أقبل للالتحام. وَكَثِيرًا مَا يعرض لقروح الصَّدْر الكائنة عَن خراجات متعفنة أَن تفْسد الْعِظَام حَتَّى يحْتَاج إِلَى قطع العفن فِيهَا ليسلم مَا يجاوره وَرُبمَا تعدى العفن إِلَى الْأَجْزَاء العصبية فَلَا يلتحم وَإِمَّا أَن يَقع فِي الْأَجْزَاء اللحمية فيلتحم أَن تدورك فِي الِابْتِدَاء وَلم يتْرك أَن يرم. وَأما إِذا تورمت أَو أزمنت فَلَا تَبرأ. وَأما قُرُوح الرئة فقد اخْتلفت الْأَطِبَّاء فِي أَنَّهَا تَبرأ أَو لَا تَبرأ فَقَالَ قوم: إِنَّهَا لَا تَبرأ البتّة لِأَن الالتحام يفْتَقر إِلَى السّكُون وَلَا سُكُون هُنَاكَ. وجالينوس يخالفهم وَيَزْعُم أَن الْحَرَكَة وَحدهَا تمنع الالتحام إِن لم تنصف إِلَيْهَا سَائِر الْمَوَانِع وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْحجاب أَيْضا متحرّك وَمَعَ ذَلِك فقد تَبرأ قروحه. وَأما جالينوس نَفسه فَإِن قَوْله فِي قُرُوح الرئة هُوَ أَنَّهَا إِن عرضت عَن انحلال الْفَرد لَيْسَ عَن ورم أَو عَن تأكّل من خلط أكّال بل لَعَلَّه أُخْرَى فَمَا دَامَ جرحه لم يتقيّح بعد وَلَا تورم فَإِنَّهُ قَابل للبرء وَكَذَلِكَ مَا كَانَ من القروح الَّذِي يحدث فِيهَا نفث وَلم تتقيّح وَمَا كَانَ عَن ورم أَو تأكّل لم يقبل الْبُرْء لِأَن القرحة المنضجة المتقيّحة حِينَئِذٍ لَا يُمكن أَن تَبرأ إِلَّا بتنقية الْمدَّة وَذَلِكَ بالسعال. والسعال يزِيد فِي توسّع القرحة وخرقها والدغدغة الكائنة مِنْهَا تزيد فِي الوجع والوجع يزِيد فِي جذب الْموَاد إِلَى النَّاحِيَة والأدوية المجففة مَانِعَة النفث والمنقّية مرطبة ملينة للقرحة والكائنة عَن خلط أكّل لَا تَبرأ دون إِصْلَاحه وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي مُدَّة يجب فِي مثلهَا إِمَّا تخرق القرحة ومصيرها ناصوراً لَا تلتحم الْبَتَّةَ وَإِمَّا سعتها حَتَّى يتأكّل جُزْء من الرئة والكائنة بعد ورم فقد يجْتَمع فِيهَا هَذِه الْمعَانِي وَمن المعاون على صعوبة(2/354)
الالتحام الْحَرَكَة وَأَيْضًا كَون الْعُرُوق الَّتِي فِي الرئة كبارًا وَاسِعَة صلاباً فَإِن ذَلِك مِمَّا يعسر التحام الفتق وَأَيْضًا فَإِن بعد الْمسَافَة بَين مدْخل الدَّوَاء المشروب وَبَين الرئة وَوُجُوب ضعف قوته إِلَى أَن يصل إِلَى القرحة من المعاون على ذَلِك وَمَا كَانَ من الْأَدْوِيَة بَارِدًا فَهُوَ بليد غير نَافِذ. وَمَا كَانَ حاراً فَهُوَ زَائِد فِي الحمّى الَّتِي تلْزم قُرُوح الرئة والمجفف ضار بالدقّ الَّذِي يلْزمه والمرطب مَانع من الالتحام فَإِن علاج القروح كلهَا هُوَ التجفيف وخصوصاً مثل هَذِه القرحة الَّتِي تصير إِلَيْهَا الرطوبات من فَوق وَمن أَسْفَل. وَقد يقبل هَذَا التأكّل العلاج إِذا كَانَ فِي الِابْتِدَاء وَكَانَ على الغشاء المغشى على القصبة من دَاخل وَلَيْسَ فِي الْجَوْهَر اللحمي من الرئة قبولاً سَرِيعا. وَأما الغضاريف نَفسهَا فَلَا تقبل. وَأَقْبل الْأَسْنَان لعلاج السل هم الصّبيان وَأسلم قُرُوح الرئة مَا كَانَ من جنس الخشكريشة إِذا لم يكن هُنَاكَ سَبَب فِي المزاج أَو فِي نفس الْخَلْط يَجْعَل القرحة الْيَابِسَة قوبائية. وَقد يعرض للمسلول أَن يَمْتَد بِهِ السل ممهلاً إِيَّاه بُرْهَة من الزَّمَان وَكَذَلِكَ رُبمَا امْتَدَّ من الشَّبَاب إِلَى الكهولة وَقد رَأَيْت امْرَأَة عاشت فِي السل قَرِيبا من ثَلَاث وَعشْرين سنة أَو أَكثر قَلِيلا. وَأَصْحَاب قُرُوح الرئة يتضرّرون جدا بالخريف وَإِذا كَانَ أَمر السل مُشكلا كشفه فِي صَاحبه دُخُول الخريف عَلَيْهِ وَقد يُطلق اسْم السلّ على عِلّة أُخْرَى لَا يكون مَعهَا حمّى وَلَكِن تكون الرئة قَابِلَة لأخلاط غَلِيظَة لزجة من نَوَازِل تنصبّ دَائِما ويضيق مجاريها فيقعون فِي نفس ضيق وسعال ملحّ يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى إنهاك قواهم وإذابة أبدانهم وهم بِالْحَقِيقَةِ جارون مجْرى أَصْحَاب الربو فَإِن كَانَت حرارة قَليلَة وَجب أَن يخلط علاجهم من علاج أَصْحَاب الربو. أَسبَاب قُرُوح الرئة: وَأما أَسبَاب قُرُوح الرئة فَأَما نزلة لذاعة أكّالة أَو معفنة لمجاورتها الَّتِي لَا تسلم مَعهَا الرئة إِلَى أَن تنضج أَو مَادَّة من هَذَا الْجِنْس تسيل إِلَى الرئة من عُضْو آخر أَو تقدّم من ذَات الرئة قد قاحت وتقرّحت أَو تقيّح من ذَات جنب انفجر أَو سَبَب من أَسبَاب نفث الدَّم الْمَذْكُور فتح عرقاً أَو قطعه أَو صدعه كَانَ سَببا من دَاخل مثل غليان دم أَو غير ذَلِك مِمَّا قيل أَو من خَارج مثل سقطة أَو ضَرْبَة وَقد يكون من أَسبَابهَا عفونة وأكال يَقع فِي جرم الرئة من نَفسهَا كَمَا يعرض للأعضاء الْأُخْرَى وَقد يكثر السل إِذا أعقب الصَّيف الشمالي الْيَابِس خريف جنوبي ممطر.(2/355)
فصل فِي المستعدين للسل فِي الْهَيْئَة والسحنة وَالسّن والبلد والمزاج هَؤُلَاءِ هم المجنحون الضيقو الصُّدُور العاريو الأكتاف من اللَّحْم وخصوصاً من خلف المائلو الأكتاف إِلَى قدّام بارز أَو كَانَ للْوَاحِد مِنْهُم جناحين وَكَانَ كَتفيهِ منقطعان عَن الْعَضُد وَقُدَّام وَخلف والطويلو الْأَعْنَاق المائلوها إِلَى قدّام قد برزت حُلُوقهمْ وَوَثَبْت وَهَؤُلَاء يكثر الرِّيَاح فِي صُدُورهمْ وَمَا يَليهَا والنفخ فِيهَا لصِغَر صُدُورهمْ وَإِن كَانَ بهم مَعَ ذَلِك ضعف الأدمغة يقبل الفضول وَلَا تنضج الأغذية فقد تمت الشَّرَائِط وخصوصاً إِن كَانَت أخلاطهم حارة مرارية والسحنات الْقَابِلَة للسل بِسُرْعَة مَعَ التجنح الْمَذْكُور هِيَ الزعر الْبيض إِلَى الشقرة وَأَيْضًا الْأَبدَان الصلبة المتكاثفة لما يعرض لَهُم من انحراف الْعُرُوق والمزاج الْقَابِل لذَلِك من كَانَ أبرد مزاجاً. والسنّ الَّذِي يكثر فِيهِ السل مَا بَين ثَمَان عشرَة سنة إِلَى حُدُود ثَلَاثِينَ سنة وَهِي فِي الْبِلَاد الْبَارِدَة أَكثر لما يعرض فِيهَا من انفتاق الْعُرُوق وَنَفث الدَّم أَكثر والفصل الَّذِي يكثر فِيهِ ذَلِك الخريف. مَا يجب أَن يتوقّاه هَؤُلَاءِ: يجب على هَؤُلَاءِ أَن يتوفوا جَمِيع الأغذية والأدوية الحريفة والحادة وَجَمِيع مَا يمدِّد أَعْضَاء الصَّدْر من صياح وضجر ووثبة. عَلَامَات السل: هِيَ أَن يظْهر نفث مدّة بعلامة الْمدَّة على مَا شرحناه من صورتهَا فِي اللَّوْن والرائحة وَغير ذَلِك وحمّى دقّية لَازِمَة لمجاورة الْقلب مَوضِع الْعلَّة تشتد مَعَ الْغذَاء وَعند اللَّيْل على الْجِهَة الَّتِي يشْتَد مَعهَا حمّى الدق لترطيب الْبدن من الْغذَاء على مَا نذكرهُ فِي مَوْضِعه. على أَنه رُبمَا تركّب مَعَ الدق فِيهَا حمّيات أُخْرَى نائبة أَو ربع أَو خُمس. وشرّها الْخمس ثمَّ شطر الغب ثمَّ النائبة وَإِذا حدث السل ظَهرت أَيْضا الدَّلَائِل الَّتِي عمدناها فِي آخر بَاب التقيح وفاض الْعرق مِنْهُم كل وَقت لِأَن قوتهم تضعف عَن إمْسَاك الْغذَاء وتدبيره. والحرارة تحلّل وتسيل فَإِن انتفث خشكريشة لم يبْق شُبْهَة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت الْأَسْبَاب المتأذية إِلَى السل الْمَذْكُور قد سلفت وَإِذا أَخذ الْبدن فِي الذبول والأطراف فِي الانحناء وَالشعر فِي الانتثار لعدم الْغذَاء وَفَسَاد الفضول فقد صَحَّ. وَقد يكمّد اللَّوْن فِي الِابْتِدَاء من السل لكنه يحمرّ عِنْد تصعد البخارات ويتمدد الْعُنُق والجبين وخصوصاً إِذا استقرّ وتنتفخ أَطْرَافهم وخصوصاً أَرجُلهم فِي آخر الْأَيَّام وتتربل لفساد الأخلاط وَمَوْت الغريزة فِي الأقاصي من الْبدن لرداءة المزاج وَالَّذين سَبَب سلّهم خلط أكال فيقذفون بزاقاً فِي طعم مَاء الْبَحْر مالحاً جدا وَقد يكون النبض مِنْهُم ثَابتا معتدل السرعة صَغِيرا وَقد يعرض لَهُ ميلان إِلَى الْجَانِبَيْنِ ثمَّ بعد ذَلِك يحصل فِي الْبَطن قراقر وتنحني الشراسيف إِلَى فَوق ويشتدّ الْعَطش وَتبطل الشَّهْوَة للعظام لضعف القوى الطبيعية.(2/356)
وَرُبمَا اخْتلف بَطْنه لسُقُوط الْقُوَّة وَرُبمَا نفث خلطاً وأجرام الْعُرُوق وَذَلِكَ عِنْد قرب الْمَوْت. والمنفوث من الْعُرُوق إِن كَانَ كبارًا فَهُوَ من الرئة وَإِن كَانَ صغَارًا فَهُوَ من القصبة وَكَثِيرًا مَا ينفثون جصاً وَلنْ يقذفوا حلقا من القصبة إِلَّا بعد قرحَة عَظِيمَة وَفِي آخِره يغلظ النفث والبصاق ثمَّ يَنْقَطِع لضعف الْقُوَّة فَرُبمَا مَاتُوا اختناقاً وَرُبمَا لم يتَأَخَّر مثل هَذَا النفث بل وَقع فِي الِابْتِدَاء إِذا كَانَ السل من الْجِنْس الرَّدِيء الْكَائِن من مواد غَلِيظَة لَا ينهضم. وَإِذا انْقَطع النفث فِي آخر السل فَرُبمَا لم يزِيدُوا على أَرْبَعَة أَيَّام وَرُبمَا كَانَ انْقِطَاع النفث بِسَبَب ضعف القوّة وَحِينَئِذٍ رُبمَا ضَاقَ النَّفس بهم إِلَى أَن يصير كَغَيْر المحسوس. وَكَثِيرًا مَا يشتدّ بهم السعال وَيُؤَدِّي إِلَى نفث الدَّم المتتابع فَإِن عولج سعالهم بالموانع للنفث هَلَكُوا مَعَ خفَّة يصيبونها وَإِن تركُوا يسعلون مَاتُوا نزفاً الْمَوْت السَّرِيع. وَمن كَانَ بِهِ سلّ فَظهر على كفيه حب كَأَنَّهُ الباقلى بعد اثْنَيْنِ وَخمسين يَوْمًا. الْمقَالة الْخَامِسَة أصُول عملية فصل فِي المعالجات لأورام نواحي الصَّدْر والرئة من الْأُمُور الْمُشْتَركَة الفصد أما فِي الِابْتِدَاء فَمن الْجَانِب الْمُخَالف أعجله من الصَّافِن المحاذي فِي الطول وَبعده من الباسليق المحاذي فِي الْعرض وَبعده الأكحل المحاذي فِي الْعرض. فَإِن لم يظْهر فَلَا يجب أَن تتْرك فصد القيفال وَإِن كَانَ نَفعه أقلّ وَأَبْطَأ ثمَّ بعد أَيَّام فَمن الْجَانِب الْمُوَافق فِي الْعرض وَقد يحجم على الصَّدْر وبالشرط أَيْضا حَتَّى يجذب الْمَادَّة إِلَى خَارج ويقللها خُصُوصا قَالَ جالينوس: وَإِن كَانَت الحمّى شَدِيدَة جدا فاحذر المسهّل وَاقْتصر على الفصد فَإِنَّهُ لَا خطر فِيهِ أَو خطره أقل وَفِي الإسهال خطر عَظِيم فَإِنَّهُ رُبمَا حرك وَرُبمَا لم يسهّل وَرُبمَا أفرط وَيجب أَن لَا يقربهُمْ المخدرات مَا أمكن فَإِنَّهَا تمنع النضج والنفث. وَأما الأغذية فماء الشّعير وَمَاء الْحِنْطَة وَمَاء طبيخ الْخَبَّازِي والبقلة اليمانية والملوخية والقرع وَمَاء الباقلى والقشمش إِذا لم يكن حرارة مفرطة وَالزَّبِيب فِي الْأَوَاخِر خَاصَّة وَمَا يجْرِي مجْرى الْأَدْوِيَة فَجَمِيع مَا ينقي ويزيل الخشونة ويليّن فِي الحرجة الأولى مثل مَاء الْعنَّاب والبنفسج والخشخاش وأصل السوس ولباب الْخِيَار والقثاء وَغَيره وبزر الهندبا والسبستان وَرُبمَا جعل مَعهَا لباب حبّ السفرجل والصمغ والكثيراء وبزر الخشخاش. وَهَذَا كُله قبل الانفجار. وَأفضل الجاليات المنقية مَاء الْعَسَل إِن لم يكن ورم فِي سَائِر الأحشاء فَإِن كَانَ ورم(2/357)
وَاسْتعْمل وَجب حِينَئِذٍ أَن يصير كَالْمَاءِ بِكَثْرَة المزاج. والجلاب وَمَاء السكر أوفق مِنْهُ وَبعده مَاء الشّعير وَبعده الشَّرَاب الحلو وَهُوَ أفضل شراب لأَصْحَاب هَذِه الْعِلَل وخصوصاً الْأَبْيَض مِنْهُ فَهُوَ أعون على النفث لكنه لَا يَنْبَغِي أَن يشرب فِي ذَات الْجنب وَفِي ذَات الرئة إِلَّا بعد النضج على أَن فِيمَا ذكر عطشاً وإسخاناً قد يتداركان وَلَا يجب أَن يسقى ذَلِك من كبده وطحاله عليل. وَبعد الشَّرَاب الحلو الْخمر المائي وَهُوَ يقوّي الْمعدة أَكثر من المَاء وَفِيه تقطيع وتلطيف وَأما سقِِي السكنجبين الْمُتَّخذ من الْعَسَل أَو من السكّر وَقَلِيل خلّ وَإِذا مزج بِالْمَاءِ فَهُوَ يجمع مَعَاني من التطفية والتنقية. فَإِن حمض جدا فَإِنَّهُ إِمَّا أَن ينفث جدا وَإِمَّا أَن يبرد ويلزج جدا فَيصير فِيهِ وبال حَتَّى إِن مَا يقطعهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَى قُوَّة قَوِيَّة حَتَّى ينفث فَإِن كَانَ لَا بُد من الحامض فَيجب أَن يسقى مفتّراً أَو ممزوجاً بِمَاء حَار قَلِيلا قَلِيلا. وَأما المعتدل الحموضة فَإِنَّهُ يُؤمن هَذِه الغائلة وَيكون مَانِعا لضَرَر الْحَلَاوَة من التعطيش وإثارة الْمرة وتوليدها. وَمَاء الْعَسَل أبلغ فِي الترطيب وَمَاء الشّعير فِي التقوية. وَرُبمَا احْتِيجَ فِي تَعْدِيل الطبيعة إِلَى أَن يعْطى الحماض مَعَ دهن اللوز. وَأما مَا يسقونه من المَاء أما فِي الشتَاء فالماء الْحَار وَمَاء السكر وَمَاء الْعَسَل الرَّقِيق. وَأما فِي الصَّيف فالماء المعتدل وَيكرهُ لَهُم المَاء الْبَارِد فَإِن اشتدّ الْعَطش سقوا قَلِيلا أَو ممزوجاً بجلاب وسكنجبين مبردين فَإِن السكنجبين ينفذ بِهِ بِسُرْعَة وَيدْفَع مضرته ويسقون عِنْد الانحطاط مَاء بميبختج. وَأما مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ عِنْد الْجمع والإنضاج والتفجير وَبعده فَنحْن نفرد لَهُ بَابا. فصل فِي معالجات ذَات الْجنب يجب أَن تمنع الْمَادَّة المتجهة إِلَى الورم وتمال عَنهُ بالاستفراغ وَمَا يجلب إِلَى الْخلاف وَيقْرَأ مَا وصفناه فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا وَرُبمَا نعاود ذكره فَنَقُول أَن علاجه الفصد إِن كَانَ الدَّم غَالِبا على الْجِهَة الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَيخرج حَتَّى يتَغَيَّر لَونه فَإِنَّهُ يدل على أَن المرخي من الدَّم قد استفرغ. وَاعْلَم أَن أشدّ دم الْبدن سواداً مَا كَانَ قَرِيبا من مثل هَذَا الورم. على أَن مُرَاعَاة الْقُوَّة فِي ذَلِك وَاجِبَة فَرُبمَا لم ترخص الْقُوَّة فِي إِخْرَاج الدَّم إِلَى هَذَا الْحَد. وَإِن كَانَ خلط آخر استفرغ لَا بِمثل الهليلج وَمَا فِيهِ قبض بل بِمَا فِيهِ مَعَ الإسهال تليين مثل الْأَشْيَاء المتخذة بالبنفسج والترنجبين والشيرخشك وسكّر الْحجاز ويسهلون لَيْلًا. وَقد قَالَ قوم من أهل الْمعرفَة: إِن الأصوب مَا أمكن أَن يستفرغوا بالفصد خوفًا من الِاضْطِرَاب الَّذِي رُبمَا أوقعه المسهل وَقد ذَكرْنَاهُ. وخصوصاً إِذا كَانَ النفث مرارياً جدا وخصوصاً على مَا قَالَ جالينوس: إِذا كَانَت الْحمى شَدِيدَة جدا وجالينوس يحذر من السقمونيا وَلَا يحذر من الأيارج والخربق مَعًا ويمدح فعل مَاء الشّعير بعد اسْتِعْمَال المسهل(2/358)
والفراغ مِنْهُ. وَأما مَعَه فَيقطع فعله على أَنه يجب أَن يُرَاعِي جِهَة ميل الوجع والألم فَإِن كَانَ الْميل صاعداً إِلَى الترقوة والقس وَمَا فَوْقهمَا فالفصد أولى. وَإِن كَانَ الْأَلَم يمِيل إِلَى جِهَة الشراسيف فَلَا بُد من إسهال وَحده أَو مَعَ الفصد بِحَسب مَا توجبه الْمُشَاهدَة وَذَلِكَ لِأَن الفصد وَحده من الباسليق لَا يجذب من هَذَا الْموضع شَيْئا يعْتد بِهِ. وَمِمَّا يدلك على شقة الْحَاجة إِلَى الاستفراغ أَن يجد التضميد والتكميد لَا يسكنان الوجع أَو يجدهما يزيدانه فَيدل ذَلِك على الامتلاء فِي الْبدن كُله. وَلَا بدّ من الاستفراغ وخصوصاً الفصد وَإِذا فصدت واستفرغت وَلم تسكّن الْأَعْرَاض فَاعْلَم إِنَّمَا نطلبه من منع الْجمع فَلَا تعاود الفصد لِئَلَّا تتبلد الْمَادَّة الَّتِي هِيَ دَاء مُجْتَمع وَذَلِكَ مِمَّا لَا ينضج مَعَ نُقْصَان الْقُوَّة وفقدان إنضاج الدموية بالمادة. فَإِذا نَضِجَتْ فَيجب أَن يمْتَنع مصير مُدَّة ويجتهد بِأَن ينقى قبله بالنفث وَبِالْجُمْلَةِ إِذا لم يفصد ونضج وَنَفث نفثاً نضيجاً ونفثاً صَالحا ثمَّ رَأَيْت ضعفا فِي الْقُوَّة فَلَا تفصد البتّة. وَإِن حَال ضعف القوّة دون الفصد والإسهال فَلَا بُد من اسْتِعْمَال الحقن المتوسطة أَو الحادة بِحَسب مَا توجبه الْمُشَاهدَة وخصوصاً إِذا كَانَ الوجع ماثلاً إِلَى الشراسيف. وبقراط يُشِير فِي علاج ذَات الْجنب الَّذِي لَا يحس فِيهِ الوجع إِلَّا شَدِيد الْميل إِلَى الشراسيف أَن يستفرغ أما بالخربق الْأسود أَو بالفليون وَفِي نُسْخَة أُخْرَى البقلة الْبَريَّة وَهِي شَيْء يشبه البقلة الحمقاء وَلها لبن من جنس اليتّوعات فَإِذا استفرغت وَوجدت الْأَلَم أخفّ اقتصرت على مَاء السكر وَمَاء الشّعير الْمَطْبُوخ شعيره المقشّر فِي مَاء كثير طبخاً شَدِيدا. وَمَاء الخندروس إِن احْتِيجَ إِلَى تَقْوِيَة والبطيخ الْهِنْدِيّ وَمَاء الْعنَّاب وَمَاء السبستان والبنفسج المربى وبزر الخشخاش والدهن الَّذِي يسْتَعْمل مَعَ شَيْء من هَذَا ثمن اللوز. وَقد نهى قوم عَن الرُّمَّان لتبريده وَمَا عِنْدِي فِي الحلو مِنْهُ بَأْس وَقد يطْبخ من هَذِه الْأَدْوِيَة مطبوخ يسْتَعْمل للتنفس وَهَذِه هِيَ الشّعير المقشر والعناب والسبستان والبنفسج المربى وبزر الخشخاش وشراب البنفسج وشراب النيلرفر وهما أفضل من الْجلاب. وَكَانَ جالينوس يَأْمر فِي الِابْتِدَاء بأصناف الدياقود لتمنع الْمَادَّة وتنضج وتنومه. وَأَقُول أَنه يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا لم يكن بُد لشدَّة السهر وَإِن لم يكن ذَلِك فَرُبمَا بلد الخشخاش الْمَادَّة وَمنع النفث اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون السكر المجعول مَعَه يدْفع ضَرَره وَيُشبه أَن يكون البزري أوفق من القشري حِينَئِذٍ وَيجب أَن يستفرغ مَا يحتبس بالنفث وَيقدر الْغذَاء وَلَا يكثر بل يلطف بِحَسب مَا يُوجِبهُ كَثْرَة حِدة الْعلَّة وقلتها وأعراضها. فَإِنَّهَا إِن كَانَت هادئة سهلة خَفِيفَة غذوت بِمَاء الشّعير المقشر الْمَطْبُوخ جيدا فَإِنَّهُ(2/359)
منفث مقطع مقوّ. وَإِن أردْت أَن تحلّيه حليت بسكر أَو بِعَسَل فَإِن كَانَت مضطربة اقتصرت على مَاء الشّعير حَتَّى تستبرئ الْحَال وخصوصاً بِحَسب النفث فَإِنَّهُ إِذا كثر أمنت كَثْرَة الْمَادَّة وَعرفت الْحَاجة إِلَى الْقُوَّة فغفوت بِمَاء الشّعير المقشّر وقويت وَإِن احْتبسَ لطفت التَّدْبِير واقتصرت على مَاء الشّعير وعَلى الْأَشْرِبَة مَا أمكن. وَإِذا حدث فِي ذَات الْجنب إسهال وَكَانَ ذَات الْجنب عقيب ذبحة إنحلت إِلَى الْجنب منع ذَلِك كل علاج من فصد وتليين طبيعة وَكَانَ تَدْبيره الِاقْتِصَار على سويق الشّعير. وَإِن دعت إِلَى الفصد ضَرُورَة فِي أَصْنَاف ذَات الْجنب وَلم يكن نضج فَالصَّوَاب أَن تقتصر على قدر ثُلثي وَزنه وتستعد للتثنية بملح وزيت على الْجراحَة وَكَثِيرًا مَا يُغني استطلاق الْبَطن كل يَوْم مَجْلِسا أَو مجلسين عَن الفصد وَمن أعقبه افصد غثياً أَو شدَّة عسر وضيق التنفس فَذَلِك يمل على أَن افصد لم يستفرغ مَادَّة الورم. وَالْأولَى أَن لَا يليّن الطبيعة فِي علاج أوجاع الصَّدْر فِي الِابْتِدَاء إِلَّا بِمَا يخص من حقن وشيافات وَمن الْخطر الْعَظِيم سقِِي المبردات الشَّدِيدَة إِلَّا فِي الْكَائِن من الصَّفْرَاء وَسقي المبرّدات القابضة أَو إطعامها مثل العدس بالحموضات وَنَحْوهَا وَاعْلَم أَن سقِِي المَاء الْبَارِد غير مُوَافق لهَذِهِ الْعلَّة وَجَمِيع الأورام الْبَاطِنَة فأقلل مَا أمكنك فَإِن عصي الْعَطش فامزجه بالسكنجبين لتنكسر سُورَة المَاء وَليقل بَقَاؤُهُ وثباته بل يبذرق وَينفذ فِي الْبدن ولينتفع بتقطيع السكنجبين وتلطيفه. وَاعْلَم أَن ذَات الْجنب إِذا كثر فِيهِ الالتهاب واستدعى التبريد فَلَا تبرد إِلَّا بِمَا فِيهِ جلاء مَا وترطيب مثل مَاء الْخِيَار وَمَاء الْبِطِّيخ الْهِنْدِيّ. وَأما مَاء القرع فَإِنَّهُ - وَإِن نفع من جِهَة - فَرُبمَا ضرّ وأضعف بالإدرار. وَأما مَا يجْتَنب فَمثل وَيجب أَن يكون مُعظم غرضك التنفيث بسهولة. وَمِمَّا يكثر النفث هُوَ النّوم على الْجنب العليل وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى هز يسير وَإِلَى سقيه المَاء الَّذِي إِلَى الْحَرَارَة جرعاً متتابعة فَإِنَّهُ نَافِع لَهُ جدا. وَرُبمَا أحْوج احتباس النفث الْمضيق للنَّفس إِلَى لعق ملعقة من زنجار وَعسل. وَرُبمَا أحْوج شدَّة الوجع إِلَى سقِِي باقلاة من حلتيت بِعَسَل وخل وَمَاء وَذَلِكَ عِنْد شدَّة الوجع المبرح وَإِذا بلغ عصيان النَّفس الغطيط والحشرجة أخفت من النطرون المشوي مَا يحملهُ ثَلَاثَة أَصَابِع وَمن الزنجار قدره باقلاة وَقَلِيل زَيْت وَمَاء فاتر وَعسل قَلِيل. فَإِن لم ينجع زِدْت عَلَيْهِ فقاح الْكَرم مَعَ فلفل والخل كُله مفتراً أَو زوفا وخردل وحرف بِمَاء وَعسل مفتراً وَهُوَ أقوى من الأول ثمَّ يحسى إِذا نفث صفرَة الْبيض ليذْهب بغائلة ذَلِك. فَإِن احْتِيجَ فِي أَصْحَاب ذَات الْجنب إِلَى غذَاء أقوى فالسمك الرضراضي وَذَلِكَ عِنْد انكسار الْحمى وَكَذَلِكَ الْخبز بالسكر والزبد - فَإِنَّهُ يعين على النضج والنفث - والسمك مسلوقاً بالكراث والشبث وَالْملح. واجتهد أَن يجفف نواحي الْبَطن لِئَلَّا(2/360)
تزاحم نواحي الصَّدْر وَذَلِكَ بتليين الطبيعة وَإِخْرَاج ثفل إِن كَانَ احْتبسَ بحقنة لينَة مثل مَاء الكشك بِقَلِيل مَاء السلق. وَيجب أَن يمْنَع النفخ. وَاعْلَم أَن بخاري الثفل والنفخة ضاران جدا فِي هَذِه الْعلَّة. وَمن المهم الشَّديد الاهتمام أَن تبادر بتنضيج الْعلَّة من قبل صَيْرُورَته مُدَّة فَإِن صَار مُدَّة فَيجب أَن تبادر إِلَى تنقيتها قبل أَن تَأْكُل. وَاعْلَم أَنه لَا بُد من ترطيب تحاوله ليسهل النفث ويسرع فَإِذا بَدَأَ النفث فِي الصعُود وَجَاوَزَ الرَّابِع قوي هَذَا الْمَطْبُوخ بِأَصْل السوس والبرشاوشان. وَإِذا كَانَت الْمَادَّة غليظه وَالْقُوَّة قَوِيَّة وَلم يكن فِي العصب آفَة لم يكن بَأْس بسقي السكنجبين الممزوج ليقطع. وَإِن لينت الطبيعة بِمثل الْخِيَار شنبر مَعَ السكر أَو الترنجبين أَو لشيرخشك كَانَ صَوَابا وَقد يستعان أَيْضا بضمادات ومروخات. وَأول مَا يجب أَن يسْتَعْمل فِيهَا قيروطي متخذ من دهن البنفسج والشمع المصفّى ثمَّ يتدرج إِلَى الشحوم والألعبة وغبار الرحا ثمَّ يتدرج إِلَى مَا هُوَ أقوى مثل ضماد البابونج وأصل الخطمي وأصل السوسن والبنفسج وطبيخ الْخَبَّازِي البستاني. وَإِن احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى اسْتعْمل الضماد الْمُتَّخذ من الكرنب المسلوق وَمن الرارنانج المسلوق وَأَيْضًا ضماد متخذ من الأفسنتين وأصل السوسن وَشَيْء من عسل مَعَ دهن النادرين. وَاعْلَم أَنه إِن كَانَت الْمَادَّة كَثِيرَة فالأضمدة والأطلية ضارة وَإِن كَانَت قَليلَة لم تضر وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الورم تحلل وَبقيت بَقِيَّة. وَإِذا وَقع استفراغ عَن الفصد نَافِع جَازَ أَيْضا الطلاء. صفة ضماد جيد ونسخته: ورق البنفسج والخطمي من كل وَاحِد جُزْء وأصل السوس جزءان دَقِيق الباقلاء ودقيق الشّعير من كل وَاحِد جُزْء وَنصف بابونج وكثيراء جُزْء جُزْء. فَإِن كَانَت الْمَادَّة غَلِيظَة واحتيج إِلَى زِيَادَة تَحْلِيل زيد فِيهِ بزر كتَّان وَجعل عجنه بالميبختج مَعَ شمع ودهن بنفسج. وَإِن كَانَت الْحَرَارَة أقل أَيْضا جعل بدل دهن البنفسج دهن السوسن أَو دهن النرجس. فَإِن كَانَت الْحَرَارَة قَوِيَّة ألقِي بدل الزِّيَادَات الحارة الَّتِي ألحقناها بالنسخة ورقِ النيلوفر وَورد وقرع. نُسْخَة مروخ جيد: شمع شَحم البط والدجاج وَسمن الْغنم زوفا رطب يتَّخذ مِنْهُ مروخ فَإِنَّهُ جيد جدا. وَمن الأضمدة الَّتِي تجمع الأنضاج لتسكين الوجع ضماد يتَّخذ من دَقِيق الشّعير وإكليل الْملك. وقشر الخشخاش وَقد يستعان فِيهَا بكمادات رطبَة ويابسة. والرطبة أوفق لما يضْرب إِلَى الْحمرَة. واليابسة لما يضْرب إِلَى الفلغمونية. لَكِن الرطب إِذا لم ينفع لم يضرّ. واليابس إِن ضرّ ضرّ عَظِيما. وأولاها بالتقديم الإسفنج المبلول بِالْمَاءِ الْحَار أقوى مِنْهُ مَاء الْبَحْر وَالْمَاء المالح ثمَّ يُجَاوز ذَلِك إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ فيكمد بالبخار أَو بزفت وَمَاء حارين وَأقوى من ذَلِك مَا يتَّخذ بالخل والكرسنة بالكرنب على الصُّوف المشرب دهناً وَمن اليابسات اللطيفة النخالة ثمَّ الجاورس ثمَّ الْملح.(2/361)
والتكميد والفصد يحل كل وجع عَال أَو سافل إِذا لم يكن مَانع من امتلاء بجذبه التكميد. وَأما الفصد فَأكْثر حلّه للأوجاع الْعَالِيَة وَإِذا ضمدت أَو كمدت فاجتهد أَن تحبس بخارها عَن وَجه العليل لِئَلَّا يهيج بِهِ الكرب وضيق النَّفس. وَرُبمَا كَانَت الْعلَّة شَدِيدَة اليبس فينفع بخار الضماد والكماد الرطبين المعتدلين إِذا ضرب الْوَجْه وَذهب فِي الِاسْتِنْشَاق. وَقد يستعان بلعوقات يستعملونها. وأليقها وأوفقها للمحرورين الشمع الْأَبْيَض الْمُصَفّى المغسول بالفصد وَغَيره والثقة بِأَنَّهُ قد استنقى فَإِن المحاجم إِذا وضعت على الْموضع الوجع ظهر مِنْهَا نفع عَظِيم. وَرُبمَا سكنت الوجع أصلا وَرُبمَا جذبته إِلَى النواحي الْخَارِجَة. وضماد الْخَرْدَل إِن اسْتعْمل فِي مثل هَذَا الْموضع عمل عمل المحاجم فِي الجذب. فَإِذا جَاوز السَّابِع فَإِن الأقدمين كَانُوا يأمرون بلعوق يتَّخذ من اللوز وَحب القريص وَالْعَسَل وَالسمن واللعوقات المتخذة من السّمن وعلك البطم وَرُبمَا استعملوا المعاجين الْكِبَار كالأنام نَاسِيا وَهُوَ طَرِيق جيد يقد عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ للصناعة الواثقون من أنفسهم بالتفطن لتلاف إِن اقْتَضَاهُ هَذَا التَّدْبِير وبالاقتدار عَلَيْهِ فيبلغون بِهِ من التنقية الْمبلغ الشافي. وَأما المُحْدَثُونَ الْجُبَنَاء الْغَيْر الواثقين من أنفسهم فِي ذَلِك فَإِنَّهُم يخَافُونَ الْعَسَل ويجعلون بدله السكر. وَكَانَ الأقدمون أَيْضا يشيرون بأدوية قَوِيَّة التنقية مهيأة بالعسل حبوباً تمسك تَحت اللِّسَان ويشيرون فِي هَذَا الْوَقْت بالأضمدة الْمُسَمَّاة ذَات الرَّائِحَة والمتخذة بالمرزنجوش والمرهم السذابي. وَبِالْجُمْلَةِ من سلك هَذَا السَّبِيل الَّذِي للقدماء فَيجب أَن يسلكه بتوق وتحرز وَخَوف أَن يفجر ورماً أَو يهيج حرارة كَثِيرَة ثمَّ لَهُ أَن يَثِق بعد ذَلِك بالنجاح العاجل فَإِن بقيت الْعلَّة إِلَى الرَّابِع عشر لم يكن بدّ من الْحجامَة وتلطيف التَّدْبِير حِينَئِذٍ. وَإِذا اشْتَدَّ بهم السهر فَلَا بُد من شراب الخشخاش وَإِذا تَوَاتر فيهم النَّفس فتدارك ضَرَره إِنَّمَا يكون بالترطيب بِمثل لعاب بزر قطونا يجرع مِنْهُ شَيْئا بعد شَيْء بِمثل الْجلاب. وَقد ينْتَفع بنطل الْجنب بِمَاء فاتر ليخف الوجع ويقل تَوَاتر النَّفس فَإِنَّهُ ضار على مَا قد عرفت. وَبعد الانحطاط الظَّاهِر يسْتَعْمل الْحمام ويجتنب التبريد الشَّديد إِلَّا فِيمَا كَانَ من جنس الْحمرَة وَكَذَلِكَ يجْتَنب التَّدْبِير المغلظ ويستقل بالتلطيف ويطبخ فِي الْمِيَاه والأشربة الْمَذْكُورَة الكراث والفودنج فِي آخِره ويلعقون بزر القريص مَعَ الْعَسَل. فَإِن استعصي الورم ونحا نَحْو الْجمع دبر التَّدْبِير الَّذِي نذكرهُ فِي بَاب ذَلِك خَاصَّة. وَيجب أَن يحذر على الناقه من أَصْحَاب ذَات الْجنب الملوحات والحرافات والامتلاء والشجع وَالشَّمْس وَالرِّيح وَالدُّخَان وَالصَّوْت العالي والنفخ وَالْجِمَاع فَإِنَّهُ إِن انتكس مَاتَ. هَذَا هُوَ قَوْلنَا إِن كَانَت ذَات الْجنب حارة خَالِصَة. وَأما إِن لم تكن كَذَلِك بل(2/362)
كَانَت غير خَالِصَة غير شَدِيدَة الْحَرَارَة فَعَلَيْك بالدلك ضماد نَافِع فِي ذَلِك: يُؤْخَذ رماد أصل الكرنب ويعجن بشحم ويضمد بِهِ. والبلغمي يبْدَأ فِي علاجه بالحقن الحارة والإسهال وَلَا يفصد وَيسْتَعْمل المحللات من الأضمدة والكمادات الْمَذْكُورَة الَّتِي فِيهَا قُوَّة وَيطْعم السلق وَمَاء الكرنب وَمَاء الحمص ودهن الزَّيْت أَو دهن اللوز الحلو أَو المر وَيسْتَعْمل الضمّادات والكمادات الحارة ويسقي مطبوخ يُوسُف الساهر الَّذِي يسْقِيه بدهن الخروع. وَإِمَّا السوداوي فيغذي بالاحساء المتخذة من الْحِنْطَة المهروسة مَعَ الْعَسَل ودهن اللوز وباللعوقات اللينة الحارة ويتجرع الأدهان الملينة مثل دهن اللوز الحلو والإحساء اللينة المتخذة من الباقلا وَقَلِيل حلبة وَاللَّبن الحليب وخاصة لبن الأتن نَافِع لَهُم. وَمِمَّا ينفع فِيهِ أَن يُؤْخَذ من الْقسْط وزن دِرْهَم بملعقة من مَاء طبيخ الشبث ودهن البلسان أَو شراب الْعَسَل وَهَذَا أَيْضا نَافِع للسعال الرَّدِيء. وَأما المَاء الْمُجْتَمع فِي الرئة فعلاجه أخفّ مَا نذكرهُ من علاج المتقيحين وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى بط وَفِيه خطر. فصل فِي معالجات ذَات الرئة ذَات الرئة يجْرِي فِي علاجه مجْرى ذَات الْجنب إِلَّا أَن ضمّاداته يجب أَن تكون أقوى وَيدخل فِيهَا مَا هُوَ مغوص وَيجب أَن يكون الْحِرْص على تنقيته بالنفث أشدّ وَيكون فِيهِ بدل الِاضْطِجَاع على الْجِهَة المنفثة الاستلقاء مائلاً إِلَى تِلْكَ الْجِهَة وَإِذا كَانَت الطبيعة فِيهِ معتقلة وَجب أَن يسقوا فِي كل يَوْمَيْنِ مرّة من هَذَا الشَّرَاب. ونسخته: يُؤْخَذ من الْخَيْر شنبر وَمن الزَّبِيب المنقّى من عجمه من كل وَاحِد ثَلَاثَة أساتير ويلقى عَلَيْهِ أَربع سكرجات مَاء ويطبخ حَتَّى ينتصف وَيُؤْخَذ ويلقى على سكرجة من مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَهُوَ شربة للقويّ وللضعيف نصفهَا. وَإِن كَانَت الطبيعة لينَة لينًا مضعفاً سقِِي ربّ الآس والسفرجل الحلو المشوي وَالرُّمَّان الحلو. وَمَا كَانَ من جنس الماشر أَو الْحمرَة فَإِن علاجه كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ أصعب فَإِن نفع شَيْء فالتطفئة الْبَالِغَة بالعصارات الشَّدِيدَة الْبرد الْمَعْلُومَة من الْبُقُول والحشائش وَالثِّمَار ويسقى المبردة الملينة مِنْهَا مثل عصارة الهندبا وَنَحْوهَا. وَإِن استفرغت. الصَّفْرَاء بِمثل الشيرخشك والتمرهندي والترنجبين وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ جَائِز وَكَذَلِكَ رُبمَا احْتِيجَ فِيهِ إِلَى الفصدان كَانَ هُنَاكَ امتلاء. كَلَام فِي التقيِّح: إِذا ظهر فِي أورام ذَات الْجنب وَذَات الرئة عَلَامَات الْجمع الْمَذْكُورَة وتصعّدت فَالْوَاجِب أَن يعان على الإنضاج بعد التنقية للبدن مَعُونَة تكون بالضمادات والكمّادات مثل المتخذة من دَقِيق الشّعير وعلك الأنباط وَالشرَاب الْأَبْيَض والحلو وَالتَّمْر والتين الْيَابِس. وَأقوى مِنْهُ الَّذِي يَجْعَل مَعَه فرق الْحمام والنطرون وَهُوَ يصلح فِي آخِره أَيْضا عِنْد التفجير.(2/363)
وَيجب أَن يضطجع قبل وَقت الاتفجار على الْجَانِب العليل فَإِنَّهُ أعون على النفث والتفجير. فَإِن كَانَت الْحَرَارَة كَثِيرَة سقِِي مَاء الْعَسَل فِي مَاء الشّعير أَو مَاء الْعَسَل الرَّقِيق وَحده وَإِن كَانَت الْحَرَارَة لَيست بقوية وَالْقُوَّة قَوِيَّة فَيجب أَن يسقى طبيخ الزوفا والمطبوخ فِيهِ مَعَ الزوفا حاشا وفراسيون والتين وَالْعَسَل وَأَن يسقى مَاء الشّعير الْمَطْبُوخ بأصول السوسن وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مثل المثروديطوس والترياق لينضج. وأوفق أَوْقَات سقيه بعد النضج التَّام ليفجّر على حفظ من الغريزة والمتمر جيد غَايَة فِي هَذَا الْوَقْت وَبعده وشراب الفراسيون غَايَة فِي ذَلِك. قرص لذَلِك: يُؤْخَذ بزر الخطمي والخبازي وَالْخيَار والبطيخ والقرع وربّ السوس وفقاح إكليل الْملك وبنفسج وكثيراء يقرص بلعاب بزر الْكَتَّان ويسقى بِمَاء التِّين وَأما تغذيتهم فِي التصعّد فخبز مبلول بِمَاء أَو بِمَاء الْعَسَل وَالْبيض النمبرشت وَمَا أشبه ذَلِك وَالنَّقْل حب الصنوبر الْكَبِير أَو الصَّغِير واللوز الحلو والإحساء الرقيقة المتخذة من دَقِيق الشّعير والحمص والباقلا بدهن اللوز والسكّر وَالْعَسَل. وَإِذا جَاوز وَقت الانفجار وَتمّ النضج فَيجب أَن يعان على الانفجار فَإِن تَركه يَجْعَل للمرض صعوبة وشأناً وتبخر حُلُوقهمْ باللبنى ويسقى شراب الزوفا الْقوي الَّذِي ذَكرْنَاهُ بالأضمدة القوية الَّتِي ذَكرنَاهَا. وَسقي المثروديطوس والترياق فِي هَذَا الْوَقْت نَافِع إِن لم يكن حمى وَلَا نحافة وَلَا هزال وَيطْعم السّمك المالح وَيُؤْخَذ فِي فَمه عِنْد النّوم الْحبّ الْمُتَّخذ من الأيارج وشحم الحنظل. وحمت القوقايا أَيْضا يسقونه عِنْد النّوم وَقد ينفع مِنْهُ هز كرْسِي وَهُوَ عَلَيْهِ جَالس وَقد أَخذ إِنْسَان بكتفيه. وينفع مِنْهُ الِاضْطِجَاع على الْجَانِب الصَّحِيح إِذا أُرِيد الانفجار وَقد أَمر بالقيء بعد الْعشَاء فِي مثل هَذَا الْوَقْت وَذَلِكَ خطر فَإِنَّهُ رُبمَا أورث انفجاراً عَظِيما دفْعَة وَاحِدَة وَرُبمَا خنق. وَأما إِذا لم ينفجر فَلَا بُد من الكي ثمَّ تنظر فَإِن خرجت مُدَّة بَيْضَاء نقية رُجي وَإِلَّا لم يرج وَإِذا انفجرت الْمدَّة وسالت وَحدثت بِأَنَّهَا قَليلَة أَو معتدلة وبحيث يُمكن أَن تنقى بالنفث إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَيجب أَن يسْتَعْمل بعده الجلاءة الغسالة المنقية ويسقى كَمَا يَبْدُو نفث مَا انفجر وَذَلِكَ بِمثل طبيخ الزوفا بأصول السوس والسوسن الاسمانجوني بشراب الْعَسَل والكرنب والإحساء الْمَذْكُورَة المتخذة بدقيق الحمص وَنَحْوه من الْأَدْوِيَة وَيجْعَل فِيهَا أَيْضا دَقِيق الكرسنة وينفع لعوق العنصل ولعوق الكرسنة. وَأما الْأَدْوِيَة المفردة الَّتِي(2/364)
هِيَ أُمَّهَات أدوية هَذَا الشَّأْن. فَهِيَ مثل دَقِيق الكرسنة وسحيق السوسن وَأَصله والزراوند والفلافل الثَّلَاثَة والخردل والحرف وحبّ الجاوشير أَيْضا والقسط والسليخة والسنبل. وَرُبمَا احْتِيجَ أَن يخلط مَعهَا شَيْء من المخدرات بِقدر. وَمن هَذِه الْأَدْوِيَة سقورديون فَإِنَّهُ شَدِيد الْمَنْفَعَة فِي هَذَا الْبَاب. وَهَذِه الْأَدْوِيَة هِيَ أُمَّهَات الْأَدْوِيَة النافعة فِي هَذَا الْوَقْت الَّتِي تتَّخذ مِنْهَا أشربة ونطولات وضمادات باسفنجات وأدهان. وَرُبمَا جعل الدّهن الَّذِي ينْقل إِلَيْهِ قوتها مثل دهن السوسن والنرجس والبابونج والحناء والناردين وَمثل دهن الْغَار وخصوصاً عِنْد الانحطاط وَرُبمَا جعل مثل دهن البنفسج بِحَسب الْحَال وَالْوَقْت وَرُبمَا جعل فِي هَذِه الأدهان مثل الريتيانج والشحوم والقنة وفقاح الأذخر والزوفا الرطب والحلبة وورق الْغَار والمقل وَمَا أشبه ذَلِك. وَإِذا كَانَت الْحمى قَوِيَّة فَلَا تفرط فِي التسخين فتضعف الْقُوَّة لسوء المزاج وتعجز عَن النفث وَيجب أَن تبادر إِلَى تَدْبِير إِخْرَاج الْقَيْح بعد الانفجار إِلَى الصَّدْر وَفِي الْأَيَّام الَّتِي يتخيل العليل فِيهَا خفته. وَأما إِذا حدثت فِي ذَات الْجنب أَن الْمَادَّة كَثِيرَة لَا تستنقي فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَمَا دونه بل يُوقع فِي السلّ فَلَا بُد من كي بمكوى دَقِيق يثقب بِهِ الصَّدْر لينشّف الْمدَّة ويستخرجها قَلِيلا قَلِيلا وَيغسل بِمَاء الْعَسَل ويعان على جذبها إِلَى خَارج فَإِذا نقيت أَقبلت على الملحم وَيجب أَن يتعرف الْجِهَة الَّتِي فِيهَا الْقَيْح من الْوُجُوه الْمَذْكُورَة من صَوت الْقَيْح وخضخضته. وَمن النَّاس من يضع على الصَّدْر خرقَة مصبوغة بطين أَحْمَر وَتنظر أَي مَوضِع يجفّ أسْرع فَهُوَ مَوضِع الْقَيْح فَيعلم عَلَيْهِ فيكوى أَو يبط هُنَاكَ فَإِنَّهُ رُبمَا لم يكو بل يبط الْجنب بمبضع وَجعلت النصبة نصبة تخرج مَعهَا الْمدَّة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهَا كل يَوْم قَلِيلا قَلِيلا من غير إِخْرَاج الْكثير دفْعَة. وَفِي مثل هَذَا الْوَقْت لَا بُد من حفظ الْقُوَّة بِاللَّحْمِ والغذاء المعتدل وَلَا تلْتَفت إِلَى الحمّى فَإِنَّهَا لَا تَبرأ مَا دَامَت الْمدَّة بَاقِيَة وَإِذا نقيتها أقلعت. وَإِذا قوي العليل على نفث الْمدَّة أَو على مَا يعالج بِهِ من الكي زَالَت الحمّى لَا محَالة وَكَثِيرًا مَا يتَّفق أَن ينفجر الورم قبل النضج وَيكون مَا ينفجر مِنْهُ دَمًا فحينئذٍ لَا بُد لَهُ من الفصد وَمن اسْتِعْمَال الضمادات الدفاعة وَمن المشتركات ضمّاد مرهم الكرنب وَمَاء الْعَسَل على نُسْخَة أهرن وضماد بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ فلفل وبرشياوشان وزوفا يَابِس وانجرا وزراوند مدحرج يتَّخذ مِنْهُ ضماد بالعسل فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي علاج قُرُوح نواحي الصَّدْر ومعالجات السلّ أما القرحة إِذا كَانَت فِي قَصَبَة الرئة فَإِن الدَّوَاء يسْرع إِلَيْهَا وَيجب أَن يضطجع العليل على قَفاهُ ويمسك الدَّوَاء فِي فِيهِ ويبلع رِيقه قَلِيلا قَلِيلا من غير أَن يُرْسل كثيرا دفْعَة فيهيج سعال وَيجب أَن يكون مرخياً عضل حلقه حَتَّى ينزل إِلَى حلقه من غير تهييج سعال. والأدوية هِيَ المغرّيات المجففة الَّتِي تذكر أَيْضا فِي السل.(2/365)
وَأما القروح الَّتِي فِي الصَّدْر والرئة الَّتِي ذَكرنَاهَا فَإِنَّهَا يحْتَاج أَن يرْزق فِيهَا الْأَدْوِيَة الغسالة الجلاءة وَيُؤمر أَن يضطجع على الْجَانِب العليل ويسعل ويهتزّ أَو يهزّ هزاً رَقِيقا. وَرُبمَا استخرج الْقَيْح مِنْهَا بعد إرْسَال مَاء الْعَسَل فِي القرحة بالآلة الجاذبة للقيح فَإِذا نقّينا الْمَادَّة ورجوت أَنه لم يبْق مِنْهَا شَيْء فَحِينَئِذٍ تسْتَعْمل الْأَدْوِيَة الملحمة المدملة وَلَيْسَ فِي المنقيات الجلاءة فبمثل ذَلِك كالعسل فَإِنَّهُ منق وغذاء حبيب إِلَى الطبيعة لَا يضر القروح. وَأما قرحَة الرئة فَإِن تدبيرها أَمْرَانِ: أَحدهَا علاج حق وَالْآخر مداراة. أما العلاج الحقّ فَإِنَّمَا يُمكن إِذا كَانَت الْعلَّة قَابِلَة للعلاج وَقد وصفناها وَذَلِكَ بتنقية القرحة وتجفيفها ودافع الْموَاد عَنْهَا وَمنع النَّوَازِل وإعانتها على الالتحام وَقد سلف لَك تَدْبِير منع النَّوَازِل وَهُوَ أصل لَك فِي هَذَا العلاج. وَجُمْلَته تنقية الْبدن وجذب الْمَادَّة عَن الرَّأْس إِلَى الأسافل وتقوية الرَّأْس لِئَلَّا تكْثر الفضول فِيهِ وَمنع مَا ينصب من الرَّأْس إِلَى الرئة وجذبه إِلَى غير تِلْكَ الْجِهَة. وَيجب أَن تكون التنقية بالفصد وبأدوية تخرج الفضول الْمُخْتَلفَة مثل القوقايا وخصوصاً مَعَ مقل وصمغ يُزَاد فِيهِ. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مَا يخرج الأخلاط السوداوية مثل الأفتيمون وَنَحْوه وَرُبمَا احتجت إِلَى معاودات فِي الاستفراغ لتقلل الفضول وتستفرغ بدواء وتفصد ثمَّ ترفد ثمَّ تعاود وخصوصاً وَمن الْأَشْيَاء النافعة فِي دفع ضَرَر النَّوَازِل اسْتِعْمَال الدياقودا وخصوصاً الَّذِي من الخشخاش مِمَّا قيل فِي الأقراباذين وَغير ذَلِك وَمِمَّا يعين على قبُول الطبيعة للتدبير أَن ينْتَقل إِلَى بِلَاد فِيهَا هَوَاء جَاف ويعالج ويسقى اللَّبن فِيهَا. وَيجب أَن يكون نصبته فِي الْأَكْثَر نصبة ممددة للعنق إِلَى فَوق وَقُدَّام ليستوي وُقُوع أَجزَاء الرئة بَعْضهَا على بعض وَلَا تزَال أَجزَاء القرحة عَن الانطباق والمحاذاة الطبيعية. وَيجب أَن لَا يلح عَلَيْهِ بتسكين السعال بموانع النفث فَإِن فِيهِ خطراً عَظِيما وَإِن أوهم خفَّة. وَأما المداراة فَهِيَ التَّدْبِير فِي تصليبها وتجفيفها حَتَّى لَا تَفْشُو وَلَا تتسع وَإِن كَانَ لَا يُرْجَى مَعهَا الالتحام والاندمال وَفِي ذَلِك إرجاء فِي مهلة صَاحبهَا وَإِن كَانَت عيشته غير راضية وَكَانَ يتَأَذَّى بِأَدْنَى خطأ وَهَذِه المجففات تقبض الرئة وتجففها وتضيق القرحة إِن لم تدملها. وَمن سلك هَذِه السَّبِيل فَلَا يجب أَن يسْتَعْمل اللَّبن الْبَتَّةَ. وَالْعَسَل مركب لأدوية السل وَلَا مضرَّة فِيهِ بالقروح. وَأما تنقية القروح فبالمنقّيات الْمَذْكُورَة وطبيخ الزوفا الْمَذْكُور للسل فِي الأقراباذين. وَأقوى من ذَلِك لعوق الكرسنة بحب الْقطن الْمَذْكُور فِي الأقراداذين. وَأقوى مِنْهُ لعوق الإشقيل بِلَبن الأتن وَرُبمَا احْتِيجَ أَن يجمع إِلَيْهَا الملزجات المغَرية وَرُبمَا أعينت بالمخدرات لتمنع السعال ويتمكن الدَّوَاء من فعله.(2/366)
وَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى تَدْبِير ناعش قوي وَقد ذكرنَا لَك هَذِه المنقيات فِي أول الْأَبْوَاب وذكرناها أَيْضا فِي بَاب التقيّح. والمعتاد مِنْهَا الأحساء الكرسنية والأحساء الْوَاقِع فِيهَا الكرّاث الشَّامي المتخذة من دَقِيق الحمّص والخندروس وَهَذَا الكراث نَفسه مسلوقاً ومياه الْعَسَل المطبوخة فِيهَا المنقّيات والملحمات وكل ذَلِك قد مضى لَك والمعاجين المجففة مثل الكموني والأثاناسيا ولعوق بزر الْكَتَّان. وَأما المثروديطوس والترياق وَإِذا اسْتعْمل فِي أَوْقَات وخصوصاً فِي الأول وَحين لَا يكون هزال شَدِيد فَهُوَ نَافِع وَحين لَا يكون حمّى قد بالغت فِي الذبول. والطين الْمَخْتُوم أَنْفَع شَيْء فِي كل وَقت والطين الأرمني أَيْضا وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ من الضمّادات والكمّادات والمروخات المنقّية وَإِذا عتقت القروح فِي الصَّدْر والرئة نفع إلعاق الْمَرِيض ملعقة صَغِيرَة من القطران غدْوَة وَاحِدَة أَو بِعَسَل أَو شَيْء من الميعة السائلة بِعَسَل. فَإِن كَانَت هُنَاكَ حرارة وَخفت المنقّيات الحارة وَلم ينْتَفع بالباردة فَخذ رئة الثَّعْلَب وبزر الرازيانج وربّ السوس النقي وعصارة برشياوشان يجمع بِمَاء السكر المغلظ فَإِنَّهُ غَايَة. وَقد يسْتَعْمل فِي هَذِه الْعلَّة أَجنَاس من البخورات تجفف وتنقى بهَا فِي قمع من ذَلِك زرنيخ وفلفل مبندق ببياض الْبيض وَمن ذَلِك ورق الزَّيْتُون الحلو وإخثاء الْبَقر الْجبلي وشحم كلى الْبَقر وزرنيخ وشحم كلى التيس وَسمن الْغنم. وَمن ذَلِك زرنيخ وزراوند وقشور أصل الْكبر أَجزَاء سَوَاء يجمع بِعَسَل وَسمن. وَأَيْضًا صنوبر فِيهِ درديّ القطران. وَأَيْضًا زرنيخ أصفر بشيرج. وَكلما سخن مزاجه فضل سخونة عولج بقرص الكافور أَيَّامًا وعود بعْدهَا التجفيف. وَأما الأغذية فَمن الدراج مطيباً بالأبازير وأفاويه وَلَا يمْنَع الشَّرَاب الْأَبْيَض الصّرْف فِي أَوله ويشمّم دَائِما الرياحين وَيلْزم النّوم والدعة والسكون وَيتْرك الْغَضَب والضجر وَلَا يُورد عَلَيْهِ مَا يغمّه وَمِمَّا جربتُه مرَارًا كَثِيرَة فِي أبدان مُخْتَلفَة وبلدان مُخْتَلفَة أَن يلْزم صَاحب الْعلَّة تنَاول الجلنجبين السكرِي الطري لغامه كل يَوْم مَا يقدر عَلَيْهِ وَإِن كثر حَتَّى بالخبز ثمَّ يُرَاعى أمره. فَإِن ضَاقَ نَفسه بتجفيف الْورْد سقِِي شراب الزوفا بِمِقْدَار الْحَاجة وَإِن اشتعلت حمّاه سقِِي أَقْرَاص الكافور وَلم يُغير هَذَا العلاج فانه يبرأ. وَلَوْلَا تقية التَّكْذِيب لحكيت فِي هَذَا الْمَعْنى عجائب وَلَا وَردت مبلغ مَا كَانَ استعملته امْرَأَة مسلولة بلغ من أمرهَا أَن الْعلَّة بهَا طَالَتْ ورقدتها واستدعى من يُهَيِّئ لَهَا جهاز الْمَوْت فَقَامَ أَخ لَهَا على رَأسهَا وعالجها بِهَذَا العلاج مُدَّة طَوِيلَة فَعَاشَتْ وعوفيت وسمنت وَلَا يمكني أَن أذكر مبلغ مَا كَانَت أَكلته من الجلنجبين. وَقد يفْتَقر اليبس والذبول إِلَى اسْتِعْمَال اللَّبن أَو الدوغ وَفِي ذَلِك تغذية وترطيب وتعديل للخلط الْفَاسِد وتغرية للقرحة بالجبنية وتنقية بجلاء مَاء اللَّبن للصديد والمدة بل كثيرا مَا أَبْرَأ هَذَا(2/367)
وأوفق الألبان لبن النِّسَاء رضعاً من الثدي ثمَّ لبن الأتن وَلبن الماعز وخصوصاً للقبض فِي لبن الماعز. وَلبن الرماك أَيْضا مِمَّا ينقّي ويسهل النفث وَلَكِن لَيْسَ لَهُ تغرية ذَلِك فِيمَا ظن. وَأما لبن الْبَقر وَالْغنم فَفِيهِ غلظ لَو قدر على أَن يمصّ من الضَّرع كَانَ أولى وَيجب أَن يرْعَى الْحَيَوَان المحلوب مِنْهُ النَّبَات الْمُحْتَاج إِلَى فعله. أما المدمل مثل عَصا الرَّاعِي والعوسج وحبّ الْمَسَاكِين وَمَا أشبه ذَلِك. وَأما المنقّي المنفث فَمثل الحاشا ولعبة النَّحْل والحندقوقي بل مثل اليتّوع. وَمن اشْتغل بِشرب اللَّبن فَيجب أَن يُرَاعى سَائِر التَّدْبِير فَإِنَّهُ إِن أَخطَأ فِي شَيْء فَرُبمَا عَاد وبالاً عَلَيْهِ. وَقد وصف بعض من هُوَ محصّل فِي الطِّبّ كَيْفيَّة سقِِي اللَّبن فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ مَعَ إصلاحنا أَنه يجب أَن يخْتَار من الأتن مَا ولد مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر أَو خَمْسَة أشهر ويعمد إِلَى العلبة وتغسل بِالْمَاءِ فَإِن كَانَ قد حلب فِيهَا قبل غسل بِمَاء حَار وصبّ فِيهَا مَاء حاراً وَترك حَتَّى يتَحَلَّل شَيْء إِن كَانَ فِيهَا من المَاء ثمَّ يغسل بِمَاء حَار ثمَّ بِمَاء حَار وبارد ثمَّ تُوضَع العلبة فِي مَاء حَار ويجلب فِيهَا نصف سكرجة وَهُوَ قدر مَا يسقى فِي الْيَوْم الأول إِن كَانَت الْمعدة سليمَة وَإِلَّا فَأكْثر من ذَلِك بِقدر مَا يحمد وَيحسن. واسقه فِي الْيَوْم الثَّانِي ضعف ذَلِك الْحَلب فَإِن كَانَت الطبيعة استمسكت فِي الْيَوْم الأول جعل فِيمَا يسقى الْيَوْم الثَّانِي شَيْء من السكر وَافْعل فِي الْيَوْم الثَّالِث مَا فعلته فِي الْيَوْم الأول فَإِن لم تلن فِي الطبيعة فِي الْيَوْم الثَّالِث وخصوصاً إِذا كَانَت لم تلن إِلَى الثَّالِث فاسقه سكرجتين من اللَّبن مَعَ دانقين من الْملح الْهِنْدِيّ وَمن النشاستج وزن نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَم وَنصف وَلَا يزَال يسقى اللَّبن كل يَوْم يزِيد نصف اسكرجة فَإِذا بلغت السَّادِس وَلم تجب الطبيعة أخذت من اللَّبن ثَلَاث سكرجات وخلطت بِهِ سكرا وملحاً ودهن اللوز والنشاستج. فَإِن أجابت فَوق ثَلَاث مجَالِس فَلَا تخلط بعده مَعَ اللَّبن شَيْئا وانقص من اللَّبن. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن لَا تزيد الطبيعة فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة على ثَلَاث وَلَا تنقص من مرَّتَيْنِ فَإِن انْتفع بذلك فاسقه ثَلَاثَة أسابيع. وَقد ذكر بعض المحصّلين أَن الأجود فِي سقِِي لبن الأتن مَا كَانَ من دَابَّة ترعى مَوَاضِع فِيهَا حشائش ملطفة منقية مَعَ قبض وتجفيف مثل الأفسنتين وَغَيره والشيح والقيصوم والجعدة والعليق. وَأما لبن الْمعز فالأصوب فِيهِ أَن يمزج بحليبه شَيْء من المَاء وتحمى الْحِجَارَة وتطرح فِيهِ مرَارًا حَتَّى ينضج وَتذهب مائيته وَهَذَا أَجود هضماً من الْمَطْبُوخ على النَّار ويراعى أَيْضا لبن الطبيعة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذرب فَيجب أَن يَجْعَل فِيهِ طراثيث أَو سعال كثير فَيجْعَل فِيهِ كثيراء وزن دِرْهَم. وَإِن كَانَت الْمعدة ضَعِيفَة جعل مَعَه كمون وكراويا وَاللَّبن الْمَطْبُوخ إِذا هضمه المسلول فَهُوَ لَهُ غذَاء كَاف. وَإِذا حم عَلَيْهِ المسلول فَيجب أَن يقطعهُ. وَأما الدوغ فَيحْتَاج إِلَيْهِ عِنْد شدَّة الحمّى وَعند الإسهال فَهُوَ نَافِع لَهُم جدا وأجوده أَن يتْرك الرائب لَيْلَة بعد أَخذ الزّبد كُله فِي وضع معتدل ثمَّ يمخض من الْغَد مخضاً شَدِيدا حَتَّى يمتزج بعضه بِبَعْض امتزاجاً شَدِيدا ثمَّ يُؤْخَذ أَقْرَاص من دَقِيق الْحِنْطَة السميذ(2/368)
الْجيد الْخبز المنقوطة بالمنقط حَتَّى تكون الْمُسَمَّاة يرازده بِالْفَارِسِيَّةِ ويصبّ على وزند عشرَة دَرَاهِم مِنْهَا وزن ثَلَاثِينَ درهما من الدوغ ويلعق. وَفِي الْيَوْم الثَّانِي يُزَاد من الدوغ عشرَة وَينْقص من الْخبز وزن درهَم يفعل ذَلِك دَائِما حَتَّى ينقّي المخيض وَحده ثمَّ يقلب الْقِصَّة إِن استغني عَن الدوغ وَظَهَرت الْعَافِيَة وانحطت الْعلَّة فَلَا يزَال ينقص من الدوغ وَيُزَاد فِي القرص حَتَّى يَنْقَطِع اللَّبن فَإِن كَانَ ببعضهم ذرب لم يكن بإلقاء الْحَدِيد المحمى فِي الدوغ مرَارًا بَأْس. ولنرجع من هَهُنَا إِلَى شَيْء ذكر فِي الأقراباذين. وَأما أغذيتهم فالمغزيات مثل الْخبز السميذ والأطرية والجاورسية والأرز أَيْضا ينقي وينبت اللَّحْم وكشك الشّعير الْجيد الْمَطْبُوخ مغر ومنق وَصَالح عِنْد شدَّة الْحمى وخصوصاً السرطانات المنتوفة الْأَطْرَاف الْكَثِيرَة الْغسْل بِالْمَاءِ والرماد وخصوصاً الْبُقُول الْبَارِدَة والعدس أَيْضا وَمَا يتَّخذ بالنشا وَالْخيَار والبطيخ قد يسهل النفث. وَإِن كَانَت الْحمى خَفِيفَة فَلَا كالكرنب والهليون والمنقّيات. وَأما السّمك المالح فَإِنَّهُ إِذا أكل مرّة أَو مرَّتَيْنِ نفع فِي التنقية وَإِذا كَانَت القرحة خبيثة فاجتنبه وكل مالح فَإِن غذوتهم بِاللَّحْمِ فَلْيَكُن مثل لُحُوم الطياهيج والدجاج والقنابر والعصافير كلهَا غير مسمن. والأجود أَن يطعم شواء ليَكُون أشدّ تجفيفاً وإلحاماً. والأكارع أَيْضا جَيِّدَة للزوجتها والسمك المكبّب. وَإِذا اشتهوا المرق فاخلطها بِعَسَل وَقد يجوز إدخالهم الحمّام قبل الْغذَاء وَبعده إِذا لم يكن بأكبادهم سدد فَإِنَّهُ يسمنهم ويقوّيهم. وَأما ماؤهم الَّذِي يشربونه فَلْيَكُن مَاء الْمَطَر. وَأَصْحَاب السل كثيرا مَا يعرض لَهُم نفث الدَّم على مَا سلف ذكره. وَمن الأقراص الجيدة لذَلِك قرص بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ طين مختوم ثَلَاثَة دَرَاهِم نشا وطين أرمني وَورد أَحْمَر من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم كهربا وَحب الآس من كل وَاحِد سِتَّة دَرَاهِم سرطان محرق وبزر الفرفير من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم بسذ وكثيراء وطباشير وشاذنج من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم صمغ دودي وعصارة السوسن من كل وَاحِد سَبْعَة دَرَاهِم يعجن بِمَاء الحمقاء أَو المَاء الْورْد الطري ويقرّص وَيشْرب بِمَاء القثاء أَو بِمَاء الْمَطَر. وَكَثِيرًا مَا يبتلى المسلول بِسُقُوط اللهاة فَيَقَع فِي نخير وغطيط من قبله وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى قطعهَا. فَاعْلَم ذَلِك. وَمن المجربات الجيدة أَن يطلى نواحي الصَّدْر والجانب الْأَيْمن بالصندلين المحكوك بالماورد مَعَ قَلِيل من الطين(2/369)
الْفَنّ الْحَادِي عشر أَحْوَال الْقلب وَهُوَ مقالتان: الْمقَالة الأولى مبادئ أصُول لذَلِك فصل فِي تشريح الْقلب أما الْقلب فَإِنَّهُ مَخْلُوق من لحم قوي ليَكُون أبعد من الْآفَات منتسج فِيهِ أَصْنَاف من الليف قَوِيَّة شَدِيدَة الِاخْتِلَاف الطَّوِيل الجذاب والعريض الدفّاع والمورب الماسك ليكن لَهُ أَصْنَاف من الحركات وَقدر خلقته بِمِقْدَار الْكِفَايَة لِئَلَّا يكون فضل وَعظم مِنْهُ منابت الشرايين ومتعلّق الرِّبَاط وعرضاً ليَكُون فِي المنبت وقاية لنابت وَجعل هَذَا الْجُزْء مِنْهُ على حريَّة ليَكُون بَعيدا عَن الاتكاء على عِظَام الصَّدْر فَلَا يُؤْذِيه مماستها ودقق مِنْهُ الطّرف الآخر كالمجموع إِلَى نقطه ليَكُون مَا يبتلى بماسة الْعِظَام أقل أَجْزَائِهِ وصلب ذَلِك الْجُزْء مِنْهُ فضل صلابة ليَكُون الْمُبْتَلى بِتِلْكَ الملاقاة أحكم ودرج الشكل إِلَى الصنوبرية ليحسن هندام السّفل والفوق وَلَا يكون فِيهِ فضل وأودع فِي غلاف حصيف جدا هُوَ وَإِن كَانَ من جنس الأغشية فَلَا يُوجد غشاء يدانيه فِي الثخن ليَكُون لَهُ جنَّة ووقاية وَيرى جرمه من ذَلِك الغلاف بِقدر إِلَّا عِنْد أَصله وَحَيْثُ ينْبت الشريان ليَكُون لَهُ أَن ينبسط فِيهِ من غير اختناق وَعند أَصله عضوا كالأساس يشبه الغضروف قَلِيلا ليَكُون قَاعِدَة وَثِيقَة لحلقه وَفِيه ثَلَاثَة بطُون بطْنَان كبيران وبطن كالوسط ليَكُون لَهُ مستودع غذَاء يغتذي بِهِ كثيف قوي يشاكل جوهره ومعدن روح يتولّد فِيهِ عَن لحم لطيف ومجرى بَينهمَا وَذَلِكَ المجرى يَتَّسِع فِيهِ عِنْد تعرض الْقلب وينضم عِنْد تطوله. وَقَاعِدَة الْبَطن الْأَيْسَر أرفع وَقَاعِدَة الْبَطن الْأَيْمن أنزل بِكَثِير وَالْعُرُوق الضوارب - وَهِي الشرايين - خلقت إِلَّا وَاحِدَة مِنْهَا ذَات صفاقين وأصلبهما المستبطن إِذْ هُوَ الملاقي لضربان ولحركة جَوْهَر الرّوح القوية الْمَقْصُود صيانته وإحرازه وتقويته. ومنبت الشرايين هُوَ من التجويف الْأَيْسَر من تجويفي الْقلب. لِأَن(2/370)
الْأَيْمن أقرب إِلَى الكبد فَوَجَبَ أَن يَجْعَل مَشْغُولًا بجذب الْغذَاء اسْتِعْمَاله. وَلما كَانَ الْبَطن الْأَيْمن من الْقلب يحوي غليظاً ثقيلاً والأيسر يحوي دَقِيقًا حفيفاً عدل الجانبان بترقيق الْبَطن الَّذِي يحوي الغليظ وخصوصاً إِذا أَمن التَّحَلُّل بالرشح التفشّي بل جعل وعَاء الأدق أضيق وَأَعْدل فِي الْوسط وَله زائدتان على فوهتي مدْخل مادتي الدَّم والنسيم إِلَى الْقلب كالأذنين عصبيتان يكونَانِ متعصبتين مسترخيتين مَا دَامَ لقلب منقبضاً فَإِذا انبسط توترتا وأعانتا على حصر مَا يحتوي عَلَيْهِ إِلَى دَاخل فهما كخزانتين يقبلان عَن الأوعية ثمَّ يرسلانه إِلَى الْقلب بِقدر وأدقتا ليَكُون أحوى وَأحسن إِجَابَة إِلَى الإنقباض وصلبتا ليَكُون أبعد عَن الانفعال. وَالْقلب يغتذي مَعَ قواه الطبيعية انبساط فيجذب الدَّم إِلَى دَاخل كَمَا يجذب الْهَوَاء. وَقد وضع الْقلب فِي الْوسط من الصَّدْر لِأَنَّهُ أعدل مَوضِع وأميل يَسِيرا إِلَى الْيَسَار ليبعد عَن الكبد فَيكون للكبد مَكَان وَاسع. وَأما الطحال فنازل عَنهُ وبعيد وَفِي إنزاله مَنْفَعَة سنذكرها وَلِأَن توسيع الْقلب الْمَكَان للكبد أولى من توسيعه للطحال لِأَن الكبد أشرف وَمِمَّا قصد فِي إمالة الْقلب عَن الكبد أَن لَا يجْتَمع الْحَار كُله فِي شقّ وَاحِد وليعدل الْجَانِب الْأَيْسَر إِذْ الطحال بِنَفسِهِ غير حَار جدا وَليقل مزاحمته للعرق الأجوف الجائي إِلَيْهِ مُمكنا لَهُ بعض الْمَكَان وَمَا كَانَ من الْحَيَوَان عَظِيم الْقلب وَكَانَ مَعَ ذَلِك جذعاً خَائفًا كالأرانب والأيايل فالسبب فِيهِ أَن حرارته قَليلَة فينفس فِي شَيْء كثير فَلَا يسخنه بالتمام. وَمَا كَانَ صَغِير الْقلب وَمَعَ ذَلِك جريئاً فَلِأَن الْحَرَارَة فِيهِ كَثِيرَة تحتقن وتشتدّ وَلَكِن أَكثر مَا هُوَ أجرأ عَظِيم الْقلب وَلَا يحْتَمل الْقلب ألماً وَلَا ورماً وَلذَلِك لم يذبح حَيَوَان فَوجدَ فِي قلبه من الْآفَات مَا يُوجد فِي سَائِر الْأَعْضَاء. وَقد وجد فِي قلب بعض الْحَيَوَانَات الْكَبِير الجثة عظم وخصوصاً فِي الثيران وَهَذَا الْعظم مائل إِلَى الغضروفية وأكبره وأعظمه مَعَ زِيَادَة صلابة هُوَ مَا يُوجد فِي قلب الْفِيل وَكَذَلِكَ وجد قلب بعض القرود ذَا رَأْسَيْنِ. وَمن قُوَّة حَيَاة الْقلب أَنه إِذا سل من الْحَيَوَان وجد نبض إِلَى حِين وَقد أَخطَأ من ظن أَن الْقلب عضلة وَهُوَ وَإِن كَانَ أشبه الْأَشْيَاء بهَا لَكِن تحركها غير إرادي. فصل فِي أمراض الْقلب قد يعرض للقلب فِي خاصته أَصْنَاف الْأَمْرَاض كلهَا مثل أَصْنَاف سوء المزاجات وَقد تكون بمادة وَقد تكون ساذجة. والمادة قد تكون فِي عروقه وَقد تكون فِيمَا بَين جرمه وَبَين غلافه وخصوصاً الرُّطُوبَة وَكَثِيرًا مَا يُوجد فِي ذَلِك الْموضع رطوبات. وَمن الْمَعْلُوم أَنَّهَا إِذا كثرت ضغطت الْقلب عَن الانبساط وَقد يعرض لَهُ الأورام والسدد وَقد يعرض لَهُ شَيْء من الْوَضع أَيْضا مثل مَا يعرض لَهُ من احتقان فِي رُطُوبَة مزاحمة تَمنعهُ عَن الانبساط فَيقبل.(2/371)
والانحلال الْفَرد الَّذِي يعرض إِمَّا فِيهِ وَإِمَّا فِي غلافه وَإِذا استحكم فِي الْقلب سوء مزاج لم يقبل العلاج وَإِذا كَانَ غير مستحكم لم يكن سهل قبُول العلاج. والورم الْحَار قَاتل جدا فِي الْحَال والبارد مِمَّا يبعد ويندر حُدُوث صلبه ورخوه فِي الْقلب وَأَكْثَره فِي غلاف الْقلب فَإِن اتّفق أَن حدث فَإِنَّهُ لَا يقتل فِي وَحي قتل الورم الْحَار لكنه مَعَ ذَلِك قتال. وَرُبمَا أسهل الصلب الْعَارِض فِي الغلاف من الْخَلْط الغليظ وَغير الصلب الْعَارِض من خلط مائي منقط مُدَّة كالحال فِي ورم كَانَ بغلاف قلب قرد حَكَاهُ جالينوس وَقد عَاشَ ذَلِك القرد مَلِيًّا فَلَمَّا شُرح بعد مَوته عرف مَا كَانَ بِهِ فِي حَيَاته فَكَانَ لَهُ ينحف ويضعف. وَإِذا كَانَ الْقلب نَفسه لَا يحْتَمل أَن يرم فَكيف يحْتَمل أَن يجمع ويقيح وَإِذا عرضت هُنَاكَ قُرُوح مُحْتَملَة تنوبه فَإِنَّهَا تقتل بعد رُعَاف أسود على مَا قيل. وَقد يعرض فِي عروق القلي سدد ضارة بِأَفْعَال الْقلب وَأما انحلال القرد فالقلب أبعد احْتِمَالا مِنْهُ للورم وَإِذا عرض لجرمه وَنفذ إِلَى الْبَطن قتل فِي الْحَال. وَإِن لم يكن نَافِذا فَرُبمَا تَأَخّر قَتله إِلَى الْيَوْم الثَّانِي. وَقد يعرض للقلب أمراض بمشاركة غلافه الدِّمَاغ وَالْجنب والرئة والكبد والمعي وَسَائِر الأحشاء وخصوصاً الْمعدة. وَقد يكون بمشاركة أَعْضَاء أُخْرَى وَالْبدن عَامَّة كَمَا فِي الحميات حِين تخفق بنوائبها وبحارينها. ومشاركته الْأَعْضَاء الْأُخْرَى قد تكون بِسَبَب مَا يقطع مِنْهَا كمشاركته الكبد إِذا ضعفت عَن تَوْجِيه الْغذَاء إِلَيْهِ والدماغ إِذا ضعف فضعفت العضل المنفسة عَن التنفس وَقد يكون بِسَبَب مَا يتأدّى مِنْهَا إِلَيْهِ. أما الدِّمَاغ فَمثل مَا إِذا كثر فِيهِ الْخَلْط السوداوي فَينفذ فِي جَوْهَر الدِّمَاغ فنفذ فِي طَرِيق الشرايين إِلَى الْقلب فيهيج خفقاناً وَسُقُوط قُوَّة وغمّاً مَعَ الهائج. من سوء فكر وهمّ وَمثل مَا يتَأَدَّى مِنْهُ إِلَيْهِ من الْخَلْط الرطب بِهَذِهِ السَّبِيل فَيحدث بلادة وكسلاً وَسُقُوط نشاط. وَأما الكبد فِيمَا يُرْسل من لحم رَدِيء حَار أَو بَارِد أَو غليظ وَقد يكون بمشاركة فِي الْأَذَى على سَبِيل الْمُجَاورَة وَمثل تأذيه بورم حَار أَو بَارِد يكون فِي الغلاف الْمُحِيط بِهِ خُصُوصا ولسائر الأحشاء عُمُوما وتأذية لتأذي فَم الْمعدة والمعدة عَن خلط لزج أَو لذاع أَو ديدان وَحب القرع أَو قيء لذاع فَيحدث بِهِ مِنْهُ خفقان. وَقد يكون بِسَبَب المشاركهّ فِي الوجع إِذا اشْتَدَّ وانْتهى إِلَيْهِ وَكَثِيرًا مَا يقتل وَقد يكون بِسَبَب انْتِقَال الْمَادَّة من مثل خفقان أَو ذَات جنب أَو ذَات الرئة فتميل الْمَادَّة إِلَى الْقلب فتخنق وَتقتل والمشاركات الَّتِي تقع بَين الْقلب وغلافه فَلَيْسَتْ تبلغ الإهلاك وَرُبمَا لم يكن حاراً فَإِنَّهُ قَاتل وَقد يحدث فِي نفس فَم الْمعدة اخْتِلَاج فيضرّ بِالْقَلْبِ.(2/372)
فصل فِي وُجُوه الِاسْتِدْلَال على أَحْوَال الْقلب وَهِي ثَمَانِيَة أوجه: النبض وَالنَّفس وخلقة الصَّدْر وملمس الْبدن وَمَا يعرض فِيهِ وَالِاخْتِلَاف وَقُوَّة الْبدن وَضَعفه والأوهام. أما النبض فسرعته وعظمه وتواتره تدلّ على حرارته وأضدادها يدل على برودته وَلينه على رطوبته وصلابته على يبسه وقوته وأستواؤه وانتظام اختلافه يدل على صِحَّته وأضدادها على خلاف صِحَّته وَالنَّفس الْعَظِيم والسريع والمتواتر والحار يدل على حرارته وأضدادها على برودته والصدر الْوَاسِع العريض إِن لم يكن بِسَبَب كبر الدِّمَاغ الَّذِي يدل عَلَيْهَا كبر الرَّأْس الْمُوجب لِكَثْرَة الدِّمَاغ الْمُوجب لعظم النخاع الْمُوجب لعظم الفقرات الْمُوجب لعظم الأضلاع النابتة مِنْهَا بل كَانَ هُنَاكَ صغر رَأس أَو توسطه وَقُوَّة نبض دلّ على حرارته وضد ذَلِك إِن لم يُوجِبهُ صغر الرَّأْس دلّ على برودته. وَالشعر الْكثير على الصَّدْر خُصُوصا الْجَعْد مِنْهُ يدل على حرارته وجرد الصَّدْر وَقلة شعره يدل على برودته لعدم الْفَاعِل الدخاني أَو يبوسة لعدم الْمَادَّة للدخان وَإِن لم يكن لعَارض رُطُوبَة مزاج الْبدن جدا أَو عَادَة الْهَوَاء والبلد وَالسّن وحرارة الْبدن كُله يدل على حرارته إِن لم يقاومه الطحال والكبد الْبَارِدَة بتبريدهما وبرودته إِن لم يُقَاوم الكبد مقاومة مَا ولين الْبدن يدل على رطوبته إِن لم يُقَاوم الكبد بِأَدْنَى مقاومة وصلابته على يبسه إِن لم يُقَاوم الكبد. والحميات العفنة مَعَ صِحَة الكبد تدل على حرارته ورطوبته وَأما من طَرِيق الِاخْتِلَاف وَالْغَضَب الطبيعي الَّذِي لَيْسَ عَن اعتياده والجرأة والإقدام وخفة الحركات تدلّ على حرارته وأضدادها أَن لم تكن مستفادة من الأوهام والعادات تدل على برودته. وَأما قُوَّة الْبدن فتدل على قوته. وَضَعفه إِن لم يكن بِآفَة من الدِّمَاغ والأعصاب فتدلّ على ضعفه. وَضَعفه يدل على سوء مزاج بِهِ وقوته تدل على اعْتِدَال مزاجه الطبيعي وَهُوَ كَون الْحَار الغرزيزي وَالروح الحيواني كثيرين فِيهِ غير ملتهبين مدخنيني بل نورانيين صافيين. وَأما الْعرض من الْحَرَارَة فَيدل عَلَيْهِ شدَّة الالتهاب وضجر النَّفس وَرُبمَا أدّى إِلَى آفَة فِي النَّفس. وَأما الأوهام فالمائلة إِلَى الْقرح والأمل وَحسن الرَّجَاء يدل على قوته وعَلى اعتداله الَّذِي يحس بِهِ فِي حرارته. ورطوبته والمائلة إِلَى طلب لَا الإيحاش والإيذاء وَيدل على حرارته والمائلة نَحْو الْخَوْف وَالْغَم يدل على برده ويبسه. وَالْأَحْوَال الَّتِي تحس فِي الْقلب نَفسه مثل التهاب يعرض فِيهِ وَمثل خفقان يحس مِنْهُ فَإِنَّهَا بَعْضهَا يدل بِانْفِرَادِهِ على مزاجه مثل الالتهاب وَبَعضهَا لَا يدل إِلَّا بِقَرِينَة مثل الخفقان إِن الخفقان يتبع جَمِيع أنحاء ضعف الْقلب وَسُوء مزاجه فَلَا يدل على أَمر خَاص فِيهِ. وَرُبمَا كثر الخفقان لسَبَب قُوَّة حس الْقلب فَيعرض الخفقان من أدنى وهم أَو بخار أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يصل إِلَيْهِ وَقد تكون أمراض(2/373)
الْقلب بمشاركة غَيره وخصوصاً الرَّأْس وفم الْمعدة. وَلَا تَخْلُو أمراض الدِّمَاغ المالنخولية والصرعة عَن مُشَاركَة الدِّمَاغ للقلب وَقد ينْتَقل إِلَى الْقلب من مواد مندفعة من مثل ذَات الْجنب وَذَات الرئة فَيكون سَببا لعطب عَظِيم ولهلاك. وَإِذا عرض للأخلاط نُقْصَان عَن الْقدر الْوَاجِب كَانَ أول ضَرَر ذَلِك بِالْقَلْبِ فيتغير مزاجه. وَإِذا خلص الْحر الصّرْف أَو الْبرد الصّرْف إِلَى الْقلب مَاتَ صَاحبه وَرُبمَا رَأَيْت المصرود يتَكَلَّم وَقد عَلَامَات أمزجة الْقلب الطبيعية: فَاعْلَم أَن المزاج الْحَار الطبيعي يدلّ عَلَيْهِ سَعَة الصَّدْر فِي الْخلقَة إِلَّا أَن يكون بمعارضة الدِّمَاغ وَعظم النبض الطبيعية وميله إِلَى التَّوَاتُر والسرعة وَعظم النَّفس الطبيعي وميله إِلَى التَّوَاتُر والسرعة ووفور الشّعْر على الصَّدْر وخصوصاً إِلَى الْيَسَار قَلِيلا إِن لم يُعَارض ترطيب عُضْو أخر مُعَارضَة شَدِيدَة جدا. والبلد والهواء وَشدَّة الْغَضَب والإقدام وَحسن الظنّ وفسخه الأمل. وَقد يدل عَلَيْهِ عظم الصَّدْر إِذا لم يكن بِسَبَب الدِّمَاغ على مَا قيل.(2/374)
وَأما المزاج الْبَارِد الطبيعي فيدلّ عَلَيْهِ ضيق الصَّدْر إِلَّا للشّرط الْمَذْكُور وَصغر النبض الطبيعي وميله إِلَى التَّفَاوُت أَو لبطء إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ بِسَبَب يَقْتَضِي السرعة وَصغر النبض الطبيعي وميله إِلَى البطء والتفاوت وَضعف وكسل وحلم لَا بالتخلق والرياضة وأخلاق تشبه أَخْلَاق النِّسَاء ودهش وحيرة وبلادة وانفعال عَن المحفرات وَبرد الْبدن. وَأما المزاج الرطب فَيدل عَلَيْهِ لين النبض وَسُرْعَة الانفعال عَن الواردات المقبضة والمفرّحة وَسُرْعَة الِانْصِرَاف عَنْهَا ورطوبة الْجلد وَإِن لم يُقَاوم الكبد. وَأما المزاج الْيَابِس فَيدل عَلَيْهِ صلابة النبض وبطء الانفعال وبطء السّكُون وسبعية الْأَخْلَاق ويبس الْبدن إِن لم يُقَاوم الكبد. وَأما المزاج الْحَار الْيَابِس فَيدل عَلَيْهِ النبض الْعَظِيم بِمِقْدَار وَذَلِكَ لِأَن عظمه يكون للْحَاجة. ونقصانه ليبس الْآلَة والسريع وخصوصاً إِلَى الانقباض والتواتر وَالنَّفس الْعَظِيم السَّرِيع وخصوصاً فِي إِخْرَاجه للهواء الْمُتَوَاتر وشراسة الْخلق والوقاحة وخفة فِي الحركات والجلادة وَسُرْعَة الغَضَب للحرارة وبطء الرِّضَا ليبس وَكَثْرَة شعر الصَّدْر وكثافته ليبس مادته وجعودته وحرارة الملمس ويبسه. وَأما المزاج الْحَار الرطب فَيكون الشّعْر فِيهِ أقل والصدر أعرض والنبض أعظم إِلَّا أَنه أَلين وسرعته وتواتره دون مَا يكون فِي المزاج الْيَابِس إِذا ساواه فِي الْحَرَارَة وَيكون الْغَضَب فِيهِ سَرِيعا غير شَدِيد وملمس الْبدن حاراً رطبا إِن لم يُقَاوم الكبد مقاومة فِي الْبرد شَدِيدَة وَفِي الرُّطُوبَة وَإِن كَانَت دون الشَّدِيدَة وَيكثر فِيهِ أمراض العفونة. وَأما المزاج الْبَارِد الرطب فَيدل عَلَيْهِ النبض إِذا لم يكن عَظِيما بل إِلَى الصغر وَكَانَ لينًا لَيْسَ بسريع وَلَا متواتر بل مائلاً إِلَى ضديهما بِحَسب مبلغ المزاج وَيكون صَاحبه كسلاناً وجباناً عَاجِزا ميت النشاط أجرد غير حقود وَلَا غضوب وَيكون الْبدن بَارِدًا رطبا إِن لم يقاومه الكبد بتسخين كثير وتيبيس وَإِن لم يكن بِكَثِير. وَأما المزاج الْبَارِد الْيَابِس فَيكون نبض صَاحبه لَيْسَ بذلك البطء كُله وَيكون صَاحبه بطيء فصل فِي عَلَامَات أمراض الْقلب من ذَلِك دَلَائِل الأمزجة الْغَيْر الطبيعية وَقد يدلّ على سوء مزاج الْقلب ضعف وانحلال قُوَّة وذوبان غير مَنْسُوب إِلَى سَبَب بادٍ أَو سباق أَو مُشَاركَة عُضْو فَإِن أعَان الخفقان فِي هَذِه الدّلَالَة فقد تمّ الدَّلِيل وَإِن أدّى إِلَى الغشي فقد استحكم الْأَمر. وَإِذا قوي على الْقلب سوء مزاج بَارِد أَو حَار أَو يَابِس بِلَا مَادَّة أَخذ الْبدن فِي طَرِيق السل والذوبان فَيكون الْحَار مِنْهُ دقاً مطبقاً والبارد نوعا من الدقّ ينْسب إِلَى الْمَشَايِخ والهرمى واليابس نوعا من الدق والسل يُخَالف كل ذَلِك السلّ الْكَائِن عَن الرئة فَإِن الرئة فِي هَذَا لَا تكون مؤفة نَفسهَا وَلَا يكون بِصَاحِبِهِ سعال وَيُخَالف الدق الْحَار لعدم الْحَرَارَة. وَأما عَلامَة سوء المزاج الْحَار فَزِيَادَة النبض فِي السرعة والتواتر عَن الطبيعي وَخُرُوج النَّفس إِلَى السرعة والتواتر عَن الطبيعي وشدّة الْعَطش الَّذِي يسكن بالهواء الْبَارِد والاستراحة إِلَى الْبرد وَعُمُوم النحول والذوبان من غير سَبَب آخر والغمّ وَالْكرب المخالطين للالتهاب وَأما عَلامَة سوء المزاج الْبَارِد فميل النبض إِلَى الصغر والبطء والتفاوت عَن الطبيعي إِلَّا أَن تسْقط الْقُوَّة فيضطر إِلَى التَّوَاتُر فيتدارك مَا تفوت الْحَاجة بِغَيْرِهِمَا وَيكون مَعَ ضعف النَّفس وانحلال الْقُوَّة والاستراحة إِلَى مَا يسخّن من أَنْوَاع مَا يلمس ويشمّ ويذاق والتفرع والجبن والإفراط فِي الرقة وَالرَّحْمَة. وَأما عَلامَة سوء المزاج الرطب فميل النبض إِلَى اللين عَن الطبيعي وَسُرْعَة الانفعال عَن التواترات فِي النَّفس مَعَ سرعَة زَوَالهَا وَكَثْرَة حُدُوث الحمّيات العفنة. وَأما عَلامَة سوء المزاج الْيَابِس فميل النبض إِلَى اليبس عَن الطبيعي وعسر الانفعالات مَعَ ثباتها كَانَت قَوِيَّة أَو ضَعِيفَة وذوبان الْبدن. فصل فِي دَلَائِل الأورام فَمِنْهَا دَلَائِل الأورام الحارة فَإِنَّهَا فِي ابتدائها تظهر فِي النبض اخْتِلَافا عجيباً غير مَعْهُود ويعظم اللهيب فِي الْبدن وخصوصاً فِي نواحي أَعْضَاء التنفس وَيكون المتنفّس وَإِن استنشق أعظم هَوَاء وأبرده كالعادم للنَّفس ثمَّ يتبعهُ غشي متدارك وَلَا(2/375)
يجب أَن يتوقّع فِي تعرّف حَال أورام الْقلب الحارة مَا يكون من دلَالَة صلابة النبض على مَا جرت الْعَادة بتوفعه فِي غَيره مِمَّا هُوَ مثله فَإِن الورم لَا يبلغ بِالْقَلْبِ إِلَى أَن يصلب لَهُ النبض بل يقتل قبل ذَلِك. وَأما انحلال الْفَرد فَيُوقف عَلَيْهِ من الْأَسْبَاب الْبَادِيَة وَقد قَالَ بَعضهم أَنه إِذا عرضت فِي الْقلب قرحَة سَالَ من المنخر الْأَيْسَر دم وَمَات صَاحبه وعلامته وجع فِي الثندوة الْيُسْرَى. فصل فِي الْأَسْبَاب المؤثّرة فِي الْقلب الْأَسْبَاب المؤثرة فِي الْقلب مِنْهَا مَا هِيَ خَاصَّة بِهِ وَمِنْهَا مَا هِيَ مُشْتَركَة لَهُ وَلغيره كالأسباب الفاعلة للأمزجة والأسباب الفاعلة للأورام والفاعلة لانحلال الْفَرد وَسَائِر مَا أشبه ذَلِك مِمَّا قد عددنا ذَلِك من الْكتب الْكُلية لَكِن الْقلب يخصّه أَسبَاب تعرض من قبل النَّفس وَأَسْبَاب تعرض من قبل الانفعالات النفسانية. أما النَّفس فَإِذا ضَاقَ أَو سخن جدا أَو برد جدا لزم مِنْهُ أَن تنَال الْقلب آفَة. وَأما الانفعالات النفسانية فَيجب أَن يرجع فِيهِ إِلَى كلامنا فِي الكلّيات وَقد بَينا تأثيرها فِي الْقلب بتوسط الرّوح وكل مَا أفرط مِنْهَا فِي تَأْثِير خانق للحار الغريزي إِلَى بَاطِن أَو ناشر إِيَّاه إِلَى خَارج فقد يبلغ أَن يحدث غشياً بل يبلغ أَن يهْلك. وَالْغَضَب من جُمْلَتهَا أقلّ الْجَمِيع فَإِن الْغَضَب قلّما يهْلك. وَأما السهر والرياضة وأمثال ذَلِك فتضعف الْقلب بالتحليل. فصل فِي القوانين الْكُلية فِي علاج الْقلب إِن لنا فِي الْأَدْوِيَة القلبية مقَالَة مُفْردَة إِذا جمع الْإِنْسَان بَين مَعْرفَته بالطبّ ومعرفته بالأصول الَّتِي هِيَ أعمّ من الطِّبّ انْتفع بهَا. وَأما هَهُنَا فَإنَّا نشِير إِلَى مَا يجب أَن يُقَال فِي الْكتب الطبية الساذجة أَنه لما كَانَ الْقلب عضوا رَئِيسا أجل كل رَئِيس وأشرفه وَجب أَن يكون الْإِقْدَام على معالجته بالأدوية إقداماً معموداً بالحزم الْبَالِغ سَوَاء أردنَا أَن نستفرغ مِنْهُ خلطاً أَو نبدل لَهُ مزاجاً. أما الاستفراغ الَّذِي يجْرِي مجْرى الفصد فَإنَّا نقدم عَلَيْهِ إقداماً لَا يحوجنا إِلَى خلطه بتدابير أُخْرَى منقية بل أَكثر مَا يلْزمنَا فِيهِ أَن لَا نفرط فَتسقط الْقُوَّة وَأَن تنعش الْقُوَّة إِن خارت قَلِيلا بالأشياء الناعشة للقوة إِذا ضعفت لمزاج بَارِد أَو حَار وَهَذَا أَمر لَيْسَ إِنَّمَا يخْتَص بِهِ إِخْرَاج الدَّم فَقَط بل جَمِيع الاستفراغات وَإِن كَانَ إِخْرَاج الدَّم أشدّ استيجاباً لهَذَا الِاحْتِيَاط. وَالسَّبَب الَّذِي يسْتَغْنى مَعَه عَن محاولة أَصْنَاف من التَّدْبِير غير ذَلِك أَن إِخْرَاج الدَّم لَيْسَ بدواء يرد على الْقلب وعَلى أَن الْأَكْثَر امتلاءات الْقلب إِنَّمَا هُوَ من الدَّم والبخار فَيدْفَع ضررهما جَمِيعًا الفصد. وَأما الامتلاء الدموي فَمن الباسليق الْأَيْمن وَأما الامتلاء البُخَارِيّ فَمن الباسليق الْأَيْسَر وَأما سَائِر الاستفراغات الَّتِي تكون بالأدوية فَيجب أَن يخالط بِالتَّدْبِيرِ الْمَذْكُور وتدابير أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَن أَكثر الْأَدْوِيَة المستفرغة مضادة للبدن فَيجب أَن يصحبها أدوية قلبية وَهِي الْأَدْوِيَة الَّتِي تفعل فِي(2/376)
الْقلب قوّة بخاصية فِيهَا حَتَّى يكون الدَّوَاء الْمُسْتَعْمل فِي استفراغ الْخَلْط القلبي مشوباً بِهِ أدوية ترياقية بادزهرية مُنَاسبَة للقلب. وَقد ينفع كثير من هَذِه الْأَدْوِيَة بل أَكْثَرهَا مَنْفَعَة من جِهَة أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَيْضا تنفذ الْأَدْوِيَة المستفرغة إِلَى الْقلب صارفة إِيَّاهَا عَن غَيره. وَأما تَبْدِيل المزاج فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يتَوَجَّه التَّدْبِير نَحْو تَبْدِيل بَارِد أَو تَبْدِيل حَار أَو تَبْدِيل رطب أَو تَبْدِيل يَابِس. فَإِذا أردنَا أَن نبدل مزاجاً بَارِدًا اجترأنا على ذَلِك بالأدوية الحارة مخلوطة بالأدوية القلبية الحارة مَعَ مراعاتنا أَن لَا يَقع مِنْهَا تَحْرِيك عنيف لخلط فِي الْقلب بِحَيْثُ يمدد جرم الْقلب تمديد ريح أَو تمديد مارة مورمة وَغير ذَلِك. وَأما إِن أردنَا أَن نبدل مزاجاً حاراً فَلَا نجسر على الِاقْتِصَار على المبرّدات فَإِن الْجَوْهَر الَّذِي خلق الْقلب لأَجله - وَهُوَ الرّوح المصبوب فِيهِ - جَوْهَر حَار وحرارة غريزية غير الحرارات الضارة بِالْبدنِ وَأَنه يعرض لَهُ من سوء مزاج الْقلب إِذا كَانَ حاراً أَن يقل ويتحلّل وَأَن يتدخن ويتكدر. فَإِذا ورد على جرم الْقلب مَا يطفئه وَلم يكن مخلوطاً بالأدوية الحارة الَّتِي من شَأْنهَا أَن تقَوِّي الْحَار الغريزي لأجل ذَلِك بحرارتها بل بخاصيتها المصاحبة لحرارتها أمكن أَن يضر بِالْأَصْلِ أَعنِي الرّوح وَإِن نفع الْفَرْع وَهُوَ جرم الْقلب مِمَّا ينفع فِيهِ تَعْدِيل حرارة جرم الْقلب إِذا أحس مَعَه حرارة الرّوح فَلذَلِك لَا تَجِد الْعلمَاء الأقدمين يحلّون معالجة سوء المزاج الْحَار الَّذِي فِي الْقلب وَمَا يعرض لَهُ عَن خلط الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة بقلبية حارة ثِقَة بِأَن الطبيعة إِن كَانَت قَوِيَّة ميزت بَين المبرّد والمسخّن فَحملت بالمبردات على الْقلب وحملت الحارة القلبية إِلَى الرّوح فيعدل ذَلِك هَذَا. وَإِن وجدوا دَوَاء معتدلاً يفعل تَقْوِيَة الرّوح بالخاصية أَو قَرِيبا من الِاعْتِدَال كلسان الثور اشتدت استعانتهم بِهِ. وَأما إِن كَانَت الطبيعة ضَعِيفَة لم ينفع تَدْبِير وَقد يحوجهم إِلَى اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة الحارة القلبية مَا يعلمونه من ثقل جَوَاهِر أَكثر الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة القلبية وَقلة نفوذها وميلها بالطبع إِلَى الثَّبَات دون النَّفاذ فيحوجهم ذَلِك إِلَى خلط الْأَدْوِيَة القلبية الحارة النافذة بهَا لتستعين الطبيعة على سوق تِلْكَ إِلَى الْقلب مثل مَا يخلطون الزَّعْفَرَان بِسَائِر أخلاط أَقْرَاص الكافور فَإِن سَائِر الأخلاط تتبذرق بِهِ إِلَى الْقلب ثمَّ للقوة الطبيعية أَن تصدّه عَن الْقلب لَهُ وتشغله بِالروحِ من الْقلب وتستعين بالمبردات على تَعْدِيل المزاج فَإِن هَذَا أجدى عَلَيْهَا من أَن تسْتَعْمل مبردات صرفة ثمَّ تقف فِي أول المسلك وتأبى أَن تنفّذ. وَالَّذين أسقطوا الزَّعْفَرَان من أَقْرَاص الكافور مستدركين على الْأَوَائِل فقد جعلُوا أَقْرَاص الكافور قَلِيل الْغذَاء وهم لَا يَشْعُرُونَ. ثمَّ المزاج الْحَار يعالج بسقي ربوب الْفَوَاكِه وخصوصاً مَاء التفاح الشَّامي والسفرجل فَإِنَّهَا نعم الدَّوَاء وَبِمَا يُشبههُ مِمَّا سَنذكرُهُ وبأطلية وأضمدة(2/377)
من المطفئات مخلوطة بمقوّيات الْقلب وَإِن كَانَ السَّبَب مَادَّة استفرغت. وَأما علاج سوء المزاج الْبَارِد فبالمعاجين الْكِبَار الَّتِي سنذكرها وَالشرَاب الريحاني والرياضات المعتدلة وبالأضمدة والأطلية الحارة العطرة القلبية وبالأغذية حارة بِقدر مَا ينهضم. فَإِن كَانَ السَّبَب مَادَّة استفرغت. وَأما علاج سوء المزاج الْيَابِس فَيحْتَاج فِيهِ إِلَى غذَاء كثير مرطب وَإِلَى دُخُول الْحمام إثره وَإِلَى اسْتِعْمَال الأبزن مَعَ ترفيه وَقلة حَرَكَة ودعة وَسقي المَاء الْبَارِد. وَإِن كَانَ هُنَاكَ برد جَنبُوا المَاء الْبَارِد الشَّديد الْبرد وَعدلُوا بالأغذية والأشربة وَأَكْثرُوا النّوم على طَعَام حَار. وَإِن كَانَ السَّبَب مَادَّة حارة استفرغت وستعرف تَفْصِيل ذَلِك حَيْثُ نتكلم فِي علاج الدق والذبول. وَأما علاج المزاج الرطب فبتلطيف الْغذَاء وَاسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة المجفّفة والرياضات المعتدلة مَعَ تَوَاتر وَكَثْرَة الْحمام قبل الطَّعَام وعياه الحميات والاستنقاع الْكثير فِي المَاء الْحَار وَاسْتِعْمَال المسهلات والمدرات وَاسْتِعْمَال الشَّرَاب الْقوي الْقَلِيل الْعطر وَاسْتِعْمَال الأغذية المحمودة الكيموس بِقدر دون الْكثير فَإِن كَانَ هُنَاكَ حرارة جَنبُوا الْحمام واستعملوا الْجِمَاع. وَإِن كَانَ السَّبَب مَادَّة رطبَة أَو حارة رطبَة استفرغت. كَلَام فِي الْأَدْوِيَة القلبية: أما الْأَدْوِيَة القلبية بكمالها فَيجب أَن تلقطها من أَلْوَاح الْأَدْوِيَة المفردة من لوح أَعْضَاء النَّفس وَأما بِحَسب الْحَاجة فِي هَذَا الْوَقْت فلنذكر مِنْهَا مَا هُوَ كالرؤوس وَالْأُصُول فَنَقُول: أما الْقَرِيبَة من الِاعْتِدَال مِنْهَا فالياقوت والسبنجاذق والفيروزج وَالذَّهَب وَالْفِضَّة ولسان الثور. وَأما الحارة مِنْهَا فكالدرونج والجدوار والمسك والعنبر والزرنباد والإبريسم خاصية والزعفران(2/378)
والبهمنان عَاجلا النَّفْع والقرنفل عَجِيب جدا وَالْعود الخام والباذرنبويه وبزره. وَأَيْضًا الباذروج وبزره والشاهسغرم وبزره والقاقلة والكبابة والفلنجمشك وبزره وورق الأترج وحماضه والساذج الْهِنْدِيّ والراسن عَجِيب جدا. وَأما الْبَارِدَة فاللؤلؤ والكهرباء والبُسد والكافور والصندل والورد والطباشير والطين الْمَخْتُوم والتفاح والكزبرة الْيَابِسَة والكزبرة الرّطبَة وَغير ذَلِك. الْمقَالة الثَّانِيَة جزئيات مفصلة فصل فِي الخفقان وأسبابه الخفقان حَرَكَة اختلاجية تعرض للقلب وَسَببه كل مَا يُؤْذِي الْقلب مِمَّا يكون فِي نَفسه أَو يكون فِي غلافه أَو يتَّصل بِهِ من الْأَعْضَاء الْمُشَاركَة الْمُجَاورَة لَهُ وَقد يكون عَن مَادَّة خلطية وَقد يكون عَن مزاج ساذج وَقد يكون عَن ورم وَقد يكون عَن انحلال الْفَرد وَقد يكون عَن سَبَب غَرِيب وَقد يكون عَن جبن شَدِيد. والمادة الخلطية قد تكون دموية وَقد تكون رُطُوبَة وَقد تكون سوداوية وَقد تكون صفراوية وَقد تكون ريحية وَهِي أخفها وأسهلها. وَالَّذِي يكون عَن مزاج ساذج فَإِن كل مزاج غَالب يُوجب ضعفا وكل ضعف يحدث فِي الْقلب مَا دَامَ بِهِ بَقِيَّة قُوَّة اضْطربَ اضطراباً مَا كَأَنَّهُ يدْفع عَن نَفسه أَذَى فَكَانَ الخفقان. وَإِذا أفرط انْتقل الخفقان إِلَى الغشي وَإِذا أفرط انْتقل إِلَى الْهَلَاك وَقد يَفْعَله من المزاج الساذج كل مزاج من الأمزجة. وَأما الورم الْحَار فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَبْتَدِئ أظهر خفقاناً ثمَّ أغشي ثمَّ أهلك. والبارد يقرب من حَاله لكنه رُبمَا أمْهل قَلِيلا وَكَذَلِكَ انحلال الْفَرد وَكَذَلِكَ السدد تكون فِي مجاري الدَّم وَالروح وَالْقلب وَمَا يَلِيهِ وَفِي الْعُرُوق الخشنة من أَجزَاء الرئة. وَأما الْكَائِن من سَبَب غَرِيب فَمثل الْكَائِن عَن أوجاع مثخنة وانفعالات من مواد الأورام الْمُجَاورَة الْمَذْكُورَة وَعَن شرب السمُوم والكائن عَن لسوعات الْحَيَوَانَات والكائن عَن الْحَيَّات الَّتِي تحدث فِي الْبَطن وخصوصاً إِذا ارتقت إِلَى أعالي مَوَاقِف الْغذَاء والثفل.(2/379)
وَأما الْكَائِن عَن لطف حس الْقلب فَإِن صَاحبه يعرض لَهُ الخفقان من أدنى ريح يتَوَلَّد فِي الفضاء الَّذِي بَينه وَبَين غلافه أَو فِي جرم غلافه أَو فِي عروقه وَمن أدنى كَيْفيَّة بَارِدَة أَو حارة تتأدى إِلَيْهِ حَتَّى عقب شرب المَاء من غير أَن يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى ضعف فِي أَفعاله. أما الْكَائِن بالمشاركة فإمَّا بمشاركة الْبدن كُله كَمَا يعرض فِي الحميات وخصوصاً حميات الوباء أَو بمشاركة غلافه بِأَن يعرض فِيهِ ورم رخو أَو صلب كَمَا يعرض للقرد والديك الْمَذْكُورين أَو بمشاركة الْمعدة بِأَن يكون فِي فمها خلط لزج زجاجي أَو لذاع صفراوي أَو كَانَ يفْسد فِيهَا الطَّعَام أَو بمشاركة جَمِيع الْأَعْضَاء الَّتِي توجع بِشدَّة. وَقد يكثر بمشاركة الْمعدة لخلط فِيهَا أَو بثور فِي فمها أَو وَهن عقيب قيء عنيف حَتَّى لَا تكَاد تميز بَينه وَبَين القلبي. وَرُبمَا عرض اخْتِلَاج فِي فَم الْمعدة وترادف ذَلِك فَكَانَ أشبه شَيْء بالخفقان القلبي وَقد يكون بمشاركة الرئة إِذا كثر فِيهَا السدد فِي الْجِهَة الَّتِي تلِي الْقلب فَلم ينفذ النَّفس على وَجهه وَذَلِكَ ينذر بِضيق نفس غير مَأْمُون وَقد يكون بِسَبَب البحران وحركات تعرض للأخلاط نَحْو البحران وسنوضحه فِي مَوْضِعه. وَمن شكا خفقاناً بعقب الْمَرَض وَكَانَ بِهِ تهوع وَقذف صفراء كَبِيرَة وَلم يزل التهوع فَهُوَ رَدِيء وينذر بتشنج فِي الْمعدة. العلامات: الخفقان كُله يدلَ عَلَيْهِ النبض الْمُخَالف المجاوز للحدَ فِي الِاخْتِلَاف المحسوس فِي الْعظم والصغر والسرعة والإبطاء والتفاوت والتواتر وَكَثِيرًا مَا يشبه نبض أَصْحَاب الربو وَيدل على الرطب مِنْهُ شدَّة لين النبض وإحساس صَاحبه كَأَن قلبه يَنْقَلِب فِي رُطُوبَة. وَيدل على الدموي فِيهِ عَلَامَات الْحَرَارَة والالتهاب وَسُرْعَة النبض وعظمة فِي غير وَقت الخفقان وينتفعون بِالْجِمَاعِ وَفِي الْبَارِد بالضد مِنْهُ. وَيدل على الصفراوي مِنْهُ وَهُوَ فِي الْقَلِيل أمراض صفراوية تتبعه وصلابة فِي النبض وَشدَّة وَيدل على الريحي الساذج مِنْهُ صرعة تحلله وخفة مُؤْنَته وَقلة اخْتِلَاف نبضه. وَيدل على الورمي فِي جوهره أَو غلافه عَلامَة الورمين الْمَذْكُورَة وعَلى الانحلالي سَببه. وعَلى الْكَائِن عَن السمُوم واللسوع سَببهَا مَعَ عدم سَائِر الْأَسْبَاب وَكَذَلِكَ الْكَائِن عَن الديدان والكائن عَن مزاج حَار مُفْرد التهاب شَدِيد من غير إحساس رُطُوبَة يترجرج فِيهَا الْقلب وَسُرْعَة نبض وتواتره وَلَو فِي غير وَقت هيجانه وَأَن يكون عقيب أَسبَاب مسخنه بِلَا مَادَّة وَفِي الدّق وَنَحْوه.(2/380)
وَكَذَلِكَ الْكَائِن عَن الْبرد الساذج يدل عَلَيْهِ أَسبَابه من الاستفراغات المطفئة للحار الغريزي والأمراض المبردة والأهوية وَغَيرهَا والنبض البطيء المتفاوت فِي غير وَقت الخفقان. وَأما الْكَائِن عَن السدد فيدلّ عَلَيْهِ اخْتِلَاف النبض فِي الصغر وَالْكبر والضعف وَالْقُوَّة مَعَ عدم عَلَامَات الامتلاء. وَأما الْكَائِن عَن لطف حس الْقلب وَعَن أدنى ريح يتولده وَأدنى أَذَى يتَأَدَّى إِلَيْهِ فَيعرف ذَلِك من قُوَّة النبض وَصِحَّة النَّفس والسلامة فِي سَائِر الْأَعْضَاء. وَقُوَّة النبض وعظمه أدل دَلِيل عَلَيْهِ ويؤكده أَن يكون الْبدن مَعَ تَوَاتر هَذَا الخفقان سليما وَالْقُوَّة مَحْفُوظَة وَالْعَادَة فِي الْأَفْعَال صَحِيحَة وَأكْثر مَا يعرض هَذَا للَّذين يظْهر على وُجُوههم تَأْثِير الانفعالات النفسانية وَإِن قلت مثل فَرح أَو غم أَو هم أَو غضب أَو نَحْو ذَلِك. فَأَما الْكَائِن بمشاركة الْبدن كُله فِي الحمّيات فَذَلِك ظَاهر وَكَذَلِكَ البحراني. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الْمعدة فيدلّ عَلَيْهِ دَلَائِل أَحْوَال الْمعدة والشهوة وَمَا ينقذف عَنْهَا والخيالات والغثيان والمغص وَأَن يخف عِنْد الخواء إِلَّا أَن يكون عَن سَبَب صفراوي ينصبّ إِلَى فَم الْمعدة عِنْد الخواء وَأَن لَا يشتدّ سَاعَة أَخذ الْغذَاء فِي الهضم. وَالَّذِي يكون بمشاركة الرئة بِأَن يكون صَاحبه معرضًا للربو مَوْجُودا فِيهِ العلامات الدَّالَّة على رُطُوبَة الرئة وانسداد المجاري فِيهَا الَّتِي نذْكر فِي بَابه. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الخناق فَيدل عَلَيْهِ دلائلها الْمَذْكُورَة فِي بَابهَا وَمِمَّا يدل عَلَيْهِ اللعاب السَّائِل ووجع كالعاض والغارز يَقع دفْعَة فِي فَم الْمعدة. المعالجات الْكُلية للخفقان: أما المادية كلهَا فينتفع فِيهَا بالاستفراغات. أما الدموي فبالفصد وَإِخْرَاج الدَّم الْبَالِغ وتعديل الْغذَاء بالكمّ والكيف وَإِن كَانَ لَهُ نَوَائِب أَو فصل يعتري فِيهِ كثيرا مثل الرّبيع مثلا فَمن الْوَاجِب أَن يتَقَدَّم قبل النّوبَة بفصد وتلطيف غذَاء ويتناول مَا يُقَوي الْقلب. وَأما الْكَائِن بِسَبَب خلط بلغمي فَيجب أَن يستفرغ بأدوية يبلغ تأثيرها الْقلب وأوفق ذَلِك الأيارجات الْكِبَار المستفرغة للرطوبات اللزجة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب دم سوداوي فعلاجه الفصد وتعديل الكبد حَتَّى لَا تتولّد السَّوْدَاء بِمَا يُقَال فِي بَابه. وَإِن كَانَ مُجَرّد خلط سوداوي فالعلاج فِيهِ الاستفراغ بِمثل أيارج روفس ولوغوديا وَجَمِيع مَا يستفرغ الْخَلْط السوداوي من مَكَان بعيد ثمَّ يتوخّى بعد ذَلِك تَعْدِيل المزاج. أما الْبَارِد فبالمسخنات وَأما الْحَار فبالمبرّدات وخصوصاً مَا كَانَ مِنْهُمَا من الْأَدْوِيَة القلبية.(2/381)
وَأما مَا كَانَ بمشاركة الْمعدة فَإِن كَانَ من خلط غليظ عولج بالقيء بعد الطَّعَام وَبعد تنَاول الملطفات الْمَعْرُوفَة مثل تنَاول عصارة الفجل والسكنجبين والإسهال بعده بالأيارجات الْكِبَار مثل لوغاذيا وتنادريطوس وأيارج فيقرا مقوى بشحم الحنظل والغاريقون والأفتيمون. فَإِن كَانَ بِسَبَب الصَّفْرَاء اللذّاعة عولج بتقوية الْمعدة بربوب الْفَوَاكِه والنواكه العطرة وَمثل التفّاح والسفرجل وخصوصاً بعد الطَّعَام والكمثري وَمَا أشبه ذَلِك وبإمالة الطبيعة إِلَى اللين وَاجْتنَاب مَا يَسْتَحِيل إِلَى خلط مراري وتدبير تَعْدِيل الْمعدة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الطَّعَام يفْسد فِيهَا فَيَنْبَغِي أَن تدبر بِمَا يقويها على هضم مَا يفْسد فِيهَا بِمَا نذكرهُ فِي بَاب الْمعدة فَكَمَا أَنَّك تقطع السَّبَب بِهَذَا التَّدْبِير كَذَلِك يجب أَن تقوّي المنفعل وَهُوَ الْقلب حَتَّى لَا يقبل التَّأْثِير وَلَا يقْتَصر على قطع السَّبَب دون تَقْوِيَة المنفعل بل يجب مَعَ ذَلِك أَن تتعهد الْقلب بالأدوية القلبية مِمَّا يعظم نَفعه فِي الخفقان شرب وزن مِثْقَال من لِسَان الثور عِنْد النّوم ليَالِي مُتَوَالِيَة وَمِمَّا جرّب لَهُ شرب مِقْدَار نواة ووزنها من القرنفل الذّكر فِي اثْنَي عشر مِثْقَالا من اللَّبن الحليب على الرِّيق وَأَن تشرب مِثْقَالا من المرزنجوش الْيَابِس فِي مَاء بَارِد إِن كَانَ هُنَاكَ حرارة أَو شرب إِن لم يكن حرارة فِي أَيَّام مُتَوَالِيَة. وَمِمَّا ينْتَفع بِهِ صَاحب الخفقان أَن يكون مَعَه أبدا طيب من جنس مَا يلائم وَأَن يديم التبخر بِهِ وَيسْتَعْمل شمامات مِنْهُ وَأَن يكون الَّذِي بِهِ خفقان حَار يغلب على طيبه الْورْد والكافور والصندل والأدهان الْبَارِدَة مَعَ قَلِيل خلط من الْأَدْوِيَة الْأُخْرَى اللطيفة الْحَرَارَة كقليل مسك وزعفران وقرنفل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يفدح الْأَمر فتقتصر. على الْبَارِدَة وَإِن كَانَ بِهِ مزاج بَارِد فالمسك والعنبر ودهن البان ودهن الأترج وَمَاء الكافور والغالية وَمَا يشبه ذَلِك. ويقاربه من أَصْنَاف الدخن والند والملائمة بِحَسب المزاج. وَلَا نكثر عَلَيْك الْكَلَام فِي تَعْدِيل الْأَدْوِيَة القلبية الحارة والباردة(2/382)
فَإنَّك تَجِد جَمِيعهَا مَكْتُوبًا فِي جداول أَعْضَاء النَّفس فِي الْأَدْوِيَة المفردة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن كل دَوَاء عطر فَهُوَ قلبِي وَمَعَ هَذَا فَإنَّا قد ذكرنَا مَا يكون من هَذِه الْأَدْوِيَة مقدّماً فِي هَذَا الْغَرَض فَأَما صَاحب الخفقان مَعَ التهوّع الَّذِي ذكرنَا أَن خفقانه رَدِيء علاجه خُصُوصا إِن كَانَ هُنَاكَ بَقِيَّة حمّى سقِِي سويق الشّعير مغسولاً بِالْمَاءِ الْحَار ثمَّ مبرّداً بِوَزْن عشرَة دَرَاهِم سكّر فَإِنَّهُ - وَإِن تقيأه أَيْضا - ينْتَفع بِهِ وَإِن كره السكّر لزيادته فِي التهوّع أَخذ بدله حبّ الرُّمَّان ويشدّ السَّاقَيْن ويستنشق الكافور وَمَا يُشبههُ مَعَ الخلّ وَيَضَع على الصَّدْر خرقاً مبلولة بِمَاء الصندلين والكافور وَنَحْوه وَكَثِيرًا مَا يهيج الخفقان ثمَّ ينْدَفع شَيْء إِلَى أَسْفَل يمنة ويسرة فيسكّن الخفقان.
(فصل فِي علاج الخفقان الْحَار)
إِن كَانَ هَذَا الخفقان مَعَ مَادَّة واستفرغتها وَبَقِي أَثَرهَا أَو كَانَ خفقان حَار بِلَا مَادَّة فَيجب أَن تكون تغذية صَاحبه بِمَا قل ونفع كالخبز المبلول المنقع فِي مَاء الْورْد فِيهِ قَلِيل شراب ريحاني وَالْخبْز بشراب التفاح ومرقة التفاح وبالدوغ الْقَرِيب الْعَهْد بالمخض أَو غير الحامض جدا والقرع والبقلة اليمانية والفواكه الْبَارِدَة. فَإِن احْتمل اللَّحْم فالقريص والهلام من الفراريج وَمن القبج خَاصَّة فَلهُ خاصية فِي هَذَا الشَّأْن حَتَّى لبارد المزاج وأصناف المصوص الْمُتَّخذ مِنْهَا كل ذَلِك بعصارات الْفَوَاكِه والحصرم والتفاح الحامض والخلّ الحاذق مرشوشاً عَلَيْهِ مَاء الْورْد وَمَاء الْخلاف وَإِن كَانَ حمّاض الأترج أَو الليمون فَهُوَ أَنْفَع شَيْء. فَإِن اشتدّ الْأَمر والالتهاب جرّعته المَاء الْبَارِد وَمَاء الثَّلج ممزوجاً بِمَاء الْورْد تجريعاً بعد تجريع وجرعته شراب الْفَوَاكِه وشراب التفاح الشَّامي وَمَا أشبه ذَلِك شَيْئا بعد شَيْء. وَإِن احتجت أَن تذوب فِيهِ الكافور فعلت وَرُبمَا احتجت إِلَى أَن تقتصر بِهِ على سقِِي الرائب من رَطْل إِلَى رطلين تَجْعَلهُ غذَاء لَهُم فَإِن احتجت إِلَى تَقْوِيَة شَيْء من لباب الْخبز والكعك فعلت وَإِن وجدت الْقُوَّة ضَعِيفَة وَخفت التطفئة لم يكن بدّ من أَن يخلط بذلك وَبِمَا يجْرِي مجْرَاه من الكبابة والقاقلة وورق الأترج. وَأَيْضًا الكزبرة والكافور مَعَ ورد وطباشير أَيْضا ليعدله. وَأما لِسَان الثور فاقدم عَلَيْهِ وَلَا تخف غائلته وَاسْتَعْملهُ فِي كل مَا سقيت وأطعمت وَقد جرت الْعَادة بسقيه وَكَذَلِكَ مَاؤُهُ المقطّر وَقد ينفع مِنْهُ وزن دِرْهَم من الراوند الصيني بِمَاء بَارِد أَيَّام مُتَوَالِيَة واجتهد أَن يكون الْهَوَاء مبرّداً غَايَة التبريد. وَإِن شرب تكون النضوحات والشمومات العطرة الكافورية والصندلية حَاضِرَة وَلَا بَأْس أَن يرشّ عَلَيْهَا شَيْء من الشَّرَاب قدر مَا ينفذ عطرها إِلَى الْقلب. وَمِمَّا ينْتَفع بِهِ صَاحب الخفقان الْحَار الِانْتِقَال عَن هوائه إِلَى هَوَاء بَارِد فَإِن ذَلِك يُعِيدهُ إِلَى الصِّحَّة وَيجب أَن لَا تغفل وضع الأضمدة المبرّدة على الْقلب المتخذة من الصندل وَمَاء الْورْد وَمَاء الحدادين والكافور والورد والطباشير والعدس يضمّد بِهِ فُؤَاده وخاصة فِي الحميات.(2/383)
وَأما المركّبات النافعة فِي ذَلِك فَإِن يسقى أَقْرَاص الكافور بالزعفران بشراب حمّاض الأترج وَقد جعل فِيهِ ورق الأترج ودواء الْمسك الحلو والمفرح الْبَارِد. وَمِمَّا جرّب لما لَيْسَ من الْحَار شَدِيد الْحَرَارَة مَا نَحن واصفوه من الدَّوَاء. ونسخته: يُؤْخَذ طباشير أَرْبَعَة أَجزَاء عود هندي وسكّ من كل وَاحِد دِرْهَم قاقلة وقرنفل من كل وَاحِد دِرْهَم كافور نصف دِرْهَم كثيراء ثَلَاثَة دَرَاهِم يقرّص بِمَاء الترنجبين كل قرصة وزن نصف دِرْهَم. نُسْخَة أُخْرَى: يُؤْخَذ درونج جُزْء كافور ربع جُزْء صندل ثلث جُزْء لُؤْلُؤ كهربا بُسد عود هندي طباشير ورد من كل وَاحِد نصف جُزْء لِسَان الثور جزآن يعجن بِمَاء التفاح ويقرص والشربة من دِرْهَم إِلَى مِثْقَال. أُخْرَى: وَهُوَ دَوَاء أقوى من ذَلِك فِي التطفئة بزر خس وبزر الهندبا وطباشير وَورد وصندل بزر بقلة الحمقاء ولسان ثَوْر وكزبرة يابسة وبُسد وكهربا ولؤلؤ من كل وَاحِد على مَا يرى المعالجون قانون ذَلِك ثمَّ يسفّ مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ فَإِنَّهُ جيد جدا. فَإِن اشتدت الْحَاجة فَيُؤْخَذ من الطباشير والصندل الْأَصْفَر والورد من كل وَاحِد جُزْء وَمن الكافور ربع جُزْء الشربة مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ. نُسْخَة أُخْرَى: يُؤْخَذ نشا وكهربا ولؤلؤ وباذرنبويه فلنجمشكك وشبّ يماني مقلو ثَلَاثَة ثَلَاثَة طين أرمني كزبرة خَمْسَة خَمْسَة الشربة مثقالان بِمَاء الباذرنبويه. فَإِن أفرط الْأَمر وَزَاد الإشعال وَخيف أَن يكون ابْتِدَاء ورم فَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يسقى بزر اللقَاح والأفيون. والأجود أَن يسقى من بزر اللقَاح إِلَى أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن الأفيون إِلَى نصف دانق مخلوطاً بدواء عطر من فصل فِي علاج الخفقان الْبَارِد: أما الاستفراغات إِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة فعلى السَّبِيل الَّذِي أوضحناه لَك. وَمِمَّا جرّب للبلغمي الرطب من ذَلِك سَوَاء كَانَ فِي نَاحيَة الْقلب أَو فِي الْمعدة. ونسخته: أَن يُؤْخَذ من الغاريقون وزن نصف دِرْهَم وَمن شَحم الحنظل وزن دانق وَمن التُرْبَد وزن دِرْهَم وَمن الْمقل وزن دانق وَمن الْمسك والزعفران من كل وَاحِد طسوج وَمن الْعود الْهِنْدِيّ وزن دانق وَمن الْملح النفطي وزن ربع دِرْهَم. وَهُوَ شربة كَامِلَة. وَمِمَّا جرب للسوداوي هُنَا ونسخته: هُوَ أَن يُؤْخَذ هليلج أسود وكابلي من كل وَاحِد وزن دِرْهَم أفتيمون نصف دِرْهَم حجر أرمني وزن ربع دِرْهَم دَوَاء الْمسك المرّ وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم يسقى فِي شراب ريحاني قدر مَا يداف فِيهِ وَرُبمَا اقْتصر على مداومة اسْتِعْمَال أيارج(2/384)
فيقرا وزن مِثْقَال مَعَ أفتيمون وزن دانق يسقى بالسكنجبين ويواصل. وَأما الْأَدْوِيَة المبدّلة للمزاج فالترياق والمثروديطوس ودواء الْمسك الحلو والمرّ ودواء قَيْصر والشيلثا وجوارشن الْعود والعنبر والمفرح الْكَبِير ومعجون النجاج وأقراص الْمسك. وَإِذا قوي الْبرد احْتِيجَ إِلَى مثل الأنقرديا والسقي مِنْهُ. وَقد ينفع مِنْهُ تنَاول حمصة من القفطرغان بِثَلَاثِينَ مِثْقَالا من الطلاء وَقد أنقع فِيهِ لِسَان الثور ويغتذي بِمَاء الحمص وفراخ الْحمام وَلُحُوم العصافير والقنابر. وَمن الْأَدْوِيَة المركَبة دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ لِسَان ثَوْر دِرْهَم زرنباد ودرونج من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم الشربة مِنْهُ دِرْهَم فِي أول الشَّهْر وأوسطه وَآخره وَيجب أَن يكون فِي الشَّرَاب الريحاني. آخر: كهربا وجندبيدستر من كل وَاحِد جُزْء وقشور الأترج المجفّفة بزر الافرنجمشك من كل وَاحِد نصف جُزْء وكهربا وبسد من كل وَاحِد دِرْهَم فلنجمشك قرنفل سكّ من كل وَاحِد وَاحِد. الشربة مِنْهُ نصف دِرْهَم بعصارة المفرح غير المصفاة وَلَا مغلاة وَهَهُنَا أدوية جَيِّدَة بَالِغَة طَوِيلَة النّسخ مَذْكُورَة فِي الاقراباذين. فصل فِي أَصْنَاف الغشي وأسبابه وَأَسْبَاب الْمَوْت فَجْأَة: الغشي تعطل جلّ القوى المحركة الحساسة لضعف الْقلب واجتماع الرّوح كُله إِلَيْهِ بِسَبَب تحرّكه إِلَى دَاخل أَو بِسَبَب يحقنه فِي دَاخل فَلَا يجد متنفساً أَو لقلّته ورقته فَلَا يفضل على الْمَوْجُود فِي الْمَعْدن. وَأَنت ستعلم مِمَّا تحققته إِلَى هَذَا الْوَقْت أَن أَسبَاب ذَلِك لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون امتلاء من مَادَّة خانقة بِالْكَثْرَةِ أَو السدّة أَو استفراغاً محللاً للروح أَو عدماً ليدلّ مَا يتحلّل وجوع شَدِيد. وأضعف النَّاس صبرا عَلَيْهِ المنسوبون إِلَى أَنهم لَا مرضى وَلَا أصحاء كالصبيان وَمن يقرب مِنْهُم والمشايخ والناقهون. وَأما المتناهون فِي السنّ فقد يحتملونه واحتماله فِي الشتَاء أَكثر مِنْهُ فِي الصَّيف أَو سوء مزاج(2/385)
قد استحكم أَو عرض الْعَظِيم مِنْهُ دفْعَة أَو وجع شَدِيد أَو ضعف من قوى المبادئ الرئيسة وخصوصاً الْقلب ثمَّ الدِّمَاغ ثمَّ الكبد أَو ضعف المشارك مثل فَم الْمعدة للقلب أَو ضعف من الْبدن كُله وهزال ونحافة أَو اسْتِيلَاء عَارض نفساني على مَا ذكر ذَلِك فِي مَوضِع آخر. وَأَكْثَره للمشايخ والضعفاء والناقهين أَو وُصُول قُوَّة مضادة بالجوهر لمزاج الْقلب وَالروح إِلَيْهِمَا مثل اشتمام آسن الْآبَار ووباء الْهَوَاء وكما يعرض فِي الحمّيات الوبائية ونتن الْجِيَف ونفوذ قوى السمُوم إِلَى الْقلب وَرُبمَا كَانَ بمشاركة شريان. وَمن ذَلِك مَا يعرض بِسَبَب الديدان الَّتِي تصعد إِلَى فَم الْمعدة. وَيجب أَن نفضل هَذَا تَفْصِيلًا أَكثر فَنَقُول: أما الْموَاد فَإِنَّهَا تحدث الغشي إِمَّا للكثرة وسدها مجاري الرّوح وحصرها كلهَا فِي الْقلب حَتَّى يكَاد أَن يختنق وَمن هَذَا الْقَبِيل انصباب من أخلاط كَثِيرَة أَو دم كثير إِلَى فَم الْمعدة أَو الصَّدْر وَنَحْوهمَا أَو انْتِقَال من مَادَّة ورم الخناق وَذَات الْجنب وَذَات الرئة إِلَى نَاحيَة الْقلب دفْعَة. وَإِمَّا للحوج مِنْهَا فِي المسام فيسد المجاري وخصوصاً فِي الْأَعْضَاء النفسية وَرُبمَا كَانَ عَاما فِي جَمِيع عروق الْبدن وَإِن لم يفعل ذَلِك بِكَثْرَة. وَأما السدة أذاها بالكيفية الْبَارِدَة جدا أَو اللذاعة جدا أَو المحرقة جدا والغشي الَّذِي يَقع فِي ابْتِدَاء نَوَائِب الحميات هُوَ من هَذَا الْقَبِيل وَسَببه أخلاط غَلِيظَة لزجة أَو لذاعة أَو محرقة وَقد يكون ذَلِك بِقرب الْقلب وَقد يكون فِي أَعْضَاء أُخْرَى بمشاركة كالدماغ فَإِنَّهُ إِذا حدثت بِهِ السدة الْكَامِلَة فَكَانَ سكتة كَانَ غشي لَا محَالة. وَقد يكون فِي الْمعدة بِسَبَب ورم أَو لضعف حَادث تصير بِهِ قَابِلَة لتحلب الْموَاد إِلَى فمها كَانَت بَارِدَة أَو حارة وَقد يكون بِسَبَب كَثْرَة السدد فِي عروق الْبدن حَيْثُ كَانَت. وَهَذِه الْموَاد القتالة قد يعرض كثيرا من إفراط الْأكل وَالشرب وتواتر التخم لسوء الهضم حَتَّى ينتشر مِنْهُ فِي الْبدن مَا يمْلَأ الْعُرُوق ويسد مسالك النَّفس وَهَذِه الْموَاد الْكَثِيرَة قد تعين على الغشي من جِهَة حرمانها الْبدن الْغذَاء أَيْضا لِأَنَّهَا تسد طَرِيق الْغذَاء الْجيد وَلَا تستحيل بِنَفسِهَا إِلَى الْغذَاء لِأَنَّهَا لكثرتها تقوى على الطبيعة فَلَا تنفعل عَنْهَا. وَمَعَ ذَلِك فَإِن مزاج الْبدن يفْسد بهَا وَهَذِه الْموَاد الَّتِي تفعل الغشي بكثرتها أَو برداءتها هِيَ الَّتِي تفعل الكرب الغشي إِذا وَقعت فِي الْمعدة وَكَانَت أقل كمية أَو رداءة. وَإِمَّا الْكَائِن بِسَبَب استفراغ مفرط فَإِنَّمَا يكون لاستتباعه الرّوح مستفرغاً مَعَه إِلَى أَن يتَحَلَّل جمهوره وَذَلِكَ أما استطلاق بطن يذرب أَو إسهال متتابع أَو زلق معدة أَو معي أَو سحج أَو قيء(2/386)
كثير أَو رُعَاف أَو نزف لحم من عُضْو آخر كأفواه عروق الْمعدة أَو لجراحة أَو لبزل مَاء استسقاء أَو لبط دبيلة ليسيل مِنْهَا شَيْء كثير دفْعَة أَو نزف حيض أَو نِفَاس أَو لِكَثْرَة رياضة أَو مقَام فِي حمام حَار شَدِيد التعريق أَو لسَبَب من أَسبَاب التعريق قوي مفرط عَارض لذاته فَاعل للعرق لذاته كالحرارة أَو معِين كتخلخل الْبدن المفرط أَو رقة من الأخلاط فِي جواهرها وطبائعها وَإِذا عرض الغشي عَن استفراغ أخلاط. وَالْقُوَّة الحيوانية قَوِيَّة بعد لم يكن مخوفا وَذَلِكَ مثل الغشي الَّذِي يعرض بعد الفصد. وَأما الوجع فَيحدث الغشي لفرط تَحْلِيله الرّوح كَمَا يعرض فِي إيلاوس والقولنج وَفِي اللذع المفرط الْعَارِض فِي الْأَعْضَاء الحساسة من فَم الْمعدة والمعي وَنَحْوهَا وَفِي مثل وجع جراحات العصب وقروحها واللدوغ الَّتِي تعرض عَلَيْهَا الْعَقْرَب أَو زنبور وَفِي قُرُوح المفاصل الممنوة بالاحتكاك المفرع لما بَينهَا لانصباب الْموَاد المؤذية وَمثل أوجاع القروح الساعية المغشية لشدَّة إيجاعها لحدتها وتأكيلها وَيحدث مِنْهَا فَسَاد الْأَعْضَاء حَتَّى يتَأَدَّى إِلَى الْمَوْت فَإِنَّهَا تغشي أَولا بالوجع وآخراً بِشدَّة تبريد الْقلب أَو بإيراد بخار سمي فَاسد على الْقلب مَنعه من تجنف الْعُضْو واستحالته إِلَى ضد المزاج الْمُنَاسب للنَّاس. وَأما عوارض النَّفس فقد تكلمنا فِيهَا وَعرفت السَّبَب فِي إجحافها بِالْقَلْبِ. فَأَما الورم فَإِنَّهُ يحدث الغشي إِمَّا بِسَبَب عظمه حَيْثُ كَانَ ظَاهرا أَو بَاطِنا فَيفْسد مزاج الْقلب بتوسط تأدية الشرايين أَو بِسَبَب الْعُضْو الَّذِي فِيهِ إِذا كَانَ مثل غلاف الْقلب أَو كَانَ عضوا قَرِيبا من الْقلب فَإِن لم يكن الورم عَظِيما جدا فَإِنَّهُ يفعل مَا يفعل الْعَظِيم الْبعيد أَو بِسَبَب الوجع إِذا اشْتَدَّ مَعَه. وَأما الْمعدة فَإِنَّهَا كَيفَ تكون سَببا للغشي فَاعْلَم أَن الْمعدة عُضْو قريب الْموضع عَن الْقلب وَهِي مَعَ ذَلِك شَدِيدَة الْحس وَهِي مَعَ ذَلِك مَعْدن لِاجْتِمَاع الأخلاط المختلقة فَهِيَ تحدث الغشي إِمَّا بِأَن تبرد جدا كَمَا فِي بوليموس أَو بِأَن تسخن جدا أَو بِأَن توجع جدا وَإِمَّا لِأَن فِيهَا مَادَّة غَلِيظَة رَدِيئَة بَارِدَة ولذاعة حريفة أَو قُرُوح أَو بثور فِي فمها وَأما الْأَعْضَاء الْأُخْرَى فَإِنَّهَا كَيفَ تكون سَببا للغشي فَاعْلَم أَن الْأَعْضَاء الْأُخْرَى تكون سَببا للغشي إِمَّا لوجع يتَّصل مِنْهَا بِالْقَلْبِ أَو بخار سمي يُرْسل إِلَى الْقلب مثل مَا يعرض ذَلِك فِي اختناق الرَّحِم وَأما لاستفراغ يَقع فِيهَا يحلل الرّوح من الْقلب مثل ضعف شَدِيد فِي فَم الْمعدة وَإِمَّا لسَبَب يُوجب خنق مجاري الرّوح فِيمَا حول الْقلب أَو لأمزجة فَاسِدَة قَوِيَّة رَدِيئَة تغلب عَلَيْهَا مثل مَا(2/387)
يكون فِي الحميات المحرقة والوبائية وَذَلِكَ مِمَّا يكون بشركة جَمِيع الْأَعْضَاء. وَاعْلَم أَن الغشي المستحكم لَا علاج لَهُ وخصوصاً إِذا تأدى إِلَى اخضرار الْوَجْه وانتكاش الرَّقَبَة فَلَا يكَاد يسْتَقلّ. وَمن بلغ أمره إِلَى هَذَا فَإِنَّهُ كَمَا يشيل رَأسه يَمُوت. وَاعْلَم أَن من افتصد بِالْوُجُوب وَغشيَ عَلَيْهِ لَا لِكَثْرَة الاستفراغ وَلَا لعادة فِي الْمَقْصُود مُعْتَادَة فَفِي بدنه مرض أَو فِي معدته ضعف لذاتها أَو لانصباب شَيْء إِلَيْهَا. وَالشَّيْخ المحموم إِذا انحلّ خامه إِلَى معدته أحدث غشياً. وَالَّذِي يغشى عَلَيْهِ فِي أول فصده فَذَلِك لمفاجأة مَا لم يعْتد وَكَثِيرًا مَا يعرض فِي البحارين غشي لانقباض الْمَادَّة الحارة إِلَى الْمعدة وَكَثِيرًا مَا يكون الفصد سَببا للغشي بالتبريد. العلامات: العلامات الدَّالَّة على أَسبَاب الغشي وأوجاعه مناصبة للعلامات الْمَذْكُورَة فَإِنَّهَا إِذا كَانَت ضَعِيفَة كَانَت للخفقان وَإِذا اشتدت كَانَت للغشي وَإِذا اشتدت أَكثر كَانَت للْمَوْت فَجْأَة والنبض أدل دَلِيل عَلَيْهِ فَيدل بانضغاطه مَعَ ثبات الْقُوَّة على مَادَّة ضاغطة وباختلافه لشديد مَعَ فترات وَصغر عَظِيم على انحلال الْقُوَّة وَأما سَائِر دلائله على سَائِر الْأَحْوَال فقد عَرفته. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الغشي إِذا لم يَقع دفْعَة فَإِنَّهُ يصغر لَهُ النبض أَولا ثمَّ يَأْخُذ الدَّم بِغَيْب إِلَى دَاخل فيحول اللَّوْن عَن حَاله ويكاد الجفن لَا يسْتَقلّ ويتبين فِي الْعين ضعف حَرَكَة وَتغَير لون ويتخايل لِلْبَصَرِ خيالات خَارِجَة عَن الْوُجُود وتبرد الْأَطْرَاف وَتظهر نداوة فِي الْبدن بَارِدَة. وَرُبمَا عرض غشي وَرُبمَا برد جَمِيع الْبدن فَإِذا ابْتَدَأَ شَيْء من هَذِه العلامات عقيب فصد أَو إسهال أَو مزاولة شَيْء لَا بُد من إيلامه فليمسك عَنهُ وليزل السَّبَب فقد تأدى إِلَى الغشي إِن لم يقطع. وَإِذا لم يكن للغشي سَبَب ظَاهر بادٍ أَو سَابق وَكَانَ مَعَه خفقان متواتر وَلم يكن فِي الْمعدة سَبَب يُوجِبهُ وتكرر فَهُوَ قلبِي ومستحكم. وَأما الَّذِي مَعَ غثيان وكرب فقد يكون معدياً وَإِذا توالى الغشي وَاشْتَدَّ وَلم يكن سَبَب ظَاهر يُوجِبهُ فَهُوَ قلبِي فصاحبه يَمُوت فَجْأَة. المعالجات: الْقوي مِنْهُ والكائن بِسَبَب من سوء مزاج مستحكم فَلَا علاج لَهُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ أخفّ أَو تَابع لأسباب خَارِجَة عَن الْقلب فيعالج. وَصَاحب الغشي قد يكون فِي الغشي وَقد يكون فِيمَا بَين الغشي والإفاقة وَقد يكون فِي نوبَة الْخُف من الغشي. فَأَما إِذا كَانَ فِي حَال الغشي فَلَيْسَ دَائِما يمكننا أَن نشتغل بِقطع السَّبَب بل(2/388)
نحتاج أَن يُقَابل الْعرض الْعَارِض بواجبه من العلاج. وَرُبمَا اجْتمع لنا حاجتان متضادتان بِحَسب جزءين مُخْتَلفين فاحتجنا فِي الْأَعْضَاء إِلَى نُقْصَان واستفراغ لما فِيهَا من الأخلاط وَفِي الْأَرْوَاح إِلَى زِيَادَة فِي الْغذَاء نعش لما يعرض لَهَا من التَّحَلُّل. وَأكْثر مَا يعرض من الغشي فَيجب فِيهِ أَن يبْدَأ ويشتغل بِمَا يغذو الرّوح من الروائح العطرة إِلَّا فِي اختناق الرَّحِم والغشي الْكَائِن مِنْهُ فَيجب أَن تقرب من أنوفهم الروائح المنتنة وخصوصاً الملائمة مَعَ ذَلِك لفم الْمعدة ولشمّ الْخِيَار خاصية فِيهِ مجربة وخصوصاً فِي علاج الْحَار الصفراوي وَكَذَلِكَ الخسّ ثمَّ يعالج بالسقي والتجريع من ناعشات الْقُوَّة. وَإِذا كَانَ هُنَاكَ خواء وجوع فَلَا يجوز أَن يقرب مِنْهُم الشَّرَاب الصّرْف بل يجب أَن يخلط بِمَاء اللَّحْم الْكثير أَو يمزج بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَرُبمَا عرض مِنْهُ الِاخْتِلَاط والتشنج. وَمِمَّا لَا بدّ مِنْهُ فِي أَكثر أَنْوَاع الغشي تكثيف الْبدن من خارجٍ لتحتقن الرّوح المتحلّلة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إسهال قوي جدا أَو يكون السَّبَب بردا شَدِيدا. وَإِذا لم يكن هُنَاكَ سَبَب من برد ظَاهر يمْنَع رشّ المَاء الْبَارِد والترويح وتجريع المَاء الْبَارِد وَمَاء الْورْد خَاصَّة وإلباس الثِّيَاب المصندلة مَعَ اشتمام الروائح الْبَارِدَة وَكَثِيرًا مَا يفِيق بِهَذَا فَإِن كَانَ أقوى من هَذَا وَلم يكن عقيب أَمر مُحَلل حَار جدا فَيجب أَن ينْفخ الْمسك فِي أَنفه ويشمّم الغالية ويبخّر بالندّ ويجرع دَوَاء الْمسك إِن أمكن. وَإِن كَانَ السَّبَب حرارة فاستعمال الْعطر الْبَارِد ورشّ المَاء الْبَارِد على الْوَجْه أولى وَلَا بَأْس أَن يخلط الْمسك الْقَلِيل بِمَا يسْتَعْمل من ذَلِك مَعَ غَلبه من مثل الكافور والصندل وَمَا هُوَ أقوى فِي التبريد ليَكُون الْبَارِد بِإِزَاءِ المزاج الْحَار المؤذي والمسك لتقوية الْحَار الغريزي وَأَن يجرّعوا المَاء الْبَارِد وَإِن احتملت الْحَال أَن يكون ممزوجاً بشراب مبرد رَقِيق لطيف فَهُوَ أَجود. وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِك أَن يدلك فَم الْمعدة دَلَكاً متواتراً وَيجب أَن يكون مضجعه فِي هَوَاء بَارِد وَكَذَلِكَ يجب أَن يكون مضاجع جَمِيع أَصْحَاب الغشي إِذا لم يكن من سَبَب بَارِد وخصوصاً غشي أَصْحَاب الدقّ. وَيجب أَن يدام تنطيل أَطْرَافهم ونواحي أعضائهم الرئيسة بِمَاء الْورْد والعصارة الْبَارِدَة الْمَعْرُوفَة وَلَا بدّ من شراب مبرّد يسقونه. وَإِن كَانَ هُنَاكَ كفواق وغثيان فَيجب أَن تنعش حرارة العليل وتعان طَبِيعَته بدغدغة الْحلق بريشة وتهييج الْقَيْء وتحريك الرّوح إِلَى خَارج وَيجب أَن يدام هزّه والتجليب عَلَيْهِ والصياح بأعظم مَا يكون والتعطيس وَلَو بالكندس. فَإِذا لم ينجع ذَلِك وَلم يعطس فالمريض هَالك وَيجب خُصُوصا(2/389)
فِي الغشي الاستفراغي أَن تقرب مِنْهُ رَوَائِح الْأَطْعِمَة الشهية إِلَّا أَصْحَاب الغثيان والغشي الْوَاقِع بِسَبَب خلط فِي فَم الْمعدة فَلَا يجب أَن يقرب ذَلِك مِنْهُم وَيجب أَن يسقوا الشَّرَاب ويجرّعوه إِمَّا مبرّداً وَإِمَّا مسخّناً بِحَسب الْحَالين المعلومين وَيكون الشَّرَاب أنفذ شَيْء وأرقّه وأطيبه طعماً مِمَّا بِهِ بَقِيَّة قوّة قبض لَا إِن كَانَت تِلْكَ الْقُوَّة قَوِيَّة فِي الطراوة ليجمع الرّوح ويقوّيه. وَيجب أَن لَا يكون فِيهِ مرَارَة قَوِيَّة فتكرهه الطبيعة وَلَا غلظ فَلَا ينفذ بِسُرْعَة وَيجب أَن يكون لَونه إِلَى الصُّفْرَة إِلَّا أَن يكون الغشي عَن استفراغ وخصوصاً عَن المسام لتخلخلها وَغير ذَلِك فيستحبّ الشَّرَاب الْأسود الغليظ فَإِنَّهُ أغذى وأميل بالأخلاط إِلَى ضدّ مَا بِهِ يتَحَلَّل وأعود على الرّوح فِي قوامه. وَأما من لم يكن بِهِ هَذَا الْعذر فأوفق الشَّرَاب لَهُ أسرعه نفوذاً. وَأَنت يمكنك أَن تجرّبه بِأَن تذوق مِنْهُ قَلِيلا فَإِذا رَأَيْته نَافِذا لتسخين بِسُرْعَة مَعَ حسن قوام وَطيب فَذَلِك هُوَ الْمُوَافق الْمَطْلُوب. وَرُبمَا جعلنَا فِيهِ من الْمسك قَرِيبا من حبتين أَو من دَاء الْمسك بِقدر الشربة أَو نصفهَا أَو ثلثهَا وَذَلِكَ فِي الغشي الشَّديد وَكَذَلِكَ أَقْرَاص الْمسك الْمَذْكُورَة فِي القراباذين. وأوفق الشَّرَاب فِي مثله المسخّن فِيمَن لَيْسَ غشيّه عَن حرارة فَإِنَّهُ أنفذ. وَإِذا قوّي بِقُوَّة من الْخبز كَانَ أبعد من أَن ينعش. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ الميبة الْمَخْصُوصَة بالغشي الْمَذْكُور فِي القراباذين. وأحوج النَّاس إِلَى سقِِي الشَّرَاب المسخن أبطؤهم إفاقة فَلَا يجب أَن يسقى هَؤُلَاءِ الْبَارِد وَكَذَلِكَ من برد جَمِيع بدنه وَهَؤُلَاء هم المحتاجون إِلَى الدَّلْك وتمريخ الْأَطْرَاف والمعدة بالأدهان الحارة العطرة. وَإِن كَانَ الغشي بِسَبَب مَادَّة فَإِن أمكن أَن ينقص تِلْكَ الْمَادَّة بقيء يُرْجَى سهولته أَو بحقنة أَو بفصد فعل ذَلِك. وَإِن كَانَ بِسَبَب استفراغ من الْجِهَات الدَّاخِلَة سجيت الْأَطْرَاف ودلكت ومرّخت بالأدهان الحارة العطرة وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى شدها وتحر فِي حبس كل استفراغ مَا قيل فِي بَابه ودبّر فِي نعش الْقُوَّة بِمَا علمت. وَالَّذِي يكون من هَذَا الْبَاب عقيب الهيضة فيصلح لصَاحبه أَن يَأْخُذ سكّ الْمسك فِي عصارة السفرجل بِمَاء اللَّحْم الْقوي فِي شراب. وينفعه مضغ الكندر والطين النيسادبوري المربى بالكافور وَإِن كَانَت بِسَبَب استفراغ من الْجِهَات الْخَارِجَة كعرق وَمَا يُشبههُ ضدّ ذَلِك وبرّدت الْأَطْرَاف وفرّ على الْجلد الآس وطين قيموليا وقشور الرُّمَّان وَسَائِر القوابض وَلم تحرّك الْمَادَّة إِلَى خَارج الْبَتَّةَ وَلَا يسْتَعْمل مثل هَذَا الذرور فِي الغشي الاستفراغي من دَاخل بل يجب أَن تقويّ الْقُوَّة فِي كل استفراغ لَا سِيمَا بتقريب رَوَائِح الأغذية الشهية وَنَحْوهَا مِمَّا ذكر وَإِن كَانَ بِسَبَب وجع بِقدر ذَلِك الوجع وَإِن لم يكن قطع سَببه كَمَا يعالج القولنج بفلونيا(2/390)
وأشباهه. وَإِن كَانَ السَّبَب السمُوم جرع البادزهرات المجرّبة ودواء الْمسك والأدوية الْمَذْكُورَة فِي كتاب السمُوم. وَأما إِذا كَانَ فِي الفترة وَقد أَفَاق قَلِيلا فتدبيره أَيْضا مثل التَّدْبِير الأول مَعَ زِيَادَة تتمكّن فِيهَا فِي مثل هَذِه الْحَال وَمِثَال مَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ أَنه مثلا يجب أَن يجرع الْأَدْوِيَة النافعة بِحَسب حَاله مِمَّا ذكر وَعرف فِي بَاب الخفقان ويتعجل فِي ذَلِك. وَالَّذِي يتَمَكَّن فِيهِ من الزِّيَادَة فَمثل أَنه إِذا كَانَ هُنَاكَ امتلاء فِي فَم الْمعدة اجْتهد لينقى ذَلِك فَإِنَّهُ الشِّفَاء وَكَذَلِكَ إِن كَانَ هُنَاكَ امتلاء يجب أَن يجوع ويقلل الْغذَاء ويراض الرياضة المحتملة لميله والدلك لجَمِيع الْأَعْضَاء حَتَّى الْمعدة والمثانة وَلَا يحمل الْغذَاء إِلَّا الشرابي الْمَذْكُور فِي حَال وَكثير من الْأَطِبَّاء الجهّال يحاولون تغذيته ظانين أَن فِيهِ صَلَاحه ونعش قوته فيخنقون حرارته الغريزية ويقتلونه. وَهَؤُلَاء يَنْتَفِعُونَ بالسكنجبين وخصوصاً إِذا طبخ بِمَا فِيهِ تقطيع وتلطيف من الزوفا وَنَحْوه. فَإِن كَانَ السَّبَب سدّة فِي الْأَعْضَاء النفسية وَمَا يَليهَا جرع السكنجبين ودلك ساقاه وعضداه واشتغل فِي مثل هَذَا الدَّوَاء بإدرار بَوْلهمْ ويسقون من الشَّرَاب مَا رق وَذَلِكَ إِن كَانَت هُنَاكَ حرارة. وَإِن كَانَ عَن استفراغ وَضعف جرع مَاء اللَّحْم المعطر ومصص الْخبز المنقع فِي الشَّرَاب الريحاني الْعطر الْمَخْلُوط بِهِ مَاء الْورْد. وَرُبمَا انْتفع بِأَن يسقى الدوغ مبرّداً وَذَلِكَ إِن كَانَت هُنَاكَ مَعَ الاستفراغ حرارة وَكَذَلِكَ مَاء الحصرم. وَأفضل من ذَلِك رب حماض الأترج وَقد جعل فِيهِ ورقه. وَبِالْجُمْلَةِ من كَانَ بِهِ مَعَ غشيه كرب ملهب أَو حدث عَن تعرق شَدِيد فَيجب أَن يعْطى مَا يعْطى مبرّداً وَلَو الشَّيْء الَّذِي يلْتَمس فِيهِ التسخين. وَمِمَّا ينفع أَن يسقى مَاء اللَّحْم الْقوي الطَّبْخ مخلوطاً بِعشْرَة من الشَّرَاب الريحاني وَشَيْء من صفرَة الْبيض وَشَيْء من عصارة التفاح الحلو أَو المر والحامض بِحَسب مَا يُوجِبهُ الْحَال فَإِن كنت تحذر عَلَيْهِ التسخين وَلَا تجسر على أَن تسقيه الشَّرَاب سقيته الرائب الْمبرد مدوفاً فِيهِ الْخبز السميذ وَأَطْعَمته أَصْنَاف المصوص الْمَعْمُول بربوب الْفَوَاكِه فَإِن كَانَ صَاحب الغشي يجد بردا مَعَه أَو بعده أَو عِنْد سقِِي المبرّدات وخصوصاً فِي الأحشاء سقيته الفلافلي والفلفل نَفسه والأفسنتين وَرُبمَا سقِِي بِالشرابِ فَإِذا أحْوج العلاج إِلَى التنقية وَوَقعت الافاقة وَجب أَن تقوّى الْمعدة ويبتدأ فِي ذَلِك بِمثل شراب الأفسنتين الْمَطْبُوخ بالعسل وَيسْتَعْمل الأضمدة المقويّة للمعدة الْمَذْكُورَة ويسقى الشَّرَاب الريحاني بعد ذَلِك ويغذى الْغذَاء الْمَحْمُود. وَأما الْكَائِن فِي ابْتِدَاء الحميات وبسبب الأورام فَنَذْكُر علاجه حَيْثُ نذْكر علاج أَعْرَاض الحميات. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يدلك أَطْرَافهم وتسخّن وتشد لِئَلَّا تغوص الْقُوَّة والمادة ويمنعوا أكل طَعَام وشراب ويهجروا النّوم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إِنَّمَا(2/391)
يعرض فِي ابتدائها للضعف وَمن كَانَ من المغشي عَلَيْهِم يحْتَاج إِلَى غذَاء فَيجب أَن يعْطى قبل النّوبَة بساعتين أَو ثَلَاث وَليكن الْغذَاء سويق الشّعير مبرّداً وخبزاً مَعَ مزورة ويستنشق الطّيب. وَإِن كَانَ هُنَاكَ اعتقال قدم من الْغذَاء مَا يليّن مثل الاسفيذباجات وَنَحْوهَا وَشرب شراب التفاح مَعَ السكنجبين نَافِع فِي مثله. فَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَى التغذية ملطّفة فَمثل مَاء اللَّحْم وصفرة الْبيض والاحساء بلباب الْخبز وَمَاء اللَّحْم وَرُبمَا اضطرّ فِيهِ إِلَى خلطه بِشَيْء من الشَّرَاب. وَأما إِن احْتَاجَ مَعَ ذَلِك إِلَى تَقْوِيَة الْمعدة فَيَنْبَغِي أَن يخلط بِهِ الربوب والعصارات الفاكهية العطرة الَّتِي فِيهَا قبض. وَأما فِي وَقت النّوبَة فَلَا بدّ من الشَّرَاب. وَأما الغشيّ الْكَائِن عَن الْعَوَارِض النفسانية المتدارك أَيْضا بِمثل مَا قيل من الروائح الطّيبَة وسدّ الْأنف والتقيئة ودلك الْأَطْرَاف والمعدة والتغذية بِمَاء اللَّحْم فِيهِ الكعك وَالشرَاب مبرداً أَو مسخناً على مَا تعرف مثل إِن كَانَ الغشي عَن توالي قيء مرّة صفراء وَجب يكون الشَّرَاب ممزوجاً وَكَذَلِكَ غشي الوجع وَسَنذكر مَا يخص القولنج فِي بَابه. والغشي الَّذِي يعرض عقيب الفصد أَكْثَره يعرض لأَصْحَاب الْمعدة وَالْعُرُوق الضيقة والمعدة الضعيفة أَو للأبدان الَّتِي يغلب عَلَيْهَا الْمرة الصفراوية وَلمن لم يعْتد الفصد فَهَؤُلَاءِ يجب أَن يتَقَدَّم قبل الفصد فيسقوا شَيْئا من الربوب المقوّية للمعدة وَالْقلب. وَإِذا وَقَعُوا فِي الغشي فعل مَا ذكر وَسقوا شرابًا ممزوجاً مبرداً يُقَوي معدتهم ويحفظها وخصوصاً مَعَ عصارة أُخْرَى وَيجب أَن يَقُول من رَأس أَنه قد يجْتَمع أَن يفْتَقر العلاج فِي الغشي إِلَى قبض ليمنع الاستفراغات ويقوّي الْأَعْضَاء المسترخية الْمعينَة على التَّحْلِيل وَأَن يشد مثل فَم الْمعدة فَلَا تقبل مَا ينصت إِلَيْهَا وَإِلَى قُوَّة نَافِذَة سريعة النّفُوذ للروح لتغدو الرّوح مثل الشَّرَاب وهما متمانعا الْفِعْل فَيجب أَن تفرق بَين حالتي استعمالهما فتستعمل الْقَابِض فِي وَقت الْإِفَاقَة أَو بعد أَن اسْتعْملت الآخر مبادراً إِلَى نعش الْقُوَّة وَقد أثرت فِيهِ ونعشت وتستعمل الثَّانِي فِي وَرُبمَا وَقعت الْحَاجة إِلَى مَا هُوَ أقوى تغذية من الشَّرَاب وخصوصاً إِذا كَانَ الغشي عَن جوع أَو تحلل كثير وَإِذا كَانَ الشَّرَاب الساذج إِذا ورد على أبدانهم نكأ فِيهَا وأورث اختلاطاً وتشنجاً فَلَيْسَ لَهُم مثل مَاء اللَّحْم الْمَذْكُور مخلوطاً بِالشرابِ وبعصارة التفاح إِمَّا الحامض وَإِمَّا الحلو بِحَسب الْأَمريْنِ. وَإِذا لم يكن مَانع فالأجود أَن يَجْعَل فِيهِ مثل القرنفل والمسك فَإِن الْمعدة لَهُ أقبل وَقُوَّة الْمعدة بِهِ أَشد انتباهاً وَالْقلب لَهُ أجذب وَرُبمَا احتجت أَن تدوف الْخبز السميذ فِيمَا يجرعه إِذا كَانَ الْعَهْد بالغذاء بَعيدا ودلك الْأَطْرَاف وشدها.(2/392)
وَكَذَلِكَ تهييج الْقَيْء نَافِع من كل غشي إِلَّا إِذا كَانَ عَن عرق وَنَحْوه بِمَا تتحرك لَهُ الرّوح إِلَى خَارج فَهَذَا إِلَى التسكين أحْوج وَلَا يَنْبَغِي أَن يحركوا أَو يقيئوا أَو يربطوا وَمِمَّا يقيئهم المَاء الفاتر بالدهن أَو الزَّيْت أَو ممزوجاً بشراب وَيجب أَن تسخن الْمعدة وَمَا يَليهَا قبل ذَلِك والأطراف أَيْضا ليسهل الْقَيْء. ثمَّ اعْلَم أَن علك الْأَطْرَاف وتسخينها وتعطيرها بالمروخات وتعطير فَم الْمعدة بالمروخات الطّيبَة مثل دهن الناردين وبالمسخنات مثل الْخَرْدَل والعاقرقرحا مُوَافق جدا إِن كَانَ إغشاؤه من استفراغ لحم أَو خلط أَو امتلاء بل لأكْثر من يغشى عَلَيْهِ إِذا لم يكن مِنْهُ حَرَكَة الأخلاط إِلَى خَارج. وَيجب أَن تعصب سوقهم وأعضادهم مرَارًا مُتَوَالِيَة وَتحل وَيُدبر ذَلِك بِمَا يُوجِبهُ مُقَابلَة جِهَة الاستفراغ. وَهَؤُلَاء يَنْتَفِعُونَ بشد الآباط ورشق المَاء الْبَارِد ودلك فَم الْمعدة وَكَذَلِكَ كل غشي يكون عَن استفراغ وبالشراب الممزوج إِلَّا أَن يمْنَع مَانع عَن الشَّرَاب مثل ورم أَو خلط غير نضيج أَو اخْتِلَاف أَو صداع. وَمن عظمت الْحَاجة فِيهِ إِلَى التقوية سقيته الشَّرَاب أَيْضا وَلم تبال وَذَلِكَ فِي الغشي الصعب وَالْحمام مُوَافق لمن يُصِيبهُ غشي من الذرب والهيضة وَإِن اعترى الغشي لنزف الدَّم فَهُوَ ضار جدا وَكَذَلِكَ إِن اعتراه للعرق الْكثير. وَالْحمام مُوَافق أَيْضا لمن يجد من المفيقين تلهباً فِي فَم الْمعدة. وَأما إِنَّه كَانَ لضعف فَم الْمعدة فَيجب أَن يسْتَعْمل الأضمدة القوية مثل مَا يتَّخذ من المصطكي والسفرجل والصندل والزعفران والسوسن وَكَذَلِكَ الضماد الْمُتَّخذ بِالشرابِ والمسك والسوسن بِالشرابِ على أَنه ينْتَفع جدا بدلك الْأَطْرَاف وشدها. والغشي الْكَائِن من الْجُوع رُبمَا سكنه وزن دِرْهَم خبْزًا وَغشيَ اليبس أَو يبس الطبيعة يجب أَن تتلقى نوبَته بلقم خبز فِي مَاء الرُّمَّان أَو شراب التفاح وَرُبمَا احْتِيجَ فِي الْأَمْرَاض الْحمرَة بِسَبَب الغشي إِلَى سقِِي شراب وصلحه التفه وَأَصْحَاب الغشي يكلفون السهر وَترك الْكَلَام. هَذَا أَكثر مَا يعرض حَيْثُ لَا يكون وجع وَلَا إسهال وَلَا ورم عَظِيم وَلَا استفراغ عَظِيم وَإِنَّمَا يكون لأخلاط مالئة وَفِي الْأَقَل مَا تكون تِلْكَ الأخلاط دموية فَإِن الدَّم مَا لم يحدث أَولا أعراضاً أُخْرَى لم يتأذ حَاله إِلَى أَن يحدث سُقُوط الْقُوَّة بَغْتَة وَأما الْغَالِب فَهُوَ أَن يكون السَّبَب أخلاطاً غَلِيظَة فِي الْمعدة أَو فِي الْعُرُوق تسد مجاري النَّفس. وَاعْلَم أَن سُقُوط الْقُوَّة تبلغ الغشي وَقد تكون عونه الغشي حَيْثُ(2/393)
تكون الْقُوَّة إِنَّمَا بطلت عَن العصب والعضل فخليا عَنْهَا فَصَارَ الْإِنْسَان لَا حراك بِهِ وَلَا يَزُول عَن نصبته وضجعته إِلَّا بِجهْد. وَسبب ذَلِك بعض مَا ذَكرْنَاهُ فَإِنَّهُ إِذا اشْتَدَّ أسقط الْقُوَّة بالتمام وَإِن لم يشْتَد أسقط الْقُوَّة من العصب والعضل. وَقد يكون كثيرا لرقة الأخلاط فِي جوهرها وقبولها للتحلّل وخصوصاً فِي الحميات. وَهَؤُلَاء رُبمَا كَانَت أفعالهم السياسية غير مؤفة وَإِن كَانَت غير مُحْتَملَة إِذا كثرت وتكررت. المعالجات: علاج هَؤُلَاءِ قريب من علاج أَصْحَاب الغشي فَمَا كَانَ من الامتلاء الدموي فعلاجه الفصد وَمَا كَانَ بِسَبَب خلط آخر من الأخلاط الغليظة فَيجب أَن يواتر صَاحبه فِي حمال الْإِفَاقَة الاستفراغ بِمثل الايارجات وَرُبمَا اقتنع بأيارج فيقرا مر كبابة تَرَبد وملح هندي وغاريقون وَرُبمَا أعينت بِمثل السقمونيا فَإِن السقمونيا مِمَّا يعْمل الْأَدْوِيَة الْأُخْرَى. وَيجب أَن يسْتَعْمل فِيهِ الْقَيْء بعد الإسهال ويدام تنَاول مقويات الْقلب ويشممها ودلك الْأَطْرَاف مِمَّا ينعش الْحَار الغريزي على مَا تكَرر ذكره وَيسْتَعْمل بعد ذَلِك رياضة معتدلة. وَأما الْغذَاء فَلْيَكُن بِمَا لطف وَقطع مثل مَاء الحمص بالخردل ودهن الزَّيْت ودهن اللوز وَيسْتَعْمل من الشَّرَاب الرَّقِيق الْعَتِيق وَيسْتَعْمل الحمّام بعد الاستفراغ ويتمسح بالأدهان المنعشة الْحَار الغريزي الملطفة ثمَّ يسْتَعْمل بعد الْحمام الشَّرَاب الصّرْف وشراب الْعَسَل وشراب الأفسنتين وَمَا يشبه ذَلِك. فَإِذا أَخذ ينتعش فَيجب أَن يدبر بالغذاء المقوي السَّرِيع الهضم وَأَنت تعلم ذَلِك مِمَّا ذكر. وَاعْلَم أَن الْقُوَّة تزداد بالغذاء وَالشرَاب للموافقين وبالطيب والدعة وَالسُّرُور والبراءة من الأحزان والمضجرات واستجداد الْأُمُور الحبيبة ومعاشرة الأحباء. فصل فِي الورم الْحَار فِي الْقلب أما إِذا صَار الورم ورما فقد قتل أَو يقتل وَأما قبل ذَلِك فَإِذا ظهر الخفقان الْعَظِيم والالتهاب الشَّديد بالعلامات الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ على شرف هَلَاك فَإِن أَنْجَاهُ شَيْء ففصد الباسليق وَرُبمَا طمع فِي معافاته يفصد شريان من أسافل الْبدن وتبريد صَدره بالثلج والصندل والكافور(2/394)
الْفَنّ الثَّانِي عشر الثدي وأحواله فصل فِي تشريح الثدي نقُول الثدي عُضْو خلق لتكوين اللَّبن ليغتذي مِنْهُ الْمَوْلُود فِي عنفوان مولده إِلَى أَن يستحكم وتنمو قوته وَيصْلح لهضم الْغذَاء القويّ الكثيف وَهُوَ جسم مركب من عروق وشرايين وَعصب يحشو خلل مَا بَينهمَا لحم غددي لَا حس لَهُ أَبيض اللَّوْن ولبياضه إِذا تشبه الدَّم بِهِ أبيضّ مَا يغذوه وابيض مَا ينْفَصل عَنهُ لَبَنًا وَقِيَاسه إِلَى اللَّبن المتولّد من الدَّم قِيَاس الكبد إِلَى الدَّم المتولّد من الكيموس فِي أَن كُل وَاحِد يحِيل الرُّطُوبَة إِلَى مشابهته فِي الطَّبْع واللون. فَالْكَبِد يحمِّر الكيموس الْأَبْيَض دَمًا والثدي يبيض الدَّم الْأَحْمَر لَبَنًا وَالْعُرُوق والشرايين والعصب المبثوثة فِي جَوْهَر الثدي تتشعب فِيهِ إِلَى آخر الثقبة وَيكون لَهَا فِيهِ التفافات واستدارات كَثِيرَة وَأما مُشَاركَة الثدي الرَّحِم فِي عروق تشنّج بَينهمَا فَأمر قد وقفت مَعَه خُصُوصا من التشريح تشريح الْعُرُوق. فصل فِي تغزير اللَّبن اعْلَم أَن اللَّبن يكثر مَعَ كَثْرَة الدَّم الْجيد وَإِذا قل فسببه بعض أَسبَاب قلَّة الدَّم أَو فقدان جودته. وَالسَّبَب فِي قلَّة الدَّم إِمَّا من جِهَة الْمَادَّة وَإِمَّا من جِهَة المزاج. وَالَّذِي يكون سَبَب الْمَادَّة فَأن يكون الْغذَاء قَلِيلا أَو يكون مضاداً لتولد الدَّم عَنهُ ليبسه وبرده المفرط أَو يكون قد انْصَرف إِلَى جِهَة أُخْرَى من نزف أَو ورم أَو غير ذَلِك. وَأما من جِهَة المزاج فَأن يكون الْبدن أَو الثدي مجففاً للرطوبة أَو يكون مليناً لَهَا فَلَا يتَوَلَّد عَنْهَا الدَّم لفرط مائيتها وَبعدهَا عَن الِاعْتِدَال الصَّالح للدموية أَو غير ذَلِك. وَأما السَّبَب الَّذِي يفقد بِهِ جودة الدمّ وَيفْسد مَا يتَوَلَّد مِنْهُ فَلَا يكون صَالحا لِأَن يتَوَلَّد مِنْهُ دم اللَّبن إِذا كَانَ اللَّبن إِنَّمَا يتولّد من الدَّم الْجيد فَهُوَ غَلَبَة أحد الأخلاط الثَّلَاثَة الصَّفْرَاء أَو البلغم أَو السَّوْدَاء. ونتبين الصَّفْرَاء فِي صفرَة لون اللَّبن ورقته(2/395)
وجذبه. والبلغم فِي شدَّة بياضه وميله إِلَى الحموضة فِي رِيحه وطعمه. والسوداء فِي شدَّة ثخته وقلته وَكَثْرَة قوته وَلَا يبعد أَن يكون الدَّم لشدّة كثرته يستعصي على فعل الطبيعة فَلَا ينفعل عَنْهَا ويعرض للطبيعة الْعَجز عَن إحالته لضغطه إِيَّاهَا وَهَذَا مِمَّا لَا تخفى علاماته. وَقد يعرض من جفاف الْمَنِيّ وَاللَّبن أَن يخرجَا كالحيط فَيجْعَل الدَّم وَإِن غزر غير مَحْمُود الْجَوْهَر وَلَا صَالحا لِأَن يتَوَلَّد مِنْهُ اللَّبن الغزير وَيكون الَّذِي يتوّلد مِنْهُ من اللَّبن غير مَحْمُود وَإِذ قد عرفت السَّبَب فَأَنت بَصِير بِوَجْه قطعه. وَاعْلَم أَنه كل مَا غَزَّر الْمَنِيّ فَإِنَّهُ يغزر فِي أَكثر الْأَبدَان اللَّبن مثل التودرين وبزر الخشخاش وضرع الماعز والضأن وَنَحْوه كَمَا أَن كل مَا يجفف الْمَنِيّ ويقلّله وَيمْنَع تولّده فَإِنَّهُ يقلّل اللَّبن أَيْضا مثل الشهدانج. وَإِذا كَانَ السَّبَب فِي قلَّة اللَّبن قلَّة الْغذَاء كثرت الْغذَاء ورفهت فِيهِ وَجَعَلته من جنس الْحَار الرطب الْمَحْمُود الكيموس. وَإِذا كَانَ السَّبَب فَسَاد الْغذَاء أصلحته ورددته إِلَى الْجِنْس الْمَذْكُور. وَإِذا كَانَ السَّبَب كَثْرَة الرياضة قلّلت مِنْهَا ورفّهت وَإِن كَانَ السَّبَب قلَّة الدَّم لنزف وَنَحْوه حَبسته إِن كَانَ منزفه فِي الأسافل إِلَى الأعالي. وَإِن كَانَ منزفه فِي الأعالي جذبته إِلَى الأسافل. وَأما إِن كَانَ سَببه فَسَاد مزاج ساذج جعلت الأغذية مُقَابلَة لذَلِك المزاج مَعَ كَونهَا غزيرة الكيموس. وَإِن كَانَ السَّبَب خلطاً فَاسِدا غَالِبا استفرغته بِمَا يجب فِي كل خلط وَجعلت غذَاء الصفراوية المزاج من النِّسَاء بِمَا يمِيل إِلَى برد ورطوبة. وَمِمَّا ينفعهن مَاء الشّعير بالجلاب وَأَيْضًا بزر الْخِيَار حقنة وبزر القثاء وَتَنَاول الأدمغة وَشرب لبن الْبَقر والماعز والسمك الرضراضي وَلحم الجدي والدجاج المسمّنة والاحساء المتخذة من كشك الشّعير بِاللَّبنِ ومرق الْخَبَّازِي البستاني وَجعلت تَدْبِير البلغمية المزاج بالأغذية والأدوية الَّتِي فِيهَا تسخين فِي الأولى إِلَى الثَّانِيَة مَعَ ترطيب أَو قلَّة تجفيف. وَمن هَذَا الْقَبِيل الجزر والجرجير والرازيانج والشبث والكرفس الرطب والسمرنيون وخاصة الرطب دون الْيَابِس فَإِنَّهُ مجفف مسخن والحسو الْمُتَّخذ من دَقِيق الْحِنْطَة مَعَ الحلبة والرازيانج. وَإِذا كَانَ اللَّبن يخرج متخيطاً لغلظه ويبسه فالعلاج التنطيل بِمَا يرطب جدا وَتَنَاول المرطبات وَكَذَلِكَ فِي الْمَنِيّ وَقصرت تَدْبِير السوداوية المزاج على الْأَدْوِيَة والأغذية الَّتِي فِيهَا فضل تسخين قريب مِمَّا ذكرنَا وترطيب بَالغ وتتعرف أَيْضا جنس السَّوْدَاء الْغَالِب وتدبّر بِحَسبِهِ.(2/396)
وَمن الْأَدْوِيَة المعتدلة المغزرة للبن أَن يُؤْخَذ من سلى النّخل ثَلَاثُونَ درهما وَمن ورق الرازيانج عشرُون درهما وَمن الرّطبَة خَمْسَة عشر درهما وَمن الْحِنْطَة المهروسة خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما وَمن الحمص المقشر وَمن الشّعير الْأَبْيَض المرضوض كل وَاحِد ثَمَانِيَة عشرَة دراهماً وَمن التِّين الْكِبَار عشر عددا يغلي فِي ثَلَاثِينَ رطلا من المَاء إِلَى أَن يعود إِلَى ثَمَانِيَة أَرْطَال فَمَا دونه. والشربة خمس أَوَاقٍ مَعَ نصف أُوقِيَّة دهن اللوز الحلو وأوقية وَنصف سكر سليماني والسمك المالح مِمَّا يغزر اللَّبن. وَمن الْأَدْوِيَة المغررة اللَّبن أَن يُؤْخَذ طحين السمسم ويمرس فِي شراب صرف ويصفى وَيشْرب مصفاه ويضمد الثدي بثقله وَأَيْضًا يُؤْخَذ من جَوف الباذنجان قدر نصف قفيز ويسلق فِي المَاء سلقاً شَدِيدا مهرياً ثمَّ يترس مرساً شَدِيدا ويصفّى وَيُؤْخَذ من مصفاه وَيجْعَل عَلَيْهِ أُوقِيَّة من السّمن وَيشْرب أَو يُؤْخَذ نَقِيع الحمص وَيشْرب على الرِّيق أَيَّامًا وخصوصاً نقعه فِي اللَّبن وَمَاء الشّعير مَعَ الْعَسَل أَو الْجلاب أَو يُؤْخَذ بزر الرّطبَة جُزْء الجلّنار جزءان والشربة مِنْهُ قمحة فِي مَاء حَار أَو يشرب من حب البان وزن دِرْهَمَيْنِ بشراب. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة أَن يُؤْخَذ من سمن الْبَقر أُوقِيَّة وَمن الشَّرَاب قدح كَبِير ويسقى على الرِّيق قضبان الشقائق وورقه مطبوخاً مَعَ حشيش الشّعير حسواً أَو يُؤْخَذ الفجل والنخالة ويغليان فِي الشَّرَاب ويصفى ذَلِك الشَّرَاب وَيشْرب. أَو يُؤْخَذ بزر الخشخاش المقلو مَعَ السويق أَجزَاء سَوَاء بسكنجبين أَو ميبختج بعد أَن ينقع فِي أَيهمَا كَانَ ثَلَاثَة أَيَّام فَذَلِك أَجود ويسقى الشونيز بِمَاء الْعَسَل أَو يُؤْخَذ من بزر الشبث وبزر الكراث وبزر الحندقوقي من كل وَاحِد أُوقِيَّة وَمن بزر الحلبة وبزر الرّطبَة أَجزَاء سَوَاء يخلط بعصارة الرازيانج وَيشْرب وَإِن مزج بِعَسَل وَسمن فَهُوَ أفضل. فصل فِي تقليل اللَّبن وَمنع الدرور المفرط إِن اللَّبن إِذا أفرطت كثرته آلم وورم وجلب أمراضاً وَقد يجْتَمع اللَّبن فِي الثدي من غير حَبل وخصوصاً إِذا احْتبسَ الطمث فَانْصَرَفت الْمَادَّة الَّتِي لَا تَجِد قُوَّة اندفاع من الرَّحِم لقلتهَا وحصلت فِي الضَّرع فَصَارَت لَبَنًا. وَرُبمَا اجْتمع اللَّبن فِي أثداء الرِّجَال وخصوصاً المراهقين حِين يفلّك ثديهم. وَقد علمت مِمَّا سلف ذكره أَسبَاب قلَّة اللَّبن والعمدة فِيهَا كل مَا يجفف شَدِيدا بنشفه أَو شدَّة تَحْلِيله وتسخينه وَجَمِيع مَا يبرّد أَيْضا والمرطبات الشَّدِيدَة الترطيب المائي أَيْضا تقلّل الدَّم من المبلغمين وَجَمِيع الْأَدْوِيَة المقللة للمني مقللة للبن. أما الْبَارِدَة مِنْهَا فَمثل بزر الخسّ والعدس والطفشيل. وَمن الأطلية عصارة شَجَرَة البزرقطونا ولعابه والخسّ وَنَحْوه ودقيق الباقلا بدهن الْورْد والخلّ. وَأما الحارة فَمثل السذاب وبزره وخصوصاً السذاب الْجبلي. وَمثل الفنجنكشت وبزره والشربة الْبَالِغَة إِلَى دِرْهَمَيْنِ والأصحّ من أَمر الباذروج أَنه مقلّل من اللَّبن وَإِن قَالَ بَعضهم أَنه يغزر اللَّبن. والكمون خَاصَّة الْجبلي مجفف للبن أَيْضا. وَأَيْضًا إِن طلي بِهِ بالخلّ. وَمن الأطلية الحارة الأشق بِالشرابِ وَمِمَّا جرّب فِي هَذَا الْمَعْنى طلاء جيد يُؤْخَذ أصُول الكرنب فيدقّ ويعجن ويضمَّد بِهِ. أَو دَقِيق العدس والباقلى والزعفران والكوز كندم وَالْملح يطلى بِمَاء الْورْد. وَأَيْضًا يطلى بعصارة الحلبة أَو بالكّ والمرتك ودهن الْورْد. وَمِمَّا يجْرِي مجْرى الخاصية أَن يطلى الثدي بالسرطان البحري المسحوق أَو بالسرطان النَّهْرِي المحرق.(2/397)
فصل فِي اللَّبن المحرق المتجبّن فِي الثدي إِن اللَّبن يتجبن فِي الثدي لحرارة مجففة وَقد يتجبن لبرودة مجمّدة. وَأَنت تعلم مِمَّا سلف ذكره لَك عَلامَة كل وَاحِد من الْأَمريْنِ. والأدوية المائعة من التجبّن الطلاء بالشمع فِي بعض الأدهان اللطيفة مثل دهن الخيري ودهن النعناع وَنَحْوه. والطلاء بالنعناع المدقوق الْمُخْتَص والطلاء على الْحَار بقيروطي من اللعابات الْبَارِدَة والأدهان الْبَارِدَة والشمع المصفّى والكرنب والرطبة والبقلة الحمقاء شَدِيدَة فِي النَّفْع من ذَلِك ضماداً. وَمن الْأَدْوِيَة المحللة للتجبّن الْحَار خلّ خمر مَضْرُوبا بدهن مسخّن يطلى بِهِ أَو ورق عِنَب الثَّعْلَب مدقوقاً يضمّد بِهِ أَو ورق الكاكنج وورق عِنَب وورق الكرنب أَو عصاراتها وخصوصاً إِذا خلط بهَا مر وزعفران وَأَيْضًا خل خمر ودهن بنفسج وَقَلِيل حلبة يتَّخذ مِنْهُ طلاء. وَمن الْأَدْوِيَة المحللة للتجبّن الْبَارِد دوَام التنطيل بِمَاء وَيمْنَع مِنْهُ طبخ الرازيانج وَتَنَاول بزر الرازيانج والشبث وَجَمِيع الْأَدْوِيَة الَّتِي تدر اللَّبن مِمَّا طبخ فِيهِ البابونج والشبث والنمام والحلبة والقيسوم والجندبيدستر. وَمن الأدهان دهن السوسن ودهن النرجس أَو دهن الْقسْط. وَمن الْأَدْوِيَة المعتدلة الجيدة أَن يُؤْخَذ الْخبز الواري ودقيق الشّعير والجرجير والحلبة والخطمي وبزر الْكَتَّان المدقوق حفْنَة حفْنَة ويتخذ مِنْهُ ضماد. وَمِمَّا ينفع التورّم بعد التجبن أَن يوضع عَلَيْهِ إسفنج مغموس فِي مَاء وخلّ فاترين أَو تمر مَعَ خبز يجمع بِمَاء وخل والنعناع بالخلّ وَالْخمر جيد والمرقشيثا المسحوق كالغبار بدهن الْورْد وَبَيَاض الْبيض. وَمِمَّا ينفع تفتح سدة اللَّبن فِي الثدي أَن يطلى بالخراطين أَو مَاء المر بِمَاء الفوتنج والأنيسون ودقيق الحمص وورق الْغَار وبزر الكرفس والكمّون النبطي والقاقلة بِمَاء عَصا الرَّاعِي وَكَذَلِكَ مَاء السلق وَالْحِنْطَة والشونيز وَأَيْضًا الكندر بمرارة الثور أَو يُؤْخَذ عسل اللبني ويخلط بدهن البنفسج وَيمْسَح بِهِ الثدي فَيحل التجبن والورم ويحسى مَاء الكرنب فَإِنَّهُ نَافِع فِي ذَلِك. فصل فِي جمود اللَّبن فِي الثدي وعفونته والامتداد الَّذِي يعرض لَهُ وَالْمَرَض الَّذِي يُصِيبهُ علاج ذَلِك أَن يُؤْخَذ السلق ويطبخ حَتَّى يتهرّى ثمَّ يجمع لباب الْخبز ودقيق الباقلا ودهن الشيرج أَو يضمد بالخبز وحشيشة تسمى بردنقياس الرّطبَة مَعَ الشمع ودهن الْورْد أَو خبز وَمَاء وزيت مَعَ عسل أَو سمسم أَو شراب أَو ميبختج يُكَرر التضميد بأيها كَانَ فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة. وَكَذَلِكَ السمسم مَعَ عسل وَسمن وَعسل فَإِن خلط بِهِ الخشكار أَو دَقِيق الباقلا كَانَ نَافِعًا. والتكميد بِالْمَاءِ الْحَار وإكباب الثدي على بخاره وخصوصاً إِذا طبخ بِهِ بزر كتَّان وحلبة وخطمي وبزورها وبابونج. والتنطيل بهَا أَيْضا نَافِع لمن لم يحْتَمل الضمّادات(2/398)
فَإِن عرض ذَلِك مَعَ رض انْتفع بِهَذَا الضماد. ونسخته: ماش وعجم الزَّبِيب فيدقان ويعجنان بِمَاء السرو وَمَاء الأثل وَإِذا تجبن الدَّم فِي الثدي فليدم تمريخه بدهن البنفسج ثمَّ يصبّ عَلَيْهِ مَاء حَار ثمَّ يضمد بالأضمدة الْمَذْكُورَة فِي أول الْبَاب فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي أورام الثدي الحارة وأوجاع الثندوة أما فِي ابْتِدَائه فاستعمال الرادعات الْمَعْرُوفَة وَهُوَ العلاج وليخلط بهَا قَلِيل ملطّفات وَذَلِكَ مثل التكميد بخل خمر مَعَ مَاء حَار أَو قَلِيل دهن ورد ودقيق الباقلا بالسكنجبين وورق عِنَب الثَّعْلَب بدهن ورد فَإِذا جَاوز الِابْتِدَاء قَلِيلا فليعالج بأضمدة ذكرت فِي بَاب الامتداد وجمود الدَّم. وَمِمَّا هُوَ جيد بَالغ النَّفْع دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: أَن يُؤْخَذ دَقِيق الباقلا وإكليل الْملك مسحوقين ودهن السمسم يتَّخذ مِنْهُ طلاء بِمَاء عذب. وَأَيْضًا يُؤْخَذ خبز مدقوق ودقيق الشّعير والباقلا والحلبة والخطمي ومح الْبيض والزعفران والمرّ يضمّد بِهِ. وَأَيْضًا يتَّخذ طلاء من بزر الْكَتَّان المدقوق بالخل وَكَثِيرًا مَا ينْحل البرسام إِلَى ورم فِي الثندوة فَيكون مَوضِع أَن يخَاف ذَات الْجنب فاحتل أَن تجمع ببزرقطونا وضعا على رَأس الورم دون حواليه وتضع حوالي أَسْفَله الرواح وَلَا تكمد فِي أول الوجع فتحلل الرَّقِيق وَيبقى الغليظ فَهُوَ خطأ وَإِذا وِجعت الحلمة فليفصد ولينطل بِمثل الصندل والأقاقيا حَتَّى لَا يحدث السرطان. فصل فِي أورام الثدي الْبَارِدَة البلغمية فصل فِي صلابة الثدي والسلع والغدد فِيهِ وَمَا يعرض من تكعب عَظِيم عِنْد المراهقة فَإِن مَال الورم الظَّاهِر بالثدي إِلَى الصلابة فَمَا ينفع فِي الِابْتِدَاء أَن يضمد بأرز منقع فِي شراب أَو يمرخ بقيروطي من دهن البنفسج وصفرة الْبيض وَكَثِيرًا فَإِن كَانَ الورم صلباً طلي بقيروطي من الشمع ودهن الْورْد والقطران وَمَاء الكافور وَرُبمَا جعلُوا فِيهِ مرَارَة الثور وَقد يعالج بورق العفص وَرُبمَا جعلُوا دردي الْمَطْبُوخ الْعَتِيق أَو دردي الْمَطْبُوخ الْعَتِيق أَو درديّ الْخلّ يطلى بِهِ. وَأما السّلع والغمد فِيهِ فأجود دَوَاء لَهُ أَن يُؤْخَذ ورق الخوخ الرطب وورق السذاب الرطب يدقان جَمِيعًا ويضمد بهما. وَإِن كَانَ ذَلِك بَقِيَّة عَن تكعب المراهقة أَو كَانَ حَادِثا بعد ذَلِك وعاصياً عَن تَحْلِيل الْأَدْوِيَة فَمن الْوَاجِب أَن تبط حَتَّى يبلغ الشحمة ثمَّ يخرج وتخيط. فصل فِي دبيلة الثدي وَإِذا عرض فِي الثدي ورم جَامع فَمن الْأَدْوِيَة الجيدة فِي إنضاجها أَن يُؤْخَذ بزر الْكَتَّان وسمسم وأصل السوسن والميعة وبعر الْمعز وزبل الْحمام والنطرون(2/399)
والريتيانج أَجزَاء سَوَاء وعَلى حسب مَا توجبه الْمُشَاهدَة لطوخ بالسيرج ودهن الخيري ومخ سَاق الْبَقر. وَإِن شِئْت جعلت فِيهِ المبيختج وَإِن احتجت إِلَى بط فعلت حسب مَا تعلم. يُؤْخَذ النَّبِيذ العفص وزن عشْرين رطلا وَيجْعَل فِيهِ من سماق الدباغين رَطْل وَمن العفص غير النضيج نصف رَطْل وَمن السليخة نصف رَطْل وَمن جوز السرو رَطْل ينقع ذَلِك فِي الشَّرَاب وَيتْرك عشْرين يَوْمًا ثمَّ يطْبخ ويساط بخشب من السرو حَتَّى يذهب النّصْف ثمَّ يمرس بِقُوَّة ويصفى ويعاد على النَّار حَتَّى يثخن ولتكن النَّار لينَة جدا ويحفظ فِي زجاجة. وَهَذَا جيد لجَمِيع القروح الَّتِي تعرض فِي الْأَعْضَاء الرخوة كالفمّ وَاللِّسَان وَغير ذَلِك وَيمْنَع من الأكال ويصلحه. فصل فِيمَا يحفظ الثدي صَغِيرا ومكسراً ويمنعه عَن أَن يسْقط وَيمْنَع أَيْضا الْخصي من الصّبيان أَن تكبر من أَرَادَت مِنْهُنَّ أَن تحفظ ثديها مكسراً قللت دُخُول الْحمام وَكَذَلِكَ الصّبيان وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه جيد فِي ذَلِك الْمَعْنى. ونسخته: أَن يُؤْخَذ من الاسفيداج وطين قيموليا من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ يعجن بِمَاء بزر البنج ويخلط بِشَيْء من دهن المصطكي ويطلى بِهِ ويدام عَلَيْهِ خرقَة كتَّان مغموسة بِمَاء عفص مبرد وخصوصاً إِذا كَانَ مسترخياً. وَأَيْضًا مجربة النِّسَاء طين حر وَعسل وَإِن جعل فِيهِ أفيون وخبز بخل كَانَ أقوى فِي ذَلِك وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه مِمَّا جرب. ونسخته: أَن يُؤْخَذ من الطين الْحر وزن عشْرين درهما وَمن الشوكران وزن دِرْهَمَيْنِ يتَّخذ مِنْهُ طلاء بالخل. أُخْرَى: يُؤْخَذ طين شاموس وأقاقيا وأسفيداج يطلى بعصارة شَجَرَة البنج أَو يُؤْخَذ كندر وودع ودقيق الشّعير يعجن بخل ثَقِيف جدا ويطلى بِهِ الثدي ثَلَاثَة أَيَّام. أَو يُؤْخَذ: بيض القبج والزنجار والميعة والقليميا ويطلى بِمَاء بزرقطونا أَو يطلى بحشيش الشوكران كَمَا هُوَ يدق وَيجمع بالخل وَيتْرك ثَلَاثَة أَيَّام وَإِذا أَرَادَ أَن يجِف جعل عَلَيْهِ إسفنجة مغموسة فِي مَاء وخل. أُخْرَى: يُؤْخَذ عصارة الطراثيث وقشور الرُّمَّان ورصاص محرق بالكبريت من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم شب يماني وأسفيداج الرصاص وعدس محرق من كل وَاحِد دِرْهَم حلزون محرق قيسوم من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم يعجن بِمَاء لِسَان الْحمل ويطلى أَو يُؤْخَذ كمون مَعَ أصل السوسن وَعسل وَمَاء وَيتْرك على الثدي ثَلَاثَة أَيَّام أَو يُؤْخَذ أشف وشوكران وَيجْعَل عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام أَو شوكران وَحده تِسْعَة أَيَّام. وَمن الدعاوي الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب أَن يطلى بِدَم مذاكير الْخِنْزِير أَو دم الْقُنْفُذ أَو دم السلحفاة فِيمَا يُقَال أَو يُؤْخَذ زَيْت وشب مسحوق مثل الْكحل وَيجْعَل فِي هاون من الأسرب حَتَّى ينْحل فِيهِ الرصاص ويدام التمريخ بِهِ وَكَذَلِكَ الطين الحرّ والعفص الْفَج يجمع بِعَسَل ويطلى بِهِ الثدي وقشر الكندر وقشر الرُّمَّان مدقوقين يطلى بالخل.(2/400)
الْفَنّ الثَّالِث عشر المريء والمعدة وأمراضهما الْمقَالة الأولى أَحْوَال المريء وَفِي الْأُصُول من أَمر الْمعدة فصل فِي تشريح المريء والمعدة أما المريء فَهُوَ مؤلف من لحم وطبقات غشائية تستبطنه متطاولة الليف ليسهل بهَا الجذب فِي الازدراد فَإنَّك تعلم أَن الجذب إِنَّمَا يَتَأَتَّى بالليف المتطاول إِذا تقاصر وَعَلِيهِ غشاء من لِيف مستعرض ليسهل بِهِ الدّفع إِلَى تَحت فَإنَّك تعلم أَن الدّفع إِنَّمَا يتأتّى بالليف المستعرض وَفِيه لحمية ظَاهِرَة وبعمل الطبقتين جَمِيعًا يتم الازدراد أَعنِي بِمَا يجذب لِيف وَبِمَا يعصر لِيف وَقد يعسر الازدراد على من يشق مريئه طولا حِين يعْدم الجاذب الْمعِين بالخط والقيء يتم بالطبقة الْخَارِجَة وَحدهَا فَذَلِك هُوَ أعْسر وموضعه على الفقار الَّذِي فِي الْعُنُق على الاسْتقَامَة فِي حرز ووثاقة وينحدر مَعَه زوج عصب من الدِّمَاغ. وَإِذا حَاذَى الْفَقْرَة الرَّابِعَة من فقار الصلب المنسوبة إِلَى الصَّدْر ثمَّ جاوزها ينحى يَسِيرا إِلَى الْيَمين توسيعاً لمَكَان الْعرق الْآتِي من الْقلب ثمَّ ينحدر على الفقارات الثَّمَانِية الْبَاقِيَة حَتَّى إِذا وافى الْحجاب ارْتبط بِهِ بربط يشيله يَسِيرا لِئَلَّا يضغط مَا يمر فِيهِ من الْعرق الْكَبِير وليكون نزُول العصب مَعَه على تعريج يُؤمنهُ آفَة الامتداد الْمُسْتَقيم عِنْد ثقل يُصِيب الْمعدة فَإِذا جَاوز الْحجاب مَال مرّة إِلَى الْيَسَار على مَا كَانَ مَال إِلَى الْيَمين وَذَلِكَ الْعود إِلَى الْيَسَار يكون إِذا جَاوز الْفَقْرَة الْعَاشِرَة إِلَى الْحَادِيَة عشرَة وَالثَّانيَِة عشرَة ثمَّ يستعرض بعد النّفُوذ فِي الْحجاب وينبسط متوسعاً متصوراً فَمَا للمعدة وَبعد المريء جرم الْمعدة المنفسح وخلقت بطانة المريء أوسع وأثخن من أول الأمعاء لِأَنَّهُ منفذ للصلب وبطانة الْمعدة متوسطة وألينها عِنْد فَم الْمعدة ثمَّ هِيَ فِي المعي أَلين وَإِنَّمَا ألبس بَاطِنه غشاء ممتدا إِلَى آخر الْمعدة آتِيَا من الغشاء المجلل للفم ليَكُون الجذب مُتَّصِلا وليعين على إشالة الحنجرة إِلَى فَوق عِنْد الازدراد بامتداد المريء إِلَى أَسْفَل. وَإِذا(2/401)
حققت فَإِن المريء جُزْء من الْمعدة يَتَّسِع إِلَيْهَا بالتدريج وطبقتاه كطبقتي الْمعدة أدخلهما أشبه بالأغشية وَإِلَى الطول وأخرجهما لحمي غليظ عرضي الليف أَكثر لحمية مِمَّا للمعدة لكنه مِنْهُ فِي وَضعه واتصاله. وَأما أول الأمعاء فَلَيْسَ بِجُزْء من الْمعدة بل شَيْء مُتَّصِل بهَا من قريب وَلذَلِك لَيْسَ يتدرّج إِلَيْهِ الضّيق وَلَا طبقاته نَحْو طَبَقَات الْمعدة وَمَعَ ذَلِك فَإِن جَوْهَر المريء أشبه بالعضل وجوهر الْمعدة أشبه بالعصب وينخرط جُزْء من الْمعدة من لدن يتَّصل بهَا المريء ويلقى الْحجاب ويتسع من أَسْفَل لِأَن المستقرّ للطعام فِي أَسْفَل فَيجب أَن يكون أوسع وَجعل مستديراً لما تعلم فِيهِ من الْمَنْفَعَة مسطّحاً من وَرَائه ليحسن لقاؤه الصلب وَهُوَ من طبقتين داخلتهما طولية الليف لما تعلم من حَاجَة الجذب وَلذَلِك تتعاصر الْمعدة عِنْد الازدراد وترتفع الحنجرة والخارجة مستعرضة الليف لما تعلم من حَاجَة إِلَى الدّفع. وَإِنَّمَا جعل الليف الدَّافِع خَارِجا لِأَن الجذب أول أفعالها وأقربها. ثمَّ الدّفع يرد بعد ذَلِك ويتمّ بالعصر المتسلسل فِي جملَة الْوِعَاء ليدفع مَا فِيهَا ويخالط الطَّبَقَة الْبَاطِنَة لِيف مورب ليعين على الْإِمْسَاك. وَجعل فِي الجاذب دون الدَّافِع فَلم يخلط بالطبقة الْخَارِجَة وأعفي عَنهُ المريء إِذا لم يكن الإسهال. وَجَمِيع الطَّبَقَة الدَّاخِلَة عصبي لِأَنَّهُ يلقى أجساماً كثيفة وَإِن الْخَارِجَة فقرها أَكثر لحمية لتَكون آخرا فَيكون الهضم وفمها أَكثر عصبية ليَكُون أَشد حسا ويأتيها من عصب الدِّمَاغ شُعْبَة تفيدها الحسّ لتشعر بِالْجُوعِ وَالنُّقْصَان وَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك سَائِر مَا بعد فَم الْمعدة وَإِنَّمَا تحْتَاج الْمعدة إِلَى الْحس لِأَنَّهَا تحْتَاج أَن تتنبّه إِذا خلا الْبدن عَن الْغذَاء فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الطّرف الأول حساساً كسّاباً للغذاء لنَفسِهِ وَلغيره وَلم يحْتَج مَا بعده إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ مكف بتحمل غَيره وَهَذَا العصب ينزل من الْعُلُوّ ملتوياً على المريء ويلتف عَلَيْهِ لفة وَاحِدَة عِنْد قرب الْمعدة ثمَّ يتَّصل بالمعدة ويركب أَشد مَوضِع من الْمعدة تحدّباً عرق عَظِيم يذهب فِي طولهَا وَيُرْسل إِلَيْهَا شعبًا كَثِيرَة ترتبط بِهِ تتشعب دقاقاً متضامة فِي صف وَاحِد ويلاصقه شريان كَذَلِك وَيثبت من الشريان مثل ذَلِك أَيْضا. ويعتمد كل مِنْهُمَا على طي الصفاق ويتشنج من الْجُمْلَة الثرب على مَا نصفه. والمعدة تهضم بحرارة فِي لَحمهَا غريزية وبحرارات أُخْرَى مكتسبة من الْأَجْسَام الْمُجَاورَة فَإِن الكبد تركب يَمِينهَا من فَوق وَذَلِكَ لِأَن هُنَاكَ انخراطاً يحسّ تمطيه. وَالطحَال منفرش تحتهَا من الْيَسَار متباعداً يَسِيرا عَن الْحجاب لتداريه وَلِأَنَّهُ لَو ركب هُوَ والكبد جَمِيعًا مطاً وَاحِدًا لثقل ذَلِك على الْمعدة فاختير أَن تركبها الكبد ركُوب مُشْتَمل عَلَيْهَا بزوائد تمتد كالأصابع وينفرش الطحال من تَحت وَمَعَ ذَلِك فَإِن الكبد كَبِيرَة جدا بِالْقِيَاسِ إِلَى الطحال للْحَاجة إِلَى كبرها. وَكَيف لَا وَإِنَّمَا الطحال وعَاء لبَعض فضلاتها فَيلْزم أَن يمِيل رَأس الْمعدة إِلَى الْيَسَار تفسيحاً(2/402)
للكبد فضيق الْيَسَار وميل أَسْفَله إِلَى فضاء تخلية للكبد من تَحت فينفسح أَيْضا مَكَان الطحال من الْيَسَار وَمن تَحت فَجعل أشرف الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ فَوق وَالْيَمِين للكبد وأخسّهما الْمُقَابل لَهما للطحال. هَذَا وَقد يدفيها من قُدَّام الشّرْب الممتد عَلَيْهَا وعَلى جَمِيع الأمعاء من النَّاس خَاصَّة لكَوْنهم أحْوج إِلَى مَعُونَة الهضم لضعف قواهم الهاضمة بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيرهم. وَجعل كثيفاً ليحصر الْحَرَارَة رَقِيقا ليخفّ شحمها فَيكون مستحفظاً للحرارة من قدّام فَإِن الشحمية تقبل الْحَرَارَة جدا وتحفظها للزوجتها الدسمة وَفَوق الثرب الغشاء أَي الصفاق الْمُسَمّى باريطارون وفوقه المراق وعضلات الْبَطن الشحمية كلهَا. وَهَذَانِ الصفاقان متّصلات من أعلاهما عِنْد الْحجاب متباينان من أسفلهما وَمن خلفهمَا الصلب ممتدّاً عَلَيْهِ عرق ضَارب كَبِير حَار سَبَب حرارته كَثْرَة روحه وَدَمه ويصحبه وريد كَبِير حَار سَبَب حرارته كَثْرَة دَمه. والصفاق من جملَة هَذِه هُوَ الغشاء الأول الَّذِي يحوي الأحشاء الغذائية كلهَا فَإِنَّهُ خشّيها ويميل إِلَى الْبَاطِن ويجتمع عِنْد الصلب من جانبيه ويتصل بالحجاب من فَوْقه يتَّصل بِأَسْفَل المثانة والخاصرتين من أَسْفَل وَهُنَاكَ يحصل ثقبان عِنْد الأربيتين وهما جَرَيَان ينفذ فيهمَا عروق ومعاليق وَإِذا اتسعا نزل فيهمَا المعي. ومنافعه وقاية تِلْكَ الأحشاء والحجز بَين المعي وعضل المراق لِئَلَّا يتخلّلها فيشوش فعلهَا ويشاركه أَيْضا الأغشية الَّتِي فِي الْبَطن الْمَعْلُومَة. وَفِي الصفاق الْخَارِج الَّذِي هُوَ المراق مَنَافِع فَإِنَّهُ يعصر الْمعدة بحركة العضل مَعهَا وتحريكها إِيَّاهَا فتتمدّد الْجُمْلَة على أوعية فِيهَا أجسام من حَقّهَا أَن تدفع عصراً مَا يعين على دفع الثفل. وَكَذَلِكَ تعصر المثانة وَتعين على زرف الْبَوْل وتعصر الرِّيَاح النافخة لتخرج فَلَا تعجز الأمعاء وَتعين على الْولادَة. والصفاق يرْبط جملَة الأحشاء بَعْضهَا بِبَعْض وبالصلب فَيكون اجتماعها وثيقاً وَتَكون هِيَ مَعَ الصلب كشيء وَاحِد وَإِذا اتَّصل بالحجاب والتقى طرفاه عِنْد الصلب فقد ارْتبط هُنَاكَ. وَمن هُنَاكَ مبدأه فَإِن مبدأه فضل ينحدر من الْحجاب إِلَى فَم الْمعدة وتلقاه فضلَة من المتصعّد مِنْهُ إِلَى الصلب يَلْتَقِيَانِ ويتكون من هُنَاكَ الصفاق جرما غشائياً غير منقسم إِلَى لِيف محسوس بل هُوَ جسم بسيط فِي الحسّ ويحتوي على الْمعدة وَرَاء الصفاقين اللَّذين فِي جَوْهَر الْمعدة وَيكون وقاية للصفاق اللحمي الَّذِي لَهَا ويصل إِلَى الْمعدة ويربطها بالأجرام الَّتِي تلِي الصلب وَقد يكون لَهُ طي وصعود وانحدار. وأغلظه أَسْفَله وأيسره وَله طبقَة من مسترق عضل الْبَطن مجلّلة وَتَحْته الرَّقِيق مِنْهُ الَّذِي هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الصفاق وَهُوَ شَدِيد(2/403)
الرقة وَمِنْه ينْبت الغشاء المستبطن للصدر ويفضل من منبت الصفاق فضل من الْجَانِبَيْنِ ينسج مِنْهُ وَمن شعب عرقين ضَارب وَغير ضَارب ممتدين على الْمعدة جَوْهَر الثرب انتساجاً من طبقتين أَو من طَبَقَات بِحَسب الْمَوَاضِع متراكبة شحمية يغشّي الْمعدة والأمعاء وَالطحَال والماساريقا منعطفاً إِلَى الْجَانِب المسطح وَهَذَا الثرب مَعَ تندئته مَنُوط بهَا مناويط من الْمعدة وتقعير الطحال ومواضع شرياناته والغدد الَّتِي بَين الْعُرُوق المصاصة الْمُسَمَّاة ماساريقا وَمن المعي الاثْنَي عشري لَكِن مناوطها قَليلَة وضعيفة وَرُبمَا اتَّصل بالكبد وبأضلاع الزُّور اتِّصَالًا خفِيا. وَهَذِه المناوط هِيَ المنابت للثرب وأولها الْمعدة وَهَذَا الثرب كَأَنَّهُ جراب لَو أوعى شَيْئا سيالاً لأمسكه فَإِذا حققت فَإِن الْجلد والغشاء الَّذِي بعده - وَهُوَ لحمي والعضل الْمَوْضُوعَة فِي الطَّبَقَة الفوقانية من طَبَقَات عضل الْبَطن الْمَعْلُومَة - مَعْدُود كُله فِي جملَة المراق. والطبقات السفلانية من طَبَقَات عضل الْبَطن مَعَ الغشاء الرَّقِيق الَّذِي هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الصفاق من جملَة الصفاقات. والثرب كبطانة للصفاق ظهارة للمعدة وَهَذِه الْأَجْسَام كلهَا متعاونة فِي تسخين الْمعدة تعاونها فِي وقايتها وَفِي أَسْفَل الْمعدة ثقب يتَّصل بِهِ المعي الاثْنَي عشري وَهَذَا الثقب يُسمى البواب وَهُوَ أضيق من الثقب الْأَعْلَى لِأَنَّهُ منفذ للمهضوم المرقق وَذَلِكَ منفذ لخلافه وَهَذَا المنفذ ينضمّ إِلَى أَن يَنْقَضِي الهضم ثمَّ ينفتح إِلَى أَن يَنْقَضِي الدّفع. وَاعْلَم أَن الْمعدة تغتذي من وُجُوه ثَلَاثَة: أَحدهَا بِمَا يتعلل بِهِ الطَّعَام ويعد فِيهَا وَالثَّانِي بِمَا يَأْتِيهَا من الْغذَاء فِي الْعُرُوق الْمَذْكُورَة فِي تشريح الْعُرُوق وَالثَّالِث بِمَا ينصبّ إِلَيْهَا عِنْد الْجُوع الشَّديد من الكبد دمّ أَحْمَر نقي فيغذوها. وَاعْلَم أَن القدماء إِذا قَالُوا فمّ الْمعدة عنوا تَارَة الْمدْخل إِلَى الْمعدة وَهُوَ الْموضع المستضيق الَّذِي لم يَتَّسِع بعد من أَجزَاء الْمعدة الَّتِي بعد المريء وَتارَة أَعلَى الْمدْخل الَّذِي هُوَ الحدّ الْمُشْتَرك بَين المريء والمعدة. وَمن النَّاس من يسمّيه الْفُؤَاد وَالْقلب كَمَا أَن من النَّاس من يجْرِي فِي كَلَامه فمّ الْمعدة وَهُوَ يُشِير إِلَى الْقلب اشتراكاً فِي الِاسْم أَو ضعفا فِي التَّمْيِيز وَهَؤُلَاء هم الأقدمون جدا من الْأَطِبَّاء. وَأما بقراط فكثيراً مَا يَقُول فؤاد وَيَعْنِي بِهِ فَم الْمعدة بِحَسب تَأْوِيل. فصل فِي أمراض المريء قد يعرض للمريء أَصْنَاف سوء المزاج فيضعفه عَن فعله وَهُوَ الازدراد وَقد(2/404)
تقع فِيهِ الْأَمْرَاض الآلية كلهَا والمشتركة وَتَقَع فِيهِ الأورام الحارة والباردة والصلبة. وَأكْثر مَا يَقع من الْأَمْرَاض الآلية فِيهِ هُوَ السدد إِمَّا بِسَبَب ضاغط من خَارج من فقرة زائلة أَو ورم لعضو يجاوره وَإِمَّا لورم فِي نَفسه أَو فِي عضله الَّتِي تمسكه. وَمن جملَة الْأَمْرَاض الَّتِي تعرض لَهُ كثيرا من الْأَمْرَاض الْمُشْتَركَة نزل الدَّم وانفجاره. فصل فِي كَيْفيَّة الازدراد اعْلَم أَن الازدراد يكون بالمريء بِقُوَّة جاذبة تجذب الطَّعَام بالليف المستطيل ويعينه المستعرض بِمَا يمسك من وَرَاء المبلوع فيعصر فِي الازدراد إِلَى أَسْفَل وَفِي الْقَيْء إِلَى فَوق والقيء يتم أَيْضا بالمريء لَكِن الازدراد أسهل لِأَنَّهُ حَرَكَة على مجْرى الطباع تكون بتعاون طبقتين: إِحْدَاهمَا مستطيلة الليف وَالْأُخْرَى مجلّلة إِيَّاهَا معرضة الليف. وَأما الْقَيْء فَهُوَ حَرَكَة لَيست على مجْرى فصل فِي ضيق المبلع وعسر الازدراد ضيق المبلع إِمَّا أَن يكون لسَبَب فِي نفس المريء أَو لسَبَب مجاور فالسبب الَّذِي يكون فِي نفس المريء إِمَّا ورم وَإِمَّا يبس مفرط وَإِمَّا جفوف رطوبات فِيهِ بِسَبَب الْحمى أَو غير ذَلِك وَإِمَّا لصنف من أَصْنَاف سوء المزاج المفرط وَسُقُوط الْقُوَّة وضعفها وخصوصاً فِي آخر الْأَمْرَاض الحارة الرَّديئَة الهائلة وَغَيرهَا وَالسَّبَب المجاور ضغط ضاغط إِمَّا ورم فِي عضلات الحنجرة كَمَا يكون فِي الخوانيق وَغَيرهَا وَرُبمَا كَانَ مَعَ ضيق النَّفس أَيْضا أَو أَعْضَاء الْعُنُق وَإِمَّا ميل من الفقار إِلَى دَاخل وَإِمَّا ريح مطيفة بِهِ ضاغطة وَإِمَّا تشنج وكزاز يُرِيد أَن يكون أَو قد ابْتَدَأَ فَإِن هَذَا كثيرا مَا يتقدّم الكزاز والجمود. وَقد وجد بعض معارفنا عسر الازدراد لاحتباس شَيْء مَجْهُول فِي المبلع يُؤَدِّيه ذَلِك إِلَى شَيْء شَبيه بالخناق فغشيه تهوعّ قذف عَنهُ دوداً كثيرا من الْحَيَّات سهل من انقذافه الْمبلغ وَزَالَ الخناق فَعرف أَن السَّبَب كَانَ احتباسه هُنَاكَ. العلامات: مَا كَانَ بِسَبَب الفقارات يدل عَلَيْهِ الازدراد الضّيق عِنْد الاستلقاء وَكَون الازدراد مؤلماً عِنْد الخرزة الزائلة وَمَا كَانَ بِسَبَب سوء مزاج مضعف فَيدل عَلَيْهِ طول مُدَّة مُرُور المزدرد مَعَ فتور وقلّة حمية فِي جَمِيع الْمسَافَة من غير ورم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذَلِك فِي جُزْء من المريء معيّن فيضيق هُنَاكَ ويحسّ باحتباس المزدرد عِنْده. وَمَا كَانَ بِسَبَب ورم ضَاقَ فِي الْعُرُوق مِنْهُ وأوجع هُنَاكَ وَلم يخل الْحَار فِي الْغَالِب عَن الْحمى وَإِن كَانَت فِي الْأَكْثَر لَا تكون شَدِيدَة الْقُوَّة. وَإِذا كَانَ الورم حاراً دلّ عَلَيْهِ أَيْضا حرارة وعطش. وَإِن لم يكن الورم حاراً لم تكن حمّى وَرُبمَا كَانَ خراجاً لَيْسَ بذلك الْحَار فَيكون هُنَاكَ وجع يسير يحدث مَعَه فِي الأحيان نافض وَحمى وَرُبمَا جمع(2/405)
وانفجر وقيأ قَيْحا وَسكن مَا كَانَ يُصِيب مِنْهُ وعادت الْعلَّة قرحَة وَالَّذِي يكون مُقَدّمَة الكزاز والجمود يدلّ عَلَيْهِ مَعَه سَائِر الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة. المعالجات: إِن كَانَ بِسَبَب ورم أَو زَوَال فعلاجه علاج ذَلِك وَإِن كَانَ بِسَبَب سوء مزاج فَإِن كَانَ التهاب وحرقة وحرارة فِي سطح الفمّ فَيجب أَن يسْتَعْمل اللطوخات بَين الْكَتِفَيْنِ من العصارات والأدوية البادرة ويحسى مِنْهَا ويسقى الدوغ الحامض وَمَا يشبه ذَلِك. وَإِن كَانَ من برد - وَهُوَ الْكَائِن فِي الْأَكْثَر - فَيجب أَن يعالج بالأضمدة المسخنة الَّتِي تسْتَعْمل فِي علاج الْمعدة الْبَارِدَة وبالأدهان والمروخات المسخنة الْمَذْكُورَة فِيهَا ودهن البلسان ودهن الفجل ودهن الْمسك وَنَحْو ذَلِك وبأضمدة من جندبيدستر والأشق والمر والفراسيون وَنَحْو ذَلِك. وَإِن كَانَ لمزاج رطب مرهل جدا وَيعلم من مُشَاركَة سطح الفمّ وَاللِّسَان لذَلِك فيعالج بِمَا فِيهِ قبض وتسخين من الْأَدْوِيَة العطرة بعد تنقية الْمعدة وإصلاحها إِن احْتِيجَ إِلَى ذَلِك. وَهَذِه الْأَدْوِيَة مثل الأنيسون المقلو والبهمن والسنبل والناردين والساذج الْهِنْدِيّ والكندر ودقاقه والمر. وَإِن احْتِيجَ إِلَى أَن تخلط بهَا مسخنات أقوى مَعَ قوابض بَارِدَة ليكسر بالمسخنة برد القوابض الْبَارِدَة والشديدة التجفيف مثل الْورْد والجلنار وَنَحْوه فعل. وَعِنْدِي أَن الانجدان شَدِيد النَّفْع فِي ذَلِك. وَإِن كَانَ السَّبَب اليبس فعلى ضدّ ذَلِك فَاسْتعْمل اللعوقات المرطبة المعتدلة المزاج والنيمرشيات والشحوم والزبد والمخاخ ودبر الْبدن والمعدة فَإِن المريء فِي أَكثر الْأَمر تَابع فِي مزاجه لمزاج فَم الْمعدة.
(فصل فِي أورام المريء)
قد تكون حارة فلغمونية وَمَا شرائية وباردة بلغمية وصلبة وَالْأَكْثَر يعسر نضجه ويبطئ. العلامات: يدل عَلَيْهَا وجع عِنْد البلع وَفِي غير البلع يُؤَدِّي إِلَى خلف الْقَفَا مَعَ ضيق من المبلع والحار مِنْهَا قد يكون مَعَه حمى غير شَدِيدَة وَرُبمَا كَانَت تعتري وقتا بعد وَقت كَأَنَّهَا حمى يَوْم وَرُبمَا تبعها نافض لكنه يكون مَعَه عَطش شَدِيد وحرارة فَإِذا نضج زَالَ النافض وَإِذا انفجر قاء قَيْحا. وَأما إِذا كَانَ الورم غير حَار كَانَ المبلع ضيقا على نَحْو ضيق الورم الْحَار وَلَكِن المعالجات: أدوية ذَلِك مِنْهَا مشروبة وَمِنْهَا مَوْضُوعَة من خَارج. والأدوية الْمَوْضُوعَة من خَارج يجب أَن تُوضَع على مَا بَين الْكَتِفَيْنِ وَيجب أَن تكون الْأَدْوِيَة رادعة قابضة متخذة من الرياحين والفواكه على قِيَاس مَا فِي علاج(2/406)
أورام الْمعدة ثمَّ يُزَاد فِيهَا مثل الأشق والمقل وإكليل الْملك وعلك الأنباط والتين من غير إخلاء عَن القوابض وَمن الشحوم أَيْضا. فَإِن لم ينجع ذَلِك واحتيج إِلَى تَحْلِيل أَكثر أَو كَانَ الورم فِي الأَصْل صلباً وَجب أَن تخلط مَعهَا القوية التَّحْلِيل كب الْغَار والعاقر قرحا والقردمانا والزراوند والايرسا والبلسان. وَرُبمَا احتجت إِلَى اسْتِعْمَال المفجرات ضمّاداً مثل الْخَرْدَل والثافسيا وَغير ذَلِك مِمَّا ذكرنَا فِي دبيلات الصَّدْر والرئة حَتَّى إِلَى حد ذرق الْحمام وَنَحْوه. وَأما الْأَدْوِيَة المشروبة فَيجب أَن يتَّخذ فِي علاج الْحَار مِنْهَا لعوقات ليَكُون مرورها على الْموضع مروراً مُتَّصِلا قَلِيلا قَلِيلا وَيكون فِي الْأَوَائِل لعوقات من مثل العدس والطباشير بلعاب مثل بزرقطونا وبزر بقلة الحمقاء وَمَاء القرع وَنَحْوه ثمَّ ينْقل إِلَى مخلوطه عَن رواح ومحللات قد جعل فِيهَا شَيْء من التِّين وَمَاء الرازيانج والبابونج ثمَّ يُزَاد فَيجْعَل فِيهَا التَّمْر والحلبة وَيسْتَعْمل الاحساء. أما أَولا فالروادع مثل المتخذة من دَقِيق الشّعير والعدس ومحمضة بِمَا تعلمه وَغير محمّضة فَإِذا أخفت تنضج فَاجْعَلْ الاحساء عَن حليب النخالة بدهن اللوز وَالسكر ثمَّ يَجْعَل فِيهَا مثل بزر الْكَتَّان وَنَحْوه ثمَّ يَجْعَل فِيهَا مثل دَقِيق الكرسنّة والحمص. وَإِذا بلغت التفجير احتجت أَن تتَّخذ فِيهَا قُوَّة من أصل السوسن الأسمانجوني واللوز المرّ والفراسيون وَشَيْء من الْخَرْدَل والتين وَالتَّمْر. علاج الأورام الْبَارِدَة فِيهِ: يعْتَبر مَا قيل فِي علاج أورام الْمعدة الْبَارِدَة وَيسْتَعْمل عَلَيْهَا الملينات المنضجات إِمَّا من دَاخل فَمثل اللعوقات والأحساء الَّتِي ذَكرنَاهَا للإنضاج مثل دَقِيق الكرسنة ودقيق الشّعير وفيهَا عسل وَقُوَّة من أصل السوس وأصل السوسن وَغير ذَلِك. وَإِمَّا من خَارج فبالأضمدة المنضجة الَّتِي ذَكرنَاهَا وفيهَا حلبة وبابونج وإكليل الْملك ومقل وصمغ البطم وأشق وإيرسا وَقُوَّة من الْعطر. وَإِن مَال إِلَى تفتح وتسخن عملت مثل مَا قيل فِي الْبَاب الأول وَاعْتبر فِيهِ مَا يُقَال فِي بَاب أورام الْمعدة. فصل فِي انفجار الدَّم من المريء قد عرفت أَسبَابه، وعلاماته قيء الدَّم فَيجب أَن تطلب هُنَاكَ وَمِمَّا يُفَارق بِهِ علاجه مَا قيل فِي علاجات انفجار الدَّم من الْمعدة أَن الْأَدْوِيَة فِي هَذَا الانفجار تحْتَاج أَن تكون أدوية ذَات لزوجة وعلوكة لِئَلَّا تنْدَفع إِلَى الْمعدة دفْعَة بل تجْرِي على مَوضِع الإنفجار بمهل ليمكنها أَن تفعل فِيهِ فِي ذَلِك الْمهل فعلا قَوِيا وَإِن كَانَت قد تعود من طَرِيق الْعُرُوق فتفعل فِيهِ وَلَكِن بِقُوَّة واهية لطول المسالك وَكَثْرَة الانفعال فِي المسالك. فصل فِي قُرُوح المريء قد يعرض فِي المريء قُرُوح من بثور تعرض فِيهِ أَو أورام تتفجر فِيهِ أَو أخلاط حادة تمر فِيهِ عِنْد الْقَيْء وَنَحْوه وَلَا يبعد أَن تحدث عَن النَّوَازِل.(2/407)
عَلامَة القروح فِي المريء: قد بيّنا فِي بَاب قُرُوح الْمعدة الْفرق بَين قُرُوح الْمعدة وقروح المريء فَلْيتَأَمَّل من هُنَاكَ. وَأما الدَّلِيل على أَن فِي المريء قرحَة وَلَيْسَ ورماً إِن الازدراد فِي الورم يؤلم بِعظم اللُّقْمَة وبحجم اللُّقْمَة أَكثر من إيلامه بكيفية اللُّقْمَة من حرافة أَو حموضة أَو قبض. وَأما القروح فاختلاف الكيف فِيهَا اخْتِلَاف إيلام ويكاد الدسم المعتدل الْمِقْدَار لَا يؤلم والقليل الَّذِي لَهُ كَيْفيَّة غالبة يؤلم حَتَّى إِن كَانَ النَّافِذ لَا مزاحمة لَهُ بحجمه لكنه متكيف بكيفية قَوِيَّة آلم وأوجع. وَمن تحدث بِهِ القرحة عَن خرّاج مُتَقَدم يعسر علاجه وَيكون على شرف من الْهَلَاك فِي أَكثر الْأَمر. علاج القروح فِي المريء: إِذا كَانَ فِي المريء قُرُوح فَإنَّا لَا نسقي الْأَدْوِيَة الْمصلحَة لتِلْك القروح دفْعَة وَاحِدَة كَمَا نفعله إِذا أردنَا أَن نسقى أدوية لقروح الْمعدة وَغَيرهَا بل نحتال فِي تِلْكَ الْأَدْوِيَة أَن نسقيها قَلِيلا قَلِيلا وَأَن نختارها لزجة وغليظة أَو نخلط بهَا لزجة وغليظة. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الْأَدْوِيَة لَا تقف على المريء وَلَا تلْزم بل تجتاز وتفارق فَإِذا فرقت فِي السَّقْي وَلم تسق دفْعَة وَاحِدَة لاقت ملاقاة بعد ملاقاة فَفعلت فعلا بعد فعل فَإِذا لزجت التصقت بمريها ولزمت وَلم تفارق دفْعَة. وَأما جَوَاهِر تِلْكَ الْأَدْوِيَة فسنذكرها فِي بَاب قُرُوح الْمعدة فَإِنَّهَا هِيَ هِيَ. فصل فِي عَلَامَات أمزجة الْمعدة الطبيعية عَلَامَات المزاج الْحَار الطبيعي حسن هضمها للأطعمة القوية مثل لُحُوم الْبَقر والإوز وَغَيرهَا. وَفَسَاد الْأَطْعِمَة اللطيفة فِيهَا الْخَفِيفَة مثل لُحُوم الفراريج وَاللَّبن وَأَن يكون قبُولهَا لما هُوَ أحرّ مزاجاً من الأغذية أحسن وَأَن يفوق الهضم الشَّهْوَة. وعلامة المزاج الْبَارِد الطبيعي أَن لَا يكون فِي الشَّهْوَة نُقْصَان وَيكون فِي الهضم نُقْصَان فَلَا تنهضم فِيهَا إِلَّا الأغذية اللطيفة الْخَفِيفَة وَأَن يكون قبُولهَا لما هُوَ أبرد مزاجاً من الأغذية أحسن. وعلامة المزاج الْيَابِس الطبيعي أَن يكون الْعَطش يكثر فِي الْعَادة وينقع بِمِقْدَار يسير من الشَّرَاب وتحدث الكظة من الْمِقْدَار الْكثير وَيكون قبُول الْمعدة لما هُوَ أيبس من الأغذية أحسن. وعلامة المزاج الرطب الطبيعي أَن يكون الْعَطش قَلِيلا مَعَ احْتِمَال الشّرْب الْكثير وَأمن من الكظة وَيكون قبُول الْمعدة لما هُوَ أرطب من الأغذية أحسن. فصل فِي أمراض الْمعدة الْمعدة قد يعرض لَهَا أمراض سوء المزاج السِّتَّة عشر الساذجة والكائنة مَعَ مَادَّة دموية أَو صفراوية بأصنافها أَو بلغمية زجاجية أَو رقيقَة سَاكِنة أَو ذَات(2/408)
غليان أَو بلغمية حامضة مالحة أَو مَعَ مَادَّة سوداوية حامضة وَتعرض لَهَا الأورام وَتعرض لَهَا القروح وانحلال الْفَرد وَمَا يجْرِي مجْرَاه من أَسبَاب باطنة وَأَسْبَاب ظَاهِرَة كالصدمة والضربة. وَرُبمَا احتملت الانخراق فَلم تقبل فِي الْحَال وَإِذا بلغ الانحلال إِلَى أَن ينخرق جرم الْمعدة فَإِن صَاحبهَا ميت. قَالَ بقراط: كل من تنخرق معدته يَمُوت وَقد يعرض لَهَا تهلهل نسج فِي ليفها وَقد يعرض لَهَا شدَّة تكاثف ويعرض لَهَا من أمراض الْخلقَة فِي الْمِقْدَار أَن تكون كَبِيرَة جدا أَو صَغِيرَة جدا. وَمن أمراض الشكل أَن تكون مثلا شَدِيدَة الاستدارة وَمن أمراض الملاسة والخشونة أَن تكون شَدِيدَة الملاسة مزلقة وَمن آفَات الْوَضع أَن يكون وَضعهَا مثلا شَدِيد البروز إِلَى خَارج. وَقد تعرض أَيْضا سدد فِي ليفها وسدد فِي مجاري الْمعدة إِلَى الكبد وَإِلَى الطحال فَيحدث ضرب إِن كَانَ ذَلِك فِي مجاري الكبد وتقل الشَّهْوَة إِن كَانَ فِي مجاري الطحال وَقد تعرض فِي الْمعدة الرِّيَاح والنفخ بِسَبَب الأغذية وبسبب ضعفها فِي نَفسهَا وَنحن نجْعَل لذَلِك بَابا مُفردا. وَاعْلَم أَن سوء مزاج الْمعدة قد يَقع من الْأَسْبَاب الْخَارِجَة من الْحر وَالْبرد وَغَيرهمَا وَقد يَقع من الْأَسْبَاب الدَّاخِلَة. وَمن أمراض الْمعدة مَا يهيج فِي الْحر الشَّديد إِمَّا لمعونته فِي تحلّب موادّ رَدِيئَة إِلَيْهَا أَو معونته لحرارتها على إِحَالَة مَادَّة فِيهَا مَعُونَة رَدِيئَة غير طبيعية يحيلها إِلَى هَيْئَة غير طبيعية. وَإِذا كَانَ مَعَ مَادَّة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الْمَادَّة متشربة فِي جرمها غائصة أَو ملتصقة على جرمها أَو مصبوبة فِي تجويفها. وَقد يكون الْخَلْط الْمَوْجُود فِيهَا متولداً فِيهَا وَقد يكون منصباً من عُضْو آخر إِلَيْهَا كَمَا ينصت من الدِّمَاغ بالنوازل الحارة أَو الْبَارِدَة فيسخن لَهَا مزاج الْمعدة ويبرد ويميل إِلَى مزاج مَا ينزل إِلَيْهَا. وَكَذَلِكَ قد ينصب إِلَيْهَا من المرارة أخلاط مرارية وَذَلِكَ فِي بعض من خلق فِيهِ جدول كَبِير آتٍ من المرارة إِلَى الْمعدة بدل إِتْيَانه فِي كثير من النَّاس إِلَى الأمعاء فينصب إِلَى الْمعدة مَا يجب أَن ينصب إِلَى الأمعاء وَإِذا طَالَتْ أحدثت المالحة الحادة مِنْهَا فِي الْمعدة قروحاً والباردة التفهة ملاسة وزلقاً. وَرُبمَا تأدى تأثيرها إِلَى أول الأمعاء وَمَا يَلِيهِ. وَأما إِفْسَاد الشَّهْوَة والاستمراء فَأول شَيْء. وَمن النَّاس من يخلق فِيهِ ذَلِك على خلاف الْعَادة وعَلى مَا أوردناه فِي التشريح. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَر فِي خلقه الْعُرُوق الْآتِيَة من المرارة إِلَى الْمعدة وَقد ينصت إِلَيْهَا من الكبد وَمن المرارة فِي بعض من خلق فِيهِ من المرارة جدول كَبِير إِلَى الْمعدة فِي الأمعاء فيصبّ فِيهَا أَمَام الْوَاجِب أَن يصبّ فِي الأمعاء وَقد تنصبّ إِلَيْهَا السَّوْدَاء من الطحال أَيْضا كَمَا ستعرفه. وَأكْثر مَا ينصب إِلَيْهَا هُوَ الصَّفْرَاء من الكبد وَقد يعين ذَلِك أَسبَاب تكون فِي الْمعدة مثل(2/409)
الوجع الشَّديد وَالْغَم الشَّديد وَتَأْخِير الطَّعَام وَضعف قُوَّة الْمعدة الدافعة وَرُبمَا كَانَ السَّبَب فِيهِ غصبا أَو غماً أَو انفعالاً نفسانياً مِمَّا يُحَرك الْمَادَّة ويصبها إِلَى الْمعدة وَيحدث لذعاً لَا يَزُول إِلَّا بالقيء. وَقد ينصبّ إِلَيْهَا بِمثل هَذِه المحركات خُصُوصا الْجُوع أخلاط صديدية لَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي تِلْكَ النواحي قُرُوح. وَمَعَ ذَلِك فقد تنصب إِلَيْهَا السَّوْدَاء أَيْضا وَالسَّبَب فِي انصباب السَّوْدَاء إِلَيْهَا كَثْرَة السَّوْدَاء وَضعف الْمعدة. وَأَسْبَاب كَثْرَة السَّوْدَاء مَا تعرفه وَسبب انصباب الدَّم إِلَيْهَا كَثْرَة الدَّم وهيجانه فِي عُضْو أشرف مِنْهَا مجاور لَهَا فِي جَانبهَا كالكبد أَو فَوْقهَا كالدماغ إِذا انصب مِنْهُ دم إِلَى الْحلق والمريء وَنفذ إِلَى الْمعدة وَضعف قوتها الدافعة يعين على قبُول جَمِيع مَا ينصب إِلَيْهَا. وَمن الْأَسْبَاب القوية فِي انصباب الدَّم إِلَيْهَا وَإِلَى غَيرهَا احتباس سيال من طمث أَو دم بواسير أَو ذرب أَو ترك رياضة مستفرغة أَو قطع عُضْو فيضيع مَا كَانَت وَاعْلَم أَن ضعف الْمعدة سَبَب قوي فِي انصباب مَا ينصبّ إِلَيْهَا وَأكْثر مَا يُوجد فِي الْمعدة أَو يتولّد فِيهَا من الأخلاط هُوَ البلغم. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الكيلوس قريب الطَّبْع من البلغم فَإِنَّهُ إِذا لم ينهضم انهضاماً تَاما لم يصر دَمًا أَو صفراء أَو سَوْدَاء. وَأَيْضًا فإنَ الْمعدة لَا تنصبّ إِلَيْهَا فِي غَالب الْأَحْوَال صفراء تغسلها كَمَا تغسل الأمعاء. وَأما الصَّفْرَاء فَإِنَّهَا تتولّد فِي بعض الْمعدة وَفِي الْأَكْثَر إِنَّمَا تنصبّ إِلَيْهَا من الكبد على أَنَّهَا تتولّد فِي الْمعدة الحارة إِذا صادفت غذَاء قَابلا للاستحالة بِسُرْعَة إِلَى الدخانية. وَقد يعرض للمعدة إِمَّا فِي الْخلقَة وَإِمَّا بمقاساة أمراض وأوجاع وَسُوء تَدْبِير أَن يصير جرمها متهلهل النسج سخيف القوام رَقِيق الْجلد فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى ضعف فِي جَمِيع أفعالها وَيحْتَاج فِي معالجته إِلَى كلفة. وَأَسْبَاب أمراض الْمعدة كل أَسبَاب الْأَمْرَاض الْمَذْكُورَة الْخَارِجَة والداخلة ويخصّها أَن تكون الأغذية بِحَيْثُ تَقْتَضِي سوء الهضم وَإِن لم تكن الْمعدة إِلَّا على أصحّ الْأَحْوَال وَهُوَ مَذْكُور فِي بَابه أَو تكون قَليلَة جدا حَتَّى تُؤدِّي بالمعدة الصَّحِيحَة إِلَى أَن تخف وتضمر أَو يكثر اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة فتعتاد الْمعدة الِاسْتِعَانَة بالدواء فِي فعلهَا أَو تتعب كثيرا بالقيء والإسهال وخصوصاً الْقَيْء فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى حَرَكَة عنيفة غير طبيعية فَيعرض أَن يتخلخل نسج ليفها ويتهلهل والمعدة الشَّدِيدَة الْحس مَمْلُوءَة بالتأدي والتألم من كل أدنى سَبَب وكل مزاج يضعف بإفراط فَإِنَّهُ يحدث فِي كل فعل نُقْصَانا حَتَّى إِن الْحَرَارَة الساذجة رُبمَا صَارَت سَببا لتزلق الْمعدة لما يحدث من ضعف الماسكة. وَأما الْحَرَارَة مَعَ مالحة صفراوية فَهِيَ كثيرا مَا تكون سَببا لذَلِك والآفات الَّتِي يحدث(2/410)
فِي أفعالها إِمَّا أَن تحدث فِي الْقُوَّة المشهيّة والجاذبة بِأَن لَا تشْتَهي البتّة أَو تقلّ شهوتها أَو تكْثر جدا أَو تفْسد شهوتها. وَذَلِكَ إِمَّا للغذاء وَإِمَّا للْمَاء وَإِمَّا فِي الْقُوَّة الماسكة بِأَن يشتدّ إِِمْسَاكهَا أَو يضعف أَو يبطل إِِمْسَاكهَا فيطفو الطَّعَام. وَإِمَّا فِي الْقُوَّة الهاضمة بِأَن يبطل هضمها أَو يضعف أَو يفْسد فتحيل الشَّيْء إِلَى دخانية أَو حموضة. وَإِمَّا فِي الْقُوَّة الدافعة بِأَن يشْتَد فعلهَا فِيهِ إِمَّا إِلَى الطَّرِيقَة الطبيعية وَإِمَّا إِلَى فَوق أَو يضعف دَفعهَا أَو يبطل. وكل شَيْء طَال مكثه فِي الْمعدة وَأَبْطَأ عرض مِنْهُ التبخير المؤلم المحرّك للأخلاط وَلَا مبخّر كالفواكه. وَقد تحدث بهَا الأوجاع الممدّدة واللذاعة وَغير ذَلِك وَقد يتبع ضعف هَذِه القوى كلهَا أَو بَعْضهَا طفو الطَّعَام وبطء انحداره أَو سرعَة انحداره وَضعف هضمه أَو بُطْلَانه أَو فَسَاده وَسُقُوط الشَّهْوَة بِالْكُلِّيَّةِ أَو الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة أَو الشَّهْوَة الْفَاسِدَة ويتبعها القراقر والجشاء والنفخ واللذع وَغير ذَلِك. وَرُبمَا أدّى مَا يحدث من ذَلِك إِلَى مُشَاركَة من أَعْضَاء أُخْرَى وخصوصاً الدِّمَاغ بِالشّركَةِ بَينهمَا بعصب كثير فَيحدث صرع أَو تشنّج أَو مالنخوليا أَو يَقع فِي الْبَصَر ضَرَر. وَرُبمَا تخيل للعين كأنَ بقاً أَو بعوضاً ونسج عنكبوت ودخاناً وضباباً أمامها. وَكَثِيرًا مَا يُشَارك الْقلب الْمعدة فَيحدث الغشي إِمَّا لشدَّة الوجع وخصوصاً فِي أورامها الْعَظِيمَة وَأما الْكَيْفِيَّة مفرطة من حر أَو برد أَو مستحيلة إِلَى سميَّة. فَإِن ضعفت الْمَادَّة عَن إِحْدَاث الغشي أحدثت كرباً وقلقاً وتثاؤباً وقشعريرة. وَمثل هَؤُلَاءِ هم الَّذين قَالَ أبقراط أَن سقِِي الشَّرَاب الممزوج مُنَاصَفَة يشفيهم وَذَلِكَ لما فِيهِ من التنقية وَالْغسْل مَعَ التقوية. والمعدة قد تستعد بِشدَّة حسّها للأفعال عَن سَبَب يسير فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى صرع وتشنّج وَهَذَا الْإِنْسَان يُؤْذِيه أدنى غضب وَصَوْم وغمّ وَسبب محرّك للأخلاط فَإِذا انصبّ فِيهَا لذَلِك خلط مراري لاذع إِلَى فَم معدته تأذى بِهِ لشدَّة حسّه فصرع وَغشيَ عَلَيْهِ وتشنج بمشاركة من الدِّمَاغ لفمّ معدته. وَهَذَا الْإِنْسَان يعرض لَهُ مثل مَا يعرض لضعف فَم الْمعدة من أَنه إِذا أتخم وأفرط من شرب الشَّرَاب أَو الْجِمَاع تشنّج أَو صرع وَكَثِيرًا مَا يتَخَلَّص أَمْثَاله بقيء كراثي أَو زنجاري وَرُبمَا كَانَ الامتلاء الْكثير يسبتهم سباتاً طَويلا إِلَى أَن يتقيئوا فيستيقظوا. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك سَببا للوقوع فِي المالنخوليا المراري وَفِي الأفكار والأحلام الْفَاسِدَة. وَاعْلَم أَن أمراض الْمعدة إِذا طَالَتْ أدَّت إِلَى هلهلة نسج ليفها وعسر التَّدَارُك والعلاج. وَمن الْآفَات الرَّديئَة فِي الْخلقَة أَن تكون الرَّأْس بَارِدَة مهيّئة لحدوث النَّوَازِل ثمَّ تكون الْمعدة حارة فَلَا تحْتَمل مَا ينقّي تِلْكَ النَّوَازِل من مثل الفلافلي والفوتنجي والكموني.(2/411)
فصل فِي وُجُوه الِاسْتِدْلَال على أَحْوَال الْمعدة الْأُمُور الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على أَحْوَال الْمعدة هِيَ أَحْوَال الطَّعَام فِي احْتِمَال الْمعدة لَهُ وَعدم احتمالها وَمن هضمها لَهُ وَمن دَفعهَا إِيَّاه وَمن شهوتها للطعام وَمن شهوتها للشراب وَمن حركاتها واضطراباتها كالخفقان المعدي والفواق وَمن حَال الفمَ وَاللِّسَان فِي طعمه وبلته وجفافه وخشونته وملاسته ورائحته وَمَا يخرج من الْمعدة بالقيء أَو البرَاز أَو الرّيح النَّازِلَة لَهُ بِصَوْت أَو بِغَيْر صَوت أَو الصاعدة الَّتِي هِيَ الجشاء والمحتسبة الَّتِي هِيَ القراقر وَمن لون الْوَجْه وباطن الفمّ وَمن الأوجاع والآلام وَمن مشاركتها الْأَعْضَاء أُخْرَى وَمن جِهَة مَا يُوَافِقهَا أَو يؤذيها من المطعومات والمشروبات والأدوية. فَأَما الِاسْتِدْلَال من احْتِمَال الطَّعَام وَعدم احْتِمَاله فَإِنَّهُ إِن كَانَت الْمعدة لَا تحْتَمل إِلَّا الْقَلِيل دون الْمُعْتَاد فَإِن فِيهَا ضعفا لسَبَب من أَسبَاب الضعْف وَإِن كَانَت تحْتَمل فقوّتها بَاقِيَة. وَأما الِاسْتِدْلَال من البرَاز وَمَا يخرج من الْبَطن فَإِن البرَاز المستوي المعتدل الصَّبْغ وَالنَّتن يدلّ على جودة الهضم وجودة الهضم تدلّ على قُوَّة الْمعدة وَقُوَّة الْمعدة تدلّ على قُوَّة اعْتِدَال مزاجها. وَأما الَّذِي لم ينهضم مِنْهُ فَيدل على ضعف الْمعدة وعَلى سوء مزاج بهَا ثمَّ الصَّبْغ يدلّ على الْمَادَّة الَّتِي فِيهَا فَإِن كَانَ هُنَاكَ نَتن ولين دلّ على أَنه نزل من الْمعدة قبل وقته لسوء احتوت الْمعدة عَلَيْهِ لضعف الْقُوَّة الماسكة وَإِن لم يكن لين لم يدل على ذَلِك بل دلّ على ضعف الهاضمة. وَأما الِاسْتِدْلَال من الصَّوْت فقد قيل فِيمَا تجازف فِيهِ أَن نُزُوله دَلِيل على قُوَّة الْمعد وَعظم صَوته دَلِيل على جودة الهضم وَالْقُوَّة أَيْضا وَكَذَلِكَ قلَّة نَتنه. وَالصَّوَاب فِي هَذَا أَن نُزُوله لَيْسَ يدل على قُوَّة بل على ضعف مَا وَلكنه ضعف دون الَّذِي يحدث الجشاء وَأما كَونه عَظِيم الصَّوْت إِن كَانَ لجوهره فَهُوَ لغلظه وَإِن كَانَ بِسَبَب قُوَّة الدافعة فَذَلِك يحل على قُوَّة مَا واللطيف الرَّقِيق الَّذِي لَا صرت لَهُ لعن على الْقُوَّة من الكثيف المصوت وخصوصاً الَّذِي لَيْسَ تصويته عَن إِرَادَة مُرْسلَة وَأما الصَّوْت الْخَارِج من تِلْقَاء نَفسه فيمل على اخْتِلَاط الذِّهْن. وَأما قلَّة النتن فتدل لَا محَالة على جودة الهضم. وَالنَّتن الشَّديد يدل على فَسَاده وَعدم النتن أصلا يدل على لِحَاجَتِهِ. وَأما الِاسْتِدْلَال من طَرِيق الفواق فَإِنَّهُ إِن كَانَ يحس صَاحبه بلذع فهناك خلط حامض أَو حريف أَو مر. وَإِن كَانَ يحس مَعَه بتمدد فهناك ريح. وَإِن كَانَ لَا يحس بذلك وَلَا يعطش فهناك خلط بلغمي. وَإِن كَانَ عقيب استفراغات وحميات فهناك يبس. وَأما الِاسْتِدْلَال من الْعَطش فَإِن الْعَطش يدل على مزج حَار فَإِن كَانَ مَعَ(2/412)
غثي دلّ على مَادَّة مرارية أَو مالحة بلغمية فَإِن سكن بِشرب المَاء الْحَار فالمادة فِي أَكثر الْأَحْوَال بلغمية مالحة بورقية فَإِن ازدادت فالمادة مرارية. وَأما الِاسْتِدْلَال من حَال الْفَم وَاللِّسَان فَإِنَّهُ إِذا كَانَ اللِّسَان فِي أوجاع الْمعدة شَدِيد الخشونة والحمرة فقد يدل على غَلَبَة دم أَو ورم حَار فِيهَا دموي وَإِن كَانَ إِلَى الصُّفْرَة فالآفة صفرارية وَإِن كَانَ إِلَى سَواد فالسبب سوداوي وَإِن كَانَ إِلَى بَيَاض ولبنية فالسبب رُطُوبَة وَإِن كَانَ يبس فَقَط فالسبب يبوسة. وَأما الِاسْتِدْلَال من طَرِيق الهضم فجودة الهضم إِنَّمَا تكون إِذا كَانَ الطَّعَام الْمُشْتَمل عَلَيْهِ لَا يحدث عَقِيبه ثقل فِي الْمعدة وَلَا قراقر وَنفخ وَلَا جشاء وَطعم دخاني أَو حامض وَلَا فوَاق واختلاج وتمتد وَأَن تكون مُدَّة بَقَاء الطَّعَام فِي الْمعدة معتدلة ونزوله عَنْهَا فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي لَا قبله وَلَا بعده وَيكون النّوم مستوياً والانتباه ضيفاً سَرِيعا وَالْعين لَا ورم بهَا وَالرَّأْس لَا ثقل فِيهَا والإجابة عَن الطبيعة سهلة وَيكون أَسْفَل الْبَطن قبل التبرز منتفخاً يَسِيرا. وَهَذَا يدل على جودة التفاف الْمعدة على الطَّعَام وَحسن اشتمالها عَلَيْهِ وَذَلِكَ يدل على قُوَّة الْمعدة وموافقة الطَّعَام فِي الْكمّ والكيف. فَإذْ لم تشْتَمل الْمعدة اشتمالاً حسنا وَلم تكن جَيِّدَة الهضم حدث قراقر وتواتر جشاء وَبَقِي الطَّعَام مُدَّة طَوِيلَة فِي الْمعدة أَو نزل قبل الْوَقْت الْوَاجِب. والصفراء لَيْسَ من شَأْنهَا أَن تمنع الهضم منعا مُبْطلًا أَو نَاقِصا متلحجاً بل قد تفسده وَأما السوداوي فَمن شَأْنهَا أَن تمنع الهضم وتفسده مَعًا. وللبلغم أميل مِنْهَا إِلَى الْفساد. وَاعْلَم أَن الْمعدة إِذا لم يكن بهَا ورم وَلَا قرحَة وَلَا كَانَ بالغذاء فَسَاد ثمَّ لم تحسن الهضم فالسبب سوء مزاج وَأَكْثَره من برد ورطوبة وَبعده الْحَار وَبعده الْيَابِس. وَأما الِاسْتِدْلَال من أوجاع للمعدة فَمثل الوجع المتمدد فَإِنَّهُ يدل على ريح والثقيل فَإِنَّهُ يدل على امتلاء واللاذع فَإِنَّهُ يدل على خلط حامض أَو حريف أَو عفن أَو مرَ. وَأما الِاسْتِدْلَال من الشَّهْوَة فقد يسْتَدلّ مِنْهَا إِمَّا بزيادتها وَإِمَّا بنقصانها أَو بُطْلَانهَا وَإِمَّا بِنَوْع مَا تنحو إِلَيْهِ مثل أَنه رُبمَا كَانَ عطشاً وشوقاً إِلَى بَارِد وَرُبمَا كَانَ شوقاً إِلَى حامض وَرُبمَا كَانَ شوقاً إِلَى ناشف ومالح وحريف وَرُبمَا اجْتمع للشوق إِلَى الحريف والمالح والحامض مَعًا من جِهَة أَن هَذِه تشترك فِي إِفَادَة تقطيع الْخَلْط الضار فَيكون عليلاً على ضعف للمعدة فَإِن الْمعدة القوية تميل إِلَى الدسومات وَرُبمَا كَانَ الشوق إِلَى أَشْيَاء رَدِيئَة مُنَافِيَة للطبع كَمَا يَشْتَهِي الفحم والأشنان وَغير ذَلِك. وَالسَّبَب فِيهِ خلط فَاسد كريب غير مُنَاسِب للأخلاط المحمودة وَإِذا كَانَ حس المذاق(2/413)
صَحِيحا لم تُؤثر الشَّهْوَة طعماً على الحلو فَإِذا توحمت الشَّهْوَة وعافته فهناك آفَة فَإِن اشتهت الحسومات فهناك تقابض وتكاثف وويبس. فَإِن كره الطَّبْع الْأَطْعِمَة المسخنة وَمَال إِلَى البوارد لبردها فهناك حرارة. وَإِن اشْتهى المسخنات فهناك برودة. وَإِن اشْتهى المقطعات والحموضات والحرافات فهناك خلط لزج. والشهوة فِي الْمُعَلق الحارة للْمَاء أَكثر مِنْهَا للغذاء وَرُبمَا صَار شدَّة الْحَرَارَة للتحليل وَطلب الْبَدَل واللذع مهيجاً لجوع شَدِيد وَيكون ضربا من للجوع لَا يصبر عَلَيْهِ الْبَتَّةَ ويصحبه الغشي خُصُوصا إِذا تَأَخّر الْغذَاء والشهوة فِي الْمعدة الَّتِي تنصب إِلَيْهَا السَّوْدَاء والبلغم الحامضان إِن تكْثر إِذا كَانَ قدرهما دون الْقدر المستدعي للنقص وَإِنَّمَا تكْثر فِيهَا الشَّهْوَة وَتصير كلبية لما نذكرهُ فِي بَاب الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة وَاعْلَم أَن شَهْوَة الْغذَاء تعم الْأَعْضَاء كلهَا لَكِن تِلْكَ الْعَامَّة تكون طبيعية وكائنة من علائق استدعاء الْقُوَّة الغاذية بالجاذبة ثمَّ يخص الْمعدة شَهْوَة نفسانية لِأَنَّهَا تحس وَقد يتَّفق لبَعض النَّاس أَن يجوع كثيرا وَيَأْكُل كثيرا وَلَا تصيبه تخمة وَلَا يخرج فِي غائطه ثفل كثير وَلَا يسمن مَعَ ذَلِك بدنه. وَسبب هَذِه الْحَالة تحلل كثير سريع مَعَ صِحَة للهاضمة والجاذبة الشهوانية. وَأما الِاسْتِدْلَال من طَرِيق الْفَم فَإِن المر يدل على حرارة وصفراء والحامض يدل فِي أَكثر الْأَمر على برد فِي الْمعدة لَكِن دون الْبرد الَّذِي لَا ينهضم مَعَه الطَّعَام أصلا وَرُبمَا دلّ على حر ضَعِيف مَعَ رُطُوبَة برد ويحمض إِذا غلي عَن حرارة قَليلَة وَقد تكون حموضة من انصباب مَادَّة حامضة من الطحال إِلَى الْمعدة والكائن بِسَبَب الطحال تشتدّ مَعَه الشَّهْوَة وَيكثر النفخ والقراقر ويسوء الهضم ويجمّض وَيكثر الجشاء. والتفه من طعوم الْفَم يدل على بلغم تفه والمالح على بلغم مالح والطعوم الغريبة السمجة المستبشعة قد تدل على أخلاط غَرِيبَة عفنة رَدِيئَة. وَأما الِاسْتِدْلَال من الْقَيْء فَإِنَّهُ إِن كَانَ تهوع فَقَط فالمادة لحجة متشرّبة وَإِن كَانَ قيء سهل دلّ على أَنَّهَا مصبوبة فِي التجويف وَإِن كَانَ قيء وتهوع لَا يقْلع دلّ على اجْتِمَاع الْأَمريْنِ أَو على لحوج الْخَلْط. وَلَيْسَ الغثيان إِنَّمَا يكون من مَادَّة متشرّبة بل يكون أَيْضا من مَادَّة غير متشرّبة إِذا كَانَت كَثِيرَة تلذع فَم الْمعدة أَو كَانَت قَليلَة قويت باختلاطها لطعام وارتقت من قَعْر الْمعدة إِلَى فَم الْمعدة للذعته وَلذَلِك قد يسهل قذف الأخلاط بعد الطَّعَام وَلَا يسهل قبله إِلَّا أَن تكون كَثِيرَة. لَكِن إِذا كَانَ حُدُوث التهوّع والغثيان على دور فالمادة منصبة. وَإِن كَانَت ثَابِتَة فالمادة متولّدة فِي الْمعدة على الِاتِّصَال. والقيء أَيْضا يدلّ(2/414)
بلون مَا يخرج مِنْهُ على الْمَادَّة فَيدل على الصَّفْرَاء والسوداء باللون وعَلى البلغم الحامض والمالح باللون والطعم وعَلى البلغم الزجاجي باللون وعَلى البلغم النَّازِل من الرَّأْس باللون المخاطي وَبِمَا يَصْحَبهُ من النَّوَازِل إِلَى أَعْضَاء أُخْرَى. وَمن النَّاس من إِذا تنَاول طَعَاما أحس من نَفسه أَنه لَو تحرّك فضل حَرَكَة قذف طَعَامه وَذَلِكَ يدل على رُطُوبَة فَم الْمعدة أَو على ضعف من الْمعدة. وَالَّذِي يكون من الرُّطُوبَة فَإِنَّهُ يعرض أَيْضا على الخوى وَالَّذِي يكون من الضعْف فَإِنَّمَا يعرض على الامتلاء فَقَط. وَأما الِاسْتِدْلَال من طَرِيق لون الْبدن فَإِن اللَّوْن شَدِيد الدّلَالَة على حَال الْمعدة والكبد فِي أَكثر الْأَمر فَإِن أَكثر أمراض الْمعدة بَارِدَة رطبَة ولون أَصْحَابهَا رصاصي وَإِن كَانَت بهم صفرَة كَانَت صفرَة إِلَى الْبيَاض. وَأما الِاسْتِدْلَال من القراقر فَإِن القراقر تدل على ضعف الْمعدة وَسُوء اشتمالها على طَعَام أَو على غَائِط رطب قطعا. وَأما الِاسْتِدْلَال من الرِّيق فَإِن كثرته وزبديته تدل على رُطُوبَة الْمعدة الْمُرْسلَة للرطوبة المائية اللعابية وجفوف الفمّ وَقلة الرِّيق يدلّ على يبس الْمعدة وحرارته على الْحَرَارَة. وَإِن كَانَ هُنَاكَ عَلَامَات أُخْرَى تعين ذَلِك فِي الدّلَالَة على الْحَرَارَة. وَاعْلَم أَن يبس الْفَم يكون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا اليبس الْحَقِيقِيّ وَهُوَ أَن لَا يكون ريق وَالثَّانِي اليبس الْكَاذِب وَهُوَ أَن يكون اللعاب عذباً لزجاً لكنه جفّ بِسَبَب حرارة بخارية تتأذى إِلَيْهِ فَيجب أَن تفرّق بَين اليبس وجفوف الرِّيق اللزج على الْفَم فَإِن ذَلِك يدل على اليبس وَهَذَا على رُطُوبَة لزجة إِمَّا وَأما الِاسْتِدْلَال من الجشاء فَلِأَن الجشاء قد يكون حامضاً وَقد يكون منتناً إِمَّا دخانياً وَإِمَّا زنجارياً وَإِمَّا زهماً وَإِمَّا حمائياً وَإِمَّا عفناً وَإِمَّا سميكاً وَإِمَّا شَبِيها بطعم مَا قد تنَاوله صَاحبه وَإِمَّا ريحًا صرفة لَيْسَ فِيهَا كَيْفيَّة أُخْرَى وَهُوَ أصلح الجشاء. فَإِنَّهُ إِن كَانَ دخانياً وَلم يكن السَّبَب فِيهِ جَوْهَر طَعَام سريع الاستحالة إِلَى الدخانية مثل صفرَة الْبيض المطجّنة والفجل أَو طَعَام مستصحب فِي صَنعته واتخاذه كَيْفيَّة دخانية مثل الحلو الْمَعْمُول عَلَيْهِ بالنَّار وَغير ذَلِك فالسبب فِيهِ نارية الْمعدة بمادة أَو سوء مزاج ساذج. فَإِن كَانَ بمادة كَانَ على أحد الْوُجُوه الْمَذْكُورَة. وَكَثِيرًا مَا يكون ذَلِك من مَادَّة صفراوية تنصبّ إِلَى الْمعدة من المرارة على الْوَجْه السالف ذكره أَو من نزلة من الرَّأْس حادة وخصوصاً إِذا لم يكن الْإِنْسَان صفراوياً فِي مزاجه. ويستدلّ أَيْضا على أَن السَّبَب حرارة مادية أَو ساذجة من جِهَة سالف التغذي بالغذاء الْبعيد عَن الدخانية مثل خبز الشّعير فَإِن مثله إِذا جشا جشاء دخانياً فالسبب حرارة الْمعدة. وَكَذَلِكَ يتَأَمَّل البرَاز هَل هُوَ مراري فَإِن كَانَ مرارياً دلّ على أَن السَّبَب حرارة فِي الْمعدة وَإِن لم(2/415)
يكن البرَاز مرارياً فَلَا يُوجب أَن يكون السَّبَب فِي الْمعدة فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ سوء مزاج مُفْرد. والقيء أَيْضا أدل دَلِيل بِمَا خرج فِيهِ عَلَيْهِ وَقد يدل الجشاء الدخاني على سهر لم تَجِد مَعَه الْمعدة فراغاً كَافِيا للهضم فاشتعلت وسخنت. وَأما إِن كَانَ الجشاء حامضاً لَيْسَ عَن غذَاء حامض وَلَا عَن غذَاء إِذا أفرط فِيهِ تغير إِلَى الحموضة فَذَلِك لبرد الْمعدة وخصوصاً إِذا جرّبت الأغذية الْبَعِيدَة عَن التحمض مثل الْعَسَل فَوَجَدتهَا تحمّض فاحكم أَن السَّبَب فِي ذَلِك برد الْمعدة بِلَا مَادَّة أَو بمادة. ويصحب الَّذِي بالمادة ثقل فِي فَم الْمعدة دَائِما. وَأكْثر مَا يعرض لأَصْحَاب السَّوْدَاء ولأصحاب الطحال وَلمن ينزل إِلَى معدته نَوَازِل بَارِدَة وَقد يحمّض الجشاء عَن حرارة إِذا صادفت مَادَّة حلوة فأغلتها وحمّضتها. ويدلّ على ذَلِك أَن يكون جشاء حامض مَعَ عَلَامَات حرارة والتهاب ومرارة فَم وعطش وانتفاع بِمَا يبرّد وَمِمَّا يسْتَدلّ فِيهِ على أَن الْحَرَارَة المفرطة قد تحمّض الطَّعَام أَو الجشاء أَن الْحَرَارَة قد تحمّض اللَّبن أسْرع مِمَّا تحمّضه الْبُرُودَة. وَقد يسْتَدلّ بالقيء أَيْضا على الْمَادَّة وَإِذا كَانَ الجشاء منتناً فقد يدلّ على عفونة فِي الْمعدة دلَالَة البخر وَقد يدلّ على قُرُوح الْمعدة والسهك والسمكي. والحمائي يدل على رُطُوبَة متعفنة والزنجاري يدل على حدّة وحرارة مَعَ عفونة وَهُوَ أشدّ دلَالَة على الْحَرَارَة من الدخاني. وَأما إِن كَانَ الجشاء غير حامض وَلَا دخاني لكنه مؤدّ لطعم الطَّعَام بعد مُدَّة آتِيَة على تنَاول الطَّعَام فَهُوَ يدلّ على ضعف الْمعدة عَن إِحَالَة الطَّعَام. وَأما الِاسْتِدْلَال مِمَّا يُوَافق أَو يُنَافِي أَو يُؤْذِي فَهُوَ أَن تنظر هَل الْأَشْيَاء المبرّدة توافقه والأشياء المجففة توافقه أَو المرطّبة بعد أَن يُرَاعِي شَيْئا وَاحِدًا. وَكَثِيرًا مَا يَقع الْغَلَط بِسَبَب إغفاله إِذا لم يراع وَهُوَ أَن الْأَشْيَاء المبرّدة كثيرا مَا تكسر غليان الْخَلْط الرَّقِيق المائي الرطب أَو ملوحة الْخَلْط البلغمي فيظن أَنه قد وَقع بِهِ الِانْتِفَاع وَإِن كَانَ هُنَاكَ حرارة. وَالشَّيْء المسخّن كثيرا مَا يدْفع الْخَلْط الْحَار ويحلّله فيظن أَنه قد وَقع بِهِ الِانْتِفَاع وَإِن كَانَ هُنَاكَ برودة بل يجب أَن ينظر مَعَ هذَيْن إِلَى سَائِر الدَّلَائِل. وَأما الِاسْتِدْلَال مِمَّا يُوجد عَلَيْهِ حسّ الْمعدة أَنَّهَا إِن لم تحسّ بلذع بل بثقل فالمادة بلغمية زجاجية وَإِن أحست باللذع والالتهاب فالمادة مرّة أَو مالحة. أَو بلذع بِغَيْر التهاب فالمادة حامضة. وَإِن كَانَ هُنَاكَ لذع من خفّة فالمادة لَطِيفَة أَو قَليلَة وَإِن كَانَ مَعَ ثقل فَهِيَ غَلِيظَة أَو كَثِيرَة. وَأما الِاسْتِدْلَال بأحوال المشاركات فَأن ينظر مثلا هَل الدِّمَاغ منفعل عَن أَسبَاب النَّوَازِل باعث إِلَى الْمعدة النَّوَازِل أوِ هَل الكبد مولدة للصفراء باعثة إِيَّاهَا أَو هَل الطحال عَاجز عَن نفض السَّوْدَاء فَهُوَ وارم كثير السَّوْدَاء وَهَذَا يعرف السَّبَب وَينظر هَل بتخيّل أَمَام الْعين شَيْء غير مُعْتَاد وَغير ثَابت وَهل يحدث(2/416)
صداع أَو وسواس مَعَ الامتلاء ويقلّ مَعَ الخوا وَكَذَلِكَ الدوار خَاصَّة وَهل يحدث خفقان على الامتلاء أَو على الخواء أَو غشي وتشنج. وَهَذَا يعرف الْغَرَض فَإِن كَانَ الامتلاء يحدث خيالات أَو صداعاً أَو وسواساً ومنامات مُخْتَلفَة أَو خفقاناً أَو سباتاً عَظِيما فالمعدة ممتلة وَبهَا سوء مزاج وَإِن كَانَ الخفقان والصداع والغشي والوسواس يحدث فِي حَال الخواء فَإِنَّمَا هُوَ دَاء يقبل مرَارًا أَو خلطاً لذاعاً يصير إِلَى فمها عِنْد الْخَلَاء أَو خلطاً سوداوياً أَو خلطاً بَارِدًا. وَأَنت تعرف الْفضل فِي ذَلِك من سَائِر مَا أعطيناكه من العلامات. وَمَا كَانَ من هَذِه الْأَسْبَاب فِي أَسْفَل الْمعدة فَإِنَّهُ لَا يعظم مَا يتولّد فِيهِ من الصداع والصرع والغشي والتشنّج. والأعراض الدَّالَّة على أحوالها بالمشاركة مِنْهَا دماغية مثل اخْتِلَاط الذِّهْن والسبات والجمود والوسواس. وَمِنْهَا قلبية كالغشي والخفقان وَسُوء النبض. وَمِنْهَا مُشْتَركَة مثل بطلَان النَّفس وعسره وسوئه.(2/417)
دَلَائِل الأمزجة فصل فِي عَلَامَات سوء المزاج الْحَار إِنَّه يدلُّ عَلَيْهِ عَطش - إِلَّا أَن يفرط فَيسْقط الْقُوَّة - وجشاء دخاني وسهوكة الرِّيق وانتفاع بِمَا يبرّد على شَرط تقدم فِي الِاسْتِدْلَال واحتراق الأغذية اللطيفة الَّتِي كَانَ مثلهَا لَا يَحْتَرِق فِي الْحَالة الطبيعية ومحترق الغليظة ينهضم فَوق مَا كَانَ ينهضم إِلَّا أَن يفرط فتضعف الْقُوَّة وَكَثْرَة الْعَطش وَقلة الشَّهْوَة للطعام فِي أَكثر الْأَمر وخصوصاً إِذا كَانَ سوء المزاج مَعَ مَادَّة صفراوية فَإِنَّهَا تسْقط الشَّهْوَة الْبَتَّةَ لَكِن الهضم يكون قَوِيا إِلَّا أَن يفرط سوء المزاج إِلَى أَن يضعف القوى. وَرُبمَا صحب هَذَا المزاج حمى دقّية وَرُبمَا كَانَ هَذَا المزاج لإفراطه قبل أَن تسْقط الشَّهْوَة مهيجاً لجوع شَدِيد بِمَا يحلل وَبِمَا يحدث بلذعه وتحريكه الْموَاد إِلَى التَّحَلُّل كالمص. وَقد يكون هَذَا الْجُوع غشيياً إِذا تَأَخّر مَعَه الْغذَاء أوقع فِي الغشي فَإِذا طَالَتْ مدّته طولا يَسِيرا بطلت الشَّهْوَة أصلا. وَقد يكثر أَيْضا سيلان اللعاب على الْجُوع ويسكن على الشِّبَع للحرارة المحللة المصعّدة. وَإِن وجدت الرُّطُوبَة كَانَ ذَلِك أَكثر. وَهَذَا قد تسكنه الأغذية الغليظة. ثمَّ اعْلَم أَن من كَانَت معدته نارية كَانَ دَمه قَلِيلا رديئاً منتناً حريفاً تكرههُ الْأَعْضَاء الْمُخَالفَة لَهُ فِي المزاج الْأَصْلِيّ فَلَا تغتذي بِهِ فَيكون قَلِيل اللَّحْم وَتَكون عروقه دارة لِأَن مخزون فِيهَا لَا تستعمله الطبيعة والفصد يخرج مِنْهُ دَمًا رديئاً. فِي عَلَامَات سوء المزاج الْبَارِد: يدل على برودة الْمعدة بطء تغيّر الطَّعَام أصلا وَلم ينضج. وَقد يدل عَلَيْهِ كَثْرَة الشَّهْوَة وَقلة الْعَطش والجشاء الحامض من غير سَبَب فِي الطَّعَام على مَا ذَكرْنَاهُ. وَهَذَا يدل على سوء مزاجها الْبَارِد. وَمن الدّلَالَة على ذَلِك أَن لَا يكون استمراء إِلَّا لما خص من الأغذية دون الأغذية الغليظة الَّتِي كَانَت تنهضم من قبل وَرُبمَا بلغ سوء المزاج للمعدة الْبَارِدَة أَن يعرض من الطَّعَام الْمَأْكُول بعد سَاعَات كَثِيرَة تمدد ووجع عَظِيم لَا يسكن إِلَّا بِقَذْف رُطُوبَة خلية كل يَوْم وَرُبمَا أدّى إِلَى الاسْتِسْقَاء والذرب. وبارد مزاج الْمعدة يظْهر على لَونه صفرَة وَبَيَاض لَا يخفى على المجرب وَهُوَ الَّذِي النانخواه من أَجود علاجاته. وَقد يُشَارِكهُ الدِّمَاغ فِي آفَات هَذَا المزاج فَيكون صداع(2/418)
ريحي وطنين وَنَحْو ذَلِك. فَإِذا اتّفق سوء مزاج بَارِد مَعَ سوء مزاج أُصَلِّي حَار كثرت القراقر والنفخ والجفاف والعطش ويزداد فَسَادًا كلما احْتَاجَ إِلَى فصد لَا بدّ مِنْهُ ويؤول إِلَى الدق. ودواؤه تَقْدِيم قَلِيل شراب قدر مَا تبل بِهِ اللهاة على الطَّعَام وَأَن يكون غذاؤه النواشف والأحمر من اللَّحْم دون الثرائد. عَلَامَات سوء المزاج الْيَابِس: يدل عَلَيْهِ الْعَطش الْكثير وجفوف اللِّسَان المفرط على الشَّرْط الْمَذْكُور فِي بَاب الاستدلالات وهزال الْبدن وذبوله فَوق الْكَائِن بالطبع وَالِانْتِفَاع بالأغذية الرّطبَة والأهوية الرّطبَة. عَلَامَات سوء المزاج الرطب: يدل على ذَلِك قلَّة الْعَطش والنفور من الأغذية الرّطبَة والتأذي بهَا وَالِانْتِفَاع بتقليل الْغذَاء وباليابس مِنْهُ. ويدلّ عَلَيْهِ كَثْرَة اللعاب والريق فَإِن كَانَ على الْجُوع دلّ على حرارة مَعَ الرُّطُوبَة فِي الْأَكْثَر. وَقد يكون من الْحَرَارَة وَحدهَا وَكَثِيرًا مَا يكون على فَم الْمعدة من الْإِنْسَان رُطُوبَة بالة وَيكون صَاحبه كلما أكل شَيْئا توهم أَنه لَو تحرّك لقذف وَقد يكون هَذَا أَيْضا من ضعف الْمعدة وَلَكِن تصحبه الدَّلَائِل الضعيفة الْمَذْكُورَة وَيكون هَذَا على الخوا أَيْضا وَإِن لم يَأْكُل وَذَلِكَ يكون عِنْد الْأكل فَقَط. عَلَامَات مواد الأمزجة وَمَا مَعهَا: المزاج الَّذِي مَعَ الْمَادَّة يدل عَلَيْهِ الْقَيْء والجشاء وَالْبرَاز خَاصَّة بلونه وَبِمَا يخالطه ويخالط الْبَوْل إِلَّا أَن تكون لحجة مُجَاوزَة للحد وَالرَّقِيق الْحَار والصديدي يدل عَلَيْهِ مَعَ خفَّة الْمعدة غثي وعطش ولذع والتهاب فَإِذا تنَاول الطَّعَام الغليظ يغثي بِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ إِن كَانَ كثيرا كَانَ مَعَه غثي دَائِم وَإِن كَانَ قَلِيلا غثي عِنْد الطَّعَام وَكَذَلِكَ إِن كَانَ غير متشرب وَلكنه منحصر فِي قَعْر الْمعدة وَلَا يغثي فَإِذا اخْتَلَط بِالطَّعَامِ فَشَا فِي الْمعدة وانتشر وَبلغ إِلَى فمها وغثى. وَقد يدل على المصبوب فِي فضاء الْمعدة الَّذِي لم يتشرب أَنه إِذا تنَاول صَاحبه شَيْئا جلاء كَمَاء الْعَسَل أَو السكر أخرجه للحس. والمتشرّب لَا يعرف من جِهَة مَا يبرز بالقيء أَو البرَاز بل من سَائِر الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة. وَأَصله الغثيان فَإِنَّهُ يدل على الْمَادَّة فَإِن كَانَ تهوع فَقَط فهناك لصوق وتشرب من الْمَادَّة. وَيدل على جنس الْمَادَّة الْعَطش. والعطش يدل إِمَّا على حرارته أَو ملوحته وبورقيته فَإِن سكَن بِالْمَاءِ الْحَار فَهُوَ بلغم مالح وَإِن لم يسكن فالمادة صفراوية. ويتعرف أَيْضا بطعم الْفَم وَبِمَا ينقذف فَإِن اجْتمع الغثي والعطش دلّ على ذَلِك وَإِن لم يكن عَطش دلّ على أَن الْمَادَّة بَارِدَة. وَمن دَلَائِل اجْتِمَاع مَادَّة بلغمية كَثِيرَة لزجة أَن تسْقط الشَّهْوَة وَلَا ينشرح الصَّدْر للطعام الْكثير الْغذَاء بل يمِيل إِلَى مَا فِيهِ حِدة وحرافة وَإِذا تنَاول ذَلِك ظهر نفخ وتمدد وغثيان(2/419)
وَلَا يستريح إِلَّا بالجثاء وَمن الدَّلِيل على اجْتِمَاع مَادَّة رَدِيئَة فِي الْمعدة وَمَا يَليهَا اخْتِلَاج المراق وَرُبمَا أدّى إِلَى الصرع والمالنخوليا. وَمن دَلَائِل أَن الْمَادَّة المنصبة سوداوية الشَّهْوَة الْكثير مَعَ ضعف الهضم وَمَعَ كَثْرَة النفخ وَمَعَ وسواس ووحشة. وَمن الدَّلِيل على أَن الْمَادَّة نزلة إسهال بأدوار مَعَ كَثْرَة نَوَازِل من الرَّأْس إِلَى الْمعدة وَإِلَى غير الْمعدة أَيْضا وَمَا يخرج فِي الْفَيْء وَالْبرَاز من الْخَلْط المخاطي. وَمن الدَّلَائِل على أَن الْمَادَّة رطبَة تؤذي بغليانها عَطش مَعَ فقدان مرَارَة أَو ملوحة فِي الْفَم وإحساس شَيْء كَأَنَّهُ يصعد أَو ينزل مَعَ رُطُوبَة مفرطة فِي الْفَم وَرَأس الْمعدة والتهاب. فصل فِي دَلَائِل آفَات الْمعدة غير المزاجية أما دَلَائِل عظم الْمعدة فَأن تكون الْمعدة تحْتَمل طَعَاما كثيرا وَإِذا امْتَلَأت حسن حينئذٍ تلازم الأحشاء واشتداد بَعْضهَا بِبَعْض فَإِذا خلت تقنصت وَتركت الأحشاء كَأَنَّهَا معلقَة وَأما دَلَائِل الصغر فَأن لَا تحْتَمل طَعَاما كثيرا وتمتلئ قبل الشِّبَع. وَدَلَائِل السدد الْوَاقِعَة بَين الكبد والمعدة وطوبة البرَاز وكثرته والعطش وَقلة الدَّم وَتغَير اللَّوْن إِلَى الاستسقائية وَابْتِدَاء سوء الْحَال الَّتِي رُبمَا كَانَ أعرف أسمائها سوء المزاج أَو سوء الْقنية. وَدَلَائِل السدد الْوَاقِعَة بَين الْمعدة وَالطحَال قلَّة الشَّهْوَة مَعَ عظم الطحال. وَأما دَلَائِل السدد الْوَاقِعَة بَين الْمعدة والأمعاء فَهِيَ أَعْرَاض إيلاوس أَو القولنج. وَأما دَلَائِل السدد الْوَاقِعَة بَين الْمعدة والدماغ فَهِيَ قلَّة الشَّهْوَة مَعَ صَلَاح المزاج وَبَقَاء الهضم بِحَالهِ إِن لم يكن عائق آخر وَقلة الإحساس بالمبلوعات اللذاعة الحريفة جدا وَأَن لَا يَقع فوَاق بعد شرب الفلافلي وشراب الشَّرَاب عَلَيْهِ على الرِّيق. وَأما دَلَائِل الرِّيَاح فالتمدّد فِي الْمعدة والجنبين وَتَحْت الشراسيف وطفو الطَّعَام وَكَثْرَة الرِّيَاح النَّازِلَة والجشائية. وَاعْلَم أَنه إِذا وجد الجاس مَا بَين الْمعدة والكبد صلابة مَعَ نحافة فَذَلِك دَلِيل ينذر بانحلال الطبيعة. فصل فِي المعالجات بِوَجْه كلي إِن الْمعدة تعالج بالمروخات وبالأضمدة والنطولات من مياه طبخ فِيهَا الْأَدْوِيَة وبالأطلية وبالمروخات من الأدهان. والمراهم المتخذة بشموع طبخت فِي مياه طبخ فِيهَا الْأَدْوِيَة والأطلية والأضمدة خير من النطولات فَإِن النطولات ضَعِيفَة التَّأْثِير. وَاعْلَم أَن علاج مَا يعرض لَهَا من سوء المزاج فِي الكيفيتين(2/420)
الفاعلتين أسهل بِسَبَب سهولة وصولنا إِلَى أدوية مضادة لَهما شَدِيدَة الْقُوَّة. وَأما علاج مَا يعرض لَهَا من سوء المزاج فِي الكيفيتين المنفعلتين فَهُوَ أصعب وخصوصاً المزاج الْبَارِد فَإِن مُقَابلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا تكون بِقُوَّة ضَعِيفَة التَّأْثِير وَمُدَّة تسخين الْبَارِد كمدة تسخين الْحَار والخطر فِي التبريد أعظم لَا سِيمَا إِذا كَانَ بعض الْأَعْضَاء الْمُجَاورَة للمعدة بهَا سوء مزاج بَارِد أَو ضعف. والخطر فِي الترطيب والتجفيف متشابه إِلَّا أَن مُدَّة الترطيب أطول. وَاعْلَم أَن أمراض الْمعدة إِذا كَانَت من مَادَّة ثمَّ أشكلت الْمَادَّة فَلَا أَنْفَع لَهَا من الأيارج فَإِنَّهَا أعون الْأَدْوِيَة على مصَالح الْمعدة وَتَمام أفعالها الْخَاصَّة. وَيجب أَن لَا يعول عَلَيْهِ إِذا كَانَ سوء مزاج بِلَا مَادَّة فَإِنَّهُ يضر الْحَار واليابس وَيُوجد فِي الْبَارِدَة مَا هُوَ أقوى مِنْهُ. وَإِذا استفرغت الْمعدة من خلط ينصب إِلَيْهَا من غَيرهَا فقوّها بعد ذَلِك كي لَا تقبل ذَلِك الْخَلْط. وَشد الْأَطْرَاف وتسخينها يعين على حبس مَا ينصبّ إِلَيْهَا عَنْهَا. وشراب الخشخاش شَدِيد الْمَنْع لانصباب الْموَاد الحارة فَإِن كَانَ الْخَلْط بَارِدًا فالمقويات الَّتِي تحْتَاج إِلَيْهَا بعده هِيَ مثل المصطكي وأقراص الْورْد الصَّغِير والنعناع الْيَابِس وَالْعود النيء والقرنفل وَمَا أشبه ذَلِك وَإِن كَانَ الْخَلْط حاراً فبالربوب وبالأقراص الْبَارِدَة المتخذة من الْورْد والطباشير وَمَا وَمن وجد صلابة ونحافة فِيمَا بَين الْمعدة والكبد على مَا ذكرنَا فليجعل غذاءه ودواءه مَاء الشّعير وليتدرّج فِي شربه يَوْمًا فيوماً من عشرَة إِلَى عشْرين إِلَى مائَة طول نَهَاره إِلَى أَن يقوى على شربه دفْعَة أَو دفعتين وَلَا تقربنّ دَوَاء ومستفرغاً وَلَا فصداً. قرص مَوْصُوف لذَلِك ونسخته: يُؤْخَذ مصطكي وأقراص الْورْد كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم كهرباء ونعناع يَابِس ومرماحوز وعود خام من كل وَاحِد وزن دِرْهَمَيْنِ يسقى بشراب عَتيق أَو بالميبة وَيجب أَن تسْتَعْمل فِي تنقية الْمعدة وَمَا اجْتمع فِي فضائها أَو لحج أَو تشرب أدوية لَا تجَاوز الْمعدة والجداول الْقَرِيبَة إِلَى الْمعدة دون الْعُرُوق الْبَعِيدَة عَنْهَا. فَإِن لم ينجع دفْعَة وَاحِدَة كررت فَذَلِك أفضل من أَن تستفرغ من حَيْثُ لَا حَاجَة إِلَى الاستفراغ وَيجب أَن تراعي أَمر البرَاز وَالْبَوْل فِي أمراض الْمعدة فَإِن رأيتهما قد أَقبلَا وصلحا فقد أَقبلت الْمعدة إِلَى الصّلاح وَيجب أَن لَا يُورد فِي معالجات الْمعدة وَلَو لحرارتها شَيْء شَدِيد الْبرد كَالْمَاءِ الشَّديد الْبرد وخصوصاً فِيمَن لم يعتدّ وَلَا يخلي الْأَدْوِيَة المحللة لما فِيهَا من الفضول عَن القابضة الحافظة للقوة. فصل فِي معالجات المزاج الْبَارِد الرطب فِي الْمعدة أما إِذا كَانَ هُنَاكَ مَادَّة فليستفرغ على مَا عرف فِي القانون فَإِن لم يكن كَثْرَة مَادَّة(2/421)
فلأصحاب التجارب فِيهِ طَريقَة مَشْهُورَة إِمَّا فِي التغذية إِذا لم تكن مَادَّة فَأن تغذوه بِمَا فِيهِ قبض ومرارة وَمن الْأَدْوِيَة المشروبة: الْأَدْوِيَة الأفسنتينية وشراب الأفسنتين والأفسنتين والأدوية المتخذة بالسفرجل. وَإِمَّا من الأضمدة والأطلية والمروخات: فالأضمدة الَّتِي تقع فِيهَا الْأَدْوِيَة القابضة الطّيبَة مثل الْأَدْوِيَة الَّتِي يَقع فِيهَا مثل الحماما وقصب الذريرة والسنبل والساذج واللاذن والمقل وأصل السوسن والبلسان ودهنه وحبه والميعة. وَأما المروخات فالقيروطيات المتخذة من دهن المصطكي وَالزَّيْت ودهن الناردين ودهن السفرجل فَإِن لم ينجع هَذَا الْمبلغ استعملوا الأضمدة المحللة ودواء ثافسيا. وَمن الأضمدة القوية: أَن يُؤْخَذ من الزَّعْفَرَان والسنبل السوري والمصطكي ودهن البلسان من كل وَاحِد جُزْء وَمن الْعَسَل ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن المر المجلوب من مَدِينَة أطروغيلون ثَلَاثَة أَجزَاء صمغ البطم جُزْء وَنصف أوفريبون جُزْء ويتخذ مِنْهُ ضمّاد وَإِن شرب مِنْهُ قَلِيل جَازَ. وَأَيْضًا: ميعة أَرْبَعَة شمع ثَلَاثَة مخّ الأيل جزءان صمغ البطم جُزْء دهن البلسان جُزْء وَنصف دهن الناردين جزءان. وَأَيْضًا: ميعة ثَلَاثَة مخ الْإِبِل ثَلَاثَة صَبر أَحْمَر ثَلَاثَة مصطكي جزءان. وَأَيْضًا: ميعة دهن الناردين ثَمَانِيَة ثَمَانِيَة دهن البلسان ثَلَاثَة شمع خَمْسَة يتَّخذ مِنْهُ قيروطي. وَأما أَصْحَاب الْقيَاس فيأمُرون أَولا برياضة معتدلة وَاسْتِعْمَال غذَاء حسن الكيموس سهل الانهضام معتدل الْمِقْدَار إِلَى الْقلَّة مَا هُوَ بِمِقْدَار مَا يهضمه ثمَّ يتدرجون فِي ذَلِك وَفِي اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة وَمَا يجْرِي مجْراهَا من الجوارشنات العطرة الحارة أَو باعتدال أَو فَوق الِاعْتِدَال بِحَسب مُقْتَضى مُقَابلَة الْعلَّة حَتَّى يعدل المزاج. وَمن هَذِه الجوارشنات الفلافلي والكموني وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه نَافِع جدا ونسخته: أَن يُؤْخَذ من حب العرعر وصمغ البطم والفلفل من كل وَاحِد جُزْء وَمن المرّ المجلوب من مَدِينَة أطروغيلون وَأَنا أَظن أَنه يجب أَن يكون ميعة وناردين من كل وَاحِد جزءان فطراساليون أَي الكرفس الْجبلي والكاشم من كل وَاحِد نصف جُزْء يعجن بِمِقْدَار الْكِفَايَة عسلاً. وَإِذا كَانَ الْبرد أَشد من ذَلِك فيسقى أمروسيا وشجرينا. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة لجَمِيع الْأَمْرَاض المادية الغليظة والرطبية شراب العنصل وَصفته: يُؤْخَذ من العنصل الْمُصَفّى المقطع ثَلَاثَة أُمَنَاء يطْرَح فِي إِنَاء من زجاج ويغطي رَأس الْإِنَاء وَيتْرك سِتَّة أشهر. فصل فِي معالجات سوء المزاج الْحَار ينفع من التهاب الْمعدة سقِِي اللَّبن الحامض والخل والكزبرة والرائب رائب الْبَقر ولب الْخِيَار. والسمك الطري خَاصَّة مسكن لالتهاب الْمعدة(2/422)
وَالْمَاء الْبَارِد والفواكه الْبَارِدَة والهندبا والقثاء والخوخ الَّذِي لَيْسَ بشديد المائية فيستحيل إِلَى الصَّفْرَاء والخسّ والأرز والعدس والكزبرة الرّطبَة بالخل والقرع وَمَا أشبه ذَلِك مخلوطة بالكافور والصندل والورد إِن احْتِيجَ إِلَى ذَلِك. ويسقون أَيْضا أَقْرَاص الطباشير وخصوصاً إِذا كَانَ هُنَاكَ اخْتِلَاف مراري ويغذون بالبيض السليق فِي الخلّ والعدس وبالرمانية والسماقية والحصرمية. وَاللَّحم الَّذِي يرخّص لَهُم فِيهِ هُوَ لحم الطيهوج والدراج والفراريج. فَإِن لم تبلغ حَرَارَتهَا إنهاك الْقُوَّة فأغذهم بالباردة الغليظة مثل قريص السّمك الطري وقريص الْبُطُون وكل مَا فِيهِ قبض أَيْضا. وَرب الخشخاش وَشَرَابه نَافِع من ذَلِك جدا. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ التضميد بالمبردات وَرُبمَا ضمدت معدتهم بمثانة منفخة منفشة قد ملئت مَاء بَارِدًا وَإِذا ضمدت الْمعدة بالأضمدة المبردة فتوق أَن تبرّد الْحجاب بهَا أَو الكبد تبريداً يضرّ بأفعالها فَإِنَّهُ كثيرا مَا عرض من ذَلِك آفَة فِي النَّفس وَبرد فِي الكبد. فَإِن حدست شَيْئا من هَذَا فَتَدَاركهُ بدهن مسخن يصب على الْموضع ويكمد بِهِ وَاجعَل بدل الأضمدة مشروبات. فصل فِي معالجات سوء المزاج الْبَارِد فِي الْمعدة إِن كَانَ هَذَا المزاج خَفِيفا اقْتصر فِي علاجه على أَقْرَاص الْورْد الَّتِي نقع فِيهَا الأفسنتين والدارصيني بطبيخ الكمّون والنانخواه المطبوخين فِي إِنَاء زجاج نظيف والنانخواه لَهُ مَنْفَعَة عَظِيمَة فِي ذَلِك وَإِن كَانَ أقوى من ذَلِك فَلَا بدّ من اسْتِعْمَال المعاجين القوية الحارة والبزور الحارة والفلافلي والترياق والمثروديطوس بِالشرابِ والشجربنا بميبة والكموني والأميروسيا والفنداريقون ودواء الْمسك ومعجون الاصطمحيقون. والكندري ينفع فِي ذَلِك حَيْثُ تكون الطبيعة لينَة. وَيجب أَن يسقى أَمْثَال هَذِه فِي سلاقة السنبل والمصطكي والأذخر وَمَا أشبه ذَلِك. والزنجبيل المربى نَافِع لَهُم. وَأَيْضًا أَقْرَاص الْورْد مَعَ مثله عود وَأَيْضًا الفلافلي بِالشرابِ فَإِنَّهُ شَدِيد الإسخان للمعدة ويستدلّ على غَايَة تَأْثِيره بالفواق. وَيجب أَن يسْتَعْمل الحلتيت والفلفل فِي الأغذية فَإِنَّهُمَا كثيرا النَّفْع من ذَلِك. وَالنَّوْم أَيْضا من أَنْفَع الْأَشْيَاء لَهُم. وَمن الأدهان النافعة فِي تمريخ الْمعدة دهن البالونج ودهن الْحِنَّاء ودهن السوسن ودهن المصطكي جعل فِيهِ شَحم الدَّجَاج. وَإِن احْتِيجَ إِلَى فضل قُوَّة جعل فِيهِ أشق ومقل. وَإِن احْتِيجَ إِلَى أقوى من ذَلِك فدهن الْقسْط ودهن البان والزئبق. وَمن سَائِر المسوخات مثل شراب السوسن مَعَ الْعود والمسك والعنبر وَمن البزور الحلبة وبزر الكرفس والخطمي. وَرُبمَا نفع وضع المحاجم على الْمعدة فِي الأوجاع الْبَارِدَة مَنْفَعَة شَدِيدَة. وَاعْلَم أَن تسخين الْأَطْرَاف يُؤَدِّي إِلَى تسخين الْمعدة عَن قريب وَأَنت تعلم ذَلِك. فصل فِي علاج سوء المزاج الرطب للمعدة يعالج بالناشفات والمقطعات وَمَا فِيهِ مرَارَة وحرافة بعد أَن تخلط بهَا أَشْيَاء(2/423)
عفصة. وَيجب أَن يستعملوا شرابًا قَوِيا قَلِيلا وَتَكون الأغذية من الناشفات والمطجّنات المشوية وليقلّ شراب المَاء. وأقراص الْورْد المتخذة بالورد الطري نافعة للمزاج الرطب فِي الْمعدة. وَمِمَّا يزِيل رُطُوبَة الْمعدة أَن يغلي دِرْهَم أنيسون وَدِرْهَم بزر رازيانج فِي مَاء ويصفّى على خَمْسَة دَرَاهِم جلنجبين ويمرس. فصل فِي علاج سوء المزاج الْيَابِس للمعدة هَؤُلَاءِ يقرب علاجهم من علاج الدقّ فَإِن هَذِه الْعلَّة دقّ مَا للمعدة فَإِذا استحكم لم يقبل العلاج أصلا وَلَيْسَ يُمكن أَن يتعرّض لترطيبها وَحدهَا ويخلى عَن الْبدن بل ترطيبها لَا يَقع إِلَّا بشركة من الْبدن. فَمن ترطيب هَؤُلَاءِ تحميهم وإقعادهم فِي الابزن وتكريرهم للحمّام بِحَسب مبلغ اليبوسة فَرُبمَا أحْوج إفراط اليبس بهم إِلَى أَن لَا يرخّص لَهُم فِي الْمَشْي إِلَى الحمّام وَعنهُ بل أَن يَنْتَقِلُوا إِلَيْهِ وَمِنْه على محفّة لِئَلَّا تحللهم الْحَرَكَة وَلَا ترشح مَا يستقونه فِي الأبزن وَلِأَن الحمّام مرخّ للقوة فَيجب أَن لَا يقارنه مَا يحللها فيتضاعف ذَلِك وَيجب أَن يكون تحميمهم إيقاعاً إيَّاهُم فِي الأبزن وَلَا حَاجَة بهم إِلَى هَوَاء الحمّام وَيجب أَن يكون مَاء الأبزن معتدلاً بَين المقشعر مِنْهُ وَبَين اللاذع. وَبِالْجُمْلَةِ بِحَيْثُ لَا ينفعل عَنهُ بل يتلذّذ بِهِ فيرطّب ويوسّع المسام. وَيجب أَن يكون مُدَّة استحمامه مَا دَامَ ينتفخ ويربو بدنه قبل أَن يَأْخُذ فِي الضمور وَيجب كلما يخرج من الحمّام أَن يراح قَلِيلا ثمَّ يسقى من الألبان اللطيفة أما لبن النِّسَاء أَو لبن الأتن أَو لبن الْبَقر. وأجوده أَن يكون امتصاصاً من الثدي أَو استلاباً للحليب سَاعَة يحلب وشرباً لَهُ قبل أَن ينفعل عَن الْهَوَاء أصلا وَأَن يكون المشروب لبنه قد غذي مِقْدَار مَا يهضمه وريض قبله رياضة باعتدال وَأَن لَا يرضع غَيره. فَإِن كَانَ حَيَوَانا غير الْإِنْسَان عرف جودة هضمه من رداءته بنتن برازه أَو عَدمه واعتداله ورطوبته وجفافه أَو إفراطه فِي أَحدهمَا وباستوائه أَو بنفخه لريحية فِيهِ وَأَن يحسّ ويمرغ رياضة لَهُ. ثمَّ ينْتَظر الْمَرِيض هضم مَا شربه من لبن أَو مَاء شعير وَيعلم ذَلِك من جشائه وخفّة أحشائه ثمَّ يُعَاد بعد الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة من السَّاعَات ثمَّ يحمّم ثمَّ تمرخ أعضاؤه بالدهن لحقن المائية الممتصّة فِيهَا. فَإِن كَانَ مُعْتَادا للحمّام حمّمته مرّة ثَالِثَة. وَإِن كَانَ الأصوب الِاقْتِصَار على مرَّتَيْنِ زِدْت فِي السَّاعَات المتخلّلة بَين التحميمتين على مَا ذكر وأرحه إراحة تَامَّة. وَإِن مَال إِلَى اللين سقيته مَاء الشّعير الْمُحكم الصَّنْعَة وَهُوَ الَّذِي كثر مَاؤُهُ ثمَّ طبخ طبخاً كثيرا حَتَّى قلّ مَاؤُهُ وأطعمه من خبز التَّنور الْمُتَّخذ بالخمير وَالْملح الْمُحكم الإنضاج وَمن السّمك الرضراضي وَأَجْنِحَة الطُّيُور الْخَفِيفَة اللحوم لرخصتها رخصى الديوك المسمّنة بِاللَّبنِ وجنبه اللزج والصلب والغليظة. وَإِن كَانَ كثير الْغذَاء فاختر مَا كَانَ مَعَ كَثْرَة غذائه سريع الانهضام لطيف الكيموس رطبه والمبلغ مِنْهُ مِقْدَار مَا لَا يثقل وَلَا يمدّد كثيرا. وَأما الْقَلِيل فَلَا بُد مِنْهُ فِي مثله وَلَا بدّ من سقيه الشَّرَاب الرَّقِيق المائل إِلَى الْقَبْض الْقَلِيل الِاحْتِمَال(2/424)
للمزاج لمائيته فَإِنَّهُ ينفذ الْغذَاء وينعش الْقُوَّة ويغني عَن شرب المَاء الْبَارِد الناكي بِبرْدِهِ وَليكن مبلغه أَن لَا يطفو على الْمعدة وَلَا يقرقر وَليكن تغذيته الثَّانِيَة وَقد انهضم الأول تَمام الهضم وَفرق غذاءهم مَا أمكن وَليكن الطَّعَام خَفِيفا لِئَلَّا يلْحق طَعَام طَعَاما مُتَقَدما غير منهضم وَليكن هَذَا تدبيرهم أَيَّامًا فَإِذا انتعشوا يَسِيرا زيد فِي الرياضة والدلك والغذاء فَإِذا قاربوا الصِّحَّة قطعت كشك الشّعير وَاللَّبن وَاجعَل بدل الشّعير يَوْمَيْنِ أَو يَوْمًا حسواً متخذاً من الخندروس وزدهم غذَاء منمياً للقوة وابدأ بالأكارع والأطراف وَلُحُوم الطير الرُّخْصَة. فصل فِي علاج سوء المزاج الْبَارِد الْيَابِس فَإِن كَانَ المزاج بَارِدًا يَابسا فدبّر الْبرد كَمَا تدبّر اليبس. وَلما كَانَ تَدْبيره لَيْسَ إِلَّا بالمسخّنات اجْتنب فِيهَا مَا يزِيد فِي اليبس بتحليله أَو لقبض قوي فِيهِ. والتكميدات كلهَا تضرّه وَلَا تَنْفَعهُ. وَيجب أَن يجْتَنب الإسخان الْقوي السَّرِيع فَإِن ذَلِك يجفف وَيزِيد فِي اليبوسة بل يجب أَن يسخّن قَلِيلا قَلِيلا ويرطب فِيمَا بَين ذَلِك وَيزِيد فِي جَوْهَر الْحَار الغريزي لَا فِي النارية وَمِمَّا يَفْعَله الشَّرَاب الْقَلِيل المزاج واللين أَو مَاء الشّعير الممزوج بِقَلِيل عسل منزوع الرغوة ليكْثر غذاؤه ويقل فضوله فَهُوَ جيد لَهُم وتمريخ الْمعدة بالأدهان العطرة الَّتِي ترطّب مَعَ مَا يسخن مثل دهن السنبل والناردين ودهن المصطكي جيد. وَرُبمَا خلط بهَا دهن البلسان وَرُبمَا اقْتصر على دهن البلسان فَإِنَّهُ نَافِع. والأجود أَن يخلط بهَا قَلِيل شمع ليَكُون ألبث على الْمعدة. وَمِمَّا ينفع مَنْفَعَة قَوِيَّة بِأَن تسحق المصطكي وتخلط بدهن الناردين وتوضع على الْمعدة ويختار من المصطكي أدسمه وَإِن اشْتَدَّ الْبرد لم يكن بُد من طلي الْمعدة بِمثل الزفت يلصق كل يَوْم ينْزع قبل أَن يبرد وَرُبمَا اسْتعْمل ذَلِك فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يجذب إِلَى الْمعدة دَمًا غاذياً وَيجب أَن تتعرف صُورَة اسْتِعْمَال الزفت مِمَّا قيل فِي بَاب الزفت. وَمِمَّا ينفع مَنْفَعَة عَظِيمَة شَدِيدَة إعتناق صبي لحيم صَحِيح المزاج فَإِنَّهُ يُفِيد الْمعدة حرارة غريزية ويهضم الطَّعَام هضماً شَدِيدا. وَإِن لم يكن صبي فجرو كلب سمين أَو هر ذكر سمين أَو مَا يجْرِي مجْرَاه وَيجب أَن لَا يعرف الصَّبِي المعتنق فتبرد الْعُرُوق ويبرد وَقد يُمكن أَن يطلي بَطْنه بِمَا يمْنَع الْعرق وَيجب أَن لَا يفرط عَلَيْهِ فِي المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ أضرّ شَيْء.(2/425)
فصل فِي علاج سوء المزاج الْحَار الْيَابِس علاج هَذَا أَن يجمع بَين التدبيرَين اللَّذين ذكرناهما فَإِن كَانَت الْحَرَارَة قَليلَة كفى أَن يدبر تَدْبِير أَصْحَاب اليبس وَيجْعَل شرابهم أطرى زَمَانا وَيجب أَن يسقونه مبرّداً فِي الصَّيف مفتّراً فِي الشتَاء وَكَذَلِكَ سَائِر طعامهم وَيكون مروخ معدتهم من دهن السفرجل وَمن زَيْت الأنفاق وَرُبمَا عرفُوا بشراب المَاء الْبَارِد الْكثير تَمام الْعَافِيَة وخاصة إِذا لم يكن اليبس أفرط. فصل فِي علاج سوء المزاج الْحَار الرطب ينقع مِنْهُ الباردات الناشفات وَيجمع بَين تدبيري سوء المزاج الْحَار وَالرّطب وينفع مِنْهُ أَقْرَاص الْورْد الْمُتَّخذ بالورد الطري وَإِذا كَانَ هُنَاكَ إسهال اسْتعْمل القيروطي بدهن السفرجل. فصل فِي عَلَامَات سوء المزج فِي الْمعدة مَعَ مَادَّة وعلاج سددها يجب أَن يتعرف من حَال الْمَادَّة هَل هِيَ متشربة تشرب الإسفنج للْمَاء أَو متشربة غائصة تشرب الثَّوْب بالصبغ اللاحج الغائص فِيهِ أَو ملتصقة أَو مصبوبة فِي التجويف وَيُسمى عِنْد بَعضهم الطافي وَأَن يعرف مبدؤها وَمَوْضِع تولدها وجهة انصبابها. فَإِن كَانَ تولدها فِيهَا قصد فِي العلاج قَصدهَا وَأصْلح مِنْهَا السَّبَب المولد لَهَا وان كَانَت فائضة إِلَيْهَا من عُضْو آخر مثل الدِّمَاغ أَو المريء أَو الكبد أَو الطحال استفرغ مَا حصل فِيهَا وَأصْلح الْعُضْو الْمُرْسل الْمَادَّة إِلَيْهَا وقويت الْمعدة لِئَلَّا تقبل مَا ينصت إِلَيْهَا وَرُبمَا كَانَ انصبابها فِي وَقت الْجُوع عِنْد حَرَكَة الْقُوَّة الجاذبة من الْمعدة وَسُكُون الدافعة فَتقبل من الْموَاد مَا لَا تقبله فِي وَقت آخر وَهَؤُلَاء هم الَّذين لَا يحْتَملُونَ الْجُوع. وَرُبمَا غشي عَلَيْهِم عِنْده فَيجب أَن يسْبق انصباب الْموَاد إطْعَام طَعَام وَأَن تكون الأغذية مقوية للمعدة. وَرُبمَا كَانَت الْمَادَّة إِنَّمَا تنصب عِنْد انفعالات نفسانية مثل غضب شَدِيد أَو غم أَو غير ذَلِك وَلَا يسكن اللذع الْعَارِض لَهُم إِلَّا بالقيء وَالَّذِي ينزل من الدِّمَاغ فينفع مِنْهُ الفلفل الْأَبْيَض المسحوق بِالْمَاءِ والأفسنين وَالصَّبْر ضَعِيف الْمَنْفَعَة فِيهِ. وَأما الأيارج فقد تقوى على ذَلِك لما فِيهَا من الْأَدْوِيَة القوية التَّحْلِيل والجلاء وَقد سلف بَيَانهَا. وَإِن من التَّرْكِيب الْمُفْسد للعلاج أَن تكون الْمعدة حارة وَالرَّأْس بَارِدًا فيحوج مَا ينزل من الرَّأْس إِلَى مثل الفلافلي وَإِلَى الفوذنجي وجوهر الْمعدة يضر بِهِ ذَلِك. وَالَّذِي ينصت عَن كبد علاجه محوج إِلَى مَا يلين الطبيعة ويستفرغ الْخَلْط الرَّقِيق والمراري مثل مَاء جبن بالهليلج والسقمونيا. وَرُبمَا أماله عَنْهُمَا جَمِيعًا الفصد إِلَى مَا يُقَوي الْمعدة. وَيجب أَن يقدم الملينات على الطَّعَام وَيتبع بالقوابض على مَا نقُوله فِي مَوضِع خَاص بِهِ. وَأما الَّذِي ينصب عَن الطحال فيعالج بِمَا قُلْنَاهُ فِي بَاب الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة وَقد علمت أَنه رُبمَا أنصت إِلَى فَم الْمعدة أخلاط حادة لذاعة فَتحدث غشياً وتشنجاً وَرُبمَا أدّى انصبابها إِلَى بطلَان النبض وَرُبمَا كَانَت سوداوية وَيجب عَلَيْك أَن تقَوِّي فَم الْمعدة لِئَلَّا تقبل الْموَاد المنجذبة إِلَيْهَا بالأضمدة الَّتِي فِيهَا قبض وعطرية أما الْبَارِدَة فِي حَال معالجة الْحَرَارَة وَفِي الحميات فكالقسب والسفرجل والسمك وعصارة الحصرم وأغصان العليق والأزهار والأدهان مثل دهن الْورْد.(2/426)
وَأما الحارة مِنْهَا فِي ضد الْحَال الْمَذْكُورَة فكالمر والزعفران وَالصَّبْر والمصطكي وَمثل الأفسنتين والكندر والسنبل. وَأما الأدهان فَمثل دهن الناردين ودهن المصطكي وَكَثِيرًا مَا يكون سَبَب اجْتِمَاع الْمَادَّة فِي الْمعدة احتباس استفراغات منقّية لَهَا لَا انصباب إِلَيْهَا. وَفِي مثل هَذَا يجب أَن يستفرغ مَا اجْتمع وَيفتح وَجه سيلانه ويمال عَن الْمعدة إِلَيْهِ وَلَا تخرج من الْمعدة خلطاً لَا إِلَى جِهَة ميله فِي الاستفراغ. وَإِن أشكل فَاخْرُج الطافي وَالَّذِي يَلِي الْفَم بالقيء وَالَّذِي بِالْخِلَافِ بالإسهال. فَإِن كَانَ الْخَلْط متشرباً مداخلاً - وَلنْ يكون إِلَّا رَقِيقا فِي قوامه - فأفضل مَا يعالج بِهِ الصَّبْر. والمغسول أصلح للتقوية وَغير المغسول للتنقية فَإِنَّهُ إِذا غسل ضعف استفراغه وتنقيته. والأيارج أوفق من كِلَاهُمَا لما فِيهِ من العقاقير الْمصلحَة والمعينة والمانعة للمضرة وخصوصاً الساذج الْغَيْر الْمَخْلُوط بالعسل. فَإِن الْمَخْلُوط بالعسل - وَإِن كَانَ أَكثر إسهالاً من نواح مُخْتَلفَة لِأَنَّهُ أَشد فِي الْمعدة نقاء - فتقويته أقل فَإِن الْعَسَل يكسر من قوته فِي التقوية والتنقية وَرُبمَا زَالَت الْعلَّة لشربة وَاحِدَة من الأيارج فَإِن كَانَ هُنَاكَ سُقُوط شَهْوَة أَو غثيان جعل بدل الزَّعْفَرَان فِي الأيارج ورد أَحْمَر. وَإِذا وجدت حرارة ملتهبة فَلَا تسْتَعْمل الأيارج فَإِنَّهُ رُبمَا زَادَت فِي سوء المزاج وخصوصاً إِذا أَخطَأ فِي أَن هُنَاكَ مَادَّة وَلم تكن مَادَّة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الأيارج أَنْفَع دَوَاء للأخلاط المرارية فِي الْمعدة وخصوصاً بطبيخ الأفسنتين. وَمِمَّا جرب أيارج لهَذَا الشَّأْن خَفِيف ونسخته: يُؤْخَذ فقاح الأدخر وعيدان البلسان وأسارون ودارصيني من كل وَاحِد جُزْء وَمن الصَّبْر سِتَّة أَجزَاء وَإِذا لم يرد بِهِ قُوَّة الاستفراغ بل التنقية المعتدلة جعل وزن كل دَوَاء جُزْءا وَنصفا. وَمن الْحُبُوب المجربة النافعة فِي ذَلِك حب بِهَذِهِ الصّفة ونسخته: يُؤْخَذ من الصَّبْر دِرْهَم وَمن كل من الهليلج الْأَصْفَر والورد نصف دِرْهَم ويعجن بعصير الهندبا والسفرجلي المسهل الْمُتَّخذ من السفرجل وَالسكر والسقمونيا وَرُبمَا اقْتصر على دانق سقمونيا ويسقى فِي ثَلَاث أَوَاقٍ من الدوغ الْمُصَفّى عَن زبد الْمَتْرُوك سَاعَة حَتَّى يحسن امتزاجه بِهِ. والجلنجبين المسهّل عَظِيم النَّفْع فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ الشاهترج وخصوصاً للمراري وطبيخ الأفسنتين وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ والإجاص وشراب الْورْد المسهل أَيْضا وخصوصاً فِي الصَّيف وَكَذَلِكَ مَاء الْجُبْن بالهليلج وَقَلِيل سقمونيا أَو صَبر لمن يُرِيد بِهِ أَن يستفرغ مَادَّة صفراوية. وَهَذَا الَّذِي نَحن نصفه قد جرّبه الْحَكِيم الْفَاضِل جالينوس ونسخته: يُؤْخَذ من الأفسنتين الرُّومِي خَمْسَة دَرَاهِم والورد الْأَحْمَر الصَّحِيح عشرُون درهما يطْبخ فِي رطلين من المَاء حَتَّى يبْقى نصف رَطْل ثمَّ يسقى كَمَا هُوَ أَو مَعَ سكّر قَلِيل وَالصَّبْر مُوَافق فِي استفراغات الْمعدة والسقمونيا مؤذٍ للمعدة مضاد فَلَا تقدمن عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة.(2/427)
وَفِي مثل هَذِه الْموَاد فقد ينْتَفع بالفصد إِذا كَانَ هُنَاكَ امتلاء لتحرك الأخلاط إِلَى الْعُرُوق والأطراف وَيكون للأخلاط الَّتِي فِي الْمعدة منفذ ينْدَفع فِيهِ وَقد جرب سقِِي الأيارج بطبيخ الأفسنتين فَهُوَ غَايَة وَقد جرّب سفرجلي بِهَذِهِ الصّفة ونسخته: يُؤْخَذ لحم السفرجل المشوي فِي الْعَجِين مِقْدَار ثَلَاث أَوَاقٍ وَمن الزَّعْفَرَان والأفسنتين من كل وَاحِد درخمي وَنصف وَمن دهن شَجَرَة المصطكي ودهن السفرجل ثَمَانِيَة درخميات يعجن بشراب ريحاني وَيسْتَعْمل فيقوي الْمعدة الَّتِي بِهَذِهِ وَيمْنَع قبُولهَا الأخلاط الحارة. وَمِمَّا جرب أَيْضا هَذَا الدَّوَاء. وَصفته: أَن يُؤْخَذ الأفسنتين عشرَة دَرَاهِم دارصيني خَمْسَة دَرَاهِم عيدَان البلسان ثَلَاثَة دَرَاهِم سنبل ثَلَاثَة دَرَاهِم ورق الْورْد الطري دِرْهَمَانِ عود دِرْهَم مصطكي دِرْهَم يطْبخ فِي المَاء الْكثير حَتَّى يعود إِلَى الْقَلِيل إِلَى قدر رَطْل أَو أقلّ ويصفى وينقع فِيهِ الصَّبْر. والشربة أُوقِيَّة كل يَوْم إِلَى أَن تظهر الْعَافِيَة. وان كَانَ الْخَلْط مصبوباً لَا لحوج لَهُ وَلَا غلظ انْتفع بالقيء بِمَاء الفجل والسكنجبين وَمَاء الْعَسَل وَمَاء الشّعير مخلوطاً بالسكنجبين الْحَار وَمَا يجْرِي مجْرَاه من المقيئات الْخَفِيفَة وَرُبمَا يقيء بِالْمَاءِ الْحَار وَحده أَو بدهن أَو بِزَيْت حَار وَحده أَو سكنجبين بِمَاء حَار وَحده. وَالْمَاء الْحَار مَعَ عسل قَلِيل يغسل الْمَادَّة فَرُبمَا قَذفهَا الطَّبْع بالقيء وَرُبمَا خلطها إِلَى أَسْفَل. وَقد يعالج مثل هَذِه الْمَادَّة بالإسهال أَيْضا بِمَا ذَكرْنَاهُ إِن كَانَ الْقَيْء لَا يبلغ مِنْهُ المُرَاد أَو كَانَت إِلَى القعر الْمعدة أميل. وَإِذا أردْت أَن تسهل بالأيارج فِي مثل هَذِه الْمَادَّة سقيت بعد الْحمام فِي الْيَوْم الْمُقدم مَاء الشّعير وَرُبمَا كَانَ هَذَا الْخَلْط لذّاعاً قَلِيلا فَكَانَ اسْتِعْمَال سويق الشّعير بِمَاء الرُّمَّان يزِيل أَذَاهُ لنشف السويق وتجفيفه وتقوية مَاء الرُّمَّان لفمّ الْمعدة لِئَلَّا تقبله. فَإِن كَانَ الْخَلْط غليظاً وَالصَّوَاب أَن تقطع وتلطف بالأشربة الْمُقطعَة الملطّفة والأدوية الْمُقطعَة مثل السكنجبين والكواميخ والخردل وَالْكبر وَالزَّيْتُون وبالأدوية الملطّفة ثمَّ يسهّل بِمَا يخرج مثله. وَإِن اسْتعْمل الْقَيْء ثمَّ الإسهال كَانَ صَوَابا. وَإِن كَانَت غائصة لَا تقلع فَيجب أَن يقيأ بِمَا هُوَ أقوى مثل طبيخ جوز الْقَيْء والخردل والفلفل. وَهَذَا الدَّوَاء مِمَّا يقيء البلغم ونسخته: يُؤْخَذ لباب القرطم يداف بِمَاء الشبث المدقوق ويلقى عَلَيْهِ دهن الْغَار ويسقى العليل ويغمس مِنْهُ ريشة ويتقيأ بهَا. فَإِذا نقّيت الْمعدة فَاسْتعْمل مَا يعدّل المزاج ويسخنه بلطف لِئَلَّا يتَوَلَّد مَادَّة أُخْرَى وَإِذا أردْت الإسهال فِي مثل هَذِه الْمَادَّة سقيت يَوْمًا قبله بعد الحمّام مَاء الحمص وَيجب أَن يسْتَعْمل لَهُم ذَلِك كثيرا. والاستحمام بمياه الحمّامات والأسفار والحركات نَافِع لَهُم. وَكَثِيرًا مَا يكون من عَادَة الْإِنْسَان أَن يجْتَمع فِي معدته بلغم كثير فيستعمل الكراث بالسلق والخردل فَيبرأ بتقطيع من ذَلِك لجرم الْخَلْط أَو إسهال يعرض لصَاحبه فَإِن كَانَ البلغم حامضاً سقوا الأيارج بالكسنجبين واستعملوا دَوَاء الفوذنج والأدوية المسهّلة الصَّالِحَة للأخلاط الغليظة(2/428)
الَّتِي بِهَذِهِ الصّفة وَهِي حب الأفاوية وَحب الصَّبْر الْكثير وَحب الأصطمحيقون وَالصَّبْر فِي السكنجبين الْبزورِي الْقوي البزور الْمُتَّخذ بالعسل. وَهَذِه صفة أيارج نَافِع فِي هَذَا الشَّأْن ونسخته: يُؤْخَذ بزر الكرفس سِتَّة أَطْرَاف الأفسنتين أنيسون بزر رازيانج من كل وَاحِد ثَلَاثَة فلفل أَبيض وَمر وأسارون من كل وَاحِد جُزْء وَنصف قسط وسنبل رومي وكاشم من كل وَاحِد جزءان مصطكي وزعفران من كل وَاحِد جُزْء صَبر ثَمَانِيَة أَجزَاء يقرص وَيشْرب كل يَوْم قرصة وزن مِثْقَال ينقّى الْمعدة بالرفق. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى الأيارجات الْكِبَار. وَمِمَّا ينفع هَؤُلَاءِ خُصُوصا بعد تنقية سَابِقَة الهليلج الكابلي المربّى وشراب الأفسنتين والزنجبيل المربّى. وأوفق الأغذية لَهُم مرقة القنابر والعصافير دون الْفِرَاخ فَإِن أجرام الْفِرَاخ بطيئة الانهضام طَوِيلَة الْمكْث فِي الْمعدة. وَاعْلَم أَن الصحناء مجففة للمعدة منشّفة للفضول الرّطبَة كلهَا عَنْهَا. وَمَاء الْحَدِيد المعدني أَو المطفأ فِيهِ الْحَدِيد المحمّى مرَارًا كَثِيرَة نَافِع للمعدة الرّطبَة والسكنجبين العنصلي شَدِيد النَّفْع للمعدة الرّطبَة والسكنجبين العنصلي شَدِيد النَّفْع والسفرجلي الساذج جيد للمواد الحارة وَالَّذِي بالفلفل والزنجبيل للمواد الغليظة الْبَارِدَة. ونسخته: يُؤْخَذ من عصار السفرجل جُزْء وَليكن سفرجلاً مائياً قَلِيل العفوصة وَمن الْعَسَل للمبرود وَمن السكّر للمحرور جُزْء من الخلّ الْجيد الثقيف خلّ الْخمر نصف جُزْء يقوم على نَار ليّنة وَيرْفَع فَإِن أُرِيد أَن يكون أَشد قُوَّة للمبرود جعل فِيهِ الزنجبيل والفلفل. وَمِمَّا ينفع فِي تَحْلِيل الْموَاد الغليظة من الْمعدة اعتناق الصَّبِي الَّذِي لم يدْرك بعد بل راهق بِلَا حجاب من غير شَهْوَة. وَرُبمَا اجْتمع فِي الْمعدة خلطان متضادان فَكَانَ المتشرّب مثلا من الرَّقِيق المراري والمحوي فِي التجويف من الغليظ فَيجب أَن نقصد قصد أعظمها آفَة وَإِذا كَانَ الْخَلْط المؤذي حاراً لذاعاً يعرض مِنْهُ الغشي والتشنّج فدبره بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الغشي والتشنّج. وَأول مَا يجب أَن تبادر إِلَيْهِ تجريعه بِمَاء فاتر فَإِنَّهُم إِذا فأوا أخلاطهم سكن مَا بهم. وَإِن كَانَ الْخَلْط المؤذي والمنصبّ وَمِمَّا ينفع من ذَلِك أَن يعجن الشب والقلقديس والنحاس المحرق بِعَسَل وَيُوضَع على الْمعدة وَيجب أَن يصيَر على معدهم وَقت صعوبة الْعلَّة إسفنجة مبلولة حَار جدا. وَإِذا كَانَ الْخَلْط بَارِدًا رطبا فاقتصر على المسخّنات المحلّلة وَلَا تدخل فِيهَا مَا يجفّفها بِالْقَبْضِ فَإِنَّهُ خطر عَظِيم سَوَاء كَانَ دَوَاء أَو غذَاء وَقد تكون الْمَادَّة تؤذي لكثرتها لَا لفسادها. وَهَذِه تسْتَعْمل فِي تدارك ضررها الْأَدْوِيَة والأغذية القابضة من غير مراقبة شَيْء. وَأما علاج أورام الْمعدة فقد أفردنا لَهُ أبواباً من بعد وَكَذَلِكَ(2/429)
علاج الرِّيَاح والنفخ. وَأما علاج سخافة الْمعدة فَأن تسْتَعْمل عَلَيْهَا الأضمدة المسخنة القابضة الَّتِي ذَكرنَاهَا وخصوصاً العطرة وَالَّتِي فِيهَا مُوَافقَة للقلب وَالروح وتستعمل الجوارشنات العطرية القابضة كالحورية وجوارشن القاقلة وَغير ذَلِك مِمَّا ذكرنَا فِي بَاب علاج برد الْمعدة ورطوبتها وَأَن تجفف الأغذية وتلطفها وتتناولها فِي مرار وَلَا تثقل على الْمعدة وَلَا تمتلئ من الشَّرَاب دفْعَة وَلَا تتحرّك على الطَّعَام وَالشرَاب وَلَا تشرب على الطَّعَام وَأَن يكون مَا تشربه شرابًا قَوِيا عتيقاً إِلَى العفوصة مَا هُوَ وتتناوله قَلِيلا قَلِيلا. وَأما علاج السدة الْوَاقِعَة فِي المجاري الْقَرِيبَة من الْمعدة الَّتِي إِلَيْهَا أَو مِنْهَا مثل المجاري الَّتِي إِلَيْهَا من الطحال أَو مِنْهَا إِلَى الكبد فعلاجها المفتّحات مثل الأيارج وَمثل الأفسنتين. وَأما علاج الصدمة والضربة والسقطة على الْمعدة فَمِنْهَا الأقراص الْمَذْكُورَة فِي القراباذين الَّتِي فِيهَا الكهرباء وإكليل الْملك. وَمِمَّا جرّب فِي هَذَا ضماد نَافِع من ذَلِك. ونسخته: يُؤْخَذ من التفاح الشَّامي الْمَطْبُوخ الْمهرِي فِي انطبخ المدقوق نَاعِمًا وزن خمسين درهما ويخلط بِعشْرَة لاذن وَمن الْورْد ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَمن الصَّبْر سِتَّة دَرَاهِم يعجن الْجَمِيع بعصارتي لِسَان الثور وورق السرو ويخلط بِهِ دهن السوسن ويفتّر ويشدّ على الْمعدة أَيَّامًا. فصل فِي علاج من يتَأَذَّى بِقُوَّة حس معدته إِذا أفرط الْأَمر فِي ذَلِك لم يكن بُد من اسْتِعْمَال المخدرات بِرِفْق وَيجب أَن يَجْعَل غذاؤه مَا يغلظ الدَّم كالهرائس وَلحم الْبَقر إِلَى أَن يحوج إِلَى المخدرات. وَإِن كَانَ المؤذي حاراً فَيجب أَن تنقّي نواحي الصَّدْر والمعدة بالأرياج مرَارًا. وَأَن لَا تُؤخر طَعَام صَاحبه بل يجب فِي أَمْثَال هَؤُلَاءِ أَن يطعموا فِي ابْتِدَاء جوعهم خبْزًا بربوب الْفَوَاكِه مغموساً فِي المَاء الْبَارِد وَمَاء الْورْد وَرُبمَا غمس فِي شراب ممزوج مبرّد فَإِن ذَلِك يقوّي فمّ الْمعدة أَيْضا. وَإِن كَانَ المؤذي بَارِدًا فَأكْثر مَا يعرض لَهُم إِنَّمَا هُوَ رعشة وتشنج فَيجب أَن تقوّى معدتهم بِالشرابِ الْقَابِض وبالأدوية العطرية القابضة الملطفة ويستفرغ الْخَلْط الَّذِي فِيهَا. تَدْبِير من تكون معدته صَغِيرَة: يجب أَن يَجْعَل غذاؤه مَا هُوَ قَلِيل الكمية كثير الْغذَاء ويغذّى مَرَّات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة بِحَسب حَاجته واحتماله. فصل فِي الْأُمُور الْمُوَافقَة للمعدة أما الأغذية فأجودها لَهَا مَا فِيهِ قبض ومرارة بِلَا حِدة وَلَا لذع والأصحاء يَنْتَفِعُونَ فِي تَقْوِيَة معدهم بالقوابض. وَأما المحمومون فَيجب أَن لَا يفرط عَلَيْهِم فِي ذَلِك بِمَا قَبضه شَدِيد فَإِن ذَلِك يجفف أَفْوَاه معدهم تجفيفاً ضاراً فَيجب أَن يرفق عَلَيْهِم إِذا لم يكن بُد من ذَلِك.(2/430)
وَمن الأغذية الْمُوَافقَة للمعدة المعافية لِضعْفِهَا على مَا شهد بِهِ جالينوس الْجُلُود الدَّاخِلَة من قوانص الدَّجَاج. وَترك الْجِمَاع نَافِع فِي تَقْوِيَة الْمعدة جدا. وَمن التَّدْبِير الْمُوَافق لأكْثر الْمعد اسْتِعْمَال الْقَيْء فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ حَتَّى لَا يجْتَمع فِي الْمعدة خلط بلغمي وأسهل ذَلِك الْقَيْء بالفجل والسمك يؤكلان حَتَّى إِذا أعطشا جدا شرب عَلَيْهِمَا السكنجبين العسلي أَو السكرِي بِالْمَاءِ الْحَار وَقذف. وَلَا يجب أَن يزْدَاد على ذَلِك فتعتاد الطبيعة قذف الفضول إِلَى المريء. وَاعْلَم أَن الْقَيْء السهل الْخَفِيف الْغَيْر العنيف وَلَا الْمُتَوَاتر فِي وَقت الْحَاجة شَدِيد الْمَنْفَعَة. وَمن التَّدْبِير الْمُوَافق لأكْثر الْمعد الِاقْتِصَار من الطَّعَام على مرّة وَاحِدَة من غير امتلاء فِي تِلْكَ الْمرة. وَأما المسهلات فأوفقها لَهُم الصَّبْر والأفسنتين حشيشاً لَا عصارة فَإِن العصارة تفارق العفص المحتبس فِي الحشيشة وَقد يُوَافق الْمعدة من الأنقال الزَّبِيب الحلو لما فِيهِ من الْجلاء المعتدل وَهُوَ مِمَّا يسكن بِهِ التلذيع الْيَسِير الَّذِي يعرض للمعدة بجلائه. وَأما التلذيع الْكثير فَيحْتَاج إِلَى أقوى مِنْهُ وَحب الآس نَافِع للمعدة وَالْكبر المطيب أَيْضا. وَمن الْبُقُول الخسّ للمعدة الَّتِي إِلَى الْحَرَارَة وَكَذَلِكَ الشاهترج والكرفس عَام النَّفْع وَكَذَلِكَ النعنع والراسن المربى بالخلّ. وَمِمَّا يُوَافق الْمعدة بالخاصية ويوافق المريء أَيْضا الْحجر الْمَعْرُوف باليشب إِذا علق حَتَّى يُحَاذِي الْمعدة أَو اتَّخذت مِنْهُ قلائد فَكيف إِذا أَدخل فِي المعاجين أَو شرب مِنْهُ وزن نصف دِرْهَم فَإِنَّهُ نَافِع جدا.
(فصل فِي الْأُمُور الَّتِي فِي اسْتِعْمَالهَا ضَرَر بالمعدة والأمعاء)
اعْلَم أَن أَكثر الْأَمْرَاض المعدية تَابع للتخم فاجتنبها واجتنب أَسبَابهَا من الأغذية فِي كميتها وكيفيتها وَكَونهَا غير مُعْتَادَة وَمن الْمِيَاه والأهوية الْمَانِعَة للهضم الْجيد. وَمن أَعدَاء الْمعدة الامتلاء. وَلذَلِك لَا يخصب بدن النهم لِأَن طَعَامه لَا ينهضم فَلَا يُزَاد مِنْهُ الْبدن. وَأما الممسك عَن الطَّعَام وَبِه بَقِيَّة من الشَّهْوَة فيخصب لِأَن هضم معدته للطعام يجود. وَاعْلَم أَن الطَّعَام الَّذِي لَا يُوَافق الْمعدة فِي نَفسه لَا بِسَبَب اجتماعه مَعَ غَيره إِمَّا أَن لَا يُوَافِقهَا لكميته أَو لكيفيته. وكل وَاحِد مِنْهُمَا إِن كَانَ إِلَى الخفة أميل طفا واستدعى الدّفع بالقيء وَإِن كَانَ إِلَى الثّقل رسب واستدعى الدّفع بالاختلاف. وَقد يعرض أَن يطفو بعضه ويرسب بعضه لاختلافه فِي الخفة والثقل وَاخْتِلَاف حركات ريَاح تحدث فِيهَا فيستدعي الْقَيْء والإسهال جَمِيعًا. وَاعْلَم أَن منع الثفل وَالرِّيح عَظِيم الضَّرَر(2/431)
فَإِنَّهُ رُبمَا ارْتَدَّ لَهُ الثفل من لفافة إِلَى لفافة نَحْو الفوق حَتَّى يعود إِلَى الْمعدة فيؤذي إِيذَاء عَظِيما وَرُبمَا هاج مِنْهُ مثل إيلاوس وَحدث كرب وَسُقُوط شَهْوَة. وَالرِّيح أَيْضا رُبمَا ارْتَدَّت إِلَى الْمعدة فارتفع بخارها إِلَى الدِّمَاغ فآذى إِيذَاء شَدِيدا وأفسد مَا فِي الْمعدة. وَاعْلَم أَن كل مَا لَا قبض فِيهِ من العصارات خَاصَّة وَمن غَيرهَا عَامَّة فَهُوَ رَدِيء للمعدة. وَجَمِيع الأدهان يرخّي الْمعدة وَلَا يُوَافِقهَا. وأسلمها الزَّيْت ودهن الْجَوْز ودهن الفستق. وَمن الْأَدْوِيَة والأغذية الضارة بالمعدة فِي أَكثر الْأَمر حب الصنوبر والسلق والباذروج والشلجم الْغَيْر الْمهرِي بالطبخ والحمّاض والسرمق والبقلة اليمانية إِلَّا بالخل والمريء وَالزَّيْت. وَمن هَذِه الحلبة والسمسم فَإِنَّهُمَا يُضعفَانِ الْمعدة. وَاللَّبن ضار للمعدة وَكَذَلِكَ المخاخ والأدمغة. وَمن الْأَشْرِبَة مَا كَانَ غليظاً حَدِيثا وَمن الْأَدْوِيَة حب العرعر وَحب الْفَقْد وَاعْلَم أَن جَمِيع الْأَدْوِيَة المسهّلة وَجَمِيع مَا يستبشع رَدِيء للمعدة وَالْجِمَاع من أضرّ الْأَشْيَاء للمعدة وَتَركه من أَنْفَع الْأَشْيَاء لَهَا والقيء العنيف وَإِن نفع من جِهَة التنقية فَيضر ضَرَرا عَظِيما بالتضعيف الْمقَالة الثَّانِيَة آلام الْمعدة وضعفها وَحَال شهوتها فصل فِي وجع الْمعدة وجع الْمعدة يحدث إِمَّا لسوء مزاج من غير مَادَّة وخصوصاً الْحَار اللذاع أَو مَعَ مَادَّة وخصوصاً الحارة اللذاعة أَو لتفرق اتِّصَال من سَبَب ريحي ممدد أَو لاذع محرق أَو جَامع للأمرين كَمَا يكون فِي الأورام الحارة. وَقد يحدث من قُرُوح أكالة. وَمن النَّاس من يعرض لَهُ وجع فِي الْمعدة عِنْد الْأكل ويسكن بعد الاستمراء. وَأكْثر هَؤُلَاءِ أَصْحَاب السَّوْدَاء وَأَصْحَاب المالنخوليا المراقي. وَمن النَّاس من يعرض لَهُ الوجع فِي آخر مُدَّة حُصُول الطَّعَام فِي الْمعدة وَعند السَّاعَة الْعَاشِرَة وَمَا يَليهَا فَمنهمْ من لَا يسكن وَجَعه حَتَّى يتقيأ شَيْئا حامضاً كالخل تغلي مِنْهُ الأَرْض ثمَّ يسكن وَجَعه وَمِنْهُم من يسكن وَجَعه بنزول الطَّعَام وَلَا بقيأ وَمن الْفَرِيقَيْنِ من يبْقى على جملَته مُدَّة طَوِيلَة. وَسبب الأول هُوَ انصباب سَوْدَاء من الطحال إِلَى الْمعدة. وَسبب الثَّانِي انصباب الصَّفْرَاء إِلَيْهَا من الكبد وَإِنَّمَا لَا يؤلمان فِي أول الْأَمر لِأَنَّهُمَا يقعان فِي القعر فَإِذا خالطها الطَّعَام ربوا بِالطَّعَامِ وارتقيا إِلَى فَم الْمعدة.(2/432)
وَمن النَّاس من يحدث لَهُ وجع أَو حرقة شَدِيدَة فَإِذا أكل سكن وَسَببه انصباب مواد لذاعة تَأتي الْمعدة إِذا خلت عَن الطَّعَام أما حامضة سوداوية وَهِي فِي الْأَقَل أَو حادة صفرارية وَهِي فِي الْأَكْثَر. وَمن النَّاس من يحدث بِهِ لِكَثْرَة الْأكل ومعاودته لَا على حَقِيقَة الْجُوع ولامتلاء بدنه من التخم حرقة فِي معدته لَا تطاق. وَقد يكون وجع الْمعدة من ريح إِمَّا وجعاً قَوِيا وَإِمَّا وجعاً ممغصاً. وَمن النَّاس من يكون شدّة حس معدته واتفاق مَا ذَكرْنَاهُ من أخلاط مرارية تنصب إِلَيْهَا سَببا لوجع عَظِيم يحدث لمعدته غير مطاق وَرُبمَا أحدث غشياً. وَرُبمَا حدث من شرب المَاء الْبَارِد وجع فِي الْمعدة مُعَلّق وَرُبمَا مَاتَ فَجْأَة لتأدّي الوجع إِلَى الْقلب وَرُبمَا انحدر الوجع فأحدث القولنج. وَمن طَال بِهِ وجع الْمعدة خيف أَن يجلب ورم الْمعدة ويندر فِي الْحَوَامِل بالحوامل. وَقد قيل فِي كتاب الْمَوْت السَّرِيع أَنه إِذا ظهر مَعَ وجع الْمعدة على الرجل اليمني شَيْء شَبيه بالتفاحة خشن فَإِن صَاحبه يَمُوت فِي الْيَوْم السَّابِع والشعرين وَمن أَصَابَهُ ذَلِك اشْتهى الْأَشْيَاء الحلوة وَمن كَانَ بِهِ وجع بطن وَظهر لحاجبه آثَار وبثور سود شبه الباقلا ثمَّ تصير قرحَة وَثبتت إِلَى الْيَوْم الثَّانِي أَو أَكثر فَإِنَّهُ يَمُوت. وَهَذَا الْإِنْسَان يَعْتَرِيه السبات وَكَثْرَة النّوم ومُري فِي بَدْء مَرضه. العلامات: عَلَامَات الأمزجة الساذجة هِيَ العلامات الْمَذْكُورَة فِيهَا وعلامات مَا يكون من الأمزجة مَعَ مواد هِيَ العلامات الْمَذْكُورَة أَيْضا واللذع مَعَ الالتهاب دَلِيل على مَادَّة حادة الْكَيْفِيَّة مرّة أَو مَادَّة فَإِن كَانَ اللذع لَيْسَ بِثَابِت بل متجمّد دلّ على انصباب الْمَادَّة الصفراوية من الكبد. وَرُبمَا أورث لذع الْمعدة حمى يَوْم. واللذع الثَّابِت قد يُورث حمّى غبّ لَازِمَة وَيُورث مَعَ ذَلِك وجع فِي الْجَانِب الْأَيْمن فيدلّ على مُشَاركَة الغشاء المجلّل للكبد. وَإِذا سكنت الْحمى وَبَقِي اللذع فلانصباب مَادَّة من فضول الكبد أَو سوء مزاج حَار أَو خلط لحج فِي الْمعدة وَبِغير الالتهاب يدلّ على مَادَّة حامضة. وعلامة مَا يكون من جملَة ذَلِك حُدُوث الوجع فِيهِ بعد سَاعَات على الطَّعَام بِسَبَب السَّوْدَاء وَهُوَ أَن يعرض قيء خلي حامض فيسكن بِهِ الوجع وَأَن يكون الطحال مؤفاً والهضم رديئاً. وعلامة مَا يكون من ذَلِك بِسَبَب الصَّفْرَاء أَن لَا يحدث قيء خلي بل إِن كَانَ مرارياً وَأَن لَا يكون الهضم نَاقِصا وَتَكون عَلَامَات الصَّفْرَاء ظَاهِرَة والكبد حارة ملتهبة وعلامة مَا يكون من ريح جشاء وقراقر وتمتد فِي الشراسيف والبطن.(2/433)
المعالجات: أما علاج مَا كَانَ من سوء مزاج حَار فَأن يسقى رائب الْبَقر والدوغ الحامض وَالْمَاء الْبَارِد وَيطْعم الفراريج والقباج والفراريح بالماش والقرع والبقلة الحمقاء والسمك الصغار مسلوقة بخلّ وَمن الْأَشْرِبَة السكجبين وَرب الحصرم وَمن الْأَدْوِيَة أَقْرَاص الطباشير وَيسْتَعْمل الضمّادات المبرّدة. وَإِن رَأَيْت نحافة وذبولاً فَاسْتعْمل الابزنات واسقه الشَّرَاب الرَّقِيق الممزوج وَاتخذ لَهُ الاحساء المسمنة اللطيفة المعتدلة فَإِن كَانَ الوجع من خلط مراري حَار استفرغت واستعملت السكنجبين الْمُتَّخذ بالخل الَّذِي نقع فِيهِ الأفسنتين مدّة. وَأما أوجاع الْمعدة الْبَارِدَة والريحيّة فَإِن كَانَت خَفِيفَة سكنها التكميد بالجاورس والمحاجم بالنَّار وخصوصاً إِذا وضع مِنْهَا محجمة كَبِيرَة على الْموضع الْوسط من مراق الْبَطن حَتَّى تحتوي على السرّة من كل جَانب وَيتْرك كَذَلِك سَاعَة من غير شَرط فَإِنَّهَا تسكن الوجع فِي الْحَال تسكيناً عجيباً وَسقي الشَّرَاب الصّرْف والتمريخ بالأدهان المسخنة. وَهَذَا أَيْضا يحلّ الأوجاع الصعبة. والزراوند الطَّوِيل شَدِيد النَّفْع فِي تَحْلِيل الأوجاع الشَّدِيدَة والريحية وَكَذَلِكَ الجندبادستر إِذا شرب بخل ممزوج أَو كمد بِهِ الْبَطن من خَارج بِزَيْت عَتيق. وَالرِّيح يحلّلها شرب الشَّرَاب الصّرْف والفزع إِلَى النّوم والرياضة على الخواء وَاسْتِعْمَال مَا ذكر فِي بابالنفخة إِن اشتدت الْحَاجة إِلَى الْقوي من الْأَدْوِيَة. وَإِن كَانَ الوجع من ريح محتقنة فِي الْمعدة أَو مَا يَليهَا نفع مِنْهُ حبّ الْغَار والكمون المغلي. وَإِن كَانَ الوجع من سوادء نفّاخة فَيجب أَن يكمّد بِشَيْء من شبّ وزاج مسحوقين بخلّ حامض وَأَن يكمّد أَيْضا بقضبان الشبث مسحوقة. وَإِن كَانَ الوجع من ورم فيعالج بالعلاج الَّذِي نذكرهُ فِي بَاب ورم الْمعدة فَإِن لم يُمْهل الورم أرخي بالشحوم والنطولات المتخذة من الشبث وَنَحْوه. وعلاج الوجع الهائج بعد مُدَّة طَوِيلَة المحوج إِلَى قذف بمادة خُفْيَة هُوَ تَقْوِيَة الْمعدة بالتسخين بالضمّادات الحارة وَالشرَاب الصّرْف والمعاجين الْكِبَار وإطعامه المطجّنات وَمَا منا شَأْنه أَن يتدخّن فِي الْمعدة الحارة مثل الْبيض المشوي وَالْعَسَل. وعلاج الَّذِي يحدث بِهِ الوجع إِلَى أَن يَأْكُل استفراغ الصَّفْرَاء والتطفية إِن كَانَ من صفراء أَو استفراغ السَّوْدَاء وَإِن كَانَ من سَوْدَاء وإمالة الخلطين إِلَى غير جِهَة الْمعدة بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب القانون وَأَن يقوّي فَم الْمعدة. وَيجب بعد ذَلِك أَن تفرق الْغذَاء وَيطْعم كل مِنْهُمَا غذَاء قَلِيلا فِي الْمِقْدَار وَكَثِيرًا فِي التغذية وَلَا يشرب عَلَيْهِ إِلَّا تجرّعاً وتدافعاً إِلَى وَقت الوجع وَإِذا انْقَضى شُرِباً حِينَئِذٍ. وَأما الوجع الَّذِي يعتري بعد الطَّعَام فَلَا يسكن إِلَّا بالقيء وَهُوَ وجع رَدِيء(2/434)
فَالصَّوَاب فِيهِ أَن يسقى كل يَوْم شَيْئا من عسل قبل الطَّعَام وَأَن يتَأَمَّل سَبَب ذَلِك من بَاب الْقَيْء وتستفرغ بِمَا يجب أَن تستفرغ من نقوع الصَّبْر وَنَحْوه ثمَّ تسْتَعْمل أَقْرَاص الْكَوْكَب. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك أَن يُؤْخَذ كندر ومصطكي وشونيز ونانخواه وقشور الفستق الْأَخْضَر وَالْعود النيء أَجزَاء مُتَسَاوِيَة يدقّ وينخّل ويعجن بِعَسَل الأملج ويتناول مِنْهُ قبل الطَّعَام بِمِقْدَار دِرْهَمَيْنِ إِلَى مثقالين. وينفعه اسْتِعْمَال الكزبرة وشراب الرُّمَّان بالنعنع وَسَائِر مَا قيل فِي بَاب الْقَيْء. وَمِمَّا ينفع أوجاع الْمعدة بالخاصية على مَا شهد بِهِ جالينوس الْجُلُود الدَّاخِلَة فِي قوانص الدَّجَاج وَكَثِيرًا من لذع الْمعدة يسكنهُ الْأَشْيَاء الْبَارِدَة كالرائب وَنَحْوه. فصل فِي ضعف الْمعدة ضعف الْمعدة اسْم لحَال الْمعدة إِذا كَانَت لَا تهضم هضماً جيدا وَيكون الطَّعَام يكربها إكراباً شَدِيدا من غير سَبَب فِي الطَّعَام من الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فِي بَاب فَسَاد الهضم وَقد يصبحها كثيرا خلل فِي الشَّهْوَة وَقلة وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك دَائِما بل رُبمَا كَانَت الشَّهْوَة كَبِيرَة والهضم يَسِيرا وَلَا يدلّ ذَلِك على قُوَّة الْمعدة. وَإِذا زَاد سَببهَا قُوَّة كَانَ هُنَاكَ قراقر وجشاء متغير وغثيان وخصوصاً على الطَّعَام حَتَّى أَنه كلما تنَاول طَعَاما رام أَن يَتَحَرَّك أَو يقذفه وَكَانَ لذع ووجع بَين الْكَتِفَيْنِ. فَإِن زَاد السَّبَب جدا لم يكن جشاء لم يسهل خُرُوج الرجيع أَو كَانَ لَا لبث لَهُ يستطلق سَرِيعا وَيكون صَاحبه سَاقِط النبض سَرِيعا إِلَى الغشي بِطَلَب الطَّعَام فَإِذا قرب إِلَيْهِ نفر عَنهُ أَو نَالَ شَيْئا يَسِيرا فَيُصِيبهُ الحمّى بِأَدْنَى سَبَب وَيظْهر بِهِ أَعْرَاض المالنخوليا المراقي. وَاعْلَم أَن ضعف الْمعدة يكَاد أَن يكون سَببا لجَمِيع أمراض الْبدن وَهَذَا الضعْف رُبمَا كَانَ فِي أعالي الْمعدة وَرُبمَا كَانَ فِي أسافلها وَرُبمَا كَانَ فيهمَا جَمِيعًا. وَإِذا كَانَ فِي أعالي الْمعدة كَانَ التأذّي بِمَا يُؤْكَل فِي أول الْأَمر وَحين هُوَ فِي أعالي الْمعدة وَإِن كَانَ فِي أسافل الْمعدة كَانَ التأذّي بعد اسْتِقْرَار الطَّعَام فَيظْهر أَثَره إِلَى البرَاز. وَأَسْبَاب ضعف الْمعدة: الْأَمْرَاض الْوَاقِعَة فِيهَا الْمَذْكُورَة والتخمة المتوالية وَقد يَفْعَله كَثْرَة اسْتِعْمَال الْقَيْء. وَأهل التجارب يقتصرون فِي معالجتها على التجفيف والتيبيس وعَلى مَا يتبع كل سوء مزاج فَيجب أَن تتعرّف المزاج ثمَّ تقَابل بالعلاج فَرُبمَا كَانَ الضعْف ليبوسة الْمعدة فَإِذا عولج بالعلاج الْمَذْكُور الَّذِي تقتصر عَلَيْهِ أَصْحَاب التجارب كَانَ سَببا للهلاك وَرُبمَا كَانَ الشِّفَاء فِي سقيه أدوية بَارِدَة أَو شربة من مخيض الْبَقر مبرّدة على الثَّلج وَاسْتِعْمَال الْفَوَاكِه الْبَارِدَة.(2/435)
وَرُبمَا كَانَ ضَعِيف الْمعدة يعالج بالمسخنات ويغلب عَلَيْهِ الْعَطش فيخالف المتطيبين فيمتلئ مَاء بَارِدًا أَو يعافى فِي الْوَقْت وَرُبمَا انْدفع الْخَلْط المؤذي بِسَبَب الامتلاء من المَاء الْبَارِد إِن كَانَ هُنَاكَ خلط فَيخرج بالإسهال ويخلص العليل عَمَّا بِهِ. والإسهال مِمَّا يضعف الْمعدة وَيكون مَعَه صداع. وَاعْلَم أَن قُوَّة الْمعدة الثَّابِتَة هِيَ قُوَّة جَمِيع قواها الْأَرْبَع فأيّها ضعفت فَلذَلِك ضعفت الْمعدة. لَكِن النَّاس قد اعتادوا أَن يحيلوا ذَلِك على الهاضمة وكل قُوَّة مِنْهَا فَإِنَّهَا تضعف لكل سوء مزاج لَكِن لجاذبة تضعف بالبرد والرطوبة فِي أَكثر الْأَمر فَلذَلِك يجب أَن تحفظ بالأدوية الحارة الْيَابِسَة إِلَّا أَن يكون ضعفها لسَبَب آخر. والماسكة يجب أَن تحفظ فِي أَكثر الْأَمر باليابسة مَعَ ميل إِلَى برد والدافعة بالرطوبة مَعَ برد مَا والهاضمة بالحرارة مَعَ رُطُوبَة مَا. وَاعْلَم أَن أردأ ضعف الْمعدة مَا يَقع من تهلهل بنسج ليفها ويدلك على ذَلِك أَن لَا تَجِد هُنَاكَ عَلامَة سوء مزاج وَلَا ورم وَلَا ينفع تجويد الأغذية هُنَالك فَاعْلَم أَن الْمعدة قد بليت وَأَن الآفة تدخل على الْقُوَّة الماسكة إِمَّا بِأَن لَا تلتف الْمعدة لآفاتها على الطَّعَام أصلا أَو تلتف قَلِيلا أَو تلتفّ التفافاً رديئاً مرتعشاً أَو خفقانياً أَو مشتنجاً فَمن ذَلِك مَا يحس بِهِ الْمَرِيض إحساساً بيّناً كالتشنج والخفقان. أما الرعشة فَرُبمَا لم يشْعر بهَا الشُّعُور البيّن لَكِن قد يسْتَدلّ عَلَيْهَا بِمَا يحس من نفث الْمعدة وشوقها إِلَى انحطاط الطَّعَام عَنْهَا من غير أَن يكون الدَّاعِي إِلَى ذَلِك قراقر وتمدد أَو نفخاً. فَإِن أفرطت الرعشة صَارَت رعشة يحس بهَا كَمَا يحس بارتعاد سَائِر الْأَعْضَاء وَيدخل على الجاذبة فِي أَن لَا تجذب أصلا. وَقوم يسمون هَذَا استرخاء الْمعدة أَو يكون جذبها مشوّشاً كَأَنَّهُ متشنج أَو مرتعش وَضعف الْمعدة يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء اللحمي. وَاعْلَم أَن الْمعدة إِذا ضعفت ضعفا لَا يُمكنهَا أَن تغير الْغذَاء البتّة من غير سَبَب غير ضَعِيف الْمعدة فَإِن الْأَمر يؤول إِلَى زلق الأمعاء لَكِن الْأَغْلَب فِي ضعف الْمعدة السَّبَب الَّذِي يقْصد أَصْحَاب التجارب قصد تلافيه من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ فَلذَلِك ينْتَفع بِالتَّدْبِيرِ الْمَذْكُور عَنْهُم فِي أَكثر الْأَمر وَيجب أَن تكون الأضمدة والمروخات الْمَذْكُورَة إِذا أُرِيد بهَا فَم الْمعدة أَن يسخن شَدِيدا فَإِن الفاتر يُرْخِي فَم الْمعدة. وَقد يسْتَعْمل جالينوس فِي هَذَا الْبَاب قيروطياً على هَذِه الصّفة بَالغ النَّفْع. ونسخته: يُؤْخَذ من الشمع ثَمَانِيَة مَثَاقِيل وَمن دهن الناردين الْفَائِق أُوقِيَّة ويخلطان ويخلط بهما إِن كَانَت قُوَّة الْمعدة شَدِيدَة الضعْف حَتَّى لَا يمسك الطَّعَام من الصَّبْر والمصطكي من كل وَاحِد مِثْقَال وَنصف وَإِلَّا فمثقال وَاحِد وَمن عصارة الحصرم مِثْقَال وَيُوضَع عَلَيْهَا. وَقد ظن جالينوس أَيْضا أَن جَمِيع علل الْمعدة الَّتِي لَيْسَ مَعهَا حرارة(2/436)
شَدِيدَة أَو يبوسة أَنَّهَا تَبرأ بالسفرجلي الَّذِي على هَذِه الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من عصارة السفرجل رطلان وَمن الخلّ الثقيف رَطْل وَمن الْعَسَل مِقْدَار الْكِفَايَة يطْبخ حَتَّى يصير فِي قوام الْعَسَل وينثر عَلَيْهِ من الزنجبيل أُوقِيَّة وَثلث إِلَى أوقيتين وَيسْتَعْمل. أُخْرَى قريب مِنْهَا: يُؤْخَذ من السفرجل المشوي ثَلَاثَة أَرْطَال وَمن الْعَسَل ثَلَاثَة أَرْطَال يخلطان ويلقى عَلَيْهِمَا من الفلفل ثَلَاثَة أواقي وَمن بزر الكرفس الْجبلي أُوقِيَّة. وَمِمَّا ينفع الْمعدة الضعيفة اسْتِعْمَال الصياح وَجَمِيع مَا يحرّك الصفاق وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة للمعدة الضعيفة المسترخية الإطريفلات ودواء الْفرس بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: وَهُوَ أَن يُؤْخَذ الهليلج الْأسود المقلو بِسمن الْبَقر عشرَة دَرَاهِم وَمن الْحَرْف المقلو خَمْسَة دَرَاهِم وَمن النانخواه والصعتر الْفَارِسِي من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم خبث الْحَدِيد عشرَة دَرَاهِم الشربة دِرْهَمَانِ بِالشرابِ الْقوي. نُسْخَة ضمّاد جيد لضعف الْمعدة مَعَ صلابتها. وَصفته: يُؤْخَذ سليخة نصف أُوقِيَّة سوسن ثَمَان كرمات فقاح الأذخر ستّ كرمات أبهل ثَمَان عشر كرمة مثل اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كرمة شمع سِتّ عشرَة أُوقِيَّة صمغ البطم أَرْبَعَة أواقي راتينج مغسول ورطل وَنصف حَماما ثَمَانِيَة عشر درخمي أشق اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كرمة ناردين سِتَّة أواقي أنيسون ثَمَان أواقي صَبر أُوقِيَّة دهن البلسان أوقيتان قرفة أُوقِيَّة. وشراب حبّ الآس نَافِع لَهُم جدا. وَفِي النعناع مَنْفَعَة ظَاهِرَة. وتفاح الْبَسَاتِين مِمَّا يَقع فِي أضمدة الْمعدة الحارة والباردة والزفت فِي الأضمدة الْبَارِدَة الضعيفة. وَاعْلَم أَن ضعف الْمعدة رُبمَا كَانَ سَببا لبطء انحدار الطَّعَام إِذا كَانَت الدافعة ضَعِيفَة فَيجب أَن يكون الْخبز المخبوز لهَؤُلَاء كثير الخمير وَرُبمَا كَانَت سَببا لسرعة انحدار الطَّعَام لبقتها المزلقة وَضعف قوتها الماسكة فَيجب أَن يكون الْخبز المخبوز لَهُم إِلَى الْفطْرَة مَا هُوَ وَغير ذَلِك من المعالجات حَسْبَمَا فصل فِي عَلَامَات التخم وَبطلَان الهضم إِن من عَلَامَات ذَلِك ورم الْوَجْه وضيق النَّفس وَثقل الرَّأْس ووجع الْمعدة وقلق وفواق وكسل وبطء الحركات وصفرة اللَّوْن ونفخة فِي الْبَطن والأمعاء والشراسيف وجشاء حامض أَو حريف دخاني منتن وغثي وقيء واستطلاق مفرط أَو احتباس مفرط. علاج التخم: يجب أَن يسْتَعْمل الْقَذْف بالقيء وتليين الطبيعة بالإسهال وَالصَّوْم وَترك الطَّعَام مَا أُطِيق والاقتصار على الْقَلِيل إِذا لم يطق والرياضة وَالْحمام والتعرق إِن لم يكن امتلاء يخَاف حركته بالحركة فَإِن خيف اسْتعْمل السّكُون وَالنَّوْم الطَّوِيل ثمَّ يدرج إِلَى الطَّعَام وَالْحمام بعد مُرَاعَاة مبلغ مَا يجود هضمه وَاعْتِبَار عَلَامَات جودة الهضم الْمَذْكُورَة فِي بَابهَا وَرُبمَا كَانَت التخم لِكَثْرَة النّوم والدعة فَإِن النّوم - وَإِن نفع من حَيْثُ يهضم - فَإِن الْحَرَكَة تَنْفَع من حَيْثُ تدفع الْفضل. وَالنَّوْم يضر من حَيْثُ تحْتَاج الْفضل(2/437)
إِلَى الدّفع. واليقظة تضر من حَيْثُ تحْتَاج الْمَادَّة إِلَى الهضم. وَرُبمَا أدَّت التخم وَالْأكل لَا على حَقِيقَة الْجُوع إِلَى أَن يحدث بالمعدة حرقة وحدة لَا تطاق وَهَؤُلَاء قد يَنْتَفِعُونَ بعلاج التخم ويبرئهم معجون سوطن أَو هَؤُلَاءِ رُبمَا تأذوا إِلَى قذف مَا يكلون من الأغذية. قد يكون سَببه حرارة ساذجة أَو مَعَ مَادَّة فيتشوق إِلَى الرطب الْبَارِد الَّذِي هُوَ شراب دون الْحَار الْيَابِس أَو الْيَابِس الَّذِي هُوَ الطَّعَام وَالَّذِي بمادة أَشد فِي ذَلِك وأذهب الشَّهْوَة. وَالْبرد أَشد مُنَاسبَة للشهوة وَلِهَذَا مَا تَجِد الشمَال من الرِّيَاح والشتاء من الْفُصُول شديدي التهييج للشهوة وَمن سَافر فِي الثلوج اشتدت شَهْوَته جدا. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الْحَرَارَة مرخية مسيلة للمواد مالئة للموضع بهَا والبرودة بالضد على أَنه قد يكون السَّبَب الضار بالشهوة سوء مزاج بَارِد مفرط إِذا أمات القوى الحسية والجاذبة فضعفت الشَّهْوَة. وَهَذَا فِي الْقَلِيل بل يكون سَببه كل مزاج مفرط فَإِن استحكام سوء المزاج يضعف القوى كلهَا وَيسْقط الشَّهْوَة فِي الحميات لسوء المزاج وَغَلَبَة الْعَطش والامتلاء من الأخلاط الرَّديئَة الهائجة وَمَا أَشد مَا تسْقط الشَّهْوَة فِي الحميات الوبائية وَإِذا أفرط الإسهال اشتدت الشَّهْوَة بإفراط والشهوة تسْقط فِي أورام الْمعدة والكبد بِشدَّة وَإِذا لم تَجِد شَهْوَة الناقهين وَسَقَطت دلّت على نكس اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون لقلَّة الدَّم وَضعف الْبدن فَتَأمل ذَلِك. وَقد يكون سَببه بلغماً لزجاً كثيرا يحصل فِي فَم الْمعدة فينفر الطَّبْع عَن الطَّعَام إِلَّا مَا فِيهِ حرافة وحدة ثمَّ يعرض من تنَاول ذَلِك أَيْضا نفخ وتمدد وغثيان وَلَا يستريح إِلَّا بالجشاء. وَقد يكون سَببه دوَام النَّوَازِل النَّازِلَة من الرَّأْس إِلَى الْمعدة وَقد يكون سَببه امتلاء من الْبدن وَقلة من التحلّل أَو اشتعالاً من الطبيعة بإصلاح خلط رَدِيء كَمَا يكون فِي الحميات الَّتِي يصبر فِيهَا على ترك الطَّعَام مُدَّة مديدة لِأَن الطبيعة لَا تمتص من الْعُرُوق وَلَا الْعُرُوق من الْمعدة إقبالاً من الطبيعة على الدّفع وإعراضاً عَن الجذب. وكما يَسْتَغْنِي الدب والقنفذ وَكثير من الْحَيَوَانَات عَن الْغذَاء مُدَّة فِي الشتَاء مدبدة لِأَن فِي أبدانها من الْخَلْط الفَج مَا تشتغل الطبيعة بإصلاحه وإنضاجه واستعماله بدل مَا يتَحَلَّل. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الْحَاجة إِلَى الْغذَاء هُوَ أَن يسد بِهِ بدل مَا يتَحَلَّل وَإِذا لم يكن تحلل أَو كَانَ للمتحلّل بدل لم تفْتَقر إِلَى غذَاء من خَارج. وَقد يكون السَّبَب فِيهِ أَن الْعُرُوق فِي اللَّحْم والعضل وَسَائِر الْأَعْضَاء قد عرض لَهَا من الضعْف أَن لَا تمتص فَلَا يتَّصل الامتصاص على سَبِيل التَّوَاتُر إِلَى فَم الْمعدة فَلَا تتقاضى الْمعدة بالغذاء كَمَا إِذا وَقع لَهَا الِاسْتِغْنَاء عَن بدل التَّحَلُّل فَإِنَّهُ إِذا لم يكن هُنَاكَ تحلّل لم يكن هُنَاكَ حَاجَة إِلَى بدل مَا يتَحَلَّل فَلم ينْتَه مص الْعُرُوق إِلَى فَم الْمعدة.(2/438)
وَقد يكون سَببه انْقِطَاع السَّوْدَاء المنصبة على الدَّوَام من الطحال إِلَى فَم الْمعدة فَلَا تدغدغها مشهية وَلَا تدفعها منقية. وَإِذا بَقِي على سطح الْمعدة شَيْء غَرِيب - وَإِن قل - كَانَت كالمستغنية عَن الْمَادَّة المتحركة إِلَى الدّفع لَا كالمشتاقة إِلَيْهَا المتحركة إِلَى الجذب. وَقد يكون سَببه بطلَان الْقُوَّة الحساسة فِي فَم الْمعدة فَلَا تحس بامتصاص الْعُرُوق مِنْهَا. وَإِن امتصت فَرُبمَا كَانَ ذَلِك بِسَبَب خَاص فِي الْمعدة وَرُبمَا كَانَ بمشاركة الدِّمَاغ وَرُبمَا كَانَ بمشاركة العصب السَّادِس وَحده. وَقد يكون سَببه ضعف الكبد فتضعف الشهوانية بل قد يكون سَببه موت الْقُوَّة الشهوانية والجاذبة من الْبدن كُله وكما يعرض عقيب اخْتِلَاف الدَّم الْكثير. وَهَذَا رَدِيء عسر العلاج وَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى أَن تعرض عَلَيْهِ الأغذية فيشتهي مِنْهَا شَيْئا فيقدّم إِلَيْهِ فينفر عَنهُ. وَشر من ذَلِك أَن لَا يَشْتَهِي شَيْئا. وَلَيْسَ إِنَّمَا تضعف الْقُوَّة الشهوانية عقيب الاستفراغ فَقَط بل عِنْد كل سوء مزاج مفرط وَقد يكون سَببه الديدان إِذا آذت الأمعاء وشاركتها الْمعدة وَرُبمَا آذت الْمعدة متصعدة إِلَيْهَا. وَقد يكون سَببه سَوْدَاء كَثِيرَة مؤذية للمعدة محوجة إِلَيْهَا إِلَى الْقَذْف وَالدَّفْع دون الْأكل والجذب. وَقد يعرض بطلَان الشَّهْوَة بِسَبَب الْحمل واحتباس الطمث فِي أَوَائِل الْحمل لَكِن أَكثر مَا يعرض لَهُم فَسَاد الهضم. وَقد يكون سَببه إفراطاً من الْهَوَاء فِي حر أَو برد حَتَّى يحلل الْقُوَّة بحره أَو يخدرها بِبرْدِهِ أَو يمْنَع التَّحَلُّل واشتداد حرارة الْمعدة كَذَلِك وَكَذَلِكَ من كَانَ مُعْتَادا للشراب فهجره. قد تَتَغَيَّر حَال الشَّهْوَة وتضعف بِسَبَب سوء حَال النّوم وَقد يعرض سُقُوط الشَّهْوَة بِسَبَب قلَّة الدَّم الَّذِي يتبعهُ ضعف القوى كَمَا يعرض للناقهين مَعَ النَّقَاء وَهَذِه الشَّهْوَة تعود بالتنعش وإعاذة الدَّم قَلِيلا قَلِيلا. والرياضة أَيْضا تقطع شَهْوَة الطَّعَام وَشرب المَاء الْكثير. وَقد وَقد تكون الشَّهْوَة سَاقِطَة فَإِذا بَدَأَ الْإِنْسَان يَأْكُل هَاجَتْ. وَالسَّبَب فِيهِ إمّا تَنْبِيه من الطَّعَام للقوة الجاذبة وَإِمَّا تغير من الْكَيْفِيَّة الْمَوْجُودَة فِيهِ بِالْفِعْلِ للمزاج الْمُبْطل للشهوة مثلا إِن كَانَ ذَلِك المزاج حرارة فَدخل الطَّعَام وَهُوَ بَارِد بِالْفِعْلِ بِالْقِيَاسِ إِلَى ذَلِك المزاج سكن وَكَذَلِكَ رُبمَا شرب على الرِّيق مَاء بَارِدًا فهاجت الشَّهْوَة والمحمور يُعِيد شَهْوَته تنَاول ثريد منقوع فِي المَاء الْبَارِد وَإِذا حدث خمار من شراب مشروب على خلط هائج هَاجَتْ الشَّهْوَة إِلَى الشورباجات وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْمُبْطل للشهوة برودة فَدخل طَعَام حَار بِالْفِعْلِ أَو أحرّ مِنْهُ بِالْفِعْلِ. وَسُقُوط الشَّهْوَة فِي الْأَمْرَاض المزمنة دَلِيل رَدِيء جدا.(2/439)
وَاعْلَم أَن أَسبَاب بطلَان الشَّهْوَة هِيَ بِعَينهَا أَسبَاب ضعف الشَّهْوَة إِذا كَانَت أقل وأضعف. العلامات: عَلامَة مَا يكون بِسَبَب الأمزجة قد عرفت وعلامة مَا يكون من قلَّة التحلّل تكاثف الْجلد وَالتَّدْبِير المرفه مِمَّا قد سلف ذكره وَكَثْرَة البرَاز ونهوض الشَّهْوَة يَسِيرا عقيب الرياضة والاستفراغ. وعلامة مَا يكون من ضعف فمّ الْمعدة مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الضعْف وَمِنْهَا الاستفراغات الْكَثِيرَة. وعلامة مَا يكون سَببه الْهَوَاء هُوَ مَا يتعرف من حَال الْمَرِيض فِيمَا سلف هَل لَاقَى هَوَاء شَدِيد الْبرد أَو شَدِيد الْحر. وعلامة مَا يكون من قُرُوح الوجع الْمَذْكُور فِي بَاب القروح وَخُرُوج شَيْء مِنْهَا فِي البرَاز واستطلاق الطبيعة وَقلة مكث الطَّعَام فِي الْمعدة ولذع مَاله كَيْفيَّة حامضة أَو حريفة أَو مرّة. وعلامة مَا يعرض للحبالى الْحَبل. وعلامة الْخَلْط العفن الغثيان وتقلب النَّفس والبخر فِي الْأَوْقَات وَالْبرَاز الرَّدِيء. وعلامة مَا يكون من انْقِطَاع السَّوْدَاء المنصبّ من الطحال إِن هَذَا الْإِنْسَان إِذا تنَاول الحوامض فدغدغت معدته وَدفعت عَادَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَة كَأَنَّهَا تفعل فعل السَّبَب الْمُنْقَطع لَو لم يَنْقَطِع. ويؤكد هَذِه الدّلَالَة عظم الطحال ونتوءه لاحتباس مَا وَجب أَن ينصب عَنهُ. وعلامة مَا يكون من سَوْدَاء كَثِيرَة الانصباب مؤذية للمعدة قيء السَّوْدَاء وَطعم حامض ووسواس وَتغَير لون اللِّسَان إِلَى سَواد. وعلامة مَا يكون بِسَبَب الديدان عَلامَة الديدان ونهوض هَذِه الشَّهْوَة إِذا اسْتعْمل الصَّبْر فِي شراب التفاح ضماد فنحى الديدان عَن أعالي الْبَطن. وعلامة مَا يكون لقلَّة الدَّم أَن يعرض للناقهين أَو لمن يستفرغ استفراغاً كثيرا. وعلامة مَا يكون بِسَبَب النّوم سوء حَال النّوم مَعَ عدم سَائِر العلامات وعلامة مَا يكون السَّبَب فِيهِ موت الشَّهْوَة عَلامَة سوء مزاج مستحكم أَو استفراغات مَاضِيَة مضعفة للبدن كُله وَأَن يصير الْمَرِيض بِحَيْثُ إِذا اشْتهى شَيْئا فقدّم إِلَيْهِ هرب مِنْهُ وَنَفر عَنهُ. وَأعظم من ذَلِك أَن لَا يَشْتَهِي أصلا. وعلامة مَا يكون لبُطْلَان حس فَم الْمعدة وَضَعفه أَن لَا تكون سَائِر الْأَفْعَال صَحِيحَة وَأَن تكون الْأَشْيَاء الحريفة لَا تذع وَلَا تغثّي وَلَا تحدث فواقاً كالفلافلي إِذا أَخذ على الرِّيق المعالجات: من العلاج الْجيد لمن لَا يَشْتَهِي الطَّعَام لَا لحرارة غالبة أَن يمْنَع الطَّعَام مُدَّة ويقلل عَلَيْهِ حَتَّى ينعش قوته ويهضم تخمته ويحوج إِلَى استنقاء معدته وينشط للطعام كَمَا يعرض لصَاحب السهر أَنه إِذا منع النّوم مُدَّة صَار نؤوماً يغرق فِي النّوم وَمِمَّا يشهيه وَينْتَفع بِهِ من سَقَطت شَهْوَته لضعف كالناقهين أَو لمادة رطبَة لزجة أَن يطعموا زيتون المَاء وشيئاً من السّمك المالح وَأَن يجرعوا خلّ العنصل قَلِيلا قَلِيلا وَيجب أَن يجنب طَعَامه الزَّعْفَرَان أصلا.(2/440)
وَأما الْملح المألوف. فَإِنَّهُ أفضل مشه. وَمن المشهيات الْكبر المطيّب والنعناع والبصل وَالزَّيْتُون والفلفل والقرنفل والخولنجان والخل والمخلّلات من هَذِه وخلولها والمري أَيْضا وَأَيْضًا البصل والثوم والقليل من الحلتيت. والصحناء أَيْضا تبْعَث الشَّهْوَة وتنقي مَعَ ذَلِك فَم الْمعدة وَمن الْأَدْوِيَة المفتقة للشهوة الدَّوَاء الْمُتَّخذ من عصارة السفرجل وَالْعَسَل والفلفل الْأَبْيَض والزنجبيل. وَمن الْأَدْوِيَة المفتقة لشَهْوَة من بِهِ مزاج حَار أَو حمّى جوارشن السفرجل الْمُتَّخذ بالتفاح الْمَذْكُور فِي القراباذين. وَمِمَّا يفتّق الشَّهْوَة وَيمْنَع تقلب الْمعدة مِمَّن لَا تقبل معدته الطَّعَام رب النعناع على هَذِه الصّفة. ونسخته: يدقّ الرُّمَّان الحامض مَعَ قشره وَيُؤْخَذ من عصارته جُزْء وَمن عصارة النعناع نصف جُزْء وَمن الْعَسَل الْفَائِق أَو السكر نصف جُزْء يقوم بالرفق على النَّار والشربة مِنْهُ على الريته ملعقة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الْحَرَارَة فَرُبمَا أصلحه شرب المَاء الْبَارِد بِقدر لَا يُمِيت الغريزة وينفع مِنْهُ اسْتِعْمَال الربوب الحامضة. وَمِمَّا جرّب فِيهِ سقِِي مَاء الرُّمَّان مَعَ دهن الْورْد وخصوصاً إِذا كَانَت هُنَاكَ مَادَّة وَإِن غلب الْعَطش فحليب الْحُبُوب الْبَارِدَة مَعَ الربوب المبرّدة والأضمدة المبرّدة فَإِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة استفرغتها أَولا. وَمن جملَة هَؤُلَاءِ هم الناقهون الخارجون عَن الحمّيات وبهم بَقِيَّة حدّة وعلاجهم هَذَا العلاج إِلَّا أَنهم لَا يحمل عَلَيْهِم بِالْمَاءِ الْبَارِد الْكثير لِئَلَّا تسْقط قوى معدتهم وَالْوَاجِب أَن يسقوا هَذَا الدَّوَاء ونسخته: ورد عشرَة دَرَاهِم سمّاق دِرْهَمَانِ قاقلة دِرْهَم يقرّص والشربة وزن دِرْهَمَيْنِ فَإِنَّهُ مشهّ قَاطع للعطش. وَمِمَّا يشهّيهم السويق المبلول بِالْمَاءِ والخل وينفعهم التقيئة بِإِدْخَال الإصبع فَإِنَّهُ يُحَرك الْقُوَّة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الْبرد فَإِن طبيخ الأفاويه نَافِع مِنْهُ وَكَذَلِكَ الشَّرَاب الْعَتِيق والفلافلي والترياق خَاصَّة. وَأَيْضًا الثوم فَإِنَّهُ شَدِيد الْمَنْفَعَة فِي ذَلِك والفوذنجي شَدِيد الْمُوَافقَة لَهُم وَجَمِيع الجوارشنات الحارة وَكَذَلِكَ الأترج المربّى والاهليلج المربّى والشقاقل المربّى والزنجبيل المربى. وينفعهما التكميدات وخصوصاً بالجاورس فَإِنَّهُ أوفق من الْملح. وَأما الْكَائِن بِسَبَب بلغم كثير لزج فينفع مِنْهُ الْقَيْء بالفجل الْمَأْكُول المشروب عَلَيْهِ السكنجبين العسلي الْمُفْرد على مَا فسّر فِي بَاب العلاج الْكُلِّي. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ السكجبين الْبزورِي العسلي الَّذِي يلقى على كل مَا جعل فِيهِ من الْعَسَل منا وَاحِد من الصَّدْر ثَلَاث أَوَاقٍ ويسقى كل يَوْم ثَلَاث ملاعق وَأَيْضًا زيتون المَاء مَعَ الأنيسون وَالْكبر المخلّل بالعسل. وينفع مِنْهُ أَيْضا اسْتِعْمَال مياه الحمات والأسفار والحركات ويعالج بعد التنقية بِمَا ذكر فِي تَدْبِير سُقُوط الشَّهْوَة بِسَبَب الْبرد. والكائن بسب خلط مراري أَو خلط رَقِيق يستفرغ بِمَا تَدْرِي من الهليلجات.(2/441)
والسكنجبين بِالصبرِ خير من السكنجبينِ بالسقمونيا فَإِن السقمونيا معادٍ للمعدة ويعالج أَيْضا بالقيء الَّذِي يخرج الأخلاط الرقيقة. وطبيخ الأفسنتين أَيْضا فَإِنَّهُ غَايَة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب مُشَاركَة العصب الْموصل للحسّ أَو مُشَاركَة الدِّمَاغ نَفسه فَإِنَّهُ يجب أَن ينحى نَحْو علاج الدِّمَاغ وتقويته. وَأما الْكَائِن بِسَبَب التكاثف وَقلة مص الْعُرُوق من الكبد فَيجب أَن يخلخل الْبدن بالحمّام والرياضة المعتدلة والتعريق وبالمفتّحات. وَأما الْكَائِن بِسَبَب السَّوْدَاء فَيَنْبَغِي أَن تستفرغ السَّوْدَاء ثمَّ تسْتَعْمل الموالح والكواميخ والمقطعات لتقطيع مَا بَقِي مِنْهُ ثمَّ اسْتعْمل الأغذية الْحَسَنَة الكيموس العطرة. وَأما الْكَائِن لانْقِطَاع السَّوْدَاء فعلاجه علاج الطحال وتقويته وتفتح المسالك من الطحال والمعدة بالأدوية الَّتِي لَهَا حَرَكَة إِلَى جِهَة الطحال مثل الأفتيمون وقشور أصل الْكبر فِي السكنجبين وَكَذَلِكَ الْكبر المخلل. وَأما الحبالى فقد يثير شهوتهن إِذا سَقَطت مثل المشيء المعتدل والرياضة المعتدلة والفصد فِي المأكل وَالْمشْرَب وَالشرَاب الْعَتِيق الريحاني المقوّي للقوة الدافعة المحلّل للمادة الرَّديئَة وَعرض الأغذية اللذيذة وَمَا فِيهِ حرارة وتقطيع. والكائن لسُقُوط الْقُوَّة المشهّية فَيجب أَن يُبَادر إِلَى إصْلَاح المزاج الْمسْقط لَهُ أَي مزاج كَانَ وإحالته إِلَى ضِدّه. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ عقيب الإسهالات والسجوج فَذَلِك لمَوْت الْقُوَّة. وَأما الْكَائِن لضعف الْقُوَّة مِنْهُم فَيجب أَن يُحَرك الْقَيْء مِنْهُم بالأصابع فَإِنَّهُم وَإِن لم يتقيئوا سيجدون ثوراناً من الْقُوَّة الشهوانية وَرُبمَا أحوجوا إِلَى سقِِي الترياق فِي بعض الْأَشْرِبَة المعدية كشراب الأفسنتين أَو شراب حبّ الآس بِحَسب الأوفق. وَأما الْكَائِن بِسَبَب ضعف حسّ الْمعدة فَيجب أَن يعالج الدِّمَاغ وَيبرأ السَّبَب الَّذِي أَدخل الآفة فِي فعله. وَاعْلَم أَن الْقَيْء المنقّى بالرفق دَوَاء عَجِيب لمن تسْقط مِنْهُ الشَّهْوَة عَن الحلو وَالدَّسم ويقتصر على الحامض والحريف. وَمِمَّا ينفع أَكثر أَصْنَاف ذهَاب الشَّهْوَة كندر ومصطكي وعود وسكّ وقصب الذريرة وجلِّنار وَمَاء السفرجل بِالشرابِ الريحاني إِذا ضمّد بهَا إِذا لم يكن من يبس. وَمِمَّا ينفع شراب الأفسنتين وَأَن يُؤْخَذ كل يَوْم وزن دِرْهَم من أصُول الأذخر وَنصف دِرْهَم سنبل يشرب بِالْمَاءِ على الرِّيق. والمعجون الْمَنْسُوب إِلَى ابْن عباد الْمَذْكُور فِي القراباذين نَافِع أَيْضا. وَقد قيل أَن الكرسنّة المدقوقة إِذا أَخذ مِنْهَا مِثْقَال بِمَاء الرُّمَّان المز كَانَ مهيّجاً للشهوة وَإِذا أدّى سُقُوط الشَّهْوَة إِلَى الغشي فعلاجه تقريب المشمومات اللذيذة من الأغذية إِلَى الْمَرِيض مثل الحملان والجداء الرضع المشوية والدجاج المشوي وَغير ذَلِك وَيمْنَعُونَ النّوم ويطعمون عِنْد افاقة خبْزًا مغموساً فِي شراب ويتناولون إحساء سرعَة الْغذَاء. وَاعْلَم أَن جلّ الأدهان - خُصُوصا السّمن - فَإِنَّهَا تسْقط الشَّهْوَة أَو تضعفها بِمَا(2/442)
ترخّي وَبِمَا تسد فوهات الْعُرُوق. وأوفقها مَا كَانَ فِيهِ قبض مَا كزيت الأنفاق ودهن الجز ودهن الفتسق. فصل فِي فَسَاد الشَّهْوَة أَنه إِذا اجْتمع فِي الْمعدة خلط رَدِيء مُخَالف للمعتاد فِي كيفيته إشتاقت الطبيعة إِلَى شَيْء مضاد لَهُ. والمضاد للمخالف الْمُعْتَاد مُخَالف للمعتاد فإنّ المنافيات هِيَ الْأَطْرَاف وَبِالْعَكْسِ. فَلذَلِك يعرض لقوم شَهْوَة الطين بل الفحم وَالتُّرَاب والجصّ وَأَشْيَاء من هَذَا الْقَبِيل لما فِيهَا من كَيْفيَّة ناشفة ومقطّعة تضَاد كَيْفيَّة الْخَلْط. وَقد يعرض للحبلى لاحتباس الطمث شَهْوَة فَاسِدَة أَكثر من أَن يعرض لَهَا بطلَان الشَّهْوَة. وَالسَّبَب فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ إِلَى قريب من شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة وَذَلِكَ لِأَن الطمث مِنْهَا يحتبس لغذاء الْجَنِين وَلِأَنَّهُ إِن سَالَ خيف عَلَيْهَا الْإِسْقَاط ثمَّ لَا يكون بالجنين فِي أَوَائِل الْعلُوق حَاجَة إِلَى غذَاء كثير لصِغَر جثته فيفصل مَا يحتبس من الطمث عَن الْحَاجة فَيفْسد وتكثر الفضول فِي الرَّحِم وَفِي الْمعدة فَإِذا صَار الْجَنِين مُحْتَاجا إِلَى فضل غذَاء وَذَلِكَ عِنْد الرَّابِع من الْأَشْهر قل هَذَا الْفضل وَقلت هَذِه الشَّهْوَة وَهِي الَّتِي تسمى الوحم والوحام. وَأصْلح مَا تَتَغَيَّر هَذِه الشَّهْوَة أَن يكون إِلَى الحامض والحريف وأفسده أَن يكون إِلَى الجاف واليابس مثل الطين والفحم والخزف. وَقد يعرض مثل ذَلِك للرِّجَال بِسَبَب الفضول. المعالجات لفساد الشَّهْوَة: يجب أَن يستفرغ الْخَلْط الْمُوجب للشهوة الْفَاسِدَة بِمَا ذكرنَا من الْأَدْوِيَة الَّتِي يجب اسْتِعْمَالهَا. وَمن التَّدْبِير المجرّب لذَلِك أَن يُؤْخَذ سمك مليح وفجل منقوع فِي السكنجبين ويؤكلان ثمَّ يشرب عَلَيْهِمَا مَاء طبخ فِيهِ لوبيا أَحْمَر وملح وشبث وحرف وبزر جرجير ويسقى سقيا. وَرُبمَا جعل فِيهِ الطين الْمَوْجُود فِي الزَّعْفَرَان مِقْدَار ثَلَاثَة دَرَاهِم ويقيأ بِهِ فِي الشَّهْر مرّة أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ يسْتَعْمل معجون الهليلج بجوز جندم. وَمِمَّا ينفع فِي ذَلِك كمّون كرماني ونانخواه يمضغان على الرِّيق وَبعد الطَّعَام ويؤكل سفوفاً أَو يُؤْخَذ وزن دِرْهَم قاقلة صغَار وَمثله كبار وَمثله كبابة وَمثل الْجَمِيع سكّر طبرزذ وَيُؤْخَذ كل يَوْم. وَمن الْأَدْوِيَة المركبة بجفت البلوط الشَّدِيدَة النَّفْع مثل الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه ونسخته: يُؤْخَذ جَفتْ البلوط ثَمَانِيَة دَرَاهِم صَبر سِتَّة عشر درهما حشيشة الغافت سِتَّة دَرَاهِم أصل الأذخر أَرْبَعَة دَرَاهِم مر دِرْهَمَانِ يرض الْجَمِيع ويطبخ فِي رطلين مَاء حَتَّى يبْقى النّصْف ويسقى كل يَوْم ثلث رَطْل ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَة. وَأَيْضًا جَفتْ وزن دِرْهَمَيْنِ أنيسون ثَلَاثَة دَرَاهِم زبيب سَبْعَة دَرَاهِم إهليلج أسود(2/443)
بليلج أملج من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم خبث الْحَدِيد منقوع فِي الْخلّ الحاذق مرَارًا وَقد قلي كل مرّة على الطاجن وزن عشرَة دَرَاهِم يطْبخ بثمان أَوَاقٍ شراب عفص وثمان أَوَاقٍ مَاء حَتَّى يتنصف وَيُعْطى على الرِّيق سَبْعَة أَيَّام. وَأما شَهْوَة الطين فَيجب فِي علاجها أَن يستفرغ الْخَلْط المستدعى لذَلِك بالقيء الْمَعْلُوم لمثله مثل الَّذِي يكون بعد أكل السّمك المالح بِمَاء اللوبيا والفجل والشبث وَمَا هُوَ أَيْضا أقوى من هَذَا وَإِن احْتِيجَ أَيْضا إِلَى إسهال فعل وَمن ذَلِك الاستفراغ بالتربد وَحب البرنج وَالْملح النفطي فَإِنَّهُ نَافِع وخصوصاً إِن كَانَ هُنَاكَ ديدان ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَعْمل الْأَدْوِيَة الخبيثة وَغَيرهَا الْمَذْكُورَة فِي القراباذين. وَيجب أَن يتَّخذ من المصطكي والكمون والنانخواه علك يمضغه وَأَن يُؤْخَذ من القاقلتين من كل وَاحِد مِنْهُمَا دِرْهَم وَمن السكر الطبرزذ مثل الْجَمِيع على الرِّيق ويتحسى عَلَيْهِ مَاء فاتر مرَارًا كَثِيرَة قَلِيلا قَلِيلا. وَمِمَّا جرب لَهُم هَذَا المعجون ونسخته: يُؤْخَذ هليلج وبليلج وأملج وَجوز جندم مصطكي قاقلة كبار نانخواه زنجبيل من كل وَاحِد حسب مَا تعلم قوانين ذَلِك وَترى المزاج وَالْعلَّة بِقدر ذَلِك ثمَّ يعجن بِعَسَل وَيشْرب قبل الطَّعَام ربعه قدر الجوزة. وَمن التَّدْبِير الْجيد فِيهِ أَن يقيأ صَاحبه وَيصْلح مزاج معدته ثمَّ يُؤْخَذ الطين الْجيد وَيحل فِي المَاء وَيجْعَل فِيهِ من الْأَدْوِيَة المقيئة مَا لَيْسَ لَهُ طعم ظَاهر ثمَّ يَجْعَل فِيهِ من الْملح مَا يطيبه ثمَّ يجفف ويشمس وَيلْزم مشتهي الطين أَن يتَنَاوَل مِنْهُ شَيْئا يكون فِيهِ من الدَّوَاء مَا لَا يزِيد على شربة أَو شربة وَنصف فَإِنَّهُ يتقيأه مَعَ مَا أكله وخصوصاً إِن كَانَ شَيْئا قَبِيح الْقَيْء مثل الكرنب وَنَحْوه فينفض الطين. وَقد زعم بَعضهم أَن أَنْفَع مَا خلق الله تَعَالَى لدفع شَهْوَة الطين أَن يطعم على الرِّيق من فراخ مشوية وينتقل بهَا بعد الطَّعَام قَلِيلا قَلِيلا. والتنقل بالنانخواه عَجِيب جدا وَكَذَلِكَ باللوز المر. وَقد ادّعى بَعضهم أَن شرب سكرجة من الشيرج تقطعها وَيَنْبَغِي أَن يعول فِي هَذَا على التجربة لَا على الْقيَاس. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ مَعَ نِيَابَة الطين الْجَوْز جندم ومص المملّحات وَلَو من الْحِجَارَة. وَقد جرب نشا الْحِنْطَة وخصوصاً المملح. وَمِمَّا جرّب لَهُم أَن يُؤْخَذ من الزَّبِيب العفص ثَمَان أَوَاقٍ يطْبخ حَتَّى يبْقى نصف رَطْل ويصفى ويسقى على الرِّيق أسبوعا. وَمِمَّا يجب أَن يستعملوه فِي الانقال الفستق وَالزَّبِيب والشاهبلوط والقشمش. وَقد جرّب لبَعْضهِم أَن يتَنَاوَل الزرباجة وفيهَا سمَك صغَار وبصل وكرويا وزيت مغسول والأفاويه مثل الفلفل والزنجبيل والسذاب قيل أَنه شَدِيد النَّفْع مِنْهُ وَقد ذكرنَا تَدْبِير من يَشْتَهِي الحامض والحريف دون الحلو وَالدَّسم وآثر الْقَيْء فِي غير هَذَا الْموضع. فصل فِي الْجُوع واشتداده وَفِي الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة كثيرا مَا تهيج هَذِه الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة بعد الاستفراغات والحمّيات المتطاولة(2/444)
المحلّلة للبدن. وَقد يعرض لضعف الْقُوَّة الماسكة فِي الْبدن فيدوم التَّحَلُّل المفرط وتدوم الْحَاجة إِلَى شدّة تَبْدِيل وَقد تعرض الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة لحرارة مفرطة فِي فَم الْمعدة تحلّل وتستدعي الْبَدَل فَيكون فَم الْمعدة دَائِما كَأَنَّهُ جَائِع. وَهَذَا فِي الْأَكْثَر يعطش وَفِي بعض الْأَحْوَال يجوّع إِذا أفرط تَحْلِيله وَإِنَّمَا المجوع فِي الْأَكْثَر هُوَ إفراط الْحَرَارَة فِي الْبدن كُله وَفِي أَطْرَافه فَإِن الْحَرَارَة وَإِن كَانَت إِذا اخْتصّت بِفَم الْمعدة شهت المَاء والسيالات المرطبة فَإِنَّهَا إِذا استولت على الْبدن حللت وأحوجت الْعُرُوق إِلَى مص بعد مص حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى فَم الْمعدة بالتقاضي المجيع وَرُبمَا كَانَت هَذِه الْحَرَارَة وَارِدَة من خَارج لاشتمال الْهَوَاء الْحَار على الْبدن إِذا صادفت تخلخلاً مِنْهُ وَإجَابَة إِلَى التَّحْلِيل وحاجة وَقد يكون فضل تخلخل الْبدن وَحده سَببا فِي ذَلِك إِذا كَانَت هُنَاكَ حرارة باطنة منضجة محللة وَلَا سِيمَا إِن كَانَ هُنَاكَ حرارة خَارِجَة أَو مَعُونَة من ضعف الماسكة. وَقد يعرض أَيْضا من النَّوَازِل من الرَّأْس. وَذَلِكَ فِي النَّادِر وَقد يكون بِسَبَب الديدان والحيات الْكِبَار إِذا بادرت إِلَى المطعومات ففازت بهَا وَتركت الْبدن والمعدة جائعين. وَقد يكون الْخَلْط حامض إِمَّا سَوْدَاء وَإِمَّا بلغم حامض يدغاع فَم الْمعدة وَيفْعل بِهِ كَمَا يفعل مص الْعُرُوق المتقاضية بالغذاء وخصوصاً وَيلْزمهُ أَن يتكاثف مَعَه الدَّم ويتقلص فيحس فِي فوهات الْعُرُوق مثل الْجلاء المصّاص. وَأَيْضًا فَإِن الحامض بتقطيعه ودباغته ينحي الأخلاط اللزجة إِن كَانَت فِي فَم الْمعدة الَّتِي تضَاد الشَّهْوَة لِأَن الْحَرَكَة مَعَ حُصُول مثل هَذِه الأخلاط اللزجة تكون إِلَى الدّفع أَشد مِنْهَا إِلَى الجذب. وَأَيْضًا فَإِن لِيف الْمعدة تشتد حركته إِلَى التكاثف والتقبّض الَّذِي يعتري مثله عِنْد حَرَكَة مص الْعُرُوق وحركة الْقُوَّة الجاذبة. وَالَّذِي يعرض من كلب الْجُوع للمسافرين فِي الْبرد الشَّديد قد يجوز أَن يكون بِهَذَا السَّبَب وَنَحْوه. وَمن الْأَسْبَاب المحرّكة للشهوة والجوع السهر بفرط تَحْلِيله وجذبه الرطوبات إِلَى خَارج تَابعه لانبساط الْحَرَارَة إِلَى خَارج. وَاعْلَم أَن الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة كثيرا مَا تتأدّى إِلَى بوليموس وسبات ونوم. العلامات: عَلامَة مَا يكون عقيب الاستفراغات والأمراض المحللة تقدّمها وَأَن لَا تكون الطبيعة فِي الْأَكْثَر منحلة لِأَن الْبدن يجذب بلّة الْغذَاء إِلَى نَفسه فيجفف الثفل وعلامة مَا يكون من برودة قلَّة الْعَطش وَكَثْرَة التفل والنفخ وَسَائِر عَلَامَات هَذَا المزاج وَمن جملَة ذَلِك برودة الْهَوَاء المطيّف. وعلامة مَا يكون من حرارة أَن يكون الْعَطش قَوِيا يكون وَلَا يكون قيء حامض وَتَكون الطبيعة فِي الْأَكْثَر معتقلة وَسَائِر عَلَامَات هَذَا المزاج. وعلامة ّ مَا يكون من ضعف الْقُوَّة الماسكة فِي الْبدن(2/445)
كُله وَفِي الْمعدة كَثْرَة خُرُوج البرَاز الْفَج وتأدّي الْحَال إِلَى الذرب وَسَائِر العلامات الْمُنَاسبَة الْمَعْلُومَة. وعلامة مَا يكون من كَثْرَة التحلّل مَا سلف ذكره من أَسبَاب التَّحَلُّل الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب الأول وَأَن لَا يكون فِي الهضم آفَة. وَمن جملَة هَذِه العلامات السَّبَبِيَّة حرارة الْهَوَاء المطيّف بِهِ والسهر وَنَحْوه. وعلامة مَا يكون من خلط حامض أَو سَوْدَاء قلَّة شَهْوَة المَاء وحموضة الجشاء وَسَائِر العلامات الْمُنَاسبَة الْمَعْلُومَة. وعلامات النَّوَازِل من الرَّأْس مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَابهَا. وعلامة الديدان مَا عرف فِي مَوْضِعه وَمَا نذكرهُ فِي بَابهَا. المعالجات: أما مَا يكون من برد وَفضل بلغم فَيجب أَن يعالج بالتنقية الْمَعْرُوفَة بالمسخّنات الْمَذْكُورَة وَالشرَاب الْكثير الَّذِي لَا عفوصة فِيهِ وَلَا حموضة الْبَتَّةَ فيشفي بهما يسقى مِنْهُ سخناً على الرِّيق فانه أَنْفَع علاج لَهُم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون بهم إسهال فَيجب أَن يجنبوا الشَّرَاب كُله فَإِن الْقَابِض يزِيد فِي كلبهم والمرّ يزِيد فِي إسهالهم. وَيجب أَن يكون مَا يغذون بِهِ دسماً حَار المزاج مثل مَا يدسم باهال الْجمال. وَالزَّيْت نَافِع لَهُم إِذا لم يكن فِيهِ عفوصة وحموضة والجوذاب نَافِع لَهُم. وَمِمَّا يجب أَن يطعموه صفرَة الْبيض مشوية جَداً بعد الطَّعَام وَيجب أَن يبعد عَن الحامض والعفص وتستعمل لَهُم الجوارشنات العطرة كالجوزي وكجوارشن النارمشك وخصوصاً إِذا كَانَ بهم إسهال. وَمن المسوحات النافعة لَهُم مسك ولاذن وَقد جرّب لَهُم حَبَّة الخضراء على الرِّيق أَيَّامًا. وَأما مَا كَانَ عَن ضعف الْقُوَّة الماسكة فَإِنَّهَا - وَإِن كَانَت فِي الْأَكْثَر تضعف بِسَبَب الْبرد - فقد تضعف هِيَ وكل قُوَّة بِسَبَب كل سوء مزاج وَلَا تلْتَفت إِلَى قَول من يُنكر هَذَا ويستغلظه بل يجب أَن يتعرف المزاج ويقابل بالضد من العلاج حسب مَا تعلم قوانين ذَلِك. والأغلب مَا يكون مَعَ رُطُوبَة وَهَؤُلَاء يَنْفَعهُمْ الْجَوْزِيّ جدا فَإِن كَانَت طبيعتهم شَدِيدَة الانطلاق فاحبسها فَإِن فِي حَبسهَا علاجاً شَدِيدا قَوِيا لهَذَا الدَّاء. وَأما من عرض لَهُ هَذَا عقيب الحميّات والاستفراغات فَيجب أَن يغذى بِمَا ينقي مَا فِي فَم الْمعدة من الدسومات الَّتِي لَيست برديئة الْجَوْهَر مثل دهن اللوز بالسكر وَأَن يكثف مِنْهُم ظَاهر الْبدن وَكَذَلِكَ علاج مَا يعرض بِسَبَب التحلّل الْكثير وَيجب أَن لَا يتعرّض صَاحب هَذَا النَّوْع من جوع الْكَلْب للمسخنات والأشربة بل يغذى من الْأَطْعِمَة الْبَارِدَة ويطلى من خَارج بِمَا يسدّ المسام مثل دهن الآس وخصوصاً قيروطياً وَمن الشب المدوف فِي الخلّ وَيسْتَعْمل الِاغْتِسَال بِالْمَاءِ الْبَارِد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون مَانع وَيجب أَن تكون أغذيته بَارِدَة لزجة غَلِيظَة كالبطون والمخللات والمحمضات والمعقودات وَالْخبْز الفطير وكما يجد من هَذَا التَّدْبِير نفعا فَعَلَيهِ أَن يهجره(2/446)
قَلِيلا قَلِيلا بالتدريج ويتلافى غائلته وَكَذَلِكَ من كَانَ سَبَب جوعه الْكَلْبِيّ تخلخل الْبدن. وَأما مَا كَانَ بِسَبَب الديدان والحيات فَيجب أَن يميتها ويخرجها بِمَا نذْكر فِي بَاب الديدان وَأَن يغذّى بالأغذية الْبَارِدَة الغليظة وَالْخبْز المنقوع فِي المَاء الْبَارِد وَمَاء الْورْد وَمَا لم يهرأ فِي الطَّبْخ من لحْمَان الديوك والدجج والسمك وَيسْتَعْمل الْفَوَاكِه القابضة. وَأما مَا كَانَ بِسَبَب بلغم حامض فَيجب أَن يتَنَاوَل صَاحبه مَا يَقع فِيهِ الصعتر والخردل والفلفل وَأَن يطعم الْعَسَل والثوم والبصل والجوز واللوز والدسومات والشحوم كشحوم الدَّجَاج وَنَحْوهَا. وَالْغَرَض فِي بَعْضهَا التسخين وَذَلِكَ الْبَعْض هُوَ الْأَدْوِيَة الحارة الْمَذْكُورَة وَفِي بَعْضهَا تَعْدِيل الحموضة وَذَلِكَ الْبَعْض هُوَ الأغذية الدسمة الْمَذْكُورَة. وَمن كَانَ قَوِيا يحْتَمل الإسهال استسهل بعد اسْتِعْمَال هَذِه الملطّفات بالأيارج مقوى بِمَا يقوى بِهِ ثمَّ أعْطى الدسومات. وَأما الصّبيان فَإِذا لطفوا بِمثل البصل والثوم والأغذية الملطفة فليدم سقيهم مَاء حاراً بعد التَّدْبِير بالملطّفات فَإِن ذَلِك يغسل أخلاطهم. وَأما مَا كَانَ بِسَبَب سَوْدَاء تنصب دَائِما فَرُبمَا احتيجوا إِلَى فصد الباسليق الْأَيْسَر إِن كَانَ الدَّم فيهم كثيرا فيرسب سَوْدَاء كَثِيرَة كثرته وَكَانَ الطحال وارماً وَيسْتَعْمل فِي استفراغاتهم مَا رسم فِي القانون ويهجرون الحوامض والقوابض وَرُبمَا نفعهم الْحجامَة على الطحال. وَأما النّصْف الَّذِي يكون من الْحَرَارَة فيعالج بِمَا تَدْرِي وَيُعْطى الأغذية اللطيفة والقثاء والبطيخ والقرع وَغير ذَلِك ويجنب الْهَوَاء الْحَار. فصل فِي الْجُوع الْمُسَمّى بوليموس بوليموس هُوَ الْمَعْرُوف بِالْجُوعِ البقري وَهُوَ فِي الْأَكْثَر يتقدمه جوع كَلْبِي وَتبطل الشَّهْوَة بعده وَقد لَا يكون بعده بل تبطل الشَّهْوَة أصلا ابْتِدَاء وَهُوَ جوع الْأَعْضَاء مَعَ شبع الْمعدة فَتكون الْأَعْضَاء جائعة جدا مفتقرة إِلَى الْغذَاء والمعدة عائقة لَهُ. وَرُبمَا تأدى الْأَمر فِيهِ إِلَى الغشي وَتَكون الْعُرُوق خَالِيَة لَكِن الْمعدة عائقة للغذاء كارهة. وَقد يعرض كثيرا للمسافرين فِي الْبرد المصرودين الَّذين تكثف معدهم بالبرد الشَّديد. وَسَببه سوء مزاج بل لقُوَّة الحسّ وَقُوَّة الجذب. وَقد يكون من أخلاط مغشيّة لفم الْمعدة محللة وفاشية فِي ليفه تحرّك إِلَى الدّفع وتعاق بالجذب وتعرف العلامات بِمَا تكَرر عَلَيْك وَذكر فِي القانون. هُوَ علاج سُقُوط الشَّهْوَة أصلا وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يشمّم الْأَطْعِمَة المشهية المفوهة والفواكه العطرة والطيوب المشمومة الَّتِي فِيهَا قبض مَا لِتجمع الْقُوَّة فَلَا تتحلّل ويلقم الْخبز المنقع فِي الشَّرَاب الطّيب ويسقى أَو يجرع من النَّبِيذ(2/447)
الريحاني وخصوصاً إِن خالطه كافور فِي الْحَار المزاج أَو عود وسك فِي غَيره. وينفعهم مِنْهُ شراب السوسن إِن لم يكن سَببه الْحَرَارَة. وَيجب أَن ترْبط أَيْديهم وأرجلهم ربطاً شَدِيدا وَأَن يمنعوا النّوم وَأَن يوجعوا إِذا نعسوا بنخس وقرص وَضرب بقضيب دَقِيق لدن ليوجع وَلَا يرض إِن لم يكن سَببه الْحَرَارَة. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ أَن يُؤْخَذ كعك فيمرس فِي الميسوسن أَو فِي النضوخات العطرة ويضمّد بِهِ الْمعدة وخصوصاً فِي حَال الغشي ويكمد بِهِ أَيْضا المراهم العطرة مثل مرهم الصنوبر ومرهم المورد اسفرم وَقد ينفع أَيْضا أَن يسْتَعْمل على معدهم الأضمدة المتخذة من الْأَدْوِيَة القلبية الطّيبَة الرّيح أَيْضا وَأَن يبخّروا البخورات العنبرية وتضمّد مفاصلهم بضماد متخذ بِمَاء الْورْد وَمَاء الآس والميسوسن والكافور والمسك والزعفران وَالْعود والسمك والورد وَيُدبر فِي إسخان أبدانهم إِن كَانَ السَّبَب الْبرد وتبريدها إِن كَانَ السَّبَب الْحَرَارَة وَإِذا غشي عَلَيْهِم فعل بهم أَيْضا مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الغشي ويرشق على وُجُوههم المَاء الْبَارِد وتشدّ أَيْديهم وأرجلهم وتنخس أَقْدَامهم وتمدّ شُعُورهمْ وآذانهم فَإِذا أفاقوا أطعموا خبْزًا منقوعاً فِي شراب ريحاني وَإِن كَانَ فِي معدهم خلط مراري أَو رَقِيق سقوا قدر ملعقتين من السكنجبين بمثقال من الأيارج أَو أقل إِن كَانَ ضَعِيفا وَإِلَّا كَانَ برودة مفرطة سقوا الترياق والشجرينا والدحمرثا ومعجون أصطمحيقون وجوارشن البزور فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي الْجُوع المغشّي وَمن الْجُوع ضرب يُقَال لَهُ الْجُوع المغشيّ وَهُوَ أَن يكون صَاحب هَذَا الْجُوع لَا يملك نَفسه إِذا جَاع وَإِذا تَأَخّر عَنهُ الطَّعَام غشي عَلَيْهِ وَسَقَطت قوته. وَسَببه حرارة قَوِيَّة وَضعف فِي فَم الْمعدة شَدِيد. المعالجات: هَذَا الْمَرَض قريب العلاج من علاج بوليموس وَقد سلف جلّ قانون تَدْبيره فِي بَابي أوجاع الْمعدة وبوليموس. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن علاجه يَنْقَسِم إِلَى علاج صَاحبه فِي حَال الغشي وَقد ذكر فِي بَاب الغشي وَإِلَى معالجته إِذا أَفَاق وَهُوَ أَن يطعم خبْزًا مثروداً فِي شراب بَارِد وشراب الْفَوَاكِه ثمَّ سَائِر التَّدْبِير الْمَذْكُور فِي بوليموس وَإِلَى مَا يعالج بِهِ قبل ذَلِك وَهُوَ أَن يمنعوا النّوم الْكثير وَلَا يبطأ عَلَيْهِم بِالطَّعَامِ وليطعموه بَارِدًا بِالْفِعْلِ وَأَن يفعل سَائِر مَا قيل فِي بَاب أوجاع الْمعدة الحارة. فصل فِي الْعَطش كَثْرَة الْعَطش وشدّته قد تكون بِسَبَب الْمعدة إِمَّا لحرارة مزاج الْمعدة وخصوصاً فمّها وَقد تعرض تِلْكَ الْحَرَارَة فِي التهاب الحمّيات حَتَّى أَن بَعضهم لَا يزَال يشرب وَلَا يرْوى حَتَّى يهْلك من ذَلِك عَن(2/448)
قريب وَقد تعرض تِلْكَ الْحَرَارَة لشرب شراب قوي عَتيق كثير أَو طَعَام حَار جدا بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ كالحلتيت والثوم. وَكَثِيرًا مَا يَمُوت الْإِنْسَان من شرب الشَّرَاب الْعَتِيق التهاباً وكرباً وعطشاً وَقد تعرض تِلْكَ الْحَرَارَة من شرب الْمِيَاه المالحة ومياه الْبَحْر قد تزيد فِي الْعَطش زِيَادَة لَا تتلافى. وَقد تكون بِسَبَب أدوية وأغذية معطشة تعطشاً بالاستغسال أَو الاستسالة. والاستغسال مثل الشَّيْء المالح يحث الطبيعة على أَن تغسله بالغسال وبالقطع والاستسالة مثل اللزج يحث الطبيعة عَن أَن ترققه جدا حَتَّى ينفذ وَلَا يلتصق. وَقد يعطش الشَّيْء الغليظ لاتجاه الْحَرَارَة إِلَيْهِ والسمك المالح يجمع هَذَا كُله. وَإِمَّا ليبس مزاج الْمعدة وَقد يكون لبلغم مالح فِيهَا أَو حُلْو أَو صفراء مرّة. وَقد يكون لطوبات تغلي وَقد يكون بمشاركة أَعْضَاء أُخْرَى مثل مَا يكون فِي ديانيطس وَهُوَ من علل الكلى ونذكره فِي بَاب الكلى. وَقد يكون من هَذَا الْبَاب الْعَطش بِسَبَب سدد تكون بَين الْمعدة والكبد تحول بَين المَاء وَبَين نُفُوذه إِلَى الْبدن فَلَا يسكن الْعَطش وَإِن شرب المَاء الْكثير وَهَذَا مثل مَا يعرض فِي الاسْتِسْقَاء وَفِي القولنج وَقد يكون بمشاركة الكبد إِذا حميت أَو ورمت أَو اشْتَدَّ بردهَا فَلَا تجذب وبمشاركة الرئة إِذا سخنت وَالْقلب أَيْضا إِذا سخن والمعي الصَّائِم أَيْضا والمريء والغلاصم وَمَا يَليهَا إِذا جَفتْ فِيهَا الرطوبات فتقبضت أَو إِذا سخّنت شَدِيدا. وَقد يعرض لأمراض الدِّمَاغ من السرسام الْحَار والمانيا والقرطب. وَأَشد الْعَطش الْكَائِن بِسَبَب هَذِه الْأَعْضَاء وبالمشاركة مَا هاج عَن فمّ الْمعدة ثمَّ مَا هاج عَن المريء ثمَّ مَا هاج عَن قَعْر الْمعدة ثمَّ مَا كَانَ بمشاركة الرئة ثمَّ مَا كَانَ بمشاركة الكبد ثمَّ مَا كَانَ بمشاركة المعي الصَّائِم. وَقد يكون بمشاركة الْبدن كُله كَمَا فِي الحميات وعطش البحران وَفِي آخر الدِّق والسلّ وكما يعرض من لسعة الأفاعي المعطشة فَإِنَّهَا إِذا لسعت لم يزل الملسوع يشرب لَا يرْوى إِلَى أَن يَمُوت وَكَذَلِكَ عَن شرب شراب مَاتَت فِيهِ الأفاعي أَو طَعَام آخر. وكما يعرض بعد الاستفراغ بالمسهلات والذرب المفرط وشارب الدَّوَاء المسهل فِي أَكثر الْأَمر يعرض لَهُ عِنْد عمل الدَّوَاء عمله عَطش يدل فقدانه فِي أَكثر الْأَوْقَات على أَن الدَّوَاء بعد فِي الْعَمَل. وَقد يعرض لَهُ أَن يتَأَخَّر عَن وقته وَأَن يتَقَدَّم أَحْيَانًا ويسرع قبل عمل الدَّوَاء عمله. فَأَما تقدمه فَيكون إِمَّا لحرارة الدَّوَاء أَو حرارة الْمعدة ويبسها ويتأخر لأضداد ذَلِك. وَلذَلِك فَإِن الْعَطش فِيمَن هُوَ حَار الْمعدة ويابسها وَشرب دَوَاء حاراً لَا يدل على أَن الدَّوَاء عمل عمله وفيمن هُوَ ضِدّه يدلّ على أَنه عمل مُنْذُ حِين. وَمِمَّا يهيّج الْعَطش كَثْرَة الْكَلَام والرياضة والتعب وَالنَّوْم على أغذية(2/449)
حارة. وَأما إِذا لم يكن على أغذية حارة فَإِن النّوم مسكّن للعطش وَإِذا اجْتمع فِي الْأَمْرَاض الحادة عَطش شَدِيد ويبس شَدِيد فَذَلِك من أردأ العلامات. العلامات: أما عَلامَة الْكَائِن بِسَبَب الأمزجة فقد تعلم مِمَّا قيل فِي الْأَبْوَاب الجامعة كَانَت مَعَ مَادَّة أَو بِغَيْر مَادَّة وَكَانَت الْموَاد مرّة أَو مالحة بورقية أَو حلوة أَو مؤذية بغليانها. وعلامة الْكَائِن بِسَبَب السدد فقد يدل عَلَيْهِ لين الطبيعة. وَأما عَلامَة الْكَائِن بِسَبَب ديانيطس فَأن يكون عَطش لَا يسكنهُ شرب المَاء بل كَمَا يشرب المَاء يحوج إِلَى خراج الْبَوْل ثمَّ يعود الْعَطش فَيكون الْعَطش والدرور متلازمين متساويين دوراً. وعلامة الْكَائِن بالأسباب المعطشة الْمَذْكُورَة تقدّم تِلْكَ الْأَسْبَاب. وعلامة مَا يكون بالمشاركة أما مَا يكون بمشاركة الرئة وَالْقلب فَإِنَّهُ يسكنهُ النسيم الْبَارِد والأرق ينفع مِنْهُ وَالنَّوْم يزِيد فِيهِ. وَقد يكون تمصيص المَاء قَلِيلا قَلِيلا أبلغ فِي تسكينه من عبّه كثيرا بل رُبمَا كَانَ العب دفْعَة يجمّد الْفضل ثمَّ يسخنه فيزيد فِي الْعَطش إضعافاً والمدافعة بالعطش تزيد فِي الْعَطش فَلَا ينفع بِمَا كَانَ ينفع بِهِ بَدَأَ وَمَا يكون من جفاف المريء فَيكون يَسِيرا ضَعِيفا فينفعه النّوم بترطيبه الْبَاطِن والدعة وَترك الْكَلَام. وَمَا كَانَ من حرارة فالأرق يَنْفَعهُ. والكائن بمشاركة الكبد فيدلّ عَلَيْهِ تعرّف حَال الكبد فِي مزاجها الْحَار واليابس وورمها الْحَار وَغير الْحَار. المعالجات: كل بَاب من أَسبَاب الأمزجة فيعالج بالضد وعطش الرئة يعالج بالنسيم وَكَثِيرًا مَا يسكن الْعَطش إرْسَال المَاء الْبَارِد على اللِّسَان وَمن خَافَ الْعَطش فِي الصّيام قدم مَكَان مَاء الباقلا والحمص خلا بِزَيْت وهجر مَاء الباقلا والحمص فهما معطشان. وليصبر المستفرغ على الْعَطش الَّذِي أورثه الاستفراغ إِلَى أَن يُقَوي هضمه وَلَا يشرب العطشان شرابًا كثيرا دفْعَة وَلَا مَاء بَارِدًا جدا فتموت الْحَرَارَة الضعيفة الَّتِي أضعفها الْعَطش. وَالْقَذْف قد يعطّش ويسكنه شراب التفاح مَعَ مَاء الْورْد والمعدة الحارة الْيَابِسَة يزيدها المَاء الْبَارِد عطشاً وَكَذَلِكَ الْمعدة المالحة الْخَلْط وَالْمَاء الْحَار يسكن عطشها كثيرا وَإِذا اشْتَدَّ الْعَطش وَلَا حمى فليمزج بِالْمَاءِ قَلِيل جلاب يُوصل المَاء إِلَى أقاصي الْأَعْضَاء. فَأَما الضَّرْبَة والصدمة والسقطة على الْمعدة حَيْثُ وَقع فَإِنَّهُ يَنْفَعهُ هَذَا الضماد. وَصفته: يُؤْخَذ تفاح شَامي مطبوخاً بمطبوخ طيب الرَّائِحَة حَتَّى يتهرى فِي الطَّبْخ ثمَّ يدق دقاً نَاعِمًا وَيُؤْخَذ مِنْهُ وزن خمسين درهما ويخلط بِعشْرَة لاذن وَثَمَانِية ورد وَسِتَّة صَبر وَيجمع الْجَمِيع بعصارتي لِسَان الْحمل وورق السرو ويخلط بِهِ دهن السوسن ويفتر ويشدّ على الْبَطن حَيْثُ الْمعدة أَيَّامًا فَإِنَّهُ نَافِع فِي جَمِيع ذَلِك.(2/450)
الْمقَالة الثَّالِثَة الهضم وَمَا يتَّصل بِهِ فصل فِي آفَات الهضم آفَة الهضم تَابِعَة لآفة فِي أَسْفَل الْمعدة أَو لسَبَب فِي الْغذَاء أَو لسَبَب فِي حَال سُكُون الْبدن وحركته. والكائن بِسَبَب أَمر الْمعدة هُوَ إِمَّا سوء مزاج وأقواه الْبَارِد وأضعفه الْحَار فَإِن الْبَارِد أَشد إِضْرَارًا بالهضم من الْحَار. وَأما الْيَابِس وَالرّطب فَلَا يبلغان فِي أَكثر الْأَمر إِلَى أَن يظْهر مِنْهُمَا وَحدهمَا مَعَ اعْتِدَال الكيفيتين الْأَخِيرَتَيْنِ ضَرَر فِي الهضم إِلَّا وَقد أحدثا أما الْيَابِس فذبولاً وَأما الرطب فاستسقاء وَأما الْحَال فِي تَأْثِير السّكُون وَالنَّوْم وضديهما وَمَا يتبعهما من إحكام الْغذَاء فِي ذَلِك فَإِن الْغذَاء يَقْتَضِي السّكُون وَالنَّوْم حَتَّى يجيد الهضم فَإِذا كَانَ بدلهما حَرَكَة أَو سهر لم يتم الهضم. وَأما الْغناء الْخَفِيف فَإِنَّهُ إِذا لم ينهضم لم تبطل مُدَّة بَقَائِهِ غير منهضم بل إِذا لم يكن فِي الْمعدة مَا يهضمه فَيفْسد بِسُرْعَة. والغذاء إِمَّا أَن يَسْتَحِيل إِلَى الْوَاجِب بالهضم التَّام وَإِمَّا أَن يَسْتَحِيل إِلَى الْوَاجِب اسْتِحَالَة مَا وينهضم انهضاماً غير تَامّ فَلَا يجذب الْبدن من الْقدر الْمُمكن تنَاوله من الطَّعَام الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من الْغذَاء فَيكون هزال. وَإِمَّا أَن لَا ينهضم أصلا وَذَلِكَ على وَجْهَيْن: فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِمَّا أَن يبْقى بِحَالهِ وَإِمَّا أَن يَسْتَحِيل إِلَى جَوْهَر غَرِيب فَاسد. وَقد يكون هَذَا فِي كل هضم وَحَتَّى فِي الثَّالِث وَالرَّابِع وبسبب ذَلِك مَا يعرض الاسْتِسْقَاء والسرطان والنملة والحمرة والبهق والبرص والجرب وَذَلِكَ لِأَن الدَّم غير نضيج نضجاً ملائماً للطبيعة فَلَا تجتذبه الْأَعْضَاء مغتذية بِهِ ويعفن وينتن أَو تجتذبه وَلَا يحسن تشبّهه بهَا. وَإِن كَانَ الْغَالِب هُنَاكَ الثّقل أَو الْحَرَارَة أسود وَرُبمَا صَار السوداوي مِنْهُ مثل القار. والمعدة إِذا لم تستمرئ أصلا آل الْأَمر إِلَى زلق الأمعاء أَو إِلَى الاسْتِسْقَاء الطبلي. لكنه إِنَّمَا يؤول إِلَى الاسْتِسْقَاء الطبلي إِذا كَانَ للمعدة فِيهِ تَأْثِير قدر مَا يبخر من الْغذَاء دون مَا يهضم. وَاعْلَم أَن فَسَاد الهضم وَضَعفه وَبِالْجُمْلَةِ آفاته إِذا عرضت من مَادَّة مَا كَانَت فَهُوَ أقبل للعلاج مِنْهُ إِذا عرض لضعف قُوَّة وَسُوء مزاج مستحكم. فصل فِي فَسَاد الهضم الطَّعَام يفْسد فِي الْمعدة لأسباب هِيَ أضداد سَبَب صَلَاحه فِيهَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن السَّبَب فِي ذَلِك إِمَّا أَن يكون فِي الطَّعَام وَإِمَّا فِي قَابل الطَّعَام وَإِمَّا فِي أُمُور عارضة يطْرَأ عَلَيْهَا. وَالطَّعَام يفْسد فِي الْمعدة إِمَّا لكميته بِأَن يكون أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي فينفعل من(2/451)
الهضم دون الَّذِي يَنْبَغِي أَو أقل مِمَّا يَنْبَغِي فينفعل من الهضم فَوق الَّذِي يَنْبَغِي فيحترق ويترمد وبقريب من هَذَا يفْسد الْغذَاء اللَّطِيف فِي الْمعدة النارية الحارة. وَإِمَّا لكيفيته بِأَن يكون فِي نَفسه سريع الْقبُول للْفَسَاد كاللبن الحليب والبطيخ والخوخ أَو بطيء الْقبُول للصلاح كالكمأة وَلحم الجاموس. أَو يكون مفرط الْكَيْفِيَّة لحرارته كالعسل أَو لبرودته كالقرع أَو يكون منافياً لشَهْوَة الطاعم بخاصية فِيهِ أَو فِي الطَّعَام كمن ينفر طبعه عَن طَعَام مَا وَإِن كَانَ مَحْمُودًا أَو كَانَ مشتهى عِنْد غَيره. وَأما لوقت تنَاوله وَذَلِكَ إِذا تنوول وَفِي الْمعدة امتلاء أَو بَقِيَّة من غَيره أَو تنوول قبل رياضة معتدلة بعد نفض الطَّعَام الأول وإخراجه. وَإِمَّا للخطأ فِي ترتيبه بِأَن يرتب السَّرِيع الانهضام فَوق البطيء الانهضام فينهضم السَّرِيع الانهضام قبل البطيء الانهضام وَيبقى طافياً فَوْقه فَيفْسد وَيفْسد مَا يخالطه. وَالْوَاجِب فِي التَّرْتِيب أَن يقدم الْخَفِيف على الثقيل واللين على الْقَابِض إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ دَاع مرضِي يُوجب تَقْدِيم الْقَابِض لحبس الطبيعة. وَأما لِكَثْرَة أصنافه وَأما الْكَائِن بِسَبَب الْقَابِل فإمَّا فِي جوهره وَإِمَّا بِسَبَب غَيره وَمَا يطِيف بِهِ وَيحدث فِيهِ. وَالَّذِي فِي جوهره فَمثل أَن يكون بالمعدة سوء مزاج بمادة أَو بِغَيْر مَادَّة فيضعف عَن الهضم أَو يُجَاوز الهضم كَمَا علمت فِي الْحَار والبارد أَو يكون جوهرها سخيفاً وثربها رَقِيقا أَو يكون احتواؤه غير متشابه وَلَا جيدا أَو يكون جيدا إِلَّا أَن ثقله يكون مُؤْذِيًا للمعدة فَهِيَ تشتاق إِلَى حط مَا فِيهَا وَإِن لم يحدث قراقر وَنفخ. وَهَذَانِ من أَسبَاب ضعف الهضم وبطلانه أَيْضا. وَأما الَّذِي يكون بِسَبَب غَيره فَمثل أَن يكون فِي الْمعدة ريَاح تحول بَينهَا وَبَين الاشتمال الْبَالِغ على الطَّعَام وَإِذا قيل أَن من أَسبَاب فَسَاد الطَّعَام كَثْرَة الجشاء فَلَيْسَ ذَلِك من حَيْثُ هُوَ جشاء بل من حَيْثُ هُوَ ريح يتَوَلَّد فيمدد الْمعدة ويطفي الطَّعَام فَلَا يحسن اشْتِمَال قَعْر الْمعدة على الطَّعَام. وكل مطفّ للطعام. فَهُوَ عائق عَن الهضم وَمثل أَن تكون الْمعدة يسيل إِلَيْهَا من الرَّأْس أَو الكبد أَو الطحال أَو سَائِر الْأَعْضَاء مَا يفْسد الطَّعَام لمخالطته وَلَا يمكّن الْمعدة من تَدْبيره. وَكَثِيرًا مَا ينصت إِلَيْهَا بعد الهضم وَكَثِيرًا مَا ينصت إِلَيْهَا قبله وَمثل أَن يكون مَا يطِيف بهَا من الكبد وَالطحَال بَارِدًا أَو رَدِيء المزاج. وَأما مَا يكون لأسباب طارئة على الطَّعَام وقابلة فَمثل فقدان الطَّعَام مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من النّوم الهاضم أَو وجدانه من الْحَرَكَة عَلَيْهِ مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فيخضخضه فَيفْسد أَو لِاتِّفَاق شرب عَلَيْهِ أَكثر من الْوَاجِب أَو أقلّ أَو إِيقَاع جماع عَلَيْهِ أَو تَكْثِير أَنْوَاع الْأَطْعِمَة فيحيّر(2/452)
الطبيعة الهاضمة أَو استحمام أَو تعرّض لهواء بَارِد شَدِيد الْبرد أَو شَدِيد الْحر أَو رَدِيء الْجَوْهَر. والرياح المحتبسة فِي الْبَطن تمنع الهضم وتفسده بخضخضتها الأغذية وحركتها فِيهَا. وَالطَّعَام يفْسد فِي الْمعدة إِمَّا بِأَن يعفن وَإِمَّا بِأَن يَحْتَرِق وَإِمَّا بِأَن يحمّض وَإِمَّا بِأَن يكْتَسب كَيْفيَّة غَرِيبَة غير منسوبة إِلَى شَيْء من الكيفيات الْمُعْتَادَة. وكل ذَلِك إِمَّا لِأَن الطَّعَام اسْتَحَالَ إِلَيْهِ وَإِمَّا لِأَن خلطاً على تِلْكَ الصّفة خالط الطَّعَام فأفسده وَرُبمَا كَانَ هَذَا الْخَلْط ظَاهر الْأَثر وَرُبمَا كَانَ قَلِيلا راسباً إِلَى أَسْفَل الْمعدة وَلَا ينبسط وَلَا يتَأَدَّى إِلَى فَم الْمعدة فَكلما زَاد الطَّعَام رَبًّا وارتقى إِلَى فَم الْمعدة وخالطه كُلية الطَّعَام وَرُبمَا كَانَ مثل هَذَا الْخَلْط نَافِذا فِي الْعُرُوق ثمَّ تراجع دفْعَة حِين استقبله سدد وَاقعَة فِي وُجُوه المنافذ لم يتأتّ النّفُوذ مَعهَا وَإِذا كَانَت الْمعدة حارة بِلَا مَادَّة أَو مَعَ مَادَّة صفراوية ينصت من الكبد إِلَيْهَا لِكَثْرَة تولدها فِيهَا أِو من طَرِيق المرارة الْمَذْكُورَة فَسدتْ فِيهَا الْأَطْعِمَة الْخَفِيفَة وهضمت الْقُوَّة والغليظة كلحم الْبَقر. وَالطحَال سَبَب لفساد الطَّعَام. وَاعْلَم أَن فَسَاد الهضم قد يُؤَدِّي إِلَى أمراض كَثِيرَة خبيثة مثل الصرع والمالنخوليا المراقي وَنَحْو ذَلِك بل هُوَ أهم الْأَمْرَاض ومنبع الأسقام. وَإِذا فسد هضم الناقهين وَلَو إِلَى الحموضة أنذر فصل فِي أَسبَاب ضعف الهضم هِيَ جَمِيع الْأَسْبَاب الَّتِي بعْدهَا فِي بَاب فَسَاد الهضم وعلاماتها تِلْكَ العلامات إِلَّا أَن انصباب الصَّفْرَاء من تِلْكَ الْجُمْلَة لَا تضعف الهضم وَلَكِن قد تفسده. وَأما انصباب السَّوْدَاء فقد يجمع بَين الْأَمريْنِ وَكَذَلِكَ أَيْضا الْيَابِس وَالرّطب من تِلْكَ الْجُمْلَة لَا يبلغ بهما وَحدهمَا أَن يبطلا الهضم أصلا بل قد يضعفانه وَقبل أَن يبطلا الهضم فَإِن الرطب يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء واليابس إِلَى الذبول. وَمن أَسبَاب فَسَاد الهضم سخافة المراق وَقلة لَحمهَا وَرُبمَا كَانَ السَّبَب فِي ضعف الهضم سرعَة نزُول الطَّعَام إِمَّا لسَبَب مزلق من الْمعدة مِمَّا يعلم فِي بَاب زلق الْمعدة وَلَيْسَ ذَلِك من أَسبَاب فَسَاد الهضم وَلَا يدْخل فِيهَا بل يدْخل فِي أَسبَاب ضعف الهضم وَهَذَا النُّزُول قبل الْوَقْت قد يكون مَعَ جودة الاحتواء من الْمعدة على الطَّعَام إِذا أسرعت الدافعة بحركتها وَكَانَت قَوِيَّة. وَقد تكون لَا لذَلِك بل لضعف من الماسكة فَلَا يمسك وَلَا يحتوي كَمَا يَنْبَغِي حَتَّى ينهضم تَمام الهضم وَقد يكون ذَلِك لأورام حارة أَو بلغمية أَو سوداوية وقروح وَنَحْو ذَلِك فَلَا يجود الاحتواء وَقد لَا يجود الاحتواء لسَبَب من الطَّعَام إِذا كَانَ ثقيلاً أَو لذاعاً(2/453)
مرارياً أَو كَانَ حاداً والمعدة بهَا مزاج حَار أَو سقِِي صَاحبهَا وَبِه مزاج حَار مَانع لجودة الهضم شَيْئا حاراً يمْنَع الهضم وَفِي الْأَكْثَر يُفْسِدهُ لَيْسَ يمنعهُ فَقَط وَمثل هَذَا الْإِنْسَان كَمَا علمت رُبمَا شفَاه وعدّل هضمه مَاء بَارِد وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي الْمعدة أخلاط رَدِيئَة خُصُوصا لذاعة تحجز بَينهَا وَبَين الأغذية فَلَا يجود الاحتواء والإمساك وَيكون الشوق إِلَى الدّفع أشدّ. وَالَّذِي يكون بِسَبَب جودة الاحتواء فَإِن الاحتواء من الْمعدة على الطَّعَام إِذا كَانَ تَاما وَكَانَ غير مؤذٍ وَفِي الهضم خفّة. وَإِن كَانَ تَاما إِلَّا أَنه مثقل وَكَانَت الْمعدة تمسك الطَّعَام إمْسَاك من بِهِ رعشة لبَعض الأثقال فَهُوَ يَشْتَهِي أَن تُفَارِقهُ كَانَ الهضم دون ذَلِك وَلم يكن جشاء وقراقر. وَإِن لم يكن احتواء كَانَ ضعف هضم وقراقر وجشاء وَرُبمَا أدّى إِلَى ضعف الهضم واستحالة الْغذَاء إِلَى البلغم وَإِلَى اقشعرار وَبرد الْأَطْرَاف وإبهام نوبَة الحمّى لَكِن النبض لَا يكون النبض الْكَائِن فِي أَوَائِل نوبات الْحمى وَقد يكون ضعف الهضم بِسَبَب تخم وامتلاء متقادم وَقد قيل فِي كتاب الْمَوْت السَّرِيع أَن من كَانَت بِهِ تخم وإبطاء هضم فَظهر على عَيْنَيْهِ بثر أسود يشبه الحمص واحمر بعضه أَو اخضر فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ عِنْد ذَلِك باختلاط الْعقل ثمَّ يَمُوت فِي السَّابِع عشر وَمن أَسبَاب ضعف الهضم أَو بُطْلَانه الغمّ كَمَا أَن من أَسبَاب جودة الهضم السرُور. المعالجات: إِذا كَانَ ضعف الهضم عارضاً عَن سَبَب خَفِيف أَو امتلاء متقادم كثير فقد يَكْفِي فِيهِ إطالة النّوم وَترك الرياضة والصياح والحمّام وَاسْتِعْمَال الْقَيْء بِالْمَاءِ الفاتر وتلطيف التَّدْبِير. فَإِن كَانَ أعظم من ذَلِك وَكَانَ يعقب تنَاول الطَّعَام لذع وغثيان وجشاء يُؤَدِّي طعم الْغذَاء فَيجب أَن تكون التنقية بسقي المَاء الفاتر أَكثر مرَارًا وَلَا يزَال يُكَرر حَتَّى يتقيأ جَمِيع مَا فسد ثمَّ يصب على رَأسه دهن ويكمّد بَطْنه وجنباه بخرق مسخنة وتدلك أَطْرَافه بالزيت ودهن الْورْد وَيصب عَلَيْهَا مَاء فاتر ويرسم لَهُ طول النّوم وَيمْنَع الطَّعَام يَوْمه ذَلِك فَإِن أصبح من الْغَد نشيطاً قَوِيا أدخلهُ الْحمام وَإِلَّا أُعِيد إِلَى النّوم وَالتَّدْبِير اللَّطِيف الْقَلِيل الْخَفِيف والتنويم ثَلَاثَة أَيَّام على الْوَلَاء إِلَى أَن تصير معدته إِلَى حَالهَا. وَرُبمَا افْتقر إِلَى الإسهال. والفلفل من أعون الْأَدْوِيَة على الهضم وَالنَّوْم كُله معِين على الهضم لَكِن النّوم على الْيَسَار شَدِيد المعونة على ذَلِك بِسَبَب اشْتِمَال الكبد على الْمعدة. وَأما النّوم على الْيَمين فسبب لسرعة انحدار الطَّعَام لِأَن نَصبه الْمعدة يُوجب ذَلِك. وَاعْلَم أَن اعتناق صبي كَاد يراهق طول اللَّيْل من أعون الْأَشْيَاء على الهضم وَيجب أَن لَا يعرق عَلَيْهِ فَإِن الْعرق يبرد فَيمْنَع فَائِدَة الاستدفاء بحرارته الغريزية وَيجب أَن لَا يكون مَعَه من النَّفس رِيبَة فَإِن الرِّيبَة وحركة الشَّهْوَة تشوش حركات(2/454)
القوى الغاذية. وَمن النَّاس من يعتنق وَأما ضعف الهضم الْكَائِن بِسَبَب حرارة مَعَ مَادَّة فمما ينفع مِنْهُ السكنجبين السفرجلي والأغذية القابضة الحامضة الهلامية والقريصية وَمَا يشبهها من البوارد وَوزن دِرْهَمَيْنِ سفوف متخذ من عشرَة ورد وَثَلَاثَة طباشير وَخَمْسَة كزبرة يابسة تسقى بِمَاء الرُّمَّان أَو فِي السكنجبين السفرجلي فَإِنَّهُ نَافِع جدا. فصل فِي دَلَائِل ضعف الهضم أما الْخَفِيف مِنْهُ فَيدل عَلَيْهِ ثقل وَقَلِيل تمدد وَبَقَاء من الطَّعَام فِي الْمعدة أطول من الْعَادة. وَأما الْقوي فَيدل علية الجشاء الَّذِي يُؤَدِّي طعم الطَّعَام بعد حِين والقراقر والغثيان وتقلب النَّفس. وَأما الْبَالِغ فَإِنَّهُ لَا يتَغَيَّر الطَّعَام تغيّراً يعتدّ بِهِ أصلا مثل أَن تكون الْبُرُودَة أفرطت جدا وَالطَّعَام إِذا لم ينهضم إِلَّا بطيئاً نزل بطيئاً إِلَّا أَن يكون سَبَب محرّك للقوة الدافعة من لذع أَو ثقل أَو كَيْفيَّة أُخْرَى مضادة. وعلامة مَا يكون بِسَبَب المزاج مَا قد علمت وَأَن يكون الاحتواء رعشاً غير قوي والشوق إِلَى نزل الطَّعَام والتشوق إِلَى الجشاء من غير حُدُوث قراقر وجشاء متواتر وفواق ونفخة تستدعي ذَلِك أَو قبل أَن تكون حدثت بعد. وعلامة مَا يكون السَّبَب فِيهِ نزولاً قبل الْوَقْت لين البرَاز ونتنه وَقلة دَرْء الكبد وَالْبدن مِنْهُ وَرُبمَا حدث مَعَه لذع وَنفخ وَالَّذِي يكون عَن أخلاط حارة فدلائله الْعَطش وَقلة الشَّهْوَة والجشاء المنتن الدخاني. وَالَّذِي يكون عَن أخلاط بَارِدَة فَمَا يخرج مِنْهَا بالقيء والحموضة وَسُقُوط الشَّهْوَة مَعَ دَلَائِل الْبرد والمادة الْمَذْكُورَة فِي الْمقَالة الأولى. وَالَّذِي يكون عَن أورام وَنَحْوهَا فَيدل عَلَيْهِ علاماتها. فصل فِي دَلَائِل فَسَاد الهضم أما الدَّلِيل الَّذِي لَا يعرى مِنْهُ فَسَاد الهضم فنتن البرَاز. وَأما الدَّلَائِل الَّتِي رُبمَا صَحِبت وَرُبمَا لم تصْحَب فالقراقر والجشاء واللذع. دَلَائِل مَا يكون السَّبَب فِيهِ أَحْوَال الأغذية الْمَذْكُورَة التعرّف لأحوالها أَنَّهَا هَل كَانَت كَثِيرَة أَو قَليلَة أَو قَابِلَة للتعفن أَو هَل أَخطَأ فِي تريبها أَو وَقتهَا أَو الْحَرَكَة عَلَيْهَا جِنْسا من الْخَطَأ مِمَّا سبق ذكره وَأَن يكون كلما عمل ذَلِك عرض فَسَاد الهضم وَكلما أنقى أُجِيب صَحَّ الهضم. وَأما عَلامَة الْوَاقِع بِسَبَب مزاج الْمعدة وإعلالها فيتعرّف من(2/455)
العلامات الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب الْجَامِع وَإِذا كَانَت الْمَادَّة الْفَاسِدَة فِي الْمعدة نَفسهَا كَانَ الغثيان والأعراض الَّتِي تكون مَعَ فَسَاد الهضم متواترة لَا فترات لَهَا وَإِن كَانَت هُنَاكَ فترات فالمواد آتِيَة منصبّة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب سخافة الْمعدة وتهلهل نسج ليفها وعروض حَالَة لَهَا كالبلا فتطاول أوجاع الْمعدة وأمراضها وَضعف هضم مَعَ ضعف شَهْوَة ونحافة الْبدن وَبِهَذَا قد يَقع مِنْهُ ضعف الهضم أَو بُطْلَانه دون وَأما الْكَائِن بِسَبَب الرِّيَاح فَيدل عَلَيْهِ دَلَائِل الرِّيَاح الْمَذْكُورَة وَأما دَلَائِل الانصبابات من الْأَعْضَاء الْمُشَاركَة فِيمَا ذكرنَا فِي موَاضعه وَأَن يتَأَمَّل حَال ذَلِك الْعُضْو فِي نَفسه وَأَن يتعرّف هَل يكثر فِيهَا الانصبابات إِلَى أَعْضَاء فِي طرق أُخْرَى مثل مَا أَن يتعرف هَل المظنون بِهِ أَن معدته تألم للنوازل صَاحب نَوَازِل الْحلق والرئة وَغير ذَلِك. وَأما عَلامَة وُقُوع فَسَاد الهضم بِسَبَب المجرى الصاب للصفراء فَأن يكون المزاج لَيْسَ بذلك الصفراوي ثمَّ يصاب لذع فِي الْمعدة وطفو للطعام. فصل فِي علاج فَسَاد الهضم أول ذَلِك يجب أَن يخرج مَا فسد من الطَّعَام عَن آخِره بقيء أَو بإسهال وَأَن يصلح تَدْبِير الْمَأْكُول والمشروب وَيرد فِي جَمِيع الْأَحْوَال إِلَى الْوَاجِب وَأَن يدافع الطَّعَام حَتَّى يصدق جوعه ويقوّي الْمعدة أَولا بِشرب مَاء الْورْد فَإِن كَانَ فَسَاد الهضم لحرارة الْمعدة أَو صفراء تنصت إِلَيْهَا غلظت أغذيتهم وميل بهَا إِلَى الْبرد حَتَّى يكون مثل لحم الْبَقر المخلل وَلم تجْعَل بَارِدَة رقيقَة فَإِن الرَّقِيق يفْسد فِي معدهم بِسُرْعَة. وَصَاحب الصَّفْرَاء مِنْهُم يجب أَن يقيأ قبل الطَّعَام وَإِن كَانَ ذَلِك لبرد عولج ذَلِك الْبرد بِمَا ذكر فِي بَابه. وَإِن كَانَ السَّبَب تهلهل الْمعدة عولج بالأدوية العطرة القابضة الْمَذْكُورَة وبالأغذية الْحَسَنَة الكيموس السريعة الهضم وَقد أميلت إِلَى نشف وَقبض بالصنعة وبالأبازير وَسَائِر مَا ذَكرْنَاهُ فِي وَمن كَانَ السَّبَب فِي فَسَاد هضمه انصباب الصَّفْرَاء من المجرى الْمَذْكُور الْوَاقِع فِي الندرة فَيجب أَن يعْتَاد الْقَيْء قبل الطَّعَام مرَارًا فَإِن انْتَعش بعد ذَلِك ونال الطَّعَام قطعت هَذِه الْعَادة لِئَلَّا تضعف الْمعدة وَبعد ذَلِك فَيجب أَن يتناولوا بعد الْقَيْء الربوب المقوية للمعدة الرادعة لما ينصت إِلَيْهَا ويدام تضميد معدته لما يقويها على دفع مَا ينصب إِلَيْهَا ثمَّ يَجْعَل لَهُ أدواراً ويقيأ فِيهَا قبل الطَّعَام على الْقيَاس الْمَذْكُور. وَأما الَّذين يحمّض الطَّعَام فِي معدهم فَإِن كَانَت حموضة قَليلَة عرضية فينتفع أَصْحَابهَا(2/456)
بمص التفاح الحلو وينتفعون بالكزبرة إِذا شَرِبُوهَا قبل الطَّعَام بِمَاء وَكَذَلِكَ المصطكى إِذا استفوا مِنْهُ. وَإِن كَانَت قَوِيَّة فمما ينفع من ذَلِك مَنْفَعَة بَالِغَة فقّاح الأذخر مَعَ الكراويا وَكَذَلِكَ جَمِيع الجوارشنات الحارة وجوارشنات الْخبث وَرُبمَا انْتفع بالجلنجبين المنقوع فِي المَاء الْحَار. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ أَن يَأْخُذُوا عِنْد النّوم من هَذَا الدَّوَاء. ونسخته: يُؤْخَذ فلفل وكمون وبزر شبث من كل وَاحِد جُزْء ورد أَحْمَر منزوع الأقماع جزآن ينخل بعد السحق بحريرة والشربة نصف دِرْهَم بشراب ممزوج فَإِن احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى من ذَلِك فَيجب أَن يسْتَعْمل الْقَيْء على كل المالح والحامض والحريف كالفقاع وَالصَّبْر عَلَيْهِ سَاعَة ثمَّ يقيأ بالسكنجبين العسلي المسخن وعصارة الفجل وَمَا يجْرِي مجْرَاه من مَاء الْعَسَل وَنَحْوه ثمَّ يداوى بأقراص الْورْد الْكَبِير وبالأطريفل وَكَثِيرًا مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْقَيْء حِين مَا يكون السَّبَب فِيهِ برودة بِلَا مَادَّة لأَجلهَا يحمض الطَّعَام وَإِذا كَانَ الطَّعَام يحمض صيفاً فَهُوَ أفسد. وَيجب لصَاحبه أَن يهجر الثَّرِيد والمرق ويتغذى بالنواشف والقلابا والمطجنات وَاللَّحم الْأَحْمَر وَيجب أَن يُبدل مِنْهُم المزاج فَقَط وكل طَعَام يفْسد فِي الْمعدة فَمن حَقه أَن ينفض فَإِن كَانَت الطبيعة تَكْفِي فِي ذَلِك فليكفّ وَإِن لم تكف الطبيعة ذَلِك تنوول الكموني بِقدر الْحَاجة فَإِن لم يكف استعين بِشَيْء من الجوارشنات المسهلة يتَنَاوَل مِنْهَا مِقْدَار قَلِيل بِقدر مَا يخرج الثفل فَقَط والسفرجلي من جملَة الْمُخْتَار مِنْهَا وَأما عَلَامَات جودة اشْتِمَال الْمعدة على الطَّعَام وجودة الهضم الَّذِي فِي الْغَايَة وأضدادها هِيَ الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي أَبْوَاب الاستدلالات فَإِن لم تكن تِلْكَ الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة لَكِن أحس بكرب وَثقل وسوق إِلَى حط ثقل مَعَ ضيق نفس يحدث فَاعْلَم أَن الْمعدة شَدِيدَة الاشتمال إِلَّا أَنَّهَا متبرمة بمبلغ الطَّعَام فِي كفيته وَاعْلَم أَن الهضم لقعر الْمعدة والشهوة لفمها. فصل فِي بطء نزُول الطَّعَام من الْمعدة وسرعته وَمن الْبَطن قد يبْقى من الطَّعَام شَيْء فِي الْمعدة إِلَى قريب من خمس عشرَة سَاعَة فِي حاو الصِّحَّة واثنتي عشرَة سَاعَة وَذَلِكَ بِحَسب الْغذَاء فِي خفّته وغلظه وَيدل عَلَيْهِ وجود طعمه فِي الْفَم وَفِي الجشاء فَإِن احتباس الطَّعَام فِي الْمعدة إِنَّمَا هُوَ بِسَبَب إبطاء الهضم إِلَى أَن ينهضم واندفاعه بِسَبَب دفع الدافعة عِنْد حُصُول الهضم ولمحرك يحرّك الْقُوَّة الدافعة مثل لذع صفراء أَو سَوْدَاء حامض أَو لشَيْء مِمَّا سَنذكرُهُ لَيْسَ كَمَا يَظُنّهُ قوم مر أَن كل السَّبَب فِي احتباسه ضيق المنفذ السفلاني وَلَو كَانَ كَذَلِك لم يُمكن خُرُوج الدِّرْهَم وَالدِّينَار المبلوع وَلما كَانَ الشَّرَاب وَاللَّبن يلبثان فِي الْمعدة وَلما كَانَا هما يطفوان فِي الْمعدة الضعيفة ويقرقران وينفخان بل(2/457)
السَّبَب فِي النُّزُول الطبيعي هُوَ الهضم وَقُوَّة الْمعدة. على الدّفع لَا كثير تعلق لَهُ بِغَيْرِهِ من حَال الطعامإذا لم يعرض للمعدة أَذَى وَإِلَى أَن ينهضم الطَّعَام فَإِن الْمعدة الصَّحِيحَة تشْتَمل عَلَيْهِ ويضيق منفذها الْأَسْفَل الضّيق الشَّديد فَإِذا حَان الدّفع اتَّسع وَدفعت الْمعدة مَا فِيهَا بليفها المستعرض. وَكلما استعجل الهضم استعجل النُّزُول وَإِن أَبْطَأَ أَبْطَأَ إِلَّا أَن يعرض بعض الْأَسْبَاب الْمنزلَة للطعام عَن الْمعدة وَلم ينهضم بعد مِمَّا قد عَرفته. وَالْقدر المعتدل لبَقَاء الطَّعَام فِي الْبَطن وَخُرُوجه هُوَ مَا بَين اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة إِلَى اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سَاعَة وَالطَّعَام الْكثير إِذا لم ينهضم لكثرته وَالَّذِي كيفيته رَدِيئَة أَيْضا فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يبْقى فِي الْمعدة الصَّحِيحَة القوية الْقُوَّة الدافعة بل ينْدَفع إِلَى أَسْفَل بِسُرْعَة وَرُبمَا أعقب خلفة وهيضة وَإِذا كَانَت الْمعدة ضَعِيفَة يثقلها الطَّعَام أَو مقروحة مبثورة أَو كَانَ فِيهَا خلط لزنج مزلق لم يلبث الطَّعَام فِيهَا إِلَّا قَلِيلا وَسَوَاء كَانَت ضَعِيفَة الماسكة أَو الهاضمة. وَقد يمكنك أَن تتعرف عَلَامَات مَا يَنْبَغِي أَن تعرفه من أَسبَاب هَذَا مِمَّا سلف لَك فِي الْأَسْبَاب الْمَاضِيَة. المعالجات: أما من يبطؤ نزُول الطَّعَام عَن معدته أَو من يطفو الطَّعَام على معدته فعلاج ذَلِك النّوم على الْيَمين فَإِنَّهُ معِين على سرعَة نزُول الطَّعَام عَن الْمعدة وَإِن كَانَ ضَعِيف المعونة على الهضم ويعين عَلَيْهِ التمشي اللَّطِيف ودلك الرجلَيْن وَكسر الرِّيَاح بِمَا عرف فِي بَابه. وَأما علاج من يسْرع نزُول الطَّعَام من معدته قد كَانَ قوم من القدماء يسمون هَؤُلَاءِ ممعودين وَإِمَّا بآخرة فقد وَقع اسْم الممعود على غير ذَلِك. وَمِمَّا جرّب لَهُم أَن يسْتَعْمل عَلَيْهِم ضماد من دَقِيق الحلبة وبزر الْكَتَّان وَالْعَسَل وَأَن يسقوا مِنْهُ أَيْضا. وَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ صفرَة بَيْضَة مشوية وملعقة من عسل ودانقان من المصطكى المسحوق يجمع الْجَمِيع فِي قيض الْبَيْضَة ويشوى على رماد حَار وَلَا يزَال يُحَرك حَتَّى يدْرك ويؤكل وَيسْتَعْمل هَذَا ثَلَاثَة أَيَّام. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يسْتَعْمل قبل الطَّعَام القوابض أما الْبَارِدَة إِن كَانَ هُنَاكَ مزاج حَار والمخلوطة بالحار إِن كَانَ المزاج إِلَى الْبُرُودَة وَقد عرفت جَمِيع هَذِه الْأَدْوِيَة وَيجب أَن ينَام على الطَّعَام وَلَا يَتَحَرَّك وَلَا يرتاض البتّة وَأَن يشد الْأَطْرَاف الْعَالِيَة مِنْهُ. قد تحدث صلابة فِي الْمعدة تشبه الورم وَلَا يكون ورماً وَيكون سَببه برد مكثف أَو سَوْدَاء غَلِيظَة مداخلة مَا لَا يورم.(2/458)
العلامات: أَن يعرف سَببه وَلَا نجد عَلامَة ورمه. المعالجات: يضمد بإكليل الْملك والزعفران والمصطكى والبلسان والكندر والمقل والسنبل والفردمانا والمغاث وشمع ودهن الْورْد وَكَذَلِكَ جَمِيع المعالجات الْمَذْكُورَة للأورام الصلبة وخصوصاً مَا ذكر فِي بَاب ضعف الْمعدة للصلابة. وَمِمَّا جرّب فِي هَذَا الشَّأْن دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من الشمع سِتّ أَوَاقٍ علك الأنباط ثَلَاث أَوَاقٍ زنجبيل وجاوشير من كل وَاحِد أوقيتان صَبر وقنّة من كل وَاحِد ثَلَاث أَوَاقٍ دهر البلسان أَربع وَعِشْرُونَ أُوقِيَّة يتّخذ مِنْهُ ضمّاد ومرهم. فصل فِيمَا يهيج الجشاء إِذا حدث فِي الْمعدة ريَاح وَلم تنزل وَكَانَت تحتبس فِي فَم الْمعدة وتؤذي فَيجب أَن تستفرغ بالجشاء كَمَا تستفرغ الفضول الطافية بالقيء وَإِلَّا أفسدت الهضم وأطفت الْغذَاء اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يحدث كَثْرَة الرطوبات وبلاغم مستعدة للاستحالات رياحاً فَحِينَئِذٍ لَا يُؤمن أَن يكون الإفراط فِي تهييج الجشاء مِمَّا يُحَرك أمرا صعباً. وَمِمَّا يحرّك الجشا الصعتر وورق السذاب والكندر والأنيسون والكراويا والفودنج والنعنع والنانخواه والقرنفل والمصطكى مضغاً وشرباً. علاج الجشاء المفرط: أما أَسبَاب الجشاء ودلالته على الْأَحْوَال فقد ذَكرنَاهَا فِي بَاب الاستدلالات. أما الحامض فينتفع صَاحبه بِشرب الفلافلي بِالشرابِ وَرُبمَا نفعهم أَن يسقوا قبل غذائهم وعشائهم كزبرة يابسة قدر مِثْقَال ثمَّ يشرب بعده شراب صرف وَمِمَّا يسكنهُ على مَا زعم بَعضهم أَن تلطخ الْمعدة بالنورة وزبل الدَّجَاج. وَأما الدخاني إِن كَانَ عَن مَادَّة فينتفع بالأفسنتين والأيارج. وَإِن كَانَ بِلَا مَادَّة فبمَا يبرد ويطفئ ويشد مثل ربوب الْفَوَاكِه الْبَارِدَة والأغذية المبرّدة حسب مَا تعلم جَمِيع ذَلِك. الْمقَالة الرَّابِعَة الْأَمْرَاض الْآتِيَة والمشتركة الْعَارِضَة للمعدة فصل فِي الأورام الحارة فِي الْمعدة الْمعدة تعرض لَهَا الأورام الحارة للأسباب الْمَعْرُوفَة فِي إِحْدَاث الأورام الحارة وَمن تِلْكَ الْأَسْبَاب: العلامات: أَنه إِذا طَال بالمعدة وجع لَا يَزُول مَعَ حسن التَّدْبِير فاحدس أَن هُنَاكَ ورماً. وَأما(2/459)
الْحَار من الأورام فقد يدلّ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك التهاب شَدِيد وحرقة قَوِيَّة وعطش وحمّى لَازِمَة ووجع ناخس ونتوء وَرُبمَا أدّى إِلَى اخْتِلَاط الذِّهْن وَإِلَى السرسام والمالنخوليا. فَإِذا نحف الْبدن وَغَارَتْ الْعين وانحلت الطبيعة وَكثر الِاخْتِلَاف والقيء وأقلعت الحمّى وقلّ الْبَوْل وَصَارَت الْمعدة للصلابة بِحَيْثُ لَا تنغمز تَحت الْأَصَابِع فقد صَار خرّاجاً. وَإِذا حدث مَعَ وجع الْمعدة برد الْأَطْرَاف فَذَلِك دَلِيل رَدِيء. المعالجات: إِذا توهمت أَن ورماً حاراً ظهر أَو يظْهر بالمعدة لشدَّة الحرقة. والالتهاب فالأحوط فِي الِابْتِدَاء أَن تبادر إِلَى الردع فتمرّخ الْمعدة بِمثل دهن السفرجل وتضمدها بالسفرجل وقشور القرع والبقلة الحمقاء ودقيق الشّعير وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى. على أَن الْإِمْسَاك وتلطيف الْغذَاء وَالتَّدْبِير أَنْفَع لَهُم. وَإِذا عَالَجت أورام الْمعدة الحارة فإياك أَن تَسْقِي مسهّلاً قَوِيا أَو مقيئاً فَإِن اسْتِعْمَال الْقَيْء خطر. وَأما الفصد فَمَا لَا بدّ مِنْهُ فِي أَكثر الْأَوْقَات واجتنب الإسهال بالعنف والقيء وَاقْتصر على الأغذية والأدوية الملينة مثل الشّعير والماش والقطف والقرع ولتكن الْأَدْوِيَة الملينة مثل الْخِيَار شنبر فَإِنَّهُ لَا بَأْس فِيهِ بِأَن يستفرغ بِالْخِيَارِ الشنبر فَإِنَّهُ ينفع الورم ويجفف الْمَادَّة وَرُبمَا مزج بِهِ من الأيارج أَو الصَّبْر وزن دانق وَإِلَى نصف دِرْهَم. وَأفضل ذَلِك أَن يسقى الْخِيَار شنبر بِمَاء الهندبا وَرُبمَا جعل فِيهِ أفسنتين قَلِيل فَإِنَّهُ نَافِع يقبضهُ. وَرُبمَا اسْتعْمل فِيهِ قوم الهليلج وَأما أَنا فلست أميل إِلَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون الورم فِي طَرِيق الشَّك وَإِذا ظهر فَلَا يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل. وَرُبمَا سقوهم السكنجبين بالسقمونيا وَأَنا أكرهه. وَإِن لم يكن من مثله بدّ فالصبر مِقْدَار مِثْقَال أَو مَا يقرب مِنْهُ بالسكنجبين مِنْهُ على أَن تَركه مَا أمكن أفضل. وَمن المسهلات النافعة فِي ابْتِدَاء الْأَمر أَن يُؤْخَذ مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الهندباء أوقيتين ولبّ الْخِيَار شنبر ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن دهن اللوز والقرع من كل وَاحِد وزن دِرْهَمَيْنِ ويسقى وَلَا يزَال يلين الطبيعة بذلك إِن كَانَت يابسة إِلَى الْيَوْم السَّابِع وَيجب أَن لَا يقدّموا عَن الطَّعَام مِمَّا يَنْفَعهُمْ جدا. وَإِن اشْتَدَّ الوجع سقيتهم وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم بزر قثاء بِمَاء بَارِد أَو بِمَاء الثَّلج ويسقى مَاء الطبرزذ فَإِنَّهُ نَافِع جدا. وَمَاء الطرحشقوق أَيْضا والأضمدة المتخذة من الْملح والشبث والجلنار والهيوفا قسطيداس والأفسنتين إِذا ضمد بِهِ منع الورم أَن يفشو فِي جَمِيع أَجزَاء الْمعدة. وَمَا دَامَت الْحَرَارَة بَاقِيَة وَلَو بعد السَّابِع فَلَا تقطع مَاء الهندبا وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الكاكنج وَمَاء الطرحشقوق وأخلط بذلك إِذا جَاوز(2/460)
السَّابِع أَقْرَاص الْورْد إِلَى نصف دِرْهَم وشيئاً من عصارة الأفسنتين والمصطكي واخلط بِهِ أَيْضا مَاء الرازِيانج والكرفس وَيكون الْغذَاء إِلَى السَّابِع من الماش المقشر بقطف وسرمق وقرع بدهن اللوز أَو زَيْت الأنفاق وشراب الْجلاب وَمَاء الإجاص وعصارة الهندبا والطرحشقوق وَفِي آخِره يخلط بمصطكي وعصارة الأفسنتين. وَأما بعد السَّابِع فيخلط بهَا مَا يجلو أَو ينضج يَسِيرا مثل السلق واللبلاب وَحِينَئِذٍ أَيْضا يسقون السكنجبين وَرُبمَا سقوا قبل ذَلِك بأيام وَرُبمَا سقوه مَعَ مَاء البنفسج المربى إِن لم يكن غثيان شَدِيد مؤذٍ وَذَلِكَ إِلَى الرَّابِع عشر وَإِذا سكن اللهيب وتليّن الورم حَان وَقت التَّحْلِيل فَإِذا انحطّ قَلِيلا أدخلت فِي الضمادات مثل المصطكي والأفسنتين وَجعلت الشَّرَاب من السكنجبين بِغَيْر بَقِيَّة وَرُبمَا كفى سقِِي الْخِيَار شنبر فِي مَاء الرازيانج والكرفس ودهن اللوز الحلو إِلَى آخِره. وَالصَّوَاب لَك إِذا بلغ العلاج وَقت الإرخاء والتحليل أَن لَا تقدم عَلَيْهَا إقدام مُجَرّد إيَّاهُمَا بل اخلط الْأَدْوِيَة المرخية بالقابضة فَإِن فِي الِاقْتِصَار على المرخيات خطراً عَظِيما وَرُبمَا أشفى بِصَاحِبِهِ على الْهَلَاك سَوَاء كَانَت الْأَدْوِيَة مشروبة أَو مَوْضُوعَة عَلَيْهَا من خَارج. والمعدة أولى بذلك من الكبد والقوابض الصَّالِحَة لهَذَا الشَّأْن مَا فِيهِ عطرية مثل المصطكي والورد وَأَيْضًا العفص والسك والجلنار وأطراف الْأَشْجَار. وَمن الأدهان مثل دهن السفرجل ودهن المصطكي ودهن النارين ودهن التفاح وزيت الأنفاق بل يجب فِي الصَّيف وَفِي الِابْتِدَاء أَن يسْتَعْمل فِي مراهمها دهن الْورْد وزيت الأنفاق ودهن السفرجل ودهن التفاح. وَفِي الشتَاء أَو فِي أَوَان التَّحْلِيل دهن الناردين ودهن الشبث ودهن البابونج ودهن السوسن ودهن المصطكي بَين بَين. صفة أضمدة جَيِّدَة فِي الِابْتِدَاء والتزيّد والانتهاء: ضمّاد نَافِع هَذَا الْوَقْت وَبعده يُؤْخَذ دَقِيق الشّعير وفوفل ونيلوفر من كل وَاحِد أُوقِيَّة ورد أُوقِيَّة وَنصف زعفران نصف أُوقِيَّة بنفسج خَمْسَة عشر كثيرا خَمْسَة خطمي بابونج من كل وَاحِد عشرَة صندل خَمْسَة عشر مصطكي وجلّنار وأقاقيا من كل وَاحِد خَمْسَة خَمْسَة شمع دهن ورد مَا يجمعه. وَمن الأضمدة الجيدة فِي ابْتِدَاء الورم أَن يُؤْخَذ أصل السوسن بإكليل الْملك وشمع ودهن البنفسج وَلَا يجب أَن يضمد مَعَ استطلاق شَدِيد من الْبَطن بل يعدّل الْبَطن أَولا ثمَّ يسْتَعْمل الضمّاد. وَمن الأضمدة الجيدة فِي وَقت الْمُنْتَهى إِلَى الانحطاط أَن يُؤْخَذ فقاح الأذخر إكليل الْملك وأفسنتين رومي وسنبل وأصل الخطمي وصندل وفوفل وزعفران وحبّ الْغَار وَمَا أشبه وَمن الأضمدة الجيدة فِي إنضاج مَا يُرَاد تَحْلِيله من الورم الْحَار والماشراء أَن يُؤْخَذ طراف الْورْد وأطراف الأفسنتين وأطراف حَيّ الْعَالم وقشر الأترج الْخَارِج والمصطكي والكندر من كل وَاحِد جُزْء وَنصف وَمن السفرجل والبسر(2/461)
والزعفران وَالصَّبْر والمر من كل وَاحِد جُزْء وَمن الشمع ودهن البابونج ودهن الناردين من كل وَاحِد عشرَة أَجزَاء. وَإِذا كَانَ السَّبَب فِي حُدُوث الأورام الأوجاع المتقادمة الَّتِي من حَقّهَا أَن تعالج بالملطفات فَإِذا تأدت إِلَى التورّم فَيجب أَن تقطع الملطفات عَنْهَا وتقتصر على المسكّنة للأوجاع مثل شحوم البط والدجج. وَإِذا أعتق الورم سقِِي أَقْرَاص السنبل ويضمد بضماد الْمقل بحب البان الْمَذْكُور فِي الأقراباذين. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك قيروطي بدهن بِلِسَان وَالصَّبْر والشمع الْأَبْيَض وَيجب أَن يسْتَعْمل القيروطي الجالينوسي الْمَذْكُور فِي بَاب ضعف الْمعدة. وضماداً إكليل الْملك نَافِع جدا وَهُوَ أَن يُؤْخَذ بابونج وجلنار وبزر الْكَتَّان وإكليل الْملك وخطمي يَجْعَل مِنْهُ ضمّاد ويكمّد وينطل بطبيخه. وَمِمَّا يسقى فِي ذَلِك الْورْد عشرَة الْعود دِرْهَمَيْنِ المصطكي ثَلَاثَة دَرَاهِم بزر الهندباء والكشوت ثَلَاثَة يسقى فِي الورم الملتهب مَعَ كافور أَو يُؤْخَذ ثَلَاثَة أساتير خِيَار شنبر ويطبخ فِي رَطْل مَاء حَتَّى يعود إِلَى النّصْف ثمَّ يصفى ويلقى عَلَيْهِ من مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الكاكنح اسكرجة ويغلى إغلاءة ويلقى عَلَيْهِ نصف دِرْهَم أيارج فيقرا ويسقى الْقوي مِنْهُ بِتَمَامِهِ والضعيف نصفه وَإِن احتجت إِلَى أقوى من ذَلِك زِدْت فِيهَا الشبت وبزر الْكَتَّان والحلبة وَإِذا احتجت إِلَى أقوى من ذَلِك زِدْت من بزر الكرنب وأشق ومخ الأيل وشحم الدَّجَاج وَرُبمَا احتجت إِلَى ضماد فيلغريوس والضمّاد الْأَصْفَر وَفِي هَذَا الْوَقْت رُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يسقى أَقْرَاص الْمقل. وَمن المراهم النافعة فِي هَذَا الْوَقْت مرهم بِهَذِهِ الصّفة: يُؤْخَذ من الشمع وَمن دهن الناردين أُوقِيَّة أُوقِيَّة وَمن المصطكي وَالصَّبْر والسعد والأذخر من كل وَاحِد مِثْقَال وَمن مثل وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم يحل فِي الشَّرَاب وَيجمع بَين الْأَدْوِيَة على سَبِيل اتِّخَاذ المراهم. وَإِن كَانَ هُنَاكَ إسهال فَرُبمَا احتجت إِلَى أَن تجْعَل مَعَ هَذِه عصارة الحصرم أَو عصارة الأفسنتين أَو تجمع بَينهمَا. وَمن الْخَطَأ الْعَظِيم أَن يطول زمَان مقاساة الورم وَلَا يزَال يعالج بالمبرّدات وَيكون الورم فِي طَرِيق كَونه خراجاً وَقد منع عَن النضج فَيجب أَن يُرَاعى هَذَا. وَقد قيل أَن القلادة المتخذة من حِجَارَة أناسليس إِذا علقت بِحَيْثُ تلامس الْمعدة كَانَت عَظِيمَة الْمَنْفَعَة فِي أوجاعها وأورامها. وَأما إِذا صَار الورم دبيلة أَو خراجاً فقد أفردنا لَهُ بَابا وَأما إِذا كَانَ الورم صفرارياً فَيجب فِي ابْتِدَائه أَن يبرّد جدا بالضمادات الْمبرد الْمَعْرُوفَة المخلوطة بالصندل والكافور والورد وَنَحْوه ويسقى مَاء الشّعير بِمَاء الرُّمَّان المزّ الْمَطْبُوخ وبالسرطانات ثمَّ بعد ذَلِك بأيام يسْتَعْمل مَاء عِنَب الثَّعْلَب(2/462)
وَمَاء الهندباء وَبعد ذَلِك وَعند الْقرب من الْمُنْتَهى يمزج بِمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الهندبا قَلِيل مَاء الرازيانج فَإِن ذَلِك ينفع مَنْفَعَة بَيِّنَة. فصل فِي الأورام الْبَارِدَة البلغمية هَذِه الأورام تتولّد من رُطُوبَة وَسُوء هضم وَقلة رياضة وَمن سَائِر الْأَسْبَاب المولدة للمواد الرّطبَة الخافية إِيَّاهَا فِي الأوعية والأغشية مِمَّا سلف تَعْرِيفه. العلامات: إِذا وجدت عَلامَة الورم من وجع راسخ فِي كل حَال وتنويم ثمَّ لم يكن حمى وَلَا التهاب وَلَا وسواس بل كَانَ رُطُوبَة ريق ورصاصية لون وَقلة عَطش وَسُوء هضم وقلّة شَهْوَة فَذَلِك ورم بلغمي وَاسْتدلَّ بِسَائِر الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة لرطوبة مزاج الْمعدة. المعالجات: من القانون فِي هَذَا أَيْضا أَن لَا تخلي المحلّلة من القابضة فَإِن المحللة الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا فِي هَذِه هِيَ القوية التَّحْلِيل يبتدأ من علاج هَؤُلَاءِ بِأَن يسقوا مَاء الكرفس وَمَاء الرازيانج من كل وَاحِد أوقيتين بورق ثَلَاثَة دَرَاهِم دهن لوز حُلْو مِقْدَار الْكِفَايَة ثمَّ من بعد ذَلِك يسقون دِرْهَمَيْنِ من دهن الخروع مَعَ ثَلَاثَة دَرَاهِم من دهن اللوز الحلو بطبيخ إكليل الْملك. وَصفته: إكليل الْملك عشرَة أصل الرازيانج عشرَة المَاء أَرْبَعَة أَرْطَال يطْبخ حَتَّى يبْقى رَطْل ويسقى مِنْهُ أَربع أَوَاقٍ. وينفع هَؤُلَاءِ طبيخ الزوفا الَّذِي طبخ فِيهِ إكليل الْملك وَجعل على الشربة مِنْهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم دهن الخروع وَقيل نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَمَيْنِ دهن اللوز الحلو. وَأما المسوحات والأضمدة فَمن ذَلِك دَوَاء مجرب بِهَذِهِ الصّفة. يُؤْخَذ جعدة وإكليل الْملك وحماماً وبابونج وشبت وَمن كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم أفسنتين وسنبل من كل وَاحِد سَبْعَة دَرَاهِم صَبر وزن ثَمَانِيَة دَرَاهِم مصطكي عشرَة دَرَاهِم كندر سِتَّة دَرَاهِم أصل الخطمي خَمْسَة عشر درهما أشق وجاوشير وميعة من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم شَحم الوز وشحم دَجَاج من كل وَاحِد أوقيتين شمع أَحْمَر نصف رَطْل. وَأفضل المسوحات دهن النادرين ودهن السنبل قد جعل فِيهِ المر والقردمانا. وينفع أَيْضا الهليون واللبلاب بدهن اللوز الحلو والسلق والكرنب بالزيت وَمَا يجفف الدَّم من الأغذية ويسهل هضمه وَيجب أَن يجتنبوا الْقَيْء أصلا. فصل فِي الأورام الصلبة الغليظة قد يكون ابْتِدَاء وَقد يكون عَن انْتِقَال من الأورام الحارة وعَلى مَا قد عَرفته فِي الْأُصُول وَفِي النَّادِر يكون عَن ورم بلغمي عرض لَهُ أَن يصلب وَيدل عَلَيْهِ مَعَ دلَالَة الأورام صلابة المجس(2/463)
المعالجات: القانون فِي هَذَا أَيْضا أَن لَا تخلي الْأَدْوِيَة المحللة عَن القابضة وكل الْأَدْوِيَة الَّتِي كَانَت شَدِيدَة التَّحْلِيل فِي آخر الأورام الحارة فَإِنَّهَا نافعة هَهُنَا وَيجب أَن يسقوا لبن اللقَاح دَائِما. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ أَن يُؤْخَذ ثَلَاثَة مَثَاقِيل من دهن الخروع بطبيخ الخيارشنبر وَهُوَ ممروس فِي مَاء الْأُصُول وان احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى جعل فِي مَاء الْأُصُول من فقاح الأذخر والمصطكي والبرشارشان مَعَ سَائِر الْأَدْوِيَة جُزْء جُزْء. وَإِذا جعل مَعَ دهن الخروع من دهن السوسن مِقْدَار دِرْهَم وَمن دهن اللوز مِقْدَار دِرْهَمَيْنِ كَانَ نَافِعًا وَكَذَلِكَ إِذا سقيت هَذِه الْأَثْمَان بِمَاء الْعَسَل. وَيجب أَن يسْتَعْمل فِي ضماداته مخّ عِظَام الْإِبِل ومخ سَاق الْبَقر وإهال سَنَام الْبَعِير. وَمن الْأَدْوِيَة النافعة فِي ذَلِك وَفِي الدبيلات أَن يُؤْخَذ إكليل الْملك وحلبة وبابونج وَحب الْغَار والخطمي وأفسنتين من كل وَاحِد جُزْء أشق قفر من كل وَاحِد ثلثا جُزْء تحل هَذِه الصموغ فِي طبيخ عشْرين تينة بالطلاء ويسحقه كالعسل ثمَّ يجمع بِهِ الْأَدْوِيَة ويتخذ مِنْهُ ضمّاد فَإِنَّهُ عَجِيب. ضماد آخر: يُؤْخَذ وسخ الكوارة سِتَّة أَجزَاء ميعة جزأين مصطكي جُزْء علك البطم نصف ضماد آخر: يُؤْخَذ أشق مائَة شمع مائَة إكليل الْملك أثني عشر زعفران مرّ مقل الْيَهُودِيّ من كل وَاحِد ثَمَانِيَة دهن البلسان رَطْل. وَمِمَّا هُوَ نَافِع لَهُم جدا دهن عصير الْكَرم. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ جدا طبيخ الايرسا بالخيارشنبر والضماد الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي بَاب ضعف الْمعدة مَعَ صلابة. نُسْخَة ضماد جيّد: يُؤْخَذ مصطكي كندر أفسنتين من كل وَاحِد جُزْء أشق زعفران جزأين جزأين سعد ثَلَاثَة قيروطي بدهن الناردين قدر الْكِفَايَة وَإِذا اتّفق مَا هُوَ قَلِيل الِاتِّفَاق من انْتِقَال الورم البلغمي إِلَى الورم الصلب فأوفق علاجه ضماد بِهَذِهِ الصّفة: يُؤْخَذ أشق ومقل وبزر الكرنب ميعة سَائِلَة ولوز مرّ ومصطكي وسنبل وأذخر وَسعد تحل الصموغ ويسحق غَيرهَا وَيجمع ضمّاداً وغذاؤهم مثل الهليون واللبلاب ودهن لوز حُلْو وخصوصاً لما كَانَ انْتقل من الورم الْحَار.
(فصل فِي الدُّبَيْلَة فِي الْمعدة)
كثيرا مَا يحرف الْأَطِبَّاء عَن تَدْبِير الورم فِي الْمعدة فَينْتَقل خرّاجاً وَكَثِيرًا مَا يَبْتَدِئ. العلامات: قد ذكرنَا عَلَامَات ابتدائها فِي بَاب أورام الْمعدة الحارة. المعالجات: يجب أَن تبادر إِلَى الفصد وَإِلَى تبريد الْمعدة المورمة ورماً حاراً خَارِجا(2/464)
وداخلاً بِمَا يُمكن ليمنع صَيْرُورَته دبيلة. فَإِن صَار دبيلة وَأخذ فِي طَرِيق النضج فَيجب حِينَئِذٍ إِن كَانَ الْأَمر خَفِيفا وتوهّمت نضجاً قَرِيبا أَن تسقيه اللَّبن الحليب مرّة بعد أُخْرَى مَعَ المَاء الْحَار وتجسّ الصلابة وَتنظر هَل تنغمز وتترقّب هيجاناً وقشعريرة وانغماز ورم فَإِن لم يغن ذَلِك فَيجب أَن تسقيه مَاء الحلبة والحسك ودهن اللوز الحلو. فَإِن احتجت إِلَى أقوى من ذَلِك وَكَانَ الْأَخْذ فِي طَرِيق النضج قد زَاد على الأول جعلت فِيهِ دهن الخروع. وَمِمَّا هُوَ مجرب فِي ذَلِك أَن يسقى صَاحبه طرحشقوق يَابِس وزن دِرْهَم وَنصف بزر المرّ وحلبة دِرْهَم دِرْهَم يسحق ذَلِك وَيشْرب بِبَعْض الألبان الحليب الحارة مثل لبن الأتان والماعز وَمِقْدَار اللَّبن ثَلَاثَة أَوَاقٍ ويخلط مَعَه من السكر وزن ثَلَاثَة دِرْهَم. وَمِمَّا هُوَ مجرّب أَيْضا أَن يُؤْخَذ من ورق الطرحشقوق الْيَابِس أُوقِيَّة الحلبة أوقيتان بزر المرو أَربع أَوَاقٍ يدقّ وينخل ويعجن بِلَبن الماعز ودهن السمسم ويتخذ ضمّاداً. وَيَنْبَغِي أَن يحمّم بِالْمَاءِ الفاتر ويخبّص على الدُّبَيْلَة بِشَيْء متخذ من التِّين والبابونج والحلبة مطبوخة وفيهَا أفسنتين ليقوّي. وَالْمرَاد من جمع ذَلِك أَن ينضج الورم وينفجر فَإِذا حدست نضجاً وَكنت قد اسْتعْملت التحميم الْمَذْكُور والضمادات وأعقبتها بضمّاد التِّين الْمَذْكُور فرشت لَهُ فرشاً مضاعفة فِي غَايَة الوطاء والدفاء وأمرته أَن ينَام عَلَيْهَا منبطحاً حَتَّى ينفجر تَحت هَذَا الانضغاط ورمه وَأَنت تعرف أَنه قد انفجر بالضمور والتطامن وَبِمَا يقذف وَيخْتَلف بِهِ من الْقَيْح وَالدَّم وَيجب أَن يسقى حِينَئِذٍ الصَّبْر بِمَاء الهندبا فَإِذا انفجر سقِِي الملحمات. على أَن من قاء الْقَيْح من معدته كَانَ إِلَى الْيَأْس أقرب مِنْهُ إِلَى الرَّجَاء فَإِذا حدست أَن فِي الْمعدة قَيْحا فَأخْرجهُ بالإسهال وَلَا تحرّكه إِلَى الْقَيْء وَإِذا لم ينجع مثل هَذِه الْأَشْيَاء اسْتعْملت الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة فِي بَاب الأورام الصلبة. وَأما الأغذية الْمُوَافقَة لَهُم فِي أَوَائِل الْأَمر فالاحساء المتخذة بالنشاء وَالشعِير المقشّر وصفرة الْبيض وَفِي آخِره مَا يَقع فِيهِ شبث وحلبة بِمِقْدَار حسب مَا تعلم قانون ذَلِك. فصل فِي القروح فِي الْمعدة إِن القروح والبثور قد تعرض للمعدة لحدّة مَا يتشرب جرمها من الأخلاط وَمَا يلاقيه مِنْهَا وَكَثِيرًا مَا يكون بِسَبَب مَا يَأْتِيهَا من غَيرهَا فَإِنَّهُ كثيرا مَا تتقرح الْمعدة من نَوَازِل تنزل إِلَيْهَا من الرَّأْس حادة لذّاعة قَابِلَة للعفونة تتعفن فتتأكّل إِذا طَال النُّزُول. العلامات: كثيرا مَا تُؤدِّي قُرُوح الْمعدة خُصُوصا فِي أَسْفَلهَا إِلَى صغر النَّفس ودرور الْعرق والغشي وَبرد الْأَطْرَاف. وَقد يدل على القروح فِي الْمعدة نَتن الجشاء وارتفاع بخار(2/465)
يُورث يبس اللِّسَان وجفافه وَيكون الْقَيْء كثيرا وَإِذا كَانَ فِي الْمعدة بثور كثر الجشاء جدا. وَقد يفرق بَين القرحة الكائنة فِي المريء وَبَين الكائنة فِي فَم الْمعدة أَن الكائنة فِي المريء يحس الوجع فِيهَا إِلَى خلف بَين الْكَتِفَيْنِ وَفِي الْعُنُق إِلَى أَوَائِل الصَّدْر ويحقق حَالهَا نُفُوذ المزدرد فَإِنَّهُ يدل على الْموضع الْأَلَم باجتيازه فَإِذا جَاوز هَذَا الوجع يَسِيرا. وَأما الكائنة فِي فمّ الْمعدة فَيدل عَلَيْهَا أَن الوجع يكون فِي أسافل الصَّدْر أَو أعالي الْبَطن وَيكون أَشد والمزدرد يدل عَلَيْهَا عِنْد مُجَاوزَة الصَّدْر وَأَكْثَره يمِيل إِلَى جِهَة المراق ويصغر مَعَه النَّفس ويبرد الْجَسَد وَيُؤَدِّي إِلَى الغشي أَكثر. وَأما الكائنة فِي قَعْر الْمعدة فستدلّ عَلَيْهَا بِخُرُوج قشر قرحَة فِي البرَاز من غير سحج فِي الأمعاء وَوُجُود وجع بعد اسْتِقْرَار المتناول فِي أَسْفَل الْمعدة وَيكون الوجع يَسِيرا. وَيفرق بَين القرحة فِي الْمعدة والقرحة فِي الأمعاء مَوضِع الوجع عِنْد دُخُول الطَّعَام على الْبدن وَيكون خُرُوج القشرة الَّتِي تخرج فِي البرَاز نَادرا وَتَكون قشرة رقيقَة من جنس مَا تخرج من الأمعاء الْعليا. ويستدل على أَنَّهَا من الْمعدة بِأَن الوجع لَيْسَ فِي نواحي الأمعاء بل فَوق إِلَّا أَنه كثيرا مَا يلتبس فتشبه الدوسنطاريا العالي وَهُوَ الْكَائِن فِي الأمعاء الْعليا فَيجب أَن تتفرّس فِيهِ جيدا. وَأما فِي الْقَيْء فَإِن القشرة إِذا خرجت لم يكن إِلَّا لقرحة فِي المريء أَو الْمعدة وَيجب إِذا أردْت أَن تمتحن ذَلِك أَن تطعم العليل شَيْئا فِيهِ خل وخردل. المعالجات: الْجراحَة الطرية الَّتِي تقع فِيهَا يجب أَن تعالج بالأدوية القابضة وَتجْعَل الأغذية سريعة الهضم أَيْضا وتبعد الْأَدْوِيَة القرحية الَّتِي يَقع فِيهَا زنجار وأسفيداج ومرتك وتوتيا وأمثال ذَلِك بل يجب أَن تعالج قُرُوح الْمعدة والأكلة فِيهَا أَولا بالتنقية بِمثل مَاء الْعَسَل والجلاب وَلَا يجب أَن يكون فِي المنقّي قُوَّة من التنقية فيؤذي ويقرح أَكثر مِمَّا ينقّي وينفع بِمَا يزعزع بل يجب أَن يكون جلاؤها وغسلها إِلَى أَسْفَل. فَإِن كَانَ هُنَاكَ تَأْكُل وَلحم ميت فَيجب أَن يداوى بدواء ينقّي اللَّحْم الْمَيِّت ويلحم وينبت. وَمَا أوفق أيارج فيقرا لذَلِك فَإِذا نقى وَجب أَن يسقى مخيض الْبَقر المنزوع الزّبد وشراب السفرجل وَالرُّمَّان وَنَحْوه ويسقى أَيْضا مَاء الشّعير بِمَاء الرُّمَّان وجلاب الْفَوَاكِه القابضة وَرُبمَا احتاجوا إِلَى التغذية ببطون العجاجيل والجداء المحللة. وَاعْلَم أَنَّك مَا لم تنق الوضر أجمع فَلَا مَنْفَعَة فِي علاج آخر وَلَا اسْتِعْمَال مدملات. وَإِذا اسْتعْملت الملحمات وَكَانَت الْعلَّة فِي ناحيتي المريء وفم الْمعدة فَاجْعَلْ فِيهَا من المغريات شَيْئا صَالحا مثل الصمغ والكثيراء وَقد ينفع من(2/466)
قُرُوح الْمعدة الفلونيا وينفع أَيْضا أَقْرَاص الكهرباء لَا سِيمَا إِذا كَانَ هُنَاكَ قيء دم وينفع مِنْهُ جَمِيع ربوب الْفَوَاكِه القابضة وَقد ينقع رب الغافت وربّ الأفسنتين وَإِذا كَانَ فِي الْمعدة قُرُوح وَلم يكن بُد من الإسهال لداعٍ من الدَّوَاعِي فَيجب أَن يسهل بِمثل الخيارشنبر وَإِن عرض من القروح إسهال فَيجب أَن يعالج بأقراص الطباشير والربوب القابضة بِمَاء السويق الْمَطْبُوخ. وَإِذا كَانَ هُنَاكَ أَكلَة فيعالج بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي علاج نفث الدَّم وَأَنت تعلم ذَلِك. فصل فِي علاج البثور فِي الْمعدة ينفع مِنْهَا التنقية بمداراة مَا يرخص فِي الاستسهال بِهِ فِي قُرُوح الْمعدة حب الرُّمَّان بالزبيب وَاللَّبن المنضج بالحديد المحمى. وَأما من عرض لَهُ انخراق معدته فَلَا يتَخَلَّص إِلَّا قَلِيلا من خرق قَلِيل وَمَعَ ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن لَا يهمل حَاله وتشتغل بعلاجه فَعَسَى أَن يتَخَلَّص مِنْهُ. الْمقَالة الْخَامِسَة أَحْوَال الْمعدة من جِهَة مَا تشْتَمل عَلَيْهِ وَيخرج عَنْهَا وَشَيْء فِي أَحْوَال المراق وَمَا يَليهَا فصل فِي النفخة النفخة قد تكون بِسَبَب الطَّعَام إِذا كَانَ فِيهِ رُطُوبَة غَرِيبَة تستحيل ريحًا وَلَا يُمكن الْحَرَارَة وَإِن كَانَت معتدلة أَن تحللها من غير إِحَالَة الرّيح وَقد تكون بِسَبَب الْحَرَارَة الهاضمة إِذا كَانَت ضَعِيفَة فَإِن الْغذَاء وَإِن كَانَ غير نافخ فِي طباعه فَإِذا ضعفت عَنهُ الْحَرَارَة بخرت وأحدثت ريحًا فَإِن الْمَادَّة الَّتِي لَيْسَ فِي جوهوها نفخ كثير فَإِنَّهَا لَا تحدث فِي الْجوف نفخاً إِلَّا أَن تكون الْحَرَارَة مقصرة فَتحَرك وَلَا تهضم. كَمَا أَن عدم الْحَرَارَة أصلا لَا يصحبها نفخ وَلَو من نافخ. وكل مَا لَا يحدث عَنهُ نفخ فَإِنَّمَا لَا يحدث عَنهُ النفخ إِمَّا لبراءته عَن ذَلِك فِي جوهره وَإِمَّا لسببين من غَيره أَحدهمَا اسْتِيلَاء الْحَرَارَة عَلَيْهِ وَالْآخر الْبرد الَّذِي لَا يُحَرك شَيْئا. وَرُبمَا كَانَت الْحَرَارَة مستعدة للهضم والمادة مجيبة إِلَيْهِ فعورضت بِمَا يقصر بهَا عَنهُ من شرب مَاء كثير عَلَيْهِ أَو حَرَكَة مخضخضة لَهُ. وَرُبمَا كَانَ مزاج الْغذَاء نفاخاً كاللوبيا والعدس وَنَحْوه فَلم تَنْفَع قُوَّة الْقُوَّة وَاجْتنَاب مواقع الهضم إِلَّا أَن تكون الْحَرَارَة شَدِيدَة الْقُوَّة والمادة شَدِيدَة الْقلَّة وَمن الْأَشْرِبَة النفاخة الشَّرَاب الغليظ والحلو اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون حلواً رَقِيقا فيتولّد عَنهُ ريح لَطِيفَة لَيست بغليظة. وَرُبمَا كَانَ سَبَب النفخة كَون الطَّعَام حاراً بطباعه فَإِنَّهُ إِذا صَادف حَال مَا يسخن عِنْد الهضم وَيخرج من كَونه حاراً بِالْقُوَّةِ إِلَى كَونه حاراً بِالْفِعْلِ(2/467)
مَادَّة بَارِدَة رطبهّ حللها وبخّرها. وَرُبمَا كَانَ سَبَب النفخ والقراقر خواء الْبَطن مَعَ رُطُوبَة فجّة زجاجية فِي الْمعدة والأمعاء فَإِنَّهَا إِذا اشتغلت الْحَرَارَة الطبيعية عَنْهَا بالأغذية كَانَت هادئة وَإِذا تفرّغت لَهَا الْحَرَارَة تحلّلت رياحاً. وَرُبمَا كَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن الطبيعة إِذا وجدت خلاء وتحركت الْقُوَّة أدنى حَرَكَة حرّكت الْهَوَاء المصبوب فِي الأفضية وتحركت مَعهَا البقايا من أبخرة الرطوبات فَكَانَت كالرياح. وَقد يكون السَّبَب فِيهِ كَثْرَة السَّوْدَاء وأمراض الطحال وَكَثِيرًا مَا يصير الْبرد الْوَارِد على الْبدن من خَارج سَببا لنفخة ورياح يمتلئ مِنْهَا الْبدن لما ضعف من الْحَرَارَة الفاعلة فِي الْمَادَّة فتجعل عَملهَا نصف عمل وعملها الإنضاج للرطوبات وَنصف الْعَمَل التبخير. وَإِذا كثرت النفخة فِي أَجْوَاف الناقهين أنذرت بالنكس وَالْعلَّة المراقبة أَكْثَرهَا يكون لشدَّة حرارة الْمعدة وانسداد طرق الْغذَاء إِلَى الْبدن فَيرجع ويحتبس فِي نواحي الْمعدة يحمّض الجشاء وَيحدث قيء مُضرس لَا سِيمَا إِن شَارك الطحال وَيكون البرَاز غليظاً رطبا ويغلظ الدَّم وَرُبمَا يكون هُنَاكَ ورم يبخر بخاراً سوادياً يحدث المالنخوليا. العلامات: مَا كَانَ سَببه تولّد الرّيح والنفخة فِيهِ جَوْهَر الطَّعَام فقد يدلّ عَلَيْهِ الرُّجُوع إِلَى تعرّف جَوْهَر مَا يتَنَاوَل وَأَن النفخة لَا تكون كَبِيرَة جدا وَفِي أَوْقَات كَثِيرَة وَلَا فِي أَوْقَات جودة الْغذَاء وَأَن الجشاء إِذا تكَرر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة سكّن من غائلته. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ السَّبَب فِيهِ خلطاً تدبّر عَلَيْهِ بتناول المَاء الْحَار أَو الْحَرَكَة المخضخضة. وَبِالْجُمْلَةِ مَا يُعَارض الْقُوَّة الهاضمة فَإِن جَمِيع ذَلِك يعرف بِوُجُود السَّبَب وَزَوَال النفخة مَعَ تغير التدِبير وَالْفرق بَين النفخة السوداوية وَالَّتِي من أخلاط رطبَة فجة أَن النفخة السوداوية تكون المعالجات: إِن كَانَ سَبَب النفخة طَعَاما نفّاخاً هجر إِلَى غَيره وَأحسن التَّدْبِير فِي المستأنف وَلم يُعَارض الهضم وَإِلَى أَن يفعل ذَلِك فَيجب أَن ينَام صَاحبه على بَطْنه فَوق مخدة محشوة بِمَا يدفئ كالقطن. وَإِن كَانَ سَببه برودة الْمعدة وضعفها عولج بِمَا يجب مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي بَابه ومرّخت بدهن طبخ فِيهِ المطفات الكاسرة للرياح كالنانخواة والكاشم والكمون.(2/468)
وَإِن احْتَاجَ إِلَى أقوى من ذَلِك فالسذاب وبزره وَحب الْغَار والأنجدان وسيساليوس وَيكون دهنه دهن الْغَار ودهن الخروع وَمَا أشبه ذَلِك. وَرُبمَا كفى تمريخ الْعُنُق بدهن مزج بِهِ الشبث وَمَا يجْرِي مجْرَاه ثمَّ بمرهم قوي التَّحْلِيل مثل مرهم يتَّخذ بالزوفا والشبث وَمَاء الرماد وَنَحْوهَا. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى الحقن بِمثل هَذِه الأدهان وَرُبمَا يَجْعَل فِيهِ الزفت. وَإِذا كَانَ الْبرد من مَادَّة غَلِيظَة لم نسق هَذِه الْأَدْوِيَة فَإِنَّهَا رُبمَا زَادَت فِي تهييج الرِّيَاح بل يجب أَن تنقى الْمَادَّة أَولا ثمَّ نسقيها. وَإِن كَانَ الْبرد ساذجاً أَو كَانَت الْمَادَّة قَليلَة لم نبال بذلك بل سقيناها. وَمِمَّا نسمّيه ويعظم نَفعه حزمة من الجعدة تطبخ فِي المَاء طبخاً شَدِيدا ثمَّ يسقى مِنْهُ أَو يخلط طبيخ الفودنج النَّهْرِي بِعَسَل ويسقى مِنْهُ. وطبيخ الخولنجان نَافِع مِنْهُ جدا. والخولنجان المعجون بالسكبينج وَمِمَّا هُوَ عَظِيم النَّفْع فِي النفخ خَاصَّة الجندبيدستر إِذا سقِِي بخل ممزوج بِمَاء ورد مَعَ زَيْت عَتيق وخصوصاً خل الانجدان أَو العنصل. وَقيل إِن كَعْب الْخِنْزِير المحرق جيد فِي ذَلِك وَرُبمَا كَفاك فِيمَا خفّ من ذَلِك أَن تسقيه الشَّرَاب الصّرْف على طَعَام يسير ويشربه وينام عَلَيْهِ فَيقوم بَرِيئًا من أَذَاهُ. وَمِمَّا ينفع هَذَا المروخ الَّذِي نَحن واصفوه. ونسخته: يطْبخ شونيز وَحب الْغَار وسذاب فِي الشَّرَاب طبخاً شَدِيدا ويصفّى ثمَّ يطْبخ من الدّهن نصف ذَلِك الشَّرَاب فِي ذَلِك الشَّرَاب ويطبخ حَتَّى يبْقى الدّهن ثمَّ يمرخ بِهِ. وَكَذَلِكَ دهن الشونيز. قَالَ بَعضهم الجمسفرم نَافِع جدا للصبيان الَّذين تنتفخ بطونهم. والنفخة اللَّازِمَة السوداوية تعالج بِمثل الشجرينا والقنداذيقون والنانخواه وَإِن احْتِيجَ إِلَى استفراغ قوي اسْتعْملت حب المنتن فَيُوضَع عَلَيْهَا إسفنجة مبلولة بخل ثَقِيف جدا وأجوده خل الأنجدان فَإِنَّهُ ينفع مَنْفَعَة بيِّنة. فصل فِي القراقر جَمِيع أَسبَاب النفخة هِيَ أَسبَاب القراقر بِأَعْيَانِهَا إِذا أحدثت تِلْكَ(2/469)
الْأَسْبَاب نفخة وحاولت الطبيعة دَفعهَا فَلم تُطِع وَلم تنْدَفع إِلَى فَوق وَلَا إِلَى أَسْفَل بل تحركت فِي أوعية الأمعاء كَانَت قراقر وخصوصاً إِذا كَانَت فِي الأمعاء الدقاق الضيقة المنافذ فَإِذا انفصلت عَنْهَا إِلَى سَعَة وَأما فِي الدقاق فَيكون أحدّ مِنْهُ مَعَ أَنه أَكثر وَإِذا اخْتلطت تِلْكَ الرِّيَاح بالرطوبات لم تكن صَافِيَة وَإِذا وجدت فضاء وَكَانَت منضخة مخضخضة أحدثت بقبقة. وصفاء الصَّوْت يدلّ على نقاء الأمعاء أَو جفاف الثّقل وعلاج القراقر أقوى من علاج النفخ. وَمن وجد رياحاً فِي الْبَطن مَعَ حمّى يسيرَة شرب مَاء الكمون مَعَ الترنجبين بدل الفانيد فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي زلق الْمعدة وملاستها قد يكون بِسَبَب مزاج حَار مَعَ مَادَّة لذّاعة مزلقة للطعام بأحداث لذع للمعدة وَفِي النَّادِر يكون من سوء مزاج حَار بسيط إِذا بلغ أَن أَنْهَك الماسكة. وَقد يكون بِسَبَب سوء مزاج بَارِد مَعَ مزلقة أَو من غير مَادَّة. وَقد يكون بِسَبَب قُرُوح فِي الْمعدة تتأذى بِمَا يصل إِلَيْهَا فتحرّك إِلَى دَفعه. وَقد يكون من ضعف يُصِيب الماسكة وَإِذا حدث بعد زلق الْمعدة والأمعاء وملاستها جشاء حامض كَانَ على مَا يَقُول أبقراط عَلامَة جَيِّدَة فَإِنَّهُ يدلّ على نهوض الْحَرَارَة الجامدة فَإِنَّهُ لَوْلَا حرارة مَا لم يكن ريح فَلم يكن جشاء. العلامات: مَشْهُورَة لَا يحْتَاج إِلَى تكريرها. المعالجات: أما إِن كَانَ سَببه سوء مزاج حَار مَعَ مَادَّة فَيجب أَن يخرج الْخَلْط بالرفق وَيسْتَعْمل بعد ذَلِك ربوب الْفَوَاكِه القابضة وَمَاء سويق الشّعير مطبوخاً مَعَ الجاورس. فَإِن طَال ذَلِك احْتِيجَ إِلَى شرب مثل مخيض الْبَقر الْمَطْبُوخ أَو المطفأ فِيهِ الْحَدِيد وَالْحِجَارَة مخلوطاً بِهِ الْأَدْوِيَة القابضة مثل الطباشير والورد والكهرباء والجلّنار والقرط والطراثيث يطْرَح على نصف رَطْل من المخيض خَمْسَة دَرَاهِم من الْأَدْوِيَة وَيسْتَعْمل على الْمعدة الأضمدة الْمَذْكُورَة فِي القانون وَيجْعَل الْغذَاء من العدس المقشر والأرز والجاورس بعصارة الْفَوَاكِه القابضة مثل مَاء الحصرم وَمَاء الرُّمَّان الحامض وَمَاء السفرجل الحامض وَإِن لم نجد بدا من أطعامهم اللَّحْم أطعمناهم مَا كَانَ مثل لحم الفراريج والقباج والطياهيج مشوية جدا مرشوشة بالحوامض الْمَذْكُورَة. وبقريب من هَذَا يعالج مَا كَانَ فِي النَّادِر الأول من وُقُوع هَذِه الْعلَّة بِسَبَب سوء مزاج حَار ساذج بِلَا مَادَّة بِمَا عَرفته فِي الْبَاب الْجَامِع.(2/470)
وَإِن كَانَ من برد عولج بالمسخّنات المشروبة والمضمود بهَا مِمَّا قد شرح فِي مَوْضِعه وَجعل غذاؤه من القنابر والعصافير المشوية والفراخ أَيْضا فَإِنَّهَا بطيئة الْبَقَاء فِي الْمعدة ويبزر بالأفاويه العطرة الحارة القابضة أَو الحارة مخلوطة بالقابضة وَإِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة استفرغت بِمَا سلف بَيَانه وَاسْتعْمل الْقَيْء فِي كل أُسْبُوع وَاسْتعْمل الجوارشن الْجَوْزِيّ وجوارشن حب الآس وجوارشن خبث الْحَدِيد ويسقى النَّبِيذ الصلب الْعَتِيق. وَإِن كَانَ من قُرُوح عَالَجت القروح بعلاجها ثمَّ دبّرت بتَشْديد الْمعدة. وَأما إِن كَانَ من ضعف الْقُوَّة الماسكة فالعلاج أَن يسْتَعْمل فِيهِ المشروبات القابضة مَعَ المسخّنات العطرة سقيا وضمّاداً. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك أَيْضا جوارشن الخرنوب بِمَاء الفودنج الرطب أَو دَوَاء السماق بِمَاء الخرنوب الرطب أَو سفوف حبّ الرُّمَّان بِرَبّ السفرجل الحامض الساذج أَو الْجَوْزِيّ بربّ الآس. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ مَنْفَعَة عَظِيمَة أَقْرَاص هيوفاقسطيداس وأقراص الجلّنار وضمّاد الأفسنتين مَعَ القوابض. وَأما الأغذية فقد ذَكرنَاهَا فِي بَاب المزاج الْحَار الرطب والمشويات والمقليات والمطجّنات والربوب. وَاعْلَم أَن مَاء الشّعير بِالتَّمْرِ الْهِنْدِيّ نَافِع من غثيانات الْأَمْرَاض. فصل فِي الْقَيْء والتهوّع والغثيان والقلق المعدي الْقَيْء والتهوع حَرَكَة من الْمعدة على دفع مِنْهَا لشَيْء فِيهَا من طَرِيق الْفَم والتهوّع مِنْهُمَا هُوَ مَا كَانَ حَرَكَة من الدَّافِع لَا تصحبها حَرَكَة المندفع والقيء مِنْهُمَا أَن يقْتَرن بالحركة الكائنة من اندفاع حَرَكَة المندفع إِلَى خَارج والغثيان هُوَ حَالَة للمعدة كَأَنَّهَا تتقاضى بهَا هَذَا التحريك وَكَأَنَّهُ ميل مِنْهَا إِلَى هَذَا التحريك إِمَّا راهناً أَو قَلِيل الْمدَّة بِحَسب التقاضي من الْمَادَّة. وَهَذِه أَحْوَال مُخَالفَة للشهوة من كل الْجِهَات. وتقلّب النَّفس يُقَال للغثيان اللَّازِم وَقد يُقَال لذهاب الشَّهْوَة. والقيء مِنْهُ حاد مقلق كَمَا فِي الهيضة وكما يعرض لمن يشرب دَوَاء مقيئاً وَمِنْه سَاكن كَمَا يكون للممعودين وَإِذا حدث تهوعّ فقد حدث شَيْء يحوّج فَم الْمعدة إِلَى قذف شَيْء إِلَى أقرب الطّرق. وَذَلِكَ إِمَّا كَيْفيَّة تعْمل بهَا مَادَّة من أَذَى بهَا أَو بعضو يشاركها كالدماغ إِذا أَصَابَهُ ضَرْبَة أَو مَادَّة خلطية متشربة أَو مصبوبة فِيهَا يفْسد الطَّعَام إِمَّا صفراوية أَو رُطُوبَة رَدِيئَة معفنة كَمَا يعرض للحوامل أَو رُطُوبَة غير رَدِيئَة لَكِنَّهَا مرهلة مبلة لفم الْمعدة من غير رداءة سَبَب أَو رُطُوبَة غَلِيظَة متلحجة أَو كثير مثفلة وَإِن لم يكن سَبَب آخر فَإِنَّهُ يتَأَذَّى بِهِ. وَإِن كَانَ مثلا دَمًا أَو بلغماً حلواً يُرْجَى من مثله أَن يغفو الْبدن ويغفو أَيْضا الْمعدة فَإِن الدَّم يغذو الْمعدة والبلغم الحلو الطبيعي يَنْقَلِب أَيْضا دَمًا ويغذو الْمعدة لكنه لَيْسَ يغذوها كَيفَ اتّفق وَكَيف وصل إِلَيْهَا وَلكنه إِمَّا يغذوها إِذا تحرج وُصُوله إِلَيْهَا من الْعُرُوق الْمُغيرَة للدم إِلَى مزاج الْمعدة(2/471)
المشبهة إِيَّاهَا بهَا وَهِي الْعُرُوق الْمَذْكُورَة فِي التشريح اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يعرض سَبَب لَا تَجِد الْمعدة مَعَه غذَاء الْبَتَّةَ وَلَا تُؤدِّي إِلَيْهَا الْعُرُوق مَا يكفيها فَتقبل عَلَيْهِ فتهضمه دَمًا كَمَا أَنه كثيرا مَا ينصب إِلَيْهَا الكبد لَا من طَرِيق الْعُرُوق الزارقة للدم بل من طَرِيق الْعُرُوق الَّتِي ينفذ فِيهَا الكيلوس دَمًا جيدا صَالحا غير كثير مثقل ليغدوها على سَبِيل انتشافها مِنْهُ وإحالتها إِيَّاه بجوهرها إِلَى مشابهتها. وَقد غلط من ظن أَن الدَّم لَا يغذو الْمعدة وَحكم بِهِ حكما جزما مُطلقًا. وَمن النَّاس من يكون لَهُ نَوَائِب فِي السَّوْدَاء بعادة وَفِيه صَلَاحه وَرُبمَا أدّى إِلَى حرقة فِي المريء وَالْحلق بل قرحَة. وَمن الغثيان مَا هُوَ عَلامَة بحران وَرُبمَا كَانَ عَلامَة رَدِيئَة فِي مثل الحمّيات الوبائية. وَإِذا كثر بالناقهين أنذر بنكس. وَمن الْقَيْء بَحْرَانيٌّ نَافِع للحمّيات الحادة ولأورام الكبد الَّتِي فِي الْجَانِب المقعر. وَمن الْقَيْء مَا يعرض من تصعد البخارات وَإِذا كَانَ بالمعدة أَو الأحشاء الْبَاطِنَة أورام حارة كَانَت محدثة للقيء لما يمِيل إِلَى الدّفع وَلما يتَأَذَّى من أدنى مس يعرض لَهَا من أدنى غذَاء أَو دَوَاء أَو خلط أَو عُضْو ملآن. والغثيان رُبمَا يبْقى وَلم ينْتَقل إِلَى الْقَيْء وَالسَّبَب فِيهِ شدَّة الْقُوَّة الماسكة أَو ضعف كَيْفيَّة مَا يغثي أَو قلّته حَتَّى أَنه إِذا أكل عَلَيْهَا سهل الْقَيْء بل حرّك للقيء. وَمن كَانَت معدته ضَعِيفَة يعرض لَهُ أَن يغثّي نَفسه وَلَا يُمكنهُ أَن يتقيأ لخلاء معدته وَقلة الْخَلْط المؤذي لَهُ متشرّباً كَانَ أَو غير متشرّب الَّذِي لَو كَانَ بدل هَذِه الْمعدة وفمها معدة أقوى وفم معدة أقوى لم يغث نَفسه بِهِ بل وَلَا انفعل عَنهُ لكنه لضَعْفه ينفعل عَنهُ ويضعفه ولقلة الْمَادَّة لَا يُمكنهُ أَن يَدْفَعهَا. فَإِذا أكل يُمكن من قذفه لسببين: أَحدهمَا لِأَن الْخَلْط رُبمَا كَانَ أَذَاهُ قَلِيلا غير متحرّك وَلَا معنف لِأَنَّهُ فِي قَعْر الْمعدة وَإِذا طعم أصعده الطَّعَام إِلَيْهِ وكثّره وَالثَّانِي أَنه يَسْتَعِين بحجم الطَّعَام على قذفه وقلعه وَقد يقلب النَّفس ويحرّك الغثيان حرّ وتنشيف يعرض لفم الْمعدة فتفعل بكيفيته الحارة مَا يَفْعَله خلط مجاور بكيفيته الحارة أَيْضا. وَفِي اسْتِعْمَال الْقَيْء باعتدال مَنْفَعَة عَظِيمَة لَكِن إدمانه مِمَّا يوهن قُوَّة الْمعدة أَو يحملهَا مفيضاً للفضول. والقيء البحراني مخلص وَكَثِيرًا مَا يكون المحموم قد يعرض لَهُ تشنج أَو صرع أَو شَبيه بالصرع دفْعَة فيقذف شَيْئا زنجارياً أَو نيلنجيا فيخلص وَقد يخلص أَيْضا من السبات وبعظيم الامتلاء فِي الحميات وَغَيرهَا.(2/472)
وَكَثِيرًا مَا يخلص الْقَيْء من الفواق المبرح. وَمن اسْتعْمل الْقَيْء باعتدال صان بِهِ كِلاه وعالج بِهِ آفاتها وآفات الرجل وشفي انفجار الْعُرُوق من الأوردة والشرايين. ويستحبّ أَن يسْتَعْمل فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ. وَأفضل أَوْقَات الْقَيْء مَا يكون بعد الْحمام وَبعد أَن يُؤْكَل بعده ويتملأ. وَقد استقصينا القَوْل فِي هَذَا فِي الْكتاب الأول. والمعدة الضعيفة كلما اغتذت عرض لَهَا غثيان وتقلّب نفس وَإِن كَانَت أَضْعَف يَسِيرا لم تقدر على إمْسَاك مَا نالته بل دَفعته إِلَى فَوق أَو إِلَى تَحت. وَضعف الْمعدة قد يكون من أَصْنَاف سوء المزاج. وَأَنت تعلم أَن من أَسبَاب بعض أَصْنَاف سوء المزاج مَا يجمع إِلَيْهِ تَحْلِيل الرّوح مثل الإسهال الْكثير وخصوصاً من الدَّم. وَأَنت تعلم أَن من المضعّفات الأوجاع الشَّدِيدَة والغموم وَالصَّوْم والجوع الشَّديد فَهِيَ أَيْضا من أَسبَاب الْقَيْء على سَبِيل إِدْخَال ضعف على الْمعدة. والمعدة الوجعة أَيْضا فَإِنَّهَا سَرِيعا مَا تتقيأ الطَّعَام وتدفعه. وَمن يتواتر عَلَيْهِ التخم وَالْأكل على غير حَقِيقَة الْجُوع الصَّادِق فَإِنَّهُ يعرض لَهُ أَولا إِذا أكل حرقة شَدِيدَة جدا لَا تطاق ثمَّ يؤل أمره إِلَى أَن يقذف كلما أكله. وأردأ الْقَيْء مَا يكون قيأ للدم الْأَعْلَى الْوَجْه الَّذِي سَنذكرُهُ حِين يكون دَلِيلا على قُوَّة الطبيعة ويليه قيء السَّوْدَاء. وَالسَّبَب فِي هَذِه الرداءة أَن هذَيْن لَا يتولّدان فِي الْمعدة بل إِنَّمَا يندفعان إِلَيْهَا من مَكَان بعيد وَمن أَعْضَاء أُخْرَى ويدلّ على آفَة فِي تِلْكَ الْأَعْضَاء وعَلى مُشَاركَة من الْمعدة وإذعان لَهَا إِلَى أَن يضعفها أَو يدلّ قيء الدَّم خَاصَّة على حَرَكَة مِنْهُ خَارِجَة عَن الْوَاجِب. وحركة الدَّم إِذا خرجت عَن الْوَاجِب أنذرت بِهَلَاك. والقيء الصّرْف الرَّدِيء. أما الصفراوي فَيدل على إفراط حرارة وَأما البلغمي فَيدل على إفراط برد ساذج صرف. والقيء الْمُخْتَلف الألوان أردؤها الْأسود والزنجاري. والكراثي رَدِيء لما يدلّ على اجْتِمَاع أخلاط رَدِيئَة وَمن التَّرْكِيب الرَّدِيء أَن يكون فَم الْمعدة منقلباً متغيباً وَتَكون الطبيعة ممسكة فَمَا يسكن الْقَيْء يزِيد فِي إمْسَاك الطبيعة وَمَا يحل الطبيعة يزِيد فِي الْقَيْء إِلَّا أَن يكون المغثي خلطاً رَقِيقا أَو مرارياً فيعالج فِي الْحَال بِمَاء الإجاص وَالتَّمْر هندي وَنَحْوهمَا فينفع من الْأَمريْنِ جَمِيعًا. وَمن النَّاس من لَا يزَال يَشْتَهِي الطَّعَام وَمَا يمتلئ مِنْهُ يقذفه أَو يزلقه إِلَى أَسْفَل ثمَّ يعاود وَلَا يزَال ذَلِك ديدنه وَهُوَ يعِيش عَيْش الأصحاء كَأَن ذَلِك لَهُ أَمر طبيعي وَهَهُنَا طَائِر يصيد الْجَرَاد. وَلَا يزَال يَأْكُل الْجَرَاد ويذرقه وَلَا يشْبع دهره مَا وجده وحيوانات أُخْرَى بِهَذِهِ الصّفة وَمن النَّاس من إِذا تنَاول ظن أَنه إِن تحرّك قذف أَو إِن غضب أَو كلّم أَو حرّك حَرَكَة نفسانية قذف. وَالسَّبَب فِي ذَلِك مِمَّا علمت وَأسلم الْقَيْء هُوَ الْمَخْلُوط الْمُتَوَسّط فِي الغلظ والرقة من أخلاط مَا هُوَ لَهَا الْمُعْتَاد كالبلغم والصفراء. فَأَما الكرّاثي من الْأَمْرَاض فدليل شرّ. والأخضر إِلَى السوَاد كاللازوردي(2/473)
والنيلنجي فِي أَكثر الْأَمر يدل على جمود الْحَرَارَة وهما غير الكرّاثي والزنجاري على أَنه قد يتَّفق أَن يكون السَّبَب الاحتراق أَيْضا إِلَّا أَن الاحتراقي الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَن تسويد الْبرد وتكدير وَمَوْت الْقُوَّة هُوَ إِلَى إشراق وصفاء وكراثية وَمَوْت الْقُوَّة. على أَن الْقَيْء الْأَصْفَر والكراثي والزنجاري. يكثر لمن بكبده مزاج حَار جدا. ويعرض لصَاحب الورم الْحَار فِي الكبد فِي الصَّفْرَاء ثمَّ قيء كرّاثي ثمَّ زنجاري وَيكون مَعَه فوَاق وغثيان. وَأما الْأسود إِلَّا فِي أورام الطحال وَفِي آخر الرّبع فرديء. والمنتن فرديء وخصوصاً أَيهمَا كَانَ فِي الحمّيات الوبائية وَإِذا وجد تهوع فِي الْيَوْم الرَّابِع من الْأَمْرَاض فليقذف فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي العلامات المنذرة بالقيء الغثيان والتهوّع مقدمتان للقيء وَإِذا اختلجت الشفّة وَوجدت امتداداً من الشراسيف إِلَى فَوق فاحكم بِهِ. وَأما عَلَامَات الْخَلْط الرَّدِيء العفن الْفَاعِل للغثيان والقيء إِن كَانَ حاراً فالعطش والطعم الرَّدِيء فِي الْفَم والعفونة الظَّاهِرَة. وعلامة مَا كَانَ من ذَلِك الْخَلْط صديدياً الْوُقُوف عَلَيْهِ من أَمر الْقَيْء وَشدَّة تأذي الْمعدة بِهِ مَعَ خفتها لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤْذِي بكيفيته لَا بكمّيته. وعلامة الْخَلْط الْجيد الْغَيْر الرَّدِيء الَّذِي يفعل ذَلِك بكميته أَن لَا يكون هُنَاكَ بخر وعفونة وَطعم رَدِيء وقيء رَدِيء ويسكنه إِن كَانَ رَقِيقا الْأَدْوِيَة العفصة وَإِن كَانَ غليظاً الْأَدْوِيَة الملطّفة وَيدل عَلَيْهِ كَثْرَة الرُّطُوبَة وَكَثْرَة الْقَيْء الْغَيْر الرَّدِيء وَكَثْرَة البرَاز وَكَثْرَة اللعاب لَا سِيمَا إِن كَانَ تخمة قد تقدّمت. وعلامة مَا كَانَ سَببه سوء مزاج فَم الْمعدة فَهُوَ لَا يحْتَمل مَا يرد عَلَيْهِ بل يَتَحَرَّك إِلَى دَفعه. وعلامة أحد سوء المزاجات الْمَذْكُورَة وَالَّذِي يكون بِسَبَب مُشَاركَة الدِّمَاغ أَو الكبد أَو الرَّحِم فعلامته عَلَامَات أمراض الدِّمَاغ والكبد وَغير ذَلِك. فَنَقُول: الدَّم إِذا خرج بالقيء فَهُوَ من الْمعدة أَو المريء. وَالسَّبَب فِيهِ إِمَّا انفجار عرق وانصداعه وانقطاعه وَكَثِيرًا مَا يكون ذَلِك عقيب الْقَيْء الْكثير أَو الإسهال بمسهل حَار المزاج وانفجار ورم غير نضيج أَو رُعَاف سَالَ إِلَى الْمعدة من حَيْثُ لم يشْعر بِهِ أَو لانصباب الدَّم إِلَيْهِ من الكبد وَغَيرهَا من الْأَعْضَاء وخصوصاً إِذا احْتبسَ مَا كَانَ يجب أَن يستفرغ من الدَّم أَو عرض قطع عُضْو يفضل غذاؤه على النَّحْو الَّذِي سلف منا بَيَانه فِي أصُول أَو عرض ترك رياضة مُعْتَادَة أَو شرب علقَة فتعلقت بالمعدة أَو المريء أَو عرضت بواسير فِي الْمعدة وَالسَّبَب فِي انفجار الْعُرُوق وانصداعها مَا علمت فِي الْكتب الْكُلية وَمَا ذَكرْنَاهُ فِي أول هَذِه الْمقَالة.(2/474)
وَيجب أَن تعرف مِنْهَا مَا يكون لرخاوة الْعُرُوق برقته وترهّله وَمَا يكون من شدَّة جفوفها أَو غير ذَلِك بغلظه وَكَثِيرًا مَا يكون قيء الدَّم من صِحَة الْقُوَّة فَيدْفَع الدَّم إِلَى جِهَة يجد فِي الْحَال دَفعه إِلَيْهَا أوفق وَلذَلِك كثيرا مَا يكون فِي رطلين من الدَّم مثلا رَاحَة وَمَنْفَعَة وَذَلِكَ إِذا انصب فضل الطحال أَو الكبد إِلَى الْمعدة فقتأ وَقذف. وَالَّذِي عَن الطحال فَيكون أسود عكراً وَرُبمَا كَانَ حامضاً وَلَا يكون مَعَ هذَيْن وجع وَكَثِيرًا مَا يقذف الْإِنْسَان قِطْعَة لحم. وَالسَّبَب فِيهِ لحم زَائِد ثؤلولي أَو باسوري ينْبت فِي الْمعدة فَانْقَطع بِسَبَبِهِ ودفعته الطبيعة إِلَى فَوق وكل قيء دم مَعَ حمّى فَهُوَ رَدِيء وَأما إِذا لم يكن هُنَاكَ حمّى فَرُبمَا لم يكن رديئاً. العلامات: أما الَّذِي من الْمعدة فيفضل عَن الَّذِي فِي المريء لموْضِع الوجع اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون انفتاح الْعُرُوق لَا من التأكل والقروح فَلَا يكون هُنَاكَ وجع الَّذِي عَن تأكّل فَيدل عَلَيْهِ عَلامَة قرحَة سبقت وَيكون الدَّم يخرج عَنهُ فِي الأول قَلِيلا قَلِيلا ثمَّ رُبمَا انْبَعَثَ شَيْء كثير وَالَّذِي عَن صِحَة الْقُوَّة أَن لَا يُنكر صَاحبه من أمره شَيْئا ويجد خفَّة عقيب ثقل وَيكون الدَّم صَحِيحا لَيْسَ حاداً أكّالاً أَو عفناً قروحياً. وَالَّذِي عَن الْعلقَة فَيكون الدَّم فِيهِ رَقِيقا صديدياً وَيكون قد شرب من مَاء عالق وَالَّذِي عَن البواسير فَأن يكون ذَلِك حينا بعد حِين وينتفعون بِهِ وَيكون لون صَاحبه أصفر. وَالْفرق بَين الْكَائِن بِسَبَب الكبد وانصبابه مِنْهَا إِلَى الْمعدة والكائن بِسَبَب الطحال والكائن بِسَبَب الْمعدة نَفسهَا أَن ذَيْنك لَا وجع مَعَهُمَا. وَالَّذِي عَن الْمعدة فَلَا يَخْلُو من وجع. وَالَّذِي عَن الطحال فَيكون أسود عكراً وَرُبمَا كَانَ حامضاً. وَكَثِيرًا مَا يقذف الْإِنْسَان قِطْعَة لحم. بِسَبَب قد ذكرت مُتَقَدما كَمَا علمت. فصل فِي معالجات الْقَيْء مُطلقًا أما الْكَلَام الْكُلِّي فِي علاج الْقَيْء فَمَا كَانَ من الْقَيْء متولداً عَن فَسَاد اسْتِعْمَال الْغذَاء أصلح الْغذَاء وجوده واستعين بِبَعْض مَا نذكرهُ من مقويات الْمعدة العطرة الحارة أَو الْبَارِدَة بِسَبَب الملاءمة. وَمَا كَانَ سَببه مَادَّة رَدِيئَة أَو كَثِيرَة استفرغت تِلْكَ الْمَادَّة على القوانين الْمَذْكُورَة بالمشروبات والحقن وَقتل الْغذَاء ولطف وَاسْتعْمل الصَّوْم والرياضة اللطيفة والحقن الْمُنَاسبَة بِحَسب الْعلَّة نافعة بِمَا يمِيل عَن جذب الْمَادَّة إِلَى أَسْفَل وَكَثِيرًا مَا يقطع الْقَيْء حقن حادة. والقيء أَيْضا يقطع الْقَيْء إِذا كَانَ عَن مَادَّة فَإنَّك تشفى من الْقَيْء إِذا قيأت تِلْكَ الْمَادَّة لتخرجها بالقيء إِمَّا بِمثل المَاء الْحَار وَحده أَو مَعَ السكنجبين أَو مَعَ(2/475)
شبث أَو بِمَاء الفجل وَالْعَسَل وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا عرفت فِي مَوْضِعه وَإِذا كَانَ مَا يُرِيد أَن يستفرغه بقيء أَو غير قيء بل غليظاً بدأنا فلطفناه وقطعناه ثمَّ استفرغناه وَإِن كَانَ الغثيان بل الْقَيْء أَيْضا من سوء المزاج عولج بِمَا يَبْدُو لَهُ وَإِن احْتِيجَ إِلَى تخدير فعل على مَا نصفه عَن قريب. وَغَايَة مَا يقْصد فِي تَدْبِير الغثيان دفع خلط الغثي أَو تقليله أَو تقطيعه إِن كَانَ غليظاً لزجاً أَو صلباً أَو إِصْلَاحه إِن كَانَ عفناً صديدياً لعطرية مَا يسقى فَإِن العطرية شَدِيدَة الملاءمة للمعدة وخصوصاً إِذا كَانَ غذائياً أَو الأدهان عَنهُ إِن كَانَ الْحس بِهِ مُولَعا. وجذب الْمَادَّة الهائجة إِلَى الْأَطْرَاف نَافِع جدا فِي حبس الْقَيْء خُصُوصا إِذا كَانَ من اندفاع أخلاط من الْأَعْضَاء المحيطة بالمعدة والمجاورة إِلَى الْمعدة وَذَلِكَ بِأَن يشد الْأَطْرَاف وخصوصاً السُّفْلى مثل السَّاقَيْن والقدمين شداً نازلاً من فَوق. وَقد يعين على ذَلِك تسخينها ووضعها فِي المَاء الْحَار وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يوضع على الْعَضُد والساق دَوَاء محمر مقرح. وَالْعجب أَن تسخين الْأَطْرَاف نَافِع فِي تسكين الْقَيْء بِمَا يجذب وتبريدها نَافِع فِي تسكين الْقَيْء الْحَار السَّرِيع بِمَا يبرد وَكَذَلِكَ تبريد الْمعدة. وَقد زعم بَعضهم أَن اللوز المر إِذا دق ومرس بِالْمَاءِ وصفي وَسقي مِنْهُ كَانَ أعظم علاجاً للقيء الْغَالِب الهائج والباقلا الْمَطْبُوخ بقشره فِي الْخلّ الممزوج ينفع كثيرا مِنْهُم والعدس المصبوب عَنهُ مَا سلق فِيهِ إِذا طبخ فِي الْخلّ فَإِنَّهُ ينفع فِي ذَلِك الْمَعْنى. وَقد جرّب لَهُ دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ السك وَالْعود الخام والقرنفل أَجزَاء سَوَاء ويسقى فِي مَاء التفاح. وعلك القرنفل خير من القرنفل ووزنه وَزنه وَإِذا جعل فِيهِ عِنْدَمَا يُوجد علك القرنفل وَجعل مَعَ القرنفل مشكطرامشيع. مثل القرنفل كَانَ غَايَة وَقَائِمًا مقَامه. واجتهد مَا أمكنك فِي تنويمهم فَإِنَّهُ الأَصْل. وَمِمَّا ينفع ذَلِك تجريعهم أَحبُّوا أَو كَرهُوا مَاء اللَّحْم الْكثير الأبازير وَفِيه الكزبرة الْيَابِسَة وَقد صب فِيهِ شراب ريحاني وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك عفصاً فَهُوَ أَجود. وَقد يفتّ فِيهِ كعك أَو خبز سميذ فَإِن هَذَا قد ينيمهم وَإِذا نَامُوا عرقوا وَإِذا كَانَت الطبيعة يابسة فَلَا تحبس الْقَيْء بِمَا يجفف من القوابض إِلَّا بِقدر من غير إجحاف وَاسْتعْمل الحقنة وَأطلق الطبيعة ثمَّ أقدم على الربوب وَكَثِيرًا مَا يجفف الغثيان والقيء الفصد وَإِذا قذف دَوَاء مقوياً حابساً للقيء فأعده وَإِن اشتدت كراهيته لَهُ شَيْئا من لَونه أَو رَائِحَته. وَاعْلَم أَن الغثيان إِذا آذَى وَلم يَصْحَبهُ قيء فأعنه بالمقيّئات اللطيفة حَتَّى يقيء طَعَامه أَو خلطه. وَإِن احتجت إِلَى أَن يسهل بِرِفْق فعلت ثمَّ قويت الْمعدة بالأدهان الْمَذْكُورَة وخصوصاً دهن الناردين صرفا أَو مخلوطاً بدهن الْورْد وكما ترى ويسخن الْمعدة وَرُبمَا كَانَ الغثيان لَا عقيب طَعَام بل على الْخَلَاء أَيْضا وَلم يُمكن أَن يصير قيئاً لقلَّة الْمَادَّة فَيجب أَن يَأْكُل صَاحبه الطَّعَام فَإِنَّهُ إِذا امْتَلَأَ سهل عَلَيْهِ الْقَيْء وانقذف(2/476)
مَعَه الْخَلْط. وَأكْثر الغثيان الْعَارِض عَن حرارة ويبوسة فيزول بالتضميد بالمبردات المرطبة مبردة بالثلج ويسقى المَاء الْبَارِد المثلوج وَقد جعل فِيهِ مثل ربّ الحصرم وَرب الريباس. وَأما الغثيان المادي فَلَا بُد فِيهِ من تنقية بِمَا يَلِيق ثمَّ يعالج الْكَيْفِيَّة الْبَاقِيَة بِمَا يضادها من الْأَدْوِيَة العطرة مَعَ الربوب حارة أَو بَارِدَة لكل بِحَسبِهِ. وَجَمِيع من عَالَجت فِيهِ وَرِمْتَ إطعامه فأطعمه الْقَلِيل فالقليل حَتَّى لَا يَتَحَرَّك فِيهِ مرّة أخركما. والمستعد للقيء بعد الطَّعَام وَلَا يسْتَقرّ الطَّعَام فِي معدته يجب أَن يضمد معدته بالأضمدة القابضة الْمَذْكُورَة جدا بأقراص إيثاروس الَّذِي مدحه جالينوس يسقى إِن كَانَ هُنَاكَ حرارة وعطش بِمَاء الربوب كرب الرُّمَّان وخصوصاً الَّذِي يَقع فِيهِ نعناع وَيتبع ذَلِك شرابًا ممزوجاً أَن رخص المزاج. وَإِن لم تكن حرارة فيسقى بِمَاء. وينفعهم أَقْرَاص انقلاوس جدا وينفعهم إِذا كَانَ بهم برودة قرص على هَذِه الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ زرنباد وقرنفل وأشنة ودارصيني ومصطكي وكندر من كل وَاحِد وزن دانق أفيون وزن قِيرَاط جندبيدستر قِيرَاط صَبر ربع دِرْهَم. وَمِمَّا يصلح لمن يتقيأ طَعَامه أَن يكثر فِي طَعَامه الكزبرة ويلعق عسل الأملج وَأَيْضًا يَأْكُل قشور الفستق الرطب أَو الْيَابِس ويمضغ الكندر والمصطكي وَالْعود وقشور الأترج والنعناع. وَيصْلح لَهُ أَن يتقيأ ثمَّ يَأْكُل وَكَانَ القدماء المتشوّشون فِي الطِّبّ يعالجون المبتلي بالقيء إِذا كَانَ شَابًّا قَوِيا ممتلئ الْمعدة وَالْعُرُوق ورطوبات محتبسة رقيقَة وَهُوَ كثير اللعاب بِأَن يفصدوا لَهُ الْعرق باعتدال لَا يبلغ لَهُ حُدُود الغشي إِن احتملت طَبِيعَته ثمَّ يروح أَيَّامًا ثمَّ يفصد الْعرق الَّذِي تَحت اللِّسَان ثمَّ يسقى المدرات ثمَّ يُغَرْغر بالمقطّعات ثمَّ يراح ثمَّ يسقى الأيارج الْمُتَّخذ بالحنظل ويحتال لتبقى الأيارج فِي معدته مُدَّة قَليلَة ثمَّ بعد سَبْعَة أَيَّام يقيأ ثمَّ يلْزم بَطْنه المحاجم بِلَا شَرط ثمَّ يشرط ويكمّد الْموضع بِزَيْت مسخن وَمن الْغَد يضمد بحلبة مدقوقة معجونة فَإِن لم يكف ذَلِك يسقى أيارج بشحم الحنظل وطليت الْمعدة بالتافسيا والأدوية المحمرة حَتَّى يرى على الْموضع بثوراً وتنفطأ ثمَّ يُعِيد السَّقْي بأيارج فيقرا ثمَّ طبيخ الافسنتين ثمَّ الدَّوَاء الْمُتَّخذ بالجندبيدستر وَالْمَاء ويعاود التخمير بِمَا هُوَ أخص ثمَّ يسْتَعْمل الغراغر ثمَّ المعطسات. وَهَذَا طَرِيق قديم فِي الطِّبّ متشوش لَيْسَ على الْمِنْهَاج المحصل قد ذكرنَا فِي علاج الْقَيْء وَمَا يجْرِي مجْرى القانون وَنحن نزيده الْآن تَفْصِيلًا فَنَقُول: الْقَيْء الْكَائِن عَن سَبَب حَار يسكنهُ تنَاول القسب خَاصَّة وَالرُّمَّان والسماق والغبيراء والسفرجل وَمَا يتَّخذ مِنْهَا من الْأَشْرِبَة وَيشْرب حب بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: أَن يُؤْخَذ بزر البنج جُزْء وبزر ورد وسماق وقسب من كل وَاحِد أَرْبَعَة أَجزَاء يجمع بِرَبّ السفرجل مثلجه وَيُعْطى من مَجْمُوعه المعجون من نصف مِثْقَال إِلَى مِثْقَال بِحَسب الْقُوَّة فَإِنَّهُ نَافِع ينوم ويسكن الْقَيْء.(2/477)
وَإِذا لم يكن هُنَاكَ إستمساك من الطبيعة فَعَلَيْك بالربوب الساذجة المتخذة من الحصرم والريباس وَمن حماض الأترج خاصةَ وللكافور خاصية فِي منع الْقَيْء والغثيان الحارين سقيا فِي الرطب وشماً وطلياً على الْمعدة. وَأما الَّذِي يخيل لَهُ أَنه إِذا تحرّك على طَعَامه قذف فأفضل علاج لَهُ وَلمن يتقيأ طَعَامه لَا مَعَ مرّة صفراء بل يكون قيئه بسب سَوْدَاء وخلط بَارِد مَا نذكرهُ. فَالَّذِي سَببه الْخَلْط الْبَارِد علاجه بالمسخنات المجففة وَمِنْهَا بزر الكرفس أنيسون أفسنتين أَجزَاء سَوَاء يتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص والشربة مِنْهُ مِثْقَال بِمَاء بَارِد. وَأَيْضًا يتَّخذ لَهُم صباغ من كمّون وفلفل وَقَلِيل سذاب يخلط ذَلِك بخل ومري. وَالَّذِي يتقيأ طَعَامه من وجع معدته فَإِنَّهُ يُؤْخَذ لَهُ قسب فيسحق ويقطر عَلَيْهِ شَيْء من شراب حب الآس قدر مَا يعجن بِهِ ثمَّ يخلط بذلك خل خمر قَلِيل وَعسل قَلِيل وَيشْرب وَأَيْضًا صفرَة من صفر الْبيض تشوى وتخلط بِعَسَل وَخمْس عشرَة حَبَّة من المصطكي مسحوقة ويؤكل يسْتَعْمل ذَلِك أَرْبَعَة أَيَّام. وَتَنْفَع الأقراص الْمَذْكُورَة فِي بَاب وجع الْمعدة الَّتِي يَقع فِيهَا أفسنتين ومرّ وَورد وَيجب أَن يعْطى هَؤُلَاءِ وَمن يجْرِي مجراهم إِمَّا بعد الطَّعَام فالقوابض وَإِمَّا قبله فالمزلقات مثل اللبلاب. وينفعهم أَن يتَنَاوَل على الطَّعَام هَذَا السفوف وَهُوَ أَن يُؤْخَذ من الكندر والبلوط والسماق أَجزَاء مدقوقة فَإِنَّهُ نَافِع جدا. وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه جيد للغثيان: ونسخته: يُؤْخَذ كزبرة يابسة وسذاب يَابِس بِالسَّوِيَّةِ بشراب إِمَّا بِخَمْر ممزوج إِن أحسّ بحموضة أَو بِمَاء بَارِد ساذج إِن أحسّ بلذع أَو بِسَبَب الأخلاط الْبَارِدَة فَهَذَا الدَّوَاء نَافِع جدا. ونسخته: يُؤْخَذ زرنباد ودورنج وجندبادستر أَجزَاء سَوَاء سكر مثل الْجَمِيع الشربة إِلَى دِرْهَمَيْنِ يسْتَعْمل أَيَّامًا فَإِن لم يغن هَذَا التَّدْبِير والأقراص الْمَذْكُورَة سقوا دهن الخروع بِمَاء البزور. وَأما الْعَارِض عقيب التُّخمَة فيعالج بعلاج التُّخمَة سَوَاء بِسَوَاء وَأما الْعَارِض بِسَبَب خلط صديدي فعلاجه استفراغه بالقيء وتنقية الْمعدة مِنْهُ وتعديله بالكيفيات الطّيبَة الرَّائِحَة وَيَقَع فِيهَا من البزور مثل الأفنتين وبزر الكرفس والكمّون والسيساليوس والدوقو والكمون وَيجب أَن يدبر كَمَا بيّنا بِأَن يتَنَاوَل قبل الطَّعَام أغذية مزلقة مليّنة وَبعده أغذية قابضة عطرة مثل السفرجل وَنَحْوه لينحدر الطَّعَام عَن فَم الْمعدة إِلَى قعرها وتميل الْمَادَّة إِلَى أَسْفَل لَا إِلَى فَوق. وَرُبمَا احْتَاجَ فِي بَعْضهَا إِلَى أَن يسقى كمون وسماق وَقد يَحْتَاجُونَ إِلَى مشي خَفِيف بعد الطَّعَام. ودواء الْمسك نَافِع لَهُم جدا وأقراص الْكَوْكَب غَايَة لَهُم بشراب ديف فِيهِ حَبَّة مسك. وَأما الْقَيْء الْوَاقِع من السَّوْدَاء فَلَا يجب أَن يحبس مَا أمكن. فَإِن كَانَ لصَاحبه امتلاء من دم فصد من الباسليق وحجم على الأخدعين أَيْضا ليجفف امتلاء الأعالي من الدَّم والسوداء فَرُبمَا كفى بعض الامتلاء فَإِن أفرط إفراطاً غير مُحْتَمل جذب إِلَى أَسْفَل يحقن فِيهَا حدّة مَا يَتَّخِذهُ من القرطم والبسفايج(2/478)
والحسك والأفتيمون والحاشا والبابونج بدهن السمسم وَالْعَسَل ويضمّد الطحال بضماد من إكليل الْملك والآس واللاذن والأشنة مَعَ شراب عفص ويسقى أَيْضا شراب النعناع بِمَاء الرُّمَّان بالأفاويه وَإِن كَانَ هُنَاكَ بَقِيَّة امتلاء فصد من عروق الرجل وحجم السَّاقَيْن فَإِذا سكن الْقَيْء استفرغ السَّوْدَاء بأدوية من الهليلج الْأسود والأفتيمون والغاريقون وَالْملح الْهِنْدِيّ وَإِن اضْطر الْأَمر إِلَى سقِِي دهن الخروع مَعَ أيارج فيقرا وأفتيمون فعلت. وَلَو كَانَ بالطحال علّة وجع عولج الطحال. وَالَّذِي يعرض لانصباب مَادَّة رقيقَة لذّاعة تخالط الطَّعَام فيعثي فينفع مِنْهُ أَقْرَاص الْكَوْكَب فِي أَوْقَات النّوبَة والنفض بالأيارج فِي غير أَوْقَات النّوبَة والإسهال بالسكنجبين الممزوج بِالصبرِ والسكنجبين الْمُتَّخذ بالسقمونيا للإسهال وبماء الإجاص وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ فَإِنَّهُمَا يميلان الْمَادَّة إِلَى أَسْفَل ويسكّنان الْقَيْء بحموضتهما. وَيجب فِي مثله أَن تجذب الْمَادَّة إِلَى أَسْفَل بحقنة لينَة من البنفسج والعناب وَالشعِير المقشر والحسك والبابونج والسبستان والتربد بدهن البنفسج وَالسكر الْأَحْمَر والبورق أَن يسْتَعْمل شراب الخشخاش بعد النفض. وينفع شراب اسكندر بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ سفرجل وسمّاق ونبق وحبّ رمان وتمر هندي يطْبخ ثمَّ يَجْعَل فِيهِ كندر وَقَلِيل عود. وَاعْلَم أَنه إِذا كَانَت الطبيعة يابسة مَعَ الْقَيْء فعلاجه متعسّر وَجَمِيع الَّذين بهم قيء الرُّطُوبَة يَنْتَفِعُونَ بالأسوقة وَالْخبْز المجفّف فِي التنّور والطباشير والعصارات. وَكلما يلصق بِتِلْكَ الرُّطُوبَة وينشفها فينتفع بِهِ وَيحْتَاج كثيرا إِلَى أَن يوضع على بَطْنه المحاجم وعَلى ظَهره بَين الْكَتِفَيْنِ وَيحْتَاج إِلَى تنويمه أَو تَرْجِيحه فِي أرجوحة. وَإِن كَانَت الرُّطُوبَة صديدية فبالمخدرات العطرة المقاومة لفساد الصديدية وَبَينهَا القوابض الناشفة خُصُوصا إِن كَانَت عطرة بل كَانَت مثل غذائية فَإِن كَانَت هَذِه الْمَادَّة غائصة متشربة وَجب أَن تكون هُنَاكَ أَيْضا ملطفات. ومقطّعات كالسكنجبين وكالأفاويه الْمَعْرُوفَة. وَكَذَلِكَ إِن كَانَت لزجة غَلِيظَة فِيمَا هُوَ أقوى يَسِيرا والأيارج بالسكنجبين مُشْتَرك للْأَكْثَر. وَهَؤُلَاء بعد ذَلِك يسقون الْأَدْوِيَة المسكنة للقيء مَعَ تسخين مثل شراب العنّاب الْمُتَّخذ بالرمان وَقد جعل فِيهِ الْعود النيء أَو شراب الحمّاض وَقد جعل فِيهِ الأفاويه الحارة وَالْعود وورق الأترج وَأَيْضًا دَوَاء الْمسك المرّ والسفرجلي كل ذَلِك يطْبخ بالأفاويه أَيْضا دَوَاء الْمسك بالميبة وشراب الأفسنتين نَافِع لَهُم فِي كل وَقت بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من الرُّمَّان الحامض والنعناع والنمام من كل وَاحِد باقة يطْبخ فِي رطلين من المَاء إِلَى النّصْف وَيجْعَل فِيهِ من الْمسك دانق وَمن الْعود ربع دِرْهَم مسحوقاً كل ذَلِك ويتجرع سَاعَة بعد سَاعَة. وَمن الْأَدْوِيَة المسكّنة لهَذَا النَّوْع من الْقَيْء دَوَاء بِهَذَا الصّفة. ونسخته: وَهُوَ أَن يُؤْخَذ رب الأترج بِالْعودِ والقرنفل وشراب النعناع والرماني(2/479)
وخصوصاً إِذا وَقع فِيهِ كندر وسك وقشور الفستق والمسك وَالْعود والميبة يسكن الْقَيْء البلغمي جدا. وَإِذا خفت - من تَوَاتر الْقَيْء وكَثرته كَيفَ كَانَ فِي غير الحمّيات الشَّدِيدَة الْحَرَارَة - سُقُوط الْقُوَّة جرّعت العليل مَاء اللَّحْم الْمُتَّخذ من الفراريج وأطراف الجداء والحملان مَعَ الكعك المسحوق مثل الْكحل وَمَاء التفاح وَقَلِيل شراب وشممه من الفراريج المشوية مشقوقة عِنْد وَجهه وَكَذَلِكَ أشممه المَاء الْحَار. وَمن ذَلِك أَن يسلق الْفروج فِي مَاء ويصبّ عَنهُ ثمَّ يطْبخ فِي مَاء ويهرى فِيهِ ثمَّ يدقّ فِي هاون ويعتصر فِيهِ مَاؤُهُ ويبرد ويداف فِيهِ لباب الْخبز السميذ ويمزج بِقَلِيل شراب وَيجْعَل فِيهِ عصارة الفقّاح ويحسى مِنْهُ. وَالَّذِي يهرى فِي الطَّبْخ ثمَّ يدق خير من الَّذِي يدق ثمَّ يطْبخ فَإِن هَذَا يتَحَلَّل عَنهُ رطوبته الغريزية ويتبخّر وَذَلِكَ يحتقن فِيهِ. وَرُبمَا نفع من الغثيان وتقلّب النَّفس وَالْقَذْف أغذية تتَّخذ من القبّاج والفراريج محمّضة بِمَاء الحصرم وحماض الأترج والسماق وَمَاء التفاح الحامض مقلوة بِزَيْت الأنفاق مَعَ ذَلِك وَلَا بَأْس بإطعامهم سويق الشّعير بِمَاء بَارِد وخصوصاً إِذا كَانَ من الْقَيْء بَقِيَّة. وَيجب أَن يكرّر كل ذَلِك عَلَيْهِ وَإِن قذفه وَكَرِهَهُ فتبدل هَيئته إِن عافه بِعَيْنِه. ذكر أدوية مُفْردَة ومركّبة نافعة من الغثيان والقيء: اعْلَم أَن مضغ الكندر والمصطكي والسرو قد ينفع من ذَلِك وَكَذَلِكَ حَبَّة الخضراء والسذاب الْيَابِس يسقى مِنْهُ ملعقة فَهُوَ عَجِيب. والقرنفل إِذا سحق سحقاً شَدِيدا كالكحل وذرّ على حَشْو متخذ من الكعك والعصارات فَإِنَّهُ يسكّن فِي الْمَكَان وَكَذَلِكَ إِذا شرب بِمَاء وَمن الْأَدْوِيَة المسكّنة للقيء والغثيان ربّ الأترج يسقاه الَّذِي يتقيأ من مرار بِحَالهِ وَالَّذِي يتقيأ من أَسبَاب بَارِدَة مخلوطاً بِالْعودِ النيء والقرنفل وَأَيْضًا طبيخ قشور الفستق إِمَّا ساذجاً وَإِمَّا بالأفاويه. وَأقوى مِنْهُ مَاء فقاح الْكَرم مُفردا أَو بالأفاويه ومعاً كراويا والميبة والميسوسن مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ. والمرضعة إِذا تناولت قدرا من القرنفل ينفع الصَّبِي الَّذِي يتقيأ وَكَذَلِكَ إِذا دقّ طسوج من الرنفل يحلّ فِي اللَّبن ويسقى للصَّبِيّ يسكن عَن الْقَيْء وَيقطع مِنْهُ فِي يَوْمه وَهَذِه من المجرّبات الَّتِي جربناها نَحن. تركيب مجرّب وَهُوَ أَيْضا يعين على الاستمراء: يُؤْخَذ بزر كتَّان إيرسا كمّون مصطكي من كل وَاحِد جُزْء يطْبخ مِنْهُ بِمَاء الْعَسَل وَيسْتَعْمل. وَإِذا عجز العلاج فَلَا بُد من المخدرات الَّتِي لَيْسَ فِي طبعها أَن تحرّك الْقَيْء كَمَا هُوَ فِي طبع البنج وَجوز الماثل اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يقرن بهَا أدوية عطرة تحفظ تخديرها وَيصْلح بقيتها ويقاوم سقيتها بل الأضعف فِيهَا بزر الخشخاش وبزر الخس وَأقوى مِنْهُ قشره وخصوصاً الْأسود ويليه قشور أصل اللقَاح الْبري. وَأقوى مِنْهُ الأفيون والقليل مِنْهُ نَافِع مَعَ سَلامَة وخصوصاً إِذا كَانَ مَعَه من الْأَدْوِيَة العطرة الترياقية مَا يُقَاوم سمّيته.(2/480)
وَمن التراكيب الجيدة لنا فِي ذَلِك. نسخته: أَن يُؤْخَذ من قشور الفستق وَمن السكّ وَمن الْورْد وَمن بزر الْورْد جُزْء جُزْء وَمن الفاذرزهر نصف جُزْء وَإِن لم يحضر جعل فِيهِ من الزرنباد جُزْء وَمن الأفيون ثلثا جُزْء وَمن الْعود الخام نصف جُزْء يقرّص والشربة إِلَى مِثْقَال. وَمن الْأَشْرِبَة الجيدة لذَلِك أَيْضا لنا: أَن يُؤْخَذ السفرجل والقسب من كل وَاحِد جُزْء وَمن بزر الخشخاش ثلثا جُزْء وَمن قشور أصل اللفاح ثلثا عشر جُزْء وَمن الْعود الخام أَربع عشر جُزْء من مَاء النعناع مَا يغمر الْجَمِيع وَمن مَاء الْورْد مَا يعلوه بإصبع وَمن مَاء القراح ثَلَاثَة أَضْعَاف الماءين يطْبخ بالرفق طبخاً نَاعِمًا حَتَّى ينهري القسب والسفرجل وتصفى الْمِيَاه ثمَّ يعْقد بالرفق ويسقى مِنْهُ. وَإِذا سقِِي المخدرات فَيجب أَن يلْزم شمّ الْعطر وينوم وَلَا يبرح الطّيب اللذيذ من عِنْده فَإِن كَانَ كره طيبا نحي إِلَى غَيره. وأقراص إيثاروس على مَا شهد بِهِ جالينوس نافعة من ذَلِك فَإِنَّهَا تجمع جَمِيع الْأُمُور الْوَاجِبَة فِي علاج الْقَيْء وخصوصاً إِذا كَانَ الْخَلْط صديدياً فَإِن ذَلِك القرص ترياقه. وعَلى مَا هُوَ مَكْتُوب فِي الأقراباذين قَالَ جالينوس: فَإِنَّهُ يَقع فِيهَا أنيسون وبزر الكرفس للعطرية والغذائية والأفسنتين للجلاء وإحدار الْخَلْط ولتقوية فَم الْمعدة وشده والدارصيني لمضادته بعطريته للصديد وإحالته إِيَّاه إِلَى صَلَاح مَا وَتَحْلِيل لَهُ وَفِيه من العطرية مَا يلائم كل عُضْو عصبي والأفيون لينوم ويخدر والجندبادستر ليتلافى فَسَاد الأفيون ومضرته وسمّيته. وَأما أَقْرَاص الْكَوْكَب فَإِنَّهَا شَدِيدَة النَّفْع فِي مثل هَذِه الْحَال. والغثيان إِذا كَانَ لضعف الْمعدة لم يسكنهُ الْقَذْف فَلَا يتَكَلَّف ذَلِك بل إِن ذرع بِنَفسِهِ فَرُبمَا نفع وَقد يسكنهُ سويق الشّعير الحلالبي وَمن وجد تهوعاً لَازِما فِي الرّبيع وَكَانَ مُعْتَادا للقيء خُصُوصا فِي مثل ذَلِك الْفَصْل فَليَأْكُل مَعَ الْخبز قَلِيلا مِقْدَار أَرْبَعَة دَرَاهِم بصل النرجس ثمَّ مَاء حاراً أَو سكنجبيناً وَلَا يكثر من بصل النرجس فَإِنَّهُ يحدث التشنج. فصل فِي علاج قيء الدَّم إِن أحسست بقروح فعالجها بِمَا عرفت وَإِن أحسست برعاف عَائِد فامنع السَّبَب وَإِن أحسست بامتلاء فانقصه فَرُبمَا احتجت بعد استفراغ رطلين من الدَّم إِلَى فصد آخر ضيق. وَإِذا أفرط فأربط الْأَطْرَاف ربطاً شَدِيدا وخصوصاً فِيمَا كَانَ سَببه شرب دَوَاء حَار وَرُبمَا سقِِي فِي الرعاف بِسَبَب الدَّوَاء شراب ممزوج بِلَبن حليب إِلَى أَربع قوطولات شَيْئا بعد شَيْء ثمَّ يسقى السكنجبين الْمبرد بالثلج. وَأما الْأَدْوِيَة المجربة فِي منع قيء الدَّم فَمِنْهَا(2/481)
مركب مجرب فِي منع قيء الدَّم شَدِيدا أقاقيا وبزر ورد طين مختوم جلنار أفيون بزر البنج صمغ عَرَبِيّ يعجن بعصارة لِسَان الْحمل أَو عصارة عَصا الرَّاعِي إِلَى دِرْهَم وينفع من ذَلِك سقِِي الربوب القابضة وَمِنْهَا ربّ الْجَوْز ومركبات ذكرت فِي الأقراباذين. وَمن العلاج السهل أَن يُؤْخَذ من العفص فصل فِي الكرب والقلق المعدي قد يعرض من الْمعدة قلق وكرب يجد العليل مِنْهُ غماً ويحوج إِلَى انْتِقَال من شكل إِلَى شكل وَرُبمَا لزمَه خفقان أَو عرض مَعَه وَلَا يُمكن صَاحبه أَن يعرف الْعلَّة فِيهِ وَرُبمَا تبعه سدد ودوار وَرُبمَا تغير فِيهِ اللَّوْن وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ مبدأ للغثيان وَرُبمَا كَانَ مَعَه غثيان وَرُبمَا انْتقل إِلَى الغثيان. وَالسَّبَب فِيهِ مَادَّة الغثيان وخصوصاً المتشربة فَإِنَّهَا مَا دَامَت متشربة أحدثت كرباً فَإِذا اجْتمعت فِي فمّ الْمعدة أحدثت غثياناً ويصعب على الْمعدة الدّفع للخلط بعد حيرة الطبيعة بهَا. وَقد تقرب بَقِيَّة رَوَائِح الأخلاط من الْأَدْوِيَة المقيئة والمسهّلة فليعطوا رب السفرجل وربّ الحصرم وَنَحْو ذَلِك. وكل مَا يغلي فِي الْمعدة من الْفَوَاكِه وَمن التفاح الحلو فَإِنَّهُ يكرب وَالْمَاء الْبَارِد إِذا شرب فِي غير وقته يكرب وَكَثِيرًا مَا يصير فِي الحميات سَببا لزِيَادَة الحمّى وَلَا يجب أَن يشرب فِي الْحمى إِلَّا المَاء الْحَار. المعالجات: أما الْقَلِيل مِنْهُ فيزيله الْخمر الممزوج بِالْمَاءِ مُنَاصَفَة ممزوجاً بِمَا يقوّي أَو بِمَا يغسل وَمَا يعدل الْخَلْط الرَّدِيء وَالْكثير مِنْهُ يحْتَاج إِلَى أدوية الغثيان وَإِن كَانَ عَن حرارة وخلط حَار وَهُوَ الْكَائِن فِي الْأَكْثَر فقد يسكّنه المبردات الرّطبَة والأطلية المتخذة مِنْهَا وَمن الصندل والكافور وَمِمَّا جرب فِي ذَلِك ضمّاد من قشور القرع والبقلة الحمقاء وَسَوِيق الشّعير بالخلّ. وَالْمَاء يضمد بِهِ الْمعدة والكبد. وَإِذا أشرف ضمّد بالصندل والورد الْأَحْمَر وَنَحْوهمَا. وَمِمَّا يسقى للكرب المعلي سويق الشّعير الجريش خُصُوصا بحبّ الرُّمَّان وَيجب أَن يكون غير مغسول والفقاع من حب الرُّمَّان بِلَا أبازير وَرب السفرجل. وَإِذا لم يكن غشي اجْتنب الشَّرَاب أصلا وَيكون مزاج مَائه التَّمْر هندي وشراب التفاح الْعَتِيق الَّذِي يحلّل فضوله وَقد وصف لَهُم مَاء خيارة صفراء مقشرة مَعَ جلاب طبرزذ يسير وَدِرْهَم طباشير فَإِنَّهُ نَافِع جدا.(2/482)
فصل فِي الدَّم المحتبس فِي الْمعدة والأمعاء يُؤْخَذ وزن دِرْهَمَيْنِ حُرفاً أَبيض باقلا وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم ويسقى فِي مَاء حَار فَإِن جمد سقِِي العليل مَاء الحاشا وَكَذَلِكَ أنفحة الأرنب وَأما جمود اللَّبن فِي الْمعدة فعلاجه سقِِي أنفحة الأرنب أَو مَاء النعناع مِقْدَار أوقيتين قد جعل فِيهِ وزن دِرْهَمَيْنِ من ملح جريش فَإِنَّهُ نَافِع. فصل فِي الفواق الفواق حَرَكَة مُخْتَلفَة مركبة كتشنج انقباضي مَعَ تمدد انبساطي كَانَ فِي فَم الْمعدة أَو جمع جرمها أَو المرّيء مِنْهَا يجْتَمع إِلَى ذَاتهَا بالتشنج هرباً من المؤذي إِن كَانَ مؤذٍ واستعداداً لحركة دافعة قَوية يتلوها مثل مَا يعرض لمن يُرِيد أَن يثب فَإِنَّهُ يتَأَخَّر ثمَّ يثب وَقد يشبه من وَجه وَأما إِن لم يكن مؤذٍ بل كَانَ على سَبِيل إفراط من اليبس فَإِن اليبس يُحَرك إِلَى شَبيه بالتشنج والطبيعة تحرّك إِلَى الانبساط فَإِنَّهَا لَا تطاوع ذَلِك وتتلافاه. وَأكْثر مَا يعرض يعرض لفم الْمعدة لسَبَب مؤذ كَمَا يعرض لفخ الْمعدة اخْتِلَاج لسَبَب مؤذ خُصُوصا إِن كَانَت الْمعدة يابسة فَلَا يحْتَمل فمها أدنى لذع. وَقد يعرض بالمشاركة وَقد يحدث الفواق عقيب الْقَيْء لنكاية الْقَيْء لفم الْمعدة ولتركه خلطاً قَلِيلا فِيهِ لم ينْدَفع بالقيء كَمَا أَنه قد يكون الفواق عقيب القي لنكاية الْقَيْء لفم الْمعدة ولتركه خلطاً قَلِيلا فِيهِ لم ينْدَفع بالقيء كَمَا أَنه قد يكون الفواق بِسَبَب حبس الْقَيْء والمصابرة عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْحَرَكَة الاختيارية. وَأكْثر حَرَكَة الْقَيْء من حَرَكَة الْمعدة لَا حَرَكَة فمها لشدَّة حسه وَقُوَّة تأذيه بالمادة الهائجة. وَقد قَالَ بَعضهم: إِن حَرَكَة الفواق أقوى من حَرَكَة الْقَيْء لِأَن الْقَيْء يدْفع شَيْئا مصبوباً فِي تجويف والفواق يدْفع شَيْئا يَابسا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ كل قيء وتهوع يكون عَن سَبَب مصوب. وَلَا أَيْضا مَا دفع شَيْئا يجب أَن يكون أَضْعَف مِمَّا لَا يدْفع وَمِمَّا يحاول أَن يدْفع فَلَا يقدر بل حَرَكَة الفواق أَضْعَف من حَرَكَة الْقَيْء وَكَأَنَّهُ حَرَكَة إِلَى الْقَيْء ضَعِيفَة وَلذَلِك فِي أَكثر الْأَمر قد يَبْتَدِئ الفواق ثمَّ يصير قيئاً كَأَن الْحَرَكَة عِنْد مسّ سَبَب الفواق تكون أقل لِأَن السَّبَب أقل نكاية فَإِذا استعجل الْأَمر اشتدت الْحَرَكَة فَصَارَت قيئاً. فَأَما تَفْصِيل مَا يحدث الفواق بِسَبَب أَذَى يلْحق فَم الْمعدة فَنَقُول: أَنه قد يكون ذَلِك إِمَّا عَن شَيْء مؤذ لفم الْمعدة بِبرْدِهِ كَمَا يعرض من الفواق والنافض وَفِي الْهَوَاء الْبَارِد وَفِي الأخلاط المبرّدة وَعَن برد آخر مستحكم فِي مزاج فَم الْمعدة يقبضهُ ويشنجه. وَكَثِيرًا مَا يعرض هَذَا للصبيان والأطفال.(2/483)
وَالْبرد يحدث الفواق من وُجُوه ثَلَاثَة: أَحدهَا من جِهَة لُزُوم مادته وَالثَّانِي: من جِهَة أَذَى برده ومضادته بكيفيته الْمُجَاوزَة للاعتدال وَالثَّالِث: من جِهَة تقبيضة وتكثيفه المسام فيحتبس فِي خلل الليف مَاء من حَقه أَن يتَحَلَّل عَنهُ. وَإِمَّا عَن شَيْء مؤذ بحرّه كَمَا يعرض فِي الحميات المحرقة من التشنّج فِي فَم الْمعدة وَإِمَّا عَن شَيْء مؤذ بلذعه مثل مَا يعرض من شرب الْخَرْدَل والفلافلي وانصباب الأخلاط الصديدية وَشرب الْأَدْوِيَة اللاذعة كالفلافلي مَعَ شراب وخصوصاً على صِحَة من حس الْمعدة أَو ضعف من جَوْهَر فَم الْمعدة. وَمن هَذَا الْقَبِيل الْغذَاء الْفَاسِد المستحيل إِلَى كَيْفيَّة لاذعة. وَالصبيان يعرض لَهُم ذَلِك كثيرا. وَكَذَلِكَ مَا يعرض من انصباب المرار إِلَى فمّ الْمعدة وكما يَقع عِنْد حَرَكَة المرار فِي البحارين إِلَى رَأس الْمعدة لتدفعه الطبيعة بالقفف إِمَّا عَن ريح محتقن فِي فَم الْمعدة وَفِي طبقاتها أَو فِي المريء تولد عَن حرارة مبخّرة لَا تقوى على التَّحْلِيل وَإِمَّا عَن شَيْء مؤذٍ بثقله كَمَا يكون عِنْد وَأما الْكَائِن عَن اليبس فَإِنَّهُ قد يكون عَن يبس شَدِيد مشنج كَمَا يعرض فِي أَوَاخِر الحمّيات المحرقة والاستفراغات المجففة والجوع الطَّوِيل وَهُوَ دَلِيل على خطر. وَقد يكون عَن يبس لَيْسَ بالمستحكم فينتفع بِأَدْنَى ترطب ونزول. وَأما الْكَائِن بالمشاركة فَمثل مَا يعرض لمن حدث فِي كبده ورم عَظِيم وخصوصاً فِي الْجَانِب المقعر أَو فِي معدته أَو فِي حجب دماغه أَو هُوَ تشرف الْعرُوض فِي حجب دماغه كَمَا يعرض عِنْد شجّة الآمة والصكة الموجعة يصكّ بهَا الرَّأْس وَمثل مَا يعرض فِي الحمّيات فِي تصعّدها وَفِي عَلَامَات البحران فَإِن ذَلِك سَبَب شركَة الْبدن وَقد خمّن فِي اسْتِخْرَاج السَّبَب الْقَرِيب لحدوث الفواق فِي ورم الكبد فَقَالَ بَعضهم لِأَنَّهُ تنصبّ مِنْهُ مرار إِلَى الاثْنَي عشري ثمَّ إِلَى الْمعدة ثمَّ إِلَى فمها. وَقد قيل أَن السَّبَب فِيهِ ضغط الورم وَقد قيل السَّبَب فِيهِ مُشَاركَة الكبد فَم الْمعدة فِي عصبَة دقيقة تصل بَينهمَا وَإِذا كَانَ بِإِنْسَان فوَاق من مَادَّة فَعرض لَهُ من نَفسه العطاس أنحل فواقه. وَكَذَلِكَ إِن قاء وَقذف الْخَلْط فَإِن قاء وَلم ينحلّ فواقه دلّ إِمَّا على ورم فِي الْمعدة أَو فِي أصل العصب الجائي إِلَيْهَا من الدِّمَاغ أَو الدِّمَاغ وَقد يتبع ذنيك(2/484)
جَمِيعًا حمرَة الْعين ويفرّق بَينهمَا بأعراض أورام الدِّمَاغ وأعراض أورام الْمعدة. والفواق الَّذِي يدْخل فِي عَلَامَات البحران رُبمَا كَانَ عَلامَة جَيِّدَة وَرُبمَا كَانَ عَلامَة رَدِيئَة بِحَسب مَا نوضحه فِي بَابه فِي كتاب الْفُصُول وَأَنه إِذا لم يسكن الْقَيْء الفاق وَكَانَ مَعَه حمرَة فِي الْعين فَهُوَ رَدِيء يدل على ورم فِي الْمعدة أَو فِي الدِّمَاغ. وَقيل فِي كتاب عَلَامَات الْمَوْت السَّرِيع أَنه إِذا عرض لصَاحب الفواق ورم فِي الْجَانِب الْأَيْمن خَارج عَن الطبيعة من غير سَبَب مَعْرُوف وَكَانَ الفواق شَدِيدا خرجت نَفسه من الفواق قبل طُلُوع الشَّمْس وَفِي ذَلِك الْكتاب من كَانَ مَعَ الفواق مغص وقيء وكزاز وَذهل عقله فَإِنَّهُ يَمُوت قطعا. العلامات: كل فوَاق يسكن بالقيء فسببه شَيْء مؤذٍ بثقله أَو كيفته اللاذعة على أحد الْوُجُوه الْمَذْكُورَة وكل فوَاق أعقب الاستفراغات والحميات المحرقة وَلم يسكّنه الْقَيْء بل زَاد فِيهِ فَهُوَ عَن يبوسة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب المزاجات بمادة أَو بِغَيْر مَادَّة فَيعلم من الدَّلَائِل الْمَذْكُورَة فِي الْأَبْوَاب الجامعة والكائن عَن الأورام المعدية أَو الدماغية أَو الكبدية فتدلّ عَلَيْهِ أَعْرَاض كل وَاحِد مِنْهَا الْمَذْكُورَة فِي بَابه. المعالجات: الْقَيْء أَنْفَع علاج فِيمَا كَانَ سَببه من الفواق امتلاء كثيرا وشيئاً مُؤْذِيًا بالكيفية وَكَذَلِكَ كل تَحْرِيك عنيف وهز وصياح وَغَضب وفز يَقع دفْعَة وغم مفرط ورشق مَاء بَارِد على الْوَجْه حَتَّى يرتعد بَغْتَة وَالْحَرَكَة والرياضة وَالرُّكُوب والمصابرة على حبس السعال الهائج والمصابرة على الْعَطش. وللعطاش فِي قلع الْمَادَّة الفاعلة للفواق تَأْثِير عَظِيم وَمِمَّا يُزِيلهُ أَيْضا طول إمْسَاك النَّفس لِأَن ذَلِك يثير الْحَرَارَة ويحرّكها إِلَى البروز نَحْو المسام طلبا للاستنشاق فيحرك الأخلاط اللحجية ويحللها. وَالنَّوْم الطَّوِيل شَدِيد النَّفْع مِنْهُ وَشد الْأَطْرَاف وَوضع المحاجم على الْمعدة بِلَا شَرط وعَلى مَا بَين الْكَتِفَيْنِ وَكَذَلِكَ وضع الْأَدْوِيَة المحمّرة. وَمن المعالجات النافعة للفواق اللحوجي الامتلائي أَن يبْدَأ صَاحبه فيتقيأ ثمَّ يشرب أيارج فيقرا وعصارة الأفسنتين يَأْخُذ مِنْهُمَا مِثْقَالا وَمن الْملح الْهِنْدِيّ دانقين ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَعْمل الهليلج المربى. فَإِن كَانَ السَّبَب لحوجاً وَجب أَن يقْصد فِي علاجه تأدية أُمُور ثَلَاثَة: تَحْلِيل الْمَادَّة وتقطيعها بِمثل السكنجبين العنصلي وَالثَّانِي: تَبْدِيل المزاج حَتَّى يعتدل إِن(2/485)
كَانَت إِنَّمَا تؤذي بالكيفية وَالثَّالِث: إخدار حسّ فَم الْمعدة قَلِيلا حَتَّى يقلّ تأذيه باللذع وَقد حمد أَقْرَاص مَا نَحن واصفوه: يُؤْخَذ قسط وزعفران وَورد ومصطكي وسنبل من كل وَاحِد أَرْبَعَة مَثَاقِيل أسارون مثقالان صَبر مِثْقَال يعجن بعصارة بزرقطونا ويسقى مِنْهُ نصف مِثْقَال. البزرقطونا والأفيون يخدران والسنبل يقوّي ويحلّل والأسارون يمِيل الرطوبات إِلَى جِهَة مجاري الْبَوْل ويخرجها مِنْهَا وَالصَّبْر يميلها إِلَى جِهَة مجاري الثّقل فيخرجها مِنْهَا والقسط والزعفران منضّجان مقوّيان مسخّنان. فَلهَذَا صَار هَذَا القرص نَافِعًا جدا فِي الفواق الشَّديد وتقلّب النَّفس. وَإِن عتق وأزمن نفع مِنْهُ دهن الكلكلانج. والشربة ملعقة بِمَاء حَار. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ طبيخ الزنجبيل فِي مَاء الفانيد وَإِذا اشتدّ وأزمن احْتِيجَ إِلَى المعاجين والجوارشنات مثل الكموني بِمَاء فاتر بل رُبمَا احْتِيجَ إِلَى المعاجين الْكِبَار جدا أَو إِلَى الترياق وللفلونيا مَنْفَعَة عَظِيمَة فِي ذَلِك لما فِيهِ من التخدير مَعَ التقوية والتحليل وَالدَّفْع. وينفعه من الْحُبُوب مثل حبّ السكبينج وحبّ الاصطمحيقوق. وأقراص الْكَوْكَب شَدِيدَة الْمَنْفَعَة. والأدوية النافعة فِي علاج الفواق الْكَائِن عَن مَادَّة بَارِدَة أَو قريبَة مِنْهَا السذاب والنطرون يسقيان بشراب وَكَذَلِكَ مَاء الكرفس وخل العنصل وحبق المَاء والأسارون والناردين والمرزنجوش والانجدان حَتَّى إِن شمه يسكّن الفواق والزراوند والدوقو والأنيسون والزنجبيل والراسن المجفف وعصارة الغافت والساذج والقيصوم مُفْردَة ومركبة ومتخذة مِنْهَا لعوقات فَإِنَّهَا أوفق على الْمعدة وألزم لَهَا مِمَّا يشرب وينحط إِلَى القعر دفْعَة وَاحِدَة. وللجندبادستر خاصية عَجِيبَة فِيهِ وَقد يسقى مِنْهُ نصف دِرْهَم فِي ثلث اسكرجة خل وثلثي اسكرجة مَاء. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ مَنْفَعَة شَدِيدَة إِذا سقِِي مِنْهُ سلاقة القيصوم والفوذنج الْجبلي والمصطكي يُؤْخَذ أَجزَاء سَوَاء ويلسق فِي مَاء وشراب وَأَيْضًا يطْبخ مصطكي ودارصيني وعنصل ثَلَاثَة أَوَاقٍ فِي قسط من الخلّ ويسقى مِنْهُ قَلِيلا قَلِيلا أَيَّامًا. وَأَيْضًا للرطب الْبَارِد نطرون بِمَاء الْعَسَل. وَأَيْضًا يعجن الخولنجان بِعَسَل ويسقى مِنْهُ غدْوَة وَعَشِيَّة مِقْدَار جوزة وَأَيْضًا دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة وَهُوَ أَن يُؤْخَذ قسط وصبر وأذخر ونمام يَابِس وفوذنج نهري نعنع وسذاب وبزر كرفس وكندر وأسارون من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ أفيون نطرون ورد يَابِس من كل وَاحِد نصف دِرْهَم. وَقد حمد الْكبر المخلل فِي ذَلِك. وَقد يعين هَذِه الْأَدْوِيَة اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة المعطشة فَإِن كَانَ الْبرد ساذجاً فالأدوية الْمَذْكُورَة نافعة مِنْهُ يسقى بخلّ وَمَاء ويطلى بهَا الْعُنُق واللثة وَمَا تَحت الشراسيف أَو يطلى بهَا الْعُنُق واللثة بِزَيْت عَتيق أَو بدهن قثاء وَكَذَلِكَ الأدهان الحارة كلهَا وَحدهَا نافعة وخصوصاً دهن البابونج أَو دهن طبخ فِيهِ جندبادستر وكمون وأنجدان أَو يُؤْخَذ من الجندبادستر والقسط من كل وَاحِد نصف دِرْهَم فطراساليون دِرْهَم يسقى بِمَاء الأفسنتين أَو بمطبوخ الفوذنج والأنيسون والمصطكي أَو(2/486)
يُؤْخَذ القشر الْخَارِج الْأَحْمَر من الفستق مَعَ أصل الأذخر ويطبخان فِي المَاء وَيشْرب من طبيخهما. وَقد ذكر بَعضهم أَن قشور الطّلع إِذا جفّفت وسحقت وَشرب مِنْهَا وزن مِثْقَال بِمَاء الرازيانج وبزر السذاب كَانَ نَافِعًا جدا. وَمَا أَظُنهُ ينفع الْبَارِد. وَإِن اشْتَدَّ وأزمن لم يكن بدّ من وضع المحاجم على الْمعدة بِلَا شَرط واتباعها الْأَدْوِيَة المحمّرة. وَأما الْكَائِن من ريح محتبسة على فَم الْمعدة أَو فِيهَا أَو فيَ المريء فينفع مِنْهُ اسْتِعْمَال الحمّام وَتَنَاول شَيْء من الكندر مسحوقاً فِي مَاء ثمَّ يجرع المَاء الْحَار عَلَيْهِ قَلِيلا قَلِيلا والراسن المجفف غَايَة فِي ذَلِك. وَأما إِن كَانَ لخلط لاذع متولد هُنَاكَ أَو منصبّ إِلَيْهِ حمل صَاحبه على الْقَيْء إِن أمكن بِمَاء يقيء مثله أَو يسهل بِمثل الأيارج بالسكنجبين وَمثل شراب الأفسنتين وَرُبمَا كفى شرب الخلّ وَالْمَاء ويجرع الزّبد أَو يجرع دهن اللوز بِالْمَاءِ الْحَار ويفزع إِلَى النّوم ويطيله مَا أمكن. وَكَذَلِكَ مَاء الشّعير يَنْفَعهُ مَنْفَعَة شَدِيدَة وخصوصاً مَعَ مَاء الرُّمَّان الحلو أَو المزّ إِلَى الْحَلَاوَة وَمَاء الرمانين أَيْضا مِمَّا ينفع بتنقيته وتقويته مَعًا. وَأما إِن كَانَ السَّبَب هَذَا يبساً عارضاً فَإِن العلاج فِيهِ الْفَزع إِلَى سقِِي اللَّبن الحليب والمياه المفرة مَعَ دهن القرع ثمَّ مَاء الشّعير وَمَاء القرع وَمَاء الْخِيَار واللعابات الْبَارِدَة وَكَذَلِكَ يمرخ بهَا من خَارج وتمرخ المفاصل وَيسْتَعْمل الآبزن وَنَحْوه. وَأما الْكَائِن عقيب الْقَيْء فَإِن أحسّ العليل بتقيئة خلط يلذع وَيكون مَعَه قَلِيل غثيان فعطّسه عطسات متواترة بعد أَن تعطيه مَا يزلق ذَلِك الْخَلْط مثل رب الإجاص وَالتَّمْر هندي وخصوصاً إِذا كنت أَمرته بمبلول التَّمْر هندي فَإِن لم يحس بذلك بل أحس بتمدد ضمّدت فَم الْمعدة بالمراهم المعتدلة وحسيته الاحساء اللينة الَّتِي لَا تغثية فِيهَا بل فِيهَا تغرية مثل لباب الْحِنْطَة وتسكين مَا مثل دهن اللوز وتقوية مثل مَاء الفراريج وتطييب مثل الكزبرة وَأما الْكَائِن عَن ورم الكبد أَو غَيره فَيجب أَن يعالج الورم ويفصد إِن احْتِيجَ إِلَى فصد وتعدّل الْمعدة وفمها فَمثل مَاء الرُّمَّان وَمَاء الشّعير وَمَاء الهندبا والأضمدة. فصل فِي أَحْوَال تعرض للمراق والشراسيف قد يعرض فِي هَذِه النواحي اخْتِلَاج بِسَبَب مواد فِيهَا وَرُبمَا كَانَت رَدِيئَة وتتأدى آفتها إِلَى الدِّمَاغ فَيحدث مِنْهُ المالنخوليا كَمَا قُلْنَا والصرع المراريان وَقد يكون من هَذَا الِاخْتِلَاف مَا يكون بِقرب فَم الْمعدة أَو فِيهِ بِعَيْنِه وَيُشبه الخفقان وَقد يحدث لَهَا انتفاخ لَازم وَثقل فَيكون(2/487)
قريب الدّلَالَة من ذَلِك وَقد يدل على أورام باطنة فَإِن أحس بانجذاب من المراق والشراسيف إِلَى فَوق فَرُبمَا دلّ على قيء وَفِي الحميات الحادة قد يدل على صداع يهيج ورعاف أَو قيء على مَا سنفصله فِي مَوْضِعه وعَلى انْتِقَال مَادَّة إِلَى فَوق وَإِذا كَانَ انجذابه إِلَى أَسْفَل ونواحي السُّرَّة دلّ على انْتِقَال إِلَى أَسْفَل وإسهال. ويؤكده المغص وتمدد الشراسيف إِلَى فَوق مِمَّا يكثر فِي الحميات الوبائية. وَقد يكون بِسَبَب يبس تَابع لحر أَو برد وَقد يكون تَابعا لأورام باطنة وَإِن كَانَت فِي الأسافل أَيْضا. وَأما الَّتِي فِي الأعالي فتمددها إِلَى فَوق بالتيبيس وبالمزاحمة مَعًا. وَهَذَا الانتفاخ فِي الْأَمْرَاض الحارة رَدِيء ويصحب اليرقان الكبدي وَقد يحدث بِهَذِهِ الْأَعْضَاء أَي الشراسيف والمراق أوجاع لذاعة وأوجاع ممددة بِسَبَب أمراض الكبد وأمراض الطحال وأورام العضل وَفِي الحميات والبحرانات.(2/488)
(الْفَنّ الرَّابِع عشر الكبد وَأَحْوَالهَا)
وَهُوَ أَرْبَعَة مقالات الْمقَالة الأولى كليات أَحْوَال الكبد فصل فِي تشريح الكبد نقُول: إِن الكبد هُوَ الْعُضْو الَّذِي يتمم تكوين الدَّم وَإِن كَانَ الماساريقا قد تحيل الكيلوس إِلَى الدَّم إِحَالَة مَا لما فِيهِ من قُوَّة الكبد وَالدَّم بِالْحَقِيقَةِ غذَاء اسْتَحَالَ إِلَى مشالكة الكبد الَّتِي هِيَ لحم أَحْمَر كَأَنَّهُ دم لكنه جامد وَهِي خَالِيَة عَن لِيف العصب منبثة فِيهَا الْعُرُوق الَّتِي هِيَ أصُول لما ينبث مِنْهُ ومتفرقة فِيهِ كالليف وعَلى مَا عَلمته فِي بَاب التشريح خُصُوصا فِي تشريح الْعُرُوق الساكنة وَهُوَ يمتص من الْمعدة والأمعاء بتوسط شعب الْبَاب الْمُسَمَّاة ماساريقي من تقعيره وتطبخه هُنَاكَ دَمًا وتوجهه إِلَى الْبدن بتوسط الْعرق الأجوف النَّابِت من حدبتها وَتوجه المائية إِلَى الكليتين من طَرِيق الحدبة وَتوجه الرغوة الصفراوي إِلَى المرارة من طَرِيق التقعير فَوق الْبَاب وَتوجه الرسوب السوداوي إِلَى الطحال من طَرِيق التقعير أَيْضا. وقعر مَا يَلِي الْمعدة مِنْهُ ليحسن هندامه على تحدب الْمعدة وجذب مَا يَلِي الْحجاب مِنْهَا لِئَلَّا يضيق على الْحجاب مجَال حركته بل يكون كَأَنَّهُ يماسه بِقرب من نقطه وَهُوَ يتَّصل بِقرب الْعرق الْكَبِير النَّابِت مِنْهَا ومماستها قَوِيَّة وليحسن اشْتِمَال الضلوع المنحنية عَلَيْهَا ويجللها غشاء عصبي يتَوَلَّد من عصبَة صَغِيرَة يَأْتِيهَا ليفيدها حسا مَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الرئة. وَأظْهر هَذَا الْحس فِي الْجَانِب المقعر وليربطها بغَيْرهَا من الأحشاء وَقد يَأْتِيهَا عرق ضَارب صَغِير يتفرق فِيهَا فينقل إِلَيْهَا الرّوح ويحفظ حَرَارَتهَا الغريزية ويعد لَهَا بالنبض. وَقد أنفذ هَذَا الْعرق إِلَى القعر لِأَن الحدبة نَفسهَا تتروح بحركة الْحجاب وَلم يخلق فِي الكبد للدم فضاء وَاسع بل شعب مُتَفَرِّقَة ليَكُون اشْتِمَال جَمِيعهَا على الكيلوس أشدّ وانفعال تفاريق الكيلوس مِنْهَا أتم وأسرع وَمَا يَلِي الكبد من الْعُرُوق أرق صفاقاً ليَكُون أسْرع تأدية لتأثير اللحمية إِلَى الكيلوس والغشاء الَّذِي يحوي الكبد يربطها بالغشاء المجلل للأمعاء والمعدة الَّذِي ذَكرْنَاهُ ويربطها(2/489)
بالحجاب أَيْضا برباط عَظِيم قوي ويربطها بأضلاع الْخلف بربط أُخْرَى دقاق صَغِيرَة ويوصل بَينهَا وَبَين الْقلب الْعرق الْوَاصِل بَينهمَا الَّذِي عَرفته طلع من الْقلب إِلَيْهَا وطلع مِنْهَا إِلَى الْقلب بِحَسب المذهبين. وَقد أحكم ربط هَذَا الْعرق بالكبد بغشاء لب ثخين وَهُوَ ينفذ وكبد الْإِنْسَان أكبر من كبد كل حَيَوَان يقارنه فِي الْقدر. وَقد قيل أَن كل حَيَوَان أَكثر أكلا وأضعف قلباً فَهُوَ أعظم كبداً ويصل بَينهَا وَبَين الْمعدة عصب لكنه دَقِيق فَلَا يتشاركان إِلَّا لأمر عَظِيم من أورام الكبد. وَأول مَا ينْبت من الكبد عرقان أَحدهمَا من الْجَانِب المقعر وَأكْثر منفعَته فِي جذب الْغذَاء إِلَى الكبد وَيُسمى الْبَاب. وَالْآخر فِي الْجَانِب المحدب ومنفعته إِيصَال الْغذَاء من الكبد إِلَى الْأَعْضَاء وَيُسمى الأجوف. وَقد بَينا تشريحهما جَمِيعًا فِي الْكتاب الأول. وللكبد زَوَائِد يحتوي بهَا على الْمعدة ويلزمها كَمَا يحتوي على الْمَقْبُوض عَلَيْهِ بالأصابع. وَأعظم زوائدها هِيَ الزَّائِدَة الْمَخْصُوصَة باسم الزَّائِدَة وَقد وضع عَلَيْهَا المرارة وَجعل مدها إِلَى أَسْفَل. وَجُمْلَة زوائدها أَربع أَو خمس. وَاعْلَم أَنه لَيْسَ جرم الكبد فِي جَمِيع النَّاس مضاماً لأضلاع الْخلف شَدِيد الِاسْتِنَاد إِلَيْهَا وَإِن كَانَ فِي كثير مِنْهُم كَذَلِك وَتَكون الْمُشَاركَة بِحَسب ذَلِك أَعنِي مُشَاركَة الكبد لأضلاع الْخلف والحجاب ولحمة الكبد لَا حسّ لَهَا وَمَا يَلِي مِنْهَا الغشاء يحسّ بِسَبَب مَا يَنَالهُ قَلِيلا من أَجزَاء الغشاء العصبي وَلذَلِك تخْتَلف هَذِه الْمُشَاركَة وأحكامها فِي النَّاس وَقد علمت أَن تولد الدَّم يكون فِي الكبد وفيهَا يتَمَيَّز المرار والسوداء والمائية وَقد يخْتل الْأَمر فِي كلتيهما وَقد يخْتل فِي توليد الدَّم وَلَا يخْتل فِي التَّمْيِيز وَإِذا اخْتَلَّ فِي التَّمْيِيز اخِتل أَيْضا فِي توليد الدَّم الْجيد. وَقد يَقع الِاخْتِلَاف فِي التَّمْيِيز لَا بِسَبَب الكبد بل بِسَبَب الْأَعْضَاء الجاذبة مِنْهَا لما تميز. وَفِي الكبد الْقوي الْأَرْبَع الطبيعية لَكِن أَكْثَرهَا ضميتها فِي لحميتها وَأكْثر القوى الْأُخْرَى فِي ليفها وَلَا يبعد أَن يكون فِي المساريقا جَمِيع هَذِه القوى وَإِن كَانَ بعض من جَاءَ من بعد يرد على الْأَوَّلين فَيَقُول: أَخطَأ من جعل للماساريقا جاذبة وماسكة فَإِنَّهَا طَرِيق لما يجب وَلَا يجوز أَن يكون فِيهَا جذب وَأورد فِي ذَلِك حجَجًا تشبه الاحتجاجات الضعيفة الَّتِي فِي كل شَيْء فَقَالَ: أَنه لَو كَانَ للماساريقا جاذبة لَكَانَ لَهَا هاضمة وَكَيف يكون لَهَا هاضمة وَلَا يلبث فِيهَا الْغذَاء ريثما ينفعل قَالَ وَلَو كَانَت لَهَا قُوَّة جاذبة وللكبد أَيْضا لاتفقا فِي الْجَوْهَر لِاتِّفَاق القوى وَلم يعلم هَذَا الضَّعِيف النّظر أَن الْقُوَّة الجاذبة إِذا كَانَت فِي المجرى الَّتِي تجذب الأمعاء كَانَ ذَلِك أعون كَمَا أَن الدافعة إِذا كَانَت فِي المجرى الَّذِي يدْفع فِيهِ كَونهَا فِي المعاء كَانَ ذَلِك أعون وينسى حَال قُوَّة الجاذبة فِي المريء وَهُوَ مجْرى وَلم يعلم أَنه لَيْسَ كثير(2/490)
بَأْس بِأَن يكون فِي بعض المنافذ قُوَّة جاذبة وَلَا يكون هاضمة يعتدّ بهَا إِذْ لَا يحْتَاج بهَا إِلَى الهضم بل إِلَى الجذب وَنسي أَن الكيلوس قد يَسْتَحِيل فِي الماساريقا اسْتِحَالَة مَا فَمَا يُنكر أَن يكون السَّبَب فِي ذَلِك قُوَّة هاضمة قي الماساريقا وَأَن يكون هُنَاكَ قُوَّة ماسكة تمسكه بِقدر مَا وَإِن لم يطلّ وَنسي أَن أَصْنَاف الليف للأفعال الْمَعْلُومَة مُخْتَلفَة واستبعد أَن يكون فِيمَا يسْرع فِيهَا النّفُوذ هضم مَا وَلَيْسَ ذَلِك بِبَعِيد فَإِن الْأَطِبَّاء قَالُوا أَن فِي الفمّ نَفسه هضماً مَا وَلَا يُنكرُونَ أَيْضا أَن فِي الصَّائِم قُوَّة دفع وهضم وَهُوَ عُضْو سريع التَّخْلِيَة عَمَّا يحويه وَنسي أَنه قد يجوز أَن تخْتَلف جَوَاهِر الْأَعْضَاء وتتفق فِي جذب شَيْء وَإِن كَانَ سالكاً فِي طَرِيق وَاحِد كجميع الْأَعْضَاء وَنسي أَن الجذب للكبد أَكْثَره بِلِيفٍ عروقها وَهُوَ مجانس لجوهر الماساريقا غير بعيد مِنْهُ فكم قد أَخطَأ هَذَا الرجل فِي هَذَا الحكم. وَأما الَّذِي يذكرهُ جالينوس فيعني بِهِ الجذب الأول الْقوي حَيْثُ فِيهِ مبدأ حَرَكَة يعْتد بهَا وغرضه أَن يصرف المعالج والمقتصر على علاج الماساريقا دون الكبد وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْله لمن أقبل فِي هَذِه الْعلَّة على علاج الماساريقا وَترك أَن يعالج الكبد أَنه كمن أقبل على تضميد الرجل المسترخية من آفَة حَادِثَة فِي النخاع الَّذِي فِي الظّهْر وَترك علاج المبدأ وَالْأَصْل والنخاع فَهَذَا قَول جالينوس الْمُتَّصِل بذلك القَوْل وَأَنت تعلم أَن الرجل لَيْسَ تَخْلُو عَن القوى الطبيعية والمحركة والحساسة الَّتِي فِي النخاع والمجاري إِنَّمَا الْفرق بَين قوتها وَقُوَّة النخاع أَن الْقُوَّة الحساسة والمحركة والحساسة الَّتِي فِي النخاع والمجاري إِنَّمَا الْفرق بَين قوتها وَقُوَّة النخاع أَن الْقُوَّة الحساسة والمحركة لأَحَدهمَا أَولا وَللْآخر ثَانِيًا. وَكَذَلِكَ حَال الماساريقا فَإِنَّهَا أَيْضا لَيست تَخْلُو عَن قُوَّة وَإِن كَانَ مبدؤها الكبد وَكَيف وَهِي آلَة مَاء والآلات الطبيعية الَّتِي تجذب بهَا من بعيد لَا على سَبِيل حَرَكَة مكانية وكما فِي العضل فَإِنَّهَا فِي الْأَكْثَر لَا تَخْلُو عَن قُوَّة ترى فِيهَا وتلاقي المنفعل حَتَّى أَن الْحَدِيد ينفعل مِنْهُ عَن المغناطيس مَا يجذب بِهِ حديداً آخر وَكَذَلِكَ الْهَوَاء بَين الْحَدِيد والمغناطيس عِنْد أَكثر أهل التَّحْقِيق. فصل فِي الْوُجُوه الَّتِي مِنْهَا يسْتَدلّ على أَحْوَال الكبد قد يسْتَدلّ على أحوالها بلقاء الْمس كَمَا يسْتَدلّ على أورامها أَحْيَانًا ويستدلّ أَيْضا بالأوجاع الَّتِي تخصّها ويستدل بالأفعال الكائنة مِنْهَا ويستدل بمشاركات الْأَعْضَاء الْقَرِيبَة مِنْهَا مثل الْمعدة والحجاب والأمعاء والكلية والمرارة ويستدل بمشاركة الْأَعْضَاء الَّتِي هِيَ أبعد مِنْهَا مثل نواحي الرَّأْس وَمثل الطحال. ويستدل بأحوال عَامَّة لجَمِيع الْبدن مثل اللَّوْن والسحنة واللمس. وَقد يسْتَدلّ بِمَا ينْبت فِي نَوَاحِيهَا من الشّعْر وَمَا ينْبت مِنْهَا من الأوردة وَمن هَيْئَة أَعْضَاء أُخْرَى وَمَا يتَوَلَّد مِنْهَا وينبعث عَنْهَا وبالموافقات والمخالفات وَمن الْأَسْنَان والعادات وَمَا يتَّصل بهَا.(2/491)
تَفْصِيل هَذِه الدَّلَائِل: أما الْمِثَال الْمَأْخُوذ من اللَّمْس فَهُوَ أَن حرارة ملمس ناحيتها يدلّ على مزاج حَار وبرودته على مزاج بَارِد وصلابته على جساء الكبد أَو ورم صلب فِيهَا وانتفاخه على ورم أَو نفخة فِيهَا وهلالية مَا يحس من انتفاخه على أَنه فِي نفس الكبد واستطالته وَكَونه على هَيْئَة أُخْرَى على أَنه فِي غير الكبد وَأَنه فِي عضل الْبَطن. وَأما الْمِثَال الْمَأْخُوذ من الأوجاع فَمثل أَنه إِن كَانَ تمدد مَعَ ثقل فهناك ريح سدّة أَو ورم أَو كَانَ بِلَا ثقل فهناك ريح وَإِن كَانَ ثقل بِلَا وَلَا نخس فالمادة فِي جرم الكبد وَإِن كَانَ ورماً أَو سدة أَو كَانَ مَعَ نخس فَهِيَ عِنْد الغشاء المغشّى لَهَا. وَأما الِاسْتِدْلَال الْمَأْخُوذ من الْأَفْعَال الكائنة عَنْهَا فَمثل الهضم والجذب والمخ للدم إِلَى الْبدن وللمائية إِلَى الْكُلية وللمرار إِلَى المرارة وللسوداء إِلَى الطحال وَمثل حَال الْعَطش. فَإِذا اختلّ شَيْء من هَذِه وَلم يكن بِسَبَب عُضْو مُشَاركَة للكبد فَهُوَ من الكبد. وَأما الاستدلالات الْمَأْخُوذَة من المشاركات فَمثل الْعَطش فَإِنَّهُ إِن كَانَ من الْمعدة فكثيراً مَا يدل أَحْوَال الكبد وَمثل الفواق أَيْضا وَمثل الشَّهْوَة أَيْضا والهضم وَمثل سَوَاء التنفس فَإِنَّهُ كَانَ لسَبَب الرئة والحجاب فقد يكون بِسَبَب الكبد وَمثل أَصْنَاف من البرَاز وأصناف من الْبَوْل يدل على أَحْوَال الكبد يستعملها وَمثل أَحْوَال من الصداع وأمراض الرَّأْس وأحوال من أمراض الطحال يدلّ عَلَيْهَا وَمثل أَحْوَال اللِّسَان فِي ملاسته وخشونته ولونه ولون الشفتين يستدلّ مِنْهُ عَلَيْهَا. وَقد يجْرِي بَين الْقلب والكبد مُخَالفَة وموافقة ومقاهرة فِي كيفياتهما سنذكرها فِي بَاب أمزجة الكبد. وَأما الِاسْتِدْلَال بِسَبَب أَحْوَال عَامَّة فَمثل دلَالَة اللَّوْن على الكبد بِأَن يكون أَحْمَر وأبيض فَيدل على صِحَّتهَا أَو يكون أصفر فَيدل على حَرَارَتهَا أَو رصاصياً فَيدل على برودتها أَو يكون كمداً فَيدل على برودتها ويبوستها وَمثل دلَالَة اليرقان عَلَيْهَا. وَأَيْضًا مثل دَلَائِل السّمن اللحمي فيدلّ على حَرَارَتهَا ورطوبتها وَالسمن الشحمي فَيدل على برودتها ورطوبتها وَمثل القضافة فيدلّ على يبوستها وَمثل عُمُوم الْحَرَارَة فِي الْبدن فَيدل إِن لم يكن بِسَبَب شدّة حرارة الْقلب على حَرَارَتهَا. ويتعرف مَعَه دَلَائِل حَرَارَتهَا الْمَذْكُورَة. وَأما الِاسْتِدْلَال من هَيْئَة أَعْضَاء أُخْرَى فَمثل الاستدلالات من عظم الأوردة وسعتها على عظمها وسعة مجاريها وَمن قصر الْأَصَابِع وطولها على صغرها وكبرها. وَأما الِاسْتِدْلَال من الشّعْر النَّابِت عَلَيْهَا فَمثل الِاسْتِدْلَال مِنْهُ فِي أَعْضَاء أُخْرَى وَقد ذَكرْنَاهُ.(2/492)
وَأما الِاسْتِدْلَال مِمَّا ينْبت مِنْهَا - وَهِي الأوردة - فَهِيَ أَنَّهَا إِن كَانَت غَلِيظَة عَظِيمَة ظَاهِرَة فالمزاج الْأَصْلِيّ حَار وَإِن كَانَت رقيقَة خَفِيفَة فالمزاج الْأَصْلِيّ بَارِد. وَأما حَرَارَتهَا وبرودتها ولينها وصلابتها فقد يكون لمزاج أُصَلِّي وَقد يكون لعَارض. وَأما الِاسْتِدْلَال مِمَّا يتولّد فِيهَا فَمثل أَن تولد الصَّفْرَاء يدل على حَرَارَتهَا والسوداء على حَرَارَتهَا الشَّدِيدَة أَو على بردهَا الْيَابِس على مَا تعلم فِي مَوْضِعه. وتولد الدَّم الْجيد دَلِيل على صِحَّتهَا وَالَّذِي ينتشر مِنْهَا الدَّم الْجيد دَلِيل على صِحَّتهَا وَالَّذِي ينتشر مِنْهَا دم جيد يتشبه بِالْبدنِ جدا فَهِيَ صَحِيحَة وَالَّتِي دَمهَا صفراوي أَو سوداوي أَو رهل - وَتبين ذَلِك مِمَّا ينتشر مِنْهُ فِي الْبدن أَو مائي غير قَابل للاتصال بِالْبدنِ كَمَا فِي الاسْتِسْقَاء اللحمي - فَهِيَ عليل بِحَسب مَا يدل عَلَيْهِ حَال مَا ينتشر عَنْهَا. وَأما الموافقات والمخالفات فتعلم أَن الْمُوَافق مشاكل للمزاج الطبيعي مضاد للمزاج الْعَارِض. وَأما السن وَالْعَادَة وَمَا يجْرِي مَعهَا فقد عرفت الِاسْتِدْلَال مِنْهَا فِي الكليات وَأما مُخَالفَة الْقلب الكبد فِي الكيفيات فَاعْلَم أَن حرارة الْقلب تقهر حَرَارَتهَا قهرا ضَعِيفا ورطوبته لَا تقهر يبوستها ويبوسته رُبمَا قهرت رطوبتها قَلِيلا. وحرارة الكبد تقهر برودة الْقلب قهرا ضَعِيفا ورطوبتها تقهر يبوسته قهرا ضَعِيفا وبرودتها أقلّ قهرا لحرارته ويبسها قاهر دَائِما لرطوبته. وَبرد الْقلب يقهر حرارة الكبد أَكثر من قهر يبوسته لرطوبتها وحرارة الْقلب تقهر رُطُوبَة الكبد أَكثر من قهر يبوستها لرطوبته وتقهر برودتها أَيْضا قهرا تَاما. المزاج الْحَار الطبيعي علامته سَعَة الأوردة وظهورها وسخونة الدَّم وَالْبدن إِن لم يقاومه الْقلب فَإِن حرارة الْقلب تغلب برودة الكبد قهرا قَوِيا وَكَثْرَة تول الصَّفْرَاء فِي مُنْتَهى الشَّبَاب والسوداء بعده وَكَثْرَة الشّعْر فِي الشراسيف وَقُوَّة الشَّهْوَة للطعام وَالشرَاب. المزاج الْبَارِد الطبيعي: علامته أضداد تِلْكَ العلامات وبرودة الْقلب تقهر حرارة الكبد دون قهر حرّه لبردها وَلِأَن دم صَاحب هَذَا المزاج رَقِيق مائي وقوته ضَعِيفَة فكثيراً مَا تعرض فِيهِ الحمّيات. المزاج الْيَابِس الطبيعي: علامته قلَّة الدَّم وغلظه وصلابة الأوردة ويبس جَمِيع الْبدن وثخن الشّعْر وجعودته وَالْقلب برطوبته لَا يتدارك يبوسة الكبد تداركاً يعْتد بِهِ. بل لَا يقهرها قهرا أصلا لَكِن يبوسة الكبد تقهر رُطُوبَة الْقلب جدا وحرارة الْقلب تقهر رُطُوبَة الكبد قهرا بَالغا. فِي المزاج الرطب الطبيعي: علامته ضد تِلْكَ العلامات وَالْقلب بيبوسته رُبمَا تدارك رُطُوبَة الكبد قَلِيلا جدا لَكِن رطوبتها تقهر يبوسة الْقلب قهرا قَوِيا.(2/493)
والمزَاج الْحَار الْيَابِس الطبيعي: علامته غلظ دم وَكَثْرَة شعر أسود عِنْد الشراسيف وسعة أوردة مَعَ امتلاء وصلابة وَكَثْرَة تولد الصَّفْرَاء والسوداء فِي آخر الشَّبَاب وحرارة الْبدن وصلابته إِن لم يُخَالف الْقلب. المزاج الْحَار الرطب الطبيعي: يدل عَلَيْهِ غزارة الدَّم جدا وَحسن قوامه وسعة الأوردة جدا مَعَ اللين وَكَون اللَّوْن أَحْمَر بِلَا صفرَة وَالشعر الْكثير فِي الشراسيف دون الَّذِي فِي الْحَار الْيَابِس وَلَيْسَ فِي كثافته وجعودته ونعومة الْبدن لحرارته ورطوبته. وَإِن كَانَت الْحَرَارَة غالبة بَقِي الْبدن صَحِيحا وَإِن كَانَت الرُّطُوبَة أغلب أسْرع إِلَيْهِ أمراض العفونة. المزاج الْبَارِد الْيَابِس الطبيعي: يدل عَلَيْهِ قلَّة الدَّم وَقلة حرارة الدَّم وَالْبدن وضيق الْعُرُوق وخفاؤها وصلابتها وَقلة الشّعْر فِي المراق ويبس جَمِيع الْبدن. المزاج الْبَارِد الرطب: علامته ضد عَلَامَات الْحَار الْيَابِس فِي جَمِيع ذَلِك. فصل فِي أمراض الكبد إِن الكبد يعرض لَهَا فِي خَاص جوهرها أمراض المزاج وأمراض التَّرْكِيب والأورام والنفاخات خَاصَّة عِنْد الغشاء ويتفقأ إِلَى الفضا وَغير ذَلِك مِمَّا نذكرهُ بَابا بَابا. وَقد يحْتَمل الْخرق أَكثر من أَعْضَاء أُخْرَى فَلَا يخَاف مِنْهُ الْمَوْت العاجل إِلَّا أَن يَصْحَبهُ انفجار الدَّم من عرق عَظِيم. وَقد تعرض للكبد أمراض بمشاركة وخصوصاً مَعَ الْمعدة وَالطحَال والمرارة الْكُلية والحجاب والرئة والماساريقي والأمعاء فيشاركها أَولا الْعُرُوق الَّتِي تلِي تقعير الكبد ثمَّ يتأسّ ضررها إِلَى الكبد وَرُبمَا تمكن. وَأما الْحجاب والرئة والكلية فتشارك أَولا عروق الحدبة ثمَّ يتأدّى إِلَى وَأكْثر مَا تكون الْمُشَاركَة فَإِنَّهَا تكون من قبل الْمعدة فَيفْسد الهضم مَعَه ويندفع الطَّعَام غير منهضم إِلَّا أَن يكون بِسَبَب آخر والأمراض الحدبية قد يكون اندفاع موادها فِي الْأَكْثَر بإدرار الْبَوْل وبالرعاف وبالعرق. وَأما الْأَمْرَاض العقعيرية فَيكون ذَلِك مِنْهَا بالإسهال والقيء الصفراوي والدموي وبالعرق أَيْضا فِي كثير من الْأَوْقَات فَاعْلَم جَمِيع مَا قُلْنَاهُ وبيناه. فصل فِي العلامات الْحَالة على سوء مزاج الكبد سوء المزاج الْحَار: علامته عَطش شَدِيد وَلَا يَنْقَطِع مَعَ شرب المَاء وَقلة شَهْوَة الطَّعَام والتهاب وصفرة الْبَوْل وانصباغه وَسُرْعَة النبض وتواتره وحميات وتشيط الدَّم وَاللَّحم وتأذ بالحرارات ويتبعه(2/494)
ذوبان يَبْتَدِئ من الأخلاط ثمَّ من لحم الكبد ويتبعه سحج قد تيبس مَعَه الطبيعة من غير وجع فِي الأضلاع أَو ثقل وَيكثر مَعَه الْقَيْء الْأَصْفَر والأحمر والأخضر الكراثي وَيكون مَعَه البرَاز المري كثيرا خُصُوصا إِن كَانَ هُنَاكَ مَعَ المزاج مَادَّة وَإِن لم يكن قل الدَّم وخشن اللِّسَان ونحف الْبدن. وَقد يسْتَدلّ على ذَلِك من الْعَادة والسنّ. والحرفة وَالتَّدْبِير. وَالْوسط مِنْهُ يُولد الصَّفْرَاء والمفرط يُولد السَّوْدَاء وأمراضها عَن المالنخوليا وَالْجُنُون وَنَحْوه. وَإِذا ابْتَدَأَ الإسهال الغسالي مَعَ سُقُوط الشَّهْوَة فأكثره لضعف الكبد الْكَائِن عَن مزاج حَار وَفِي أَكْثَره يكون البرَاز يَابسا محترقاً اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يبلغ إِلَى أَن يحرق الدَّم والأخلاط ولحمية الكبد ويسهلها. وَإِذا أَخذ فِي إحراق الدَّم كَانَ البرَاز كالمردي وَإِذا كَانَ فِي الكبد احتراق أَو ورم أَو دبيلة ثمَّ خرج بالبراز شَيْء أسود غليظ فَذَلِك لحم الكبد قد تعفن وَلَيْسَ كل شَيْء أسود يخرج رديئاً وَرُبمَا أَقَامَ الغسالي والصديدي المائي ثمَّ غلظ وَصَارَ أسود غليظاً منتناً كَمَا يكون فِي أَصْحَاب الوباء وَرُبمَا خرج بعد الصديدي دم ثمَّ سَوْدَاء رقيقَة. سوء المزاج الْبَارِد: علامته بَيَاض الشفتين وَاللِّسَان وَقلة الحم وعسر جريه وَكَثْرَة البلغم وَقلة الْعَطش وَفَسَاد اللَّوْن وَذَهَاب مَا بِهِ فَرُبمَا أصفر إِلَى خضرَة وَرُبمَا أصفر إِلَى فستقية. وَأَيْضًا بَيَاض الْبَوْل وبلغميته وغلظه بِسَبَب الجمود وفتور النبض وَشدَّة الْجُوع فَإِن الْجُوع لَيْسَ إِنَّمَا يكون من الْمعدة فَقَط وَقلة الاستمراء وَإِذا بلغ الْبرد الْغَايَة أعدم الشَّهْوَة. وَالْبرَاز رُبمَا كَانَ يَابسا بِلَا رَائِحَة وَرُبمَا كَانَ رطبا لضعف الجذب وَكَانَ إِلَى الْبيَاض قَلِيل الرَّائِحَة. وَقد يرق مَعَه البرَاز ويرطب إِلَّا أَنه لَا يَدُوم كَذَلِك مُتَّصِلا وَلَا يكثر مَعَه الِاخْتِلَاف. وَإِن كَانَ ابْتِدَائه وعروضه يطول وَفِي آخِره يخرج شَيْء مثل الدَّم المتعفن لَيْسَ كَالدَّمِ الذائب وَقد يتبع المزاج الْبَارِد بعد مُدَّة مَا حميات(2/495)
لقبُول الدَّم الرَّقِيق الَّذِي فِيهِ العفونة الَّتِي تعرض لَهُ وَهِي حميات صعبة نذكرها فِي بَاب الحمّيات. وَرُبمَا كَانَ فِي أَولهَا صديد رَقِيق ثمَّ يغلظ ويسود وَإِن كَانَ اخْتِلَاف شَبيه بغسالة اللَّحْم الطري وَذَلِكَ مَعَ الشَّهْوَة فِي الِابْتِدَاء دلّ على برد. وَإِن عرض بعد ذَلِك سُقُوط الشَّهْوَة فَرُبمَا كَانَ لفساد الأخلاط أَو لسَبَب آخر من حمّى وَنَحْوهَا. وَأكْثر دلَالَته هُوَ على ضعف عَن برد وَفِي آخِره تعود الشَّهْوَة ويفرط فِي أَكثر الْأَمر ويتشنّج مَعَه المراق. وَقد يدلّ عَلَيْهِ السن وَالْعَادَة والغذاء والأسباب مَاضِيَة مثل شرب مَاء بَارِد على الرِّيق أَو فِي أثر الحمّام أَو الْجِمَاع لِأَن الكبد الملتهبة تمتص من المَاء حِينَئِذٍ سَرِيعا كثيرا وَإِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة أحسست بحموضة فِي الْفَم ورطوبة فِي البرَاز وَرُبمَا كَانَ إِلَى السوَاد الْأَخْضَر دون الْأَصْفَر والأحمر وَقد يتبع المزاج الْبَارِد بعد مُدَّة مَا حميات مَا لقبُول الدَّم الرَّقِيق الَّذِي فِيهِ للعفونة الَّتِي تعرض لَهُ وَهِي حميات خبيثة نذكرها فِي بَاب الحمّيات بعد هَذَا. فِي سوء المزاج الْيَابِس: علامته يبس الفمّ وَاللِّسَان وعطش وصلابة النبض ورقة الْبَوْل وَرُبمَا إسودّ اللِّسَان. وَإِن كَانَ هُنَاكَ سَوْدَاء أَو صفراء علمت دلائلهما بسهولة مَا علمت فِي الْأُصُول. سوء المزاج الرطب: يدل عَلَيْهِ تهيّج الْوَجْه وَالْعين ورهل لحم الشراسيف وَقلة الْعَطش إِلَّا أَن يكون حرارة تغلي الرُّطُوبَة ورطوبة اللِّسَان وَبَيَاض اللَّوْن وَرُبمَا كَانَت مَعَه صفرَة يسيرَة. وَأما إِذا اشْتَدَّ الْبرد وغلبت الرُّطُوبَة كَانَ إِلَى الخضرة وَرُبمَا أَضْعَف الْبدن لترهيل الرُّطُوبَة. فصل فِي كَلَام كلي فِي معالجات الكبد إِن الكبد يجب فِيهَا من حفظ الصِّحَّة بالشبيه وَدفع الْمَرَض بالضد وَفِي تَدْبِير مداواة الأورام والقروح وآفات الْمِقْدَار وَفِي تفتيح السدد وَغير ذَلِك مَا يجب فِي سَائِر الْأَعْضَاء. وأجود الْأَوْقَات فِي سقِِي الْأَدْوِيَة لأمراض الكبد وخصوصاً لأجل سدد الكبد وَنَحْوهَا الْوَقْت الَّذِي يحدس مَعَه أَن مَا نفذ من الْمعدة إِلَى الكبد وَحصل فِيهَا قدر انهضم وتميز مَا يجب أَن يتَمَيَّز وَبَينه وَبَين الْأكل زمَان صَالح وَفِي عَادَة النَّاس هُوَ الْوَقْت الَّذِي يبن الْقيام من النّوم وَمن الاستحمام. وَيجب أَيْضا فِي الكبد أَن لَا يخلي الْأَدْوِيَة المحللة المفتحة الَّتِي ينحى بهَا نَحْو أمراض الكبد المادية نَحْو السدية والورمية عَن قوابض مقوية اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يجد من يبس مفرط وَلَا يجب أَن يُبَالغ فِي تبريد الكبد مَا أمك فَيُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء وَلَا فِي تسخينها فَيُؤَدِّي إِلَى الذبول وَكَذَلِكَ مَا يجب أَن يكون عَالما بِمِقْدَار المزاج الطبيعي للكبد الَّتِي تعالجها حَتَّى إِذا رَددتهَا إِلَيْهِ وقفت. وَاعْلَم أَنَّك إِذا أَخْطَأت على الكبد أعدى خطؤك إِلَى الْعُرُوق ثمَّ إِلَى الْبدن. وَمن الْخَطَأ أَن يدر حَيْثُ يَنْبَغِي أَن يسهل وَهُوَ أَن تكون الْمَادَّة فِي التقعير أَو يسهل حَيْثُ يَنْبَغِي أَن يدر وَهُوَ أَن تكون الْمَادَّة فِي الحدبة. والأدوية الكبدية يجب أَن ينعم سحها وَيجب أَن تكون لَطِيفَة الْجَوْهَر ليصل إِلَيْهَا كَانَت حارة أَو بَارِدَة أَو قابضة. والملطفات من شَأْنهَا أَن تحد الدَّم وَإِن كَانَت تفتح فَيجب أَن يُرَاعى ذَلِك وَمثل مَاء الْأُصُول من جملَة مفتحاتها وملطفاتها قد تولد فِي الكبد أخلاطاً مُخْتَلفَة غير مُنَاسبَة فَيجب إِذا تَوَاتر سقيها يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَن يتبع بِشَيْء ملين للطبيعة. وَأما الإدرار فماء الْأُصُول نَفسه يفعل وَجَمِيع أَنْوَاع الهندبا وخصوصاً الْمرة الَّتِي تضرب إِلَى الْحَرَارَة نافعة من آلام الكبد. أما للمبرودين فبالسكنجبين وَأما للمبرودين فبماء الْعَسَل. وكبد الذِّئْب نَافِع بالخاصية وَلُحُوم الحلزونات كَذَلِك نَافِع.(2/496)
فصل فِي الْأَشْيَاء الضارة للكبد اعْلَم أَن إِدْخَال الطَّعَام على الطَّعَام وإساءة ترتيبه من أضرّ الْأَشْيَاء بالكبد وَالشرب للْمَاء الْبَارِد دفْعَة على الرِّيق وَفِي أثر الْحمام وَالْجِمَاع والرياضة وَرُبمَا أدّى إِلَى تبريد شَدِيد للكبد لحرص الكبد الملتهبة على الامتياز السَّرِيع. وَالْكثير مِنْهُ رُبمَا أدّى إِلَى الاسْتِسْقَاء وَيجب فِي مثل هَذِه الْحَال أَن تمزجه بشراب وَلَا تبرده شَدِيدا وَلَا تغبّ مِنْهُ غبا بل تمصّه قَلِيلا قَلِيلا. واللزوجات كلهَا تضرّ بالكبد من جِهَة مَا يُورث السدد. وَالْحِنْطَة من جملَة مَا فِيهِ لزوجة بِالْقِيَاسِ إِلَى الكبد وَلَيْسَ فِيهَا ذَلِك بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا بعد الكبد من الْأَعْضَاء إِذا انهضمت فِي الكبد وَلَيْسَ كل حِنْطَة هَكَذَا بل الْقلَّة. وَالشرَاب الحلو يحدث فِي الكبد سدداً وَهُوَ نَفسه يجلو مَا فِي الصَّدْر. وَالسَّبَب فِيهِ أَن الشَّرَاب الحلو ينجذب إِلَى الكبد غير مدرج بحب الكبد لَهُ من حَيْثُ هُوَ حُلْو ونفوذه من حَيْثُ هُوَ شراب فَلَا يلبث قدر مَا يتَمَيَّز التفل مِنْهُ لبث سَائِر الْأَشْيَاء الغليظة بل يرد على الكبد بغلظه ويجد المسلك إِلَيْهَا مُهَيَّأ لِأَن طرق مَا بَين الْمعدة والكبد وَاسِعَة بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا يتَّجه إِلَيْهِ من الْعُرُوق المبثوثة فِي الكبد. ثمَّ إِذا حصل فِي الكبد لم يلبث قدر التميز والهضم بل ينْدَفع اللَّطِيف فِي الْعُرُوق الضيقة هُنَاكَ لسرعة نفوفه وَخلف الرسوب لضيق مسلكه. وَأما فِي الرئة فَالْأَمْر بِالْخِلَافِ لِأَنَّهُ يرد عَلَيْهَا الشَّرَاب الحلو. وَقد يصفى إِمَّا من طَرِيق منافذ المريء على سَبِيل الرشح من منافذ ضيقَة إِلَى وَاسِعَة وَإِمَّا من طَرِيق الأجوف وَقد خلف القفل فَمَا بعده وَهُوَ صَاف وَدَار فِي منافذ ضيقَة إِلَى وَاسِعَة فيصفّى مرّة أُخْرَى. وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَحْوَال الْأُخْرَى لَا يُوجد لَهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى الرئة. فصل فِي الْأَشْيَاء الْمُوَافقَة للكبد ينفع من الْأَدْوِيَة كل مَا فِيهِ مرَارَة يفتح بهَا أَو قُوَّة أُخْرَى تفتح بهَا مَعَ قبض يُقَوي بِهِ وعطرية تناسب جَوْهَر الرّوح وتمنع العفونة كالدارصيني وفقاح الأذخر والمر وَنَحْوه وَمَا فِيهِ غسل وجلاء وتنقية للصديد الرَّدِيء إِذا لم يبلغ فِي الإرخاء مُبَالغَة الْغسْل وَمَا فِيهِ إنضاج وتليين وخصوصاً مَعَ قبض وتقوية كالزعفران وَمَا هُوَ مَعَ ذَلِك لذيذ كالزبيب وسريع النّفُوذ كالشراب الريحاني لأكْثر الأكباد الَّتِي لَيْسَ بهَا حرارة شَدِيدَة وَإِذا جمع الدَّوَاء إِلَى الْخَواص الْمَذْكُورَة اللَّذَّة فبالحري أَن يكون صديقا للكبد حبيباً إِلَيْهَا كالزبيب والتين والبندق وَأَن يكون بَالغ النَّفْع فَإِن كَانَ غير قَابل للْفَسَاد والعفونة فَهُوَ أبلغ والطرحشقوق والهندبا البستانيِ والبري يوافقانها جدا وينفعان من الْمَرَض الْحَار فِي الكبد بالخاصية والكيفية المضادة مَعًا.(2/497)
على أَن قوما يعدون المر الشَّديد المرارة مِنْهُ حاراً فينتفع بتفتيحه السدد لمرارته وبالتقوية لقبضه وينفع من الْمَرَض الْبَارِد لخاصيته وَمِمَّا فِيهِ من تفتيح وتقوية. وَإِذا أفرط الْبرد فِي الكبد خلط أَيهمَا كَانَ بالعسل فيقاوم الْعَسَل تبريداً مَا إِن خيف مِنْهُ ويعينه على سَائِر أَفعاله. وَقد يخفقان ويسقيان بالعسل ومائه أَو يطبخان بالعسل أَو بِمَاء الْعَسَل فينفعان جدا وَيفتح وَيخرج الْخَلْط الْبَارِد بالبول ويوافق الكبد من الأغذية مَا كيموسه جَيِّدَة. والحلاوات توَافق الكبد فتسمن بهَا وتعظم وتقوى لَكِنَّهَا تسرع إِلَى إِحْدَاث السدد لجذب الكبد إِيَّاهَا بعنف مستصحب بأخلاط أُخْرَى. وَلذَلِك يجب أَن يجْتَنب الحلاوات من بِهِ ورم فِي كبده فَإِنَّهَا تستحيل بِسُرْعَة إِلَى المرار وتحدث أَيْضا السدّة. وأضر الحلاوات غليظها لإحداث السدد وحادها لاستحالته إِلَى المرار. والفستق نَافِع لعطريته وَقَبضه وتفتيحه وتنقيته مجاري الْغذَاء لكنه شَدِيد التسخين. والبندق مُوَافق لجَمِيع الأكباد لِأَنَّهُ لَيْسَ بشديد الْحَرَارَة وَهُوَ مفتح وكيموسه جيد وكبد الذِّئْب وَلُحُوم الحلزونات مُوَافقَة للكبد بخاصية فِيهَا فَاعْلَم جَمِيع ذَلِك. فصل فِي علاج سوء المزاج الْحَار فِي الكبد يجب أَن يتلطف فِي تبريده فَلَا يبلغ الْغَايَة وَأَن يتوقّى فِيهَا الإرخاء الشَّديد بالمرطبات المائية ويتوقى. فِيهَا إِحْدَاث السدد بالمبرّدات الغليظة وَيجب أَن يتوقى فِيهَا التخدير الْبَالِغ بل يجب أَن تكون مبرّداته تجمع إِلَى التبريد جلاء وتفتيحاً وتنفيذاً للغذاء وقبضاً مقوياً غير كثير وَفِي مَاء الشّعير هَذِه الْخِصَال والهندبا الْبري والبستاني غَايَة فِي هَذَا الْمَعْنى فَإِن مزاجهما إِلَى برد ليسَ بمفرط جدا وَفِيهِمَا مرَارَة مفتحة غير مسخنة وَقبض معتدل مقو بل يبلغ من منفعتهما أَن لَا يضرا الكبد الْبَارِدَة أَيْضا ويقعان فِي أدويته كَمَا ذكرنَا فِي الْأَدْوِيَة المفردة فِي أَلْوَاح الْأَدْوِيَة الكبدية. وَقد يُؤْكَل مسلوقاً وخصوصاً مَعَ الكزبرة اَلرطبة واليابسة ويؤكل بالخل. وللأمبر باريس خاصية عَظِيمَة وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ أَيْضا وَإِذا أحس بسدد فِي الكبد انْتفع بِمَا يُضَاف إِلَيْهِمَا من الكرفس فَإِنَّهُ يفتح السدد من أَي الْجِهَتَيْنِ كَانَت وَهُوَ مِمَّا يسْرع نُفُوذه وَكَذَلِكَ السكنجبين. وَمِمَّا ينفع ذَلِك أَن يُؤْخَذ من عصارة الهندبا وعصارة الكاكنج وعصارة عِنَب الثَّعْلَب من كل وَاحِد أوقيتان وَمن عصارة الكزبرة الرّطبَة وعصارة الرازيانج من كل وَاحِد أُوقِيَّة وَنصف يخلط بهما نصف دِرْهَم زعفران ويسقى وَقد يسقى دهن الْورْد الْجيد ودهن التفاح بِالْمَاءِ الْبَارِد فيعدّل حرّ الكبد. وَمِمَّا ينفع الكبد الَّتِي بهَا سوء مزاج حَار أَن يُؤْخَذ من الأسفيوس مثقالان بسكّر طبرزذ وَمَاء بَارِد وَأَيْضًا أَن يسقى عصارة القرع المشوي والقثاء وَمَاء الرُّمَّان ومخيض الْبَقر وَمَاء التفاح والكمّثري والفرفير وعصارة الْورْد الطري. وَإِذا لم يكن حمّى نفع مَاء الْجُبْن بالسكنجبين كل يَوْم يشرب مَعَ وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم إهليلج أصفر وَوزن دِرْهَم لكّ(2/498)
مغسول وَنصف دِرْهَم بزر كرفس. وَإِذا فرغ مِنْهُ أسبوعين شرب لبن اللقَاح يَبْتَدِئ من رَطْل إِلَى رطلين وتطرح فِيهِ الْأَدْوِيَة المدرّة المفتحة المنفذة مثل شَيْء من عصارة الغافت أَو من بزر الهندبا وبزر الكشوث. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى شرب فقّاح الأذخر وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى سقِِي المخدرات والمعاجين الأفينونية والبنجية والفلونيا. وَأَنا أكره ذَلِك مَا وجد عَنهُ مَذْهَب. والشاب الْقوي رُبمَا كَفاهُ أَن يشرب المَاء الْبَارِد جدا على الرِّيق. وينفع مِنْهَا أَقْرَاص الطباشير وأقراص الأمبر باريس الْبَارِدَة وأقراص الكافور. وَمن الأقراص النافعة لَهُم قرص بِهَذِهِ الصّفة وَهُوَ مجرّب. ونسخته: يُؤْخَذ ورد الْخلاف وَورد النيلوفر من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم وَمن الْورْد الْأَحْمَر المنزوع الأقماع اثْنَا عشر درهما وَمن الكافور وزن دِرْهَمَيْنِ وَنصف وَمن الصندل الْأَحْمَر وَمن اللكّ المغسول بالأفاويه كَمَا يغسل الصَّبْر سَبْعَة سَبْعَة وَمن الفوفل ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَمن الزَّعْفَرَان ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الراوند خَمْسَة دَرَاهِم وَمن الطين القبرسي والمصطكي والبرسياوشان من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم يعجن بِمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الهندبا ويتخذ أقراصاً كل قرص مِثْقَال ويسقى مِنْهُ كل يَوْم قرص بِمَاء عِنَب الثَّعْلَب. وَقد ينفع من ذَلِك ضمّاد بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ الفرفير ويدق وَيجْعَل عَلَيْهِ دهن ورد ويبرد ويضمد بِهِ. أَو يُؤْخَذ من الصندلين أُوقِيَّة وَمن الفوفل والبنفسج الْيَابِس نصف أُوقِيَّة نصف أُوقِيَّة وَمن الْورْد أُوقِيَّة نصف وَمن الزَّعْفَرَان المغسول نصف أُوقِيَّة وَمن الأفسنتين ربع أُوقِيَّة وَمن الكافور وزن دِرْهَمَيْنِ يجمع إِلَى قيروطي متخذ بدهن الْخلاف ويطلى على شَيْء عريض وخصوصاً ورق القرع وورق الحماض وورق السلق ويضمّد بِهِ. وَقد يضمّد بعصارة الْبُقُول الْبَارِدَة مثل عصارة القرع والقثاء وَسَائِر مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب المشروبات وَيجْعَل فِيهَا سويق الشّعير وَسَوِيق العدس وَيصب عَلَيْهَا دهن ورد ويضمّد بهَا. وَرُبمَا جعل فِيهَا شَيْء من جنس الصندل والفوفل والكافور وَلَا يبعد أَن يَجْعَل فِيهَا شَيْء من جنس العطريات ومياه الْفَوَاكِه العطرة وَرُبمَا رش عَلَيْهَا شَيْء من ميسوسن فَإِنَّهُ نَافِع. فِي تغذيتهم: وَأما الأغذية الَّتِي يغذّون بهَا فَمثل مَاء الشّعير وسلاقات الْبُقُول الْمَذْكُورَة وَنَفس تِلْكَ الْبُقُول مطبوخة والهندبا مطبوخة بالكزبرة الرّطبَة والخسّ والسلق الْمَطْبُوخ والرائب الحامض وَمَاء اللَّبن الحامض وَلُحُوم الحلزونات وَمن الْفَوَاكِه الزعرور والسفرجل والكمّثري وَلَا يكثر من ذَلِك لِئَلَّا يفرط فِي الْقَبْض ويولّد السدد أَيْضا والتفاح والرَمان المزّ والحصرم الحامض وَيكسر قَبضه بِمَا فِيهِ تليين والتوت الشَّامي والريباس مَعَ كسر والخل بِزَيْت الْمُتَّخذ بِمَاء وَحب الرُّمَّان قبل الطَّعَام وَبعده والبطيخ الَّذِي لَيْسَ بمفرط الْحَلَاوَة لَا سِيمَا الَّذِي يعرف بالرقي والفلسطيني والهندي وَمَا كَانَ من هَذِه الْأَدْوِيَة فِيهِ مَعَ التبريد قبض فَيجب أَن لَا يواصل تنَاوله لما فِيهِ من إِحْدَاث السدد وَلَا بَأْس بالبطيخ الصلب الْقَلِيل الْحَلَاوَة وبالعنب الَّذِي فِيهِ صلابة لحم وَقلة(2/499)
وتنفعهم الْمَاشِيَة والقطفية والفرعية والاسفاناخية والعدسية محمّضة وَغير محمضة. وَمن النَّاس من يرخص لَهُم فِي الزَّبِيب وَيجب أَن يكون إِلَى حموضة. والبندق لَيْسَ فِيهِ تسخين كثير وَهُوَ فتاح للسدد جيد للغذاء فَيجب أَن يخلط بِمَا فِيهِ تبريد مَا. وينفعهم من اللحمان السّمك الصغار الْمَطْبُوخ بأسفيداج أَو بالخلّ والمصوصات والقرّيصات المتخذة من اللحمان اللطيفة كلحمان الجداء وَالطير الْخَفِيفَة الانهضام مثل لحم الحجل والورشان الْغَيْر المفرط السّمن والفاختة وينفعهم بطُون طير المَاء والأوز والدجاج محمّضة وَكَذَلِكَ العصافير محمضة. ويضرهم الكبد وَالطحَال وَالْقلب واللحوم الغليظة كلحوم التيوس والكباش والحيوانات العصبية والصلبة اللَّحْم. وَأما لحم الْبَقر الفتي قرّيصاً فينفع قوي الْمعدة والهضم مِنْهُم وَيَنْبَغِي أَن يجتنبوا الْبيض الَّذِي طبخ حَتَّى صلب أَو شوي وليجتنبوا الحسومات بإفراط. ويضرهم الشَّرَاب جدا إِلَّا أَن يكون لَا بُد مِنْهُ لعادة أَو ضعف هضم فَيجب أَن يسقوا الْقَلِيل الرَّقِيق الَّذِي إِلَى الْبيَاض فَإِن ذَلِك يَنْفَعهُمْ. فِي تَدْبِير المزاج الْبَارِد: مِمَّا ينفع هَؤُلَاءِ شرب شراب الأفسنتين بالسكنجبين العسلي وَقد ينفع بَارِد الكبد أَن ينَام لَيْلَة على أَقْرَاص الأفسنتين والبزور المسخنة الْمَعْرُوفَة أَشد الِانْتِفَاع. وَكَذَلِكَ ينْتَفع بِاسْتِعْمَال لبن اللقَاح الاعرابية لَا غير مَعَ وزن خَمْسَة دَرَاهِم إِلَى عشرَة دَرَاهِم من سكر الْعشْرَة فَإِن هَذَا يعدّل الكبد وَيخرج الأخلاط الْبَارِدَة إسهالاً وإدراراً وَيفتح السدد. وَأقوى من ذَلِك أَن ينَام على دَوَاء الكركم أَو دَوَاء لَك وأثاناسيا وَأَن يسْتَعْمل فِي الغشي دَوَاء الْقسْط والزنجبيل المربى بِمَاء الكرفس وأقراص الْقسْط واللكّ الْمَذْكُور فِي القراباذين وَيشْرب على الرِّيق من الغافت والأسارون وزن دِرْهَمَيْنِ ثمَّ يشرب عَلَيْهِ الْخمر. وَمن المطبوخات مطبوخ الْقسْط والأفسنتين الْمَذْكُور فِي القراباذين يشربه بدهن اللوز الحلو وزن دِرْهَمَيْنِ ودهن الفستق وزن دِرْهَمَيْنِ. وَأقوى من ذَلِك أَن يشربه بدهن الناردين. ودهن اللوز المرّ ودهن الخروع وَأَيْضًا مطبوخ بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته يُؤْخَذ بزر رازيانج وبزر كرفس وأنيسون ومصطكي دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ وَمن قشور أصل الكرفس وقشور أصل الرازيانج عشرَة عشرَة وَمن حشيش الغافت والأفسنتين الرُّومِي خَمْسَة خَمْسَة وَمن اللكّ وقصب الفريرة والقسط الحلو والمر والراوند ثَلَاثَة ثَلَاثَة وَمن فقاح الأذخر أَرْبَعَة يطْبخ بأَرْبعَة أَرْطَال مَاء إِلَى أَن يعود إِلَى النّصْف وَيشْرب مِنْهُ كل يَوْم أَربع أَوَاقٍ بدهن الفستق مِقْدَار دِرْهَم وَنصف دهن لوز حُلْو مِقْدَار دِرْهَمَيْنِ. وَقد يَنْفَعهُمْ أَن يضمّدوا بالأضمدة الحارة والمراهم الحارة مثل مرهم الأصطمحيقون وضمّاد فيلغريوس أَو ضمّاد إكليل الْملك والأضمدة المتخذة من مثل الْقسْط والمر والسنبل والناردين الرُّومِي والوجّ والحلبة والحلتيت وَنَحْو ذَلِك. وَهَذَا الضماد مجرب لذَلِك ونسخته: يُؤْخَذ أشنه أمبر باريس مصطكي إكليل الْملك سنبل(2/500)
أصُول السوسن الأسمانجوني ورد بِالسَّوِيَّةِ يهرى فِي دهن المصطكى طبخاً ويضمد بِهِ غدْوَة وَعَشِيَّة وَهُوَ فاتر فَإِنَّهُ نَافِع جدا. وَأَيْضًا ضمّاد جيد: يُؤْخَذ فقاح الأذخر وَحب البان ومصطكي وقردما وحماما من كل وَاحِد ثَلَاث درخميات صَبر وحشيش الأفسنتين وفقاح من كل وَاحِد سِتّ درخميات سنبل الطّيب وسليخة من كل وَاحِد درخميان إيرسما وورق المرزنجوش من كل وَاحِد ثَمَان درخميات أشق أَرْبَعَة وَعشْرين درخمي صمغ البطم كندر وصمغ البطم من كل وَاحِد اثْنَا عشر درخمي شمع رَطْل وَنصف دهن الْحِنَّاء قدر العجن. أُخْرَى: يُؤْخَذ حَماما أُوقِيَّة حب البلسان مثل قردمانا حناء مرّ كند زعفران من كل وَاحِد أُوقِيَّة وَنصف سنبل شَامي أوقيتان صمغ البطم ستّ أَوَاقٍ يحل الكندر والمقل فِي شراب ويحلّ الزَّعْفَرَان فِيهِ ويداف صمغ البطم فِي الناردين وتسحق الْأَدْوِيَة الْيَابِسَة وتخلط وَأَيْضًا: يُؤْخَذ السفرجل ودقيق الشّعير وشمع ومخ الْعجل ودهن الأفسنتين والورد والحنّاء والسنبل والزعفران والأسارون والايرسا والقرنفل والأشق والمصطكي وعلك الانباط وتقدر الْحَار والبارد مِنْهَا بِقدر الْحَاجة ويتخذ مرهماً. فِي تغذيتهم: وَأما الأغذية فليتناول لباب الْخبز الْحَار والمثرود فِي الشَّرَاب والمثرود فِي الخنديقون واللحوم الْخَفِيفَة من لُحُوم العصافير والقنابر والدجاج والحجل وبطون الأوز وخصوصاً جَمِيع ذَلِك مشوياً والقلايا الْبَارِدَة والكرنب الْمَطْبُوخ فِي المَاء ثَلَاث طبخات المبزر بالأبازير المسخنة كالدارصيني والفلفل والمصطكي والكمون وَنَحْوه وَيقطع عَلَيْهِ السذاب والاحساء الْمُتَّخذ من مثل الحلبة واللبوب الحارة. وَقد يَجْعَل فِي أغذيته الهندبا وخصوصاً الشَّديد المرارة وَمِنْهُم من قَالَ أَن الجاورس الشَّديد الطَّبْخ يَنْفَعهُمْ وَمَا عِنْدِي ذَلِك بصواب. وَأما النَّقْل من الْفَوَاكِه وَنَحْوهَا فَمثل الشاهبلوط وَالزَّبِيب السمين والفستق خَاصَّة وَمِنْهُم من قَالَ أَنه يجب أَن يجْتَنب الفستق واللوز لثقلهما على الْمعدة وَلَا يجب أَن يلْتَفت إِلَى قَوْله فِي الفستق. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ لحم الحلزون وخصوصاً مبزراً وَيجب أَن يجْتَنب الأسمان والألبان والفواكه الرّطبَة واللحمان الغليظة. فِي تَدْبِير المزاج الْيَابِس: يدبر بالمرطبات الْمَعْرُوفَة من الأغذية والبقول والأطلية والأضمدة والأشربة ويمال بهَا إِلَى الِاعْتِدَال أَو الْحر وَالْبرد بِقدر الْحَاجة وَمَعَ ذَلِك يجب أَن لَا يفرط فِي الترطيب حَتَّى لَا يُفْضِي إِلَى سوء الْقنية والترقل وَالِاسْتِسْقَاء اللحمي. فِي تَدْبِير المزاج الرطب: يدبر بالمرطبات الْمَعْرُوفَة من الأغذية والبقول والأطلية والأضمدة والأشربة ويمال بهَا إِلَى الِاعْتِدَال أَو الْحر وَالْبرد بِقدر الْحَاجة وَمَعَ ذَلِك يجب أَن لَا يفرط فِي الترطيب حَتَّى لَا يُفْضِي إِلَى سوء الْقنية والترقل وَالِاسْتِسْقَاء اللحمي. فِي تَدْبِير المزاج الرطب: يدبر بالرياضة وتقليل الْغذَاء ويتناول مَا(2/501)
فِيهِ تلطيف وتنشيف وخصوصاً مَا فِيهِ مَعَ التنشيف تجفيف وبتقليل شرب المَاء وَاجْتنَاب الألبان وَلَا يُبَالغ فِي التجفيف الْغَايَة فَيُؤَدِّي إِلَى الذبول. فِي تَدْبِير المزاج الْحَار الْيَابِس: يسْتَعْمل صَاحبه الأغذية الْبَارِدَة والرطبة والبقول الْبَارِدَة الرّطبَة وخصوصاً الهندبا ويجتنب مَا فِيهِ برد وَقبض شَدِيد. وَمِمَّا يَنْفَعهُ جدا لبن الأتان يشرب الضَّعِيف مِنْهُ إِلَى سَبْعَة أساتير مَعَ شَيْء من السكر الطبرزذ غير كثير وَالْقَوِي إِلَى عشرَة أساتير وَيسْتَعْمل المراهم والأضمدة الْبَارِدَة الرّطبَة وَمَعَ هَذَا كُله فَلَا يجب أَن يُبَالغ فِي الترطيب فَيبلغ بِهِ الارخاء. وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب الْأرز والكمون والتوابل والفستق الْكثير. وَأما الْقَلِيل من الفستق فَرُبمَا لم يضر للمناسبة ويجتنب اللحمان الغليظة والأعضاء الغليظة من اللحمان الجيدة كالكبد وَالطحَال. فِي تَدْبِير المزاج الْحَار الرطب: يسْتَعْمل المبردات الَّتِي فِيهَا قبض وتنشق مَا من الأغذية والأدوية. وَإِن كَانَ هُنَاكَ مواد اسْتعْمل أَيْضا مَا يلطفها وَإِن لم يكن فِيهَا نشف مثل مَاء الْجُبْن وَالسكر الطبرزذ أَو يُؤْخَذ من عصارة شَجَرَة عِنَب الثَّعْلَب والكاكنج قدر خمسين وزنة إِلَى أَرْبَعِينَ مَعَ مثقالين من صَبر للقوي وَأَقل من ذَلِك للضعيف أَو نصف مِثْقَال أيارج مَعَ استارين خِيَار شنبر مداف فِي سكرجة من مَاء عِنَب الثَّعْلَب أَو مَاء الهندبا أَو الْخِيَار الشنبر وَحده فِي مَاء الهندبا أَو مَاء الرازيانج أَو مَاء عِنَب الثَّعْلَب فَإِنَّهُ نَافِع. فِي تَدْبِير المزاج الْبَارِد الْيَابِس: يسْتَعْمل الأضمدة الحارة الدسمة اللينة من المراهم وَغَيرهَا وَيسْتَعْمل المعاجين الحارة مثل دَوَاء اللك ودواء الكركم معجوا قباذ الْملك وأمروسيا وأثاناسيا وقوقا وَمن معجون قبداديقون قدر حمص أَو باقلاة بِمَاء الْأُصُول الَّذِي يَقع فِيهِ الأدهان الرّطبَة وَيسْتَعْمل فِيهِ الشَّرَاب الرَّقِيق الْقوي وَإِذا كَانَ هُنَاكَ إعتقال اسْتعْمل حبا بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من السكبينج والأشق والجاوشير أَجزَاء سَوَاء وَمن بزر الكرفس والأنيسون من كل وَاحِد نصف وَربع بِمَ يتَّخذ مِنْهَا حب ويقتصر على السكبينج أَو السكبينج مَعَ وَاحِد مِنْهَا بِحَسب الْحَاجة وَيكون وزن الْوَاحِد أَو الِاثْنَيْنِ وزن الْجُمْلَة إِذا كَانَت الْأَدْوِيَة كلهَا مستعملة والشربة للضعيف مِثْقَال وللقوي مثقالان وَيجب أَن يُرَاعى كي لَا تقع مُبَالغَة فِي الارخاء. فِي تَدْبِير المزاج الْبَارِد الرطب: يسْتَعْمل من الأغذية والأدوية مَا فِيهِ حرارة وَقبض وتلطيف ونشف. وَإِن كَانَ هُنَاكَ مَادَّة استفرغتها بِمثل مَاء الْأُصُول الْقوي وَمثل الكاكنج وَمثل أيارج أركاغانيس استفراغاً باللطف ولطف التَّدْبِير وسخنه وَليكن غذاؤه من اللحمان الْخَفِيفَة بالأبازير وَالشرَاب الْقوي الرَّقِيق الصّرْف الْقَلِيل وَاسْتعْمل المعاجين الْكِبَار على مَا يُوجِبهُ الْوَقْت وَالْحَال وَاسْتعْمل الأضمدة المحللة من خَارج.(2/502)
فصل فِي صغر الكبد الكبد تصغر فِي بعض النَّاس وَرُبمَا كَانَت كالكلية صغرة وَيتبع صغرها أَن الْإِنْسَان إِذا تنَاول حَاجته من الْغذَاء لم تسعه الكبد وَأرْسلت الْمعدة إِلَيْهَا مَا تضيق عَنهُ فأحدث ذَلِك سدداً وآلاماً ثَقيلَة ممددة وأوهن قُوَّة الكبد فِي أفعالها لانضغاط قوتها الفاعلة تَحت قُوَّة المنفعل الْوَارِد عَلَيْهَا فاختلّ أَحْوَال الهضم والجذب والإمساك والتمييز وَالشَّفْع وَرُبمَا لزم من ذَلِك ذوب وَاخْتِلَاف لِأَن أَكثر الكيموس لَا ينجذب صَفوه إِلَى الكبد. العلامات: قد يدل عَلَيْهِ أَن يحدث عِنْد الكبد سدد ورياح كَثِيرَة ويثقل عَلَيْهَا الْغذَاء المعتدل الْقدر ويضعف الْبدن لِحَاجَتِهِ إِلَى غذَاء أَكثر ويدوم ضعف الهضم وَيكثر حُدُوث السدد والأورام وَمِمَّا يؤكده قصر الْأَصَابِع فِي الْخلقَة وَقد كَانَ الْإِنْسَان لَا يزرأ بدنه من الطَّعَام شَيْئا وَلَا يصعد إِلَيْهِ شَيْء يغتذيه فحدس جالينوس أَنه ممنو لصِغَر الكبد وضيق مجاريها فدبره بتدبير مثله. المعالجات: تَدْبِير هَؤُلَاءِ المداواة بالأغذية القليلة الحجم الْكَثِيرَة الْغذَاء السريعة النَّفاذ وَأَن تتَنَاوَل متفرّقة فِي مَرَّات وَأَن تسْتَعْمل الْأَدْوِيَة المدرة والمسهلة المنقّية للكبد والملطّفة والمفتحة. الْمقَالة الثَّانِيَة ضعف الكبد وسددها وَجَمِيع مَا يتَعَلَّق بأوجاعها فصل فِي ضعف الكبد قَالَ جالينوس: المكبود هُوَ الَّذِي فِي أَفعاله ضعف من غير أَمر ظَاهر من ورم أَو دبيلة لَكِن ضعف الكبد فِي الْحَقِيقَة يتبع أمراض الكبد وَذَلِكَ إِمَّا لسوء مزاج مُفْرد بِلَا مَادَّة أَو مَعَ مَادَّة مبدة. وَأمن الكبد نَفسهَا أَو من الْأَعْضَاء الْأُخْرَى الَّتِي بَينهَا وَبَينهَا مجاورة مثل المرارة إِذا صَارَت لَا تجذب الصَّفْرَاء أَو الطحال إِذا صَار لَا يجذب السَّوْدَاء أَو الْكُلية أَو المثانة إِذا كَانَتَا لَا يجذبان المائية أَو الرَّحِم لشدَّة النزف فتبرد الكبد أَو لشدَّة احتباس الطمث فَيفْسد لَهُ دم الكبد أَو الْمعدة إِذا لم ينفذ إِلَيْهَا كيموساً جيد الهضم بل كَانَ بعثها إِلَيْهَا كيوساً ضَعِيف الهضم أَو فَسَاده أَو بِسَبَب الأمعاء إِذا ألمت وَإِذا كثر فِيهَا خلط لزج فأحدث بَينهَا وَبَين المرارة سدّة فَلَا تفصل المرارة عَن الكبد وَبقيت ممتلئة فَلم تقبل مَا يتَمَيَّز إِلَيْهَا من الدَّم. وَهَذَا كثيرا مَا يحدث فِي القولنج أَو بِسَبَب مُشَاركَة الْأَعْضَاء الصدرية(2/503)
أَو من الْبدن كُله كَمَا يكون فِي الحميات. وَقد يكون لَا لسَبَب سوء المزاج وَحده. بل لورم دموي أَو حمرَة أَو صلابة أَو سرطان أَو ترهّل أَو قرحَة أَو شقّ أَو عفونة تعرض للكبد وَضعف الكبد الْكُلِّي يجمع ضعف جَمِيع قواها وَرُبمَا لم يكن الضعْف كلّياً بل كَانَ بِحَسب قُوَّة من قواه الْأَرْبَع. وَأكْثر مَا تضعف الجاذبة والهاضمة من الْبرد والرطوبة وتضعف الماسكة من الرُّطُوبَة والدافعة من اليبس. العلامات: إِن اللَّوْن من الْأَشْيَاء الَّتِي تدلّ فِي أَكثر الْأَمر على أَحْوَال الكبد فَإِن المكبود فِي أَكثر الْأَمر إِلَى صفرَة وَبَيَاض وَرُبمَا ضرب إِلَى خضرَة وكمودة كَمَا ذكرنَا فِي دَلَائِل الأمزجة. وَمن رَأَيْت لَونه على غَايَة الصِّحَّة بِلَا قلبة بكبده والطبيب المجرب يعرف المكبود والممعود كلا بلونه وَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى دلَالَة أُخْرَى مثلا وَلَيْسَ لذَلِك اللَّوْن اسْم يدل عَلَيْهِ مُنَاسِب خَاص. وَالْبرَاز وَالْبَوْل الشبيهان بِمَاء اللَّحْم يدلان فِي أَكثر الْأَمر على أَن الكبد لَيست تتصرّف فِي توليد الدَّم تصرّفاً قَوِيا فَلَا تميز مادته عَن الكيلوس وَلَا صَفوه عَن المائية. وَهَذَا فِي أَكثر الْأَمر دَلِيل على ضعف الكبد وَهَذَا الِاخْتِلَاف الغسالي فِي آخِره يتنوع إِلَى أَنْوَاع أخر فَيصير فِي الْحَار المزاج صديدياً ثمَّ يصير كالدردي وكالدم المحترق وَيكثر قبله إسهال الصَّفْرَاء الصّرْف وَفِي الْبَارِد المزاج يصير كَالدَّمِ المتعفن ويؤديان جَمِيعًا إِلَى خُرُوج أَشْيَاء مُخْتَلفَة الكيفيات والقوام وخصوصاً فِي الْبَارِدَة وَيكون كَمَا يعرض عِنْد ضعف هضم الْمعدة وَأكْثر من بِهِ ضعف فِي كبده يلْزمه وخصوصاً عِنْد نُفُوذ الْغذَاء وجع ليّن يَمْتَد إِلَى القصيرى. وَأما الأمزجة فيستدلّ عَلَيْهَا من الْأُصُول الْمَذْكُورَة فِي تعرّف سوء مزاج الكبد. والحار يَجْعَل الأخلاط متشيطة والبارد يَجْعَل الأخلاط غَلِيظَة بطيئة الْحَرَكَة. واليابس يَجْعَلهَا قَليلَة غَلِيظَة. وَالرّطب يَجْعَلهَا مائية. وَالَّذِي يكون بِسَبَب المرارة فقد يدلّ عَلَيْهِ اللَّوْن اليرقاني وَرُبمَا كَانَ مَعَه برَاز أَبيض إِذا كَانَت السدّة بَين المرارة والأمعاء. وَأما المعدي فيستدل عَلَيْهِ بالدلائل آفَات الْمعدة وَسُوء الهضم. والمعوي يسْتَدلّ عَلَيْهِ بالمغص والرياح والقراقر وبالقولنج وَمَا يُشبههُ. والكلي المثاني يسْتَدلّ عَلَيْهِ بِتَغَيُّر حَال الْبَوْل عَن الْوَاجِب الطبيعي وتميل السحنة إِلَى سوء الْقنية وَالِاسْتِسْقَاء وَالَّذِي يكون بِسَبَب الْأَعْضَاء(2/504)
الصدرية فيدلّ عَلَيْهِ سوء التنفس وسعال يَابِس وَرُبمَا وجد صَاحبه فِي المعاليق ثقلا وتمددا. وَأما عَلَامَات الأورام والصلابة والقرحة والشق وَغير ذَلِك فسنذكر كلا فِي مَوْضِعه فَيجب أَن نرْجِع إِلَيْهِ. وَأما دَلَائِل ضعف الْقُوَّة الهاضمة فَهُوَ أَن الْغذَاء النَّافِذ إِلَى الْأَعْضَاء يكون غير منهضم أَو قَلِيل الهضم أَو فَاسد الهضم مستحيلاً إِلَى كَيْفيَّة رَدِيئَة. وَكَثِيرًا مَا تتهيج لَهُ الْعين وَالْوَجْه وَيكون الدَّم الَّذِي يخرج بالفصد ضَارِبًا إِلَى مائية وبلغمية اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون من ضعف الماسكة فَلَا يمسك ريث الهضم. وشرّ الْأَصْنَاف أَن لَا ينهضم ثمَّ ينهضم قَلِيلا ثمَّ ينهضم رديئاً. قَالَ بَعضهم وَيتبع الْأَوَّلين اخْتِلَاف مُخْتَلف الْأَجْزَاء وَالثَّالِث اخْتِلَاف كدمّ عبيط. وَهَذَا كَلَام غير محصّل والغسالي من الِاخْتِلَاف يدل على ضعف الهضم مَعَ هضم قَلِيل. والأبيض الصّرْف يدل على أَن الجاذبة ضَعِيفَة جدا والهاضمة لست تهضم الْبَتَّةَ لَا سِيمَا إِذا خرجت كَمَا دخلت وَإِن خرجت أَشْيَاء مُخْتَلفَة دلّ على فَسَاد هضم وَالْبَوْل فِي هَذِه الْمعَانِي أدل على الهاضمة وَالْبرَاز على الجاذبة. وَأما دَلَائِل ضعف الجاذبة فكثرة البرَاز وَلينه وبياضه وَإِذا كَانَ مَعَ ذَلِك فِي الْبَوْل صبغ دلّ على أَن الآفة فِي الجاذبة فَقَط وخصوصاً إِذا لم يكن فِي الْمعدة آفَة ويؤكد ضعف الجاذبة هزال الْبدن. وَأما دَلَائِل ضعف الماسكة فدلائل ضعف الهاضمة لتقصير الْإِمْسَاك من حَيْثُ يتَأَدَّى إِلَى الْأَعْضَاء غذَاء غير مَحْمُود النضج وعَلى ذَلِك النَّحْو إِلَّا أَن ذَلِك عَن الهاضمة أَكثر وَعَن الماسكة أقل. وَيكون الَّذِي يخصّ الماسكة أَن الكبد يسْرع عَنْهَا زَوَال الامتلاء المحسوس بالثقل الْقَلِيل بعد نُفُوذ الْغذَاء. وَأما عَلَامَات ضعف الدافعة فَأن يقل تَمْيِيز الفضول الثَّلَاثَة ويقلّ الْبَوْل ويقل مَعَ ذَلِك صبغه وصبغ البرَاز وتقلّ الْحَاجة إِلَى الْقيام وَلَا تنْدَفع السَّوْدَاء إِلَى الطحال وتقل شَهْوَة الطَّعَام لذَلِك قطعا ويجتمع فِي اللَّوْن ترهّل مَعَ صفرَة وَسَوَاد مخلوطين ببياض. وَكَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء وَقد يُؤَدِّي أَيْضا إِلَى القولنج البلغمي. علاج ضعف الكبد: يجب أَن يتعرف السَّبَب فِي ضعف الكبد هَل هُوَ لمزاج أَو مرض آلي وَغير ذَلِك بالعلامات الَّتِي ذكرتها فيعالج كلا بالعلاج الْمَذْكُور فِيهِ. وَأكْثر ضعف الكبد يكون لبرد مَا ولرطوبة أَو يبوسة ولمواد رَدِيئَة محتبسة فِيهَا فَلذَلِك يكون أَكثر علاجه بالتسخين اللَّطِيف مَعَ تفتيح وإنضاج وتليين مخلوطاً بِقَبض مقوّ وَمنع العفونة وَأكْثر ذَلِك الْأَدْوِيَة العطرية الَّتِي فِيهَا تسخين وإنضاج وَقبض مثل الزَّعْفَرَان. وَقد ينفع أَيْضا الْأَشْيَاء الْمرة الَّتِي فِيهَا قَلِيل قبض فَإِنَّهَا بالحموضة تقوّي وتقطع وبالحلاوة تجلو وتفتح مثل حب الرُّمَّان ثمَّ تراعي جَانب الْحَرَارَة والبرودة بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ المزاج فيقرن بِهِ مَا يسخّن أَو يبرّد وَمن هَذَا الْقَبِيل الزَّبِيب بعجمه بعد جودة المضغ.(2/505)
وَإِذا دعَاك دَاع إِلَى تَحْلِيل فلازمه عَن الْقَبْض فِي أورام أَو سدد أَو غير ذَلِك إِلَّا أَن يكون هُنَاكَ مزاج يَابِس جدا وَرُبمَا افتقرنا باحتباس الْموَاد فِيهَا إِلَى الفصد والإسهال الْمُقدر بِحَسب الْمَادَّة إِن كَانَت بَارِدَة لزجة فبمثل الغاريقون وَإِن كَانَت إِلَى رقة قوام وحرارة مَا وَكَانَ هُنَاكَ سدد فبمثل عصارة الغافث والأفسنتين مخلوطاً بهما مَا يعين. وَرُبمَا كثر الإسهال والذرب فبادر الطَّبِيب إِلَى أدوية قابضة يجلب مِنْهَا ضَرَرا عَظِيما بل يجب فِي مثل ذَلِك أَن نستعمل المفتّحة والمقوّية بِقَبض معتدل وتفتيح صَالح وخصوصاً العطرية خُصُوصا مطبوخة فِي شراب ريحاني فِيهِ قبض. وَمن الْأَدْوِيَة الْمُشْتَركَة لأنواع ضعف الكبد وَيفْعل بالخاصية كبد الذِّئْب مجففاً مسحوقاً يُؤْخَذ مِنْهُ ملعقة بشراب. وَإِذا عولج الكبد بالعلاجات الْوَاجِبَة فَيجب أَن يقبل حِينَئِذٍ على لبن اللقَاح الْعَرَبيَّة. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة لضعف الكبد مَا نَحن واصفوه. ونسخته: يُؤْخَذ لَك مغسول راوند صيني ثَلَاثَة ثَلَاثَة عصارة الغافت بزر الرازيانج بزر السرمق خَمْسَة خَمْسَة أفسنتين رومي سِتَّة دَرَاهِم بزر الهندبا عشرَة دَرَاهِم بزر كشوث ثَمَانِيَة دِرْهَم بزر كرفس أَرْبَعَة دَرَاهِم يتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص أَو سفوف. وَمن الْأَدْوِيَة المحمودة الْمُقدمَة على غَيرهَا هَذَا الدَّوَاء. ونسخته: يُؤْخَذ زبيب منزوع الْعَجم خَمْسَة وَعِشْرُونَ مِثْقَالا زعفران مِثْقَال وَفِي بعض النّسخ نصف مِثْقَال سليخة نصف مِثْقَال قصب الذريرة مثقالان مقل الْيَهُود مثقالان وَنصف دارصيني مِثْقَال سنبل ثَلَاثَة مَثَاقِيل أذخر مثقالان وَنصف مر أَرْبَعَة مَثَاقِيل صمغ البطم أَرْبَعَة مَثَاقِيل دَار شيشعان مثقالان عسل سِتَّة عشر مِثْقَالا شراب قدر الْكِفَايَة. وَرُبمَا جعل فِيهِ أفيون وبزر البنج. وَزعم جالينوس أَن هَذَا الدَّوَاء مؤلف من الْأَدْوِيَة الْمُوَافقَة بخواصها للكبد فَمِنْهَا مَا يقبض قبضا معتدلاً مَعَ إنضاج وَمِنْهَا مَا يجفف وينقي الصديد الرَّدِيء وَمِنْهَا مَا يصلح المزاج الرَّدِيء وَمِنْهَا أدوية تضَاد العفونة. وأكثرها أفاويه عطرية كَالدَّارِ صيني والسليخة فَإِنَّهُمَا يضادان للعفونة ويصلحان المزاج ويدفعان السَّبَب الْمُفْسد وينشفان الصديد الرَّدِيء ويدفعانه ويقاومان الْأَدْوِيَة القتالة والسموم وَإِن كَانَ الدارصيني أقوى من السليخة. وَهَذَانِ الدواءان أقوى من جَمِيع الْأَدْوِيَة العطرية وَأما الدَّار شيشعان والزعفران فيجمعان إِلَى الْقَبْض إنضاجاً وتلييناً وإصلاحاً للعفونة. وَأما الزَّبِيب فقد جعل وَزنه أقل كسراً للحلاوة وليكون أوفق وَهُوَ من الْأَدْوِيَة الصديقة للكبد المشاكلة لَهَا وَهَذِه الصداقة من أفضل خَواص الدَّوَاء النافع وَفِيه أَيْضا إنضاج وتعديل للأخلاط وَهُوَ غير سريع إِلَى الْفساد. وَالشرَاب من الْأَدْوِيَة المرافقة مَا لم يكن مَانع سبق ذكره وَفِيه مضادة للعفونة وَالْعَسَل فِيهِ مَا علمت والمقل ملين منضج مُحَلل وَكَذَلِكَ علك البطم وَفِيه تفتيح(2/506)
وجلاء. وَالَّذِي يَقع فِيهِ الأفيون وبزر البنج فَهُوَ أَيْضا شَدِيد الْمَنْفَعَة إِذا كَانَ ضعف الكبد مُقَارنًا لحرارة. وَلذَلِك صَار الفلونيا مُشْتَرك النَّفْع لأصناف ضعف الكبد على نسخته. وَمن الْأَدْوِيَة النافعة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تسخين أَن يُؤْخَذ حن الناردين ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن الأفسنتين الرُّومِي جزآن ويسحقان ويعجنان بالعسل ويسقى مِنْهُ. وَمن الكمادات الْأَدْوِيَة العطرية الْمَعْرُوفَة مطبوخة بشراب ريحاني قَابض وَقد يخلط بهَا كعك وَيجْعَل فِيهَا دهن الناردين وَنَحْوه وَيُؤْخَذ بصوفة ويكمد بهَا. والضماد الْمَذْكُور فِي الأقراباذين فِيهِ حصرم وعساليج الْكَرم والورد وَجَمِيع مَا ذكرنَا فِي بَاب ضعف الْمعدة من الضمادات واللخالخ وضمادات مركبة من السعد والمصطكي والسنبل والكندر والسك والمسك وَجوز السرو وفقاح الأذخر والبزور الْمَعْرُوفَة ممزوجة بالميسوسن وَإِذا كَانَ ضعف الكبد لسَبَب الْحَرَارَة وَهُوَ مِمَّا يكون فِي الْقَلِيل دون الْغَالِب فَيجب أَن تَأْمُرهُمْ بِكُل السفرجل والتفاح الشَّامي والكمثري الصيني وَالرُّمَّان المر والحامض إِن لم يكن سدد كَثِيرَة. وَمَاء الهندبا وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب مِمَّا يَنْفَعهُمْ ويؤمرون بتناول مرقة السكباج مصفاة عَن دسمها متخذة بالكزبرة. وَإِن لم تكن الْحَرَارَة شَدِيدَة طيبت بالدارصيني والسنبل والمصطكي. ويوافقهم المصوصات المحشوة كزبرة رطبَة مَعَ قَلِيل نعناع. وَإِن لم تكن الْحَرَارَة شَدِيدَة جعل فِيهَا الأبازير الْمَذْكُورَة وَإِذا رَأَيْت تَأْثِير الضعْف فِي الكبد مُتَوَجها إِلَى الهاضمة قويت بِمَا فِيهِ قبض بِقدر وعطرية وَفِيه إنضاج مثل الْأَدْوِيَة الَّتِي يَقع فِيهَا سنبل وبسباسة وجوزبوا وكندر ومصطكي وقصب الفريرة وَسعد وَنَحْوه. وَإِن كَانَ مُتَوَجها إِلَى الماسكة زِدْت فِي التقوية وَالْقَبْض ونقصت من الاسخان أَو قربت بِمثل هَذِه الْأَدْوِيَة أدوية تقَابلهَا فِي التبريد مثل الجلنار والورد والطراثيث وَإِن كَانَ الضعْف فِي الجاذبة قويت بِمَا فِيهِ قبض أقل جدا بل بِمَا فِيهِ من الْقَبْض قدر مَا يحفظ قُوَّة الكبد وَلَكِن يكون فِيهِ عطرية وتسخين وَاجْتَهَدت فِي أَن تعالج بالضمادات والأطلية والمروخات فَإِنَّهَا أَشد مُوَافقَة فِي هَذَا الْموضع وَاجْتَهَدت أَيْضا فِي تفتيح السدد. وَإِن كَانَ الضعْف فِي الدافعة قوّيتها وسخنت الْكُلية والأحشاء بِمَا تعلم فِي بَابه وَفتحت المسام بِمَا تعلم. وَاعْلَم أَنه قد يكون كل ضعف من كل سوء مزاج فَرُبمَا كَانَ الْوَاجِب أَن تبرد حَتَّى تهضم وَحَتَّى تجذب فَتَأمل سوء المزاج الْغَالِب قبل تأملك للضعف لَكِن أَكثر مَا يَقع بِسَبَبِهِ التَّقْصِير فِي الهضم هُوَ الْبرد وَكَذَلِكَ فِي الجذب. وأوفق الأغذية مَا لَيْسَ فِيهِ غلظ لزوجة كاللحمان الْخَفِيفَة وَالْحِنْطَة الْغَيْر العلكة وَمَاء الشّعير للمحرور على حَاله وللمبرود بالعسل ومخ الْبيض نيمرشت وَمَا أشبه ذَلِك. وَمن الباجات النافعة لَهُم حب رمانية بالزيت إِذا طيّب بالدارصيني والفلفل. وَالزَّبِيب السمين نَافِع لَهُم جدا حَتَّى أَنه يمْنَع الإسهال الشبيه بِمَاء اللَّحْم.(2/507)
فصل فِي سدد الكبد السدد قد تعرض فِي خلل لحمية الكبد لغلظ الدَّم الَّذِي يغذوها ولضعف دافعتها أَو لشدَّة جاذبتها. وَقد يعرض فِي الْعُرُوق الَّتِي فِيهَا إِمَّا لضيقها لخلقتها أَو يعرض من تقبض وَنَحْوه أَو لالتوائها لخلقة وَإِمَّا لسَبَب مَا يجْرِي فِيهَا. وَأكْثر مَا يكون من هَذَا الْقَبِيل يكون فِي شعب الْبَاب لِأَن الْمَادَّة السَّادة يتَّصل إِلَيْهَا أَولا ثمَّ يَنْقَضِي عَنْهَا إِلَى فوهات الْعُرُوق المتشعبة من الْعرق الطالع وَقد خلفت الثفل هُنَاكَ فَلذَلِك أَكثر السدد إِنَّمَا تكون فِي جَانب التقعير وَرُبمَا أدّى الْأَمر إِلَى أَن تحدث سدد فِي المحدب. والسدد إِذا كثرت وَطَالَ زمانها فِي الكبد أدَّت إِلَى عفونات تحدث حمّيات وَإِلَى أورام تُؤدِّي والمادة الَّتِي تولّد السدّة أما خلط يسدّ لغلظه أَو لزوجته أَو لكثرته والامتلاء مِنْهُ. وَإِمَّا ورم وَإِمَّا ريح وَإِمَّا كَيْفيَّة مقبضة وَأما مَا يذكر من نَبَات لحم أَو ثؤلول أَو وقُوف شَيْء على الْخَلْط الغليظ فبعيد أَو قَلِيل نَادِر جدا وَذَلِكَ لِأَن فوهات الأوردة عصبية لَا ينْبت على مثلهَا شَيْء وَهِي كَثِيرَة. فَإِن نبت لم يعمّ الْجَمِيع على قِيَاس وَاحِد. وَأما الْفَاعِل للسدة فضعف الهضم والتمييز وَضعف الدّفع لسوء مزاج حَار أَو بَارِد وَغير ذَلِك متولد فِيهِ ومتأد إِلَيْهِ من خَارج من هَوَاء وَغَيره. وَأما المنفعل الَّذِي هُوَ مَادَّة السدة فالمتناولات الغليظة من اللحمان وَمن الطير خَاصَّة وَمثل المشتهيات الْفَاسِدَة والفحم والجص والأشنان وَالْفطر وأجناس من الكمثوي وَمثل الزعرور وَمَا أشبهه وَالْأَصْل فِيهِ غلظه فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ بَارِدًا لطيفاً رَقِيقا فَلم يحدث سدة. وَرُبمَا كَانَ حاراً غليظاً حرارته بِحَسب غلظه فأورث السدة وَقد كُنَّا قُلْنَا فِيمَا سلف أَن الشَّيْء رُبمَا كَانَ غليظاً بِالْقِيَاسِ إِلَى الكبد وَلَيْسَ غليظاً بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا بعْدهَا إِذا انهضم فِي الكبد كالحنظة العلكة. وَكَثِيرًا مَا تقوى الطبيعة على دفع الْموَاد السَّادة أَو يعينها عَلَيْهِ علاج فَيخرج إِمَّا فِي البرَاز إِن كَانَت السدة فِي الْجَانِب المقعر وَإِمَّا فِي الْبَوْل. إِن كَانَت السدة فِي الْجَانِب المحدب وَتظهر أخلاط مُخْتَلفَة غَلِيظَة. العلامات: جملَة عَلَامَات السدد أَن لَا يجذب الكبد الكيلوس لِأَنَّهُ لَا يجد منفذاً وَلِأَن الْقُوَّة الجاذبة لَا محَالة يُصِيبهَا آفَة فيِلزِم ذَلِك أَمْرَانِ أحِدهما فِيمَا ينْدَفع وَالْآخر فِيمَا يحتبس وَالَّذِي ينْدَفع أَن يكون رَقِيقا كيلوسياً. وَكَثِيرًا. أما الرقة فَلِأَن المائية والصفوة لم يجدا طَرِيقا إِلَى الكبد وَأما الكيلوسية فَلِأَن الكبد لم يكن لَهَا فعل فِيهَا فيحيلها من الكيلوسية إِلَى الدموية. وَأما الْكَثْرَة فَلِأَن مَا كَانَ من شَأْنه أَن ينْدَفع إِلَى البرَاز ثفلاً قد انضاف إِلَيْهِ مَا كَانَ(2/508)
من شَأْنه أَن ينفذ إِلَى الكبد فيستحيل كثير مِنْهُ دَمًا وينفصل كثير مِنْهُ مائية وينفصل بعض مِنْهُ صفراء وَبَعضه سَوْدَاء وكل هَذَا قد انضاف إِلَى مَا كَانَ من شَأْنه أَن يبرز برازاً فَكثر ضَرُورَة. وَأما الَّذِي يلْزم فِيمَا احْتبسَ فِيهِ فالثقل المحسوس فِي نَاحيَة الكبد وَذَلِكَ لِأَن المندفع إِلَى الكبد إِذا حصل فِيهَا قبل أَن ينْدَفع عَنْهَا إِلَى غَيرهَا وَلَو إِلَى البرَاز ثَانِيًا وَإِن كَانَ لَا ينْدَفع إِلَى غَيره أصلا فَإِنَّهُ يكثر ويمتلئ مِنْهُ مَا ينفذ فِيهِ إِلَى السدّ الحابس عَن النّفُوذ ويثقل فَكيف إِذا كَانَ لَا ينْدَفع والثقل لَا يكون فِي الورم أَيْضا. لكنه إِذا كَانَ هُنَاكَ ورم كَانَ الثّقل فِي جنبه الورم فَقَط وَلم يكثر وَلم يكن شَدِيدا جدا لَكِن الوجع يكون أَشد مِنْهُ وَفِي السدد الْخَالِصَة الَّتِي لَا يكون مَعهَا سَبَب آخر لَا يكون وجع شَدِيد فَإِن كَانَ فشيء قَلِيل وَلَا يكون حمّى. وَقد يدل على الورم دَلَائِل الورم وَمَا يخرج من جَانب الْبَوْل وَالْبرَاز وَغير ذَلِك مِمَّا يُقَال فِي بَاب الأورام. وَصَاحب السدد يكون قَلِيل الدَّم فَاسد اللَّوْن وَإِذا كَانَ هُنَاكَ ريح دلّ عَلَيْهِ مَعَ الثّقل تمدد مثقل. وَأما الَّذِي يكون على سَبِيل الْقَبْض فيدلّ عَلَيْهِ تقدّم الْأَسْبَاب القابضة مثل شرب الْمِيَاه القابضة جدا وَيدل عَلَيْهِ اليبس الظَّاهِر فِي الْبدن وَقد يتبع السدد عسر فِي النَّفس أَيْضا بمشاركة أَعْضَاء النَّفس للكبد. علاج السدد: الْأَدْوِيَة الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِي علاج سدد الكبد الْحَادِثَة عَن الأخلاط هِيَ الْأَدْوِيَة الجالية وَالَّتِي فِيهَا إِطْلَاق معتدل وإدرار بِحَسب الْحَاجة وَإِذا كَانَت السدد فِي الْجَانِب المقعر اسْتعْمل مَا يُطلق وَإِذا كَانَت فِي المحدب اسْتعْمل مَا يحرّ. والأجود أَن يقدم عَلَيْهَا مَا يفتح وَيقطع ويجلو. وَإِذا أزمنت السدد احْتِيجَ إِلَى فصد من الباسليق وَإِلَى مسهّل وَأما وَقت السَّقْي وَمَا يجب أَن يُرَاعى بعد السَّقْي من مثل مَاء الْأُصُول وَنَحْوه فقد ذكر فِي القانون الْكُلِّي. وَهَذِه الْأَدْوِيَة الجالية رُبمَا سقيت فِي أصُول الهندبا ومائه أَو فِي مثل لبن اللقَاح الْعَرَبيَّة الْمَعْلُومَة مثل الرازيانج والهندبا والشيح والبابونج والأقحوان والأذخر والكشوث والشاهترج أَو فِي الشَّرَاب أَو فِي طبيخ البزور أَو طبيخ الأفسنتين وَإِن لم ير فِي الْبَوْل رسوب ظَاهر وعلامة وَأما إِذا كَانَ السَّبَب ورماً أَو ريحًا فَيجب أَن يعالج السَّبَب بِمَا يذكر فِي بَابه وَينْتَفع فِي مثله بسقي لبن اللقَاح وإعقابه بالإسهال بالبقول وَالْخيَار شنبر وَنَحْوه وبإدرار لطيف بِمَاء لَيْسَ فِيهِ تهييج وحرارة مِمَّا نذْكر فِي بَابه. وَإِن كَانَ السَّبَب ضيقا فِي الْخلقَة وَفَسَاد وضع فِي هَذِه الْعُرُوق دبر بتدبير مُنَبّه صغر الكبد وَإِن كَانَ لتقبض حدث ويبس دبر بالملينات المفتحة من الألبان وَغَيرهَا مِمَّا ذكر فِي بَاب ترطيب الكبد. والأدوية المفتحة مِنْهَا بَارِدَة وَمِنْهَا قريبَة من الِاعْتِدَال وَمِنْهَا حارة يحْتَاج إِلَيْهَا فِي المزمنات.(2/509)
فَأَما الْبَارِدَة فَمثل الهندبا البستاني والبري وَمثل الطرحشقوق وَمَاء لِسَان الْحمل مَعَ وورقه وأصوله وَجَمِيع مَا يدرّ مَعَ تبريد. والكشوث مفتّح جيد وَلَيْسَ ممعناً فِي الْحر والراوند كَذَلِك والأفسنتين أَيْضا. وَإِن كَانَت فِيهِ حرارة مَا فَلَا بَأْس بِاسْتِعْمَالِهِ فِي السدد المقاربة للحرارة والبرودة جَمِيعًا فَيجب الإدمان عَلَيْهِ أَو على طبيخه وخصوصاً فِي مَاء الكشوث وَمَاء الهندبا وَأَصله والغافت واللوز المرّ فَإِنَّهَا كلهَا مُتَقَارِبَة وَيقرب من هَذَا عصارة الرازيانج الرطب وعصارة الكرفس بالسكنجبين الْقوي البزور. وَإِن احْتِيجَ إِلَى حرارة أَكثر فبالعسل ومائه والسكنجبين العسلي وَأما الْقَرِيبَة من الِاعْتِدَال فالترمس فَإِنَّهُ أفضل دَوَاء يُرَاد بِهِ تفتيح الكبد من فِي إسخان أَو تبريد. والكمافيطوس يقرب مِنْهُ إِلَّا أَنه أسخن مِنْهُ قَلِيلا وَإِن سقّي بِمَاء الهندبا اعتدل وخلّ العنصل والسكنجبين العنصلي والهليون وأصل السوسن من هَذَا الْقَبِيل. واللكّ أَيْضا وَهَذِه تسقى بِحَسب الْوَاجِب إِمَّا بِمثل مَاء الهندبا أَو مَاء الكشوث إِن كَانَ المزاج إِلَى حرارة أَو بِالشرابِ وَمَاء البزور وَمَاء الترمس وطبيخ الأفسنتين وَنَحْوه والسكنجبينات البزورية على طبقاتها وخل الثوم وخلّ الأنجدان وخلّ الزيز وخل الْكبر. وَأما الَّتِي إِلَى الْحَرَارَة فالمدرات القوية مثل الأسارون والسليخة وَفطر أساليون والزراوند المدحرج والفوّة والإيرسا والفستق والغاريقون والأفتيمون والعنصل والمجعد والقنطوريون الدَّقِيق وعصارته والجنطيانا والترمس والسكنجبين العسلي العنصلي الَّذِي يتَّخذ بِالْقُوَّةِ وَنَحْوه والتين المنقوع فِي دهن اللوز. وَمن الْأَدْوِيَة المركّبة القوية أَقْرَاص عدَّة ذكرنَا نسختها فِي الأقراباذين مثل أَقْرَاص اللك والأفسنتين وأقراص اسقولوقندريون ودواء اللك ودواء الكركم وأمروسيا والأثاناسيا وترياق الْأَدْوِيَة وترياق الْأَرْبَعَة وشجرينا وارسطون ومعجون جنطيانا ومعجون الراوند بسقمونيا أَو بِغَيْر سقمونيا ومعجون فيحارسطرس ومعجون الانجدن الْأسود والشهرياران والمعجون الفلفلي والفودنجي خَاصَّة والفلوبيا ودواء الْمسك المر ومعجون ذَكرْنَاهُ فِي الأقرباذين يتَّخذ من الْمسك وسفوفات وحبوبات ذَكرنَاهَا هُنَاكَ وأدوية ذَكرنَاهَا فِي بَاب صلابة الطحال والكبد. وَهَذَا المعجون الَّذِي(2/510)
نذكرهُ قوي فِي تفتيح سدد الكبد وَالطحَال وَعَجِيب فِي الْغَايَة. ونسخته: يُؤْخَذ أشق أُوقِيَّة مصطكي وكندر من كل وَاحِد خمس كرمات قسط وغافث من كل وَاحِد أَربع كرمات فلفل وَدَار فلفل من كل وَاحِد سِتّ درخميات ساذج ثَمَان كرمات سنبل الطّيب وبعر الأرنب من كل وَأحد تسع كرمات يعجن بِعَسَل منزوع الرغوة والشربة ملعقة فِي شراب أَنْفَع فِيهِ بعض الْأَدْوِيَة السددية أَو فِي مَاء الْأُصُول. أُخْرَى: مِمَّا هُوَ أخص عَن ذَلِك وَهُوَ أَن يُؤْخَذ من السنبل الرُّومِي ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن الأفسنتين جُزْء ويدق ويعجن بِعَسَل وَيُعْطِي. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ غاريقون مَعَ عصارة الغافت نافعة جدا. وَمن ذَلِك أَن يسْقِي أصُول الفاوانيا مَعَ السكنجبين فَإِنَّهُ نَافِع وَهَذِه صفة دَوَاء نَافِع من سدد الكبد وَالطحَال. ونسخته: يُؤْخَذ العنصل والبرشياوشان واللوز المر والحلبة وأطراف الأفسنتين أَجزَاء سَوَاء يطْبخ وَيُؤْخَذ طبيخه مَعَ عسل. صفة معجون نَافِع من سدد الكبد الْقَرِيبَة الْعَهْد: وَهُوَ أَن يُؤْخَذ من الفلفل أُوقِيَّة وَنصف وَمن السنبل الطّيب ثَلَاث كرمات أَو سِتّ بِحَسب اخْتِلَاف النّسخ وَمن الحلبة وَمن الْقسْط وَمن الأشق والأسارون سِتّ كرمات وَمن الْعَسَل وَمن الْأَشْرِبَة السكنجبين السكرِي الْبزورِي وَأقوى مِنْهُ العسلي الْبزورِي والعنصلي وَمَاء العسلي الْمَطْبُوخ فِيهِ الأفاويه العطرة الَّتِي فِيهَا قبض طبخاً قَوِيا ومطبوخ الترمس المرّ وَقد جعل فِيهِ عصارة الغافت ومطبوخ جعل فِيهِ أصل الْكبر وأصول الرازيانج وأصل الكرفس والأذخر ولكّ والفوّة والحلبة ومطبوخ الغافت وشراب الأفسنتين ونقيعه والنقيع الْمُتَّخذ من الصَّبْر والأنيسون واللوز المر. وَأما المسهّلات الْمُوَافقَة لهَذَا الْبَاب حِين مَا يحْتَاج إِلَى إسهال فَلَا يجب أَن يسْتَعْمل مِنْهَا الْقوي إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة الشَّدِيدَة بل يجب أَن تكون خَفِيفَة لِأَن الْمَادَّة فِي الْقرب من الدَّوَاء وَلِأَن الْعُضْو إِن كَانَ فِيهِ قُوَّة كَفاهُ أدنى معِين على الدّفع. وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة لهَذَا الشَّأْن أيارج فيقرا والبسفايج والغاريقون والافسنتين يسقى من أيارج فيقرا للقوي إِلَى مِثْقَال وَنصف وللضعيف إِلَى مِثْقَال وَهُوَ بدهن الخروع أقوى وأجود. وسفوف التربد مَعَ الجعدة الْمَذْكُورَة فِي الأقرباذين نَافِع جيدا فَإِنَّهُ يفتح ويسهّل مَعًا. وَإِذا احْتِيجَ إِلَى مسهّلات أقوى لم يكن بُد من مثل حبّ الاصطمخيمّون وَحب السكبينج وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مثل التيادريطوس واللوغاديا. وَأما الأضمدة النافعة: فَمثل الضماد الْمُتَّخذ من الجعدة ودقيق الترمس والبزور المدرة وَمثل الضماد الْمُتَّخذ من الحلتيت والأشق والأفسنتين وكمافيطوس ومصطكي والزعفران بدهن وَأما تَدْبِير الْغذَاء فَيجب أَن يجْتَنب كل غليظ من اللحمان وَالْخبْز الفطير وَالْخبْز الْمُتَّخذ من سميذ لزج علك وَالشرَاب الغليظ والحلو والأرز والجاورس والأكارع والرؤوس والقلايا المجففة والأدوية المجففة بل الْمَطْبُوخ أوفق لَهُ وَالتَّمْر(2/511)
والحلاوات كلهَا خُصُوصا مَا فِيهَا لزوجة وغلظة كالأخبصة والهبط والفالوذج والقطايف ويجتنب جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا يولّد السدد وَيجب أَن لَا يعقب طَعَامه الْحمام فتجتلبه الطبيعة وَلما ينهضم. وَكَذَلِكَ يجب أَن لَا يسْتَعْمل عَلَيْهِ حَرَكَة وَلَا رياضة وَلَا تشرب عَلَيْهِ كثيرا وَيبعد من الْأكل وَالشرب خُصُوصا شرب الشَّرَاب فَإِنَّهُ يدْخل الطَّعَام على الكبد غير منهضم وَيجب أَن يكن عجين خبزه كثير الخمير وَالْملح مدْركا وَالشعِير والخندروس والحمص وَالْحِنْطَة الْخَفِيفَة الْوَزْن والباقلى كلهَا جَيِّدَة لَهُ وَلَا بَأْس بِالشرابِ الْعَتِيق الرَّقِيق الصّرْف وَيجب أَن يخلط فِي أغذيته الكرّاث وَنَحْوه والهليون نَافِع لَهُ وَالْكبر وَغير ذَلِك من الْأَدْوِيَة مَا أَنْت تعلمهَا. فصل فِي النفخة وَالرِّيح فِي الكبد قد يجْتَمع فِي أَجزَاء الكبد وتحث أَجزَاء غشائه بخارات فَإِذا احْتبست وكثفت واستحالت ريحًا نافخة لَا تَجِد منفذاً إِمَّا لكثرتها وَإِمَّا السدد فِي الكبد فَذَلِك هُوَ النفخة فِي الكبد. وَقد يحسّ مَعَه بتمدد كثير وَلَا يكون مَعَه ثفل كثير كَمَا فِي الورم والسدد وَلَا حمّى كَمَا يكون فِي الورم. وَيحدث إِمَّا لضعف الْقُوَّة الهاضمة أَو لِأَن الْمَادَّة الغذائية أَو الخلطية من شَأْنهَا أَن تهيّج ريحًا وَرُبمَا كَانَت هَذِه الرّيح محتبسة تَحت الكبد كَمَا تحتبس تَحت الطحال فيحرّكه الغمز وَيحدث القراقر. وَأكْثر مَا يدلّ على الرّيح تمدد يَبْتَدِئ ثمَّ يزِيد وَفِيه انْتِقَال مَا وَلَا يتبعهُ تغير حَال فِي السحنة واللون خَارج عَن الْمُعْتَاد وَرُبمَا سكن الغمز والنفخة وحلّلها وبدّد مادتها. العلاج: يقرب علاجه من علاج السدد وبالأدوية الملطّفة المحللة الْمَذْكُورَة فِيهِ والمعجونات الْمَذْكُورَة وينفع مِنْهُ الحمّام على الرِّيق وَالشرَاب الصُّوف الرَّقِيق على الرِّيق وَقلة شرب المَاء الْبَارِد والتكميدات بالخرق المسخّنة وبالأفاويه المحللة والضمّاد الْمُتَّخذ بالمصطكي والأذخر والسنبل وَحب البان والمراهم المتخذة من مثل دهن الناردين والمصطكي بالبزور. فَإِن كَانَ التكميد يُحَرك فَيجب أَن يُرَاعِي جَانب الْمُشَاركَة فَإِنَّهُ إِن امْتَدَّ الوجع إِلَى جَانب المعي أسهلت أَولا ثمَّ حلّلت الرّيح وَإِن امتدّ الْحجاب والشراسيف إِلَى خلف اسْتعْملت المدرات أَيْضا ثمَّ محللات الرِّيَاح حَسْبَمَا أَنْت تعلم ذَلِك.
(فصل فِي وجع الكبد)
الكبد يحدث بهَا وجع إِمَّا من سوء مزاج مُخْتَلف فِي نَاحيَة غشائها إِمَّا من ريح ممدة(2/512)
وَإِمَّا من سدد وَإِمَّا من أورام حارة أَو صلبة إِذْ كَانَت الأورام البلغمية قَلما تحدث وجعاً وَقد يكون لحركة الأخلاط فِي البحرانات وَيعرف جِهَتهَا من الدَّلَائِل الْمَعْلُومَة فِي الإنذارات وَقد يكون من الضعْف فَلَا تحْتَمل مَا يصير إِلَيْهَا من الْغذَاء فتتأدى بِهِ لفافتها وَقد يحدث فِي حركات الْموَاد البحرانية فَيحدث ثقلاً ووجعاً فِي نواحي الكبد والوجع الشَّديد جدا إِلَّا أَن يكون من ورم حَار شَدِيد أَو من ريح فَلذَلِك إِذا لم تكن حمّى وَكَانَ وجع شَدِيد فسببه الرّيح وَلذَلِك مَا كَانَت الحمّى الطارئة عَلَيْهَا تحللها كَمَا ذكر أبقراط وَقد ذكر أبقراط فِي كتاب مَنْسُوب إِلَيْهِ يَزْعمُونَ أَنه وجده فِي قَبره أَنه إِذا عرض وجع فِي الكبد مَعَ حكة شَدِيدَة فِي القمحدوة ومؤخر الرَّأْس وإبهامي الرجلَيْن وَظهر فِي الْقَفَا شَيْء شَبيه بالباقلا مَاتَ العليل فِي الْخَامِس قبل طُلُوع الشَّمْس. وَمن عرض لَهُ هَذَا اعتراه عسر الْبَوْل للسدّة مَعَ تقطير لآفة فِي العضلة. أَقُول أَنه يشبه أَن تكون المائية الخبيثة إِذْ لَا تنْدَفع فِي الْبَوْل ينفذ بِوَجْه من الْوُجُوه النّفُوذ فِي الْأَطْرَاف فَيحدث بمرارتها وبورقيتها حكّة شَدِيدَة. العلامات: قد علمت عَلامَة كل شَيْء مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي بَابه. المعالجات: قد ذكر أَيْضا لكل شَيْء فِي بَابه لَكِن النَّاس قد ذكرُوا لأوجاع الكبد أدوية ذكرُوا أَنَّهَا تَنْفَع مِنْهَا قولا مُطلقًا وَأكْثر نَفعهَا فِي النَّوْع الضعفي مِنْهَا وَنحن نورد بَعْضهَا. والمعول على مَا ذَكرْنَاهُ قَالُوا ينفع من ذَلِك أَقْرَاص الراوند بنسخها الْمُخْتَلفَة ومعجون الراوند ودواء الكركم ومعجون السذاب المسهل ومعجون قردمانا ومعجون فودبانوس ومعجون قَيْصر وأثاناسيا الصَّغِير وَالْكَبِير والتمري قوينا ومعجون أسفلينيارس وأقراص الْعشْرَة ومعجون جالينوس الْمَنْسُوب إِلَى قومامت. قَالُوا: وَمِمَّا ينفع مِنْهُ أوقيتان من عصارة ورق الصنوبر العفص بالسكنجبين أَو سلاقته مَعَ الراوند وزن نصف دِرْهَم والزعفران وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمَعَ شَيْء من بزر الكرفس والرازيانج. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الْورْد أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن السنبل والمصطكي دِرْهَمَانِ دِرْهَمَانِ من عصارة الغافت وعصارة الأفسنتين واللك والراوند والزعفران وفقاح الأذخر وفوة الصَّبْغ والأسارون والبزور الثَّلَاثَة وَالْعود الخام من كل وَاحِد وزن دِرْهَم ثمَّ عود البلسان وزن نصف دِرْهَم وَإِذا كَانَ وجع مَعَ إسهال فقد وصفوا هَذَا الدَّوَاء. ونسخته: يُؤْخَذ دردري الْخلّ الْمَطْبُوخ وَلَك وراوندصيني وسنبل من كل وَاحِد مِثْقَال خبث الْحَدِيد وزن(2/513)
سَبْعَة دَرَاهِم يشرب على أوقيتين من مَاء الكزبرة وَيجب فِي جَمِيع ذَلِك هجر الغليظ من الأغذية واللحمان ويقتصر على الْخَفِيف اللَّطِيف من الطُّيُور وَغَيرهَا كَمَا علمت وخصوصاً إِذا كَانَت هُنَا حرارة. وَمن الأضمدة ضماداً لقردمانا وضماد الفربيون وضماد كليل الْملك الْمقَالة الثَّالِثَة أورام الكبد وتفرق اتصالها فصل فِي قَول كلي فِي أورام الكبد وَمَا يَليهَا الأورام الْحَادِثَة فِي نواحي الكبد مِنْهَا مَا يحدث فِي نفس الكبد وَمِنْهَا مَا يحدث فِي العضلات الْمَوْضُوعَة عَلَيْهَا وَمِنْهَا مَا يحدث فِي الماساريقا. وَالَّذِي يحدث فِي نفس الكبد فَمِنْهُ مَا يحدث فِي أَجْزَائِهَا الْعَالِيَة وَإِلَى الْجَانِب المحدب وَمِنْه مَا يحدث فِي أَجْزَائِهَا السافلة وَإِلَى الْجَانِب المقعر وَمِنْهَا مَا يحدث فِي حجبها وأغشيتها وَفِي عروقها. وَهَذَا الْقسم فِي الأقلّ وَرُبمَا عَم الورم أصنافاً من أَجْزَائِهَا ثمَّ الورم نَفسه لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون فلغمونيا دبيلة وَغير دبيلة أَو صفراوياً أَو بلغمياً أَو صلباً سرطانياً وَغير سرطاني وَإِمَّا نفخة ريحية. وَأَسْبَاب ذَلِك مزاج حَار مَعَ حميات منهكة أَو بِغَيْر حميات أَو مزاج بَارِد يمْنَع الهضم وَالدَّفْع أَو ضعف فِي الْمعدة أَو سدة تجمع الأخلاط ثمَّ تنفذها فِي أَجزَاء الكبد تنفيذاً غير طبيعي. والصفراء أَيْضا نَحْو ذَلِك من أَسبَاب هَذِه السدة وَإِذا كَانَت السدة إِلَى جَانب المرارة جعلت الدَّم يغلي ويتشرب فِي أَجزَاء الكبد تشرباً غير طبيعي لِكَثْرَة المرار. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن كَثْرَة المرار إِحْدَى أَسبَاب ورم الكبد الْحَار وَرُبمَا كَانَ لمشاركة الْمعدة فَيفْسد الهضم والأغذية المسخنة والغليظة وَالَّتِي لَا تنهضم جيدا مُعينَة على حُدُوث الأورام فِي الكبد وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الكبد شَدِيدَة الجذب فتجذب فَوق الَّذِي يَنْبَغِي ويتبعه مِمَّا حَقه أَن ينْدَفع شَيْء صَالح فيهيئ الورم وَقد يحدث لضربة أَو وثى وكل ورم. فِي الكبد متخزّن فَإِنَّهُ إِن كَانَ من جَانب التحديب كَانَ بحرانه بعرق أَو إدرار أَو رُعَاف. وَإِن كَانَ من جَانب التقعير فبحرانه بعرق أَو قيء أَو إسهال. والورم الَّذِي فِي الحدبة أردأ من الَّذِي عِنْد التقعير وكل ورم يحصل فِي الكبد حَار أَو بَارِد فَإِنَّهُ بِمَا يسد لَا يخلي إِلَى الْبدن إِلَّا دَمًا مائياً وَمَعَ ذَلِك يضعف الكبد عَن تَمْيِيز المائية وَمَعَ ذَلِك فيحتبس كثيرا من المائية فِي الماساريقا. وَهَذِه هِيَ سَبَب الاسْتِسْقَاء(2/514)
اللحمي والزقي وَإِذا انْتقل الورم الْحَار من الكبد إِلَى الطحال فَهُوَ سليم وَإِذا انْتقل من الطحال إِلَى الكبد فَهُوَ رَدِيء. العلامات الْكُلية لأورام الكبد بالمشاركة: أما العلامات الْعَامَّة فَأن يجد العليل ثقلاً تَحت الشراسيف لَازِما ويجد هُنَاكَ وجعاً يشتدّ أَحْيَانًا لَا كَمَا فِي السدد فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَن وجع قوي وتتغير مَعَه السحنة لَا كَمَا فِي النفخة فَلَا تَتَغَيَّر وَيكون مَعَه انجذاب الترقوة إِلَى أَسْفَل فِي كثير من الْأَوْقَات لَيْسَ دَائِما وَإِنَّمَا يكون هَذَا الانجذاب لتمدد الأجوف والمعاليق وَلَا يعرض فِي أورام الكبد الحارة وَغَيرهَا ضَرْبَان لِأَن الشريانات تتفرق فِي غشائها وَلَا ثقل فِيهَا إِلَّا بِقدر غير محسوس وَقد يُشَارك أضلاع الْخلف أوجاع الكبد وأورامها الْعَالِيَة والصاعدة وَإِن لم يكن مُشَاركَة دائمة. وَأَصْحَاب أورام الكبد وخصوصاً الأورام الحارة والعظيمة لَا يقدرُونَ أَن يَنَامُوا على الْجَانِب الْأَيْمن ويثقل أَيْضا عَلَيْهِم النّوم على الْجَانِب الْأَيْسَر لتمدد الورم إِلَى أَسْفَل بل أَكثر ميلهم إِلَى النّوم المستلقي. فَإِن كَانَ الورم فِي جَانب الحدبة وجد الثفل هُنَاكَ وأحسَ بامتداد عِنْد المعاليق وَوَقع الْحس على الورم وقوعاً أظهر وخصوصاً فِي القضيف وَحدث سعال يَابِس ضيق نفس وخصوصاً إِذا تنفس بِقُوَّة لمشاركة الْحجاب والرئة إِيَّاهَا فِي الْأَذَى ويقل بَوْل وَرُبمَا احْتبسَ أصلا إِذا كَانَ الورم عَظِيما لما يحدث من السدّة فِي الْجَانِب المحدب وَمن ضعف الدافعة والثقل فِيهِ أَكثر مِمَّا فِي الْكَائِن عِنْد التقعير لِأَن جَانب التقعير يعْتَمد على الْمعدة وَيكون الثّقل أَكثر وانجذاب الترقوة إِلَى أَسْفَل من الْيَمين أقل وخصوصاً فِيمَن كَانَت حدبة كبده غير شَدِيدَة الالتصاق والملاقاة للأضلاع. وَأما انجذاب الترقوة إِلَى أَسْفَل ومشاركة الترقوة فِي وجع الكبد فَهُوَ فِي مُتَّصِل الكبد ويقل الفواق فِي الحدبي وَيكثر فِي التقعيري لبعد الحدبة عَن فَم الْمعدة. وَأما إِذا كَانَ الورم فِي التقعير والجانب الْأَسْفَل كَانَ الثّقل أقل لاعتماده على الْمعدة وَلم يكن سعال وضيف نفس يعْتد بِهِ وَلم يَقع تَحت الْمس وقوعاً يعتدّ بِهِ وَلَكِن كَانَ الوجع أشدّ للمزاحمة الكائنة هُنَاكَ وخصوصاً إِذا جذبت المراق. وَإِذا كَانَت أورام الكبد عَظِيمَة مَال الطَّبْع إِلَى الاستلقاء عَن الِاضْطِجَاع فَإِن أفرط تعذر الاستلقاء عَن الِاضْطِجَاع أَيْضا. وأورام الْجَانِب المقعر يستصحب أورام الماساريقا كثيرا. وَبِالْجُمْلَةِ إِذا كَانَ الورم فِي الْجَانِب المقعر كَانَت الْمعدة أشدّ مُشَاركَة فَيظْهر الفواق والغثيان والعطش إِن كَانَ الورم حاراً. زعم بَعضهم أَن الْمُشَاركَة بَينهمَا بعصبة رقيقَة تصل بَين الكبد وَبَين فمّ الْمعدة(2/515)
فَلذَلِك يحدث الفواق وَقَالَ بَعضهم: لَا يحدث الفواق إِلَّا عِنْد ورم عَظِيم بضغط فَم الْمعدة وَيرى جالينوس أَن السَّبَب فِيهِ مَا ينصب إِلَى الْمعدة فِي فمها من الورم الْحَار من خلط حاد. وَبِالْجُمْلَةِ أَن الفواق عِنْد الْجَمَاعَة لَا يظْهر إِلَّا عَن ورم عَظِيم لِأَن الْمسَافَة بعيدَة بَين الكبد وفمّ الْمعدة وَإِن كَانَت عصبَة يتشاركان فِيهَا وَتصل بَينهَا فَهِيَ رقيقَة جدا. وَبِالْجُمْلَةِ مَا لم يكن ورم عَظِيم لم يكن بَين الكبد والمعدة مُشَاركَة فِي أَكثر الْأَمر. والكائن من أورام الكبد بِقرب الأغشية وَالْعُرُوق أَشد وجعاً وأضعف حمّى إِن كَانَ حاراً وَإِذا كَانَ الورم فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا ظَهرت العلامات الَّتِي للجانبين وَرُبمَا شَارك جَانب جانباً إِلَى حدّ غير كثير وَقد يُؤَدِّي جَمِيع أَصْنَاف أورام الكبد الحارة والباردة إِلَى الاسْتِسْقَاء وَاعْلَم أَن ورم الكبد إِذا قارنه إسهال فَهُوَ مهلك. فصل فِي فروق الكبد وورم العضلات الْمَوْضُوعَة عَلَيْهِ فِي المراق يعرف الْفرق بَينهمَا من جِهَة الْوَضع وَمن جِهَة الشكل وَمن جِهَة الْأَعْرَاض. أما من جِهَة الْوَضع فَلِأَن ورم العضل يظْهر دَائِما وورم الكبد قد لَا يظْهر وخصوصاً التقعيري وَفِي السمين اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون آمراً متفاقماً. والعضل وَضعه إِمَّا فِي عرض أَو فِي طول أَو فِي وراب يَأْخُذ أحد العضلة. وَقد دللنا عَلَيْهِ فِي التشريح. وَأما فِي الشكل فَإِن شكل مَا يظْهر من أورام الكبد هلالي بِحَسب وضع الكبد يحسّ بفصل انْقِطَاعه الْمُشْتَرك. وَأما العضلي فَهُوَ مستطيل أحد طَرفَيْهِ غليظ وَالْآخر رَقِيق وَكَأَنَّهُ ذَنْب الفارة وَلذَلِك لَا يحصل بفصل انْقِطَاعه الْمُشْتَرك بل ترَاهُ طَويلا يلطف فِي طوله قَلِيلا قَلِيلا وَرُبمَا لم ينل مِنْهُ إِلَّا شَيْئا فِي الْغَوْر مستطيلاً إِذا كَانَ فِي العضل الغائرة الموربة وَهُوَ أشبه بأورام الكبد. وَأما من جِهَة الْأَعْرَاض فَإِن الْأَعْرَاض الخاصية والمشاركة الَّتِي تعرض للأورام الَّتِي فِي الكبد لَا يكون مِنْهَا فِي أورام العضل شَيْء يعتدّ بِهِ وَإِذا رَأَيْت المراق يُبَادر إِلَى القحل واليبوسة فاحدس أَن الورم كَبِدِي. فصل فِي الورم الْحَار أَسبَابه من جملَة أَسبَاب الورم مَا فِيهِ حرارة. وَأما علاماته فالعلامة الْمَذْكُورَة للأورام الجامعة وَالَّتِي فِي بعض الْأَجْزَاء وَيكون هُنَاكَ حمّى حادة إِذا كَانَ الورم فِي اللحمية ويشتدّ الْعَطش وتقل الشَّهْوَة وَيحدث الفواق والغثيان وقيء الصَّفْرَاء أَولا ثمَّ الزنجاري والكرّاثي ثمَّ السَّوْدَاء وَيحدث برد الْأَطْرَاف واسوداد اللِّسَان والغشي كل ذَلِك خُصُوصا إِذا كَانَ الوَرم تقعيرياً وَيكون سوء تنفس وألم يَمْتَد إِلَى خلف وَإِلَى الترقوة ولذع وخصوصاً إِذا كَانَ الورم فِي الحدبة. وَإِذا كَانَ فِي التقعير فَإِنَّهُ يُؤثر فِي أَمر التنفس إِذا استنشق هَوَاء كثير جدا بتمديد الورم للحجاب وضغطه إِيَّاه وضايق الِاسْتِنْشَاق وَرُبمَا أحدث سعالاً. ويعرضَ للسان(2/516)
كَيفَ كَانَ اصفرار واحمرار شَدِيد ثمَّ يضْرب إِلَى السوَاد ثمَّ يتَغَيَّر لون الْبدن كُله خُصُوصا إِذا كَانَ الورم فِي الحدبة. وَإِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وخصوصاً قُوَّة الْمعدة خُصُوصا والورم فِي التقعير استمسكت الطبيعة وَإِن كَانَت الْقُوَّة فِي الْبدن والمعدة ضَعِيفَة استسهلت الطبيعة. قَالَ أبقراط: البرَاز الخاثر الْأسود فِي أول الْمَرَض الْحَار دَلِيل على أَن فِي الكبد ورماً حاراً عَظِيما. هَذَا وَيكون النبض موجياً عَظِيما متواتراً سَرِيعا. والورم الْحَار إِمَّا أَن يتَحَلَّل فَتبْطل أعراضه وَإِمَّا أَن يجمع فَتكون مَعَه عَلَامَات الدُّبَيْلَة وسنذكرها. وَإِمَّا أَن تصلب فَينْتَقل أَيْضا إِلَى عَلَامَات الورم الصلب وَتبطل عَلَامَات الْحَار. وَأكْثر سَبَب انْتِقَاله إِلَى الصلابة الإفراط فِي التبريد والتقبض وَاسْتِعْمَال المغلظات فِي الورم الْحَار. وَالْفرق بَينه وَبَين ذَات الْجنب أَن السعال لَا يعقب نفثاً وَأَن الوجع يكون فِي الْيَمين وثقيلاً ولون اللِّسَان ولون الْبدن يتَغَيَّر مَعَه والنبض لَا يكون منشارياً جدا ويتناول إِن بِالْيَدِ كَانَ عِنْد الحدبة ويدلّ عَلَيْهِ تكلّف النَّفس الْعَظِيم وَالِاسْتِنْشَاق الْكثير إِن كَانَ فِي المقعر لضغط الورم الْحجاب وتمديده إِيَّاه وَرُبمَا هاج حِينَئِذٍ سعال وبحران وبحران أورام الكبد الحارة الحديبة. وأورام عضلها أَيْضا الحارة يكون برعاف وخصوصاً من الْأَيْمن أَو بعرق أَو بَوْل محمودين والتقعيرية تكون بعرق أَو اخْتِلَاف مراري أَو قيء. فصل فِي الماشرا الكبدي الثّقل فِي الماشرا أقلّ واللهيب واللذع واسوداد اللِّسَان وانصباغ الْبَوْل الشَّديد أَكثر وَيكون اللَّوْن إِلَى صفرَة وَيكون نَوَائِب اشتداد الْحمى غبا وَيكون انتفاعه بالبارد الرطب أشدّ والنبض أَصْلَب وأشبه بالمنشاري مِنْهُ بالموجي الصّرْف وأصغر وَأَشد تواتراً وَسُرْعَة وَأَنت تعرف فصل فِي الفلغموني: يدل عَلَيْهِ عَلَامَات الورم الْحَار وبمخالفة مَا نسبناه إِلَى الماشرا فِي الْخَواص وَحُمرَة الْوَجْه ودرور الْعُرُوق. فصل فِي الأورام الْبَارِدَة فِي الكبد هَذِه الأورام يكون فِيهَا ثقل وَلَكِن لَا يكون فِيهَا عَطش وَلَا حمى وَلَا سَواد لِسَان وَثقل ويحس مَعَه فِي الْمعدة بشبه تشنج وَيدل عَلَيْهِ السن وَالتَّدْبِير والمزاج واللون على مَا سلف منا بَيَان ذَلِك. فصل فِي الورم البلغمي يدل عَلَيْهِ تهيح الْجلد ورصاصية اللَّوْن وَأَن لَا يحس بصلابة وَشدَّة لين النبض مَعَ سَائِر عَلَامَات الورم الْبَارِد الْمَذْكُور وَأَنت تعلم جَمِيع ذَلِك.(2/517)
فصل فِي الورم الصلب والسرطاني أَكثر مَا يحدث يحدث عَن ورم تقدمه وَقد يحدث ابْتِدَاء وَقد يحدث عَن ضَرْبَة فيبادر إِلَى الصلابة ويدلّ عَلَيْهِ المسّ فِيمَن ينَال الْمس نَاحيَة كبده. وَلَوْلَا مبادرة الاسْتِسْقَاء إِلَى صَاحبه لظهر للحس ظهوراً جيدا فَإِن المراق تهزل مَعَه وتضعف فيشاهد ورم هلالي من غير وجع يعقل بل رُبمَا آذَى عِنْد ابْتِدَاء تنَاول الطَّعَام وخف عِنْد الْجُوع وَهُوَ طَرِيق إِلَى الاسْتِسْقَاء. وَقد يدل عَلَيْهِ شدَّة الثّقل جدا بِلَا حمى وهزال الْبدن وَسُقُوط الشَّهْوَة وكمودة اللَّوْن وَأَن يقل الْبَوْل وَرُبمَا أعقب الْأَعْرَاض الورم الْحَار فَإِنَّهَا إِذا زَالَت وَلم يبْق إِلَّا الثّقل وازداد لذَلِك عسر النَّفس دلّ على أَن الورم الْحَار صلب. وعسر النَّفس والثقل بِلَا حمى يَشْتَرِكَانِ للصلب والسدد ويفترقان بِسَائِر مَا قيل ويتبعه الاسْتِسْقَاء خُصُوصا اللحمي لضعف تميز المائية إِلَّا الرشح الرَّقِيق مِنْهُ فَيجْرِي المائية فِي الدَّم فِي الْأَعْضَاء وَيحدث اللحمي والتهيج. والكثيف عَن المائية قد يصير أَيْضا إِلَى فضاء الْبَطن على مَا نذكرهُ فِي بَاب الاسْتِسْقَاء فَيكون الزقيّ وَيهْلِكُونَ فِي أَكثر الْأَمر بانحلال الطبيعة لانسداد المسالك إِلَى الكبد فتنحل قواهم وَهَؤُلَاء لَا يعالجون إِلَّا فِي الِابْتِدَاء. وَرُبمَا نجع العلاج. وَإِذا طَالَتْ الْعلَّة لم ينفع الْعلَا فَإِن كَانَ الصلب سرطانياً كَانَ هُنَاكَ إحساس بالوجع أَشد وَكَانَ إِحْدَاث الآفة فِي اللَّوْن وَفِي الشَّهْوَة وَغير ذَلِك أَكثر وَرُبمَا أحدث فواقاً وغثياناً بِلَا حمّى وَإِن لم يحس بالوجع كَانَ فِي طَرِيق إماتة الْعُضْو وَاعْلَم أَن الكبد سريعة الانسداد والتحجّر وخصوصاً إِذا اسْتعْملت الْمُغَلَّظَة والمقبضة فِي الورم الْحَار اسْتِعْمَالا مفرطاً. فصل فِي الدُّبَيْلَة أَكْثَرهَا يكون بعد ورم حَار فَإِن أَخذ يجمع صَار دبيلة وَإِذا أَخذ يجمع اشتدت الحمّى والوجع والأعراض أَولا ثمَّ حدثت قشعريرات مُخْتَلفَة وتعقر الاستلقاء فضلا عَن النّوم على جَانب فَإِذا جمع لَان المغمز وسكنت الْأَعْرَاض. وَإِذا انفجر حدث نافض واستطلق قَيْحا وَمُدَّة أَو شَيْئا كالدردي وَوجد بذلك خفاً وانحلالاً من الثفل المحسوس. وانفجاره يكون إِمَّا إِلَى نَاحيَة الأمعاء وَيخرج بالبراز وَإِمَّا إِلَى نَاحيَة الْكُلِّي فَيخرج بالبول وَإِمَّا إِلَى الفضاء الَّذِي فِي الْجوف فيجد جفافاً وضموراً وَلَا يُشَاهد استفراغاً فِي بَوْل أَو برازاً. والدبيلة قد تكون غائرة فِي الكبد وَقد تكون إِلَى ظَاهرهَا وَغير غائرة. والمدة تخْتَلف فيهمَا فَتكون فِي الغائرة سَوْدَاء وَفِي غير الغائرة إِلَى الْبيَاض لتعلم ذَلِك.(2/518)
فصل فِي ورم الماساريقا يُشَارك فِي علاماته عَلَامَات ورم الكبد لَكِن الْحمى فِي الْحَار مِنْهُ تكون ضَعِيفَة لَيست فِي شدَّة حمى الورم الكبدي وَيكون الثّقل مَعَ تمدد أغور إِلَى الْبَطن والمعدة وَقد يكون فِيهَا التمدد أَكثر من الثّقل فَإِذا لم تَجِد عَلَامَات سدد الكبد وَلَا عَلَامَات أورام الكبد وَوجدت البرَاز كيلوسياً رَقِيقا لَيْسَ لسَبَب ضعف الهضم فِي الْمعدة ودلائله وَكَانَ هُنَاكَ تمدد وَحمى خَفِيفَة فاحكم بِأَن فِي الماساريقا ورماً حاراً. وَأما الورم الصلب فيعسر التَّفْرِيق بَينه وَبَين سدد الماساريقا إِلَّا بحدس بعيد فَإِن خرج شَيْء صديدي بعد أَيَّام فَاعْلَم أَنه عَن ورم. وَهَذَا الصديد يُفَارق الصديد الْكَائِن عَن مثله فِي الكبد بِأَن ذَلِك إِلَى الْحمرَة والدموية وَهَذَا إِلَى القيحية والصفرة. فصل فِي المعالجات وَالْأول علاج الورم الْحَار الدموي أول مَا يجب عَلَيْك أَن تنظر حَال الامتلاء وَحَال الْقُوَّة وَالسّن وَالْوَقْت وَغير ذَلِك مِمَّا تعرفه وتطلب مِنْهَا رخصَة فِي الفصد فتفصد إِن أمكنك من الباسليق وَإِلَّا فَمن الأكحل وَإِلَّا فَمن القيفال. وَإِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة أخرج مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الدَّم فِي دفْعَة وَاحِدَة وَإِلَّا فرقت وشرحته فِي مَرَّات. وَاعْلَم أَنَّك إِذا لم تفصد وَتركت الْمَادَّة فِي الكبد واستعملت القوابض والرواح أوشك أَن يصلب الورم. وَإِن اسْتعْملت المحللات أوشك أَن يهتج الْأَلَم والورم فافصد أَولا وَلَا تقتصر فِي ذَلِك إِذا لم يكن مَانع قوي وَأخرج دَمًا وافراً وَاعْلَم أَنَّك تحْتَاج فِي ابْتِدَائه إِلَى مَا هُوَ القانون فِي مثله من الردع والتبريد. لَكِن عَلَيْك حِينَئِذٍ بِأَن تتوقى جَانب الصلابة فَمَا أسْرع مَا تجيب إِلَى الصلابة فَلذَلِك يجب أَن يكون مخلوطاً بالملطفات المفتحات والأطلية الْبَارِدَة وَرُبمَا أدّى إفراط اسْتِعْمَالهَا إِلَى التصليب. وَرُبمَا كفاها دُخُول الْحمام وَرُبمَا تفجّرت إِلَى الْكُلية. وَاعْلَم أَن كثيرا من الْأَدْوِيَة الَّتِي فِيهَا قبض مَا وَبرد وَكَذَلِكَ من الأغذية الَّتِي بِهَذِهِ الصّفة مثل الرُّمَّان والتفاح والكمثري فَإِنَّهَا تضر من جِهَة أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تضيق المنفذ إِلَى المرارة فَلَا تتحلب الصَّفْرَاء وَيكون ذَلِك زِيَادَة فِي الورم وشراً كثيرا. فالتقبيض مَعَ أَنه لَا بُد مِنْهُ فِي أول الْعلَّة وَفِي آخرهَا أَيْضا عِنْد وجوب التَّحْلِيل لحفظ الْقُوَّة وَتخَاف مِنْهُ خلَّتَانِ التحجير وَحبس الصَّفْرَاء فِي الكبد وَأَنَّك تحْتَاج لذَلِك أَيْضا إِلَى أَن تبادر إِلَى تَدْبِير التَّحْلِيل فِي هَذِه الْعلَّة أَكثر من مبادرتك فِي سَائِر الأورام خوفًا من التحجّر والصلابة ودفعاً لما عَسى يرشح من صديد رَدِيء لَا يَخْلُو عَن ترشحه الأورام الحارة لَكِن التَّحْلِيل والتفتيح رُبمَا أرْخى الْقُوَّة وَقرب الْمَوْت كَمَا حكى جالينوس من حَال طَبِيب كَانَ يعالج أورام(2/519)
الكبد بالمرخيات الَّتِي تعالج بهَا سَائِر الأورام مثل أضمدة متخذة من الزَّيْت وَالْحِنْطَة وَالْمَاء وإطعامه الخدروس. وَكَانَ الْوَاجِب أَن يطعم مَا فِيهِ جلاء بِلَا لزوجة وَغلظ وَأَن يخلط بالمحللات أدوية فِيهَا قبض وتقوية وعطرية كالسعد وقصب الذريرة والأفسنتين وَأَن يسْتَعْمل من هَذِه قدر مَا يحفظ الْقُوَّة وَلَا يفرط وَيكون الْعُمْدَة فِي أَوله الردع بِقُوَّة وَفِي أوسطه التَّرْكِيب وَفِي آخِره التَّحْلِيل مَعَ قوابض من هَذَا الْقَبِيل. وَإِن كَانَت الْحَاجة إِلَى تَقْوِيَة التَّحْلِيل وتعجيل وقته ماسة فَلم يقبل من جالينوس وأنذره جالينوس فِي مَرِيض آخر اجْتمعَا عَلَيْهِ فَإِن هَذَا الْمَرِيض يَمُوت بانحلال القوّة وبعرق لزج يسير فَهَذَا التَّحْلِيل هُوَ ذَا يحْتَاج أَن يُبَادر بِهِ فِي وَقت وجوب الردع وَيحْتَاج إِلَى أَن لَا يخلى عَن الْقَبْض والتغرية فِي حَال وجوب التَّحْلِيل الصّرْف ومراعاة جَمِيع هَذَا أَمر دَقِيق. وَاعْلَم أَن هَذَا الْعُضْو كَمَا هُوَ سريع الْقبُول للتحجر كَذَلِك هُوَ سريع الْقبُول للتهلهل وَرُبمَا كَانَ التفتيح والتحليل سَببا للتفجير. وَإِذا اسْتعْملت محللاً فَلَا تستعمله من جنس مَا يلذع فيهيّج الورم وَمَاء الْعَسَل - وَإِن كَانَ يجلو بِلَا لذع - فَإِنَّهُ حُلْو والحلو يُورث السدد فَلذَلِك كَانَ فِي مَاء الشّعير مندوحة كَافِيَة لِأَنَّهُ يجلو بِلَا لذع وَلَا يحدث سدة ثمَّ يُمكن أَن يُقَوي تفتيحه وجلاؤه بِمَا يخلط إِن احْتِيجَ إِلَى زِيَادَة قُوَّة. واللذاعة والقابضة أَكثر ضَرَرا بالمقعّر مِنْهَا بالمحدب لِأَنَّهَا تغافص بقوتها وتحدث السدة فِي أول المجاري وَفِي الحدبة تكون مَكْسُورَة الْقُوَّة وتلاقي آخر الفوهات. ثمَّ يجب أَن تعرف الْجَانِب المعتل فإياك أَن تمرّ وَالْعلَّة فِي المقعر أَو تسهل وَالْعلَّة فِي الحدبة فتجعل الْمَادَّة فِي الْحَالين جَمِيعًا أغور بل يجب أَن يستفرغ من أقرب الْمَوَاضِع فيستفرغ من الورم الَّذِي فِي الْجَانِب المقعر من جَانب الإسهال وَالَّذِي فِي المحدب من جَانب الإدرار وَإِيَّاك أَن تتْرك الطبيعة تبقى مستسمكة فَإِن فِي ذَلِك أَذَى عَظِيما وخطراً خطيراً وَلَا أَيْضا أَن تتركها تَنْطَلِق بإفراط فَتسقط الْقُوَّة وتخور الطبيعة بل عَلَيْك أَن تحل المستمسك باعتدال وتحبس المستطلق وَأما الْأَدْوِيَة الصَّالِحَة لأورام الكبد فِي ابْتِدَاء الْأَمر إِذا كَانَت هُنَاكَ حرارة مفرطة فماء الهندبا وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب مَعَ السكنجبين السكرِي وَمَاء الشّعير وَمَاء عَصا الرَّاعِي وَمَاء لِسَان الْحمل وَمَاء الكاكنج وَمَاء الكزبرة الرّطبَة وَمَاء القرع والقثاء وَمَاء الكشوث وَيجب أَن يخلط بهَا شَيْء من مثل الأفسنتين وقصب الذريرة وأقراص من الأقراص الَّتِي نَحن واصفوها. ونسختها: يُؤْخَذ لحم الأمبر باريس عشرَة دَرَاهِم ورد وطباشير من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم لب بزر الْخِيَار ولب بزر القرع وبزر البقلة وبزر الهندبا من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم بزر الرازيانج وزن دِرْهَمَيْنِ يقرص ويسقى مِنْهُ وزن مثقالين.(2/520)
وَإِن احْتِيجَ إِلَى زِيَادَة تطفئة جعل فِيهِ كافور قَلِيل وَإِن أُرِيد زِيَادَة تَقْوِيَة الكبد جعل فِيهِ لَك وراوند وَإِن كَانَ هُنَاكَ سعال جعل فِيهِ رب السوس وَشَيْء من الكثيراء وَشَيْء من الترنجبين. وَأما الْأَدْوِيَة الَّتِي هِيَ أقوى وَأصْلح لما لَيْسَ فِيهَا من الْحَرَارَة الْمِقْدَار الْبَالِغ فِي الْغَايَة فماء الرازيانج ولسان الثور والأذخر والكرفس الْجبلي واللبلاب كل ذَلِك بالسنكجبين. وَهَذَا وَنَحْوهَا تَنْفَع فِي الَّتِي فِي الطَّبَقَة الأولى إِذا أخذت فِي النضج يَسِيرا وأقراص الْورْد أَيْضا وخصوصاً الَّذِي يَلِي التقعير وَكَثِيرًا مَا كَانَ سَبَب الورم وابتداؤه وثياً وضربة. وَمِمَّا يمْنَع حُدُوثه بعدهمَا بعد الفصد أَن يسقى من الْقُوَّة والراوند الصيني كل يَوْم وزن دِرْهَم ثَلَاثَة أَيَّام وَإِذا علمت أَن الورم فِي الْجَانِب المقعّر فَالْأولى أَن يسْتَعْمل مَاء اللبلاب مخلوطاً بِمَا يجب خلطه بِهِ من المبردات الْمَذْكُورَة وَمَاء السلق وَجَمِيع مَا ينضج ويردع ويليّن الطبيعة وينفع عِنْد ظُهُور النضج الْخِيَار شنبر مَعَ مَاء الرازيانج وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء اللبلاب وَأَن تجْعَل فِي الأغذية شَيْئا من بزر القرطم وشمة من الأنجرة والبسفايج وَإِذا انحط اسْتعْمل القوية مثل الصَّبْر والغاريقون والتربد. وَقوم يستعملون الهليلج الْأَصْفَر وَأَنا أكرهه لما فِيهِ من قُوَّة الْقَبْض المزمن فَأَخَاف أَن يخرج الرَّقِيق ويحجر الغليظ. وَقد يسْتَعْمل فِي هَذَا الْوَقْت مثل بزر القرطم وَمثل الأنجرة والبسفايج فِي الطَّعَام والأفتيمون بِلَا احتسام. وَرُبمَا أقدمنا على مثل الخربق بِحَسب الْحَاجة. وَأما الحقن فِي أول الْأَمر وَحَيْثُ يتَّفق أَن تكون الطبيعة مستمسكة فبمثل عصير ورق السلق بالعسل وَالْملح والبورق أَو بالسكر الْأَحْمَر وَعند الانحطاط يُقَوي وَيجْعَل فِيهَا البسفايج والقنطوريون والزوفا والصعتر وَرُبمَا جعل فِيهَا حنظل. فَأَما إِذا كَانَ فِي جَانب الحدبة فَيجب أَن يبْدَأ بالمدرات الْبَارِدَة ثمَّ المعتدلة. ثمَّ إِذا ظهر النضج اسْتعْملت القوية الجيدة وَإِنَّمَا يجب هَذَا التَّأْخِير خوفًا من التحجّر. وَأما هَذِه الْأَدْوِيَة فَمثل الْقُوَّة والفطراس اليون والأسارون والأذخر وأقراص الْأَمِير باريس الْكَبِير وَأما الأضمدة فَلَا يجب أَن تسْتَعْمل بَارِدَة كَمَا على الأورام الْأُخْرَى بل فاترة. وَالَّتِي يجب أَن تبادر بهَا عِنْدَمَا يحدس أَن الورم هُوَ ذَا يَبْتَدِئ العصارات الْبَارِدَة القابضة وعصارة بقلة الحمقاء والقرع وَحي الْعَالم وَمَاء الْورْد والصندل والكافور والضمادات المتخذة من عساليج الْكَرم والورد الْيَابِس والسويق وَلَا يجب أَن يُكَرر أَمْثَال هَذِه بل إِذا صَحَّ أَن الورم قد يكون فأجود الضمادات هِيَ الضمّادات المتخذة من السفرجل مَعَ أدوية أُخْرَى. من ذَلِك أَن يدقّ السفرجل مَعَ دَقِيق الشّعير وَمَاء الْورْد ويضمّد بِهِ. أَو السفرجل الْمَطْبُوخ بالخلّ وَالْمَاء حَتَّى ينضج تخلطه مَعَ صندل وَتجْعَل عَلَيْهِ شَيْئا من دهن الْورْد(2/521)
وتستعمله. أَو من ذَلِك أَن يطْبخ السفرجل بشراب ريحاني فِيهِ قبض مَا ويضاف إِلَيْهِ عصارة عَصا الرَّاعِي وتقويه بِمثل قَلِيل سنبل وأفسنتين وَسعد وَيقوم بسويق الشّعير وَيسْتَعْمل. وَرُبمَا جعل مَعَه دهن السفرجل أَو دهن المصطكي ودهن الْحِنَّاء وَمن الْمِيَاه مَاء الآس وَمَاء ورق التفاح وَمَاء السفرجل وَنَحْوه. وَقد يتَّخذ ضمّاد من السفرجل الْمَطْبُوخ بطبيخ الأفسنتين. وَإِذا أُرِيد أَن يرفع إِلَى دَرَجَة من التَّحْلِيل جعل فِيهَا مصطكي وبابونج وإكليل الْملك ودقيق الشّعير وحلبة مَعَ أَشْيَاء فِيهَا عفوصة وبزر الْكَتَّان ودهن الشبث ودهن البابونج والحلبة. وَمن الضمّادات المتخذة ضمّاد بيلبوس وضماد فيلغريوس وضمّاد إكليل الْملك وضمّاد وَمِمَّا جرب هَذَا الضمّاد: وَهُوَ لتسكين الالتهاب. ونسخته: يُؤْخَذ بسر وعصارة العوسج من كل وَاحِد جُزْء زعفران ومصطكي من كل وَاحِد نصف جُزْء وَمن دهن الْورْد أَرْبَعَة أَجزَاء شمع مِقْدَار الْحَاجة إِلَيْهِ وَفِي آخِره يسْتَعْمل الأضمدة المفتحة المحللة مخلوطة بقوابض لحفظ الْقُوَّة مثل الضمادات المتخذة من الايرسا والأسارون والأشنة والجعدة والصعتر والشيح وبزر الكرنب والمقل وَنَحْوه. وَقد زيد فِيهَا مقويات والأضمدة المتخذة من الآس وفوة الصَّبْغ وَحب الْغَار والزعفران والمرّ والمصطكي والشمع ودهن الزنبق. وَمِمَّا جرب الأدهان الَّتِي رُبمَا خلط بهَا دهن النرجس ودهن السوسن الأزاذ. نُسْخَة ضمّاد يحلل أورام الكبد مَنْسُوب إِلَى قَابُوس مَحْمُود مجرب: يُؤْخَذ من الميعة وَمن الشمع من كل وَاحِد عشرَة درخميات وَمن المصطكي والزعفران والحماما من كل وَاحِد أَربع درخميات وَمن دهن شجر المصطكي وَمن دهن الْورْد من كل وَاحِد وزن درخميين شراب قوطولان وَنصف يذاب الشمع والدهن ويخلط بِهِ الْجَمِيع. وَآخر نَافِع جدا: يُؤْخَذ سوسن وحماما وساذج من كل وَاحِد درخمي آس ميعة شمع من كل وَاحِد عشرُون درخمياً كندر زعفران أسارون من كل وَاحِد درخمي دهن شجر المصطكي مِقْدَار الْحَاجة وَيسْتَعْمل. آخر جيد: يُؤْخَذ صَبر ثَلَاثَة أَوَاقٍ مصطكي أُوقِيَّة بابونج وإكليل الْملك من كل وَاحِد أَربع أَوَاقٍ زعفران وفوة وقصب فريرة وأسارون من كل وَاحِد أوقيتان شمع وأشق من كل وَاحِد تِسْعَة أَوَاقٍ حَماما وسنبل رومي وحبّ البلسان من كل وَاحِد سِتّ أَوَاقٍ دهن السوسن مِقْدَار الْكِفَايَة. آخر مُحَلل قوي: يُؤْخَذ زعفران أوقيتان مقل سبع أَوَاقٍ وسخ الكواير أَربع أَوَاقٍ مصطكي ثَلَاث أَوَاقٍ ميعة وزفت وشمع وأشق من كل وَاحِد سبع أَوَاقٍ حَماما وسنبل رومي وَحب البلسان من كل وَاحِد سِتّ أَوَاقٍ دهن السوسن مِقْدَار الْكِفَايَة يخلط وَيسْتَعْمل. وَأما إِذا كَانَ مَعَ الورم إسهال مضعف يُوجب الِاحْتِيَاط حَبسه وَجب أَن(2/522)
يسقى أَقْرَاص الْأَمِير باريس وأقراص الراوند الْمسك وَأما الْغذَاء فأجوده كشك الشّعير فَإِنَّهُ يبرّد ويجلو وَلَا يُورث سدة ويسرع نُفُوذه. وَأما الخندروس وَأَشد مِنْهُ الْحِنْطَة فَلَا بُد فِيهِ من غلظ ومزاحمة للورم. فَإِن لم يكن بُد من خبز فالخبز الخمير الَّذِي لَيْسَ بسميذ وَلَا من حِنْطَة علكة وَقد خبز فِي النُّور. وَيجب أَن يعتني بالغذاء غَايَة الْعِنَايَة وَمن الْبُقُول الخس والسرمق وَمن الْفَوَاكِه الرُّمَّان الحلو لمن لَا تستحيل الْحَلَاوَة فِي معدته إِلَى الصَّفْرَاء وَيجب أَن يجنب الحلاوات مَا أمكن. علاج الْحمرَة قريب من علاج الفلغموني وَلَكِن يجب أَن يكون الإسهال والإدرار أرْفق وَبِمَا هُوَ أميل إِلَى الْبُرُودَة وتوضع عَلَيْهِ الْأَدْوِيَة المبردة بالثلج وَلَا يزَال يجد ذَلِك حَتَّى يجد العليل غوص الْبرد ويتخذ أضمدة من النيلوفر وَمَاء الكاكنج وَمَاء السفرجل والصندل والكافور وَنَحْوه وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ المسخنات مَا أمكن. فِي علاج الدُّبَيْلَة: إِن الدُّبَيْلَة يجب أَن يسْتَعْمل فِي أَولهَا وَحين مَا تبتدئ ورماً حاراً ويحدس أَنه يجمع الرادعات من الأضمدة باعتدال والأطلية ويسقى مَاء الشّعير والسكنجبين. وَإِن أوجب الْحَال الفصد فصد من الباسليق أَو يحجم مَا يَلِي الظّهْر من الكبد وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى إسهال فَإِذا لم يكن بدّ من أَن يجمع فَالْوَاجِب أَن يستعجل إِلَى الإنضاج والتفتيح وَلَا بُد أَن يعان بالتقطيع والتلطيف إِذْ لَا بدّ من أخلاط غَلِيظَة تكون فِي مثل هَذِه الأورم قد تشرّبها الْعُضْو وَلَا بُد من ملين ليجعل الْخَلْط مستعداً للتحليل. فَإِذا ظهر النضج وَلم تنفجر أعين على ذَلِك بالمفتحات القوية شرباً وضمّاداً على مَا ذكر ثمَّ أعينت الطبيعة على دفع الْمَادَّة إِن احْتَاجَت إِلَى المعونة وَينظر إِلَى جِهَة الْميل فَإِن وَجب أَن يسهل أَو يدرّ فعل وَلم يدر بِشَيْء قوي وَشَيْء حاد فيورث ضَرَرا فِي المثانة فَإِن حفظ المثانة فِي هَذِه الْعلَّة وَعند انفجار الْقَيْح إِلَيْهَا بِنَفسِهِ أَو بدواء مدرّ وَاجِب فَإِذا انفجر انفجاراً واندفع الْقَيْح اندفاعاً احْتِيجَ إِلَى غسل بقايا الْقَيْح بِمثل مَاء الْعَسَل وَنَحْوه ثمَّ احْتِيجَ إِلَى مَا يدمل القرحة. وَإِن احتملت الْقُوَّة الإسهال كَانَ فِيهِ مَعُونَة كَبِيرَة على الإدمال إِذا لم يكن إفراط. والإسهال يحْتَاج إِلَيْهِ لأمرين: أَحدهمَا قبل الانفجار لتقلّ الْمَادَّة وتجف على الطبيعة وَالثَّانِي بعد الانفجار أَو عِنْد قرب الانفجار وَتَمام النضج إِذا علم أَن الْمَادَّة إِلَى جِهَة المعي أميل وَأَن الدُّبَيْلَة فِي جَانب التقعير. وَمِمَّا يستسهل بِهِ قبل الانفجار على سَبِيل المعونة للطبيعة فالخفيف من ذَلِك الترنجبين والشيرخشك وَالْخيَار شنبر وَالسكر الْأَحْمَر وأمثال ذَلِك فِي مياه اللبلاب والهندبا مشروباً.(2/523)
وَأقوى من ذَلِك قَلِيلا طبيخ البزور وَالْأُصُول وَقد طبخ فِيهَا الغافت وديف فِيهِ الترنجبين والشيرخشك وَالْخيَار شنبر وَنَحْوه. وَرُبمَا جعل فِيهِ الصَّبْر والأفسنتين وَمن الحقن الحقن الْخَفِيفَة الْمَعْرُوفَة. وَأما المسهّلات الَّتِي تكون بعد التقيّح وَتعين على النضج أَيْضا وعَلى التفجير فَأن يسقى فِي طبيخ الْأُصُول والغافت دهن الحسك وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم أَو الزنبق وزن دِرْهَمَيْنِ مَعَ نصف أُوقِيَّة سكّر وَنصف أُوقِيَّة خِيَار شنبر. فَأَما إِن كَانَت الْمَادَّة نَحْو الحدبة فَلَا يجب أَن تسْتَعْمل المسهّلات اللَّهُمَّ إِلَّا على سَبِيل المعونة. وَأما عِنْد النضج فَيجب أَن يسْتَعْمل المدرات الْمَذْكُورَة على ترتيبها كلما كَانَ النضج أبلغ اسْتعْمل الْأَقْوَى. وَأما الْأَدْوِيَة المشروبة الْمعينَة على النضج فَمثل لبن الأتن بالسكر الْأَحْمَر أَو بسكر الْعشْر أَو مثل مَاء الْأُصُول وبالزبيب والتين والبرشياوشان والحلبة بدهن اللوز الحلو أَو المرّ ودهن الحلبة أَو دهن الحسك. وَإِن أُرِيد أقوى من ذَلِك جعل فِيهِ الثَّمر ويسقون على الرِّيق طبيخ الجعدة وشراب الزوفا الْقوي ويطعمون الْعَسَل الْمُصَفّى من رغوته بالطبخ والتين وَمَاء الْعَسَل فِي مَاء الشّعير أَو يُؤْخَذ من الطرحشقوق الْيَابِس وزن دِرْهَم وَمن بزر المرو دِرْهَم وَنصف وَمن دَقِيق الحلبة دِرْهَم يسقى بِثَلَاث أَوَاقٍ لبن الأتن مَعَ السكر ويستعملون الْأَدْوِيَة الَّتِي فِيهَا تفتيح وتلطيف وَأَيْضًا تَقْوِيَة. وَهِي مثل الأفسنتين والزعفران والسنبل وأصول الفاوانيا وأصول الحاشا وأصل الْقُوَّة والمصطكي والسنبلات حبّ الْفَقْد وعصارة الغافت وأصول القنطوريون. وَمن الأدهان دهن الناردين ودهن شَجَرَة المصطكي ودهن السوسن. وَأما الأضمدة الْمعينَة فَمثل الأضمدة الَّتِي يَقع فِيهَا الدَّقِيق وإكليل الْملك والبابونج وأصول السوسن والفوتنج وأصول الخطمي والتين وَالزَّبِيب والخمير والبصل المشوي ودهن البزر. فَإِن احْتِيجَ إِلَى أقوى من ذَلِك اسْتعْمل ضماداً من دَقِيق الشّعير والبورق وذرق حمام والفوذنج وعلك البطم والزفت ودقاق الكندر وَنَحْوه. وَيجب إِذا أحس بالنضج أَن ينَام على كبده ويديم الاستحمام بِالْمَاءِ الْحَار. وَرُبمَا احْتَاجَ إِلَى أَن يرتاض ويتمشى إِن أمكنه ذَلِك فَإِذا انفجر فَيجب أَن يتَنَاوَل عَلَيْهِ مَاء يغسلهُ وينقّيه مثل مَاء الْعَسَل الْحَار ثمَّ يتبع بِمَا ينقيه من جِهَة ميله إِمَّا الإسهال وَإِمَّا الإدرار إِن احْتَاجَ إِلَيْهِمَا أَو يخلط شَيْء من ذَلِك بِمَاء الْعَسَل. وَلَا يجب أَن يسْقِيه المدرات القوية جدا فينكأ مجاري الْبَوْل فَإِن اتّفق أَن يقرّح أَو أضرّ الْقَيْح بمجاري الْبَوْل والمثانة فَالصَّوَاب أَن يغذى بأغذية فِيهَا جلاء من غير لذع بل مَعَ تغرية مَاء كَمَاء الْعَسَل الْمَطْبُوخ طبخاً معتدلاً وَقد خلط بِهِ يسير نشا وبيض ودهن ورد وَأَيْضًا مثل الْخَبَّازِي بالخندروس. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يدبره بتدبير قُرُوح الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وعَلى مَا يجب أَن يجْرِي عَلَيْهِ الْأَمر فِي قُرُوح الكلى. فَإِذا نقى نقاء بَالغا فَيجب أَن يسْقِيه فِي الغدوات مَاء الشّعير والسكنجبين فَإِذا مضى(2/524)
ساعتان أخذت من الكندر وَدم الْأَخَوَيْنِ مِثْقَالا مِثْقَالا وَمن بزر الهندبا وبزر الكرفس والمصطكي من كل وَاحِد مِثْقَالا وتسقيه فِي سكنجبين أَو جلاب أَو مَاء الْعَسَل. وَبعد ذَلِك فتقويه بالغذاء وتعالج قُرْحَته بِمثل مَا يذكر فِي قُرُوح الكلى. وَإِذا اتّفق أَن تنصب الْمدَّة إِلَى فضاء الْجوف فَلَا بُد حِينَئِذٍ من أَن تشرّح الْجلد عِنْد الأربية وتنحي العضل حَتَّى يظْهر الصفاق الدَّاخِل الْمُسَمّى باريطان ثمَّ تثقب فِيهِ ثقبة وتوضع فِيهِ أنبوبة ويسيل مِنْهُ الْقَيْح ثمَّ يعالج بالمراهم. وَأما الأغذية فَيجب أَن يسْتَعْمل فِي الِابْتِدَاء تلطيف الْغذَاء ويقتصر على كشك الشّعير والسكنجبين ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَعْمل الأغذية المفتحة الَّتِي ذَكرنَاهَا وصفرة بيض نمبرشت والاحساء الملينة فَإِذا انفجر وتنقى احْتِيجَ إِلَى مَا يقوّي مثل مَاء اللَّحْم وَلُحُوم الحملان والدجاج. والجداء والطيور الناعمة ومرقها الحامضة بالأبازير وصفرة الْبيض النمبرشت وَنَحْو ذَلِك وَقَلِيل شراب وَيسْتَعْمل المشمومات المقوية. علاج الأورام الْبَارِدَة: يجب أَن تسْتَعْمل فِيهَا الملطّفات الجالية ويقرّب علاجها من علاج السدد وَمن علاج الدبيلات الَّتِي تهيأت للإنضاج وَقد عرفت الْأَدْوِيَة المنضجة والمدرة والمفتحة والملطّفة. وَيجب أَن يكون فِيهَا قوّة قابضة مقوية عطرية وَيَقَع فِيهَا من الأدهان دهن الخروع ودهن الياسمين ودهن الزنبق. وَمن الأضمدة المتخذة لَهَا وأجود أضمدتها ضماد فولارحيون ومرهم فيلغريوس ومرهم الأصطمحيقون ومرهم البزور. وينفع مِنْهَا دَوَاء الكركم ودواء اللكّ وَنَحْو ذَلِك. وللفستق مَنْفَعَة عَظِيمَة فِيهَا وأقراص السنبلين. وَمن الْأَشْرِبَة شراب البزور بكمادريوس والجعدة قد طبخا فِيهِ. وَمِمَّا ينفع فِيهَا - وخصوصاً فِيمَا يضْرب إِلَى الصلابة وينفع أَيْضا من أوجاع الكلى وَالطحَال - الدَّوَاء الْمَعْمُول بالعنصل على هَذِه الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ عنصل مشوي وسوسن أسمانجوني وأسارون ومو وفو وبزر كرفس وأنيسون وسنبل الطّيب وسليخة وجندبيدستر وفوذنج جبلي وكمون وفوذنج نهري وَوَج وأشراس وعاقرقرحا وَدَار فلفل وجزر بري وحماما وأوفربيون وبزر خطمي واسطوخودوس وجعدة وسيساليوس وبزر سذاب وبزر رازيانج وقشور أصل الْكبر وزراوند مدحرج وقرفة وزنجبيل وَحب غَار وأفيون وبزر البنج وقسط ونانخواه وبزر الكراويا الْأَبْيَض من كل وَاحِد جُزْء يعجن بِعَسَل منزوع الركوة وَيسْتَعْمل. وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه يفعل الْفِعْل الْمَذْكُور بِعَيْنِه وَهُوَ مَعْمُول بالثوم الْبري. ونسخته: يُؤْخَذ ثوم وجنطيانا أَبيض وغافت وقسط وزراوند وكاشم وسيساليوس وَدَار فلفل من كل وَاحِد ثَلَاثُونَ درخمياً بزر كرفر وأسارون ومووفو وجزر بري ونانخواه وأنجمان أسود من كل وَاحِد خَمْسَة عشر درخمياً ورق سذاب يَابِس وفوذنج جبلي وكمون وفوذنج نهري وصعتر بري من كل وَاحِد عشر درخميات(2/525)
جندبادستر وباذاورد من كل وَاحِد اثْنَا عشر درخمياً تحل هَذِه بِالشرابِ وتسحق الْبَاقِيَة ويخلط الْجَمِيع خلطاً يصير بِهِ شَيْئا وَاحِدًا ثمَّ علاج الورم الصلب فِي الكبد: أَنه لم يبرأ من الورم الصلب المستقر المستحكم أحد. وَالَّذين برؤا مِنْهُ فهم الَّذين عولجوا فِي ابْتِدَائه وَكَانَ قانون علاجهم بعد تنقية الْبدن من الأخلاط الغليظة بأدوية مركبة من عقاقير فِيهَا تليين معتمل وَتَحْلِيل وتلطيف وإسخان معتدل وتفتيح السدد أغلب من التليين وتقوية وَقبض وعطرية بِمِقْدَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ دون مَا يعاوق الغرضين الآخرين. وَأكْثر هَذِه الْأَدْوِيَة تغلب عَلَيْهَا مرَارَة وَقبض يسير. وَهَذِه الْأَدْوِيَة تسْتَعْمل مشرربات وتستعمل أضمدة وتستعمل نطولات. وَيجب أَن تلين الطبيعة إِن كَانَت معتقلة بالأشياء الْخَفِيفَة والحقن خَاصَّة وَقد يفعل ذَلِك حبّ الصنوبر الْكِبَار وبزر الْكَتَّان وعلك البطم مَعَ نفع للورم. وَيجب أَن لَا يقدم على إسهال الْبَطن بالأشياء الشَّدِيدَة الْحَرَارَة فتؤلم وتزيد فِي الْأَذَى. وَيجب أَن يكون نَومه على الْجَانِب الْأَيْمن فَإِن ذَلِك مِمَّا يعين على تَحْلِيله جدا. فَأَما الْأَدْوِيَة المفردة النافعة من ذَلِك فحب الصنوبر والمخاخ والشحوم المعتدلة وَإِلَى الْحَرَارَة ودقيق الحلبة فِيهِ تليين مَا مَعَ إنضاج والقسط شَدِيد الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ إِذا سقِِي مِنْهُ نصف دِرْهَم إِلَى مِثْقَال بطلاء ممزوج أَو بشراب نفع نفعا بَينا. وَقد ينفع مِنْهُ سقِِي دهن الناردين أَو دهن البلسان أَو دهن الْقسْط بِمَاء طبخ فِيهِ السذاب والشبث. والشربة من دهن الناردين وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم. وَيسْتَعْمل ذَلِك أسبوعاً فينفع نفعا عَظِيما. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك عصارة الشيح الرطب إِذا اسْتعْمل أَيَّامًا. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك بزر الفنجنكشت وزن دِرْهَم فِي بعض الْأَشْرِبَة والغافت وزن دِرْهَم بِمَاء الكرفس أَو الرازيانج وَأما مَاء الهندبا ولسان الْحمل المجفف وزن مِثْقَال وطبيخ الترمس وَقد جعل فِيهِ سنبل إِلَى نصف دِرْهَم أَو فلفل أقل من ذَلِك واللوز المر فِي الشَّرَاب وأصل شَجَرَة دم الْأَخَوَيْنِ نَافِع أَيْضا. أَو لحاء شَجَرَة الدهمست وحبّ الْغَار وأصل الْقُوَّة وأصل اللوف والحمص الْأسود والجعدة والكمادريوس. وَمن الْأَشْرِبَة المركبة النافعة من ذَلِك قرص الْمقل صفته: يُؤْخَذ ورد مطحون عشرَة دَرَاهِم سنبل طيب وزن دِرْهَمَيْنِ زعفران دِرْهَم قسط دِرْهَم وَنصف مصطكي دِرْهَم لوز مر دِرْهَم وَنصف مقل ثَلَاثَة دَرَاهِم وتدق الْأَدْوِيَة وَيحل الْمقل بِالشرابِ ويعجن بِهِ الْأَدْوِيَة ويقرص الشربة ثَلَاثَة دَرَاهِم بِمَاء الْعَسَل أَو بطبيخ البزور. وَإِن كَانَت حرارة فبماء اللبلاب والهندبا. وَمن ذَلِك دَوَاء اسقلينادوس الْمُتَّخذ بمرارة الدب فَإِنَّهُ مجرب نَافِع لما فِيهِ من صنوف الْأَدْوِيَة من ذَلِك على شرائطها الَّتِي ذَكرنَاهَا. ونسخته: يُؤْخَذ كمافيطوس وفراسيون وبزر كرفس جبلي والجنطيانا وبزر الفنجنكشت ومرارة(2/526)
الدب وخردل وبزر القثاء واسقولوقندريون وأصل الجاوشير وخواتيم الْبحيرَة وفوة الصَّبْغ وبزر الكرنب والزرواند والفلفل والسنبل الْهِنْدِيّ والقسط وبزر الكرفس البستاني وبزر الجرجير والبقلة الْيَهُودِيَّة والجعدة والافيون والغافت وحبّ العرعر أَجزَاء سَوَاء يعجن بِعَسَل. والشربة مِنْهُ قدر بندقة بشراب معسل قدر قواثوس. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك دَوَاء الكركم والأثاناسيا. وترياق الْأَرْبَعَة والشجرينا نافعان فِي ذَلِك. وَمن المركبات المجربة الْخَفِيفَة فِي ذَلِك دَوَاء طرحشقوق الْمَذْكُور فِي بَاب الدُّبَيْلَة وأدوية ذَكرنَاهَا فِي بَاب الأورام الْبَارِدَة مُطلقًا. وَإِذا اسْتعْمل كل يَوْم من أَقْرَاص الْأَمِير باريس أسبوعاً يشرب فِي المَاء ويبتدأ من وزن دِرْهَم وَنصف إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَنصف كَانَ نَافِعًا. وَإِن جمع شَيْئا من المَاء اسْتعْمل أَقْرَاص الصفر والشبرم متدرجاً من ثلث دِرْهَم إِلَى دِرْهَم ويجتهد أَن لَا يوقعه ذَلِك فِي قيام. وَمن الأضربة الَّتِي تشرب سلاقة الْقسْط وقضبان الغافت والحلبة وَالزَّبِيب أَربع أَوَاقٍ مَعَ أُوقِيَّة دهن الْجَوْز أَو دهن الْجَوْز الطري أَو سلاقة تتَّخذ من الجنطانيا والأفسنتين وإكليل الْملك وَالزَّبِيب والتين أَو سلاقة من الراوند والأفسنتين والسذاب وفقاح الأذخر وَالزَّبِيب والحلبة وسلاقة الترمس والقسط والأفسنتين بدهن الخروع. وَمن الأضمدة الجيدة لذَلِك أَن يضمد بالحماما الرطب أَو الْيَابِس الْمَطْبُوخ فِي شراب عفص أَو السنبل بدهن الفستق مَعَ الفارسيون أَو الفراسيون مَعَ الشبث الْمَطْبُوخ أَو ضمّاد يتَّخذ من دَقِيق الحلبة والتين والسذاب وإكليل الْملك والنطرون أَو يُؤْخَذ من الأشق وزن مائَة دِرْهَم وَمن الْمقل خَمْسَة وَعِشْرُونَ درهما وَمن الزَّعْفَرَان اثْنَا عشر درهما يسحق الْجَمِيع وَيجمع بقيروطي متخذ من الشمع وَمن دهن الْحِنَّاء بِحَسب الْمُشَاهدَة. أَو ضماد متخذ من دَقِيق الحلبة وبعر الماعز وقردمانا وفوذنج وكرنب وأشنة وسذاب. وَالَّذِي يكون سَببه ضَرْبَة - وَقد ابْتَدَأَ يرم ويصلب - فأوفق الأضمدة لَهُ مرهم المورد سفرم. وَمن التَّدْبِير الْجيد إِذا اسْتعْملت المشروبات والأضمدة أَن يوضع على الْعُضْو محجمة مسخنة وَلَا يشرط بل تعلق على الْموضع العليل ثمَّ يسْتَعْمل الْأَدْوِيَة الَّتِي هِيَ أقوى فِي التَّحْلِيل فِي التلطيف والتحليل. وَيلْزم الْموضع مثل النطرون والكبريت الْأَصْفَر يلْزم الْموضع فِي كل خَمْسَة أَيَّام أَو أُسْبُوع ثمَّ يسْتَعْمل الطلاء بالخردل فِي كل عشرَة أَيَّام ثمَّ يقيأ العليل بالفجل. فَإِن استعصى الورم اسْتعْمل الخربق الْأَبْيَض وَإِذا صَار الورم سرطانياً قل الرَّجَاء فِيهِ. فَإِن نفع فِيهِ شَيْء فدواء الاسقلنيادوس الَّذِي فِي القراباذين بِغَيْر مرَارَة الدبّ. وَأما الأغذية فَمَا يسْرع انهضامه مثل صفرَة الْبيض النمبرشت وَمثل كشك الشّعير وَمثل غذَاء من بِهِ سدد فِي كبده والقليل الرَّقِيق من الشَّرَاب جدا ويجتنب اللَّحْم. هِيَ قريبَة من علاج أورام الكبد وَمن جِهَة الْأَدْوِيَة إِلَّا أَن الجرأة على ردع الْمَادَّة أَولا وعَلى تحليلها ثَانِيًا تكون أقوى وَلَا يخَاف مِنْهُ من الْقَبْض والتحليل(2/527)
مَا يخَاف فِي ورم الكبد. وعلاج أورام الماساريقا هُوَ مثل علاج أورام تقعير الكبد فَحسب. فصل فِي الضَّرْبَة والسقطة والصدمة على الكبد أَنه قد تعرض ضَرْبَة أَو صدمة أَو سقطة على الكبد فَيحْتَاج أَن تتدارك لِئَلَّا يحدث مِنْهَا نزف أَو ورم عَظِيم. فَإِن عرض ورم عولج بِمَا ذكرنَا من علاج الورم الَّذِي يعقب الضَّرْبَة وَرُبمَا عرض مِنْهُ أَن الزَّائِدَة الْكَبِيرَة من زَوَائِد الكبد تَزُول عَن موضعهَا وخصوصاً إِن كَانَت كَبِيرَة فَيحدث وجع تَحت الشراسيف الْيُمْنَى عقيب ضَرْبَة أَو صدمة أَو سقطة. وَهَذَا يصلحه الغمز والنفض مَعَ انتصاب من صدر الَّذِي بِهِ ذَلِك وَقيام مِنْهُ فيسكن الوجع دفْعَة بِعُود الزَّائِدَة إِلَى موضعهَا. وَأما غير ذَلِك فَيحْتَاج إِلَى أَن تبدأ فتفصد. وَإِن كَانَت حرارة شَدِيدَة فيسقى ويطلى من المبردات الرادعة. وَإِن خرج دَمه فَاجْعَلْ مَعهَا القوابض. وَإِن لم يكن حرارة شَدِيدَة وَلَا سيلان دم أَو كَانَ قد سكن مَا كَانَ من ذَلِك وانْتهى وَإِنَّمَا وكدك أَن تحلل دَمًا إِن مَاتَ فَاسْتعْمل الْمُحَلّل وَلَا مثل الطلاء بالمومياي ودهن الرازقي. وينفع من جَمِيع ذَلِك الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة فِي بَاب الأورام الْحَادِثَة من الصدمة. يُؤْخَذ من الراوند والجلنار وَدم الْأَخَوَيْنِ والشب الْيَمَانِيّ أَجزَاء سَوَاء. والشربة من ذَلِك مِثْقَال بِمَاء السفرجل. وَإِن لم يكن هُنَاكَ حرارة كَثِيرَة وَأَرَدْت أَن تسْتَعْمل أدوية فِيهَا ردع مَعَ تَحْلِيل مَا وتغرية فينفع من ذَلِك هَذَا التَّرْكِيب. ونسخته: يُؤْخَذ كهربا عشرَة دَرَاهِم إكليل الْملك عشرَة دَرَاهِم ورد خَمْسَة أقاقيا أَرْبَعَة سنبل هندي وزعفران من كل وَاحِد سِتّ مصطكي وقشور الكندر من كل وَاحِد أَرْبَعَة طين أرمني سَبْعَة جوز السرو ثَمَانِيَة يعجن بِمَاء لِسَان الْحمل ويقرّص كل قرصة مِثْقَال وَيسْتَعْمل. دَوَاء آخر جيد: يُؤْخَذ من موريافيليون عشرَة وَمن اللك المغسول سَبْعَة وَمن الراوند الصيني سَبْعَة وَمن الزَّعْفَرَان وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف حاشا وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم حمص أسود سَبْعَة دَرَاهِم مر خَمْسَة طين أرمني عشرَة يلت بدهن السوسن وَقد جعل مَعَه مومياي ويتخذ مِنْهُ أَقْرَاص ويسقى. والشربة مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم. والراوند الصيني والطين الْمَخْتُوم إِذا خلط بِشَيْء من حبّ الآس كَانَ أَنْفَع الْأَشْيَاء لهَذَا فِيمَا جربته أَنا. وَأما فِي آخر الْأَمر وَحين لَا يتوقى مَا يتوقى من الالتهاب والتورم فَيجب أَن يسقى من هَذَا القرص. ونسخته: يُؤْخَذ راوند وَلَك زنجبيل يتَّخذ مِنْهَا أَقْرَاص وَرُبمَا جعل مَعهَا شَيْء من الزرنيخ الْأَصْفَر فَإِنَّهُ عَجِيب القوّة فِي الرضّ وَتَحْلِيل الورم يسقى من هَذَا ويطلى عَلَيْهِ مثل هَذَا الطلاء فَإِنَّهُ عَجِيب الْقُوَّة. ونسخته: يُؤْخَذ من(2/528)
الْعود والزعفران وحبٌ الْغَار ومقل وذريرة ومصطكي وشمع ودهن الرازقي وميسوسن يَجْعَل ضماداً. فصل فِي الشق وَالْقطع فِي الكبد زعم أبقراط أَن من انخرق كبده مَاتَ وَيَعْنِي بِهِ تفرّق اتِّصَال عَام فِيهَا لجرمها ولعروقها. وَأما مَا دون ذَلِك فقد يُرْجَى وَرُبمَا حدث هُنَاكَ بَوْل دم وإسهاله بِحَسب جَانِبي الكبد. المعالجات: علاج ذَلِك يكون بالأدوية القابضة والمغرية على مَا تعلم وعَلى مَا قيل فِي بَاب نفث الدَّم وَرُبمَا نفع سقيه وزن دِرْهَمَيْنِ من الْورْد بِمَاء بَارِد أَو سقيه جنلنار بِمَاء الْورْد أَو يضمد بهما أَو يضمد بالطين الْمَخْتُوم مَعَ الصندلين المحكوك بِمَاء الْورْد فَإِنَّهُ نَافِع. الْمقَالة الرَّابِعَة الرطوبات الَّتِي تعرض لَهَا بِسَبَب الكبد أَن تنْدَفع بارزة أَو تحتقن كامنة فصل فِي أَصْنَاف اندفاعات الْأَشْيَاء من الكبد قد تخْتَلف الاندفاعات فِي جَوْهَر مَا ينْدَفع وَقد يخْتَلف بِالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ ينْدَفع. فَأَما جَوْهَر مَا ينْدَفع فقد يكون شَيْئا كيلوسياً وَقد يكون مائياً وَقد يكون غسالياً وَقد يكون مرّياً وَقد يكون صديدياً وَقد يكون مدياً وَقد يكون أسود رَقِيقا وأسود كالدردي وأسود سوداوياً وَقد يكون منتناً وَقد يكون غير منتن وَقد يكون دَمًا خَالص رُبمَا انْدفع مثله من طَرِيق الْمعدة بالقيء. ويدلّ عَلَيْهِ عدم الوجع وَقد يكون شَيْئا غليظاً أسود هُوَ جَوْهَر لحم الكبد. وَأما السَّبَب الَّذِي ينْدَفع فَرُبمَا كَانَ ورماً انفجر أَو سدّة انفتحت واندفعت أَو فتقاً وشقاً عرض فِي جرمه أَو عروقه سَببه قطع أَو ضَرْبَة أَو وثي أَو قرحَة أَو تَأْكُل أَو ضعف من الماسكة فَلَا تمسك مَا يحصل أَو ضعف من الجاذبة فَلَا تجذب أَو ضعف من الهاضمة فَلَا هضم مَا يحصل فِيهَا. وَإِذا لم ينهضم لم يقبله الْبدن وَدفعه أَو قُوَّة من الدافعة أَو سوء مزاج مذيب أَو بَارِد مضعف من أَسبَاب مبرّدة وَمِنْهَا الاستفراغات الْكَثِيرَة أَو يكون لامتلاء وَفضل تحْتَاج الطبيعة إِلَى دَفعه وَرُبمَا كَانَ الامتلاء بِحَسب الْبدن كُله وَرُبمَا كَانَ فِي نفس الكبد إِذا أحسّ بتوليد الدَّم لَكِن مكث فِيهَا الدَّم فَلم ينفذ فِي الْعُرُوق لضيقها أَو لضعف الجذب فِيهَا أَو لسدد أَو أورام وَقد يكون سَبَب الامتلاء الَّذِي ينْدَفع ترك رياضة أَو زِيَادَة فِي الْغذَاء أَو قطع(2/529)
عُضْو على مَا ذكرنَا فِي الْكتاب الْكُلِّي أَو احتباس سيلان مُعْتَاد من باسور أَو طمث أَو غير ذَلِك وَقد يكون السَّبَب لذعاً وحمّة من الْمَادَّة يحوج الطبيعة إِلَى الدّفع وَإِن كَانَت القوى لم تفعل بعد فِيهَا فعلهَا الَّذِي تَفْعَلهُ لَو لم يكن هَذَا الْأَذَى وَرُبمَا استصحب مَا يجده فِي الطَّرِيق وَصَارَ لَهُ عنف وعسف. وَقد يكون مثل هَذَا فِي البحرانات وَرُبمَا لم يكن السَّبَب فِي الكبد نَفسهَا بل فِي الماساريقا وَإِن كَانَ لَيْسَ يُمكن فِي الماساريقا جَمِيع وُجُوه هَذِه الْأَسْبَاب فَيمكن أَن يكون من جِهَة أورام وسدد. وَإِن كَانَ يبعد أَو لَا يُمكن أَن يكون الكبد يجذب والماساريقا لَا يجذب فَيعرض مِنْهُ أَمر يعتدّ بِهِ فَإِن الجذب الأول للكبد لَا للماساريقا وَلَيْسَ جذب الماساريقا وَحده جذباً يعتدّ بِهِ. وَكَثِيرًا مَا يكون الْقيام الكبدي لِأَن الْبدن لَا يقبل الْغذَاء فَيرجع لسدد أَو غير ذَلِك. وَجَمِيع أَصْنَاف هَذِه الاندفاعات تستند فِي الْحَقِيقَة إِمَّا إِلَى ضعف أَو إِلَى قُوَّة فَيكون الفتقي والقرحي والمنسوب إِلَى سوء المزاج وَضعف القوى من جنس الضَّعِيف. وَفتح السدد وتفجير الدبيلات وَدفع الْفضل من جنس القوى فَإِن الْقُوَّة مَا لم تقو لم تدفع فتح الدُّبَيْلَة وَفضل الدَّم الْفَاسِد لِكَثْرَة الِاجْتِمَاع وَقلة الامتياز مِنْهُ وَفضل الدَّم الْكثير وَغير ذَلِك. وَإِذا خرج الدَّم منتناً فَلَيْسَ يجب أَن يظنّ بِهِ أَن هُنَاكَ ضعفا فَإِنَّهُ قد نَتن لطول الْمكْث ثمَّ ينْدَفع وَهُوَ كالدردي الْأسود إِذا فضل ودفعته الطبيعة. كَمَا ينتن أَيْضا فِي القروح لَكِن الَّذِي ينْدَفع عَن الْقُوَّة يتبعهُ خف وَتَكون مَعَه صِحَة الْأَحْوَال. وَإِذا لم يكن المنتن فِي كل حَال رديئاً فالأسود أولى أَن لَا يكون فِي كل حَال رديئاً. وَكَذَلِكَ قد يكون فِي اندفاعات ألوان مُخْتَلفَة شِفَاء وخفّ. ويخطئ من يحبس هَذِه الألوان الْمُخْتَلفَة فِي كل حَال وأشدّ خطأ مِنْهُ من يحبسها بالمسددات المقبضة. وليعلم أَنه لَا يبعد أَن الْقُوَّة كَانَت ضَعِيفَة لَا تميز الفضول وَلَا تدفع الامتلاء ثمَّ عرض لَهَا أَن قويت الْقُوَّة أَو حصل من استعداد الْموَاد للاندفاع وانفتاح السدد مَا يسهل مَعَه الدّفع المتصعّب فاندفعت الفضول. وَالسَّبَب فِي الإسهال الكيلوسي الَّذِي بِسَبَب الكبد وَمَا يَلِيهِ إِمَّا ضعف الْقُوَّة الجاذبة الَّتِي فِي الكبد أَو السدد والأورام فِي تقعيرها وَفِي الماساريقا حَتَّى لَا تجذب وَلَا تغيّر البتّة. وَسَنذكر حكم هَذَا السددي فِي بَاب الأمعاء وَهُوَ مِمَّا إِذا أمْهل أذبل وَأسْقط الْقُوَّة وَإِذا احْتبسَ نفح فِي الأعالي وآذاها وضيق النَّفس وَأما كَثْرَة الْمَادَّة الكيلوسية وَكَونهَا أَزِيد من الْقُوَّة الجاذبة الَّتِي فِي الكبد فَتبقى عامتها غير منجذبة. وَرُبمَا كَانَ السَّبَب فِي ذَلِك شدَّة شَهْوَة الْمعدة وإفراطها. وَالسَّبَب فِي الإسهال الغسالي هُوَ ضعف الْقُوَّة الْمُغيرَة والمميزة الَّتِي فِي الكبد أَو زِيَادَة المنفعل عَن الْفَاعِل أَو لضعف الماسكة وَيكون حِينَئِذٍ نِسْبَة الإسهال الغسالي من الكبد الضَّعِيف نِسْبَة الْقَيْء والهيضة عَمَّا لَا تحتمله(2/530)
الْمعدة من الْمعدة الضعيفة فتندفع قبل تَمام الْفِعْل لضعف الماسكة. فَإِذا لم يكن لضعف الماسكة فَهُوَ لضعف الْمُغيرَة. والضعفان يتبعان ضعف كل سوء مزاج لَكِن أَكثر ضعف الماسكة لحرارة ورطوبة. وَأكْثر ضعف الْمُغيرَة لبرودة فَلَا يخر من الْقَضِيَّة أَن الغسالي يكون لحرارة فَقَط أَو لبرودة فَقَط. وَفِي الْحَالين فَإِن الغسالي يَسْتَحِيل إِلَى مَا هُوَ أَكثر دموية لشدَّة الاستنباع من الْبدن إِلَى مَا هُوَ خاثر. وللكائن عَن الْحَرَارَة عَلامَة أُخْرَى وللكائن عَن الْبُرُودَة عَلامَة أُخْرَى سنذكرهما. وَالسَّبَب فِي الإسهال المراري كَثْرَة المرار وَقُوَّة الدافعة. وَالسَّبَب فِي الصديدي احتراق دم وأخلاط وذوبها وَرُبمَا أدَّت إِلَى احتراق جرم الكبد نَفسه وإخراجه بعد الأخلاط الْمُخْتَلفَة وَقد يكون الصديدي بِسَبَب ترشح من ورم أَو دبيلة وَكَثِيرًا مَا يكون لترشح من الكبد وَيكون للْقِيَام أدوار. وَالسَّبَب فِي الخاثر الَّذِي يشبه الدرديّ إِمَّا انفجار من دبيلة وَإِمَّا سدد انفتحت وَأما تأكّل وقروح متعفنة وَإِمَّا احتراق من الدَّم وتغيّره فِي نواحي الكبد لقلَّة النّفُوذ مَعَ حرارة الكبد وَمَا يَليهَا أَو تغيره فِي الْعُرُوق إِذا كَانَت شَدِيدَة الْحَرَارَة وأفسدته فَلم يمتر مِنْهَا الْبدن فغلظ وَصَارَ كالدردي منتناً شَدِيد النتن وَفِيه زبدية للغليان والذوبان ومرار لغَلَبَة الْحَرَارَة. وَإِذا فسد هَذَا الْفساد دَفعته الطبيعة القوية ودلت على فَسَاد مزاج فِي الْأَعْضَاء وَتَكون أَصْحَابه لَا محَالة نحفاء مهزولين وَيُفَارق السَّوْدَاء باللون والقوام وَالنَّتن فَإِنَّهُ دونهَا فِي السوَاد وَأَغْلظ مِنْهَا فِي القوام ونتنه شَدِيد لَيْسَ للسوداء مثله وَأما برد يخثر الدَّم ويجمده أَو ضعف من الكبد يُؤَدِّي الْأَمر عَن الغسالي إِلَى الدموي وَإِلَى الدردي وَلَا يكون بَغْتَة إِلَّا فِي النَّادِر. وَأكْثر مَا يكون بَغْتَة هُوَ عَن سوء مزاج حَار محترق فَإِن الْبَارِد يَجعله سيالاً غير نضيج والحار المحترق يخثره كالدردي وَإِمَّا لخُرُوج نفس لحم الكبد محترقاً غليظاً. وَالسَّبَب فِي المنتن عفونة عرضت لتأكل وقرحة أَو لِكَثْرَة احتباس واحتراق وَالسَّبَب فِي الدَّم النقيج قُوَّة قَوِيَّة لم تحتج أَن تزاول الْفضل الدموي مُدَّة يتَغَيَّر فِيهَا ثمَّ تَدْفَعهُ. وَقد تكون لانحلال فَرد. قَالَ بقراط: من امْتَلَأت كبده مَاء ثمَّ انفجر ذَلِك إِلَى الغشاء الْبَاطِن فَإِذا امْتَلَأت بَطْنه مَاتَ. وَاعْلَم أَن الْإِكْثَار من شرب النَّبِيذ الطري يُوقع فِي الْقيام الكبدي. وَإِذا كَانَ احتباس الْقيام يكرب وانحلاله بعيد الرَّاحَة فَهُوَ مهلك. وَاعْلَم أَن الشَّيْخ الطَّوِيل الْمَرَض إِذا أعقبه مَرضه قيَاما وَهُوَ نحيف وَإِذا احْتبسَ قِيَامه تأذى فقيامه كَبِدِي وبدنه لَيْسَ يقبل الْغذَاء لجفاف المجاري. العلامات: أما الْفرق بَين الإسهال الكبدي والمعوي فَهُوَ أَن الأخلاط الرَّديئَة الْخَارِجَة(2/531)
وَالدَّم من المعي يكون مَعَ سحج مؤلم ومغص وَيكون قَلِيلا قَلِيلا على اتِّصَال. والكبدي يكون بِلَا ألم وَيكون كثيرا وَلَا يكون دَائِما مُتَّصِلا بل فِي كل حِين وَقد يفرّق بَينهمَا الِاخْتِلَاط بالبراز والانفراد عَنهُ والتأخر عَنهُ فَإِن أَكثر الكبدي يَجِيء بعد البرَاز قَلِيل الِاخْتِلَاط بِهِ. وَأما الْفرق بَين الإسهال الكبدي والمعدي فَهُوَ أَن الكبدي يخرج كيلوسياً مستوياً قد قَضَت الْمعدة مَا عَلَيْهَا فِيهِ وَبَقِي تأثر الكبد فِيهِ. وَلَو كَانَ معدياً لَسَالَ فِيمَا يسيل شَيْء غير منهضم ولنقل على الْمعدة وَكَانَ مَعَه آفَات الْمعدة. وَرُبمَا خرج الشَّيْء غير منهضم لَا بِسَبَب الْمعدة وَحدهَا بل بِسَبَب مُشَاركَة الكبد أَيْضا للمعدة لكنه ينْسب إِلَى الْمعدة بِأَن الآفة فِي فعلهَا. وَالْفرق بَين الإسهال الكيلوسي الَّذِي من الكبد. وَالَّذِي من الماساريقا أَن الَّذِي من الماساريقا لَا تكون مَعَه عَلَامَات ضعف الكبد فِي اللَّوْن وَفِي الْبَوْل وَغير ذَلِك. وَأما الْفرق بَين الصديد الْكَائِن عَن قرحَة أَو رشح ورم وَبَين الْكَائِن من الْجِهَات الْأُخْرَى فَهُوَ أَن الأول يكون قبله حمى وَهَذَا الآخر يَبْتَدِئ بِلَا حمى. فَإِن حمّ بعد ذَلِك فبسبب آخر. والصديد الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَنه من الماساريقا وَمن الأورام فِيهَا يكون مَعَه اخْتِلَاف كيلوس صرف من غير عَلَامَات ضعف فِي نفس الكبد من ورم أَو وجع يحِيل اللَّوْن وَتَكون حماه الَّتِي تلْزمهُ ضَعِيفَة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الصديد الكبدي أميل إِلَى بَيَاض وَحُمرَة وَكَأَنَّهُ رشح عَن قيح وَدم والماساريقائي أميل إِلَى بَيَاض من صفرَة كَأَنَّهُ صديد قرحَة. وَأما الْفرق بَين الخاثر الَّذِي عَن قُرُوح وتكّل ودبيلات وَالَّذِي عَن قُوَّة فَهُوَ أَن هَذَا الَّذِي عَن قُوَّة يُوجد مَعَه خف وَتخرج مَعَه ألوان مُخْتَلفَة عَجِيبَة وَلَا يكون مَعَه عَلَامَات أورام وَرُبمَا كَانَت قبله سدد. وَكَيف كَانَ فَلَا يتقدمه حمى وذبول وَلَا يتقدمه إسهال غسالي أَو دموي رَقِيق أَو صديدي. وَالَّذِي يكون بِسَبَب أورام حبست الدَّم وأفسدته وَلَيْسَت دبيلات فعلامته أَن يكون هُنَاكَ ورم وَلَيْسَ هُنَاكَ عَلامَة أجمع وَيكون أَولا رَقِيقا صديدياً رشحياً ثمَّ يغلظ آخر الْأَمر. وَالَّذِي يكون لضعف الكبد الْمُبْتَدِئ من الغسالي والصائم إِلَى الدردي فَإِنَّهُ يتقدمه ذَلِك وقلما يكون بَغْتَة. فَإِن كَانَ بَغْتَة مَعَ تغير لون وَسُقُوط شَهْوَة فَهُوَ أَيْضا عَن ضعف. وَإِذا كَانَ السَّبَب مزاجاً مَا دلّ عَلَيْهِ علاماته. والدرديّ الَّذِي سَببه حرارة يشبه الدَّم المحترق ويتقدمه ذوبان الأخلاط والأعضاء واستطلاق صديدي والعطش وَقلة الشَّهْوَة وشدّة حمرَة المَاء وَرُبمَا كَانَت مَعَه حميّات وَيكون برازه كبراز صَاحب حمى من وباء فِي شدَّة النتن والغلظ وإشباع اللَّوْن ثمَّ يخرج فِي آخِره دم أسود.(2/532)
وَالَّذِي سَببه الْبُرُودَة فَيُشبه الدَّم المتعفن فِي نَفسه لَيْسَ كَاللَّحْمِ الذائب وَلَا يكون شَدِيد النتن جدا بل نَتنه أقلّ من نَتن الْحَار وَيكون أَيْضا أقلّ تواتراً من الْحَار وأقلّ لوناً وَرُبمَا كَانَ دَمًا رَقِيقا أسود كَأَنَّهُ دم معتكر تعكر إِمَّا لَيْسَ بجامد وَيكون استمراره غسالياً أَكثر وَيكون الْعَطش فِي أَوله قَلِيلا وشهوة الطَّعَام أَكثر وَرُبمَا تأدى فِي آخِره للعفونة إِلَى حميات فَيسْقط الشَّهْوَة أَيْضا وَيُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء. وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ أطول امتداد حَال. ويستدل على مَا يصحب المزاجين من الرُّطُوبَة واليبوسة بِحَال مَا يخرج فِي قوامه وبالعطش. وَالَّذِي يكون عَن الدُّبَيْلَة فقد يكون قَيْحا غليظاً ودماً عكراً وأخلاطاً كَثِيرَة كَمَا يكون فِي السدد وَلَكِن العلامات فِي نضجها وانفجارها تكون كَمَا قد علمت ووقفت عَلَيْهَا من قبل وَرُبمَا سَالَ من الدبيلي والورمي فِي أَوله صديد رَقِيق ثمَّ عِنْد الانفجار تخرج الْمدَّة وَقد يسيل مَعهَا دم. وَالَّذِي يكون عَن قرحَة أَو آكِلَة فَيكون مَعَ وجع فِي نَاحيَة الكبد وَمَعَ قلَّة مَا يخرج ونتنه وَتقدم مُوجبَات القروح والأكال. وَالَّذِي يكون الْخَارِج مِنْهُ نفس لحم الكبد فَيكون أسود غليظاً ويصحبه ضعف بِقرب من الْمَوْت وأوقات سالفة. وَالَّذِي يكون لامتلاء من ورم وَعَن احتباس سيلان أَو قطع عُضْو أَو ترك رياضة أَو نَحوه فَيدل عَلَيْهِ سَببه وَيكون دفْعَة وَمَعَ كَثْرَة وَانْقِطَاع سريع ونوائب. وكل من تأذى أمره فِي الخلفة الطَّوِيلَة كَانَ دردياً أَو صديدياً أَو غير ذَلِك إِلَى أَن يخلف الْأسود قل فِيهِ الرَّجَاء. وَرُبمَا نفعته الْأَدْوِيَة القوية القابضة الغذائبة قَلِيلا وَلَكِن لم يُبَالغ مُبَالغَة تُؤدِّي إِلَى الْعَافِيَة. وَأما علاج هَذَا الْبَاب فقد أخرناه إِلَى بَاب الإسهالات فليطلب من هُنَاكَ.
(فصل فِي سوء الْقنية)
إِذا فسد حَال الكبد وَاسْتولى عَلَيْهَا الضعْف حدث أَولا حَال تكون مُقَدّمَة للاستسقاء تسمى سوء الْقنية وتخص باسم فَسَاد المزاج. فأولاً يَسْتَحِيل لون الْبدن وَالْوَجْه إِلَى الْبيَاض والصفرة وَيحدث تهيّج فِي الأجفان وَالْوَجْه وأطراف الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ. وَرُبمَا فَشَا فِي الْبدن كُله حَتَّى صَار كالعجين وَيلْزمهُ فَسَاد الهضم. وَرُبمَا اشتدت الشَّهْوَة وَكَانَت الطبيعة من استمساكها وانحلالها على غير تَرْتِيب. وَكَذَلِكَ حَال النّوم وغشيانه تَارَة والسهر وَطوله أُخْرَى ويقلّ مَعَه الْبَوْل والعرق وتكثر الرِّيَاح ويشتد انتفاخ المراق وَرُبمَا انتفخت الخصية وَإِذا عرض لَهُم قرحَة عسر اندمالها لفساد المزاج ويعرض فِي اللثة حرارة وحكّة بِسَبَب البخار الْفَاسِد المتصعد وَيكون الْبدن كسلاناً مسترخياً وَقد تعرض حَالَة شَبيهَة بِسوء الْقنية بِسَبَب اجْتِمَاع المَاء فِي الرئة وَتصير سحنة صَاحبه مثل سحنة المستسقي فِي جَمِيع علاماته.(2/533)
فصل: فِي الاسْتِسْقَاء. الاسْتِسْقَاء مرض مادي سَببه مَادَّة غَرِيبَة بَارِدَة تتخلل الْأَعْضَاء وتربو فِيهَا إِمَّا الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة كلهَا وَإِمَّا الْمَوَاضِع الخالية من النواحي الَّتِي فِيهَا تَدْبِير الْغذَاء والأخلاط. وأقسامه ثَلَاثَة: لحمي وَيكون السَّبَب فِيهِ مَادَّة مائية بلغمية تَفْشُو مَعَ الدَّم فِي الْأَعْضَاء. وَالثَّانِي زقي يكون السَّبَب فِيهِ مَادَّة مائية تنصب إِلَى فضاء الْجوف الْأَسْفَل وَمَا يَلِيهِ. وَالثَّالِث طبلي وَيكون السَّبَب فِيهِ مَادَّة ريحية تَفْشُو فِي تِلْكَ النواحي. وللاستسقاء أَسبَاب وَأَحْكَام عَامَّة ثمَّ لكل استسقاء سَبَب وَحكم خَاص وَلَيْسَ يحدث استسقاء من غير اعتلال الكبد خَاصَّة أَو بمشاركة. وَإِن كَانَ قد يعتلّ الكبد وَلَا يحدث استسقاء. وَأَسْبَاب الاسْتِسْقَاء بِالْجُمْلَةِ إِمَّا خاصية كبدية وَإِمَّا بمشاركة والأسباب الخاصية أولاها وأعمّها ضعف الهضم الكبدي وَكَأَنَّهُ هُوَ السَّبَب الْوَاصِل. وَأما الْأَسْبَاب السَّابِقَة فَجَمِيع أمراض الكبد المزاجية والآلية كالصغر والسدد والأورام الحارة والباردة والرهلة والصلبة الْمُشَدّدَة لفم الْعرق الجالب وصلابة الصفاق الْمُحِيط بهَا. والمزاجية هِيَ الملتهبة. وَيفْعل الاسْتِسْقَاء أَكثر ذَلِك بتوسّط اليبس أَو الْبُرُودَة. وكل يفعل ذَلِك بتدريج من تَحْلِيل الغريزية أَو بإطفائها دفْعَة أَعنِي بالتحليل هَهُنَا مَا تعارفه الْأَطِبَّاء من أَن الغريزة يعرض لَهَا تَحْلِيل قَلِيلا قَلِيلا أَو طفو كَانَا من حر أَو برد كشرب المَاء الْبَارِد على الرِّيق وعقيب الْحمام والرياضة وَالْجِمَاع والمرطبة المفرطة والمجففة بعد الذوبانات والاستفراغات المفرطة بالعرق وَالْبَوْل والإسهال والسحج والطمث والبواسير. وأضر الاستفراغات استفراغ الدَّم. وَأما الآلية فقد قيل فِي بَاب كل وَاحِد مِنْهَا أَنه كَيفَ يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء. وَأما أَسبَاب الاسْتِسْقَاء بالمشاركة فإمَّا أَن تكون بمشاركة مَعَ الْبدن كُله بِأَن يسخن دَمه جدا أَو يبرد جدا بِسَبَب من الْأَسْبَاب أَو يكون بِسَبَب برد الْمعدة وَسُوء مزاجها وخصوصاً إِذا أعقب ذرباً أَو يكون بِسَبَب الماساريقا أَو يكون بمشاركة الطحال لعظمه ولأورام فِيهِ صلبة أَو لينَة أَو حارة أَو كَثْرَة استفراخ سَوْدَاء يُؤَدِّي إفراطه إِلَى نهك الكبد بِمَا ينشر من قُوَّة السَّوْدَاء المتحركة إِلَى نهك الكبد وتبريدها أَو إِيصَال أذاها إِلَيْهِ كَمَا يُوصل إِلَى الدِّمَاغ فيوسوس. وَعظم الطحال يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء وَإِلَى تَضْعِيف الكبد لسببين: أَحدهمَا كَثْرَة مَا يجذب من الكبد فيسلبها قوتها وَالْآخر لانتهاكه قُوَّة الكبد على سَبِيل معاضدته لَهَا وَمنعه إِيَّاهَا عَن توليد الدَّم الْجيد وَقد يكون بمشاركة الْكُلية لبرد الْكُلية أَو لحرارتها خَاصَّة أَو لسدد فِيهَا وصلابة فَلَا تجتذب المائية وَإِن كَانَت الكبد لَا قلبة بهَا. وَقد تكون بِسَبَب المعي وأمراضها وخصوصاً الصَّائِم لقُرْبه مِنْهَا(2/534)
أَو لأجل المثانة أَو الرَّحِم أَو الرئة أَو الْحجاب. وَلَيْسَ كل مَا حدث بِسَبَب مُشَاركَة الْكُلية كَانَ لمزاجها بل قد يكون لسددها وأورامها فَلَا يجذب وَكَذَلِكَ الْحَال فِيمَا يحدث بمشاركة الأمعاء فَإِنَّهُ لَيْسَ كُله يكون التَّغَيُّر حَال الأمعاء فِي الكيفيات فَقَط بل قد يكون لأوجاع المعي من المغص والسحج والقولنج الشَّديد الوجع وَغير ذَلِك فيضعف ذَلِك الكبد. وَكَذَلِكَ يكون بمشاركة الرَّحِم لَا فِي كيفيتها بل بِسَبَب أوجاعها واحتباس الطمث فِيهَا. وَرُبمَا كَانَ بمشاركة المقعدة لاحتباس دم البواسير وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْضَاء الْأُخْرَى الْمَذْكُورَة. وَأكْثر مَا يُشَارك أَعْضَاء الثفل بالتقعير وأعضاء الإدرار وَالنَّفس بالحدبة لَكِن أَكثر المشاركات المؤدية إِلَى الاسْتِسْقَاء هِيَ المشاركات مَعَ الْكُلية والصائم وَالطحَال والماساريقا والمعدة. قَالَ بَعضهم: قد يعرض الاسْتِسْقَاء بِسَبَب الأورام الْحَادِثَة فِي الْمَوَاضِع الخالية خُصُوصا النَّازِلَة بِسوء مزاجها المتعدّي إِلَى الكبد والضار بهَا وللدم السوداوي الَّذِي كثيرا مَا يتحقن فِيهَا وتولّد السدد فِيمَا يجاوره بالوصول إِلَيْهِ والذرب. وَيكون الأول مؤدباً إِلَى الاسْتِسْقَاء بعد مقاساة ألم راسخ فِي نواحي الحقو لَا يكَاد ينحلّ بدواء واستفراغ. وَهَذَا كَلَام غير مهذب. وأردأ الاسْتِسْقَاء مَا كَانَ مَعَ مرض حَار. وَمن النَّاس من يرى أَن اللحمي شرّ من غَيره لِأَن الْفساد فِيهِ يعم الكبد وَجَمِيع عروق الْبدن وَاللَّحم حَتَّى يبطل جُمْهُور الهضم الثَّالِث. وَمِنْهُم من يرَاهُ أخف من غَيره وَحَتَّى من الطبلي لَكِن الأولى أَن يكون الزقي أصعب ذَلِك كُله ثمَّ من اللحمي مَا هُوَ أخف الْجَمِيع وَمِنْه مَا هُوَ رَدِيء جدا وَذَلِكَ بِحَسب اعْتِبَار الْأَسْبَاب الموقعة فِيهِ وَفِي ظَاهر الْحَال وَأكْثر مَا يُخرجهُ التجربة. وَيجب أَن تكون عَامَّة أَصْنَاف اللحمي أخفّ وَلَيْسَ يجب أَن تكون ضَرُورَة أَن يكون الكبد فِيهَا من الضعْف على مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي سَائِر ذَلِك وأشدّ النَّاس خطراً إِذا أَصَابَهُ الاسْتِسْقَاء هَذَا الَّذِي مزاجه الطبيعي يَابِس فَإِنَّهُ لم يمرض ضد مزاجه إِلَّا لأمر عَظِيم. وَالِاسْتِسْقَاء الْوَاقِع بِسَبَب صلابة الطحال أسلم كثيرا من الْوَاقِع بِسَبَب صلابة الكبد بل ذَلِك مرجو العلاج وَرُبمَا علّت مَادَّة الاسْتِسْقَاء حَتَّى أحدثت الربو وضيق النَّفس والسعال. وَذَلِكَ يدل على قرب الْمَوْت فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَرُبمَا غير النَّفس بالمزاحمة لَا للبلة وَهَذَا أسلم. وَرُبمَا حدث بهم بِقرب الْمَوْت قُرُوح الْفَم واللثة لرداءة البخارات وَفِي آخِره قد تحدث قُرُوح فِي الْبدن لسوء مزاج الدَّم. وَقيل أَنه إِذا أنزل من المستسقي مثل الفحم أنذر بهلاكه. وَمن عرض لَهُ الاسْتِسْقَاء وَبِه المالنخوليا انحلّ مالنخوليا بِسَبَب ترطيب الاسْتِسْقَاء إِيَّاه. وَاعْلَم أَن الإسهال فِي الاسْتِسْقَاء مهلك. وَصَاحب الاسْتِسْقَاء يجب أَن يتعرّف أول مَا انتفخ مِنْهُ أهوَ الْعَانَة وَالرجلَانِ أَو الظّهْر وناحية الكليتين والقطن أَو من المعي. وَيجب أَن تكون طَبِيعَته فِي اللين واليبس مَعْلُومَة فَإِن كَون طَبِيعَته يابسة أَجود مِنْهَا لينَة(2/535)
وخصوصاً فِي الْمُبْتَدِئ من الْقطن والكليتين والمبتدئ من الْقطن يكثر مَعَه لين الطبيعة لارتداد رطوبات الْغذَاء مِنْهَا إِلَى المعي واليبس فِي الْمُبْتَدِئ من قُدَّام أَكثر وَيجب أَن يتعرّف حَال مَوَاضِع النبتة والعانة هَل هِيَ ضَعِيفَة أَو لحمية فاللحمية تدل على قُوَّة وعَلى احْتِمَال إسهال وَينظر أَيْضا هَل الصفن مشارك فِي الانتفاخ أَو لبس وَإِذا شَارك الصفن خيف الرشح والرشح معنّ معذب موقع فِي قُرُوح خبيثة عسرة الْبُرْء. سَبَب الاسْتِسْقَاء الزّقي بعد الْأَسْبَاب الْمُشْتَركَة: السَّبَب بالواصل فِيهِ أَن تفضل المائية وَلَا تخرج من نَاحيَة مخرجها فتتراجع ضَرُورَة وتغيض إِلَى غير مغيضها الضَّرُورِيّ إِمَّا على سَبِيل رشح أَو انْفِصَال بخار تحيله الحفن مَاء لِكَثْرَة مَادَّة أَو لسدِّة من رفع تَدْفَعهُ الطبيعة عَن ضَرَره قاهرة فِي المجاري الَّتِي للفضول إِلَى فضاء الْبَطن والخلاء الْبَاطِن فِيهِ الَّذِي فِيهِ الأمعاء. وَأكْثر وقوفها إِنَّمَا هُوَ بَين الثرب وَبَين الصفاق الْبَاطِن لَا يَتَخَلَّل الثرب إِلَّا لتأكّل الثرب. وَقد علمت أَن الدّفع الطبيعي رُبمَا أنفذ الْقَيْح فِي الْعِظَام فضلا عَن غَيرهَا. وَأما على سَبِيل انصداع من بعض المجاري الَّتِي للغذاء إِلَى الكبد فتتحلب المائية عِنْدهَا دون الكبد وَأما على سَبِيل مَا قَالَه بعض القدماء الْأَوَّلين وانتحله بعض الْمُتَأَخِّرين أَن ذَلِك رُجُوع فِي فوهات الْعُرُوق الَّتِي كَانَت تَأتي السُّرَّة فِي الْجَنِين فَيَأْخُذ مِنْهَا الْغذَاء والفوهات الَّتِي كَانَت تأتيها فَيخرج مِنْهَا الْبَوْل فَإِن الصَّبِي يَبُول فِي الْبَطن عَن سرته والمنفوس قبل أَن يسرّ يَبُول أَيْضا عَن سرّته. فَإِذا امْتنع من ذَلِك الْجَانِب انْصَرف إِلَى المثانة فَإِذا اضطرت السدد ومعاونة القوى الدافعة من الْجِهَات الْأُخْرَى نفذت المائية فِي تِلْكَ الْعُرُوق إِلَى أَن تَجِيء إِلَى فوهاتها فَإِذا لم تَجِد منفذاً إِلَى السُّرَّة انفتقت الْبَطن وانفتحت وَصَارَت وَاسِعَة جدا بِالْقِيَاسِ إِلَى خلقتها الأولى وانضمت المنافذ الَّتِي عِنْد الحدبة فَإِنَّهَا ضيقَة وأزيد ضيقا من الَّتِي عِنْد التقعر. وَلَا يبعد أَن يكون استفراغ المائية من الْبَطن وَاقعا من هَذِه الْجِهَات. والسبل يجذبها الدَّوَاء إِلَى الكبد ثمَّ إِلَى الأمعاء. وَأَسْبَاب هَذَا السَّبَب الْوَاصِل إِمَّا فِي القوّة المميزة وَإِمَّا فِي الْمَادَّة المتميزة وَإِمَّا فِي المجاري. أما السَّبَب الَّذِي فِي الْقُوَّة المميزة فَلِأَن التَّمْيِيز مُشْتَرك بَين قُوَّة دافعة من الكبد وَقُوَّة جاذبة من الْكُلية فَإِذا ضعفتا أَو إِحْدَاهمَا أَو كَانَ فِي المجاري سدة خُصُوصا إِذا كَانَ فِي الْكُلية ورم صلب لم تتَمَيَّز المائية وَلم يقبلهَا الْبدن وَلم تحتملها المجاري فَوَجَبَ أحد وُجُوه وُقُوع الاسستقاء الزقي. وَلِهَذَا قد يحدث الاسْتِسْقَاء لضعف وَعلة فِي الْكُلية وَحدهَا. وَأما السَّبَب الَّذِي فِي المتميزة فَأن تكون المائية كَثِيرَة جدا فَوق مَا تقدر الْقُوَّة على تمييزها أَو تكون غير جَيِّدَة الانهضام. والمائية تكون كَثِيرَة جدا لشرب المَاء الكثيرِ وَذَلِكَ لشدَّة عَطش غَالب لمزاج فِي الكبد معطش أَو لسَبَب آخر يعطش أَو لسدد لَا ينجذب مَعهَا إِلَى الكبد مَا يعْتد بِهِ فيدوم الْعَطش على كَثْرَة الشّرْب أَو لِأَن المَاء نَفسه لَا ينفع الْعَطش لِأَنَّهُ حَار غير بَارِد أَو لِأَن فِيهِ كَيْفيَّة معطّشة من ملوحة أَو بورقية أَو غير ذَلِك.(2/536)
وَأما الْقسم الآخر فَإِذا لم يستو هضم الْغذَاء الرطب قبل الْبدن أَو الكبد بعض الْغذَاء الرطب ورد بعضه فَمَلَأ المجاري فَرُبمَا أدّى إِلَى سَبَب من أَسبَاب الاسْتِسْقَاء الزقي الْمَذْكُور إِن غلبت المائية أَو الطبلي إِن غلبت الريحية وَذَلِكَ فِي الهضم الثَّانِي. وَأما السَّبَب الَّذِي فِي المجاري فَأن تكون هُنَاكَ أورام وسدد تمنع المائية أَن تسلك مسالكها وتنفذ فِي جِهَتهَا بل تمنعها أَو تعكسها إِلَى غير مجاريها. وَإِذا دفعت الطبيعة من المستسقي مائية الاسْتِسْقَاء بذاتها كَانَ دَلِيل الْخَلَاص. وَفِي أَكثر الْأَوْقَات إِذا نزل المستسقي عَاد الانتفاخ فِي مُدَّة ثَلَاثَة أَيَّام. وَفِي الْأَكْثَر يكون ذَلِك من ريح. قَالَ أبقراط: من كَانَ بِهِ بلغم كثير بَين الْحجاب والمعدة يوجعه فَإِنَّهُ إِذا جرى فِي الْعُرُوق إِلَى المثانة انحلّت علته عَنهُ. قَالَ جالينوس: الأولى أَن ينحدر البلغم إِلَى الْعَانَة لَا إِلَى جِهَة المثانة وَكَيف يرشح إِلَيْهَا وَهُوَ بلغم لَيْسَ بمائية رقيقَة. وَأَقُول: لَا يبعد أَن ينْحل ويرق وَلَا يبعد أَن يكون اندفاعه على اخْتِيَار الطبيعة جِهَة مَا للضَّرُورَة أَو يكون فِي الْجِهَات الْأُخْرَى سَبَب حَائِل كَمَا يدْفع فتح الصَّدْر فِي الأجوف إِلَى المثانة. وَأما هَذَا النّفُوذ فَلَيْسَ هُوَ بِأَعْجَب من نُفُوذ الْقَيْح فِي عِظَام الصَّدْر وَالَّذِي قَالَه بَعضهم أَنه رُبمَا عني بالبلغم المائية فَهُوَ بعيد لَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وَقد يعرض أَن ينتفخ الْبَطن كالمستسقي فِيمَن كَانَ بِهِ قُرُوح المعي ثمَّ انثقبت وَلم يمت إِلَى أَن يَمُوت. وَيكون لِأَن الثفل ينصبّ إِلَى بَطْنه ويعظم. وَهَذَا - وَإِن قَالَه بَعضهم - عِنْدِي كالبعيد فَإِن الْمَوْت أسبق من ذَلِك وخصوصاً إِذا كَانَ الانخراق فِي الْعليا. أَسبَاب اللحمي بعد الْأَسْبَاب الْمُشْتَركَة: السَّبَب المقدّم فِيهِ فَسَاد الهضم الثَّالِث إِلَى الفجاجة والمائية والبلغمية فَلَا يلتصق الدَّم بِالْبدنِ لصوقه الطبيعي لرداءته. وَرُبمَا كَانَ المقدّم فِي ذَلِك الهضم الثَّانِي أَو الهضم الأول أَو فَسَاد مَا يتَنَاوَل أَو بلغميته. وَإِذا ضعفت الهاضمة والماسكة والمميزة فِي الكبد وقويت الجاذبية فِي الْأَعْضَاء وضعفت الهاضمة فِيهَا كَانَ هَذَا الاسْتِسْقَاء. وَأَكْثَره لبرد فِي الكبد نَفسهَا أَو بمشاركة. وَإِن لم تكن أورام أَو سدد تمنع نُفُوذ الْغذَاء وَيكون كثير الْبُرُودَة عروق الْبدن وأمراض عرضت لَهَا وسدد كَانَت فِيهَا من أكل اللزوجات والطين وَنَحْوه. وَقد يكون بِسَبَب تمكن الْبرد فِيهَا من الْهَوَاء الْبَارِد الَّذِي قد أثر أثرا قَوِيا فِيهَا وَقد يحدث بِسَبَب حرارة مذيبة للبدن للأخلاط فَإِذا وَقعت سدة لَا يُمكن مَعهَا انتفاض الْخَلْط وَأكْثر هَذَا يكون دفْعَة وَالِاخْتِلَاف رُبمَا كَانَ نَافِعًا جدا فِي اللحمي والطبيعة قد تجهد فِي أَن تدفع الْفضل المائي فِي المجاري الطبيعية وَغير الطبيعية. لَكِن رُبمَا عجزت عَن ذَلِك الدّفع أَو رُبمَا سبق نفوذها الْغَيْر الطبيعي فِي الْوُجُوه الْمَذْكُورَة لسيلان دفع الطبيعة عَلَيْهَا وَرُبمَا(2/537)
لم تقبلهَا المجاري وَرُبمَا كَانَت الدافعة تدفعها إِلَى نَاحيَة الكبد لِأَنَّهَا مائية من جنس مَا ينْدَفع إِلَى الكبد فَإِذا لم يقبلهَا الكبد وَمَا يَليهَا لضعف أَو لِكَثْرَة مَادَّة أَو لِأَن الْبدن لَا يقبلهَا بِسَبَب سدد أَو غير ذَلِك تحيّرت بَين الدفعين. قَالَ أبقراط: من امْتَلَأَ كبده مَاء ثمَّ انفجر ذَلِك المَاء إِلَى الغشاء الْبَاطِن امْتَلَأَ بَطْنه وَمَات. قَالَ جالينوس: يَعْنِي بِهِ النفّاطات الْكَثِيرَة الَّتِي تحدث على ظَاهر الكبد وَتجمع مَاء فَإِنَّهَا إِذا انفجرت وَكَانَت كَثِيرَة حصلت فِي الفضاء وقلما ينفذ فِي الثرب إِلَّا لتأكل من الثرب فِي تِلْكَ الْجِهَة. قَالَ: وَهَذَا المَاء كَمَاء المستسقين وَقد يَسْتَسْقِي من لَا يَمُوت بل يخرج مَاؤُهُ ويعيش إِمَّا بطبع أَو علاج وَكَذَلِكَ لَا يبعد فِي هَذَا أَن يعِيش. وَأَنا أَظن أَنه ينْدر أَو يبعد أَن لَا يَمُوت لِأَن هَذَا المَاء يكون أردأ فِي جوهره فَيفْسد فِي الفضاء وَيهْلك ببخاره وَلِأَن الكبد مِنْهُ يكون قد فسد صفاقها الْمُحِيط بهَا. أَسبَاب الطبلي: أَكثر أَسبَاب الطبلي فَسَاد الهضم الأول لأجل القوّة أَو لأجل الْمَادَّة فَإِنَّهَا إِذا لم تنهضم جيدا وَقد عملت فِيهَا الْحَرَارَة الضعيفة فعلا مَا غير قوي وكرهها الْبدن ومجّها كَانَ أولى مَا يَسْتَحِيل إِلَيْهِ هُوَ البخارية والريحية. وَرُبمَا كَانَت هَذِه الْموَاد مواداً مطيّفة بنواحي الْمعدة والأمعاء وَرُبمَا فعلت مغصاً دَائِما لِأَن الْحَرَارَة الْغَيْر المستعلية فعلت فِيهَا تحليلاً ضَعِيفا أحالها رياحاً وخصوصاً إِذا كَانَت الْمعدة بَارِدَة رطبَة فَلم تهيئ لهضم الكبد ثمَّ كَانَ فِي الكبد حرارة مَا تحاول أَن تهضم شَيْئا لم يعدّ بعد لهضمها. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك لحرارة شَدِيدَة غَرِيبَة فِي الْمعدة. والكبد تبادر إِلَى الأغذية الرّطبَة ورطوبات الْبدن قبل أَن يستولي عَلَيْهَا الهضم الَّذِي يصدر عَن الْحَرَارَة الغريزية فيفعل فِيهَا فعلا غير طبيعي فيحللها رياحاً قبل الهضم فَيكون سَبَب الطبلي ضعف الهضم الأول وَضعف الْحَرَارَة أَو لشدَّة الْحَرَارَة المستولية الَّتِي لَا تمهل ريث الهضم أَو للأغذية. وَقد يعرض فِي الحميات الوبائية وَفِي كثير من آخر الْأَمْرَاض الحادة انتفاخ من الْبَطن كَأَنَّهُ طبل يسمع مِنْهُ صَوت الطبل إِذا ضرب بِالْيَدِ وَهُوَ عَلامَة رَدِيئَة جدا. العلامات الْمُشْتَركَة: جَمِيع أَنْوَاع الاسْتِسْقَاء يتبعهَا فَسَاد اللَّوْن وَيكون اللَّوْن فِي الطحالي إِلَى خضرَة وَسَوَاد وَفِي جَمِيعهَا يحدث تهيج الرجلَيْن أَولا لضعف الْحَرَارَة الغريزية ولرطوبة الدَّم أَو بخاريته وتهيج الْعَينَيْنِ وتهيج الْأَطْرَاف الْأُخْرَى وجميعها لَا يَخْلُو من الْعَطش المبرح وضيق النَّفس. وَأَكْثَره يكون مَعَ قلَّة شَهْوَة الطَّعَام لشدَّة شَهْوَة المَاء إِلَّا بعض مَا يكون عَن برد الكبد وخصوصاً عَن شرب مَاء بَارِد فِي غير وقته وَفِي جَمِيعه(2/538)
وخصوصاً فِي الزقي ثمَّ اللحمي يقل الْبَوْل وَفِي أَكثر أَحْوَاله يحمر لقلته فيجتمع فِيهِ الصَّبْغ الَّذِي يفشو فِي الْكثير. وَأَيْضًا لقلّته تميّز الدموية والمرة الْحَمْرَاء عَن الْبَوْل فَلَا يجب أَن يحكم فِيهِ بِسَبَب صبغ المَاء وحمرته على حرارة الاسْتِسْقَاء وَتعرض لَهُم كثيرا حمّيات فاترة وَكَثِيرًا مَا يعرض لَهُم بثور تتفقأ عَن مَاء أصفر وَيكثر الذرب فِي اللحمي والطبلي. وَإِذا كَانَ ابْتِدَاء الاسْتِسْقَاء عَن ورم فِي الكبد اشتدت الطبيعة وورم القدمان وَكَانَ سعال بِلَا نفث وتحدث أورام فِي الْجَانِب الْأَيْمن والأيسر يغيب ثمَّ يظْهر وَأكْثر ذَلِك فِي الزقي. وَإِن ابْتَدَأَ من الخاصرتين والقطن ابْتَدَأَ الورم من الْقَدَمَيْنِ وَعرض ذرب طَوِيل لَا ينْحل وَلَا يستفرغ مَعَه المَاء. وَالِاسْتِسْقَاء الَّذِي سَببه حَار تكون مَعَه عَلَامَات الْحَرَارَة من الالتهاب والعطش واصفرار اللَّوْن ومرارة الْفَم وَشدَّة يبس الْبدن وَسُقُوط الشَّهْوَة للطعام والقيء الْأَصْفَر والأخضر وتشتد حرقة الْبَوْل فِي آخِره لشدَّة حرارته وَالَّذِي كَانَ من جنس مَا كثر فِيهِ الذوبان واندفع لَا إِلَى المجريين الطبيعيين دلّ عَلَيْهِ كَثْرَة الصَّفْرَاء وعلامات الذوبان وَتقدم برازاً وَبَوْل غسالي وصديدي ويبتدئ من نَاحيَة الخاصرتين والقطن. وَكَذَلِكَ جَمِيع الاسْتِسْقَاء الْكَائِن عَن أمراض حادة. وَالِاسْتِسْقَاء الَّذِي سَببه بَارِد يكون بِخِلَاف ذَلِك وَقد تشتد مَعَه شَهْوَة الطَّعَام جدا كَمَا فِي برد الْمعدة ثمَّ إِذا أفرط المزاج سَقَطت. وَالِاسْتِسْقَاء الَّذِي سَببه ورم صلب فَيعرف بعلاماته وبالذرب الَّذِي يتبعهُ وبقلّة الشَّهْوَة للطعام. وَالَّذِي يكون سَببه ورماً حاراً فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ من جِهَة الكبد وتنفعل مَعَه الطبيعة وَتَكون سَائِر العلامات الَّتِي للورم الْحَار والطحالي يل عَلَيْهِ لون إِلَى الخضرة وَعلل سَابِقَة فِي الطحال وَقد لَا تسْقط مَعَه الشَّهْوَة. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ السَّبَب فِي الْكُلِّي لم تسْقط الشَّهْوَة فِي الْوَقْت وَلَا فِي الْقدر سُقُوطهَا فِي الكبدي ويتقدمه علل الْكُلِّي وأوراقها وقروحها. عَلَامَات الزقي: الزقي يكون مَعَه ثقل محسوس فِي الْبَطن وَإِذا ضرب الْبَطن لم يكن لَهُ صَوت بل إِذا خضخض سمع مِنْهُ صَوت المَاء المخضخض وَكَذَلِكَ إِذا انْتقل صَاحبه من جنب إِلَى جنب ومسه مس الزق المملوء لَيْسَ الزق المنفوخ فِيهِ وَلَا تعبل مَعَه الْأَعْضَاء وَلَا يكبر حجمها كَمَا فِي اللحمي بل تذبل وَيكون على جلدَة الْبَطن صقالة الْجلد الرطب الممدد وَرُبمَا ورم مَعَه الذّكر وَحدثت قيلة الصفن وَيكون نبض صَاحبه صَغِيرا متواتراً مائلاً إِلَى الصلابة مَعَ شَيْء من التمدد لتمدد الْحجب وَرُبمَا مَال فِي آخِره إِلَى اللين لِكَثْرَة الرُّطُوبَة.(2/539)
وَإِذا كَانَ الاسْتِسْقَاء الزقي وَاقعا دفْعَة بعد حَصَاة خرجت من غير أَسبَاب ظَاهِرَة فِي الكبد فَاعْلَم أَن أحد المجريين الحالبين من الْكُلية قد انخرق. عَلَامَات اللحمي: يكون مَعَه انتفاخ فِي الْبدن كُله كَمَا يعرض لجسد الْمَيِّت وتميل الْأَعْضَاء صَافِيَة وخصوصاً الْوَجْه إِلَى العبالة لَيْسَ إِلَى الذبول وَإِذا غمزت بالإصبع فِي كل مَوضِع من بدنه انغمر وَلَيْسَ فِي بَطْنه من الانتفاخ والتخضخض أَو الانتفاخ وَخُرُوج السُّرَّة والتطبّل مَا فِي بطن الزقي والطبلي. وَفِي أَكثر الْأَمر يتبعهُ ذرب ولين طبيعة إِلَى الْبيَاض ونبض موجي عريض لين. وَقد قيل أَنه إِذا كَانَ بِوَجْه الْإِنْسَان أَو بدنه أَو يَده الْيُسْرَى رهل وَعرض لَهُ فِي مبدأ هَذَا الْعَارِض حكة فِي أَنفه مَاتَ فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو الثَّالِث. عَلَامَات الطبلي: الطبلي تخرج فِيهِ السُّرَّة خُرُوجًا كثيرا وَلَا يكون هُنَاكَ من الثّقل مَا يكون فِي الزقّي بل رُبمَا كَانَ فِيهِ من التمدد مَا لَيْسَ فِي الزقي بل قد يكون كَأَنَّهُ وتر مَمْدُود وَلَا يكون فِيهِ من عبالة الْأَعْضَاء مَا فِي اللحمي بل تَأْخُذ الْأَعْضَاء إِلَى الذبول. وَإِذا ضرب الْبَطن بِالْيَدِ سمع صَوت كصوت الزقّ المنفوخ فِيهِ لَيْسَ الزق المملوء مَاء وَيكون مشتاقاً إِلَى الجشاء دَائِما ويستريح إِلَيْهِ وَإِلَى خُرُوج الرّيح. ونبضه أطول من نبض غَيره من المستسقين وَلَيْسَ بضعيف إِذْ لَيْسَ ينهك الْقُوَّة بكيفية أَو ثقل إنهاك الزقي وَهُوَ فِي الْأَكْثَر سريع متواتر مائل إِلَى الصلابة والتمدد وَلَا يكون فِيهِ من تهيّج الرجلَيْن مَا يكون فِي غَيره. المعالجات علاج سوء الْقنية: ينظر هَل فِي أبدانهم أخلاط مُخْتَلفَة مرارية فيسهلون بِمثل أيارج فيقرا فَإِنَّهُ يخرج الفضول دون الرطوبات الغريزية. وَإِن علم أَن أخلاطهم لزجة غَلِيظَة أسهلوا بأريارج الحنظل وَبِمَا يَقع فِيهِ الصَّبْر والحنظل والبسفايج والغاريقون مَعَ السقمونيا والأوزان فِي ذَلِك على قدر مَا يحدث من رقة الأخلاط وغلظها وَقُوَّة الْبدن وَضَعفه. وَرُبمَا اضطرّ إِلَى مثل الخربق إِن لم ينجح غَيره فِي التنقية وَإِخْرَاج الْفضل اللزج. وَمَعَ هَذَا كُله فَيجب أَن يرفق فِي إسهالهَم ويفرّق عَلَيْهِم السَّقْي وَكلما يخلّ أَن مَادَّة قد اجْتمعت لم يُمكن من الثَّبَات بل عوود الاستفراغ وَمَعَ ذَلِك فَيجب أَن يُرَاعى أَمر معدهم لِئَلَّا تتأذى بالمسهلات وَتجْعَل مسهلاتهم عطرة بِالْعودِ الخام وَنَحْوه. وَإِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة فَلَا تكْثر الْفِكر فِي ذَلِك وأرح بالمبلغ الْكَافِي. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يكون التَّدْبِير مَانِعا لتوليد الفضول وَذَلِكَ بالاستفراغات الرقيقة المواترة وليجنبوا الفصد مَا أمكن. فَإِن كَانَ لَا بدّ مِنْهُ للامتلاء من دمّ أقدم عَلَيْهِ بحذر وتفاريق فِي أَيَّام ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة.(2/540)
وَأكْثر مَا يجب الفصد إِذا كَانَ السَّبَب احتباس دم بواسير أَو طمث وَالْأولَى أَن يستفرغ أَولا بِمَا ينقّي الدَّم مثل الأيارج وَنَحْوه ثمَّ إِن لم يكن بُد كفى أَخذ دم قَلِيل. وَكَذَلِكَ الْأَحْوَال لمن بهم حَاجَة إِلَى استفراغ مَا يخرج الأخلاط بالإسهال وَيفتح السدد ثمَّ بِمَا يدرّ وَيفتح السدد. والحقن الملطّفة الحلّلة للرطوبات المسهلة لَهَا نفعة جدا. فَإِن استفرغوا كَانَ أولى مَا يعالجون بِهِ الرياضة المعتدلة وتقليل شرب المَاء والاستحمام بالمياه البورقية والكبريتية والشبّية وَأَن يقيموا عِنْد قرب الْبَحْر والحمّامات. وَأما الحمّامات العذبة فتضرّهم إِلَّا أَن يستعملوها جافة ويعرقوا فِي أهويتها الحارة وَأَن يستعملوا الْقَيْء قبل الطَّعَام فَإِنَّهُ نعم التَّدْبِير لَهُم وَيجب أَن يكون فِي أَوَائِل الْأَمر بفجل ينقع فِي السكنجبين وَفِي آخِره بالخربق وَأَن يقبلُوا على التجفيف مَا أمكن وعَلى التفتيح وَأَن يستعملوا فِي أضمدتهم ومشروباتهم الْأَدْوِيَة المجففة المفتحة الملطفة العطرة مثل السنبل والسليخة والدارصيني والأدوية الملطّفة مثل الأفنتين والكاشم والعافت وبزر الأنجرة والكمافيطوس والزراوند المحرج وعصارة قثاء الْحمار والقنطريون وورق المازريون والجاوشير والكاكنج بالخاصية. وَيَقَع فِي أدويتهم الكبريت وعصارة قثاء الْحمار وأصل المارزيون وورقه والنظرون ورماد السوسن وزبد الْبَحْر. وَهَذِه وأمثالها تصلح لدلوكاتهم فِي الْحمام وتنفعهم الميبة والخنديقون وَالشرَاب الريحاني الْقَلِيل الرَّقِيق وشراب السوسن. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ جدا شراب الأفسنتين على الرِّيق. وَمن المعاجين وخصوصاً بعد التنقية الترياق والمثروديطوس ودواء الكركم ودواء اللك والكلكلانج الْبزورِي وَرُبمَا سقوا من ألبان الْإِبِل الأعرابية وَأَبْوَالهَا وخصوصاً فِي الْأَبدَان الجاسية القوية وخصوصاً إِذا أزمن سوء الْقنية وَكَاد يصير استسقاء. وَرُبمَا سقوا أوقيتين من أَبْوَال الْإِبِل من سكنجبين إِلَى نصف مِثْقَال أَو أَكثر وَكَذَلِكَ فِي أَبْوَال الْمعز. وَرُبمَا كَانَ الأصوب أَن يخلط بهَا الهليلج الْأَصْفَر إِن كَانَت الْموَاد رقيقَة صفراوية. وينفع من الكمّادات تكميد الْمعدة والكبد بالسنبل والسليخة وَنَحْوهَا واتخاذ ضمّاد مِنْهَا بالميسوسن وَنَحْوه ويدام تمريخ بطونهم بِمثل البورق والكبريب بالأدهان الحارة الْمَعْرُوفَة. وينفعهم من الضمادات مرهم الكعك بالسفرجل وَإِن عَصا طلوا بإخثار الْبَقر وبعر الماعز. وَإِمَّا غذَاء صَاحب سوء الْقنية فَمَا فِيهِ لَذَّة وتقوية الطبيعة مثل الدراج والقبج ومرقهما الزيرباج المطيب جدا بِمثل القرنفل والدارصيني والزعفران والمصطكي. وَكَذَلِكَ المصوصات. وَمن الْفَوَاكِه الرُّمَّان والسفرجل الْقَلِيل مِنْهُ لَا يضرّهم. وَيجب أَن يخلط أَيْضا بأطعمتهم مثل الْخَرْدَل والكراث والثوم وَمَا يجْرِي مجْرَاه من غير أَن يكثر جدا.(2/541)
فصل فِي علاج الاسْتِسْقَاء الزقّي الْغَرَض الْعَام فِي معالجتهم التجفيف وَإِخْرَاج الفضول وَلَو بالقعود فِي الشَّمْس حَيْثُ لَا ريح واصطلاء النيرَان الموقدة من حطب مجفف وَالْأكل بميزان وَترك المَاء وتفتيح المسام والازدراد الْمُتَوَاتر وإسهال المائية بالرفق وبالتواتر والصابرة على الْعَطش وتدبيره والامتناع من رُؤْيَة المَاء فضلا عَن شربه مَا أمكن. وَإِن لم يكن بدّ من شربه شربه بعد الطَّعَام بِمدَّة وممزوجاً بشراب أَو غَيره وتقليل الْغذَاء وتلطيفه جدا هُوَ أفضل علاج. والرياضة الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي بَاب اللحمي ومراعاة الْقُوَّة وتقويتها بالطيوب العطرة والمشمومات اللذيذة وروائح الْأَطْعِمَة القوية وتقويتها بِالشرابِ الْعطر وَلَيْسَ كَثْرَة شرب السكنجبين فِيهِ بمحمودة. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ الْقَذْف وخصوصاً قبل الطَّعَام وَأَيْضًا بعده غبّاً وربعاً وخمساً فَإِنَّهُ يَنْفَعهُمْ جدا. والتعطيس بالأدوية والنفوخات وَغير ذَلِك يَنْفَعهُمْ بِمَا يحدر المائية ويحركها إِلَى المجاري المستفرغة. وَأما الفصد فَيجب أَن يجتنبه كل صَاحب استسقاء مَا أمكن إِلَّا الَّذين بهم استسقاء احتباس من الدَّم فَإِن الفصد يمْنَع أعضاءهم الْغذَاء وَهِي قَليلَة الْغذَاء وَمَعَ ذَلِك تبرد أكبادهم. فالفصد ضار فِي غَالب الْأَحْوَال وَإِن كَانَ هُنَاكَ ورم اعتني بِهِ أول شَيْء وَإِذا اشْتَكَى المستسقي الْجَانِب الْأَيْسَر الْكثير الشرايين فَلَيْسَ اشتكاؤه للتمدد الَّذِي بِهِ فَإِن الْجَانِبَيْنِ مشتركان فِي ذَلِك بل ذَلِك للدم فليفصد أَولا ثمَّ يعالج الاسْتِسْقَاء وَإِن كَانَ ورم صلب فَلَا يطْمع فِي إِبْرَاء الاسْتِسْقَاء الزقي الَّذِي يتبعهُ وَلَو استفرغ المَاء أَي استفراغ كَانَ وَلَو مائَة مرّة عَاد وملأ. وَاعْلَم أَن الاستفراغ بالأدوية أَحْمد من البزل وَمن الاسترشاح المتعذر إلحامهما. وَيجب أَن يَقع الاستفراغ رقت أَن لَا تكون حمّى وَإِن كَانَ التَّدْبِير بِمَا جفف الاسْتِسْقَاء فَإِن الورم يُعِيدهُ وَيجب أَن يقلل عَنهُ مثل الأقراص القابضة وَأَن كَانَت مقوية مثل قرص الْأَمِير باريس خُصُوصا عِنْد انعقال الطبيعة وَيجب أَن يَقع التجفيف فِي الاسْتِسْقَاء الْبَارِد بِكُل حَار ملطّف مفتح وَأما فِي الاسْتِسْقَاء الْحَار فعلى وَجه آخر سنفرّد لَهُ كلَاما. وَاعْلَم أَن دهن الفستق واللوز نافعان فِي جَمِيع أَنْوَاع الاسْتِسْقَاء. وَأما الْأَدْوِيَة المفردة الصَّالِحَة لهَذَا الضَّرْب من الاسْتِسْقَاء إِذا كَانَ بَارِدًا فَمثل سلاقة الحندقوقا الشَّدِيدَة الطَّبْخ يسقى مِنْهَا كَل يَوْم أوقيتين أَو يطْبخ رَطْل من العنصل فِي أَرْبَعَة أقساط شراب فِي فخار نظيف حَتَّى يذهب ثلث الشَّرَاب ويسقى كل يَوْم أَولا قدر ملعقة كَبِيرَة ثمَّ يُزَاد إِلَى أَن يبلغ خمس ملاعق ثمَّ ينتقص إِلَى أَن يرجع إِلَى وَاحِدَة وَأَيْضًا يسقى كل يَوْم من عصارة الفرذنج أُوقِيَّة. وَقد ذكر بَعضهم أَنه يجب أَن تُؤْخَذ الذراريج فتقطع رؤوسها وأجنحتها ثمَّ تجْعَل أجسادها فِي مَاء الْعَسَل وَيدخل العليل الحمّام ثمَّ يسقى ذَلِك أَو يَأْكُل بِهِ الْخبز وَهَذَا شَيْء عِنْدِي فِيهِ مخاطرة عَظِيمَة. وَأكْثر مَا أجسر أَن أَسْقِي مِنْهُ قيراطاً فِي شربة من الْمِيَاه المعصورة الْمَعْلُومَة.(2/542)
وَقيل أَنه إِذا نقّى الْبدن وَشرب كل يَوْم من الترياق قدر حمصة بطبيخ الفودنج أحدا وَعشْرين يَوْمًا وَاقْتصر على أَكلَة وَاحِدَة خَفِيفَة وجبة برأَ. وَزعم بَعضهم أَن سقِِي بعر الماعز بالعسل نَافِع أَو بَوْل الشَّاة أَو بَوْل الْحمير بالسنبل وَالْعَسَل أَو زراوند مدحرج ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي شراب. وَقد حمد لَهُم بَعضهم كل يَوْم أَو كل يَوْمَيْنِ قدر باقلاة من الشبث الرطب مصفى فِي المَاء. وَمن الْأَدْوِيَة النافعة كَذَلِك الكلكلانج ودواء اللكّ خَاصَّة للزقّي وَلكُل استسقاء ودواء الكركم ومعجون أبوريطوس خَاصَّة وجوارشن السوسن ودواء الأشقيل وشراب العنصل والترياق. وَاعْلَم أَن الترياق ودواء الكركم والكلكلانج نَافِع جدا فِي آخر الاسْتِسْقَاء الْبَارِد. وَمن الْأَدْوِيَة العجيبة النَّفْع أَقْرَاص شبرم. وتركيبها: يُؤْخَذ شبرم وإهليلج أصفر بالسواء والشربة متدرّجة من دانق وَنصف إِلَى قرب دِرْهَم يشرب فِي كل أَرْبَعَة أَيَّام مرّة وَفِيمَا بَينهَا يشرب أَقْرَاص الأمبر باريس. وَقد تركب أدوية من الراوند والقسط وَحب الْغَار والحلبة والترمس والراسن والجنطيانا وصمغ اللوز والقنة وَهِي أدوية نافعة. وَأما الْأَدْوِيَة المستفرغة للمائية فَهِيَ المسهلات والشيافات والحقن خَاصَّة فَإِنَّهَا أقرب إِلَى المَاء وأخف على الطبائع وَأبْعد عَن الرئيسة وأنواع من الاستحامات والحمامات والتنانير المسخنة والمياه الَّتِي طبخ فِيهَا الملطفات مثل البابونج والأذخر وأنواع من المروخات والضمادات والكمادات وَيدخل فِي جملَة ذَلِك سقِِي لبن الماعز وَلبن اللقَاح. وَمن هَذَا الْقَبِيل الْبَوْل وَلبن اللقَاح مُوَافق للزفي إِذا أَخذ أسبوعاً مَعَ أَقْرَاص الصفر أَولا نصف دِرْهَم مَعَ نصف دِرْهَم طباشير إِلَى أَن يبلغ درهما. وَبعد الْأُسْبُوع أَن استفرغ المَاء يُوزن دِرْهَمَيْنِ كلكلانج ثمَّ عاود أَقْرَاص الصفر أسبوعاً وَلم تزل تفعل هَكَذَا فَرُبمَا أَبْرَأ. والضعيف لَا يسقى من أَقْرَاص الصفر ابْتِدَاء إِلَّا قدر دانق وأقراص الصفر مَذْكُورَة فِي الأقراباذين وَكَذَلِكَ الكلاكلانج. وَمن كَانَ شَدِيد الْحَرَارَة لَا يلايمه لبن اللقَاح ويبتدئ لبن اللقَاح وزن أَرْبَعِينَ درهما وَيُزَاد كل يَوْم عشرَة عشرَة. وَأما المسهلات فَلَا يجب أَن يكون فِيهَا مَا يضر الكبد وَإِن اضْطر إِلَى مثله مُضْطَر وَجب أَن يصلح. وَلَا يجب أَن يكون دفْعَة بل مَرَّات فَإِن مَا يكون دفْعَة قَاتل وَأَقل ضَرَره تَضْعِيف الكبد. وَالصَّبْر وَحده رَدِيء جدا للكبد فَيَنْبَغِي أَن يبعد عَن الكبد إِلَّا لضَرُورَة أَو مَعَ حِيلَة إصْلَاح. وَيجب أَن يتبع المسهلات الصَّوْم فَلَا يَأْكُل المستسهل بعْدهَا يَوْمًا وَلَيْلَة إِن أمكن وَأَن يتبع بِمَا يُقَوي وَيقبض قَلِيلا مثل قرص الأمبر باريس وَمثل مياه الْفَوَاكِه الَّتِي فِيهَا لذاذة وَقبض(2/543)
حَتَّى يقوى الكبد خُصُوصا بعد مثل الأوفربيون والمازريون والأشق وَنَحْوه ثمَّ تسْتَعْمل مصلحات المزاج كالترياق ودواء الكركم فِي الْبَارِد وَمَاء الهندبا فِي الْحَار وَيجب إِذا كَانَت حرارة أَن لَا تسهل الصَّفْرَاء فَإِنَّهَا مقاومة للمائية بِوَجْه وَلِأَن المائية تحْتَاج إِلَى إسهالها فيتضاعف الإسهال وتلحق الْقُوَّة آفَة بل الأوجب أَن تطفأ الصَّفْرَاء وتسهّل المائية إِلَّا أَن تكون الصَّفْرَاء مُجَاوزَة للحد فِي الْكَثْرَة فلتقتصر حِينَئِذٍ على مثل الهليلج فَنعم المسهل هُوَ فِي مثل هَذَا الْحَال. كَمَا أَن السكبينج نعم المسهل فِي حَال الْبرد. وكل إفراط فِي الاستفراغ فِي الكمية وَفِي الزَّمَان رَدِيء وَهُوَ فِي الْحَار أصلح. وَمن الملينات الجيدة مرق القنابر ومرق الديك الْهَرم خُصُوصا بالبسفايج والشبث وَنَحْوه. وَإِذا استفرغت عشرَة أَيَّام بِشَيْء من المستفرغات الرقيقة وبألبان اللقَاح ومياه الْجُبْن وَغير ذَلِك فنقص المَاء وَخص الورم فَمن الصَّوَاب أَن يكوى على الْبَطن لِئَلَّا يقبل المَاء بعد ذَلِك وَيكون الكي بعد الحمية وَترك المسهل يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة وَهِي سِتّ كيات: ثَلَاث فِي الطول تبتدأ من القص إِلَى الْعَانَة وَثَلَاث فِي الْعرض من الْبَطن وليصبر بعده على الْجُوع والعطش. وَمن الصَّوَاب أَن يسقى فِيمَا بَين مسقلين شَيْئا من المفتحات للسدد مثل أَقْرَاص اللوز المر. وَأما سقِِي ألبان اللقَاح والماعز وخصوصاً الأعرابيات وخصوصاً المعلوفات بالرازيانج والبابونج مِمَّا يسهل المائية ويلطّف ويحرّ مثل الشيح والقيسوم والقاقلة وَغير ذَلِك. وَفِي المحرورين مَا يُوَافق مَعَ ذَلِك الكبد مثل الكشوت والهندبا وَغير ذَلِك. وَلَا تلْتَفت إِلَى مَا يُقَال من أَنه دسيس السوفسطائيين وَمَا يُقَال من أَن طبيعة اللَّبن مضادة للاستسقاء. بل اعْلَم أَنه دَوَاء نَافِع لما فِيهِ من الْجلاء ويرقق وَلما فِيهِ من خاصية وَرُبمَا كَانَ الدَّوَاء الْمُطلق مضاداً لما يطْلب فِي علاج الْكَيْفِيَّة لكنه يكون مُوَافقا لخاصيته أَو لأمر آخر كاستفراغ وَنَحْوه كَمَا نفع الهندبا فِي معالجات الكبد الَّتِي بهَا أمراض بَارِدَة وكما يفزع إِلَى السقمونيا فِي الْأَمْرَاض الصفراوية. وَاعْلَم أَن هَذَا اللَّبن شَدِيد الْمَنْفَعَة فَلَو أَن إنْسَانا أَقَامَ عَلَيْهِ بدل المَاء وَالطَّعَام لشفي بِهِ. وَقد جرب ذَلِك مِنْهُ قوم دفعُوا إِلَى بِلَاد الْعَرَب. فقادتهم الضَّرُورَة إِلَى ذَلِك فعوفوا. وألبان اللقَاح قد تسْتَعْمل وَحدهَا وَقد تسْتَعْمل مخلوطة بغَيْرهَا من الْأَدْوِيَة الَّتِي بَعْضهَا يقْصد قصد تَدْبِير غير مسخن جدا مثل الهليلج مَعَ بزر الهندبا وبزر الكشوث وَالْملح النفطي. وَبَعضهَا يقْصد فِيهِ قصد تَدْبِير مسخن ملطف مثل السكبينج وحبّه. وَبَعضهَا يقْصد فِيهِ قصد منع إفراط الإسهال مثل القرط وَنَحْوه. وَقد يخلط بأبوال الْإِبِل وَقد يقْتَصر عَلَيْهَا طَعَاما وَشَرَابًا وَقد يُضَاف إِلَيْهَا طَعَام غَيرهَا.(2/544)
وَفِي الْحَالين يجب أَن تتَحَقَّق من أمره أَنه هَل يمتاز مِنْهُ الْبدن فَلَا يُطلق أَو يُطلق قَلِيلا أَو يُطلق أَكثر من وَزنه بِقدر مُحْتَمل أَو يفرط أَو يسهل فَوق الْمُحْتَمل أَو يتجبن فِي الْمعدة أَو فِي المجاري أَو يُؤَدِّي إِلَى تبريد أَو يخلف خلطاً بلغمياً أَو خلطاً محترقاً لعفونة إِن قبلهَا. وَاعْلَم أَن أفضل أَوْقَات سقيه الرّبيع إِلَى أول الصَّيف. وَمن التَّدْبِير الْحسن فِي سقيه مَا جربناه مرَارًا فنفع وَهُوَ أَن يشرب لبن اللقَاح على خلاء من الْبَطن وطي من أَيَّام وليال قبله لَا يتَنَاوَل فِيهَا إِلَّا قَلِيلا جدا وَإِن أمكن طيها فعل وَلَا بُد من طي اللَّيْلَة الَّتِي قبلهَا ثمَّ يشرب مِنْهُ الحليب فِي الْوَقْت وَالْمَكَان مِقْدَار أوقيتين أَو ثَلَاثَة. وأجوده أوقيتان مِنْهُ مَعَ أُوقِيَّة من بَوْل الْإِبِل ويهجر المَاء أَيَّامًا ثَلَاثَة فَيجب مَا يخرج بالإدرار قَرِيبا مِمَّا يشرب وَبعد ذَلِك رُبمَا اسْتطْلقَ الْبَطن بِمَا يشرب مِنْهُ وَرُبمَا لم يستطلق بِهِ إِلَّا بثفل قَلِيل وَإِنَّمَا لم يستطلق بِهِ لِأَن الْبدن يكون قد امتاز مِنْهُ فَإِن اسْتطْلقَ بَطْنه فَوق مَا شرب كف عَنهُ يَوْمًا أَو خلط بِهِ مَا فِيهِ قبض. وَإِن لم يستطلق فَيجب أَن يخَاف شَاربه التجبن وَكَذَلِكَ إِن اسْتطْلقَ دون مَا شرب وَحِينَئِذٍ يجب أَن يشرب شَيْئا يحدر مَا فِي الْمعدة مِنْهُ وَأَن يعاوده مخلوطاً بِهِ سكبينج وَنَحْوه بل من الِاحْتِيَاط أَن يسْتَعْمل فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام شَيْئا من حبّ السكبينج وَنَحْوه بِقدر قَلِيل يخرج مَا عَسى أَن يكون تجبّن من بقاياه أَو تولّد مِنْهُ وخصوصاً ذَا تجشأ جشاء حامضاً وَوجد ثقلاً. وَمن التَّدْبِير النافع فِي مثل هَذِه الْحَال الحقن فِي الْوَقْت. وَيجب أَيْضا فِي مثل هَذِه الْحَال أَن يتْرك سقِِي اللَّبن يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ويفزع إِلَى الضمّادات أَو الكمّادات الَّتِي يضمد بهَا الْبَطن فيحلل فَإِن كَانَ سقِِي اللَّبن لَا يحدث شَيْئا من ذَلِك وَيخرج كل يَوْم شَيْئا غير مفرط بل إِلَى قدر كوزين صغيرين مثلا اقْتصر عَلَيْهِ كَانَ وَحده أَو مَعَ السكبينج. والحبوب المسهلة الكسنجبينية وَغَيرهَا وَإِن أفرط الإسهال قطع عَنهُ اللَّبن يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ درج فِي سقيه فيسقى مِنْهُ لبن نجيبة قد علفت القوابض وخلط بِهِ سَاعَة يحلب خبث الْحَدِيد البَصْرِي المرضوض المغسول على الْخمر والخل المقلو قدر عشْرين درهما قرط وطراثيث من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم بزر الكشوث وبزر الكرفس ثَلَاثَة دَرَاهِم باقات من صعتر وكرفس وسذاب يتْرك فِيهِ سَاعَة ثمَّ يصفى وَيشْرب بِهِ ثمَّ يتدرج إِلَى الصّرْف ثمَّ إِلَى الْمَخْلُوط بِمَا يسهل إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ. وَأما المدرات النافعة فِي ذَلِك فَيجب أَن لَا يلْزم الْوَاحِد مِنْهَا بل ينْتَقل من بَعْضهَا إِلَى بعض. وأدويته مثل فطراساليون ونانخواه وفودنج وأسارون ورازيانج وبزر كرفس وسساليوس وَسَائِر الانجذان وكمافيطوس والوج والسنبلان ودوقو وفوومو وهليون وبزره وأصل الجزر الْبري والكاكنج. وَيجب أَن ينعّم سحقها حَتَّى يصل بِسُرْعَة إِلَى نَاحيَة الحدبة وَإِذا اسْتعْملت المدرات القوية فَيجب أَن تسْتَعْمل بعْدهَا شَيْئا من الأمرق الدسمة مثل مرقة دجَاجَة سَمِينَة. وَأما الأضمدة فالقانون أَن لَا يكثر فِيهَا مِمَّا يجفف ويحلل مَعَ قبض(2/545)
قوي يسد مسام مَا يتنفس ويتحلل إِلَّا شَيْئا قَلِيلا قدر مَا يحفظ الْقُوَّة إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ مثل السنبلين والكندر والسعد بِقدر قَلِيل جدا فَإِن ذَلِك يحفظ قُوَّة المراق وَمَا فِيهَا أَيْضا ويجعلها غير قَابِلَة. وَأما الْأَدْوِيَة الضمادية المفردة والضمادات المركبة النافعة فِي هَذِه الْعلَّة فقد ذكرنَا كثيرا مِنْهَا فِي الأقراباذين. وَالَّذِي نذكرهُ هَهُنَا فمما هُوَ مجرب نَافِع إخثاء الْبَقر وبعر الماعز الراعيتين للحشيش دون الْكلأ. وَهَذِه نُسْخَة ضمّاد مِنْهَا: يُؤْخَذ من هَذِه الأخثاء شَيْء ويغلى بِمَاء وملح ثمَّ يذر عَلَيْهِ كبريت مسحوق وَيجْعَل على الْبَطن وَأَيْضًا بعر الماعز مَعَ بَوْل الصَّبِي وَأَيْضًا زبل الْحمام وحبّ الْغَار والايرسا. وَمن الْقوي فِي هَذَا الْبَاب إخثاء الْبَقر بعر الماعز يَجْعَل فِيهِ شَيْء من الخربق وشبرم وَيجمع ببول اللقَاح ويضمد بِهِ. وَمن الضمادات أَن يلصق الودع المشقوق وَيتْرك على بطن المستسقي بِحَالهِ وَبعد الدقّ بصدره ويصبر عَلَيْهِ إِلَى أَن يجِف بِنَفسِهِ. وَمن الضمادات الجيدة ضمّاد يُوَافق الاسْتِسْقَاء: ونسخته يطْبخ التِّين اللحيم بِمَاء ويخلط مَعَه مازريون مسحوق جُزْء نطرون جزآن كمافيطوس جُزْء وَنصف يتَّخذ ضماداً فَإِنَّهُ نَافِع. آخر قوي جدا: يُؤْخَذ صمغ الصنوبر وشمع وزوفا رطب وزفت وصمغ البطم من كل وَاحِد ثَلَاث درخميات ميعة وَهُوَ الإصطرك ومصطكي وصبر وزعفران وأطراف الأفسنتين وأشق من كل وَاحِد درخمي جندبادستر وكبريت وحماما وصدف السّمك الْمَعْرُوف بسيفا من كل وَاحِد نصف درخمي ذرق الْحمام وحرف بابلي وزهر الْقصب فِي الْبحيرَة من كل وَاحِد ثَلَاث درخميات سوسن أسمانجوني أَربع درخميات بورق أَحْمَر درخمي يخلط بدهن البابونج. وَإِذا كَانَ فِي الكبد ورم نفع الضماد الْمُتَّخذ من حشيش السنبل والزعفران وَحب البان والمصطكي وإكليل الْملك وعساليج الْكَرم والبابونج والأدهان المطيبة. وَمن المراهم: مرهم بِهَذِهِ الصّفة ونسخته: يُؤْخَذ المارقشيتا والكبريت الْأَصْفَر والنطرون والأشق من كل وَاحِد جُزْء وَمن الكمون جزآن وَثلثا جُزْء يجمع بشمع وعلك البطم وشراب وَيُوضَع على الْبَطن ومرهم الجندبادستر ومرهم الأفسنتين ومرهم الإيرسا ومرهم الفربيون ومرهم شَحم الحنظل والمرهم الْمُتَّخذ بِالْخِلَافِ ومرهم حبّ الْغَار ومرهم البزور ومرهم بولور حيوش. وَمن الذرورات: نطرون وملح مشويان يذرّ على الْبَطن وخصوصاً بعد دهن حَار مثل دهن قثاء الْحمار ودهن الناردين. وَقد يسْتَعْمل لَهُم الْأَدْوِيَة المحمّرة وَرُبمَا ضربوا أعضاءهم الطرفية بقضبان دقاق وَذَلِكَ غير مَحْمُود عِنْدِي. وَرُبمَا عَلقُوا على أحقابهم وَمَا يَليهَا المثانات المفنوخ فِيهَا أَو لَا أعرف فِيهَا كَبِير فَائِدَة. وَأما البزل من المراق فَاعْلَم أَنه قَلما نجع إِلَّا فِي قوي الْبدن جدا إِذا(2/546)
قدر بعده على رياضة معتدلة وعطش وتقليل غذَاء. وَيجب أَن لَا نقدم عَلَيْهِ مَا أمكن علاج غَيره وَالصَّوَاب أَن لَا يكون فِي دفْعَة وَاحِدَة فيستفرغ الرّوح دفْعَة وَتسقط الْقُوَّة بل قَلِيلا قَلِيلا وَأَن لَا يتَعَرَّض بِهِ لمنهوك. فَأَما صفة البزل فَإِن أفطيلوس أَمر أَن يُقَام قيَاما مستوياً إِن قدر عَلَيْهِ أَو يجلس جُلُوسًا مستوياً ويغمر الخدم أضلاعه ويدفعونها إِلَى أَسْفَل السرّة ثمَّ يشْتَغل بالبزل. فَإِن لم يقدر على ذَلِك فَلَا يبزله وَإِن أردْت أَن تبزله فَيجب أَن تبزل أَسْفَل السرّة قدر ثَلَاثَة أَصَابِع مَضْمُومَة ثمَّ يشقّ إِن كَانَ الاسْتِسْقَاء قد ابْتَدَأَ من المعي. وَإِن كَانَ من جَانب الكبد فلتجعل الشق من الْجَانِب الْأَيْسَر من السرّة. وَإِن كَانَ السَّبَب من الطحال فلتجعله من الْجَانِب الْأَيْمن من السُّرَّة وأرفق كي لَا تشقّ الصفاق بل لتسلخ المراق عَن الصفاق قَلِيلا إِلَى أَسْفَل من مَوضِع شقّ المراق ثمَّ تثقب المراق ثقباً صَغِيرا على أَن يكون ثقب المراق أَسْفَل من ثقب الصفاق حَتَّى إِذا أخرجت الأنبوبة انطبق ذَلِك الثقب فاحتبس المَاء لاخْتِلَاف الثقبين ثمَّ لتدخل فِيهِ أنبوبة نُحَاس فَإِذا أخذت المَاء بِقدر أنمة مُسْتَلْقِيا وَيجب أَن يُرَاعى النبض فَإِذا أَخذ يضعف قَلِيلا حبست المَاء وَإِذا أخرجت المَاء آخر الْإِخْرَاج بِقدر بقيت شَيْئا يَكْفِي الْخطب فِيهِ الْأَدْوِيَة المسهّلة. وَقد يكون بعد البزل الكي الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَقد تكوى الْمعدة والكبد وَالطحَال وأسفل السرّة بمكاوٍ دقيقة. وَرُبمَا تلطفوا فأخرجوا المَاء إِلَى الصفن وبزلوا من الصفن قَلِيلا قَلِيلا وَهُوَ تَدْبِير نجيع نَافِع وَذَلِكَ بالتعطيس وَبِكُل مَا يجذب المائية إِلَى أَسْفَل وَيجب حِينَئِذٍ أَن يتوقّى لِئَلَّا يَقع مِنْهُ الفتق وَأَن يكون ذَلِك بِمَا لَيْسَ فِيهِ ضَرَر آخر. وَرُبمَا نخسوا الأدرّة بإبر كَثِيرَة ليَكُون للْمَاء مراشح كَثِيرَة وَرُبمَا أعقب البزل مغصاً ووجعاً فَيجب أَن يسْتَعْمل صب دهن الشبت ودهن البابونج والأدهان الملينة على المغص وَمَوْضِع البزل وَيُوضَع عَلَيْهِ الضمّادات المعمولة بالحلبة وبزر الْكَتَّان وبزر الخطمي وَنَحْوه. وَرُبمَا اقْتصر على مَاء حَار ودهن يصبّ على البزل فَإِذا سكن المغص أزيل. وَأما الاستفراغات الْجُزْئِيَّة لَهُم بالأدوية فلنورد مِنْهَا أبواباً. وَهَذِه الْأَدْوِيَة المسهلة للمائية قد عددناها فِي الجداول والقوية مِنْهَا مثل ألبان اليتوعات وشجرها. وَأفضل مَا يكسر غائلتها الخلّ والسفرجل والتفاح وَحب الرُّمَّان وخصوصاً خلّ رَبِّي فِيهِ السفرجل وَنَحْوه أَو طبخ فِيهِ أَو ترك فِيهِ أَيَّامًا أَو رش عَلَيْهِ عصارته. وَمِمَّا يعجن بِهِ اليتّوعات مثل لبن الشبرم وَنَحْوه كالميبختج يعجن بِهِ ويحبب. والسكنجبين أفضل من ذَلِك إِذا حلّ فِي الْأُوقِيَّة مِنْهُ دانق من مثل لبن الشبرم وخصوصاً الشَّجَرَة الَّتِي يتَّخذ مِنْهَا الترياق المغراوي والفوشنجي. وأظن أَنه اللاعية والفربيون دَوَاء(2/547)
يسقى مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ فِي صفرَة الْبيض النيمبرشت فَإِنَّهُ قد ينفع فِي الأقوياء مرَارًا مَعَ خطر عَظِيم فِيهِ والروسختج وتوبال النّحاس وخصوصاً معجوناً بلبّ الْخبز محبباً وحشيشة تسمى مدرانا وعصارة قثاء الْحمار وَالشرَاب المنقوع فِيهِ شَحم الحنظل. والمازريون من جملَة اليتّوعات قوي فِي هَذَا الْبَاب وإصلاحه أَن ينقع فِي الخلّ وَقد يتَّخذ من خله سكنجبين والأشق قد يسقى إِلَى دِرْهَمَيْنِ بِمَاء الْعَسَل. وَمِمَّا هُوَ قريب الِاعْتِدَال السكبينج والايرسا وبزر الأبخرة مقشّراً من قشرة معجوناً بِعَسَل وَمَاء ورق الفجل. وَأما الَّتِي هِيَ أسلم وأضعف فماء القاقلي نصف رَطْل مَعَ سكر الْعشْر وَمَاء الكاكنج وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب وسكنجبين المازريون وَلبن اللقَاح الْمُدبر وَمَاء الْجُبْن المدبّر بِقُوَّة الايرسا والمازريون وتوبالَ النّحاس وَنَحْوه. نُسْخَة جَيِّدَة: مَاء الْجُبْن يَجْعَل على الرطل مِنْهُ دِرْهَم ملح إندراني وَخَمْسَة دَرَاهِم تَرَبد مسحوق يغلى بِرِفْق وَتُؤْخَذ رغوته ويصفى وَيبدأ ويسقى مِنْهُ ثلث رَطْل وَيُزَاد قَلِيلا قَلِيلا إِلَى رَطْل فَإِنَّهُ ينقص المَاء بِلَا تسخين. وأجود مَاء الْجُبْن مَا اتخذ من لبن اللقَاح وأفضله للمحرورين الْمُتَّخذ من لبن الماعز وَلبن الأتن. وَمن الْأَدْوِيَة المقاربة لذَلِك وينفع الاسْتِسْقَاء الْحَار أَن ينقع فلق من السفرجل فِي الخلّ ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ يدق مَعَ وَزنه من المازريون الطري دقاً شَدِيدا حَتَّى يخلط ويلقى عَلَيْهِ نصف قدر الْخلّ سكّراً وبطيخ حَتَّى يسير فِي قوام الْعَسَل ويخلط الْجَمِيع. وَقد يقرب من هَذِه الْحُبُوب المتخذة من بور المازريون مَعَ سكّر الْعشْر وَهُوَ مِمَّا لَا خطر فِيهِ للحارة أَيْضا. وَمن المعاجين: الكلكلانج ومعجنون لنا بخبث الْحَدِيد والمازريون فِي الأقراباذين ومعجون لبَعْضهِم. ونسخته: يُؤْخَذ من بزر الهندبا وبزر كشوث عشرَة عشرَة عصارة الطرحشقوق مجففة وزن عشْرين درهما عصارة الأمبر باريس خَمْسَة عشر درهما لَك مغسول وراوند صيني من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم عصارة الأفسنتين سَبْعَة دَرَاهِم عصارة قثاء الْحمار وشحم الحنظل خَمْسَة خَمْسَة غاريقون سَبْعَة يعجن بالجلاب ويسقى بِمَاء الْبُقُول. هَذَا دَوَاء جيد ذكره بعض الْأَوَّلين وانتحله بعض الْمُتَأَخِّرين وَهَذَا آمن جانباً من الكلكلانج وَفِيه تَقْوِيَة وإسهال قوي. وَمن الْأَشْرِبَة: شراب الايرسا وشراب بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ نُحَاس محرق جيدا مِثْقَال ويسحق وَفرق الْحمام مِثْقَال وَثَلَاثَة من قضبان السذاب وَشَيْء يسير من ملح الْعَجِين يشرب ذَلِك بشراب. وَمن الْحُبُوب حبّ فيلغريوس وَصفته: يُؤْخَذ توبال النّحاس وورق المازريون وبزر أنيسون من كل وَاحِد جُزْء ويتخذ مِنْهُ حب ويسقى الْقوي مِنْهَا مِثْقَالا والضعيف درهما. وَأَيْضًا: حب الشعثا وَحب بهْرَام وَحب الْخَمْسَة وحبّ السكبينج وَحب المازريون وَهُوَ غَايَة للزقي. كَمَا أَن حب الراوند غَايَة للحمي وَحب الْمقل وحبّ الشبرم وحبوب ذَكرنَاهَا فِي الأقراباذين. وحبّ بِهَذِهِ الصّفة ونسخته: يُؤْخَذ لبن الشبرم وعصارة الأفسنتين وسنبل وَتَربد(2/548)
من كل وَاحِد دانق غاريقون ورد من كل وَاحِد نصف دِرْهَم يحبب بِمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَيشْرب فَإِنَّهُ نَافِع جدا. أُخْرَى: يُؤْخَذ قشر النّحاس كمافيطوس وأنيسون أَجزَاء سَوَاء يحبّب وَيبدأ مَه بدرخمي وَاحِد ويتصاعد. وَأَيْضًا: من الأقراص قرص الراوند الْكَبِير المسهل وأقراص المازريون بالبزور وأقراص المازريون نُسْخَة أُخْرَى مَعْرُوفَة. وَأما الاستحمامات: فَيكْرَه لَهُم الرطب مِنْهَا. وأجودها لَهُم الْيَابِس وأجود الْيَابِس تنّور مسجّر بِقدر يحْتَمل الْمَرِيض أَن يدْخلهُ وخصوصاً صَاحب اللحمي. وَإِذا أَدخل يتْرك رَأسه خَارِجا إِلَى الْهَوَاء الْبَارِد ليتأدى الْهَوَاء الْبَارِد إِلَى نَاحيَة الْقلب والرئة فيبرد قلبه وَلَا يعظم عطشه ويتحلل بدنه عرقاً غزيراً نَافِعًا. وَإِن كَانَ الرطب فمياه الحمّامات الحارة البورقية والكبريتية والشّبية الْمَعْرُوفَة المجففة انْتفع بهَا جدا فِي مُنْتَهى الْعلَّة خُصُوصا صَاحب اللحمي يتَكَرَّر فِيهَا فِي الْيَوْم مَرَّات. فَإِن لم تسْقط الْقُوَّة وَأمكنهُ أَن يُقيم فِيهَا يَوْمًا بِطُولِهِ فعل. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَاء الْبَحْر إِذا فتّر وسخّن. وَأما الْبَارِد والسباحة فِيهِ فَذَلِك فِي الْأَمر شَدِيد الْمُوَافقَة. وَمن فَضَائِل مياه الحمّامات التَّمَكُّن من تَدْبِير النَّفس الْبَارِد الَّذِي يعوز مثله فِي الحمّام فَإِن لم يحضرهُ مياه الحمامات فاحلل الْمِيَاه العذبة بِمَا يخلط بهَا من الْأَدْوِيَة ويطبخ فِيهَا مثل البورق والكبريت والأشنان والخردل والنورة والعقاقير الْأُخْرَى الْمَعْلُومَة الَّتِي تشاكلها قبل الْيَأْس. وَهَذِه الْمِيَاه يجب أَن تلقى من صَاحب الزقي والطبلي بَطْنه وَمن صَاحب اللحمي جَمِيع الْبدن. وَأما الاسْتِسْقَاء الْحَار فَهُوَ إِمَّا تَابع لورم حَار أَو تَابع لمزاج حَار بِلَا ورم لضعف الْقُوَّة الْمُغيرَة وَلَيْسَ حمرَة المَاء دَلِيلا على هَذَا النَّوْع من الاسْتِسْقَاء لَا محَالة فَرُبمَا كَانَ صبغه لقلّته بل اعْتمد فِيهِ على سَائِر الدَّلَائِل ثمَّ عالج. وَيجب أَن يجْتَنب هَذَانِ جَمِيعًا الْأَدْوِيَة الحارة الْبَتَّةَ فتزيد فِي السَّبَب فتزيد فِي الْعلَّة بل يكون فِيهَا خطر عَظِيم. وَلَا يجب أَن تلْتَفت إِلَى من يَقُول أَن الاسْتِسْقَاء لَا يبرأ إِلَّا بالأدوية الحارة. فكثيراً مَا برأَ فِيمَا شَاهَدْنَاهُ وَفِيمَا جرب قبلنَا بِأَن عالجنا نَحن وَمن قبلنَا الأورام بعلاجها والمزاج الْحَار بالتبريد. وَرَأَيْت امْرَأَة نهكها الاسْتِسْقَاء وَعظم عَلَيْهَا فأكبت على شَيْء كثير من الرُّمَّان يستبشع ذكره فبرأت وَكَانَت دبرت بِنَفسِهَا وشهوتها هَذَا التَّدْبِير. وَمَعَ هَذَا أَيْضا فَيجب أَن تراعي جِهَة المائية المجتمعة فَإنَّك إِن راعيت جَانب الْحمى وَحدهَا كَانَ خطراً وَإِن راعيت جَانب المائية كَانَ خطأ فَيجب أَن تجمع بَين التدبيرين بِرِفْق ولتفرغ إِلَى المعتدلات ومقاومة الْأَغْلَب.(2/549)
وَاعْلَم أَنَّك إِن اجتهدت فِي إِبْرَاء الاسْتِسْقَاء والورم - والحمى قَائِم - فَإِنَّهُ لَا يمكنك - وَالتَّدْبِير فِي مثل هَذَا - أَن تسْتَعْمل مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الكاكنج وَمَاء الكرفس وَمَاء القاقلي وَكَذَلِكَ مَاء الطرحشقوق وَهُوَ التصعيد المرّ وَيجب أَن يخل بِهَذِهِ شَيْء من اللكّ والزعفران والراوند مَعَ هليلج أصفر وَأَن تسْتَعْمل أَيْضا عِنْد الضرورات مَا جَعَلْنَاهُ فِي الطَّبَقَة السافلة من المسهلات المازريونية وَغَيرهَا. وَيجب أَن تتأمل مَا قَالَه جالينوس فِي علاج مستسقي حَار الاسْتِسْقَاء وكتبناه بِلَفْظِهِ قَالَ جالينوس: مَا دبرت بِهِ الشَّيْخ صديقنا من استسقاء زقي مَعَ حرارة وَقُوَّة ضَعِيفَة غذيته بِلَحْم الجدي مشوياً وبالقبج والطيهوج وَنَحْوهَا من الطُّيُور وَالْخبْز الخشكار والقريص والمصوص والهلام بهَا والعدس بالخل عدسية صفراء وأوسعت عَلَيْهِ فِي ذَلِك لحفظ قوته وَلم آذن لَهُ فِي المرق الْبَتَّةَ إِلَّا يَوْم عزمي على سقيه دَوَاء فَكنت فِي ذَلِك الْيَوْم آذن لَهُ فِي زيرباج قبل الدَّوَاء وَبعده فَكَانَ لَا يكثر عطشه وأمرته أَن يَأْكُل هَذِه بخلّ متوسط الثقافة وأسهلته بِهَذَا الْمَطْبُوخ. ونسخته: يُؤْخَذ هليلج أصفر سَبْعَة دَرَاهِم شاهترج أَرْبَعَة دَرَاهِم حشيش الأفسنتين دِرْهَمَيْنِ حشيش الغافت دِرْهَمَيْنِ هندبا غضّ باقة سنبل الطّيب دِرْهَمَيْنِ بزر هندبا دِرْهَمَيْنِ ورد دِرْهَمَيْنِ يطْبخ بِثَلَاثَة أَرْطَال مَاء حَتَّى يصير رطلا ويمرس فِيهِ عشرَة دَرَاهِم سكرا وَيشْرب. وَأَيْضًا هَذَا الْحبّ ونسخته: يُؤْخَذ لبن الشبرم وَمثله سكر عقدته وَكنت أعْطِيه قبل غذائه وَرُبمَا عقدته بِلَحْم التِّين وأعطيته مِنْهُ حمصتين أَو ثَلَاثًا وسقيته بعده ربّ الحصرم والريباس وضمدت كبده بالباردة وبحب قيرس وبالمازريون المنقع بالخل. وَمن أطليته على الْبَطن: الطين الأرمني بالخل والماورد ودقيق الشّعير والجاورس وإخثاء الْبَقر وبعر الْمعز ورماد البلوط وَالْكَرم وَفِي الْأَحَايِين البورق والكبريت كلهَا بخل وَحَتَّى ضمدت كبده بالضماد الصندلي وَرُبمَا وضعت ضماد الصندل على نَاحيَة الكبد والمحللة على السُّرَّة والبطن وَقد أسهلته أَيْضا بشراب الْورْد بعد أَن أنقعت فِيهِ مازريون وَمرَّة دفت فِيهِ لبن الشبرم وأذنت لَهُ من الْفَوَاكِه فِي التِّين الْيَابِس واللوز وَالسكر وأمرته بمصابرة الْعَطش. وَإِن أفرط عَلَيْهِ مزجت لَهُ جلاباً بِمَاء وسقيته وَقد دققت ورق المازريون ونخلته وعجنته بِعَسَل التِّين وَكنت أَعْطيته مِنْهُ قبل الْأكل وَبعده. وَجُمْلَة فَلم أَدَعهُ يَوْمًا بِلَا نقص فَهَذِهِ أَقْوَاله. فِي أغذيتهم: وَأما الْغذَاء لأَصْحَاب الاسْتِسْقَاء فَيجب أَن يكون قَلِيلا ووجبة وَلَو أمكنه أَن يهجر الْخبز من الْحِنْطَة للزوجته وتسديده فعل ويقتصر على خبز الشّعير بالبزور. وَإِن كَانَ لَا بدّ فَيجب أَن يكون من خبز بنوري خشكار نضيج مجفف لِئَلَّا يقطن وَليكن من حِنْطَة غير علكة. وَمن النَّاس من يَجْعَل فِيهِ دَقِيق الحمص وَأَن يكون دسمهم من مثل زَيْت الأنفاق وَمن أغذيتهم الخلّ بالزيت المبزر والمفوه بِهِ فَإِنَّهُ يوافقهم. ومرق الْحجَّاج نَافِع لَهُم فَإِنَّهُ يجمع إِلَى الإدرار إصْلَاح الكبد. وَالطَّعَام الَّذِي يَتَّخِذهُ النَّصَارَى من الزَّيْتُون والجزر والثوم(2/550)
وَيجب أَن يكون مرقهم مَاء الحمص ومرقة للقنابر والديك الْهَرم والدجاج وخصوصاً بحشيش الماهنودانه وَتَكون اللحوم الَّتِي رُبمَا يتناولونها لحرم الطير الْخفاف مثل الدراج والدجاج والشفانين والقبج والفواخت والقنابر وَلحم القطا والغزلان والجداء وصغار السّمك البمزرة الملطفة والحريفة الْمُقطعَة وملح الأفعى جيد لَهُم جدا وَلكنه رُبمَا أفرط فِي الْعَطش وبقولهم مثل أصل الكرفس والسلق والبقلة الْيَهُودِيَّة والهندباِ والشاهترج وَقَلِيل من السرمق والكرّاث والسذاب وورق الكراويا والفوذنج والثوم وَالْكبر والخردل. والحبوب كل تَضُرهُمْ وخاصة أَصْحَاب الطبلي. وَأما اللبوب فالفستق والبندق واللوز المر يَنْفَعهُمْ وَرُبمَا رخص لَهُم فِي وَقت مسفوف فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَلَا رخصَة لَهُم فِي شَيْء من الْفَوَاكِه الرّطبَة اللينة إِلَّا الرُّمَّان الحلو. وَأما الشَّرَاب فَلَا يقربن مِنْهُ صَاحب الاسْتِسْقَاء الْحَار وَأما صَاحب الاسْتِسْقَاء الْبَارِد فَيجب أَن لَا يشرب مِنْهُ إِلَّا الرَّقِيق الْعَتِيق الْقَلِيل لَا على الرِّيق وَلَا على الطَّعَام بل بعد حِين. وَإِذا علم انحدار الطَّعَام من الْمعدة. وَأما الحقن والشيافات فالحقن المتخذة من الْمِيَاه المخرجة للمائية مَعَ مثل السكبينج والايرسا وَنَحْوه. شياف: يستفرغ المَاء استفراغاً جيدا يُؤْخَذ بزر أنجرة خمسين عددا حب الماهنوندانه ثَلَاثِينَ عددا غاريقون سَبْعَة قراريط قشر النّحاس ثَلَاثُونَ درخمي يخلط مَعَ لبوب الْخبز وَيعْمل شيافاً ويتناول مَعَه سِتَّة قراريط أَو تِسْعَة. وَأما المدرات فَجَمِيع المدرات تنفعهم. وَمِمَّا هُوَ جيد لَهُم دَوَاء يدر الْبَوْل يُؤْخَذ بزر أنجرة تِسْعَة قراريط خربق أسود مثله كاكنج درخميان سنبل هندي درخمي يخلط ويتناول. الشربة مِنْهُ مِثْقَال بشراب الأفاويه. آخر يدر الْبَوْل: يُؤْخَذ عيدَان البلسان وسنبل الطّيب وسليخة وكمون وأصل السوسن وأوفاريقون وفقاح الْإِذْخر ولوف وقسط وجزر بري وحماما وسمربيون وَهُوَ صنف من الكرفس الْبري وفطراساليون وَهُوَ بزر الكرفس الْجبلي وقصبة الذريرة وفلفل وكاكنج وساليوس وَهُوَ الانجذان الرُّومِي من كل وَاحِد درخمي يخلط الْجَمِيع والشربة مِنْهُ دِرْهَمَانِ.(2/551)
فصل فِي علاج الاسْتِسْقَاء اللحمي الْأُصُول الْكُلية نافعة فِي الاسْتِسْقَاء اللحمي وَمَعَ ذَلِك فقد ذكرنَا فِي بَاب الاسْتِسْقَاء الزقي إشارات إِلَى معالجات الاسْتِسْقَاء اللحمي. وَقد تقع الْحَاجة فِيهِ إِلَى الفصد وَإِن كَانَ السَّبَب فِيهِ احتباس دم الطمث أَو البواسير وَكَانَ هُنَاكَ دَلَائِل الامتلاء فَإِن فِي الفصد حِينَئِذٍ إِزَالَة الخانق المطفئ. والفصد أَشد مُنَاسبَة للحي مِنْهُ للزقي وَإِذا كَانَ مَعَ اللحمي حمى لم يجز إسهال بدواء وَلَا فصد مَا لم يزل. وأقراص الشبرم وشربها على مَا وَصفنَا فِي بَاب الزقي أَشد ملائمة للحمي مِنْهَا لسَائِر أَنْوَاع الاسْتِسْقَاء ولين الطبيعة مِنْهُم صَالح لَهُم جدا. فَلَا يجب أَن تحبس بل يجب أَن تطلق دَائِما وَلَو بالدواء المعتدل وينفع الْقَذْف وَتَنْفَع الغراغر المنقية للدماغ وينفع الإسهال. وأفضله مَا كَانَ بحبّ الراوند. وللاستسقاء وخصوصاً اللحمي رياضة تبتدئ أَولا مُسْتَلْقِيا ثمَّ مُتَمَكنًا على ظهر الدَّابَّة ثمَّ مَاشِيا قَلِيلا على أَرض لينَة رملية. وَمِنْهُم من يمسح الْعرق لِئَلَّا يُؤثر كبّ الرشح الأول على الثَّانِي سدداً ويتعرض بعد الرياضة للتسخين خُصُوصا بالشمس فَإِنَّهَا قَوِيَّة الغوص وَإِذا اشْتَدَّ حر الشَّمْس وقى الرَّأْس لِئَلَّا يُصِيبهُ عِلّة دماغية ويكشف سَائِر الْأَعْضَاء وَيكون مضطجعه الرمل إِن وجده فَإِنَّهُ صَالح لما ذكرنَا بالمدرات الْمَذْكُورَة. فَإِذا أدر مِنْهُ الْعرق مَسحه ودهن بِمثل دهن قثاء الْحمار وَنَحْوه. ويتوقى مهاب الرِّيَاح الْبَارِدَة وَيجب أَن يشرب دَوَاء اللكّ ودواء الكركم وَكَذَلِكَ الكلكلانج أَيْضا وَيسْتَعْمل المدرات الْمَذْكُورَة والمسهّلات الَّتِي فِيهَا تلطيف وتجفيف وَمِنْهَا أَقْرَاص الغافت مَعَ الأبهل فِي مَاء الْأُصُول وَفِي السكنجبين الْبزورِي إِن كَانَت حرارة. والأدوية المفردة فِي الزقّي نافعة فِي هَذَا كُله حَتَّى السكبينج والقسط والمازريون والفربيون. وطبيخ الابهل نَافِع جدا. وَإِن طبخ وَحده بِقدر مَا يحمّر المَاء مِنْهُ ثمَّ يُؤْخَذ وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم إبهل وَيشْرب من ذَلِك المَاء عَلَيْهِ ويسقى أَيْضا نانخواه وكمون وملح الطبرزذ. وَأما الَّذِي عَن سَبَب حَار فَيجب أَن يفصد ليخرج الصديد الرَّدِيء ويدرّ. فَإِذا انتقت الْعُرُوق أصلح مزاج الكبد بِمَا يرد الكبد عَن الالتهاب إِلَى المزاج الطبيعي وتغذيه اللحمي الْبَارِد والحار وتعطيشه كَمَا فِي الزقي الْبَارِد والحار بِعَيْنِه. فصل فِي علاج الاسْتِسْقَاء الطبلي القانون فِي علاجه أَن يستفرغ الْخَلْط الرطب إِن كَانَ هُوَ لاحتباسه سَببا للنفخة وَرُبمَا احْتَاجَ إِلَى استفراغ المائية وَإِلَى البزل أَيْضا كالزقي وَأَن تقوّي الْمعدة إِن كَانَ السَّبَب ضعفها أَو يعدل(2/552)
والفصد لَا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا فِي النَّادِر بل الأولى أَن يسهّل الطبيعة بِرِفْق وَيجب أَن لَا يكثر من المسهّلات وَيجب أَيْضا أَن يسْتَعْمل المدرات وَلَكِن لَا يفرط فِيهَا فَإِن الإفراط فيهمَا يُؤَدِّي إِلَى تولد أبخرة كَثِيرَة ثمَّ يسْتَعْمل المجشئات ومحلّلات الرِّيَاح ويدلك بَطْنه فِي الْيَوْم مرَارًا ويكمّد بالجاورس والنخالة إِن نَفعه وَكَذَلِكَ حبوب مشروبة وحمولات وَرُبمَا احْتَاجَ إِلَى وضع المحاجم الفارغة على بَطْنه مرَارًا. وَيجب أَن يجْتَنب الْحُبُوب والبقول والألبان والفواكه الرّطبَة. وَإِن كَانَ الاسْتِسْقَاء الطبلي مَعَ سوء مزاج حَار فَيجب أَن يسقى مثل مياه الرازيانج والكرفس وإكليل الْملك والبابونج والحسك. وَإِن كَانَ الاسْتِسْقَاء الطبلي من سوء مزاج بَارِد فَيجب أَن يسقى الكمون والأنيسون والجندبادستر والنانخواه وَأَن يمضغ الكمون. والكندر دَائِما يَنْفَعهُ معجون الوجّ بالشونيز وَهُوَ مَذْكُور فِي القرابادين وَأَيْضًا يَنْفَعهُ ورق القماري إِذا مضغ دَائِما وَكَذَلِكَ السعد والدوقو من كل وَاحِد وزن دِرْهَمَيْنِ. وَأَيْضًا نانخواه وإبهل وكمون ملح طبرزذ والحمولات يُؤْخَذ كمون وبورق وورق سذاب وَيسْتَعْمل مِنْهُ شيافة بعد أَن تراعى الْقُوَّة وَالْوَقْت. وَمن الحقن دهن السذاب نَفسه أَو مَعَ البزور المحللة وَكَذَلِكَ دهن الكرفس ودهن الدارصيني وَكَذَلِكَ البزور المحللة للرياح مطبوخاً.(2/553)
(الْفَنّ الْخَامِس عشر أَحْوَال المرارة وَالطحَال)
وَهُوَ مقالتان: الْمقَالة الأولى تشريح المرارة وَالطحَال وَفِي اليرقان فصل فِي تشريح المرارة اعْلَم أَن المرارة كيس معلّق من الكبد إِلَى نَاحيَة الْمعدة من طبقَة وَاحِدَة عصبانية وَلها ضمّ إِلَى الكبد ومجرى فِيهِ يجذب الْخَلْط الرَّقِيق الْمُوَافق لَهَا والمرار الْأَصْفَر ويتصل هَذَا المجرى بِنَفس الكبد وَالْعُرُوق الَّتِي فِيهَا يتكون الدَّم وَله هُنَاكَ شعب كَثِيرَة غائصة وَإِن كَانَ مدْخل عمودها من التقعير والفم ومجرى إِلَى نَاحيَة الْمعدة. والأمعاء ترسل فِيهِ إِلَى ناحيتهما فضل الصَّفْرَاء على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْكتاب الأول. وَهَذَا المجرى يتَّصل أَكثر شعبه بالاثني عشري وَرُبمَا اتَّصل شَيْء صَغِير مِنْهُ بِأَسْفَل الْمعدة وَرُبمَا وَقع الْأَمر بالضد فَصَارَ الْأَكْبَر الْمُتَّصِل بالوعاء الأغلظ إِلَى أَسْفَل الْمعدة والأصغر إِلَى الاثْنَي عشري. وَفِي أَكثر النَّاس هُوَ مجْرى وَاحِد مُتَّصِل بالاثني عشري. وَأما مدْخل الأنبوبة المصاصة للمرارة فِي المرارة فقريب من مدْخل أنبوبة المثانة فِي المثانة. وَمن عَادَة الْأَطِبَّاء الأقدمين أَن يسموا المرار الْكيس الْأَصْغَر كَمَا أَنه من عَادَتهم أَن يسموا المثانة الْكيس الْأَكْبَر وَمن الْمَنَافِع فِي خلقَة المرارة تنقية الكبد من الْفضل الرغوي وَأَيْضًا تسخينها كالوقود تَحت الْقدر وَأَيْضًا تلطيف الدَّم وَتَحْلِيل الفضول وَأَيْضًا تَحْرِيك البرَاز وتنظيف الأمعاء وشدّ مَا يسترخي من العضل حوله وَإِنَّمَا لم يخلق فِي الْأَكْثَر للمرارة سَبِيل إِلَى الْمعدة لتغسل رطوباتها بالمرة كَمَا تغسل بهَا فِي رطوبات الأمعاء لِأَن الْمعدة تتأذى بذلك وتغثّي وَيفْسد الهضم فِيهَا بِمَا يخالط الْغذَاء من خلط رَدِيء ويأتيها من الْعرق الضَّارِب. وللعصبة الَّتِي تتصل بالكبد شعبتان صغيرتان جدا والمرارة كالمثانة طبقَة وَاحِدَة مؤلفة من أَصْنَاف الليف الثَّلَاثَة وَإِذا لم(2/554)
تجذب المرارة المرار أَو جذبت فَلم تستنق عَنهُ حدثت آفَات فَإِن الصَّفْرَاء إِذا احْتبست فَوق المرارة أَو رمت الكبد وأورثت اليرقان وَرُبمَا عفنت وأحدثت حميات رَدِيئَة. وَإِذا سَالَتْ إِلَى أَعْضَاء الْبَوْل بإفراط قرحت وَإِذا سَالَتْ إِلَى عُضْو مَا أحدثت الْحمرَة والنملة وَإِذا دبت فِي الْبدن كُله سَاكِنة غير هائجة أحدثت اليرقان وَإِذا سَالَتْ عَن المرارة إِلَى الأمعاء بإفراط أورثت الإسهال المراري والسحج. فصل فِي تشريح الطحال إِن الطحال بِالْجُمْلَةِ مفرغة ثفل الدَّم وحرافته وهما السَّوْدَاء الطبيعية والعرضية وَله شَأْن مَا وَقُوَّة فَهُوَ يُقَاوم الْقلب من تَحت والكبد والمرارة من جَانب. وَإِذا جذب كدورة الدَّم هضمها فَإِذا حمضت أَو عفصت وصلحت لدغدغة فَم الْمعدة ودباغته واعتدل حرهَا أرسلها إِلَيْهِ فِي وريد عَظِيم. وَإِذا ضعف الطحال عَن تنقية الكبد وَمَا يَليهَا من السَّوْدَاء حدثت فِي الْبدن أمراض سوداوية من السرطان والدوالي وداء الْفِيل والقوباء والبهق الْأسود والبرص الْأسود بل من المالنخوليا والجذام وَغير ذَلِك وَإِذا ضعف عَن إِخْرَاج مَا يجب أَن يخرج عَن نَفسه من السَّوْدَاء وَجب أَيْضا أَن يكبر ويعظم ويرم وَأَن لَا يكون لما يتولّد فِيهِ من السَّوْدَاء مَكَان فِيهِ وَأَن يحتبس مَا يدغدغ فَم الْمعدة. وَإِذا أرسل بإفراط اشْتَدَّ الْجُوع وَإِن كَانَ حامضاً وَكَانَ لَيْسَ بمفرط فيغثي ويقيء وَرُبمَا أحدث فِي الأمعاء سحجاً سوداوياً قتالاً وَإِذا سمن الطحال هزل الْبدن وهزل الكبد فَهُوَ أَشد ضداً للكبد وَرُبمَا احترقت السَّوْدَاء فِي الطحال لَا إِلَى الحموضة المعتدلة وَرُبمَا انصب كثيرا فَاحِشا إِلَى الْمعدة فأحدث الْقَيْء السوداوي وَرُبمَا كَانَ لَهُ أدوار وَعرض مِنْهُ الْمَرَض الْمُسَمّى انقلاب الْمعدة. وَإِذا كثر استفراغ السَّوْدَاء وَلم تكن هُنَاكَ حمى فَهُوَ لضعف الماسكة أَو الْقُوَّة الدافعة وَإِذا كثر احتباسها فبالضد. وَالطحَال عُضْو مستطيل لساني مُتَّصِل بالمعدة من يسارها إِلَى خلف وَحَيْثُ الصلب يجذب السَّوْدَاء بعنق مُتَّصِل بتقعيرِ الكبد تَحت مُتَّصِل عنق المرارة ويدفعها بعنق نابت من بَاطِنه وتقعيرة يَلِي الْمعدة وحسبته تلِي الأضلاع وَلَيْسَ تعلقهَا بالأضلاع برباطات كَثِيرَة وقوية بل بقليلة ليفية منسدة بأغشية الأضلاع. وَمن هَذَا الْجَانِب يتَّصل بالعروق الساكنة والضاربة. وجانبه المقعر المسطوح يقبل على الكبد(2/555)
والمعدة وَإِن كَانَ موار بالأسفل الكبد. وَاقعا عِنْد أَسْفَل الْمعدة ويصل بَينه وَبَين الْمعدة عرق يلتحم بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا وَفِيه الباسليق أَيْضا ويدعمه الصفاق المطوي طاقين بشعب تتفرق مِنْهُ فِيهِ كَثِيرَة الْعدَد صَغِيرَة الْمَقَادِير تدَاخل الطحال والثرب. وَفِي الطحال عروق ضوارب وَغير ضوارب كَثِيرَة ينضج فِيهَا الدَّم وتشبه بجوهره ثمَّ تدفع الْفضل وجرمه سخيفاً ليسهل قبُوله للفضل الغليظ السوداوي الَّذِي يداخله ويغشيه غشاء فصل فِي اليرقان الْأَصْفَر وَالْأسود اعْلَم أَن اليرقان تغير فَاحش من لون الْبدن إِلَى صفرَة أَو سَواد لجَرَيَان الْخَلْط الْأَصْفَر أَو الْأسود إِلَى الْجلد وَمَا يَلِيهِ بِلَا عفونة لَو كَانَت لصحبها غبّ فِي الصَّفْرَاء أَو ربع فِي السَّوْدَاء. وَسبب الْأَصْفَر فِي أَكثر الْأَمر هُوَ من جِهَة الكبد وَمن جِهَة المرارة. وَسبب الْأسود من الطحال. وَقد يكون من الكبد وَقد يتَّفق أَن يكون سَبَب الْأَصْفَر والأَسود مَعًا هُوَ المزاج الْعَام للبدن. فلنتكلم أَولا فِي اليرقان الصفراوي فَنَقُول: أَن اليرقان الصفراوي إِمَّا أَن يكون لِكَثْرَة تولد الصَّفْرَاء أَو لِامْتِنَاع استفراغها وَكَثْرَة مَا يتَوَلَّد مِنْهَا إِمَّا بِسَبَب الْعُضْو المولّد أَو بِسَبَب الْمَادَّة الَّتِي مِنْهَا تتولد أَو لأسباب غَرِيبَة. والعضو المولّد فِي الطَّبْع هُوَ الكبد فَإِنَّهَا إِذا سخنت جدا للأسباب المسخنة أَو الأورام فِي الكبد وَفِي مجاري الصَّفْرَاء أَو لسدد تحتبس الْمرة أَو لمرارة أَو لحرارة مزاج الْمرة فتسخّن الكبد جدا أحدثت الصَّفْرَاء على مَا علمت فِي موَاضعه وَأما المولد لَا فِي الطَّبْع فَهُوَ جَمِيع الْبدن إِذا سخن سخونة مفرطة أحَال جَمِيع مَا فِيهِ من الدَّم إِلَى الصَّفْرَاء والمادة هِيَ الأغذية. وَإِذا كَانَت من جنس مَا تتولد مِنْهَا الصَّفْرَاء إِمَّا لحرارة مزاجها وَإِمَّا لسرعة استحالتها إِلَى الْحَرَارَة كاللبن فِي الْمعدة الحارة لم تخل عَن توليد الصَّفْرَاء الْكَثِيرَة. وَأما الْأَسْبَاب الغريبة فَمثل حر من خَارج يشْتَمل عَلَيْهِ أَو يفشو فِيهِ بِسَبَب مثل لسعة من جرارة أَو حَيَّة أَو ضرب من الزنابير الخبيثة أَو عضّ مثل قملة النسْر. وَقد تَفْعَلهُ الْأَدْوِيَة المشروبة كمرارة النمر والأفعى إِذا كَانَا بِحَيْثُ لَا يقتلان. والسمّي فِي الْأَكْثَر يظْهر دفْعَة وَمَا يكون من اليرقان لكثره الصَّفْرَاء فقد يكون انتشارها من نَفسهَا لشدَّة الْغَلَبَة على الدَّم وَقد يكون على سَبِيل دفع من الطبيعة وَهُوَ اليرقان البحراني وَهَذِه الْكَثْرَة قد يتَّفق أَن تتولد دفْعَة وَقد تتولد قَلِيلا قَلِيلا وَفِي الْأَيَّام إِذا كَانَ مَا يتَوَلَّد لَا يتَحَلَّل لكثافة الْجلد أَو غلظ الْمَادَّة. ولهذين السببين مَا يكثر اليرقان عِنْد هيجان الرِّيَاح الشمالية وَفِي الشتَاء(2/556)
الْبَارِد وَعند احتباس الْعرق الْمُعْتَاد. وَكَثْرَة تولد الصَّفْرَاء قد تكون فِي الكبد وَقد تكون فِي الْبدن كُله على مَا قد علمت وَقد تكون بِسَبَب الأورام الحارة حَيْثُ كَانَت لما تغير من المزاج إِلَى الْحَرَارَة فيكثر تولد الصَّفْرَاء فَيحدث اليرقان عَن مجاورة أورام حارة لتغيرها المزاج وَإِن كَانَ قد يحدث ذَلِك أَيْضا على سَبِيل التسديد وَمنع الاستفراغ. والباردة أولى بتوليد المرار الْأسود فَهَذَا هُوَ الْكَائِن بِسَبَب الْكَثْرَة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب عدم الاستفراغ فإمَّا أَن يكون عَن الاستفراغ عَن الكبد أَو عَن المرارة أَو عَن الأمعاء والأعضاء الْأُخْرَى وَإِذا لم تستفرغ عَن الكبد فإمَّا أَن يكون السَّبَب فِي الْفَاعِل أَو يكون فِي الْآلَة. وَالسَّبَب الَّذِي فِي الْفَاعِل هُوَ ضعف الْقُوَّة المميزة أَو ضعف الْقُوَّة الدافعة. وَالسَّبَب الَّذِي فِي الْآلَة فَهُوَ انسداد المجرى أَو مَا بَين الكبد والمجرى. وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا يتولّد عَن أورام الكبد الحارة والصلبة. وَمن هَذَا الْقَبِيل اليرقان الَّذِي يكون مَعَ برد يُصِيب قَعْر الكبد فَيقبض مجاريها. وَالَّذِي يكون من انضغاط أَيْضا وَسَائِر أَسبَاب السدد. وَاعْلَم أَنه إِذا حصلت سدة تحبس الصَّفْرَاء فِي الكبد فِي أَي الْمَوَاضِع كَانَت من الكبد والمرارة وَجب أَن يصير الكبد أسخن مِمَّا هُوَ فيتولد المرار أَيْضا أَكثر مِمَّا كَانَ يتولّد فِي حَال السَّلامَة. وَأما الْكَائِن بِسَبَب المرارة فإمَّا لِضعْفِهَا عَن الجذب من الكبد لَا سِيمَا إِذا كَانَ مَعَ ضعف الكبد عَن التَّمْيِيز وَالدَّفْع أَو لشدَّة قُوَّة جاذبتها فيملأها جذباً دفْعَة وَاحِدَة وَلَا يَسعهَا غير مَا يملأها ويمددها كثيرا فَتسقط قوتها فَلَا تجذب. وَإِمَّا لوُقُوع سدة فِي مجْراهَا إِلَى الأمعاء وَقد تكون تِلْكَ السدة بِسَبَب شدَّة اكتناز مِنْهَا لما سَالَ إِلَيْهَا من الصَّفْرَاء دفْعَة لِكَثْرَة تولّد أَو شدَّة دفع فِي الكبد أَو جذب من المرارة فينطبق على فَم المجرى مَا يحتبس. وَمَعَ ذَلِك فَإِن الْقُوَّة للأذى تضعف وَقد يكون لسَائِر أَسبَاب السدد. وَالَّذِي يكون فِي القولنج فَيكون لِأَن الْخَلْط اللزج يغري وَجه المجرى فَلَا ينصبّ المرار إِلَى الأمعاء وَهَذَا هُوَ الَّذِي سَببه القولنج. وَقد يكون من اليرقان مَا هُوَ مَعَ القولنج وَلَيْسَ سَببه القولنج بل هما جَمِيعًا مشتركان فِي سَبَب وَاحِد وَهُوَ سدة سبقت إِلَى مجْرى المرارة قبل حُدُوث القولنج فمنعت المرار أَن ينصب إِلَى الأمعاء ويغسلها فَلَمَّا منعت عرض أَن الأمعاء لم تنغسل وَكثر فِيهَا الرطوبات وهاج القولنج وَعرض أَن الصَّفْرَاء رجعت إِلَى الْبدن فهاج اليرقان وكل سدة فِي مجْرى الكبد إِلَى المرارة أَو فِي مجْرى المرارة إِلَى الأمعاء كَانَت من إلتحام أَو ثؤلول لم يرج برؤها. وَأما الْكَائِن عَن الأمعاء فَهُوَ مَا ظَنّه قوم من أَنه قد يعرض أَن يجْتَمع فِي الأمعاء.(2/557)
وخصوصاً قولون صفراء كَثِيرَة قد انصبت إِلَيْهِ وَلَيْسَت تخرج مِنْهُ لسَبَب حَائِل فَلَا تَجِد الْمرة الَّتِي فِي المرارة موضعا يفرغ فِيهِ وَإِن كَانَ المجرى مَفْتُوحًا وَهَذَا قَلِيل جدا وَكَأَنَّهُ بعيد لِأَن المرارة إِذا كثرت وحصلت فِي معي أخرجت نَفسهَا وَغَيرهَا إِلَّا أَن يكون عرض للحس أَن بَطل وللدافعة أَن سَقَطت. وَأما اليرقان الْأسود الطحالي نَفسه فِي وُجُوه تكونه على اليرقان المراري من حَيْثُ تكونه لسدد المجريين وَمن حَيْثُ كَونه لضعف بعض القوى وَقُوَّة بَعْضهَا. وَأما اليرقان الْأسود الكبدي فَرُبمَا كَانَ لشدَّة حرارة الكبد فيحرق الدَّم إِلَى السَّوْدَاء وتكثر السَّوْدَاء فِي الْبدن فَإِن أَعَانَهُ من الطحال والمجاري معاون تمّ الْأَمر وَرُبمَا كَانَ لشدَّة بردهَا فيتعكّر لَهَا الدَّم ويسودّ. وَقد يكون ذَلِك الْبرد مَعَ يبس وَقد يكون مَعَ رُطُوبَة وَقد يكون بِسَبَب أورام بَارِدَة وصلبة. وَأما اليرقان الْأسود الَّذِي بِسَبَب الْبدن كُله فإمَّا لشدَّة حرارة الْبدن فيحرق الدَّم سَوْدَاء أَو لشدَّة بروده فيجمده ويسوده. وكل يرقان أصفر أَو أسود يكون سَببه الْبدن كُله فَهُوَ بِسَبَب الْعُرُوق المنبثة فِي الْبدن وَيكون فَسَاد اسْتِحَالَة الدَّم إِلَيْهَا على قِيَاس فَسَاد اسْتِحَالَة الدَّم إِلَى مَادَّة الاسْتِسْقَاء اللحمي الكائنة مِنْهُ إِن لم يكن هُنَاكَ فَسَاد ظَاهر فِي الكبد بل كَانَ فِي الْعُرُوق فَقَط. وَقد يمكنك أَن تقدم فتعلم أَن اليرقان الْأسود قد يكون للكثرة وَقد يكون للاحتباس وعَلى قِيَاس مَا قيل فِي الْأَصْفَر وَقد تَجْتَمِع اليرقانات مَعًا إِمَّا لِأَن الصَّفْرَاء المنتشرة يعرض لَهَا وللمخالطها من الدَّم الاحتراق فَيصير سَوْدَاء ويتركّب الخلطان أَو لِأَن فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا آفَة أَعنِي جَانب الكبد والمرارة وجانب الطحال. وَقد ظن قوم أَن الْأَصْفَر قد يعرض بَغْتَة وَالْأسود لَا يعرض بَغْتَة وذهبوا إِلَى أَن سَبَب تولّد الصَّفْرَاء أقوى من سَبَب تولد السَّوْدَاء والسوداء تتولد قَلِيلا قَلِيلا وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَإِن كَانَ الْأَكْثَر على مَا قَالُوا. وَقد يتَّفق أَيْضا أَن يكون اليرقان الْأسود بحراناً لأمراض الطحال وَمَا يشبهها إِذا لم تهتد الطبيعة إِلَى جِهَة النَّقْص لسَبَب معوّق. وَأكْثر أَصْحَاب اليرقان الْأَصْفَر تعتقل طبيعتهم لاحتباس المنبه اللذاع الَّذِي وَمن كَانَ بِهِ يرقان وَترك فَلم يعالجه وَلم تتحلل مادته خيف عَلَيْهِ الْخطر. وَكثير مِنْهُم يُصِيبهُ الْمَوْت فَجْأَة. وشرّ أَصْنَاف اليرقان الكبدي مَا كَانَ عَن ورم وَهُوَ الَّذِي ذكره أبقراط فَقَالَ: إِذا كَانَ الكبد فِي الماروق صلبة فَذَلِك دَلِيل رَدِيء. وَقد قَالَ أبقراط فِي بعض مَا ينْسب إِلَيْهِ: أَن من اليرقان ضربا رديئاً سريع الإهلاك وَيكون فِي بَوْل صَاحبه شَبيه بالكرسنّة أَحْمَر اللَّوْن وَيكون مَعَه غرز فِي الْبَطن وَحمى وقشعريرة ضَعِيفَة وَيكون ضعف فِي الْكَلَام من شدَّة الدوار وَهَذَا يقتل إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا.(2/558)
فصل فِي عَلَامَات اليرقان الْأَصْفَر اعْلَم أَن أَكثر اليرقانات الصفر والسود فَإِن زيد الْبَوْل يُصبغ فِيهَا وَكلما كَانَ الْبَوْل أَكثر صبغاً فَهُوَ أحدّ وأدل على سَلامَة الكبد وقوتها. وَأما الْكَائِن عَن سوء مزاج حَار فِي الكبد فعلاماته العلامات الْمَعْلُومَة كَانَت تِلْكَ العلامات مَعَ عَلامَة الورم الْحَار أَو لم تكن إِذا لم يبيضّ مَعَه الرجيع ابيضاضه فِي السددي بل رُبمَا انصبغ أَكثر وَلَا يحسّ بثقل يحس فِي السددي وتقل الشَّهْوَة وَيكثر الْعَطش وينحف الْبدن ويحمرّ الْبَوْل وقلما يكون دفْعَة. وَإِن كَانَ سَببه شدَّة حرافة الْمرة فِي المرارة والتهابها فِيهَا فعلامته دوَام اصفرار لون الْبدن وَسَوَاد الْوَجْه وَحده وَبَيَاض اللِّسَان والهزال واعتقال الطبيعة لشدَّة تجفيف المرارة للثقل وَبَيَاض الْبَوْل ورقته فِي الأول لاحتباس المرار فِي الْبدن دون الدَّافِع ثمَّ شدَّة اصفراره ثمَّ اسوداده وغلظه وَشدَّة نَتن رَائِحَته فِي الآخر. وَأما الْكَائِن عَن سوء مزاج حَار فِي الْبدن كُله فَأن يكون الْبدن كُله حَار الملمس وَفِيه حكة وَتَكون الشَّهْوَة قَليلَة مَعَ قبُول للغليظ والحلو وَقد يكون البرَاز قَرِيبا من الْمُعْتَاد إِلَى لين وَكَذَلِكَ الْبَوْل وَأَن تكون الْعُرُوق تحس حارة جيدا متغيرة اللَّوْن وَلَا يكون من بَيَاض الرجيع وَثقل نَاحيَة الكبد والمرارة مَا يكون فِي حَال السّديّ بل رُبمَا كَانَ البرَاز منصبغاً وَالْبدن خَفِيفا وَلَا يخْتَص بالكبد شَيْء من علاماته المفردة لَهُ وَلَا يكون دفْعَة كَون ضرب من السّديّ. وَإِن كَانَ لورم حَار أَو صلب علمت علاماته مِمَّا ذكر. وَأما السّديّ فَمن علاماتها اللَّازِمَة إبيضاض الرجيع فِي أَكثر الْأَوْقَات أَو قلَّة صفرته وَشدَّة اصفرار الْبَوْل فِي لَونه وَثقل فِي المراق والجانب الْأَيْمن ووجع وَنفخ عِنْد الْغذَاء وحكّة فِي جَمِيع الْبدن ويخف النّوم على الْجَانِب الْأَيْسَر لَكِن المراري مِنْهُ يبيضّ مَعَه البرَاز دفْعَة إبيضاضاً شَدِيدا فيبض البرَاز أَولا ثمَّ يحدث اليرقان. والكبدي لَا يبيض مَعَه البرَاز إِلَّا بتدريج فَإِن المرارة ترسل مَا فِيهَا من الْمرة قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن تفنى وَلذَلِك يبيض البرَاز قَلِيلا قَلِيلا إِلَى أَن يتم بياضه وَقد ظهر اليرقان. وَإِذا وَقعت السدة فِي مجْرى المرارة إِلَى الأمعاء وَاحْتبسَ البرَاز دفْعَة وَلم يكن فِي أَفعَال الكبد آفَة سالفة وَلَا فِي الْوَقْت إِلَّا بعد مَا يتَأَذَّى بِهِ من احتباس الْمرة فِيهَا وَلَا يجد سَبِيلا إِلَى المرارة احْتبسَ دفْعَة وَتَكون مرَارَة الْفَم. أَشد والعطش قَوِيا. والمراري كثيرا مَا يهيجه القولنج أَو يَصْحَبهُ على الْوَجْه الَّذِي أومأنا إِلَيْهِ وَمَا كَانَ من السّديّ سَببه برد أَو تقبض دلّ عَلَيْهِ الْأَحْوَال الْمَاضِيَة وَمن جملَته حَال الْبدن كُله. وَإِن كَانَ سَببه خلطاً غليظاً دلّ عَلَيْهِ التَّدْبِير الْمُتَقَدّم. وَأما إِن كَانَ سَببه نَبَات شَيْء أَو التحاماً دلّ عَلَيْهِ الدَّوَام من اليرقان ودوام عَلَامَات السدد وَقلة نفع اسْتِعْمَال(2/559)
المفتحات من الحقن وَغَيرهَا. وَمَا كَانَ السَّبَب فِيهِ ضعف الْقُوَّة الدافعة من الكبد أَو المميزة لم يكن صبغ الْبَوْل فِيهِ شَدِيدا جدا كَمَا يكون فِي السَّقْي فِي حَال مَا تكون الْقُوَّة المميزة والدافعة قويتين وَلَا ابيض البرَاز ابيضاضاً ناصعاً وَلم يحسّ بالثقل الَّذِي يكون من السدة وَوجد فِي سَائِر أَفعَال الكبد ضعف وَرُبمَا صَحبه ذرب. وعلامة ضعف الكبد وَمَا كَانَ السَّبَب فِيهِ ضعفا من قوى المرارة كَانَ مَعَ غثيان شَدِيد ومرارة فَم من غير ثقل وَكَانَ تولده قَلِيلا قَلِيلا وَكَانَ الصَّبْغ فِي البرَاز بَين الْأَصْفَر والأبيض لكنه يكون فِي الْبَوْل قَوِيا جدا يرقانياً إِذا لم يكن هُنَاكَ ضعف من قوى الكبد المميزة والدافعة. وَقد ظن بَعضهم أَن الَّذِي يكون من المرارة مَعَ صَلَاح من الكبد فَإِن الْبَوْل يكون فِيهِ على لَونه وأحواله الطبيعية وَهَذَا محَال فَإِن الكبد الصَّالِحَة تدفع المرار أَولا إِلَى المرارة فَإِن لم يُمكن فَإلَى الْبَوْل وتمنع نُفُوذه فِي الدَّم مَا أمكن وَلكنه إِذا كثر بَقَاء الْبَوْل ابيض مَعَ اليرقان أَو قَلِيل الصَّبْغ فَهُوَ أَخبث وأخوف أَن يَقع صَاحبه فِي الاسْتِسْقَاء لِأَنَّهُ يدل على أَن السدد من برد. وَأما السمي فَيدل عَلَيْهِ النهشة إِن كَانَ عَن حَيَوَان وَأما إِن كَانَ عَن سمّ فَإِنَّمَا يدل عَلَيْهِ سوق الصِّحَّة وجودة الأخلاط ثمَّ عرُوض ذَلِك دفْعَة من غير تغيّر البرَاز إِلَى الْبيَاض. وَأما البحراني مِنْهُ فعلاماته أَن يكون فِي الْأَمْرَاض الحادة ذَوَات البحرانات بهَا وَيكون مَعَه عَلَامَات أخر للبحران مثل غثيان وتهوعّ وقِي مرار وَشدَّة سهر وعطش وَقلة شَهْوَة الطَّعَام ومرارة الْفَم وَصغر النَّفس ويبس الطبيعة. والبحراني يدلّ على البحراني فَقَط وَأما الْجَوْدَة والرداءة فَتَصِح بالدلائل الْمُقَارنَة كَمَا نتكلم فِيهَا فِي بَابهَا. والنبض فِي اليرقان الْأَصْفَر فِي أَكثر الْأَحْوَال صَغِير لضعف الْقُوَّة لكنه لَيْسَ شَدِيدا لِأَن الْمرة خَفِيفَة حارة لكنه صلب لشدَّة اليبوسة وَلَيْسَ بذلك السَّرِيع لِأَن الْقُوَّة لَيست بِتِلْكَ القوية لرداءة المزاج واليرقان الْأَصْفَر كثيرا مَا يخرج مَعَه عرق أصفر. فصل فِي عَلَامَات أَسبَاب اليرقان الْأسود أما الْكَائِن عَن الطحال وَحده فقد يدل عَلَيْهِ بِأَن لَا يكون كَانَ أصفر ثمَّ صَار أسود فَإِن الْأَصْفَر لَا يكون من الطحال الْبَتَّةَ وَإِن كَانَ الْأسود قد يكون من الكبد لَكِن الْأسود الطحالي أشدّ سواداً ويقارنه عَلَامَات صلابة الطحال وعظمه وأوجاعه الَّتِي فِي الْجَانِب الْأَيْسَر. وَقد يكون البرَاز وَالْبَوْل فِيهِ أسودين وَرُبمَا خرج فِي البرَاز درديّ أسود وَهَذَا دَلِيل قوي. وَرُبمَا سلم الْبَوْل إِذا لم تكن فِي الكبد آفَة بِأَن لم تتعد إِلَيْهَا الآفة تَعَديا مفرطاً فَتكون سلامتها حِينَئِذٍ دَلِيلا على أَن اليرقان طحالي. وَفِي هَذَا اليرقان قد يكون المراق متمدداً مَعَ وجع وَثقل.(2/560)
وَفِي أَكثر الْأَحْوَال تكون الطبيعة معتقلة وَرُبمَا لانت وَيكون الهضم رديئاً والقراقر كَثِيرَة وَيكون مَعَه خبث نفس وغم ووسواس بِلَا سَبَب. وَرُبمَا خرج مَعَه عرق أسود. والكائن لسدة فِي المجاري يدل عَلَيْهِ الثّقل الشَّديد وصعوبة النّوم على الْجَانِب الْأَيْسَر. والكائن للورم الْحَار والصلب يكون مَعَه علاماتهما. والكائن للضعف لَا يكون مَعَه ثفل فَإِن كَانَ الضعْف من الكبد أَيْضا دلّ عَلَيْهِ علاماته. والكائن عَن الكبد فَيدل عَلَيْهِ أَن لآفات الأولى تظهر فِي الكبد وَيكون الطحال سليما أَو مؤفاً إِلَّا أَن مَعَه آفَات الكبد الفاعلية للسوداء وَلَا يكون السوَاد شَدِيدا خَالِصا كَمَا فِي الطحال. وَيدل عَلَيْهِ الآفة فِي الْبَوْل فَإِن كَانَ الْفساد من جِهَة الْحَرَارَة واليبوسة كَانَ السوَاد إِلَى الصُّفْرَة وَإِن كَانَ من جَانب الْحَرَارَة والرطوبة كَانَ هُنَاكَ صفرَة مَعَ حمرَة كشقرة مَا وَإِن كَانَ من جَانب الْبرد واليبوسة وَالْبرد أغلب كَانَ إِلَى الخضرة أَو اليبس أغلب كَانَ إِلَى السوَاد وَإِن كَانَ من جَانب الْبرد والرطوبة والرطوبة أغلب كَانَ إِلَى صفر مَا وفستقية وَإِن كَانَت الْبُرُودَة أغلب كَانَ إِلَى الخضرة وَأما الطحالي فلونه وَاحِد. فصل فِي المعالجات وأولاً فِي معالجات اليرقان الْأَصْفَر: اعْلَم أَن الفصد فِي علاج اليرقان مُتَوَجّه نَحْو أَمريْن: أَحدهمَا إِزَالَة اليرقان نَفسه بِمَا يحلله عَن الْجلد ودهن الْعين بالأدوية المعرقة والغسالة وبالسعوطات للعين وبالأدوية المسهّلة للمادة الفاعلة لليرقان وَالثَّانِي ينحو نَحْو السَّبَب فيقطعه. وَهُوَ إِمَّا إصْلَاح مزاج وَإِمَّا تَقْوِيَة قُوَّة وَإِمَّا تَدْبِير ورم وَإِمَّا تفتيح سدد وَإِمَّا استفراغ بفصد باسليق أَو أسيلم أَو الْعرق الَّذِي تَحت اللِّسَان فِيمَا وَصفه بَعضهم. وَإِن لم يُمكن ذَلِك فحجامة فَوق مَوضِع الكبد تَحت الْكَتف الْأَيْمن أَو تَحْتَهُ فِي الفضاء الَّذِي تَحت الأضلاع أَو استفراغ بإسهال يستفرغ المدد للمادة وَإِن لم يستفرغ الْمَادَّة والاستفراغ بالقيء فَإِنَّهُ نَافِع فِي كل يرقان لَا فِي كل زمَان وَلكُل شخص وَإِمَّا معالجة ضَرَر سمّ وَلِأَن قطع السَّبَب أولى مَا يَنْبَغِي أَن يقدم فَيجب أَن يشْتَغل بِهِ أَولا. فاليرقان الَّذِي سَببه مزاج حَار فِي الكبد أَو فِي الْبدن أَو فِي المرارة بِسَبَب من الْأَسْبَاب غير مشروب ومأكول أَو مِنْهُمَا فَإِن علاجه - إِن كَانَ هُنَاكَ امتلاء دموي أَو صفراوي - وَجب استفراغهما أول شَيْء. أما الدَّم فبالفصد من مثل الباسليق وَأما الصَّفْرَاء فبالإسهال بِمثل الهليلج والشاهترج وبمثل السقمونيا فِي الرائب. وَبِالْجُمْلَةِ فبمسهّلات الصَّفْرَاء وأنواع مَاء الْجُبْن المقواة بالهليلج والسقمونيا وَنَحْوه.(2/561)
نُسْخَة لماء الْجُبْن جَيِّدَة: يُؤْخَذ من لبن الماعز ثَلَاثَة أَرْطَال وَمن القرطم كفّ يدقّ ويمرس فِي اللَّبن سَاعَة ثمَّ يصفى وَيتْرك اللَّبن لينعقد فِي اللَّيْل ثمَّ يصفى عَن جبنه وَيُؤْخَذ مَاؤُهُ ويلقى عَلَيْهِ شَيْء من الْعَسَل أَو السكّر وَمن الْملح الْهِنْدِيّ وزن دِرْهَمَيْنِ وَإِن شِئْت أَن تَجْعَلهُ قَوِيا جعلت فِيهِ من السقمونيا قدر دانق يشرب مِنْهُ على مَا يحْتَمل ثَلَاثَة أَيَّام. وَمِمَّا يجمع تنقية اليرقان مَعَ إسهال الْمَادَّة دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من مَاء ورق الفجل وزن أُوقِيَّة وَمن الْخِيَار الشنبر سَبْعَة دَرَاهِم وَمن بزر القطونا دِرْهَم وَمن الصَّبْر دانق وَمن الزَّعْفَرَان دانق. وَهَذَا صَالح لما كَانَ مَعَ ورم حَار فِي الكبد أَو فِي المجاري وَحمى أَيْضا. وَيكون الْغذَاء مثل مَاء الشّعير والبقول وعَلى مَا علمت فِي بَاب أورام الكبد لَيْسَ فِي تَطْوِيل الْكَلَام فِيهِ فَائِدَة فَإِذا ظهر للنضج جسرت على مَا فِيهِ السقمونيا وَالصَّبْر وَنَحْوه إِذا كَسرته بِمثل مياه الكشوث وَبِالْجُمْلَةِ مَا لم يزل الورم وَلم يصلح الْخَال فَلَا تطمع فِي علاج اليرقان نَفسه. وَأما إِن لم تكن حمّى وَكَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَذلك دَلِيل أَن لَا ورم ثمَّ كَانَ التهاباً فَعَلَيْك بالمصوصات وقرّيص السّمك وقريص الْبَقر والجداء ومياه الْفَوَاكِه وعصارتها وخصوصاً مَاء الرمانين على الرِّيق وسكباج الْبَقر وسكباج السّمك وعصارة الْبُقُول الْبَارِدَة فَإِن كثيرا من هَذِه - وَإِن كَانَت من الأغذية - فَإِن لَهَا خاصية أقوى. وأدوية هَذَا الْبَاب أقوى فِي النَّفْع وَإِصْلَاح المزاج. وَمن علاج مثل هَذِه الْحَال مَا نسخِته: عصارة ورق الفجل وعصارة التوث بالسواء يشرب مِنْهُمَا وزن ثَلَاثِينَ درهما فَإِنَّهُ أَيْضا يقْصد قصد نفس اليرقان وَكَذَلِكَ أَن كَانَ الالتهاب فِي المرارة وينفع هَؤُلَاءِ لبن الأتان يطْبخ مَعَ يسير خل ويسقى أَو عصارة الأفسنتين بِمَاء بَارِد. وَقد ينفع أَن يطعم العليل خبْزًا فطيراً وملحاً جريشاً وهندبا ويغتذي كثيرا سَبْعَة أَيَّام فَإِن هَذَا يغسل المرارة ويزيل عفونتها ويغظ مَا يكون فِيهَا. وَهَؤُلَاء لَا يُطلق لَهُم أَن يشْربُوا شرابًا إِلَّا ممزوجاً كثير المزاج وَلَا أَن يتعرّضوا إِلَّا لما خف من اللَّحْم ولمرق لُحُوم الطير. وَمن كَانَ بِهِ يرقان من سَبَب حَار فَيجب أَن يهجر السهر وَالْغَضَب وَالْحَرَكَة الْكَثِيرَة والحمّام وَإِن كَانَت الْحَرَارَة فِي الْبدن كُله وبرّدت الكبد والمرارة برّدت الْعُرُوق وخصوصاً إِذا اسْتعْملت الاستحمام بمياه فاترة طبخ فِيهَا الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة الرّطبَة. وَأما المَاء الْبَارِد بِالْفِعْلِ وَالَّذِي فِيهِ قوى أدوية قابضة فقد يمْنَع تحلّل اليرقان وَقد يسْتَعْمل فِي علاج الكبد والمرارة الحارتين ضمادات عَلَيْهِمَا وَقد يسقى مِنْهَا قرص مؤلف من حبّ الْخِيَار وبزر الهندبا وبزر الخسّ وَحب القرع والصندل والطباشير والورد الْأَحْمَر أَجزَاء سَوَاء يطْرَح على كل دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ قِيرَاط كافور ويقرص وَيشْرب وَقد جرب مَنْفَعَة(2/562)
تضميد الكبد وَمَا يَليهَا بالعصارات المبردة على الثَّلج وَمَاء الصندلين والكافور حَتَّى يحس بِبرد بَاطِن فَإِنَّهُ يَزُول اليرقان ويبيض المَاء فِي الْيَوْم وَإِن كَانَ السَّبَب ضعفا فِي الكبد والمرارة عولج بالتدابير الْمَذْكُورَة فِي ضعف الكبد فَإِن علاج المرارة نَفسهَا ذَلِك العلاج أَيْضا. وَأما تَدْبِير الورم فقد أَشَرنَا إِلَيْهِ هَهُنَا وأكثرنا القَوْل فِي بَاب الكبد. وَأما السّديّ فَالَّذِي يعمّ كل سدة علاج السدد الْمَذْكُورَة فِي بَاب الكبد من الفصد وَمن الإدرار إِن كَانَت السدة فِي الحدبة وَمن الإسهال إِن كَانَت فِي التقعير وبحسب الْحَاجة وَاجْتنَاب كل مَا يقبض ويجفف. وَإِن كَانَ حاراً فَإِنَّهُ يضيق المجرى ويقوى السدة. وَمن الصَّوَاب أَن تقدم تليينها وترطيبها ثمَّ تتبعه التفتيح وَيكون الملين تَارَة حاراً رطبا وَتارَة بَارِدًا رطبا كَمَا يُوجِبهُ الْحَال. وَإِذا فتحت أخيراً أَو ابْتِدَاء فَمن الصَّوَاب أَن تتبعه إسهالاً بِحَسب مَا يحْتَمل وبحسب مَا سلف من الإسهال. وَاعْلَم أَنَّك إِذا بدأت بالإسهال فَلم تُؤثر أثرا فَعَلَيْك بالمفتّحات القوية ثمَّ بمسهل قوي وَمن شَيْء قد ثَبت فِي المجرى يسقى دفْعَة وَاحِدَة بِحَسب الْقُوَّة فَإِن كَانَت السدة فَمَا أقدر أَن أذكر لَهُ دَوَاء وَقد ذكر بَعضهم لَهُ دَوَاء بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ عصارة بقلة الحمقاء النيئة وعصارة ورق الفجل النيء وَمَاء ورق الحماض كل ذَلِك مَأْخُوذ بالدق فيغلى الْجَمِيع مَعًا ويصفى وَيجْعَل فِيهِ عصارة الحمّاض مَعَ شَيْء من الكرسنة مدقوقة وَقَالَ يسقى أَيْضا مِنْهُ شَيْئا مَعَ بزر الفجل وبزر الْبِطِّيخ مقشرين مخلوطين بربعهما مر وقسط فَإِن كَانَت السدة من يبس وقحل وَذَلِكَ مِمَّا يدل عَلَيْهِ حَال الْبدن فليستعمل من الملينات الملطفة للصفراء مثل اللعابات وَمثل السبستان وَنَحْوه بدهن اللوز. وَأما إِن كَانَت السدة من ورم حَار فعلاجها علاجه فَإِذا نضج فأقدم على سقِِي المدرّات مثل الأنيسون والرازيانج بِلَا خوف. وَكَذَلِكَ على إسهال الصَّفْرَاء. وَإِن كَانَ الورم صلباً فَالْأَمْر فِيهِ صَعب فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يعالج الورم الصلب إِلَى أَن يفعل ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تقصد قصد اليرقان نَفسه بِمَا سَنذكرُهُ فِي الْأَدْوِيَة المفردة المستعملة فِي هَذَا الْبَاب الْمَذْكُورَة فِي الأقراباذين وَفِي بَاب سدد الكبد. وَمن المفتّحات الجيدة الْخَاصَّة لهَذَا الْبَاب العنصل والأسارون وأقراص تتَّخذ من اللوز المر وَكَذَلِكَ من الأفسنتين والأسارون والأنيسون والغاريقون وَمَا فِيهِ مَعَ التفتيح معانٍ أخر وَهُوَ أَن يُؤْخَذ حب الصنوبر الْكِبَار ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن الزَّبِيب المنزوع الْعَجم خَمْسَة دَرَاهِم وَمن الكبريت الْأَصْفَر نصف مِثْقَال وَمن الأفتيمون وبزر الكرفس الْجبلي والحمص الْأسود والكندر الْأَبْيَض من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ دِرْهَمَانِ يدق وينخل وَيُؤْخَذ من جَمِيعهَا(2/563)
مِثْقَال بِمَاء الرازيانج يسْتَعْمل أَيَّامًا. كَذَلِك فَإِنَّهُ شافٍ معافٍ قد جربناه مرَارًا. والشنجار من أَجود أدوية اليرقان. وأصعب هَذَا مَا تكون السدة فِيهِ فِي المجرى المراري لَكِن الحقن والمسهلات أوفق فِيهِ ويتخذ مسهلاته من مثل الأفتيمون والبسفايج والغاريقون والقرطم وَالْملح النفطي وَمَا أشبه ذَلِك. وَكَذَلِكَ جَفْنَة يَجْعَل فِيهَا هَذِه الْأَدْوِيَة وَهُوَ جيد فِي مَعنا ذَلِك. نُسْخَة جَيِّدَة لذَلِك: يُؤْخَذ من حب الصنوبر ربع دِرْهَم وَمن غاريقون ثلثا دِرْهَم وَمن عصارة الغافت وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن السقمونيا وزن ربع دِرْهَم يحبب بعصارة الهندبا وَيشْرب مِنْهُ دِرْهَم ويكرر مرَارًا. وَإِذا أزمن اليرقان السددي فألجأ إِلَى دَوَاء الكركم والرياق وَنَحْوه ليفتح بِقُوَّة. وَكَذَلِكَ دواه اللك وَإِذا كَانَ مَعَ السدد حمى فالقطف جيد جدا فَإِنَّهُ مفتح ملطّف. وَكَذَلِكَ أصل خس المَاء يُؤْخَذ مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ بِعَسَل وَكَذَلِكَ مَاء الكشوث والهندبا المر بفلوس الْخِيَار الشنبر مَعَ دهن لوز المر والحلو. وَأما المعالجات اليرقانية الَّتِي تقصد قصد الْمَرَض نَفسه وتحليله. وَإِن كَانَ فِيهَا تفتيح السدد وَسَائِر الْمَنَافِع فَمِنْهَا مشروبة وَمِنْهَا غسولات وَمِنْهَا سعوطات وَأكْثر مَنَافِعهَا فِي الْعين وَالْوَجْه وَمِنْهَا مَا هُوَ تَدْبِير عَام مثل اسْتِعْمَال الْحمام المتواقر فَإِن الْمدَار عَلَيْهِ وعَلى مَا يجْرِي مجْرَاه. وَمن اسْتِعْمَال الأبزن بالمياه المنقية وَإِذا أَخذه للبول بَال فِي الأبزن فَإِنَّهُ علاج وَإِذا خرج من الْحمام تدثر لِئَلَّا يُصِيبهُ الْبرد الْبَتَّةَ وينام متدثراً وَأما مَا هُوَ غير الْحمام مِمَّا اسْتِعْمَاله اسْتِعْمَال الدَّوَاء فَهِيَ الَّتِي تخرج من الْجلد اليرقان. والأدوية الَّتِي تخرج ذَلِك فقد تخرجه إِمَّا بالإسهال وَإِمَّا بالإدرار الْقوي وَإِمَّا بالعرق. وأجوده أَن يكون على رياضة وتعب وعطش وخصوصاً إِذا كَانَ الْعرق شرابًا وَكَذَلِكَ عقيب الْحمام. وَمن أُرِيد معالجة يرقانه بالتحليل ضره الْبرد وَالشمَال إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ مقاومة الدَّوَاء الْحَار وَجمعه كَمَا يسقى الفلفل ثمَّ بعد ذَلِك تقعد فِي مَاء بَارِد. وَقد قيل أَن أَصْحَاب اليرقان يتتفعون بِالنّظرِ إِلَى الْأَشْيَاء الصفر فَإِن ذَلِك يُحَرك الطبيعة إِلَى دفع الْمَادَّة الصفراوية كلهَا إِلَى الْجلد فتخف مرنة العلاج. وَأما أَنا فلست مِمَّن يُنكر أَمْثَال هَذِه المعالجات إِنْكَار كثير مِمَّن يتفلسف لَهَا. وَمن الْأَدْوِيَة المشروبة المعرقة فَمِنْهَا أَن يسقى وَهُوَ فِي الأبزن أوقيتين من(2/564)
عصارة الفجل بِنصْف دِرْهَم بورق وأوقية طلاء فَإِنَّهُ لَا يلبث أَن يخرج عَنهُ الصفار وَأَيْضًا يُؤْخَذ حزمة من الهليون وكف حمص ويطبخ فِي برمة مَعَ خَمْسَة أقساط مَاء ويسقى مِنْهُ ممزوجاً بشراب إِن لم تكن حمّى. وَإِن كَانَت الْحمى سقِِي وَحده ثمَّ يجلس فِي أبزن مَاء طبخ فِيهِ البرشياوشان فَيخرج مِنْهُ الصفار. وَأَيْضًا زهر النطرون دِرْهَمَيْنِ بشراب عَتيق يتْرك لَيْلَة تَحت السَّمَاء ويسقى وَيفْعل من التحميم مَا قيل ويسقى من إشقيل مشوي سِتَّة أَجزَاء ملح محرق والشربة فلنجاران على الرِّيق أَو يسقى كرنباً بحرياً دِرْهَمَيْنِ مذروراً على بيض نيمبرشت ويتحسى أَو قشور الرُّمَّان وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم زرنيخ وزن دِرْهَمَيْنِ يُؤْخَذ مِنْهُ مَا تحمله الأورام ويسقى ثَلَاث أواقي من لبن الإتان أَو وزن دِرْهَمَيْنِ فِيمَا فَوْقه حلبة ويسقى بِمَاء وَعسل وَيقْعد فِي أبزن مَاء بَارِد أَو يُؤْخَذ برشياوشان مدقوق وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم بِمَاء طبيخ الأنيسون أَو عصارة الحماض بِشَيْء من الشَّرَاب أَو خرء الْكَلْب الْآكِل الْعِظَام أَبيض لَا سَواد فِيهِ أَرْبَعَة دَرَاهِم بالعسل وزن أَو ورق السلق المجفف وزن سِتَّة دَرَاهِم بِمَاء الْعَسَل أَو بعر الشَّاة بمطبوخ أَو عصارة الفجل أوقيتان بِنصْف دِرْهَم بورق أَو فودنج مجفف وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم بشراب ممزوج يفعل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام أَو حمّص أسود رَطْل رَطْل برشياوشان كف يطْبخ حَتَّى يذهب الثُّلُث ويسقى مِنْهُ أوقيتين أَو عصارة الفجل أوقيتين. الشَّرَاب أُوقِيَّة أَو حمّص أسود رَطْل حبّ البلسان كندر ورازيانج من كل وَاحِد كفّ يطْبخ فِي سِتَّة أقساط من المَاء حَتَّى يذهب وَإِن لم تكن حمى شرب بشراب أَو دارصيني مِقْدَار مَا يحمل ثَلَاث أَصَابِع مَعَ شراب وَعسل مُنَاصَفَة قشر أُوقِيَّة وَنصف أَو مَعَ مَاء وشراب أَو حبّ المحلب المقشّر من قشرته يسقى مِنْهُ وزن دِرْهَمَيْنِ أَو فوة الصَّبْغ وزن دِرْهَم فِي بيض نيمبرشت أَو يُؤْخَذ من برادة قرن الأيل ثَمَانِيَة عشر درهما فيسقى مَعَ شراب فِيهِ فروساطيقون أَو يُؤْخَذ حب الصنوبر ونانخواه وميويزج ويسقى العليل مِنْهُ أَو فلفل وخرء الْكَلْب الْأَبْيَض الْآكِل الْعِظَام قدر ملعقة بشراب أَو تملأ الحنظلة الْملقى مَا فِيهَا شرابًا أَو مَاء وَيشْرب أَو يسقى من مرَارَة الذِّئْب فِي شراب أَو يُؤْخَذ - وخصوصاً للسدد - راوند هيوفاريقون وبرشياوشان فوة الصباغين كندس أَجزَاء سَوَاء والشربة دِرْهَم. والأدوية المفردة الَّتِي تدخل فِي هَذَا الْبَاب وَهِي مفتحة أَيْضا أفسنتين أنيسون أسارون وَج فوة الصباغين جنطيانا عيدَان البلسان غاريقون كندس جوز السرو قسط زراوندين. وَمِمَّا ذكر - وَهُوَ خَفِيف - أَن يسقى دماغ القبجة فِي شراب صرف أَو يُؤْخَذ فِي مح بيضتين اثْنَتَيْنِ فينفعان فِي نصف أسكرجة فِي شراب وَيشْرب. وَمِمَّا يمدح مدحاً شَدِيدا أَن يشرب من الخراطين المجففة فَإِنَّهَا تَنْفَع فِي الْحَال(2/565)
وَكَذَلِكَ مرَارَة الدبّ. وَمِمَّا جرب أَيْضا أَن يسقى أصُول الحماض ويقام فِي الشَّمْس وَيَمْشي بعد ذَلِك سَاعَة حَتَّى يحمّى ويعطش ثمَّ يسقى طبيخ برشياوشان فَإِنَّهُ يعرق فِي الْحَال عرقاً شَدِيدا أصفر وخصوصاً إِن كَانَ مَعَ برشياوشان فوة الصَّبْغ ونعناع. وَكَذَلِكَ إِن سقِِي عقيب الحمّام. وَمن المدرّات الْخَاصَّة بِهِ أَن يُؤْخَذ من جوز السرو وزن دِرْهَمَيْنِ ويسقى مَعَ دِرْهَم سليخة منقاة بالطلاء الْعَتِيق ثمَّ يعد وَصَاحبه شاداً فَإِنَّهُ يبوّل اليرقان كُله وَقد يَنْتَفِعُونَ بِلَحْم الْقُنْفُذ لقُوَّة دراره وتنقيته وموافقته للكبد وَهُوَ غذَاء. وَمَاء الكشوث إِذا سقِِي مِنْهُ اسكرجة مَعَ بزر الكرفس وَالسكر الطبرزد كَانَ نَافِعًا. وَمن المسهلات الْخَاصَّة بِهِ أَن تقوّر الحنظلة ويرمى بِمَا فِيهَا ويملأ طلاء ويغلى على الْجَمْر ويصفّى ويسقى. وَمِمَّا جربناه أَيْضا أَن يُؤْخَذ من الصَّبْر وزن نصف دِرْهَم وَمن السقمونيا وزن دانقين وَمن الْملح النفطي ربع دِرْهَم وَمن فوة الصباغين والغاريقون من كل وَاحِد نصف دِرْهَم ويتخذ مِنْهُ حب ويسقى فِي مَاء البزور والأدوية الَّتِي ذَكرنَاهَا قبل وَقد ذكرنَا حَقنا فِي الأقرباذين لهَذَا الْبَاب. وَمن السعوطات عصارات يسعط بهَا مثل عصارة قثاء الْحمار وعصارة ورق الْحَرْف وعصارة الفراسيون أَو عصارة العرطنيثا كَمَا هِيَ أَو ترضّ العرطنيثا وتنقع فِي لبن امْرَأَة لَيْلَة ثمَّ يعصر من الغدو تفير وتقطّر أَو عصارة أصل الرّطبَة يعصر ويغلى مَعَ الزنبق غلية خَفِيفَة وَفِيه قَلِيل السكر ويسعط بِهِ. أَو عصارة فجل مدقوق بِوَرَقَة. وَمن العصارات الَّتِي لَيست بحارة جدا عصارة السلق. وَمن العصارات الْبَارِدَة عصارة حَيّ الْعَالم أَو عصارة الأفسنتين عِنْد قوم أَو عصارة الأسفيوس النَّهْرِي عِنْدِي والخل نَفسه إِذا استنشق وأمسكه سَاعَة والعليل فِي حَوْض الْحمام فَإِنَّهُ نعم العلاج. وَكَذَلِكَ إِن أنقع فِيهِ الشونيز يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ يصفّى ويسعط وشمّ مِنْهُ وَحده وممزوجاً. وَمن غير العصارات يُؤْخَذ من الميويزج ربع دِرْهَم يسحق ويداف بِمَاء الكزبرة ودهن اللوز بِالسَّوِيَّةِ عشرَة دَرَاهِم يسعط بِهِ وَهُوَ فِي الابزن أَو بركَة الحمّام. وَرُبمَا مزج بِهِ شَيْء عَن سعتر يَابِس وَشَيْء من خل خمر. وَأما الْعين نَفسهَا فيدام غسلهَا بِمَاء الْورْد وبماء الكزبرة وبماء الثَّلج. وَأما الغسولات لأَصْحَاب اليرقان فمياه طبخ فِيهَا البرشياوشان والشيح والمرزنجوش والجعدة والبابونج والأقحوان خَاصَّة والحسك والبرشياوشان والشبث أصل فِيهِ يَجْعَل بِسَبَب الْحَار من اليرقان فِيهَا حمّاض الأترج فَإِنَّهُ شَدِيد الْجلاء بتقطيعه لكل صبغ. وَقد يتَّخذ من هَذِه الْأَشْيَاء ضمّادات ويتخذ مِنْهَا أدهان يمرخ بهَا مثل دهن الأقحوان ودهن البابونج ودهن الشبث وَأَيْضًا دهن عقيد الْعِنَب ودهن السوسن. وَأما اليرقان البحراني فَيجب إِذا نقصت الْعلَّة أَن تقصد فِيهِ قصد نفس الْعلَّة بالغسولات والمدرات المنقّية. وَرُبمَا لم فَإِن رَأَيْت فِي أبوالهم وأثفالهم قلَّة الصّباغ فَاعْلَم أَن الْمَادَّة فِيهَا أغْلظ فقو مَا يعالجه بِهِ من المغسولات والمغرّيات وَنَحْوهَا. وَأما السمي فعلاجه الترياق والمثروديطوس ليقاوم السمّ ثمَّ يشرب مثل مَاء التفاح الحامض وَمَاء الرُّمَّان وعصارة الهندبا والبقة الحمقاء(2/566)
ولعاب بزر قطونا والأمبر باريس وَجَمِيع مَا فِيهِ تبريد مَعَ ترياقية وليعدل المزاج ثمَّ يقْصد قصد اليرقان نَفسه. وَقد جرّب أَيْضا فِي ابْتِدَاء عروضه وخصوصاً إِن كَانَ السمّ مسقياً أَن يشرب اللَّبن دَائِما مَعَ دهن اللوز. وَأما تدبيرهم بالأغذية فقد عَرفْنَاهُ فِي المزاج الْحَار بِلَا ضعف ظَاهر وَلَا سدد. وَأما السددي والضعفي فتعرفه مِمَّا قيلَ فِي بَاب الكبد. وغذاء أَصْحَاب اليرقان مَا خفّ ولطف وَكَانَ فِيهِ تفتيح. ومرق السّمك يَنْفَعهُمْ خُصُوصا مَعَ مَا يدر أَو يلطف مِمَّا سَنذكرُهُ فِي آخر الْأَبْوَاب. فصل فِي علاجات اليرقان الْأسود واجتماع اليرقانين أما الطحالي مِنْهُ فتنظر هَل هُنَاكَ امتلاء دموي كثير فتفصد الباسليق الْأَيْسَر والأسيلم بعده ثمَّ تشتغل بالطحال وَإِصْلَاح سدده وأورامه وَضَعفه. وَإِن كَانَ السَّبَب كَثْرَة السَّوْدَاء بِسَبَب مَا يولّدها من الْقوي والأغذية على مَا قُلْنَا وَجب أَيْضا استفراغها بِمَا يستفرغها من ذَلِك طبيخ أسقولوقندريون بالخربق الْمَذْكُور فِي الأقرباذين ويستفرغ مرَارًا ومطبوخ الأفتيمون على هَذِه الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ من الهليلج الْأسود وَمن الكابلي من كل وَاحِد عشرَة شاهترج سقولوقندريون بسفانج فقاح الْكبر خَمْسَة خَمْسَة أصل الكرفس والرازيانج من كل وَاحِد حفْنَة الخربق الْأسود وزن دِرْهَمَيْنِ يطْبخ فِي ثَلَاثَة أَرْطَال من المَاء حَتَّى يبْقى الرّبع ويلقى عَلَيْهِ من الأفتيمون خَمْسَة دَرَاهِم ويغلى غلية خَفِيفَة ثمَّ يصفّى ويركب مَعَه أيارج فيقرا ثُلثي دِرْهَم. وَكَذَلِكَ الْحُبُوب المتخذة من الهليلج الْأسود والأفتيمون وَالْملح الْهِنْدِيّ والغاريقون وقشور أصل الْكبر. وَإِذا استفرغ سقِِي لبن اللقَاح. وَإِن لم يُوجد فماء الْجُبْن الْمُتَّخذ بالسكنجبين الْبزورِي والأذخر والجعدة والأدوية الطحالية من سقولوقندريون وَمن أصل الْكبر وَنَحْوه ومياه طبخ فِيهَا ورق الطرفاء وأصوله وَمَاء ورق الْكبر وَمَاء ورق الفجل والسكنجبين وَكَذَلِكَ مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الكرفس إِن كَانَت حرارة. والسكنجبين الْمَطْبُوخ فِيهِ سقولوقندريون وورق الْكبر وَثَمَرَة الطرفاء والجعدة. وَإِن كَانَ فِي الطحال ورم حَار فَيجب أَن لَا يفرط فِي المسخّنات. وَإِن كَانَ فِي سدد فالمفتّحات القوية الْمَذْكُورَة فِي بَاب الكبد نافعة فِيهِ أَيْضا. وَسَنذكر فِي بَاب سدد الطحال أدوية تخصّه. وَإِن كَانَ بِسَبَب ضعف جذب من الطحال فَمن الْوَاجِب أَن يوضع عَلَيْهِ المحاجم بِلَا شَرط وَأَن يسْتَعْمل الرياضة وضمادات تقوّي الطحال مثل مَا يتَّخذ من الأفسنتين والقردمانا وفقاح الأذخر والحاشا والقنطريون وأصل الكرفس من كل وَاحِد جُزْء وَمن الْورْد جزءان وَمن الْمقل جُزْء وَنصف وَمن الأشق سَبْعَة أَجزَاء وَعشر جُزْء ويضمّد بِهِ وَإِذا غسل غسل بخل ثَقِيف يغلى فِيهِ الشبث والبورق وَالْملح والسذاب والفوذنج. وَإِن كَانَ السَّبَب فِي اليرقان الْأسود حرارة الكبد عَالَجت الكبد(2/567)
بالمطفّئات. وَإِن كَانَت برودة عالجتها بالترياق الْأَكْبَر خَاصَّة وبالأدوية الْمَعْلُومَة لَهَا. وَإِن كَانَ السَّبَب فِيهِ الْبدن بكليته فعلت أَولا مَا يجب بالكبد لتنقية الْعُرُوق ثمَّ الْبدن. وَأما نفس اليرقان فتعالجه بِمَا يعالج بِهِ نفس اليرقان الْأَصْفَر وبالقوية مِنْهَا. وَإِذا اجْتمع اليرقانان مَعًا وَكَانَ امتلاء واحتيج إِلَى الفصد فصد من الْيَدَيْنِ جَمِيعًا أَو يَجْعَل بَينهمَا أَيَّامًا وَيجمع بَين التدبيرين ويسقى بَينهمَا مطبوخ الأفسنتين والأفتيمون وَتجمع مياه أوراق الفجل والطرفاء وَالْخلاف من كل وَاحِد أُوقِيَّة وَنصف مَاء عِنَب الثَّعْلَب ثَلَاث أَوَاقٍ مَاء ورق الْكبر أوقيتان يجمع ويغلى جَمِيعًا مَعَ وزن عشرَة دَرَاهِم خِيَار شنبر ويلقى عَلَيْهِ وزن ثُلثي دِرْهَم أرياج فيقرا وَوزن دانقين زعفران وَوزن ثَلَاثَة قراريط سقمونيا مشوي فِي السفرجل ثمَّ يصبر يَوْمَيْنِ وَبعد ذَلِك يشرب مَاء الْجُبْن والسكنجبين. وَأما الأغذية فِي جَمِيع ذَلِك فالأغذية الْخَفِيفَة الْمَعْلُومَة والسمك الرضراضي ومرق الفراريخ المسمنة وَمن الْبُقُول الهندبا والكرفس المربيان خَاصَّة
(الْمقَالة الثَّانِيَة بَاقِي أَحْوَال الطحال)
فصل فِي كَلَام كلّي فِي أمراض الطحال قد يعرض للطحال جَمِيع أَصْنَاف الْأَمْرَاض الْمَذْكُورَة من أمراض سوء المزاج والتركيب كالسدد وتفرّق الِاتِّصَال وَنَحْوهَا والأورام بأصنافها. وَاعْلَم أَن الطحال إِذا سمن هزل الْبدن لِأَنَّهُ أَولا يوهن قُوَّة الكبد إيهاناً شَدِيدا بالمضادة فيقل تولّد الدَّم. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يجب من دم ذَلِك الْقَلِيل شَيْئا كثيرا لعظمه وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن هزال الطحال يدل على جودة الأخلاط وسمنه على رداءة الأخلاط. وَقد تؤول أمراض الطحال إِلَى حميات مختلطة كَمَا أَنَّهَا قد تتولد عَن تِلْكَ الْأَمْرَاض فَإِنَّهُ قد يتولّد كثيرا من الغبّ الْغَيْر الْخَالِصَة وَمن الحميات الوبائية والحميات المختلطة وَأكْثر أمراض الطحال خريفية ولون صَاحبه إِلَى صفرَة وَسَوَاد. وَقد تتعدى أمراض الطحال إِلَى الْمعدة فَرُبمَا زَاد فِي شهوتها وَرُبمَا أبطل شهوتها وَرُبمَا أحوجها عِنْد مقاربة الهضم إِلَى الْقَذْف بِشَيْء حامض تغلي مِنْهُ الأَرْض بعد أَذَى وَبعد وجع. وَالْبَوْل الدموي جيد فِي آخر أمراض الطحال وَكَذَلِكَ الغليظ الَّذِي فِيهِ ثفل يتشبث وَالَّذِي فِيهِ مثل علق الدَّم وَرُبمَا انحل بِهِ حمّى من أمراض الطحال وانحل بِهِ طحاله.(2/568)
فصل فِي عَلَامَات أمزجة الطحال أما الْحَار فَيدل عَلَيْهِ الْعَطش والتهاب فِي الْيَسَار وَفَسَاد قيء وَقُوَّة جذب مِنْهُ للسوداء. والبارد يدل عَلَيْهِ ضعف جاذبيته وَسُقُوط الشَّهْوَة وتكدر الملتحمة وَكَثْرَة القراقر والجشاء واليابس يدل عَلَيْهِ صلابته ونحافة الْبدن وَغلظ الدَّم وَشدَّة اسوداد اللَّوْن وَالرّطب يدل عَلَيْهِ لين الْجَانِب الْأَيْسَر ورهل الْبدن وَسَوَاد يضْرب إِلَى بَيَاض أسربي أَي رصاصية اللَّوْن أَو إِلَى كمودة. المعالجات: هِيَ قريبَة من علاجات الكبد وَيحْتَاج إِلَى أَن تكون الْأَدْوِيَة أقوى وأنفذ ويحتال لنفوذها بِمَا ينفذ وَبِمَا يحفظ الْقُوَّة عَلَيْهَا إِلَى أَن يفعل فِيهَا فعلهَا. وَاعْلَم أَن الْفرق بَين المعالجات الطحالية والكبدية هُوَ فِي الْقُوَّة والضعف والعنف والرفق فَإِن الكبد أولى بِأَن يرفق بِهِ وَلَا يفرط فِي تَقْوِيَة مَعَ يعالج بِهِ وَلَا يُورد عَلَيْهِ. الْأَدْوِيَة الحارة جدا مثل الْخلّ الثقيف إِلَّا فِي الضَّرُورَة. وَالطحَال بِخِلَاف ذَلِك وَالطحَال يحْتَاج أَن تعان أدويته بِمَا يحفظ قُوَّة الْأَدْوِيَة وَبِمَا ينفذ. وللطحال أدوية هِيَ أخص بِهِ مثل قشور أصل الْكبر وَمثل سقولوقندريون والأشق والثوم الْبري وَقد تحوج أمراض الطحال إِلَى فصد الباسليق الْكَبِير وفصد الصَّافِن بل فصد الوداجين. فصل فِي أورام الطحال الحارة والباردة والصلبة وصلابته الَّتِي من الورم اعْلَم أَنه تقل فِي الطحال عرُوض الأورام الحارة وإثباتها مَعًا بل مَتى حدثت بالطحال أورام حارة أسرعت إِلَى التصلب لِأَن الدَّم الَّذِي يصل إِلَيْهِ لغذائه وَهُوَ الدَّم الغليظ يتراكم فِي الورم فيصلب. وَأما الْبَارِدَة فيكثر فِيهِ الصلبة مِنْهَا وَأما الرهلة فقد تكون فِي بعض الأحيان وَأكْثر مَا تعرض فِيهِ الأورام الحارة هُوَ الدموي. والصفراوي يعرض فِيهِ أَحْيَانًا كَمَا أَن أَكثر مَا يعرض فِيهِ من الْبَارِد هُوَ الصلب وَيكون فِي أَسْفَل الطحال لثقل الْمَادَّة. وأشكاله أَرْبَعَة المستدير العريض والطويل الغليظ والطويل الرَّقِيق. وَأما البلغمي فتعرض فِيهِ نَادرا. والمطحول هُوَ الَّذِي بِهِ صلابة فِي طحاله إِمَّا لغلظ جوهره - وَإِن لم يبلغ مبلغ الورم - وَإِمَّا لورم صلب فِيهِ. وَالْأول أخفّ. قَالَ أبقراط: إِن وجد المطحول وجعاً بَاطِنا فَهُوَ أسلم وَذَلِكَ لِأَن بِهِ حسا بعد. قَالَ: وَإِذا أَصَابَهُ اخْتِلَاف دمّ فَهُوَ خير أَي يُرْجَى مَعَه انحلال مَادَّة طحاله فَإِن دَامَ حدث بِهِ زلق الأمعاء أَو استسقاء وَهلك. وَالسَّبَب فِيهِ اسْتِيلَاء الْبرد على المزاج وَقيل من كَانَت بِهِ نَوَازِل لم يعرض لَهُ طحال وَفِي هَذَا نظر. وَعَسَى أَن تكون كَثْرَة نوازله تدل على رُطُوبَة(2/569)
وَفِي كتاب أبقراط من كَانَ بِهِ وجع فِي طحاله وورم وسال مِنْهُ دم أَحْمَر وَظهر بيدَيْهِ قُرُوح بيض لَا تؤلم مَاتَ فِي الْيَوْم الثَّانِي. وأو لَا تسْقط شَهْوَته وَقد تتخزّن أورام الطحال بالرعاف أَيْضا وخصوصاً من الْجَانِب الْأَيْسَر ويأورام عِنْد الْأُذُنَيْنِ عسرة التقيح والانفتاح لغلظ الْمَادَّة. وَأحمد أبوالهم هُوَ الغليظ الدموي وَالْبَوْل الَّذِي فِيهِ ثفل يتشبّث وَقد يدل على برْء الطحال وإبلاله. وَقَالُوا إِذا كَانَ فِي الْبَوْل كعلق الدَّم وبالمحموم طحال ذبل طحاله. وَقد يتَّفق فِي بعض النَّاس أَن يُولد عَظِيم الطحال وَيبقى عَلَيْهِ زَمَانا طَويلا وَيكون على سَلامَة من أَحْوَاله الظَّاهِرَة مُدَّة عمره. وَإِن كَانَ تعرض من عظمه آفَات كَثِيرَة أَيْضا بِحَسب الْمَادَّة الفاعلة وبحسب قُوَّة الطحال. وَاعْلَم أَن الطحال قد يرم بعد ورم الكبد على سَبِيل الِانْتِقَال وَذَلِكَ أفضل من أَن ينْتَقل ورم الطحال إِلَى الكبد. فصل فِي العلامات تشترك أورام الطحال كلهَا فِي الثّقل وَفِي الْعظم من أورامه عِنْد الوجع إِلَى الْحجاب من الْجَانِب الْأَيْسَر وَرُبمَا علا إِلَى الترقوة وألم الْمنْكب الْأَيْسَر بمشاركة الترقوّة وَرُبمَا جعل النَّفس مضاعفاً يكون على هَيْئَة نفس بكاء الصَّبِي لِأَن الورم يعاوق الْحجاب على أَن يسْتَمر فِي حركته النفسية فيقف وَقْفَة للأذى ثمَّ يعود. وَمَا لم يكن الورم عَظِيما لم يزاحم الْحجاب فَإِن مُشَاركَة الطحال للحجاب أقل كثيرا من مُشَاركَة الكبد للحجاب وَأَقل من مُشَاركَة الْمعدة أَيْضا. وَأَيْضًا فَإِن الْحس يُصِيب انتفاخ الطحال وَالْبدن ينحف. وَقد يعرض من أورام الطحال وخصوصاً إِذا كَانَت فِي النَّاحِيَة السُّفْلى مِنْهُ أَن يرق الدَّم لِأَن الطحال يشْتَد جذبه لثقلية الدَّم وعكره ويعرض أَن تحمّى قدماه وَركبَتَاهُ وكفّاه وَذَلِكَ لِأَن فَم الْمعدة مشارك لأسفل الطحال لِأَنَّهُ يصعد مِنْهُ الوريد النافض للخلط السوداوي فَإِن هزم حرارته الغريزية هازم طارت إِلَى الْأَطْرَاف القوية. ويعرض لأطراف أَنفه وَأُذُنَيْهِ أَن تبرد لما يعرض فِيهَا من رقّة الدَّم وَسُرْعَة الانفعال لَهَا وقلته أَيْضا. وَهَذِه الْأَعْضَاء شَدِيدَة الانفعال من المبرّدات والورم يُفَارق النفخة بِعَدَمِ الثّقل وَأَن الورم يوجعه الجسّ والنفخة رُبمَا سكنها الغمز وأزال ألمها. وأحدث قرقرة وجشاء. وتشترك أورامه الحارة مَعَ الْأَعْرَاض الْمَذْكُورَة فِي الالتهاب والحمى والعطش. لَكِن الصفراوي يكون التهابه أشدّ وعطشه أقوى وَثقله أقلّ وَيكون الوجع إِلَى الالتهاب أميل مِنْهُ إِلَى التمدد وَيكون اللَّوْن إِلَى الصُّفْرَة. وَأما أورامه الصلبة فيخبث مَعهَا التنفس ويهيج الغمّ والوسواس وَفِي بعض الْأَوْقَات يشْتَد حَاله.(2/570)
وَأما اخْتِلَاط الذِّهْن الْقوي فَلَنْ يعرض إِلَّا عِنْد كَثْرَة غالبة لِأَن الْمَادَّة السوداوية متحركة إِلَى غير جِهَة الرَّأْس وَإِن كَانَ قد يعرض من جِهَة أُخْرَى هُوَ بمشاركة الطحال للحجاب ثمَّ الْحجاب للدماغ وَقد يسود اللِّسَان من صلابات الطحال ويسودّ اللَّوْن ويحسّ صلابة من غير قريرة عِنْد الغمز اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تجامعها النفخة وَلَا يكون مَعهَا حمّى لَازِمَة بل رُبمَا كَانَت لَا على نظام وَرُبمَا كثر مَعهَا قُرُوح السَّاقَيْن وتأكل الْأَسْنَان واللثة لغلظ الدَّم الَّذِي ينزل إِلَى السَّاقَيْن وَفَسَاد البخار الَّذِي يصعد إِلَى اللثة والأسنان. وَرُبمَا كَانَ فِي قُرُوح السَّاقَيْن بحران لذَلِك فَإِن كثيرا من النَّاس الَّذين بهم طحال إِذا عرضت لَهُم رياضات عنيفة انحدرت الْموَاد إِلَى السَّاقَيْن فتبثّرت وَتخرج بهَا البثور الَّتِي تسمّى البطم وَكَثِيرًا مَا تكون قَارُورَة المطحول كالسليمة وَلكنه إِذا رَاض نَفسه تحلل سوداؤه إِلَى القارورة فأورثتها سواداً لم يكن. وَلَو كَانَ السَّبَب فِيهِ الكلى لدام وَلَو فِي وَقت الرَّاحَة. والفصد الْكثير يورم طحاله أَكثر والخريف عدوّه. وَإِذا كَانَت الصلابة فِي الطحال بعد ورم حَار تقدّمت أَعْرَاض الْحَار ثمَّ بطلت إِلَى أَعْرَاض الصلب وَكَثِيرًا مَا يقوى الطحال دفْعَة بِنَفسِهِ أَو بِمَا يقوّيه فَيقدم على جَمِيع مَا فِيهِ من الْمَادَّة الرَّديئَة فيسهلها دردياً كثفل الزَّيْتُون. وَيدل على أَنه من الطحال دون الكبد بَرَاءَة الكبد من الْعِلَل ومقاساة الطحال لَهَا وضموره لما عرض لَهَا من تِلْكَ الأورام. وَأما الأورام الْبَارِدَة البلغمية فَتكون مَعهَا عَلَامَات الورم مَعَ لين من المسّ وَمَعَ بَيَاض من اللَّوْن فِيهِ قَلِيل سَواد والمطحولون أَزِيد شَهْوَة للطعام من غَيرهم لَكِن الْقَيْء يعسر عَلَيْهِم جدا وتكن طبائعهم معتقلة فِي الْأَكْثَر ويحتاجون فِي الْقَيْء والإسهال إِلَى أدوية قَوِيَّة جدا. فصل فِي أورام الطحال الحارة والمعالجة تقرب معالجتها من معالجات أَمْثَالهَا فِي الكبد من غير حَاجَة إِلَى تِلْكَ المراعاة لجَانب الْقَبْض لَكِن مَعَ حذر التسخين الشَّديد لِئَلَّا تسرع الْمَادَّة إِلَى الغلظ والصلابة ويشارك فِي هَذَا الكبد أَيْضا فَإِنَّهُمَا مستعدان لِأَن ينتقلا من الأورام الحارة إِلَى الصلبة وَلَكِن يجب أَن تخلط بهَا أدوية فِيهَا ثقطيع مَا مَعَ حرارة باعتدال وَقبض وقوّة بَارِدَة مثل الشبّ. وَاعْلَم أَن الْخلّ دخال جدا فِي علاج علل الطحال كلهَا وَيجب أَن تسْتَعْمل جَمِيع الْأَدْوِيَة فِي علاجاته وَيجب أَن يبتدأ أَولا بالفصد من الباسليق ثمَّ يسقى العصارات والمياه الْمَذْكُورَة فِي علل الكبد. وَالَّذِي يخص الطحال أَكثر هُوَ مَاء ورق الطرفاء وَمَاء ورد الْخلاف وَمَاء ورق الغرب وَمَاء بقلة الحمقاء وَمَاء البرشاوشان الرطب. وَمِمَّا ينفع فِيهَا(2/571)
أَن يسقى وزن دِرْهَمَيْنِ بزر البقلة الحمقاء بالخلّ فَإِن لَهَا خاصية فِي تَحْلِيل أورام الطحال وصلاباته وَأَن يستف من لِسَان الْحمل المجفف كل يَوْم قدر ملعقة. والغذاء مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الكبد. وللزرشكية خاصية نفع خُصُوصا إِذا كسر يبسه بالسكّر أَو بالترنجبين. إِذا علمت أَن السَّبَب فِي ذَلِك مدد من دم كثير سوداوي فَيجب أَن تفصد الباسليق وتترك الأسليم يحتبس من نَفسه إِن احْتبسَ قبل سُقُوط الْقُوَّة وَرُبمَا اضطررت إِلَى أَن تفصد الوداج الْأَيْسَر وَرُبمَا احتجت أَن تتبعه بالاستفراغ بِمَا تخرج بِهِ السَّوْدَاء مِمَّا قيل فِي بَاب اليرقان الْأسود وَيجب أَن لَا تنسى القانون الْمَذْكُور فِي علاج الصلابات من تليين يتبع كل تَحْلِيل لِئَلَّا يتحجر الْخَلْط. فَإِن فرغت من ذَلِك أَو لم تحتج إِلَيْهِ كَانَ الْوَاجِب عَلَيْك أَن تسْتَعْمل الْأَدْوِيَة الجلاّءة المقطّعة الَّتِي لَيْسَ لَهَا كثير حرارة. وَرُبمَا وجدت هَذِه الْأَعْرَاض فِي الْأَدْوِيَة المفردة وَرُبمَا احتجت إِلَى تركيب. والأدوية المفردة الَّتِي تفعل ذَلِك هِيَ الْأَدْوِيَة الَّتِي تَجِد فِيهَا مرَارَة وقبضاً أَو حرافة معتدلة وقبضاً وَقد تَجِد أدوية مُفْردَة تفعل ذَلِك بخاصيات فِيهَا وَإِن لم يكن ظَاهر الْحَال فِيهَا مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فَإِذا وجدت دَوَاء فِيهِ مرَارَة فَقَط فاخلطه بخل وبشيء من الشبّ فَإِن الشبّ يُفِيد تَقْوِيَة وتلطيفاً. والكي الْمَذْكُور فِي أمراض الطحال هُوَ على الْعرق الَّذِي فِي بَاطِن الذِّرَاع الْأَيْسَر وَإِن لم يكن ظَاهر الْحَال فِيمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ. وَرُبمَا كفى التَّدْبِير الملطف فِي شِفَاء الطحال وَقد يتَّفق أَن ينفع مِنْهُ التَّدْبِير المخصب للبدن إِذا لم يُوقع سدداً وَلم يكن مغلظاً للدم أَو كَانَ كَذَلِك لَكِن الكبد يقوى على إِصْلَاحه فَإِن التَّدْبِير المخصب بِمَا يرطّب الدَّم ويعدله ويصلحه يكسر السَّوْدَاء وَقد تبلغ صلابة الطحال إِلَى أَن لَا يَكْفِي علاجها الِاسْتِعَانَة بِمَا يشرب دون مَا يضمّد بِهِ وكل لبن غير لبن اللقَاح رَدِيء للطحال. والأدوية المفردة الَّتِي تسْتَعْمل لهَذَا السَّبَب يشبه أَن يكون أفضلهَا قشر أصل الكَبَر فَإِنَّهُ كثيرا مَا أخرج بولاً وغائطاً دموياً ودردياً وشفى وخصوصاً إِذا شرب مَعَ السكنجبين الْبزورِي الضَّارِب إِلَى الحموضة وَلَيْسَ هُوَ وَحده بل وَمثل قنطريون وعصارته وخصوصاً الدَّقِيق وأصل السوسن وزهر الْملح والوج معجوناً بالعسل كل يَوْم ملعقة وَحب الْفَقْد والآس وكمافيطوس والكمادريوس والحبة الخضراء مَعَ السكنجبين والفراسيون خُصُوصا بِمَاء الحدادين الَّذِي سَنذكرُهُ. والبصل جيد غَايَة والأجود سكنجبينه وسقولوقندريون بعصارة(2/572)
الطرفاء والحرف والشونيز والغاريقون وَحده بالسكنجبين أَو القنطريون. والشربة من أَيهمَا كَانَ مِثْقَال إِلَى دِرْهَمَيْنِ والأفتيمون وزن خَمْسَة دَرَاهِم فِي أُوقِيَّة من السكنجبين. فَإِن هَذَا إِذا كرر أسهل مَا فِي الطحال وأضمره والأشق والترمس لَا سِيمَا طبيخه السكنجبين وطبيخ الشوبلا بِالْمَاءِ القراح وَيشْرب بالسكنجبين أَو بِمَاء طبيخ الجعدة والحمّاض الْبري بخل مَعَ سكنجبين وعصارة الشوك الطري أَو الشبث الْيَابِس يُؤْخَذ مِنْهُ كل يَوْم دِرْهَمَانِ وَيتبع ببول وَالِانْتِفَاع بألبان الْإِبِل وَأَبْوَالهَا شَدِيدا جدا. ويتناول مِنْهُ الضَّعِيف وَالْقَوِي كل بِحَسبِهِ. وأجودها مَا تكون النَّاقة قد رعت الغرب والشيح والكرفس والرازيانج وَإِذا ظهر من شربهَا إنهضام الورم وَظهر فِي الثفل استفراغ سوداوي أقبل بعده بالتقوية أَو يَأْخُذ بالبطم المنقوع بالخلّ الثقيف سَبْعَة أَيَّام ثمَّ يتَنَاوَل من ذَلِك البطم كل يَوْم ثَلَاث معالق ويتحسّى من ذَلِك الْخلّ على أَثَره أَو يسقى بزر الفجل دِرْهَم وَنصف بخلّ ثَقِيف أَو طبيخ ورق الْجَوْز الطري مطبوخاً بخلّ الاشقيل أَو مَاء ورق الْكبر بالسكنجبين أَو الناردين بخلّ العنصل. وَمِمَّا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا لَهُ خاصية وزن دِرْهَمَيْنِ بزر البقلة الحمقاء بالخلّ أَو البسد المسحوق جدا وزن مِثْقَال بِشَيْء من الْأَشْرِبَة الطحالية أَو جَرَادَة القرع الرُّخص أَو القرع نَفسه تدقّ بعد التجفيف وَيشْرب مِنْهُ دِرْهَمَانِ بالسكنجبين. وَأَيْضًا بزر الْقصب وبزر الكشوث وورق الْخلاف لمرارته وَقَبضه وبزر الحمّاض وبزر السرمق وَثَمَرَة الطرفا وورقها أَو رئة الثَّعْلَب أَو كبده وزن دِرْهَمَيْنِ فِي السكنجبين أَو من طحال حمَار الْوَحْش أَو من طحال الْفرس وَالْمهْر أَيهمَا كَانَ وزن دِرْهَمَيْنِ مجفّفاً. أَو تَأْخُذ الخفافيش وتذبحها وتجففها وتدفنها وَتَأْخُذ مِنْهَا مَا تحمله ثَلَاث أَصَابِع أَو تَأْخُذ سَبْعَة خفافيش سَمِينَة وتذبحها وتنقيها وتجعلها فِي قدر خزف وتغمر بالخل الثقيف وتطين وتترك فِي تنور مسجر. فَإِذا أنضج يتْرك الْقدر فِيهِ إِلَى أَن يبرد ثمَّ يخرج ويمرس فِي الخلّ ويسقى مِنْهَا كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ. وَهَذَا علاج مجرّب. وأمثال هَذِه الْأَدْوِيَة المفردة الْمَذْكُورَة أَولا وأخيراً يصلح أَن يشرب بالسكنجبين والخلّ وَأَن يتَّخذ مِنْهَا أضمدة وتقوّى بالخلّ. وَأما الْأَدْوِيَة المركبة المشروبة فَمثل سقولوقندريون والطباشير يشرب مِنْهَا دِرْهَمَيْنِ بسكنجبين وأقراص الْكبر وأقراص الفنجنكشث فِي السكنجبين وأقراص الزراوند الْمُتَّخذ بقشور أصل الْكبر ويسقى فِي خلّ شَدِيد الحموضة وَذَلِكَ إِذا لم تكن نفخة. وأقراص الفوّة وترياق الْأَرْبَعَة جيد جدا إِذا لم تكن حمى.(2/573)
أَو يُؤْخَذ من الْحَرْف جُزْء وَمن الشونيز نصف جُزْء يتَّخذ بِعَسَل منزوع الرغوة والشربة ثَلَاثَة دَرَاهِم بالخل الممزوج أَو سفوف من زراوند وهليلج كابلي يُؤْخَذ مِنْهُ ملعقة ببول الْإِبِل أَو بَوْل الْبَقر أَو قشور الْكبر أَرْبَعَة دَرَاهِم زراوند طَوِيل دِرْهَمَيْنِ بزر الفنجنكشت والفلفل من كل وَاحِد سِتَّة دَرَاهِم يتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص. وَمِمَّا جرب لَهُ برشياوشان وقشور أصل الْكبر وبزر الحمقاء وبزر السذاب وبزر الفنجنكشت والزوفا وأجزاء سَوَاء. والشربة ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي السكنجبين أَو تَأْخُذ أصُول الْكبر وَالزَّبِيب وبزر السلجم والزوفا يدق كُله وينقع فِي الْخلّ يَوْمًا وَلَيْلَة وتطبخه فِي مَاء كثير حَتَّى يرجع إِلَى الْقَلِيل ويمزج بِهِ السكنجبين الْقوي البزور ويشربه أَو يسقى من خل طبخ فِيهِ الأبهل وَجوز السرو طبخاً جيدا حَتَّى يبْقى الْقَلِيل وَيشْرب مِنْهُ مَا يقدر ويضمّد بثفله أَو لبن اللقَاح على شَرطهَا ويسقى بحب ورق الغرب. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الفوة اثْنَا عشر درهما وَمن قشور أصل الْكبر وَمن الزراوند الطَّوِيل وَمن الايرسا من كل وَاحِد دِرْهَمَيْنِ يسحق جيدا ويعجن بالسكنجبين الحامض ويقرّص. والشربة مِثْقَال بِمَاء الأفسنتين وقشور أصل الْكبر مطبوخين مَعًا. أَو يُؤْخَذ ورق العقيق الطري وقشور أصل الْكبر وَثَمَرَة الطرفاء وسقولوقندريون وعنصل مشوي وفلفل أَبيض أَجزَاء سَوَاء يقرص. والشربة مثقالان بسكنجبين. أَو يُؤْخَذ طحال حمَار الْوَحْش وطحال الْمهْر مجففين ويسحقان وَيشْرب مِنْهُمَا مِثْقَال إِلَى دِرْهَمَيْنِ بشراب ممزوج. وَقيل أَن أَمْثَال هَذِه الْأَدْوِيَة إِذا سقيتها الْخَنَازِير أَيَّامًا لم يُوجد لَهَا طحال مَثَاقِيل أَو يُؤْخَذ قشور أصل الْكبر وسقولوقندريون وَثَمَرَة الطرفاء ولحاء الْخلاف وفوّة وأسارون ووجّ يطْبخ بالخلّ الحاذق ثمَّ يصفى ويتخذ مِنْهُ سكنجبين عَسَلِي وَيشْرب مِنْهُ دِرْهَم فَإِنَّهُ عَجِيب. والمطحول إِذا اشْتَكَى قيام لَا دم فِيهِ وَلَا مغص أَخذ من سفوف حب الرُّمَّان ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام كل يَوْم وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَجعل غذاءه نصف مَا كَانَ يغتذي فَإِن قِيَامه طحالي. وَاعْلَم أَن الْأَشْيَاء الحارة لَيست بكثيرة الْمُوَافقَة للطحال لما يصلب ويجفف فَيمْنَع من التَّحْلِيل وَإِذا كَانَ فِي القارورة حرارة فالأجود أَيْضا أَن يسقى أَقْرَاص أَمِير باريس وَنَحْوهَا. وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه نَافِع من الصلابة المزمنة الْعَارِضَة فِي الطحال وَهُوَ أَن يُؤْخَذ أصل الجاوشير وأشق وقشور أصل الْكبر. وَالنَّوْع من اللبلاب الْمَعْرُوف بأنطرونيون ولب العنصل المشوي وَحب البان والثوم الْبري من كل وَاحِد جُزْء يخلط الْجَمِيع وَيُؤْخَذ مِنْهُ درخمي وَاحِد بِالْغَدَاةِ مَعَ السكنجبين أَو خل ممزوج. آخر مجرب: يُؤْخَذ لب حب البان ثَلَاث درخميات ثوم بري سِتّ درخميات قشر أصل الْكبر(2/574)
أَربع درخميات قسط درخمي اسطورفيون سِتّ درخميات جعدة ثَلَاث درخميات أصل النَّبَات الْمَعْرُوف بقوطوليدون وَهُوَ النَّوْع الْمَعْرُوف بالسكرجة درخميين. وَزَعَمُوا أَن هَذَا النَّوْع من السكرجات - وَهُوَ نَبَات ورقه يشبه الآس وَفِي وَسطه كخاتمة مَاء شَبيهَة بِالْعينِ - شَبيه بحي الْعَالم الْأَكْبَر وحبّ اللبلاب الْأَكْبَر خَمْسَة وَعِشْرُونَ عددا أشق أَربع درخميات بازاورد درخمي بزر شَجَرَة. مَرْيَم درخمي أَو أَصله ثَلَاث درخميات قردمانا درخمي وَنصف حب الاشقيل وَهُوَ العنصل مقلواً سِتَّة عشر درخمياً يخلط مَعًا وَيسْتَعْمل مَعَ السكنجبين. والشربة مِنْهُ درخمي وَنصف وَفِي الْأَكْثَر درخميان اثْنَان. وَهَذِه أَقْرَاص أخر تفعل تِلْكَ الْأَفْعَال بِعَينهَا بل أَجود وَهِي أَن يُؤْخَذ بزر السرمق أَربع درخميات فلفل أَبيض وسنبل سوري وأشق من كل وَاحِد درخميان يقرص وَيسْتَعْمل مثل الَّتِي قبله. قرص آخر: نَافِع للمطحولين مَنْفَعَة بيّنة وجرب ذَلِك وَهُوَ أَن يُؤْخَذ أشق وَثَمَرَة العوسج من كل وَاحِد ثَمَان درخميات قشر أصل الْكبر وَثَمَرَة الطرفاء وفلفل أَبيض وثوم برّي وعنصل منقّى مشوي من كل وَاحِد درخميان يعجن ويقرّص القرص درخمي. والشربة وَاحِد مِنْهَا بشراب الْعَسَل فَإِنَّهُ نَافِع. أُخْرَى: يُؤْخَذ لبّ العنصل المشوي رطلين أصل الْكَرم ثَمَانِيَة أَرْطَال فلفل أَبيض وفطراساليون وجزر بري ودقيق الكرسنة وحبّ الصنوبر من كل وَاحِد ثَمَان أَوَاقٍ يعجن. وَإِذا اسْتعْملت شَيْئا من هَذِه فَالْأَحْسَن أَن يهجر المَاء أَو يقل شربه ليَكُون الدَّوَاء مَحْفُوظ الْقُوَّة وَلَا ينجذب إِلَى نواحي الحدبة من الكبد بمعونة المَاء الْكثير. وَأما الأضمدة فالأجود فِي اسْتِعْمَالهَا أَن يسْتَعْمل قبلهَا الْحمام الطَّوِيل على الرِّيق وَيكثر الْمقَام فِي الابزن وَإِذا خرج العليل مِنْهُ يتَنَاوَل المقطّعات الحريفة المعطّشة مثل السّمك المالح والقديد والخردل والصحناء ويسقى شرابًا ممزوجاً بِمَاء الْبَحْر ويلطف تَدْبيره يفعل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام وَفِي الرَّابِع يراض حَتَّى يعرق ويتواتر نَفسه ثمَّ يضمد بِهَذَا إِن كَانَ الْأَمر قَوِيا وَإِن كَانَ أَضْعَف من هَذَا فاقتصر على مَا هُوَ أخفّ من هَذَا. وَأما مَاهِيَّة الأضمدة فقد تتَّخذ من تِلْكَ المبردات الَّتِي ذَكرنَاهَا والأشق نَفسه وبعر الْغنم إِذا ضمّد بهما بالخلّ كَانَ ضماداً قَوِيا أَو بعر الشَّاة محرقاً إِذا اسْتعْمل بخل ضماد ورماد الأتون ضماد جيد إِذا عجن بالخل وضمد بِهِ. وَكَذَلِكَ الضمّاد بِأَصْل الكرمة الْبَيْضَاء بالخلّ أَيْضا أَو كبريت بخل أَو ورق اليتوع بالخل أَو السذاب بالخل. وَإِذا أخفت إخثاء الْبَقر الراعية فجففت أَولا ثمَّ يطبخت بالخل كَانَ مِنْهَا ضماد جيد وَرُبمَا ذَر عَلَيْهَا كبريت أصفر. والتضميد بزهرة الْملح عَجِيب.(2/575)
وَمن ذَلِك تجمير حب البان بالخلّ وَأَيْضًا الحرمل مَعَ بزره يطْبخ فِي الْخلّ حَتَّى يتهرى ويضمد بِهِ. وَمِمَّا هُوَ أقرب إِلَى الِاعْتِدَال السلق الْمَطْبُوخ بالخل أَو أصُول الخطمي معجونة بالخل. وَمن المركبات مرهم الباسليقون ومرهم جالينوس ومرهم الْحَكِيم أسقلافيدوس الضماد الذَّهَبِيّ وضمّاد الصَّبْر الجالينوس ومرهم يتَّخذ من قشور أصل الْكبر ينقع فِي الخلّ سَاعَات حَتَّى يلين ثمَّ يجفف ويدق نَاعِمًا ويتخذ مِنْهُ مرهم بالشمع ودهن الْحِنَّاء أَو يُؤْخَذ سَواد قدور النّحاس فيتخذ مِنْهُ وَمن دَقِيق الشّعير والخلّ والسكنجبين فَإِنَّهُ ضماد نَافِع بَالغ أَو يسْتَعْمل ضماد الْخَرْدَل فَإِنَّهُ قوي جدا. ضمّاد آخر يحلل الصلابة وَهُوَ أَن يُؤْخَذ أشق وشمع وصمغ الصنوبر من كل وَاحِد ثَمَانِيَة درخميات علك البطم ومقل وبازاورد من كل وَاحِد سِتّ درخميات كندر ومرّ ودهن قثاء الْحمار من كل وَاحِد أَربع درخميات تنقع الذائبة فِي الْخلّ وتخلط وتستعمل. آخر: يُؤْخَذ حلبة ودقيق الكرسنة من كل وَاحِد أوقيتان أشق وصمغ البطم من كل وَاحِد خمس أَوَاقٍ قشر أصل الْكبر وَحب الْفَقْد وأصل الثوم الْبري وفوة من كل وَاحِد درخمي شمع رطلان ينقع فِي الْخلّ ويخلط فِي زَيْت عَتيق وَيسْتَعْمل. أَو دَقِيق الحلبة وخردل أَبيض ونطرون أَو تين مطبوخ فِي الْخلّ يَجْعَل عَلَيْهِ سدسه أشقاً أَو يُؤْخَذ عسل الشهد ويطلى على قِطْعَة من طرس بِقدر الورم ويذر عَلَيْهِ الْخَرْدَل ويضمد بِهِ الطحال وَيتْرك مَا احْتمل. آخر: يُؤْخَذ من التِّين السمان عشرَة وينقع فِي الْخلّ سَاعَات ثَلَاثَة ثمَّ يطْبخ ويهرى ويصفّى وَيُؤْخَذ بوزنه خَرْدَل وأصل الْكبر مجموعين ويخلط الْجَمِيع بالسحق وَرُبمَا جعلُوا فِيهِ أشقاً ومازريون بِقدر الْحَاجة ويتخذ من جَمِيعهَا طلاء أَو ضماد. آخر: الحلبة والقردمانا والنورة والبورق بالخل وَيتْرك أَيَّامًا أَو أشق وكور وَمر وكندر بِالسَّوِيَّةِ بخل ثَقِيف يطلى وَيصير عَلَيْهِ قطنة وَيتْرك أَيَّامًا إِلَى أَن يَقع بِنَفسِهِ. وَمِمَّا جرب وَاخْتَارَهُ الْكِنْدِيّ سذاب وقشور أصل الْكبر وأفسنتين وفوذنج وصعتر يطْبخ بخل حاذق وَيُوضَع على قطع لبود ويضمد بهَا حارة ويجدد كلما برد إِحْدَى وَعشْرين مرّة على الرِّيق. وَمن الأضمدة الجيدة جدا أَن يُؤْخَذ من دَقِيق البلوط رطلان فَيتْرك على جمر ويلقى عَلَيْهِ رَطْل نورة ويخلطان ويتخذ مِنْهُمَا ضماد. آخر: يُؤْخَذ بورق ونورة وعاقر قرحا وخردل يجمع الْجَمِيع بالقطران ويطلى وَلَا يصلح مَعَ الْحمى. آخر: يُؤْخَذ من العاقر قرحا خمس أَوَاقٍ وَمن الْخَرْدَل خَمْسَة عشر درهما وَمن حب(2/576)
المازريون أَربع أَوَاقٍ وَمن القردمانا ثَلَاث أَوَاقٍ وَمن جوز الطّيب أُوقِيَّة وَمن الفلفل أَربع أَوَاقٍ يجمع بخل العنصل ويكمد بِهِ الطحال ثَلَاث سَاعَات بعد أَن يغسل الْموضع بخردل ونطرون. وللمزمن طلاء من أشق واللوز المرّ عشرَة عشرَة وَمن ورق السذاب وبعر الْمعز والخردل الطري معجوناً بِبَعْض العصارات النافعة وَقَلِيل خلّ وَمن النطولات مَا طبخ فِيهِ الترمس والسذاب والفلفل. وَمن الأضمدة الشَّدِيدَة القوية أَن يتَّخذ من الخربق الْأسود ثَلَاث أَوَاقٍ وَمن الخربق الْأَبْيَض أَربع أَوَاقٍ وَمن الأشق ثَلَاث أَوَاقٍ وَمن النطرون ثَلَاث أَوَاقٍ وَمن السقمونيا أوقيتين فلفل ثَلَاثُونَ حَبَّة يقوّم بِالشرابِ بعلك البطم تقويماً يحْتَمل الْخَلْط بِهَذِهِ كالمرهم ويطلى على الْموضع بعد تسخينه بالدلك وَهَذَا أَيْضا مسهل. وَإِذا لم تَنْفَع الْأَدْوِيَة فَيجب أَن تضع المحاجم وتشرط عَلَيْهَا وَرُبمَا وَجب عِنْد غَلَبَة الْخَلْط السوداوي وَالدَّم أَن يفصد الوداج الْأَيْسَر ويكوى على خَمْسَة مَوَاضِع من الطحال أَو سِتَّة ثمَّ لَا تدعها تَبرأ. فَإِن لم يصبر على النَّار اسْتعْملت الكاوي من الْأَدْوِيَة مثل ضمّاد التِّين والخردل وَمثل ضمّاد ثافسيا وَغير ذَلِك. وَإِن غلبت الْحَرَارَة وَلم يحْتَمل العليل الأضمدة القوية بخّر طحاله ببخار خلّ من حجر رُخَام أَو حجر أسود أَو يستلقي على الرِّيق وَيُوضَع على طحاله قِطْعَة لبد مغموسة فِي الْخلّ المسخّن وخصوصاً الْمَطْبُوخ فِيهِ السذاب أَو درديّ الخلّ المسخّن. وأجود ذَلِك أَن يدْخل العليل الْحمام الْحَار على الرِّيق إِذا كَانَ مُحْتملا لذَلِك ويستلقي فِيهِ وَلَا يزَال تُوضَع عَلَيْهِ اللبود المغموسة فِي الخلّ وَاحِدَة بعد أُخْرَى مَا احْتمل ويكرّر عَلَيْهِ أَيَّامًا فَإِنَّهُ علاج قوي. وَمِمَّا يقرب من هَذَا وَيصْلح للحار أَن يُؤْخَذ من بزر الهندبا وبزر البقلة الحمقاء والقرع المجفّف وبزر الفنجنكشت يسقى من ذَلِك مثقالين بالسكنجبين الشَّديد الحموضة ثمَّ يعالج بعد ذَلِك بعلاج لبود الخلّ وَكثير مِمَّن بِهِ طحال مَعَ حرارة نسقيه مَاء الهندبا بالسكنجبين إِذا كرّر عَلَيْهِ. وَأما الأغذية فَمَا خفّ ودسم من المرق الْمُتَّخذ مِمَّا خفّ ولطف وسخن باعتدال كَمَا علمت وَالْكبر المخلل وحبة الخضراء المخلّلة وَسَائِر مَا عَلمته فِي مَوَاضِع أُخْرَى وَيجب أَن يسْتَعْمل مَعَ ذَلِك الملطّفات مثل الْخَرْدَل وَمَا أشبه ذَلِك ومشروباتهم مَاء الحدادين أَو مَاء طفئ فِيهِ الْحَدِيد المحمّى مرَارًا. فصل فِي معالجات الورم البلغمي فِي الطحال علاجه هُوَ المعتدل: من معالجات الصلب مَعَ استفراغ البلغم والسوداء فَإِن بلغمه سوداوي والضمّادات المتخذة من إكليل الْملك والشبث وقصب الذريرة والسذاب الْيَابِس وَغير ذَلِك.(2/577)
فصل فِي سدد الطحال قد يكون من ريح وَيكون من ورم وَيكون من أخلاط على مَا علمت. والريحي يكون مَعَه تمدد شَدِيد مَعَ خفَّة والورمي يكون مَعَ عَلَامَات الورم والسدد الْأُخْرَى تكون مَعَ ثقل وَلَا تصحبها أَعْلَام الورم. المعالجات: هِيَ بِعَينهَا القوية من معالجات سدد الكبد وَقد أَشَرنَا إِلَيْهَا هُنَاكَ أَيْضا. فصل فِي الرّيح والنفخة فِي الطحال النفخة فِي الطحال هِيَ أَن يحسّ فِيهِ تمدّد وصلابة ونتوء ينغمز إِلَى قرقرة وجشاء من غير ثقل الأورام. المعالجات: اعْلَم أَن الْأَدْوِيَة الصَّالِحَة لعلاج صلابة الطحال مقاربة فِي الْقُوَّة الصَّالِحَة لعلاج النفخة فَإِنَّهَا تحْتَاج أَيْضا إِلَى مفتح جلاّء يحلّل مَعَ قُوَّة قابضة قَوِيَّة أَكثر من قُوَّة التحاليل لِأَن الْمَادَّة ريحية خَفِيفَة وَهَذِه بِخِلَاف مَا فِي الأورام وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهَا أدوية هِيَ بهَا أشبه وفيهَا أعمل وَلها أصلح مثل الفنجنكشت والكمّون وبزر السذاب والنانخواه وَمَا أشبه ذَلِك. وينفع من ذَلِك مَنْفَعَة عَظِيمَة وضع المحاجم بالنَّار على الطحال وَيجب أَن يجوع وَلَا يتَنَاوَل الْغذَاء دفْعَة وَاحِدَة بل تفاريق قَليلَة الْمِقْدَار جدا وَلَا يشرب المَاء مَا قدر بل يشرب نبيذاً عتيقاً رَقِيقا مرا قَلِيلا وَلَا ينَام حَتَّى تَجف بَطْنه. وَإِذا هاج على امتلاء بَطْنه وجع لَيْلًا أَو نَهَارا غمزه غمزاً بعد غمز واحتال للبراز ونام. فَإِن لم ينفع ذَلِك كمد. وَإِذا علمت أَن الْمَادَّة السوداوية كَثِيرَة وتنفخ بكثرتها استفرغت. وَمن المشروبات أَقْرَاص بِهَذِهِ الصّفة. ونسخته: يُؤْخَذ الْحَرْف الْأَبْيَض وزن ثَلَاثِينَ درهما يدقّ وينخل ويعجن بخل خمر حاذق ويتخذ مِنْهُ أَقْرَاص رقاق صغَار ويخبر فِي تنور أَو طابق إِلَى أَن يجِف وَلَا يبلغ أَن يَحْتَرِق وَيُؤْخَذ قرص من وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم فِي الأَصْل قبل الْخبز ويسحق ويخلط بِهِ من حبّ الْفَقْد وَثَمَرَة الطرفاء خَمْسَة خَمْسَة وَمن الأسقولو قندريون سَبْعَة ويقرص. والشربة مِنْهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم بسكنجبين. وَتَنْفَع أَيْضا أَقْرَاص الفنجنكش أَو يُؤْخَذ كزمازك وزن عشرَة دَرَاهِم حبّ المرو وزن عشرَة دَرَاهِم بزر الهندبا وبزر البقلة الحمقاء من كل وَاحِد وزن خَمْسَة دَرَاهِم ويقرص. والشربة مِنْهُ ثَلَاثَة دَرَاهِم بالسكنجبين السكرِي. وَقد يَنْفَعهُ أَن يستف من الفنجنكشت والنانخواه وقشور أصل الْكبر والسذاب الْيَابِس والوج مِثْقَالا بشراب عَتيق أَو بطبيخ الْأَدْوِيَة النافعة لَهُ. وَأما المروخات والضمادات: فَمن الأدهان دهن الأفسنتين ودهن الناردين(2/578)
ودهن الْقسْط. وَمن المراهم موهم يتَّخذ من الكبريت والشب والنطرون والزفت والجاوشير. وَأما الضمّادات فَمثل الضمّادات الْمَذْكُورَة فِي الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة مثل ضمّادات التِّين بالخلّ مَعَ السذاب والنطرون وبزر الفنجنكشت وإكليل الْملك والبابونج. وَأما النطولات فَخَل طبخ فِيهِ تِلْكَ الْأَدْوِيَة وخاصة على مَا ذَكرْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالهَا بِقطع اللبود وخصوصاً الْخلّ الْمَطْبُوخ فِيهِ الْكبر الغضّ والكرنب وَثَمَرَة الطرفاء واسقولوقندريون وورق الفنجنكشت وَجوز السرو والسذاب. وَإِن أُرِيد أَن تكون بِقُوَّة وَلم تكن حمى جعل فِيهَا أشق وَمثل وَنَحْوه وَأَيْضًا الفوذنج والسذاب والأشنة والبورق مطبوخاً فِي الخلّ مَعَ شَيْء من شبّ. والغذاء فِي ذَلِك مَا قيل فِي غَيره. فصل فِي وجع الطحال وجع الطحال إِمَّا أَن يكون لريح ونفخة أَو لورم عَظِيم أَو لتفرّق اتِّصَال أَو لسوء مزاج وَقد علمت علاماتها محا قد سبق منا بَيَان جملَة ذَلِك وَقدمنَا هُنَاكَ عَلامَة كل صنف مِنْهَا وَأَنت وَاقِف على جملَة مَا بَينا وَإِذا كَانَ الوجع إِنَّمَا يُصِيبهُ الْحس فِي نَاحيَة الطحال عِنْد الْجنب الْأَيْسَر فَهُوَ ريح مستكنة بَين الغشاء والصفاق فَإِن كَانَت الطبيعة يابسة احتجت إِلَى التَّحْلِيل والإسهال حَسْبَمَا تعلم وَاسْتعْمل الحمّام وَلَا تفصد وَإِن قضى بِهِ عَامَّة الْأَطِبَّاء إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة يَسِيرا.(2/579)
الْفَنّ السَّادِس عشر أَحْوَال الأمعاء والمقعدة وَهُوَ خمس مقالات: الْمقَالة الأولى تشريحها الاستطلاق الْمُطلق فصل فِي تشريح الأمعاء السِّتَّة إِن الْخَالِق تَعَالَى جلّ جَلَاله وتقدست أسماؤه وَلَا إِلَه غَيره لسابق عنايته بالإنسان وسابق علمه بمصالحه خلق أمعاءه الَّتِي هِيَ آلَات لدفع الْفضل الْيَابِس كَثِيرَة الْعدَد والتلافيف والاستدارات ليَكُون للطعام المتحدر من الْمعدة مكث صَالح فِي تِلْكَ التلافيف والاستدارات وَلَو خلقت الأمعاء معي وَاحِدَة أَو قَصِيرَة الْمَقَادِير لانفصل الْغذَاء سَرِيعا عَن الْجوف وَاحْتَاجَ الْإِنْسَان كل وَقت إِلَى تنَاول الْغذَاء على الِاتِّصَال وَمَعَ ذَلِك إِلَى التبزز وَالْقِيَام إِلَى الْحَاجة وَكَانَ من أَحدهمَا فِي شغل شاغل عَن تصرّفه فِي وَاجِبَات معيشته وَمن الثَّانِي فِي أَذَى واصب وترصد وَكَانَ ممنواً بالشره والمشابهة للبهائم فَكثر الْخَالِق تَعَالَى عدد هَذِه الامعاء وَطول مقادير كثير مِنْهَا لهَذَا من الْمَنْفَعَة وَكثر استداراتها لذَلِك. وَالْمَنْفَعَة الْأُخْرَى هِيَ أَن الْعُرُوق الْمُتَّصِلَة بَين الكبد وَبَين آلَات هضم الْغذَاء إِنَّمَا تجذب اللَّطِيف من الْغذَاء بفوهاتها النافذة فِي صفاقات الْمعدة بل فِي صفاقات الأمعاء وَإِنَّمَا تجذب من اللَّطِيف مَا يماسها. وَأما مَا يغيب عَنْهَا ويتوغل فِي عمق الْغذَاء الْبعيد عَن ملامسته فوهات الْعُرُوق فَإِن جذب مَا فِيهَا إِمَّا غير مُمكن وَإِمَّا عسر فتلطف الْخَالِق تَعَالَى بتكثير التلافيف ليَكُون مَا يحصل متعمقاً فِي جُزْء من المعي يعود ملامساً فِي جُزْء آخر فتتمكن طَائِفَة أُخْرَى من الْعُرُوق من امتصاص صفاقاته الَّتِي فَاتَت الطَّائِفَة الأولى. وَعدد الامعاء سِتَّة أَولهَا الْمَعْرُوف بالاثني عشري ثمَّ الْمَعْرُوف ثمَّ معي طَوِيل ملتف يعرف بالدقاق واللفائف ثمَّ معي(2/580)
يعرف بالأعور ثمَّ معي يعرف بالقولون ثمَّ معي يعرف بالستقيم وَهُوَ السرم. وَهَذِه الأمعاء كلهَا مربوطة بالصلب برباطات تشدها على وَاجِب أوضاعها. وخلقت الْعليا مِنْهَا رقيقَة الْجَوْهَر لِأَن حَاجَة مَا فِيهَا إِلَى الإنضاج ونفوذ قُوَّة الكبد إِلَيْهَا أَكثر من الْحَاجة فِي الأمعاء السُّفْلى وَلِأَن مَا يتضمنه لطيف لَا يخْشَى فَسخه لجوهر المعي بنفوذه فِيهِ ومروره بِهِ وَلَا خدشه لَهُ. والسفلى مبتدأه من الْأَعْوَر غَلِيظَة ثخينة مشحمة الْبَاطِن لتَكون مقاومة للثفل الَّذِي إِنَّمَا يصلب ويكثف أَكْثَره هُنَاكَ وَكَذَلِكَ إِنَّمَا يتعفن إِذا أَخذ يتعفن فِيهِ. والعليا لَا شَحم عَلَيْهَا وَلَكِن لم تخل فِي الْخلقَة من تغرية سطحها الدَّاخِل لزجة مخاطية تقوم لَهَا مقَام الشَّحْم والمعي الإثني عشري مُتَّصِل قَعْر الْمعدة وَله فَم يَلِي الْمعدة يُسمى البواب. وَهَذَا بِالْجُمْلَةِ مُقَابل للمريء فَكَمَا أَن المريء إِنَّمَا هُوَ للجذب إِلَى الْمعدة من فَوق فَكَذَلِك هَذَا إِنَّمَا هُوَ للدَّفْع عَن الْمعدة من تَحت فَهُوَ أضيق من المريء وَاسْتغْنى فِي الْخلقَة عَن توسيعه توسيع المريء لأمرين. أَحدهمَا أَن الشَّيْء الَّذِي ينفذ فِي المريء أخشن وأصلب وَأعظم حجماً وَالَّذِي ينفذ فِي هَذَا المعي أَلين وأسلس وأرقّ حجماً لانهضامه فِي الْمعدة واختلاط الرطوله المائية بِهِ. والثالْي: أَن النَّافِذ فِي المري لَا يتعاطاه من القوى الطبيعية إِلَّا قُوَّة وَاحِدَة وَإِن كَانَت الإرادية تعينها فَإِنَّهَا تعينها من جِهَة وَاحِدَة وَهِي الجاذبة فأعينت بتفسيح المسيل وتوسيعه. وَأما النَّافِذ فِي المعي الأول فَإِنَّهُ ينفعل عَن قوتين: إِحْدَاهمَا الدافعة الَّتِي هِيَ فِي الْمعدة وَالْأُخْرَى الجاذبة الَّتِي فِي المعي ويرافدها الْعقل الَّذِي يحصل بجملة الطَّعَام فيسهل بذلك اندفاعه فِي المسيل المعتدل السعَة وَهَذِه القصبة تخَالف المري فِي أَن المريء كجزء من الْمعدة مشاكل لَهَا فِي هَيْئَة تأليفها من الطَّبَقَات. وَأما هَذِه القصبة فكشيء غَرِيب ملصق بهَا مُخَالف فِي جَوْهَر طبقاته لطبقتي الْمعدة إِذْ كَانَت الْمعدة تحْتَاج إِلَى جذب قوي لَا يحْتَاج إِلَى مثله المعي فَلذَلِك الْغَالِب على طبقتي المعي الليف الذَّاهِب فِي الْعرض وَلَكِن المعي الْمُسْتَقيم قد ظهر فِيهِ لِيف كثير بالطول لِأَنَّهُ منق للأمعاء عَظِيم النَّفْع يحْتَاج إِلَى جذب لما فَوْقه ليستعين بِهِ على جودة الْعَصْر وَالدَّفْع والإخراج فَإِن الْقَلِيل عَاص على المخ(2/581)
وَالْعصر وَلذَلِك خلق وَاسِعًا عَظِيم التجويف وَخلق للمعي طبقتان للِاحْتِيَاط فِي أَن لَا يفشو الْفساد والعفن المهيأ لَهما عِنْد أدنى اَفة تلْحقهُ سَرِيعا ولاختلاف الْفِعْلَيْنِ فِي الطبقتين وخلقت هَذِه القصبة مُسْتَقِيمَة الْخلقَة ممتدة من الْمعدة إِلَى أَسْفَل ليَكُون أول الاندفاع متيسراً فَإِن نُفُوذ الثقيل فِي الممتد الْمُسْتَقيم إِلَى أَسْفَل أسْرع مِنْهُ فِي المعوج أَو المضطجع وَكَانَت هَذِه الْخلقَة فِيهَا أَيْضا نافعة فِي معنى آخر وَهُوَ أَنَّهَا إِذا نفذت مُسْتَقِيمَة خلت يمنتها ويسرتها مَكَانا لسَائِر الْأَعْضَاء المكتنفة للمعدة من الْجَانِبَيْنِ كشطر من الكبد يمنة وكالطحال يسرة وَسَائِر الامعاء ولقبت بالإثني عشري لِأَن طولهَا هَذَا الْقدر من أَصَابِع صَاحبهَا وسعتها سَعَة فَمَا الْمُسَمّى بواباً. والجزء من الأمعاء الرقيقة الَّتِي تلِي الإثني عشري يُسمى صَائِما: وَهَذَا الْجُزْء فِيهِ ابْتِدَاء التلفف والانطواء والتلوي وَكَانَ فِيهِ مخازن كَثِيرَة. وَقد سمّي هَذَا المعي صَائِما لِأَنَّهُ يُوجد فِي الْأَكْثَر فَارغًا خَالِيا. وَالسَّبَب فِي ذَلِك تعاضد أَمريْن: أَحدهمَا أَن الَّذِي ينجذب إِلَيْهِ من الكيلوس يسْرع إِلَيْهِ الِانْفِصَال عَنهُ فطائفة تنجذب نَحْو الكبد لِأَن الْعُرُوق الماساريقية أَكْثَرهَا مُتَّصِل بِهَذَا المعي لِأَن هَذَا االمعي أقرب الأمعاء من الكبد وَلَيْسَ فِي شَيْء من الأمعاء من شعب الماساريقا مَا فِيهِ وَبعده الإثنا عشري وَهَذَا المعي يضيق ويضمر ويصغر فِي الْمَرَض جدا وَطَائِفَة أُخْرَى تنفصل عَنهُ إِلَى مَا تَحْتَهُ من الأمعاء لِأَن الْمرة الصَّفْرَاء تتحلب من المرارة إِلَى هَذَا المعي وَهِي خَالِصَة غير مشوبة فَتكون قَوِيَّة الْغسْل شَدِيد تهييج الْقُوَّة باللذع فِيمَا تغسل تعين على الدّفع إِلَى أَسْفَل وَبِمَا تهيج المافعة تعين على الدّفع إِلَى الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا أَعنِي إِلَى للكبد وَإِلَى أَسْفَل فبعرض بسسبب هَذِه الْأَحْوَال أَن يبْقى هَذَا الْجُزْء من الأمعاء خَالِيا وَيُسمى لذَلِك صَائِما. ويتصل بالصائم جُزْء من المعي طَوِيل متلفف مستدير استدارة بعد أُخْرَى. وَالْمَنْفَعَة فِي كَثْرَة تلافيفه وَوُقُوع الاستدارات فِيهِ مَا قد شرحناه فِي القصول الْمُتَقَدّمَة وَهُوَ أَن يكون للغذاء فِيهِ مكث وَمَعَ الْمكْث اتِّصَال بفوهات الْعُرُوق الماصة بعد اتِّصَال وَهَذَا المعي آخر الأمعاء الْعليا الَّتِي تسمى دقاقاً والهضم فِيهَا أَكثر مِنْهُ فِي الأمعاء السُّفْلى الَّتِي تسمى غلاظاً فَإِن الأمعاء السُّفْلى جلّ فعلهَا فِي تهيئة الثفل للإبراز وَإِن كَانَت أَيْضا لَا تَخْلُو عَن هضم كَمَا لَا تَخْلُو عَن عروق كبدية تأتيها. بمص وجذب. ويتصل بِأَسْفَل الدقاق معي يُسمى الْأَعْوَر وسميَ بذلك لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا فَم وَاحِد مِنْهُ يقبل مَا وَقد خلق لمنافع مِنْهَا أَن يكون للثفل مَكَان يحصر فِيهِ فَلَا يحوج إِلَى الْقيام كل سَاعَة وَفِي كل وَقت يصل إِلَى الأمعاء السفلي قَلِيل مِنْهُ بل يكون مخزناً يجْتَمع فِيهِ بكليته(2/582)
ثمَّ ينْدَفع عَنهُ بسهولة إِذا تمّ ثفلاً وَمِنْهَا أَن هَذَا المعي هُوَ مبدأ فِيهِ ثمَّ اسْتِحَالَة الْغذَاء إِلَى الثفلية والتهيئة لامتصاص مُسْتَأْنف يطْرَأ عَلَيْهِ من الماساريقا وَإِن كَانَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الامتصاص وَهُوَ متحرك ومنتقل ومتفرق بل إِنَّمَا يتم إِذا سلم من الكبد وَقرب مِنْهَا ليَأْتِيه مِنْهَا بالمجاورة هضم بعد هضم الْمعدة الَّذِي كَانَ بِالسُّكُونِ والمجاورة بعد وَهُوَ مُجْتَمع مَحْصُور فِي شَيْء وَاحِد يبْقى فِيهِ زَمَانا طَويلا وَهُوَ سَاكن مُجْتَمع فَتكون نسبته إِلَى الأمعاء الْغِلَاظ نِسْبَة الْمعدة إِلَى الدقاق. وَلذَلِك احْتِيجَ إِلَى أَن يقرب عَن الكبد ليستوفي من الكبد تَمام الهضم وإحالة الْبَاقِي مِمَّا لم ينهضم وَلم يصلح لمص الكبد إِلَى أَجود مَا يُمكن أَن يَسْتَحِيل إِلَيْهِ إِذْ كَانَ قد عصى فِي الْمعدة وَلم يصل إِلَيْهِ تَمام الهضم لسَبَب كَثْرَة الْمَادَّة وسبوق الإنفعال وسبوق الإنفعال إِلَى مَا هُوَ أطوع لغمور مَا هُوَ أطوع لما هُوَ أعصى. والآن فقد تجرد مَا هُوَ أعصى فَإِذا فَاتَتْهُ قُوَّة فاعلة صادفته مُهَيَّأ مُجَردا لَا عَن الْفضل الَّذِي من حَقه أَن يَسْتَحِيل ثفلاً وَكَانَ مَوْجُودا فِي الْحَالين جَمِيعًا لكنه كَانَ فِي الْمعدة مَعَ غامر آخر وَفِي الْأَعْوَر كَانَ هُوَ الغامر وَحده وَكَانَ الَّذِي يخالطه أولى بِأَن ينفعل خُصُوصا وَلم يخل فِي الْمعدة عَن انفعال مَا وانهضام واستعداد لتَمام الإنفعال والإنهضام إِذا خلا لتأثير الْفَاعِل. فالمعي الْأَعْوَر معي يتم فِيهِ هضم مَا عصي فِي الْمعدة وَفضل عَن المنهضم الطائع وقلما يغمره ويحول بَينه وَبَين مَا يمتص من الكيموس الرطب وَصَارَ بِحَيْثُ الْقَلِيل من الْقُوَّة يصلحه إِذا وجده مُسْتَقرًّا يلبث فِيهِ قدر مَا يتم انهضامه ثمَّ ينْفَصل عَنهُ إِلَى أمعاء تمتص مِنْهَا. وَقوم قالوأ أَن هَذَا المعي خلق أَعور ليثبت فِيهِ الكيموس فيستنظف الكبد مَا بَقِي فِيهِ من جَوْهَر الْغذَاء بالتمام وَحَسبُوا أَن الماساريقا إِنَّمَا تَأتي الْأَعْوَر وَقد أخطأوا فِي هَذَا وَإِنَّمَا الْمَنْفَعَة مَا بَيناهُ وَهَذَا المعي كَفاهُ فَم وَاحِد إِذْ لم يكن وَضعه وضع الْمعدة على طول الْبدن. وَمن مَنَافِع عوره أَنه مجمع الفضول الَّتِي لَو سلكت كلهَا فِي سَائِر الأمعاء خيف حُدُوث القولنج وَإِذا اجْتمعت فِيهِ تنحّت عَن المسلك وَأمكن لاجتماعها أَن تنْدَفع عَن الطبيعة جملَة وَاحِدَة فَإِن الْمُجْتَمع أيسر اندفاعاً من المتشبث. وَمن مَنَافِعه أَنه مأوى لما لَا بدّ من تولده فِي المعي أَعنِي الديدان والحيات فَإِنَّهُ قَلما يَخْلُو عَنْهَا بدن وَفِي تولّدها مَنَافِع أَيْضا إِذا كَانَت قَليلَة الْعدَد صَغِيرَة الحجم. وَهَذَا المعي أولى الأمعاء بِأَن ينحدر فِي فتق الأربية لِأَنَّهُ مخلى غير مربوط وَلَا مشدود لما يَأْتِيهِ من الماساريقا فَإِنَّهُ لَيْسَ يَأْتِيهِ عَن المامساريقا شَيْء فِيمَا يُقَال ويتصل بالأعور من أَسْفَله المعي الْمُسَمّى بقولون وَهُوَ معي غليظ صفيق كَمَا يبعد عَن الْأَعْوَر يمِيل ذَات الْيَمين ميلًا جيدا ليقرب من الكبد ثمَّ يَأْخُذ ذَات الْيَسَار منحدراً(2/583)
فَإِذا حَاذَى الْجَانِب الْأَيْسَر مَال إِلَى الْيَمين وَإِلَى خلف منحدراً أَيْضا فهناك يتَّصل بالمستقيم وَهُوَ عِنْد مجازه بالطحال يضيق وَلذَلِك مَا كَانَ ورم الطحال يمْنَع خُرُوج الرّيح مَا لم يغمز عَلَيْهِ. وَالْمَنْفَعَة فِي هَذَا المعي جمع الثفل وحصره وتدريجه من الاندفاع بعد استصفاء فضل من الْغذَاء إِن كَانَت فِيهِ وَهَذَا المعي يعرض فِيهِ القولنج فِي الْأَكْثَر وَمِنْه اشتقّ اسْمه. والمعي الْمُسْتَقيم وَهُوَ آخر الأمعاء يتَّصل بِأَسْفَل القولون ثمَّ ينحدر مِنْهُ على الاسْتقَامَة فيتصل بالشرج مُتكئا على ظهر الْقطن متوشعاً يكَاد يَحْكِي الْمعدة وخصوصاً أَسْفَله. وَمَنْفَعَة هَذَا المعي قذف السّفل إِلَى خَارج وَقد خلق الْخَالِق تَعَالَى لَهُ أَربع عضلات كَمَا عَلمته وَإِنَّمَا خلق هَذَا المعي مُسْتَقِيمًا ليَكُون اندفاع الثفل عَنهُ أَسْفَل والعضل الْمعينَة لَهُ على الدّفع لَيست فِيهِ بل على المراق وَهِي ثَمَان عضلات وَهِي ثَمَان عضلات فَلْيَكُن هَذَا الْمِقْدَار كَافِيا فِي تشريح الأمعاء وَذكر مَنْفَعَتهَا. وَلَيْسَ يَتَحَرَّك شَيْء من هَذِه اّلأعضاء الَّتِي هِيَ مجْرى الْغذَاء بعضل إِلَّا الطرفان أَعنِي الرَّأْس وَهُوَ المريء والحلقوم والأسفل وَهُوَ المقعدة وَقد تَأتي الأمعاء كلهَا أوردة وشرايين وَعصب أَكثر من عصب الكبد لحاجتها إِلَى حس كَبِير. فَاعْلَم جَمِيع ذَلِك إِذْ فصل فِي كَلَام فِي استطلاق الْبَطن من جَمِيع الْوُجُوه والأسباب حَتَّى زلق الامعاء والهيضة والذرب وَاخْتِلَاف الدَّم واندفاعات الْأَشْيَاء من الكبد وَالطحَال والدماغ وَمن الْبدن وَفِي الزحير: اعْلَم أَن كل استطلاق إِمَّا أَن يكون من الْأَطْعِمَة والأغذية والهواء الْمُحِيط وَإِمَّا أَن يكون من الْأَعْضَاء. ولنتكلم أَولا فِي الْكَائِن من الْأَعْضَاء. فالكائن من الْأَعْضَاء إِمَّا أَن يكون من الْمعدة وَإِمَّا من الماساريقا وَإِمَّا من الكبد وَإِمَّا من الطحال وَإِمَّا من الأمعاء وَإِمَّا من الرَّأْس وَإِمَّا من جَمِيع الْبدن. ويشترك جَمِيع ذَلِك فِي أَسبَاب فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يتبع ذَلِك سوء مزاج يضعف الماسكة أَو الهاضمة أَو الدافعة أَو يُقَوي الدافعة. وكل ذَلِك إِمَّا سوء مزاج مُفْرد وَإِمَّا أَو سوء مزاج مَعَ مَادَّة مستكنة فِي الْأَعْضَاء أَو لاطخة لوجوهها أَو مرض آليّ من رض أَو قرحَة أَو فتق. والكائن عَن الكبد قد فَرغْنَا مِنْهُ وَذكرنَا فِيهِ مَا يكون بِسَبَب مزاجها وأورامها وسددها وَغير(2/584)
ذَلِك. وَكَذَلِكَ ذكرنَا مَا يكون من الماساريقا. وَأما الْكَائِن عَن الدِّمَاغ فَهُوَ الَّذِي يكون بِسَبَب نَوَازِل تنزل مِنْهُ إِلَى الْمعدة والأمعاء فَيفْسد الْغذَاء وتنزله وتنزل هِيَ بِنَفسِهَا مَعَه لزلقها ولدفع الدافعة. وَأما الْكَائِن عَن الْمعدة فَلَيْسَ كُله يكون غير منهضم بل قد يكون منهضماً انهضاماً مَا وَيكون غير منهضم. وَسبب ذَلِك ضعف الْقُوَّة الماسكة فِي الْمعدة فَلَا تطِيق حمل الْغذَاء إِلَّا إِلَى زمَان مَا قد ينهضم فِيهِ وَقد لَا ينهضم ثمَّ لَا تقدر على تدريج إرْسَاله وإخراجه. وَذَلِكَ لضعف يكون لسوء مزاج بَارِد فِي الْأَكْثَر وَيكون للحار وَالرّطب واليابس. وَأَخْطَأ من ظن أَن كل ذَلِك للبلغم لَا غير وللمزاج الْبَارِد الرطب وَإِن كَانَ هَذَا هُوَ الْغَالِب. وَهَذَا هُوَ الْمُؤَدِّي بِطُولِهِ إِلَى الاسْتِسْقَاء وَهُوَ فِي الْجُمْلَة صَعب العلاج إِذا استحكم. وَكَثِيرًا مَا يكون السَّبَب بَقِيَّة قُوَّة من أدوية مسهلة لَزِمت سطح الأمعاء والمعدة وفوهات عروق الْمعدة والأمعاء وَهَذِه رُبمَا حفظت أدواراً. وَكَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى سحج رَدِيء وقروح وَقد يكون هَذَا المعدي بِسَبَب ضعف الهضم فَيفْسد ويستدعي الدّفع وَقد يكون لزلق فِي الْمعدة من رطوبات فَلَا يُمكنهُ من الثَّبَات قدر الهضم فَيفْسد ويستدي الدّفع وَقد يكون لزلق فِي الْمعدة من رطوبات فَلَا يُمكنهُ من الثَّبَات قدر الهضم. وَلَيْسَ هَذَا فِي الْحَقِيقَة خَارِجا مِمَّا ذَكرْنَاهُ إِلَّا أَنا خصصناه بالإيراد فِي التَّفْصِيل للتّنْبِيه. وَهَذَا أَكثر فِي أَنه يُؤَدِّي إِلَى الاسْتِسْقَاء. ويحمد أبقراط فِيهِ الجشاء الحامض لِأَنَّهُ يدل على تسوّر حرارة تبخر بخاراً مَا. وَإِن لم تكن تَامَّة بَعْدَمَا كَانَت ميتَة وَلِأَن الحموضة رُبمَا قطعت ودبغت الْمعدة وأورثت إمساكاً مَا فتجد ذَلِك من حَيْثُ هُوَ سَبَب وَقد يكون مثل هَذَا الزلق من قُرُوح فِيهَا أَو فِيمَا يجاورها من المعي فتشاركها الْمعدة للوجع أَو لإيذاب قُرُوح. وَذَلِكَ فِي الْمعدة قَلِيل وَقد يكون الإسهال المعدي وإزلاق الْمعدة لما تحويها من أخلاط رَدِيئَة تنصب إِلَيْهَا من الْبدن فَيفْسد الطَّعَام. وَإِن كَانَ جيد الْجَوْهَر فيحوج إِلَى قذفه أَو إنزاله وَإِن كَانَت النَّاحِيَة الْعليا أقوى لم تنْدَفع إِلَيْهَا وَلم تخرج بالقيء بل بالإسهال. وَرُبمَا لم يكن إسهال تِلْكَ الأخلاط لسَبَب إفسادها الطَّعَام وإحواج الْمعدة إِلَى قذفْه بل قد تكون فِيهِ قُوَّة تكرهها الْمعدة فتدفعه وَمَا مَعَه أَو يكون فِيهِ نَفسه قُوَّة مسهلة أَو مزلقة أَو مقطّعة ساحجة كَمَا يَفْعَله أكثرة انصباب السَّوْدَاء إِلَى فمّ الْمعدة فَيصير ذَلِك سَببا للإسهال المعدي. وَقد يكون ذَلِك بِسَبَب ريَاح وَنفخ تولّدت فأفسدت الهضم فَعرض مَا ذَكرْنَاهُ. وَقد يكون الزلق لَيْسَ بسب شَيْء غير الْمَأْكُول من ضعف ماسكة أَو مُخَالطَة مُفسد بل بِسَبَب الْمَأْكُول لَا لكيفيته بل لكمّيته فَإِنَّهُ إِذا كثر وقهر الْقُوَّة الماسكة خرج كَمَا دخل وَقد يكون بِسَبَب أَنه فسد إِمَّا لكثرته وَإِمَّا لقلته كَمَا علمت وَإِمَّا لسوء ترتيبه ثمَّ استتبع. وَرُبمَا كَانَ الإسهال المعدي لسَبَب أوجاع تكون فِي الْمعدة(2/585)
أَو مَا يجاورها فَيعرض ضعف الْقُوَّة الماسكة مِنْهَا. وَتلك الأوجاع قد تكون عَن ريَاح وَعَن أورام وَعَن سوء مزاج مُخْتَلف جَمِيع ذَلِك مِنْهَا أَو مَا يتَأَذَّى إِلَيْهَا مِمَّا يجاورها. وَأما الْكَائِن عَن الطحال فلقوة دافعته وَكَثْرَة السَّوْدَاء أَو لضمور صلابة وتحلّل مادتها أَو لانفجار أورامه. وَأما الْكَائِن من الأمعاء فلنذكر أَولا مَا يكون من الأمعاء الْخمس الْعليا فَنَقُول أَن الإسهال الْكَائِن مِنْهَا إِمَّا أَن يكون مَعَ سحج وَإِمَّا أَن لَا يكون. والسحج هُوَ وجع الجارد من سحج الأمعاء وَذَلِكَ الجارد إِمَّا من موادّ صفراوية أَو دموية حادة. أَو صديدية أَو مدية أوّ درردية تنبعث عَن نفس الأمعاء أَو عَمَّا فَوْقهَا فَتَصِير إِلَى الأمعاء والكبد من هَذَا الْقَبِيل وَقد سلف كلامنأ المستقصى فِيهِ والكبد الورمي أسلم من الكبد الضعفي وَأَقْبل للعلاج. والسحج والإسهال الطحالي والمراري والمدّي وَالَّذِي يكون من قُرُوح فِي الْمعدة والمريء كُله من قبيل مَا يبْعَث الْمَادَّة إِلَى المعي. وَلَيْسَ كلامنا الْآن فِيهِ بل فِي الَّذِي عَن نفس الامعاء. وَذَلِكَ إِمَّا عَن ورم فِي الأمعاء وَإِمَّا للذع مرار أَو دم انصب من الكبد شَدِيد الْحَرَارَة أَو انفتاق عرق فِي الأعالي والأسافل أَو لدواء مسهل جرح الأمعاء مثل شَحم الحنظل أَو من قلاع قُرُوح مَعَ عفونة وتأكل أَو قُرُوح بِلَا تَأْكُل وعفونة أَو قُرُوح نقية أَو قُرُوح وسخة. وَهِي إِمَّا أَن تكون فِي الأمعاء الْغِلَاظ وَهِي أسلم أَو فِي الأمعاء الدقاق وَهِي أصعب وخصوصاً الْوَاقِع فِي الصَّائِم فَإِنَّهُ يشبه أَن لَا تَبرأ قروحه فضلاَ عَن خرقه لِكَثْرَة عروقه وعظمها ورقة جِسْمه وسيلان المرار الصّرْف إِلَيْهِ من المرارة من غير خلط آخر وَلِأَنَّهُ عَظِيم غائلة الْأَذَى لقُرْبه من عُضْو رَئِيس هُوَ الكبد فَلَيْسَ شَيْء من الأمعاء أقرب إِلَيْهِ من الصَّائِم. والدواء أَيْضا لَا يقف عَلَيْهِ بل يزلق عَنهُ. والقروح تكون من سحج ثفل وَمن حِدة مرار أَو ملوحة خلط أَو شدَّة تشبّثه للزوجته فَإِذا انقلع خرج أَو لانفجار الأورام وَسَائِر الاستفراغات الْمُخْتَلفَة المؤذية بمرورها. وَمَا كَانَ من السحج السوداوي واقعاَ على سَبِيل الِابْتِدَاء فَهُوَ قتال لِأَنَّهُ يدل على سرطان متعفن. وَمَا كَانَ فِي آخر الحميات فَهُوَ قتال جدا وَإِن لم يصر بعد سحجاَ بل كَانَ بعد إسهالاً سإوداوياً خُصُوصا الَّذِي يغلي على الأَرْض وَله رَائِحَة حامضة وَإِن كَانَت الْقُوَّة بَاقِيَة بعد بل وَإِن كَانَ فِي الصِّحَّة أيضاَ فَإِن هَذَا الصِّنْف من السوداوي لَا يبرأ صَاحبه. وَأما إِذا لم تكن لَهُ هَذِه الخاصية وَلم يكن يغلي وَلَا رَائِحَته حامضة فَهُوَ فضل سوداوي تَدْفَعهُ الطبيعة وَقد ترجى مَعَه الْعَافِيَة. والقرحة قد تتولد عقيب الورم وَقد تكون عَن شَيْء قاشر وجارد ابْتِدَاء مثل دَوَاء(2/586)
مسهل أَو غذَاء لزج يلزق ثمَّ ينْفَصل قاشراً جارداً أَو غذَاء صلب يسحج بمروره وَقد يكون عَن أخلاط أسهلت ثمَّ قرحت. وحد زمَان تولدِ القرحة عَن الإسهال المراري أسبوعان وَعَن البورقي شهر وَعَن السوداوي من أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى أَكثر من ذَلِك. وَكَثِيرًا مَا تنثقب الأمعاء من صَاحب القروح فَيَمُوت فِي الْأَكْثَر. وَرُبمَا كَانَ بَعضهم قويأ فَيبقى مُدَّة ويجتمع العفل فِي بَطْنه وَكَأَنَّهُ مستسقي ثمَّ يَمُوت. وَأما فِي أَكثر الْأَمر فَإِذا بلغ الْقرح أَن يخرج من جَوْهَر الأمعاء شَيْئا لَهُ حجم أدّى إِلَى العفونة وَإِلَى إِسْقَاط الْقُوَّة بمشاركة الْمعدة وَإِلَى الْمَوْت. فَكيف إِذا انثقب وخصوصاً بعض الأمعاء الْعليا. وَقد حكى قوم أَنه قد انثقب بعض الأمعاء السُّفْلى لرجل نم انثقب المراق والبطن ورم حدث بهَا محاذياً للثقب ومشاركاً لتِلْك العفونة والآفة كَأَنَّهُ ثقب الْبَطن أَيْضا هُنَاكَ وَكَانَ يخرج الوجع مِنْهُ وعاش الرجل. وَهَذَا وَإِن كَانَ فِي جملَة الْمُمكن فَهُوَ من جملَة الْمُمكن الْبعيد وَأبْعد مِنْهُ أَن يعِيش والثفل ينصب إِلَى فضاء الْبَطن. قَالُوا إِذا وَقع انثقاب المعي والبطن بِإِزَاءِ الصَّائِم لم يسكن الْجُوع وَلم يثبت شَيْء فِي الْمعدة وذبل صَاحبه. وانتفخ بَطْنه وَمَات. وأصناف السحج دموي وصديدي ومري ومدي وخراطي ومخاطيّ وزبدي وقشاري. والمري أسلم ويتدارك. وَكَثِيرًا مَا يكون من أمراض حادة وحميات محرقة وغبية وَأكْثر مَا يكون بحراناً لَهَا والمدي إِذا ابْتَدَأَ مدياً فإمَّا أَن يكون سَببه انفجار دبيلات وأورام فِي الأحشاء دَفعته الطبيعة إِلَى الأمعاء وَهُوَ أسلم وَهَذَا الْقسم لَا يكون بِالْحَقِيقَةِ معوياً وَكَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى المعوي وَيحدث مِنْهَا فَسَاد فِي آخر الْأَمر وَكَثِيرًا مَا يتبعهُ اخْتِلَاف مدي وَلَا يحتبس وَيكون أَكثر ذَلِك قيحياً مدياً وَرُبمَا خالطه. إِمَّا أَن لَا يكون سَببه ذَلِك وَلَا يكون فِي الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة ورم نضيج ينفجر فَيكون من جِهَة سرطان متعفّن فِي الأحشاء وَلَا برْء لَهُ لِكَثْرَة مَا يصاك وَقلة مَا يجد من السّكُون ولصعوبة الْعلَّة فِي نَفسهَا. وَأما الصديدي فإمَّا عَن ذوبان وَإِمَّا عَن رشح من ورم هُوَ فِي طَرِيق النضج. وَأَكْثَره لَيْسَ بمعوي. وَأما المموي فَمِنْهُ وَاقع دفْعَة وَمِنْه وَاقع يَسِيرا يَسِيرا. وَالْأول سَببه انفتاح عرق(2/587)
وانحلال فَرد. وَإِذا لم يَصْحَبهُ وجع مَا فَلَيْسَ من الأمعاء بل من أحشاء آخرى وخصوصاً إِذا اقْترن بذلك عَلَامَات آخرى. وَقد يكون من الأمعاء أَيْضا بِلَا وجع إِذا كَانَ على سَبِيل انفتاح فوهات عروقها من غير سَبَب آخر وَهُوَ أسلم. وَإِذا كَانَ الشتَاء يَابسا شماليا ثمَّ عقبه ربيع مطير جنويي وصيف مطير أَكثر إسهال الدَّم. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً وَالربيع شمالياً قَلِيل الْمَطَر وخصوصاً فِي الْأَبدَان الرّطبَة وأبدان النِّسَاء. وَإِذا جَاءَ صيف وَمد بعد الرّبيع الشمالي والشتاء الجنوبي أَكثر الإسهال والسحج وَكَانَ سببهما كَثْرَة النَّوَازِل. وَقد يكثر إسهال الدمم فِي الْبِلَاد الجنوبية وَمَعَ هبوب الجنائب وَكَثْرَة الأمطار لتحريكها الْموَاد وإرخائها المسام وخصوصاً عقيب نَوَازِل مالحة.(2/588)
وَأما الَّذِي يكون من إسهال الدَّم بعد إسهال مراري وسحج مراري وَمَعَ وجع فَهُوَ أردأ وخصوصاً إِذا سبقت الخراطة ثمَّ جَاءَ دم صرف فَإِن ذَلِك يدل على أَن الْعلَّة توغلت فِي جرم الأمعاء. وَأما الخراطي فَهُوَ عَن انجراد مَا على وُجُوه الأمعاء. وَأما المخاطي فَهُوَ لرطوبة غَلِيظَة فَرُبمَا وَقع الِاخْتِلَاف المخاطي فِي الحميات المركبة وَضرب من الحميات سَنذكرُهُ فِي بَابه وَفِي الحميات الوبائية. وَأكْثر مَا يكون فِي الوبائية يكون زبدياً. وَأما القشاري فقد يكون عَن قُرُوح الْمعدة وَيخرج بالإسهال وَلَكِن لَا يكون هُنَاكَ سحج وَإِذا كَانَ مَعَ سحج فَهُوَ عَن نفس طَبَقَات الأمعاء. ويستدل على الْغِلَاظ دَائِما بالغلظ وَفِي الْأَكْثَر بِالْكبرِ وعَلى الدقاق بالضدّ وَهَذِه القشارات تخرج عِنْد الْقيام وَيكون أَكثر خُرُوجهَا عِنْد الحقن الغسّالة. قَالَ أبقراط: الخلفة العتيقة السوداوية لَا تَبرأ وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَ الاستفراغ مثل المَاء ثمَّ صَار مثل المرهم فَهُوَ رَدِيء. واذا وَقع عقيب الاسْتِسْقَاء إسهال خُصُوصا الاسْتِسْقَاء الْحَادِث عَن ورم الكبد كَانَ رديئاً وَيكون ذرباً فيسهل عَن المائية وَلَا يَنْقَطِع. قَالَ: كل خلقَة تعرض بعد مرض بَغْتَة فَهُوَ دَلِيل موت قريب. كَمَا قَالَ وَقد يكون مَعَ الاسْتِسْقَاء ذرب لاينقطع وَلَا يُفِيد لِأَنَّهُ لايسهل المائية بل يسهل مَا يضعف بِهِ الْبدن. وَقد يُؤَدِّي السحج وقروح الأمعاء إِلَى الاسْتِسْقَاء. وَمن كَانَ بِهِ مَعَ المغص كزاز وقيء وفواق وَذُهُول عقل دلّ على مَوته. وَفِي كتاب أبقراط: من كَانَ بِهِ دوسنطاريا وَظهر خلف أُذُنه الْيُسْرَى شَيْء أسود شَبيه بالكرسنة واعتراه مَعَ ذَلِك عَطش شَدِيد مَاتَ فِي الْعشْرين لَا يتآخر وَلَا ينجو. وَاعْلَم أَن الحمّى الصعبة الدَّالَّة على عظم وَأَيْضًا سُقُوط الشَّهْوَة الدَّالَّة على موت الْقُوَّة الَّتِي فِي فَم الْمعدة والإسهال الْأسود فِي قُرُوح المعي كل ذَلِك رَدِيء. وَأما الَّذِي يكون من الأمعاء من غير سحج وَدم وَمن غير سَبَب من فَوْقهَا فيشارك زلق الْمعدة فِي الْأَسْبَاب. لَكِن الْكَائِن عَن إذابة القروح فِيهَا أَكثر مِمَّا فِي الْمعدة بل كَأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا فِيهَا فَإِن كَانَت قلاعية وَكَانَت الْمَادَّة الفاعلة لَهَا لَا تزَال تسيل أدّى ذَلِك لَا محَالة إِلَى سحج دموي وَإِلَى إِطْلَاق دم قوي ويشاركها فِي السَّبَب لُزُوم قُوَّة من دَوَاء مسهل لفوهات الْعُرُوق الَّتِي لَهَا ولسطحها فيسهّل. وَالَّذِي يكون عَن ضعف المعي والمعدة فيسمى مَادَّة الْبَطن. وَأكْثر السَّبَب فِي ذَلِك سعف وقروح وذوبان. وَرُبمَا اتّفق أَن يَنْفَعهُ شَيْء من هَذَا الدَّم المنصب فِي الْبَطن فَيدل عَلَيْهِ برد الْأَطْرَاف دفْعَة بَغْتَة وانتفاخ الْبَطن وَسُقُوط الْقُوَّة وتأد إِلَى الغشي. وَأما الَّذِي يكون عَن المعي الْمُسْتَقيم وَهُوَ المعي السَّادِس فَمِنْهَا أَن يكون مَعَ وجع وَيُسمى زحيراً وَهُوَ وجع تمددي وانجرادي فِي المعي الْمُسْتَقيم. وَمِنْه مَا يكون بِلَا وجع. وَسبب الزحير إِمَّا ورم حَار يسيل مِنْهُ شَيْء أَو ورم صلب أَو ريح أَو استرخاء العضلة فَتخرج مَعَه المقعدة أَو تمدد يعرض وكزاز فَيمْنَع العضلة الحابسة للبراز فِي نواحي المقعدة عَن فعلهَا أَو فضل مالح أَو بورقي أَو كيموس غليظ أَو مرار مدَاخِل أَو استتباع لدوسنطاريا أَو برد يُصِيب الْعُضْو أَو طول جُلُوس على صلابة أَو غلظ مَا يخرج من الثفل وصلابته أَو أخلاط حادة أَو نواصير أَو بواسير أَو شقَاق أَو قُرُوح وتأكل أَو ثفل محتبس. وَأكْثر مَا يكون عَن خلط مخاطي وَبعد أَن يكون مخاطياً يصير خراطياً ثمَّ نقط دم وَرُبمَا خرج بالزحير شَيْء كالحجر على مَا حَكَاهُ بَعضهم. وجالينوس يستبعده. وَأكْثر مَا يعرض الزجير لأَصْحَاب البلغم العفن فَإِنَّهُ لعفنه يبْقى أَثَره فِي المعي الْمُسْتَقيم عِنْد مروره كل وَقت ثمَّ يصير لزجاً لَازِما مُؤْذِيًا وَرُبمَا أوهم العليل أَن فِي مقعدته ملحاً مذروراً لبورقيته. وأسهل الزحير مَا لم يكن عقيب الدوسنطاريا ومتولّداً عَن الدوسنطاريا. وَقد يعرض أَن تكز المقعدة والمستقيم أَو يتمددا فَيعرض لعضلها أَن لَا تحبس مَا يصل إِلَيْهَا كَمَا أَنه يعرض لَهَا أَن تكز فَلَا تقدر على استنزال مَا فَوْقهَا إِلَيْهَا. وَأما الَّذِي يكون عَن المقعدة بِلَا وجع فَيكون دَمًا لَا غير وَيكون أَكْثَره على سَبِيل دفع الطبيعة لفضل فِي الْبدن حصره فِي الْبدن أَسبَاب الْفضل من الأغذية أَو احتباس سيلان أَو قطع لعضو أَو ترك رياضة أوسائر مَا قيل فِي مَوْضِعه. وَهَذَا لَا يجب أَن يحتبس إِلَّا أَن يخَاف سُقُوط النبض وَالْقُوَّة. فَهَذِهِ أَصْنَاف السيلان الزحيري من الأمعاء السِّتَّة. وَأما الْكَائِن عَن جَمِيع الْبدن فإمَّا على سَبِيل البحران وَقُوَّة من الْقُوَّة الدافعة وَإِمَّا على سَبِيل سُقُوط من الْقُوَّة الماسكة كَمَا يعرض للخائف المذعور والمسلول والمدقوق فِي آخر عمره وَإِمَّا على سَبِيل الذوبان ويبتدىء رَقِيقا ثمَّ يصير خائراً ويشتد الْجُوع(2/589)
والوجع ثمَّ تسْقط الشَّهْوَة من الْجِهَات وَتسقط الْقُوَّة وَتعرض حميات وَرُبمَا عرض غثيان وعسر الْبَوْل ورياح وقراقر وكمودة اللَّوْن وَبرد الْأَطْرَاف وجفاف اللِّسَان وَإِمَّا على سَبِيل اسْتِحَالَة الأخلاط إِلَى فَسَاد لحميات رَدِيئَة وشموم ضارة. وَإِمَّا على سَبِيل انتفاض من امتلاء شَدِيد المَاء يعرف من ترك الاستفراغ أَو طرُو احتباس سيلان مُعْتَاد وَقطع عُضْو أَو ترك رياضة أَو قلَّة تحلل من الْبدن. وَسَائِر مَا عَرفته أَو لتراكم التخم الْكَثِيرَة فِي دفعات فَيرجع على سَبِيل مرض حاد وَهُوَ من جملَة الهيضة. وَأما على سَبِيل امْتنَاع من نُفُوذ الْغذَاء لسدد فِي الْعُرُوق وَغير ذَلِك. فَأَما الهيضة فَهِيَ حَرَكَة من الْموَاد الْفَاسِدَة الْغَيْر المنهضمة إِلَى الِانْفِصَال من طَرِيق المعي راجعات إِلَيْهِ عَن الْبدن على حِدة وعنف من الدافعة فَإِن الأغذية إِذا لم تنهضم جدا استحالت إِلَى أخلاط غير مُوَافقَة للبدن وتحرّكت الطبيعة إِلَى دَفعهَا إِذا ثقلت عَلَيْهَا من الْجِهَات بأصناف من الْقَيْء المري الزنجاري والمائي أَحْيَانًا وأصناف من الإسهال. وَمَا كَانَ من الهيضة سَببه من فَسَاد طَعَام وَاحِد فَهُوَ أسلم مَا يكون بِسَبَب تَوَاتر فَسَاد بعد فَسَاد. والهيضة الرَّديئَة تبتدىء أَولا ابْتِدَاء خَفِيفا ثمَّ يحدث وجع ومغص فِي الْبَطن والأمعاء ويصعد إِلَى الْمعدة لِكَثْرَة مَا تؤديها الأخلاط الحارة المتجهة إِلَيْهَا وَفِي الْأَكْثَر يكون إسهال وقيء معي. فَإِذا اندفعت استتبعت أخلاط الْبدن لما عرفت من السَّبَب فتبدأ بإسهال مراري ثمَّ مائي خَالص رهل منتن ثمَّ رُبمَا أدّى إِلَى اخْتِلَاف كغسالة اللَّحْم الطري دسم الرَّائِحَة وَإِلَى الخراطة ثمَّ يُؤَدِّي إِلَى استرخاء النبض والتشنج والعرق الْبَارِد وَإِلَى الْمَوْت. وَالصَّبْر على الْعَطش نَافِع لَهُم وَكَثِيرًا مَا يعرض لَهُم بطلَان النبض على سَبِيل الضغط والتأدي ولسبب الْأَعْرَاض الْفَاحِشَة فَإِذا سكنت الْأَعْرَاض عَاد النبض وَمن كَانَ مُعْتَادا للهيضة لم يكن لَهُ مِنْهَا خطر من لم يكن مُعْتَادا لَهَا وَهِي فِي الصّبيان أَكثر. وَأكْثر مَا تعرض الهيضة فَإِنَّمَا تعرض فِي الصَّيف والخريف لضعف الهضم فيهمَا وتقل فِي الشتَاء وَالربيع. وَقد يكثر حُدُوث للهيضة من شرب مَاء بَارِد على الرِّيق يتبع غذَاء غليظاً لَا سِيمَا فِي الْفطر من الصَّوْم والمشمش والبطيخ مِمَّا يهيجان الهيضة. وَكَثِيرًا مَا تحتبس الهيضة فيميل نفث مادتها إِلَى أَعْضَاء الْبَوْل فَتحدث حرقة فِي الْبَوْل. وَأما الإسهال الْوَاقِع بِسَبَب امْتنَاع نُفُوذ الْغذَاء وَهُوَ السددي فَهُوَ الَّذِي يُسمى الإسهال الْكَائِن بأدوار وَذَلِكَ لِأَن الْعُرُوق المنسدة تمتلىء فِي مُدَّة مَعْلُومَة إِلَى أَن لَا تحْتَمل ثمَّ تستفرغ رَاجِعَة وَفِيمَا بَينهمَا حَال كالصحة. وَأكْثر النّوبَة عشرُون يَوْمًا وَرُبمَا تقدم أَو تآخر لما يعلم من الْأَسْبَاب.(2/590)
وَأما الْكَائِن لسَبَب لأغذية فقد ذَكرْنَاهُ مرّة فِي بَاب الْمعدة وَلَا بَأْس لَو أعدنا ذَلِك وزدناه شرحاً. فَنَقُول: أَن الْكَائِن للأغذية إِمَّا لقلتهَا فتفسد فِي الْمعدة الحامية كَمَا علمت فَلَا تقبلهَا الطبيعة فتدفعها وَإِمَّا لكثرتها فتمدّد وتكط أَولا تقبل الهضم وتفسد أَو لثقلها أَيْضا فتهبط وَإِمَّا للذعها كالبصل وَإِمَّا لقُوَّة سميَّة فِيهَا كالفطر أَو لسرعة اسْتِحَالَة إِلَى فَسَاد كاللبن أَو لشدَّة رقتها فترشح وَلَا تحتبس عِنْد الْبَاب وَإِمَّا لرطوبتها أَو لزوجتها فتزلق أَو لِكَثْرَة الْحَرَكَة عَلَيْهَا أَو لِكَثْرَة شرب المَاء عَلَيْهَا فتكظ وتزلق أَو لِكَثْرَة مَا يجد من الأخلاط المزلقة كالبلغم أَو الجالية كالصفراء أَو لكَونه غذَاء كذب وَهُوَ الْكثير الكمية الْقَلِيل الْغذَاء مثل الْبُقُول. أَو لترتيب يُوجب الإزلاق مثل تَقْدِيم الْغذَاء اللين الْخَفِيف الهضم المزلق وَتَأْخِير الْغذَاء الْقَابِض العاصر أَو تَأْخِير سريع الاستحالة فَيفْسد مَا تَحْتَهُ وتستدعي الطبيعة إِلَى الدَّافِع. وَأما الْكَائِن بِسَبَب الْهَوَاء الْمُحِيط وَهُوَ أَن الْهَوَاء الْحَار يحلل فيجفف والبارد يجمع ويحصف. والجنوب وَكَثْرَة الأمطار والبلاد الجنوبية تطلق وَرُبمَا كَانَت الرِّيَاح سَببا للإسهال بِمَا يفْسد من الهضم ويحرك من الْغذَاء. قَالَ أبقراط: اللثغ يعرض لَهُم الذرب كثيرا يَعْنِي باللثغ الَّذين لَا يفصحون بالراء. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الرُّطُوبَة مستولية على أعضائهم العصبية وعَلى معدهم لمشاركة أدمغتهم أَو لسَبَب عَم الدِّمَاغ وَغَيره. وَهَؤُلَاء أَيْضا يجب أَن يسهلوا بِرِفْق. وَقَالَ أَيْضا: من كَانَ فِي شبابه ليّن الطبيعة أَو صلبها فَهُوَ عِنْد الشيخوخة بالضد وَمن كَانَ دَائِم لين الطبيعة فِي الشَّبَاب لم يُوَافقهُ فِي شيخوخته دَوَامه وكل خلفة تكون بعد مرض شَدِيد والفواق إِذا حدث بِصَاحِب الْبَطن وخصوصاً بِصَاحِب الزحير فَذَلِك دَلِيل شَرّ يدل على اليبس المذبل. وَإِذا غذي المبطون الضَّعِيف فَلم يزدْ نبضه فَلَا تعالجه. والمبطون يَمُوت وقليلاً قَلِيلا يسْقط نبضه وَيصير دودياً ونملياً وَهُوَ مَعَ ذَلِك يعِيش وَيعْقل ثمَّ يبطل نبضه وَهُوَ يعِيش ثمَّ يَمُوت. وَاعْلَم أَن من يختلق أصنافاً مُخْتَلفَة من المراري وَمن الزُّبْدِيُّ والفنون السمجة وَلَا يضعف فَلَا تحبسه فَيُؤَدِّي بِهِ إِلَى أمراض صعبة أَو أورام خبيثة رَدِيئَة. العلامات: قيل أَنه إِذا كَانَ الْبَوْل فِي الحميات الصفراوية أَبيض مَعَ سَلامَة الدَّلَائِل أَي ثبات الْعقل وفقدان الصداع وَنَحْوه فتوقع سحج الأمعاء. ثمَّ الْفرق بَين الدماغي والمعدي أَن المعدي لَا تَرْتِيب لَهُ وَلَا أَوْقَات بِأَعْيَانِهَا يثور فِيهَا بل يكون بِحَسب التَّدْبِير وَإِن كَانَت الهاضمة ضَعِيفَة خرج بِلَا هضم وَإِن كَانَت الماسكة ضَعِيفَة خرج سَرِيعا فَإِن كَانَت الماسكة والدافعة جَمِيعًا ضعيفتين خرج سَرِيعا وَلم يخرج كثيرا دفْعَة بل يواتر الْقيام قَلِيلا قَلِيلا وَأَكْثَره من برد. وَإِن كَانَ الضعْف فِي غير الهاضمة خرج مَا يخرج غير عادم للهضم كُله بل يخرج وَله(2/591)
هضم مَا بِحَسب زمَان لبثه فِي الْمعدة. وَالَّذِي يكون عَن زلق رطوبي تخرج مَعَه رطوبات. وَالَّذِي يكون عَن زلق قروحي أَو بثوري فَتكون مَعَه عَلَامَات قُرُوح الْمعدة من الْقَيْء القشاري والبثور فِي وَقد قَالَ أَيْضا من كَانَ بِهِ زلق الأمعاء فالقيء لَهُ رَدِيء وَهَذَا حكم خَفِي الْعلَّة. وَأما الدماغي فأكثره بعد النّوم الطَّوِيل مَحْفُوظ النوائب وَمَعَهُ عَلَامَات النَّوَازِل وَفَسَاد مزاج الدِّمَاغ وَفِي الْكتاب الْغَرِيب إِذا ظهر فِي زلق الأمعاء على الأضلاع بثر بيض تشبه االحمض ودر الْبَوْل وَكثر مَاتَ من سَاعَته. وَأما الكبدي فقد ذكرنَا علاماته فِي بَاب أمراض الكبد وَكَذَلِكَ الماساريقا. وَأما الطحالي فأكثره سوداوي وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابه وَمثل الدردي. وَقد ذَكرْنَاهُ مَا فِي ذَلِك من العلامات الرَّديئَة والسليمة وفرّقناه من الكبدي ودللنا على أَنه يكون عِنْد أوجاعه وأحواله الْخَارِجَة عَن الطبيعة فِي بَاب أمراض الطحال وَفِي هَذَا الْبَاب نَفسه وَعند ذكر الاندفاعات الكبدية. وَأما المعوي فَيدل عَلَيْهِ وجع الأمعاء والمغص وَيُخَالف الكبدي بِمَا عَلمته من أَن ذَلِك أَكثر وَله نَوَائِب وفترات وكل نوبَة أردأ من الَّتِي قبلهَا وأنتن وإضراره بعبالة الْبدن أَشد وعلامات فَسَاد الكبد مَعَه أظهر. وَاعْلَم أَن حَال الوجع والمغص والخراطة أعظم مَا يرجع إِلَيْهِ فَيعلم عِنْد وجوده أَنه من المعى ِ لَا محاله وَإِن كَانَ مَعَ عَدمه قد يكون أيضأ من المعي والسحج وإسهال الدَّم الْخَاص بالأمعاء يحل عَلَيْهِ أيضاَ الوجع والمغص أيضاَ. وَرُبمَا كَانَ إسهال دم عَن انفتاح عروق وَمَعَهُ سحج إِذا تقرح وَرُبمَا كَانَ التقرح أَولا ثمَّ يتبعهُ إسهال دم. وَيدل على أَنه معوي الخراطة والجرادة وَرُبمَا كَانَت القرحة قلاعية بعد فَلَا تظهر الخراطة إِلَّا بعد حِين وَلَكِن يكون زلق موجع فِي مَوضِع مَعْلُوم وَيكون قدر مَا يخرج قَلِيلا قَلِيلا ومتصلاً وطويل الْمدَّة. وَخُرُوج القشار فِي الإسهال بِلَا سحج يدل على أَنَّهَا من الْمعدة فَمَا يَليهَا وَيدل عَلَيْهِ وجع الْمعدة وَمَا علم فِي بَابه. وَاعْلَم أَن الخراطة والجرادة دليلان قاطعان على القروح وَإِذا كَانَت مَعَ ذَلِك مُنْتِنَة الرّيح دلّت على تَأْكُل وَإِن كَانَت مَعَ ذَلِك النتن سوداوية خيف أَن تكون سرطانية وَيعرف مَكَان القرحة أَو الآفة ومبدأ خُرُوج الدَّم من مَكَان الوجع هَل هُوَ فَوق السُّرَّة أَو تحتهَا أَو من قُوَّة الوجع فَإِن وجع الدقاق شَدِيد لَا يُشَارك الْأَعْضَاء الفوقانية. وَمن القشور هَل هِيَ رقيقَة أَو غَلِيظَة فَإِن الغليظة تكون دَائِما من الغلظ والرقيقة تكون فِي أَكثر الْأَمر من الدقاق والكبيرة تكون فِي الْأَكْثَر من الْغِلَاظ وَالصَّغِيرَة من الدقاق وَمن الِاخْتِلَاط فَإِن شدَّة الِاخْتِلَاط مِمَّا يخرج يدل على أَن القرحة فِي المعي الْعليا والمنحاز عَنهُ يدل على أَنَّهَا فِي السُّفْلى. وَكَثِيرًا مَا يكون الَّذِي فِي السُّفْلى وَفِي المقعدة(2/592)
يخرج دَمه قبل البرَاز وَمن زمَان مَا بَين الوجع وَالْقِيَام فَإِنَّهُ إِن كَانَ الزَّمَان أطول فَهُوَ فِي الدقاق. وَمن حَال مَا يَصْحَبهُ من البرَاز فَإِنَّهُ إِن كَانَ كيلوسياً أَو شَبِيها بِمَاء اللَّحْم فَهُوَ فِي الدقاق وَمن النتن فَإِن مَا ينزل من الدقاق أنتن وَمن الوجع فَإِن وجعها أَشد وَمن الدَّم الَّذِي رُبمَا خرج فَإِنَّهُ يكون فِي الدقاق غَالِبا لَا يخْتَلط بالزبل نَفسه. وإعلم أَن المَاء إِذا كَانَ قرحَة وَكَانَ مزمناً وَكَانَ مَا يخرج لَهُ قدر ثمَّ لم يكن وجع بِحَسبِهِ فالقرحة كَثِيرَة الْوَسخ وَالْفرق بَين القرحة الوسخة والمتآكلة أَن المتأكلة أَشد وجعاً وَمَا يخرج مِنْهَا أَشد نَتنًا وَإِذا السوَاد أقل والوسخة يكون صديدها مائياً وَإِلَى الْبيَاض والسهوكة وَإِذا خرج بعد الخراطة دم كثير دلّ على أَن القرحة عَادَتْ وَالْعلَّة قويت وفني مَا على وَجه الأمعاء وَوصل إِلَى جُزْء من المعي وَكَثِيرًا مَا تكون القروح عقيب أورام سبقت فدلت بأوجاعها وبسائر مَا نذْكر من العلامات على أَنَّهَا أورام. وَكَثِيرًا مَا تكون لأسباب آخر مِمَّا ذَكرْنَاهُ. فَإِن كَانَ السحج لانفتاح عروق تقدمه استفراغ دم صرف لَهُ اخْتِلَاط مَا وَرُبمَا كَانَ مَعَه وجع وَرُبمَا لم يكن وَرُبمَا كَانَ لَهُ أدوار كَمَا يكون أَيْضا فِي غير الْحَادِث من المعي وتقدمته عَلَامَات الامتلاء. وَإِن كَانَ عَن بواسبر وَأَسْبَاب سرطانية فِي أَعلَى الأمعاء كَانَ عفناً وَمَعَهُ دم أسود وَيكون قَلِيلا مُتَّصِلا. وَرُبمَا كَانَ لَهُ أدوار بِحَسب امتلاء الْبدن واستفراغه. وَإِن كَانَ عَن رطوبات مالحة أَو بورقية أَو غَلِيظَة لزجة دلّ عَلَيْهَا استفراغها الْمُتَقَدّم وحدوث الرِّيَاح والقراقر وَعدم الصَّبْغ فِي البرَاز وَمَا يحس من شَيْء انقلع من مَوضِع وَيكون الوجع كاللازم لَا ينْتَقل إِلَى وَإِن كَانَ عَن صفراء سحجتها دلّ عَلَيْهَا استفراغها الْمُتَقَدّم والمخالط لخراطة إِن كَانَت أَو لبراز فيشتد صبغه وَكَذَلِكَ السوداوي الرَّدِيء والسليم يدل عَلَيْهِ تقدم ذَلِك النمط من السَّوْدَاء ومخالطته لما يخرج حامضاَ فِي رِيحه عَالِيا على الأَرْض أَو دردياَ أسود غير حامض فِي رِيحه وَلَا عالٍ وَيكون مَعَه كرب شَدِيد. وَرُبمَا أدّى إِلَى غشي. وَاعْلَم أَن سَبَب السحج والدوسنطاريا إِن كَانَ فَإِنَّمَا بعد يخرج مَعَ الخراطة مثل صفراء أَو سَوْدَاء أَو دم حَار أَو بلغم عفن أَو زجاجي أَو ثفل يَابِس فالعلة فِي طَرِيق الازدياد لملازمة السَّبَب فَإِن انقْطع ذَلِك وَبقيت الخراطة والجرادة وَالدَّم وَنَحْو ذَلِك فَإِن السَّبَب قد انْقَطع وَبَقِي الْمسيب والأثر الْحَاصِل عَنهُ. فَيجب أَن يقْصد هُوَ وَحده بالعلاج. وعلامة الإسهال المعوي الدموي الرَّدِيء أَن يتبع سحجاً مؤلماً أَو إسهالاً متواتراً ثمَّ تبطل مَعَه الشَّهْوَة وتنقلب النَّفس وَيُؤَدِّي إِلَى الخراطة والجرادة وَيهْلك كثيرا. وَأما الْكَائِن دفْعَة بِلَا وجع كثير وَلَا اَفة تتبعه فِي الشَّهْوَة وَغَيرهَا فَهُوَ سليم.(2/593)
وَإِن كَانَ غن غلظ الثفل فَيدل عَلَيْهِ حَال الثفل وحدوثه مَعَ مُرُور الثفل وَسُكُون الوجع عِنْد حَال لين الطبيعة. وَكَثِيرًا مَا يكون مَا يخرج عصارة تنفصل عَن الثفل عِنْدَمَا يغلظ ويجف السَّبَب الَّذِي يجففه فيظن إسهالاً يحتبس وَفِيه الْهَلَاك. وعلامة ذَلِك أَن لَا يكون شَيْء مِنْهُ وَأما الْقسم الَّذِي قبله فأكثره يخرج بعد الثفل الَّذِي يسحج. وَأما الزلقي مِنْهُ فَيدل على الْفرق بَينه وَبَين زلق الْمعدة هضم يسير يكون فِي الطَّعَام فَإِذا انحدر عَن الْمعدة لم يلبث فِي الأمعاء بل بَادر إِلَى الْخُرُوج. فَإِن كَانَ سَببه قروحاً دلّ عَلَيْهِ السحج وَمَا يخرج من دَلَائِل القروح. وَإِن كَانَ هُنَاكَ بلغم لزج دلّ عَلَيْهِ أَيْضا البلغم الَّذِي يخرج مَعَه والرياح والقراقر. وَفِي البلغمي يحس بزلق شَيْء ثقيل وَفِي القروحي بالوجع تَحت مَكَان الْمعدة فَإِن كَانَ زلق لَيْسَ عَن قُرُوح وَلَا عَن بلغم بل لسوء مزاج دلّ على ذَلِك عدم خُرُوج عَلَامَات القروح والبلغم. وَأما السوداوي ِ والذوباني فَيدل عَلَيْهِ سَلامَة الأحشاء فِي أَنْفسهَا وبراءتها من الدَّلَائِل الْمُوجبَة للإسهال عَنْهَا واشتعال الْبدن وحرارته وملازمة حمى دقية وَاخْتِلَاف لون وقوام ونتن رَائِحَة. فَمَا كَانَ من ذوبان الأخلاط كَانَ صديداً مائياً وَمَا كَانَ من ذوبان اللَّحْم الشحمي كَانَ صديداً غليظاً كَمَا فِي القروح مَعَ دسومة وألوان مُخْتَلفَة ثمَّ يصير لَهُ قوام الشَّحْم من غير اخْتِلَاف فِي قوامه وَلَا مائيته. وَكَذَلِكَ حَال ذوبان اللَّحْم الْأَحْمَر إِلَّا أَنه يعْدم الدسومة وَيكون آخِره دردي اللَّوْن. وَأما الْكَائِن عَن فضل وامتلاء تَدْفَعهُ الطبيعة من الْبدن لما ذكر من أَسبَاب إِحْدَاث الْفضل والامتلاء فتدل عَلَيْهِ الْأَسْبَاب وَيدل عَلَيْهِ أَن المستفرغ يكون دَمًا ضَعِيفا صرفا تقياً مَعَ كَثْرَة دفْعَة بِلَا وجع وَلَا يستتبع استرخاء وَلَا ضعفا وَيكون لَهُ نَوَائِب. وَأما الزحيري فَيدل على أقسامه مَا يخرج مِمَّا يري والأسباب الْمَوْجُودَة من برد وَاصل أَو من جُلُوس على صلابة أَو من بواسير وشقاق وَغير ذَلِك وَمَا تقدم من إسهال وسحج أَو لم يتَقَدَّم وَمِمَّا تغلظ فِيهِ أَن يكون هُنَاكَ ثفل محتبس يؤلم ويوجع وَيُرْسل عصارة فيتوهم أَنَّهَا سيلان زحير. وَرُبمَا خرج خراطة كالبلغم فيوهم أَن الزحيري بلغمي فَلَا يجب أَن تغتر بذلك بل يجب أَن تتأمل السَّبَب من وَجهه على مَا علمت. وَالْفرق بَين قروحه وقروح الأمعاء الَّتِي فَوْقه أَن مَا يسيل من المعي الْمُسْتَقيم يقل فِيهِ النتن أَو لَا يكون فِيهِ نَتن. وَإِذا عرض لصَاحب قُرُوح الأمعاء وَصَاحب إسهال الدَّم أَن يجمد الدَّم فِي بَطْنه عرضت العلامات الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي بَاب أَسبَاب هَذِه الْعلَّة من انتفاخ الْبَطن وَبرد الْأَطْرَاف دفْعَة وَمن سُقُوط الْقُوَّة والنبض وَإِذا عرض لصَاحب هَذِه الْعلَّة شَيْء من هَذَا فَاعْلَم أَن الدَّم عرض لَهُ ذَلِك. وَاعْلَم أَن الدَّم الْأسود(2/594)
الْكَائِن للاحتراق إِذا اتجه إِلَى الاخضرار فقد أخذت الطبيعة فِي التلافي فيخضز ثمَّ يصفر ثمَّ يقف. وَاعْلَم أَنه تُقَام أَشْيَاء كالغدد فيتوهم أَنَّهَا خرط لصهروج الأمعاء وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا مَعَ مغص فَذَلِك لَيْسَ بخراطة بل فضول خلط. وَاعْلَم أَن من كَانَ بِهِ قيام وَاحْتبسَ وَهُوَ بَاقٍ على حَاله لَا تثوب إِلَيْهِ قوته فالسبب فِيهِ أَن وَاعْلَم أَن من يقوم بِالنَّهَارِ أَكثر مِنْهُ بِاللَّيْلِ بل يَعْتَرِيه الْقيام كل مَا تنَاول شَهْوَته نَهَارا فالسبب ضعف معدته. وَإِذا كَانَ بِاللَّيْلِ أَكثر فالسبب ضعف كبده وردهَا للغذاء. وَاعْلَم أَنه كثيرا مَا أعقب الْقيام بِإِخْرَاجِهِ اللَّطِيف وتخليفه الكثيف قولنجاً شَدِيدا فَاعْلَم العلامات والأسباب. معالجات الإسهال مُطلقًا: أَقُول أَولا أَنه يجب أَن يشْتَغل بِمَا قيل فِي بَاب إفراط إسهال الْأَدْوِيَة المشروبة وَيقْرَأ ذَلِك الْبَاب مَعَ هَذَا الْبَاب ثمَّ نقُول أَن الإسهال يمْنَع من حَيْثُ هُوَ إسهال بالقابضات والمغلظات الْموَاد وبالمغريات وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى المخدرات وأيضاَ قد يعالج الإسهال بالمدرّات والمعرفات وبموسعات المسام والمقيآت فَإِن هَذِه جَمِيعهَا تحرّك الْمَادَّة إِلَى خلاف جِهَة الإسهال فَإِن خالط الإسهال حرارة جعل مَعهَا مبرّدات أَو اختير مِنْهَا مبرّدات وَاسْتِعْمَال الموسعات للمسام والمعرقات من خَارج الْبدن فَإِن خالطها برد جعل مَعهَا مسخّنات أَو اختير مِنْهَا مسخنات. وَأكْثر مَا يحْتَاج إِلَى المسخّنات إِذا كَانَت الْقُوَّة الهاضمة ضَعِيفَة ثمَّ إِذا كَانَت سدد من أخلاط لزجة ويستعان بِمَا قيل فِي بَاب ضعف الهضم وَأكْثر مَا يحْتَاج إِلَى المبرّدات إِذا كَانَت الماسكة ضَعِيفَة والجاذبة قد تعين على حبس الظبيعة بِمَا ينفذ الْغذَاء بِسُرْعَة. وَرُبمَا تدر وتعرق وَرُبمَا فعل الشَّرَاب الصّرْف الْقوي الْعَتِيق هَذَا فَإِن من بِهِ إسهال رُبمَا شرب أقداحاً من شراب بِهَذِهِ الصّفة بعضهما خلف بعض حَتَّى يكون دَائِما كَالسَّكْرَانِ فتحتبس طَبِيعَته. وَاعْلَم أَن النّوم من أَنْفَع الْأَشْيَاء لمن بِهِ إسهال وَإِذا كَانَ مَعَ الإسهال سعال ترك مَا فِيهِ حموضة شَدِيدَة وَقبض وَاقْتصر على مَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِك من الْأَطْعِمَة والأغذية واختير الْبَارِدَة المغربية وَكَذَلِكَ كل مَا جرمه صلب وَفِيه تَقْوِيَة الْبدن الَّذِي يتغذى بِهِ مثل الأسوقة ويضرّهم كل مَا يسيل من الإحساء والمراق. وَاعْلَم أَن الربوب المحلاة كثيرا مَا ضرت بتهييج الْعَطش وَمن حوابس الإسهال االحمام والدلك بِمَا يُوسع المسام وَكَثِيرًا مَا تجذب الْمَادَّة إِلَى(2/595)
ظَاهر الْبدن من المروخات والدلوكات وَمِنْهَا الأدهان الحارة كدهن الشبث وَنَحْوه. وَمن حوابس الإسهال وضع المحاجم على الْبَطن. وَقد جرب وضع المحاجم على بطُون من بهم إسهال وسحج إِذا تركت عَلَيْهِم إِلَى أَربع سَاعَات احْتبست. وَنحن قد جربنَا ذَلِك. وَمن حوابس الإسهال الأضمدة للمعدة والأمعاء يتَّخذ من المسخّنات القابضة وَمن المبردات القابضة بِحَسب الْحَاجة وَمن حوابس الإسهال الإسهال وَذَلِكَ إِذا كَانَ سَبَب الإسهال خلطاً ينصب إِلَى الْمعدة والمعي فَينزل الطَّعَام ويسيله ويستفرغه وَيلْزم استفراغه أَن تتبعه الأخلاط فَإِذا استؤصل ذَلِك واستفرغ وَإِن وَجه التَّدْبِير. وَإِذا اسْتعْملت الْأَدْوِيَة فابدأ بالمفردة فَإِن لم ينجع فَحِينَئِذٍ تصير إِلَى المركّبة والحابسة إِمَّا مجففة ميبسة وَإِمَّا مقبضة وَإِمَّا مبردة مخثرة وَإِمَّا مغرية مسددة للمسام الَّتِي مِنْهَا ينبعث. والأدوية المفردة الْبَارِدَة الحابسة مُطلقًا ويحسب قوم أَن الحابسة مثل الجلنار والعفص وأقاقيا. والورد والصمغ الْعَرَبِيّ والطين الأرمني والطين الْمَخْتُوم والطراثيث والطباشير وخصوصاً المقلي وخصوصاً الَّذِي رَبِّي بالكافور وَثَمَرَة الطرفاء والعليق وَحب الرُّمَّان والسماق والأمبر باريس والزراوند وبزر الحماض وبزر قطونا المقلي والكزبرة وبزر لِسَان الْحمل وعصارة لحية التيس وبزر الْورْد جيد وَثَمَرَة التوت الْفَج وخصوصاً من السحج وعصارة القوابض مجففة وربوبها وعصارة بزر البقلة الحمقاء أُوقِيَّة وَاحِدَة يشْربهَا فَيكون نَافِعًا والرائب الْمَطْبُوخ الَّذِي لَا زبد فِيهِ أصلا. والأدوية المفردة الحارة الحابسة فَهِيَ مثل الكمون المقلو والنانخواه والأنيسون المقلو وقشار الكندر والمر والميعة الْيَابِسَة وَالدَّار شيشعان وَمثل اللاذن نَفسه يسقى مِنْهُ دِرْهَم بمطبوخ والجبن الْعَتِيق المقلو يُؤْخَذ كَمَا هُوَ أَو يطْبخ فِي عصارة قابضة لكنه يعطش. وَأفضل تَدْبيره أَن يغسل بِالْمَاءِ وَالْملح مَرَّات أَو يطْبخ طبخاً يخرج ملحه ثمَّ يجفف فَإِن الدِّرْهَم مِنْهُ يحبس. وَهَذَا أقوى كل شَيْء. وَالصبيان قد يشوى لَهُم الْجَوْز المقشر ويدق وَيُعْطى بسكر مقلو وَمَاء بَارِد قدر جلوزة والزاجات والانفحات عَاقِلَة وأنفحة الجدي قد يسقى مِنْهَا الصَّبِي ربع دِرْهَم فِي مَاء بَارِد وللكبير فَوق ذَلِك وَوزن دِرْهَم وَاحِد من أنفحة الأرنب فَإِنَّهُ يجبس الْبَطن فِي وَقت وَيجب أَن يبتدأ فِي سقِِي الأنافح من ذانق فَإِن لم ينفع زِدْت مِنْهَا إِلَى مَا لَا تجَاوز بِهِ فِي الْوَزْن وزن دِرْهَم والجبن الْعَتِيق الَّذِي سلف تَدْبيره إِذا سقِِي مِنْهُ دِرْهَم فَهُوَ أقل ضَرَرا وَأقوى فعلا من الأنفحة. وَقد زعم بَعضهم أَن المبيختج إِذا أحرقت قِطْعَة مِنْهُ حَتَّى يسود ثمَّ يسقى مِنْهُ نصف دِرْهَم فَإِنَّهُ يجبس الْبَطن. وَقد حَدثنِي صديق لي من المعالجين بِتَصْدِيق ذَلِك تجربة لَهُ وخرء الْكَلْب الْأكل الْعِظَام وَحده إِذا سقِِي مِنْهُ دِرْهَم وَنصف حبس بِقُوَّة خُصُوصا الْيَابِس الْمَأْخُوذ فِي شهر تموز.(2/596)
وَمِمَّا لَا ينْسب إِلَى أحد الطَّرفَيْنِ نِسْبَة كَبِيرَة قوابض النعام مجففة والشربة وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم يجفف ويبرد بالمبرّد ويسقى مِنْهُ هَذَا الْقدر من كَانَ بِهِ ذرب فِي رب الآس فِي رب السفرجل بِحَسب ميل مزاجه وَأَيْضًا لبن الْمعز الْمَطْبُوخ حَتَّى يغلظ والمرضوف بالرضف يلقى فِيهِ ثَلَاث مرار وَاجعَل فِيهِ قَلِيل رز مقلو وَأَيْضًا مح الْبيض مسلوقاً فِي الْخلّ وَمن المركبات المائلة إِلَى الْبرد أَقْرَاص الطباشير الممسك وأقراص العليق الْمُسَمّى قلنديقون وأقراص الطين الْمَخْتُوم وأقراص الجلنار وأقراص الفيلزهرج وأقراص الطراثيث وأقراص الزَّعْفَرَان وأقراص الأفيون وأقراص الخشخاش الممسك وَحب الأفيون وَحب البيروح والمقلياثا وسفوف حب الرُّمَّان وَحب السندروس. للإسهال المزمن وزن دِرْهَم من الصدف المحرق وَمن الطين الأرمني مُنَاصَفَة وأصناف المقلياثا بالطين الْمَخْتُوم وَبِغير الطين الْمَخْتُوم. وَلَا يجب أَن يفرط فِي قَلبهَا فَيذْهب قوتها بل يجب أَن يحمى الْقدر فَترفع على نَار وتترك هِيَ عَلَيْهَا وتحرك حَتَّى تنشوي. وَمن المركبات المائلة إِلَى الْحر قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا أَقْرَاص الأفاويه والجوارشن الخوزي وجوارشنات ذَكرنَاهَا فِي الأقراباذين وجوارشن البزور القابضة وأقراص زعفران وأقراص الكهربا. وَأَيْضًا يُؤْخَذ عفص غير مثقوب أَخْضَر وقشور الرُّمَّان سماق وفلفل من كل وَاحِد نصف دِرْهَم يسحق وينخل ويعجن ببياض الْبيض وتقور رمانة وتلقى هِيَ فِيهَا ويسد بَابهَا بالشحم وتوضع على الْجَمْر. وَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ دَقِيق الْحِنْطَة ويخلط بِشَيْء من نانخواه وَثَمَرَة الطرفاء وحرف ويلت بِزَيْت أنفاق ويعجن ويخبز ويجفف فِي التَّنور ثمَّ يُؤْخَذ مِنْهُ وزن عشرَة دَرَاهِم مدقوقاَ يشرب فِي مَاء بَارِد وَقَلِيل شراب. وَمن هُنَا الْقَبِيل أَيْضا مِمَّا يعالج بِهِ الصّبيان إِذا عرض لَهُم إسهال عِنْد نَبَات أسنانهم. ونسخته: يُؤْخَذ خشخاش وَحب الآس وكندر ذكر وَسعد من كل وَاحِد نصف دِرْهَم فينعم سحقه فيداف فِي لبنه الَّذِي يرضعه ويسقى. وَمن هَذَا الْقَبِيل دَوَاء جيد مجرب. ونسخته: يُؤْخَذ حب الزَّبِيب المجفف وينعم سحقه حَتَّى يصير كالغبار وَيُؤْخَذ الْعِظَام المحرقة وَيُؤْخَذ لب البلوط والأنفحة والكزبرة المقلوة وسماق وخرنوب الشوكا وبزر الكرفس والكمون المنقوع فِي الْخلّ وَالْخبْز الفطير الْيَابِس والكندر والنانخواه أَجزَاء سَوَاء يسحق جيدا وَيرْفَع ذَلِك وَلَك أَن تجْعَل الأنفحة أقلهَا أَو نصف جُزْء ثمَّ يتنارل كل سَاعَة مِنْهُ قميحة بِمِقْدَار مَا يكون قد تنَاول فِي الْيَوْم عشْرين درهما إِن كَانَ من الأنفحة جُزْء أَو أقل من ذَلِك وَإِن كَانَت الأنفحة أَكثر من جُزْء فتحتبس الطبيعة فِي يَوْم وَاحِد. وَمن هَذَا الْقَبِيل دَوَاء مجرب. ونسخته: يُؤْخَذ السعد والسنبل والجلنار ودقاق الكندر وَشَيْء من العفص مِقْدَار نصف دِرْهَم يطْبخ فِي المَاء طبخاَ ثمَّ يصفى ذَلِك المَاء ويذر عَلَيْهِ من السك والمسك وَالْعود الخام الْجيد شَيْء. بِحَسب مَا يُوجِبهُ الْحَال(2/597)
وَيشْرب. وَأَنت تعلم قوانين الموازين بِحَسب الأمزجة والأهوية والعلل وَيسْتَعْمل بِحَسب مَا تَأمره. أُخْرَى: وَمن هَذَا الْقَبِيل يُؤْخَذ زنجبيل زاج الأساكفة سماق بِالسَّوِيَّةِ يستف وزن دِرْهَمَيْنِ إِلَى مثقالين. أُخْرَى: وَمن هَذَا الْقَبِيل وَأقرب إِلَى الِاعْتِدَال أَن يُؤْخَذ برشياوشان وسنبل الطّيب وبزر النّيل الأملس ولب الثيل وبزر الفجل والباذاورد وأصل شَجَرَة الصنوبر ويتخذ مِنْهُ أَقْرَاص. وَاعْلَم أَن الْحَاجة إِلَى الطباشير حبس الدَّم وَالْحَاجة إِلَى البزور حبس الإسهال المعوي وَالْحَاجة إِلَى البزر القطونا ولسان الْحمل المقلي هُوَ المغص وَإِلَّا فَإِن نفس الإسهال تزيله الأسوقة وخصوصاً مكررة القلي. والغذاء ماذكرناه وَالْبيض المسلوق منفعَته فِي الإسهال الْكَائِن عَن عفن الأمعاء وَلَيْسَ بموافق للكبدي والمعدي بل رُبمَا ضرّ. وَأما المخدرات فَإِن فِيهَا خطراً وَإِن كَانَ قد تعرض لَهَا الْحَاجة فَإِنَّهَا قد تَنْفَع من حَيْثُ تغلظ الْمَادَّة وَمن حَيْثُ تنوم وَتبطل الْحَاجة إِلَى الْقيام بِسَبَب حبس اللذع وَكَيف كَانَ فَلَا يجب أَن يسْتَعْمل ماكان عَنْهَا مندوحة وَإِذا وَجب اسْتِعْمَالهَا لم تسْتَعْمل على مَا ذكرنَا فِيمَن برد بدنه وضعفت قوته وَظهر ذَلِك فِي النبض. فَإِن كَانَ لَا بُد خلط بهَا مثل الجندبيستر والزعفران وَنَحْوه. وَقد شاهدنا من احْتمل من الأفيون شيافة فَمَاتَ. وَإِن أمكن أَن يسْتَعْمل فِي شياف لم يَسْتَعْمِلهُ مشروباً وَإِذا أمكن أَن يسْتَعْمل فِي ضمادات لم يسْتَعْمل حمولاً. وَمن الضمادات المخدّرة أَن يُؤْخَذ من الأفيون وَمن بزر البنج جُزْء جُزْء وَمن جَفتْ البلوط والجلّنار والأقاقيا والكندر والمر من كل وَاحِد خَمْسَة أَجزَاء وَيجمع بعصارة البنج أَو عصارة قشر الخشخاش أَو طبيخهما ويطلى فَإِنَّهُ جيد مخدّر. مشروب قوي الْقَبْض ونسخته: يُؤْخَذ من أنفحة الأرنب وزن. دانقين وَمن الأفيون مثله وَمن العفص وزن نصف دِرْهَم وَمن الكندر نصف دِرْهَم تتَّخذ مِنْهُ أَقْرَاص والشربة نصف مِثْقَال. آخرى: يُؤْخَذ عفص فجّ جُزْء كندر أفيون من كل وَاحِد نصف جُزْء بِالسَّوِيَّةِ الشربة دِرْهَم. وَأَيْضًا يُؤْخَذ بزر البنج وأفيون وخشخاش وطباشير وجلّنار وكندر بِالسَّوِيَّةِ والشربة إِلَى دِرْهَم. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ من السندروس والأفيون ودقاق الكندر ومرّ وزعفران يسقى مِنْهُ حبتان مثل حمصتين وَأصْلح من ذَلِك جندبادستر أفيون ميعة سَائِلَة زرنيخ مرّ زعفرأن أسارون كندر نانخواه بِالسَّوِيَّةِ يعجن بِعَسَل منزوع الرعوة. والشربة مِنْهُ مثل النبقة. آخرى: يُؤْخَذ أَيْضا مرداسنج ربع دِرْهَم أنفحة نصف دِرْهَم عِظَام محرقة دِرْهَم عفص دِرْهَم أفيون دانق.(2/598)
آخرى: وَأَيْضًا أَقْرَاص بزر البنج ومعجون البنج نَافِع جدا. آخرى: يُؤْخَذ أقاقيا وعفص وأفيون وصمغ من كل وَاحِد جُزْء تتَّخذ مِنْهُ أقراصاً. وَهَذَا الدَّوَاء الَّذِي نَحن واصفوه مجرب يحبس فِي يَوْمَيْنِ. ونسخته: يُؤْخَذ نخواه وبزر الكرفس وقشور رمان حامض وعفص وأبهل أَجزَاء بِالسَّوِيَّةِ أفيون نصف جُزْء يسحق الْجَمِيع كالكحل وَمن أدوية الآسهال مَا يُوَافق من بِهِ مَعَ الآسهال سعال مثل الآس والمصطكي والصمغ الْأَعرَابِي والكندر والبزرقطونا المقلو والطباشير والشاهبلوط والجوز واللوز المشوي. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن يعْطى مَا لَيْسَ فِيهِ حموضة وعفوصة شَدِيدَة بل تسديد وتغرية فَإِن لم يكن بُد أعْطوا العفصة ثمَّ اتبعوها باللعوقات الملينة للصدر وَكثير من اللعوقات المتخذة من الخشخاش والكثيراء والصمغ والخرنوب وَثَمَرَة الآس والنشا المقلو ولعابات أَشْيَاء قلبت أَولا ثمَّ احتيل فِي إِخْرَاج لُعَابهَا تجمع بَين الْأَمريْنِ. فصل فِي أغذيتهم: وَأما أغذيتهم فَيجب أَن لَا يكون فِيهَا لذع وَلَا ملوحة كَثِيرَة وَلَا حموضة مؤذية فَتحَرك الْقُوَّة الدافعة إِلَى الدّفع. وَهَذِه مثل مَا ذكرنَا من اللَّبن الْمَطْبُوخ والمرضوف وخصرصاً الَّذِي طفىء فِيهِ الْحَدِيد مَرَّات. وأجود من ذَلِك الرائب المنزوع الزّبد البتّة مطبوخاً مَعَ قَلِيل أرزّ وجاورس مقلوين. ويجرب مبلغ مَا يسْتَمر بِهِ فَإِذا لم يسْتَمر شَيْئا يتَنَاوَل تنَاول أقل مِنْهُ. وَأَشد الألبان المطبوخة تَقْوِيَة لبن الْبَقر وأوفقها للمحرورين لبن الماعز مَعَ أَنه قَابض. والرائب أفضل للمحرورين من غير الرائب وَمثل لباب السميد المقلو المبرّد المجفف وَمثل الْخبز المعجون دقيقه بالخل يخبز جيدا وَهُوَ للمحرورين غَايَة. وَمثل العدس الْمَطْبُوخ فِي ماءين ويصفيان عَنهُ ثمَّ يطْبخ فِي الثَّالِث حَتَّى يثخن ويحمض وَلَا تحميض وَمثل الحماضية. وَأما الحوامض فَمثل مَا يتَّخذ من السماق وحر الرُّمَّان بالكعك والكزبرة وَرُبمَا جعل فِيهِ أرز. والباقلا الْمَطْبُوخ بالخل جيد لَهُم. وَمن أغذيتهم الَّتِي تغذو وَتَكون فِي نَفسهَا علاجاً جيدا أَن يُؤْخَذ من سويق الشّعير حفنتان وَمن بزر الخشخاثس حفْنَة وَمن قشر الخشخاش حفْنَة يطْبخ جيدا ويصفى ويتناول. وَإِن حمضته بسويق التفاح الحامض أَو حبّ الرُّمَّان أَو السماق كَانَ صَوَابا. وَيكون ملحهم ملحاَ أندرانياً يدق ثمَّ يقلى قلياً جيدا ثمَّ يخلط بِهِ حب الرُّمَّان والكزبرة والسماق. وَإِن لم تكن حرارة شَدِيدَة خلط بِهِ جبن عَتيق مقلو مدقوق وَيجب أَن لَا يسقوا إِلَّا الْبَارِد كَيفَ كَانَ. فَإِن الْبَارِد يعقل وَيجْزِي والحار يحل ويرخّي ويحوج إِلَى أكبر اللَّهُمَّ إِلَّا فِي الهيضة على مَا شَرط وَفِي السددي والورمي واللحمان الَّتِي تصلح(2/599)
لَهُم لحْمَان اللطياهيج والقباج والدراريج والعصافير والقنابر وَلحم الأرنب والقطا والشفانين والفواخت وَلحم السوداني خَاصَّة والأصوب أَن تكون مشوية مبزرة محمضة وَأَيْضًا صفرَة الْبيض مسلوقة فى الْخلّ والمصوصات المتخذة مِنْهَا بِمثل حب الرُّمَّان وَالزَّبِيب الْكثير الْعَجم والكزبرة وبمثل السماق وَمَا أشبه ذَلِك من ثَمَرَة العليق وعساليج الكروم وورق الحماض وورق لِسَان الْحمل والكرنب المكزر الطَّبْخ والسمك الصغار الْمَطْبُوخ بالخلّ. وَمن الَّذِي يجْرِي مجْرى الأبازير زهرَة الفستق وزهرة الزعرور والكزبرة وحبّ الآس. وَإِذا لم يهضموا اللحمان اتَّخذت لَهُم مدقّقة من لحم الفراريج والقباج والكزبرة وَحب الآس وَنَحْوهَا وطبخت بِقُوَّة وخلط بهَا أرز وجاورس قَلِيل ثمَّ يصفى وأعيد على النَّار حَتَّى يقرب من الِانْعِقَاد ثمَّ يحمض بسماق أَو حب رمان وَنَحْوه. والكردنانك نَافِع لَهُم إِذا لم يفْسد الهضم جدا وَيجب أَن لَا يملح إِلَّا قَلِيلا وَأَن يسيل مِنْهَا بالغرز رُطُوبَة كَثِيرَة. والأكارع شَدِيدَة النَّفْع لَهُم إِذا طبخت مَعَ الْأرز المقلو. وليجتنبوا الْفَوَاكِه أصلا وَإِن كَانَت قابضة إِلَّا عِنْد نفور الْمعدة من الْأَطْعِمَة الآخرى. والشاهبلوط لَا يضرهم وَكَذَلِكَ القسب. وَإِن كَانَ الطَّعَام اللَّطِيف يفْسد فِي معدهم أطعموا الْأَطْعِمَة الَّتِي فِيهَا غلظ مَا مثل الأكارع بالربوب القابضة مثل الاحساء القوية المتخذة من الْأرز والجاورس. وَرُبمَا انْتفع بَعضهم بقريص الْبُطُون وَنَحْوه والسكباج الْمُتَّخذ من أطايب الْبَقر يَأْكُل السكباج وَحده بالثرائد أَو يَأْخُذ مَعَه إِن اشْتهى من الأطايب شَيْئا بِقدر قُوَّة هضمه وَلَيْسَ مُوَافقَة الْبَطن غَايَة لجَمِيع أَصْحَاب الْقيام. وَمن الاحساء المحمودة لَهُم أَن يُؤْخَذ الخشخاش ويقلى قلياً قَرِيبا ثمَّ يتَّخذ مِنْهُ وَمن الأرزّ والجاورس حسو ويحمض إِن شَاءَ بالسماق وحبّ الرُّمَّان وَنَحْوه أَو يتَّخذ إحساء من الكعك الْيَابِس والأرز وشحم كلي الماعز أَو ينقع السماق فِي مَاء الْمَطَر يَوْمًا وَلَيْلَة ويغلى غلية خَفِيفَة ثمَّ يصفيه تصفية شديحة ثمَّ ينقع فِيهِ الفرة حَتَّى ينْتَفع ثمَّ يطبخه ثمَّ يمرسه فِيهِ بِقُوَّة ثمَّ يصفيه وَيَرْمِي الثفل ثمَّ لَا يزَال يحركه على النَّار بِعُود حَتَّى يَغْدُو مثل الغراء ثمَّ يطيّبه بالملح قَلِيلا وَيجْعَل دسمه شَحم الجداء أَو اللوز المقلو وَقَلِيل زَيْت وَلَا يكثر فِيهِ الْملح والدسومة وَهَكَذَا يكون الْغذَاء حاراً أَو بَارِدًا. وَمن دسوماتهم زَيْت الأنفاق وَيجب أَن يكون ماؤهم مَاء الْمَطَر فَإِن فِيهِ قبضا وأظن أَن أَكثر نفع ذَلِك لسرعة انجذابه إِلَى الكبد وَسُرْعَة تحلله فَلَا تبقى فِي الكيلوس رُطُوبَة وَيكرهُ لَهُم الشَّرَاب فَإِن لم يكن بُد وَكَانَت الْقُوَّة تَقْتَضِيه لينتعش بِهِ فالآسود الْقَابِض الطّعْم الْقَلِيل. والأصوب لَهُم أَن لَا يَأْكُلُوا الأغذية الْكَثِيرَة الْأَصْنَاف وَلَا مرَارًا بل يجب أَن يقتصروا على طَعَام وَاحِد قَلِيل الْمِقْدَار وَيكون مرّة وَاحِدَة وَأَن يقدموا على الطَّعَام مَا هُوَ أَقبض وَأَن(2/600)
يمتصوا قبله شَيْئا من السفرجل وَالرُّمَّان الحامض وَلَا يشْربُوا عَلَيْهِ المَاء. وَإِن صَبَرُوا على أَن لَا يشْربُوا الْبَتَّةَ كَانَ علاجاً جيدا بِنَفسِهِ وخصوصاً إِذا لم يتحركوا عَلَيْهِ الْبَتَّةَ. وَيجب أَن تغمز أَطْرَافهم الْعَالِيَة ليجذب الْغذَاء إِلَيْهَا وَأَن تضمد معدهم بالأضمدة القابضة الممسكة الْبَارِدَة والحارة والمخلوطة بِحَسب مُوجب الْحَال وَيجب أَن يَقع فِيهَا السنبل والمصطكي والمرّ والكعك. والميسوسن كثير النَّفْع إِذا وَقع فِي هَذِه الْأَدْوِيَة. وَهَذِه صفة طلاء جيد يطلى بِهِ مَا بَين الْمعدة والكبد إِذا كَانَا متشاركين فِي الإسهال: يغلى عشرَة أَجزَاء أفسنتين بشراب ويصفى وَيُوضَع على الْموضع بِخرقَة ثمَّ يُؤْخَذ من الْورْد والجلنار والآس الْيَابِس والأقاقيا والهيوفا فسطيداس والعفص أَجزَاء سَوَاء يخلط بِمَاء الآس وثجير الأفسنتين الْمَذْكُور ويضمد بِهِ. وَاعْلَم أَن الترياق نَافِع جدا لكل إسهال يغشي وَيسْقط الْقُوَّة وَلَا يكون سَبَب ورماً ولاحمى شَدِيدَة. وَالَّذِي لَيْسَ يستقلّ عَن ضعفه وَقد احْتبسَ قيام كَأَن بِهِ وَلَكِن بدنه لَيْسَ لغذاء فَالرَّأْي لَهُ أكل العصافير والنواهض صدورها دون أطرافها الْعَظِيمَة البطيئة الانحدار مطجنات ومكردنات. وَكَذَلِكَ أَيْضا من تكْثر شَهْوَته ويضعف هضمه يعْطى هَذِه الْأَشْيَاء وَاللَّحم الْأَحْمَر مقلواً بالزيت مذروراً عَلَيْهِ الدارصيني وينفع ذَلِك أَيْضا فِي شراب السفرجل والتفاح. وَمِمَّا جربناه فِي الإسهال الدموي لبن الماعز الْملقى فِيهِ جَارة المحمّاة. الْمقَالة الثَّانِيَة معالجات أَصْنَاف الاستطلاقات الْمُخْتَلفَة الْمَذْكُورَة بعد الْفَرَاغ من العلاج الْكُلِّي قد علمت أَسبَاب الإسهال الكبدي وَعلمت علاج إسهال كل سَبَب فَيجب أَن ترجع إِلَى ذَلِك فتعالج سوء مزاجه وَضَعفه وورمه وسدده وامتلاءه كلا بِمَا قيل فِي بَابه فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك فقد عالجته. وَالَّذِي يَقع فِي هَذَا الْبَاب من الْخَطَأ هُوَ أَن يعْطى من بِهِ إسهال كَبِدِي سدي أدوية مقبضة زَائِدَة فِي التسديد مقوية لَهَا ليعقلوا الطبيعة فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى خطر عَظِيم. وَكَثِيرًا مَا طلي الجاهلي الكبدي فِي هَذَا الْقيام بمخثرات للدمّ مطفئات للكبد بِمَا هُوَ بَارِد وَفِي ذَلِك هَلَاك الْمَرِيض وإعداد للعفونة بل يجب إِذا علمت أَن السَّبَب فِيهِ سدد فِي الكبد أَو الماساريقا أَن تعتني بتفتيح السدد. وَقد مدحوا الزَّبِيب السمين فِي هَذَا الْبَاب حَتَّى أَن قوما زَعَمُوا أَنه يبرىء الإسهال الغسالي الصعب. وقدجربنا ذَلِك فَكَانَ الْأَمر غير بعيد مِمَّا يَقُولُونَ.(2/601)
وَفِي ابْتِدَاء الْقيام الكبدي الأولى أَن لَا يقرب الْخبز فَإِن الكبد لَا يقبله وَإِنَّمَا الصَّوَاب الِاقْتِصَار على مَاء السويق فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَإِن احْتمل فِي آخِره خلط الجاورس بِهِ طبخاً ثمَّ يصفّيه فعل وَإِن احْتمل أكل الْمَطْبُوخ غير مصفّى فعل ويطبخ اسكرجة سويق بِعشْرين أسكرجة مَاء إِلَى أَن يغلظ فَإِذا لم يكن فِي القارورة تشويش فشحم الدَّجَاج يُبرئهُ. وَإِذا كَانَ الْقيام دموياً كبدياً فَلَيْسَ يجب أَن يحبس من تَحت لِئَلَّا يحتبس شَيْء مؤذ من فَوق فَتحدث آفَة بل يجود التَّدْبِير والعلاج من فَوق وأنعم نظرك فِي معالجة الإسهال الكبدي لِأَنَّهُ يغلط فِيهِ كثير من الْأَطِبَّاء. علاج الإسهال المعدي والمعوي بِلَا سحج ونبدأ مِنْهُمَا بالزلقي وَقد علمت فِي بَاب الْمعدة أَنه كَيفَ يعالج زلق الْمعدة بأصنافه وعلاج زلق الأمعاء قريب من ذَلِك منامسب لَهُ وَمَعَ ذَلِك فَإنَّا نورد أشربة وأضمدة وقوانين هِيَ أولى بِهَذَا الْموضع. والقانون لَهُم فِيمَا لَيْسَ قروحياً أَن تخلط أدوية من القابضة القوية الْقَبْض مَعَ القابضة المسخنة شرباَ وضماداً وَأَن يستعملوا الْأَدْوِيَة الَّتِي تعين الطبيعة وتقوي الرّوح مثل الترياق الْفَارُوق وَمثل الأمروسيا والأثاناسيا. وَيجب أَن تسْتَعْمل المدرات فَإِنَّهَا قَوِيَّة النَّفْع من هَذِه الْعلَّة وَإِذا دلّت الدَّلَائِل على كَثْرَة البلغم اشْتغل ياستفراغه وَإِن لم تنجح الْأَدْوِيَة الْقَرِيبَة الْقُوَّة والقوية فقوة معتدلة فَرُبمَا افْتقر إِلَى مثل الخربق. وَأما استفراغ مَادَّة هَذِه الْعلَّة بالقيء فَهُوَ رَدِيء صَعب وقلما يستفرغ الْقَيْء البلغمٍ النَّازِل إِلَى الأمعاء وَلَا يجب أَن يشرب المَاء مَا أمكن. ثمَّ أَن شربه لم يجز أَن يشربه حاراً الْبَتَّةَ. وَالشرَاب الْعَتِيق الرَّقِيق الصّرْف الْقَلِيل يَنْفَعهُمْ وَمَا خَالف ذَلِك يضرهم ولينتقلوا إِن أَحبُّوا أَن يَنْتَقِلُوا بِمثل سويق الشّعير أَو سويق القسب وَسَوِيق الخرنوب وَسَوِيق حب الرُّمَّان وَسَوِيق النبق. وَأما الكزبرة فَإِنَّهَا قَوِيَّة التَّأْثِير فِي حبس الطَّعَام فِي الْمعدة. وَمن المركبات الجيدة لَهُم بزر لِسَان الْحمل والأنيسون من كل وَاحِد وزن دِرْهَم قشور الرُّمَّان وَدم الْأَخَوَيْنِ من كل وَاحِد نصف دِرْهَم وَهُوَ شربة. وَيجب أَن تشرب فِي شراب عفص. وَإِن كَانَ هُنَاكَ حمى فبماء الْمَطَر. وَمن المركبات النافعة لَهُم جوارشن العفص وجوارشن الكندر وجوارشن الخرنوب. وينفعهم من الأضمدة مثل ضماد بزر الْكَتَّان مَعَ التَّمْر ويقوى بِمثل عصارة السفرجل والشبث الرطب والطراثيث والأقاقيا والجلنا ر والمصطكي والورد والعوسج والآس أَجزَاء سَوَاء.(2/602)
وَرُبمَا اتخذ من هَذِه الْأَدْوِيَة مراهم بشمع ودهن المصطكي أَو دهن السفرجل أَو دهن ورد وَمثل ضماد أنطولوس وضماد درورونوس وضماد الفلفل إِذا كَانَت حرارة. وَأما الْكَائِن من قبل قُرُوح الأمعاء فعلاجه علاج القروح وأكثرة اسْتِعْمَال المجففات القابضة من الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة كالحصرمية والسماقية ويعالج بعلاج الدوسنطاريا الَّذِي نذكرهُ وَإِذا كَانَ هُنَاكَ سَبَب مراري هُوَ الَّذِي ينصب فيقرح فَالْأولى أَن تستفرغه فِي طَرِيق الصَّيف بالقيء العنيف وَلَا تستفرغه من طَرِيق القروح. وَإِن كَانَ سَببه بلغماً احتجت أَن تخرج البلغم بحقن البلغم الْمَذْكُورَة فِي بَابه وخفّفت الْغَدَاء وسخنته وَجَعَلته من الأشوية والقلايا المتخذة من لحْمَان خففة وقللت شرب المَاء. ثمَّ إِن احتجت إِلَى أقوى من ذَلِك فالخربق. أما أبيصه فللمعدة وَأما أسوده فللامعاء السُّفْلى وَهُوَ أيضاَ مَعَ مَا يستفرغ يُبدل المزاج ويسخنه. وَهَذِه صفة دَوَاء جيد لزلق الأمعاء الرطب وَهُوَ كالغذاء وَقد جربناه نَحن: نسخنه: يُؤْخَذ الزَّيْتُون الْأسود ويطبخ ويسحق بعجمه ويخلط بِهِ قشور الرُّمَّان وفلفل أَبيض وزيت أنفاق ويؤكل مَعَ الْخبز وَيجب أَن يخلط بِمَا يسْتَعْمل فِيهِ من القوابض الْبَارِدَة مصطكي وكندر. وَإِن احْتمل الفلفل فالفلفل. وَإِذا أزمن الآستطلاق الزلقي وَكَانَت الْقُوَّة أَن تسْقط فَالْوَاجِب فِي ذَلِك أَن تبدأ بتبديل المزاج وتسخينه وتروض العليل رياضة يحتملها أَو تدخله الْحمام وتغمزه غمزاً لطيفاً وتدلك ظَاهر بدنه ثمَّ تحسيه وَهُوَ مُضْطَجع لَيْسَ بمنتصب بل وركه أَعلَى من سَائِر مَا فَوْقه فِي نَصبه شَيْئا من مَاء اللَّحْم الْقوي مخلوطاً بِهِ شراب قَابض وكعك يَابِس. فَإِن احتملت قوته ومزاجه أَن تتبعه بِشَيْء منفذ مثل الفلافلي الْقَلِيل أَو الفوذنجي فعلت ذَلِك حَتَّى ينففه فَإنَّك إِذا فعلت هَذَا جذبت الكبد شَيْئا من ذَلِك الْغذَاء وتقوت بِهِ. وَأما سَائِر أَصْنَاف الإسهال المِعدِي والمعوي الَّذِي هُوَ دون الزلق فَيقرب علاج أَكْثَره من علاج الزلق فَمَا كَانَ سَببه الْمرة الصفراوية الْكَثِيرَة الانصباب إِلَى الْمعدة والأمعاء فَيجب أَن يعدل الْعُضْو الَّذِي يتَوَلَّد فِيهِ المرار وينبعث عَنهُ أَعنِي الكبد والمرارة بِمَا عرفت فِي بَابه وتستفرغ الْفضل الصفراوي إِن كَانَ كثيرا وأصوب ذَلِك بالقيء إِن أمكن وَهَان أَو بالإسهال إِن لم يكن فِي الْقُوَّة ضعف وَلم يخف حُدُوث القروح أَو أَنَّهَا حَاصِلَة. وَبعد ذَلِك فيتدارك بالمبرّدات المقبضة الْمَذْكُورَة وَكَثِيرًا مَا يشفي هَذَا الْأَذَى سقِِي الأهليلج الْأَصْفَر فَإِنَّهُ يخرج الصَّفْرَاء ويعقب قُوَّة مبرّدة قابضة. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ اسْتِعْمَال الرائب خُصُوصا بالطباشير وَكَذَلِكَ مَاء السويق الشعيري وَإِن كَانَ سَببه بلغماً عولج بِمَا يخرج البلغم من المشروبات والحقن إِن كَانَ كثيرا جدا ثمَّ عولج بِمَا يقبض ويسخن تسخيناً معتدلاً وَمَا يصلح لذَلِك جوارشن حب الرُّمَّان الَّذِي بالكمون والجوارشن الخوزي وأقراص الأفاويه.(2/603)
وَإِن كَانَ البلغم زجاجياً لم يكن بُد من مثل أَقْرَاص أسقليبيادس وَمن سفوفات تتَّخذ من الأنجذان والنانخواه والكمون المخلّل المقلو وبزر الْكَتَّان المقلو والسكّ والجلنار والكراويا والمر والكندر مَعَ طباشير على مَا يستصوبه من التَّقْدِير بِالْمُشَاهَدَةِ. وَإِن كَانَ هُنَاكَ بلغم وَمرَّة مَعًا ودلّ عَلَيْهِمَا خُرُوج مَا يخرج وَسَائِر العلامات اتتفعوا بِأَن يُؤْخَذ من الهليلج الْأَصْفَر جُزْء وَمن الْحَرْف نصف جُزْء ويخلط بِهِ من السكّ وحبّ الآس والسمّاق والكزمازج من كل وَاحِد سدس جُزْء وَإِن كَانَ السَّبَب سَوْدَاء تنصب إِلَيْهِ فلنفرد لَهُ بَابا نخصه بِبَاب الإسهال السوداوي وننسبه إِلَى الطحال. رأما الَّذِي بِحَسب الْأَطْعِمَة والأغذية فَإنَّا أَيْضا نفرّد لَهُ بَابا وَإِن لم يكن الأضعف الْقوي وَسُوء المزاج تَأَمَّلت سوء المزاج بعلاماته. وَأكْثر سوء مزاج المعي يكون مشاركاَ لسوء مزاج الْمعدة وعلاماته علاماته. فَإِن كَانَ الضعْف فِي الهاضمة وَحدهَا وَكَانَ لبرد انْتفع بالجوارشن الخوزي وانتفع بجوارشن لنا على هَذِه الصّفة. يُؤْخَذ من الْعود الخام وَمن الكمّون المخلل المقلو وَمن النانخواه والكراويا والكندر والمرّ والزنجبيل المقلو. والقاقلة وعجم الزَّبِيب المدقوق أَجزَاء سَوَاء يتَّخذ مِنْهَا سفوف. والشربة إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم. وَإِن كَانَت هُنَاكَ ريَاح كَثِيرَة جعلنَا فِيهَا بزر الشاهسفرم وبزر السذاب وَأَيْضًا تركيب لبعضها. فِي هَذَا الْبَاب كثير الْفَائِدَة. ونسخته: يُؤْخَذ من الزنجبيل وبزر الرازيانج والأنيسون والدارفلفل والقاقلة من كل وَاحِد وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن بزر النانخواه وبزر الكرفس من كل وَاحِد وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن السليخة وقصب الذريرة والسعد وَالْعود الخام من كل وَاحِد وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم وَنصف وَمن السكّ وزن خَمْسَة دَرَاهِم وَمن الزَّعْفَرَان وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن القرنفل وأظفار الطّيب والخيربوا من كل وَأحد ثَلَاثَة دَرَاهِم وَسدس وَمن حب الآس عشرُون درهما يقرص مِنْهُ أَقْرَاص. والشربة بِمِقْدَار الْمُشَاهدَة وينفع فِيهَا أَقْرَاص المرماخوذ خصوصاَ إِذا كَانَت الْقُوَّة الدافعة ضَعِيفَة أيضأ. وَتَنْفَع فِيهَا أَيْضا الأضمدة الْمَذْكُورَة المسخنة. وَإِن كَانَ مَعَ ضعف الدافعة خلطتها بالأفسنتين. وَأما إِن كَانَ فَسَاد الهضم للحرّ إستعملت الْأَدْوِيَة المبرّدة وفيهَا قبض مَا وغلظت الْغذَاء وَجَعَلته من جنس الْبَارِد الغليظ مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَيجب أَن نستعين بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب سوء الهضم.(2/604)
وَأما إِن كَانَ الضعْف فِي الماسكة لبرد أَو حر اسْتعْملت القوابض الْمَذْكُورَة فِي أول الْبَاب الحارة والباردة. فَإِن كَانَت الدافعة أَيْضا ضَعِيفَة اسْتعْملت سفوف خبث االحديد بجوزبوا فِي شراب النعناع واستعملت الأضمدة بِحَسب الْوَاجِب كَمَا تعلم. علاج الإسهال الراري: قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْمعدة وَهُوَ يتَعَلَّق فِي أَكثر الْأَمر بمعالجات أَحْوَال الكبد والمرارة والمعدة المولدة للصفراء وَيجب أَن يطْلب من هُنَاكَ. علاج الإسهال السوداوي وَهُوَ الطحالي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ سحج: يجب أَن يقْصد فِيهِ قصد علاج الطحال فيتعرّف حَاله فيقابل بِالْوَاجِبِ فِيهِ فَإِن كَانَ هُنَاكَ كَثْرَة من السَّوْدَاء ووفور من الْقُوَّة استفرغ بطبيخ الأفتيمون وَنَحْوه وَإِن كَانَ غليظاً كالدردي وَلم يكن عَن ورم بل لغلظ السَّوْدَاء نَفسهَا فَاسْتعْمل فِيهِ هَذَا المسهّل إِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة. ونسخته: يُؤْخَذ من الْملح الدراني جُزْء وَمن الشَّوْكَة المصرية ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن الخربق الآسود جزءان واطبخ الشَّوْكَة والخربق فِي المَاء طبخاً بِقُوَّة وأذب فِيهِ الْملح وصفّه واسقه. وَهَذَا طَرِيق إسهاله وتنقيته بِمَا يسهّل وَإِن وَجب الفصدة فصد وقوّي الكبد وَقَوي فَم الْمعدة إِن كَانَ السَّبَب فِي الإسهال معدياً سوداوياً لما ينصب إِلَى الْمعدة من الأخلاط السوداوية وَوضع على الطحال محاجم يحبس فِيهِ مَا يفِيض مِنْهُ إِلَى الْمعدة والأمعاء. وَبعد ذَلِك يدبر بِمَا هُوَ لطيف مقو مثل هَذَا التَّرْكِيب الَّذِي لنا. ونسخته: يُؤْخَذ من حب الرُّمَّان عشرَة دَرَاهِم وَمن البهمن الْأَحْمَر المقلو دِرْهَم وَمن الزرنباد المقلو دِرْهَم وَمن الكهربا دِرْهَم وَمن بزر السذاب وَمن بزر الشاهسفرم دِرْهَم ويتخذ مِنْهُ سفوف وأشربة ثَلَاثَة دَرَاهِم. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ حب الرُّمَّان وَالزَّبِيب الآسود يدقّ بخلّ وَمَاء ويعصر عَنهُ ويصفّى ويلقى عَلَيْهِ قَلِيل ملح وسعتر ويصطبغ بِهِ. فَإِن احْتِيجَ إِلَى أقوى من هَذَا أَخذ من الكندر والسعد وَجوز السرو والسكّ من كل وَاحِد نصف دِرْهَم وَمن الكعك دِرْهَم يشرب فِي شراب عَتيق علاج إسهال الدَّم بِغَيْر سحج: قد علمت أَن هَذَا يكون من الدن وَيكون من الكبد وَيكون من الْمعدة والأمعاء الْعليا والسفلى وَيكون من المقعدة وَعرفت علاماتها. وَمَا كَانَ مِنْهُ صديدياً أَو دردياً أَو غسالياً فعلاجه من جِهَة الكبد وَإِصْلَاح مزاجها وتفتيح(2/605)
سددها وَالتَّدْبِير المقدّم فِي ذَلِك مُرَاعَاة حَال الْبدن فِي الامتلاء ومراعاة الآسباب الْمُوجبَة لَهُ. فَمَا لم يكن لَهُ وجع وحدست أَنه من الْبدن أَو الكبد وَلم تسْقط قُوَّة لم تحبسه. وَإِن خفت أَن سيلانه رُبمَا أورث سحجاً أَو أورث ضعفا فصدت وآخرجته من ضد جِهَة حركته ثمَّ اسْتعْملت الْأَدْوِيَة القابضة الحابسة للدم والذيِ يحدث من فتق فِي عروق المعي فَرُبمَا أدّى إِلَى سحج عَاجل فَيجب أَن يصرف الاعتناء إِلَى حَبسه وإمالته إِلَى ضد الْجِهَة إِن كَانَ هُنَاكَ امتلاء أَشد وَأكْثر. وَاعْلَم أَن المشروبات من الحوابس أوفق لما كَانَ من الأمعاء الْعليا وَمَا يَليهَا وَمَا فَوْقهَا والحقن أوفق لما كَانَ من الأمعاء السفلي. وَمَا بَين ذَلِك فالأصوب أَن يجمع فِيهَا بَين العلاجين وَجَمِيع الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة القابضة والمغرية الْمَذْكُورَة فِيمَا سبق حوابس للدم لَا سِيمَا إِذا وَقع فِيهَا الشبّ والشادنج المسحوق كالغبار وَدم الْأَخَوَيْنِ والْكهربا والبسذ واللؤلؤ مشروبة ومحقوناً بهَا. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مخدّرات وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى تقويتها بِمَا فِيهِ مَعَ الْقَبْض قُوَّة. ولأقراص الجلنار من ولعصارة لِسَان الْحمل وعصارة بزر قطونا وعصارة لحية التيس فِي هَذِه الْأَبْوَاب مَنْفَعَة عَظِيمَة وخصوصاً إِذا جعل فِيهَا الْأَدْوِيَة المفردة الْمَذْكُورَة. وَمن الأقراص الْمَذْكُورَة أولآً. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ تفاح وسفرجل وَورد يَابِس من كل وَاحِد نصف رَطْل يطْبخ بخسمة أَرْطَال مَاء حَتَّى يبْقى رَطْل وَنصف ثمَّ يصفى ويلقى عَلَيْهِ مثله دهن ورد ويطبخ فِي إِنَاء مضاعف حَتَّى يذهب المَاء وَيبقى الدّهن وَتخرج خاصيته فيستعمل هَذَا الدّهن فِي المشروبات. وَأما الحقن الحوابس فَمن هَذِه العصارات وَمن مياه طبخ فِيهَا القوابض الْمَعْرُوفَة وذر عَلَيْهَا مِمَّا طبخ فِيهَا وَجعل دسمها من شَحم كلي مَاعِز وَمن دهن الْورْد الْجيد الْبَالِغ وسنذكرها فِي القراباذين ونذكرها أَيْضا فِي بَاب السحج وليختر مِنْهَا السليمة المعتدلة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أدوية وأقراص حادة ونورد بَعْضهَا هَهُنَا. حقنة جيمد مِمَّا ألفناه: يُؤْخَذ من قشور الرُّمَّان وَمن لِسَان الْحمل وَمن عرنوب الشوك وَمن سويق النبق وَهن سويق الْأرز من كل وَاحِد ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَيُؤْخَذ من العفص الفجّ عفصتان وَمن الجلنار والورد من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم ويصبِّ عَلَيْهِ من المَاء منا بالصغير وَإِن كَانَ ذَلِك المَاء مَاء عصى الرَّاعِي كَانَ جيدا. ثمَّ يطْبخ بِرِفْق حَتَّى يبْقى قريب من ثلثه ويصفى وَيُؤْخَذ من الشب وزن نصف دِرْهَم وَمن دم الْأَخَوَيْنِ والأقاقيا والشاذنج والجلّنار وعصارة لحية التيس والصمغ المقلو فى إسفيذاج الرصاص والصدف المحرق والطين الأرمنى من كل وَاحِد دِرْهَم وَمن دهن الْورْد سِتَّة دَرَاهِم وَمن إهالة شَحم كلى الماعز ستهْ دراهمْ. وَمن شَاءَ جعل فِيهِ من الأفيون وزن دانق إِلَى دانق وَنصف وحقن بِهِ.(2/606)
وءاذا كَانَ الْغَرَض بالحقنة إمْسَاك الدَّم لم يحْتَج إِلَى أَن يغلط بالمغرّيات الْأرز والجاورس وَنَحْوه. وَإِذا كَانَ الْغَرَض فِيهِ تَدْبِير السحج أَو تدبيرهما جَمِيعًا إحتاج إِلَى ذَلِك وَيجب أَن يجْتَهد حَتَّى لَا يدْخل فِي الحقن ريح. وَمن الشيافات القوية فِي هَذَا الْبَاب أَن يُؤْخَذ من الأقاقيا وَمن الصمغ الْعَرَبِيّ وَمن بزر البنج وَمن الأفيون وَمن أسفيذاج الرصاص وَمن الطين الأرمني وَمن الكهربا وَمن العفص الْفَج أَجزَاء سَوَاء تسحقها وتجمعها بالدواء الْمَطْبُوخ حاراً وتجعلها بلاليط. وَأما من المقعدة فيكَفيه أَنه يسْتَعْمل هَذِه الْأَدْوِيَة. يُؤْخَذ مرداسنج وجلنار وأسفيذاج الرصاص وصدف محرق وَيسْتَعْمل على الْموضع بعد الْغسْل والتنقية فَإِذا فعلت كل هَذَا ولج عَلَيْك الْمَرَض وَلم يحتبس لم تَجِد بدا من أَن ترْبط الْيَدَيْنِ من الْإِبِط بشدّ شَدِيد وتدلك أَطْرَافهم دلكاَ وتجلس العليل فِي مَاء بَارِد صيفاً وَفِي هَوَاء بَارِد شتاءً وتسقيه المَاء الْبَارِد وتصبّ على أحشائه العصارات الْبَارِدَة المبرّدة والأشربة الحابسة مثل رب الحصرم وربٌ الريباس علاج السحج وقروح الأمعاء: يجب أَن لَا يغلط فِي السحج فَرُبمَا لم يكن ذَلِك الَّذِي يحْتَاج إِلَى مَا فِيهِ قُوَّة شَدِيدَة وَكَانَ فِي اسْتِعْمَاله فِيهِ هَلَاك وَكَانَ نفس التبريد الشَّديد وَإِعْطَاء مثل الْبِطِّيخ الْهِنْدِيّ والخسّ والبقلة الحمقاء كَافِيا فِي العلاج فَإِذا اسْتعْملت الحقن الَّتِي تقع فِيهَا أدوية كاوية كَانَ الْهَلَاك. وَيجب أَن تعالج كَمَا عملمت مَا كَانَ فِي الأمعاء الْعليا بالمشروبات وَمَا كَانَ فِي السُّفْلى بالحقن وَمَا كَانَ فِي الْوسط فبالعلاجين. ثمَّ أول مَا يجب أَن تراعي حَال السَّبَب الْفَاعِل للسحج ولقروح الأمعاء هَل هُوَ بعد فِي الانصباب وَهل سَببه الأقدم من انفتاق أَو امتلأء أَو ورم باقٍ أَو هُوَ محتبس مُنْقَطع قد بَطل وَبَقِي أثر من السحج والقرح وَقد أعطينا العلامات فِي ذَلِك. فَإِن كَانَ السَّبَب بعد ينصب فدبر فِي قطعه وحسمه بِمَا قد عَرفته فِي موَاضعه وَإِن كَانَ لَا بُد من استفراغ لرداءة الْخَلْط فعلت بحذر وتقية وَاجْتَهَدت فِي أَن يكون المسهّل لَيْسَ بشديد الضَّرَر بالأثر والقرحة بل مثل الهليلج وأصلحته بِمَا يخلط بِهِ من مثل الهليلج والكراويا والكثيراء وَمَا يُشبههُ وَإِن أمكنك أَن تَمنعهُ من الْغذَاء يَوْمَيْنِ ليصير الْبدن نحيلاً بِمَا ينصبّ عَنهُ فعلت. وَإِذا أردْت أَن تغذوه غذوته بِاللَّبنِ المرضوض والمطبوخ على مَا مضى فِي بَابه وَهَذَا على سَبِيل الدَّوَاء. وَأما الْغذَاء نَفسه عِنْد الْحَاجة وَظُهُور الضعْف فَمَا ثقل حجمه وَتظهر تقويته كأكباد الدَّجَاج السمينة والقليل من خبز السميذ المائل إِلَى فطوره وَخصي الديوك وَالْبيض الَّذِي ارْتَفع عَن النمبرشت وانحط عَن المشوي الْقوي. وَرُبمَا انْتفع جدا بالسمك المشوي الْحَار والأكارع مطبوخة فِي حليب.(2/607)
والأرز المقلو جيد لَهُم جدا إِذا مصوها وَيجب أَن تحفظ قوتهم أَيْضا بربوب الْفَوَاكِه والأغذية الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب الأول نافعة لَهُم. وَيجب أَن يكون ملحهم دارانياً مقلواً وَيُحب أَن لَا يشرب الشَّرَاب إِلَّا إِذا لم تكن حرارة فَحِينَئِذٍ يشرب مِنْهُ قَلِيلا من الْأسود الْقَابِض وماؤه المَاء الْبَارِد وَلَيْسَ يصلح أَن يبْدَأ أولاَ بالأدوية الصرفة المؤذية بكيفياتها المقبضة. والخشنة. والخادشة. وَإِذا اشتدّ الوجع احتجت ضَرُورَة إِلَى المغرّيات لتصير كالستارة وتنطلي على وَجه المرّض وَجَمِيع الْأَدْوِيَة المبردة المقبضة المخلوطة بالمغرية نافعة فِيهِ إِلَّا أَن يَقع تَأْكُل فَرُبمَا احتجنا إِلَيّ الجالية والكاوية مخلوطة بِمَا يجفف بِلَا لذع وَيجب أَن يسقى صَاحب السحج مَا يسقاه من البزور وَغَيرهَا فِي مَاء بَارِد لَا فِي مَاء حَار. والزراوند خاصية عَجِيبَة جدا فِي قُرُوح الأمعاء وإسهال الأغراس وخصوصاً إِذا سقِِي فِي مثل مَاء لِسَان الْحمل بِقَلِيل شراب عَتيق. وللبلوط والمشوي والخرنوب قُوَّة قَوِيَّة مجموعين ومفردين. وبزر الْورْد عَجِيب جدأً وَقد جربناه. وَمِمَّا ذكره بَعضهم أَن المبتدىء إِذا سقِِي أَرْبَعَة دَرَاهِم صمغ بِمَاء بَارِد زَالَت علته. وَأما الطين الْمَخْتُوم فَإِنَّهُ نَافِع جدا من كل سحج حَتَّى للتأكل يسقى مِنْهُ بعد تنقية التأكّل والوسخ بحقنة من الحقن الَّتِي نذْكر وَكَذَلِكَ إِذا حقن بالطين الْمَخْتُوم فِي عصارة لِسَان الْحمل وكوكب ساموس أَيْضا وعصارة بقلة الحمقاء. وَمِمَّا ينفع من ذَلِك عصارة التوث الَّذِي لم ينضج وَكَذَلِكَ شرب حشيشة ذَنْب الْخَيل وعصارة الْورْد شرباً وحقنة. وَذكر بَعضهم فِي أدوية هَذَا الْبَاب رجل العقعق. وأظن أَنه رجل الْغُرَاب. وَقد قيل أَن أبقراط إِذا ذكر رجل العقعق عَنى بِهِ ورق التِّين وَهَذَا مِمَّا لَا يصلح فِي هَذَا الْبَاب. وَشرب أنفحة الأرنب لَهُم نَافِع والجبن المنزوع عَنهُ ملحه على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب الأول شَدِيد النَّفْع لَهُم وَإِن بالغوا فِي التأكّل. وَإِذا وَقع السحج بِسَبَب دَوَاء مشروب فَمن الْأَشْيَاء النافعة أَن يحتقن بالسمن وَدم الْأَخَوَيْنِ يَجْعَل فِي وزن ثَلَاثِينَ درهما من السّمن دِرْهَم من دم الْأَخَوَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة دَرَاهِم. وَمن المركّبات النافعة لَهُم الأقراص والسفوفات الْبَارِدَة الْمَذْكُورَة. وَمِمَّا هُوَ جيد لَهُم إِذا ذرّ على الْخبز وَسقي وَشرب بعد مَاء بَارِد أَن يُؤْخَذ من رماد الودع أَرْبَعَة أَجزَاء(2/608)
وَمن العفص جزاَن وَمن الفلفل جُزْء يسحق وينخل مِنْهُ وزن دِرْهَم على الطَّعَام وَيشْرب بِالْمَاءِ الْبَارِد. والفلونيا نَافِع لَهُم أَيْضا إِذا شربوه بِمَاء بَارِد. وَأما الحقن والحمولات الصَّالِحَة لهَذَا فَمثل الحقن والحمولات الصَّالِحَة لإسهال الدَّم الْمُطلق مزيداً فِيهَا فِي أَوله المغرّيات القابضة وَفِي آخِره إِن أدّى إِلَى تَأْكُل المنقيات والكاويات وَإِلَى أَن يذهب ترضيض المعي وينقى ظَاهره فَلَا يجب أَن يُجَاوز المغريات والقا بضة. وَقَالَ بَعضهم أَن الأقاقيا يجب أَن لَا تقع فِي الحقن إِذا لم يكن فِي الْعلَّة دم وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء ثمَّ إِذا بقيت القرحة جرّاحة فالمجففة القابضة منع المغرّية والدسمة ثمَّ فِي آخِره إِن أدّى إِلَى تَأْكُل فالمنقيات والكاويات. وَمن النَّاس من يخلط شَيْئا قَلِيلا من الفلديفيون فِي بعض العصارات والحقن السليمة فنفع مِنْهُ مَنْفَعَة عَظِيمَة لَكِن إِذا لم تدعُ الضَّرُورَة إِلَى مَا هُوَ حاد وَإِلَى مَا هُوَ حامض فَالْأولى أَن لَا يسْتَعْمل وَيجب أَن ينْتَقل أَولا إِلَى مَا هُوَ حامض ثمَّ إِلَى مَا هُوَ حاد. ثمَّ إِذا دعتك الضَّرُورَة والتأكل فَلَا تبال وَلَا بالفلديفيون وتستعمل حَاجَتك مِنْهُ. وَرُبمَا كَانَ من الصَّوَاب أَن تبدأ بِشَيْء مخدر ثمَّ تسْتَعْمل الحقن الحادة إِذا لم يحتملها العليل وَهَذِه الحادة والزرنيخية يخَاف مِنْهَا عَلَيْهَا أَن تكشط جلدَة بعد جلدَة حَتَّى تنثقب الأمعاء. وَلذَلِك يجب أَن تكون الْمُبَادرَة إِلَى اسْتِعْمَالهَا. كَمَا تعلم أَن القرحة قد فَسدتْ وَلَا تُؤخر إِلَى وَقت يخَاف مَعَه أَن يحدث ثقباً لاتساع القروح وغورها. وَاعْلَم أَن لشحم الماعز فَضِيلَة على كل مَا يجمع إِلَى الحقن من المغريات فَإِنَّهُ يبرد ويسكن اللذع ويجمد على مَوضِع الْعلَّة بِسُرْعَة وَهَذَا أَيْضا إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي أول الْعلَّة وَإِذا تأدى إِلَى الْمدَّة احتجت إِلَى التنقية ثمَّ إِلَى مَا هُوَ أقوى مِنْهَا واحتجت إِلَى أَن تهدر الدسومات والمغرّيات الحائلة بَين الدَّوَاء وَالْعلَّة وَإِذا علمت أَن القروح وسخة فنقها بِمثلِهِ مَاء الْعَسَل وَأقوى من ذَلِك مَاء الْملح وَالْمَاء الَّذِي رَبِّي فِيهِ الزَّيْتُون المملح وطبيخ السّمك الْمليح وَلَا بُد لَك مَعَ الْمدَّة من مثل أَقْرَاص الرازيانج تستعملها لَا محَالة إِذا جَاوَزت الْعلَّة الطراءة لَا يمْنَع عَنْهَا مَانع. وَأعلم أَن - الحقن الدسمة المغرّية تسكن وجع من بِهِ قرحَة فِي معاه متأكّلة وَلَكِن لايشفى إِنَّمَا يشفى مَا ينَال التأكل بالأدوية النافعة من التأكل وَهِي المنقية الجلآءة مَعَ تجفيف وَقبض. والذيَ يتَّخذ فِيهَا الأقراص فَلَا يَنْبَغِي أَن يكثر عَلَيْهَا المغرّيات والدسومات فتحول بَينهَا وَبَين التأكل. والنافعة للتأكّل رُبمَا أوجعت وآلمت وَلم يلْتَفت إِلَى ذَلِك. وَاعْلَم أثك إِذا نقّيت بالحقن الحادة فَيجب أَن تتبعها بالمدملة المتخذة من الْأَدْوِيَة والقوابض والمغرّيات وَذَلِكَ حِين تعلم أَن اللَّحْم الصَّحِيح ظهر.(2/609)
واذا اجْتمعت الْحمى والضعف والتأكّل وَكَانَت حرارة وَلم تجسر على اسْتِعْمَال مثل أَقْرَاص الزرنيخ وَحدهَا وَجب أَن تداف فِي مياه الْفَوَاكِه القابضة الْبَارِدَة كالحصرم والسماق والريباس والورد وَمِمَّا يشبه ذَلِك ثمَّ تجفف ويكرر عَلَيْهَا ذَلِك وتستعمل وَرُبمَا لم يكن بُد من خلط البنج والأفيون بهَا أَو تَقْدِيم مخدرات عَلَيْهَا وَإِعْطَاء الْمَرِيض طَعَاما قَلِيلا مَحْمُودًا. وَأكْثر مبالغ هَذِه الأقراص من نصف دِرْهَم إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَرُبمَا كَانَ الأصوب أَن تجْعَل فِي مثل مياه المبردات القابضة وَمِنْهَا العدس وجفت البلوط فَإِن هَذَا يعين فِي إِحْدَاث الخشكريشة. وَمِمَّا يشْتَد وَجَعه ومنفعته جَمِيعًا ان يحقن بأقراص الزرنيخ فِي مَاء الْملح عِنْد شدَّة غلظ الْمدَّة وَرُبمَا أغْنى المحموم والضعفاء الَّذين يشتدّ حسهم وَلَا يحْتَملُونَ الحادة من الحقن هَذَا التَّدْبِير يتداوون بِهِ فيحقنون بِمَاء الْعَسَل ثمَّ بعد أَربع سَاعَات بِمَاء الْملح ثمَّ يسقون الطين الْمَخْتُوم بخل ممزوج بِمَاء فَإِنَّهُ بُرْؤُهُ. وَمن التَّدْبِير فِي بَاب الحقن أَن يحقن قَلِيلا قَلِيلا فِي مَرَّات وَإِذا اشْتَدَّ اللذع فيتدارك بدهن الْورْد ويحقن بِهِ وَأما الحقن المستعملة لحبس الدَّم وَمنع إسهاله فَهِيَ أَحْرَى وَأقرب من حقن منع الإسهال وَقد اتخذ لَهَا أَقْرَاص أَيْضا تسْتَعْمل فِي مائياتها. ولنذكر الْآن نسخ حقن وشيافات وأقراص تقع فِي الحقن فَمن الحقن الْخَفِيفَة فِي هَذَا وَفِي الإسهال الْحَار أَن يحقن بِمَاء لِسَان الْحمل وَحده أَو مَعَ بعض الأقراص الَّتِي نذْكر أَو يحقن بالخبز السميذ والفطير مدوفاً فِي عصارة. وَمن الحقن الْخَفِيفَة أَن يُؤْخَذ مَاء الشّعير ودهن اللوز وَمَعَ الْبيض وَمَاء أرزّ مطبوخ بشحم كلى الماعز الحولي مصفّى ويلقى فِيهِ طين مختوم وَكَذَلِكَ حقنة بسلاقة الأرزّ المقلو الْمَطْبُوخ بشحم وَرُبمَا جعل مَعَه قشور الرُّمَّان والعفص وَكَذَلِكَ حقنة مَاء السويق والطين الْمَخْتُوم وَأَيْضًا حقنة نافعة عِنْد الْحَرَارَة الشَّدِيدَة يُؤْخَذ عصارة جَرَادَة القرع وبقلة الحمقاء ولسان الْحمل وعصا الرَّاعِي وحبّ الآس والعدس المصبوب عَنهُ المَاء مرَّتَيْنِ قجمع هَذِه العصارات ويخلط بهَا دهن الْورْد وإسفيذاج وطين أرمني وأقاقيا وتوتيا. وَإِن احْتِيجَ إِلَى الأفيون. جعل فِيهَا بِحَسب الْحَاجة وَالْحَال. وَمِمَّا جرب أَيْضا هنه المحقنة للسحج لمدهي أَن يُؤْخَذ اللوز وقشور الرُّمَّان والعفص والسماق وورق العليق وأصل الينبوت ويسلق بِالشرابِ حَتَّى يثخن ثمَّ يصفى ويسحق مَعَ بعض أَقْرَاص الحقن وَيجْعَل فِيهِ دهن الآس. وَأما(2/610)
الشيافات للسحج فَإِن أُمَّهَات أدويتها المر والكندر والزعفران والسندروس والشبّ والميعة وجندبادستر إِذا كَانَ أفيون والحضض والقرطاس المحرق وَدم الْأَخَوَيْنِ وَقرن الأيل المحرق والقيموليا والأطيان الَّتِي تجْرِي مَعَه والأقليميات والمرداسنج وَمَا أشبه ذَلِك وَرُبمَا احتيح إِلَى شياف للسحج والزحير: يُؤْخَذ مر كندر زعفران أفيون يعجن ببياض الْبيض. آخر: يُؤْخَذ سندروس ميعة مز زعفران أفيون يعجن بِمَاء لِسَان حمل فَإِنَّهُ نَافِع. آخر: يُؤْخَذ أفيون جندبادستر صمغ حضض يعجن بعصارة لِسَان الْحمل. وَقد يتَّخذ من أَمْثَال هَذِه الْأَدْوِيَة مراهم بدهن ورد والآسفيذاج وَيسْتَعْمل على خرق وَقطع من قطن ويدس فِي المقعدة على ميل فَإِذا اندس فِيهَا قلب الْميل حَتَّى يَسْتَوِي ذَلِك وتنقّى. نسخ الأقراص: وَأما الأقراص السحجية فَمثل أَقْرَاص الْكَوْكَب وأقراص الزرنيخ للتأكل وَيجب أَن يحفظ فِي ثجير الْعِنَب ليحفظ عَلَيْهِ الْقُوَّة. وأقراص القرطاس المحرق مِنْهَا أَن يُؤْخَذ قرطاس محرق عشرَة دَرَاهِم وَمن الزرنيخين المحرقين وقشور النّحاس والشبّ الْيَمَانِيّ والعفص والنورة الَّتِي لم تطفأ من كل وَاحِد اثْنَا عشردرهماً تتَّخذ مِنْهَا أَقْرَاص بعصارة لِسَان الْحمل كل قرص وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم وَالصَّغِير يسْتَعْمل مِنْهُ وزن دِرْهَم وَالْكَبِير قرصة وَاحِدَة بِتَمَامِهَا. قرصة آخرى: يُؤْخَذ السماق وأقماع الرُّمَّان وسقومقوطون وَهُوَ نوع من حَيّ الْعَالم وجلّنار وَحب الحصرم وقلقنت وقلقطار ورصاص محرق وإثمد من كل وَاحِد جُزْء وزنجار نصف جُزْء ويتخذ مِنْهُ أَقْرَاص. قرصة قَوِيَّة: يُؤْخَذ النورة والقلي والأقاقيا والعفص والزرنيخ مربى بالخل أَيَّامًا ويقرص وَمن نسخ الأضمدة والأطلية: وَأما الأضمدة والأطلية النافعة من ذَلِك فالأضمدة الْمَذْكُورَة فِي بَاب علاج الإسهال الْمُطلق وَقد جرّب طلاء أَقْرَاص الْكَوْكَب بِمَاء الآس فَانْتَفع بِهِ جدا. وَإِذا لم يهدأ الوجع فَأقْعدَ العليل فِي آبزن قد طبخ فِي مَائه القوابض الْمَعْلُومَة مَعَ شَيْء من شبث والحلبة والخطمي وَإِن اشْتَدَّ الْعَطش وَالْكرب فِي السحج الصفراوي إستعملت الرائب الْمَطْبُوخ وَمَاء سويق الشّعير المبردين وَإِن اشْتَدَّ الوجع حَتَّى قَارب الغشي لم يكن بُد من المخدرات. وَقبل ذَلِك فاحقن بشحم الْمعز مَعَ مَاء السويق الشعيري من غير مدافعة فَرُبمَا سكن الوجع وَانْقطع الْمَرَض بِمَا يعرض من اعْتِدَال الْخَلْط. إِن لم يسكّن فعالج بِمَا تَدْرِي وَإِن شِئْت حقنت فِي مثل ذَلِك الْوَقْت بِهَذِهِ الحقنة وَهِي أَن يُؤْخَذ مَاء كشك الشّعير والأرزّ وشحم كلى الماعز ودهن ورد وصمغ عَرَبِيّ والآسفيذاج ومح الْبيض تضرب الْجَمِيع فِي مَكَان وَاحِد. وَإِن شِئْت جعلت فِيهِ أفيوناً واستعملته. فَإِن كَانَ السحج بلغمياً فَالْوَاجِب أَن تبدأ فِي علاجه بِمَا يقطع البلغم ويخرجه ويريح مِنْهُ ويغتذي بِمثلِهِ حَتَّى يكون غذاؤ أيضاَ السّمك المالح والصباغات والخردل والسلق والمري والكواميخ وَتَكون صباغاته من مثل حب الرُّمَّان وَالزَّبِيب مَعَ الأبازير والخردل وَمَا يقطع.(2/611)
وَإِذا أَكثر من الْبُسْر المقلو مغتذياً بِهِ وَيكون قد تنَاول شَيْئا من الْأَدْوِيَة الَّتِي إِلَى الْحَرَارَة مثل الخوزي والفلافلي انْتفع بِهِ. وَقد ذكر بَعضهم أَن بعض من بِهِ قُرُوح الأمعاء انْتفع بجاوشير كَانَ يسقى كل يَوْم مَعَ السذاب ثمَّ يغتذي بالبسر المقلو فعل ذَلِك أَيَّامًا فبرأ. وَيُشبه أَن يكون ذَلِك من هَذَا الْقَبِيل. وَقد ذكرُوا أَن رجلا كَانَ يعالج الدوسنطاريا المتقادم بعلاج يقتل أَو يرِيح فِي يَوْم وَاحِد كَانَ يطعم الرجل خبزاَ ببصل حريف ويقلل شربه ذَلِك الْيَوْم ويحقنه من الْغَد بِمَاء حَار مالح ثمَّ يتبعهُ بحقنة من دَوَاء أقوى من الحقن المدملة فَإِن احْتمل وجع مَا عالجه برأَ وَإِلَّا مَاتَ وَتَكون حقنتهم مثل هَذِه الحقنة وَهِي أَن يُؤْخَذ مرزنجوش كمون ملح ورق الدهمست وَهُوَ حبّ الْغَار شب سذاب إكليل ملك من كل وَاحِد أُوقِيَّة وَمن الزَّيْت فسطان يطْبخ الزَّيْت حَتَّى يذهب ثلثه ويصفّى ؤيستعمل ذَلِك الزَّيْت حقنة وَأَيْضًا تنفعهم الحقنة بطبيخ الْأرز قد جعل فِيهِ سمك مالح. نسخه قيروطي مَوْصُوف فِي هَذَا الصِّنْف من الْعلَّة: يُؤْخَذ من التَّمْر اللحيم رطلان نصف وَمن المصطكي أُوقِيَّة وَمن الشبث الرطب سِتَّة أَوَاقٍ وَمن الصَّبْر أُوقِيَّة وَمن الشمع عشرَة أَوَاقٍ وَمن الشَّرَاب ودهن الْورْد مِقْدَار الْكِفَايَة وَقد يَجْعَل فِي بزوره الْحَرْف وخصوصاً إِذا أحس بالبرد والبلغم اللزج وَأما السحج السوداوي فَبعد تَدْبِير السَّوْدَاء وَالطحَال على مَا ذَكرْنَاهُ فِي وَبعد إصْلَاح التَّدْبِير ينفع مِنْهُ سفوف الطين. وتنفعهم الحقن الأرزية وفيهَا أفاريه عطرة وبزور حارة لينَة ومبرّدة قابضة وَيجْعَل فِيهَا من دهن الْورْد وصفرة الْبيض. أغذيتهم مَا يحسن تولد الدَّم عَنهُ. وَإِذا كَانَت القرحة خببثة لم يكن بدّ من - الحقنة بِمَاء الْملح الأندراني ثمَّ إتباعها إِن احْتِيجَ إِلَيْهِ بِمَا ينقي جدا حَتَّى يظْهر اللَّحْم الصَّحِيح ثمَّ يعالج بالمدمّلات من الحقن. والحقن الملينة لهَذِهِ مثل حقنة تقع فِيهَا الشَّوْكَة المصرية ثَلَاثَة أَجزَاء وَمن الخربق الآسود جزءان يطْبخ بِمَاء وملح أندراني. فَإِن لم ينفع ذَلِك فأقراص الزرانيخ. وَأما السحج الثفلي فيعالج بِمَا يلين الطبيعة. وَفِيه لين ودسومة وتغرية وإزلاق وَيقدم على الطَّعَام مثل صفرَة بيض نيمبرشت وَمثل مرقة الديك الْهَرم وَمثل مرق الآسفيذباج الْمُتَّخذ من الفراريج الرُّخْصَة المسمّنة وتسْتعمل الحقن الملينة من العصارات المغرية المزلقة مَعَ دهن ورد وصفرة بيض وَنَحْو ذَلِك. وَقد ينفع - إِذا طَال هَذَا السحج - أَن يُؤْخَذ بزر كتَّان وبزر قطونا وبزر مرو وبزر خطمي وَيُؤْخَذ لعابه ويسقى قبل الطَّعَام فَإِنَّهُ يجمع إِلَى الإزلاق إسكاناً للوجع وتغرية ويناول الإجاص قبل الطَّعَام فَرُبمَا أَزَال هَذَا الْعَارِض. وَأما السحج الْكَائِن عقيب شرب الدَّوَاء فينفع مِنْهُ شرب الْأَدْوِيَة المبردة المغرية الْمَذْكُورَة وينقع وينفع مِنْهُ جداَ أَن يحقن بِسمن الْبَقر الطري الْجيد قد جعل فِيهِ شَيْء من دم(2/612)
أَخَوَيْنِ صَالح وَقد ينْتَفع بمرقة بطُون الْبَقر فِي بعض السحج المراري وَلَيْسَ هُوَ بدواء جَامع. فصل فِي علاج الإسهال الْكَائِن بِسَبَب الأغذية العلاج الْمَعْلُوم لَهُ أَولا أَن لَا يمْنَع من إنحدارها مَا لم يحدث هيضة قَوِيَّة مفرطة أما إِذا. كَانَ من كَثْرَة الْغذَاء فعل ذَلِك وَاسْتعْمل الْجُوع بعده. فَإِذا انحدر تنَاول بعض الربوب القابضة وَإِن حدث ضعف تنَاول الخوزي أَو سفوف حبّ رمان. وَإِن أحسّ بِضعْف فِي الْمعدة مَعَ مَا اتّفق من الْإِكْثَار وَدلّ عَلَيْهِ مَا يحدث من القراقر والنفخ أَخذ من الجلنار والكندر والنانخواة أَجزَاء سَوَاء تعجن بزبيب مدقوق بعجمه وَيَأْخُذ مِنْهُ كل غَدَاة مِقْدَار جوزة وَأَيْضًا يَأْخُذ دَوَاء الوج والكزمازج الْمَذْكُور فِي الأقراباذين. وَأما إِن كَانَ من فَسَاد الأغذية فِي نَفسهَا ووقتها ولكيفيات رَدِيئَة فِيهَا أَو سرعَة اسْتِحَالَة فِيهَا فَيجب أَن يتَنَاوَل بعْدهَا أغذية حَسَنَة الكيموس قابضة وتعالج الْأَثر الْبَاقِي من الْحر وَالْبرد بِمَا تعلم من الجوارشنات القابضة الْبَارِدَة والحارة. وَإِن كَانَ السَّبَب لزوجتها وزلقها هجرها إِلَى مَا فِيهِ مَعَ الخفة قبض. وَأما حرهَا وبردها فعلى مَا يُوجِبهُ فَإِن كَانَ السَّبَب تَقْدِيم المزلق قدّم الْقَابِض. وَإِن كَانَ السَّبَب تآخر مَا يسْرع هضمه غير التَّدْبِير وَتَنَاول الطباشير بِبَعْض الربوب لتصلح الْمعدة من أثر مَا ضرها فغيرها فَإِنَّهُ فِي الْأَكْثَر يحدث سخونة. وَإِن حدثت فِي الندرة برودة لحموضة الطَّعَام فِي بعض أَحْوَال مثل هَذِه التدابير تنَاول الطباشير بالخوزي. وَإِن كَانَ السَّبَب قلَّة الطَّعَام أَو لطافة جوهره تغذى بعده باللحوم الغليظة مصوصات وقرائص ومخلّلات والسمك الممقور وَنَحْوه وَإِن خَافَ مَعَ ذَلِك ضعفا فِي الهضم بردهَا. فصل فِي علاج الإسهال الدماغي يجب أَن لَا ينَام صَاحبه الْبَتَّةَ على الْقَفَا وَإِذا انتبه من النّوم فَيجب عَلَيْهِ أَن يسْتَعْمل الْقَيْء ليخرج الْخَلْط المنصبّ إِلَى الْمعدة من الرَّأْس الْفَاعِل للإسهال وَأَن يسْتَعْمل مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب النزلة من حلق الرَّأْس ودلكه بالأشياء الخشنة من كمادات الرَّأْس وَاسْتِعْمَال المحمرة والكاوية عَلَيْهِ ومَن تقويته وَإِصْلَاح مزاجه. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى الكي. وَلَا يجب أَن يشْتَغل بحبسه عَن الْمعدة بالأدوية القابضة فيعظم خطره بل يجب أَن يخرج مَا يجْتَمع من فَوق بالقيء وَمَا ينزل من طَرِيق الأمعاء وَلَو بالحقن وَيحبس مَا ينزل مِنْهُ إِلَى الْبَطن لَا بِمَا يقبض فَيحْبس فِي الْبَطن بل بِمثل مَا يحبس بِهِ عَن الصَّدْر مِمَّا ذَكرْنَاهُ فِي بَابه وَمِمَّا عَرفْنَاهُ فِي(2/613)
(فصل فِي علاج الإسهال السددي)
الإسهال السددي أَكْثَره كَائِن بأدوار كَانَ عَن الْبدن كُله أَو كَانَ عَن سدد فِي الكبد أَو بَين الكبد والمعدة فَمن الْخَطَأ إِيقَاع الزِّيَادَة فِي السدد بالقوابض بل يجب أَن يعان المندفع عَن السدّة بالآستفراغ فَإِذا خلت المسالك عَنهُ سرحت الْأَدْوِيَة المفتحة إِلَى السدد لتفتحها وَرُبمَا احْتِيجَ فِي تفتيح السدد إِلَى مسهل قوي يجذب الْموَاد الغليظة المؤدية للسدد وَإِلَى حقن قَوِيَّة الجذب. والتفتيح والقيء من أَنْفَع مَا يكون لذَلِك إِذا وَقع من تِلْقَاء نَفسه كَمَا شهد بِهِ أبقراط. وَالصَّوَاب لصَاحب هَذِه الْعلَّة أَن يَأ كل غذاءه فِي مَرَّات لَا فِي مرّة وَاحِدَة وَيَأْكُل فِي كل مرّة الْقدر الَّذِي يُصِيبهُ من غذائه ثمَّ يجب أَن يفرق وَيجب أَن يتبغ غذاءه بِمَا يعين على التَّنْفِيذ بِسُرْعَة وتفتيح السدد للغذاء. وَأفضل ذَلِك كُله عِنْد جالينوس هُوَ الفوذنجي وَيُعْطى مِنْهُ قبل الطَّعَام إِلَى مِثْقَال وءاذا انهضم الطَّعَام أعْطى أَيْضا قدر نصف دِرْهَم. وَالشرَاب الْعَتِيق الْقوي الرَّقِيق جيد جدا إِذا اسْتعْمل بعد الطَّعَام. والترياق أَنْفَع شَيْء لذَلِك. وَإِذا صَحَّ انهضام الطَّعَام استحم. وَأما الدَّلْك فَيجب أَن لَا يفتر فِيهِ قبل الطَّعَام وَبعده وَإِذا ضعف الْبدن احْتِيجَ إِلَى دلك شَدِيد بالخرق الخشنة لِلظهْرِ والبطن وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يطلى بدنه بالزفت بالأدوية المحمّرة. وَيجب أَن لَا يحجبتك هزال الْبدن عَن ذَلِك فَإنَّك إِذا عالجته وَفتحت سدده وأسهلت الأخلاط السَّادة نفذ الْغذَاء إِلَى بدنه وَلم يعرض ذرب بعد ذَلِك وَقَوي بدنه. فصل فِي علاج الإسهال الذوباني أما فِي مثل الدق والسل وَمَا يجْرِي هَذَا المجرى فَلَا يطْمع فِي معالجته إلاكالطمع فِي معالجة سَببه. وَأما مَا كَانَ دون ذَلِك فيعالج الْبدن بالمبردات المرطبة والأهوية والنطولات بِحَسب ذَلِك ويطفأ بِمثل أَقْرَاص الطباشير وأقراص الكافور بالأطلية والأشمدة المبرّدة على الصَّدْر وَالْقلب والكبد وَيجْعَل الأغذية من جنس اللحوم الْخَفِيفَة هلاملت وقريصات ومصوصات وَدم السّمك سكباجاً بِالْحلِّ وَالْخبْز السميذ الْجيد العجن والتخمير. وَالْخبْز إِذا قلي رُبمَا اتخذ مِنْهُ حسو مخلوط بالصمغ والنشاء وَكَذَلِكَ الحماضية وَنَحْو ذَلِك. وَلَا يحبس الاندفاع دفْعَة وَاحِدَة بل يحبس بالتدريج بِمثل هَذِه المعالجات وبأقراص الطباشير الممسكة خَاصَّة وأقراص على هَذِه الصّفة. وير أَن يُؤْخَذ الطين الأرمني والطباشير والشاهبلوط وبزر الحماض المقشر والأمبر باريس والورد والصمغ المقلو والسرطانات المحرقة يدق الْجَمِيع ويعجن بِمَاء السرجل وَيسْتَعْمل.(2/614)
فصل فِي علاج الإسهال الْكَائِن عَن التكاثف قد أَشَرنَا إِلَى علاجه حَيْثُ عرفنَا تَدْبِير جذب الْموَاد الامتلائية إِلَى ظَاهر الْبدن وَالْأولَى أَن تخرج الأخلاط بالفصد والإسهال الْمُنَاسب الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ وَيسْتَعْمل الحمامات بمياه مفتحة وَهِي الَّتِي طبخ فِيهَا المفتحات وبالغسولات المفتحة وَيكثر من آبزنات اليرقان إِن كَانَ التكاثف شَدِيدا وَيسْتَعْمل الدَّلْك بالمناديل الخشنة وبالليف حَتَّى يحمر الْجلد ثمَّ يصب عَلَيْهِ المَاء الْحَار والمياه الَّتِي فِيهَا قُوَّة مفتحة مِمَّا ذكرنَا انفاً. فصل فِي علاج الهيضة: للهيضة تَدْبِير فِي أول مَا تتحرك وتدبير فِي وسط حركتها وتدبير عِنْد هيجانها الرَّدِيء وعصيانها الْخَبيث وحركة أعراضها المخوفة إِذا ظَهرت عَلَامَات الهيضة وَأخذ الجشاء يتَغَيَّر عَن حَاله ويحس فِي الْمعدة بثقل وَفِي الأمعاء بوخز وَرُبمَا كَانَ مَعهَا غثيان فَيجب أَن لَا يتَنَاوَل عَلَيْهِ شَيْء الْبَتَّةَ وَلَا بعد ذَلِك إِلَّا عِنْدَمَا يخَاف سُقُوط الْقُوَّة فيدبر بِمَا سَنذكرُهُ. فَأول مَا يَنْبَغِي أَن يعْمل بِهِ هُوَ قذفه بالقيء إِن كَانَ الطَّعَام يعدّ قَرِيبا من فَوق وَإِن لم يكن كَذَلِك اتبع بِمَا يحدره مِمَّا يلين الْبَطن وَأَن يكون الملين والقيء بِقدر مَا يخرج ذَلِك الْقدر دون أَن يخرج فضلا عَلَيْهِ أَو شَيْئا غَرِيبا عَنهُ. وَيجب أَن يقذفوا بِمَا لَيْسَ فِيهِ خلَّتَانِ إرخاء الْمعدة وإضعاف قوتها مثل مَا فِي دهن الْخلّ وَمثل دهن الزَّيْت وَالْمَاء الْحَار وَلَا فِيهِ تغذية وهم مفتقرون إِلَى ضد التغذية مثل مَاء الْعَسَل والسكنجبين الحلو بِالْمَاءِ الْحَار إِلَّا لضَرُورَة بل مثل المَاء الْحَار وَحده أَو مَعَ قَلِيل من البورق أَو بالملح النفطي أَو مَاء حارمع قَلِيل كمون. وَكَذَلِكَ إِن كَانُوا يتقيئون بِأَنْفسِهِم فيعتريهم تهوع غير محبب فيؤذيهم فهناك أَيْضا يجب أَن يعالجوا فَإِن أبقراط ذكر أَن الْقَيْء قد يمْنَع بالقيء والإسهال قد يمْنَع بالإسهال والقيء يمْنَع بالإسهال والإسهال يمْنَع بالقيء. وإسهاله يجب أَن يكون مَحْمُودًا خَفِيفا من الترنجبين وَالسكر وَالْملح أَو بحقنة خَفِيفَة من مَاء السلق سِتِّينَ درهما والبورق عَلَيْهِ مِقْدَار مِثْقَال وَالسكر الْأَحْمَر مِقْدَار عشرَة دَرَاهِم ودهن الْورْد أَو الْخلّ مِقْدَار سَبْعَة دَرَاهِم أَو بِشَيْء يشرب مثل الكمون فلإنه نَافِع جدا فِي هَذَا الْموضع. وَإِذا علمت أَن الْموَاد فِي الْبدن صفراوية هائجة وَأَنَّهَا رُبمَا كَانَت من المعاون على حُدُوث الهيضة وَلَيْسَ الْخَوْف كُله من الْغذَاء لم تَجِد بدا من تبريد الْمعدة حِينَئِذٍ من خَارج بِمَا يبرد وَلَو بالثلج بعد مَعُونَة على الْقَيْء إِن مَال إِلَيْهِ بِقدر مُحْتَمل وَفِي ذَلِك التبريد تسكين للعطش إِن كَانَ وَإِذا أمعن الْقَيْء فمما يحْبسهُ أَيْضا تبريد الْمعدة بِمثل ذَلِك وَوضع المحاجم على الْبَطن بِغَيْر شَرط.(2/615)
وَإِن كَانَ الْبَارِد الْمبرد من عصارة الْفَوَاكِه كَانَ أَيْضا أَنْفَع. وَإِن خلط بهَا صندل وكافور وَورد وطلي بهَا المراق كَانَ نَافِعًا. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى شدّ الْأَطْرَاف وَإِن لم تكن حرارة قَوِيَّة عولج بدواء الطين النَّيْسَابُورِي الْمَذْكُور فِي الأقراباذين ثمَّ يجب أَن يُرَاعى مَا يخرج كيلوس وَشَيْء مجانس لَهُ وَطَعَام لم يجز حَبسه الْبَتَّةَ بِوَجْه من الْوُجُوه فَإِن فِيهِ خطراً عَظِيما. فَإِذا تغير عَن ذَلِك تغيراً يكَاد يفحش وَجب حَبسه وَذَلِكَ حِين مَا يخرج شي خراطي لزج أَو مري أَو غيرذلك مِمَّا يضعف الْبدن ويؤثر فِي النبض ويجعله متواتراً على غير اعْتِدَال ومنخفضاً وَيظْهر فِي الْبدن كالهزال وَفِي المراق كالتشنج وَرُبمَا حدث حمّى وعطش فَدلَّ على أَن الآستطلاق انْتقل إِلَى الصَّحِيح. وَيَنْبَغِي أَن يستعان فِي حَبسه بالربوب القابضة رربما طببت بِمثل النعناع وَإِن قذفوها أُعِيدَت عَلَيْهِم وأعطوها قَلِيلا قَلِيلا وَلَا يجب أَن يكف عَن سقيهم الْأَدْوِيَة الحابسة والربوب القابضة بِسَبَب قذفهم بل يجب أَن يُكَرر عَلَيْهِم وينتقل من دَوَاء إِلَى آخر وَتَكون كلهَا معدة وَمَاء الْورْد المسخن يُقَوي معدهم وينفع من مرضهم. وَهَذِه الربوب يجب أَن لَا تكون من الحموضات بِحَيْثُ تلذع معدهم أَيْضا فَتَصِير معاونة للمادة بل إِن كَانَ بهَا شَيْء من ذَلِك كسر بِشَيْء لَيْسَ من جنس مَا يُطلق أوبقيء. والحموضات موقعات فِي السحج وَكَذَلِكَ مَا كَانَ شَدِيد الْبُرُودَة من الْأَشْرِبَة بِالْفِعْلِ رُبمَا لم يوافقهم لما يقرع الْمعدة وَأكْثر مَا يُوَافق مثله الصفراوي مِنْهَا فَيجب أَن يجرب حَال قبولهم لَهُ. وشراب النعناع الْمُتَّخذ من مَاء الرُّمَّان المعصور بشحمه مَعَ شَيْء من النعناع الْجيد يمْنَع قيأهم وَكَذَلِكَ مَاء الرُّمَّان الحامض قد جعل فِيهِ شَيْء من الطين الطيّب الْمَأْكُول وَكثير مِنْهُم إِذا شرب المَاء الْحَار الْقوي الْحَرَارَة انتشرت الْقُوَّة فِي عروقه فارتدت الْموَاد المنصبة إِلَى الْعُرُوق وَيجب أَن يفزع أَيْضا إِلَى الكمّادات والمروخات من الأدهان الَّتِى فِيهَا تَقْوِيَة وَقبض وتسخين لطيف على الشراسيف مثل دهن الناردين والسوسن والنرجس ودهن الْورْد أَيْضا والدهن المغلي فِيهِ المصطكي فَإِنَّهُ نَافِع جدا. نُسْخَة مروخ جيد لَهُم: خُصُوصا لمن كَانَت هيضته عَن طَعَام غليظ وَأما المفاصل والعضل فتدهن بِمثل دهن الْورْد الطّيب وبمثل دهن البنفسج بشمع قَلِيل وَفِي الشتَاء بدهن الناردين والشمع الْقَلِيل وتضمد معدهم با لأضمدة القابضة المبردة الشَّدِيدَة الْقَبْض وفيهَا عطرية مِمَّا قد عَرفته وَإِذا أوجب عَلَيْك الْخَوْف أَن تمنع الهيضة وَلم تستفرغ جَمِيع مَا يجب استفراغه عَن طَعَام فَاسد أَو خلطَ رَدِيء هائج فَيجب أَن تعدله بالأغذية الكاسرة لَهُ وتستفرغه بعد أَيَّام بِمَا يَلِيق بِهِ وَإِذا أحسست بِأَن السَّبَب كُله لَيْسَ من الْغذَاء لَكِن هُنَاكَ مَعُونَة من برد الْمعدة دبرت لحبس قيئهم بعد قذفهم الْمِقْدَار الَّذِي يجب قذفه بشراب النعناع ممزوجاً بالميبة الْقَلِيل أَو بفوة من الْعود وَجعلت(2/616)
أضمدتهم أميل إِلَى التسخين وَجعلت مَا تنومهم عَلَيْهِ من الْغذَاء مخلوطاً بِهِ فوّه من القراح وَمَعَهَا أفاويه بِقدر مَا يحبس وَالْخبْز المنقوع فِي النَّبِيذ أَيْضا. فَإِذا فعل بِصَاحِب هَذَا الْعَارِض من السَّقْي والتضميد مَا ذَكرْنَاهُ فَالْوَاجِب أَن يحتال فِي تنويمه على فرَاش وطيء بِالْخَيْلِ المنوّمة والأراجيح والأغاني والغمز الْخَفِيف بِحَسب مَا ينَام عَلَيْهِ وَبِمَا نذكرهُ فِي تنويم من يغلب عَلَيْهِ السهر. وَيجب أَن يكون مَوْضِعه موضعا لَا ضوء فِيهِ كثيراَ وَلَا برد فَإِن الْبرد يدْفع أخلاطهم إِلَى دَاخل وحاجتنا إِلَى جذبها إِلَى خَارج ماسة. فَإِن أَخذ النبض يصغر وَرَأَيْت شَيْئا من أثر التشنج أَو الفواق بادرت فسقيته شَيْئا من الشَّرَاب الريحاني الَّذِي فِيهِ قبض مَا مَعَ مَاء السفرجل والكعك أَو لباب الْخبز السميذ حاراً مَا أمكن وَإِن احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى من ذَلِك أَخذ لحم كثير من اللَّحْم الرُّخص الناعم من الطير والحملان ودق وَجعل كَمَا هُوَ فِي قدر وطبخ طبخاً مَا إِلَى أَن يُرْسل مائية ويكاد يسترجعها ثمَّ يعصر عصراً قَوِيا ثمَّ يطْبخ مَا انعصر مِنْهُ قَلِيلا ويحمض بِشَيْء من الْفَوَاكِه المبردة. وَخَيرهَا الرُّمَّان والسفرجل. وَمن النَّاس من يَجْعَل فِيهِ شَيْئا خفِيا من الشَّرَاب ويحسى وَإِن مرس فِيهِ خبز قَلِيل لم يكن بِهِ بَأْس ثمَّ ينوم عَلَيْهِ. وَلَا بَأْس لَهُم بالعنب الْمُعَلق الَّذِي أَخذ الزَّمَان مِنْهُ إِذا اشتهوه وينالوا مِنْهُ قَلِيلا ماضغين لَهُ بعجمه مضغاً جيدا. فَإِن كَانَ لَا يحتبس فِي معدهم شَيْء من ذَلِك وَغَيره ويميلون إِلَى الْقَذْف فَركب على أَسْفَل بطنهم محجمة كَبِيرَة عِنْد السُّرَّة بِلَا شَرط فَإِن لم تقف عَلَيْهَا فعلى مَا بَين الْكَتِفَيْنِ مائلاً إِلَى أَسْفَل وَإِن أمكن تنويمه كَذَلِك كَانَ صَوَابا. وَإِن كَانَ الْميل هُوَ إِلَى أَسْفَل ربطت تَحت إبطه وعضديه ونومته إِن أمكن وَإِذا نبهه وجع المحجمة أَو الْعِصَابَة فأعدهما عَلَيْهِ وَلَا تفتّرهما إِلَى أَن تأمن وَيَأْخُذ الْغذَاء فِي الانحدار عَن الْقَيْء أَو. يسكن حَرَكَة الانحدار فِي الإسهال فَحِينَئِذٍ ترخي أَيهمَا شِئْت قَلِيلا قَلِيلا. وَإِن كَانَ لَا يقبل شَيْئا بل يسهله فاجمع فِي تغذيته بَين القوابض وَبَين مَا فِيهِ تخدير مَا مثل النشاء المقلو يَجْعَل فِي طبيخ قشور الخشخاش وَيجْعَل عَلَيْهِ سكّ مسك وَلَا يَجْعَل فِيهِ الْحَلَاوَة فَإِن الْحَلَاوَة رُبمَا صَارَت سَببا للكراهة واللين والإسهال وانطلاق الطبيعة فَإِذا أَعْطيته مثل هَذَا نومته عَلَيْهِ فَإِن كَانَ هُنَاكَ قيء فَاتبع ذَلِك بملعقة من شراب النعناء أَو بِهِ. وَإِن كَانَ إسهال فقدّم عَلَيْهِ مص مَاء السفرجل الْقَابِض والزعرور والكمّثري الصيني والتفاح وَيجب أَن لَا تفارقهم الروائح المقوّية ويجرّب عَلَيْهِم فأيتها حركت مِنْهُم - تقلب النَّفس نحى إِلَى غَيرهَا وَرُبمَا كره بَعضهم رَائِحَة الْخبز وَرُبمَا إلتذ بهَا بَعضهم وَرُبمَا كره بَعضهم(2/617)
رَائِحَة المرق وَرُبمَا إلتذّ بهَا بَعضهم. وَكَذَلِكَ الشَّرَاب وَكَذَلِكَ البخور. وَأما رَائِحَة الْفَوَاكِه فأكثرهم يقبلونها وَيجب أَن لَا تطعمهم شَيْئا مَا لم يصدق الْجُوع فَإِن جَاعُوا قبل النَّقَاء لم يطعموا بل أدخلُوا الْحمام وصب على رُؤْسهمْ مَاء فاتر وآخرجوا وَلم يمكثوا. فَإِن ظهر التشنّج فَاسْتعْمل على المفاصل القيروطيات الملينة حارة غواصة وَتَكون فِي الشتَاء بدهن الناردين والسوسن. وَفِي الصَّيف بدهن الْورْد والبنفسج وَكَذَلِكَ ألق عَلَيْهَا خرقاً مغموسة فِي أدهان مرطبة ملينة وَفِي الزَّيْت أَيْضا وَيجب أَن تعتني بفكيه فَلَا يزَال يرخى مَوضِع الزرفين والعضل المحرّك للحي الآسفل إِلَى فَوق بالقيروطيات وَإِذا سكنت ثائرة الهيضة وناموا وانتبهوا فاسقهم شَيْئا من الربوب وأدخلهم الْحمام بِرِفْق وَلَا يكثرون اللّّبْث فِيهِ بل قدر مَا ينالون من رُطُوبَة الْحمام ثمَّ تخرجهم وتعطرهم وتغذوهم غذَاء قَلِيلا خَفِيفا حسن الكيموس وترفههم وَلَا تَدعهُمْ يشربون كثير مَاء أَو يقربون المَاء وَالشرَاب أَو ينالون القوابض على الطَّعَام. وَبعد ذَلِك فَتدبر فِي تَقْوِيَة معدتهم بِمثل أَقْرَاص الْورْد الصَّغِير وَالْكَبِير وبمثل الجلنجين والطباشير وَمثل الخوزي. وَكَثِيرًا مَا يصير الْحمام سَببا لانتشار الأخلاط ومادة هيضة فصل فِي تَدْبِير الإسهال الدوائي هَذَا قد أفردنا لَهُ بَابا حَيْثُ ذكرنَا تَدْبِير الْأَدْوِيَة المسهلة والمقيئة وتدبير اسْتِعْمَالهَا وَلَكِن مَعَ ذَلِك فَإنَّا نقُول على اخْتِصَار أَنه فِي ابْتِدَائه يجب أَن يعالج بالأدهان والألبان وخصوصاً إِذا احتيل فِي الألبان بِأَن تكون قابضة والأدهان بِأَن يكون فِيهَا شَيْء يسير من ذَلِك فَإِن هَذِه تعدّل السَّبَب الْفَاعِل للذع. وَرُبمَا اقْتصر فِي أول الِابْتِدَاء على اللَّبن والدهن وَالْمَاء الْحَار وَرُبمَا كَانَ الشفا فِي شرب هَذِه دفْعَة على دفْعَة وَشرب المَاء الْحَار وخصوصاً إِذا لحج من جَوْهَر الدَّوَاء شَيْء بالمعدة والأمعاء فَإِنَّهُ يزِيل عاديته ثمَّ إِذا اتبع ذَلِك بحقنة مغرية معدلة أَو غذَاء كَذَلِك نفع وَدخُول الْحمام رُبمَا يقطع الإسهال. فصل فِي تَدْبِير الإسهال البحراني لَا يجب أَن يحبس البحراني إِذا لم يؤد إِلَى خطر فَإِذا أفرط عولج بقريب مِمَّا يعالج بِهِ الهيضة إِلَّا أَنه لَا يجب أَن يطعم مَاء اللَّحْم إِن كَانَت الْعلَّة حادة جدا بل يطعم مَا فِيهِ تبريد وتغليظ مثل حسو متخذ من سويق الشّعير وَسَوِيق التفاح فَإِن احْتمل اللَّحْم غذّي بِمثل السّمك الْمَطْبُوخ بحب الرُّمَّان أَو مَائه المبزر بالقوابض من الكزبرة المحللة المجفّفة وَنَحْوهَا. فصل فِي الزحير أول مَا يجب أَن تعلم من حَال الزحير أَنه هَل هُوَ زحير حقّ أَو زحير بَاطِل. والزحير الْبَاطِل أَن يكون وَرَاء المقعدة ثفل يَابِس محتبس وَرُبمَا انعصر مِنْهُ شَيْء(2/618)
وَرُبمَا جرد المعي بِمَا يتَكَلَّف من تحريكه فَرُبمَا كَانَ ذَلِك وَظن أَن هُنَاكَ زحيراً. فَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك فَيجب أَن تعالجه بالحقن اللينة والشيافات اللذاعة. فَإِن لم ينجب بالحقن اللينة حددتها مَعَ لينها ورطوبتها تحديداً مَا ليخرج الجاف مِنْهُ. ثمَّ إِن احتجت فِي الْبَاقِي إِلَى لين رُطُوبَة ساذجة اقتصرت عَلَيْهِمَا. وَرُبمَا احتجت إِلَى شرب حب الْمقل أَو صمغ البطم إِن كَانَ هُنَاكَ غلظ مَادَّة. وَإِن كَانَت هُنَاكَ حرارة احتجت إِلَى مثل الْخِيَار شنبر وشراب البنفسج وَنَحْوه وَإِلَى مثل الحبّ الْمُتَّخذ من الْخِيَار شنبر بربّ السوس والكثيراء. فَأَما إِن كَانَ زحير حق فَإِن كَانَ سَببه بردا أصَاب المقعدة عالجته بالتكميدات بالخرق الحارة أَو النخاله المسخّنة يكمّد بهَا المقعدة والعجزان والعانة والحالبان وَيجْلس على جاورس وملح مسخنين فِي صرة أَو يكمد بإسفنج وَمَاء جَار أَو بإسفنج يَابِس مسخن وتدهنه بقيروطي من بعض الأدهان الحارة القابضة ويدفأ مَكَانَهُ وَأَن تطليه بشراب مسخن وبزيت الأنفاق أَو تَأمره بِأَن يدْخل الْحمام الْحَار وَيقْعد على أَرض حارة. وَأعلم أَن الْبرد يضر بالزحير فِي أَكثر الْأَحْوَال. وَكَذَلِكَ فَإِن التسخين اللَّطِيف ينفع مِنْهُ فِي أَكثر الْأَحْوَال ولذاك فَإِن أَكثر أَنْوَاع الزحير ينفعها التكميد كَمَا وَأكْثر أَنْوَاعه يَضرهَا تنَاول الأغذية الَّتِي تولد كيموساً غليظاَ ولزوجة. فَإِن كَانَ سَببه صلابة شَيْء تعاطاه الْإِنْسَان أرخاه بقيروطي من دهن الشبث والبابونج بالمقل والشمع أَو بِزَيْت حَار يَجْعَل فِيهِ إسفنجة وَيقرب من الْموضع. وَإِن كَانَ سَببه ورماَ حاراً فاهتم بِحَبْس مَا يجْرِي إِلَى الورم فِي طَرِيق الْعُرُوق أَو من طَرِيق الإسهال وتدبير الورم وتعديل الْخَلْط الْحَار. وَيجب أَن يعالج فِي ابْتِدَائه بالفصد إِن وَجب وبتقليل الْغذَاء جدا. بل يَصُوم إِن أمكنه يَوْمَيْنِ وَأَن يسْتَعْمل عَلَيْهِ فِي الأول الْمِيَاه والنطولات الَّتِي تميل إِلَى برد مَا مَعَ إرخاء وتمنع مَا ينصب إِلَيْهِ وَمَا ينفع من ذَلِك لبدة مغموسة فِي مَاء الآس والورد مَعَ الْحِنَّاء الْقَلِيل ويحقن أَيْضا فِي الأول بِمثل مَاء الشّعير وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الْورْد ودهن الْورْد وَبَيَاض الْبيض وَإِن كَانَ المنصب إسهالاً حَبسته بِمَا تَدْرِي ثمَّ نطلت وضمدت بالمرخيات من البابونج والشبث مخلوطة بِمَا تعرفه من القوابض ثمَّ تسْتَعْمل المنضجات. وَإِن كَانَ هُنَاكَ جمع اسْتعْمل المفتحات بعد النضج وَقد علمت جَمِيع ذَلِك فِي الْمَوَاضِع السالفة. وَقد تَنْفَع الحقنة بالزيت الحلو مطبوخاً بِشَيْء من القوابض وَإِذا تغذى فأجود مَا يغتذي بِهِ اللَّبن الحليب الْمَطْبُوخ فَإِنَّهُ يحبس السيلان من فَوق ويليّن الْموضع.(2/619)
وَمن الْأَدْوِيَة الجيدة إِذا أردْت الإنضاج والتحليل وتسكَين الوجع ضماد الحلبة والخبازي وضماد إكليل الْملك وضماد من الكرنب الْمَطْبُوخ. فَإِن احْتِيجَ إِلَى أقوى مِنْهُ جعل مَعَه قَلِيل بصل مشوي وَقَلِيل مقل. وَمن المراهم المجرّبة عِنْدَمَا يكون الورم ملتهباً مؤلماً أَن يُؤْخَذ من الرصاص المحرق المصول وَمن إسفيذاج الرصاص الْمَعْمُول بالنارنج وَمن المرداسنج المربى أَجزَاء سَوَاء ويعجن بصفرة بيض ودهن ورد متناهٍ بَالغ وَإِن شِئْت قطرت عَلَيْهِ مَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء الكزبرة وَإِن شِئْت زِدْت فِيهِ الأقليميات. وَقد يَنْفَعهُمْ أَيْضا القيموليا وَحده بصفرة بيض ودهن ورد. فَإِن كَانَ سَبَب الزحير ورماً صلباً عالجته بِمَا تعرفه من علاج الأورام الصلبة. وَمِمَّا جرب فِي ذَلِك أَن يُؤْخَذ الْمقل والزعفران والحنّاء والخيري الْأَصْفَر الْيَابِس وإسفيذاج الرصاص ثمَّ يجمع ذَلِك بإهال شحوم الدَّجَاج والبط ومخ سَاق الْبَقر وخصوصاً الأيل من الْبَقر مخلوطاً بصفرة بيض ودهن ورد ودهن الخيري ويتخذ مِنْهُ مرهم. وَأما إِن كَانَ سَببه خلطاً عفناً متسرباً هُنَاكَ من بلغم أَو مرار فَإِن كَانَ بلغماً لزجاً عّالجته بالعسل. وأجوده بِمثل مَاء الزَّيْتُون المملوح يحقن بِقدر نصف رَطْل مِنْهُ حَتَّى يخرج مَا يكون هُنَاكَ أَو بحقنة من عصارة ورق السلق مَعَ قُوَّة من بنفسج وَتَربد ثمَّ عالجته بمسكّنات الأوجاع من شيافات الزحير وَرُبمَا أحْوج البلغمي إِلَى شرب حب المنتن وَإِن كَانَ السَّبَب بَقِيَّة مِمَّا كَانَ ينحدر وقيأ فَإِن كَانَ هُنَاكَ إسهال حَبسته. وَإِذا حبست نظرت فَإِن كَانَ العليل يحْتَمل وَكَانَ الإسهال لَا يخْشَى مَعَه عودة حقنت بأخف مَا تقدر عَلَيْهِ أَو حملت شيافة من بنفسج مَعَ قَلِيل ملح إِن كَانَت الْمَادَّة صفراوية أَو من عسل الخيارشنبر الْمَعْقُود مَعَ قَلِيل بورق وَتَربد. وَإِن كَانَت الْمَادَّة بلغمية وَلم تجسر على ذَلِك دافعته بِمَا يُرْخِي ويخدر ويسكن الوجع من النطولات وَمن الشيافات. وَإِذا استصعب الزحير وَلم تكن هُنَاكَ مَادَّة تخرج وأنما هُوَ قيام كثير متواتر فَرُبمَا كَانَ سَببه ورماً صلباً وَرُبمَا كَانَ بردا لَازِما فأدم تكميده بصوف مبلول بدهن مسخن مثل دهن الْورْد ودهن الآس ودهن البنفسج والبابونج وَقَلِيل شراب وَأُصِيب بذلك الدّهن الشرج والعانة والخصية. فَإِن لم يسكن فاحقنه بدهن الشيرج المفتر وِليمسكه سَاعَات فَإِنَّهُ شِفَاء لَهُ. وَهَذَا تَدْبِير ذكره الْأَولونَ وانتحله بعض المتآخرين وَقد جربناه وَهُوَ شَدِيد النَّفْع. وَإِن كَانَ عَن قُرُوح وتأكل نظرت فَإِن كَانَت الطبيعة صلبة لم ترض بيبسها بل اجتهدت فِي تليينها بمعتدل مزلق لَا يحدّ البرَاز فَإِن يبس البرَاز فِي مثل هَذَا الْموضع رَدِيء جدا. وَيجب أَن لَا يغتذوا بمز وَلَا مالح وَلَا حريف وَلَا حامض جدا فَإِن هَذَا كُله يَجْعَل البرَاز مؤلماً. لذاعاً ساحجاً. وَبِالْجُمْلَةِ يجب أَن تعالجه بعلاج تأكّل الأمعاء وقلاعها معولاً على الشيافات(2/620)
فَإِن احتجت إِلَى تنقية بدأت بحقنة من مَاء الْعَسَل مَعَ قَلِيل ملح تمزجه بِهِ وَأَن تكون حقنته هَذِه حقنة لَا تعلو فِي الأمعاء أَو اتَّخذت شيافة من عسل وبورق واستعملتها ثمَّ اشتغلت بعلاج القروح. وَإِن كَانَ عَن بواسير ونواصير وشقاق عَالَجت السَّبَب بِمَا نذكرهُ فِي بَابه إِن شَاءَ الله. فصل فِي الشيافات الَّتِي تحْتَمل للزحير أما الشيافات الَّتِي تحْتَمل للزحير فأجودها مَا كَانَ أَشد قبضا مِنْهَا شياف الآسكندر الْمَعْرُوف وَمِنْهَا شياف السندروس وَمِنْهَا شيافات كَثِيرَة من الَّتِي فِيهَا تخدير قد ذَكرنَاهَا فِي علاج القروح. نُسْخَة شياف للزحير: يُؤْخَذ أفيون جندبيدستر كندر زعفران يتَّخذ مِنْهَا شياف ويتحمل. وَأَيْضًا عفص فج أسفيذاج الرصاص كندر دم أَخَوَيْنِ أفيون. وَأما الأضمدة فَهِيَ أضمدة تتَّخذ من صفرَة بيض وَمن لبّ السميذ وَمن البابونج أَو مائا المعصور من رطبه والشبث الْيَابِس والخطمي ولعاب بزر كتَّان وَنَحْو ذَلِك. وَمن جيد مَا يضمد بِهِ مقعدته الكرّاث الشَّامي المسلوق مَعَ سمن الْبَقر ودهن الْورْد وَقَلِيل من شمع مصفى. وَأما البخورات فبخورات معمولة لَهُم يستعملونها إِذا اشتدّ الوجع بِأَن يجلسوا على كرْسِي مثقوب تسوى عَلَيْهِ المقعدة وَيجْعَل من تحتهَا قمع يبخر مِنْهُ فَمن ذَلِك أَن يبخر بالكثير عَن نوى الزَّيْتُون وبعر الْإِبِل وَإِن تبخر بكبريت كثير دفْعَة انْتفع بِهِ. وَأما الْمِيَاه الَّتِي يجلس فِيهَا إِمَّا لتسكين الوجع فَمثل مياه طبخ فِيهَا الْخَبَّازِي والشبث والبابونج والخطمي وإكليل الْملك. واما لحبس مَا يسيل فالمياه المطبخ فِيهَا القوايض. وَيجب أَن يجمع بَين الْمِيَاه بِحَسب الْحَاجة فَإِن خرجت المقعدة غسلت بِالشرابِ الْقَابِض ونظفت وأعيدت وَقعد صَاحبهَا فِي مياه قابضة جحاً أَو ضمدت بعد الْإِعَادَة وَالرَّدّ بالقوابض المقوية مسحوقة مَجْمُوعَة بِبَعْض العصارات القابضه القوية. الْمقَالة الثَّالِثَة أوجاع الأمعاء فصل فِي المغص أَسبَاب المغص إِمَّا ريح محتقنة أَو فضل حاد لذاع أَو بورقي مالح لذاع أَو غليظ لحج لَا ينْدَفع أَو قرحَة أَو ورم أَو حميات أَو حب القرع. وَمن المغص مَا يكون على سَبِيل البحران وَيكون من علاماته. وكل مغص شَدِيد فَإِنَّهُ يشبه القولنج وعلاجه علاج القولنج إِلَّا المراري فَإِنَّهُ إِن عولج بذلك العلاج كَانَ فِيهِ خطر عَظِيم بل المغص الَّذِي لَيْسَ مَعَ إسهال فَإِنَّهُ إِذا اشْتَدَّ كَانَ قولنجاً أَو إيلاوس وَإِذا تأدى المغص(2/621)
إِلَى كزاز أَو قيء وفواق وَذُهُول عقل دلّ على الْمَوْت. العلامات: أما الريحي فَيكون مَعَ قراقر وانتفاخ وتمدد بِلَا ثقل وَسُكُون مَعَ خُرُوج الرّيح. وَأما الْكَائِن عَن خلط مراري فَيدل عَلَيْهِ قلَّة الثّقل مَعَ شدَّة اللذع الملتهب والعطش وَخُرُوجه فِي البرَاز وَيُشبه القولنج فَإِن عولج بعلاجه كَانَ خطراً عَظِيما وَأما عَلامَة الْكَائِن عَن خلط بورقي فلذع مَعَ ثقل زَائِد وَخُرُوج البلغم فِي البرَاز. وعلامة الْكَائِن عَن خلط غليظ لزج الثّقل وَلُزُوم الوجع موضعا وَاحِدًا وَخُرُوج أخلاط من هَذَا الْقَبِيل فِي البرَاز. وعلامة الْكَائِن عَن القروح عَلَامَات السحج الْمَعْلُومَة. وعلامات الْكَائِن عَن الورم عَلَامَات الورم الْمَذْكُورَة فِي بَاب القولنج. وعلامة الْكَائِن عَن الديدان العلامات لمذكورة فِي بَاب الديدان. العلاج: يجب فِي كل مغص مادي لمادته سدد أَن يقيأ صَاحبه ثمَّ يسهل. أما المغص الريحي فيعالج أَولا بِالتَّدْبِيرِ الْمُوَافق وَاجْتنَاب مَا تتولد مِنْهُ الرِّيَاح وبقلة الْأكل وَقلة شرب المَاء على الطَّعَام وَقلة الْحَرَكَة على الطَّعَام. ثمَّ إِن كَانَت الرّيح لَازِمَة فَيجب أَن يعالج المعي بحقنة ليستفرغ الْخَلْط المنجر إِلَيْهَا وَيسْتَعْمل فِيهَا شَحم الدَّجَاج ودهن الْورْد وشمع أَو بمشروب إِن كَانَ الْمَرَض فَوق مثل الشهرياران والتمري والأيارج فِي مَاء البزور وَكَذَلِكَ السفرجلي ثمَّ يتَنَاوَل مثل الترياق والشجرينا وَنَحْوه وَمثل البزور المحللة للرياح. صفة حقنة: يطْبخ البسفايج والكمون والقنطوريون والشبث والسذاب الْيَابِس والحلبة وبزر الكرفس أَجزَاء سَوَاء فِي المَاء طبخاً جيدا ثمَّ يُؤْخَذ مِنْهُ قدر مائَة دِرْهَم وَيحل فِيهِ من السكبينج والمقل من كل وَاحِد وزن نصف دِرْهَم أَو أقل أَو أَكثر بِحَسب الْحَاجة وَيجْعَل عَلَيْهِ من دهن الناردين وزن عشرَة دَرَاهِم أَو دهن السذاب وَمن الْعَسَل وزن عشرَة. صفة سفوف: يُؤْخَذ كمّون وحبّ غَار سذاب ونانخواه من كل وَاحِد وزن نصف دِرْهَم وَمن الفانيذ السجْزِي وزن خَمْسَة دَرَاهِم يتَّخذ مِنْهُ سفوف وَهُوَ شربة. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ من القنطوريون الغليظ وزن مِثْقَال بمطبوخ. وَمِمَّا هُوَ عَجِيب النَّفْع عِنْد المجربين كَعْب الْخِنْزِير يحرق ويسقى صَاحب المغص الريحي أَو يسقى من حب الْغَار الْيَابِس وَحده ملعقتان. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ وَمن البلغمي حبّ البان وَحب البلسان من كل وَاحِد دِرْهَم وَيشْرب مِنْهُ فِي المَاء الْحَار بِالْغَدَاةِ وبالعشي.(2/622)
وَمن الضمّادات الْمُشْتَركَة لَهما البندق المشوي مَعَ قشره يضمّد بِهِ الْموضع حامياً وَكَذَلِكَ التكميدات بِمثل الشبث والسذاب والمرزنجوش الْيَابِس وتضميد السُّرَّة بحبّ الْغَار مدقوقاً يعجن بِالشرابِ أَو بِمَاء السذاب ويحفظه اللَّيْل كُله نَافِع جدا. والغذاء للريحي والبلغمي من مثل مرق القنابر والديوك الهرمة المغذاة بشبث كثير وأفاويه وأبازير ويقتصر على المرق وَيكون الْخبز خميراً مملوحاً جيد الْخبز. والخشكار أصوب لَهُ. وَالشرَاب الْعَتِيق الرَّقِيق. وَيجب أَن يستعملوا الرياضة اللطيفة قبل الطَّعَام. والقنفذ المشوي فِيمَا قيل نَافِع من المغصين جَمِيعًا. وَأما الْكَائِن عَن بلغم لزج فَيقرب علاجه من علاج الريحي إِلَّا أَن الْعِنَايَة يجب أَن تكون بالتنقية أَكثر إِمَّا من تَحت وَإِمَّا من فَوق. وَمِمَّا ينفع مِنْهُ إِن لم يكن إسهال سفوف الحماما وينفعه سقِِي الْحَرْف مَعَ الزَّبِيب وأقراص الأفاويه. وَأما الْكَائِن عَن بلغم فَيجب أَن يُبَادر فِي استفراغه بحقن تربدية بسفايجية فِيهَا تَعْلِيل مَا بِمثل السبستان والبنفسج وَأَن يستفرغ أَيْضا بِمثل أيارج فيقرا والسفرجلي ثمَّ يسْتَعْمل الأغذية الْحَسَنَة الكيموس الدسمة دسومة جهدة مثل الدسومة الكائنة عَن لُحُوم الحملان الرضع والدجاج والفراريج المسمنة ويقلل الْغذَاء مَعَ تجويده وَيشْرب الشَّرَاب الرَّقِيق الْقَلِيل. وَمِمَّا ينفع فِي كل مغص بَارِد سقِِي مَاء الْعَسَل مَعَ حبّ الرشاد والأنيسون والوجّ وَحب الْغَار وورق الْغَار والزراوند والقنطوريون وعود البلسان مُفْردَة ومركبة. وَأما الْكَائِن عَن الصَّفْرَاء فَيجب أَن تنظر فَإِن كَانَ هُنَاكَ قُوَّة قَوِيَّة ومادة كَثِيرَة استفرغ ذَلِك بمقل طبيخ الهليلج أَو بِمثل مَاء الرمانين وَقَلِيل سقمونيا أَو بِغَيْر سقمونيا بل وَحده ويتبعه المَاء الْحَار وبمثل طبيخ من التَّمْر الْهِنْدِيّ وَالْخيَار شنبر والشيرخشت وَمَا أشبه ذَلِك ثمَّ يعدل الْمَادَّة بِمثل بزر قطونا مَعَ دهن ورد وَمَاء الرُّمَّان وعصارة القثاء مَعَ دهن ورد ويضمد الْبَطن بالأضمدة الْبَارِدَة وفيهَا عِنَب الثَّعْلَب وفقّاح الْكَرم وَيجب أَن يخلط بهَا أَيْضا مثل الأفسنتين. والأغذية عدسية وسماقية وإسفاناخية وأمبر باريسية وَنَحْو ذَلِك. وَيجب أَن يتحرز عَن غلط يَقع فِيهِ فيظن أَنه قولنج ويعالج بعلاجه فيعطب الْمَرِيض. على إِنَّا سنعود إِلَى تَعْرِيف تَمام مَا يجب أَن يعالج بِهِ هَذَا الْقسم من المغص إِذا تكلمنا فِي أَصْنَاف القولنج المراري. فلينتظر تَمام القَوْل فِيهِ هُنَاكَ. وَأما الْكَائِن عَن القروح فعلاجه علاج القروح. وَقد ذَكرْنَاهُ. وَأما الْكَائِن عَن الورم فعلاجه علاج الورم. وَأما الْكَائِن عَن الديدان فعلاجه علاج الديدان وَنحن قد فَرغْنَا من بَيَان جَمِيع ذَلِك. القراقر تتولد عَن كَثْرَة الرِّيَاح وَلَدهَا أغذية نافخة أَو سوء هضم بِسَبَب(2/623)
من أَسبَاب سوء الهضم يكون فِي الْأَعْضَاء أَو يكون فِي الأغذية. وَأكْثر مَا يكون فِي الأغضاء فَإِنَّمَا يكون بِسَبَب الْبُرُودَة أَو لسُقُوط الْقُوَّة كَمَا فِي آخر السل. وَأكْثر مَا يكون مَعَ لين من الطبيعة وهيجان الْحَاجة إِلَى البروز. وَقد يكون فِي الأمعاء الْعَالِيَة الدقيقة فَيكون صَوتهَا أشدّ وَفِي الْغِلَاظ فَيكون صَوتهَا أثقل. وَإِذا خالطها الرُّطُوبَة كَانَت إِلَى البقبقة وَقد تكون القراقر عَلامَة للبحران ومنذرة بالإسهال وَقد تكون بمشاركة الطحال وَقد تعرض للميروقين للسدة كثيرا بِسَبَب أَن معاءهم تبرد وَقد تكون إِذا كَانَ فِي الكبد ضعف. وَأما خُرُوج الرّيح بِغَيْر إِرَادَة فقد يكون لاسترخاء الْمُسْتَقيم وَقد يكون لاسترخاء الصَّائِم وَيفرق بَينهمَا بِمَا يرى من قلَّة حس المقعدة أَو من بروزها. العلاج: يُدِير باجتناب الأغذية النافخة والكثيرة وبالصبر على الْجُوع وتقوية الهضم بِمَا قد عَلمته وَتَحْلِيل الرِّيَاح بالأدوية الَّتِي نذكرها فِي بَاب القولنج الريحي. وَمن الْجيد فِي ذَلِك فِي أَكثر الْأَوْقَات الكموني وَأَيْضًا الفلافلي وَأَيْضًا الوجّ المربى. وَإِن كَانَ مَعَ إسهال فالخوزي. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الكمّون وَمن النانخواه وَمن الكاشم وَمن الكراويا من كل وَاحِد جُزْء وَمن الأنيسون جزءان ويستفّ مِنْهُ بالفانيذ السجْزِي قدر خَمْسَة دَرَاهِم ويعالج خُرُوج الرّيح بِغَيْر إِرَادَة بعلاج فالج المقعدة أَو يتَنَاوَل الترياق ودهن الكلكلانج وتمريخ مَا فَوق السرّة بدهن الْقسْط وَنَحْوه إِن كَانَ بِسَبَب الصَّائِم. فصل فِي القولنج واحتباس الثفل القولنج مرض معوي مؤلم يتعسر مَعَه خُرُوج مَا يخرج بالطبع والقولنج بالحقيقه هُوَ إسم لما كَانَ السَّبَب فِيهِ فِي الأمعاء الْغِلَاظ قولون فَمَا يَليهَا وَهُوَ وجع يكثر فِيهَا لبردها وكثافتها ولبردها مَا كثر عَلَيْهَا الشَّحْم. فَإِن كَانَ فِي الأمعاء الدقاق فالآسم الْمَخْصُوص بِهِ بِحَسب التعارف الصَّحِيح هُوَ إيلاوس وَلَكِن رُبمَا سمي إيلاوس فِي بعض الْمَوَاضِع قولنجاً لشدَّة مشابهته لَهُ. وَأَسْبَاب القولنج إِمَّا أَن تقع خَاصَّة فِي قولون أَو تقع فِي غَيره وتتأدى إِلَيْهِ على سَبِيل شركَة مَعَ غَيره. وأسبابه الَّتِي تقع فِيهِ خَاصَّة إِمَّا سوء مزاج مُفْرد حَار أوبارد أَو يَابِس. والحار يفعل بِشدَّة تجفيفه وتوجيهه الْغذَاء إِلَى الكبد وَدفعه لَهُ إِلَيْهَا والبارد بتجميده أَو لحدوث سوء المزاج المؤذي. وَأَكْثَره فِي الْبلدَانِ الْبَارِدَة وَعند هبوب الشمَال. وَالْبرد قد يفعل ذَلِك من جِهَة شدَّة تسخينه الْجوف فيجفف الثفل وشده(2/624)
لعضل المقعدة فيرفع الأثفال وَمَا وَأما سوء المزاج الرطب الْمُفْرد فَلَا يكون سَببا ذاتياً للقولنج اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يعرض مِنْهُ عَارض يكون ذَلِك سَببا للقولنج بَارِدًا أَو رطبا مادياً وَأما سوء مزاج مَعَ مَادَّة إِمَّا حارة تلهب وتلذع وتفرّق الِاتِّصَال وتتجاوز حدّ المغص إِلَى حد القولنج. وَإِمَّا بَارِدَة فتوجع إِمَّا لسوء المزاج الْمُخْتَلف الْبَارِد وَإِمَّا بِمَا يحدث من تفرق الِاتِّصَال أَو بممرها وَإِن كَانَ ذَلِك غير صميم القولنج. وَقد يحدثه الْبَارِد بِمَا يتَوَلَّد عَنهُ الرّيح فِي جرم المعي سَاعَة بعد سَاعَة وَرُبمَا كَانَ الْخَلْط الْفَاعِل لهَذَا الوجع أَو لما تقاربه سَوْدَاء وَرُبمَا كَانَ عروضه بنوائب وَعند أكل الطَّعَام وَرُبمَا سكنه قذف شَيْء حامض سوداوي. وَإِن كَانَ مثل هَذَا الْقَذْف فِي مثل هَذَا الْأَلَم فِي الْأَكْثَر بلغماً ولّده برد الْأَعْضَاء وَسُوء الهضم والأغذية والفواكه والبقول. وَإِمَّا أَن يكون سَبَب القولنج الْخَاص سدة تمنع البرَاز والأخلاط والرياح عَن النّفُوذ وَهِي تنْدَفع فَتحدث وجعاً وتمدداً عَظِيما. وَأكْثر هَذِه السدّة إِذا لم يكن ورم فَإِنَّهُ يَقع بعد أَن يمتلىء الْأَعْوَر ثمَّ يتَأَدَّى إِلَى قولون. وَهَذِه السدّة إِمَّا ورم فِي المعي وَأَكْثَره حَار وَإِمَّا من خلط بلغمي لزج يمْلَأ قَضَاءَهُ ويسده - وَهُوَ الْكَائِن فِي الْأَكْثَر وَهُوَ الَّذِي ينْتَفع بالحمى وَإِمَّا من ريح مُعْتَرضَة وَإِمَّا الالتواء فَاتْلُ للمعي لريح فتلت أوإنهتاك رِبَاط أَو قيلة أَو فتق واندفاع من المعي إِلَى نواحي الأربية والخصية أَو فتق وَهَذَا الثفل ييبس إِمَّا لِأَنَّهُ ثفل أغذية يابسة وَإِمَّا لِأَنَّهُ بَقِي زَمَانا طَويلا فييبس وَكَانَ سَبَب بَقَائِهِ ضعف الْقُوَّة الدافعة فِي الأمعاء فكثيراً مَا يكون هَذَا الْبَقَاء بِسَبَب شرب شَيْء مخدر يخدر الْقوي الفعالة فِي الثفل وَمَعَ ذَلِك فيجمد أَيْضا أَو لضعف الْقُوَّة العاصرة فِي عضل الْبَطن كَمَا يعرض لمن يكثر الْجِمَاع أَو بطلَان حسّ المعي أَو قلَّة انصباب المرار الدفاع الغسال وَإِمَّا لِأَن الماساريقا تشفت مِنْهُ رُطُوبَة كَثِيرَة لإدرار عرض مفرط أَو رياضيات معرقة أَو شدَّة تخلخل الْبدن لمزاج فيذعن لجذب الْهَوَاء الْمُحِيط الْحَار وَلذَلِك كَانَ الاستحمام بِالْمَاءِ الْحَار مِمَّا يحبس الطبيعة أَو لهواء يبلغ من تسخينه أَن يجذب الرطوبات وَلَو من غير تسخينه أَن يجذب الرطوبات وَلَو من غير تخلخل أَو لتخلخل ناصوري. رق يكون بِسَبَب صناعَة تحوج إِلَى مقاساة حرارة مثل الزجاجة والحدادة والسبك أَو لمزاج فِي الْبَطن نَفسه حَار جدا يجفف بحرارته أَو يكون السَّبَب فِي تِلْكَ الْحَرَارَة فِي أقل الْأَحْوَال كَثْرَة مرار حَار ينصب إِلَى الْبَطن فيحرق الثفل(2/625)
إِذا صادفه متهيئاً لذَلِك لقلته أَو ليبولسة جوهره وَهَذَا فِي الْأَقَل. وَإِمَّا فِي الْأَكْثَر فَإِنَّهُ يُطلق الطبيعة. وَإِذا عرض هَذَا القولنج فِي الْأَقَل آذَى وآلم المعي ألماً شَدِيدا غير مُحْتَمل. وَرُبمَا كَانَ سَبَب تِلْكَ الْحَرَارَة شدَّة برد الْهَوَاء الْخَارِج فيحقن الْحَرَارَة فِي دَاخل وَمَعَ ذَلِك يدر الْبَوْل ويشد المقعدة فتدفع الثفل إِلَى فَوق أَو لمزاج يَابِس فِي المعي والبطن ييبس الثفل أَو لزحير وورم الْمُسْتَقيم فيحتبس الثفل. وَزعم بَعضهم أَنه رُبمَا تحجر المحتبس وَخرج حَصَاة. وَأما الَّذِي يعرض بالمشاركة فَمثل أَن يعرض فِي الكبد أَو فِي المثانة أَو فِي الْكُلية أَو فِي الطحال ورم فيشاركه المعي بِمَا يضغط ذَلِك الورم من جوهره ويقبضه ويشدّه وَمثل أَن يُشَارك الْكُلية فِي أوجاع الْحَصَاة فيضعف فعله من دفع الأخلاط فتحتبس فِيهِ وَيحدث قولنج بمشاركة الْحَصَاة على أَن وجع الْحَصَاة مِمَّا يشبه وجع القولنج ويخفي الْأَعْلَى من لَهُ بَصِيرَة وَسَنذكر الْفرق بَينهمَا فِي العلامات. وَقد يعرض القولنج والإيلاوس على سَبِيل عرُوض الْأَمْرَاض الوبائية الوافدة فيتعدى من بلد إِلَى بلد وَمن إِنْسَان إِلَى إِنْسَان قد حكى ذَلِك طَبِيب من الْمُتَقَدِّمين وَذكر أَنه كَانَ يُؤَدِّي فِي بَعضهم إِلَى الصرع وَكَانَ صرعاً قَاتلا وَبَعْضهمْ إِلَى انخلاع معي قولون واسترخائه مَعَ سَلامَة من حسه وَكَانَ يُرْجَى فِي مثله الْخَلَاص وَكَانَ أَكْثَره فِي إيلاوس وَكَانَ يصير قولنجان على سَبِيل الِانْتِقَال الشبيه بالحبران. قَالَ: وَكَانَ بعض الْأَطِبَّاء يعالجهم بعلاج عَجِيب وَذَلِكَ انه كَانَ يُطعمهُمْ الخس والهندبا وَلحم السّمك الغليظ وَلحم كل ذِي خف والأكارع كل ذَلِك مبرداً وَالْمَاء الْبَارِد والحموضات فيشفيهم بذلك حَتَّى شفي جَمِيع من لم يَقع بِهِ الصرع والفالج الْمَذْكُور وشفي وَقد يعرض القولنج لأَصْحَاب التمدد لعجزهم عَن دفع الثفل والأخلاط عَن الأمعاء الْعَالِيَة كَمَا أَنهم يعجزون عَن حبس مَا يكون فِي السافلة وَرُبمَا كَانَ برد مزاجهم سَببا للقولنج. وَأكْثر مَا يعرض القولنج يكون عَن بلغم غليظ ثمَّ عَن ريح يسد أَو ينفذ فِي طَبَقَات المعي وليفها فَيُفَرق اتصالها فَإِن الرّيح ينفش فِي الْمعدة بِسَبَب سَعَة الْمعدة وبسبب حرارة الْمعدة وَقرب الْأَعْضَاء الحارة مِنْهَا وينفش فِي الأمعاء بِسَبَب رقّتها ويحتبس فِي الْأُخْرَى لأضداد ذَلِك من بردهَا وضيقها وَكَثْرَة التعاريج فِيهَا وصفاقة طبقتها. والقولنج الريحي - وَإِن لم يخل من مَادَّة تمدّ الرّيح - فَإِنَّمَا لَا ينْسب إِلَى تِلْكَ الْمَادَّة لِأَن تِلْكَ الْمَادَّة وَحدهَا لَا تسد الطَّرِيق على مَا يخرج وَلَا توجع بذاتها بل بِمَا يحدث عَنْهَا.(2/626)
والبلغمي يؤلم بِذَاتِهِ ويسد بِذَاتِهِ. وَأما سَائِر الْأَقْسَام فَأَقل مِنْهُمَا وَمِمَّا يهيىء الأمعاء للقولنج وخصوصاً الريحي هُوَ الشَّرَاب الْكثير المزاج والبقول وخصوصاً القرع والفواكه الرّطبَة وخصوصاً الْعِنَب وَشرب المَاء عَلَيْهِ وَالْحَرَكَة عَلَيْهَا وَالْجِمَاع. والمدافعة بِإِطْلَاق الرّيح ووصول برد شَدِيد إِلَى المعي فيبردها ويكثفها وَمِمَّا يهيىء الأمعاء للثفلي أكل الْبيض المشوي والكمّثري والسفرجل الْقَابِض والفتيت والسويق والجاورس والأرز وَمَا يشبه ذَلِك والمجامعة الْكَثِيرَة وخصوصاً على طَعَام غليظ. وأيضاَ فَإِن المدافعة بالتبرز قد توقع فِيهِ. وكل قولنج من خلط غليظ أَو من أثفال فَإِن الْأَعْوَر يمتلىء من مادته أَولا فِي أَكثر الْأَمر ثمَّ يتَأَدَّى إِلَى غَيره وَمَا لم يستفرغ الْمَادَّة الَّتِي فِي الْأَعْوَر لم يَقع تَمام البروز وَرُبمَا كَانَ القولنج مستمداً من فَوق فَكلما حقن أَو كمد نزلت الْمَادَّة فتضاعف الْأَلَم. والحمى نافعة فِي كل مَا كَانَ من أوجاع القولنج سَببه ريح غَلِيظَة أَو بلغم أَو سوء مزاج بَارِد وَهِي أجل الْأُمُور النافعة للريحي والقولنج كثيرا مَا ينْتَقل إِلَى الفالج ويبحرن بِهِ وَذَلِكَ إِذا اندفعت الْمَادَّة الرقيقة إِلَى الْأَطْرَاف فتشربها العضل وَكَذَلِكَ قد يبحرن بأوجاع المفاصل وَرُبمَا انْتقل إِلَى أوجاع الظّهْر البلغمي أوالدموي النافع مِنْهُ الفصد لإنضاج الْحَرَارَة الوجعية والأدوية القولنجبة المنضجة للمواد الفجة. وَإِذا انْتقل إِلَى الوسواس والمالنخوليا والصرع فَهُوَ رَدِيء. وَرُبمَا أدّى إِلَى الأستسقاء بِمَا يفْسد من مزاج الكبد. وَإِذا وَافق القولنج أوجاع المفاصل وَنَحْوهَا لم تظهر تِلْكَ الأوجاع لأسباب ثَلَاثَة: لِأَن الوجع الْأَقْوَى يغْفل عَن الأضعف وَلِأَن الْموَاد تكون متجهة إِلَى جَانب الْأَلَم المعوي وَلِأَن الْأَلَم والجوع والسهر يحلل الفضول. وَإِذا طَال احتباس الثفل نفخ الْبَطن ثمَّ قتل. وَإِذا قويت أَعْضَاء القولنج وَلم يقبل الفضول فكثيراً مَا ترقى الفضول فيمرض الرَّأْس. وَكَثِيرًا مَا يحدث القولنج عقيب استطلاقات تخلف الغليظ وَكَثِيرًا مَا يُوقع علاج القولنج والمغص فواقاً فَاعْلَم جَمِيع ذَلِك. عَلَامَات القولنج مُطلقًا: أما أَعْرَاض القولنج الْحَقِيقِيّ الَّذِي لم يسْبق استْحكامه فَأن يقل مَا يخرج من الثفل ويتدافع نوبَة البرَاز وتقل الشَّهْوَة بل تَزُول أصلا ويعاف صَاحبهَا الدسومات والحلاوات وءانما يمِيل قَلِيل ميل إِلَى حامض وحريف أَو مالح وَيكون مائلاً إِلَى التهوع والغثيان خُصُوصا إِذا تنَاول دسماً أَو شم رَائِحَة دسم وحلاوة ويضعف استمراؤه جدا ويجد كل سَاعَة مغصاً ويميل إِلَى شرب المَاء ميلًا كثيرا(2/627)
ويجد وجعاً فِي ظَهره وَفِي سَاقيه ثمَّ تشتد بِهِ هَذِه الْأَعْرَاض فيتشد وتحتبس الطبيعة فَلَا يكَاد يخرج وَلَا ريح وَرُبمَا احْتبسَ الجشاء أَيْضا ويشتد المغص فَيصير كَأَنَّهُ يثقب بَطْنه بمثقب أَو كَأَنَّمَا أودع إمعاوه مسلة قَائِمَة كلما تحرّك ألم وَاشْتَدَّ الْعَطش فَلم ير وَصَاحبه وَإِن شرب كثيرا لِأَن المشروب لَا ينفذ إِلَى الكبد لسدد عرضت فِي فوهات المااساريقا الَّتِي تلِي الْبَطن وَرُبمَا أَكثر فِي بَعضهم القشعريرة بِلَا سَبَب. فَإِن احتيل فِي إِخْرَاج شَيْء من بطن القولنجي خرج رطوبات وبنادق كالبعر الْكَبِير وَالصَّغِير وَشَيْء يطفو فِي المَاء ويتواتر الْقَيْء المراري والبلغمي ويبتدىء فِي أَكثر الْأَمر بلغمياً ثمَّ مرارياً ثمَّ رُبمَا قذف شَيْئا كراثياً وزنجارياً وَرُبمَا قذف شَيْئا من جنس سَوْدَاء متقطعاً فَإِن الأخلاط قد تفْسد وتحترق من الوجع والسهر والأدوية الحارة. وَإِنَّمَا يتواتر الْقَيْء لمشاركة الْمعدة للأمعاء ولكثرة الْمَادَّة وفقدانها الطَّرِيق إِلَى أَسْفَل وَلِأَن طَرِيق البرَاز إِلَى الأمعاء فِي أَكثر الْأَمر ينسد فيقفف إِلَى فَوق وَلذَلِك يحمر الْبَوْل فِيهِ لِأَن جلّ المرار يتَوَجَّه إِلَى الْكُلية إِذْ لَا يجد طَرِيقا إِلَى المرارة المرتكزة لما أمامها من السدة وَلِأَن الوجع يحمر المَاء وَلِأَن الْكُلية تشارك فِي الْأَلَم. وَلذَلِك رُبمَا احْتبسَ الْبَوْل أَيْضا وَقد يكون الْبَوْل فِي أَوَائِله على لون مَاء الحمص أَو مَاء الْجُبْن وَرُبمَا أَصَابَهُ خفقان عَظِيم فَاحْتَاجَ صَدره إِلَى إمْسَاك بِالْيَدِ وَرُبمَا انْدفع الْأَمر إِلَى الْعرق الْبَارِد والغشي وَبرد الْأَطْرَاف واختلاط الذِّهْن. عَلَامَات سَلامَة القولنج: أسلم القولنج مَا لَا يكون الاحتباس فِيهِ بشديد أويكون الوجع منتقلاً وَرُبمَا خف كثيرا وَإِن كَانَ يعود بعده ويجد صَاحبه بِخُرُوج الرّيح وَالْبرَاز وَاسْتِعْمَال الحقن رَاحَة بَيِّنَة كَمَا أَن ضِدّه أصعب القولنج. العلامات الرَّديئَة فِي القولنج: شدَّة الوجع وتدارك الْقَيْء والعرق الْبَارِد وَبرد الْأَطْرَاف لشدَّة وجع الْبَطن وميل الدَّم وَالروح إِلَيْهِ. وَإِذا أدّى إِلَى الفواق المتدارك وَإِلَى الِاخْتِلَاط والكزاز وَاحْتبسَ كل مَا يخرج فَلَا يخرج وَلَا بالحيلة قتل. وَفِي غرائب العلامات من كَانَ بِهِ وجع الْبَطن فَظهر بحاجبه آثَار بثر أسود كالباقلا ثمَّ تقرح وَبَقِي إِلَى الْيَوْم الثَّانِي أَو أَكثر فَإِنَّهُ يَمُوت. وَهَذَا الْإِنْسَان يُصِيبهُ السبات وَكَثْرَة النّوم فِي ابْتِدَاء مَرضه وجودة النَّفس حِينَئِذٍ قَليلَة الدّلَالَة على الْخَلَاص فَكيف رداءته. فرق مَا بَين القولنج وحصاة الكلى:(2/628)
قد تعرض فِي حَصَاة الْكُلِّي الْأَعْرَاض القولنجية الْمَذْكُورَة جلها لِأَن قولون نَفسه يُشَارك الْكُلية فَيعرض لَهُ الوجع لَكِن الْفرق الَّذِي يخصّه ويعرض لَهُ أَعْرَاض الَّتِي تناسب ذَلِك الوجع بَينهمَا قد يكون من حَال الوجع وَمن جِهَة المقارنات الْخَاصَّة وَمن جِهَة مَا يُوَافق وَلَا يُوَافق وَمن جِهَة مَا يخرج وَمن جِهَة مبلغ الْأَعْرَاض وَمن جِهَة الآسباب والدلائل الْمُتَقَدّمَة. أما حَال الوجع فيختلف فِيهَا بِالْقدرِ وَالْمَكَان وَالزَّمَان وَالْحَرَكَة. أما الْقدر فَلِأَن الَّذِي للحصاة يكون صَغِيرا كَأَنَّهُ سلاة والقولنجي كَبِيرا. وَأما الْمَكَان فَإِن القولنجي يبتدىء من أَسْفَل وَمن الْيَمين ويمتد إِلَى فَوق وَإِلَى الْيَسَار وَإِذا اسْتَقر انبسط يمنة ويسرة وَعند قوم أَنه لَا يبتدىء قولنج البتّة من الْيَسَار وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح فقد جرّبنا خِلَافه وَيكون إِلَى قُدَّام وَنَحْو الْعَانَة أميل مِنْهُ إِلَى خلف. والكلى يبتدىء من أَعلَى وَينزل قَلِيلا إِلَى حَيْثُ يسْتَقرّ وَيكون أميل إِلَى خلف. وَأما الزَّمَان فَلِأَن الْكُلِّي قد يشْتَد فِي وَقت الْخُلُو والقولنجي يخص فِيهِ ويشتد عِنْد تنَاول شَيْء والقولنجي يبتدىء دفْعَة وَفِي زمَان قصير والحصوي قَلِيلا قَلِيلا ويشتد فِي آخِره وَلِأَن فِي الْكُلِّي يكون أَولا وجع فِي الظّهْر وعسر فِي الْبَوْل ثمَّ العلامات الَّتِي يُشَارك فِيهَا القولنج. وَفِي القولنج تكون تِلْكَ العلامات ثمَّ الوجع. وَأما الْحَرَكَة فَلِأَن القولنجي يتحرّك إِلَى جِهَات شَتَّى والكلي ثَابت. وَأما من جِهَة المقارنات الْخَاصَّة. فَإِن الاقشعرار يكثر فِي الكلى وَلَا ينْسب لقولنج. وَأما الْفرق الْمَأْخُوذ من جِهَة مَا يُوَافق وَمَا لَا يُوَافق فَلِأَن الحقن وَخُرُوج الرّيح والثفل يُخفّف من وجع الْكُلِّي تَخْفِيفًا يعْتد بِهِ فِي أَكثر الْأَحْوَال. والأدوية المفتتة للحصاة تخفف وجع الْكُلية وَلَا تخفف القولنج. وَأما من جِهَة مَا يخرج فَإِن الْكُلِّي رُبمَا لم يكن مَعَه احتباس شَيْء إِذا خرج كَانَ كالبعر والبنادق وكإخثاء الْبَقر وطافياً وَرُبمَا لم يكن احتباس أصلا وَلَا قراقر وَنَحْوهَا. والقولنجي لَا يَخْلُو من ذَلِك. وَأما من جِهَة مبلغ الْأَعْرَاض فَلِأَن وجع السَّاقَيْن وَالظّهْر والقشعريرة فِي الْكُلِّي أَكثر لَكِن سُقُوط الشَّهْوَة والقيء المراري والبلغمي. وَقلة الإستمراء وشدّة الْأَلَم والتأدى إِلَى الغشي والعرق الْبَارِد وَالِانْتِفَاع بالقيء فِي الْكُلِّي أقل. وَأما من جِهَة الْأَسْبَاب. والدلائل الْمُتَقَدّمَة فَإِن تَوَاتر التخم وَتَنَاول الأغذية الرَّديئَة ومزاولة المغص والقراقر واحتباس الثفل يكون سَابِقًا فِي القولنج. وَالْبَوْل الرَّمْلِيّ والخلطي فِي وجع الْكُلِّي وأولاً يكون فِي الكلى بَوْل رَقِيق ثمَّ خلط غلظ ثمَّ رملي.(2/629)
عَلَامَات تفاصيل القولنج عَلَامَات البلغمي مِنْهَا: قد يدل أَن القولنج بلغمي تقدم الآسباب المولدة للمبلغم من التخم وَمن أَصْنَاف الأغذية وَالسّن والبلد وَالْوَقْت وَسَائِر مَا علمت. ويدلّ عَلَيْهِ خُرُوج البلغم فِي الثفل قبل القولنج وَمَعَهُ عِنْد الحقن وبرودة الأسافل وَثقل محسوس وشدّة الاحتباس جدا فلايخرج شيءمن ثفل أوخلط أوريح فَإِن خرج شَيْء خرج كإخثاء الْبَقر وكما يخرج فِي الريحي. لَكِن فِي الريحي يكون أخف وَيكون الوجع طَوِيل الْمدَّة وَلَا يجب أَن يفتر بِمَا يشْتَد من الْعَطش والالتهاب ويحمر من المَاء فيظن أَن الْعلَّة حارة فَإِن ذَلِك مُشْتَرك للْجَمِيع. فصل فِي عَلَامَات الريحي عَلَامَات الريحي لقدم أَسبَابه الْمَعْلُومَة مثل كَثْرَة شرب المَاء الْبَارِد وَشرب الشَّرَاب الممزوج والبقول النفاخة والفواكه واتفاق طَعَام لم ينهضم وقراقر وإحساس انفتال فِي الأمعاء وتمدد وتمزّق شَدِيد كَأَنَّمَا تثقب الأمعاء بمثقب وكأنما أوجع الأمعاء مسلة وَهَذَا قد يكون فِي البلغمي إِذا حبس الرّيح أَو وَلَدهَا. لكنه يكون فِي الرّيح أَشد. وَلَا يحس فِي الريحي بثقل شَدِيد وَيكون قد تقدم فِي الريحي قراقر كَثِيرَة ورياح قد سكنت فَلَا تقرقر الْآن وَلَا تخرج. وَإِنَّمَا لَعَلَّهَا أَن تقرقر عِنْد التكميد والغمز وَرُبمَا ثَبت الوجع وَلم ينْتَقل وَرُبمَا عرف الانتفاخ بِالْيَدِ. وَفِي الْأَكْثَر ينْتَفع بالغمز وَرُبمَا نفع التكميد مِنْهُ وَرُبمَا لم ينفع. وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْمَادَّة الفاعلة للريح ثَابِتَة كلما وجدت حرارة وتسخيناً فعلت ريحًا. وَقد يدل عَلَيْهِ الثفل الحثوي الَّذِي يطفو على المَاء لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الرّيح وَرُبمَا كَانَ مَعَه الْبَطن لينًا وَرُبمَا أسهل وَأخرج أخلاطاً فَلم ينْتَفع بهَا لإحتباس الرّيح الغليظة فِي الطَّبَقَات. وَالَّذِي يكون فِي انْتِقَال وجع أسلم وَالَّذِي يكون فِيهِ انتفاخ الْبَطن كالطبل رَدِيء. عَلَامَات الثفلي: عَلَامَات الثفلي تقدم أَشْيَاء هِيَ احتباس الثفل قبل حُدُوث الْأَلَم بِمدَّة وَيكون هُنَاكَ ثفل شَدِيد جدا ويحس كَأَن المعي ينشقّ عَن نَفسه وَإِذا تزخَر لم يخرج شَيْء بل رُبمَا خرج شَيْء لزج فيغلظ. لَكِن الثفلي المراري يدل عَلَيْهِ صبغ الثفل وَكَثْرَة مَا يخرج من المرار والحرقة والالتهاب واللذع. والتأدي السالف بإسهال الْمرة وجفاف اللِّسَان. والثفلي الْكَائِن عَن تخلخل الْبدن فَيدل عَلَيْهِ سبق قلَّة الثفل ولين الْبدن وَسُرْعَة تأذيه من الحرّ وَالْبرد الْخَارِج. والثفلي الْكَائِن عَن حرارة الْبَطن أَو يبوسته يدل عَلَيْهِ وجود الالتهاب(2/630)
فِي المراق أَو يبس المراق وقحولتها ويبس البرَاز وسواده إِلَى حمرَة مَا. وَأما الثفلي الْكَائِن عَن تَحْلِيل الْهَوَاء والرياضة والتفرق وَغير ذَلِك فَيدل عَلَيْهِ سبق قلَّة الثفل مَعَ وُقُوع الآسباب الْمَذْكُورَة. وعلامة الْكَائِن من احتباس الصَّفْرَاء المنصبّ إِلَى الأمعاء ثفل وانتفاخ بطن وَبَيَاض لون البرَاز وعسر خُرُوجه مَعَ وجع ممدد للثفل والمزاحمة الكائنة مِنْهُ فَقَط وَرُبمَا قارنه يرقان. وعلامة الأحتباس الْكَائِن بِسَبَب الْبرد من الكبد أَو غَيره أَن لَا يكون نَتن وَيكون اللَّوْن إِلَى الخضرة. وعلامة الْكَائِن من السَّوْدَاء حموضة الجشاء وَسَوَاد البرَاز وانتفاخ من الْبَطن مَعَ قلّة من الوجع. فصل فِي عَلَامَات القولنج الورمي أما عَلَامَات الْكَائِن من الورم الْحَار فوجع متمدّد ثَابت فِي مَوضِع وَاحِد مَعَ ثقل وضربان وَمَعَ التهاب وَحمى حادة وعطش شَدِيد وَحُمرَة فِي اللَّوْن وتهيج فِي الْعين واحتباس من الْبَوْل وَهُوَ عَلامَة قَوِيَّة وتأذ بالإسهال. وَرُبمَا كَانَ هَذَا الوجع مَعَ لين من الطبيعة وَرُبمَا تأدى إِلَى برد الْأَطْرَاف مَعَ حر شَدِيد فِي الْبَطن وَرُبمَا احمر مَا يحاذيه من الْبَطن فَإِن كَانَ الورم صفراوياً كَانَ التمدد والثقل والضربان أقل والحمى والالتهاب. واللذع أَشد. وَأما عَلَامَات الْكَائِن من ورم بَارِد بلغمي وَهُوَ قَلِيل فَأن يكون وجع قَلِيل مُتَّصِل يظْهر فِي مَوضِع وَاحِد خُصُوصا عِنْد انحدار شَيْء مِمَّا ينحدر عَن الْبَطن وينال بِالْيَدِ انتفاخ مَعَ لين وَتَكون السحنة سحنة المترهلين وَيكون قد سبق مَا يُوجب ذَلِك من تنَاول الألبان والسمك واللحوم الغليظة والفواكه والبقول الْبَارِدَة الرّطبَة وَيكون الْمَنِيّ بَارِدًا رَقِيقا فَإِنَّهُ عَلَامَات مُوَافقَة لهَذَا وَيكون البرَاز بلغمياً. فصل فِي عَلَامَات الالتوائي والفتقي عَلامَة الالتوائي حُصُوله دفْعَة بعد حَرَكَة عنيفة كوثبة شَدِيدَة أَو سقطة أَو ضَرْبَة أَو ركض أَو مصارعة أَو حمل ثقل أَو انفتاق فتق أَو ريح شَدِيدَة وَيكون الوجع متشابهاً فِيهِ لَا يبتدىء ثمَّ يزْدَاد قَلِيلا قَلِيلا وَقد يدلّ الفتق على الفتقي لتعلم ذَلِك.(2/631)
فصل فِي عَلَامَات الْأَصْنَاف الْبَاقِيَة من القولنج الْخَفِيف مثل الْكَائِن عَن برد أَو ضعف حس أَو عَن ديدان: عَلَامَات الْكَائِن عَن برد الأمعاء: قلَّة الْعَطش وطفو البرَاز وانتفاخه واحتباس برد فِي الأمعاء وخفة الوجع وَرُبمَا كَانَ الْمَنِيّ مَعَه بَارِدًا. وعلامة الْكَائِن عَن الْمرة الصَّفْرَاء: الْأَسْبَاب الْمُتَقَدّمَة وَالسّن والبلد والسحنة والفصل وَغير ذَلِك وَمَا يجده من لذع شَدِيد وتلقب واحتراق وتأذ بالحقن الحادة وتأذ بِمَا يسقل وَينزل المرار وتأذٍ بِالْجُوعِ وانتفاع بالمعدلات الْبَارِدَة واستفراغ مرار - إِن لم تكن الْمَادَّة متشرّبة - وهيجان فِي الغب. وَرُبمَا صحبته حمى وَرُبمَا لم تصحبه وَلَا تكون حمى كَحمى الورمي فِي عظم الْأَعْرَاض وَرُبمَا صَحبه وجع فِي الْعَانَة كَأَنَّهُ نخس سكين وَلَا تكن ريح. وعلامة الْكَائِن من ضعف الدافعة أَن يكون قد تقدمه لين من الطبيعة وحاجة إِلَى قيام متواتر لكنه قَلِيل قَلِيل وَتقدم أَسبَابه مِمَّا ينهك الْقُوَّة من حز أَو برد وصل أَو متناول. وَكَثِيرًا مَا يتَّفق أَن يكون الْبَطن لينًا أَو معتدلاً وكمية البرَاز وكيفيته على المجرى الطبيعي لكنه يحْتَاج فِي أَن يخرج الثفل إِلَى اسْتِعْمَال آلَة أَو حمول. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك لناصور. وعلامة الَّذِي من ضعف الْحس أَن تكون المتناولات المائلة بكيفية البرَاز إِلَى اللذع لَا تتقاضى بِالْقيامِ. وَهَذِه مثل الكراث والبصل والجبن والحلبة وَأَيْضًا فَأن تكون الحمولات الحادة لَا يحس بأذاها إِذا احتملها وَيكون الْبَطن ينتفخ مِمَّا يتَنَاوَل فيحتبس وَلَا يوجع وجعاً يعْتد بِهِ وَقد يتَّفق أَن يكون هُنَاكَ ناصور يفْسد الْحس. وعلامة الْكَائِن من الديدان عَلَامَات الديدان وتقدّم خُرُوجهَا. الْمقَالة الرَّابِعَة علاج القولنج وَالْكَلَام فِي إيلاوس وَأَشْيَاء جزئية من أمراض الإمعاء وَأَحْوَالهَا فصل فِي قانون علاج القولنج يجب أَن لَا يدافع بتدبير القولنج فَإِنَّهُ إِذا ظَهرت عَلَامَات ابْتِدَائه وَجب أَن يهجر الامتلأ ويبادر إِلَى التنقية الَّتِي بِحَسبِهِ وَإِن كَانَ عقيب طَعَام أكله قذفه فِي الْحَال وَقذف مَعَه مَا يُجيب من الأخلاط حَتَّى يستنقي. والقيء قد يقطع مَادَّة القولنج الرطب والصفراوي. فَإِن أفرط حبس بحوابس الْقَيْء وَمِمَّا هُوَ جيد فِي ذَلِك أَن يَجْعَل فِي شراب النعناع الْمُتَّخذ من مَاء الرُّمَّان شي من كمون وسماق. وَمِمَّا لَا استصوب فِيهِ أَن يُسَارع إِلَى سقِِي المسهّل من فَوق فَإِنَّهُ رُبمَا كانتّ(2/632)
السدة قَوِيَّة وَكَانَت أخلاط وبنادق قَوِيَّة كَبِيرَة فَإِذا توجه إِلَيْهَا خلط من فَوق فَرُبمَا لم يجد منفذاً وتأس التَّدْبِير إِلَى خطر عَظِيم فَالْوَاجِب أَولا أَن يبْدَأ بتحشي المليّنات المزلقة مثل مرقة الديك الْهَرم الَّتِي سنصفها بعد بل قد وصفناها فِي أَلْوَاح الْأَدْوِيَة المفردة ثمَّ تسْتَعْمل الحقنة الملينة فَإِن كَانَ هُنَاكَ حمّى فبدل مَاء الديك مَاء الشّعير لَهُ ليَأْخُذ الأخلاظ والبنادق من تَحت قَلِيلا قَلِيلا. فَإِذا أحسّ بِأَن البنادق والأخلاط الغليظة جدا قد خرجت فَإِن وَجب سقِِي شَيْء من فَوق فعل وَإِن أمكن أَن ينقي من فَوق بالقيء الْمُتَوَاتر فعل. وَإِنَّمَا تشتدّ الْحَاجة إِلَى السَّقْي فَوق إِذا كَانَت الْمَادَّة مبدؤها الْمعدة والأمعاء الْعليا وَعلم أَن الْمعدة كَانَت ضَعِيفَة وكثيرة الأخلاط وَوجد الامتلاء فَوق السُّرَّة والثفل هُنَاكَ. فَإِن كَانَ كل هَذَا يَسْتَدْعِي أَن يسقل من فَوق وَكَذَلِكَ إِن عرض القولنج عقيِب السحج فالعلاج من فَوق أولى. وَهَذَا الضَّرْب من القولنج وَهُوَ الَّذِي ابتداؤه من الْمعدة والأعالي وَأَن يكون فِيهَا مَادَّة مستكنة ثمَّ إِنَّهَا ترسل إِلَى المعي المؤفة مَادَّة بعد مَادَّة فَكلما وصلت إِلَيْهِ أعادت الوجع واحتاجت إِلَى تنقية مُبتَدأَة. فَإِذا شرب المسهل فإمَّا أَن يُخرجهَا ويريح مِنْهَا وَإِمَّا أَن يحدرها إِلَى أَسْفَل إِلَى مَوضِع وَاحِد فتنقيها حقنة وَاحِدَة أَو أقل عددا مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ قبل ذَاك. فَإِذا لم يجب سقِِي الدَّوَاء من فَوق لضَرُورَة بَيِّنَة فالأحب إِلَيّ أَن لَا يسْقِي من فَوق الْبَتَّةَ شَيْء ويقتصر على الحقن وَذَلِكَ لِأَن أَكثر القولنج يكون سَببه خلطاً غليظاً لحجاً لحوجاً لَا يخرج بِتَمَامِهِ بالمستفرغات. وَإِذا شرب الدَّوَاء من فَوق استفرغ لَا من الْمعدة والأمعاء وَحدهمَا بل من مَوَاضِع آخرى لَا حَاجَة بهَا إِلَى الإستفراغ الْبَتَّةَ وَذَلِكَ يُورث ضعفا لَا محَالة. فَإِذا كَانَ هَذَا ثمَّ كَانَت الْحَاجة إِلَى تنقية المعي دَاعِيَة إِلَى حقن كَثِيرَة واستفراغات متواترة ضعفت الْقُوَّة جدا فبالحري أَن يقْتَصر مَا أمكن على الحقن وَمَا يجْرِي مجْراهَا فَإِنَّهَا مَا وجدت فِي المعي خلطاً لم يجذب من مَوَاضِع آخرى وَلم يستفرغ من سَائِر الْأَعْضَاء استفراغاً كثيرا. وَإِن كررت الحقنة مرَارًا كَثِيرَة بِحَسب لحاج الْخَلْط المولد للوجع لم يكن من الْخطر فِيهِ مَا يكون إِذا استفرغ من فَوق بأدوية تجذب من الْبدن كُله. وَإِذا كَانَت الحقنة لَا تخرج شَيْئا والمادة لم تنضج فتصبر وَلَا تحقن خُصُوصا بالحقن الحادة فَإِن وَقتهَا بعد النضج على أَن الحقن الحادة يخَاف مِنْهَا على الْقلب والدماغ. وَكَثِيرًا مَا يحقن فَلَا يسهل بل يصدع ويثير فَيجب أَن يعان من فَوق. وَرُبمَا كَانَ استطلاق من فَوق وسدة من أَسْفَل فَيحْتَاج أَن يثخن من فَوق بالقوابض حَتَّى يصير الْجِنْس وَاحِدًا ثمَّ يستفرغ وَيجب أَن تلين الحقن إِذا كَانَت هُنَاكَ حمى وَيكثر دهنها ليكسر ملوحة الْملح الَّذِي رُبمَا احْتِيجَ إِلَى دِرْهَمَيْنِ وَنصف مِنْهُ. وَإِذا كَانَت الحقنة لَا تنزل شَيْئا فاسقِ أيارج فيقرا المخثر أَو الْيَابِس وَذَلِكَ عقيب تنَاول(2/633)
مثل الشهرياران والتمري. وَلَا يجب أَن يقوى أيارجهم بالغاريقون فَإِنَّهُ غواص مُقيم فِي الأحشاء وَيجب أَن لَا يحقن وَفِي الْمعدة شَيْء فيجذب خاماً إِلَى أَسْفَل وَيجب أَن لايدارك بالحقن بل يُوقع بَينهَا مهلة. والقولنج الصفراوي تتلقى نوائبه بِشرب حب الذَّهَب وَرُبمَا اتّفق إِن كَانَت الْأَدْوِيَة الجاذبة من الْبدن تجذب إِلَى الأمعاء أخلاطاً رَدِيئَة آخرى وَرُبمَا جذبت أخلاطاً ساحجة {فيجتمع السحج والقولنج مَعًا. وَهَذَا من الْآفَات الْمهْلكَة. وأردأ مَا يسقى فِي القولنج من المسهلات أَن يكون كثير الحجم متفرزاً مِنْهَا فَلَا يبْقى فِي الْمعدة بل الْحُبُوب والأبارجات وكل مَا هُوَ أقل حجماً وأعطر رَائِحَة فَهُوَ أولى بالسقي. وَيجب أَن تكون الْعِنَايَة بِالرَّأْسِ شَدِيدَة جدا حَتَّى لَا يقبل أبخرة مَا يحتبس فِي الْبَطن وأبخرة الْأَدْوِيَة الحادة الَّتِي لَا بُد من اسْتِعْمَالهَا فِي أَكثر الْعِلَل القولنجية. فَرُبمَا أدّى ذَلِك} إِلَى الوسواس واختلاط الْعقل وكل مَحْذُور فِي القولنج. وَمِمَّا يتَوَلَّد بِسَبَبِهِ من الْمضرَّة أَن الطَّبِيب لَا يُمكنهُ أَن يتعرف صُورَة الْحَال من العليل فيهتدي إِلَى وَاجِب العلاج. وَهَذِه الْعِنَايَة تتمّ بالطيب الْبَارِدَة وبالأدهان الْبَارِدَة وَسَائِر مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي تبريد مزاج الرَّأْس وَرُبمَا اتّفق أَن تكون الْحَاجة إِلَى تسخين المعي مُقَارنَة للْحَاجة إِلَى تبريد الكبد فيراعى ذَلِك بالأضمدة المبرّدة للكبد وَنَحْوهَا وتصان نَاحيَة الكبد عَن ضمادات الْبَطن ومروخاتها الحارة وَكَذَلِكَ حَال الْقلب وأوفق مَا يبرّد بِهِ العصارات الْبَارِدَة مَعَ الكافور والصندل وَيجب حِينَئِذٍ أَن يَجْعَل بَين نواحي الأمعاء ونواحي الكبد وَالْقلب حاجز من ثوب أَو خمير أَو نَحوه يمْنَع أَن يسيل مايخص أَحدهمَا إِلَى الآخر. والعطش يكثر بهم وَلَيْسَ إِلَّا أَن يشرب الْقَلِيل إِذا كَانَ ذَلِك الْقَلِيل ممزوجاً بِشَيْء من الْجلاب كَانَ أَنْفَع شَيْء للعطش لمحبة الكبد الشَّيْء الحلو وتنفيذه لَهُ. علاج القولنج الْبَارِد: وَأما تَدْبِير القولنج الْبَارِد على سَبِيل القانون فَأن لَا يُبَادر فِيهِ إِلَى التخدير فَإِن المبادرين إِلَى تسكين الوجع بالمخدرات يركبون أمرا عظيماَ من الْخطر لَيْسَ هُوَ بعلاج حَقِيقِيّ فِي شَيْء وَذَلِكَ لِأَن العلاج الْحَقِيقِيّ هُوَ قطع السَّبَب والتخدير تَمْكِين للسبب وإابطال للحس بِهِ وَذَلِكَ لِأَن السَّبَب إِن كَانَ خلطاً غليظاً صَار غلظ أَو بَارِدًا أَو نفس برد مزاج صَار أبرد أَو ريحًا ثخينة صَارَت أثخن أَو شدَّة تكاثف جرم المعي فَلَا ينْحل مِنْهَا المحتبس فِيهَا صَار أَشد تكاثفاً وَيعود الْأَلَم بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَشد مِمَّا كَانَ فَلَا يجب أَن يشْتَغل بِهِ مَا أمكن وَمَا وجد عَنهُ مندوحة بل يشْتَغل بتبعيد السَّبَب وتقطيعه وتحليله وتوسيع مسام مَا احْتبسَ فِيهِ بإرخائه.(2/634)
وَأكْثر مَا يُمكن هَذَا بأدوية ملطفة لَيست شَدِيدَة الآسخان فَإِن شَدِيد الإسخان إِذا طَرَأَ على الْمَادَّة بَغْتَة لم يُؤمن أَن يكون مَا يهيجه من الرّيح وَمَا يحلله من الْمَادَّة أَكثر مِمَّا يحلله من الرّيح بل يجب أَن يكون قدره الْمِقْدَار الَّذِي يفعل فِي الرّيح تحليلاً قَوِيا وَفِي الْمَادَّة الرّطبَة تلطيفاً وإنضاجاً لَا تحليلاً قَوِيا وَلذَلِك رُبمَا كفا هجر الطَّعَام وَالشرَاب أَيَّامًا وَلَاء وَكَذَلِكَ فَإِن التكميد رُبمَا هاج وجعاً شَدِيدا فيضطر حِينَئِذٍ إِمَّا إِلَى ترك التكميد وَإِمَّا إِلَى التّكْرَار والاستكرار مِنْهُ لتحليل مَا هيجُه الأول من الرّيح. ثمَّ إِذا اسْتعْملت الحقن المستفرغة فَيجب أَن كَانَ الثفل محتبساً أَن يبتدىء أَولا بِمَا فِيهِ إزلاق للثفل للعابات فِيهِ وأدهان وأدوية ثفلية وَهِي الَّتِي تصلح لعلاج القولنج الثفلي الصّرْف هَذَا إِن كَانَ ريحياً ثمَّ بعد ذَلِك يسْتَعْمل الحقن المستفرغة للبلغم إِن كَانَ بلغمياً أَو المحللة للريح المستفرغة وَيجب أَن تعلم أَنه رُبمَا استفرغ كل شَيْء من الأخلاط وَبَقِي شَيْء قَلِيل هُوَ المصاقب لناحية الْأَلَم وَالْفَاعِل للألم فَيجب أَن لَا يُقَال أَن العلاج لَيْسَ ينفع بل يستفرغ ذَلِك أَيْضا بالحقن وَرُبمَا كَانَ ذَلِك ريحًا وَحدهَا وَيدل عَلَيْهِ دَلَائِل الرّيح فَيجب أَن يسْتَعْمل الحقن المقوية للعضو والمحللة للريح بالتسخين اللَّطِيف. وَرُبمَا كفى حِينَئِذٍ شرب معجون قوي حَار مثل الترياق وَنَحْوه وَرُبمَا كفى وضع المحاجم بالنَّار على مَوضِع الوجع وَرُبمَا كَفاهُ شرب البزور المحلّلة للرياح وَرُبمَا كفى شرب الشَّرَاب المسخن وَرُبمَا كَفاهُ الأضمدة المحللة. والأقوى مِنْهَا المحمّرة الخردلية فَإِنَّهَا رُبمَا حلّلت وَرُبمَا جذبت الْمَادَّة إِلَى عضل الْبَطن. ومياه الحمات فِي الوجع الشَّديد إِذا استحم بهَا نَفَعت أيصاً وَالْمَاء النوشادري عَجِيب فِي ذَلِك مطلقاَ وَلَو شرباً إِن كَانَ بِحَيْثُ يحْتَمل شربة. وَكَذَلِكَ الأبزن الْمُتَّخذ من مَاء طبخ فِيهِ الْأَدْوِيَة المحللة الملطفة وَرُبمَا كفى الدَّلْك اللَّطِيف للبطن مَعَ ذَلِك قوي للساق وَرُبمَا هيج الوجع شرب المَاء الْبَارِد وَهُوَ أضرّ شَيْء فِي هَذِه الْعلَّة مَعَ قلَّة الْغذَاء فِي إسكان الْعَطش. والنبيذ الصلب الْقَلِيل خير مِنْهُ والحار أسكن للوجع. وأضر شَيْء بهؤلاء الْبرد والهواء الْبَارِد. كَمَا أَن أَنْفَع الْأَشْيَاء لَهُم هُوَ الْحر والهواء وَالْمَاء الحاران. وَإِذا كَانَ السَّبَب برد الأمعاء وَكَانَت المراق رقيقَة أسْرع إِلَى صَاحبه القولنج كل وَقت فَيجب أَن يدفأ بَطْنه دَائِما وَيمْنَع عَنهُ الْبرد بِمَا يلبس من وبر أَو يشدُ عَلَيْهِ مِنْهُ وَاسْتِعْمَال المروخات من الأدهان الحارة والنطولات الحارة الَّتِي سنذكرها نَافِع مِنْهُ.(2/635)
وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى تكميدات وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يَجْعَل فِي أدهانه الحارة الجندبيدستر والأوفربيون وَمَا كَانَ من القولنج الْبَارِدَة سَببه مَا ذَكرْنَاهُ من تحلب شَيْء فشيء إِلَى مَوضِع مؤف فَيحدث حِينَئِذٍ الوجع فعلاجه استفراغ لطيف مفرق متواتر إِلَّا أَن يغلم أَن هُنَاكَ مَادَّة كَثِيرَة فتستفرغ. وَأما على سَبِيل التحلب والتولد فَالْوَاجِب أَن يسقى عِنْد وَقت نوبَة الوجع وَفِي ليله شَيْئا مثل حب الصَّبْر وَحب الأيارج وَالْحب الْمركب من شَحم الحنظل والسقمونيا والسكبينج وَالصَّبْر يسقى من أَيهَا كَانَ نصف مِثْقَال إِلَى ثُلثي مِثْقَال فَإِن هَذَا إِذا داموا عَلَيْهِ أَيَّامًا وَأَصْلحُوا الْغذَاء عوفوا وخلصوا. القوانين الْخَاصَّة بالريحي من بَين القولنج الْبَارِد: وَيجب أَن يسْتَعْمل الحقن والحمولات والأضمدة الَّتِي نذكرها ويهجر الْغذَاء أصلا وَلَو أَيَّامًا ثَلَاثَة وينام مَا أمكنه ويجتهد فِي قلع مَادَّة الرّيح بالحقنة الجلاّءة وَفِي تسخين الْعُضْو بهَا وَمن خَارج على النَّحْو الَّذِي ذَكرْنَاهُ قبل. فَإِن لم يخف أَن هُنَاكَ خلطاً فيسخن مَا شِئْت وكمد مَا شِئْت واجتهد أَيْضا فِي وضع المحاجم بالنَّار من غير شَرط وَإِذا كَانَت الطبيعة مجيبة فليستعن بالدلك الرَّقِيق لموْضِع الوجع والتمريخ بِمثل دهن الزنبق وَهن الناردين ودهن البان مسخّنات والتكميد بالجاورس وَالْملح المسخن على الْمِقْدَار الَّذِي ترَاهُ أوفق وتجرب أشكال الاضجاع. والآستلقاء والانبطاح أَيهَا أوفق لَهُ وأدفع للريح وَمِمَّا يَنْفَعهُ من المشروبات أَن يسقى الكروايا وبزر السذاب فِي مياه البزور أَو فِي الشَّرَاب الْعَتِيق أَو فِي مَاء الْعَسَل أَو مَعَ الفانيذ وَرُبمَا سقِِي الفلونيا فخلص. فصل فِي صفة المسهّلات لمن بِهِ قولنج بَارِد من ريح أَو مَادَّة بلغمية حقنة تخرج البلغم والثفل: يُؤْخَذ من الحسك والبسفايج والحلبة والقرطم وَمن السبستان أَجزَاء سَوَاء وَمن التربد وزن دِرْهَمَيْنِ وَمن شَحم الحنظل الصَّحِيح الْغَيْر المدقوق وزن نصف مِثْقَال وَمن التِّين عشرَة عددا وَمن بزر الْكَتَّان وَمن بزر الكرفس والأنيسون والقنطوريون الدَّقِيق وحبّ الخروع المرضوض والبنفسج من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم وَمن السذاب باقة وَمن ورق الكرنب قَبْضَة يطْبخ فِي مَاء كثير بِرِفْق حَتَّى يعود إِلَى قَلِيل ويمرس ويصفى وَيُؤْخَذ مِنْهُ قريب مائَة دِرْهَم ويداف فِيهِ من الْخِيَار شنبر وزن سَبْعَة دَرَاهِم وَمن السكر الْأَحْمَر وزن سَبْعَة دَرَاهِم وَمن السكبينج والمقل من كل وَاحِد وزن دِرْهَم وَمن البورق وزن مِثْقَال وَمن دهن الشيرج خَمْسَة عشر درهما ويحقن بِهِ وَرُبمَا جعل فِيهِ من مرَارَة الثور. يُؤْخَذ أخلاط تِلْكَ الحقنة وَيجْعَل فِيهَا من الشَّحْم أَكثر من ذَلِك وَيُؤْخَذ حب الخروع وزن خَمْسَة دَرَاهِم ويحلب فِي مَاء اللبلاب وَيصب على مَا يصفى عَنهُ الحقنة(2/636)
الأولى يَجْعَل بدل الْخِيَار شنبر وَالسكر وزن خَمْسَة عشر درهما عسلاً وَيجْعَل دهنه دهن القرطم وَيجْعَل فِيهِ مثل السكبينج جاوشير أَعنِي نصف دِرْهَم وَيسْتَعْمل. وَرُبمَا جعل فِيهِ دهن الخروع. وَكَثِيرًا مَا يقْتَصر على طبيخ البزور والحاشا والصعتر والزوفا والكمون وَفطر اسالبون وبزر السذاب والبسفايج والقنطوريون والفوذنج والانجذان ثمَّ يداف فِيهَا عصارة قثاء الْحمار قَرِيبا من نصف دِرْهَم ويحقن بِهِ أَو يطْبخ مَعهَا أصُول قثاء الْحمار وَشَيْء من شَحم الحنظل ويداف فِيهِ سكبينج وجاوشير ومقل من كل وَاحِد وزن دِرْهَم ويحقن بِهِ. وَكَثِيرًا مَا طبخت هَذِه الْأَدْوِيَة فِي زَيْت أَو دهن حَار وأحتقن بِهِ. وَكَثِيرًا مَا يحقن بالسكنجبينات الْمُقطعَة فَاعْلَم ذَلِك. سكنجبين يحقن بِهِ أَصْحَاب القولنج: يُؤْخَذ من الْخلّ قسط وَمن الْعَسَل قسط وَمن شَحم الحنظل ثَلَاثَة مَثَاقِيل وَمن الفلفل آوقية وَمن الزنجبيل أوقيتان وَمن بزر السذاب البستاني وَمن الحماما وَمن الكاشم وَمن الأنيسون والأفتيمون من كل وَاحِد أَرْبَعَة مَثَاقِيل وَمن الكمّون الْكرْمَانِي وزن مثقالين وَمن بزر الشبث مثقالان وَمن البسفايج أُوقِيَّة يرض ذَلِك كُله ويطبخ فِي الْخلّ وَالْعَسَل حَتَّى ينتصف ثمَّ يصفى ويحقن بِهِ وَرُبمَا جعل فِيهِ إنجدان ونشاستج أَيْضا وَلَيْسَ أَنا شَدِيد الْميل إِلَى مثل هَذَا من التَّدْبِير. حملان وحقنة نافعة مسكنة للوجع لبَعض القدماء جَيِّدَة: وَذَلِكَ أَن يُؤْخَذ صَبر وجندبادستر وميعة وعلك الأنباط من كل وَاحِد أُوقِيَّة عصارة بخور مَرْيَم طري أوقيتان أفيون أُوقِيَّة وَنصف يحْتَفظ بِهِ وَيسْتَعْمل مِنْهُ عِنْد الْحَاجة قدر باقلاة وَيجْعَل فِي بعض الحقن وَرُبمَا جعل فِي بعض اهال الشحوم والأدهان وحقن بِهِ. حقنة ة لَا نَظِير لَهَا فِي قوتها إِذا كَانَ ثفل عَاص مَعَ بلاغم شَدِيدَة اللزوجة متناهية فِي الْقُوَّة والعصيان: وَهُوَ أَن يحقن بِمَاء الأشنان الرطب يُؤْخَذ مِنْهُ نصف رَطْل مَعَ أُوقِيَّة دهن حلّ وَخَمْسَة دَرَاهِم بورق. وَأقوى من هَذَا أَن يُؤْخَذ من حب الشبرم وورق المازريون والكردمانا المقشر وبخور مَرْيَم وَهُوَ عرطنيثا وقشور الحنظل وشحم وقثاء الْحمار وَتَربد وبسفايج يطْبخ الْجَمِيع فِي المَاء على الرَّسْم فِي مثله ثمَّ يلقى على سلاقته دهن الخروع وَالْعَسَل ومرارة الْبَقر ويحقن بِهِ أَو تجْعَل هَذِه الْأَدْوِيَة فِي دهن حَار ويحتقن بهَا ودهن قثار الْحمار إِذا احتقن بِهِ فَرُبمَا آخرج بلغماً لزجاً كثيرا إِذا صَبر على الحقنة سَاعَات وَكَذَلِكَ دهن الفجل والكلكلانج والخروع وَرُبمَا احْتِيجَ عِنْد شدَّة الوجع أَن يَجْعَل فِي هَذَا الحقن حلتيت وأشق وزرق الْحمام والقطران خَاصَّة بِمَا يسخن من الْعُضْو والأوفربيون فِي بعض الْأَوْقَات وَرُبمَا احتقن بالقطران مَضْرُوبا فِي مَاء الْعَسَل الْكثير الأفاويه فيسكن الوجع وعصارة بخور مَرْيَم عَجِيبَة جدا وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى سقمونيا وأوفربيون وَغَيره وَقد يمدحون دَوَاء يُسمى ذَنْب الفار إِذا وَقع فِي الحقنة انْتفع بِهِ وَرُبمَا حقن بِوَزْن دِرْهَمَيْنِ جندباستر فِي زَيْت. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من الزفت وزن ثَلَاثَة دَرَاهِم(2/637)
يصب عَلَيْهِ من الطلاء ودهن السذاب وَالسمن من كل وَاحِد اسكرجة وَيسْتَعْمل. وَرُبمَا جعل فِي الحقنة القوية ورق التِّين وَلبن ولحاء الشّجر. أدوية مشروبة مسهلة للبلغمي: من الْحُبُوب القوية النَّفْع فِي ذَلِك حب الشبرم بالسكبينج وَأَيْضًا حب السكبينج بالشقاقل وحبّ السكبينج بالحرمل وَأَيْضًا يُؤْخَذ تَرَبد وصبر سقطري وشحم الحنظل أَجزَاء سَوَاء سقمونيا ثلث جُزْء يجمع بِعَسَل منزوع الرغوة ويحبب. حبّ جيد للبلغمي: يُؤْخَذ من شَحم الحنظل وزن دانق وَمن التربد وزن دِرْهَم وَمن عصارة قثاء الْحمار وزن نصف دانق وَمن الجندبادستر وزن دانق وَمن الزنجبيل وزن دانق وَمن أيارج وَأما المسهلات الآخرى فَمثل الأسقفي والتمري والشهرياران والأيارج مقوى بشحم الحنظل وَمَعَهُ دهن الخروع وَمثل السفرجلي. وَإِذا اخْتَلَط ثفل وبلغم وَكَانَ الثفل كثيرا متبندقاً لَا يُجيب دعت الضَّرُورَة إِلَى اسْتِعْمَال مسلات قَوِيَّة مِنْهَا حب بِهَذِهِ الصّفة: يُؤْخَذ أوفربيون وَحب المازريون النقي وسقمونيا بِالسَّوِيَّةِ والشربة مِنْهُ دِرْهَم. مسهّل آخر قوي جدا: يُؤْخَذ قفيز من زبل الْحمام وحزمة شبث ودورق مَاء فيطبخ إِلَى النّصْف ويصفى ويسقى مِنْهُ أوقيتان وَهُوَ شَدِيد الْقُوَّة والخطر. وَجَمِيع اليتوعات تحل أَلْبَانهَا القولنج مثل اللاعية وَمثل الشبرم وَنَحْوه وَيعرف حبه بحب الضراط وَمثل ضرب من اليتوعات عَلَيْهِ كآذان الفار يشبه المرزنجوش الْكَبِير الْوَرق ويتعالج بِهِ من لدغ الْعَقْرَب وَله لبن كثير وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْأَدْوِيَة المفردة. صفة حمولات قَوِيَّة تخرج الثفل الْكثير مَعَ البلغم اللزج: مِنْهَا أَن تطلب الْملح الحجري فَيحمل مِنْهُ بلوطة وَيجب أَن يكون طولهَا سِتَّة أَصَابِع وَمِنْهَا بلوطة كَبِيرَة تتَّخذ من خرء الفار أَو تتَّخذ فَتِيلَة من الفجل وتلوث بالعسل وتحتمل أَو بلوطة من عسل مخلوط بشحم حنظل وبلوطة من قثاء الْحمار وشحم الحنظل ومرارة الْبَقر والنطرون وَالْعَسَل أَو شَحم حنظل مَعَ فانيذ سجزي وَحده وَأَيْضًا شَحم الحنظل عنزروت فانيذ وَأَيْضًا عسل ورجين وشحم الحنظل وملح نفطي أَجزَاء سَوَاء وَأَيْضًا شَيْء مُشْتَرك للبلغمي والثفلي والريحي. نسخته: يُؤْخَذ من شَحم الحنظل وَمن الجندبادستر من كل وَاحِد مثل نواة وَمن القطران ملعقتان يسْتَعْمل مَعَ شَيْء من عسل. وعصارة بخور مَرْيَم قَوِيَّة جدا يحْتَاج إِلَيْهَا إِذا لم ينجع شَيْء. وَكَثِيرًا مَا يحْتَاج إِلَى اسْتِعْمَال السقمونيا وبزر الأنجرة بل الأوفربيون. صفة حقنة جَيِّدَة للريحي: تُؤْخَذ الحاشا والزوفا والسذاب الْيَابِس والصعتر(2/638)
والشوصرا والوج وبزر السذاب وبزر الفنجنكشت. وحبّ الخروع المرضوض والبابونج والحسك والقنطوريون والشبث والبزور الثَّلَاثَة يَعْنِي بزر الكرفس والرازيانج والكمّون والانجدان والفطراس اليون أَجزَاء سَوَاء يطْبخ فِي عصارة السذاب والفوتنج طبخاً شَدِيدا فِي عصارة كَثِيرَة حَتَّى يرجع إِلَى قَلِيل ثمَّ يُؤْخَذ من الزَّيْت جُزْء وَمن العصارة المطبوخة جزءان ويطبخان حَتَّى يبْقى الزَّيْت وحح! ثمَّ يُؤْخَذ مِنْهُ قدر حقنة وَيجْعَل فِيهِ شَحم البط والماعز وَشَيْء من جاوشير وسكبينج ويحقن بِهِ. وَإِن أخذت العصارة نَفسهَا وَحل فِيهَا من الصموغ الْمَذْكُورَة مَعَ شحومها وَجعل فِيهَا وزن عشرَة دِرْهَم عسل واحتقن بِهِ كَانَ نَافِعًا. وَإِدْخَال الجندبادستر والحلتيت فِي حقنهم نَافِع جدا. وَرُبمَا حقن بِوَزْن عشْرين درهما زيتاً قد أذيب فِيهِ وزن عشرَة دَرَاهِم ميعة سَائِلَة فَكَانَ نَافِعًا وَرُبمَا احتقن بالبورق الْكثير المحلول فِي عصارة السذاب والمبلغ إِلَى عشرَة دَرَاهِم أَو من الْملح إِلَى خَمْسَة عشر درهما وَقد يحقنون بدهن السذاب ودهن الناردين ودهن البابونج ودهن الفجل ودهن الميعة ودهن الخروع. صفة حمولات للرياح: يسحق السذاب بِمَاء الْعَسَل حَتَّى يصير كالخلوق وَيجْعَل مَعَه نصفه كمون وربعه نطرون ويتخذ مِنْهُ بلوطة طولهَا سِتَّة أَصَابِع وَأَيْضًا حمول متخذ من بزر السذاب والجندبادستر مَعَ عسل ومرارة الْبَقر وبورق من كل وَاحِد مِنْهَا نصف مِثْقَال وَأَيْضًا سكبينج ومقل وبورق وحنظل وخطمي يتَّخذ مِنْهَا بلوطة. حقن وحمولات لصَاحب برد الأمعاء بِلَا مَادَّة: أما حقن من بِهِ قولنج من مزاج بَارِد بِلَا مَادَّة وحمولاته فَهِيَ مثل حقن أَصْحَاب القولنج الريحي وحمولاته وَرُبمَا نفعهم القطران وَحده إِذا احتقن بِوَزْن دِرْهَمَيْنِ مِنْهُ فِي زَيْت وَكَذَلِكَ يَنْفَعهُمْ فرق الْحمام وَحده إِذا احتقن فِي عصارة الفوتنج ودهن حبّ الخروع. الأبزن والحمامات والنطولات: الابزن شَدِيد النَّفْع من أوجاع القولنج وخصوصاً إِذا كَانَ مَاؤُهُ مَاء طبخت فِيهِ الْأَدْوِيَة القولنجية فَإِنَّهُ بحرارته المستفادة من النَّار وبقوّته المستفادة من الْأَدْوِيَة يحلل سَبَب الورم وبرطوبته مَعَ حرارته يُرْخِي الْعُضْو فيسهل انفشاش السَّبَب الْفَاعِل للوجع ويرخي عضل المقعدة وَذَلِكَ مِمَّا يعينَ على اندفاع المحتبس. لَكِن الابزن يحدث الكرب والغشي بِمَا يُرْخِي من الْقُوَّة فَيجب أَن يسْتَعْمل الضَّعِيف على تحزز وَيقرب مِنْهُ عِنْد اسْتِعْمَاله إِيَّاه مَا يُقَوي الْقُوَّة من رَوَائِح الْفَاكِهَة والعطر والكردياج وَالْخبْز الْحَار وَمَا يستلذه ويسكن إِلَيْهِ ويجتهد حَتَّى لَا يغمر المَاء صَدره وَقَلبه.(2/639)
ومياه الحمأة شَدِيدَة الْمُوَافقَة للقولنج الْبَارِد إِذا جلس فِيهَا كَمَا أَن الحمامات العذبة الأولى بِهِ أَن لَا يقربهَا. وَإِذا ملىء بعض الْأَوَانِي من مياه الحمأة أَو مياه طبخ فِيهَا الْأَدْوِيَة القولنجية وَفرق فِي أَصله ثقوب كَثِيرَة لَا تكَاد تحس لضيقها واستلقى العليل وَرفع الْإِنَاء عَنهُ إِلَى قدر قامة وَيتْرك يقطر مِنْهُ على بَطْنه قطراً مُتَفَرقًا متواتراَ كَانَ شَدِيد النَّفْع جداَ. كَلَام فِي كَيْفيَّة الحقن وآلاته: أما أنبوبة الحقنة فأجود شكل ذكر لَهَا الْأَوَائِل أَن تكون الأنبوبة قد قسم دائرتها بِثلث وثلثين وَجعل بَينهمَا حجاب من الْجَسَد الْمُتَّخذ مِنْهُ الأنبوبة وَقد ألحم بالأنبوبة إلحاماَ شَدِيدا فَصَارَ حِجَابا بَين جزأيه الْمُخْتَلِفين وَيكون الزق مهندماً فِي فَم الْجُزْء الْأَكْبَر من جزأيه وَيكون فَم الْجُزْء الْأَصْغَر مَفْتُوحًا. وَإِن كَانَ الزق مهندماً على جملَة الأنبوبة سد رَأس الْجُزْء الْأَصْغَر بلحام قوي لِئَلَّا يدْخلهُ الْهَوَاء وَيكون لَهُ تَحت الزق فِي مَوضِع لايدخل المقعدة منفذ يخرج مِنْهُ الرّيح. فَإِذا اسْتعْملت الحقنة وحفرت بِقُوَّة الرّيح عَادَتْ الرّيح وَخرجت من الْجُزْء الَّذِي لَا تدخله الحقنة فاستقرت الحقنة استقراراً جيدا لِأَن الرّيح هِيَ الَّتِي تعود بهَا إِلَى خَارج وَتخرج إِلَى الْقيام بِسُرْعَة ثمَّ يجب أَن يتَأَمَّل فَإِن كَانَ الوجع مائلاً إِلَى نَاحيَة الظّهْر حقنت العليل مستلقيأ وَهَذَا أولى بِمن كَانَ قولنجه بمشاركة الْكُلية وَإِن كَانَ مائلاً إِلَى قُدَّام حقنته باركاً. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الحقن باركاً أوصل للحقنة إِلَى معاطف الأمعاء وَقد يحقن مُضْطَجعا على الْيَسَار وَقد وسد الورك بمرفقه وأشال الرجل الْيُمْنَى مُلْصقًا إِيَّاهَا بالصدر وَترك الرجل الْيُسْرَى مبسوطة فَإِذا حقن نَام على ظَهره وَكَذَلِكَ كل من يحقن. وَمن النَّاس من لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك وَمن النَّاس من الأصوب لَهُ أَن يدْخل الْخِنْصر فِي مقعدته مراراَ وَقد مسح بالقيروطي حَتَّى تتسع وتتهندم فِيهِ الأنبوبة. وَمن النَّاس من لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك فَإِذا أردْت أَن تحقن فاعمل مَا ترَاهُ من ذَلِك ثمَّ امسح الأنبوبة والمقعدة بالقيروطي وأدفعها فِيهَا دفعا لَا يوافي محبساً من الأمعاء بل لَا يُجَاوز المعي الْمُسْتَقيم وَإِذا وَقع كَذَلِك لم تدخل الحقنة وَإِذا سويت الأنبوبة فِي موضعهَا فصب الحقنة الرقيقة ثمَّ أعصرها بكلتا يَديك عصراً جيدا مُتَّصِلا لَيْسَ بدلك العنيف فكثيراً مَا يتَّفق أَن تنْدَفع الحقنة فى مثل ذَلِك إِلَى بعيد فَوق مَكَان الحاجه. وَالصَّوَاب عِنْد مثل ذَلِك وَعند اندفاع الحقنة إِلَى فَوق أَن يمد شعر الرَّأْس ويرش المَاء الْبَارِد على الوجع ويعان على جذب الحقنة إِلَى أَسْفَل. وَاعْلَم أَن الحقنة إِذا اسْتعْملت لم يكن بدّ من اسْتِعْمَال الحمولات لتحدرها مَعَ الْعلَّة. وَمَعَ هَذَا فَلَا يجب أَن يكون زرقك للحقنة بذلك الرَّقِيق فَلَا تبلغ الحقنة مَكَان الْحَاجة وَإِذا أزعجت الحقنة ومالت إِلَى الْخُرُوج فَلَا تمنع من ذَلِك بل أعدهَا من ساعتها كَمَا هِيَ وَيجب أَن لَا يحقن الْمَرِيض وَهُوَ يعطس أَو يسعل. وَاعْلَم أَن الحقنة المعتدلة لقدر لَا تبلغ مَنْفَعَتهَا الأمعاء الْعَالِيَة وَإِذا كَانَت كَثِيرَة أَكثر ضررها وَخيف من إذاتها. والثخينة تلْزم وَتفعل مضرَّة كَثِيرَة والرقيقة لَا تَنْفَع وَتَكون فِي حكم القليلة.(2/640)
فِي تَدْبِير سقِِي دهن الخروع فِي علاج القولنج الْبَارِد لمن يعتاده: إِن سقِِي دهن الخروع من أَنْفَع الْأَشْيَاء لَهُم إِذا قدر على واجبه وَفِي وقته وبماء البزور. وَإِنَّمَا يسقى بعد أَن ينقى الْبدن بِمثل حب السكبينج أَو غَيره ويسقى فِي الْيَوْم الأول وزن مثقالين وَفِي الْيَوْم الثَّانِي يُزَاد نصف مِثْقَال وَكَذَلِكَ يُزَاد فِي كل يَوْم نصف مِثْقَال إِلَى مِثْقَال إِلَى السَّابِع. ثمَّ لَا بَأْس بِأَن ينزل قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى يكون قد وافى مثقالين وَله أَن يقف عِنْد السَّابِع وَكلما صبه على مَاء البزور خلطه خلطاً شَدِيدا بالمخوض. وَيجب فِي كل يَوْم يشربه أَن يُؤَخر الْغذَاء مَا بَين سِتّ صاعات إِلَى قرب من عشر سَاعَات وَحَتَّى لَا يحس بحساء فِيهِ رَائِحَته ثمَّ يتغذى عَلَيْهِ الآسفيذباجات. وَإِن اشْتهى الحموضة فالزيرباجات وَيكون شرابه مَاء الْعَسَل وَيجب أَن يحفظ أَسْنَانه بعد شربه بِأَن يدلكها بالملح المقلو ثمَّ يتبعهُ دهن الْورْد الْخَالِص يتدلك بِهِ وَإِذا فرغ من اسْتِعْمَاله شرب بعده أيارج فيقرا مقوّى بشحم الحنظل أَو نَحوه أَو غير مقوى إِن لم يحْتَج إِلَيْهِ فَإِن أيارج فيقرا يدْفع مضرته عَن الرَّأْس وَالْعين. صفة أدوية تَنْفَع أَصْحَاب القولنج الْبَارِد على سببل الهضم والإصلاح أَو الخاصية لَيْسَ على سَبِيل الاستفراغ: وَهَذِه الْأَدْوِيَة مشروبات وضمادات وكماعات ومروخات وحيل آخرى. فَمن المشروبات الثوم فَإِن الثوم لَهُ خاصية عَجِيبَة فِي تسكين أوجاع القولنج الْبَارِد مَعَ أَنه لَيْسَ لَهُ تعطيش كالبصل وَرُبمَا تنَاول مِنْهُ القولنجي عِنْد إحساسه بابتداء القولنج الْبَارِد وهجر الطَّعَام أصلا وأمعن فِي الرياضة وَلَا يَأْكُل شَيْئا بل يبيت على شربة من الشَّرَاب الصّرْف فَيقبل وَيُعَافى. وَمن المشروبات المسكنة لأوجاعهم أَن يسقوا أفسنتين وكمّوناً أَجزَاء سَوَاء أَو يسقوا حشيشة الجاوشير وَحدهَا أَو مَعَ كمون أَو يُؤْخَذ أنيسون وفلفل وجندبادستر أَجزَاء سَوَاء ويسقى مِنْهَا وزن دِرْهَم وَنصف أَو يسقوا الشجرينا والكمّوني والترياق إِن لم يمْنَع من ذَلِك مَانع حَاضر. والجندباستر مَعَ الفودنج عَجِيب جدا. وَمِمَّا جرب أَن يسقى أصل السوسن أَرْبَعَة دَرَاهِم فِي مَاء طبخ فِيهِ فراسيون أَو فِي مَاء الْجُبْن والسوسن نَفسه هَذَا الْقدر وَأَيْضًا يسقى من الْحَرْف وزن خَمْسَة دَرَاهِم فِي مَاء الفانيذ السجْزِي وأوقية من دهن السمسم وَأَيْضًا لحاء أصل الغرب أَرْبَعَة دَرَاهِم زنجبيل ثَلَاثَة دَرَاهِم الْجَوْز وَالتَّمْر من كل وَاحِد سِتَّة دَرَاهِم وَمن المَاء العذب قسط ترضّ الْأَدْوِيَة وتطبخ فِي المَاء حَتَّى يبْقى الثُّلُث وَيكون تحريكه بقضبان السذاب ويسقى مِنْهُ كل يَوْم أوقيتان.(2/641)
وَأَيْضًا يُؤْخَذ قشور أصل الغرب وقضبان السذاب والزنجبيل يطْبخ فِي أَرْبَعَة أَمْثَاله مَاء حَتَّى يبْقى الثُّلُث يسقى مِنْهُ فِي كل يَوْم أوقيتان وَيفْعل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام وَيرَاح ثَلَاثَة وَيجب إِذا سقوا مَاء الْعَسَل أَن يكون شَدِيد الطَّبْخ فَإِن ضَعِيف الطَّبْخ يُورث النفخ وَالَّتِي لَهَا فعل يصدر عَن خاصية مرقة الهدهد وجرمه. وَأَيْضًا الخراطين المجففة نافعة مِمَّا ذكرُوا فِي أوجاع القولنج. وَأما خرء الذِّئْب الَّذِي يكون عَن عِظَام أكلهَا وعلامته أَن يكون أَبيض لَا خلط فِيهِ من لون آخر وخصوصاً مَا طَرحه على الشوك فَإِنَّهُ أَنْفَع شَيْء لَهُ ويسقى فِي شراب أَو فِي مَاء الْعَسَل أَو يلعق فِي عسل ملعقات بعد أَن يعجن على الرَّسْم أَو يطيب بملح وفلفل وَشَيْء من الأفاويه فَإِن وجد فِي خرئه عظم كَمَا هُوَ فَهُوَ عَجِيب أَيْضا. ويدعى أَن تَعْلِيقهَا نَافِع فضلا عَن شربهَا ويأمرون أَن يعلق فِي جلد نامور أَو أيل أَو صوف كَبْش تعلّق بِهِ الذِّئْب وانفلت مِنْهُ. وجالينوس يشْهد بنفعه تَعْلِيقا وَلَو فِي فضَّة. وَقد قيل أَن جرم معي الذِّئْب إِذا جفف وسحق كَانَ أبلغ فِي النَّفْع من زبله وَلَيْسَ ذَلِك بِبَعِيد. وَمِمَّا يجْرِي هَذَا المجرى العقارب المشوية فَإِنَّهَا شَدِيدَة المنفغة من القولنج وَيجب أَن يجرب هَذَا على القولنج الصَّحِيح حَتَّى لَا يكون مجربوه على قولنج كَاذِب هُوَ تَابع لحصاة الْكُلية فَتَقَع فِي حَصَاة الْكُلِّي بِالذَّاتِ وَفِي القولنج بِالْعرضِ. وَمِمَّا يحمد فِي أوجاع القولنج واشتداد الوجع أَن يسقى قرن أيل محرق فيزعمون أَنه يسكن الوجع من سَاعَته. فِي أضمدة القولنج الْبَارِد: وَأما الأضمدة فَمِنْهَا أضمدة فِيهَا إسهال مَا كأضمدة نتَّخذ من شَحم الحنظل مَعَ لبّ القرطم وأطلية تتَّخذ من مرَارَة الْبَقر وشحم الحنظل وَنَحْوه وَمِنْهَا أضمدة لَا يقْصد بهَا الإسهال مثل التضميد ببزر الأنجرة مَعَ لب القرطم والتضميد بالبزور والحشائش الْمَذْكُورَة الَّتِي تقع فِي الحقن ويضمدون بحب الْغَار وَحده. نُسْخَة ضماد: يُؤْخَذ شمع ثَمَان كرمات علك البطم سِتّ كرمات تَرَبد ثَلَاث كرمات ميويزج كرمة وَنصف عَاقِر قرحا مرزنجوش حب غَار بزر أنجرة ترمس يَابِس شَحم حنظل من كل وَاحِد كرمة وَنصف سقمونيا أُوقِيَّة وَثَلَاث كرمات مرَارَة ثَوْر مِقْدَار الْكِفَايَة يتَّخذ مِنْهُ طلاء ثخين أَجود. وَأَيْضًا خربق بزر أنجرهَ أفسنتين من كل وَاحِد جُزْء مرَارَة ثَوْر شمع من كل وَاحِد نصف جُزْء شَحم الأوز ثلائة أَجزَاء يلطخ من السّرَة إِلَى أصل الْقَضِيب وَإِن جعل فِيهِ مَا هودانه فَهُوَ أَجود وَرُبمَا زيد فِيهِ قشر النّحاس. كمادات القولنج الْبَارِد: أما الكمادات فَمثل الجاورس والدخن المقلو والمتخذ من البزور والحشائش الْمَذْكُورَة فِي الحقن مسحوقة مسخنة أَو مجعولة فِي زَيْت مسخن. وَأما(2/642)
المروخات فَمِنْهَا دهن قثاء الْحمار وَمِنْهَا دهن الْخَرْدَل وَمِنْهَا أَي دهن شِئْت من الأدهان الحارة بعد أَن يَجْعَل فِيهِ جندبادستر وأوفربيون بِحَسب الْحَاجة. علاج القولنج الصفراوي: هَذَا بِالْحَقِيقَةِ يجب أَن يعد من بَاب المغص إِلَّا أَنا جربنَا على الْعَادة فِيهِ لِأَنَّهُ جملَة أوجاع هَذَا المعي وَقد يغلظ فِي علاجه غلظط عَظِيم فيستعمل الملطفات والمسخنات. وأسهل من هَذَا أَن يكون الْخَلْط منصباً فِي فضاء المعي لَيْسَ بذلك المتشرب كُله فَيَكْفِي فِي علاجه تَعْدِيل المزاج والأخلاط وَاسْتِعْمَال الأغذية الْبَارِدَة المرطّبة أَو الإجاص المغروز بالأبر المنقع فِي الْجلاب يُؤْخَذ مِنْهُ عشرُون عددا وَكَذَلِكَ إسهال الْمَادَّة بِمثل نقوع الإجاص مَعَ المشمش وبمثل مَاء الرمانين ويمثل الترنجبين والشيرخشك وبمثل قَلِيل سقمونيا بالجلاب وبمثل البنفسج وَشَرَابه وقرصه ومرباه وَرُبمَا كفى الْخطب فِيهِ تنَاول حليب القرطم مَعَ التِّين أَو تنَاول زَيْت المَاء قبل وَالطَّعَام أَو تنَاول السلق الْمَطْبُوخ المطيب بالزيت والمري. وَقد تَدْعُو الْحَاجة فِيهِ إِلَى أَن يسْتَعْمل حقن من مَاء اللبلاب مَعَ بورق وبنفسج ومري ودهن بنفسج أَو بِمَاء الشّعير بدهن بنفسج وبورق وَأما المتشرب فَيحْتَاج فِيهِ إِلَى مثل أيارج فيقرا فَإِنَّهُ أَنْفَع دَوَاء لَهُ والسقمونيا مَعَ حب الصَّبْر وَمن الحقن حقنة بِهَذِهِ الصّفة. يُؤْخَذ من الحسك ثَلَاثُونَ درهما وَمن ورق السلق قَبْضَة ومنٍ البنفسج وزن سَبْعَة دَرَاهِم وَمن السبستان ثَلَاثُونَ عددا وَمن الترنجبين وزن ثَلَاثِينَ درهما وَمن الْخِيَار شنبر وزن عشرَة دَرَاهِم يطْبخ الْجَمِيع على الرَّسْم فِي مثله ويصفى ويلقى عَلَيْهِ من المري وزن إثني عشر درهما وَمن السكر الْأَحْمَر وزن إثني عشر درهما وَمن الصَّبْر مِثْقَال وَمن البورق مِثْقَال وَيسْتَعْمل. وَقد يُوَافق فِي هَذَا الْبَاب أَيْضا سقِِي خرء الذِّئْب أَو جعله فِي الحقن والمخدرات أوفق فِي هَذَا الْموضع فَإِنَّهَا مَعَ تسكين الوجع رُبمَا سكنت حِدة الْمَادَّة الفاعلة للوجع وأصلحتها. علاجه أَن تفتح مجاري المرار وَيعْمل مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي بَاب اليرقان ثمَّ تسْتَعْمل الْأَشْيَاء الَّتِي فِيهَا تَنْفِيذ وجلاء مثل لب القرطم بِالتِّينِ وَمثل معجون الخولنجان وَرُبمَا كفى فِيهِ تَقْدِيم السلق المسلوق المطيب بِزَيْت المَاء والمري والخردل على الطَّعَام. علاج القولنج الورمي الْحَار والبارد: أما الْكَائِن عَن ورم حَار فَيجب أَن يستفرغ فِيهِ الدَّم بالفصد من الباسليق إِن كَانَ السن وَالْحَال وَالْقُوَّة وَسَائِر الموجبات ترخص فِيهِ أَو توجبه. وَإِن كَانَ الورم شَدِيد الْعظم ويبلغ أَن يُشَارِكهُ الْكُلِّي فيحتبس الْبَوْل فَيجب أَن يفصد من الصَّافِن أَيْضا بعد الباسليق وَيبدأ أَولا فِي علاجه بالمتناولات الْبَارِدَة الرّطبَة مثل مَاء الْخِيَار ولعاب بزر قطونا وَمَا أشبه ذَلِك غير القرع فَإِن لَهُ خاصية رَدِيئَة فِي أمراض(2/643)
الأمعاء وَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ من بزر قطونا وزن أَرْبَعَة دَرَاهِم وَمن دهن الْورْد الْجيد وزن أُوقِيَّة وَيشْرب بأوقيتين من المَاء وَيشْرب لتليين الطبيعة وَمَاء الرمانين وَمَاء ورق الخطمي وَمَاء الهندبا وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب. وَقد يَجْعَل فِي أَمْثَالهَا الشيرخشك وَالْخيَار شنبر وَيشْرب. إِذا احْتَاجَ فِي مثل هَذِه الْحَال إِلَى الحقن حقن بِمثل مَاء الشّعير مَعَ شَيْء من خِيَار شنبر وشيرخشك. وَإِن كَانَ قد طبخ فِي مَاء الشّعير سبستان وبنفسج كَانَ أوفق. وَإِن خلط بِمَاء الشّعير مَاء عِنَب الثَّعْلَب والكاكنج كَانَ أَشد مُوَافقَة. وَأَنا أستحب لَهُ الحقن بِلَبن الأتن ممر وساقية الْخِيَار شنبر ودهنه ودهن الْورْد والشيرج وَرُبمَا وجدت فِي الْمَادَّة الصفراوية والحارة أكثرة فَاحْتَجت حِينَئِذٍ أَن تسهل بِمثل السقمونيا وبالصبر على حذر ثمَّ تقبل على التبريد والترطيب والعلاج بِحَسب الورم ليَكُون ذَلِك أَنْفَع وأنجع. فَإِذا جَاوَزت الْعلَّة هَذَا الْموضع وَظهر لين يسير فَالْوَاجِب أَن يَجْعَل فِي حقن مَاء الشّعير مَاء ورق الخطمي وبزر كتَّان وَشَيْء من قُوَّة الحلبة والبابونج والشبت والكرنب أَو عصارتهما أَو دههنما وَيجْعَل فِيهِ المثلث من عصير الْعِنَب وَالْخيَار شنبر وَكَذَلِكَ يَجْعَل فِيمَا يشربه للإسهال سكر أَحْمَر وَيجْعَل غذاءه مَاء الحمص الْمَطْبُوخ مَعَ الشّعير المقشر ويسقى أَيْضا مَاء الرازيانج. وَأما الأضمدة بِحَبْس الْأَوْقَات فَمن نفس مَا يتَّخذ مِنْهُ الحقن بِحَسب ذَلِك الْوَقْت يبتدىء أَولا بالأضمدة المبردة وفيهَا تليين مَا مثل البنفسج وَمثل بزر الْكَتَّان ثمَّ تميل إِلَى الميئنات أَكثر مثل البابونج وقيروطيات مركبة من مثل دهن الْورْد مَعَ دهن البابونج والمصطكي والشحوم. فَإِذا ارْتَفع قَلِيلا جعلت فِيهَا مثل صمغ البطم والحلبة والزفت. وَأما الْكَائِن عَن الورم الْبَارِد وَهُوَ قَلِيل جدا فَمن معالجاته الجيدة أَن يُؤْخَذ من دهن الْغَار جُزْء وَمن الزَّيْت وشحم الأوزّ بِالسَّوِيَّةِ جُزْء فَإِنَّهُ عَجِيب. وتنفعه الأضمدة المتخذة من القيسوم والشبث والأذخر وإكليل الْملك وَسَائِر الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا الأورام الْبَارِدَة مِمَّا علمت عِلاج القولنج السوداوي: يجب أَن تستفرغ بِمثل طبيخ الأفتيمون وَحب اللازورد وَنَحْوه ثمَّ يتبع بحبّ الشبرم والسكبينج. وَإِن احْتِيجَ إِلَى حقن جعل فِيهَا بسفايج وأفتيمون وأسطوخودوس وَجعل فِي حملان الحقن حجر اللازورد مسحوقاً كالغبار أَو حجر أرمني وَرُبمَا جعل فِي حقنه قشور أصل التوث ويضمد بَطْنه ويكمد بِمثل الْحبَّة السَّوْدَاء والحرمل والصعتر والفوذنج مطبوخة فِي الْخلّ. علاج القولنج الثفلي: أما الْكَائِن بِسَبَب الأغذية فَإِن أمكن أَن يقذف الْبَاقِي مِنْهَا فِي الْمعدة فعل ويمال يالغذاء إِلَى المزلقات الْبَارِدَة أَو الحارة والمعتدلة بِحَسب الْوَاجِب. والمزلقات هِيَ مثل المرق الدسمة وخاصة مرقة ديك هرم يغذى حَتَّى يسْقط وَلَا تبقى لَهُ قُوَّة ثمَّ يذبح(2/644)
وَيقطع وتكسّر عَلَيْهِ عِظَامه ويطبخ فِي مَاء كثير جدا مَعَ شبث وملح وبسفايج إِلَى أَن يتهرأ فِي المَاء وَيبقى مَاء قوي فيتحسى ذَلِك. وَرُبمَا جعل عَلَيْهِ دهن القرطم وَمثل مرقة الآسفيذباجات بالفراريج المسمنة وَمثل المرقة الإجاصية وَغير ذَلِك. وَهَذِه المزلقات إِمَّا أَن تخرجها وَإِمَّا أَن تلينها وتجري بَينهَا وَبَين جرم المعي فيفصل بَينهمَا ويعد الثفل للزلق. وَإِذا شرب مسهل أَو اسْتعْملت حقنة سهل إِخْرَاج الثفل بِهِ وتستعمل الحقن الْخَفِيفَة الْمَذْكُورَة فِي الصفراوي وحقنة من عصارة السلق والبنفسج المسحوق والمرّي والشيرج والبورق على مَا تعلمه. وحقنة هَكَذَا. يُؤْخَذ: من السلق قَبْضَة وَمن النخالة حفْنَة وَمن التِّين عشرَة عددا وَمن المَاء عشرَة أَرْطَال وَيجْعَل فِيهِ من الخطمي الْأَبْيَض شَيْء ويطبخ حَتَّى يرجع إِلَى رَطْل ويصفى ويلقى عَلَيْهِ من السكر الْأَحْمَر وزن عشرَة دَرَاهِم وَمن البورق مِثْقَال وَمن المري النبطي نصف أُوقِيَّة وَمن الشيرج نصف أُوقِيَّة ويحقن بِهِ وتعاد الحقنة بِعَينهَا حَتَّى تستخرج جَمِيع البنادق. وَأَيْضًا حقنة مثل هَذِه الحقنة: يُؤْخَذ من الحسك وَمن البسفايج وَمن الشبث وَمن القرطم المرضرض من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم وَمن الإجاص عشرَة عددا وَمن البنفسج حقنة وَمن التربد وزن دِرْهَمَيْنِ من بزر الْكَتَّان وبزر الكرفس من كل وَاحِد ثَلَاثَة! دَرَاهِم وَمن الترنجبين وَالتَّمْر هندي من كل وَاحِد ثَلَاثُونَ د رهماَ وَمن الشيرخشك وَالْخيَار شنبر من كل وَاحِد اثْنَا عشر درهما وَمن قضبان السلق وقضبان الكرنب قَبْضَة قَبْضَة يطْبخ على الرَّسْم فِي مثله مَاء وَيجْعَل على طبيخه الْمُصَفّى مري وسكر أَحْمَر من كل وَاحِد خَمْسَة عشر درهما وَمن البورق مِثْقَال وَمن الشيرج عشرَة مَثَاقِيل ويحقن بِهِ. وَإِن كَانَ الْأَمر شديداَ وَلم ينْتَفع بِمثل هَذِه الحقن اسْتعْملت الحقنة القوية الْمَذْكُورَة فِي بَاب القولنج البلغمي الموصوفة بِأَنَّهَا نافعة من البلغمي الْكَائِن مَعَ ثفل كثير وفيهَا الحقنة الاشنانية. وَأما المشروبات فَمثل التمري والشهرياران والآسقفي والسفرجلي. وَإِنَّمَا يسْتَعْمل بعد أَن لَا يُوجد للمزلقات الْمَذْكُورَة فِي بَاب القولنج الصفراوي كثير نفع. وَمِمَّا هُوَ بَين القوتين أَن يُؤْخَذ السكر الْأَحْمَر والفانيذ مدافاَ فِي مثله دهن الْحل ويشربه. وَكَذَلِكَ طبيخ التِّين مَعَ سبستان يشربه بالمثلث. فَإِن لم تَنْفَع هِيَ وَلَا مَا ذَكرْنَاهُ من الجوارشنات الْمَذْكُورَة لم يكن بُد من الْحُبُوب والأشربة القوية الْمَذْكُورَة فِي بَاب القولنج البلغمي المنسوبة إِلَى أَنَّهَا شَدِيدَة النَّفْع من الاحتباس الشَّديد عَن البلغم والثفل الْكثير.(2/645)
وَمن الْجيد الْقوي فِي ذَلِك أَن يطْبخ الزَّبِيب والسبستان وَالْخيَار شنبر كَمَا يُوجِبهُ الْحَال ويصفى مَاؤُهُ وَيجْعَل فِيهِ أيارج فيقرا مثفال مَعَ شَيْء من دهن الخروع. وَأَيْضًا يُؤْخَذ من أيارج فيقرا وزن دِرْهَمَيْنِ مَعَ وزن سَبْعَة دَرَاهِم دهن خروع ويسقى فِي طبيخ الشبث. وَأَيْضًا لمن استكثر من أكل مثل السّمك الْبَارِد وَالْبيض المسلوق بإفراط فِيهِ أَن يستفّ شَيْئا كثيرا من الْملح وَيشْرب عَلَيْهِ مَاء حاراً مِقْدَار مَا يُمكن ثمَّ يَتَحَرَّك ويرتاض بعنف مَا فَرُبمَا أسهله. وَأما إِن كَانَ السَّبَب شدَّة تخلخل من الْبدن وتعريق أَو حرارة ويبس من الْبَطن فَيجب أَن يسْتَعْمل العلاجات الْخَفِيفَة الْمَذْكُورَة فِي بَاب الصفراوي. وَيجب لَهُم وللذين قبلهم أَن يتناولوا قبل الطَّعَام المزلقات من الإجاص والسلق المطيب بالزيت العذب والمري والشيرخشك والنمبرشت وَالْعِنَب والتين والمشمش ويتناول المري على الرِّيق أَو زيتون المَاء على الرِّيق وَيكثر فِي طَعَامه الدسومات ويتحسى قبل الطَّعَام سلاقة الكرنب المطبوخة بِلَحْم الخروف السمين أَو الدجج المسمنة. وَإِن كَانَ التخلخل فِي الْبدن مفرطاً كثفه بِمثل دهن الْورْد ودهن الآس مروخاً وقيروطياً وَأَقل من الْحمام مَعَ اسْتِعْمَال سَائِر التديير الْمَذْكُور بل اجْعَل استحمامه بِالْمَاءِ الْبَارِد. وَإِن كَانَ السَّبَب كَثْرَة الدرور أخرج الثفل بِمَا تعرفه ثمَّ استكثر من تنَاول مثل التَّمْر وَالزَّبِيب والحلواء الرّطبَة والفانيذ وَجَمِيع مَا يقلل الْبَوْل ويلين الطبيعة. علاج القولنج الْكَائِن من ضعف الدافعة: هَذَا الضَّرْب ينفع مِنْهُ اسْتِعْمَال المقويات للطبيعة والترياق والمثروديطوس والياذريطوس والشجرينا والدحمرثا. وَيسْتَعْمل فِي إسهاله مثل أيارج فيقرا بِمَاء الأفوايه ودهن الخروع وَيجب أَن يكون غذاؤه من الأغذية الجيدة مثل الآسفيدباج والزيرباج بلحمان خَفِيفَة محمودة. علاج القولنج الْكَائِن من ضعف الْحس وذهابه: هَذَا الضَّرْب ينفع مِنْهُ تنَاول مثل اللوغاذيا وَمثل الأنقرديا والفنداديقون والترياق والمثروديطوس. وَمن الْأَشْرِبَة مثل الخنديقون والميسوسن وَالشرَاب الصّرْف. وَمن الأدهان شرباً وحقناً دهن الكلكلانج ودهن الخروع ودهن الْقسْط خَاصَّة والقطران فِي الزَّيْت والزفت فِي الزَّيْت على مَا عَلمته فِي مَوَاضِع قد سلفت. علاج القولنج الالتوائي: أفضل علاجه أَن يجلس صَاحبه فِي مَكَان مطمئن وَيُدبر بَطْنه بالمسّ اللَّطِيف وَالْمسح المسوي المعيد لأمعائه إِلَى الْموضع وَكَذَلِكَ يمسح ظَهره ويشدّ ساقاه شداً قَوِيا جدا. علاج القولنج الْكَائِن عَن الدُّود: يجب أَن يتعرف ذَلِك من كلامنا فِي الديدان(2/646)
ومعالجاتها. فَإِن كَانَ فَوق السُّرَّة اسْتعْملت المشروبات وَإِن كَانَ عِنْد السُّرَّة أَو تحتهَا فالحقن الْمَذْكُورَة هُنَاكَ. علاج الفتقي: هُوَ إصْلَاح الفتق ثمَّ يدبر القولنج فِي نَفسه إِن لم يزل بإصلاح الفتق. فصل فِي تَدْبِير المخدرات قد ذكرنَا فِي التَّدْبِير الكلّي كَيْفيَّة وجوب اجْتِنَاب المخدرات فَإِن اشتدّت الضَّرُورَة وَلم يكن مِنْهَا بُد فأوفقها الفلونيا ومعاجين ذَكرنَاهَا فِي القراباذين وكل مَا يَقع فِيهِ من المخدّر جندبادستر وَمِنْهَا أَقْرَاص أصطيرا. نسختها: يُؤْخَذ زعفران ميعة سائله زنجبيل دَار فلفل بزر البنج من كل وَاحِد دِرْهَم أفيون جندبادستر من كل وَاحِد ربع دِرْهَم يتَّخذ مِنْهُ حبوب صغَار والشربة من ثُلثي دِرْهَم إِلَى دِرْهَم. دَوَاء جيد: يُؤْخَذ أصل الفاوانيا وزعفران وقردمانا وَسعد من كل وَاحِد أوقيتان ورق النعناع الْيَابِس وقسط مرّ وَدَار فلفل وحماما وسنبل هندي من كل وَاحِد ثَلَاث أَوَاقٍ بزر كرفس أنجدان زنجبيل سليخة حب بِلِسَان من كل وَاحِد أَربع أواقَ أفيون بزر الشوكران قشور اليبروح من كل وَاحِد أُوقِيَّة عسل مِقْدَار الْكِفَايَة يسْتَعْمل بعد سِتَّة أشهر. وَأَيْضًا يسْتَعْمل بعض الحقن الْمَعْرُوفَة المعتدلة وَيجْعَل فِيهِ جندبادستر نصف دِرْهَم أفيون مِقْدَار باقلاة وَأَقل وَرُبمَا جعل الأفيون وَنَحْوه فِي أدهان الحقنة للقولنج وَرُبمَا جعل مَعَ ذَلِك سكبينج وحلتيت ودهن بِلِسَان وَشَيْء من مسك وَرُبمَا اتَّخذت فَتِيلَة من الأفيون والجندبادستر مدوفين فِي زَيْت البزور ويغمز فِيهِ فَتِيلَة وتدسّ فِي المقعدة وَيجْعَل لَهَا هدب خيطي يبْقى من خَارج يسلّ كل سَاعَة ويجدد عَلَيْهِ الدَّوَاء. تغذية المقولنجين: أما أَن جَمِيع أَصْنَاف القولنج تحْتَاج إِلَى غذَاء مزلق ملين فَهُوَ مِمَّا لَا شكّ فِيهِ وَأما أَنه يحْتَاج إِلَى مقو فَأمر يكون عِنْد ضعف يظْهر لشدّة الوجع وَكَثْرَة الاستفراغ. والمقويات هِيَ مياه اللَّحْم المطبوخة بِقُوَّة وصفرة الْبيض النمبرشت ولبت الْخبز المدوف فِي مرقة وَالشرَاب وَأما أَن ترك الْغذَاء أصلا نَافِع للقولنج البلغمي والريحي وَغير ذَلِك فَهُوَ أَمر يجْرِي مجْرى القانون وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يَجْعَل التربد والسقمونيا فِي مرقهم وخبزهم وَيجب أَن يكون خبزهم خشكاراً مخمراً غير فطير ورخواً غير مكتنز. وينفع أَكْثَرهم أَو لَا يضرهم التِّين والجميز وَالزَّبِيب والموز الرطب كل ذَلِك إِذا كَانَ حلواً والبطيخ الشَّديد الْحَلَاوَة الشَّديد النضج. ثمَّ غذَاء الورمي والصفراوي المزلقات الْبَارِدَة مثل مَاء الشّعير ومرقة العدس اسفيذباجة ومرقة الآسفاناخ إِن لم يخف نفخ الآسفاناخ والإجاصية وَنَحْوهَا.(2/647)
وَأما مرقة الديك الْهَرم والقنابر الْفِرَاخ فمشتركة للثفلي والبارد بأصنافه وَلَا رخصَة فِي لحم الديك الْهَرم. وَأما لحم القبرة فقوم لَا يرخّصون فِيهِ لما يتَوَقَّع من اللَّحْم المحلوب قوته فِي السلق من الْعقل. وَقوم مثل روفس وجالينوس فِي كتبه وخصوصاً فِي كتاب الترياق يقْضِي بِأَن دَمهَا نَافِع وَلَو مشوياً وَلحم الهدهد كَذَلِك وتجرع المري النبطي قبل الطَّعَام سبع حسوات نَافِع فِي كل مَا لاحرارة عَظِيمَة فِيهِ. وَكَذَلِكَ النمبرشت نَافِع لَهُم مثل مَا يخص القولنج الْبَارِد تنَاول المري والثوم فِي طعامهم وتبزير طعامهم با لكراث وتمليحه وتفويهه بالدارصيني والزنجبيل والزعتر والكمون والأنجرة والقرطم وَيجب أَن يتناولوا الاسفيذباجات برغوة الْخَرْدَل وَيكون ملحهم من الدراني المبرز الْمَخْلُوط بالقرطم والشونيز والكمون والأنيسون ويجتنبون جَمِيع الْبُقُول إِلَّا السذاب السلق. وَفِي النعناع أَيْضا نفخ وَمن أشربتهم الشَّرَاب الريحاني الصّرْف وشراب الْعَسَل با لأفاويه. فصل فِيمَا يضر المقولنجين الْأَشْيَاء الَّتِي تضرّهم مِنْهَا أغذية وَمِنْهَا أَفعَال. فَأَما الأغذية فَكل غليظ من لحم الْوَحْش حَتَّى الأرنب والظبي وَالْبَقر وَالْجَزُور والسمك الْكِبَار خَاصَّة كَانَ طرياً أَو مالحاً. وكل مقلو من اللحمان ومشوي كَيفَ كَانَ وَجَمِيع بطُون الْحَيَوَانَات بل جَمِيع أجرام اللحوم إِلَّا مَا استثنيناه قبل. ويضرهم السميذ والفطير ويضرهم السكباج والمضيرة والخل بِزَيْت والكشكية والبَهَط واللوزينج. والقطايف أقل ضَرَرا. وَكَذَلِكَ الخشكنانكات كلهَا ضارة والفتيت والزلابية والألبان والجبن الْعَتِيق وَالطَّرِيق وكل مَا فِيهِ نفخ من الأغذية والبقول كلهَا سوى مَا ذَكرْنَاهُ من مثل السلق والسذاب الْبَارِد والنعنع قد يضرهم بنفخه. وَكَذَلِكَ الجرجير والطرخون ضار لَهُم أَيْضا وَمثل الزَّيْتُون وَجَمِيع الْفَوَاكِه إِلَّا المشمش والإجاص الصفراوي والحار والثفلي من حرارة فَقَط دون غَيرهم. والبطيخ الحلو قبل الطَّعَام فِي حَال الصِّحَّة غير ضار لأكْثر القولنجين. وَأما القرع خَاصَّة والقثاء والقند والسفرجل وبيض الكرنب وبيض السلجم والقنبيط والكمثري والتفاح وخصوصاً الحامض والقابض والزعرو والنبق والغبيراء والكندس الطَّبَرِيّ والتوث الشَّامي والأمبرباريس والسماق والحصرم والريباس وَمَا يتَّخذ مِنْهَا وَمَا يشبهها فأعداء للقولنج لَا سَبِيل لَهُ إِلَى اسْتِعْمَالهَا. وَكَذَلِكَ يضرّهم الْجَوْز واللوز الرطبان جدا والباقلا الرطب. وَالرُّمَّان الحلو أقل ضَرَرا من الحامض. وَأما الْأَفْعَال الَّتِي يجب أَن يحذروها فَمثل حبس الرّيح وَحبس البرَاز وَالنَّوْم على برَاز فِي الْبَطن وخصوصاً يَابِس بل يجب أَن يعرض نَفسه عِنْد(2/648)
كل نوم على الْخَلَاء وَاعْلَم أَن حبس الرّيح كثيرا مَا يحدث القولنج بإصعاده الثفل وحفزه إِيَّاه حَتَّى يجْتَمع شَيْء وَاحِد مكتنز وبإحداثه ضعفا فِي الأمعاء وَرُبمَا أدّى ذَلِك إِلَى الاسْتِسْقَاء وَرُبمَا ولد ظلمَة الْبَصَر والدوار والصداع وَرُبمَا ارتبك فِي المفاصل فأحدث التشنّج. وَالْحَرَكَة على الطَّعَام رَدِيء لَهُم وَشرب المَاء الْبَارِد وَالشرَاب الْكثير على الطَّعَام.
(فصل فِي إيلاوس)
وَهُوَ مثل القولنج إِذا عرض فِي المعي الدقاق: إِن إيلاوس قد يعرض من جَمِيع الْأَسْبَاب الَّتِي يعرض لَهَا القولنج وَيجب أَن يرجع فِي أَسبَابه وأعرأضه وعلاجاته إِلَى مثل مَا فصل فِي بَاب القولنج وَقد يعرض بِسَبَب سقِِي أَصْنَاف من السمُوم تفعل إيلاوس وَقد يعرض لشدَّة قُوَّة المعي الماسكة فيشتمل على مَا فِيهِ ويحبسه. وَمِمَّا يُفَارق بِهِ القولنج فِي أَحْكَامه أَنه كثيرا مَا يكون عَن سوء المزاج الْمُفْرد أَكثر مِمَّا يكون مِنْهُ القولنج. وَأَكْثَره من مزاج بَارِد وخصوصاً إِذا اتّفق أَن كَانَت الْمعدة حارة جدا والتواء المعي وَشدَّة الرّيح والبلغم. وَرُبمَا كَانَ سَببه شرب مَاء بَارِد على غير وَجهه وَأَن الريحي مِنْهُ إيلامه بإيقاع السدة أَكثر من إيلامه بتمزيق الطَّبَقَات بل كَأَن جَمِيع مضرّته من ذَلِك. وَهَذَا بِخِلَاف مَا فِي القولنج. والورمي قد يكثر فِيهِ أَكثر مِمَّا فِي القولنج وَهُوَ رَدِيء جدا وَيكثر الفتقي أَيْضا. والثفلي مِنْهُ شَدِيد الوجع جدا. وَكَثِيرًا مَا ينْتَقل القولنج إِلَى إيلاوس وَهَذَا شَيْء كالكائن فِي الْغَالِب وَأكْثر مَا ينْتَقل إيلاوس فِي السَّابِع وَهُوَ يعدي من بَعضهم إِلَى بعض ينْتَقل فِي الْهَوَاء الوبائي وَمن بِلَاد إِلَى بِلَاد وَمن هَوَاء إِلَى هَوَاء انْتِقَال الْأَمْرَاض الوافدة. قَالَ أبقراط: إِذا حدث من القولنج المستعاد مِنْهُ فوَاق وقيء واختلاط عقل وتشتج فَكل ذَلِك دَلِيل رَدِيء. وَهَذِه الْأَعْرَاض تعرض لَهُ بمشاركة الْمعدة وبمشاركة الدِّمَاغ. قَالَ أبقراط: إِذا حدث من تقطير الْبَوْل إيلاوس مَاتَ صَاحبه فِي السَّابِع إِلَّا أَن يحدث حمى فَيجْرِي مِنْهُ عرق كثير. وجالينوس لم يعرف السَّبَب فِي ذَلِك والبلغمي والريحي مِنْهُ ينْتَفع بالحمى أَيْضا. وَإِذا اشتدّ تَوَاتر الْقَيْء الحثيث والكزاز والفواق قتل. وجودة القارورة فِي هَذِه الْعلَّة غير كَثِيرَة الدّلَالَة على الْخَيْر فَكيف رداءتها. وأردأ إيلاوس الَّذِي يقذف فِيهِ الزبل من فَوق وَيُسمى المنتن ثمَّ الَّذِي يكون فِيهِ الْعرق منتناً نَتن الزبل ثمَّ الَّذِي يكون فِيهِ النَّفس منتناً ثمَّ الَّذِي يكون الجشاء فِيهِ منتناً ثمَّ الَّذِي تكون الرّيح السافلة فِيهِ مُنْتِنَة. فصل فِي العلامات: عَلَامَات إيلاوس أَن يكون الوجع فَوق السُّرَّة وَلَا يخرج شَيْء الْبَتَّةَ من تَحت(2/649)
وَلَا ينْتَفع بالحقنة كثير انْتِفَاع كَمَا قَالَ أبقراط. وَرُبمَا انْدفع ثفله إِلَى فَوق فقاء الزبل والدود وَحب القرع وأنتن فَمه وجشاءه بل رُبمَا أنتن جَمِيع بدنه. وَهَذِه دَلَائِل لَا تخلف واحتباس خُرُوج الشَّيْء من أَسْفَل لَازم لهَذِهِ الْعلَّة. وَأما عظم حَال الْقَيْء للرجيع فَلَيْسَ بِلَازِم إِنَّمَا يعظم عِنْد الْخطر لَكِن حَرَكَة الْقَيْء والتهوّع فِي هَذَا أَكثر مِنْهَا فِي القولنج لِأَن هَذَا فِي معي أقرب إِلَى الْمعدة. وَكَذَلِكَ عرُوض الكرب وَالْغَم والخفقان والغشي والسهر وَبرد الْأَطْرَاف فَإِن هَذِه فِي إيلاوس أَكثر مِنْهَا فِي القولنج وَيكون الثفل فِي البلغمي والثفلي فِيهِ أَشد مِمَّا فِي القولنج لِأَنَّهُ فِي عُضْو أَشد ارتفاعاً وأضعف جرما وَأَشد استقراراً على الْبدن. وَقد يظْهر فِيهِ من تهيج الْعين أَكثر مِمَّا فِي القولنج ثمَّ عَلَامَات تفاصيله مثل عَلَامَات تفاصيل القولنج مَعَ عَلَامَات إيلاوس لَكِن الْكَائِن من السمُوم يحل عَلَيْهِ عرُوض دلالات آخرى قبل اشتداده فَإِن الَّذِي سَببه السمّ قد يُؤَدِّي إِلَى الضعْف والاسترخاء والخفقان فِي أول مَا يعرض قبل أَن يشْتَد ويعظم وَجَعه. ويدلّ عَلَيْهِ أَن لَا يعرف سَبَب آخر ظَاهر. والكائن من قُوَّة الأمعاء يدل عَلَيْهِ شدَّة صلابة الثفل وَسُرْعَة فِي الزبل وَلَا يكون هُنَاكَ حمى وَلَا سُقُوط قُوَّة شَدِيد. العلاج: إِن علاج إيلاوس يقرب من علاج القولنج إِلَّا أَنه أقوى. والمشروب فِيهِ أَنْفَع وَلَا بُد أَيْضا من الحقن فَإِنَّهُ إِذا شرب من فَوق وَامْتنع فحقن من أَسْفَل كَانَ عوناً جيدا لمشروب سَوَاء قدمت الحقنة أَو أخرت بِحَسب الْحَاجة. وَأيهمَا قدم وَجب أَن يَجْعَل الآخر أَضْعَف وَكَثِيرًا مَا يسكن وَجَعه بجرع المَاء الْحَار لوصوله إِلَيْهِ بِالْقربِ محللاً لما يُؤَدِّي فِيهِ. وَقوم يرَوْنَ أَن من الصَّوَاب أَن يفتق المعي أَولا بِوَضْع منفاخ فِيهِ بالرفق ثمَّ يحقن حَتَّى تصل الحقنة إِلَى الْموضع الْبعيد وصُولا سهلاً. والفصد هَهُنَا أوجب فَإِنَّهُ إِن كَانَ ورم لم يكن مِنْهُ بُد وَإِن كَانَ وجع شَدِيد خيف مِنْهُ الورم فَوَجَبَ الِاسْتِظْهَار بِهِ. وَهَذَا قد يعرض مِنْهُ تفرق الأخلاط الرَّديئَة فِي الْبدن لاحتباسها عَن الدّفع حَتَّى ينتن الْبدن وَإِذا تَفَرَّقت أخلاط رَدِيئَة فِي الْبدن وصعب إخْرَاجهَا بالإسهال كَانَ الفصد من الْوَاجِب. وَذَلِكَ أَيْضا مِمَّا يمْنَع الْمَادَّة المؤلمة بغورها عَن الْغَوْر ويكاد أَن يكون اسْتِعْمَال المزلقات المائلة إِلَى الْحَرَارَة واللعابات الحارة مَعَ دهن الخروع نَافِعًا فِي أَكثر إيلاوس اللَّهُمَّ إِلَّا المراري والورمي الشَّديد الْحَرَارَة وَكَذَلِكَ سلاقة الشبث بالملح وَالزَّيْت الْمَطْبُوخ مَعَهُمَا وَكَذَلِكَ تمريخ الْبدن بالزيت المسخّن. ويعالج البلغمي مِنْهُ بِمثل مَا قيل فِي القولنج من المشروبات وبمثل حب الصَّبْر وحبّ السكبينج حب الأيارج. وَجَمِيع ذَلِك بدهن الخروع وبحقن معتدلة تجذب إِلَى(2/650)
أَسْفَل. والريحي يعالج بِمثل مَا قيل هُنَاكَ من المشروبات النافعة من الرِّيَاح والحقن ليجعل الحقن عوناً لما يشرب وبالمحاجم الْكَثِيرَة تُوضَع فِي أَعلَى الْبَطن. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يشرط الَّذِي يَلِي الوجع فَرُبمَا جذب الْمَادَّة إِلَى المراق. والمزاجي الساذج يعالج بِمَا تعرفه من تَبْدِيل المزاج واستفراغ الْخَلْط على مَا قيل فِي القولنج المادي. والورمي الْحَار يعالج بِمثل مَا رسمناه فِي القولنج. والورمي الْبَارِد يعالج أَيْضا بِمثل مَا قيل فِي القولنج. وأوفق ذَلِك شرب دهن الخروع فِي مَاء الْأُصُول أَو مَاء الْخِيَار شنبر وَسَائِر العلاجات الْمَعْلُومَة وَأَيْضًا من السنبلين وَمن الشبث وَمن حب الْغَار وبزر الْكَتَّان والحلبة وبزر الخطمي وبزر المرو من كل وَاحِد مِثْقَال الْأُصُول الثَّلَاثَة من كل وَاحِد سَبْعَة مَثَاقِيل وَخمْس تينات وَعشر سبستانات يطْبخ ويسقى بدهن الخروع أَو اللوز المرّ. والمراري مِنْهُ يعالج بِمثل مَا عولج بِهِ نَظِيره والفتقي أَيْضا يعالج بِوَضْع مُنَاسِب لعود مَا انْدفع فِي الفتق ويشده. وَالَّذِي من شدّة قُوَّة الأمعاء يعالج بالمزلقات الدسمة وبأمراق الدجج المسمنة والفراريج والحملان يتَنَاوَل أمراقها الدسمة إسفيذباجة وزيرباجة خُصُوصا إِذا جعل فِيهَا شبث وأصول الكرّاث النبطي ودهن اللوز وَيسْتَعْمل بعد ذَلِك حقنة رطبَة لينَة لَطِيفَة الْحَرَارَة. والثفلي أَولا يعالج بحقن لينَة ثمَّ يتمزج إِلَى القوية ويعقب ذَلِك بِشَربَة من المسهّلات الْخَاصَّة بالثفلي لينحدر مَا بَقِي. والسفي يبْدَأ فِي علاجه بالتنقية بِمثل المَاء الْحَار ودهن الشيرج وَرُبمَا احْتِيجَ أَن تجْعَل فِيمَا تقيؤه بِهِ قُوَّة من تَرَبد أَو بزر فجل وَبعد ذَلِك يسقى الترياق الْكَبِير والبادزهر وَمَا يُشبههُ وَيجْعَل شرابه مَاء السكر وَطَعَامه المرق الدسمة. وَإِذا توالى عَلَيْهِم الْقَيْء وَلم يقبلُوا الطَّعَام سقوا الدَّوَاء الْمَذْكُور فِي مثل هَذَا الْحَال من القولنج وَرُبمَا احْتبسَ قيؤهم وَأمْسك الطَّعَام فِي بطونهم أَن يُعْطوا خبْزًا مغموساً فِي مَاء حَار يغلي وَمَا يحدث من الأغذية القابضة والعفصة واللزجة فعلاجه قريب من علاج نَظِيره من القولنج إِلَّا أَن الأنفع فِيهِ المتحسيات والمشروبات. فصل فِي إبطاء الْقيام وسرعته ذَلِك يتَعَلَّق إِمَّا بالغذاء بِأَن يكون قَابِضا أَو عفصاً أَو غليظاً أَو لزجاً أَو يكون لينًا لزجاً سيالاً. وإمابالقوة فَإِن الْقُوَّة الدافعة إِن كَانَت قَوِيَّة دفعت وَإِن كَانَ ضَعِيفَة لم تدفع. وَقُوَّة عضل الْبَطن إِن كَانَت قَوِيَّة نقت وَإِن كَانَت ضَعِيفَة لم تنق فاحتبس. وَقُوَّة حس المعي إِن كَانَت قَوِيَّة تقاضب بِالْقيامِ وَإِن لم تكن(2/651)
قَوِيَّة لم تتقاض. وَقُوَّة المزاج فَإِن الْبَارِد والحار جَمِيعًا حابسان وَأَنت تعرف التَّدْبِير بِحَسب معرفتك السَّبَب. فصل فِي كَثْرَة البرَاز وقلته هَذَانِ يتعلقان بالغذاء فِي كيفيته وكميته وبحال مَا ينْدَفع إِلَى الكبد فَإِن الْغذَاء الْكثير الرُّطُوبَة المشروب عَلَيْهِ برازه كثير وضده برازه قَلِيل وَإِذا انْدفع الصفو إِلَى الكبد اندفاعاً كثيرا قل البرَاز وَإِذا لم ينْدَفع أَكثر وَأَنت تعرف مِمَّا سلف مقاومة المفرطين مِنْهُ بِحَسب مضادة السَّبَب. الْمقَالة الْخَامِسَة الديدان فصل فِي الديدان إِذا تحصلت مَادَّة - وَلَيْسَت مزاجاً مَا - أُوتيت أصلح مَا تحتمله من هَيْئَة وَصُورَة وَلم يحرم استعدادها الْكَمَال الطبيعي الَّذِي تحسبه من الصَّانِع الْقَدِير وَلذَلِك مَا تتخلق الديدان والذباب وَمَا يجْرِي مجْراهَا عَن الْموَاد العفنة الرَّديئَة الرّطبَة لِأَن تِلْكَ الْموَاد أصلح مَا تحْتَمل أَن تقبله من الصُّور هُوَ حَيَاة دودية أَو حَيَاة ذبابية وَذَلِكَ خير من بَقَائِهَا على العفونة الصرفه وَهِي مَعَ ذَلِك تتسلط على العفونات المتفرقة فِي الْعَالم فتغتذي بهَا للمشاكلة وتأخذها عَن مسَاكِن النَّاس وَعَن الْهَوَاء الْمُحِيط بهم. وديدان الْبَطن من هَذَا الْقَبِيل وَلَيْسَ تولدها من كل خلط فَإِنَّهَا لن تتولد عَن المرار الْأَحْمَر وَالْأسود لِأَن أَحدهمَا شَدِيد الْحَرَارَة فَلَا يتَوَلَّد مِنْهُ المود الرطب بل هُوَ مضاد لمزاجه وَالْآخر بَارِد يَابِس بعيد عَن مُنَاسبَة الْحَيَاة. وَأما الدَّم فَإِن الصيانة متسلطة عَلَيْهِ وَالْحَاجة للأعضاء شَدِيدَة إِلَيْهِ وَهُوَ مُنَاسِب للحمية الْإِنْسَان وعظميته لَا للدود وَلَا هُوَ أَيْضا مِمَّا ينصبّ إِلَى الأمعاء وَيبقى فِيهَا ويتولد عَنهُ الدُّود وَلَا هَيْئَة الدُّود. ولونه لَا يمل على أَنه من مثل الْمَادَّة الدموية بل مَادَّة الديدان هِيَ البلغم إِذا سخن وَأكْثر وعفن فِي الأمعاء وَبَقِي فِيهَا. وَأَنت تعلم أَسبَاب أكثرة تولد البلغم من المكولات والتخم وَضعف الهضم بِأَيّ سَبَب كَانَ وَمن مزاج الْأَعْضَاء الْبَارِدَة وَمَا تولده الأغذية اللينة اللزجة مثل الْحِنْطَة واللوبيا والباقلا وَمن سفّ الدَّقِيق وَأكل اللَّحْم الخام والألبان والبقول والفواكه الرّطبَة والرواصيل وَالدَّسم والاغتسال بِالْمَاءِ الْحَار بعد الْأكل وَكَذَلِكَ الاستحمام بعد الْأكل وَالْجِمَاع على الامتلاء. وأصناف الديدان أَرْبَعَة: طوال عِظَام ومستديرة ومعترضة وَهِي حب القرع وصغار. وَإِنَّمَا اخْتلف تولّدها(2/652)
بِحَسب اخْتِلَاف مَا مِنْهُ تتولد وَاخْتِلَاف مَا فِيهِ تتولد. أما اخْتِلَاف مَا مِنْهُ تتولد فَلِأَن بَعْضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة لم يستول عَلَيْهَا الانقسام والتفرق من جِهَة جذب الكبد وَمن جِهَة شدّة العفونة. وَبَعضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة فرّقها وقللها وصغرها جذب الكبد الْمُتَّصِل والعفونة وَكَثْرَة مخاوضة الثفل وَإِذا تولدت أعَان على نقائها صَغِيرَة إِخْرَاج الثفل لَهَا قبل أَن تعظم لقربها من مخرج ضيق. وَبَعضهَا يتَوَلَّد عَن رُطُوبَة بَين الرطوبتين فَمَا كَانَ من الرُّطُوبَة فِي الأمعاء الْعَالِيَة يكون من قبيل الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة أَولا وَمَا كَانَ من الرُّطُوبَة فِي المعي الْمُسْتَقيم كَانَ من الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة ثَانِيًا وَمَا كَانَ فِي الْأَعْوَر وَمَعِي قولون فَهُوَ من قبيل الرُّطُوبَة الْمَذْكُورَة ثَالِثا. فالطوال من قبيل الأول وَرُبمَا بلغت قدر ذِرَاع والمستديرة والعراض من قبيل الثَّالِث وَإِن كَانَت قد تتولد أَيْضا فِي الأمعاء الْعليا خُصُوصا الْغِلَاظ الْعِظَام مِنْهَا وَرُبمَا لم تتولد إِلَّا فِي قولون والأعور ثمَّ انتشرت من جَانب إِلَى المقعدة وَمن جَانب إِلَى الْمعدة. وَالصغَار من قبيل الثَّانِي. وَهَذِه العراض والمستديرة كَأَنَّهَا تتولّد من نفس اللزوجات المتشبثة بسطح المعي وَيجْرِي عَلَيْهَا غشاء مخاطي يجنها كَأَنَّهَا مِنْهُ تتولد وَفِيه تعفن. وأقلها ضَرَر الصغار لِأَنَّهَا صغَار وَلِأَنَّهَا بعيدَة عَن الْأُصُول وَلِأَنَّهَا بِعرْض الاندفاع بثفل قوي كثيف لَكِنَّهَا - إِن عظمت وَاتفقَ لَهَا أَن بقيت مُدَّة تعظم فِيهَا - كَانَت شرّ الْجَمِيع لِأَنَّهَا من شرّ مَادَّة. ثمَّ الطوَال فَإِنَّهَا لَيست فِي رداءة العراض لِأَن مادتها أَي مَادَّة العراض أَشد عفونة. والعراض وَالصغَار أَكثر خُرُوجًا من المقعدة للقرب مِنْهَا وللضعف فَلَا تَسْتَطِيع أَن تتشبّث بالمعي تشبّث الطوَال. وكما أَن الطوَال أَشد تشبّثاً فَإِن الصغار أسهل اندفاعاً. وِاذا كَانَ بِصَاحِب الديدان حمّى كَانَت الأعراضى قَوِيَّة خبيثة لِأَن الحقى تبيد غذاءها فتتحرك لطلبه وتتشبث بالمعي وَلِأَن الْحمى تؤذيها فِي جوهرها وتقلقها وَلِأَن الحمّى تزيد طبيعتها عفونة وحدة وقلقاً وَلِأَن المرار إِذا انصب إِلَيْهَا هِيَ الْحمى آذاها فَإِذا التوت هِيَ فِي الأمعاء ولذعتها آذت أَذَى شَدِيدا. وَقد حكى بَعضهم أَنَّهَا ثقبت الْبَطن وَخرجت مِنْهُ وَذَلِكَ عِنْدِي عَظِيم. وَكَذَلِكَ يرْتَفع مِنْهَا أبخرة رَدِيئَة إِلَى الدِّمَاغ فتؤذي وَرُبمَا كَانَ احتباسها فِي الأمعاء وإحداثها للعفونات سَببا للحمى وَلَيْسَ حَالهَا فِي أَنَّهَا ينْتَفع بهَا فِي تنقية الأمعاء الِانْتِفَاع بالديدان وَنَحْوهَا فِي تنقية عفونات الْعَالم لِأَن الأمعاء لَهَا منق دَافع من الطباع وَلِأَن نِسْبَة مَا يتولّد من هَذِه إِلَى العفونات الَّتِي فِي الأمعاء الفاضلة عَن دفع الطبيعة أعظم من نِسْبَة الديدان وَنَحْوهَا إِلَى هَوَاء الْعَالم وأرضه وَلِأَن هَذِه تتولد مِنْهَا آفاات آخرى من سَبِيلهَا الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من الْغذَاء وَمن مضاد حركاتها وَمن إحداثها القولنج وَمن مضادة(2/653)
الْكَيْفِيَّة الَّتِي تنْبت عَنْهَا لمزاج الْبدن وَغير ذَلِك. وَقد يتولّد بِسَبَب الديدان والحيّات صرع وقولنج. وَقد يتولّد جوع كَلْبِي لشدّة خطفها للغذاء وَرُبمَا ولدت بوليموس وأسقطت الْقُوَّة من فمّ الْمعدة بصعودها إِلَيْهِ وتقديرها لَهُ. وَرُبمَا تبع الْحَالين خفقان عَظِيم وَأكْثر مَا تتولّد فِي سنّ الصِّبَا والترعرع والحداثة. وحبّ القرع فِي الْأَكْثَر يتَوَلَّد فِيمَن فَارق سنّ الصِّبَا. وَأما المدورة فَيكون أَكثر ذَلِك فِي الصّبيان ثمَّ الشَّبَاب ويقل فِي الشُّيُوخ على أَن كل ذَلِك يكون - وَفِي تتولد فِي الخريف - أَكثر من سَائِر الْفُصُول لتقدّم تنَاول الْفَوَاكِه وَنَحْوهَا. وللعفونة وَهِي تهيج عِنْد الْمسَاء وَوقت النّوم أَكثر. والتعب والرياضة الشَّدِيدَة قد تسهل الديدان. وَإِذا خرجت الديدان من صَاحب الحميات الحادة حَيَّة لم تكن بشديدة الرداءة ودلت على صِحَة من الْقُوَّة واقتدار على الدّفع وخصوصاً بعد الانحطاط وَإِن خرجت ميتَة كَانَت عَلامَة رَدِيئَة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن خُرُوجهَا فِي الحميات مَعَ البرَاز لَيْسَ بِدَلِيل جيد وخصوصاً قبل الانحطاط وَلَكِن الْحَيّ أَجود. وَأما خُرُوجهَا لَا فِي حَال الْحمى إِذا كَانَ مَعهَا دم فَهُوَ رَدِيء أَيْضا وَمُنْذِر بِآفَة فِي الْبدن أَو الأمعاء. وَأما خُرُوجهَا بالقيء فَيدل على أخلاط رَدِيئَة فِي الْمعدة. أما العلامات الْمُشْتَركَة فسيلان اللعاب ورطوبة الشفتين بِاللَّيْلِ وجفوفهما بِالنَّهَارِ بِسَبَب أَن الْحَرَارَة تَنْتَشِر فِي النَّهَار وتنحصر فِي اللَّيْل. فَإِذا انتشرت الْحَرَارَة إنجذبت الرُّطُوبَة مَعهَا فجاعت الديدان وجذبت من الْمعدة فجفّفت السَّطْح الْمُتَّصِل بهَا من سطح الْفَم والشفة وأعانها على تجفيف الشّفة الْهَوَاء الْخَارِج فيظلّ الْمَرِيض يرطب شَفَتَيْه بِلِسَانِهِ. وَقد يعرض لصَاحب الديدان ضجر واستثقال للْكَلَام وَيكون فِي هَيْئَة الْمُغْضب السيىء الْخلق وَرُبمَا تأذى إِلَى الهذيان لما يرْتَفع من بخاراته الرَّديئَة ويعرض لَهُ أَعْرَاض فرانيطس سوى أَنه لَا يلقط الزئبر وَلَا يصدع وَلَا تطن أُذُنه. ويعرض لَهُ تصريف الْأَسْنَان وخصوصاً لَيْلًا وَيكون فِي كثير من الْأَوْقَات كَأَنَّهُ يمضغ شَيْئا وَكَأَنَّهُ يَشْتَهِي دلع اللِّسَان ويعرض لَهُ تثويب فِي النّوم وصراخ فِيهِ وتملل واضطراب هَيْئَة وضيق صدر على من ينبّهه. ويعرض لَهُ على الطَّعَام غثيان وكرب وَيَنْقَطِع صَوته ويضعف نبضه. وَعند الهيجان يكون كالساقط وَيكون برازه فِي أَكثر الْأَحْوَال رطبا. وَأما سُقُوط الشَّهْوَة واشتدادها فعلى مَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الآسباب وَرُبمَا(2/654)
عرض لَهُم عَطش لَا ريّ مَعَه وَكَذَلِكَ قد تعرض لَهُم أمراض ذَكرنَاهَا هُنَاكَ. وَإِذا اشتدّت الْعلَّة والوجع سقطوا وتشنجوا والتووا كَأَنَّهُمْ مصروعون وَرُبمَا عرض لَهُم فِي مثل هَذَا الْوَقْت أَن يتقيئوها وتختلف ألوانهم وألوان عيونهم فَتَارَة تَزُول ألوان عيونهم ووجوههم وَتارَة ترجع. وَرُبمَا انتفخوا أَو تهيّجوا أَو تمددت بطونهم كالمستسقين وكأنما بطونهم جاسية وَرُبمَا ورمت خصاهم ويعرقون عرقاً بَارِدًا شَدِيدا مَعَ نَتن شَدِيد. وَأما العلامات لتفصايلها فَمِنْهَا مُشْتَركَة التفاصيل وَهِي خُرُوج ذَلِك الصِّنْف من الْمخْرج ثمَّ الطوَال يدل عَلَيْهَا دغدغة فمّ الْمعدة ولذغها ومغص يَليهَا وعسر بلع وَسُقُوط شَهْوَة فِي الاأكثر وتقرز من الطَّعَام وفواق. وَرُبمَا تأذت الرئة وَالْقلب بمجاورتها فَحدث سعال يَابِس وخفقان وَاخْتِلَاف نبض وَيكون النّوم والانتباه لَا على التَّرْتِيب وَيكون كسل وبغض للحركة وللنظر وللتحديق وَفتح الْعين بل يمِيل إِلَى التغميض. ويعرض لعيونهم أَن تحمر تَارَة ثمَّ تكمد آخرى. وَرُبمَا تمددت بطونهم وصاروا كالمستسقين وَرُبمَا عرض لَهُم إسهال. وَأما العراض والمستديرة فَإِن الشَّهْوَة فِي الْأَكْثَر تكْثر مَعهَا لِأَنَّهَا فِي الْأَكْثَر تبعد عَن الْمعدة فَلَا تنكأ فِيهَا وتختطف الْغذَاء وتتحرك عِنْد الْجُوع حركات مؤذية قارصة منهكة للقوة مرخية مقطعَة فِيمَا يَلِي السُّرَّة. وَأما الصغار فَيدل عَلَيْهَا حكة المقعدة وَلُزُوم الدغدغة عِنْدهَا وَرُبمَا اشتدت حَتَّى أحدثت الغشي ويجد صَاحبهَا عِنْد اجتماعها فِي إمعائه ثقلاً تَحت شراسيفه وَفِي صلبه وَمِمَّا ينفع هَؤُلَاءِ العلاج: الْغَرَض الْمَقْصُود من معالجات الديدان أَن يمنعوا من الْمَادَّة المولدة لَهَا من المأكولات الْمَذْكُورَة وَأَن تنقّى البلاغم الَّتِي فِي الأمعاء الَّتِي مِنْهَا تتولد وَأَن تقتل بأدوية هِيَ سموم بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا وَهِي الْمرة الطّعْم. فَمِنْهَا حارة وَمِنْهَا بَارِدَة نذكرها. والأدوية الَّتِي تفعل بالخاصية ثمَّ تسهّل بعد الْقَتْل إِن لم تدفعها الطبيعة بِنَفسِهَا. وَلَا يجب أَن يطول مقَامهَا فِي الْبَطن بعد الْمَوْت والتجفيف فَيضر بخارها ضَرَرا سمياً. والأدوية الحارة الَّتِي إِلَى الدرجَة الثَّالِثَة أوفق فِي تدبيرها كل وَقت إِلَّا أَن تكون حمى أَو ورم فَإِن الحارة الْمرة تضَاد مزاجها بالحرارة وتضاد الْكَيْفِيَّة الَّتِي هِيَ آخرص عَلَيْهَا أَعنِي الدسم والحلو وَقد يُوجد من المشروبات والحقن مَا يجمع الْخِصَال الثَّلَاث. وَأما الحمولات فَهِيَ أولى بِأَن تخرج من أَن تقتل إِلَّا مَا كَانَ فِي الْمُسْتَقيم من صغَار الديدان وَرُبمَا جعلت من جنس الدسم والحلو لينجذب إِلَيْهَا الدُّود للمحبة وَيخرج مَعهَا إِذا خرجت. وَأولى مَا تعالج بالمشروبات وَقت خلاء الْبَطن إِذا دسّت السمُوم الْقِتَال لَهَا فِي الألبان وَفِي الكباب وَنَحْوه كَانَت هِيَ على التَّنَاوُل مِنْهَا أحرص وَكَانَ ذَلِك لَهَا أقتل وَرُبمَا سقِِي صَاحب الديدان مثل اللَّبن يَوْمَيْنِ ثمَّ سقِِي فِي الْيَوْم الثَّالِث فِي اللَّبن دَوَاء(2/655)
قتالاً لَهَا وَرُبمَا مص قبله الكباب فَإِذا وجدت رَائِحَته أَقبلت على المص لما ينحدر إِلَيْهَا. فَإِذا اتبع ذَلِك هَذِه الْأَدْوِيَة كَانَ أقتل لَهَا. وَإِذا اسْتعْملت الحقن السمّية القاتلة لَهَا فَالْأولى أَن تطلى الْمعد ة بالقوابض وخصوصاً مَا فِيهِ قُوَّة قاتلة للدود مثل السمّاق والطراثيث والأقاقيا مدوفة فِي شراب وَكَذَلِكَ المغرّة وَكَذَلِكَ الْكبر والشبث بِالشرابِ فَإِن لم يحتملوا قبض مثل هَذِه فالطين الْمَخْتُوم بِالشرابِ. . وَإِذا شرب الْأَدْوِيَة الدودية فَيجب أَن يسدّ المنخرين سدُّا شَدِيدا وَلَا يكثر من إِخْرَاج النَّفس وإدخاله مَا أمكنه فَإِن الأصوب أَن لَا يخْتَلط فِي النَّفس شَيْء من روائحها. وَمن العلاج الْمُتَّصِل بعلاج الديدان إصْلَاح الشَّهْوَة إِذا سَقَطت وَرُبمَا وجدت فِي الضمّادات والمشروبات مَا يجمع إِلَى تَقْوِيَة الشَّهْوَة قتلا لَهَا وإخراجاً لَهَا مثل الأفسنتين مَعَ الصَّبْر شرباً للحب الْمُتَّخذ مِنْهُمَا وطلاء مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ الصَّبْر مَعَ الربوب الحامضة. وَرُبمَا اجْتمع مَعَ الديدان إسهال فاحتيج إِلَى أَن تقتل فَقَط فَإِن حَرَكَة الطبيعة تخرجها وَرُبمَا اقْتَضَت الْحَال أَن تقتل بالقوابض الْمرة لِتجمع مَوتهَا وإمساك الطبيعة إِذا اجْتمع الديدان والإسهال وَخيف سُقُوط الْقُوَّة وخصوصاً بالأضمدة القابضة الَّتِي فِيهَا قتل للديدان فَلَا تسْقط الْقُوَّة. ثمَّ إِنَّهَا لتخرج بعد ذَلِك إِمَّا بِدفع الطبيعة إِمَّا بدواء مشروب أَو مَحْمُول. وَرُبمَا كَانَ مَعهَا أورام فِي الأحشاء فاحتيج إِلَى تَدْبِير لطيف. والأدوية الَّتِي تقتل حب القرع أقوى من الَّتِي تقتل الطوَال. فالتي تقتل حب القرع والمستديرة تقتل أيضأ الطوَال. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن حب القرع أبعد مِمَّا يشرب وَأَشد اكتناناً بالرطوبات الْوَاقِعَة لَهَا. وَرُبمَا كَانَت فِي كيس وَلِأَنَّهَا متولده عَن مَادَّة أغْلظ وأكثف وَأقرب إِلَى المزاج الْحَار وأشبه بِمَا هُوَ سمّ فَلَا تنفعل عَن شكلها مَا لم تفرط. فصل فِي الْأَدْوِيَة الحارة القتالة للديدان وخصوصاً الطوَال أما المفردة فَمثل الفراسيون والقردمانا يشرب مِنْهُ مِثْقَال والشيح والترمس المر والسليخة والفودنج وعصارته وَحب الدهمست والقسط المر والأفتيمون والقرطم والنعنع والقنبيل والكمافيطوس والقنطوريون والمشكطرا مشيع والثوم خَاصَّة وَرُبمَا قتل حبّ القرع وبزر الرازيانج والآس والصعتر والفوفل والأفسنتين وبزر كرنب وقشور الغربَ وأصل الراسن المجفف يشرب مِنْهُ ثَلَاث أَوَاقٍ. أَو الكمون المقلو والقيصوم والعزيزن والأنيسون وبزر الكرفس. والحرف قوي فِي بَابه والشونيز وبزر السرمق يسهلها مَعَ الْقَتْل. وَكَذَلِكَ اللبلاب والبسفايج. وَأولى مَا يسهل بِهِ بعد الْقَتْل الصَّبْر. وَإِذا شرب إِنْسَان من الزَّيْت شربة وافرة مِقْدَار مَا يُمكن شربه قَتلهَا وأخرجها وخصوصاً بِزَيْت الأنفاق وَهُوَ يقتل العراض أَيْضا وَيقتل بمرارته ويزلق بلزوجته. إِن لم يُمكن شربه دفْعَة شرب شرباً بعد شرب ملعقتين ملعقتين. وَحب النّيل قتّال للحميات مخرج لَهَا. وَرُبمَا نفع فِي العراض. وَأما المركبة فمنقسمة فَأَما القتالة لَهَا فكالترياق(2/656)
الْفَارُوق وَالَّذِي يجمع الْقَتْل والإخراج فَمثل أيارج فيقرا وَمثل أَن يُؤْخَذ من الشيح وَمن الأفسنتين من كل وَاحِد وزن دِرْهَم وَثلث وَمن شَحم الحنظل ربع دِرْهَم وَمن الْملح الْهِنْدِيّ دانق ويسقى. وربمات لَهَا سقِِي الكمّون والنطرون مُنَاصَفَة من الْجُمْلَة وزن مثقالين وَأَيْضًا نطرون فلفل قردمانا أَجزَاء سَوَاء. الشربة إِلَى دِرْهَم وَنصف وَأَيْضًا فلفل حب الْغَار كمون هندي مصطكي يعجن بِعَسَل. والشربة مِنْهُ بِالْغَدَاةِ ملعقة وَعند النّوم مثلهَا. أَو راسن وشيح وفلفل وسرجس أَجزَاء سَوَاء يسقى من دِرْهَم وَنصف إِلَى ثَلَاث دَرَاهِم. وَحب الأفسنتين يخرج الطوَال. وَأما العراض فَيحْتَاج إِلَى أقوى من ذَلِك. فصل فِي الْأَدْوِيَة الَّتِي هِيَ أخص بحبّ القرع هِيَ القطران يسْتَعْمل فِي الحقن والأطلية والبرنج ولبه والسرخس والقسطالمر وقشور أصل التوت وعصارته والقنبيل وشحم الحنظل وَالصَّبْر. والشنجار عَجِيب فِي العراض وقشور اللبخ من الْأَشْجَار. وأظن أَنه ضرب من السدر والأزادرخت وَمِمَّا يُخرجهَا بِلَا أَذَى أَن يشرب ثَلَاث أَوَاقٍ من عصارة الراسن الطري فَإِنَّهُ عَجِيب جدا. وَقد ذكر الْعلمَاء أَن الأربيان يخرج حب القرع. وَمن الْأَدْوِيَة العجيبة فِي جَمِيع ضروب الديدان شعر الْحَيَوَان الْمُسَمّى أحريمون. والقلقديس مِمَّا يَقْتُلهَا مَعَ مَنْفَعَة إِن كَانَ هُنَاكَ إسهال. وَقد ذكرنَا لَهَا فِي الأقراباذين مطبوخاً مِنْهُ وَمن القنطريون. وَأما المركّبات فإمَّا القتّالة كالترياق. وَإِمَّا الجامعة فَمثل أَن يُؤْخَذ من لبّ البرنج وَمن التربد والسرخس من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم ملح هندي دِرْهَمَانِ قسط مر سِتَّة دَرَاهِم. والشربة خَمْسَة دَرَاهِم وَأَيْضًا من لبّ البرنج سرخس قنبيل من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم تَرَبد خَمْسَة عشر درهما. الشربة مِنْهُ إِلَى خَمْسَة دَرَاهِم. وَأَيْضًا يشرب اللَّبن الحليب ثَلَاثَة أَيَّام بِالْغَدَاةِ ويتحسّى بعده الآسفيدباج ثمَّ تُؤْخَذ سِتَّة مَثَاقِيل برنج وَثَلَاثَة دَرَاهِم سرخس وَثَلَاثَة دَرَاهِم قنبيل يدقّ ويداف فِي خل حامض أَو سكنجبين ويمص شيئاَ من الكباب لتحرص الديدان عَلَيْهِ ثمَّ يشرب مِنْهُ مِقْدَار وزن مَا يُوجِبهُ الحدس والتجربة. فصل فِي الْأَدْوِيَة الْبَارِدَة والقليلة الْحَرَارَة هِيَ مثل بزر الكزبرة إِذا شرب ثَلَاثَة أَيَّام بالميبختج وبزر الكرفس فَإِنَّهُ قوي جدا يقتل كل دود ويسقى فِي سكنجبين أَو رائب أَو يشرب طبيخها. والنشاستج قد يقتل أيضاَ. والفوفل وورق الخوخ وعصارة الشَّوْكَة المصرية وَهِي غير كَثِيرَة الْحَرَارَة والعلّيق وسلاقة قشور شَجَرَة الرُّمَّان الحامض أَو المز يطْبخ لَيْلَة جَمِيعًا فِي المَاء ثمَّ يصفّى وَيشْرب. فَإِنَّهُ يقتل. وَكَذَلِكَ مَاء طبخ فِيهِ أَصله وعصارة لِسَان الْحمل يصلح لمن بِهِ دود وإسهال جَمِيعًا. أَو لِسَان الْحمل يَابسا. وَأَيْضًا السماق المغروس فِي(2/657)
المَاء عَجِيب. والطراثيث والطين الْمَخْتُوم بِالشرابِ عَجِيب. والمغرة عَجِيب أيضاَ وبزره البقلة الحمقاء إِذا استكثر مِنْهَا قَتلهَا وَكَذَلِكَ الهندبا المر والخس المر والكرفس المخلّل وَالْكبر المخلّل. وَقيل أَن الْبِطِّيخ يَقْتُلهَا ويسهلها. والحسك قريب من هَذِه الْأَدْوِيَة ويبلغ من قُوَّة هَذِه أَنَّهَا تخرج العراض أَيْضا أَعنِي مثل بزر الْخلاف وعصارة الخوخ والكزبرة والهندبا المر والجعدة وَغير ذَلِك. وَهَذِه تسقى إِمَّا مَعَ مخيض أَو مَاء حَار أَو سكنجبين. فصل فِي تَدْبِير الديدان الصغار قد يَقْتُلهَا احْتِمَال الْملح والاحتقان بِالْمَاءِ الْحَار. وَالْملح يقْلع مادتها وَأقوى من ذَلِك حقنة يَقع فِيهَا القنطوريون والقرطم والزوفا وَقُوَّة من شَحم الحنظل. وتستعمل حارة. وَأقوى من ذَلِك احْتِمَال القطران والحقنة بِهِ وخصوصاً فِي دهن المشمش المر أَو لبّ الخوخ المرّ وَقد طبخت فِيهِ الْأَدْوِيَة القتّالة لَهَا. وَقد يحقن أَيْضا بالقطران وَمِمَّا يحْتَمل بِهِ العرطنيثا وبخور مَرْيَم وقشور أصل اللبخ. وَمِمَّا يلقط هَذِه الصغار أَن يدس فِي المقعدة لحم سمين مملوح وَقد شدّ عَلَيْهِ مجذب من خيط فَإِنَّهَا تجمع عَلَيْهِ بحرص ثمَّ تجذب. بعد صَبر عَلَيْهِ سَاعَة مَا أمكن فتخرجها وتعاود إِلَى أَن تستنقي. فصل فِي الحقن لأَصْحَاب الديدان يحقنون بسلاقات الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة لَهُم وَقد جعل فِيهَا مسهّلات مثل الشَّحْم وَالصَّبْر والتربد وقثاء الْحمار بِحَسب الْقُوَّة وَالْوَقْت. وَيصْلح أَن يسْتَعْمل القطران فِي حقنهم فينفعهم نفعا عظيماَ وتراعى حِينَئِذٍ المقعدة لِئَلَّا تنزحر بالشيافات الزحيرية والمعدة بالأشربة والأضمدة المعدية لِئَلَّا تضعف. وَقد عرفت جَمِيع ذَلِك وَرُبمَا نَفَعت الحقنة بالمياه المالحة أَو الْمِيَاه المملحة بالنطرون وَنَحْوه وخصوصاً بالقطران. وَقد يَقع فِي حقنهم عصارة ورق الخوخ وسلاقة أصُول التوث وقشور الرُّمَّان وخاصة إِذا كَانَت حرارة. فصل فِي الضمّادات لأَصْحَاب الديدان والضمادات أيضاَ تتَّخذ من الْأَدْوِيَة القوية من هَذِه وتقوّى بِمثل شَحم الحنظل ومرارة الْبَقر وعصارة قثاء الْحمار وبالقطران وَالصَّبْر. وَإِذا ضمّد بِالصبرِ والأفسنتين أَو بِالصبرِ وربّ السفرجل أَو ربّ التفاح قتل وفتق الشَّهْوَة. وَإِذا جمع الْجَمِيع فَهُوَ أصوب. ضماد جيد: يسحق الشونيز بِمَاء الحنظل الرطب أَو بسلاقة شحمه ويطلى على الْبَطن والسرة. وَيُقَال أَن مخ الأيل إِذا ضمّد بِهِ السرّة نفع من ذَلِك. وَكَذَلِكَ أدهان الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة إِذا طلي بهَا نَفَعت ودهن البابونج والأفسنتين خَاصَّة. فصل فِي تغذيتهم وَأما الْغذَاء الَّذِي يجب بِحَسب مُقَابلَة السَّبَب فَأن يكون حاراً يَابسا لَا لزوجة فِيهِ وَيكون(2/658)
فِيهِ جلاء مَا يجلوها فيخرجها. وَيدخل فِي أغذيتهم مَاء الحمص وورق الكرنب. وَلُحُوم الْحمام أَيْضا نافعة لَهُم وَشرب المَاء المالح ينفع جَمِيعهم. وَإِذا كَانَ إسهال وحرارة غذّوا بإحساء محمّضة بالسمّاق فَإِنَّهُ قَاتل لَهَا حَابِس. وَكَذَلِكَ مَاء الرُّمَّان الحامض. وَإِذا أَضْعَف الإسهال احْتِيجَ إِلَى مَا يغذو بِقُوَّة فَإِنَّهُ لم يهضم جعل من جنس الاحساء ومياه اللحوم. وَأما الْوَقْت وَالتَّرْتِيب فَيجب أَن لَا تجاع فتهيج هِيَ وتلذع الْمعدة وَرُبمَا أسقطت الشَّهْوَة بل يجب أَن يتغذّى قبل حركتها فِي وَقت الرَّاحَة وَأَن يفرق غذاؤهم فيطعمون كل قَلِيل. وَإِذا خيف الإسهال اسْتعْمل على الْبَطن أضمدة قابضة مِمَّا تعلمه. وَأما أَصْحَاب الديدان الصغار فَالْأولى أَن تجْعَل غذاءهم من جنس الْحسن الكيموس السَّرِيع الانهضام فَإِن قوّته على سَبِيل المضادة لَا يصل إِلَيْهَا البتّة وَإِذا كَانَ حسن الكيموس قل الكيموس الْفَاسِد الَّذِي هُوَ مَادَّة لَهَا. فصل فِي علاج السقطة والصدمة على الْبَطن الصَّوَاب فِي جَمِيع ذَلِك أَن يخرج الدَّم إِن أمكن ويسقى بعد ذَلِك من الكندر ودمّ الْأَخَوَيْنِ والطين الأرمني والكهربا من كل وَاحِد دِرْهَم بمثلث رَقِيق. وَإِن كَانَ حدث نزف دم أَو إسهاله أَو قيئه جعل فِيهِ قِيرَاط من أفيون وَبعد هَذَا يجب أَن تتأمل مَا ذكرنَا فِي بَاب الصدمات فِي الْكتاب الَّذِي بعد هَذَا.(2/659)
الْفَنّ السَّابِع عشر علل المقعدة وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة: فصل كَلَام كلي فِي علل المقعدة اعْلَم أَن علل المقعدة عسرة الْبُرْء لما اجْتمع فِيهَا من أَنَّهَا ممر وَأَنَّهَا معكوسة نَافِذَة من تَحت إِلَى فَوق وَأَنَّهَا شَدِيدَة الحسّ وَأَنَّهَا مَوْضُوعَة فِي السّفل فَلِأَنَّهَا ممر يَأْتِيهَا الثفل فِي كل وَقت ويحركها وَيزِيد فِي آلامها ويفقدها السّكُون الَّذِي بِهِ يتمّ قبُول مَنَافِع الْأَدْوِيَة وَبِه تتمكن الطبيعة من إصْلَاح. وَلِأَنَّهَا معكوسة يصعب إِلْزَام الْأَدْوِيَة إِيَّاهَا وَلِأَنَّهَا شَدِيدَة الْحس يكثر وجعها وَكَثْرَة الوجع جذّابة. وَلِأَنَّهَا مَوْضُوعَة فِي أَسْفَل يسهل انحدار للفضول إِلَيْهَا وخصوصاً إِذا أجَاب إِلَى قبُولهَا ضعف بهَا من آفَة فِيهَا. فصل فِي البواسير إعلم أَنه كثيرا مَا يظنّ أَن الْإِنْسَان إِن بِهِ بواسير وَإِنَّمَا بِهِ قُرُوح فِي الْمُسْتَقيم وَفِيمَا فَوْقه يجب أَن تتأمل ذَلِك. والبواسير تَنْقَسِم بِضَرْب من الْقِسْمَة الْمَشْهُورَة إِلَى ثؤلولية وَهِي أردؤها وَإِلَى عنبية وَإِلَى توثية. والثؤلولية تشبه الثآليل الصغار. والعنبية مستعرضة مدوّرة أرجوانية اللَّوْن أَو إِلَى أرجوانية. والتوثية رخوة دموية. وَقد تكون من البواسير بواسير كَأَنَّهَا نفاخات. وَقد تَنْقَسِم البواسير بقسمة آخرى إِلَى ناتئة وَإِلَى غائرة وَهِي أردؤها. وخصوصاً الَّتِي تلِي نَاحيَة الْقَضِيب فَرُبمَا حبست الْبَوْل بالتوريم. والناتئة الظَّاهِرَة تكون إِحْدَى الثَّلَاثَة. وَأما الغائرة فَمِنْهَا دموية وَمِنْهَا غير دموية. وَقد تَنْقَسِم البواسير أَيْضا إِلَى منتفخة تسيل وَرُبمَا سَالَتْ شيئأ كثيرا لانتفاخ عروق كَثِيرَة وَإِلَى صمّ عمي لَا يسيل مِنْهَا شَيْء. وَأكْثر مَا تتولد البواسير تتولّد من(2/660)
السَّوْدَاء أَو الدَّم السوداوي وقلما تتولد عَن البلغم. وَإِذا تولّدت عَنهُ فتتولد كَأَنَّهَا نفّاطات وَكَأَنَّهَا نفّاخات بطُون السّمك. والثؤلولية أقرب إِلَى صَرِيح السَّوْدَاء. والتوثية إِلَى الدَّم والعنبية بَين بَين وَلَيْسَ يُمكن أَن تحدث البواسير دون أَن تنفتح أَفْوَاه الْعُرُوق فِي المقعدة على مَا قَالَ جالينوس وَلذَلِك تكْثر مَعَ ريَاح الْجنُوب وَفِي الْبِلَاد الجنوبية. والبواسير المنفتحة السيالة لَا يجب أَن تحبس الدَّم السَّائِل مِنْهَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الضعْف واسترخاء الرّكْبَة واستيلاء الخفقان وَيرى دم غير أسود. وأجوده أَن يتحلّب قَلِيلا قَلِيلا لَا دفْعَة. وَإِذا مَال فِي النِّسَاء دم البواسير إِلَى الرَّحِم فَخرج بالطمث انتفعن بِهِ. وَيجب أَيْضا أَن يفعل ذَلِك بالصناعة يحز طمثهن ولأكثر أَصْحَاب البواسير لون يختصّ بهم وَهُوَ صفرَة إِلَى خضرَة. وَكَثِيرًا مَا عرض لأَصْحَاب البواسير رُعَاف فَزَالَتْ البواسير عَنهُ. العلاج: يجب أَن يبْدَأ فيصلح الْبدن ويستفرغ دَمه الرَّدِيء بفصد الصْافن والعرق الَّذِي خلف الْعقب. وعرق المأبض أقوى مِنْهُمَا وحجامة مَا بَين الْوَرِكَيْنِ تَنْفَع مِنْهَا وتستفرغ أخلاطه السوداوية ويعالج الطحال والكبد إِن وَجب ذَلِك لإِصْلَاح مَا يتولّد فيهمَا من الدَّم الرَّدِيء. ثمَّ إِن لم يكن وجع وَلَا ورم وَلَا انتفاخ فَلَا كثير حَاجَة إِلَى علاجها فَإِن علاجها رُبمَا أدّى إِلَى نواصير وَإِلَى شقَاق. ثمَّ يجب أَن تجتهد فِي تليين الطبيعة لِئَلَّا تُؤدِّي صلابة الثفل المقعدة فيعظم الْخطب. وأجود ذَلِك أَن تكون المسهّلات والمليّنات من أدوية فِيهَا نفع للبواسير مثل حب الْمثل وَمثل حب ّالفيلزهرج وَحب الدادي وحبوب نذكرها فَيجب أَن تجتهد فِي تفتيح الصمّ وتسييل الدَّم مِنْهَا مَا أمكن إِلَى أَن تضعف أَو يخرج دم أَحْمَر صَاف لَيْسَ فِيهِ سَواد. فَإِن لم يغن فتدبيره إبانة الْبَاسُور وإسقاطه بِقطعِهِ أَو بتجفيفه وإحراقه بِمَا يفعل ذَلِك. وَاعْلَم أَن الدَّم الَّذِي يسيل من البواسير والمقعدة فِيهِ إِمَّا من الآكلة وَالْجُنُون والمالنخوليا والصرع السوداوي وَمن الْحمرَة والجاورسية والسرطان والتقشر والجرب والقوابي وَمن الجذام وَمن ذَات الْجنب وَذَات الرئة والسرسام. وَإِذا احْتبسَ الْمُعْتَاد مِنْهَا خيف شيئ من هَذِه الْأَمْرَاض وَخيف الاسْتِسْقَاء لما(2/661)
يحدث فِي الكبد من الورم الرَّدِيء والصلب وَفَسَاد المزاج وَخيف السلّ وأوجاع الرئة لاندفاع الدَّم الرَّدِيء إِلَيْهَا. وَإِذا أحدث السيلان غيراً أَخذ سويق الشّعير بطباشير وطين أرمني وَسقي من حاره قَلِيلا قَلِيلا. والأدوية الباسورية مِنْهَا مفتّحات لَهَا وَمِنْهَا مدملات وَمِنْهَا حابسات لإفراط السيلان وَمِنْهَا قاطعات لَهُ وَمِنْهَا مسكنات لوجعها. وَهِي إِمَّا مشروبات وَإِمَّا حمولات وَإِمَّا أطلية وضمّادات ولطوخات وَإِمَّا ذرورات وَإِمَّا بخورات وَإِمَّا مياه يجلس فِيهَا وَإِمَّا حوابس. وَجَمِيع ذَلِك إِمَّا مُفْردَة وَإِمَّا مركّبة. وَاعْلَم أَن حبّ الْمقل منفعَته فِي البواسير ذَات الأدوار ظَاهِرَة وَلَيْسَت بكثيرة الْمَنْفَعَة فِيمَا هُوَ ثَابت لَا دور لَهُ وَإِذا اجْتمع شقاف وورم عولجا أَولا ثمَّ البواسير ودهن المشمش المحلول فِيهِ الْمقل نَافِع للبواسير والشقاق. فصل فِي تَدْبِير قطع البواسير وخزمها إِسْقَاط البواسير قد يكون بِقطع وَقد يكون بالأدوية الحادة. وَإِذا كَانَت بواسير عدَّة لم يجب أَن يقطع جَمِيعهَا مَعًا بل يجب أَن تسمع وَصِيَّة أبقراط وَيتْرك مِنْهَا وَاحِدَة ثمَّ تعالج بل الأصوب أَن تعالج بِالْقطعِ وَاحِدَة بعد وَاحِدَة إِن صَبر على ذَلِك. وَفِي آخر الْأَمر يتْرك مِنْهَا وَاحِدَة يسيل مِنْهَا الدَّم الْفَاسِد الْمُعْتَاد فِي الطبيعة خُرُوجه مِنْهَا وَذَلِكَ الْمَقْطُوع إِن كَانَ ظَاهرا كَانَ تَدْبيره أسهل وَإِن كَانَ غائراً كَانَ تَدْبيره أصعب. وَالظَّاهِر فَإِن الأصوب أَن يشدّ أَصله بخيط إبريسم أَو كتَّان أَو شعر قوي وَيتْرك. فَإِن سقط بذلك وَإِلَّا جرب عَلَيْهِ الْأَدْوِيَة المسقّطة. والأقطع والغائر يجب أَن يقلب ثمَّ يقطع. وَالْقلب قد يكون بالآلة مثل مَا يكون بمحجمة بِنَار أَو كَيفَ كَانَ يوضع على المقعدة حَتَّى يخرج ثمَّ يمسك بالقالب. وَإِن خيف سرعَة الرُّجُوع ترك المحجمة سَاعَة حَتَّى يرم الْموضع فَلَا يعود وَرُبمَا شدّت بِسُرْعَة بخيط شداً مورماً يبْقى لَهُ الْبَاسُور خَارج وَقد يكون بأدوية مقلبة مثل أَن يُؤْخَذ عصارة القنطوريون والشبث الرطب والميويزج ويعجن جَمِيع ذَلِك بالعسل ويطلى بِهِ المقعدة أَو يحْتَمل فِي صوفة فَإِنَّهُ يهيّج البرَاز ويسوق إِلَى إبراز المقعدة ويسهّله. أَو يسْتَعْمل نطرون ومرارة الثور أَو يسْتَعْمل فلفل ونطرون أَو يجمع إِلَى مَا كَانَ من ذَلِك عصارة بخور مَرْيَم أَو ميويزج. وَمن الِاحْتِيَاط فصد الباسليق قبل الْقطع والخزم وَإِذا أَرَادَ أَن يقطعهُ أمسك مَا يقطع وَهُوَ بارز أَو مبرز بالقالب ومده إِلَى نَفسه ثمَّ قطعه من أَصله بأحدّ شَيْء وأنفذه فَلَا يجب أَن يتعدّى أَصله فَيقطع مِمَّا دونه شَيْئا فَيُؤَدِّي إِلَى آفَات وأورام وأوجاع عَظِيمَة. وَرُبمَا أدّى إِلَى أسر وَحصر وَيتْرك الدَّم يسيل إِلَى أَن يخَاف الضعْف ثمَّ يحبس الدَّم بالحوابس الَّذِي نذكرها.(2/662)
فَإِن لم يسل الدَّم كثيرا فصد من الباسليق وَإِن احْتمل أَن يحمّي بالمفتّحات الْمَذْكُورَة ويسيل الدَّم بهَا كَانَ صَوَابا إِن لم يخف أَن تسْقط الْقُوَّة من الوجع. وَرُبمَا كفى فِي ذَلِك مثل عصارة البصل. وَإِن أَرَادَ أَن يخزم خزم الصَّغِير من أَصله أَو الْكَبِير من نصفه أَو على قسْمَة آخرى ويتدارك لِئَلَّا يرم ويوجع وَذَلِكَ بِأَن يوضع عَلَيْهِ بصل مسلوق أَو كراث مسلوق مخبص بالسمن وَيجْلس المعالج فِي الْمِيَاه القابضة المطبوخة فِي القمقم لِئَلَّا يرم وَفِي خل وَمَاء طبخ فيهمَا العفص وقشور الرُّمَّان ثمَّ يعالج بِمَا ينْبت الدَّم من المراهم لِئَلَّا يرم. وَالْغَرَض فِي الخزم الإعداد لنفوذ قُوَّة الْأَدْوِيَة المسقطة الباسورية. وَإِذا رَأَيْت المقعدة ترم وتوجع وجعاً شَدِيدا من أَمْثَال هَذِه المعالجات فَالْوَاجِب أَن يدخن بالمقل وسنام الْجمل ويضمد بالضمادات الْمَذْكُورَة أَو يضمد وَالْجُلُوس فِي نَبِيذ الدادي عَجِيب النَّفْع فِي تسكين وجع الْقطع وَنَحْوه. وَكَذَلِكَ الْجُلُوس فِي مياه طبخ فِيهَا الملينات والتنطيل بهَا وَهِي مياه طبخ فِيهَا بزر الْكَتَّان والخطمي وبزره وكرنب وَنَحْو ذَلِك. وَمِمَّا يخصّ أورام المقعدة عَن البواسير إسفيداج الصخور الرصاصي ثَلَاثَة أَوَاقٍ سقولوموس أُوقِيَّة مرداسنج أوقيتان مصطكي ثَلَاثَة دَرَاهِم يجمع بعصارة البنج وَيجب أَن تليّن الْبَطن وَلَا يتْرك الثفل يصلب ويعالج احتباس بَوْل إِن وَقع بتليين الورم. على أَنه يجب أَن يمْنَع من دُخُول الْخَلَاء يَوْمًا وَلَيْلَة خُصُوصا بعد نزف قوي. لَا وَأما إِن لم ترد أَن يكون قطع الْبَاسُور بِآلَة أَو خزم بل بالدواء نثر عَلَيْهِ دَوَاء حاد فَإِنَّهُ يَأْكُلهُ ويفنيه وَيظْهر اللَّحْم الصَّحِيح. فَإِن أوجع أَجْلِس فِي الْمِيَاه القابضة وعولج قبل ذَلِك بالسمن الْكثير يوضع عَلَيْهِ ثمَّ يعالج بِمثل مرهم الآسفيذاج والمرداسخج ومرهم متخذة مِنْهَا وَمن مياه عِنَب الثَّعْلَب والكاكنج والكزبرة. وَرُبمَا حَال الوجع دون اسْتِعْمَال الدَّوَاء الحاد فِي مرّة وَاحِدَة فاحتيج أَن يسْتَعْمل بالدواء الحاد. وَإِذا برح الوجع عولج بالعلاج الْمَذْكُور ثمَّ عُووِدَ وَلِأَن تكْرَار الدَّوَاء الحاد مرَارًا مَعَ تجفيف أسهل. وَفِي آخر الْأَمر يسودّ وَيسْقط. والدواء الحاد هُوَ الديك يُرِيك والفلدفيون وَمَا أشبه ذَلِك. وَإِذا اسودّت سلق الكرنب بالزيت وَوضع عَلَيْهَا وَسكن الوجع ثمَّ عوود حَتَّى تسْقط. وَأما التوتية وَمَا أشبههَا فَإِن نثر الزاجات عَلَيْهَا يجفّفها ويسقطها وَقد يقطع أَيْضا. والفصد والإسهال أوجب فِيهَا والذرورات والبخورات والأطلية أعمل فِيهَا.(2/663)
فصل فِي تَدْبِير تفتيح البواسير الصمم وإدرار دَمهَا يجب أَولا أَن تلين بالاستحمامات ويستعان على تفتيحها بفصد الصَّافِن وعرق المأبض وبمروخات من مثل دهن لبّ الخوخ ولمث المشمش المر إهال سَنَام الْجمل ومخ الأيل والمقل وَغير ذَلِك أفراداً ومجموعة ثمَّ يسْتَعْمل عَلَيْهَا عصارة البصل القوية وَقد جعل فِيهَا عصارة بخور مَرْيَم وَرُبمَا جعل مَعَ ذَلِك شَيْء من اليتوعات وَمن الميويزج وذرق الْحمام فَإِنَّهَا تفتح لَا محَالة. وَرُبمَا عجنت بمرارة الْبَقر والقنة مِمَّا ندخل فِي هَذَا وَكَذَلِكَ ورق السذاب ودهن الاقحوان. وَأكل الاقحوان نَفسه يدر الدَّم ويوسع المسام ودواء الهليلج بالبزور مَعَ نَفعه من البواسير يدر دم البواسير لما فِيهِ من البزور الملطفة. وَمِمَّا يدرالدم المحتبس أَن يُؤْخَذ من شَحم الحنظل ثَلَاثَة دَرَاهِم وَمن اللوز المر أَرْبَعَة دَرَاهِم وَيعْمل مِنْهُ فَتِيلَة طَوِيلَة ويمسك فِي المقعدة ويبدل كل سَاعَة بِحَيْثُ تكون خمس فتائل فِي خمس سَاعَات فَإِذا اشْتَدَّ الوجع يَجْعَل فِي المقعدة فَتِيلَة من دهن الْورْد وَأَمْسَكت وفصد الصَّافِن فصل فِي كَلَام الْأَدْوِيَة الباسورية والبثورات والذرورات الأصوب أَن يلطخ قبل الذرورات القوية بعنزروت مدوف فِي مَاء وَإِن كَانَ صبوراً على الوجع لطخ دَاخل المقعدة بنورة الْحمام وصبر يَسِيرا ثمَّ غسل بشراب قَابض ثمَّ ذَر الذرور ويذر على البواسير قشور النّحاس المسحوقة وَحدهَا وَمَعَ الرصاص المحرق وَأَيْضًا الزرنيخ والذراريح والنوشادر يذر عَلَيْهَا ويتدارك بِمَا سلف ذكره من السّمن وَنَحْوه وَأقوى من هَذِه أَن تكون معجونة ببول الصّبيان. وَهَذِه تجْرِي مجْرى الدَّوَاء الحاد. وَأما مَا هُوَ أرْفق من ذَلِك وألين فَمثل رماد قشور السرو مغسولاَ بشراب ورماد قيض الْبيض ورماد نوى التَّمْر المحرق والترمس المر الْيَابِس المحرق. وَمِمَّا يجْرِي مجْرى الْخَواص أَن يُؤْخَذ رَأس سَمَكَة مالحة ويجفف بِقرب النَّار ويخلط بِمثلِهِ جبنا عتيقاً ويذر على الْحلقَة وَكَذَلِكَ رماد ذَنْب سَمَكَة مالحة والشونيز من الذرورات الجيدة العجيبة النَّفْع وَمِنْهَا البخورات. وَالْقَوِي فِيهَا هُوَ البلاذر وَحده أَو مَعَ سَائِر الْأَدْوِيَة ومح الزرنيخ خَاصَّة والزرنيخ وَحده والكرنب وَحده. وَأما سَائِر الْأَدْوِيَة فَمثل أصل الأنجدان وأصل الدفلى والأشترغاز وأصل السوسن وأصل الْكبر وأصل الكرفس وأصل الحنظل وأصل الحرمل والقلى والأشنان والقنة وعروق الصباغين وبزر الكراث والخردل وبعر الْجمال والعنزروت. وتستعمل هَذِه فُرَادَى ومجموعة وَيجْعَل فِيهَا شَيْء من بلاذر ويعجن بدهن الياسمين وتقرّص وَتحفظ ليتبخْر بهَا. وَمِمَّا يَقع فِيهَا الأشنان والقلي والعنزروت وبعر الْجمال فَهُوَ نَافِع. والطرفاء رُبمَا كفى التبخّر بِهِ مرَارًا مُتَوَالِيَة.(2/664)
نُسْخَة بخور مركب: يُؤْخَذ أصل الْكبر وأصل الكرفس وورق الدفلى وأصل الشَّوْكَة الَّتِي هِيَ الْحَاج ومحروث وأصل السوسن والبلاذر بِالسَّوِيَّةِ يتَّخذ مِنْهَا بَنَادِق بدهن الزنبق وتستعمل بخوراً. وَقد قيل أَن التبخير بورق الآس نَافِع جدا وَكَذَلِكَ بجلد أسود سالخ مَعَ نوشادر وَهَذَا التبخير قد يكون بقمع مهندم فِي المقعدة من طرف وعَلى المجمرة مكبوبة من طرف ويبخر مِنْهُ. وَقد يكون بإجانة مثقوبة يجلس عَلَيْهَا وأوفق جمر بعر الْجمال. فصل فِي السيالات الَّتِي تُوضَع عَلَيْهَا وينطل بهَا مِنْهَا مياه حَادِثَة مثل مياه طبخ فِيهَا النورة الْحَيَّة والقلي والزرنيخ وَكرر ذَلِك ثمَّ عجن بهَا نورة وقلى والمياه الشبية شرباً وطلاء وَعَسَلًا بهَا مِمَّا يحبس سيلانها. طلاء وَهُوَ جيد مجرب ونسخته: يُؤْخَذ حَنْظَلَة رطبَة وتشقق أَربع فلق وتوضع فِي إِنَاء وَيصب عَلَيْهَا أَبْوَال الأبل الراعية وخصوصاَ الأعرابية غمرها وتوضع فِي شمس القيظ وَمُدَّة بالبول كلما نقص فَإِنَّهُ شَدِيد النَّفْع يُسْقِطهَا لَا محَالة. وَقد تطلى بالمرارات فَإِنَّهُ أكال للبواسير وَمَاء الخرنوب الرطب يغمس فِيهِ صوفة وَيُوضَع على البواسير فَيذْهب بهَا الْبَتَّةَ وَإِن حك بهَا دَائِما فعل ذَلِك كَمَا يفعل بالثآليل. وَكَذَلِكَ قثاء الْكبر الرطب والمروخات السّمن الْعَتِيق ودهن نوى المشمش ودهن نوى الخوخ وودك سَنَام الْجمل ودهن الخيري ودهن الْحِنَّاء. فصل فِي الفتائل والحمولات تغمس قطنة فِي عسل ويذرعليها شونيز محرق وتستعمل. وَقد تكون فتائل متخذة من الزرنيخين وَنَحْوهمَا وَجَمِيع الذرورية الفرورية يُمكن أَن يسْتَعْمل مِنْهَا فتائل بِعَسَل. وَمِمَّا هُوَ عَجِيب لكنه صَعب حاد أَن يقطع أصل اللوف قطعا صغَارًا وينفع فِي شراب يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ يمسك مَا أمكن وَقد زعم بَعضهم أَن النيلوفر إِذا اتَّخذت مِنْهُ فَتِيلَة نفع وَأَظنهُ فِي تسكين الوجع. فصل فِي المشروبات مِنْهَا حب الْمقل على النّسخ الْمَعْرُوفَة وَالَّذِي يكون بالصموغ وَالَّذِي يكون بالودع وَمِنْهَا حب الدادي ونسخته: يُؤْخَذ هليلج وبليج وأملج وشير أملج أَجزَاء سَوَاء دادي بَصرِي خمس جُزْء يلت بدهن المشمش حَتَّى ينعصر ويعجن بِعَسَل. والشربة من دِرْهَمَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة مَثَاقِيل وَحب السندروس. وَنسخت: يُؤْخَذ سندروس وقشور الْبيض شيطرج بزر كراث أَجزَاء سَوَاء نوشادر نصف جُزْء خبث الْحَدِيد أَرْبَعَة أَجزَاء يحبب كالنبق. والشربة مِنْهُ بِالْغَدَاةِ سِتّ حبات إِلَى سبع حبات ويهيّج الباه. وَأَيْضًا يُؤْخَذ هليلج أسود وبليلج وأملج من كل وَاحِد عشرَة قرع محرق سَبْعَة كهرباء ثَلَاثَة زاج دِرْهَمَانِ مقل عشروق درهما ينقع بِمَا الكراث ويحبب وَيسْتَعْمل.(2/665)
آخرى: وَمِمَّا جزب توبال الْحَدِيد وبزر الكزاث وبزر النانخواه من كل وَاحِد وزن دِرْهَمَيْنِ ثَمَرَة الْكبر الْيَابِس ثَلَاثَة دَرَاهِم. والشربة كف بِمَاء الكراث. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ هليلج أسود مقلو بِسمن الْبَقر وبزر الرازيانج من كل وَاحِد جُزْء وحرف جزءان يشرب مِنْهُ كل يَوْم ملعقة بشراب. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ هليلج أسود مقلو بِسمن الْبَقر مَعَ مَاء الكرّاث ودهن الْجَوْز والاطريفل الصَّغِير والاطريفل بخبث الْحَدِيد. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ خبث الْحَدِيد المنخول المدقوق ثَلَاثَة دَرَاهِم مَعَ دِرْهَمَيْنِ حرف أَبيض يسقى منَّة على الرِّيق فِي أُوقِيَّة من مَاء الكراث وزن دِرْهَمَيْنِ من دهن الْجَوْز. وَأَيْضًا: يُؤْخَذ زراوند طَوِيل وعاقر قرحا وحسك ولوز مر ونانخواه ويلقى عَلَيْهِ كفّ من وَأَيْضًا: يُؤْخَذ الأبهل الحَدِيث النقي وزن عشرَة دَرَاهِم وينقع فِي مَاء الكراث أَيَّامًا ويجفف فِي الظل ويسحق ويضاف إِلَيْهِ من بزر الحرمل وَمن الأنجدان الْكرْمَانِي وَمن الْحَرْف الْأَبْيَض وَمن الحلبة وَمن النانخواه من كل وَاحِد سِتَّة دَرَاهِم يقلى الْحَرْف والحرمل بدهن الْجَوْز ودهن المشمش ويدق سَائِر الْبَاقِيَة وَيجمع فِي برنية زجاج أَو مغضرة. والشربة مِثْقَال إِلَى مثقالين. وَمِمَّا هُوَ مُخْتَار مجرّب أَن يسقى من القنّة الْيَابِسَة دِرْهَمَيْنِ فِي مَاء فَإِنَّهُ يبريه. وَإِن سقِِي ثَلَاث مَرَّات لم يعد. والسكبينج والميعة من جملَة الْأَدْوِيَة الَّتِي تشرب للبواسير. وَإِن كَانَت الطبيعة لينَة نفع سفوف الهليلج بالبزور وَهُوَ يدر الدَّم. وَمِمَّا يَنْفَعهُمْ إدمان أكل اللوف بالعسل. وَأما الاطريفل بالخبث فَهُوَ يحبس الدَّم وينفع من الْبَاسُور. فصل فِي مسكنات الوجع يُؤْخَذ سكبينج ومقل من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ ميعة دِرْهَم أفيون نصف دِرْهَم دهن نوى المشمش أُوقِيَّة وَنصف تحل الصموغ فِيهِ وَيجْعَل عَلَيْهَا نصف دِرْهَم جندبادستر وَأَيْضًا نيلوفر مجفف جُزْء خطمي نصف جُزْء وَأَيْضًا إكليل الْملك عدس مقشّر من كل وَاحِد جُزْء يجمع بمحّ الْبيض ودهن الْورْد وَأَيْضًا ورق الخطمي وإكليل الْملك معجونين بمخ الْبيض ودهن الْورْد وَأَيْضًا إِذا وضع عَلَيْهِم مرهم الدياخلون بدهن الْورْد وَشَيْء من زعفران والأفيون والميبختج كَانَ نَافِعًا وشحم البطّ شَدِيد النَّفْع. وَأَيْضًا سرطان نهري زوفا رطب شَحم كلي الماعز شمع أَبيض. وَأَيْضًا خصوصاَ إِذا كَانَ تورم أَن يُؤْخَذ بابونج وإكليل الْملك وَقَلِيل زعفران يسحق ويعجن بلعاب بزر كتَّان ومثلث ويضاف إِلَى هَذَا الْبَاب مَا نقُوله فِي بَاب ورم المقعدهَ فَإِنَّهَا تَنْفَع لتسكين أوجاع الْقطع والخزم والورم.(2/666)
فصل فِي الحوابس للسيلان من ذَلِك مَا يحبس سيلان الْقطع وَهِي أقوى وَأوجب أَن تكون كاوية وَمِنْهَا مَا يحبس سيلان الانفتاح. واللواتي تحبس دم الْقطع فالزاجات وَأَيْضًا مثل ذرائر من الصَّبْر وكندر وَدم الْأَخَوَيْنِ والجلّنار وشياف ماميثا وَنَحْوه يذر ويشد شدُّا وثيقاً. وَأَيْضًا وبر الأرنب أَو نسج العنكبوت يبل بَيَاض الْبيض ويلوّث بذرور جالينوس ويشدّ إِلَى أَن ينختم. والقوية مثل القلقطار مَعَ الأقاقيا والعفص ثمَّ الشدّ الشَّديد. فَإِن لم يفعل شَيْء كوي بقطنة تغمس فِي زَيْت يغلى فَيحْبس الدَّم ثمَّ يذرّ عَلَيْهِ الحابسة الْيَابِسَة وَفِي هَذَا خطر التشنّج. وَأما مَا هُوَ دون ذَلِك فالقوابض الْمَعْرُوفَة ومياه طبخ فِيهَا القوابض أَو شراب عفص طبخ فِيهِ قشور الرُّمَّان والعفص. وَمِمَّا يشرب لذَلِك الأطريفل الصَّغِير وَقد جعل عَلَيْهِ خبث الْحَدِيد المنقوع فِي الخلّ أسبوعاً ثمَّ يصفّى الخلّ عَنهُ ويقلى على مقلى قلياً يشويه ثمَّ تسحق كالهباء. يجب أَن يجتنبوا كل غليظ من اللحمان والأشياء اللبنية وكل محرق للدم من التوابل والأبازير إِلَّا بِقدر الْمَنْفَعَة. وَيجب أَن يَأْكُلُوا مِمَّا يسْرع هضمه ويجود غذاؤه من اللحمان وصفرة الْبيض والآسفيدباجات الدسمة والجوزابات والزيرباجات وَمَاء الحمص. والشيرج العذب يَنْفَعهُمْ. والجوز الْهِنْدِيّ مَعَ الفانيذ يَنْفَعهُمْ. فَإِن كَانَ هُنَاكَ استطلاق وسيلان مفرط من الدَّم نفع الأرزّ والرمانية بالزبيب. وأدهانهم دهن الْجَوْز ودهن النارجيل ودهن اللوز ودهن نوى المشمش وودك سَنَام الْجمل والشحوم الفاضلة والعجة من صفرَة الْبيض والكراث وَقَلِيل بصل. ويوافقهم الفانيذ والتين خير لَهُم من التَّمْر. فصل فِي الورم الْحَار فِي المقعدة والحمرة فِيهَا مبتدئين وكائنين بعد أوجاع البواسير وقطعها أورام المقعدة قد تعرض فِي الْأَقَل مبتدئة وَفِي أَكثر عقيب الشقاق والحكّة وعقيب انسداد أَفْوَاه البواسير وعقيب معالجات البواسير بِالْقطعِ والأدوية الحادة. وَإِذا كَانَت الأورام تجمع وَتصير خراجات خيف عَلَيْهَا أَن تصير نواصير. فَلهَذَا أَمر ببطها قبل النضج وَيجب أَن يسْتَعْمل الفصد فِي أَوَائِل هَذِه الأورام وَرُبمَا سكن الوجع وَحده وَيسْتَعْمل عَلَيْهَا مرهم الآسفيذاج أَو يطلى ببياض بيض مسحوقاً بدهن ورد فِي هاون من رصاص أَو آنك حَتَّى يسود فِيهِ أَو يُؤْخَذ مرداسنج خَمْسَة دَرَاهِم نشا ثَمَانِيَة إسفيذاج دِرْهَمَانِ موم ثَلَاثَة أَوَاقٍ سمن أوقيتان شَحم البط أُوقِيَّة شيرج مِقْدَار الْكِفَايَة أَو يَجْعَل مَعهَا شَيْء من المثلث وَالشرَاب وشحم البط شَدِيد النَّفْع. وَكَذَلِكَ الْخبز الْمَطْبُوخ بِمَا إِذا جعل ضماداً بالصفرة ودهن الْورْد أَو خبز نقي رَطْل زعفران أُوقِيَّة أفيون نصف أُوقِيَّة وَيسْتَعْمل فِي الميبختج. وضماد الكاكنج جيد جدا.(2/667)
وَكَذَلِكَ ضماد يتَّخذ من صفرَة بيض مشوية يعجن بِهِ بشراب قَابض ثمَّ يخلط فِي شمع ودهن ورد. وَإِذا جَاوز الِابْتِدَاء وَلم يكن عَن قطع اسْتعْمل عَلَيْهِم مرهم دياخلون مضررباً بدهن ورد أَو قَلِيل مرهم باسليقون مَعَ صفرَة بيض النيمبرشت. وَأَيْضًا البصل والكراث المسلوقين مَعَ بابونج أَو مرهم الآسفيذاج بالأشق فَإِن اشْتَدَّ الوجع أَخذ ورق البنج الرطب وعصر وَأخذ من مَائه شَيْء ويمرخ بِالْمَاءِ أَيْضا ثمَّ ينقع فِيهِ خبز ويضاف إِلَيْهِ صفرَة بيض دون المعقودة بالشَّيْء جدا ودهن الْورْد ويتخذ مرهم. وَأَيْضًا قد ينفع التكميد المعتدل وَالْجُلُوس فِي مياه طبخ فِيهَا مَا يسكن الوجع مثل بزر الْكَتَّان. والخطمي وبزر الخطمي والملوخيا وَيصب فِيهَا لعاب الْحِنْطَة المهروسة وَيجب أَن ترجع إِلَى بَاب الزحير فَفِيهِ علاج جيد لهَذَا الْبَاب. وَإِذا كَانَت الأورام الْقَرِيبَة فِي المقعدة من جنس مَا يجمع المدّة فبادر إِلَى البطّ قبل. النضج لِئَلَّا تميل الْمَادَّة إِلَى الْغَوْر وَتصير ناصوراً. وَقد حُكيَ هَذَا التَّدْبِير عَن أبقراط. فصل فِي شقَاق المقعدة الشقاق فِي المقعدة قد يكون ليبوسة وحرارة تعرض لَهَا فينشق عَن الثفل الْيَابِس وَعَن أدنى سَبَب وَقد يكون لسَبَب ورم حَار وَقد يكون بِسَبَب شدَّة غلظ الثفل ويبسه وَقد يكون لبواسير انشقّت وَقد يكون لقُوَّة اندفاع الدَّم إِلَى فوهات عروق المقعدة. فصل فِي العلاج: أدوية الشقاق مِنْهَا مدملة مؤلفة وَمِنْهَا ملينة مرطبة وَمِنْهَا معالجة للورم وَمِنْهَا ذَاهِبَة مَذْهَب الخاصية أَو مقاربة لَهَا. فأماالمدملات القابضة المجففة فَمثل العفص الْغَيْر مثقوب ينعّم سحقاً فِي مَاء وَقَلِيل شراب عفص وَيسْتَعْمل طلاء. وَأقوى من ذَلِك أَن يُؤْخَذ زنجفر وجلنار وإسفيذاج ومرداسنج ودهن الْورْد وَأَيْضًا مرداسنج ورصاص محرق وخبث الْحَدِيد وَالْفِضَّة وإقليميا وَيسْتَعْمل بدهن الْورْد وَقَلِيل شمع. وَأَيْضًا مرهم الآسفيذاج الْمَعْرُوف أَو إسفيذاج واَنك محرق ودهن الْورْد وَبَيَاض الْبيض أَو خبث الرصاص وبزر ورد تسحق وتستعمل مرهماَ يَابسا. أَو لزوقاً. وَأَيْضًا الْحِنَّاء يُؤْخَذ مِنْهُ جُزْء وَمن الشمع الْأَبْيَض ثَلَاثَة أَجزَاء يذاب الشمع بدهن الْورْد ويخلط. وَكَذَلِكَ الخيري المجفف. وَمِمَّا يجْرِي مجْرى الْخَواص رماد الصدف والنشاستج بِالسَّوِيَّةِ وورق الزَّيْتُون نصف الْوَاحِد يطلى بِهِ. وَمن الْأَدْوِيَة النافعة مرتك هاسفيماج وسحالة الرصاص وزهر البنج الْأَبْيَض وشمع أَجزَاء سَوَاء ودهن ورد مِقْدَار الْكِفَايَة وَأَيْضًا شَحم البطّ وكندر ومخّ عِظَام(2/668)
الْإِبِل وبزر الْورْد والتوتيا والاقليميا لمغسول وأسفيداج الرصاص والآنك المحرق المغسول والأفيون والزوفا الرطب وِعصارة الهندبا وعصارة عِنَب الثَّعْلَب ودهن الْورْد وشمع قَلِيل يتَّخذ مِنْهُ قيروطي وَهَذَا فِيهِ مَعَ إصْلَاح الْجراحَة منع من الورم وإصلاحه وَدفع الْأَلَم. وَمِمَّا يجلس فِيهِ مَاء القمقم أغلي فِيهِ عِنَب الثَّعْلَب وَورد. وعدس وشعير مقشر. وَإِذا لم يكن حكاك نفع القيموليا بدهن الآس. وَمِمَّا هُوَ قوي جَامع أَن يُؤْخَذ من الشيرج واللبان والساذج والشب المدور من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ وَمن الزَّعْفَرَان والمر من كل وَاحِد دِرْهَم علك الأنباط والشمع من كل وَاحِد إثنا عشر درهما يجمع بالطلاء. ودهن الْورْد. وَمن أدوية هَذَا الْبَاب أدوية تَنْفَع بالتعديل والتليين والشحوم والأوعاك واللعابات والعصارات والأدهان والمغريات مثل النشاستج وغبار الرحا والكثيرا وَنَحْوه وَيجمع إِلَى ذَلِك علاج الشق فَمن ذَلِك. هَذِه النُّسْخَة: يُؤْخَذ زوفا رطب مخ عجل نشا مغسول شَحم البط والدجاج ودهن الْورْد وَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ مخ سَاق الْبَقر والنشا بِالسَّوِيَّةِ ويطلى. وَأَيْضًا مرهم الْمقل بسنام الْجمل وَأَيْضًا مخ سَاق الْبَقر وخمير الشّعير أَجزَاء سَوَاء مجرب. وَأَيْضًا مخّ سَاق الْبَقر ومخ سَاق الأيل وشحم الأيل من كل وَاحِد أُوقِيَّة مومياي نصف أُوقِيَّة نشا أُوقِيَّة شيرج أوقيتان كثيراء أُوقِيَّة. وَالْجمع بالشيرج. والأدهان النافعة فِي الشقاق الَّذِي لَيْسَ هُنَاكَ حرارة كَثِيرَة وورم بل يبوسة دهن الخيري ودهن السوسن ودهن نوى المشمش ودهن نوى الخوخ وَيحل فِيهَا الْمقل وينفعهم التبخير بمقل معجون بشحم. وَأما الورميات فقد عرفتها وينفع فِيهَا قيموليا بدهن الآس وَيجْلس فِي القوابض وزيت الأنفاق وَأَيْضًا يطْبخ العفص بالطلاء ويضمد بِهِ. وَأما الباسورية من الشقاف فَيحْتَاج أَن يسْتَعْمل عَلَيْهَا مرهم. وَأما الثفلية فَيجب أَن يدام تليين الطبيعة بالأغذية الملينة والأشربة وَاسْتِعْمَال حب الْمقل بالسكبينج يشربه لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِذا سَالَ من الشقاق شَيْء أَخذ قطنة وغمسها فِي مَاء الشبّ وجففها وَمسح بهَا المقعدة ويجتنب القوابض والأشياء المجففة للزبل. فصل فِي الأغذية لأَصْحَاب الشقاق يجب أَن يجتنبوا القوابض والحوامض والمجففات للطبيعة ولتكن أغذيتهم الاسفيذباجات والآسفاخات والمسلوخيات وودكها من سَنَام الْجمل وشحوم الدَّجَاج والبطّ. وينفعهم الكرنبية اسفيذباجة وصفرة الْبيض النيمبرشت وخصوصاً قبل سَائِر الطَّعَام وعجة من صفرَة بيض وكراث وبصل يسمن الْبَقر غير شَدِيدَة العقد والجوز الْهِنْدِيّ واللوز والفانيذ يَنْفَعهُمْ وَطَرِيق تغذيتهم تغذية أَصْحَاب البواسير.(2/669)
فصل فِي استرخاء المقعدة قد يكون من مزاج فالجي أَو برد دون ذَلِك. والمزاج الفالجي قد يكون من رُطُوبَة بَارِدَة رقيقَة متشرِّبة فِي الْأَكْثَر وَقد يكون من رُطُوبَة هِيَ إِلَى حرارة وحرارتها بِسَبَب تشربها وتعرف تِلْكَ الْحَرَارَة باللمس وَقد يكون بِسَبَب ناصور أَو خزم باسور وقطعه إِذا أصَاب العضلة افة عَامَّة وَقد يكون بِسَبَب سقطة على الظّهْر أَو ضَرْبَة تضر بمبدأ العصب أَو تهتكه وَهَذَا يكون دفْعَة وَلَا علاج لَهُ. وَأما المزاجي فَيحدث قليلاَ قَلِيلا وَيقبل العلاج ويعرض من استرخاء المقعدة خُرُوج الثفل بِلَا إِرَادَة وَرُبمَا كَانَ هُنَاكَ تمدّد إِلَى خَارج فشابه الآسترخاء بِمَا يتبعهُ أيضأ من خُرُوج الثفل بِلَا إِرَادَة. وَكَثِيرًا مَا يتبع القولنج لما يُصِيب العضلة الحابسة من التمدد وَيعرف بلمس الصلابة. فصل فِي العلاج إِن كَانَ سَببه بردا شَدِيدا مَعَ مَادَّة أَو مَعَ غير مَادَّة جلس فِي مياه القمقم الْمَطْبُوخ فِيهَا أبهل وقسط وَجوز السرو وسنبل وَشَيْء من بزر الأذخر. وان احْتِيجَ إِلَى أقوى من ذَلِك حقن بالدواء الْمُسَمّى أوفربيوني الْمُتَّخذ من الأوفربيون وَاسْتعْمل عَلَيْهِ دهن الْقسْط وَغَيره. وَإِن كَانَت الْمَادَّة المرخية رُطُوبَة فِيهَا حرارة مَا يعرف ذَلِك باللمس أجلسته فِي مياه القوابض القوية المائلة إِلَى الْبرد ويخلط بهَا مسخنة. وَإِن ظَنَنْت أَن هُنَاكَ تمدداً فالمرخيات الملينة من الأدهان والشحوم وَغَيرهَا. وَفِي آخر ذَلِك يجب أَن تسْتَعْمل القابضة والمحرّكة الَّتِي فِيهَا تلطيف وَتَحْلِيل لينبه الْقُوَّة وتستفرغ الْمَادَّة مثل المَاء المالح وَالْمَاء الملوح والحنظل وَتَأمل أَيْضا مَا قيل فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا وَهُوَ فِي خروخ المقعدة. فصل فِي خُرُوج المقعدة قد يكون لشدَّة استرخاء العضلة الماسكة للمقعدة المثيلة إِيَّاهَا إِلَى فَوق وَقد يكون بِسَبَب أورام مقلبة. وعلاج الرَّاجِع أسهل من علاج المتورم الَّذِي لَا يرجع وعلاج كل. وَاحِد مَعْلُوم. والأصوب أَن يعالج بِمَا يعالج بِهِ وَيرد ويشد. وَإِن كَانَ لَا يرجع اسْتعْملت المرخيات وَيجب أَن نذكرالأدوية مُشَدّدَة للمقعدة مقبضة لَهَا فَإِن أَكثر الْحَاجة إِلَى أَمْثَالهَا فَإِنَّهَا إِذا اسْتعْملت وَردت المقعدة بعْدهَا إِن كَانَت ترتد وشدت نَفَعت. فَمِنْهَا مياه. يجلس فِيهَا وينطل بهَا قد طبخ فِيهَا الْأَدْوِيَة القابضة. وأوفق ذَلِك أَن يكون ذَلِك المَاء شرابًا قَابِضا. فَمن ذَلِك أَن يُؤْخَذ الْورْد والعدس وعنب الثَّعْلَب والسماق فتطبخ فِي المَاء وَيسْتَعْمل. وَهَذَا نَافِع أيضاَ إِن كَانَ هُنَاكَ ورم. وَمِنْهَا ذرورات من ذَلِك - إِذا لم تكن حرارة شَدِيدَة أَن يُؤْخَذ قشور شَجَرَة البطم ثَمَانِيَة دَرَاهِم جوز السرو وزن دِرْهَمَيْنِ إسفيذاج دِرْهَم يبل الْخَارِج بشراب قَابض وَيغسل بِهِ(2/670)
ويذر هَذَا عَلَيْهِ وَأَيْضًا دقاق الكندر ومرداسنج من كل وَاحِد ثَمَانِيَة دَرَاهِم جوز السرو الْيَابِس إسفيداج الرصاص الْمُتَّخذ يحك الرصاص بعضه على بعض بشراب قَابض وزن دِرْهَمَيْنِ يذر عَلَيْهِ. وأيضاَ خبث الرصاص وسماق من كل وَاحِد أَرْبَعَة دَرَاهِم مر دِرْهَم بزر ورد أَرْبَعَة دَرَاهِم. وَأَيْضًا يغسل ويدهن بدهن ورد خام ثمَّ يُؤْخَذ الشب والعفص والكحل وأسفيذاج الرصاص ويذر عَلَيْهِ ويردّ إِن رَجَعَ ويشد. وَإِن كَانَت المقعدة لَا ترتد وَلَا ترجع لورم عَظِيم فَالْأولى أَن يدبر الورم ويرخى بِالْجُلُوسِ فِي المَاء الْحَار الْمَطْبُوخ فِيهِ مسكنات الوجع والمرخيات للورم مِمَّا قد ذكر فِي بَابه ويدهن بعد ذَلِك بدهن الشبث ودهن البابونج فَإِنَّهُ يلين وَيرجع. وَحِينَئِذٍ يعالج بِمَا قيل. وَمِمَّا ينفع فِي هَذَا الْوَقْت مسكنات الوجع الْمَذْكُورَة وخصوصاً دَوَاء النيلوفر الْمَذْكُور وَالَّذِي فِيهِ العدس والحمص والباقلى. فصل فِي النواصير فِي المقعدة قد تتولد هَذِه النواصير عَن جراحات فِي المقعدة وخرقها وَقد تتولد عَن البواسير المتأكلة ونواصير المقعدة مِنْهَا غير نَافِذَة وَهِي أسلم وَمِنْهَا نَافِذَة وَهِي أردأ. وَمَا كَانَ قريبأ من التجويف والمدخل فَهُوَ أسلم لِأَنَّهُ إِن خرق لم تنَلْ العضلة كلهَا آفَة بل بَعْضهَا ووفي الْبَاقِي بِفِعْلِهَا من الْحَبْس. وَأما الْبعيد فَإِنَّهُ إِذا خرق وَهُوَ العلاج قطع العضلة الحابسة كلهَا أَو أَكْثَرهَا فَذهب جلّ الْحَبْس وتأدى إِلَى خُرُوج الزبل بِغَيْر إِرَادَة وَرُبمَا كَانَ مُتَّصِلا بأوراد وَعصب وَكَانَ فِيهِ خطر. وَيعرف الْفرق بَين النَّافِذ وَغير النَّافِذ بِإِدْخَال ميل فِي الناصور وإصبع فِي المقعدة يتجسّس بهَا مشتهى مَوضِع الْميل فَيعرف النّفُوذ وَغير النّفُوذ. والنافذ قد يدل عَلَيْهِ خُرُوج الزبل مِنْهُ وَيعرف أيضاَ هَل الْخرق ينَال العضلة كلهَا أَو بَعْضهَا بتدبير قَالَه بعض الْمُتَقَدِّمين الْأَوَّلين وانتحله بعض الْمُتَأَخِّرين وَذَلِكَ بِأَن تدخل الْأصْبع فِي المقعدة والميل فِي الناصور وَيُؤمر العليل حَتَّى يشد المقعدة ويشيلها إِلَى فَوق فيحسّ بِمَا ينقبض وَبِمَا يبرز من العضلة وَكم عرضه الَّذِي هُوَ فِي طول الْبدن وَكم بَين طرف الْميل وَبَين أَعلَى عرضه فِي طول الْبدن أقليل أم كثير والنافذ قد تكون لَهُ فوهة وَاحِدَة وَقد يكون أَكثر الأفواه. فصل فِي العلاج أما غير النَّافِذ فَإِن لم يكن مِنْهُ أَذَى سيِلان كثير ونتن مفرط فَلَا بَأْس بِتَرْكِهِ. وَإِن كَانَ يُؤْذِي جرب عَلَيْهِ شياف الغرب وَمَا يجْرِي مجْرَاه من أدوية النواصير فَإِن أَصلحها أَو قلل فَسَادهَا وَإِلَّا اسْتعْمل الدَّوَاء الحاد لتبين ظَاهر الناصور وَهُوَ للحم الْمَيِّت وَيظْهر اللَّحْم الصَّحِيح ويتدارك الْأَلَم بالسمن يَجْعَل عَلَيْهِ ودهن الْورْد ثمَّ تدمل الْجراحَة بالمراهم المدملة وخصوصاً مرهم الرُّسُل فَإِنَّهُ يبريه. وَإِن كَانَ ناصوراً أَيْضا لم يعالج بَعْدَمَا يقطع بخرق وَسَببه وَلَكِن بِرِفْق وَفِي مدد. وَمِمَّا يدمله المرهم الْأسود. وَأما النافذه فعلاجها الخزم وتراعى فِي الخزم مَا قُلْنَاهُ. وَمن جيد خزمه أَن(2/671)
يخزم بِشعر مفتول وَيكون دَقِيقًا أَو بإبريسم مفتول يشد بِهِ شداً وَيتْرك. وَإِذا أدّى إِلَى وجع شَدِيد وَخيف عرُوض التشنج وَغير ذَلِك من الْأَعْرَاض الرَّديئَة أَخذ عَنهُ الْخَيط وعولج بِمَا يسكن ثمَّ عوود الشدّ بِهِ. فصل فِي حكّة المقعدة قد تكون للديدان الصغار الْمُتَوَلد فِيهَا وَقد تكون لأخلاط بورقية ومرارية تلذعها وَقد تكون العلاج: أما الْكَائِن عَن الديدان فيعالج بعلاج الديدان والكائن عَن القروح يعالج بعلاج القروح والكائن عَن الأخلاط المحتبسة فِيهَا فَإِن كَانَت تسيل من فَوق أصلح الْغذَاء واستفرغ الْخَلْط وَإِن كَانَ محتبساً هُنَاكَ استفرغ بالشيافات الْمَعْرُوفَة الموصوفة فِيمَا ينقي المعي المسثقيم من الْخَلْط البلغمي والمراري وَقد ذكر فِي بَاب الزحير ويعالج بحمولات معدًلة وبحمولات مخدرة. وَالْمسح بخل الْخمر نَافِع من ذَلِك جدا وَكَذَلِكَ الْحجامَة على العصص والكائن لقروح وسخة يعالج بالمجففات القوية المذكررة فِي بَاب السحج وَإِن كَانَ لوجع شَدِيد أخدر حسّ الْموضع وينفع مِنْهَا المرهم الآسود ومرهم الزنجار وَيحْتَمل كل فِي صوفة على رَأس ميل ثمَّ يخرج بعد زمَان ويستريح ويجدد ثَانِيًا.(2/672)
الْفَنّ الثَّامِن عشر أَحْوَال الْكُلية يشْتَمل على مقالتين: الْمقَالة الأولى كلّيات أَحْكَام الْكُلية وتفصيلها فصل فِي تشريح الْكُلية خلقت الْكُلية آلَة تنقي الدَّم من المائية الفضلية لمحتاج كَانَ إِلَيْهَا حَاجَة أوضحناها وَتلك الْحَاجة تبطل عِنْد نضج الدَّم واستعداده للنفوذ فِي الْبدن وَقد علمت هَذَا وَلما كَانَت هَذِه المائية كَثِيرَة جدا كَانَ الْوَاجِب أَن يخلق الْعُضْو المنقّي إِيَّاهَا الجاذب لَهَا إِلَى نَفسه وَإِمَّا عضوا كَبِيرا وَاحِدًا وَإِمَّا عضوين زَوْجَيْنِ. لَو كَانَ كَبِيرا وَاحِدًا لضيق وزاحم فخلق بدل الْوَاحِد إثنان وَفِي تثنيته الْمَنْفَعَة الْمَعْرُوفَة فِي خلقَة الْأَعْضَاء زَوْجَيْنِ وقسمين وأقساماً أَكثر من وَاحِد لتَكون الآفة إِذا عرضت لوَاحِد مِنْهُمَا قَامَ وتلزيزه لمنافع إِحْدَاهَا ليتلافى بالتكثير تَصْغِير الحجم وَالثَّانيَِة ليَكُون مُمْتَنعا عَن جذب غير الرَّقِيق ونشفه والثائثة ليَكُون قوي الْجَوْهَر غير سريع الانفعال عَمَّا يتملى عَنهُ كل وَقت من المائية الحادة الَّتِي يصحبها أخلاط حادة فِي أَكثر الْأَوْقَات. فَلَمَّا خلقتا كَذَلِك سهل نُفُوذ الوتين فِي مجاورتهما بَينهمَا وانفرج مكانهما لما وضع هُنَاكَ من الأحشاء وَجعلت الْكُلية الْيُمْنَى فَوق الْيُسْرَى ليَكُون أقرب من الكبد وأجذب عَنْهَا مَا أمكن فَهِيَ بِحَيْثُ تمسها بل تماس الزَّائِد الَّتِي تَلِيهَا وَجعلت الْيُسْرَى نازلة لِأَنَّهَا زوحمت فِي الْجَانِب الْأَيْسَر بالطحال وليكون المتحلب من المائية لَا يتحيّر بَين قسْمَة معتدله بل ينجذب إِلَى الْأَقْرَب أَولا وَإِلَى الْأَبْعَد ثَانِيًا وهما يتراءيان بمقعرهما ومحدبهما يَلِي عظم الصلب وَجعل فِي بَاطِن كل كُلية تجويف تنجذب إِلَيْهِ المائية من الطالع الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ قصير ثمَّ يتحلّب عَنْهَا من بَاطِنهَا إِلَى المثانة فِي الحالب الَّذِي ينْفَصل عَنْهَا قَلِيلا قَلِيلا بعد أَن يستنظف الْكُلية مَا يصحب تِلْكَ المائية من فضل الدَّم استنظافاً أبلغ مَا يُمكنهُ فيغتذي بِمَا يستنظف مِنْهُ وَيدْفَع الْفضل فَإِن المائية لَا تَأتي الْكُلية وَهِي فِي غَايَة التصفي والتمييز بل يَأْتِيهَا وفيهَا دموية بَاقِيَة كَأَنَّهَا غسالة لحم غسل غسلا بليغاً وَكَذَلِكَ إِذا ضعفت الْكُلية لم تستنظف فَخرجت المائية مستصحبة للدموية. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَت الكبد ضَعِيفَة فَلم تميز المائية عَن الدموية تمييزاً بِالْقدرِ الَّذِي يَنْبَغِي(2/673)
فأنفذت مَعَ المائية دموية أَكثر من الْمُحْتَاج إِلَى إِنْفَاذه ففصل مَا يصحبها من الدموية عَن الْقد رالذي يَنْبَغِي وتحتاج إِلَيْهِ الْكُلية فِي غذائها كَانَ مَا يبرز من ذَلِك فِي الْبَوْل غسالياً أَيْضا شَبِيها بالغسالي الَّذِي يبرز عِنْد ضعف الْكُلية عَن الاغتذاء. وَقد تَأتي الْكُلية عصبَة صَغِيرَة يتخلّق مِنْهَا غشاؤها ويأتيها وريد من جَانب بَاب الكبد ويأتيها شريان لَهُ قدر من الشريان الَّذِي يَأْتِي الكبد فَاعْلَم ذَلِك. فصل فِي أمراض الْكُلية الْكُلية قد يعرض لَهَا أمراض المزاج ويعرض لَهَا أمراض التَّرْكِيب من صغر الْمِقْدَار وَكبره وَمن السدّة. وَمن جُمْلَتهَا الْحَصَاة وأمراض آلاتصال مثل القروح والأكلة وَانْقِطَاع الْعُرُوق وانفتاحها. وكل ذَلِك يعرض لَهَا إِمَّا فِي نَفسهَا وَإِمَّا فِي المجاري الَّتِي بَينهمَا وَبَين غَيرهَا وَذَلِكَ فِي الْقَلِيل وَإِن عرض فِي تِلْكَ المجاري سدة من دم أَو خلط أَو حَصَاة شَارك الْكُلية فِي العلاج. وَإِذا كثرت الْأَمْرَاض فِي الكلى ضعف الكبد حَتَّى يتَأَدَّى إِلَى الآستسقاء كَانَت الْكُلية حارة أَو بَارِدَة. وَإِذا رَأَيْت صَاحب أوجاع الكلى يَبُول بولاً لزجاً وغروياً فَاعْلَم أَن ذَلِك يزِيد فِي أوجاعه بِمَا يجذب من الْموَاد الرَّديئَة وَرُبمَا ولّد الْحَصَاة وينحل أمراضها أَيْضا بالبول الغليظ الراسب الثفل وَكَثِيرًا مَا أورث شدّ الهميانات ألماً وحرارة فِي الكلى. يسْتَدلّ من الْبَوْل فِي مِقْدَاره ورقته ولونه وَمَا لَا يخالطه وَمن حَال الْعَطش وَمن حَال شَهْوَة الْجِمَاع وَمن حَال الظّهْر وأوجاعه وَمن حَال السَّاقَيْن وَمن نفس الوجع وَمن الملمس. وَمِمَّا يُوَافق وينافر. وأمراض الْكُلية قد يصحبها قلَّة الْبَوْل وتفارق مَا يشبههما من أمراض الكبد بِأَن الشَّهْوَة لَا تكون سَاقِطَة كل السُّقُوط وَمن بَال بولاً كثير الغبب فَوْقه فِيهِ عِلّة فِي كلاه. وَكَذَلِكَ صَاحب الرسوب اللحمي والشعري والكرسني النضيج لِأَن النضج من قبل الْكُلية. لَكِن النضج إِذا كَانَ شَدِيدا جدا وَمَعَهُ خلط من أَشْيَاء آخرى فاحدس أَن الْعلَّة فِي المثانة وَإِن كَانَ نضج دون ذَلِك فَفِي الْكُلية. وَإِن لم تَرَ نضجاً فاحدس أَن مبدأ الْمَرَض فِي الكبد لِأَن النضج إِنَّمَا يكون بِسَبَب الأعالي فلولا صِحَّتهَا لم يكن نضج وَلَوْلَا آفَة فِيهَا لم يكن عدم نضج. فصل فِي دَلِيل حرارة الْكُلية يستدلّ على حرارة الْكُلية بالبول المنصبغ بالحمرة والصفرة وبقلّة شحمها وَبِمَا يظْهر فِي لمسها وبأمراض تسرع إِلَيْهَا مثل الأورام الحارة وَمثل ديابيطس الْحَار وَمن قُوَّة شَهْوَة المباضعة وَمن كَثْرَة الْعَطش. فصل فِي دَلَائِل برودة الْكُلية برودة الْكُلية يدل عَلَيْهَا بَيَاض الْبَوْل وَذَهَاب شَهْوَة المباضعة وَضعف الظّهْر(2/674)
وَكَون الظّهْر كَظهر الْمَشَايِخ وَقد تكْثر فِي الْكُلية الْأَمْرَاض الْبَارِدَة ويضرها الْبرد. علاج سخونة الْكُلية: تعالج بِشرب لبن الأتن والماعز المعلوف بالبقول الْبَارِدَة وبمخيض الْبَقر إِن لم يخف تولد الْحَصَاة. وَإِن خيف أَخذ مَاء المخيض فَإِنَّهُ شَدِيد التطفية للكلية وَكَذَلِكَ جَمِيع العصارات واللعابات الَّتِي تعرفها. وَإِذا حقن بهَا كَانَت أنجع وَقد يحقن بِالْمَاءِ الْبَارِد ودهن حبّ القثاء فَيكون جيدا وَكَذَلِكَ الضمّادات المتخذة مِنْهَا والتمريخات بالأدهان الْبَارِدَة. وللكافور تَأْثِير كثير فِي تبريد الْكُلية. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الْعَطش فِي مثل هَذَا المزاج يتواتر وَلَا يجوز. منع المَاء الْبَارِد علاج برودة الْكُلية: ينفع مِنْهُ الحقن بالأدهان الحارة وبالأدوية الحارة وَسمن الْبَقر ودهن السمسم ودهن الْجَوْز والكلكلانج ودهن اللوز المر ودهن القرطم وبماء الحلبة والشبث ومرق الرؤوس والفراخ وَغير ذَلِك. وَبِأَن يدهن من خَارج بشحم الثَّعْلَب وشحم الضبع ودهن الْغَار ودهن الْجَوْز والفستق ودهن الْقسْط خَاصَّة. وَقد يجمع بَين هَذِه الْمِيَاه وَبَين الأدهان على مَا يجب مُنَاصَفَة ويحقن. ويتخذ أَيْضا ضمادات من أدوية مسخّنة عرفتها. وللكموني مَنْفَعَة عَظِيمَة فِي علاج برد الْكُلية خَاصَّة الَّتِي سحقت أخلاطه أَكثر. وللحقنة بدهن الْقسْط خَاصَّة قَوِيَّة جدا. وتتلوها الحقنة بدهن الْحبَّة الخضراء والفستق ولدهن الألية إِذا حقن بهَا تَأْثِير جيد فِي تسخينها وتقويتها. فصل فِي هزال الْكُلية قد يعرض للكلية أَن تهزل وتذبل ويقل شحمها بل رُبمَا بَطل شحمها بِسوء مزاج وَكَثْرَة جماع واستفراغ علاماته سُقُوط شَهْوَة الباه وَبَيَاض فِي الْبَوْل ودروره وَضعف ووجع ليّن فِيهِ وَرُبمَا كَانَ مَعَه نحافة الْبدن. فصل فِي العلاج ينفع من ذَلِك أكل اللبوب مَعَ السكّر مثل لب اللوز والنارجيل والبندق والفستق والخشخاش والحمص والباقلا واللوبيا. والشحوم مثل شَحم الدَّجَاج والأوز وشحم كلى الماعز وَالْخبْز المشحم الحأر وتخلط بهَا الْأَدْوِيَة المدرة والأفاويه المقوية لتَكون المدرّة موصلة والأفاويه محركة للقوة. وَقد يخلط بهَا مثل اللك وَمَا فِيهِ لزوجة دسمة ليقؤي جَوْهَر اللَّحْم. وينفع شراب لبن الْبَقر وَاللَّبن الْمَطْبُوخ مَعَ ثلثه أَو أَرْبَعَة ترنجبين. وَإِذا دقَّتْ الْكُلية وطبخت وطيبت وَجعل عَلَيْهَا مَا يسمن وَيُقَوِّي من الأبازير والأفاويه كَانَ ذَلِك نَافِعًا. وينفعهم الحقن المتخذة من لُحُوم الحملان والفراخ ورؤوس الْغنم مَعَ الأدهان العطرة وأدهان اللبوب الْمَذْكُورَة ودهن الألية خَاصَّة. وَإِن جعل فِيهَا كلى سَمِينَة وَمَا أشبه ذَلِك كَانَ نَافِعًا. حقنة جَيِّدَة: يُؤْخَذ رَأس خروف سمين يَجْعَل فِي قدر ويصبّ عَلَيْهِ من المَاء قسط وَنصف وتطين الْقدر وتوضع فِي التَّنور مِقْدَار يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى ينْفَصل اللَّحْم من الْعظم(2/675)
بل يكَاد الْعظم ينْفَصل ويخلط بِهِ سمن وزنبق وَشَيْء من عصارة الكراث. وَإِن طبخ مَعَه بزنجان وحسك ومغاث وحلبة وبزر خشخاش المدقوق وَقُوَّة من البصل كَانَ أَجود. وَإِن أحتيج إِلَى فرط تسخين جعل فِيهِ دهن الخروع ودهن الْقسْط وللاعتدال دهن القرطم. وَأَيْضًا فَإِن الحقنة بِاللَّبنِ الحليب الْحَار كَمَا يحلب نافعة جدا. وَإِن احْتِيجَ الى تسخين على النَّار قليلاَ فعل. وَذكرنَا فِي أقراباذين حَقنا آخرى ومعجونات من اللبوب. فصل فِي ضعف الْكُلية قد يكون ضعف الْكُلية لسوء مزاج مَا لارادة المستحكم وَقد يكون للهزال وَقد يكون لاتساع مجاريه وانفتاحها وتهلهل اكتناز قوامها وَهُوَ الضعْف الْأَخَص بهَا وهوالذي يعجز بِسَبَبِهِ عَن تصفية المائية عَمَّا يصحبها إِلَى الْكُلية وَرُبمَا كَانَت الْعُرُوق سليمَة وَرُبمَا لم تكن. وَسبب ذَلِك هُوَ مثل كَثْرَة الْجِمَاع وَكَثْرَة اسْتِعْمَال المدرات وَكَثْرَة الْبَوْل والتعرض للخيل وركوبها من غير تدريج وأعتياد وَمن كل تَعب يُصِيب الكلى وَمن كل صدمة من هَذَا الْقَبِيل الْقيام الْكثير وَالسّفر الطَّوِيل وخصوصاً مَاشِيا. العلامات: مَا كَانَ بِسَبَب المزاج فَيدل عَلَيْهِ عَلَامَات المزاج وَمَا كَانَ بِسَبَب الهزال فَيدل عَلَيْهِ عَلَامَات الهزال وَمَا كَانَ لاتساع المجاري وتهلهل لحميتها لم يكن مَعَه وجع إِلَّا فِي أحيان ويقل مَعَه شَهْوَة الطَّعَام وَيكون الْبَوْل قبل الانهضام والتأدي إِلَى الْعُرُوق فِي أَكثر الْأَمر مائياً. وَأما إِذا تأدى الْغذَاء إِلَى الْعُرُوق فَفِي الْأَكْثَر يأكثر خُرُوج الدَّم والرطوبات الغليظة وَيكون أَكثر بَوْله كغسالة دم غليظ لِأَنَّهَا لَا تغتذي بِمَا يسيل إِلَيْهَا وَلَا تميز الغلظ من الرَّقِيق ويعرض كثيرا أَن ترسب دموية ويطفو شَيْء يشبه زبد الْبَحْر وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْعُرُوق سليمَة. وَأما إِذا لم تكن سليمَة لم يتَمَيَّز شَيْء بل بَقِي الْبَوْل بِحَالهِ لضعف النضج وَيتبع ضعف الْكُلية كَيفَ كَانَ وهزالها قلَّة الْبَوْل وَالْعجز عَن الْجِمَاع وَضعف الْبَصَر وَالْجِمَاع. العلاج: مَا كَانَ من المزاج فعلاجه علاج المزاج فِي تبديله واستفراغ مادته إِن كَانَت. وَمَا كَانَ بِسَبَب الهزال فعلاجه علاج. الهزال وَمَا كَانَ بِسَبَب الاتساع وَهُوَ الضعْف الْحَقِيقِيّ فَيجب أَن تقصد قصد منع أَسبَاب الاتساع والتلزيز والتقوية وَمنع أَسبَاب الاتساع وَهُوَ ترك الْحَرَكَة وَالْجِمَاع وهجر الآستحمام الْكثير والالتجاء إِلَى السّكُون والقراقر وهجرالمدرّات. وَأما التلزيز فبالأغذية المغرية المقبضة الملزجة. أما من الأغذية فَمثل السويق والقسب والزعرور والسفرجل والرمانية بعجم الزَّبِيب مَعَ شَحم الماعز والمصوصات والقرّيصات المتخذة مثل حب الرُّمَّان والعصارات الحامضة والمرة والخل الطّيب مَعَ الكزبرة وَمَا يشبهها. وَمن الْأَشْرِبَة نَبِيذ الزَّبِيب العفص. وَأما الْأَدْوِيَة فَمثل العصارات القابضة مخلوط بالطين الأرمني والصمغ وأضمدة من السويق والقسب(2/676)
والسفرجل والورد وَمَا يجْرِي مجْراهَا والمراهم الْمَذْكُورَة لضعف الكبد والمعدة. وَأما المقوية فَهِيَ الأغذية والحقن والمعجونات المسمّنه الْمَذْكُورَة فِي بَاب الهزال وَيجب أَن يُزَاد فِيهَا القوابض فيطرح فِي مثل الحقن الْمَذْكُورَة القسب والسفرجل وَيسْتَعْمل فِيهَا من ألبان اللقَاح والنعاج فَإِنَّهَا تقَوِّي الْكُلية وتجمعها وتلززها أَيْضا وألبان النعاج لَا نَظِير لَهَا فِي علل الْكُلية من قبل الضعْف وخصوصاً إِذا خلط بهَا مثل الطين الأرمني وكل الكلى مَعَ سَائِر المأكولات وخلط النوافع بهَا كثير الْمَنْفَعَة. فصل فِي ريح الْكُلية قد يتَوَلَّد فِي الْكُلية ريح. غَلِيظَة تمددها وَيدل على أَنَّهَا ريح وجع وتمدد من غير ثفل وَلَا عَلَامَات حَصَاة وَيكون فِيهِ انْتِقَال مَا وَثقل على الخواء وعَلى الهضم الْجيد. العلاج: يجب أَن تجتنب الأغذية النافخة وتشرب االمدرات المحللة للرياح مثل البزور بزر السذاب والفقد فِي مَاء الْعَسَل أَو فِي الْجلاب بِحَسب الْحَال ويضمد بِمثل الكمون والبابونج والشبث والسذاب الْيَابِس ويكمد بهَا وبدهن الْقسْط والزنبق وَنَحْوه.
(فصل فِي وجع الْكُلية وعلاجه)
يكون من ورم أَو ريح أَو حَصَاة أَو ضعف أَو قُرُوح. وَقد يتبع أوجاعها ضعف الآستمراء وَسُقُوط الشَّهْوَة والغثيان. وَقد علمت عَلَامَات الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة وعلاجاتها. وَإِذا اشتدّ الوجع فَعَلَيْك بِمثل الفلونيا وأقراص الْكَوَاكِب وَمَا يجْرِي ذَلِك المجرى حَتَّى يسكن الوجع ثمَّ يعاود والأبزنات شَدِيدَة الْمَنْفَعَة فِي أوجاعها خُصُوصا إِذا طبخت فِيهَا الملينة المسكنة للوجع على مَا ذَكرنَاهَا فِي الْأَبْوَاب وَإِن بَنَادِق البزور مِمَّا لَا بُد مِنْهُ فِي معالجات الْكُلية والمثانة لَا سِيمَا ذَات القروح لَكِن اسْتِعْمَال البزور مَعَ الوجع خطر لما يجذب وَينزل. والمخدرات أَيْضا يُوجب الحزم اجتنابها فليقتصر على المَاء الفاتر فِي التسكين من غير تَطْوِيل فِي الآستعمال يُؤَدِّي إِلَى الْمقَالة الثَّانِيَة فِي أورام الْكُلية وتفرق اتصالها فصل فِي الأورام الحارة فِي الْكُلية والدبيلة فِيهَا الأورام الحارة فِي الْكُلية قد تخْتَلف فِي الْمَادَّة فبعضها يكون من دم غليظ وَبَعضهَا من دم رَقِيق صفراوي. وَقد تخْتَلف بِحَسب أمكنتها فَيكون بَعْضهَا فِي جرم الْكُلية وَبَعضهَا إِلَى جَانب التجويف وَبَعضهَا إِلَى جَانب الغشاء المجلل لَهَا وَأَيْضًا بَعْضهَا إِلَى مجْرى الحالب وَبَعضهَا إِلَى جِهَة الأمعاء وَبَعضهَا إِلَى جِهَة الظّهْر وَبَعضهَا إِلَى جِهَة المجرى(2/677)
إِلَى فَوق وَأَيْضًا رُبمَا كَانَت فِي كل كُلية وَرُبمَا كَانَت فِي كُلية وَاحِدَة. وَأَيْضًا رُبمَا جمعت وَرُبمَا لم تجمع. وَإِذا جمعت فإمَّا أَن تنفجر عِنْد الانفجار إِلَى المثانة وَهُوَ أَجود الْجَمِيع أوإلى الأمعاء دفعا من الطبيعة عَنْهَا إِلَى الأمعاء الملاقيه كَمَا تدفع مَادَّة ذَات الْجنب فِي عِظَام الْجنب إِلَى ظَاهر الْبدن. وَقد يكون على سَبِيل الرُّجُوع إِلَى الكبد ثمَّ الماساريقا ثمَّ الأمعاء. وَالَّذِي يدْفع إِلَى الأمعاء كَيفَ كَانَ فَهُوَ رَدِيء جدا أَو يدْفع إِلَى فضاء الْجوف والمواضع الخالية فَيحْتَاج إِلَى بط مخرج لذَلِك. أَو لَا تنفجر بل تبقى فِيهَا وَهَذَا أَيْضا قد كَانَ يعالج بالبط. وَجَمِيع أورام الْكُلية مسرعة إِلَى التحجر وَكَيف لَا وَهِي بَيت الْحَصَاة. وَإِذا كَانَ ورم حَار فِي الْكُلية وَذَلِكَ لَا يَخْلُو من حمى ثمَّ حدث اخْتِلَاط الْعقل فَذَلِك لسَبَب مُشَاركَة الْحجاب لعظم الورم وَهُوَ قتال وخصوصاً إِذا رافقه دَلَائِل رَدِيئَة فَإِن رافقه دَلَائِل جيده فيوقع فِي الانفجار عَن سَلامَة وَرُبمَا خرج فِي مثله من شَحم الْكُلية شَيْء وَرُبمَا خرج شَيْء كالشعر الْأَحْمَر فِي طول شبر وَأكْثر. وَأَسْبَاب ورم الكلى امتلاء من جَمِيع الْبدن أَو فِي أَعْضَاء تشاركها الْكُلية إِمَّا بِحَسب كمية الدَّم أَو كيفيته أَو سحج حَصَاة أَو ألم ضَرْبَة أَو احتباس بَوْل عِنْد الْكُلية ممدد وَغير ذَلِك فَإِن أَمْثَال هَذِه تورم الكلى. والأورام الحارة فِي الْكُلية قد يسْرع إِلَيْهِمَا التصلب وَحِينَئِذٍ تظهر عَلَامَات الصلب وَكَثِيرًا مَا أورث الأورام شدّ الْهِمْيَان فِي الْوسط. العلامات: عَلامَة الورم الْحَار فِي الْكُلية حمى لَازِمَة وَلها أَيْضا كفترات وهيجانات غير منظومة كَأَنَّهَا أَوَائِل الرّبع وَلَا يصغر النبض فِي ابْتِدَاء نوبتها صغره فِي ابْتِدَاء سَائِر نَوَائِب الحميات وَتَكون حمّاه مَعَ برد من الْأَطْرَاف خَاصَّة الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَيكون هُنَاكَ اقشعرار مخالط لالتهاب وإحساس تمدد وَثقل عِنْد نَاحيَة الْكُلية دَائِم واستضرار بِكُل مدر وحريف ومالح وحامض والتهاب بِحَسب الْمَادَّة ووجع يهيج ويسكن وخصوصاً إِن كَانَت دبيلة. وأسكن مَا يكون هَذَا الوجع عِنْدَمَا يكون الورم فِي حرم الْكُلية وَأما إِذا كَانَ عِنْد الغشاء وَعند العلآقة عظم الوجع وَاشْتَدَّ عظم الانتصاب والسعال والعطاس وصعب النصبة الَّتِي لَا يكون مُسْتَقر الورم فِيهِ على مهاد وَإِذا استلقوا كَانَ الْأَلَم أخف مِمَّا يكون عِنْد الانبطاح الْمُعَلق للكلية وَهُوَ أخص نصباتهم عَلَيْهِمَا وَرُبمَا اشتدت حمى هَذِه الْعلَّة لعظم الورم وتأدت إِلَى اخْتِلَاط الذِّهْن بِسَبَب مُشَاركَة الْحجاب وَإِلَى قيء مرّة بِسَبَب مُشَاركَة الْمعدة للكبد وَرُبمَا اتَّصل الوجع إِلَى الْوَجْه والعينين وَحسب الْبَطن بضغط الْمَادَّة للمعي. وَأما الْبَوْل فَيكون فِيهِ أَبيض ثمَّ يصير أصفر نارياً غير ممتزج ثمَّ يحمر. فَإِن دَامَ بَيَاض المَاء آذن بصلابة تكون أَو اسْتِحَالَة إِلَى دبيلة. وَبِالْجُمْلَةِ إِذا كَانَ الْبَوْل فِي هَذِه الْعلَّة لزجاً أَبيض ودام عَلَيْهِ د هُوَ دَلِيل رَدِيء. وَإِذا أَخذ المَاء يرسب رسوباً مَحْمُودًا فقد آذن الورم بالنضج من غير اسْتِحَالَة إِلَى شَيْء آخر. وَإِذا جَاوز الورم الْأَيَّام الأول وَبَقِي الْبَوْل صافياً رَقِيقا فالورم فِي طَرِيق الْجمع أَو طَرِيق التصلب وَتعلم أَن الورم فِي جرم الْكُلية أَو بِقرب الغشاء بِمَا قُلْنَاهُ(2/678)
فِيمَا سلف وَتعلم أَن الورم فِي الْكُلية الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى بِأَن الِاضْطِجَاع على جَانبهَا أسهل من الِاضْطِجَاع على مقابلها لتعلقها. وَأَيْضًا فَإِن امْتَدَّ الوجع إِلَى نَاحيَة الكبد فالورم فِي الْيُمْنَى وَإِن امْتَدَّ إِلَى نَاحيَة المثانة فالورم فِي الْيُسْرَى وَإِن كَانَت العلامتان جَمِيعًا فالورم فيهمَا جَمِيعًا فَإِذا صَار الورم دبيلة عظم الثّقل جدا وأحسّ فِي الْكُلية كَأَن كرة ثَقيلَة فِي الْبَطن وَحدثت نفخة فِي الْمَوَاضِع الخالية واشتدت الْأَعْرَاض جدا وأحس بوجع شَدِيد فِي الْبَطن. أما الورم اليساري فيحس فَوق الْأُنْثَيَيْنِ ويعظم الوجع فِي عضل الصلب فِي جَمِيع ذَلِك. وَإِذا نضج خفت الْحمى وزادت القشعريرة وَغلظ الْبَوْل وَكثر فِيهِ الرسوب الْحسن. وَإِذا انفجر الورم زَالَت الْحمى والنافض الْبَتَّةَ فَإِن كَانَت الْمدَّة بَيْضَاء ملساء غير مُنْتِنَة وَخرجت بالبول فَهُوَ أَجود مَا يكون وَكَذَلِكَ إِن كَانَ دَمًا وقيحاً أَبيض وَمَا خَالف ذَلِك فَهُوَ أردأ بِحَسب مُخَالفَته. العلاج: أول العلاج قطع السَّبَب بالفصد مَن الباسليق إِن كَانَ الورم غَالِبا وَرُبمَا احْتِيجَ أَن يتبع ذَلِك بالفصد من مأبض الرّكْبَة. فَإِن لم يظْهر ذَلِك الْعرق فَمن الصَّافِن وبالإسهال أيضَاً إِن كَانَ هُنَاكَ مَعَ الورم أخلاط حادة بالحقن اللينة اللعابية مَا أمكن. وَأفضل مَا يسهل بِهِ مَاء الْجُبْن والخيارشنبر. وَفِي مَاء الْجُبْن إمالة للمادة إِلَى الأمعإء وَغسل وجلاء وتبريد وإنضاج وَإِصْلَاح للقروح. وَفِي الخيارشنبر إسهال وإنضاج بِرِفْق. وَمَاء السكر وَالْعَسَل الْكثير المزاج بِهَذِهِ الْمنزلَة. وَإِن أمكن أَن يعدل الْخَلْط ثمَّ يسهل فَهُوَ أفضل. وَيجب أَن لَا يكون الإسهال عنيفاً وقوياً فيعظم الضَّرَر بِسَبَب الْخَلْط الْكثير المنصب إِلَى الأمعاء مجاوراً للكلية. وَمَاء الشّعير مِمَّا يجب أَن يلْزم فِيهِ وَيجب أَن لَا يدر الْبَتَّةَ وَلَا يسقى البزور وبنادقها وخصوصاً وَالْبدن غير نقي فَإِن الأخلاط تنصب حِينَئِذٍ إِلَى الْكُلية حَتَّى إِذا أصبح النضج أدررت. وَلذَلِك مَا يجب أَن يمْنَع شرب المَاء مَا أمكن فِي مثل هَذَا الْوَقْت وَإِن كَانَ من وَجه علاجاً إِلَى أَن ينقي وَإِن كَانَ المَاء مُوَافقا بتبريده وترطيبه للأورام الحارة لَكِن إِذا كَانَ بِحَيْثُ يزعج الإدرار ويزاحم جَوْهَر المنصب إِلَى نَاحيَة الورم جَوْهَر الورم ضرّ بِسَبَب الْحَرَكَة مضرَّة فَوق منفعَته بِسَبَب الكمية مضرَّة فَوق منفعَته بِسَبَب الْكَيْفِيَّة. وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ يستصحب مَعَ نَفسه أخلاطاً إِلَى الْكُلية يسهل انحدارها إِلَيْهَا بمرافقة المَاء. فَإِن كَانَ لَا بُد فَيجب أَن يسقى المَاء العذب الصافي الْبَارِد سقيا بالرشف والمصّ وَيجب أَن لَا يكون من برده بِحَيْثُ يمْنَع النضج ويجتنب اللَّحْم والحلاوة. وَأما المَاء الْحَار فيضرهم. وَكَذَلِكَ كل حَار بِالْفِعْلِ قوي الْحَرَارَة. وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن المَاء الْكثير لَا يَخْلُو من أَن يتعب الْكُلية بحركته ومروره وَلَيْسَ للأورام والقروح مثل السّكُون. والحمامات لَا توافقهم اللَّهُمَّ إِلَّا بعد الانحطاط للأورام الحا رة. وَيجب أَن يسْتَعْمل فِي الأول من المشروبات وَمن الأطلية والحقن وَغير ذَلِك مَا هُوَ نَافِع ثمَّ يخلط بهَا مِمَّا هُوَ جال ومرخ ومنضج شَيْء بِحَسب عظم الورم وصغره ثمَّ يسْتَعْمل الجوالي والمرخيات وَيجب أَن يخْتَار من الجوالي والمرخيات مَا لَا لذع فِيهِ فَإِن احْتِيجَ إِلَى قوي لَهُ لذع لعظم(2/679)
الورم فَالصَّوَاب أَن يغلب عَلَيْهِ مَا لَا لذع فِيهِ. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ هُنَاكَ أخلاط لذاعة لم تستفرغ فَيجب أَن تكسر بأغذية من جنس الاحساء الْمُوَافقَة للكلية والأورام إِلَّا أَنَّهَا من جملَة مَا لَا لذع لَهُ فَإِنَّهَا تتغلى بهَا وَيجب أَن تتعرف حَال الأخلاط فِي رقّتها وغلظها وَفِي جوهرها هَل هِيَ من جنس فَاسد أَو صَحِيح أَو خلط آخر وَفِي مبلغها هَل هِيَ قَليلَة أَو كَثِيرَة حَتَّى تقَابل بكيفية الدَّوَاء وكميته وماقدرت أَن تعالج بِمَا هُوَ أقل حِدة لم تفزع إِلَى الحاد وَإِذا نضج الورم نضجاً تاعاً وَعرف ذَلِك فِي الْبَوْل سقِِي المدرات مثل البزور وبنادقها فِي مَاء الشّعير وَنَحْوه. وَقبل ذَلِك لَا يسقى المدرّات وخصوصاً إِن كَانَت الأخلاط من الْبدن رَدِيئَة وَرُبمَا أحدث سقِِي ذَلِك ثقلاً فَلَا تبالين بِهِ فَإِن سقِِي ذَلِك بِعَيْنِه يُزِيلهُ. وَأولى مَا يعالج بِهِ فِي إصْلَاح الورم وَفِي الإسهال للخلط الرَّدِيء الحقن دون المشروبات فَإِن الحقن أوصل إِلَيْهَا مَعَ ثبات قوتها وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تحدر من فَوق شَيْء إحدار المشروبات وخصوصاً المسهلة وَيجب أَن تكون الحقنة بالمحقنه الْمَذْكُورَة فِي بَاب القولنج لتَكون الحقت سلسة غير مستكرهة وَلَا مزاحمة فتؤلم وتضر. وَالْخيَار شنبر نعم الشَّيْء فِي معالجات الْكُلية فَإِنَّهُ إِذا وَقع فِي الحقن والمشروبات استفرغ بِغَيْر عنف وإنضج الورم فَإِذا علمت أَن الْبدن نقي وَأَن الورم صَغِير فَرُبمَا كَفاك سقِِي مَاء الْعَسَل أَو مَاء السكر الكثيري المزاج فَإِن جلاءهما وتلطيفهما وتقطيعهما رُبمَا حلله بِلَا لذع. والأشياء النافعة فِي أول الْأَمر مَاء الشّعير مَعَ دهن مَا وعصارة الْخلاف والعصارات الْبَارِدَة والتضميدات بالمطفئات وَسقي اللعابات مثل بزرقطونا وَرُبمَا سقِِي اللَّبن وَإِن كَانَ التهاب. وَيجب أَن يكون اللَّبن على مَا وَصفنَا. وَبعد ذَلِك فليستعمل الحقن من الخطمي والخبازي وبزر الْكَتَّان مَعَ شَيْء من الْبَارِدَة ودهن الْورْد. ولتستعمل الحقن بسويق الشّعير وبنفسج وباقلا. وَفِي آخِره تتْرك الْبَارِدَة وَيُزَاد الحلبة والبابونج وَنَحْوه وَيكون الدّهن الشيرج ودهن القرطم ويضمد من خَارج بِمَا هُوَ منضج وَأَشد تسخيناً. وَمن ذَلِك أَن يكمد بِخرقَة صوف مغموسه فِي أدهان مسخنة وَالَّتِي فِيهَا قُوَّة الشبث والخطمي وتتخذ الضمادات من دَقِيق الْحِنْطَة وَمَاء الْعَسَل الْمَطْبُوخ وَمن ورق الحلبة والكرنب وأصل السوسن والشبث والخطمي والبابرنج بالشيرج. وَلَك أَن تجْعَل فِي هَذِه الأضمدة البنفسج والشحوم الملينة. وَرُبمَا احتجت بِسَبَب الوجع أَن تجْعَل فِيهَا شَيْئا من الخشخاش. وقشر اللفاح مُوَافق فِي ذَلِك وَالَّذِي يكون من الورم من قبل الْحَصَا فَيجب أَن يدبر تَدْبِير ذَلِك الْموضع بِمَا نقُوله وَأما تَدْبِير الوجع إِذا هاج وخصوصاً عِنْد المثانة لعظم الْحَصَاة فِيهَا وَكسر حَادث أَو خشونة ساحجة فَرُبمَا أمكن الْحمام والابزن وَإِذا أفرط عاود وجع شَدِيد بعد سَاعَة والنطولات البابونجية والأكليلية والخطمية والنخالية نافعة جَيِّدَة. وَإِن كَانَ هُنَاكَ اعتقال مَا من الطبيعة فَمن الصَّوَاب آخراج الثفل بأشيافة أَو حقنة غير كَبِيرَة فيضغط ويؤلم بل الاشيافة أحب إِلَيْك. وَفِي تَدْبِير الطبيعة تجفيف كثير وتسكين للوجع وَلَا سَبِيل إِلَى اسْتِعْمَال المسهل فَإِنَّهُ يؤلم ويؤذي بِمَا ينزل من فَوق. وَأما(2/680)
الحقنة فَإِذا جعل فِيهَا شحوم ودسومات وقوى مرخية وقوى مَدَرَة فعل مَعَ الإسهال وَمن الأضمدة الفوية فِي إنضاج الدُّبَيْلَة الْعَارِضَة فِي الْكُلية التِّين المسلوق بِمَاء الْعَسَل وَإِن احتجت أَن تقويه بالمأزريون والايرسا فعلت. وَمن المشروبات المجربة بزر كتَّان مثقالين ونشا مِثْقَال وَهِي شربتان. وَإِذا تمّ النضج اسْتعْملت المدرات مشروبة ومحقونة. وَمن الضمادات ضمادات متخذة من الكمافيطوس والجعدة والفطراس اليون وفقاح الأذخر والسنبل. وَيجب أَن يتعهد حَال الوجع ويسكن المقلق مِنْهُ بالمسكنات الَّتِي ذَكرنَاهَا مرَارًا وبالابزنات الموصوفة وَرُبمَا كَانَت الحقنة المخرجة للثفل مريحة مسكنة للوجع بِمَا يزِيل المزاحم وَبِمَا يلين. فَإِن لم تفعل ذَلِك احتجت أَن تجفف بِمثل الفصد والمحاجم تُوضَع بالرفق بَين الْقطن والصلب ثمَّ يشرط وبتكميد الْموضع بصوف مغموس فِي زَيْت حَار قد طبخ فِيهِ مثل الخطمي والقيصوم والبابونج وَأَن تضمد بِمثل بزر الْكَتَّان وَنَحْوه. وَرُبمَا احتجت إِلَى أَن تقَوِّي الضماد بِمثل الجعدة والكندر والكرسنة والشمع ودهن السوسن. وَرُبمَا احتجت إِلَى أَن تجْعَل للدواء منفذاً بِأَن تضع محجمة وتشرط شرطا خَفِيفا ثمَّ تكمده بالأكمدة الْمَذْكُورَة. وَرُبمَا احتجت أَن تَسْقِي البزورالمدرة الْبَارِدَة مَعَ قَلِيل من الحارة اللطيفة وَشَيْء من المخدرات كالأنيسون مَعَ كرسنة ويسير من أفيون وَمثل فلونيا فَهُوَ أفضل دَوَاء فِي مثل هَذَا الْموضع. وَأما العلاج الْخَاص بِالدُّبَيْلَةِ - إِذا علمت أَنه لَا بُد من جمع - فَيجب أَن تعين بالمنضجة الَّتِي ذَكرنَاهَا وتزيدها قُوَّة بِمثل علك البطم والأنجرة والأفسنتين والايرسا ودقيق الكرسنة. وَرُبمَا جعل فِيهَا مثل أصل الفاشرا أَو المازريون وزبل الْحمام وَرُبمَا كفى طبيخ التِّين بالعسل. وَيجب أَن يسْتَعْمل فِي الحقن وَفِي الْأَشْرِبَة مَا ينضج هَذِه بقو وَيسْتَعْمل الكمادات الْمَذْكُورَة مقواة بِمَا يجب أَن تقوى بِهِ. وَكَثِيرًا مَا كَانَ سَبَب بطء النضج سوء المزاج الْحَار الملتهب فَإِذا عدل نضج. وَذَلِكَ بِمثل الألبان المشروبة والمحقون بهَا والأضمدة ويميل بالإنضاج على أَشْيَاء بَارِدَة بالطبع حارة بِالْعرضِ مثل المَاء الْحَار يقْعد فِيهِ. فَإِن لم ينفجر اسْتعْملت المفجّرات والحقن الحادة حَتَّى الَّتِي يَقع فِيهَا خربق وقثاء الْحمار والثوم وظاهرتها بالكمادات والضمادات من خَارج والمدرات المقوية مثل الوج وبزر الفنجنكشت وَلَهُمَا خَاصَّة فِي ذَلِك. وَمن المفجّرات الجيدة الدارصيني والحرف. وَإِذا انفجر اسْتعْملت مَا يدر بِقُوَّة لينقي ثمَّ اسْتعْملت مَا يلحم من الْأَدْوِيَة الْمعدة لقروح الْكُلية وسنذكرها. فصل فِي الورم البلغمي فِي الْكُلية يحدث عَن أَسبَاب إِحْدَاث البلغم. العلامات: يكون ثقل وتمدد وقصور فِي أَفعَال الْكُلية وَلَا يكون هُنَاكَ التهاب وَرُبمَا كَانَ مَعَه ترهل فِي الْوَجْه وَالْعين وَفِي سَائِر الْبدن وَيكون المنى رطبا جدا رقياً بَارِدًا مَعَ فقدان العلامات الْخَاصَّة بالصلب.(2/681)
العلاج: هُوَ الأضمدة المسخنة بالمدرات المنقية وَيجب أَن يَقع فِيهِ تعويل كثير على الْغَار وورقه ودهنه وعَلى السذاب فِي مثل ذَلِك يسْتَعْمل فِي الحقن والمشروبات والأضمدة. فصل فِي الورم الصلب فِي الْكُلية قد يكون مبتدئاً وَأَكْثَره بعد حَار وَسَببه كَثْرَة مَادَّة سوداوية جرت إِلَيْهِ أَو تحجر من ورم حَار لبرد حجره أَو حر غلظه وهما السَّبَب فِي أَن لَا يَقع نضج فَإِن النضج تَابع لحرارة الِاعْتِدَال. العلامات: يدل على الورم الصلب فِي الْكُلية ثقل شَدِيد لَيْسَ مَعَه وجع يعْتد بِهِ إِلَّا فِي الْكَائِن بعد ورم حَار فَرُبمَا هاج فِيهِ وجع. وَمن العلامات الصلب دقة الحقوين وخدرهما وخدر الْوَرِكَيْنِ وَرُبمَا خدر السَّاقَيْن لكنهما لَا يخلوان عَن ضعف. ويعرض فِي جَمِيع هَذِه الْأَعْضَاء السافلة هزال ونحافة وَالْبَوْل يكون رَقِيقا يَسِيرا فِي كميته لقلَّة جذبهما المائية لضعف الْقُوَّة وَضعف دَفعهَا وَيكون عديم النضج رَقِيقا. وَالسَّبَب فِي ذَلِك السدة فَإِنَّهَا تمنع الكدر أَن ينفذ وَكَثِيرًا من الرَّقِيق بل السدّة رُبمَا أسرت الْبَوْل والضعف فَإِنَّهُ يمْنَع الْقُوَّة أَن تنضج وَقد يحدث مِنْهُ تهيج وَكَثِيرًا مَا يُؤَدِّي إِلَى الآستسقاء لانسداد الطّرق على مائيته ورجوعها إِلَى الْبدن فَلذَلِك يجب فِي مثل هَذِه الْعلَّة أَن يدام إدرارها. العلاجات: تتأمل الْأُصُول فِي معالجات صلابة الكبد والأدوية فَإِن ذَلِك بِعَيْنِه طَرِيق معالجة صلابة الكلى. فَإِن احْتِيجَ إِلَى الفصد لأكثرة الدَّم السوداوي فعلء وَقد ينفع مِنْهُ شرب البزور الَّتِي فِيهَا تليين وَتَحْلِيل مثل بزر المرو وبزر الْكَتَّان وبزر الخطمي والحلبة والقرطم يتَّخذ مِنْهَا سفوفات ويخلط بهَا مدرات بِحَسب الْحَاجة وَلَا يفرط فِي الأدرار فَيبقى الغليظ ويتحجر بل تراعي بَوْله. فَكلما غلظ أدرّ باعتدال وَكلما وقف أنضج. وَمن عَلَامَات نضجه أَن يكثر الْبَوْل ويغلظ. وينفع مِنْهُ المروخات والكمّادات مثل دهن الْقسْط ودهن الناردين والزنبق ودهن البابونج ودهن الشبث ودهن الْغَار. وَمن الضمادات المتخذة من البابونج وإكليل الْملك وبزر الْكَتَّان. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مثل الْمقل والأشق والسكبينج وشحم الدب وشحم الآسد ومخ الْبَقر والأيل وَغير ذَلِك يتَّخذ مِنْهُ مراهم وضمادات وَيسْتَعْمل. وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى أَن يداف مثل الْمقل والأشج فِي طبيخ المدرات وَكَذَلِكَ البابونج والحسك والإكليل والبسفايج ويسقى مِنْهَا. فصل فِي قُرُوح الْكُلية أَسبَاب قُرُوح الْكُلية هِيَ بِعَينهَا أَسبَاب سَائِر القروح وَهِي أَسبَاب تفرق آلاتصال ثمَّ التقيّح.(2/682)
وَبعد ذَلِك فقد يكون عَن انصداع عرق وانفجاره وانقطاعه لأسبابه الْمَعْلُومَة فِي مثله. وَقد تكون لدبيلة انفجرت وَقد تكون لحصاة خرجت وَقد تكون لأخلاط مرارية أَو بورقية سحجت أَو لزجة سحجت بإنقلاعها عَن ملتزقها بعنف. وقروح الْكُلية أقل رداءة من قُرُوح المثانة وَمن القروح المجاري بَينهمَا وَحَال قُرُوح المجاري من الْحَالين. وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن قُرُوح الْعُضْو العصبي أعْسر برءاً من قُرُوح الْعُضْو اللحمي وَكَثِيرًا مَا تعرض القروح فِي المجاري لكَون الْمَادَّة صفراوية ساحجة أَو لحصاة خادشة. وَقد تكون هَذِه القروح متأكلة وَقد لَا تكون. وَكَثِيرًا مَا يحدث من قُرُوح الكلى نواصير لَا تَبرأ الْبَتَّةَ. وَإِن كَانَت مِمَّا يكف عَن سيلانها مَعَ نقاء الْبدن ويسيل عِنْد الامتلاء فَمَا كّان جيد الْمدَّة فَلَا كثير خوف مِنْهُ وَلَا يخَاف مِنْهُ الاتساع والتأكل - وَأما رَدِيء الْمدَّة فَإِنَّهُ يعرض الاتساع والتأكل والتأدي إِلَى العطب وَمن انخرق كلاه مَاتَ. وَكَثِيرًا مَا يكون رَأس لورم مائلاً إِلَى العلامات: عَلَامَات قُرُوح الْكُلية أَن تخرج فِي الْبَوْل غُدَّة وأجزء شعرية وكرستّية حمر لحمية وَرُبمَا أحس صَاحبه بألم فِي مَوَاضِع الْكُلية وَرُبمَا تقدمه بَوْل دم أَو دبيلة كُلية أَو ألم من انقلاع حَصَاة. وَقد يدل عَلَيْهِ ضربهّ وقعتَ أوصدمة وَأما الاتفتاح فقد لَا يكون مَعَه وجع وَيدل عَلَيْهِ دوَام بَوْل الدَّم قَلِيلا قَلِيلا فَإِن بَوْل الدَّم إِذا كَانَ من انفجار دبيلة أَو انصداع عرق من فَوق جَازَ أَن يَدُوم يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فإمَّا إِن طَال ذَلِك لانفتاح أَو لقرحة. وَإِذا طَال وَكَانَ هُنَاكَ تغير لون أَو مُخَالطَة صديد فَلَيْسَ إِلَّا لقرحة فِي الْكُلية أَو المثانة وَذَلِكَ بَوْل دموي مضعف لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ الْمبلغ كل وَقت قَلِيلا فَإِن التَّوَاتُر يُؤَدِّي إِلَى استفراغ مبلغ كَبِير وَالْفرق بَين الْكُلية والمثانة أَن قُرُوح الْكُلية تكون حمراً وَفِي قُرُوح المثانة بيضًا إِمَّا كبارًا غلاظاً إِن كَانَت فِي المثانة نَفسهَا وَإِمَّا صغَارًا رقيقَة إِن كَانَت فِي المجاري. وَيعرف الْفرق أَيْضا بِموضع الوجع فَإِن مَوضِع الوجع فيهمَا يخطف أما فِي قُرُوح الْكُلية ففوق وَأما فِي قُرُوح المجاري فَفِي الْوسط وَفِي مجْرى الْقَضِيب بعد الْجَمِيع. وَرُبمَا يصعب الوجع فِي قُرُوح المجاري وَيكون لَهُ هيجان كل ساعهّ كالطلق. وَقد يسْتَدلّ على الْفرق الْمَطْلُوب بِقُوَّة الوجع فَإِن الوجع قي قروحالمثاتة أصعب لِأَنَّهُ عُضْو عصبي قوي الْحس. وَإِذا بَال صَاحب قُرُوح الكلى أَو المثانة دَمًا بعد بَوْل الْمدَّة فاستدل مِنْهُ على التأكل وَقد يسْتَدلّ على صعوبة القروح فِي الْكُلية وخبثها بقلة قبُول العلاج وَطول الْمدَّة وَكَثْرَة العكر واللون الرَّدِيء الْأَخْضَر فِيمَا يَبُول وَشدَّة نَتنه. العلاج: أول مَا يجب أَن يقْصد قي علاج قُرُوح الْكُلية والمثانة تَعْدِيل الأخلاط(2/683)
وإمالتها عَن المرارية والبورقية إِلَى العذوبة لِئَلَّا تجرح جرحا بعد جرح وَاجْتنَاب كل حريف ومرَ ومالح وحامض وتقليل شرب مَاء لتقل الْحَاجة إِلَى الْبَوْل وتقل حَرَكَة الْكُلِّي عَمَّا يسيل إِلَيْهَا وانجرادها بِهِ. فَإِن قانون علاجالقروح التسكين وَمِمَّا يعدل الأخلاط الفصد إِن وَجب والإسهال اللَّطِيف وَالرَّقِيق بِلَا عنف الْبَتَّةَ وَلَا إِطْلَاق أخلاط حادة دفْعَة وَاحِدَة فَإِن مثل ذَلِك ينقص من الْبدن تقصاناً لطيفاً مَعَ ميل إِلَى غير جِهَة الْكُلية - وَمَا لم يسْتَعْمل مسهلاً المرار فَهُوَ أولى إلاالضرورة وَالْأولَى أَن يعدل الْمَادَّة ويخرجها بعد ذَلِك وخصوصاً بالقيء والقيء أجل مَا يعالج بِهِ قُرُوح الْكُلية يما ينقي ويستفرغ وَبِمَا يجذب الأخلاط إِلَى ضدّ جِهَة الْكُلية. وَرُبمَا كَانَ اسْتِعْمَال الْقَيْء الْمُتَوَاتر علاجاً مُقْتَصرا عَلَيْهِ يُغني عَن غَيره وَالْأولَى أَن تدبر أَولا بالبزور ثمَّ تقبل على الْقَيْء وَيجب أَن يكون الْقَيْء على الطَّعَام بِمَا يسهله مثل الْبِطِّيخ ببزره خَاصَّة مَعَ الشَّرَاب الحلو وبمثل السكنجبين بِالْمَاءِ الْحَار وَيجب أَن لَا يكون بتهييج شَدِيد بعنف. وَمِمَّا يعدل الأخلاط تنَاول مثل الْبِطِّيخ الرقي والقثاء والكاكنج والخشخاش وَمن الْأُصُول الَّتِي يجب أَن تراعى أَنه إِذا اشْتَدَّ الوجع فعالج الوجع أَولا ثمَّ القرحة وَإِن كَانَت القرحة طرية وَكلما انفجر الورم كَانَ علاجها أسهل. وَرُبمَا كفى حب القثاء مَعَ شراب البنفسج وَإِذا أزمنت عسر الْأَمر وَيجب أَن تبادر إِلَى التنقية. وَأما فِي الْخَفِيف فبالمدرات الْخَفِيفَة مثل بزر الكاكنج والخطمي إِلَى حد الرازيانج وَأما فِي الرَّدِيء الْخَبيث فَمثل البرشاوشان مَعَ اعْتِدَال والإيرسا والفراسيون ودقيق الكرسنة وَيحْتَاج أَن يجمع بَين السَّقْي والتضميد إِذا كَانَت الْعلَّة خبيثة. وَرُبمَا تقع فِيهِ الزوفا والسذاب وَنَحْوه. فَإِن نقيت فاشتغل بالختم والإلحام لِئَلَّا يَقع تَأْكُل وَيجب أَن يلزموا السّكُون وَلَا يتعبوا مَا أمكنهم بل يجب أَن يقتصروا من الرياضة على ذَلِك الْأَطْرَاف واستفراغ مَا يستفرغ بالرياضة بالتكميد الْيَابِس حَتَّى لَا يُمكنهُم الْمَشْي وَغير ذَلِك وخصوصاً إِذا كَانُوا اعتادوا الرياضة ثمَّ إِذا عوفي يدرج برياضة خَفِيفَة إِلَى أَن يرجع إِلَى عَادَته فِي حركاته. فَأَما علاج نفس القرحة فَيجب فِيهَا أَولا أَن يهجر الْجِمَاع فَإِن الْجِمَاع ضار بهَا وَلَا يكثر وَأما علاج نفس هَؤُلَاءِ بالأدوية فَيجب أَن يكون بالمجففات الجالية بِلَا لذع فَإِن كَانَت القرحة لَيست بِتِلْكَ الرَّديئَة كفى المعتدل فِي الْجلاء والتجفيف. وَإِن كَانَت خبيثة احْتِيجَ إِلَى مَا هُوَ أقوى تنقية وغسلاً الوضر وَأَشد تجفيفاً ليمنع الوضر وَبعد ذَلِك أشذ قبضا ومنعاً وَهُوَ مثل الأقاقيا وعصارة لحية التيس وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مثل الشبث ليمنع انصباب الأخلاط الرَّديئَة. فَإِذا نقي وجف وحبست عَنهُ الْموَاد كَانَ الْبُرْء. وَيجب أَن تخلط بأدوية القروح كلهَا مغريات مثل النشاء والكثيراء والصموغ الْبَارِدَة فَإِن التغرية مِمَّا تجْعَل القروح فِي حرز عَن سحج مَا يمر عَلَيْهَا. وَمَا كَانَ مِنْهَا دسماً كْاللك يجعلالحم الْعُضْو وَبِمَا يغتذي مِنْهُ مثانة ولزوماً واستعداداً للانختام وَيجب أَيْضا أَن تخلط بهَا مدرات وأدوية ملطفة لتوصل الْأَدْوِيَة الْمصلحَة والخاتمة. وَإِن كَانَت هِيَ فِي نَفسهَا تضر وتهيج. وَرُبمَا احْتِيجَ أَن تخلط بهَا المخدرات من الخشخاش والبنج واللقاح والأفيون والشوكران(2/684)
وَذَلِكَ لتسكين الوجع والتّجفيف والردع. وَإِذا علمت أَن فِي القروح وضراً فَاسق جالياً فِيهِ قُوَّة من إدرار مثل مَاء السكر وَمَاء الْعَسَل بِبَعْض البزور حَتَّى يدر وَيغسل ثمَّ أتبعه بالمجفافات يالأدوية المشروية الَّتِي يعالج بهَا مَا لَيْسَ بالخبيث جدا من قُرُوح الْكُلية ّ مثل بزر الخطمي وبزر المرو وأصولها بِمَاء الْعَسَل وبزر الكاكنج وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب خُصُوصا الْجبلي وَأَيْضًا بزر القثاء والطين الأرمني بالجلاب والبرشاوشان بِمَاء الْعَسَل ولأصل السوسن تجفيف وتنقية وإنضاج وتغرية. وَأَيْضًا بزر كتَّان وكثيراء جُزْء جُزْء تشاستج جزءان بِمَاء الْعَسَل وَأَيْضًا حب الصنوير وبزر الْخِيَار يستف مِنْهُمَا رَاحَة. وَأَيْضًا بزر الخشخاش المقلو المسحوق يُؤْخَذ مِنْهُ دِرْهَم وَنصف فِي مَاء أغلي فِيهِ الْإِذْخر وأصل السوسن. وَأقوى مِمَّا ذَكرْنَاهُ فطراساليون أَو دوقو بشراب ريحاني وَقَلِيل طين أرمني وَقد ينْتَفع بسقي الْمقل محلولاً مَعَ صمغ البطم الطين الْمَخْتُوم أَجزَاء سَوَاء. والشربة إِلَى مِثْقَال فِي شراب حُلْو وَأَيْضًا دَقِيق الكرسنة قوي التنقية والتجفيف مَعهَا فَإِذا جمع محه مثل الطين الْمَخْتُوم والأقاقيا وعصارة لحية التيس تمت فَائِدَته. والإيرسا أَيْضا قوي يفعل بِهِ هَذَا الْفِعْل وَنَحْوه. وَأما المركبات فَمثل مَا يُؤْخَذ من بزر القثاء المقشًر خَمْسَة وَثَلَاثُونَ حَبَّة وَمن حب الصنوير اثْنَتَا عشرَة حَبَّة وَمن اللوز خمس حبات عددا وَمن الزَّعْفَرَان مَا يكون مثل وزن هَذِه وَيشْرب على الرِّيق فَإِن كَانَت الْحَرَارَة شَدِيدَة فبدل حب الصنوبر بحب الْخِيَار. وَأَيْضًا حب الصنوير عشرُون حَبَّة حب القثاء أَرْبَعُونَ حَبَّة نشاستج دِرْهَم وَنصف يسقّى قي رَطْل من مَاء أغلي فِيهِ الناردين وبزر الكرفس من كل وَاحِد ثَمَانِيَة دَرَاهِم حَتَّى عَاد إِلَى الرّبع وَأَيْضًا طين مختوم وَدم الْأَخَوَيْنِ وكندر ونشاء وبزر بطيخ وبزر الكرفس وبزر القثاء وبزر القرع وَرب االسوس وَلَك وراوند صيني ولوز الصنوبر الْكِبَار والخشخاش وبزر البنج أَجزَاء سَوَاء يسقى على مُوجب الْمُشَاهدَة بميبختج. وأيضآ حب الصنوبر ثَلَاثُونَ حَبَّة لوز مقشر عشرُون التَّمْر اللحيم خمس عشرَة تَمْرَة كثيراء أَرْبَعَة مَثَاقِيل. رب السوس أَرْبَعَة مَثَاقِيل زعفران سدس مِثْقَال يعجن بميبختج وَيسْتَعْمل. وَإِذا اشْتَدَّ الوجع فَيجب أَن يعرض عَن العلاج للقرحة ويعالج بِمثل هَذَا الدَّوَاء. ونسخته: يُؤْخَذ من بزر البنج دانق أفيون قِيرَاط بزر الْخِيَار دِرْهَمَانِ بزر الخس دِرْهَم بزربقلة الحمقاء دِرْهَم فَإِنَّهُ يسكّن الوجع فِي الْحَال. وَإِذا كَانَ الوجع قَلِيلا سكنه شرب اللَّبن مَكَان المَاء وشراب البنفسج. وَمن القوية قوفي وأقراص الكاكنج وأقراص اسقلسادس وأقراص ديسقوريدوس وسفوف اللكّ والزراوند الْجبلي ببزر الكاكنج. وسفوف كمادريوس قوي جدا وَكَثِيرًا مَا تَنْفَع الحقن الدوسنطارية على سَبِيل الْمُجَاورَة وَقد تسْتَعْمل أضمدة من هَذَا الْقَبِيل تجْعَل على الظّهْر وَعند شدّ الْوسط والمواضع الخالية مثل دَقِيق الكرسنّة مطبوخاً بشراب وَعسل. وَأَيْضًا ورد يَابِس وعدس وَعسل وَحب آس يضمّد بِهِ. وَهَذَا أَيْضا يمْنَع التعفّن والتوسع. وَمن المروخات دهن الْحِنَّاء ودهن شَجَرَة المصطكي ودهن السفرجل. وَرُبمَا خلط بهَا مثل الميعة وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى مثل شَحم البط للتليين. وَأما النواصير فَلَا علاج بهَا إِلَّا التجفيف وَمنع الْفساد. أما التجفيف فبإدامة تنقية الْبدن واحتراز عَن الامتلاء بخشب(2/685)
الكمية والكيفية. وَهَذَا يَكْفِي فِي علاج مَا لَيْسَ بخبيث. وَأما الْخَبيث فَيجب أَن يعالج بِهَذَا الدَّوَاء وَمَا كَانَ أقوى مِنْهُ مثل أضمدة وأشربة تمنع التعفن مثل القوابض الْمَعْرُوفَة مَعَ جلاء لَا لذع فِيهِ وَفِيه تنقية. فصل فِي الْغذَاء يجب أَن يكون الْغذَاء حسن الكيموس من لُحُوم الطير الَّذِي تَدْرِي والسمك الرضراضي والبقول الجيده كالسرمق والبقلة اليمانية. وَمَا دَامَت القروح رَدِيئَة فَيجب ن تُعْطى مشوية. وأفضلها لُحُوم الطير والعصافير الجبلية مشوية وَمثل صفرَة الْبيض النيمبرشت ويدرج إِلَى الدَّجَاج السمين والأطرية. والألبان تنفعهم إِذا هضموها فَمَا كَانَ مثل لبن الأتن وَلبن الْخَيل أَيْضا وَلبن اللقَاح فينفعهم لِأَنَّهَا ألبان تصلح مواد القروح وتغسلها وتغزيها بجبنيتها. وَمَا كَانَ مثل لبن الْبَقر والضأن فَيجمع إِلَى ذَلِك زِيَادَة فِي تغرية الْعُضْو وتغذيته إِلَّا أَن لبن الأتن وَلبن الماعز ينفع من جِهَة إصْلَاح المزاج وَالْغسْل وَمن جِهَة الْخَاصَّة نفعا أَكثر من غَيرهمَا وخصوصاً المعلوفة بِمَا يُوَافق القروح مِمَّا علم حَاله. وَيجب أَن يخلط بألبانهم وأغذيتهم الَّتِي يتناولونها شَيْء من الْأَدْوِيَة الصَّالِحَة للقروح مثل الكثيراء. وَهَذِه الألبان يجب أَن تسقى بعد التنقية والنشاء والصمغ والمجففات أَيْضا وَشَيْء من المدرات من البزور الْمَعْرُوفَة. وَإِذا شرب اللَّبن لم يطعم شيئاَ حَتَّى ينحدر وَإِن أَبْطَأَ انحداره خلط بِهِ شَيْء من الْملح وَرُبمَا جعل فِيهَا ملح وَعسل. وَاللَّبن يصلح لَهُ مَكَان المَاء وَالطَّعَام جَمِيعًا. وَعند فيضان الْقَيْح يَنْفَعهُ لبن النعاج بِمَا يخْتم ويغري وَيُقَوِّي وَله أَن يشرب الألبان عِنْد الْعَطش. وَأما النَّقْل. والفواكه الَّتِي توافقه فالبطيخ وَالْخيَار النضيج والكمثري والزعرور وَالرُّمَّان الحلو والسفرجل والتفاح. وَمن النَّقْل الْيَابِس لوز وخصوصاً المقلو والفستق والبندق وحبٌ الصنوبر خَاصَّة والقسب. وليجتنبوا التِّين الْيَابِس فَإِنَّهُ رَدِيء للقررح يجلوها ويحكها ويهيجها بيتوعية خَفِيفَة وَيجب أَن يجْتَنب كل حامض قوي الحموضة وكل حريف ومالح وشديد الْحَلَاوَة. فصل فِي جرب الْكُلية والمجاري هُوَ من جنس قروحها وأسبابه فِي أَكثر بثور تظهر عَلَيْهَا من أخلاط مرارية أَو بورقية ثمَّ فصل فِي علاماته: يكون مَعَه عَلَامَات القروح فِي خُرُوج مَا يخرج مَعَ دغدغة وحكة فِي مَوضِع الْكُلية يخالطها نخس وَرُبمَا عرض مَعهَا الوجع وَالَّذِي يكون فِي المجاري يكون الْخَارِج مَعَه غشائياً.(2/686)
فصل فِي العلاج ينفع مِنْهُ فصد الباسليق إِن كَانَ الْبدن كُله ممتلئاً. وأتفع مِنْهُ فِي كل حَال فصد الصَّافِن والحجامة تَحت مَوضِع الْكُلية وَاسْتِعْمَال تنقية الْبدن دَائِما وخْصوصاً بالقيء وبنادق الْحُبُوب مَعَ الطين الأرمني وَرب السوس أَجزَاء سَوَاء والغذاء بِمَا يجود هضمه وكيموسه مثل صفرَة الْبيض وَمَا يبرد ويرطب مثل الفراريج بالقطف والبقلة اليمانية والقرع والآسفاناخ والفوكه الرّطبَة وخصوصاً الرُّمَّان الحلو والبقول الرّطبَة وعلاج جرب المجاري بَين علاجي جرب المجاري بَين علاجي جرب الْكُلية وجرب المثانة فَانْظُر فيهمَا جَمِيعًا. فصل فِي حَصَاة الْكُلية تشترك الْكُلية والمثانة فِي سَبَب تولد الْحَصَاة وَذَلِكَ لِأَن الْحَصَاة يتم تولدها عَن مَادَّة منفعلة وَمن قُوَّة فاعلة. فَأَما الْمَادَّة فرطوبة لزجة غَلِيظَة من البلغم أَو الْمدَّة أَو من دم يجْتَمع فِي ورم دملي وَهَذَا نَادِر. وَأما الْقُوَّة الفاعلة فحرارة خَارِجَة عَن الِاعْتِدَال. وللمادة سببان: أَحدهمَا مَادَّة للمادة وَالثَّانِي حَابِس الْمَادَّة فمادة الْمَادَّة الأغذية الغليظة من الألبان وخصوصاً الخاثرة والأجبان وخصوصاً الرّطبَة واللحمان الغليظة كلحمان الطير الآجامية والكبار الجثث وَلحم الْجمال وَالْبَقر والتيوس وَمَا يغلض ين الْوَحْش والسمك الغليظ والمطبخات كلهَا وَالْخبْز اللزج والنيء والفطير والأكشكة والبهط خَ والسميذ والحواري اللزج والحلواء اللزجة والفواكه الحامضة والعسرة الهضم وَالَّذِي يُولد خلطاً لزجاً كالتفاح الْفَج والخوخ الْفَج وَمثل لحم آلاترج ولحمم الكمثري وَمن الْمِيَاه الكدرة وخصوصاً الْغَيْر المألوفة الْمُخْتَلفَة الْأَشْرِبَة السود الغليظة. وخصوصاً إِن كَانَ الهضم ضَعِيفا لضعف الْقُوَّة الهاضمة أَو لِكَثْرَة مَا يتَنَاوَل فتهبط القوّة أَو لسوء التَّرْتِيب والرياضة على الامتلاء. وَرُبمَا كَانَت الْمَادَّة مُدَّة من قُرُوح فِيهَا أَو فِي غَيرهَا. وَأما حَابِس الْمَادَّة فضعف الدافعة فِي الكلى لمزاج أَو ورم حَار وَحُمرَة أَو قُرُوح فِي الْكُلية فتحتبس فِيهَا فضول ورسوبات من كل مَا يصل إِلَيْهَا من المائية. وَأما شدَّة حرارة فترمل الْفضل وتحجره قبل أَن ينْدَفع وتجذبه إِلَيْهَا قبل الهضم التَّام فِي أعالي الْبدن. وَهَذِه الْحَرَارَة إِمَّا لَازِمَة وَإِمَّا عارضة بِسَبَب تَعب أَو تنَاول مسخن. وَإِمَّا لسدة من فضول مجتمعة أَو برد مقبض أَو أورام سادة حارة وَهُوَ كثير وباردة وصلبة أَو مُشَاركَة أَعْضَاء قريبَة من مثل المعي وَغَيرهَا إِذا ضغطت الْكُلية فأحدثت فِيهَا سدة. وَهَذِه الْأَشْيَاء كلهَا تُوجد فِي المثانة من الْحَصَاة. وَإِن اقْترن الحصاتان كَانَت الكلوية أَلين يَسِيرا وأصغر وأضرب إِلَى الْحمرَة والمثانية أَصْلَب وَأكْثر جدا وأضرب إِلَى الدكنة والرمادية وَالْبَيَاض وَإِن كَانَ قد يتَوَلَّد فِيهَا حَصَاة متفتتة. وَأَيْضًا فَإِن الكلوية تتولد فِي الْأَكْثَر بعد انْفِصَال الْبَوْل فَهُوَ عكر الدَّم لم يَصْحَبهُ وتخفف عَنهُ. وَأكْثر من تصيبه حَصَاة الْكُلية سمين وَأكْثر من تصيبه حَصَاة المثانة نحيف والمشايخ يصيبهم حَصَاة الْكُلية أَكثر مِمَّا يصيبهم حَصَاة المثانة. وَالصبيان وَمن يليهم أَمرهم بِالْعَكْسِ. وَأكْثر ذَلِك مَا بَين(2/687)
مُنْتَهى الطفولية إِلَى أول المراهقة وَذَلِكَ لِأَن الْقُوَّة الدافعة فِي الصّبيان والشبان أقوى فتدفع عَن أعالي الْأَعْضَاء إِلَى أسافلها. وَأما الْمَشَايِخ فَإِن قوى كلاهم تضعف جدا وَأَيْضًا لِأَن الصّبيان والشبان أرق أخلاطاً وَلذَلِك تنفذ فِي كلاهم والمشايخ أغْلظ أخلاطاً فَلَا تنفذ فِي كلاهم. وَأكْثر مَا تتولد الْحَصَاة فِي الصّبيان لشرههم وحركتهم على الامتلاء وشربهم اللَّبن ولضيق مجْرى مثانتهم وَفِي الْمَشَايِخ لضعف هضمهم. وَكَذَلِكَ حكم أبقراط أَنَّهَا فِي الْمَشَايِخ لَا تَبرأ وكل بَوْل يكون فِيهِ خلط أَكثر فَهُوَ أولى بِأَن تتولد مِنْهُ الْحَصَاة وَهُوَ الَّذِي إِذا ترك يتَوَلَّد مِنْهُ الْملح كَانَ ملحه أَكثر فَإِن الْملح يتَوَلَّد عَن مائية فِيهَا أرضية كَثِيرَة قد أحرقتها الْحَرَارَة. وَبَوْل الصّبيان أَكثر ملحاً من بَوْل الْمَشَايِخ لَا لِأَن أرضيتها وَلذَلِك بَوْلهمْ كدر لِكَثْرَة تخليطهم ولتخلخل أبدانهم قتتحلل عَنْهُم أكثرالمائية بالتحلّل الْخَفي. وَأولى الصّبيان بِأَن يتولّد فِيهِ الْحَصَاة هُوَ الَّذِي يكون يَابِس الطييعة فِي الْأَكْثَر حَار الْمعدة وَإِنَّمَا تيبس طَبِيعَته فِي الْأَكْثَر لانجذاب الرطوبات إِلَى كبده ثمَّ إِلَى أَعْضَاء بَوْله وَإِذا كَانَت هُنَاكَ حرارة كَانَ السَّبَب الْفَاعِل حَاضرا وبالجملهّ فَإِن يبس الطبيعة يَجْعَل الْبَوْل أغْلظ وَأكْثر. وَمن أَكثر الرسوب الرَّمْلِيّ فِي بَوْله لم تَجْتَمِع فِيهِ حَصَاة لِأَن الْمَادَّة لَيست تحتبس ولعلها أَيْضا لَيست كَثِيرَة فَإِنَّهَا لوكانت كَثِيرَة لَكَانَ أول مَا ينْعَقد عَنْهَا حجرا كَبِيرا صلباً اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تلكون كَبِيرَة وَلكنهَا رخوة قَابِلَة للتفتت وَإِلَّا لما كثر انقصالها فِي الْبَوْل وَإِذا كَانَت الصُّورَة هَذِه علم أَن الْمَادَّة لَا لسيب فِي نَفسهَا وَلَا لسَبَب شدَّة الْحَرَارَة مِمَّا تحجر تحجراً غير قَابلا للتفتت وَيدل على قُوَّة الدافعة وَهَذَا حكم أكثري غير ضَرُورِيّ وَاعْلَم أَنه قَلما يعرض للجواري ووالنساء خَاصَّة فِي المثانة لِأَن مجْرى مثانتهن إِلَى خَارج أقصر وأوسع وَأَقل تعاريج وللقصر فِي سهولة الاندفاع فِيهِ مَا لَيْسَ للطول وَمن أَصْحَاب الْحَصَا من تكون لَهُ نَوَائِب لتولد حصانه وبوله إِيَّاهَا وَإِذا اجْتمعت وكادت تخرج بالبول يُصِيبهُ كالقولنج والمدد فِي ذَلِك مُخْتَلفَة مابين شهر إِلَى سنة وَمن اعْتَادَ مقاساة الْحَصَاة الْعَظِيمَة استخف بأوجاع أُخْرَى من أوجاع المثانة وَدلّ ذَلِك على أَن عضوه غير قَابلا للتورم سَرِيعا إِذا لم يتورّم بِمثل ذَلِك وَلَا للوجع المبرح إِذا احْتمل وجع الْحَصَاة فصل فِي عَلَامَات حَصَاة الْكُلية أول العلامات فِي الْبَوْل هُوَ أَنه إِذا كَانَ الْبَوْل فِي الأول غليظًا ثمَّ أَخذ يَسْتَحِيل إِلَى اِلرقة ويرق لاحتباس الكدورة فِي الْكُلية فاحدس تولدها على أَنه رُبمَا بَال فِي أول الْأَمر رَقِيقا. وَكَونه فِي أول الْأَمر غليظاً أدل على صِحَة الْقُوَّة وسعة المجاري وَرُبمَا كَانَ مَعَه رسوب كثير يشبه الرسوب الَّذِي يكون فِي أمرض الكبد العليلة وَكلما كَانَ الْبَوْل أَشد صفاء وأدوم صفاء وَأَقل رسوباً دلّ على أَن الْحِجَارَة أَصْلَب. قيل أَن الصَّحِيح - خُصُوصا الشَّيْخ - إِذا بَال بولاً أسود بوجع أَو بِغَيْر وجع(2/688)
أنذر بحصاة تتولد فِي مثانته. وَيتم الِاسْتِدْلَال فِي جَمِيع ذَلِك إِن رَأَيْت رملاً يرسب وَكَانَ ذَلِك الرمل إِلَى الْحمرَة والصفرة. وَيُقَوِّي ذَلِك إِن يجد ثفلاً فِي قطنه ووجعاً كَأَنَّهُ احتباس شَيْء إِذا تحرّك عَلَيْهِ نخس مَا يَلِي الْقطن وَهُوَ أدل على قُوَّة الْقُوَّة وسعة المجاري. وَأَشد مَا يكون من الوجع بِسَبَب حَصَاة الْكُلية عِنْد أول التولد بِمَا يمزق ليتَمَكَّن وَعند الْحَرَكَة والمرور فِي المجاري وخصوصاً فِي المجرى إِلَى المثانة وَقد يوجع عِنْدَمَا يَتَحَرَّك عَلَيْهِ. وَأما فِي حَال انْعِقَاده وسكونه وَسُكُون صَاحبه على غير امتلاء شَدِيد ضاغط محرك للحصاة فيوجد إحساس ثقل فَقَط. والامتلاء من الطَّعَام يَجْعَلهَا أَشد تهييجاً للأوجاع وخصوصاً إِذا نزل وَإِمَّا عَلَامَات حَرَكَة الْحَصَاة فَهِيَ تسهل وجع واشتداده ونزوله من الْقطن إِلَى الأربية والحالب وَحِينَئِذٍ تكون الْحَصَاة قد وافت البربخ فَإِذا سكن ذَلِك الوجع فقد حصلت فِي المثانة. فصل فِي المعالجات لنذكر هَهُنَا المعالجات الَّتِي تكون للكلية خَاصَّة والمشتركة بهَا مَعَ حَصَاة المثانة ثمَّ نفزد بحصاة المثانة بَابا مُنْفَردا وعلاجات مُفْردَة خَاصَّة. والأعراض الَّتِي تقصدها الْأَطِبَّاء فِي علاج الْحَصَاة قطع مادتها وَمنع تولدها بِقطع السَّبَب وإصلاحه ثمَّ تفتيتها وَكسرهَا وإزعاجها وإبانتها من متعلّقها بالأدوية الَّتِي تفعل ذَلِك ثمَّ إخْرَاجهَا والتلطف فِيهِ وترتيبه. وَذَلِكَ يتم بالأدوية المدرة أَو بمعونات من خَارج ثمَّ تَدْبِير تسكين مَا يتبع ذَلِك من الأوجاع وَإِصْلَاح مَا يعرض مَعهَا من القروح. وَقد يتَصَدَّى قوم لإخراجها من الشق من الخاصرة وَمن الظّهْر وَهُوَ خطر عَظِيم وَفعل من لَا عقل لَهُ. فَأَما قطع مادتها فَإِنَّمَا يتهيأ أَولا بالآستفراغ لَهَا أَو بالإسهال أَو بالقيء ثمَّ بالحمية عَن الأغذية الغليظة والمياه الكدرة ثمَّ تَعْدِيل الْمَأْكُول وتقوية الْمعدة وإجادة الهضم وبالرياضة المعتدلة على الخواء والتدلك مشدود الْوسط وبتليين الطبيعة لتميل الأخلاط الغليظة إِلَى جَانب الثفل وَلَا يكون من الثفل مزاحمة للكلية وسد وَمِمَّا ينفع من ذَلِك إدامة الإدرار بِمَا يغسل المثانة من البزور المدرة. وَمِمَّا هُوَ جيد فِي ذَلِك مَاء الحمص وَمَاء الحرشف وَمَاء ورق الفجل والفجل نَفسه خُصُوصا الدَّقِيق الرطب. وَإِذا أَتَى عَلَيْهِ عدَّة أَيَّام اسْتعْمل مدراً قَوِيا. وَأما الصّبيان فقد يمْنَع تولد الْحَصَاة فيهم سقيهم الشَّرَاب الرَّقِيق الْأَبْيَض الممزوج وَقد يَنْتَفِعُونَ بالحقن المعتدلة لما يخرج من الثفل ويلين الطبيعة وَبِمَا يَجْعَل فِيهَا من الْأَدْوِيَة الخصوية فتوصل الْقُوَّة عَن قريب وَمن الْمَوَانِع لتولدها الْقَيْء على الطَّعَام والاستكثار مِنْهُ فَإِنَّهُ يدْفع الفضول الغليظة من طَرِيق مضاد لطريق حركتها إِلَى الْكُلية وَيجْعَل جَانب الْكُلية جانباً نقياً وَالْحمام والابزن رُبمَا توصل بِهِ إِلَى إزلاقها وَرُبمَا جذب الْموَاد إِلَى ظَاهر الْبدن وصرفها عَن الْكُلية. وَإِذا استكثر مِنْهُ أرْخى قُوَّة الْكُلية وَكَذَلِكَ إِذا اسْتعْمل فِي غير وَقت الْحَاجة إِلَى تليين وتسكين وجع فَإِنَّهُ يَجْعَل الْكُلية قَابِلَة للمواد المنصبة إِلَيْهَا لاسترخائها. وَالنَّوْم على الظّهْر مِمَّا ينفع من الْحَصَاة.(2/689)
فصل فِي الأدورية المفتتة وَأما الْأَدْوِيَة المفتتة لَهَا فَهِيَ أَكثر الْأَدْوِيَة الْمرة الَّتِي لَيست شَدِيدَة الْحَرَارَة جدا فتزيد فِي السَّبَب. وَكلما كَانَ تقطيعها أَشد وحرارتها أقل فَهِيَ أفضل. وَيجب أَن تكون المثانة أَشد حرا من الْكُلية. وَهَهُنَا جنس أدوية آخرى لَا ينْسب فعلهَا إِلَى حر وَبرد بل إِنَّمَا تفعل مَا تَفْعَلهُ بالخاصية. والأدوية المفتتة مِنْهَا مَا لَيست بِتِلْكَ المفرطة فِي الْقُوَّة وطبعها أَن تفتت الْحَصَاة الصَّغِيرَة الَّتِي لَيست بشديده. وَمِنْهَا مَا هِيَ شَدِيدَة الْقُوَّة بِحَسب حَصَاة الْكُلية إِلَّا أَنَّهَا قَليلَة الْقُوَّة بِحَسب حَصَاة المثانة أَو لَا قُوَّة لَهَا فِيهَا مثل الْحجر الْيَهُودِيّ وَمِنْهَا مَا هِيَ قَوِيَّة بِحَسب الْكُلية وَقد تفعل فِي حَصَاة المثانة وَمِنْهَا مَا قوتها شَدِيدَة فِي الحصاتين جَمِيعًا مثل العصفور الْمُسَمّى أطراغوليدوس وَمثل رماد العقارب. وَإِذا ركب من الْأَدْوِيَة الحصوية أدوية فَيجب أَن تقرن بهَا ضروب من الْأَدْوِيَة تكون مُعينَة لَهَا على فعلهَا. مِنْهَا أدوية قَوِيَّة الإدرار وتّخرج الْبَوْل الغليظ ليخرج مَا انقلع من الْحَصَاة ويفتت. وَمِنْهَا أوية فِيهَا تفتير مَا لحركه الأدويه الآخرى وتلبيث لتعمل بلبثها كَمَال عَملهَا. وَهَذِه هِيَ أدوية غير سريعة النّفُوذ لدسومه فِيهَا ولزوجة وَهِي مَعَ ذَلِك منضجة مثل صمغ البسفايج وَمِنْهَا أدوية سريعة النقوذ والتنقية مثل الفلفل وَغَيره وأدوية تقَوِّي الْعُضْو عِنْد اخْتِلَاف التأثيرات فِيهِ والحركات عَلَيْهِ وَهِي الْأَدْوِيَة الفادزهرية وَمثل السنبل والسليخة وَغَيرهَا وَمِنْهَا أدوية فِيهَا قبض لطيف مثل ربوب الْفَوَاكِه تحفظ قُوَّة الْعُضْو وَرُبمَا خلط بِهِ. الْأَدْوِيَة مسكنة للأوجاع بخاصية أَو تخدير. فَإِذا ركّبنا الدَّوَاء على هَذِه الصُّورَة تصرقت الْقُوَّة الطبيعية فاستعملت الحصوية عِنْد الْحَصَاة وعطلت المدرة والمبذرقة عِنْد موافانها بالأدوية الْحَصَاة ّ بعد اسْتِعْمَالهَا تِلْكَ المدرة لتوصل الحصوية إِلَى مَكَان الْحَصَاة وَحِينَئِذٍ يسْتَعْمل المريثة والملينة هُنَاكَ لتزيث دَوَاء الْحَصَاة وتلبثه فيفعل فعله وَلَا تحركه المنفذة والمدرة عَن لموْضِع الَّذِي يحْتَاج أَن يقف فِيهِ زَمَانا ليفعل فعله بِمَا عطلته الْقُوَّة المستعملة وَتَكون قبل ذَلِك قد اسْتعْملت تِلْكَ المنففة لتستعجل بالحصوية إِلَى الْحَصَاة قبل أَن تنفعل عَن الطييعة انفعالاً يوهن الْقُوَّة الَّتِي تفعل فِي الْحَصَاة. وَإِذا اسْتعْملت المفتتة والمزعجة عطلت فعلهَا عطلت الْأَدْوِيَة االمريثة وأعملت المدرة والمتفتتة. وَإِذا اشْتَدَّ الوجع اسْتعْملت المخدرة على مَا هُوَ القانون الْمَعْرُوف فِي تركيب الْأَدْوِيَة وَرُبمَا اجْتمع فِي دَوَاء وَاحِد مُفْرد كثير من هَذِه الْخِصَال. ولنعد الْآن الْأَدْوِيَة المفتتة للحصاة المخرجة لَهَا وَهِي مثل أصل الْقسْط وأصل العليق والمقل وأصل الرّطبَة وقشور أصل الدهمشت والحمص الْأسود وخصوصاً مَاؤُهُ وبزر الخطمي وَثَمَرَة القراسيا وصمغ الزعرور وَفِي الزعرور قُوَّة من ذَلِك والحسك وَأَصله جيد لذَلِك وأصل الْحِنَّاء والعنصل وخله وسكنجينه والكرفس الْجبلي والفوذنج والأفسنتين والسليخة وأصل الْخِيَار الْبري وعود البلسان وحبه ودهنه وَأَصله قوي جدا وبزر الْخِيَار الْبري والحرشف(2/690)
وَمَاء أَصله واسقولوقندريون وبرشاوشان دِرْهَمَيْنِ فِي مَاء الفجل والكرفس وأصل الثيل وبزر الشاذنج وعصا الرَّاعِي وخصوصاً الرُّومِي وكمون بري وأصل بنطافلن وماؤه وكمافيطوس والجعدة وأصل الهليون وبزر السعد الْمصْرِيّ وقشور أصل الْغَار وبزر الفجل والآسقرديون وأطراف الفاشرا والسذاب الْبري. وَأَيْضًا البورق الأرمني وَيُؤْخَذ مِنْهُ خَمْسَة دَرَاهِم ويعجن بِعَسَل ويسقى فِي مَاء الفجل ثَلَاثَة أَيَّام وَأَيْضًا شواصرا مِثْقَال بِمَاء فاتر. وَذكر بَعضهم أَنه إِذا أَخذ سبعين فلفلة وأنعم سحقها وَاتخذ مِنْهَا سَبْعَة أَقْرَاص ويسقى كل يَوْم قرصة يَبُول الْحَصَاة. وَفِي الفستق قُوَّة تفتّت بهَا حَصَاة الْكُلية. وَمن القوية بِحَسب الْكُلية الْحجر الْيَهُودِيّ والمشكطرا مشبيع وكمافيطوس. وَمن القوية مُطلقًا رماد العقارب ودهن العقارب وَهُوَ زَيْت شمست فِيهِ العقارب طلاء وزرقاً بالمزرقة فِي حَصَاة المثانة. وَأما رماد العقارب فأجود تَدْبيره أَن تطين قَارُورَة ثخينة بطين الْحِكْمَة ثمَّ يَجْعَل فِيهَا العقارب وتترك فِي تنور حَار لَيْلَة - أَو أقل من غير مُبَالغَة فِي الإحراق وترفع من الْغَد. والزجاج خير من الخزف الناشف الْآخِذ للقوة ورماد الأرنب الْمَذْبُوح على هَذِه الصّفة هُوَ قوي والشربة وزن دِرْهَمَيْنِ. وماؤه شَدِيد الْحل. وَفِي الزاغة الْمَأْخُوذ عَنْهَا رَأسهَا وأطرافها المجفف خبثها فِي الشَّمْس فِي إِنَاء نُحَاس. وَأَيْضًا الخراطين المجففة وَأَيْضًا الزّجاج المهيأ بالسحق وَأَيْضًا رماد الزّجاج. وأجود ذَلِك أَن يحمى على مغرفة من حَدِيد مغربلة ثمَّ يوضع على مَاء الباقلا فينثر فِيهِ مَا تكلس مِنْهُ ويعاد إحماء الْبَاقِي حَتَّى ينْدر كُله ثمَّ يسحق الذرور كالهباء. وَقد يسقى مِنْهُ مِثْقَال فِي إثني عشر مِثْقَالا من مَاء حَار. وأجود الزّجاج الْأَبْيَض الصافي. وَمِمَّا هُوَ قوي جدا الْحِجَارَة الَّتِي تُوجد فِي الآسفنج وأيضاَ دم التيس المجفف. وأجود مَا يُؤْخَذ فِي الْوَقْت الَّذِي يبتدىء فِيهِ الْعِنَب بالتلون فاطلب قدرا جَدِيدَة وأغل فِيهَا حَتَّى يذهب مَا فِيهَا من طبيعة الترمد. والملوحة. وَإِن كَانَ براماً فَهُوَ أَجود ثمَّ اذْبَحْ التيس الَّذِي لَهُ أَربع سِنِين على تِلْكَ الْقدر ودع أول دَمه وَآخره يسيل وَخذ الْأَوْسَط مِنْهُ فَقَط ثمَّ اتركه حَتَّى يجمد ثمَّ اقطعه أَجزَاء صغَارًا وَاتخذ مِنْهُ أقراصاً وَاجْعَلْهَا على شبكة أَو خرقَة نقية وانشرها للشمس تَحت السَّمَاء وَرَاء حريرة واقية للغبار فتتركها حَتَّى يشْتَد جوفها فِي مَوضِع لَا يصل إِلَيْهَا نداوة الْبَتَّةَ واحفظ القرص. وَإِذا أردْت أَن تسقيها سقيت مِنْهَا ملعقة فِي شراب حُلْو فِي وَقت سُكُون الوجع أَو فِي مَاء الكرفس الْجبلي فترى أمرأَ عجيباً. وَمِمَّا هُوَ قوي رماد بيض الدَّجَاج بعد انفتاحه عَن الفرخ. وَمِمَّا هُوَ شديدالقوة وَأفضل من الْجَمِيع العصفور الْمُسَمّى باليونانية أطراغوليدويطوس وَهُوَ عُصْفُور من جنس الصعو أَصْغَر من جَمِيع العصافير خلا العصفور الملكي ولون بدنه بَين الرَّمَادِي والأصفر والأخضر وعَلى جناحيه ريشات ذهبية وعَلى بدنه نقط بيض وَأكْثر ظُهُوره فى الشتَاء وَفِي السباخ وَعند الْحِيطَان وَلَا شأو لطيرانه بل يطير قَلِيلا وَيَقَع ويصفر صفيراً دَائِما ويحرك الذَّنب وَهُوَ يُؤْكَل نيئاً كَمَا هُوَ وَذَلِكَ أفضل. ويؤكل مطبوخاً ومشوياً ويملح ويقدد وَقد يحرق كَمَا هُوَ إِمَّا فِي تنور لَيْسَ بذلك الْحَار بِقدر مَا لَا يستولي عَلَيْهِ الإحراق الْمُعَطل للقوة وَيكون فِي زجاجة على الصّفة الْمَذْكُورَة للعقرب وَغَيره. وَرُبمَا أحرق فِي قديرة من برام أَو برنيه ويشد رَأسهَا فَإِذا جَاوز حد التَّسْوِيَة إِلَى احتراق مَا أَخذ.(2/691)