(الْمقَالة السَّادِسَة)
(الوجبة والخرق وجراحات العصب) قَالَ: أنزل أَن إنْسَانا أَصَابَته وجبة لم تخرق الْجلد وَجلده بإبرة أَو إشفي أَقُول: أَن هَذَا الرجل إِن كَانَ تَبرأ قروحه وتلتحم سَرِيعا فَإِنَّهُ إِن لم يوضع على هَذِه الوجبة شَيْء لم يندهه مِنْهَا سوء وَإِن كَانَ مِمَّن لَحْمه رَدِيء وَهُوَ الَّذِي لَا يبرأ قروحه إِلَّا بعسر فَأول شَيْء يُصِيبهُ أَن الْعُضْو الَّذِي وَقعت بِهِ الوجبة يوجعه ثمَّ يحدث فِيهِ بعد ذَلِك ضَرْبَان وورم.
وَالْعلَّة فِي طيب اللَّحْم بطء حس الْبدن وَقلة امتلاء الْبدن وجودة الأخلاط. وبالضد قد كَانَ لم يحس وتملؤ الْبدن ورداءة الأخلاط. فَإِن مَا كَانَ من الْأَبدَان فِيهِ هَذِه الْخلال أَو بَعْضهَا فَهُوَ مَتى أَصَابَته وجأة يثقب الْجلد فَلَا بُد أَن يحدث لَهُ ورم وَإِذا علمنَا هَذَا نَحن بِهِ لم تضع على الوجأة مَا يلحم كَمَا يوضع على الْجِرَاحَات الطرية لَكِن تضع عَلَيْهِ بعض الْأَشْيَاء المسكنة عَن أَن يوجع ويؤلم وَذَلِكَ أَنه مَتى حدث فِي الْبدن جرح عَظِيم الْخرق فَيَنْبَغِي أَن تخرص الْجلد كُله عَن أَن تداويه بأدوية مَعهَا فضل يبس وَجمع شفتي الْخرق ليلتحم ويندمل فَأَما مَتى حدث فِي الْبدن ثقب ألف د بِرَأْس إبرة أَو نَحْوهَا فمما يَنْبَغِي أَن يعْنى بِهِ بِوَاحِدَة وَهُوَ أَن لَا يدام الْموضع.(4/102)
3 - (فِي جراحات العصب والعضل وَالْوتر والربط ووضعها) قَالَ: أصَاب رجلا وجأة بحديدة دقيقة الرَّأْس فجرحت الْجلد ووصلت إِلَى بعض عصب يَده فَوضع علها طَبِيب مرهماً ملحماً قد جربه فِي إلحام الْجِرَاحَات الْعَظِيمَة فِي اللَّحْم فورم الْموضع فَلَمَّا ورم وضع عَلَيْهِ أدوية مرخية كضماد دَقِيق الْحِنْطَة وَالْمَاء وَالزَّيْت فعفنت يَد الرجل وَمَات.
قَالَ: فَأَما نَحن فَلم تصب أحدا مِمَّن أَصَابَته وجأة فِي عصبه فبادر فتداوى بالأدوية الَّتِي استخرجناها نَحن لجراحات العصب تشنج وَذَلِكَ أَنِّي بنيت فِي علاجها على أَمر قد فهمته وَهُوَ أَنه إِذا أصَاب العصب نخسة فَلَا بُد ضَرُورَة لفضل حسه أَن يَنَالهُ وجع شَدِيد أَكثر مِمَّا ينَال سَائِر الْأَعْضَاء لفضل حسه وَأَنه لَا بُد أَن يرم إِن لم يحتل فِي تسكين الوجع وَمنع حُدُوث الورم وَلذَلِك رَأَيْت أَن الصَّوَاب فِي أَن استنقي وأشقه خوف الالتحام ليخرج مِنْهُ مَا يرشح من مَوضِع)
النخسة من الصديد وَأَنا أبادر فأنقي الْبدن من الفضول وأجهد الْجهد كُله أَن لَا يحدث فِي الْعُضْو الَّذِي وَقعت بِهِ الوجأة وجع وَلذَلِك اجتلب أدوية غرضي فِيهَا تسكين الوجع وتفتح الطَّرِيق الَّذِي يجْرِي فِيهِ الصديد.
وأحزم الْأُمُور فِي هَذَا الْموضع أَن يُزَاد فِي خرق الْجلد ويوسع مَوضِع الْجرْح ويستفرغ جملَة الْبدن بالفصد إِن كَانَ فِي الْقُوَّة محمل. وَإِن كَانَ الْبدن رَدِيء الأخلاط فلينق بدواء مسهل فبادر فِيهِ فِي أول الْأَمر فَأَما المَاء الْحَار فَإِنَّهُ على أَنه مسكن لوجع سَائِر الأورام غَايَة التسكين فَيَنْبَغِي لَك أَن تعلم أَنه من أضرّ الْأَشْيَاء لجراحات ألف د العصب وَذَلِكَ لِأَن جَوْهَر العصب مَادَّة رطبَة تجمدها الْبُرُودَة وَجَمِيع الْأَشْيَاء الَّتِي لكَونهَا كَذَلِك تعفن وتنحل من الْأَشْيَاء الحارة الرّطبَة تبعا وَهَذَا لم أزل أمنع من إِصَابَته هَذِه الْعلَّة من المَاء الْحَار وَلَا أَدَعهُ يقربهُ الْبَتَّةَ وَرَأَيْت أَن النطول إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يكون بِزَيْت حَار لِأَن الزَّيْت إِذا كَانَ بَارِدًا تشبث الْبدن وسد مسامه وَمَتى أدنى إِلَيْهِ وَهُوَ حَار حلل مِنْهُ واخترت من الزَّيْت اللَّطِيف غَايَة اللطف واجتنبت زَيْت الْإِنْفَاق المعصور من الزَّيْتُون الْفَج لِأَن مَعَه قبضا وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنِّي أكره كل زَيْت قَابض هَهُنَا واخترت مِنْهُ مَا يكون قد أَتَت عَلَيْهِ سنتَانِ أَو ثَلَاث لِأَن هَذَا يحلل تحليلاً كثيرا وَلَا يبلغ بِهِ الْأَمر إِلَى أَن يخرج عَن أَن يكون مسكنا للوجع فَأَما مَا كَانَ أعتق من هَذَا فَإِنَّهُ يحلل أَكثر ويبلغ إِلَى أَنه يصير أقل تسكيناً للوجع.
وَأما الْأَدْوِيَة فقصدت مِنْهَا إِلَى أَن يكون معتدلة الْحَرَارَة لَطِيفَة الْأَجْزَاء تجفف تجفيفاً لَا(4/103)
أَذَى مَعَه فَإِن الْأَدْوِيَة الَّتِي حَالهَا هَذِه الْحَال هِيَ وَحدهَا دون سَائِر الْأَدْوِيَة تقدر على اجتذاب الصديد عَن عمق الْبدن من غير أَن تثور وتهيج وتلذع الْعُضْو الَّذِي يعالج بهَا وَلِهَذَا جعلت أول شَيْء استعملته من الْأَدْوِيَة علك البطم وَاسْتَعْملهُ وَحده وَمَعَ شَيْء يسير من الفربيون أما وَحده فَفِي أبدان النِّسَاء وَالصبيان والأبدان الناعمة وَأما مَعَ فربيون فِي الْأَبدَان الجافة الصلبة اللَّحْم وَكَذَلِكَ اسْتعْملت وسخ الكور وَحده أَيْضا وَمَعَ فربيون وَإِذا تهَيَّأ أَن يكون الْوَسخ صلباً عجنته بِبَعْض أَنْوَاع الزَّيْت اللطيفة وَأما الْأَبدَان الْكَثِيرَة الصلابة فاستعملت فِيهَا السكبينج مَعَ الزَّيْت مرّة وَمرَّة خلطته مَعَ علك البطم وعَلى هَذَا الْمِثَال اسْتعْملت الجاوشير وَأرى ألف د أَن الحلتيت نَافِع أَن اتخذ مِنْهُ دَوَاء لازق على مِثَال مَا اتخذنا نَحن الدَّوَاء الَّذِي يَقع فِيهِ فربيون إِلَّا أَن الحلتيت دَوَاء لم امتحنه بعد بالتجربة لكنه دَاخل فِي جملَة الطَّرِيق الَّذِي بِهِ استخرجت الْأَدْوِيَة الَّتِي قد)
امتحنها وَالْقِيَاس سائق فِي اسْتِخْرَاج هَذِه ثمَّ تحقق التجربة ذَلِك فِي ذَلِك وَبِهَذَا الطَّرِيق ظَنَنْت بالكبريت الَّذِي هُوَ لم تصبه نَار أَنه فِي غَايَة لطافة الْأَجْزَاء فَهُوَ نَافِع فِي جراحات الأعصاب فخلطت مَعَه من الزَّيْت مِقْدَار مَا صَار بِهِ فِي ثمن وسخ الْحمام وعالجت بِهِ.
وَإِن أَنْت عَالَجت بِهَذَا الدَّوَاء بدناً لَهُ فضل صلابة فَجَعَلته بالزيت فِي ثخن الْعَسَل نفعته بذلك وَقد امتحنت ذَلِك فَوَجَدته نَافِعًا وَقد خلطت النورة المغسولة بِزَيْت وأداويها بِهِ وأنفع مَا تكون النورة إِذا غسلت بِمَاء الْبَحْر فِي عنفوان الْحَرَارَة فِي الشَّمْس وَإِن غسلتها غسلات جَعلتهَا قَالَ: وَقد لزم النَّاس الْيَوْم اسْتِعْمَال الدَّوَاء الَّذِي ألفته أَنا من جُزْء شمع وَنصف جُزْء علك البطم وَنصف جُزْء زفت وَرُبمَا جعلت مقدارهما أَكثر من الشمع وَمن الفربيون نصف سدس الشمع أدقه وأنخله وأجمعه مَعَ الْأَدْوِيَة وَهِي ذائبة وتأليف هَذَا الدَّوَاء فِي قاطاجانس بِأَحْكَام قَالَ: وَجُمْلَة أَن المداواة العصب الَّذِي تصيبه وجأة أَو نخسة أَو ينْتَقض اتصالها بِضَرْب آخر أَي الضروب كَانَ وَيكون بأدوية تحدث حرارة فاترة وتجفيفاً غَايَة التجفيف وَيكون جوهرها جوهراً جاذباً لطيف الْأَجْزَاء وَيَنْبَغِي أَن يكون عَالما بِوُجُوه المداواة.
من ذَلِك أَن رجلا وضع دَوَاء الفربيون على وجأة فِي العصب سَاعَة وَقعت وَكَانَ جربه مَرَّات فأنجح فِي جراحات ألف د العصب فَأرَانِي الْعُضْو فِي الثَّالِث وَقد ورم فَسَأَلت أَنا الْمَرِيض: هَل وجدت فِي أول يَوْم وضع الدَّوَاء عَلَيْهِ فِي ذَلِك شبه حرارة شمس فاترة فَذكر أَنه لم يجد شَيْئا من ذَلِك فَسَأَلت الطَّبِيب فَذكر عمل الدَّوَاء وَذكر أَن عمله مُنْذُ سنة وَسَأَلته عَمَّن عالجهم بِهِ فَقَالَ: غلامان وفتى وَسَأَلته عَن حَال أبدانهم فَقَالَ: كَانَت بيضًا رخصَة فَعلمت أَن الفربيون كَانَ نَاقِصا عَن مِقْدَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ مزاج هَذَا العليل فَأَمَرته أَن يَجِيء(4/104)
بِشَيْء من هَذَا الدَّوَاء وَشَيْء من فربيون مِقْدَار مَا ظَنَنْت أَنه يَكْفِي فسحقته غَايَة السحق وخلطته بِهِ ثمَّ أخذت من الزَّيْت اللَّطِيف فسخنته تسخيناً معتدلاً وعرقت بِهِ الْعُضْو العليل ووسعت فَم الْجرْح قَلِيلا لِأَنَّهُ كَانَ ضيقا وَوضعت الدَّوَاء عَلَيْهِ وَأمرت العليل بالإمساك عَن الطَّعَام وَأمرت الطَّبِيب أَن يحله بالعشى وَيُعِيد العلاج فَأصْبح العليل وَقد سكن وَجَعه وتبدد ورمه.
فَإِن كَانَ لم تصب العصب نخسة فَقَط لَكِن انخرق خرقاً بَينا فَانْظُر إِلَى الْخرق إِذا ثقب فِي طول الْعصبَة أَو فِي عرضهَا وَكم مِقْدَار مَا انخرق من الْجلد الَّذِي يعلوها فَانْزِل أَن الْجلد قد)
انخرق كثيرا حَتَّى تكون الْعصبَة مكشوفة وَيكون خرقها بالطول أَقُول: أَنه لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يقرب هَذَا الْجرْح شَيْء من الْأَدْوِيَة الَّتِي ذكرت مِمَّا يتَّخذ بالفربيون وَأَمْثَاله من الْأَدْوِيَة الحارة وَذَلِكَ لِأَن الْعصبَة بِسَبَب أَنَّهَا مكشوفة لَا تحْتَمل قُوَّة هَذِه الْأَدْوِيَة كَمَا كَانَت تحتملها عِنْد مَا كَانَ بَينهَا وَبَينهَا الْجلد وَلِهَذَا صَار الأجود فِي هَذَا الْموضع أَن تعجن نورة مغسولة بِزَيْت كثير وتعالجها بِهِ.
والدواء الْمُتَّخذ ألف د بالتوتياء جيد فِي هَذَا الْموضع إِذا ديف بدهن لم يخالطه ملح لِأَن جملَة غرضك فِي مداواة العصب المكشوف يَنْبَغِي أَن يكون تجفيفها بِلَا لذع وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تغسل النورة مَرَّات بِمَاء عذب فِي وَقت وَاحِد ولتغسل التوتياء أَيْضا وَذَلِكَ أَن الْأَدْوِيَة المعدنية كلهَا إِذا أُرِيد مِنْهَا أَن تجفف بِلَا لذع فَيَنْبَغِي أَن تغسل كلهَا وَجَمِيع مَا يدْخل فِي مداواة العصب من الْعِلَل وَغَيره فليغسل وَإِن كَانَ العليل قَوِيا وَكَانَ بدنه نقياً من الفضول فقد يمكنك أَن تداويه بِبَعْض الْأَدْوِيَة الَّتِي مَعهَا فضل قُوَّة لي يَعْنِي فِي التجفيف كَمَا فعلت أَنا فِي بعض الْأَوْقَات بشاب كَانَ أَصَابَهُ حرق فِي زنده وَكَانَ فِي بدنه وَسَائِر حالاته جيد البنية إِلَّا أَنه كَانَ قد أحرقت الشَّمْس بدنه فَأخذت شَيْئا من أَقْرَاص بولوانداس فدفته بعقيد الْعِنَب وسخنته على رماد حَار وغمست فِيهِ فَتِيلَة ووضعتها فِي الْجرْح فَإِن هَذَا من أهم الْأُمُور أَن يكون لَا يقرب مَوضِع الحرق من العصب وَلَا يلقاه شَيْء بَارِد لِأَن العصب شَدِيد الْحس وَهُوَ مَعَ هَذَا مُتَّصِل بالدماغ ومزاج العصب بَارِد وَالْبرد يُؤثر فِيهِ سَرِيعا ويوصل مَا يَنَالهُ إِلَى الدِّمَاغ فَإِن تهَيَّأ مَعَ هَذَا أَن تكون الْعصبَة وَاحِدَة من العصب الَّتِي تتصل بالعضل فَإِنَّهُ ستحدث تشنجاً فِي أسْرع الْأَوْقَات وَلما وضعت هَذَا الدَّوَاء فِي خرق الْعصبَة وَوَضَعته أَيْضا على مَوَاضِع كَثِيرَة من فَوْقه جعلت أعرق جَمِيع مَوَاضِع الإبطين والرقبة وَالرَّأْس بِزَيْت حَار تعريقاً متواتراً وأخرجت لَهُ أَيْضا دَمًا من عرق فصدته لَهُ فِي الْيَوْم الأول فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِع حسنت حَال الْفَتى وضمرت قُرْحَته وانقبضت وَرَأَيْت أَن لَا أَحْدَاث فِيهَا حَدثا إِلَى السَّابِع فبرأ فِي السَّابِع برءاً ألف د تَاما.
وَمَا كَانَ من القروح على هَذِه الْحَال فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يصب عَلَيْهَا زَيْت وَلَا سِيمَا مَتى عولجت بِمثل هَذَا العلاج الَّذِي وَصفته هَهُنَا لِأَن الزَّيْت مضاد لقُوَّة هَذَا الْعرض الَّذِي ذكرته وَهُوَ مَعَ هَذَا يوسخ القرحة ويوضرها.(4/105)
وَذَلِكَ أَن الْأَمر فِي أَن تعالج الْعصبَة بِزَيْت وَهِي مكشوفة وفى أَن تعالج بِهِ وَهِي مغطاة بِالْجلدِ)
لَيْسَ بِأَمْر وَاحِد وَلِهَذَا يَنْبَغِي فِي مثل هَذَا الْموضع أَن تغسل الْعصبَة وتنظف من صديدها بِأَن تنشفها أَولا بصوفة ملفوفة على طرف ميل وَأَن اجْتنب بعد ذَلِك أَن تبل الصوفة بِبَعْض الْأَشْيَاء الرّطبَة كَيْلا تلقى القرحة وَهِي يابسة فحسبك أَن تبلها بعقيد الْعِنَب تغمها فِيهِ وتعصرها فَإِن لم يتهيأ فبشراب حُلْو فِي غَايَة الْبعد أَن تلذع لَا حِدة لَهُ.
فَأَما إِذا صَارَت القرحة إِلَى حد الِانْدِمَال فأنواع الشَّرَاب الصَّادِق الْبيَاض والرقة الْقَلِيل الِاحْتِمَال للْمَاء العديم الرَّائِحَة أفضل أَنْوَاع الشَّرَاب.
فَأَما اسْتِعْمَال المَاء فاهرب مِنْهُ وجنبه دَائِما فِي علاج العصب. وَإِذا أَصَابَته وجأة حرق فَيجب الضماد المرخى.
قَالَ: والدواء الْمُتَّخذ بالقلقطار يقرب فعله من فعل الأقراص الَّتِي ذكرتها فدفه فِي الصَّيف بدهن ورد وَفِي الشتَاء بِزَيْت لطيف وأقراص اندرون وأقراص فراسيون أَيْضا استعملها. لي هَذِه الْأَدْوِيَة تسْتَعْمل إِذا كَانَ العصب مكشوفاً فِي الْجراحَة الَّتِي تقطع العصب عرضا.
قَالَ: فَأَما الْجِرَاحَات الَّتِي تقطع العصب عرضا فَإِنَّهَا أَشد خطراً وَأقرب من أَن يُصِيب صَاحبهَا تشنج وَذَلِكَ لِأَن الورم يصل من الشظايا المقطوعة ألف د الَّتِي لم يَنْقَطِع مِنْهَا وعلاج القرحة فِي هَذَا الْموضع أَيْضا هُوَ ذَلِك العلاج بِعَيْنِه إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يخرج لصَاحِبهَا الدَّم بِلَا زحمة أَكثر مِمَّا يخرج لغيره وَيُدبر تدبيراً ألطف مِمَّا يدبر بِهِ غَيره ويحفظ على غَايَة الهدوء والسكون وينوم على فرَاش وطئ لين وتعرق إبطاه ورقبته بِزَيْت حَار كثير.
فَإِن كَانَت الْعصبَة المقطوعة فِي الرجل فَكَمَا إِنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْيَد فَيَنْبَغِي أَن تعرق الإبطان بالزيت كَذَلِك يَنْبَغِي إِذا كَانَت فِي الرجل تعرق الجنبين بِزَيْت كثير ويمرخ عظم الصلب حَتَّى يصير إِلَى الرَّقَبَة وَالرَّأْس.(4/106)
3 - (رض العصب) فَأَما رض العصب فَإِن كَانَ مَعَه قرحَة فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى أدوية تجفف تجفيفاً كثيرا وَتجمع بشد الْأَجْزَاء الَّتِي قد نفرت بِسَبَب الرض فَإِن أصَاب العصب رض من غير أَن يرض مَعَه الْجلد فَيَنْبَغِي أَن تصب عَلَيْهِ زيتاً حاراً من زَيْت قوته محللة صبا متواتراً وأعن فِي جملَة الْبدن بِمَا وَصفنَا وَمَا أعلم أَنِّي رَأَيْت هَذَا إِلَّا مرّة وَاحِدَة وداويته فِي أسْرع الْأَوْقَات بصب الزَّيْت.
وَأما رض العصب مَعَ رض الْجلد فقد رَأَيْته مرَارًا شَتَّى وَأَصْحَاب الرياضة يداوونه بالضماد الْمُتَّخذ من دَقِيق الباقلى وخل وَعسل وَحقا أَن هَذَا دَوَاء جيد.
فَإِن كن الرض وجعاً فَيَنْبَغِي أَن يخلط مَعَه زفت ويطبخ طبخاً جيدا ويضمد بِهِ وَهُوَ حَار فَإِن أردْت أَن يكون أَشد تجفيفاً فاخلطه مَعَ دَقِيق الكرسنة وَإِن أَحْبَبْت أَن تجفف أَكثر فاخلط مَعَه أصل السوسن وَأما الْعِنَايَة بِأَمْر الْبدن كُله فَإِنَّهَا تعم هَذَا وَغَيره.
فَإِن كنت الْعصبَة ... قطعا فَلَيْسَ مِنْهَا خوف الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يكون الْعُضْو الذب كَانَ يَتَحَرَّك بِتِلْكَ الْعصبَة يزمن ومداراة سَار القروح أَيْضا. ألف د لي يَعْنِي غير قُرُوح العصب لِأَنَّهُ لَا يخَاف من هَذَا وجع وَلَا ورم وَلَا غَيره وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يلحم الْجرْح ويدمل الرِّبَاط فَأَما الرباطات فَإِنَّهَا تحمل من المداواة مَا هُوَ أَشد تجفيفاً وَأقوى لِأَنَّهَا لَا تتصل بالدماغ وَلِأَنَّهَا عديمة الْحس فَأَما الأوتار فَلِأَن جوهرها مركب من عصب ورباط صَار قد يحدث بِسَبَبِهَا تشنج من طَرِيق ومشاركتها للعصب وَلِأَن الرباطات المدورة تشبه الأعصاب فِي خلقتها. كثيرا مَا يغلط جهال الْأَطِبَّاء فيلقونها وَهِي أَصْلَب كثيرا من العصب محسا وَيَنْبَغِي أَن تكون عَارِفًا بِنَوْع كل وَاحِد مِنْهُمَا لتقدر أَن تفرق بَينهمَا عِنْد الْحَاجة وَأما الرباطات العريضة فَمن طَرِيق عرضهَا قد يعرفهَا أَكثر الْحَاجة وَأما الرباطات العريضة فَمن طَرِيق عرضهَا قد يعرفهَا أَكثر الْأَطِبَّاء ويجهلها الْبَعْض والعارف بخلقة هَذِه ووصفها يعرف بسهولة هَل الْمَجْرُوح عصبَة أَو رِبَاط أَو وتر.(4/107)
فِي جراحات الرِّبَاط
قَالَ: مَتى أصَاب الرِّبَاط جِرَاحَة تخرقه إِن كَانَ وَاحِد من الرباطات الَّتِي تنْبت من عظم وتتصل بِعظم آخر فَلَيْسَ على صَاحبه مَكْرُوه. وَإِن أَحْبَبْت أَن تداويه بِأَيّ الْأَدْوِيَة شِئْت لم يضرّهُ شَيْء. وَإِن كَانَ من الرباطات الَّتِي تتصل بالعضل فَهُوَ دون العصب وَالْوتر فِي مَا يتخوف مِنْهُ إِلَّا أَنه أَشد خطراً من سَائِر الرباطات(4/108)
(خياطَة الْبَطن فِي الْجراحَة الْوَاقِعَة بالبطن) (وبالمراق والأمعاء) قَالَ: أَن انخرق مراق الْبَطن حَتَّى خرج بعض الْأَعْضَاء فَيَنْبَغِي أَن تعلم كَيفَ تضم المعي وَتدْخل وَإِن خرج شَيْء من الثرب فَيحْتَاج أَن تعلم هَل يَنْبَغِي أَن تقطع أَو لَا وَهل يَنْبَغِي أَن ترْبط برباط وثيق أَو لَا وَهل تخاط الْجراحَة أَو لَا ألف د وَكَيف السَّبِيل فِي خياطته. وَذكر جالينوس تشريح المراق وَذَكَرْنَاهُ نَحن فِي التشريح.
قَالَ: وَلما قد ذكرنَا فِي التشريح فموضع الخاصرتين أقل خطراً إِذا انخرق من مَوضِع البهرة والبهرة وسط الْبَطن والخاصرتان من الْجَانِبَيْنِ بِقدر أَربع أَصَابِع عَن البهرة قَالَ: لِأَن الشق إِذا وَقع فِي مَوضِع البهرة خرجت مِنْهُ الأمعاء أَكثر وردهَا فِيهِ يكون أعْسر. وَذَلِكَ أَن الشَّيْء الَّذِي كَانَ يضبطها إِنَّمَا كَانَ العضلتين المنحدرتين من طول الْبدن اللَّتَيْنِ تنحدران من الصَّدْر إِلَى عظم الْعَانَة. وَلذَلِك مَتى انخرقت وَاحِدَة من هَاتين العضلتين فَلَا بُد أَن يخرج بعض الأمعاء وتنتأ من ذَلِك الْخرق.
وَذَلِكَ لِأَن العضل الَّتِي فِي الخاصرتين تضغطه وَلَا يكون لَهُ فِي الْوسط عضلة قَوِيَّة تضبطه. فَإِن تهَيَّأ أَن تكون الْجراحَة عَظِيمَة خرج عدَّة من الأمعاء فَيكون إدخالها أَشد وأعسر. وَأما الْجِرَاحَات الصغار فَإِن لم تبادر بِإِدْخَال المعي من ساعتها انتفخت وغلظت وَذَلِكَ لما يتَوَلَّد فِيهَا من الرّيح فَلَا تدخل فِي ذَلِك الْخرق. وَلذَلِك أسلم الْجِرَاحَات الْوَاقِعَة بالمراق مَا كَانَ معتدل الْعظم.
قَالَ: وتحتاج هَذِه الْجِرَاحَات إِلَى أَشْيَاء: أَولهَا أَن ترد المعي البارزة إِلَى الْموضع الَّذِي هُوَ لَهَا خَاصَّة. وَالثَّانِي أَن تخاط وَالثَّالِث: أَن يوضع عَلَيْهَا دَوَاء مُوَافق. وَالرَّابِع أَن يجْهد أَن لَا ينَال شَيْئا من الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة من أجل ذَلِك خطر. فَانْزِل أَن الْجراحَة من الصغر بِحَال لَا يُمكنهَا لصغرها أَن تدخل المَاء الْبَارِد وَعند ذَلِك لَا بُد أَن يحلل ذَلِك الرّيح وَأما إِن توسع الْخرق فَإِن الرّيح أَجود أَن قدرت عَلَيْهِ وَالسَّبَب فِي انتفاخ المعي هُوَ برد الْهَوَاء فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تغمس إسفنجة فِي مَاء حَار وتعصرها وتكمد بهَا. وَالشرَاب الْقَابِض إِذا سخن كَانَ أَيْضا نَافِعًا فِي هَذَا الْموضع ألف د وَذَلِكَ أَنه يسخن أَكثر من إسخان المَاء وَيُقَوِّي الأمعاء فَإِن لم يحل هَذَا العلاج انتفاخ الأمعاء فليستعمل لتوسع الْجراحَة أوفق الْآلَات لهَذَا الشق الْآلَة الَّتِي تعرف بمبط)
النواصير. فَأَما سكاكين البط الحادة من الْجِهَتَيْنِ والمحددة الرَّأْس فلتحذر.(4/109)
وَأصْلح الأشكال وَالنّصب للْمَرِيض أَن كَانَت الْجراحَة متجهة إِلَى النَّاحِيَة السُّفْلى فالشكل والنصبة إِلَى فَوق وَإِن كَانَت الْجراحَة متجهة إِلَى فَوق فالشكل والنصبة المتجهة إِلَى أَسْفَل.
وَلَكِن غرضك الَّذِي تقصده فِي الْأَمريْنِ جَمِيعًا أَن لَا تقلع بِسَائِر الأمعاء على المعي الَّتِي برزت فتنقله وَإِذا أَنْت جعلت هَذَا غرضك علمت أَنه إِن كَانَت الْجراحَة فِي الشق الْأَيْمن فَيَنْبَغِي أَن تَأْخُذ الْمَرِيض بالميل إِلَى الشق الْأَيْسَر وَإِن كَانَت فِي الْأَيْسَر أَخَذته بالميل إِلَى الْأَيْمن وَيكون قصدك دَائِما أَن تجْعَل النَّاحِيَة الَّتِي فِيهَا الْجراحَة أرفع من النَّاحِيَة الْأُخْرَى فَإِن هَذَا أَمر يعم جَمِيع هَذِه الْجِرَاحَات.
فَأَما حفظ الأمعاء فِي موَاضعهَا الَّتِي هِيَ لَهَا خَاصَّة بعد أَن ترد إِلَى الْبَطن إِذا كنت الْجِرَاحَات عَظِيمَة فتحتاج إِلَى خَادِم جزل وَذَلِكَ أَنه يَنْبَغِي أَن يسمك مَوضِع الْجراحَة كُله بِيَدِهِ من خَارج فتضمه وتجمعه وَتكشف مِنْهُ شَيْئا بعد شَيْء للمتولي لخياطتها وتعمد إِلَى مَا قد خيط مِنْهَا أَيْضا فتجمعه وتضمه قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى تخيط الْجراحَة كلهَا خياطَة محكمَة وَأَنا واصف لَك أَجود مَا يكون من خياطَة الْبَطن فَأَقُول أَنه لما كَانَ الْأَمر الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ هُوَ أَن تصل مَا بَين الصفاق والمراق قد يَنْبَغِي لَك أَن تبتدئ فَتدخل الإبرة فِي الْجلد من خَارج إِلَى دَاخل وَإِذا نفذت الإبرة فِي الْجلد وَفِي العضلة الذاهبة ألف د على استقامة فِي طول الْبَطن تركب الحافة فِي الصفاق فِي هَذَا الْجَانِب لَا تدخل فِيهِ الإبرة وأنفذت الإبرة فِي حافته الْأُخْرَى من دَاخل إِلَى خَارج من المراق فَإِذا أنفذته فأنفذها ثَانِيَة فِي هَذِه الحافة نَفسهَا فِي المراق أَو من خَارج إِلَى دَاخل ودع حافة الصفاق الَّذِي فِي الْجَانِب وأنفذ الإبرة فِي حافته الْأُخْرَى من دَاخل إِلَى خَارج وأنفذها مَعَ إنفاذك لَهَا فِي الصفاق فِي حافة المراق الَّتِي فِي ناحيته حَتَّى تنفذها كلهَا ثمَّ ابتدئ أَيْضا من هَذَا الْجَانِب نَفسه وخطه مَعَ الحافة الَّتِي من الصفاق فِي الْجَانِب الآخر وَأخرج الإبرة من الْجلْدَة الَّتِي تقربه ثمَّ رد الإبرة فِي تِلْكَ الْجلْدَة وَخط حافة الصفاق الَّتِي فِي الْجَانِب الآخر مَعَ هَذِه الحافة من المراق وأخرجها من الْجلْدَة الَّتِي فِي ناحيته وَافْعل ذَلِك مرّة بعد أُخْرَى إِلَى أَن تخيط الْجراحَة كلهَا على ذَلِك الْمِثَال. فَأَما مِقْدَار الْبعد بني الغرزتين فتوق الْإِسْرَاف فِي السعَة والضيق لِأَن السعَة لَا تثبت على مَا يَنْبَغِي والضيق يتَعَذَّر وَالْخَيْط أَيْضا إِن كَانَ وترا أعَان على التغرز وَإِن كَانَ رخواً انْقَطع فاختر اللين الصلب. وَكَذَلِكَ إِن عمقت الغرز فِي الْجلد فَإِن كَانَ أبعد من التغرز)
إِلَّا أَنه يبْقى من الْجلد لَا يلتحم فاحفظ الِاعْتِدَال هَهُنَا أَيْضا.
قَالَ: وَاجعَل غرضك فِي خياطَة الْبَطن الزاق الصفاق بالمراق فَإِنَّهُ بكد مَا يلتزق لِأَنَّهُ عصبي.
وَقد يخيطه قوم على هَذِه الْجِهَة: يَنْبَغِي أَن تغرز الإبرة فِي حَاشِيَة المراق الْخَارِج وتنفذه إِلَى دَاخل وَتَدَع حاشيتي الصفاق جَمِيعًا ثمَّ ترد الإبرة وتنفذها ثَانِيَة ثمَّ تنفذ الإبرة فِي حاشيتي الصفاق وَترد الإبرة من خلاف الْجِهَة الَّتِي ابتدأت ثمَّ تنفذها فِي الحافة الْأُخْرَى من حاشيتي المراق على هَذَا وَهَذَا الضَّرْب من الْخياطَة أفضل من الْخياطَة العامية ألف د الَّتِي تشبك الْأَصَابِع فِي غرزة. وَذَلِكَ إِنَّهَا بِهَذِهِ الْخياطَة أَيْضا الَّتِي ذكرنَا قد يستبين الصفاق وَرَاء المراق ويتصل بِهِ استبانة محكمَة.(4/110)
قَالَ: ثمَّ اجْعَل عَلَيْهِ من الْأَدْوِيَة الملحمة وَالْحَاجة إِلَى الرِّبَاط فِي الْجِرَاحَات أَشد ويبل صوف مَرْعَزِيٌّ بِزَيْت حَار قَلِيل ويلف على الإبطين والحالبين كَمَا يَدُور حفْنَة بِشَيْء ملين أَيْضا مثل الأدهان والألعاب. وَإِن كَانَت الْجراحَة قد وصلت إِلَى الأمعاء فعرفته بِالتَّدْبِيرِ مَا قد ذَكرْنَاهُ إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يحقن بشراب أسود قَابض فاتر وخاصة إِن كَانَت الْجراحَة قد بلغت إِلَى أَن تقرب الأمعاء حَتَّى وصل الْخرق إِلَى تجويفه.
والأمعاء الدقاق أعْسر برءاً والغلاظ أسهل والمعي الصَّائِم لَا يبرأ الْبَتَّةَ من جِرَاحَة يَقع بهَا لرقة جرمه وَكَثْرَة مَا فِيهِ من الْعُرُوق وقربه من طبيعة العصب وَكَثْرَة انصباب المرار إِلَيْهِ وَشدَّة حرارته لِأَنَّهُ أقرب الأمعاء من الكبد.
وَأما أسافل الْبَطن فَإِنَّهُ لما كَانَت من طبيعة اللَّحْم صرنا من مداواتها على ثِقَة. لي يَعْنِي الْمعدة لَيْسَ لِأَنَّهَا لحمية فَقَط بل وَلِأَن الْأَدْوِيَة تثبت فِيهَا زَمَانا طَويلا وَأما فَم الْمعدة فيمنعه من الْبُرْء كَثْرَة الْحس.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تقْرَأ كتاب أبقراط فِي القروح وَكتابه فِي الْجِرَاحَات المتلفة فَإنَّك تستفيد حِينَئِذٍ من هَذَا الْكتاب قُوَّة عَظِيمَة. (الثرب) قَالَ: وَأما الثرب فَإِذا برد فَإِن لم يخضر ويسود فليرد إِلَى مَكَانَهُ وَأما إِن اخضر واسود فليستوثق مَعًا دون الخضرة برباط ليؤمن نزف الدَّم فَإِن فِيهِ عروقاً ضوارب وَغير ضوارب ثمَّ اقْطَعْ مَا دون الرِّبَاط وارم بِهِ فَإِن مَنْفَعَة الثرب فِي الْبدن لَيست مَنْفَعَة جليلة لَازِمَة فِي بَقَاء الْحَيَاة قَالَ: وَاجعَل طرفِي الْخَيط الَّذِي تربطه ألف د بِهِ خَارِجا من أَسْفَل الْجراحَة الَّتِي خيطت ليمكنك سَله وإخراجه بسهولة إِذا سقط وفاحت الْجراحَة. 3 (قرحَة لجنب الشريان) الْمقَالة الثَّالِثَة عشر من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: مَتى حدثت قرحَة إِلَى جنب عرق عَظِيم ضَارب أَو غير ضَارب فَإِن اللَّحْم الرخو يرم فِي أسْرع الْأَوْقَات وَيظْهر ذَلِك الْعرق كم مرّة فِي ذَلِك الْعُضْو وَإِن مسست الْعُضْو اشْتَدَّ وَجَعه. فَإِن كَانَ مَعَ هَذَا فِي الْبدن امتلاء أَو خلط رَدِيء عسر علاجه فَإِن كَانَ الْبدن سليما مِنْهُمَا فعلاجه سهل فَيَنْبَغِي لَك أَن تسخن بجملة الْعُضْو وتربطه حَتَّى لَا يجد مس الوجع الْبَتَّةَ بالأدوية الفاعلة وتضع على مَوضِع القرحة مرهم الْأَرْبَعَة مدافا بدهن ورد وَتلف على الْعُضْو كُله يدا كَانَ أَو رجلا صُوفًا مبلولاً بزيد مسخن وضمد فَوق القرحة بضماد متخذ من دَقِيق الْحِنْطَة وَالْمَاء وَالزَّيْت وَإِن شِئْت فضع على القرحة الباسليقون الَّذِي يدْخلهُ كندر.(4/111)
فَأَما مَتى كَانَ فِي الْبدن امتلاء وأخلاط رَدِيئَة فَلَيْسَ يُمكن أَن تعالج بِهَذَا العلاج وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن تستفرغ الدَّم من جِهَة الضّر ثمَّ خُذ فِي منع الورم حَتَّى إِذا سكن عولجت القرحة.
3 - (علاج خراج يصلح)
قَالَ: إِذا نضج الورم الْحَار وَأكْثر مَا ينضج ذَلِك فِي الخراجات القوية الضربان الشَّدِيدَة الْحمرَة المحددة الرَّأْس فرم أَن تحلل الْقَيْح بالأدوية فَإِن طَال الْقَيْح كثيرا فبطه وَليكن غرضك فِي البط أَن يَقع منتهاه فِي أَسْفَل مَوضِع لتسيل الْمدَّة إِن تكن فِي مَوضِع.
وَأما ابتداؤه فليقع فِي أَعلَى مَوضِع مِنْهُ وَأَشد نتوءاً وَذَلِكَ أَن الْجلد فِي هَذَا الْموضع أرق وَاجعَل فِي الْموضع الْأَدْوِيَة المجففة بِلَا لذع. وَإِن وَقع البط فِي الأربية فليذهب بِالْعرضِ مَعَ شدَّة الْجلد أبدا.
قَالَ: وضع على الْعُضْو من الْأَدْوِيَة المسكنة للوجع ألف د بقر مَا ترَاهُ كَافِيا فتعرقه بالدهن وتضع عَلَيْهِ مرهماً مرخياً لِئَلَّا يكون بِهِ وجع. (الإدمال) قَالَ: وَلَا تبتدئ بإدمال القرحة حَتَّى يَسْتَوِي اللَّحْم مَعَ سطح الْجَسَد قبل ذَلِك لِئَلَّا يَعْلُو ذَلِك فَإنَّك إِذا تركته حَتَّى يَسْتَوِي ثمَّ أدملت علا.
قَالَ: وَلَكِن قبل أَن يَسْتَوِي اللَّحْم وَفِيه غور فضع عَلَيْهِ بعض الْأَدْوِيَة المدملة رطبا لَا يَابسا ثمَّ إِذا عالجته بذلك مرّة فأحرقه وضع عَلَيْهِ يَابسا تمّره عَلَيْهِ بِطرف الْميل فَقَط. لي هَذَا العلاج يجمع مُدَّة كَمَا يفعل سَائِر العلاجات عِنْد الإدمال لِأَن الْمدَّة إِنَّمَا تجمع عِنْد الإدمال إِذا بودر باليابس ونثر عَلَيْهَا شَيْء كثير فَيصير طبقَة فَوْقهَا مَانِعَة الرُّطُوبَة أَن تنْحَل جَامِعَة لَهَا تَحْتَهُ فَإِذا جففت بالمرهم وَهُوَ رطب حينا ثمَّ كَانَ الَّذِي ينثر عَلَيْهِ من الْيَابِس شبه الْغُبَار لم يعرض شَيْء من ذَلِك. 3 (تولد الْعُرُوق) قَالَ فِي الرَّابِعَة عشر: قد رَأَيْت مَرَّات عروقاً تولدت فِي القروح وَغَارَتْ تنْبت لَحْمًا كَمَا ينْبت اللَّحْم.
قَالَ: فَأَما الْجلد فَإِن اللَّحْم الَّذِي يصلب يَنُوب عَنهُ وَلَكِن لَا يرجع نوع الْجلد الْبَتَّةَ وَالدَّلِيل على(4/112)
(عسر التحام الْجِرَاحَات وسهولتها) (بِحَسب الْأَعْضَاء) قَالَ: قد وَقع البط فِي القولون غير مرّة فبرأ بسهولة وَأما البط الْوَاقِع بالأرحام فعسر مَا يبرأ.
قاطيطريون الْمقَالة الثَّانِيَة: قد رَأينَا قوما كثيرا التحمت أَصَابِعهم بِسَبَب قرحَة كَانَت وقوماً التحمت مِنْهُم الشفتان والجفنان.
قَالَ: وتحتاج فِي وَقت نَبَات اللَّحْم أقل مَا يكون من الرِّبَاط وأخفها.
قَالَ: كَانَ بِرَجُل جرح كَانَ غوره قَرِيبا من الأربية وفوهته ألف د قَرِيبا من الرّكْبَة فأبرأناه بِلَا بط الْبَتَّةَ بِأَن جعلنَا تَحت ركبته مخاد ونصبناه نصبة صَارَت فوهته مَنْصُوبَة بسهولة وَكَذَلِكَ علمنَا بجروح كَانَت فِي السَّاق والصاعد فبرئت كلهَا بسهولة.
قَالَ: من عانى التجربة يعلم أَن الخراجات الَّتِي تحْتَاج أَن تصير مُدَّة لأمكنه دَاخل إِلَى أَن يتَغَيَّر مَعَه سَائِر مَا هُنَاكَ أَجود وأسرع للتغير مَعًا.
الخراجات المتبرئة المتباعدة الشفتين تحْتَاج أَن تجمع برباط يجمع شفتيها إِلَّا أَن يكون عَلَيْهَا من ذَلِك وجع أَو تكون وارمة فيتجمع لذَلِك وَلَو كَانَ بِرِفْق أَو تكون عضلة قد أبترت عرضا فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذا شققنا جلدَة الرَّأْس وَضعنَا بني الشفتين شَيْئا يملؤه وَرُبمَا انقبضت جلدَة الشّفة إِلَى دَاخل القرحة فتحتاج حِينَئِذٍ أَن تروم بالرباط أَن تجذبه إِلَى خَارج.
الْمقَالة الأولى من كتاب الأخلاط قَالَ: ينْتَفع كثيرا بِخُرُوج الدَّم من الخراجات الرّطبَة وخاصة إِذا كَانَ الْبدن ممتلئاً فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَا استفرغ الدَّم أَكثر كَانَ أَنْفَع وآمن للحمرة والورم وَمَتى لم يجر فِي مثل هَذِه الْحَالة من أَحْوَال الْبدن دم كثير حدث أعظم مَا يكون من الورم.
الثَّالِثَة من كتاب الأخلاط قَالَ: القروح الرهلة تجْعَل اللَّحْم الَّذِي حولهَا عديماً للشعر لِأَن أصُول الشّعْر الَّتِي حولهَا تعفن.(4/113)
شَرّ مَا يكون حَال القروح العفنة عِنْد الْهَوَاء الْحَار الرطب وهبوب الْجنُوب واستعداد الْبدن)
لذَلِك.
من كتاب مَا بَال قَالَ: من يكد وَينصب تخرج بِهِ القروح الَّتِي بالحبالى وَأَصْحَاب الطحال عسرة لِأَنَّهُ ينصب إِلَيْهَا مِنْهُم فضول رطبَة ألف د رَدِيئَة.
الْمقَالة الثَّانِيَة: من تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة قَالَ فِي تَصْحِيح الْعَادة والتغيرات: إِن رجلا لَو عرضت لَهُ فِي رجله يحْتَاج أَن يسكن ويدع الْمَشْي فَلم يفعل ذَلِك لكنه جعل يمشي مشياً رَفِيقًا كَانَ الضَّرَر الَّذِي يَنَالهُ أقل من ضَرَر من لم يمشي وَترك الْحَرَكَة الْبَتَّةَ أَيَّامًا ثمَّ أَخذ يمشي بعقبه فِي لي القروح الَّتِي فِي الرجل تحْتَاج أَن يسْتَقرّ صَاحبهَا وَلَا يَتَحَرَّك فَإِن اسْتعْمل التحرك فَلِأَن يَسْتَعْمِلهُ قَلِيلا قَلِيلا مُنْذُ أول الْأَمر خير من أَن يمسك عَن الْحَرَكَة أَيَّامًا ثمَّ يَتَحَرَّك حَرَكَة شَدِيدَة.
قَالَ ج: من كَانَت القروح الَّتِي تعرض لَهُ سليمَة وَكَانَت الَّتِي عرضت لَهُ فِي سَاقه صَغِيرَة بسيطة إِن اسْتَقر وَسكن فِي الْأَيَّام بَرِئت قُرْحَته وَإِن مَشى لم يضرّهُ ذَلِك وَإِن كَانَت فِي بدن رَدِيء القروح وَكَانَت عَظِيمَة خبيثة ثمَّ مَشى عظم ضَرَره.
الْمقَالة الثَّالِثَة من الْفُصُول: الصَّيف الرمد الجنوبي وَالرّطب يحدث القروح العفنة فَاسْتَعِنْ بِبَاب الأهوية.
الْمقَالة الثَّالِثَة من الْفُصُول: القروح الَّتِي فِي أبدان الْمَشَايِخ يعسر برؤها لقلَّة الدَّم فيهم. لي هَذِه القروح أَنْوَاع: القروح الْبيض العديمة الدَّم الَّتِي تحْتَاج إِلَى الدَّلْك والحكة الشَّدِيدَة فالمراهم الَّتِي مَعهَا جذب الدَّم وحرارة مثل الباسليقون.
الْمقَالة الْخَامِسَة من الْفُصُول قالِ: المَاء الْحَار يفتح القروح السليمة الَّتِي لَا خبث لَهَا وتفتح المَاء الْحَار الخراجات أعظم الدلالات وأوثقها على سَلامَة الْخراج وبراءته من الرداءة وَذَلِكَ أَن القروح إِذا كَانَت متعفنة أَو كَانَت تنصب إِلَيْهَا فضول رَدِيئَة لم يحدث الْحَار فِيهَا ألف د تقيحاً لكنه يَضرهَا مضرَّة عَظِيمَة. قَالَ: وتولد الْحَرَارَة فِي القرحة من أعظم الدَّلَائِل على سلامتها بالدواء المقيح كَانَ ذَلِك أَو بِنَفسِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تكون القرحة الَّتِي تتولد فِيهَا مُدَّة عَارِية وَلَا مَكْرُوهَة فَإِن القروح الَّتِي يحدث بِسَبَبِهَا التشنج لَا تتقيح وَكَذَلِكَ القروح الَّتِي عفنت والعسرة الِانْدِمَال مثل السرطانية والخيرونية وطيلافيون والآكلة فَإِن جَمِيع هَذِه مِمَّا لَا يتقيح فالتقيح إِذا من أعظم العلامات دلَالَة على الثِّقَة والأمن فِي القرحة وَلذَلِك إِذا لم تقيح القرحة الحارة فَهِيَ بخيفة. لي وَبِالْجُمْلَةِ مَحل التقيح من الخراجات مَحل النضج من الْأَمْرَاض وَأَنه لَا يخْشَى من)
الْمَرَض بعد النضج عَادِية وَلَا آفَة فَكَذَلِك هَذَا.
الْخَامِسَة من الْفُصُول: من حدثت بِهِ قرحَة فَأَصَابَهُ بِسَبَبِهَا انتفاخ فَلَا يكَاد يُصِيبهُ تشنج وَلَا(4/114)
جُنُون فَإِن عَاد الانتفاخ دفْعَة ثمَّ كَانَت القرحة من خلف عرض لَهُ تشنج أَو تمدد وَإِن كَانَت من قُدَّام عرض لَهُ جُنُون أَو وجع فِي الْجنب أَو تقيح أَو اخْتِلَاف دم أَو كَانَ ذَلِك الانتفاخ أَحْمَر.
قَالَ جالينوس: أفهم من قَوْله انتفاخ ورم فَيكون قَوْله على هَذَا إِذا حدثت بِإِنْسَان قرحَة فَحدث بِسَبَبِهَا ورم فَلَا يكَاد يعرض لَهُ تشنج وَلَا جُنُون فِي الْأَكْثَر وَيُمكن أَن يعرض ذَلِك فِي الندرة إِن كَانَ الورم عَظِيم الكمية أَو رَدِيء الْكَيْفِيَّة جدا. فَإِن عرض لذَلِك الورم أَن يغيب بَغْتَة ثمَّ كَانَت القرحة من خلف عرض لَهُ تشنج أَو تمدد فِي الظّهْر. وَإِن كَانَت القرحة من قُدَّام عرض لصَاحِبهَا الْعِلَل الَّتِي ذكرتها لِأَن جلد الْبدن عصبي وَقُدَّام الْغَالِب عَلَيْهِ الْعُرُوق الضوارب وَغير الضوارب فَإِذا ألف د تراقى إِلَى مَوضِع القرحة ذَلِك الْخَلْط الَّذِي أحدث الورم فَإِنَّهُ إِن كَانَت القرحة فِي الْمَوَاضِع العصبية من خلف حدث التشنج والتمدد. وَإِن كَانَ فِي مقدم الْبدن فَإِنَّهُ إِن ارْتقى إِلَى الدِّمَاغ ولد جنوناً وَإِن صَار إِلَى نواحي الصَّدْر ولد وجع الْجنب وكثراً مَا يصير صَاحب هَذِه التقبيح إِذا لم تخَلّل ذَلِك الْخَلْط فَإِن صَار ذَلِك الْخَلْط إِلَى الأمعاء حدث اخْتِلَاف الدَّم إِن كَانَ ذَلِك الورم الْأَحْمَر من غير قرحَة فِي الأمعاء.
قَالَ وَكَلَام أبقراط فِي خلف الْبدن وقدامه مُطلق على جَمِيع الْبدن وَأَنا أَقُول: إِن ذَلِك لَيْسَ يجب مُطلقًا لِأَن فِي مقدم الْفَخْذ الْوتر الَّذِي يَنْتَهِي إِلَى الرّكْبَة الْعَظِيم جدا وَيحدث بِسَبَبِهِ تشنج أَكثر مِمَّا يحدث بِسَبَب العضل الْمَوْضُوع فِي وَرَاء الْفَخْذ لِأَن هَذَا العضل الَّذِي من وَرَاء الْفَخْذ كُله الْغَالِب عَلَيْهِ اللَّحْم وَكَذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ أرى بِأَنَّهُ يَقُول: إِن القروح الْحَادِثَة فِي الْمُقدم أَشد جلباً للتشنج. قَالَ أبقراط: إِذا حدثت خراجة عَظِيمَة خبيثة وَلم يحدث مَعهَا ورم فالبلية عَظِيمَة.
قَالَ ج: يعين بحَديثه الَّتِي تكون فِي رُؤُوس العضل أَو مُنْتَهَاهَا وخاصة مَا كَانَ من العضل الْغَالِب عَلَيْهِ العصب لَا برؤوس العضل يتعقل العصب وأطرافها الَّتِي تَنْتَهِي عِنْد مَا تنْبت الأوتار وكما أَنه فِي القَوْل الْمُتَقَدّم الأورام الَّتِي نقيت بَغْتَة كَذَلِك فِي هَذَا القَوْل أَن لَا يحدث مَعَ مثل هَذِه إِذا لم يكن مَعهَا ورم أَن تكون الأخلاط الَّتِي كَانَت يجب أَن تنصب إِلَى مَوضِع الْجراحَة ينصب إِلَى مَوضِع أشرف وَأكْثر مَا يكون ذَلِك إِذا كَانَ الْأَطِبَّاء يغلطون أَيْضا فيضعون على مَوضِع هَذِه الْجراحَة ألف د مَا يمْنَع ويردع وَيقبض قبضا شَدِيدا.)
قَالَ: والوجع يعرض خَاصَّة فِي الخراجات الَّتِي فِي الْأَعْضَاء العصبية وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ يعالج بالأدوية المسخنة المجففة. وَمَا كَانَ من الأورام الَّتِي تَنْفَع الخراجات رخواً فَإِنَّهُ حميد والصلب رَدِيء لِأَنَّهُ يدل على أَن الطبيعة لم تنضج ذَلِك الْخَلْط.
الْمقَالة السَّادِسَة: قَالَ: أَي قرحَة انتثر الشّعْر مِمَّا حواليها فَإِنَّهَا قرحَة رَدِيئَة وَكَذَلِكَ إِذا تنثر مِمَّا حواليها الْجلد فَاعْلَم أَنه يجْرِي إِلَى تِلْكَ القرحة أخلاط رَدِيئَة تحدث فِي تِلْكَ القرحة تأكلاً وتمنعها من الإندمال وَذَلِكَ أَنه لَا يُمكن أَن يكون خلط يفْسد الشّعْر وَيَأْكُل مَا حول القرحة ويدع القرحة تندمل.(4/115)
القروح الَّتِي فِي أبدان أَصْحَاب الاسْتِسْقَاء يعسر برؤها لِأَن القروح لَا تدمل حَتَّى تَجف جفوفاً بليغاً وَلَا يسهل ذَلِك فِي المستسقين لِكَثْرَة الرُّطُوبَة فيهم. لي يَعْنِي أَن يطلي حوالي قُرُوح هَؤُلَاءِ بالطين وَنَحْوه مِمَّا يجفف بِقُوَّة وَيعلم أَن القروح فِي الْأَبدَان الرّطبَة المزاج أَبْطَأَ اندمالاً بالتجربة وانتهاؤها فِي الْأَبدَان الْيَابِسَة باعتدال.
قَالَ أبقراط: إِذا حدث فِي المثانة خرق أَو فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب أَو الكلى أَو بعض الأمعاء الدقاق قَالَ جالينوس: قد يُمكن أَن يسلم بعض هَؤُلَاءِ فِي الندرة وَمِمَّا قد اتّفق عَلَيْهِ أَن الْجراحَة إِذا وصلت إِلَى الْقلب فالموت نَازل بصاحبها لَا محَالة فَأَما غَيره من الْأَعْضَاء فَلَيْسَ يجب ضَرُورَة أَنه مَتى نالته جِرَاحَة تبعها الْمَوْت لَا محَالة لَكِن مَتى كَانَت غائرة عَظِيمَة وَخلق أَن يكون عَنى أبقراط بقوله خرق الْعَظِيمَة الغائرة حَتَّى تكون تدْرك بدن ألف د المثانة كُله حَتَّى يصل الْقطع إِلَى الفضاء فِي جوفها وَكَذَلِكَ لم يُمكن أَن تلتحم وتتصل وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الْموضع العصبي من الْحجاب والأمعاء الدقاق.
فَأَما الْمعدة فقد اخْتلف فِيهَا فَقَالَ قوم أَنه مَتى حدث بهَا مثل هَذَا الْخرق قد سلم مِنْهُ فِي الندرة.
فَأَما الكبد فقد قَالُوا فِيهَا إِن الْجِرَاحَات الغائرة قد تحدث فِيهَا فِي مَوضِع زوائدها فتبرأ وَقد تسْقط بعض زوائدها الْبَتَّةَ فتبرأ والجراحة لَا تتصل فِي الْقلب لدوام حركته وَكَذَلِكَ فِي الْحجاب وَفِي المثانة لِأَنَّهَا عصبية عديمة الدَّم وَلذَلِك ترى رقبَتهَا تبدأ كثيرا من الْقطع الَّذِي يَقع فِيهَا لاستخراج الْحَصَاة من قبل أَن فِيهَا لحمية. فَأَما الكبد فَيحدث من الْجراحَة الْوَاقِعَة بهَا انفجار الدَّم فَلذَلِك يَمُوت صَاحبهَا قبل أَن يلتحم جراحته وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَ قد وصل)
إِلَى عرق عَظِيم فَانْقَطع وَلذَلِك يظنّ النَّاس أَنهم قد يبرؤون من جراحات الكبد مَا لم تكن وَأما الْجراحَة الَّتِي تقع بالدماغ فقد رَأَيْت مرَارًا كَثِيرَة برءها وَقد رَأَيْت جِرَاحَة غائرة عَظِيمَة فِيهِ برأت إِلَّا أَن هَذَا يكون الندرة. فَأَما مَا يبلغ إِلَى أَن يُسمى خرقاً لعظمه وغوره فَإِنَّهُ يجلب فِيهِ الْمَوْت ضَرُورَة فقد اتّفق النَّاس على أَن الْجِرَاحَات الَّتِي تبلغ إِلَى بعض بطُون الدِّمَاغ مميتة لَا محَالة.
وَأما الأمعاء الدقاق وَأكْثر مِنْهَا الْمعدة فَإِن طبيعتها فِيهِ لحمية كَثِيرَة فَلذَلِك إِن حدثت فِيهَا جراحات وَلم تكن خارقة غائرة فكثيراً مَا تلتحم. فَأَما إِذا خرق ألف د إِلَى جوفها فَلَا يكَاد يلتحم إِلَّا فِي الندرة.
قَالَ أبقراط: مَتى انْقَطع عظم أَو غضروف أَو عصبَة أَو الْموضع الرَّقِيق من اللحى أَو القلفة لم ينْبت وَلَا يلتحم.(4/116)
قَالَ ج: يَعْنِي بقوله ينْبت أَن يخلف شَيْئا مثل مَا ذهب وَبِقَوْلِهِ يلتحم أَن تلتزق شفتا الْجرْح. لي قد رَأَيْت الجفن شقّ من بَاطِنه وأخرجت مِنْهُ سلْعَة فالتحم سَرِيعا أسْرع من ظَاهره مثلا وَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن يخَاف وَلَو انْشَقَّ الجفن كُله لِأَنَّهُ يلتحم وَرَأَيْت الْأذن لَا تزيد حَتَّى يرجع كلهَا وَلَكِن قد يُمكن أَن تعلو علوا كَبِيرا إِذا أَدِيم حكيماً كل يَوْم وعولجت بالمرهم الْأسود وَرَأَيْت طرفِي الْأنف الورقتين يلتحمان فِي سَاعَة وَلَا يُمكن أَن يمْنَع من التحامهما إِلَّا بِجهْد شَدِيد فتجعل فِيهِ مرهماً أَخْضَر وَنَحْوه مِمَّا يَأْكُل فَلَا ينجع ذَلِك إِلَّا أَقَله ويلتحم على حَال أَو يُبَادر إِلَى الالتحام حَتَّى يحْتَاج أَن يدْخل فِيهِ ريش وأنابيب ليخرج النَّفس. 3 (عِظَام فَاسِدَة) الْمقَالة السَّادِسَة قَالَ: القروح الَّتِي تطول مدَّتهَا فَلَا تندمل الْبَتَّةَ أَو تنقبض بعد الِانْدِمَال من غير خطأ من الْأَطِبَّاء فَإِنَّهُ إِمَّا أَن تجْرِي إِلَيْهَا رطوبات رَدِيئَة وَإِمَّا أَن تكون قد اكْتسب مَوضِع القرحة بِعَيْنِه حَالا رَدِيئَة بِسَبَب تِلْكَ الرطوبات الرَّديئَة وَإِن كَانَت قد انْقَطَعت وَإِمَّا لعظم فسد فِي ذَلِك الْموضع والصنفان الْأَوَّلَانِ يزدادان عظما ورداءة وَكَانَ الْأَوَائِل يسمونها باسم جَامع آكِلَة ثمَّ أَنه فرقت أسماؤها بعد. قَالَ: فَأَما أَنا فَإِنِّي أسمي كلما كَانَت تسْعَى إِلَّا أَنَّهَا فِي الْجلد قرحَة من جنس النملة وَالنَّار الْفَارِسِي وَمَتى كَانَت تسْعَى فِي اللَّحْم حَتَّى تفسده فَإِنِّي أسميها آكِلَة. وَأما القرحة الَّتِي يسميها بعض النَّاس المتعفنة فَلَيْسَ هِيَ قرحَة بسيطة لَكِنَّهَا ألف د عِلّة مركبة من قرحَة وعفونة.
وَإِذا حدثت الْجراحَة بالدماغ تبعها دم وقيء مرار. 3 (خُرُوج الثرب) قَالَ أبقراط: إِذا خرج الثرب من الْبَطن فِي جِرَاحَة فَلَا بُد أَن يعفن مَا خرج مِنْهُ وَلَو لبث زَمَانا قَلِيلا وَهُوَ فِي ذَلِك أَشد من الأمعاء والكبد لِأَن المعي وأطراف الكبد أَن لم يبْق خَارِجا مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى تبرد بردا شَدِيدا فَإِنَّهَا إِذا دخلت إِلَى الْبَطن والتحم الْجرْح يعود إِلَى طبائعها. فَأَما الثرب فَإِنَّهُ وَإِن لبث أدنى مُدَّة فَلَا بُد إِن دخل الْبَطن مَا بدا مِنْهُ أَن يعفن وَلذَلِك يُبَادر الْأَطِبَّاء فِي قطعه وَلَا يدْخلُونَ مَا بدا مِنْهُ إِلَى الْبَطن الْبَتَّةَ. وَإِن كَانَ قد يُوجد فِي الثرب خلاف هَذَا فَذَلِك قَلِيل جدا لَا يكَاد يُوجد.
السَّابِعَة من الْفُصُول قَالَ: إِذا حدث عَن الضربان الشَّديد فِي القروح انفجار الدَّم وَذَلِكَ يلْحقهُ كثيرا فَهُوَ رَدِيء وَإِنَّمَا يلْحق ذَلِك لشدَّة الضربان وَشدَّة الضربان إِنَّمَا هُوَ شدَّة نبض الْعُرُوق الضوارب مَعَ ضيق الْموضع عَلَيْهَا لشدَّة الورم. وَلذَلِك يوجع. فَإِذا حدث عَنهُ انفجار دم كَانَ شَدِيدا مستكرهاً.(4/117)
إِن انْقَطع شَيْء من الغضروف أَو الْعظم لم يتم بعده.
مَتى انْقَطع عظم أَو غضروف أَو عصبَة أَو الْموضع الدَّقِيق من اللحى والقلفة لم يلتحم وَلم ينْبت.
وللقروح أزمان: ابْتِدَاء وانحطاط يحْتَاج فِيهِ بِحَسب ذَلِك إِلَى علاجات مُخْتَلفَة وَقد بَينا) (البلخية بِحَسب الْأَعْضَاء) من الْمَوْت السَّرِيع قَالَ: من ظَهرت بِهِ قرحَة من حصب أَو لذعة دَابَّة فَصَارَت شبه النواصير لم يقدر على علاجه.
من كتاب العلامات: القروح فِي الدِّمَاغ إِذا وصلت إِلَيْهِ عرض مِنْهَا السكتة وَالْمَوْت سَرِيعا وَالَّذِي فِي أغشيته تهيج مِنْهُ حمرَة ألف د الْعَينَيْنِ والورم واختلاط الْعقل وقيء الصَّفْرَاء والتشنج والحمى وَرُبمَا عرض مِنْهَا الاسترخاء وتعتل فِي الْأَكْثَر وتفسد عظم القحف. 3 (الخراجات بِحَسب الْأَعْضَاء) وَإِذا كَانَت القرحة فِي فَم الْمعدة عرض مَعهَا الْعرق الْكثير وَصغر النَّفس والغشي وَبرد الْجَسَد والقيء الْكثير وعسر البلع وَيَمُوت سَرِيعا فِي الْأَكْثَر وَإِن كَانَت فِي الْمعدة كَانَ الْقَيْء كثيرا ووجع شَدِيد فِي الْمعدة. وَإِن كَانَت القرحة فِي الْقلب مِمَّا يَلِي التندوة الْيُسْرَى سَأَلَ من المنخرين دم كثير أسود وَمَات سَرِيعا. وَإِذا كَانَت فِي الرئة خرج بالنفث دم كثير أشقر شبه الزّبد وَيَأْخُذهُ سعال وفواق وخناق. إِن احْتبسَ الدَّم فِي الرئة عرض من ذَلِك أَن ترم رقبته وتنحدب. وَإِن كَانَت القرحة فِي الْحجاب عرض وجع شَدِيد مؤذ وضيق نفس وَيكون أَكثر الوجع فِي الْجَانِب الْأَيْسَر.
وَإِن كَانَت القرحة فِي المراق كَانَ ورم ظَاهر وَلم يكن وجع شَدِيد غائر. وَإِن كَانَت القرحة فِي الطحال عرض الوجع فِي الْأَيْسَر حَتَّى يبلغ الترقوة مَعَ ضيق النَّفس وَإِن كَانَت فِي الكبد كَانَ الوجع فِي الْجَانِب الْأَيْمن ويبلغ الترقوة ويعرض مَعَه قيء الْمدَّة واختلافها واليرقان فِي بعض الْأَحْوَال وَيَمُوت سَرِيعا. وَإِن كَانَت فِي الباريطاون حدث بِهِ الفتق. وَإِن كَانَت فِي الأمعاء اخْتلف بِحَسب اختلافها فَرُبمَا احْتبسَ الثفل الْبَتَّةَ وَرُبمَا أَصَابَهُ زلق الأمعاء وَرُبمَا اخْتلف الدَّم والمرة واللزوجات. وَإِن كَانَت فِي المثانة ورمت الْعَانَة وَخرج فِي الْبَوْل قيح.
وَإِن كَانَت فِي الرَّحِم خرج الصديد من الْقبل وَعرض لَهَا صداع وكزاز وأوجاع مؤذية.(4/118)
قَالَ: يعرف الْجرْح ألف د الطرئ من أَن لَا يكون وارماً وَلَا شَدِيد الوجع وَالْقَدِيم ممتدحاً غليظ الشّفة وارماً أَحْمَر وأسود كمداً.
3 - (عَلامَة الْوَسخ)
القرحة الوسخة تعرف من أَن يكون عَلَيْهَا رطوبات جامدة وتضرب إِلَى الْبيَاض أَو إِلَى السوَاد ويسيل مثل الدردى وَنَحْوه من الصديد الرَّدِيء.
قَالَ: وَمن القروح قُرُوح إِذا أدملها الطَّبِيب احتكت وانتقصت وَذَلِكَ يكون إِذا أدملها وفيهَا وسخ وَلم يستقص تنقيتها قبل إنبات اللَّحْم والإدمال فَيَنْبَغِي أَن تستقص التنقية وَلَا تدع الْجرْح يلتئم إِلَّا وَهُوَ نقي.
من الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة قَالَ: إِذا كَانَ مزاج اللَّحْم الَّذِي فِيهِ القرحة فَاسِدا وَكَانَ تجْرِي إِلَيْهِ مَادَّة فاعمل أَولا فِي منع الْمَادَّة وَإِصْلَاح المزاج ثمَّ فِي إنبات اللَّحْم فِي القرحة وَإِلَّا لم يتم غرضك فِيهِ وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَ القرحة ورم حَار أَو صلب أَو رخو أَو شدخ فاقصد أَولا لعلاج ذَلِك ثمَّ عد إِلَى علاج القرحة.
كتاب الْمَنِيّ قَالَ: إِذا قطع من الْبدن لحم أَو شَحم تولد مرّة ثَانِيَة. وَإِن ذهب عرق شريان أَو عصب أَو غضروف أَو غشاء أَو رِبَاط أَو وتر أَو عظم لم يتَوَلَّد ثَانِيَة لِأَن كَون هَذِه من الْمَنِيّ.
فَأَما الْعُرُوق الْغَيْر الضوارب فَإِنَّهَا رُبمَا تولدت فِي القروح الْعَظِيمَة ورأينا نَحن أَيْضا قد تولدت مرَارًا كَثِيرَة إِلَّا أَنه لَيْسَ عَام أَن يتَوَلَّد دَائِما. وَلَا يتَوَلَّد مِنْهَا شَيْء لَهُ عظم كبر وَلَا شريان وَلَا عصب يُمكن أَن يتَوَلَّد الْبَتَّةَ فَإِنَّمَا تولدت الْعُرُوق الصغار لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن تُوجد فِي الْبدن من مَادَّة الْمَنِيّ مَا يتَوَلَّد مِنْهَا لِأَنَّهُ قَلِيل. فَأَما الشريان فَلِأَنَّهُ ثخين ألف د غليظ لَا يُمكن أَن يُوجد فِي الدَّم من مَادَّة الْمَنِيّ ذَلِك الْقدر الَّذِي يَفِي بتوليده وَأبْعد مِنْهُ فِي ذَلِك سَائِر مَا ذكرنَا.
فَإِذا لم يُوجد فِي الدَّم مَادَّة من الْمَنِيّ غزيرة كَثِيرَة سبقها تولد اللَّحْم قبل أَن يتَوَلَّد مَا يتَوَلَّد من من رسم الطِّبّ بالتجارب قَالَ: مِثَال الشَّيْء الْكَائِن دَائِما اتِّبَاع الْمَوْت للجراحة تقع بِالْقَلْبِ.
قَالَ: فَأَما الشَّيْء الَّذِي يكون وَلَا يكره فَمثل نزُول الْمَوْت مَعَ الْجراحَة يَقع بِالْأُمِّ الغليظة من أم الدِّمَاغ وَأما الشَّيْء الْكَائِن فِي الندرة فَمثل السَّلامَة إِذا لحقت جِرَاحَة حدثت بِنَفس الدِّمَاغ. 3 (جمل الْعِلَل الْمَانِعَة من برْء القروح) من اخْتِصَار حِيلَة الْبُرْء قَالَ: لَا يُمكن أَن يتَوَلَّد لحم فِي القرحة الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض أخر حَتَّى تبطل تِلْكَ الْأَعْرَاض فَإِنَّهُ لَا يتَوَلَّد فِي القرحة الوضرة لحم حَتَّى ينقى وضرها وَلَا فِي الَّتِي مَعهَا ورم أَو فَسَاد مزاج مَا أَو قلَّة الدَّم أَو رداءته وَنَحْو ذَلِك فَانْظُر أبدا فِي القرحة فَإِن كَانَت سليمَة فرم إنبات اللَّحْم فِيهَا وَإِلَّا فَكُن فِي علاج الْعرض الرَّدِيء الَّذِي مَعهَا ثمَّ خُذ فِي إنبات اللَّحْم.(4/119)
(القروح الْعسرَة الْبُرْء) قَالَ: الْعِلَل الَّتِي تعرض للقروح فتمنع من إنبات اللَّحْم والالتحام والإندمال أَولهَا الورم الْحَار وَيَنْبَغِي أَن يعالج أَولا ثمَّ تعالج القرحة فَإِنَّهُ لَا يتهيأ فِي القرحة الَّتِي فِيهَا ورم إِلَّا أَن تلتحم وَلَا أَن ينْبت فِيهَا لحم وَلَا أَن يدْخل حَتَّى يذهب الورم الْحَار أَو فَسَاد مزاج لحم القرحة وَهُوَ شَرّ من الورم الْحَار وَيَنْبَغِي أَن ترد أَولا اللَّحْم إِلَى مزاجه بالأدوية المضادة. وانصباب كيموس رَدِيء إِلَى القرحة من الْأَعْضَاء الَّتِي تَلِيهَا وَذَلِكَ يكون فِي بعض النَّاس لِأَن الْبدن كُله بِحَال سوء وَلِأَن الكبد وَالطحَال عليلان أَو لِأَن عضوا فَوق القرحة رَدِيء عليل أَو رَدِيء المزاج أَو لِأَن فَوْقه ألف د دالية فَيَنْبَغِي أَن يصلح إِمَّا فَسَاد الْبدن كُله أَو مزاج الْعُضْو أَو يمْنَع مَا ينصب من ذَلِك الْعُضْو أَو تقطع الدالية أَو لِأَن حافته أَو شفته تصلب أَو تغلظ أَو تعرض لَهما جَمِيعًا أَو تسود أَو تكمد فَأَما القروح الَّتِي يعرض فِيهَا الورم الصلب الْمُسَمّى سقيروس فاقطع أَولا تِلْكَ الحافات وَأما مَا كَانَت حافته جاسئة متلبدة فداو حَافَّاته بالأدوية الملينة. لي الحافات الَّتِي فِيهَا سقيروس هِيَ الَّتِي لَا تحس الْبَتَّةَ وَقد صلبت جدا وَقد بَطل حسها أَو ضعف جدا.
قَالَ: فَأَما القروح الَّتِي حافاتها كمدة فَيَنْبَغِي أَولا أَن تشرط تِلْكَ الحافات ثمَّ تضمد بالأضمدة المحللة لِأَن لَحمهَا أجمع يصير كمداً أَو يصير رَدِيء المزاج وَذَلِكَ يكون على ثَلَاث جِهَات: إِمَّا أَن يكون هَذَا الْفساد مزاجاً فِي القرحة وحولها وَالْبدن لَيْسَ برديء الأخلاط وَلَا عُضْو فَوْقه وَلَا تَحْتَهُ فِي الْجُمْلَة رَدِيء لَكِن الدَّم الَّذِي يَجِيء القرحة دم جيد لسوء مزاج لَحمهَا يحيله إِلَى الرداءة وَإِمَّا أَن يكون الدَّم الَّذِي يكون فِي الْبدن أَو فِي الْعُضْو الَّذِي فَوق القرحة رديئاً فتكتسب القرحة الرداءة من ذَلِك وَإِمَّا أَن يكون يجْتَمع الْأَمْرَانِ جَمِيعًا أَعنِي أَن يكون لحم القرحة ومادتها جَمِيعًا رديئين.)
قَالَ: وَإِذا كَانَ الْفساد فِي القرحة نَفسهَا فَإِنَّهَا تعالج نَفسهَا بالأدوية القوية التجفيف مثل أَقْرَاص أندرون وَنَحْوهَا من القوية التجفيف.
فَإِن لم تنْتَفع بِهَذِهِ فَاسْتعْمل الْأَدْوِيَة الدافعة فَإِن لم تغن شَيْئا فاقطع اللَّحْم الْفَاسِد كُله وَاسْتعْمل فِيهِ الكي فِي بعض الْأَوْقَات وعَلى هَذِه الْجِهَة إِن تعفن الْموضع المتقرح فَيَنْبَغِي أَن تقطع مَا تعفن ألف د مِنْهُ فَإِن كَانَ سوء حَال العليل يَسِيرا فعالجه بالأدوية المركبة من الدافعة والقوية المحللة مَعًا بعد أَن يكون صنفا الْأَدْوِيَة جَمِيعًا قويين كالنحاس المحرق وتوبال النّحاس والشب الْيَمَانِيّ المحرق والزنجار وبورق الصاغة والتوتياء والقلقديس المحرق وَيسْتَعْمل هَذِه مَعَ الشمع والراتينج أَو مَعَ دهن الخروع أَو زَيْت عَتيق أَو الْخلّ الثقيف يَجْعَل مِنْهَا مراهم قَالَ: وَقد كتبت هَذِه المراهم فِي الرَّابِعَة من قاطاجانس.(4/120)
وَإِن كَانَ لحم القرحة غير رَدِيء والخلط فِي الْبدن رديئاً فاقصد إِلَى إصْلَاح الدَّم إِمَّا فِي جملَة الْبدن وَإِمَّا فِي الْعُضْو الَّذِي ينصب مِنْهُ إِلَى القرحة أَو مَنعه من أَن ينصب. وَإِن كَانَ اللَّحْم رديئاً والأخلاط رَدِيئَة فاجمع العملين جَمِيعًا.
قَالَ: وَقد بقيت حَالَة من أَحْوَال القروح تعسر جدا لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تجتذب الْخَلْط اللاحج فِيهَا حَتَّى صلح مزاج لَحمهَا بالإسهال كَمَا تهَيَّأ ذَلِك إِذا كَانَ فَسَاد اللَّحْم لمزاج صفراء مختلط بِالدَّمِ لِأَن الَّذِي يفْسد مزاج الدَّم حِينَئِذٍ السَّوْدَاء.
قَالَ: وَلَا يجب إِلَى التَّحْلِيل إِنَّمَا يوضع عَلَيْهِ فِي نَفسه لغلظه إِلَّا بالأدوية القوية فَإِن وضعت عَلَيْهِ القوية هاج ونفد مِنْهَا جدا. وَإِن وضعت عَلَيْهِ الضعيفة لم تُؤثر فِيهِ لِأَنَّهَا لَا يتهيأ لَهَا أَن تحلل مِنْهُ شَيْئا وَلذَلِك لَجأ الْأَطِبَّاء أمره إِلَى قطع الْعُضْو العليل كُله إِذا أمكن وكيه بعد الْقطع إِمَّا بالنَّار وَإِمَّا بالأدوية المحرقة لي قد بَقِي من هَذَا التَّقْسِيم نُقْصَان وَذَلِكَ إِن من الْقرح الْعسرَة الْبُرْء مَا يعسر برؤها لغور الدَّم وَهَذِه تجدها بَيْضَاء قَليلَة الدَّم وَيَنْبَغِي أَن تعالج هَذِه بالحك الدَّائِم وَيكثر الدَّم فِي الْبدن وبالمراهم الحادة ألف د الَّتِي تجذب الدَّم وَمن القروح مَا يعسر برؤها بِسَبَب أَنَّهَا شَدِيدَة الرمل كَثِيرَة الرُّطُوبَة وَإِن كَانَت هَذِه الرُّطُوبَة لَيست رَدِيئَة وَهَذِه تحْتَاج إِلَى مَا يجفف تجفيفاً قَوِيا بِلَا لذع وَمن القروح قُرُوح لَا تَبرأ لغَلَبَة اليبس عَلَيْهَا وَهَذِه تَجِد لَحمهَا أبدا يسْرع إِلَى الخشكريشة وعلاجها حك الخشكريشة عَنْهَا والنطول بِالْمَاءِ الْحَار ومرهم الباسليقون وَيَنْبَغِي أَن يتمم جَمِيع ذَلِك ويلتقط من أماكنه إِن شَاءَ الله.)
قَالَ فِي مُخْتَصر حِيلَة الْبُرْء: وَليكن غرضك عِنْد انخراق الْبَطن مَعَ الصفاق أَن تخليطها خياطَة تلتزق الصفاق بالمراق لِأَنَّهُ عصبي بطيء الالتحام بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يكون بتوع الْخياطَة الَّتِي ذكرنَا لِأَنَّهَا تجمع وَتلْزم فِي عُرْوَة الصفاق بالمراق.
قَالَ: والأمعاء إِذا خرجت فَادع بشراب أسود قوي فيسخن ويغمس فِيهِ صوف وَيُوضَع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يبرد انتفاخه ويضمره وَإِن لم يحضر فَاسْتعْمل نفض الأمعاء بالقوية الْقَبْض مسخناً فَإِن لم يحضر فكمده بِالْمَاءِ الْحَار حَتَّى يضمر فَإِن لم تدخل مَعَ ذَلِك وسع الْموضع. فَأَما الثرب فَإِنَّهُ وَلَو بَقِي قَلِيلا من الزَّمَان خَارِجا فكمد لَونه وَلَا بُد من قطعه فَشد فَوق الْقطع لتأمن نزف الدَّم ثمَّ اقطعه وَخط الْبَطن واترك الْخَيط الَّذِي بِهِ شددت الثرب خَارِجا لتسلة إِذا التحم.
من التشريح الْكَبِير قَالَ: اختر للأعضاء المجروحة من الْمَوَاضِع أبعدها من الوجع وأوفقها لصب الصديد.
الثَّالِثَة من مَنَافِع الْأَعْضَاء قَالَ: من انخرق مِنْهُ الغشاء الَّذِي تَحت المراق وَلم يحكم خياطته أَعنِي خياطَة بَطْنه ألف د عرض لَهُ إِذا التحم العضل أَن يدْخل عِنْد كل نفخة أَو ظفرة أمعاؤه خَارج الصفاق فيوجعه وَيمْتَنع من رفع الثّقل.(4/121)
من قطع مِنْهُ الثرب عِنْد انخراق الْبَطن قل هضمه وَبَردت معدته وَاحْتَاجَ بعد ذَلِك إِلَى أَشْيَاء تسخنه بِالْفِعْلِ فضعها على معدته. لي أَصْحَاب الْجِرَاحَات ... ... على أَن كل تجويف يَنْبَغِي أَن يكْشف وَلَيْسَ ذَلِك على الْحَقِيقَة كَذَلِك لَكِن يَنْبَغِي أَن ينظر إِلَى مَا يسيل مِنْهُ وَإِلَى الْموضع فَيعْمل بِحَسبِهِ فَإِنَّهُ جَاءَنَا رجل إِلَى المارستان وَفِي مرفقه جرح ضيق يدْخل فِيهِ الْمجْلس كُله فَأمر بَعضهم أَن يكْشف وَكَانَ الَّذِي يسيل من هَذَا الْجرْح دمويا فِيهِ غلظ كَأَنَّهُ لحم منحل لَيْسَ برديء الرّيح فرقدناه آنِفا وأمرته أَن ينصب زراعه وَجَعَلنَا على فَم الْجرْح قطنة لَا يمْنَع مَا يسيل وأمرته إِن هُوَ أحس بِشَيْء ينزل أَن يُعينهُ بالعصر فَعَاد إِلَيْنَا من غَد وَقد لزق وَقرب من الْبُرْء والتام فَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن تبادر إِلَى كشف أَمْثَال هَذِه إِلَّا أَن تكون مزمنة قد تنضرت وصل بِاللَّحْمِ الَّذِي فِي جوفها مَعَ رداءته وَلَا يُمكن أَن ينصب نصبة يسيل مِنْهُ مَا فِيهِ أَو يكون مَا يسيل مِنْهُ رديئاً خبيثاً وَيكون مِنْهُ عظم فَإِن هَذِه لَا يُمكن أَن تلتحم الْبَتَّةَ إِلَّا بَان تكشف نعما وتعالج بعد ذَلِك.
شدّ الرجل لما ترك بالتواء خَلفه من الْفَرَاغ شَيْء فألجئ إِلَى بطه لِأَن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ الشد)
التحم سَرِيعا جدا وبطه بعد يَوْم فَخرج مِنْهُ شَيْء كثير جدا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ لحم قريب الْعَهْد بالجمود ومصل هَذَا اللَّحْم مستعد لِأَن يصير مُدَّة بِسُرْعَة فَلذَلِك الرَّأْي أَن تبتدئ بالشد من خلف الْفَرَاغ بِشَيْء صَالح وَإِلَّا كَانَ مِنْهُ مثل هَذَا.
من تشريح الْمَوْتَى قَالَ: طعن رجل بِالْمِنْشَارِ الدَّقِيق ألف د فِي مراق بَطْنه وَكَانَ جرحا ضيقا والثرب ظَاهر مِنْهُ إِذا نظر فِيهِ وَكَانَ من لَا يعرف صُورَة الثرب لَا يعلم أَن الباريطاون قد انخرق وَكَانَت جِرَاحَة قَليلَة الْخطر عِنْد من لَا يدْرِي قَالَ: وَنحن وسعناه. قَالَ: وَرجل آخر طعن خرجت من جراحته مرّة صفراء فَعلم أَن الضَّرْبَة وصلت إِلَى مجاري الْمرة وَآخر كَانَت الرّيح تخرج من جراحته فَعلم أَن الغشاء المستبطن للأضلاع انخرق.
قَالَ: وَقد رَأَيْت خُرُوج الزبل عَن جِرَاحَة وتخلص.
وَرَأَيْت رجلا أَصَابَته ضَرْبَة حَيْثُ عظم الْكَاهِل فَخرج الْبَوْل من مقعدته فمعلوم أَن هَذَا قد انخرق مِنْهُ المعي الْمُسْتَقيم والمثانة.
قَالَ: وَإِذا وَقعت الْجراحَة حَيْثُ تشك أَنه قد وصلت إِلَى فضاء الصَّدْر فَإِنَّهُ يجب أَن يشكل الْإِنْسَان أشكالاُ مُخْتَلفَة وَيُؤمر بالتنفس الشَّديد.
من نَحْو الْقطع والبط قَالَ: كثير من الْجُهَّال بعلاج الْحَدِيد قطعُوا عصباً صَغِيرا وعصباً يخفى على الْحس نَفعهَا فِي الْبدن عَظِيم جدا وَكثير مِنْهُ قطعُوا عروقاً وشرايين نفيسة جليلة وَكثير مِنْهُم يقطعون العضل بِالْعرضِ وَكثير يخرجُون الْحَصَاة فيورث العليل نزف الدَّم أَو سيلان الْبَوْل أَو عدم التناسل وَذَلِكَ كُله لجهلهم بالتشريح لأَنهم لَا يعْرفُونَ الْموضع(4/122)
الَّذِي تتصل فِيهِ أوعية الْمَنِيّ بعنق المثانة فيوقعون الْقطع عَلَيْهَا وَيَقَع الْقطع فِي مَوضِع الْعُرُوق والشرايين الْعِظَام أَو يَقع الْقطع فِي الْمَوَاضِع الَّتِي لَيست لحمية من المثانة الَّتِي لَيْسَ من شَأْنهَا أَن تلتحم.
الْمقَالة الأولى من آراء أبقراط وأفلاطن: كَانَ غُلَام فِي صَدره ألف د قد بلغ إِلَى الْعظم الَّذِي فِي وسط قصه وكشفنا عَن عظم القص جَمِيع مَا يُحِيط بِهِ فوجدناه قد أَصَابَهُ فَسَاد فاضطررنا إِلَى قطعه وَكَانَ الْموضع الْفَاسِد مِنْهُ الْموضع الَّذِي عَلَيْهِ مُسْتَقر غلاف الْقلب فَلَمَّا رَأينَا ذَلِك توقفنا توقفاً شَدِيدا فِي انتزاع الْعظم الْفَاسِد وَكَانَت عنايتنا باستبقاء الغشاء المغشى عَلَيْهِ من دَاخل وَحفظه على سَلَامَته بِكُل مَا اتَّصل من هَذَا الغشاء بالقص كَانَ قد عفن أَيْضا َ قَالَ: وَكُنَّا نَنْظُر إِلَى الْقلب نظرا بَينا مثل مَا نرَاهُ إِذا كشفنا عَنهُ بالتعمد فِي التشريح. قَالَ: فَسلم)
ذَلِك الْغُلَام وَنبت اللَّحْم فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي من القص حَتَّى امْتَلَأَ واتصل بعضه بِبَعْض وَصَارَ يقوم من ستر الْقلب وتغطيته بِمثل مَا كَانَ يقوم بِهِ قبل ذَلِك بغلاف الْقلب قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا لي هَذِه الْقِصَّة نذكرها فِي مَوَاضِع بحولها كلهَا إِلَى هَهُنَا وأجمعها إِن شَاءَ الله.
الأولى من الثَّانِيَة من ابيذيميا: من لم يلْتَزم صفاقه لمراقه فِي خياطَة الْبَطن أَصَابَهُ فِي مراقه انتفاخ كالفتق.
قَالَ: القروح الرَّديئَة الْعسرَة تعرض للَّذين يفرط عَلَيْهِم الْبيَاض وَفِي أَصْحَاب النمش فِي قرحَة الْجَارِيَة الَّتِي فِي المارستان فَإِنَّهَا قرحَة صَغِيرَة جدا إِلَّا إِنَّهَا ... ... لم ينْبت فِيهَا لحم الْبَتَّةَ ولون هَذِه الْجَارِيَة أَبيض أصفر قَلِيل الدَّم كَالَّذي يكون من فَسَاد الكبد هَذِه القرحة الْبَيْضَاء تحْتَاج إِلَى أدوية قَوِيَّة فِي إنبات اللَّحْم وَمَعَهَا جذب الدَّم وَيَنْبَغِي أَن يضمد حَتَّى يجتذب من بعد هَذَا بِقَلِيل.
هَذَانِ الصنفان من الْأَبدَان يعسر برْء قروحها: الْأَبدَان الَّتِي فِيهَا نمش والأبدان ألف د الْبيض المفرطة القليلة الدَّم لرداءة الكبد لِأَن هذَيْن هما السَّبَب فِي عسر برْء جَمِيع القروح أَعنِي أَن يكون اخلط الرَّدِيء يَأْكُل مثل الْحَال الَّتِي فِي النمش وَالْحَال الَّتِي من نُقْصَان الدَّم والغذاء كالحال فِي الْأَبدَان الْبيض. لي هَذِه القرحة أَمر جالينوس أَن يجتذب إِلَيْهَا الدَّم بالتكميد.(4/123)
جراحات الدِّمَاغ
الثَّانِيَة من الثَّالِثَة من ابيذيميا قَالَ: الْجِرَاحَات الَّتِي تصل إِلَى غشاء الدِّمَاغ تحدث استرخاء فِي الْجَانِب الَّذِي هِيَ فِيهِ وتحدث تشنجاً فِي الْجَانِب الْمُقَابل.
من كَانَت بِهِ قرحَة فَحدث بِهِ بِسَبَبِهَا ورم رخو مُنَاسِب لعظم القرحة أَو أَكثر مِنْهَا فقد أَمن أَن يحدث من تِلْكَ القرحة تشنج وتمدد وَإِن كَانَت من قُدَّام عرض جُنُون ووجع حاد فِي الْجنب وَاخْتِلَاف دم إِن كَانَ الورم أَحْمَر. وَقد يحدث التشنج مَعَ الورم الصلب الْحَار فَأَما مَعَ الرخو فَلِأَن ذهَاب ذَلِك الورم ضَرْبَة يدل على انْتِقَاله لَا على تحلله فَإِن كَانَ من خلف انْتقل إِلَى النخاع فجَاء تشنج وَإِن كَانَ من قُدَّام إِمَّا أَن ينْتَقل إِلَى الْبَطن الْأَعْلَى فَيحدث وجع الْجنب وجنون بِسَبَب مُشَاركَة الْحجاب وَإِمَّا إِلَى أَسْفَل فَيحدث اخْتِلَاف الدَّم.
وَإِذا كَانَ الورم أَحْمَر قانياً ثمَّ غَابَ فتوقع إِمَّا جنوناً وَإِمَّا وجعاً فِي الْجنب وَإِمَّا اخْتِلَاف دم.
الأول من السَّادِس من ابيذيميا: القروح المستديرة العميقة فِي الصّبيان قاتلة وَذَلِكَ أَن من بِهِ هَذِه)
القروح وجعها شَدِيد وعلاجها شَدِيد عسر وَالصبيان لَا يحْتَملُونَ ذَلِك.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة قَالَ: مَتى أردنَا الزاق شفتى قرحَة أَو ... استعملنا الحك لتخشن فَإِن بالتخشن وبالأدوية الَّتِي تخشن وَهَذَا ألف د الْجلاء يكون لُزُومه.
الْخَامِسَة من السَّادِسَة: من تَعب وَفِي بدنه أخلاط رَدِيئَة حدثت بِهِ قُرُوح.
السَّادِسَة من السَّادِسَة: يَنْبَغِي فِي القروح الرَّديئَة وَفِي جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي تحْتَاج أَن تستأصل بِالْقطعِ أَو بالكي أَو بالدواء الحاد أَن يقطع ذَلِك كُله وتكويه إِلَى أَن لَا يبْقى من اللَّحْم العليل شَيْء الْبَتَّةَ ويبلغ الصَّحِيح. قَالَ: فَمَا أمكنك فِيهِ هَذَا فَذَلِك وَمَا لم يُمكن فِيهِ ذَلِك فانثر عَلَيْهِ بعد علاجك دَوَاء أكالاً ليَأْكُل الْبَقِيَّة لي الْحَد فِي الْقطع والكي إِن كَانَ على عظم أَن يظْهر الْعظم وَإِن كَانَ تَحْتَهُ صَحِيحا لم يظْهر وَاللَّحم الصَّحِيح تعرفه بنوعه وبجودة الدَّم السَّائِل مِنْهُ بِكَثْرَة الْحس.
الخراجات الْحَادِثَة فِي دَاخل الْأذن تقيح خَمْسَة أَيَّام والحادثة فِي سَبْعَة أَيَّام ضَعِيفَة.
السَّابِعَة من السَّادِسَة: القروح الَّتِي ينتثر الشّعْر ويتقشر الْجلد مِمَّا حواليها قُرُوح رَدِيئَة خلطها خلط حريف أكال.(4/124)
الْيَهُودِيّ: جَاءَنِي إِنْسَان وَجب فَخرج من الوجبة ريح مثل مَا ينْفخ الْإِنْسَان وَخرج مَعَه رُطُوبَة وزبد مَاتَ بعد ثَلَاثَة أَيَّام.
جَمِيع القروح الصلبة الَّتِي تخضر وَتسود مهلكة لِأَنَّهُ يدل على أَن الدَّم قد اسْتَحَالَ إِلَى الْخَلْط الْأسود والقروح الرخوة الَّتِي ترشح شَيْئا اصفر حاراً تقرح الْموضع الَّذِي تصيبه رَدِيئَة مهلكة لَهَا ينثر الشّعْر حول القرحة أذن بالإقبال وكل قرحَة تحْتَاج إِلَى سُكُون وراحة.
من الْكتاب الْمَنْسُوب إِلَى جالينوس فِي الحبن قَالَ: إِذا تَبرأ بعض اللَّحْم أَو عُضْو من الْبدن فاقطعه واكو الْموضع بالزيت بعد ذَلِك وَإِيَّاك أَن ترد المتبرئ على مَكَانَهُ وتشده فَإِنَّهُ يصير خبيثة لي كَذَلِك يفعل أَصْحَاب الْجِرَاحَات ألف د لأَنهم قد عرفُوا بالتجربة أَنه يصير خبيثة فيقطعونها أبدا والكي بالزيت بعد ذَلِك أَحْمد لِأَنَّهُ يمْنَع أَن يصير مَا بَقِي قرحَة رَدِيئَة لَكِن تصير خشكريشة ثمَّ تسْقط وتبرأ بِإِذن الله.
بولس قَالَ: الْجرْح الْبَسِيط يَنْبَغِي أَن يرْبط هَكَذَا إِن كَانَ أحد شَفَتَيْه مائلاً إِلَى نَاحيَة أَن يشد بالرباط من تِلْكَ النَّاحِيَة وَيذْهب بِهِ إِلَى الْجِهَة الْمُقَابلَة وَإِن كَانَ مَكْشُوف الْفَم جدا وَاسِعَة)
. الشفتين فاربطه برباط تبتدئ من جانبين فَإِنَّهُ هَكَذَا يلتحم إِمَّا إِن لم يَقع فِي مَا بَين شقيه شَيْء. وَإِن كَانَ الْجرْح عَظِيما لَا يجمعه الرِّبَاط فاجمعه أولاُ بالخياطة ثمَّ بالرباط.
قَالَ: وَيصْلح للخراجات فِي أبدان الْمَشَايِخ مرهم مُهَيَّأ من شمع ودهن ورد وشعير محرق أَو يُؤْخَذ قيروطى بدهن الآس ثَلَاثَة أَجزَاء وإسفيذاج الرصاص جُزْء فَيجْعَل مرهماً.
قَالَ: المفاصل أَشد يبساً من سَائِر الْأَعْضَاء اللحمية فَلذَلِك تحْتَاج القروح الَّتِي تقع فِيهَا إِلَى أدوية شَدِيدَة اليبس وَيصْلح فِي ذَلِك أَقْرَاص بولوانداس تسحق بشراب حَتَّى يصير فِي ثخن الْعَسَل ويلطخ وَمَا يجفف كجفوفها مثل أَقْرَاص أندرون وَنَحْوهَا وَكَثِيرًا مَا نطلناها بِمَاء الْبَحْر قَالَ: القروح يعسر برؤها فِي الْأَبدَان الْبيض والبرش أما البرش فلرداءة أخلاطها وَأما الْبيض فلقلة الدَّم فِيهَا. اذكر حَال الْمَرْأَة الشَّدِيدَة الْبيَاض العديمة الدَّم كَانَ بهَا قرحَة فِي وَجههَا فعولجت سِنِين فِي المارستان فَلم تَبرأ وَكَانَت قريحة صَغِيرَة حَتَّى أمرت بتكميد وَجههَا حَتَّى احمر ودلكه وأمرتها بالشرب وخنق الازدراد فبرئت. وبرئت قرحَة مثل هَذِه بمرهم الزنجار.
على مَا رَأَيْت فِي مسَائِل ابيذيميا: الْأَبدَان ألف د الْخضر الكمدة قَليلَة الْحَرَارَة الغريزية قَليلَة الدَّم وتعسر قروحها وتحتاج إِلَى إسخان ومراهم لَهَا إسخان وحك وحركة الْيَدَيْنِ ويشتغل. الْأَبدَان الْبيض قَليلَة الدَّم لَحمهَا كلحم السّمك وتحتاج إِلَى إسخان وجذب الدَّم.
والأبدان الصفر تعسر قروحها من رداءة الدَّم وتحتاج إِلَى إسهال وتعديل الدَّم(4/125)
والأبدان الشَّدِيدَة النحافة تعسر قروحها لقلَّة الْمَادَّة وَأحمد الْأَبدَان للقروح الْبيض الْحمر فَإِن هَذِه سريعة نَبَات اللَّحْم.
قَالَ: إِذا وَقعت الْجراحَة بالطول فالرباط يَفِي بجمعها جمعا محكماً وَإِذا كَانَت بِالْعرضِ احْتَاجَت إِلَى الْخياطَة وبقدر غور الْجرْح يكون غور الْخياطَة.
قَالَ: رُبمَا اضطررنا أَن نزيد فِي سَعَة الْجرْح إِذا كَانَت نخسة وخفنا أَن يكون لغورها يلتحم أَعْلَاهَا وَلَا يلتحم قعرها وَيكون الْعُضْو الْمَجْرُوح فِي وَقت الْجرْح على شكل يكون إِذا عَاد إِلَى استوائه لم يُمكن أَن تسيل مِنْهُ مُدَّة وَلَا يدْخلهُ دَوَاء وَإِن رد إِلَى شكله حِين خرج هاج وجعاً فيضطر أَن يشق شقاً مُوَافقا.
قَالَ: إِذا كَانَت القروح وارمة فَلَا يَنْبَغِي أَن ترْبط وَكَذَلِكَ لَا تحْتَاج إِلَى الرِّبَاط إِذا كَانَ الْجرْح يُرِيد أَن يتقيح وَإِذا نضج فَإِنَّهَا مَا دَامَت تحْتَاج أَن تنقى أَو تبنى لَحْمًا فَإِنَّهَا تحْتَاج من الرِّبَاط إِلَى)
أقل مَا يكون وَفِي مثل هَذَا الرِّبَاط لَيْسَ تكتفي الْأَجْزَاء المتفرقة لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى رِبَاط يضْبط عَلَيْهَا وَيلْزق بَعْضهَا بِبَعْض.
الخراجات الطرية تحْتَاج إِلَى رِبَاط مُحكم شَدِيد يكون شده عَلَيْهَا بجمعها ثمَّ يذهب قَلِيلا قَلِيلا إِلَى فَوق لِئَلَّا يمِيل إِلَيْهَا الْموَاد وتلتزق وَلَا ترم والجراحات الَّتِي تحْتَاج أَن تنقى وَقد أمنت أَن يَجِيء إِلَيْهَا شَيْء تحْتَاج إِلَى رِبَاط يعصرها نَحْو الفوهة وَالَّتِي تُرِيدُ أَن ينْبت فِيهَا لحم يَنْبَغِي أَن يكون الرِّبَاط رخواً وخاصة نَحْو مجْرَاه إِلَى فَوق لِئَلَّا يمْنَع انصباب الدَّم ألف د فَإِنَّهُ لَا شَيْء أضرّ من أَن ينحف الْعُضْو ويضمر فِي وَقت نَبَات اللَّحْم وَيزِيد فِي مدَّته قَلِيلا قَلِيلا كل يَوْم بِمِقْدَار مَا يلزق الجزءين بعضهما بِبَعْض ليَقَع الالتحام.
وَقَالَ: الأجود أَلا تبادر إِلَى بط الْخراج وَقد بَقِي مِنْهُ شَيْء لم يستحكم نضجه لِأَن مكث الْمدَّة هُنَاكَ إِلَى أَن يستحكم جَمِيع مَا تُرِيدُ أَن ينضج وَيصير مُدَّة أسْرع وأبلغ.
بططنا غير مرّة خراجات على النّصْف من النضج فَكَانَت لَا تنقى إِلَّا بِجهْد ويسيل مِنْهَا أَيَّامًا صديد رَدِيء وقدرت أَن ذَلِك هُوَ مَا كَانَ أزمع أَن يصير مُدَّة وَرَأَيْت الخراجات المستحكمة النضج تنقى وتدف سَرِيعا فالأجود أَن تتْرك حَتَّى يجود النضج إِلَّا أَن يكون عِنْد مفصل أَو عظم أَو عُضْو شرِيف.
مَتى ورم دَاخل القرحة أَو نقص أَو تقبض أَو تكمش شفتاها إِلَى دَاخل وَمَتى ورم خَارِجهَا انقلبت شفتاها وَإِذا دخلت شفتا القرحة إِلَى دَاخل بِسَبَب نُقْصَان يكون فِي الدَّاخِل كَانَ ضَرُورَة شفتا القرحة رقيقتين مهزولتين كَأَنَّهُمَا خرقَة رخوة.
قَالَ: إِن بللت خرقَة بِالْمَاءِ العذب ووضعتها على القروح رطبتها ورهلتها فَإِن كن مَاء ملحاً أَو مَاء بَحر جففها فَأَما الَّذِي يخالطه الشب فَأَنَّهُ ينفع القروح كلهَا إِلَّا أَنَّهَا للَّتِي ينجلب إِلَيْهَا شَيْء من الْموَاد أعظم وأسرع نفعا بتجفيفه لَهَا كلهَا.(4/126)
كَانَ رجل قد خرجت أمعاؤه فَلم تدخل وَهُوَ مستلق على قَفاهُ فَأمر رجل أَن تُؤْخَذ يَدَاهُ وَرجلَاهُ وتشال فيقوس ظَهره وَدخلت الأمعاء.
قَالَ فِي الخراجات الَّتِي تنضج قَالَ: الأورام الَّتِي تذْهب إِلَى النضج يَنْبَغِي أَولا أَن يسكن عَنْهَا الوجع بالنطولات والضمادات المرخية ليجمع ذَلِك تسكين الوجع والتقيح ثمَّ يبط فَإِن بَقِي شَيْء من الورم حول الْجرْح أَو وجع ضمد بِمثل تِلْكَ حَتَّى إِذا سكن الوجع كُله أخذت ألف د فِي)
تنقية القرحة وتجفيفها وَبِنَاء اللَّحْم ثمَّ أخذت فِي الإدمال.
قَالَ: وَلَا تستعجل بالبط وَإِخْرَاج الْمدَّة لِأَن مكثها دَاخِلا إِلَى أَن يتَغَيَّر مَعَه سَائِر مَا هُنَاكَ أَجود وأسرع للتغيير. اسْتدلَّ على أَن الْكَهْف قد لزق بِأَن لَا يسيل مِنْهُ شَيْء أَو يكون قَلِيلا غليظاً وَيكون ضامراً وبالضد وعلاج الْكَهْف على هَذِه الصّفة: تغسله بِمَاء الْعَسَل إِن احْتَاجَ إِلَى ذَلِك ثمَّ ترزق فِيهِ مرهماً ينْبت اللَّحْم وتطلي مرهماً قوي التجفيف لطيف الْأَجْزَاء مَعَ ذَلِك غواصاً على خرقَة وَيُوضَع خَارِجا على الْكَهْف كَمَا هُوَ ثمَّ يوضع فَوق مَوضِع الْكَهْف خرقَة مبلولة بشراب قَابض ثمَّ يشد شداً يُرْخِي نَحْو فَم الْكَهْف وَيجْعَل على فَم الْكَهْف خرقَة لَا تملؤه مطلية بالمرهم وَلَا تجْعَل إِلَّا بعد الثَّالِث فَإِن سَالَ مِنْهُ فِي الْيَوْم الأول صديد رَقِيق فَلَا بَأْس فِي التحامه وَإِن سَالَ شَيْء صديدي فِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِنَّهُ لم يلتحم فأعد التَّدْبِير عَلَيْهِ.
قَالَ: رَأَيْت رجلا أَصَابَته ضَرْبَة بَين أضلاعه السُّفْلى خرج مِنْهَا غَائِط لِأَنَّهُ كَانَ دون فضاء الصَّدْر فنجا وَآخر مثله برِئ أَيْضا.
قَالَ: وَآخر لم يخرج مِنْهُ ثفل وَبرئ أَيْضا وَمَعْلُوم أَن الْأَوَّلين تخرقت مِنْهُم بعض الأمعاء أَيْضا.
قَالَ: ورجلاً جرح حَيْثُ عظم الْكَاهِل فَخرج مِنْهُ بَوْل فَعلمنَا أَن معاه الْمُسْتَقيم انخرق. ورجلاً قَالَ: القروح الْعَارِضَة فِي أبدان الْمَشَايِخ يعسر برؤها لقلَّة الدَّم فِي أبدانهم هَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَن يكمدوا وَتجْعَل أدويتهم الَّتِي تنْبت اللَّحْم حارة كالزفت فَإِنَّهُ عَجِيب. وَكَانَت امْرَأَة فِي المارستان فِي وَجههَا قرحَة حولهَا لحم كلحم السّمك عديم الدَّم كَانَت بَيْضَاء صفراء رَدِيئَة ألف د الكبد بالبرد فعولجت سنة فَلم تَبرأ فَأمرت أَن يدلك ذَلِك الْموضع ويضمد وَيُزَاد فِي الدَّوَاء زراوند ونورة وَيُزَاد فِي الْغذَاء وَيشْرب فبرئت.
البط كُله بالطول إِلَّا تَحت اللحى وَفِي الحالب.
المرهم الْأسود يلين الْجرْح جيد للمواضع العصبية فِي الشتَاء رَدِيء للقروح الحامية وخاصة فِي الصَّيف والأبيض جيد لهَؤُلَاء وَمَتى كَانَ بِالْقربِ عظم مَكْشُوف(4/127)
فالأبيض. مَتى رَأَيْت على قرحَة وضراً كثيرا بِأَكْثَرَ مِمَّا تسْتَحقّ هِيَ فِي نَفسهَا لصِغَر مقدارها فقس بالمجس فَإِن تحتهَا كهفاً.
النواصير الذاهبة على عَمُود لَا تبط بل الدَّوَاء الحاد.
اللَّحْم الْأَحْمَر صلب والرخو الَّذِي يشبه لحم الرئة الرهل رَدِيء يحْتَاج إِلَى أَن يُؤْكَل بِالْجلدِ.
الْمدَّة لَا يَنْبَغِي أَن تطول مدَّتهَا خَاصَّة بِحَيْثُ مفصل أَو عظم إِذا بدأت الْجراحَة تَبرأ بِعَمَل النَّافِذ)
إِلَى جَوف الصديد وَالَّذِي قد خرق الأمعاء لَا يبرأ. والناصور الَّذِي يخرج مِنْهُ الْبَوْل لَا يبرأ.
الْأذن والشفة يَنْبَغِي أَن تحك أبدا وَلَا تتْرك تندمل لِئَلَّا تَجِيء نَاقِصَة بِمدَّة وطرف الْأنف يندمل بِسُرْعَة ويلتزق حَتَّى يحْتَاج أَن يمْنَع بمرهم أَخْضَر. إِذا كَانَت الْجلْدَة رقيقَة شبه خرقَة حَمْرَاء أَو بنفسجية لم تلتزق وَإِذا كَانَت بَيْضَاء غَلِيظَة سَمِينَة فلتحك وَيحك الْموضع ويشد فَإِنَّهُ يلْزم.
القروح الرَّديئَة إِذا ضربهَا حمرَة صلحت بعد ذَلِك. والناصور الَّذِي فِي الفك علاجه قلع ذَلِك الضرس الَّذِي يخرج مِنْهُ مُدَّة فَإِنَّهُ يبرأ.
توق الشق فِي المفاصل فَإِن عِنْدهَا أبدا تكون شرايين عظاماً ظَاهِرَة.
يَنْبَغِي أَن احتجت أَن تَأْخُذ سلْعَة أَو تبط بطاً عَظِيما أَن يكون بعد استقصاء النّظر بحضرتك دَوَاء جالينوس وَبَيَاض الْبيض ووبر ألف د الأرنب أَو ريش مقرض وتفقد جهدك فِي النّظر لِئَلَّا يَقع عرق عَظِيم فَإنَّا كُنَّا نخرج سلْعَة فَعِنْدَ السّلع انْقَطع عرق فانبعث علينا من الدَّم مَا منع واحتجنا بِسَبَبِهِ إِلَى ترك الْعَمَل وَإِذا حدث مثل هَذِه الْأَشْيَاء بادرت إِلَى إمْسَاك الدَّم بِهَذِهِ والأجود أَن تكون المكاوي حاضرتك وتضع الإصبع على الشق سَاعَة ثمَّ تضع عَلَيْهَا الكي إِن كَانَ أمرا غَالِبا شَدِيدا.
قَالَ: يَنْبَغِي فِي شقّ النواصير ومراق الْبَطن أَن تتَّخذ لَهُ رقيقَة حادة من جَانب وَاحِد وَغير محددة الرَّأْس كَمثل السكين وَهَذَا يصلح لنواصير الْأنف.
قَالَ: رُبمَا قطع الْقَضِيب كُله والأنثيان مَعَه إِذا تعفن.
الكيموسين قَالَ: إِذا بَقِي دم فِي الْجِرَاحَات الغائرة وجمد وَصَارَ علقاً وعفن قد عفن الْعُضْو كُله لذَلِك يَنْبَغِي أَن تستقصي ذَلِك.
قَالَ أبقراط: كل قرحَة طرية أَي قرحَة كَانَت سوى القرحة الَّتِي تكون فِي الْبَطن فَيَنْبَغِي أَن تجْرِي من الْجرْح نَفسه دم إِمَّا كثير وَإِمَّا قَلِيل فَإِنَّهُ إِذا جرى من القرحة كَانَ تورمها وتورم مَا حولهَا أقل.
إِذا قصر الدَّم فِي الْجِرَاحَات الضيقة أَن يجْرِي فِي هَذِه الْجراحَة أَشد فَيَنْبَغِي أَن يبل صوف مَرْعَزِيٌّ لين فِي زَيْت حَار ويلف على مَا بَين الْإِبِط إِلَى الْجَانِب كَمَا يَدُور وَلَا بَأْس أَن تحقنه بِشَيْء هَذَا سَبيله فَإِن كَانَت الْجراحَة قد وصلت إِلَى المعي واعتقر وَاحِد مِنْهَا فعالجه كَمَا وصفت فَأَما الحقنة فاحقنه بشراب أسود قَابض فاتر وخاصة إِن كَانَ الْجرْح قد(4/128)
أبلغ إِلَى المعي)
حَتَّى صَار نَافِذا إِلَى جَوْفه. والأمعاء الْغِلَاظ أسهل برءاً والدقاق أعْسر والمعي الصَّائِم خَاصَّة لَا برْء لَهُ إِذا خرج لِكَثْرَة مَا فِيهِ من الْعُرُوق وعظمها ورقة ألف د جرمها وقربه من طبيعة العصب وَلِأَنَّهُ ينصب إِلَيْهِ المرار وَهُوَ صرف حَار بعد خَالص فَهُوَ من هَذَا أقرب الأمعاء كلهَا إِلَى الكبد فَأَما المعي السفلي فَإِنَّهَا لما كَانَت طبيعة اللَّحْم صرنا من مداواتها على ثِقَة والأدوية أَيْضا تقف فِيهَا وتلبث لَازِمَة لَهَا مُدَّة طَوِيلَة. وَإِن برز الثرب واسود واخضر مَا برز مِنْهُ فأوثق مَا اخضر مِنْهُ برباط ثمَّ أقطع مَا اخضر مِنْهُ وَأدْخلهُ إِلَى دَاخل وَخط المراق ودع طرفِي الْخَيط الَّذِي ربطت بِهِ الثرب خَارِجا لكَي تمده إِذا عفن وقاحة الْجراحَة بسهولة وَلَا تخش من قطع الثرب فَإِنَّهُ لَيْسَ يُشْرك العصب مُشَاركَة توجب مَكْرُوه خطر وَلَا الْعُرُوق الضوارب وَغير الضوارب ومنفعته فِي الْبدن أَكثر. وَإِنَّمَا يسخن الْبَطن وَقد يقل الهضم بِقطع الثرب وخاصة إِن كَانَ العليل نحيفاً.
أبيذيميا: الخراجات الْحمر المحددة الرؤوس تدل على خلط حَار لطيف وَالْبيض العراض على خلط غليظ بَارِد.
قَالَ: وَمَا عفن من الْأَعْضَاء فاقطعه واكوه وارم بِهِ.
كثيرا مَا ترم الرّكْبَة فَلَا يكون فِيهَا إِذا بطت شَيْء وَلَكِن تكون الفضلة إِمَّا إسفنجية وَإِمَّا مبلولة برطوبة كَثِيرَة وَإِمَّا اجْتِمَاع الْحَالين.
القروح الَّتِي ينتثر الشّعْر حولهَا ويتقشر الْجلد قُرُوح خبيثة أكالة رَدِيئَة النواصير تنتقص إِمَّا للامتلاء وَإِمَّا لرداءة الأخلاط وَإِمَّا لحركة مفرطة فِي الْعُضْو الذب هِيَ فِيهِ.
طيماوس قَالَ: إِذا صَار الْبدن عسر التَّحَلُّل فَلَا ينْحل مِنْهُ شَيْء الْبَتَّةَ بِسَبَب تكاثف قوى حدث عَلَيْهِ فَإِن الْعُضْو الَّذِي يتنفس من ذَلِك الْعُضْو يعفن فَيعرض من ذَلِك للحم وَالْعِظَام شقاقلوس وَهِي الخبيثة. لي الَّذين يصيبهم الْبرد ينضغط ألف د أَولا ذَلِك الْموضع انضغاطاً شَدِيدا ثمَّ يجيئها بعقب ذَلِك دم كثير لِأَنَّهَا توسعت بِالْفَسْخِ فَلَا يُمكن أَن تحلل جَمِيع مَا يجيئها لِأَنَّهُ يجيئها فرق مَا يُمكن أَن يتَحَلَّل من منافسها لِأَن منافسها أَيْضا قد ضَاقَتْ فَوق الْحَال الطبيعية فيعفن مَا جَاءَ وَيُسمى بِفساد ذَلِك الْعُضْو فَالرَّأْي فِي منع الخبيثة أبدا أَن يشرط الْعُضْو الَّذِي كثرت فِيهِ الْمَادَّة أَو يسخفه بالمحللة مَا أمكن كَمَا يفعل بالمضروب من النَّاس جلد الْكَبْش حاراً. وَإِذا كَانَت الْمَادَّة كَثِيرَة وَالْجَلد مكتنز كالحال فِي الْبرد فَلَيْسَ يَعْنِي إِلَّا الشَّرْط فَأَما)
فِي الضَّرْب فَإِنَّمَا صَار يبرأ بِالْجلدِ لِأَن الْجلد هُنَاكَ فِيهِ خرق كَثِيرَة.(4/129)
قَالَ: مَتى حدثت جِرَاحَة فَأَرَدْت أَن تستفرغ الدَّم فَاجْعَلْ الشكل الَّذِي شكل بِهِ الْمَرِيض مَنْصُوبًا إِلَى أَسْفَل وبالضد وَالَّذِي ينفع استفراغه فِي الْجِرَاحَات إِذا كَانَ الْبدن ممتلئاً لِأَنَّهُ عِنْد ذَلِك إِن لم يجر دم كثير حدث ورم عَظِيم جدا. وَمَتى كَانَ الدَّم فِي الْبدن قَلِيلا فَيَنْبَغِي أَن تعْمل بالضد فتقلعه وَقس على ذَلِك جَمِيع الاستفراغات فمهما أردْت أَن تستفرغ فصوب شكله إِلَى أَسْفَل وبالضد.
قاطيطريون: إِذا كَانَ الْأَصَابِع قُرُوح فَاجْعَلْ بنيها خرقاً لِأَن قوما قد التحمت أَصَابِعهم بالقروح فِيمَا بَينهَا وَأحذر فِي القروح الغائرة أَن تزحمها بالرباط وَبِمَا يؤلمها ألماً يُورث الورم.
قَالَ: وَإِنَّمَا يحْتَاج الْجرْح إِلَى الرَّبْط الْجَامِع للشفتين إِذا أُرِيد الالتزاق والالتحام. فَأَما إِذا كَانَ يحْتَاج أَن ينْبت فِيهِ لحم وَأَن يبْقى سَائِر ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى الرِّبَاط الْجَامِع للشفتين لَكِن مرّة الرِّبَاط الَّذِي يصب الوضر من فِيهِ وَمرَّة رِبَاط بِقدر مَا يمسك الدَّوَاء عَلَيْهِ.
قَالَ: ألف د وَيُجزئ أَن تكون فوهة الْجرْح لمَكَان ينصب الوضر مِنْهُ دَائِما بطبعها إِمَّا بِأَن يُوقع البط هُنَاكَ وَإِمَّا بِأَن يشكله بذلك الشكل فَإِنِّي قد أبرأت جرحا كَبِيرا كَانَ غوره حَيْثُ الرّكْبَة وفوهته فِي الْفَخْذ من غير أَن جعلت لَهُ فوهة أَسْفَل عِنْد الرّكْبَة لَكِن نصبت الْفَخْذ نصبة كَانَ القعر فَوق الفوهة أَسْفَل فبرأ من غير بط فِي الْأَسْفَل وَكَذَلِكَ قد علقت الساعد والكف وَغَيرهمَا تَعْلِيقا تكون الفوهة أبدا إِلَى أَسْفَل.
قَالَ: الجروح الغائرة يَنْبَغِي أَن تداوى بدواء قوي التجفيف والتنقية حَتَّى تصير جافة نقية إِذا كَانَ مَعَ الْجِرَاحَات ورم فتوق أَن تثقلها بالخرق والأضمدة توقياً شَدِيدا.
من كتاب الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: من عرضت لَهُ قرحَة فِي سَاقه فَإِنَّهُ يسكن وَلَا يمشي فَهُوَ أَجود لَهُ وَإِن هُوَ سكن أَيَّامًا ثمَّ مَشى بِأخرَة فضرره لَهُ أعظم من أَن يكون قد عودهَا الْمَشْي مُنْذُ أول الْأَمر.
قاطاجانس قَالَ: أَنا أسمي القروح الَّتِي تتجلب إِلَيْهَا مَادَّة إِمَّا كَثِيرَة وَإِمَّا حارة من غير أَن تكون قد أفسدت مزاج الْعُضْو العليل وصيرته فِي حد مَا يفْسد مَا يصير إِلَيْهِ وَلَو كَانَ خلطاً جيدا بِسوء مزاجه قروحاً عسرة الإندمال. فَأَما الَّتِي هِيَ بِالصّفةِ الثَّانِيَة فَهِيَ قُرُوح خبيثة.
قَالَ: وَيصْلح لَهَا من الْأَدْوِيَة مَا يجفف بِقُوَّة من غير لذع وَذَلِكَ إِن أَكثر هَذِه القروح تكون غائرة)
مُفْردَة من أجل أَنَّهَا تحدث عَن رُطُوبَة لذاعة رَدِيئَة فَهِيَ لذَلِك تحْتَاج أَن ينْبت فِيهَا لحم.
قَالَ: طبيعة القروح العفنة غير طبيعة القروح الْعسرَة الإندمال وَذَلِكَ أَن العفنة تدب والعسرة تنحاز انحياز لَا تجاوزه والآكلة تَأْكُل مَا يتَّصل بموضعها من غير أَن تعفنه وَمن غير أَن تحدث مَعهَا حمى لَازِمَة لَهَا. ألف د(4/130)
من تقدمة الْمعرفَة: أَحْمد الْمدَّة الْأَبْيَض المستوي الأملس الَّذِي لَا رَائِحَة لَهُ مُنكرَة وبالضد من هَذَا فَهُوَ رَدِيء لِأَن الرَّائِحَة الشَّدِيدَة تدل على النضج.
فَأَما بَيَاض لَوْنهَا فَيدل على جودة النضج وَذَلِكَ أَن النضج إِنَّمَا هُوَ تشبه الشَّيْء بلون الْأَعْضَاء الَّتِي تجيئه. ولون الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة الَّتِي تحيل الْخَلْط إِلَى الْمدَّة أَبيض. والمدة إِنَّمَا تكون عَن الدَّم الَّذِي يبرز وَيخرج إِلَى خَارج الْعُرُوق فَإِن انطبخ بحرارة نارية شَدِيدَة عفن عفناً بِمَنْزِلَة مَا يكون فِي أبدان الْمَوْتَى وَإِن انطبخ بحرارة معتدلة لم يحدث فِيهِ من الحدة مَا يحدث من الهضم كالحال فِي الْمَنِيّ وَلَكِن يَنْبَغِي أَن تعلم أَن الْمدَّة لَا يُمكن أَن يبلغ حَال الْمَنِيّ فِي عدم الرَّائِحَة الرَّديئَة وَشدَّة الْبيَاض لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون فِيهِ من العفونة شَيْء صَالح فَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن أصلح حالاته قَالَ: وكل خراج يتقيح إِلَى خَارج وَإِلَى دَاخل فرديء جدا لِأَنَّهُ لَا يكون للطبيعة مَوضِع تبتدئ مِنْهُ بإنبات اللَّحْم.
الْفُصُول: فِي وَقت تولد الْمدَّة يعرض الوجع والحمى أَكثر مِمَّا يعرضان بعد تولدها. إِن الْمدَّة إِنَّمَا تتولد من دم يتَغَيَّر فَيصير إِلَى حَال بَين الجيدة والرديئة. والتغير الرَّدِيء هُوَ الَّذِي يكون إِلَى العفونة. والتغير الْجيد هُوَ الَّذِي يتَغَيَّر فِيهِ إِلَى التَّشَبُّه بالأعضاء. فَأَما الْمدَّة فتتغير بِتَغَيُّر متوسط فَإِنَّهُ لَيْسَ يكون من الْحَرَارَة الْخَارِجَة من الطَّبْع وَحدهَا وَلَا من الْحَرَارَة الغريزية وَحدهَا لِأَن تغير الدَّم إِلَى الْمدَّة كَأَنَّهُ متولد من بَين الحرارتين والوجع يكون فِي الْعُضْو الوارم بتمديده وإسخانه وتتبع ذَلِك الْحمى لِأَن الْقلب يسخن بسخونة الْعُضْو الوارم وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ يعرضان أَشد عِنْدَمَا يعرض للدم من الاستحالة الشبيهة بالغليان والاحتراق فَإِذا اسْتكْمل هَذِه الاستحالة خفف الوجع والأعراض لِأَن جالينوس قد بَين أَن الوجع يكون مَا دَامَت تجارب.
فِي كِتَابه فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف: والقروح فِي أبدان الْمَشَايِخ لَا تكَاد تَبرأ لقلَّة الدَّم فِي أبدانهم وَلَيْسَ يُمكن أَن يتكون القروح الَّتِي تتولد فِيهَا الْمدَّة خبيثة عَارِية وَفِي تولد الْمدَّة فِي القروح غَايَة الثِّقَة والأمن من فَسَاد القرحة.
القروح الَّتِي يحدث من أجلهَا التشنج لَا تجمع مُدَّة والآكلة والقروح السرطانية والخيرونية)
من حدثت لَهُ قرحَة فَأَصَابَهُ بِسَبَبِهَا انتفاخ فَلَا يكَاد أَن يُصِيبهُ من أجلهَا تشنج أَو تمدد وَإِن كَانَت القرحة من قُدَّام عرض لَهُ جُنُون أَو وجع فِي الْجنب أَو تقيح أَو اخْتِلَاف دم إِن كَانَ ذَلِك الانتفاخ أَحْمَر.
قَالَ: جالينوس يَقُول: إِنَّه إِذا حدثت بِأحد قرحَة فَأَصَابَهُ بِسَبَبِهَا ورم فَلَا يكَاد يُصِيبهُ من أجلهَا تشنج وَلَا جُنُون إِلَّا فِي الندرة إِذا كَانَ الورم عَظِيما جدا وَكَانَت خبيثة رَدِيئَة وَإِنَّمَا يعرض إِذا كَانَت من خلف التشنج لِأَن مَا خلف من الْبدن يَعْنِي الظّهْر عصبي وَأما قُدَّام الْغَالِب عَلَيْهِ الْعُرُوق الشرايين فَإِذا برأَ فَإِن ذَلِك الْخَلْط مَال إِلَى بعض الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة إِن(4/131)
كَانَت أَعْضَاء عصبية حدث تشنج وَإِن كَانَ فِي مقدم الْبَطن فكثيراً مَا يصير إِلَى الصَّدْر وَيحدث التقيح وَإِن صَارَت إِلَى الأمعاء حدثت قُرُوح الأمعاء. إِذا حدثت جراحات عَظِيمَة وَلم يظْهر مَعهَا ورم فالبلية الَّتِي تكون فِي رُؤُوس العضل وَفِي منتهاه وخاصة ألف د فِي العضل الْكثير العصب عَظِيمَة فَإِذا لم يحدث مَعَ هَذِه الْجِرَاحَات ورم أَو غلط الْأَطِبَّاء فمنعوه بالأدوية الْمَانِعَة وَرُبمَا رَجَعَ ذَلِك العضل إِلَى عُضْو شرِيف فأحدث بلايا وَهَذِه الْجِرَاحَات تحْتَاج أَن تعالج بالأدوية المسخنة المجففة والأورام الرخوة فِي هَذِه محمودة والصلبة ذميمة لِأَن الصلبة تدل على أَن خلطه فج عسر النضج.
إِذا رَأَيْت القرحة ينتثر الشّعْر من حواليها ويتقشر من الْجلد قشور فَاعْلَم أَنه يجْرِي إِلَى الْعُضْو أخلاط رَدِيئَة تحدث فِي تِلْكَ القرحة تأكلاً وتمنعها من الإندمال وَذَلِكَ أَنَّهَا تَأْكُل أصُول الشّعْر وَلَا تدع القرحة تندمل.
القروح الْعَارِضَة فِي أبدان المستسقين عسرة الْبُرْء. قَالَ جالينوس: لَا تَبرأ حَتَّى تَجف جفوفاً محكماً وَلَيْسَ يسهل فِي المستسقين ذَلِك لفرط رطوباتهم.
الْخرق إِذا حدث فِي المثانة أَو الدِّمَاغ أَو الْقلب أَو الكلى أَو بعض الأمعاء الدقاق أَو فِي الْمعدة أَو فِي الكبد فَإِنَّهُ قتال. قَالَ جالينوس: قد يُمكن أَن يسلم من هَذِه فِي الْأَقَل وَأما فِي الْقلب فَإِنَّهُ قَاتل لَا محَالة.
قَالَ: وَإِذا انْقَطع بدن المثانة أَيْضا كلهَا إِلَى أَن وصل الْقطع فِي الفضاء الَّذِي فِي جوفها فقد اتّفق النَّاس أَنه لَا يُمكن أَن يلتحم وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الْأَعْضَاء العصبية والأمعاء الدقاق فَأَما الْمعدة فقد اخْتلف النَّاس فِيهَا هَل تَبرأ إِذا حدث فِيهَا جِرَاحَة غائرة وَقَالَ بعض النَّاس: أَنَّهَا تَبرأ وَيبرأ)
الكبد وَلَو أَنه قطعت مِنْهَا إِحْدَى زوائدها وَالسَّبَب فِي أَنه لَا يلتحم الْقطع فِي الْقلب وَفِي الْحجاب دوَام الْحَرَكَة وَفِي المثانة رقتها وعصبيتها وَعدمهَا للدم وَلذَلِك تَبرأ رقبَتهَا كثيرا من الْقطع الَّذِي يحدث فِيهِ لاستخراج الْحَصَى لِأَن رَقَبَة المثانة لحمية. وَأما الكبد فَيحدث من ألف د جراحتها الْمَوْت لِأَن الدَّم يكثر مِنْهُ فرجه جدا فَلذَلِك يَمُوت صَاحبهَا قبل أَن تلتحم إِذا كَانَت الْجراحَة قطعت فِيهَا عرقاً وَلذَلِك تخْتَلف بِتَصْدِيق الَّذين يَقُولُونَ: إِن بعض جراحاته تَبرأ وَذَلِكَ إِذا لم يقطع عرقاً وَإِن قطعت زَائِدَة مِنْهَا فَإِنَّهُ يبرأ صَاحبهَا مرَارًا كَثِيرَة وَأما الْجِرَاحَات الَّتِي تقع بالدماغ فقد برأَ صَاحبهَا فِي الندرة وخاصة إِن كَانَت صَغِيرَة فَإِن كَانَت عَظِيمَة جَاءَهُ الْمَوْت الْيَقِين. فَأَما الْجِرَاحَات الَّتِي تنفذ إِلَى بعض بطُون الدِّمَاغ فقد اتّفق جَمِيع النَّاس على أَنَّهَا تجلب الْمَوْت فَأَما الأمعاء الدقاق وَأكْثر مِنْهَا فِي ذَلِك طبيعة الْمعدة فَإِن فِيهَا منم الْجَوْهَر اللحمي مِقْدَارًا لَيْسَ باليسير وَلذَلِك إِذا حدث فِيهَا الْجراحَة فَلم تكن غائرة جدا فكثيراً مَا تلتحم فَأَما مَتى انخرق حَتَّى ينفذ الْخرق إِلَى فضائها فَلَا يكَاد صَاحبه يبرأ إِلَّا فِي الندرة. وَالسَّبَب الْأَعْظَم فِي امْتنَاع برْء هَذِه فِيمَا احسب لَيْسَ طبيعة الْعُضْو بل إِنَّه لَا يتهيأ أَن يلْزم الْأَدْوِيَة كَسَائِر الْأَعْضَاء.(4/132)
مَتى انْقَطع عظم أَو غضروف أَو عصبَة أَو الْموضع الدَّقِيق من اللحى أَو القلفة لم ينْبت وَلم يلتحم. قد اتّفق النَّاس أَن الْعظم والغضروف لَا يتولدان إِذا ذَهَبا. وَأما أَن لَا يلتزقا وَلَا يلتحم.
قد اتّفق النَّاس أَن الْعظم والغضروف لَا يتولدان ذَا ذَهَبا. وَأما أَن لَا يلتزقا وَلَا يلتحما فقد اخْتلفُوا فِيهِ. والعظم لَا يلتحم بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يشده دشبد وَإِن شرحت الْحَيَوَان المكسور الَّذِي كل دم يخرج عَن أوعيته إِلَى فضاء آخر فَلَا بُد أَن يفْسد إِمَّا أَن يسود وَإِمَّا أَن يعفن وَإِمَّا أَن يصير مُدَّة. من بط من المتقيحين والمستسقين فَجرى مِنْهُ من الْمدَّة أَو المَاء شَيْء ألف د كثير دفْعَة هلك لَا محَالة كَذَلِك فِي الدبيلات الْعَظِيمَة وكل خراج عَظِيم.
الْمدَّة المتولدة لَا تظهر للحس إِمَّا لغلظها نَفسهَا وَإِمَّا لغلظ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم وَغَيره وَإِمَّا لَهما جَمِيعًا.
إِذا مَضَت للقرحة سنة أَو مُدَّة أطول من ذَلِك وَجب ضَرُورَة أَن يبرز مِنْهَا عظم وَأَن يكون مَوضِع الْأَثر بعد اندماله غائراً.
قَالَ جالينوس: القروح الَّتِي تطول مدَّتهَا إِمَّا أَن لَا تندمل الْبَتَّةَ وَإِمَّا أَن هِيَ اندملت انتقصت)
من غير أَن يكون الْأَطِبَّاء يخطؤن فِي علاجها فَإِنَّمَا يعسر برؤها ضَرُورَة إِمَّا لِأَنَّهُ يجْرِي إِلَيْهَا رطوبات تفْسد مزاج الْعُضْو لطول جري تِلْكَ الرطوبات وَإِمَّا لعظم يفْسد فِي ذَلِك الْموضع.
قَالَ: والآكلة تتسع دَائِما. قَالَ: وَقد اخْتلف فِي أسمائها فَأَما أَنا فأسمي مَا كَانَ سَعْيه فِي الْجلد نملة وَالنَّار الفارسية وَمَا كَانَ يسْعَى مَعَ ذَلِك فِي اللَّحْم غائراً آكِلَة والتجربة تشهد بِصِحَّة قَول أبقراط وَكَثِيرًا مَا تندمل القروح.
من حدث بِهِ فِي دماغه جِرَاحَة فَلَا بُد أَن يحدث بِهِ حمى وقيء مرار أما الْحمى فَلِأَن الورم يحدث فِي الدِّمَاغ إِذا حدثت فِيهِ حرارة وَيتبع الورم فِي كل عُضْو رَئِيس حمى وَأما قيء المرار فلمشاركة فَم الْمعدة للدماغ فِي الْعلَّة. وَقد يعرض قيء المرار إِذا وَقعت الْجراحَة بالغشاء الصلب من أغشية الدِّمَاغ أَيْضا. إِذا بدا الثرب فَلَا بُد أَن يعفن.
قَالَ جالينوس: إِذا بدا الثرب وَهُوَ الغشاء الْمُتَوَسّط على الْمعدة والأمعاء من مزاجه وَبَقِي خَارِجا فضل بَقَاء فَلَيْسَ يبْقى صَحِيحا بطبعه كَمَا يبْقى المَاء. والزائدة من زَوَائِد الكبد إِذا كَانَت من مزاجه فَإِن هَذِه إِن لم يطلّ بَقَاؤُهَا خَارِجا جدا حَتَّى تبرد بردا شَدِيدا فَإِنَّمَا تعود إِلَى حَالهَا الأولى بعد اندمال الْجرْح. فَأَما الثرب فَإِنَّهُ لَو وثب خَارِجا مُدَّة يسيرَة ألف د فَإِنَّهُ إِذا أَدخل وخيط عفن دَاخِلا وَلذَلِك يقطع الْأَطِبَّاء مَا يَبْدُو مِنْهُ فِي أقل الْحَالَات يكون أَلا يعفن وَذَلِكَ إِذا لم يبْق إِلَّا قَلِيلا جدا.
إِذا حدث خراج إِلَى دَاخل حدث من ذَلِك سُقُوط الْقُوَّة وذبول النَّفس.
إِذا حدث عَن الضربان الشَّديد فِي القروح انفجار الدَّم فَذَلِك رَدِيء لِأَنَّهُ يدل إِن انفجاره من عروق ضوارب لحفز من الطبيعة لدفع مَا يؤلمه.(4/133)
لي على مَا رَأَيْت فِي كتاب المزاج: الْأَبدَان الْيَابِسَة التحام قروحها أعْسر وَأَبْطَأ لِأَن التحام الْأَشْيَاء الرّطبَة أسهل وَيعرف ذَلِك من أَن الشريان ليبسه لَا يسهل التحامه. وَإِذا شقّ للصبيان حنين قَالَ فِي كتاب الْعين كتبناه لاجتماعه واختصاره ولي فِيهِ إصْلَاح: كل قرحَة إِمَّا أَن تكون بسيطة وَإِمَّا مركبة فَإِن كَانَت بسيطة أَعنِي أَن تكون شقاً فَقَط فَإِنَّهَا إِن كَانَت صَغِيرَة تحْتَاج إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء: ضم الشفتين وحفظها على الانضمام بالربط أَو الْخياطَة وَالْحِفْظ لِأَن لَا يَقع بَين الشفتين شَيْء كالدهن وَالْغُبَار وَإِن كَانَت عَظِيمَة لم يقدر على جمع الشفتين لِأَنَّهُ يبْقى فِي عمق الْجرْح فارغة وتجتمع فِيهَا رُطُوبَة لضعف الْعُضْو والوجع فَيحْتَاج حِينَئِذٍ الْجرْح إِلَى دَوَاء مجفف)
يفني الرُّطُوبَة ويملأ القرحة لَحْمًا.
فَإِن كَانَت القرحة مركبة أَعنِي أَن يكون مَعهَا وجع أَو ورم أَو سوء مزاج أَو شَيْء يسيل إِلَيْهَا فأقصد لذَلِك فَإِن كَانَ يسيل شَيْء فأفرغ الْبدن وَأصْلح الْغذَاء وقلله وزد فِي تجفيف القرحة بِالَّتِي تجفف بِقُوَّة وَإِن كَانَ مَعهَا وجع فاقصد لتسكين الوجع وتجفيف مَا يَجِيء من الرُّطُوبَة من أجل الوجع. ألف د وَإِن كَانَ مَعهَا ورم فاقصد لحل ذَلِك الورم وَإِن كَانَ مَعهَا سوء مزاج فليدفع ذَلِك السوء المزاج عَن الْبدن بأسره وَعَن الْعُضْو ثمَّ عَن مَوضِع الْقُوَّة بِمَا يبطل قوتها بِمَا يمْنَع مَجِيء تِلْكَ الرطوبات أَو ذَلِك الدَّم الرَّدِيء إِلَيْهِ فَإِن هَذِه أَعْرَاض تحْتَاج إِلَى أَن تتقدم قبل أَن تَأْخُذ فِي إلحام القرحة فَإِن كَانَ بعد هَذَا لم يذهب من جَوْهَر الْعُضْو شَيْء فاقصد الْقَصْد الأول وَهُوَ إلحام فَقَط وَإِن كَانَ قد ذهب شَيْء من جوهره فاقصد لإخلافه بإنبات اللَّحْم وإنبات اللَّحْم يكون بالأدوية الَّتِي تجفف وتجلو أما التجفيف فلنفي الرُّطُوبَة الَّتِي تَجْتَمِع فِي القرحة الَّتِي تمنع الطبيعة من إنبات اللَّحْم وَأما الْجلاء فلتنقي القرحة من الْوَسخ وَذَلِكَ لِأَن فضلتين دائمتي الاستفراغ من مسام الْجلد لَطِيفَة وَهِي الْعُرُوق وغليظة وَهِي الْوَسخ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يغتذي بِمَا يَجِيئهُ فَيحْتَاج فِي ذَلِك إِلَى دَوَاء يَابِس جلاء ليفني بيبسه الرُّطُوبَة ويجلي بِهِ الْوَسخ.
وَإِذا نظرت فِي الْأَعْرَاض الَّتِي ذكرت فَإِن كَانَت القرحة إِنَّمَا ذهب مِنْهَا الْجلد فَقَط فَاسْتعْمل الْأَدْوِيَة المدملة وَهِي الَّتِي تغير سطح اللَّحْم فتصلبه حَتَّى تكون كالجلدة وَهَذَا يَفْعَله إِمَّا الْأَدْوِيَة القابضة فبجوهرها وَإِمَّا بِالْعرضِ فكالأدوية الحارة فَإِن قليلها يدمل وكثيرها ينقص اللَّحْم. وَإِن كَانَ الَّذِي ذهب لَحْمًا فَقَط فَيحْتَاج إِلَى مَا ينْبت اللَّحْم ثمَّ يلزق اللَّحْم بِالْجلدِ وَإِن كَانَ مَا ذهب لَحْمًا وجلداً فَيحْتَاج إِلَى مَا ينْبت اللَّحْم ثمَّ مَا يدمل. وكل دَوَاء تعالج بِهِ قرحَة فَهُوَ لَا محَالة يَابِس إِلَّا أَنه إِن كَانَ مِمَّا يَبْنِي اللَّحْم فَهُوَ أقلهَا تجفيفاً لِأَن الإفراط فِي التجفيف يمْنَع الطبيعة من إنبات اللَّحْم فَيَنْبَغِي أَن يكون يبسه قَرِيبا من الأول ليجفف الفضلة وَلَا يجفف اللَّحْم وَيَنْبَغِي أَن يكون جلاء ليجلو ألف د مَا بَقِي فِي القرحة من الْوَسخ وَأما الدَّوَاء الَّذِي يلصق الْجلد بِاللَّحْمِ فَيَنْبَغِي أَن يكون أَشد تجفيفاً وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون جلاء وَأما المدمل فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون أجفها ليصلب اللَّحْم فَيَجْعَلهُ جلدَة فَهَذِهِ جملَة علاج القروح الَّتِي لَا رداءة مَعهَا.(4/134)
اغلوقن قَالَ جالينوس: إِذا أَنْت بططت الفلغمونى إِذا جمع فإياك أَن تقربه بعد ذَلِك مَاء ودهناً لَكِن اجْعَل غسله إِذا احتجت إِلَى ذَلِك بِمَاء الْعَسَل أَو بالخل وَالْمَاء وَإِن كَانَ قد بَقِي فِي الْجرْح)
من الورم شَيْء فضمده فَوق بالعدس وَنَحْوه وضع عَلَيْهِ المراهم المجففة مثل مرهم القلقطار وَنَحْوه وضع فَوْقه على الْعُضْو صُوفًا مبلولاً بشراب عفص أَو خل ممزوجين مزاجاً يتهيأ شربه وَإِيَّاك فِي مثل هَذِه الْجراحَة والمراهم اللدنة مثل الباسليقون وَنَحْوه لِأَن هَذِه ترخي وَهَذَا الْجرْح يحْتَاج أَن يجفف بِأَكْثَرَ مِمَّا يكون.
كل قرحَة عريضة الْأَسْفَل فَهِيَ من خلط بَارِد لَا يكون فِيهَا حكة وَإِن كَانَت حادة الْأَسْفَل فَفِيهَا حكة وعفن.
قَالَ ج فِي حِيلَة الْبُرْء: إِذا ذهب من الْجراحَة عظم فَلَيْسَ يمتلئ امتلاء محكماً لكنه يبْقى بعد اندماله غائراً.
وَقَالَ أَيْضا هَهُنَا: أَن الزَّيْت إِن صب فِي قرحَة غائرة وضرها وَإِن كَانَ الْوَقْت حاراً وَالْبدن مستعداً لم يُؤمن عَلَيْهِ أَن يتعفن ذَلِك الْعُضْو. والزنجار وَحده يَأْكُل مَعَ وجع شَدِيد ولذع وورم حَار وَإِن طَالَتْ الْمدَّة بِهِ أصَاب العليل مِنْهُ تشنج.
وَقَالَ: الشَّرَاب دَوَاء جيد لجَمِيع القروح لِأَنَّهَا كلهَا تحْتَاج أَن تجفف وتقبض يَنْبَغِي أَن ينظر فِي وَقَالَ: مَتى كَانَ اللَّحْم الَّذِي فِيهِ القرحة أَشد حرارة أَو برودة مِمَّا يَنْبَغِي أَن ألف د يكون عَلَيْهِ عرض ذَلِك قبل حُدُوث القرحة أَو بعده فَيَنْبَغِي أَلا يقْتَصر بالدواء على مِقْدَار مَا تحْتَاج إِلَيْهِ القرحة من التجفيف فَقَط لَكِن تَجْعَلهُ مَعَ ذَلِك يسخن أَو يبرد بِالْقدرِ الَّذِي فِيهِ الْبدن عَن مزاجه الطبيعي لِأَنَّهُ محَال أَن تميل القرحة وتلتحم وتندمل على طَرِيق مَحْمُود جيد مَا دَامَ تحتهَا لحم رَدِيء المزاج فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يعْنى أَن يكون لحم القرحة فِي خلال الإدمال وإنبات اللَّحْم بِحَالهِ الطبيعي فَكَمَا أَنه إِذا كَانَ فِي القرحة ورم حَار فَإِنِّي لم أجد أحدا يروم إلحامها حَتَّى يقْصد أَولا لدفع الورم كَذَلِك فِي سوء المزاج الآخر فَمن هَهُنَا لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يقْتَصر على أدوية القروح بِمَا تحْتَاج إِلَى أَن تكون مجففة فَقَط فَإِن كَانَ التجفيف عَاما لَهَا فتأخذ مِنْهَا مَا يجمع إِلَى التجفيف مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي غرضك هَذَا من الإسخان أَو التبريد بِقدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وتجتنب مَا تجَاوز ذَلِك فيسخن أَو يبرد كثيرا لِأَن البنج واليبروج وَنَحْوهمَا وَإِن كَانَت تجفف القرحة بِمِقْدَار مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فَإِنَّهَا تبرد تبريداً مفرطاً وَكَذَلِكَ الراتينج والزفت وَالْخمر فَإِن هَذِه وَإِن كَانَ تجفيفها قصدا فَإِنَّهَا تسخن أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي وَلذَلِك لَا تسْتَعْمل هَذِه مُفْردَة دون أَن تخلط بهَا مَا يعدلها وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِك أَن تنظر إِلَى مزاج الجو فتستعمل فِي الحارة أدوية أبرد وَبِالْعَكْسِ كَمَا إِنَّه)
قد بَان فِي الْأَدْوِيَة المدملة أَن الْأَبدَان الَّتِي مزاجها أبرد تحْتَاج إِلَى أَن تكون أدويتها مَعَ ذَلِك أبرد وَبِالْعَكْسِ فتأخذ الِاسْتِدْلَال على الشَّيْء الطبيعي بِخِلَاف الشَّيْء الْخَارِج عَن الطبيعة لتمد الطبيعي بشكله وتقابل الْخَارِج عَن الطبيعة بضده(4/135)
فَيَنْبَغِي أَن تَأْخُذ من كل وَاحِد من هَذِه اسْتِدْلَالا فَأول مَا تَأْخُذهُ من مزاج جملَة الْبدن ثمَّ مزاج الْعُضْو الَّذِي فِيهِ القرحة ثمَّ حَال القرحة فِي رطوبتها ألف د وَغير ذَلِك ثمَّ حَال الْهَوَاء.
وَرُبمَا اجْتمعت استدلالات متضادة فَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن تَأْخُذ فِيهَا بِهَذَا القَوْل والقانون. فَأنْزل أَن مَرِيضا مزاجه أرطب من المعتدل فَهُوَ يحْتَاج إِلَى أدوية أقل تجفيفاً إِلَّا أَن القرحة فِي عُضْو يَابِس مثل الْأَعْضَاء القليلة اللَّحْم كالأنف والأذنين وَنَحْوهَا وبعكس ذَلِك فَإِن الِاسْتِدْلَال حِينَئِذٍ من مَوضِع الْعلَّة خِلَافه من جملَة الْبدن فَيجب حِينَئِذٍ إِن كَانَ فضل يبس الْعُضْو بالدواء الَّذِي يداوى بِهِ إِذا كَانَت القرحة فِي بدن معتدل المزاج فِي عُضْو معتدل مِنْهُ فَإِن كَانَ الْعُضْو الَّذِي فِيهِ القرحة مجاوراً فِي اليبس للاعتدال بِأَكْثَرَ من مجاورة الْبدن فِي الرُّطُوبَة للاعتدال فزد بذلك الْمِقْدَار وَكَذَلِكَ فَافْهَم فِي الْحَرَارَة والبرودة.
وَإِن تضَاد الاستدلالات فَرُبمَا عطل أَحدهمَا إِذا لم يُمكن أَن يكون إِلَّا بعد كَون الدَّاء يعطل مِثَال ذَلِك: أَن القرحة إِذا كَانَ فِيهَا ورم حَار وَيكون لَهَا غور وفيهَا وضر فَإِن الْمَأْخُوذ من تقوير القرحة وَهُوَ إِنَّهَا تحْتَاج أَن تملأ والمأخوذ من الوضر وَهُوَ أَن تحْتَاج أَن تنقى يتعطلان لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تملأ إِلَّا بنبات اللَّحْم وَلَا يُمكن أَن ينْبت لحم إِلَّا بعد تنقية الوضر وَلَا يُمكن تنقية الوضر إِلَّا بعد أَن تدفع الْحمرَة فَإِذا ذهبت الْحمرَة تعطل وَاحِد وَهُوَ أَن تملأ لَحْمًا وَأَقْبَلت على التنقية فَإِذا نقيت تعطل الإدمال لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن تدمل حَتَّى تملأ وعَلى هَذَا فقس وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي الْعُضْو تَأْكُل أَو فَسَاد مزاج اللَّحْم كَانَ الِابْتِدَاء بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَبْتَدِئ نَبَات للحم إِلَّا من اللَّحْم الصَّحِيح السَّلِيم الَّذِي ألف د تَحْتَهُ وَلَيْسَ يُمكن للحم وارم أَو فَاسد المزاج أَن يتَوَلَّد مِنْهُ لحم طري وَأَيْضًا إِذا كَانَ بعض الْأُمُور أعظم خطراً بدأت بِهِ مِثَال ذَلِك: إِن أَصَابَت رَأس عضلة وجأة فتبع ذَلِك تشنج وَلم تَنْفَعهُ الْأَدْوِيَة الَّتِي يعالج بهَا التشنج واختلاط الْعقل اضطررنا إِلَى قطعهَا وكذاك مَتى عرض فِي مفصل من المفاصل الْكِبَار خلع مَعَ قرحَة قصدنا نَحن إِلَى علاج القرحة حَتَّى تَبرأ وَتَركنَا الْخلْع لَا يبرأ وَذَلِكَ أَنا مَتى رمنا أَن نبرئ الْخلْع أَيْضا أصَاب العليل تنج فِي الْأَكْثَر.)
وَقَالَ: القرحة الَّتِي هِيَ شقّ فَقَط تحْتَاج إِلَى إلحام مزمنة كَانَت أَو قريبَة الْعَهْد والقرحة الَّتِي لَهَا غور ذَاهِب يخفى على الْبَصَر فَانْظُر هَل ذَلِك الْغَوْر من فَوق فَيمكن أَن يسيل مِنْهُ الصديد أَو أَسْفَل فيحتقن فِيهِ فَإِن كَانَ سَبِيل خُرُوج الصديد أَسْفَل فعالجها علاج القروح وَإِن كَانَ صديدها يحتبس فاحتل لَهَا حِينَئِذٍ فِي ذَلِك ضَرْبَيْنِ: فَمرَّة سل غور القرحة كُله وَمرَّة تفتح فِي أسلفه فتحا وطبيعة الْموضع وَعظم القرحة يدلك على أَنا نَفْعل ذَلِك(4/136)
وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ الْغَوْر عَظِيما أَو فِي مَوضِع سَعَة مخاطرة فالأجود أَن تفتح من أَسْفَله بِالْعَكْسِ وَاجعَل الرِّبَاط يَبْتَدِئ من أَعلَى القرحة وَيَنْتَهِي إِلَى أَسْفَلهَا.
القرحة الَّتِي تكون ذَاهِبَة فِي عرض العضلة فشفتها أبدا أَشد تباعداً وَمن أجل ذَلِك تحْتَاج إِلَى أَن تجمع شفتيها باستقصاء أَشد وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تخاط أَمْثَال هَذِه وترفد بعد الْخياطَة فَأَما الذاهبة فِي طول العضلة فَإِن ربطتها برباط يَبْتَدِئ من رَأْسَيْنِ لم تحتج مَعَه إِلَى خياطَة وَلَا إِلَى رفائد. وَمَا كَانَ من القروح عَظِيما فعالجه بأدوية أَشد تجفيفاً وَبِالْعَكْسِ وَمَا كَانَ من القروح كثير الْغَوْر فَهُوَ يحْتَاج ألف د إِلَى رِبَاط يَبْتَدِئ من رَأْسَيْنِ وَأَن تضم شَفَتَيْه ضماً محكماً جدا. وَمَا كَانَ مِنْهَا طَويلا غائراً فَهُوَ يحْتَاج إِلَى أدوية قَوِيَّة التجفيف من أجل الْغَوْر والعظم وَإِلَى ربط وَضم الشفتين شَدِيدا من أجل الْغَوْر والطول والعظم وَإِلَى رِبَاط يَبْتَدِئ م رَأْسَيْنِ وَإِلَى خياطَة عميقة وعَلى هَذَا الْمثل فَخذ الِاسْتِدْلَال على العلاج إِذا صادفت قروحاً مركبة الْأَصْنَاف من علاج أصنافها المفردة فَإِن كَانَت استدلالات غير متضادة فاستعملها أجمع وَإِن كَانَت متضادة فأجد الشد وَالنَّظَر.
كل قرحَة غائرة كَانَت أَو غير غائرة فتحتاج أَن يكون اللَّحْم الَّذِي فِيهَا بَاقِيا على طباعه وَألا يسْقط فِيمَا بَين شفتي القرحة شعر أَو غُبَار أَو دهن أَو وضر أَو شَيْء آخر مِمَّا يمْنَع التحام القرحة وَمحل بَقَاء اللَّحْم على حَاله مَحل السَّبَب الْفَاعِل وعَلى هَذِه مَحل الْعَارِض الْمَانِع من الْفِعْل فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تَعْنِي بِحِفْظ مزاج اللَّحْم وَأَن يكون الدَّم الَّذِي يَأْتِي القرحة طبيعياً وَذَلِكَ أَنه إِن كَانَ هَذَا الدَّم خَارِجا عَن الطَّبْع فَإِنَّهُ قد يكون كم مرّة سَببا لتأكل الْعُضْو وفساده فضلا أَن يكون مَادَّة لإنبات اللَّحْم وَيَنْبَغِي أَن يكون مَعَ اعْتِدَال مزاجه معتدلاً فِي كمية لِأَنَّهُ إِن كثر أَكثر الصديد فِي القرحة فلهذه الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة يعسر برْء القروح أَحدهَا فَسَاد اللَّحْم الَّذِي هيئ بِخُرُوجِهِ عَن الطَّبْع وَالثَّانِي: رداءة الدَّم الَّذِي يحمه وَالثَّالِث: من قبل مِقْدَار ذَلِك الدَّم وَخُرُوج)
اللَّحْم عَن الطبيعة وَرُبمَا كَانَ مَعَ حس مَا حدث وَرُبمَا كَانَ فِي كيفيته فَقَط فَهَذِهِ الْأَسْبَاب المفردة الَّتِي يعسر برْء القروح من أجلهَا.
وَقد تتركب أَيْضا فَنَقُول: إِن رداءة مزاج اللَّحْم يداوى إِن ألف د كَانَ يَابسا قحلاً بِالْمَاءِ المعتدل الْحَرَارَة يصب عَلَيْهِ إِلَى أَن يجْرِي الْعُضْو قد أَحْمَر وانتفخ وَيقطع عَنهُ سَاعَة قد بَدَأَ اللَّحْم ينتفخ وَذَلِكَ أَنه إِن جَاوز هَذَا جليل مَا قد جذبه الْعُضْو إِلَيْهِ من الرُّطُوبَة فنضع مَا قد حصل فِيهِ ونجعل الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا أقل تجفيفاً فَإِن كَانَ اللَّحْم الرطب مِنْهُ فِي الْحَال الطبيعية وَبِالْعَكْسِ فلك أَن تزيد فِي تجفيف الْأَدْوِيَة وَإِن احتجت إِلَى غسل القرحة فاغسلها بشراب أَو بخل ممزوج واجتنب المَاء القراح أَو بِمَاء قد طبخ فِيهِ الحشائش القابضة. وعَلى هَذَا الْمِثَال مَتى أفرط على اللَّحْم الْحر فبرده وَبِالْعَكْسِ فَيعرف ذَلِك من اللَّحْم وَمن اللَّمْس وَمن حس الْمَرِيض وَذَلِكَ أَن الْمَرِيض يجد مرّة التهاباً فِيهِ وَمرَّة برودة ويستريح إِلَى الْبُرُودَة مرّة وَإِلَى الْحَرَارَة أُخْرَى ويجد القروح تعلق بَعْضهَا حمرَة خَفِيفَة رقيقَة وَبَعضهَا(4/137)
يضْرب لَونه إِلَى الْبيَاض أَكثر مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَّة ونقول: إِنَّه مَتى كَانَ مَعَ القرحة وَحدهَا قد تَغَيَّرت إِمَّا فِي لَوْنهَا وَإِمَّا فِي صلابتها تغيراً شَدِيدا فاقطعها إِلَى اللَّحْم الصَّحِيح فَإِن كَانَ قد أمعن ذَلِك الجسوء أَو التَّغَيُّر وَذهب فِي اللَّحْم مَسَافَة طَوِيلَة فَيَنْبَغِي أَن تتَوَقَّف وَتنظر هَل يَنْبَغِي أَن يستقصى على ذَلِك كُله أَو يتعالج لَهُ فِي طول الزَّمَان وارجع فِي ذَلِك إِلَى مَا يهواه الْمَرِيض فَإِن المداواة تتمّ بهما جَمِيعًا.
مَتى كَانَ الدَّم الَّذِي ينصب إِلَى الْعُضْو الَّذِي فِيهِ القرحة لَيْسَ بالكثير الْخُرُوج عَن الطَّبْع فيكفيك أَن تقبض وتبرد مَا فَوق الْعُضْو والرباط يَبْتَدِئ من أَسْفَل القرحة وَيذْهب نَحْو أَعْلَاهَا وَتجْعَل أدويتها أَشد تجفيفاً فَإِن كَانَ لَا يتحلب إِلَى الْعُضْو مِقْدَارًا ألف د لَا تقدر الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا نفس الْعُضْو على قهره فابحث عَن السَّبَب فِي ذَلِك فَإِن كَانَ ضعف الْعُضْو الَّذِي فِيهِ القرحة فاقصد لعلاجه وَضَعفه إِنَّمَا يكون لسوء مزاج مَا وأحسب أَنه الرُّطُوبَة أَو مَعَ الْحَرَارَة أَو مفردتين وَإِن كَانَ السَّبَب فِي ذَلِك امتلاء أَو رداءة جَمِيع الْبدن وامتلاء عُضْو فَوق الْعُضْو الَّذِي فِيهِ القرحة فَأصْلح ذَلِك فَإِن كَانَ قد حدث فَوق القرحة عروق قد اتسعت وَهِي الَّتِي تسمى الدوالي أَو انفسد الطحال أَو الكبد فاقصد لعلاجه ثمَّ عد لمداواة القرحة ورداءة أخلاط الْبدن كلهَا والامتلاء ليمنع أَيْضا من التحام القروح. قَالَ: يَنْبَغِي أَن تقطعها.
وَقَالَ: كل قرحَة خبيثة رَدِيئَة فَهِيَ من أول أمرهَا تكون عَارِية عميقة لِأَنَّهَا إِنَّمَا تحدث عَن)
تَأْكُل.
قَالَ: أنزل أَن بثرة خرجت بِرَجُل فحكها فَلَمَّا انفجرت صَارَت بثرة وتأكلت تأكلاً غير مُسَاوَاة وَأَن هَذَا كُله كَانَ فِي ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَقُول: إِن هَذِه قُرُوح أَخبث من جَمِيع القروح وَإِنِّي لَا أريب إِذا رَأَيْت هَذَا أَن أستدل على الْخَلْط الْغَالِب مِمَّا يظْهر فِي القرحة وَفِي جملَة الْبدن فأقصد على الْمَكَان لاستفراغه بدواء مسهل وَلَا انْتظر بِهِ فَيصير حَاله على حَالَة رَدِيئَة.
قَالَ: القرحة الرَّديئَة الخبيثة يُمكن أَن تَبرأ مَا دَامَت مبتدئة فِي أَيَّام يسيرَة وَإِذا أزمنت عسر برؤها فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تبادر بعلاجها. قَالَ: طول مكث القرحة يدل على أَنَّهَا خبيثة وَطول مكثها يدل على رداءة الأخلاط.
قَالَ: وَقَالَ أبقراط: مَتى كَانَ مَعَ القرحة الورم الْمَعْرُوف بالحمرة فاستفرغ الْبدن كُله بدواء مسهل. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَتى كَانَ مَعَ القرحة ورم أسود وتهيج فاقصد لإنقاء ذَلِك الورم. كل قرحَة يَنْبَغِي أَن تجفف لِأَن الْيَابِس ألف د أقرب إِلَى الصَّحِيح. والقروح الَّتِي مَعهَا فسخ ورض فاحرص على أَن تفتحها بِسُرْعَة لِأَنَّهُ إِذا عاجلها الْفَتْح كَانَ تورمها أقل وَلَا بُد ضَرُورَة أَن يتقيح اللَّحْم المترضض فَإِذا تقيح وَخرج الْقَيْح لم ينْبت اللَّحْم الطري أَن يَبْدُو والقروح(4/138)
الَّتِي من قبل أَن تنقى جيدا تبدأ بنبات اللَّحْم فِيهَا فَهِيَ أَحْرَى أَن ينْبت فِيهَا لحم فضلا وَأما الَّتِي بعكس هَذِه فعكس ذَلِك. وكل القروح تحْتَاج إِلَى أَن تجفف إِلَّا الكائنة من رض أَو فسخ فِي اللَّحْم فَإِن هَذِه تحْتَاج إِلَى أَن ترطب وتسخن لتقيح الْمَادَّة سَرِيعا والإسهال بالدواء نَافِع لجَمِيع القروح الْعسرَة الَّتِي تؤول إِلَى فَسَاد الْعُضْو وَكَذَلِكَ الْقَيْء وَأي جِرَاحَة نفذت إِلَى تجويف الصَّدْر أَو الْبَطن فصاحبها على خطر وخاصة إِن خرقت بعض الأحشاء وَالَّتِي تصيب المفاصل أَيْضا تصير إِلَى حَال رَدِيئَة فِي أسْرع الْأَوْقَات وَذَلِكَ أَنه حَيْثُ كَانَ من الْبدن أوتار أَو عصب.
مَوَاضِع مَعْرُوفَة عديمة اللَّحْم كَثِيرَة الْعِظَام كَانَ من أَصَابَهُ جِرَاحَة فِيهِ مشرفاً لشدَّة الوجع على التشنج والسهر واختلاط الْعقل فَمثل هَذِه الْجِرَاحَات كلهَا تحْتَاج إِلَى الإسهال الْقوي والقيء.
والقروح الَّتِي تُرِيدُ أَن يؤول أمرهَا إِلَى فَسَاد الْعُضْو مَعهَا أبدا ورم حَار وَالَّتِي تدب وتنتشر تتولد من صفراء وَالَّتِي تزمن إِنَّمَا تزمن لرداءة الأخلاط فَلذَلِك ينفعها كلهَا الإسهال وكل قرحَة تكون مَعهَا حمرَة فاستفرغ الْبَطن لَهَا إِمَّا بالإسهال وَإِمَّا بالقيء من النَّاحِيَة الَّتِي هِيَ أصلح وأوفق للقرحة تجذب الْمَادَّة إِلَى جِهَة الْخلاف أَو إِلَى مَوضِع غير الْموضع الَّذِي قد مَال إِلَيْهِ وَمَا)
دَامَ الْفضل ينصب فالجذب يَنْبَغِي أَن يكون إِلَى جِهَة الْخلاف فَإِن كَانَت القرحة ألف د فَوق جعلنَا استفراغ الْبَطن من أَسْفَل وَإِن كَانَت أَسْفَل فالقيء وَإِن كَانَت الْمَادَّة قد انْقَطَعت جذبناها إِلَى مَوضِع قريب لِأَن ذَلِك أمكن وَكَذَلِكَ استفراغ الدَّم.
قَالَ: إِذا كَانَ فِي القرحة ورم فَلَيْسَ يُمكن أَن ينْبت اللَّحْم مَا دَامَت القرحة وارمة.
قَالَ جالينوس: إِذا أردْت أَن تبط الْخراج فشقه فِي أَشد مَوضِع فِيهِ نتوءاً فَإِن هَذِه الْموضع أرق وتوخ أَن يكون البط إِلَى النَّاحِيَة الَّتِي تكون مسيل الْقَيْح إِلَى أَسْفَل ثمَّ ضع عَلَيْهِ بعض الْأَدْوِيَة الَّتِي تجذب بِلَا لذع.
وَإِن وجدت شَيْئا من الْعُضْو قد تعفن فَلَا بُد من قطعه وَإِذا كَانَ البط فِي الأربية والإبط فَلْيَكُن ذَاهِبًا مَعَ ذهَاب الْجلد بالطبع عِنْد مَا يبْنى وَعند البط فاملأ الْموضع بدقاق قشور الكندر فَإِن فِيهِ قبضا يَسِيرا فَهُوَ لذَلِك أفضل من الكندر هَهُنَا فَإِن الكندر الدسم بِسَبَب إِنَّه لَا قبض فِيهِ يقيح قَلِيلا وَأما قشاره فَإِنَّهُ يجفف بِقُوَّة قَوِيَّة وَقبل ذَلِك سكن وجع الْعُضْو بتعريقه بالدهن وَتجْعَل على الفتائل الَّتِي تُوضَع فَوق دقاق الكندر الَّتِي حشوت بهَا القرحة فِي أول الْأَمر الْأَدْوِيَة المقيحة ثمَّ الْأَدْوِيَة المنقية ثمَّ إِن كَانَ فِي القرحة بعد غور فعالجها بِمَا ينْبت اللَّحْم وَإِن لم وَإِذا كَانَ الورم الْحَار والقرحة فِي الرجل فَلَا يقم على رجلَيْهِ ويدلك بدنه ويحركها وَهُوَ جَالس وَإِذا كَانَ فِي الْيَد فالمشي صَالح لَهُ وَذَلِكَ السَّاقَيْن لِأَن القانون اجتذاب الْمَادَّة إِلَى ضد الْجِهَة.
قَالَ جالينوس هَهُنَا أَيْضا: إِنَّا رُبمَا قَطعنَا من عظم السَّاق جُزْءا عَظِيما فَإِذا فعلنَا ذَلِك فقد نبت مَكَانَهُ لحم صلب فِي أول الْأَمر ثمَّ أَنه يصلب حَتَّى يَنُوب عَن الْعظم. وَكَذَلِكَ إِذا قطع سلامى من سلاميات ألف د الْأَصَابِع رَأينَا أَنه ينْبت مَوضِع تِلْكَ السلامى جَوْهَر آخر شَبيه بالجوهر الَّذِي ذكرته قبل فِي الصلابة حَتَّى أَنه يَنُوب عَن تِلْكَ السلامى.(4/139)
قَالَ: وَقد رَأَيْت الْعُرُوق مَرَّات تتولد فِي القروح ويتبين من كَلَامه أَن كَانَ قرحاً هُوَ أغور فَإِنَّهُ يكون من خلط مِثَال ذَلِك السرطان وَمَا كَانَ من الْخَلْط الَّذِي مِنْهُ يكون الطف فَإِنَّهُ يكون أقرب إِلَى سطح الْجَسَد مِثَال ذَلِك: إِمَّا الْحمرَة فَإِنَّهَا للطافتها تخرق اللَّحْم حَتَّى إِنَّهَا لَا تكون إِلَّا فِي الْجلد والنملة للطافتها لَا تكون إِلَّا فِي سطح الْجلد الَّذِي هُوَ فِي الغشاء الْأَعْلَى.
من أَصْنَاف الحميات قَالَ: كَمَا أَن الهضم الْجيد والرديء فِي دَاخل الْبدن فِي جَوف الْعُرُوق يسْتَدلّ عَلَيْهِ بالبول الراسب والثفل الْأَبْيَض الأملس المستوي كَذَلِك من خَارج يسْتَدلّ على هضم)
الطبيعة للخلط العفن الْحَادِث فِي بعض الْأَعْضَاء بالمدة الْبَيْضَاء الجيدة ويستدل على غَلَبَة العفونة بالمدة الرَّديئَة الرقيقة المنتنة والاستحالة المركبة يسْتَدلّ عَلَيْهَا بتركيب الْحَالين فِي الْمدَّة.
وَقَالَ فِي كتاب أزمان الْأَمْرَاض: إِن القروح مَا دَامَت مبتدئة يخرج مِنْهَا صديد رَقِيق وَلَا يزَال يغلظ حَتَّى تخرج مِنْهَا مُدَّة رقيقَة ثمَّ إِن تِلْكَ الْمدَّة تقبل الغلظ وتقل وَذَلِكَ الْوَقْت وَقت مُنْتَهَاهَا فَإِذا قلت فَهُوَ انحطاطها وَلَيْسَ يُمكن أَن تَبرأ هَذِه أَيْضا دون أَن تستوي أَوْقَاتهَا. لي قد قَالَ فِي الغلظ الْخَارِج عَن الطبيعة قولا كتبناه فِي بَاب الدُّبَيْلَة: يُوجب أَن يكون إِذا بططت الْخراج لم تطاول بِدفع ذَلِك الْجُزْء من اللَّحْم عَمَّا تَحْتَهُ لَكِن تبادر بالزاقه وربطه حَتَّى يلتحم جَمِيعًا فَإِن المدافعة بِهَذَا تجْعَل ذَلِك الْجُزْء جوفياً يحْتَاج ألف د إِلَى بعض فِي أَكثر الْأُمُور وَالَّذِي عِنْدِي أَن تبادر يَوْم تحطه بتنظيف مَا فِي جَوْفه فَإِن كَانَ صَغِيرا أدخلت فِيهِ خرقَة وحككته نعما ورفدته رفداً محكماً وضبطته بالشد وَإِن كَانَ عَظِيما حشوته وَجعلت الرِّبَاط من بعد الْجرْح رخواً وَإِذا انْتهى إِلَى فَمه سَلس ليسيل وَمن الْغَد تدخل فِيهِ خرقَة وتنظف وتبادر برفائد الطين وَإِن احتجت أَن تنظر فِي الْكَهْف دَوَاء يَابسا ملحماً إِلَّا أَن يكون الوضر كثيرا وَفِي الْجُمْلَة فاشقق على ذَلِك الْجُزْء فَإِن فِيهِ أَمريْن عظيمين أَحدهمَا: أَن لَا يلجأ إِلَى قصه بالمقراض.
وَالثَّانِي: أَنه إِذا التحم هَذَا الالتحام الثَّانِي الَّذِي بعد أَن يجِف بعض فضل جفوف فَإِنَّهُ غير حَدِيد وَمن أدنى امتلاء ومادة إِذا انْدفع إِلَيْهِ شَيْء امْتَلَأَ ذَلِك التجويف بسهولة واندفع لما يَدْفَعهُ فَافْهَم ذَلِك وَكَذَا قَالَ جالينوس فِي الغلظ الْخَارِج عَن الطبيعة.
الْيَهُودِيّ قَالَ: القروح الَّتِي فِيهَا حرقة وحكة وأصولها حارة فَهِيَ من خلط حريف وَالَّتِي أُصُولهَا عريضة وبالضد وكل قرحَة ينتثر الشّعْر من حواليها فَهِيَ قرحَة سوء رَدِيئَة خبيثة ونبات الشّعْر بِالْقربِ مِنْهُ يدل على سرعَة برئه.
من عَلَامَات الْمَوْت السَّرِيع: إِن كَانَت بامرئ أورام وقروح لينَة جدا فذهل عقله مَاتَ وَإِذا ظَهرت قرحَة من حصف أَو لذعة دَابَّة فَصَارَ شبه النواصير لم يقدر على علاجه.(4/140)
قَالَ فِي الْمرة السَّوْدَاء: إِن الطبيعة تروم تنقية الدَّم أبدا فَيكون عَن دَفعهَا مرّة أخلاط حارة وغليظة ورقيقة فتدفع ذَلِك إِلَى ظَاهر الْجَسَد وباطنه فَيكون من ذَلِك ألف د من الحارة الْحمرَة والآكلة وَغير ذَلِك من نَحوه وضروب الْجِرَاحَات والقروح وَمن الغليظة دَاء الْفِيل والسرطان والدوالي والقروح الرَّديئَة وَذَلِكَ أَن الطبيعة تحب دَائِما أَلا يحصل فِي الْأَعْضَاء)
الرئيسة دم رَدِيء وَهِي أَيْضا تدفع عَن نَفسهَا ذَلِك.
وَقَالَ قولا أوجب هَذَا الَّذِي أوفي أَنه يَنْبَغِي فِي القروح الْعسرَة أَن يَجْسُر على الْخَلْط الْغَالِب فيفصد وَينظر إِلَى لون الدَّم فَإِن كَانَ أسود أفرغته مرَارًا كَثِيرَة وَإِن كَانَ غير ذَلِك حَبسته وأسهلت بعد مَا يفرغ الكيموس الْأسود أَو الْخَلْط الَّذِي بَان ذَلِك أَنه الْغَالِب على الْبدن حَتَّى يبْقى مِنْهُ ثمَّ غذوت بأغذية حميدة تصلح حَال الدَّم ثمَّ تصير إِلَى علاج تِلْكَ القروح بالمراهم.
قَالَ: ونعرف ذَلِك من الدَّم ومزاج الْبدن وَحَال القرحة فَإِن الرهلة الْكَثِيرَة الرُّطُوبَة والحارة يدل الأول على البلغم وَالثَّانِي على الصَّفْرَاء. فَأَما الرَّديئَة جدا المزمنة الكمدة فسوداوية.
قَالَ جالينوس: والقروح الْعَارِضَة من الْمرة السوداوية لَا برْء لَهَا إِلَّا أَن يقور موضعهَا كُله حَتَّى لَا يبْقى من ذَلِك اللَّحْم شَيْء الْبَتَّةَ.
أبيذيميا قَالَ: القروح الرَّديئَة إِذا كَانَ لون الْبدن مَعهَا أَبيض أصفر فَالْكَبِد فَاسِدَة وَإِذا كَانَ مَعهَا نمش فِي اللَّوْن فالطحال فَاسد وَالدَّم سوداوي.
قَالَ: وَهَذَانِ التدبيران رديئان.
قَالَ: والقروح إِمَّا أَحدهَا فلقلة الدَّم لَا نُقْصَان الْغذَاء يمْنَع من برْء القروح وَأما النمش فلرداءة الْخَلْط لِأَنَّهُ يمْنَع نَبَات اللَّحْم وَلَا يزَال يُؤْكَل.
وَقد يكون للقروح الرَّديئَة بحران إِمَّا بقروح أخر تخرج من عُضْو آخر وَإِمَّا بانصباب تِلْكَ الْموَاد إِلَى عُضْو آخر مثل اخْتِلَاف الْمدَّة وَالدَّم وَنَحْو ألف د ذَلِك يَنْبَغِي أَن لَا يخْتم الْجرْح حَتَّى يتنظف جَمِيع مَا فِيهِ من الرُّطُوبَة وَإِلَّا انْتقصَ غَرِيب الْعُرُوق النابضة صلبة لِأَن نباتها من الْقلب وَهُوَ صلب وَغير الضوارب أَلين لِأَنَّهَا من الكبد فبحسب ذَلِك يكون التحامها أسْرع.
أبيذيميا: من كَانَ بِهِ مَعَ القرحة ورم رخو فَإِنَّهُ لَا يُصِيبهُ بِسَبَبِهِ تشنج وَلَا جُنُون وَأما إِذا كَانَ مَعَ القرحة ورم دموي أَحْمَر فَرُبمَا أصَاب من أَجله تشنج وَمَتى كَانَ مَعَ القرحة هَذَا الورم الْأَحْمَر ثمَّ غَابَ دفْعَة فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي مُؤخر الْبدن أحدث التمدد لِأَنَّهُ ينَال النخاع بِسَبَبِهِ آفَة وَإِن كَانَ فِي مقدم الْبدن رُبمَا أحدث اخْتِلَاف الدَّم إِذا كَانَ أَسْفَل وَنَفث الدَّم إِن كَانَ فَوق الْحجاب وَأما اخْتِلَاط عقل الْجراحَة على مَوضِع الرّكْبَة فَوْقهَا من قُدَّام عسرة جدا وتحتها أَيْضا وَفِي الْجُمْلَة فِي هَذِه النَّاحِيَة لِأَن هُنَاكَ أوتاراً عظاماً. أَو يوضع(4/141)
إسفنج بِمَاء بَارِد أَو ضماد مبرد فَوق الْعُضْو الَّذِي يَجْعَل عَلَيْهِ الدَّوَاء الحاد جيد يمْنَع من انصباب الْموَاد فِي تِلْكَ الْحَال.)
أبيذيميا: أَحْمد الخراجات المائلة إِلَى خَارج المحددة الرَّأْس فَأَما مَا كَانَ مِنْهَا يُرِيد أَن ينفجر إِلَى دَاخل فأحمدها مَا لم يلابس ظَاهر الْبدن الْبَتَّةَ لِأَن الأجود للمائل إِلَى دَاخل أَن يكون ميله كُله إِلَى دَاخل وللخارج أَن يكون إِلَى خَارج والخراجات المرؤوسة المحددة أَحْمد لِأَن نضجها يكون أسْرع والعريضة تكون عَن أخلاط غَلِيظَة لزجة مائلة إِلَى الْبرد ويعسر نضجها لذَلِك وَيكون لطول مدَّتهَا إِلَى العفونة أقرب مِنْهُ إِلَى النضج. وَقد يحمد أَيْضا من هَذِه الخراجات المحمودة مَا كَانَ تقيحه مستوياً وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ الْبَعْض قد تقيح ألف د وَالْبَعْض لَا صَارَت أطول مُدَّة وَأَبْطَأ نضجاً من الَّتِي تتقيح بجملتها دفْعَة ويعسر علاجها وَذَلِكَ إِن التقيح مِنْهَا يحْتَاج إِلَى غير الْأَدْوِيَة الَّتِي يحْتَاج إِلَيْهَا غير المتقيح وَمَا لم يكن أَيْضا حواليه صلب فَهُوَ أَحْمد مِمَّا كَانَ حوله صلباً ويعنى مَا كَانَ حوله صلباً مَا كَانَ وَسطه لينًا نضيجاً وَمَا كَانَ يستدير عَلَيْهِ صلب بطيء النضج لَا يُمكن تقيحه.
ويحمد أَيْضا مَا كَانَ تقيحه وَرَأسه إِلَى أَسْفَل جَوَانِب الْجرْح لِأَن مدَّته تسيل بسهولة وَالَّذِي يتقيح باستواء وَرَأسه إِلَى اسفل جوانبه أحمدها. وَالَّذِي لَهُ رَأس وَاحِد أَحْمد مِمَّا لَهُ رأسان وَالَّذِي يكون فِي الرأسين من اللَّحْم لَا يسلم من الرداءة لكنه فِي الْأَكْثَر صلب غير متقيح فَيكون لذَلِك من جنس الَّذِي لَا يتقيح باستواء.
قَالَ: القروح المستديرة العميقة رَدِيئَة وخاصة فِي الصّبيان لأَنهم لَا يقوون على أوجاعها وَلَا على علاجها.
قَالَ: إِنَّا نحتاج أَن نحبس شفتي الْجرْح إِذا أردنَا إلتزاقها وَجَمِيع لحم المحي إِذا أردنَا التحامه.
الْأَعْضَاء الألمة: إِذا عَالَجت جِرَاحَة فَبَقيَ الْعُضْو بعْدهَا عسر الْحَرَكَة أَو الْحس أَو كَبِيرا فَاعْلَم أَن العصب قد بَقِي فِيهِ ورم أَو ضَرَر فضع عَلَيْهِ أدوية ملينة ومسخنة محللة. لي أصَاب رجلا وجأة فِي بَطْنه عَظِيمَة خرقت مراقه وبرزت أمعاؤه فانتفخت وورمت وَلم ترجع فَأمر الطبي بِأَن يحضر رفادات حارة وَجعل يغشيها بهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَسَائِر الأحشاء فَلم يزل يضمر ورمها ويجف حَتَّى أَعَادَهَا فَلَمَّا عادها خاط الْبَطن ثمَّ نوم الرجل على الطَّبَرِيّ: الخراجات الَّتِي فِي المفاصل عسرة وخاصة الَّتِي فِي الْإِبِط والأربية ألف د والعنق لِكَثْرَة مَا ينصب إِلَيْهَا ورقيتها.(4/142)
قَالَ: وكل خراج حوله حمرَة فَإِنَّهُ لَا يبرأ حَتَّى تذْهب تِلْكَ الْحمرَة من حواليه وَمن كَانَ بِهِ خراج)
فِي رَأسه فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْم الرَّابِع أَو السَّابِع أَو الْحَادِي عشر مُنْذُ ظهر ذَلِك الْخراج فَهُوَ رَدِيء.
جالينوس فِي الْأَدْوِيَة المفردة قَالَ: الشب جيد لجَمِيع القروح خَاصَّة لِأَنَّهُ يجففها تجفيفاً سَرِيعا.
فِي مَا يسكن وجع الخراجات يستعان بِبَاب مَا يسكن الوجع دَقِيق الترمس إِذا خلط بخل سكن وجع الخراجات.
إِسْحَق مِمَّا يسكن وجع الخراجات وورمها: أَن يُؤْخَذ رمان حُلْو فيطبخ بِالشرابِ الحلو وَيُوضَع عَلَيْهَا فَإِنَّهُ ينفع نفعا عَظِيما من ذَلِك فِي جَمِيع أوجاع الخراجات وخاصة الْحَادِثَة فِي الرَّأْس وَالْعين.
قوانين علاج القروح الْبَاطِنَة ونزف الدَّم من بَاطِن الْبدن من آخر الْمقَالة الرَّابِعَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: أُرِيد أَن أذكر الِاسْتِدْلَال الْمَأْخُوذ من وضع الْأَعْضَاء وخلقتها فَأَقُول أَنه من هَذَا الِاسْتِدْلَال مَتى كَانَت قرحَة فِي الْمعدة وسقينا صَاحبهَا أدوية وَمَتى كَانَت فِي المريء لم يُعْط صَاحبهَا الدَّوَاء فِي مرّة وَاحِدَة بل قَلِيلا قَلِيلا دَائِما وَذَلِكَ لِأَن المريء إِنَّمَا ينَال الِانْتِفَاع بالأدوية فِي مرورها بِهِ إِذا كَانَ لَيْسَ يُمكن أَن تَلقاهُ الْأَدْوِيَة وقتا طَويلا كَمَا تلقى الْمعدة وَمن هَهُنَا أَيْضا علمنَا أَن الْأَدْوِيَة الَّتِي يداوى بهَا المريء يَنْبَغِي أَن تكون أَشد لزوجة وَأَغْلظ لِأَن المريء إِنَّمَا هُوَ مجْرى ومنفذ للأشياء الَّتِي تُؤْكَل وتشرب ألف د فَاحْتَاجَ لذَلِك إِلَى أدوية يُمكن أَن تلزج وتتشبث وتجمد عَلَيْهِ لَا إِلَى مَا يكون يزلق عَنهُ ويجوزه سَرِيعا وَأما القروح الْحَادِثَة فِي الأمعاء فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الأمعاء الْغِلَاظ فأكثرها تحْتَاج إِلَى أدوية تحتقن بهَا لِأَنَّهَا إِلَى المقعدة أقرب وَمَا كَانَ فِي الدقاق فتحتاج إِلَى أدوية من الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَذَلِكَ إِن بعْدهَا عَن الْفَم والمقعدة سَوَاء.
قَالَ: ويستدل دلَالَة عَامَّة من طبائع الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة كلهَا وَهِي الأحشاء أَنه يَنْبَغِي أَن تداوى قروحها بالأدوية الْقَرِيبَة إِلَى طبع الْحَيَوَان يَعْنِي الأغذية الَّتِي قد ألفها غَايَة الْألف وتجنب مَا خَالف ذَلِك وتتوقاها هَذَا على أَن القروح الْحَادِثَة فِي ظَاهر الْبدن قد تعالج بالأدوية الَّتِي يحذر مِنْهَا على القروح الْبَاطِنَة فَلَا يندهها مِنْهُ أَذَى وَلَا مضرَّة مثل الزنجار والروسختج وتوبال النّحاس ولقليميا والتوتياء والمرتك والإسفيذاج فَإِن هَذِه الْأَدْوِيَة وَنَحْوهَا لَا يَنْبَغِي أَن تعالج بهَا القروح الْحَادِثَة فِي بطن الْبدن. لي لَا يَنْبَغِي أَن تعالج بِهَذِهِ من نَاحيَة الْفَم فَأَما من نَاحيَة الدبر فكثيراً مَا تعالج بهَا فعلى هَذَا فَافْهَم.)(4/143)
قَالَ: واختر من النافعة للقروح الْبَاطِنَة من الْأَدْوِيَة والأغذية مَتى أردْت أَن تدمل القرحة وتختمها وتلزقها وتلحمها مَا كَانَ قَابِضا غير لذاع وَمَتى أردْت أَن تنقي القرحة فاختر مَا فيا جلاء يسير.
قَالَ: وَقد علمنَا أَن أفضل هَذِه الأغذية وأمثلها كلهَا الْعَسَل. لي يَعْنِي عِنْد الْحَاجة إِلَى التنقية.
قَالَ: فَأَما الْأَشْرِبَة والأغذية القابضة فنافعة لهَذِهِ القروح يَعْنِي فِي حَال خَتمهَا وإدمالها ونزف الدَّم مِنْهَا ومثالها لحية التيس والجلنار والعفص وقشور الرُّمَّان وطين الْكَوْكَب الْمُسَمّى شاموس والطين الْمَخْتُوم وعصارة السماق والحصرم وَمَاء ألف د الْورْد والأقاقيا وَسَائِر مَا أشبهه وَيَنْبَغِي أَن تستعملها بطبيخ الْأَشْيَاء القابضة مثل طبيخ السفرجل والعليق وَالْكَرم وَحب الآس أَو بِبَعْض الْأَشْرِبَة القابضة. وَيَنْبَغِي أَن تجتنب الْأَشْرِبَة القابضة وَيَنْبَغِي أَن تجتنب الشَّرَاب إِذا كَانَ هُنَاكَ ورم حَار. فَأَما إِذا لم يكن فَلَا مَانع وَمن اسْتِعْمَاله وتعجن هَذِه الْأَدْوِيَة الَّتِي وصفناها بِبَعْض هَذِه الرطوبات الَّتِي وصفناها ويخلط مَعهَا الكثيراء والصمغ وَلَا سِيمَا مَتى أردْت أَن تعالج بهَا قروحاً فِي المريء وَيَنْبَغِي إِذا كَانَت القرحة فِي الْحلق والنغانغ أَن يكون علاج العليل بهَا بالتغرغر. وَإِذا كَانَت فِي قَصَبَة الرئة فَتقدم إِلَى العليل إِن يضطجع على قَفاهُ ويمسك الدَّوَاء فِي فِيهِ ويرخي جَمِيع مَا هُنَاكَ من العضل ويطلقه فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك سَالَ من الدَّوَاء شَيْء إِلَى قَصَبَة الرئة وَنزل فِيهَا نزولاً ظَاهرا محسوساً وَيَنْبَغِي أَن تتوقى أَن ينزل إِلَيْهَا شَيْء كثير دفْعَة فيهيج السعال فَإِنَّهُ مَا دَامَ مَا ينزل فِيهَا ينزل عَلَيْهَا كَمَا ينزل المَاء على الْحَائِط فَلَيْسَ يحدث سعال. وَإِذا ذهب يهوي جَوف القصبة هاج السعال لِأَنَّهُ فِي طَرِيق التنفس وَقد ينزل دَائِما فِي حَال الضجرة فِي قَصَبَة الرئة شَيْء مِمَّا يشرب على مِثَال السيلان عَلَيْهَا فَلَا يهيج ذَلِك سعالاً الْبَتَّةَ.
قَالَ: واخلط الْعَسَل فِي جَمِيع الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا القروح الْحَادِثَة فِي الرئة والصدر وَذَلِكَ إِنَّك إِن عَالَجت هَذِه الْأَعْضَاء بالقوابض وَحدهَا أَبْطَأت فِي الْمعدة وَطَالَ مكثها فِيهِ فَلذَلِك الْعَسَل يقوم لهَذِهِ الْأَدْوِيَة مقَاما مركبا منفذاً سَرِيعا حَتَّى يوصلها وَفِي الْعَسَل مَعَ هَذَا إِنَّه لَا يضر بالقروح وَكَذَلِكَ أَيْضا ألف د مَتى كَانَت القرحة فِي الكلى والمثانة خلطنا بالأدوية الَّتِي نعالج بهَا الْعَسَل وَبَعض مَا يدر الْبَوْل.)(4/144)
(الْمقَالة الْخَامِسَة)
(نزف الدَّم) (الْكَائِن عَن فسخ الْعُرُوق أَو فتحهَا فِي بَاطِن الْبدن) قَالَ: مَتى انْشَقَّ عرق أَو شريان فَلَا بُد أَن يتبع ذَلِك انبثاق دم عَظِيم شَدِيد فَإِن حدث فِي عرق عسر التحامه وَإِن عرض فِي شريان كَاد أَن لَا يلتحم.
قَالَ: الَّذِي يخرج عَن الْعُرُوق الشرايين إِمَّا لِأَن أطرافها تتفتح وَإِمَّا لِأَن صفاقها يخرق وَإِمَّا لِأَن الدَّم يرشح مِنْهَا وصفاق الْعُرُوق ينخرق من قطع أَو رض أَو فسخ أَو تَأْكُل. وأطرافه تتفتح إِمَّا بِسَبَب ضعف الْعُرُوق وَإِمَّا بِسَبَب دم كثير مَال إِلَيْهَا دفْعَة وَإِمَّا بِسَبَب كَيْفيَّة حادة تلقاها من خَارج. وَأما رشح الدَّم فَيكون عِنْد مَال يتَحَلَّل ويخفف صفاق الْعُرُوق ويرق ويلطف الدَّم وَقد يكون فِي بعض الْأَوْقَات بِسَبَب أَن عروقاً صغَارًا تنفتح أفواهها.
قَالَ: وَالَّتِي تقطع الْعُرُوق من خَارج كَانَ أَو من دَاخل فحاره من دَاخل يقلعها الآكلة وَالَّذِي يرضها ثقيل صلب والأشياء الَّتِي يفسخها ويهتكها يفعل بهَا على جِهَة التمدد والتمدد يعرض من الْأَعْمَال الشاقة الصعبة أَو من كَثْرَة الدَّم فِي تجويفها أَو لسُقُوط من مَوضِع مشرف أَو لوُقُوع شَيْء ثقيل عَلَيْهَا فَأَما الصَّيْحَة الشَّدِيدَة والوثبة والإحضار الشَّديد المسرع فَكلهَا تسْتَقْبل الْعُرُوق بالتمدد إِلَّا أَنه إِن كَانَ التفسخ والسل من قبل صَيْحَة أَو سقطة أَو رض فقد بَطل السَّبَب الْفَاعِل وَهَذِه وَإِن كَانَ إِنَّمَا حدث من قبل امتلاء فقد يجوز أَن تكون الْعُرُوق فِي ذَلِك الْوَقْت دَائِما تَنْفَسِخ بعد مَا دَامَ السَّبَب الْفَاعِل للْفَسْخ ثَابتا وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَن تبادر إِذا كَانَ السَّبَب ذَلِك إِلَى استفراغ الدَّم ألف د ليقل الامتلاء أَولا ثمَّ تَأْخُذ فِي علاج مَا يسيل بعد ذَلِك وَبعد علاجك لما يسيل يداوى الْخرق ليلتحم فَأَما مَتى لم يكن مَعَ الْفَسْخ والسل السَّبَب الْفَاعِل مَوْجُودا فَأول مَا يَنْبَغِي أَن تبتدئ بِقطع الدَّم ثمَّ مداواة القرحة بعد ذَلِك. جالينوس يُسَمِّي خرق الْعُرُوق هَهُنَا قرحَة.
قَالَ: وَقطع الدَّم يكون بِأَن يحتال للدم أَن ينْتَقل ويميل عَن ذَلِك الْموضع إِلَى أَعْضَاء أخر وَأَن تشد القروح الَّتِي لم يخرج مِنْهَا الدَّم وَذَلِكَ أَنه إِن دَامَ الدَّم حمية جذبته إِلَى ذَلِك الْموضع وَيبقى الْموضع الَّذِي يخرج مِنْهُ بِحَالهِ مَاتَ من أَصَابَهُ ذَلِك قبل أَن يَنْقَطِع انبثاق الدَّم. وَهَذِه الفوهة الَّتِي فِي الْعُرُوق الْبَاطِنَة أَيْضا يُمكن أَن تجمع وتشد بالأدوية القابضة فَأَما الدَّم فَإِنَّهُ يمال عَن)
الْموضع إِمَّا إِلَى جِهَة بعيدَة مُخَالفَة وَإِمَّا إِلَى مَوضِع قريب مَكَان ذَلِك. أَنه إِن كَانَ الدَّم يسيل من أَعلَى الْفَم فنقله إِلَى أقرب الْمَوَاضِع يكون بإزالته عَن ذَلِك الْموضع إِلَى المنخرين واجتذابه إِلَى نَاحيَة الْخلاف وَيكون تمييله(4/145)
إِلَى أَسْفَل. وَإِن كَانَ الدَّم يخرج من المقعدة فنقله يكون بإزالته عَنْهَا إِلَى الْأَرْحَام واجتذابه باستدعائه إِلَى فَوق فَإِن هَذَا تَجدهُ يكون بالطبع.
فِي الدَّم قَالَ: وَهَذَا قد يكون بالطبع كَمَا قَالَ أبقراط: إِن الْمَرْأَة إِذا تقيأت الدَّم قدر طمثها سكن عَنْهَا ذَلِك الْقَيْء.
فِي الطمث: وَبِهَذَا السَّبَب صرنا مَتى أفرط بِالْمَرْأَةِ انحدار دم الطمث أَو انْبَعَثَ من الْأَرْحَام شَيْء على غير جِهَته علقنا تَحت الْيَدَيْنِ محجمة عَظِيمَة.
الرعاف: وَلذَلِك صَار الدَّم المنبعث من الْأنف تقطعه المحجمة الْعَظِيمَة تعلق على ألف د نَاحيَة الكبد إِن كَانَ الرعاف من الْأَيْمن وعَلى الطحال إِن كَانَ الرعاف من الْأَيْسَر وَعَلَيْهَا جَمِيعًا إِن كَانَ من الْجَانِبَيْنِ وَإِن كَانَ الرعاف لم يحجف بالعليل فاقصده من مأبض الرّكْبَة من الْجَانِب الَّذِي يرعف مِنْهُ وَأخرج لَهُ من الدَّم مِقْدَارًا يَسِيرا وينتظر بِهِ سَاعَة ثمَّ تخرج أَيْضا شَيْئا قَلِيلا وينتظر بِهِ ثمَّ تعاود بِحَسب مَا يحْتَمل قوته. قَالَ: ونصبة الْعُضْو نصبة قَائِمَة عون عَظِيم على منع الاستفراغ. 3 (قانون نزف الدَّم أَيْضا من بَاطِن الْبدن) قَالَ: نزف الدَّم من بَاطِن الْبدن إِنَّمَا يمكننا أَن نعالجه باجتذاب الدَّم إِلَى نَاحيَة الْخلاف أَو نَقله إِلَى عُضْو قريب أَو بالأطعمة والأشربة القابضة المبردة وَيخْتَلف العلاج اخْتِلَافا جزئياً بِحَسب الْأَعْضَاء فَلذَلِك يسْتَعْمل اتِّصَال هَذِه الْأَدْوِيَة إِلَى الْأَعْضَاء الْمُخْتَلفَة بِحَسب مَا هُوَ أوفق فتوصل إِلَى الْأَرْحَام بمحقنة الرَّحِم وَإِلَى الأمعاء بالمحقنة الْمَعْرُوفَة وَإِلَى المثانة بالقاثاطير وَليكن وَاسع الثقبة. لي أرى أَن الذراقة هَهُنَا أَجود.
قَالَ: وَقل مَا يعرض للدم أَن ينبعث من هَذِه الْمَوَاضِع انبعاثاً قَوِيا إِلَّا أَنه كثيرا مَا يكون استفراغه وَإِن لم يكن من جِهَة قُوَّة انبعاثه خطر فَإِنَّهُ خطر من جِهَة طول مكثه ودوامه وَلَا يُؤمن سوء عاقبته.
الطمث: وَإِنِّي لأعرف امْرَأَة مكثت أَرْبَعَة أَيَّام تنزف فَلم يَنْقَطِع نزفها بِشَيْء من الْأَشْيَاء الَّتِي يداوى بهَا حَتَّى عالجناها فِي الْيَوْم الرَّابِع بعصارة لِسَان الْحمل فَإِنَّهَا لما عولجت بِهِ انْقَطع عَنْهَا النزف الْبَتَّةَ. وَهَذِه العصارة نافعة من انبعاث الدَّم الْحَادِث بِسَبَب آكِلَة تقع فِي الْعُضْو.
وَمن عادتي إِذا عَالَجت بِهِ أَمْثَال هَذِه الْعِلَل أَن أخلط مَعهَا بعض الْأَدْوِيَة الَّتِي هِيَ أقوى مِنْهَا وأخلط مَعهَا مِنْهَا فِي وَقت دون وَقت دَوَاء دون دَوَاء بِحَسب الْعرض الْمَأْخُوذ من الْعُضْو الْحَالة ألف د الْحَاضِرَة.
مِثَال ذَلِك: أَنه مَتى حدث انبعاث دم من المثانة أَو من الأمعاء فقد يَنْبَغِي لَك أَن تنظر أَولا فِي كمية الدَّم لتكسب من ذَلِك دَلِيلا وَلَا تضيع أَن تنظر هَل السَّبَب من عرق انخرق أَو انْفَسَخ أصغير هُوَ ذَلِك الْعرق أم عَظِيم فَإِنَّهُ إِن كَانَ انبعاث الدَّم من عرق عَظِيم انفجر(4/146)
انفجاراً وَاسِعًا فَإنَّك تحْتَاج فِي مداواته إِلَى أدوية قابضة مثل الجلنار ولحية التيس والسماق والأقاقيا والعفص وَإِن كَانَ انبعاث الدَّم إِنَّمَا هُوَ من عرق صَغِير انفجر انفجاراً يَسِيرا فَصَارَ لذَلِك الدَّم المنبعث قَلِيلا كَفاك الكندر والطين الْمَخْتُوم والشاذنة والزعفران وَنَحْوهَا مَعَ شراب أسود قَابض فَإِن الشَّرَاب الْأسود الْقَابِض من جِيَاد الْأَدْوِيَة فَإِن لم يتهيأ شراب على هَذِه الصّفة وَلَا لِسَان الْحمل وَلَا عِنَب الثَّعْلَب فَإِن هذَيْن نافعان أَيْضا فاستعملها بطبيخ السفرجل وَحب الآس وأطراف الشّجر القابضة وأنفع مِنْهَا طبيخ حب الآس والزعرور.(4/147)
(الآكلة فِي بعض الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة) فَإِن كَانَ انبعاث الدَّم إِنَّمَا حدث بِسَبَب آكِلَة وَقعت فِي الْعُضْو فَإِنَّهُ فِي أَكثر الْأَمر لَا يكَاد يكون انبعاث الدَّم قَوِيا لكنه يكون يَسِيرا قَلِيلا قَلِيلا وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل فِي هَذَا الْموضع أَقْرَاص أندرون وأقراص بولوانداس الَّتِي ألفتها أَنا فَإِنَّهَا أقوى من هَذِه وَذَلِكَ إِن هَذِه الأقراص تقطع الآكلة وتوقفها. وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك مَعَ الْعِنَايَة بِأَمْر جَمِيع الْبدن فَإِن كَانَ انبعاث الدَّم قَوِيا فَيَنْبَغِي لَك أَن تسْتَعْمل الْأَدْوِيَة القابضة جدا حَتَّى تقطع قُوَّة ذَلِك الانبعاث ثمَّ تخلط مَعَ هَذِه الأقراص وَحدهَا مَعَ وَاحِدَة من العصارات أَو وَاحِدَة من الْمِيَاه المطبوخة ألف د الَّتِي وصفتها لَك.
قَالَ: فَأَما الْأَشْيَاء الَّتِي يداوى بهَا انبعاث الدَّم بِأَن يوضع على الْعُضْو الَّذِي مِنْهُ ينبعث من خَارج مِمَّا يقبض أَو يبرد من غير تقبض فلست أحمدها حمداً مُطلقًا لكني أَقُول: إِنَّهَا كثيرا مَا تفعل خلاف مَا تحْتَاج إِلَيْهِ أَعنِي أَنَّهَا تدفع الدَّم إِلَى بَاطِن الْبدن وتملأ بِهِ الْعُرُوق الْبَاطِنَة وَأعرف مِمَّن كَانُوا ينفثون الدَّم من رئاتهم أضرّ بهم تبريد صُدُورهمْ ضَرَرا بَينا وَكَذَلِكَ قوم كَانُوا ينفثون الدَّم لما بردت معدهم من خَارج أضرّ ذَلِك بهم وعَلى هَذَا الْمِثَال فِي الرعاف. وعَلى هَذَا الْمِثَال كثير مِمَّن أَصَابَهُم الرعاف أضرّ بهم تبريد الرَّأْس إِضْرَارًا بَينا وَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن تبرد مَا حول الْأَعْضَاء إِلَّا بعد أَن تكون قد رددت الدَّم عَن الْعُضْو أَولا إِلَى أَعْضَاء أخر.
مِثَال ذَلِك: أَنه إِن كَانَ الدَّم ينبعث من الْأنف فصدت لصَاحب ذَلِك الْعرق على مَا وصفت واستعملت الدَّلْك وغمز الرجلَيْن وَالْيَدَيْنِ ونطلهما وعلقت على جنبه المحاجم فَإِذا فعلت ذَلِك أَيْضا فَلَا تبادر إِلَى وضع شَيْء بَارِد من ساعتك على الرَّأْس والجبهة بعد أَن تجتذب الدَّم أَيْضا بِضَرْب آخر إِلَى نَاحيَة الْخلاف بِأَن تضع على فأس الرَّأْس محجمة فَإِن للرعاف ناحيتين من جِهَة الْخلاف أَحدهمَا إِلَى نَاحيَة الْقَفَا وَالْآخر بالفصد إِلَى أَسْفَل وَذَلِكَ لِأَن الْأنف فَوق من قُدَّام وَخلاف قُدَّام خلف وَخلاف الْعُلُوّ السّفل.(4/148)
3 - (رشح الدَّم وطفر الدَّم) قَالَ: وتعالج هَذِه الْعلَّة بالأشياء المبردة القابضة. وَإِن عرضت هَذِه الْعلَّة فِي وَقت مَا بِسَبَب رقة الدَّم فَإِنَّهَا تَعَالَى بِالتَّدْبِيرِ المغلظ للدم وَقد وَصفنَا ذَلِك التَّدْبِير فِي التَّدْبِير الملطف.
وَأما الْعُرُوق الضوارب وَغير الضوارب إِذا انْقَطَعت فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيرهَا من الْعُرُوق ألف د الظَّاهِرَة وعَلى مَا بَيناهُ فِي بَاب نزف الدَّم الظَّاهِر وَيَنْبَغِي أَن تداف هَذِه بِبَعْض العصارات مثل عصارة لِسَان الْحمل وَنَحْوه ويحقن بِهِ فاتراً.
وَمن جِيَاد هَذِه الْأَدْوِيَة الزَّعْفَرَان والتوتياء وَالصَّبْر والأدوية الَّتِي تعرف بأدوية الرَّأْس وَأما فِي أول وَقت نَبَات اللَّحْم الْمُتَّصِل بِانْقِطَاع الدَّم فَإِن الطين الْمَخْتُوم من خِيَار هَذِه الْأَدْوِيَة.(4/149)
3 - (نفث الدَّم وقروح الصَّدْر والرئة) قَالَ: فَأَما القروح الْحَادِثَة فِي الرئة فمداواتها أنكر وأعسر من مداواة غَيرهَا وَبَعض النَّاس قد ظن أَنَّهَا ممتنعة المداواة وَاسْتشْهدَ على ذَلِك بالتجربة الْقيَاس فَقَالَ: إِن الرئة عُضْو دَائِم الْحَرَكَة من أجل التنفس. والأعضاء الَّتِي يُرَاد أَن تلتحم جراحاتها تحْتَاج أَن تهدأ وتسكن فَأَما أَصْحَاب التجارب فَإِنَّهُم لم يرَوا زَعَمُوا قطّ أحدا مِمَّن أَصَابَهُ ذَلِك برأَ مِنْهُ قطّ وَأما نَحن فَإنَّا قد رَأينَا خلقا كثيرا عرض لَهُم من صَيْحَة شَدِيدَة وَمن سقطة وضربة إِن أَصَابَهُم سعال شَدِيد فِي أسْرع الْأَوْقَات ونفثوا مَعَ السعال قدر قوطولي وَاحِد أَو قوطوليين وَبَعْضهمْ أَكثر من ذَلِك دَمًا وَكَانَ بَعضهم يجد مس الوجع فِي صَدره وَبَعْضهمْ لَا يجد ذَلِك وَكَانَ الَّذِي نفثه من يجد وجعاً فِي صَدره لم يخرج دفْعَة وَلَا كَانَ مِقْدَار مَا نفث من الدَّم مِنْهُ كثيرا وَكَانَ يسير الْحَرَارَة فَكَانَ ذَلِك يدل على أَنه يَجِيء من مَوضِع بعيد وَالدَّم الَّذِي نفثه ة من كَانَ لَا يجد مس الوجع كَانَ يجْرِي دفْعَة وبمقدار كثير وَكَانَت حمرته وحرارته ظاهرتين فَدلَّ ذَلِك مرّة على أَنه لَيْسَ يَجِيء من مَوضِع بعيد وَهَذَا يدل على أَن ذَلِك كَانَ يَجِيء من الرئة وَقد برِئ مِنْهُم خلق كثير. ألف د(4/150)
3 - (دُخُول الْمدَّة وَالدَّم إِلَى الرئة) 3 (من فضاء الصَّدْر) قَالَ: وَقد كَانَ بَين الْأَطِبَّاء مُنَازعَة كَيفَ يُمكن أَن يدْخل الدَّم والمدة من فضاء الصَّدْر إِلَى الرئة. وَقد نرى أَن الْمدَّة الَّتِي تكون فِي ذَات الْجنب إِنَّمَا تنصب إِلَى فضاء الرئة وَقد يصعد كُله بالنفث وَبِه ينقى الصَّدْر من الْمدَّة. وَلما رأى الْأَطِبَّاء ذَلِك لم يُمكنهُم أَن يَقُولُوا: أَنه لَا يدْخل شَيْء مِمَّا فِي فضاء الصَّدْر إِلَى الرئة وَلَكنهُمْ أقرُّوا بذلك وَجعلُوا يطْلبُونَ لَهُ طَرِيقا غير نُفُوذه فِي الغشاء المغشى على الرئة فَقَالُوا فِي ذَلِك أقوالاً سمجة.
قَالَ: وَنحن نرى عيَانًا فِيمَن بِهِ دبيلة فِي صَدره قد عفنت مَعَ مَا عفنته شَيْئا من الصَّدْر أَيْضا.
إِن مَاء الْعَسَل الَّذِي يرْزق فِيهِ لينقى بِهِ يصعد بالسعال.(4/151)
3 - (تنقية الْمدَّة فِي فضاء الصَّدْر إِذا عفن الصَّدْر) وَهَذِه الْعلَّة كثيرا مَا تعرض فيعفن شَيْء من عِظَام الصَّدْر فيضطر إِلَى قطعه فِي أَكثر الْأَمر وَيُوجد ملبساً على الضلع العفن من الغشاء قد عفن أَيْضا بعفونة الضلع. وَلم تزل الْعَادة تجْرِي فِي علاجنا لمن هَذِه حَاله إِن يزرق فِي هَذِه القرحة مَاء الْعَسَل وَيَأْمُر العليل أَن يضطجع على جَانِبه العليل ويسعل ومراراً كَثِيرَة يهزه هزاً رَفِيقًا. فِي بعض الْأَوْقَات إِذا غسلنا نعما وَبَقِي مِنْهُ فِي القرحة بَقِيَّة أخرجنَا مِنْهُ مَا يبْقى فِي جوفها من مَاء الْعَسَل بالزراقة لِأَن تنقى القرحة كلهَا وَيخرج الصديد كُله مَعَ مَاء الْعَسَل ثمَّ يدْخل حِينَئِذٍ فِيهِ الْأَدْوِيَة.
قَالَ: فَإِن بَقِي من ذَلِك المَاء أَعنِي مَاء الْعَسَل شَيْء فِي مَا بَين فضاء الصَّدْر والرئة وجدنَا عيَانًا يصعد بالسعال من ساعتها.
قَالَ جالينوس: وَالْعجب مِمَّن يمْتَنع عِنْده دُخُول الدَّم والمدة ألف د من غشاء الرئة إِلَى أَقسَام قصبتها كَيفَ لَا يعجب من الدَّم الغليظ الَّذِي يخرج من الْجلد عِنْد مَا ينْعَقد مَوضِع الْكسر من الْعظم المكسور فَإِن هَذَا الدَّم ينصب إِلَى ذَلِك الْموضع لَيْسَ فضل غلظه على غلظ الدَّم الطبيعي بِيَسِير وجوهر الْجلد أغْلظ من الصفاق الْمُحِيط بالرئة بِمِقْدَار كثير جدا.
قَالَ: فَيَنْبَغِي أَن تصدق أَنه مَتى عرض للْإنْسَان من سقطة أَو صَيْحَة أَن ينفث دَمًا كثيرا حاراً أَحْمَر يصعد دفْعَة مَعَ سعال بِلَا وجع فِي صَدره إِن عرقاً فِي رئته قد انْقَطع وانفسخ وتداويها على مَا داويناها نَحن مَرَّات كَثِيرَة فأجل غرضنا إِلَّا فِي الندرة التؤدة وَذَلِكَ بِأَن تَأمر العليل)
أَلا يتنفس نفسا عَظِيما وَأَن يلْزم الْقَرار والهدوء دَائِما فافصده من ساعتك الباسليق وَأخرج الدَّم مرّة ثَانِيَة وثالثة لتجذب الدَّم عَن نَاحيَة الرئة. وأدلك يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وأغمزها واربطها برباط تبتدئ من فَوق إِلَى أَسْفَل على مَا قد جرت الْعَادة فَإِذا فعلت ذَلِك فاسقه أَولا خلا ممزوجاً بِمَاء مزاجاً كثيرا كَيْمَا إِن كَانَ قد جمد فِي الرئة دم فَصَارَ عبيطاً يذوب وَيخرج بالنفث وَلَا مَانع أَن تفعل مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فِي مَقْعَدك عِنْده أَو فِي نَحْو ثَلَاث سَاعَات وأعطه بعد ذَلِك بعض الْأَدْوِيَة الَّتِي تسد وتغرى وتقبض وأعطه ذَلِك فِي أول الْأَمر مَعَ خل ممزوج مزاجاً كثيرا وَمَعَ طبيخ السفرجل أَو حب الآس أَو غير ذَلِك من الْأَنْوَاع القابضة وبالعشى أعْطه من هَذَا الدَّوَاء على هَذَا الْمِثَال وامنع الْمَرِيض من كل طَعَام إِن كَانَ قَوِيا فَإِن لم يكن قَوِيا فحسه من الحساء قدر مَا يَكْتَفِي بِهِ وَإِن أَنْت أخرجت لَهُ دَمًا فِي الْيَوْم الثَّانِي ألف د بعد أَن تحتمله قوته كَانَ أَجود والأجود والأصلح أَن تغذوه من الْغَد أَيْضا بالحساء نَفسه واسقه تِلْكَ الْأَدْوِيَة على ذَلِك الْمِثَال إِلَى الْيَوْم الرَّابِع ويعرق الصَّدْر كَمَا يَدُور فِي الصَّيف بدهن الْورْد أَو دهن السفرجل وَفِي الشتَاء بدهن الناردين. وَإِن أَحْبَبْت أَن تعالجه(4/152)
بِبَعْض الْأَدْوِيَة الَّتِي تدخل فِي بَاب المراهم فالدواء الَّذِي ألفناه من الْخمر والخل وَسَائِر الْأَدْوِيَة وَهُوَ من المراهم السود الموصوفة بإلحام الْجِرَاحَات الطرية فَإِن هَذَا الدَّوَاء فَاضل جدا.
وَإِن كَانَ صَبيا أَو امْرَأَة أَو رطب المزاج فحسبك أَن تعالجه بمرهم القلقطار وَهِي فِي الأولى قاطاجانس فَإِن هَذَا طَرِيق قد عَالَجت بِهِ خلقا كثيرا مِمَّن صَار فِيهِ سَاعَة ينكب وَهَذَا هُوَ أجل مَا فِي هَذَا الْبَاب وأعظمه إِن تبادر بالعلاج سَاعَة ينكب العليل وَلَا يُؤَخر ذَلِك الْبَتَّةَ ليلتحم ذَلِك الْجرْح قبل أَن يَبْتَدِئ يرم فَإِنَّهُ إِن ورم قل الطمع فِي التحامه وَطَالَ مكثه دهراً طَويلا لِأَن ذَلِك الورم يجمع وَيفتح وَيحْتَاج أَن تغسل القرحة من قيحها وصديدها وَلَيْسَ للصدر طَرِيق ينفذ مِنْهُ ذَلِك الصديد إِلَّا بالسعال. لي هَذَا ينقى بِمَاء الْعَسَل يسقاه فَأَما إِذا كَانَ الْخراج فِي الصَّدْر وبط فَإِنَّهُ يزرق فِيهِ مَاء الْعَسَل وَذَلِكَ يُمكن أَن ينقى من مَوضِع البط فَهُوَ لذَلِك أسلم من هَذَا وَهَؤُلَاء يَحْتَاجُونَ أَن لَا يتكلموا فضلا عَن أَن يسعلوا بل يَحْتَاجُونَ أَن يتنفسوا نفسا صَغِيرا وَأَن لَا يتكلموا الْبَتَّةَ ليندمل الْجرْح ويلتحم وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَأَي مطمع لَهُم فِي التحام القرحة مَعَ السعال وَلذَلِك بودر فِي علاجه سَاعَة يحدث. التحم واندمل مَتى عولج بِالطَّرِيقِ الَّذِي وَصفته ألف د فَأَما إِن حدث هُنَاكَ قبل العلاج ورم عسر علاجه جدا بل امتنغ لِأَن الصديد لَا يستفرغ إِلَّا)
بالسعال وَمَتى تحرّك السعال هاج الورم وَمَتى ورم احْتَاجَ أَن ينضج أبدا ويقيح. 3 (الْحَادِثَة فِي الصَّدْر) فَإِنَّهَا أسهل من الْحَادِثَة فِي الرئة لخلال: مِنْهَا أَن عروق الصَّدْر أَصْغَر مقادير من عروق الرئة جدا. وَمِنْهَا: أَن الصديد الْمُتَوَلد فِي قُرُوح الصَّدْر ينصب إِلَى الفضاء الَّذِي فِي دَاخل الصَّدْر.
وَمِنْهَا: إِن جملَة الصَّدْر أَكثر لَحْمًا من جملَة الرئة وَذَلِكَ إِن فِي الرئة من أَقسَام قصبتها شَيْئا كثيرا وَهَذِه الْأَقْسَام صلبة غضروفية فِي غَايَة اليبس.
قَالَ: وَرُبمَا نَالَ أَقسَام الرئة فسخ فِي الْوَقْت الَّذِي ينَال فِيهِ الْعُرُوق ذَلِك. قَالَ: الْوَقْت الَّذِي ينَال فِيهِ الْعُرُوق ذَلِك فَإِن الدَّم إِن كَانَ يخرج من الرئة لَا يكون أَحْمَر وَلَا حاراً وَلَا كثير الْمِقْدَار وَمَا كَانَ من هَذِه الْعلَّة على هَذَا النَّحْو فقد يخيل فِي أول الْأَمر أَنه أقل صعوبة لِأَنَّهُ يؤلم الْإِنْسَان وَلَا يدهشه بِكَثْرَة استفراغ الدَّم لكنه بِالْحَقِيقَةِ شَرّ وأردأ وَذَلِكَ إِن الدَّم الَّذِي يجمد فِي مَوَاضِع الفسوخ يمْنَع من الالتحام وَذَلِكَ إِن هَذَا الدَّم يبْقى حَيْثُ وَقع الْفَسْخ لِأَنَّهُ لَا يجد طَرِيقا وَاسِعَة ينفذ فِيهَا إِلَى أَقسَام قَصَبَة الرئة على مثل مَا يَمُوت الدَّم ظَاهرا فِي الفسوخ فَلَا يخرج عَن الْموضع إِلَّا بعسر فَلذَلِك لَا بُد أَن يقيح وَتَقَع البلية الَّتِي مِنْهَا يخَاف. لي يَنْبَغِي أَن تعلم أَن هَذَا النَّوْع الَّذِي يكون مَعَه فسخ قَصَبَة الرئة شَرّ لِأَنَّهُ مثل القرحة الَّتِي مَعَ فسخ وكما أَن القرحة الَّتِي مَعَ فسخ الْأَبدَان تقيح ذَلِك المنفسخ كَذَلِك الْحَال هَهُنَا وَإِنَّمَا يهرب من التقيح لِلْعِلَّةِ الَّتِي قد ذكرت وَهَذَا النَّوْع ألف د من الْعلَّة قد سَقَطت عَنهُ العلامات(4/153)
الفاصلة بَين نفث الدَّم من عروق الصَّدْر وعروق الرئة لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَثِير وَلَا أَحْمَر وَلَا مشرق وَلَا حَار فَإِنَّمَا بَقِي من العلامات وَاحِدَة وَهُوَ أَن يوجع الصَّدْر فَإِن هَذَا خَاص بالرئة أَن يكون مَعَه وجع وَيَنْبَغِي أَن تعلم مَتى يحدث الورم فِي هَذِه الخروق وَمَا علامته فَإِنَّهُ نَافِع جدا فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لذَلِك عِنْدِي أَنه مَا دَامَ لم تظهر الْحمرَة فِي الْوَجْه والحرارة والتلهب وخاصة التلهب وَالزِّيَادَة فِي الْحَرَارَة فاعتمد على النبض وَالنَّفس فَمَا دَامَ لم تخرج هَذِه الْأَشْيَاء عَن الْعَادة خُرُوجًا كثيرا فَإِنَّهُ لم يرم وَإِن كَانَ ورم فَلَيْسَ يُمكن أَن يسكنهُ الْخلّ وَالْمَاء الَّذِي يعالج بِهِ وَلَا يضر الْبَتَّةَ. وَإِن كَانَت هَذِه الْأَعْرَاض مستوية فقد حدث ورم لَا بُد لَهُ أَن يتقيح وَعند ذَلِك فقد سقط الْغَرَض الأول من أغراض علاج قُرُوح الرئة وَهُوَ إلحامها قبل أَن ترم وَبَقِي الْغَرَض الثَّانِي وَهُوَ تجفيف القرحة مَا أمكن ليبقى العليل مُدَّة طَوِيلَة فيحيى.)
قَالَ: فَأَما الخراجات الْحَادِثَة فِي الْأَجْزَاء العصبية من الْحجاب فَإِنَّهَا لَا تَبرأ فالخراجات الْحَادِثَة فِي أَجْزَائِهِ اللحمية أَيْضا عسرة الْبُرْء وَإِن حدث قبل التحامها ورم وَلَيْسَ هَذَا شَيْئا هُوَ فِي الْحجاب وَحده فَقَط لَكِن وَفِي جَمِيع مَا وَرَاء الْحجاب أَيْضا وَذَلِكَ لِأَن صديده إِنَّمَا يذهب إِلَى وَرَائه يُرِيد أَنه الصَّدْر لي فِي الْكَلَام هَهُنَا شُبْهَة وَقد شكّ فِيهَا حنين.
قَالَ جالينوس: وَلَكِن يَنْبَغِي لَك أَن تحتال فِي التجفيف بِكُل حِيلَة بالأدوية الَّتِي تُوضَع من خَارج وبالأدوية الَّتِي تشرب إِمَّا بِالْمَاءِ وَإِمَّا بِالشرابِ الرَّقِيق وأبلغ الْأَدْوِيَة كلهَا مَنْفَعَة الْأَدْوِيَة المتخذة بالبزور ألف د الْمَعْرُوفَة لهَذِهِ الْعلَّة والدواء الْمُتَّخذ بالسليخة الْمُسْتَعْمل فِي خراجات الصَّدْر وَهِي فِي الْأَدْوِيَة المفردة.(4/154)
(قوانين أَيْضا للقروح الْبَاطِنَة عَامَّة)
قَالَ: من معرفتنا أَيْضا بطبيعة الْأَعْضَاء ووضعها استخرجنا أَن القروح الْحَادِثَة فِي الْمعدة والصدر والرئة يَنْبَغِي أَن تداوى بِمَا يُؤْكَل وَيشْرب وَالَّتِي تحدث فِي الأمعاء إِن كَانَ فِيمَا هُوَ مِنْهَا قريب من الْمعدة فليداو بِمَا يُؤْكَل وَيشْرب وَإِن كن قَرِيبا من المقعدة فبالحقن إِذا كَانَ لَيْسَ يُمكن أَن يصل شَيْء من الْأَدْوِيَة من الْفَم إِلَى الأمعاء السُّفْلى وقوته بَاقِيَة وَبِهَذَا السَّبَب صَارَت القروح الْحَادِثَة فِي الصَّدْر والرئة يعسر برؤها أَكثر من الَّتِي فِي الْمعدة لِأَن الصَّدْر والرئة موضعهما بعيد يبلغ من بعده أَن قُوَّة الدَّوَاء تضعف قبل أَن يصل إِلَيْهِمَا فَصَارَ لذَلِك يحْتَاج أَن يكون مَا يشرب لَهَا وَمن الْأَدْوِيَة أقوى كثيرا مِمَّا لَو كَانَت تِلْكَ الْأَدْوِيَة تشرب لقرحة فِي الْمعدة وَلذَلِك احْتَاجَ الْأَطِبَّاء أَن يَكُونُوا مَتى احتاجوا إِلَى تنقية الصَّدْر والرئة من قيح فيهمَا سقوا العليل أدوية قَوِيَّة جدا قطاعة تكون من شدَّة الْقُوَّة بِحَالَة لَو أَنه يداوى بهَا قرحَة فِي الْمعدة لهيجها وبددها وَكَذَلِكَ أَيْضا مَتى كَانَ فِي الْمعدة قرحَة تحْتَاج إِلَى تنظيفها من قيحها فتنظفها على نَحْو مَا تنظف الْمعدة من بلغم يكون فِيهَا بالسكنجبين والفجل فمخاطرة الَّذِي يجلو ذَلِك البلغم خطر عَظِيم لَا يُؤمن سوء عاقبته والأجود فِي ذَلِك أَن يجلى ذَلِك الْقَيْح بِشَيْء يَدْفَعهُ إِلَى أَسْفَل وَذَلِكَ أَنه لَا يُؤمن أَن يكون الَّذِي يهيج القرحة ويجذب إِلَيْهَا من حوليها شَيْئا كثيرا رديئاً فَلهَذَا بِعَيْنِه ألف د تعسر معالجة قُرُوح الرئة إِذا قاحت لِأَن قيحها ينقى بالعسال والعسال يهيج الورم والورم ينضج ويقيح وَيحْتَاج إِلَى أَن ينقى فيقعون فِي بلَاء يَدُور فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه مَتى انْفَسَخ فِي الرئة عرق فَلم يلتحم قبل أَن يرم صَار فِي حد مَا لَا يبرأ.)(4/155)
3 - (فِي القروح الْحَادِثَة فِي قَصَبَة الرئة) فَأَما القروح الْحَادِثَة فِي قَصَبَة الرئة فِي الغشاء الدَّاخِل خَاصَّة إِذا كَانَت قَرِيبا من الحنجرة أَو فِي الحنجرة نَفسهَا فقد يُمكن أَن تَبرأ وَقد داوينا نَحن جمَاعَة مِمَّن أَصَابَهُ ذَلِك فبرأ.
قَالَ: فَتى ابْتَدَأَ بِهِ سعال يسير ثمَّ سعل من غَد سعالاً أَشد وَقذف مَعَ ذَلِك شَيْئا يُقَال لَهُ القشور ويحس حسا بَينا أَن القرحة فِي قَصَبَة رئته فِي مَوضِع قريب من اللبة ففتحت فَاه وتفرست فِي حلقه عَسى القرحة فِيهِ فَلَمَّا استقصيت النّظر لم أر فِي حلقه شَيْئا من الْعلَّة وَقع فِي وهمي أَنه لَو كَانَت الْعلَّة فِي الْحلق لَكَانَ الْمَرِيض مَتى مر فِي حلقه شَيْء مِمَّا لَهُ حِدة مِمَّا يُؤْكَل وَيشْرب وجد لذَلِك حسا وألماً وَلم أَرض بِهَذَا حَتَّى أطعمته أَشْيَاء مِمَّا تتَّخذ بالخل والخردل لأصحح تعرفي فَلم يلذعه مِنْهَا شَيْء وَكَانَ يحس حسا بَينا أَن القرحة فِي رقبته وَكَانَ يجد فِي ذَلِك الْموضع مضضاً يضطره إِلَى السعال فأشرت عَلَيْهِ أَن يحْتَمل ذَلِك المضض ويصبر مَا أمكن وَلَا يسعل فَفعل لِأَن المضض كَانَ يَسِيرا واحتلت فِي إدمال القرحة وَكَانَت أَضَع على الْموضع من خَارج الْأَدْوِيَة المجففة وأضجع الْفَتى على قَفاهُ وأعطيه دَوَاء يَابسا مِمَّا يصلح بِمثل هَذِه القروح وأتقدم إِلَيْهِ أَن يمسِكهُ فِي فِيهِ ويدع أَن ينزل مَعَه شَيْء بعد شَيْء إِلَى رئته فَلَمَّا فعلت ذَلِك جعل الْمَرِيض يَقُول: أَنه يجد فِي القروح مس قبض ألف د الدَّوَاء يحسه حسا بَينا ثمَّ أَن هَذَا الْفَتى سَافر إِلَى الْقرْيَة لشرب اللَّبن.(4/156)
3 - (شرب اللَّبن لقروح الرئة) قَالَ: للبن فِي مثل هَذِه الْعلَّة قُوَّة وَفعل عَجِيب حَقًا وَلَيْسَ يمدح بَاطِلا وَاللَّبن يخْتَلف بِحَسب أَنْوَاعه وَمَوْضِع حيوانه فَارْجِع إِلَى الْكتاب لتعرف حَال ذَلِك الْحَبل الممدوح لبن حيوانه.
قَالَ: وَأما القدماء فَإِنَّهُم يأمرون أَن يرضع من بِهِ قرحَة فِي رئته من ثدي امْرَأَة وَأَنا أقبل مِنْهُم هَذَا لِأَنَّهُ أشبه الألبان بالإنسان ويصل إِلَى الْبَطن قبل أَن يبرد. وَهَذَا مَا يَنْبَغِي أَن يكون أهم الْأُمُور إِلَيْك أَلا يبرد اللَّبن وليشربه وَالْحَيَوَان حَاضر سَاعَة يحلب وَيَنْبَغِي أَن تجْعَل مَعَ اللَّبن عسلاً فَإِنَّهُ يمْنَع من التجبن فِي الْمُعْتَدَّة. فَإِن أَحْبَبْت أَن تسرع الانحدار عَن الْمعدة فألق فِيهِ ملحاً.
قَالَ: وَأما رجل آخر فَإِنَّهُ دَامَت بِهِ نزلة إياماً كَثِيرَة فأعقبه ذَلِك أَن نفث مَعَ السعال دَمًا أَحْمَر حاراً لَيْسَ بِكَثِير الْمِقْدَار ثمَّ رمى بعد ذَلِك بِجُزْء من الغشاء المغشى على قَصَبَة الرئة فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك زكنت وحدست من غلظ ذَلِك الْجُزْء الَّذِي رمى بِهِ وَمن حس الْمَرِيض بِموضع الْأَلَم أَن ذَلِك هُوَ الْجِسْم الَّذِي فِي دَاخل الحنجرة وَصَحَّ ذَلِك أَن نغمات الْفَتى وصوته فسد لَكِن برأَ هَذَا الْفَتى بعد كد.
وَأكْثر من يُصِيبهُ ذَلِك بعقب الْأَمْرَاض الوبئية يكون أمره أسهل وَذَلِكَ فِيمَا أَحْسبهُ لِأَن أبدانهم تكون قد يَبِسَتْ قَالَ: والتجربة وَالْقِيَاس يَشْهَدَانِ جَمِيعًا أَن القروح تحْتَاج أَن تجفف.(4/157)
(علاج من أَصَابَهُ نفث الدَّم من نزلة)
كَانَت امْرَأَة نفثت دَمًا وَقد كَانَت سمعتني أَقُول: أَن ملاك علاج هَذِه الْعلَّة أَن تتدارك قبل أَن ترم وَإنَّهُ إِن فَاتَ ذَلِك الْوَقْت لم ألف د ينْتَفع بالعلاج وَإِن هَذَا هُوَ السَّبَب الْأَعْظَم فِي عطب من يعطب وَكَانَ بهَا نزلة فَلَمَّا صرت إِلَيْهَا لم أفصدها لِأَنَّهَا كَانَت تَأْكُل مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام بِسَبَب النزلة إِلَّا مَا لَا بَال لَهَا بِهِ وَلَكِن أَمَرتهَا بالحقنة وبدلك الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ بدواء حَار زَمَانا طَويلا وَأَن ترْبط اليدان وَالرجلَانِ ربطاً شَدِيدا وَأَن يحلق رَأسهَا وَيجْعَل عَلَيْهِ الدَّوَاء الْمُتَّخذ بخرء الْحمام الْبَريَّة ويركنه على رَأسهَا قَرِيبا من ثَلَاث سَاعَات ثمَّ أَمَرتهَا أَن تستحم فِي الْحمام وَلَا يقرب رَأسهَا الدّهن وَأمرت بعد خُرُوجهَا من الْحمام أَن تغطي رَأسهَا بِشَيْء وسط يشبه الرُّمَّان ثمَّ غذوتها بخس وَحده وأطعمتها بعض الْفَوَاكِه القابضة وسقيتها عِنْد النّوم ترياق الأفاعي مِمَّا عمل مُنْذُ أَرْبَعَة أشهر لِأَن مثل هَذَا الترياق لقرب عَهده بالأفيون قوته قَوِيَّة بعد وَمَا كَانَ مِنْهُ قد عتق فَإِن قُوَّة الأفيون فِيهِ تضعف وَلِهَذَا السَّبَب صَار الترياق الطرئ يجلب النّوم وَيمْنَع الْموَاد المتجلبة ويغلظ بعض الغلظ فَلَمَّا انْقَضتْ النزلة وسكنت الْبَتَّةَ علمت من نوع النَّفس الَّذِي كَانَت تنفسه وَمن صَوت سعالها أَن الرئة تحْتَاج إِلَى تنقية إِلَّا أَنِّي لم أجد فِي تنفسها فِي الْيَوْم الثَّانِي لكني حَفظتهَا بِكُل مَا قدرت عَلَيْهِ من السّكُون وَالسُّكُوت وَأمرت بدلك يَديهَا ورجليها وربطها وَأمرت أَن تدلك سَائِر أعضائها خلا الرَّأْس فَإِنَّهُ كَانَ حاراً من قبل الدَّوَاء الَّذِي وضعت عَلَيْهِ ثمَّ سقيتها بالْعَشي قدر باقلاة من الترياق وَكَانَت الشربة الَّتِي سقيتها فِي الْيَوْم الأول أَكثر من هَذَا الْمِقْدَار كثيرا فنامت لَيْلَتهَا هَذِه أَيْضا نوماً حسنا وبكرت فِي الْيَوْم الثَّلَاث فسقيتها عسلاً كثيرا مطبوخاً ألف د وحفظتها على الهدوء والسكون فَلَمَّا تَعَالَى النَّهَار أمرت بدلك بدنهَا كلهَا وَتَقَدَّمت أَن تجْعَل غذاءها مَاء الشّعير مَعَ شَيْء يسير من الْخبز وَلما كَانَ فِي الرَّابِع سقيتها بِالْغَدَاةِ ترياقاً قد بلغ عنفوانه من السنين مَعَ عسل كثير وَوضعت على رَأسهَا أَيْضا من الدَّوَاء المسخن المجفف إسخاناً وتجفيفاً قَوِيا ثمَّ أدخلتها الْحمام وغذوتها بغذاء قصد وَفِي الْيَوْم الْخَامِس رمت أَن أنقي رئتها تنقية أبلغ لي لِأَنَّهَا كَانَت قد أمنت من الورم ثمَّ إِنِّي مرّة ثَانِيَة وثالثة بعد أَن كنت أريحها فِي مَا بَين العلاجين كنت أَضَع على رَأسهَا ضماداً وَهُوَ قيروطي وثافسياً وَجعلت تدبيرها تَدْبِير النَّاقة بالركوب والدلك وَالْمَشْي وَقطعت الاستحمام الْبَتَّةَ وَتَنَاول الْغذَاء الْجيد الْيَسِير فبرئت برءاً تَاما تحتج إِلَى شرب اللَّبن.)
قَالَ: وَأما فَتى آخر هاج بِهِ سعال من قبل برد وصل إِلَى أَعْضَاء تنفسه شَدِيد فنفث نصف قوطولي من دم ففصدته من سَاعَتِي وأخرجت دَمه مرَّتَيْنِ من يَوْمه وَمن غَد مرَّتَيْنِ(4/158)
وعالجته فِي الثَّلَاث بدلك الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وربطتهما ثمَّ سقيته بالْعَشي من دَوَاء البزور وَفِي الْيَوْم الثَّانِي بعد إِخْرَاج الدَّم وضعت على بدنه كُله القيروطي الْمُتَّخذ بالينبوت وأخذته عَنهُ بالْعَشي لِئَلَّا يسخنه أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي. وَوَضَعته عَلَيْهِ فِي الثَّالِث نَحْو ثَلَاث سَاعَات ثمَّ أدخلته الْحمام وغذوته الثَّلَاثَة الْأَيَّام الأول أما الْيَوْمَيْنِ فبالحسو وَأما فِي الْيَوْم الثَّالِث فسقيته أَولا مَاء الشّعير ثمَّ أطعمته بعد ذَلِك سمكًا خَفِيفا سريع الانهضام وإسفيذباجا وسقيته فِي عشي ذَلِك الْيَوْم دَوَاء البزور وَفِي عشي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث أَيْضا كَذَلِك لِأَنَّهُ دَوَاء يجلب النّوم ويسكن ألف د الوجع ويخفف فَلَمَّا رجعت أَعْضَاء النَّفس مِنْهُ إِلَى مزاجها المعتدل وتنظف ونقي بدنه كُله وَلم يبْق هُنَاكَ شَيْء توهم أَنه فِي الْعُرُوق المنفسخة شَيْء من الورم ابتدأت بتنقيته فسقيته من الترياق مَا هُوَ فِي عنفوانه ثمَّ بعثت بِهِ إِلَى سطاما ليشْرب اللَّبن.
قَالَ: فَبِهَذَا الطَّرِيق عَالَجت جَمِيع من قلدني علاجه فِي أول يَوْم من علته فَأَما من أَتَى بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَلم يبرؤوا كلهم فَأَما من كَانَت قُرْحَته قد تورمت قبل أَن جَاءَنِي ورماً أَخَذته مِنْهُ الْحمى فَلَا أعلم أَن أحدا مِنْهُ برأَ أصلا.
قَالَ: من لزم بعد أَن كَانَ حدث بِهِ الورم وحم مِنْهُ التَّدْبِير الْمُسْتَقيم فِي جَمِيع الْأَمر فيبست لذَلِك قُرْحَته وجفت فَإِنَّهُ ينْتَفع بذلك مَنْفَعَة بلغت لَهُ أَن قُرْحَته لم تتسع وَلم تعظم لَكِنَّهَا عِنْد مَا يَبِسَتْ وصلبت بَقِي صَاحبهَا يعِيش دهراً طَويلا. وَأرى أَن من هُوَ من هَؤُلَاءِ فِي حد من لَا برأَ لَهُ وَإِنَّمَا هم الَّذين يجد بَعضهم وَيَقُول: أَنه يحس بطعم كطعم مَاء الْبَحْر لِأَن إصْلَاح الأخلاط الرَّديئَة يحْتَاج إِلَى زمَان طَوِيل وَيجب إِذا طَال الزَّمَان أَن يعرض للقرحة أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يجِف فيصلب فَيصير فِي حد مَا لَا يبرأ وَإِمَّا إِن هِيَ لم تَجف وتصلب عفنت أَولا ثمَّ سعت العفونة إِلَى مَا حولهَا تتعفن الرئة بأسرها على طول الزَّمَان.(4/159)
3 - (الاحتراس) قَالَ: وَخلق كثير مِمَّن كَانَ فِي بدنه أخلاط هَذِه حَالهَا لما ينزفوا بالسعال وَكَانُوا لم ينفثوا بعد عنيناً بأمرهم فبرؤوا برءاً تَاما وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن تصرف عنايتك إِلَيْهِ من أَمر هَؤُلَاءِ وتهتم بِهِ أَكثر من جَمِيع الْأَشْيَاء أَن لَا يسعلوا وَلَا ينحدر من ألف د رؤوسهم إِلَى صُدُورهمْ شَيْء وَذَلِكَ يكون بِثَلَاثَة أَشْيَاء: الإسهال والدواء الْمُتَّخذ بالبزور المحمر أَو غَيره من السمخنات على الرَّأْس وَليكن المسهل مؤلفاً من أدوية مُخْتَلفَة ليخرج أخلاطاً مُخْتَلفَة كَالَّذي ألفنا نَحن من الصَّبْر والسقمونيا وشحم الحنظل والغاريقون ومقل الْيَهُود والصمغ وَإِن احتجت فِي آخر الْأَمر أَن تسهل الْمرة السَّوْدَاء فافعل وَأما الرَّأْس فَيَنْبَغِي أَن تداويه بِأَن تجْعَل عَلَيْهِ القيوطي الْمُتَّخذ بالينبوت فَهَذَا مَا تَفْعَلهُ فِي أول الْأَمر وَأما بعد ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تدبر العليل تَدْبِير النَّاقة فتغذيه أغذية تولد دَمًا جيدا وتدلك يَدَيْهِ وتغمزه وتحركه بِالْمَشْيِ وتدخله الْحمام وَاعْلَم أَن هَؤُلَاءِ أحْوج النَّاس إِلَى شرب اللَّبن يَعْنِي الَّذين يخَاف عَلَيْهِم السل من أخلاط مالحة حريفة فِي أبدانهم وَقد وَقَعُوا فِيهِ قَالَ: وَإِن لم يشربوه بلغو الْغَايَة من حد مَا لَا يبرأ.
قَالَ: فَأَما الفصد فَمن كَانَ قَلِيل الدَّم مِنْهُم فدبره أَولا بِالتَّدْبِيرِ المولد للدم الْجيد ثمَّ أفصده بعده وأغذه أَيْضا بعد الفصد بالمولد للدم الْجيد ثمَّ أفصد إِن احْتَاجَ إِلَى ذَلِك. وأحوج النَّاس إِلَى ذَلِك من كَانَ فِي دَمه عكر وثفل راسب غليظ فَأَما من كَانَ قَوِيا كثير الدَّم فافصده فِي أول الْأَمر.
قَالَ جالينوس: جَمِيع مَا ذكرته هُوَ مِمَّا قد جربته وامتحنته. قَالَ: وبهذه الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء ينجو هَؤُلَاءِ الْقَوْم من السل أَعنِي بإسهال الْبَطن وإسخان الرَّأْس والفصد لي يَعْنِي من فِي بدنه أخلاط رَدِيئَة. فَإِن نزلت نزلة إِلَى صَدره وتقيحت عفن. قَالُوا: وَلَا يَنْبَغِي أَن تسوف الْأَيَّام فِي عِلّة السل وَلَا تقدم أَولا التَّدْبِير ألف د الضَّعِيف لَكِن ابدأ سَرِيعا فِي أول الْأَمر بالعلاج الْقوي لِأَنَّهُ لَا يحْتَمل إِلَّا ذَلِك فبادر إِذا رَأَيْت نفث الدَّم بالفصد وَالتَّدْبِير الَّذِي ذكرنَا أَعنِي المسهل وتجفيف الرَّأْس. لي هَذَا إِذا كَانَ عرض نفث الدَّم عَن نزلة. قَالَ: وَلَا تَظنن أَنه لَا بُد ضَرُورَة أَن يلْزم قُرُوح الرئة ورم فِي الِابْتِدَاء ضَرُورَة فَإنَّك قد ترى خَارِجا خراجات كبارًا تلتحم قبل أَن ترم وَنحن أَيْضا قد أبرأنا خلقا كثيرا مِمَّن انْفَسَخ فِي رئاتهم عروق قبل أَن يرم وَالدَّلِيل على أَن الرئة قد)
ورمت الْحمى لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن ترم الرئة وَلَا تهيج حمى على قربهَا من الْقلب وَأَيْضًا أَن ينفث العليل صديداً أَو قَيْحا.(4/160)
قَالَ: وَلَيْسَ يُمكن أَن تَبرأ قرحَة فِي الرئة إِذا ورمت الرئة وَمَتى ورمت الرئة حم صَاحبه وَإِذا تفقأ الورم نفث بصاقاً قبيحاً فَإِذا كَانَ الغليل لَا يحم لَا يسعل وَلَا ينفث قَيْحا وَلَا بِهِ ورم فِي رئته. لي يتَحَصَّل أَسبَاب السل فِي الصَّيْحَة والسقطة والضربة وإمساك النَّفس الطَّوِيل بِقُوَّة والأعمال الشاقة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يمدد عروق الرئة فينفث الدَّم وَفِي الخراجات الَّتِي تخرج فِي نواحي الصَّدْر مِمَّا تنصب مدَّتهَا إِلَى فضاء الصَّدْر والهواء الْبَارِد جدا الَّذِي يضغط الرئة الَّتِي تعفن الرئة برداءتها وَمَعَهَا نفث الدَّم أَيْضا.
وَأَشد النَّاس اسْتِعْدَادًا للسل من النزل الَّذين دِمَاؤُهُمْ حريفة حارة. وَأَشد النَّاس اسْتِعْدَادًا للسل حِين يسعلون أَصْحَاب الصُّدُور الضيقة.(4/161)
فِي الدَّم وَخُرُوجه أَسْفَل
قَالَ: كثير من النَّاس قطعت يَده أَو رجله أَو ترك رياضة قَوِيَّة أَو احْتبست عَادَة كَانَ يستفرغ بهَا بدنه انْبَعَثَ مِنْهُم دم إِمَّا من حُلُوقهمْ أَو مَقَاعِدهمْ بدور نَوَائِب وَلَيْسَ عَلَيْهِم فِيهِ بَأْس وَكَثِيرًا مَا يكون ذَلِك بالقيء ألف د وَيكون ذَلِك أَيْضا لامتلاء أبدانهم وَلَيْسَ عَلَيْهِم فِيهِ مَكْرُوه وَهَذِه الْحَال غير رَدِيئَة وَلَا يخرج بوجع.
الرَّابِعَة من الميامر: إِذا كَانَ نفث الدَّم من الْمعدة ونواحيها سقينا القابضة والمغرية والمخدرة وَإِذا كَانَ من الصَّدْر والرئة جعلنَا مِنْهَا اللطيفة الحارة لتوصلها وَإِن كَانَت هِيَ فِي نَفسهَا غير مُوَافقَة لهَذِهِ الْعلَّة.
مِثَال ذَلِك: هيوفسطيداس وَحب الآس وخرنوب وطين أرمني وصمغ عَرَبِيّ ونشا وأفيون هَذَا للمعدة ونواحيها فَإِن كَانَ الصَّدْر رديئاً زِدْنَا مَعَه مرا ودارصينى وسليخة وَنَحْوهَا.
الْمقَالة الأولى من كتاب الأخلاط قَالَ: جَمِيع استفراغ الدَّم وَغَيره يقطعهُ أَو يوهن جريته أَن ينصب الْعُضْو إِلَى فَوق وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ من المعي والأرحام فَاجْعَلْ فرَاش العليل مرتفعاً ُ مِمَّا يَلِي أَسْفَل منخفضاً مِمَّا يَلِي فَوق.
الثَّانِيَة: من كَانَت بِهِ أورام باطنة وظاهرة فليتوق الْحمام وَالشرَاب وَالْغَضَب فَإِنَّهُ يسهل مَعَ هَذِه انصباب الأخلاط جدا جدا إِلَى جَمِيع الأورام والأعضاء الضعيفة.)
من مُخْتَصر حِيلَة الْبُرْء قَالَ: الفصد وَإِخْرَاج الدَّم مَرَّات كَثِيرَة قَلِيلا قَلِيلا علاج فِي غَايَة الْقُوَّة فِي منع نزف الدَّم إِذا جعلت فِي الْمُقَابلَة والمحاجم على الْمُقَابلَة ونصبة الْعُضْو تصير مُرْتَفعَة.
أوريباسيوس قَالَ: ينفع النزف الْبَاطِن أَن يسقى مَاء الكراث مِقْدَار قوانوسين. لي مقَام هَذَا فِي الْبَاطِن مقَام الكاوية خَارِجا وَلها مَوضِع يجب أَن تسْتَعْمل فِيهِ. لي الْمُفْردَات الَّتِي تمنع الدَّم وَتصْلح أَن تشرب وَلها إلحام القروح: ألف د الكندر والساذج والسادوران والكهرباء والصمغ وَدم الْأَخَوَيْنِ والأقاقيا والهيوفسطيداس وصمغ الْجَوْز.(4/162)
(حرق النَّار) 3 (وَالْمَاء الْحَار والتنفط والنفاخات) (الَّتِي فِيهَا دَقِيق من ذَات نَفسه والمحرقات بِالْقُوَّةِ) الطَّبَرِيّ: يضْرب مح بيض ودهن ورد وَيُوضَع عَلَيْهِ أَو يُؤْخَذ هندباء ودقيق شعير مغسول ومح بيض ودهن ورد يَجْعَل مرهماً وَيُوضَع عَلَيْهِ. وينفع مِنْهُ مرهم النورة تغسل النورة تسع مَرَّات كل مرّة بِمَاء آخر ثمَّ تضرب بالزيت المغسول ويعالج بِهِ وينفع مِنْهُ اللَّبن.
الْكِنْدِيّ فِي التنفط كُله وَحرق النَّار: يُؤْخَذ صندل وفوفل وآجر أَبيض جَدِيد يطلى بِمَاء عِنَب الثَّعْلَب وَمَاء ورد فَإِنَّهُ جيد بَالغ لي اجْعَل بدله خزفاً أَبيض جيدا إِذا لم يُوجد.
وَقَالَ: أطل حرق النَّار بِاللَّبنِ سَاعَة يَقع مِنْهُ أَن يتنفط ويتقرح وروه فَإِن قرح فَلَا شَيْء أَنْفَع لَهُ من مرهم النورة.
بولس قَالَ: النفاخات الَّتِي يكون فِيهَا شَيْء رَقِيق فلتشق وتعصر رطوبتها. وينفع التنفط أَن يضمد بعنب مطبوخ أَو تحمى أَغْصَان شَجَرَة الرُّمَّان فِي رماد حَار وتكوى بهَا النفاخات فَإِن صَار مَا تَحت النفاخات قرحَة فاسحق قيروطياً وشربها بطبيخ الإيرسا وضع عَلَيْهِ المرداسنج وشحماً. لي انصب مَاء حَار مغلي فاحمر من سَاعَته كَمَا انصب فَأَمَرته سَاعَته تِلْكَ فطلاه بصندل وكافور وَمَاء ورد ثمَّ أَمرته أَن يتعاهده يَوْمه أجمع بخرق مبلولة بِمَاء الثَّلج وَمَتى انغسل الطلاء أَعَادَهُ وَوضع الْخِرْقَة فَفعل ذَلِك وَلم يتنفط الْبَتَّةَ وبرأ.
بولس قَالَ: الْموضع الَّذِي يَحْتَرِق بالنَّار يحْتَاج إِلَى أدوية تجلو قَلِيلا من غير ألف د أَن تسخن أَو تبرد بِقُوَّة مثل القليمياء وكل طين خَفِيف إِذا لطخ بخل وَمَاء. وَيمْنَع من التنفط أَن يطلى من سَاعَة يَقع بميعة قد سحقت بأسرها حَتَّى صَارَت مرهماً وَذَلِكَ أَنَّهَا تجفف بِلَا لذع)
أَو يضمد بعدس مطبوخ بِمَاء وخل واطله أَو يطلى بالمراد وَأما الحرق الَّذِي يكون من المَاء الْحَار فبادر من قبل أَن يتنفوا فاطل عَلَيْهِ مَا يمصل من الزَّيْتُون المملوح فضمده أَيْضا بِهَذَا الزَّيْتُون بعد أَن يسْتَحق مَعَ سويق أَو اسحق شباً يَمَانِيا بخل واطله أَو اطله بِاللَّبنِ أَو بالمري. فَأَما مَا يتنفط فاسحق سماقاً وسويقاً بخل وضمده أَو خُذ رَمَادا حَدِيثا لم يرطب بِالْمَاءِ واخلطه مَعَ شمع ودهن وابسطه على خرقَة وَضعه عَلَيْهِ.
وَأما الْمَوَاضِع الَّتِي قد تقرحت فضمدها بكراث مسحوق أَو إِسْحَق البقلة الحمقاء مَعَ(4/163)
سويق وضمده ولف زبل الْحمام فِي خرقَة وَأحرقهُ وأسحق رماده مَعَ زَيْت ولطخ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَوَاء عَجِيب جدا وانثر عَلَيْهِ ورق الآس قد أحرق وسحق.
أَو ريباسيوس قَالَ: الْأَدْوِيَة الَّتِي تعالج بهَا حرق النَّار يَنْبَغِي أَن تكون مِمَّا تجلو جلاء معتدلاً وَلَا يكون لَهَا تبريداً وَلَا تسخين قوي قَالَ والطيف الْمَعْرُوف بالقمولياء وَجَمِيع الطين الْخَفِيف الْوَزْن يداف بخل مخروج ويلطخ يمْنَع التنقط وَكَذَلِكَ صفرَة الْبيض وَبَيَاض لِأَنَّهُ يبرده يبريداً شَدِيدا وَلَا يلذعه. والمداد إِذا لطخ عَلَيْهِ نفع. والعدس إِذا طبخ وسحق بالخل وطلي عَلَيْهِ نفع. لي إِنَّمَا يمْنَع التنفط بالأشياء الَّتِي تبرد جدا وَلَا تلذع وَذَلِكَ يجب فِي أول الْأَمر فَإِذا تنفط فَعندهَا يحْتَاج إِلَى مَا يجلو.
قَالَ أوريباسيوس: فَأَما إِذا تنفط فضمده بزيتون المَاء مَعَ سويق شعير أَو سماق مَعَ سويق شعير وخل أَو اخلط رَمَادا ألف د لم يصبهُ المَاء بقيروطي وَيُوضَع عَلَيْهِ أَو احْرِقْ خرء الْحمام ودقه بِزَيْت واطله فَإِنَّهُ عَجِيب.
فَأَما حرق المَاء الْحَار فَقبل أَن يتنفط الْموضع صب عَلَيْهِ مَاء زيتون المَاء صبا دَائِما ثمَّ اسحق زيتون المَاء وَضعه عَلَيْهِ وأعمد إِلَى شب فاسحقه بخل ولطخ عَلَيْهِ.
الساهر لحرق النَّار: مَاء ورد ودهن ورد ونورة مغسولة وقيموليا وَبَيَاض الْبيض يجمع مرهما فَإِنَّهُ عَجِيب وخل خمر قَلِيل.
آخر: نورة مغسولة وَمَاء السلق والكرنب وشمع ودهن ورد يعْمل مرهماً. أَو يطلى بالطين آخر: دهن ورد وشمع ونورة مغسولة وإسفيذاج وأفيون وَبَيَاض الْبيض أَو يطلى بِاللَّبنِ فَإِنَّهُ جيد.
مرهم النورة: تغسل عشر مَرَّات ثمَّ تعجن بِمَاء ورد وتضرب بدهن الْورْد حَتَّى تصير مرهماً)
فتمنع من التنفط. وَإِن يسحق الصمغ ببياض بيض ويطلى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يمْنَع التنفط. لي انْظُر فِي عِلّة الحرق وَمَا يُوجب أَن يُقَابل من التَّدْبِير وَقد أَجمعُوا أَن مرهم مرداسنج الْأَبْيَض أَعنِي مرهم الْخلّ لحرق النَّار جيد جدا.
الْمقَالة الأولى من قاطاجانس قَالَ: لَيْسَ الكندر والعلك والشحم وَنَحْوهَا مُوَافقَة لحرق النَّار وَإِنَّمَا ينفع مِنْهُ مَا يجفف بِلَا لذع وَلَيْسَت لَهُ دسومة.
ابْن سرابيون قَالَ: تحْتَاج هَذِه القروح الْحَادِثَة عَن حرق النَّار إِلَى مَا كَانَ من الْأَدْوِيَة معتدل الْجلاء غير أَن يسخن أَو يبرد فَلذَلِك يصلح لَهُ القيموليا وَجَمِيع أَصْنَاف الطين الْخَفِيف الْوَزْن إِذا طلي بِهِ بخل قد مزج مزاجاً كثيرا.
وَمِمَّا يسكن وَيمْنَع التلهب: بَيَاض الْبيض إِذا طلي من سَاعَته مَضْرُوبا مَعَ دهن الْورْد(4/164)
فَإِن هَذَا يبرد ويجفف ويسكن اللذع وَأفضل من هَذَا أَن يُؤْخَذ ألف د ورق الخمطي الرطب أَو ورق الْخَبَّازِي بِمَاء عذب ثمَّ يسحق وينقى من خيوطه ويطرح عَلَيْهِ مرداسنج وإسفيذاج الرصاص من كل وَاحِد أوقيتان وَنصف ودهن ورد أَربع أَوَاقٍ وَمَاء كزبرة رطبَة وَمَاء عِنَب الثَّعْلَب أُوقِيَّة أُوقِيَّة يسحق الْجَمِيع سحقاً محكماً ويضمد بِهِ. وَيصْلح أَيْضا أَن يُؤْخَذ عدس مقشر وَورد فيسلقان ويسحقان مَعَ دهن ورد ويضمد. وأنفع مِنْهَا هَذَا: تُؤْخَذ نورة مغسولة بِالْمَاءِ العذب سبع غسلات مجففة أَربع أَوَاقٍ شمع مصفى أوقيتان ودهن ورد سِتّ أَوَاقٍ يجمع الْجَمِيع.
وَمن النَّاس من يَأْخُذ الكلس المغسول والإسفيذاج ودهن الْورْد وَبَيَاض الْبيض فَيجمع فَإِن كَانَ الاحتراق إِنَّمَا هُوَ من مَاء حَار فَقبل أَن تجفف النفاخات فاسكب عَلَيْهِ مَاء الزَّيْتُون أَو مَاء الرماد أَو مريا أَو بِنَا.
وَإِذا تنفط فَاسْتعْمل حِينَئِذٍ مرهم الإسفيذاج ومرهم النورة وَهَذِه نسخته: اغسل النورة ثمَّ اضربها بدهن ورد حَتَّى يَسْتَوِي فَإِن لم تَجف النفاخات وعسر اندمالها فانثر عَلَيْهَا قرن الأيل المحرق أَو الينبوت المحرق.
وينفع مِنْهُ هَذَا خَاصَّة وَلكُل قرحَة عسرة: تُؤْخَذ برادة النّحاس وَالْحَدِيد تعجن بالطين الْأَحْمَر وَتجْعَل فِي الأتون حَتَّى تحترق وينسحق وَيكون أقراصاً وَعند الْحَاجة أسحق وانثر على الْموضع بعد أَن تطليه بدهن ورد فَإِنَّهُ مجرب لَهُ وللجدري وَإِن شِئْت فاطله مَعَ دهن ورد.) لي فِي التنفط: قد يكون قوم تنصب إِلَى أعضائهم مَادَّة حريفة فتتنفط وتسيل مِنْهَا مُدَّة وصديد أصفر وَمَا دَامَ لَا يتنفط وَلَا يسيل فَإِنَّهُ يوجع حَتَّى إِذا سَالَ سكن الوجع مثل ابْن الْكُوفِي وَابْن عبدويه ألف د ويعالج ذَلِك بمرهم الإسفيذاج مَعَ كافور كثير فَإِنَّهُ جيد جدا. وَإِذا أردْت أَن يتنفط سَرِيعا فَلَا يتنفط الْجلد فَإِنَّهُ أَجود وَيَنْبَغِي أَن يجرب وَقد عَالَجت مِنْهُ بغاية التبريد وإسهال الصَّفْرَاء الدَّائِم فبرئوا مِنْهُ وَقد صحّح جالينوس ظَنِّي فِي ذَلِك فِي كتاب الأخلاط فِي الْمقَالة الأولى.
السَّادِسَة من الْعِلَل والأعراض قَالَ: إِذا كثر فِي عُضْو من الْأَعْضَاء الْفضل السيال الَّذِي يكون مِنْهُ الاسْتِسْقَاء الزقي تولد فِيهِ النفاخات.
الْكَمَال والتمام دَوَاء يمْنَع حرق النَّار: يحل صمغ ببياض الْبيض ويطلى عَلَيْهِ. لي تطلب عِلّة الحرق لم صَار يتنفط وَتخرج النفاخات فِيهَا مَا الْعلَّة فِي ذَلِك أَن الْموضع يسخف جدا فتميل رطوبات كَثِيرَة ليتحلل ثمَّ لَا يُمكنهَا ذَلِك لكثافة الْجلد فتشيله وتجتمع تَحْتَهُ فَلذَلِك يمْنَع من التنفط مَا يسخف الْجلد وَيمْنَع بِقُوَّة قَوِيَّة.
قَالَ جالينوس فِي الْأَدْوِيَة المفردة: إِن دَوَاء كَيْت وَكَيْت يشفي حرق النَّار لِأَنَّهُ يحلل وَفِيه مَعَ ذَلِك منع وَدفع. لي هَكَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا لِأَنَّهُ يحصل أَشْيَاء رقيقَة يمْنَعهَا الْجلد فيتنفط فَيحْتَاج إِلَى تحليلها وَفِيه مَعَ ذَلِك منع وَدفع. لي هَكَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ هَهُنَا لِأَنَّهُ يحصل أَشْيَاء رقيقَة يمْنَعهَا الْجلد فيتنفط فَيحْتَاج إِلَى تحليلها وَيَنْبَغِي أَن يمْنَع مجيئها مَعَ ذَلِك. ج زهرَة اللبلاب الْكَبِيرَة إِذا سحقت مَعَ القيروطي كَانَت أَنْفَع شَيْء لحرق النَّار. لي أَحْسبهُ مجففه.(4/165)
أصل السوسن الْأَبْيَض بليغ النَّفْع من حرق المَاء الْحَار لِأَن مثل هَذَا الحرق يحْتَاج إِلَى دَوَاء يجمع التجفيف والجلاء المعتدل.
وَأفضل الْأَدْوِيَة لحرق النَّار أَن يُؤْخَذ أصل هَذَا السوسن فيسحق بدهن ورد ويضمد مَوضِع حرق المَاء الْحَار حَتَّى يبرأ.
ورق الْحِنَّاء يطْبخ ويصيب على حرق النَّار فينفع جدا لِأَنَّهُ يمْنَع ويحلل مَا فضل.)
لحاء شجر الصنوبر يشفي حرق ألف د المَاء الْحَار.
جوز الدلب إِن اسْتعْمل مَعَ الشَّحْم شفى حرق النَّار.
الهيوفاريقون إِن ضمد بِوَرَقَة أَو عصيره حرق النَّار شفَاه.
القيموليا نَافِع لحرق النَّار لِأَنَّهُ مركب مِمَّا يمْنَع ويجلو وَلَا يسخن وَلَا يبرد وَهُوَ يجفف فليطل الحرق من سَاعَته بخل ممزوج.
وكل طين هش خَفِيف الْوَزْن ينفع حرق النَّار إِذا طلي من سَاعَته بِالْمَاءِ والخل وَيمْنَع أَن يتنفط.
المداد يجفف تجفيفاً شَدِيدا وَإِذا خلط بِالْمَاءِ وطلي على حرق النَّار نفع من سَاعَته وَإِن كَانَ مَعَه خل كَانَ أَنْفَع.
بَيَاض الْبيض إِن طليته على الحرق من المَاء الْحَار وَغَيره عظم نَفعه فليوضع فَوْقه أَيْضا فِي صوفة لينَة.
اطهورسفس قَالَ: غراء الْجُلُود إِن طلي مِنْهُ على حرق النَّار وَالْمَاء الْحَار منع التنفط. د: الكندر إِذا سحق وخلط بشحم الدَّجَاج ابرأ القروح الْعَارِضَة من حرق النَّار.
الأقاقيا إِذا لطخ ببياض الْبيض على حرق النَّار لم يَدعه يتنفط.
زيتون المَاء إِن سحق لَحْمه وضمد بِهِ منع حرق النَّار أَن يتنفط.
عصارة ورق الآس إِذا ديفت بشراب وعصير تبرئ حرق النَّار.
ورق التوت إِذا دق وخلط بِهِ زَيْت وضمد بِهِ ابرأ حرق النَّار. د: قَالَ: إِن دق الصدف ونثر على حريق النَّار بعد أَن يلطخ برطوبة الصدف لزق بِهِ وَلم يُفَارِقهُ لي تغسل النورة وتضرب مَعَ بَيَاض الْبيض الرَّقِيق ويطلى بِهِ الحرق من سَاعَته بريشة وَيتْرك عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقهُ إِلَّا عَن برئه.
ورق السلق إِذا سلق يُبرئ حرق النَّار إِذا ضمد بِهِ.
الأشق إِذا حل بِالْمَاءِ ولطخ بِهِ لم يدع حرق النَّار أَن يتنفط. د: ورق الخطمي يسحق كالكحل وَيضْرب مَعَ شَيْء قَلِيل من مَاء ورد ويطلى على حرق النَّار جيد بَالغ. ألف(4/166)
د ماسرجويه قَالَ: رماد الطرفاء يجفف كل القروح الْعسرَة وخاصة الْحَادِثَة عَن حرق النَّار.)
الفلاحة قَالَ: عصير الكرنب يخلط بَيَاض الْبيض ويطلى على حرق النَّار فيبرئه.
المداد الْمُتَّخذ من دُخان الصنوبر وَمثل ثلثه صمغاً إِذا عجن بِالْمَاءِ ثخيناً وطلي على حرق النَّار لم يُؤْخَذ عَنهُ وَلم يسْقط إِلَّا عَن برئه وَمنع تنفطه.
ورفس: الْخلّ أبلغ الْأَدْوِيَة فِي منع حرق النَّار أَن يتنفط. لي لبطل عَلَيْهِ بطين.
بليناس فِي الطبيعيات: من احْتَرَقَ بدنه فَأَرَادَ أَلا يتنفط فليسحق العفص بالخل ويعجنه بِمَاء ويطله قبل ذَلِك فَإِنَّهُ يُبرئهُ الْبَتَّةَ. لي اتّفق أَن عالج عبد الرَّحْمَن حرق النَّار بالمرهم الْأَبْيَض فَكَانَ أنجح من كل شَيْء رَأينَا ثمَّ داوم على ذَلِك فَكَانَ نَافِعًا أبدا وَينْهى الْقيَاس بعد ذَلِك وَذَلِكَ أَن المرهم عفص حُلْو دسمي لين اللِّقَاء وقوته التجفيف من غير لذع الْبَتَّةَ.
قَالَ د: الإثمد إِذا خلط بِبَعْض الشحوم الطرية ولطخ على حرق النَّار لم يعرض لَهُ خشكريشة وَإِذا خلط بالموم وَشَيْء يسير من اسفيذاج الرصاص أدمل مَا يعرض فِيهِ من قُرُوح حرق النَّار الخشكريشة وقيروطي فشربه عصير ورق الآس أَو يسحق مَعَه ورق الآس الْيَابِس وَقد جعل ضماداً يُبرئ حرق النَّار فِيمَا زعم.
والأقراص الَّتِي تعْمل من البنك الَّذِي يكون فِي سَاق الآس أقوى كثيرا فِي ذَلِك: يُؤْخَذ البنك الَّذِي يكون فِي سَاق الآس فينعم دقه وتعجن بشراب عفص وتتخذ قرصة وينفع. ودهن الآس قَالَ د: نَافِع لحرق النَّار إِن لطخ.
الأقاقيا ببياض الْبيض إِن لطخ على حرق النَّار لم يَدعه يتنفط.
وَقَالَ ديسقوريدوس: أصل الأنجوسا إِذا أغلي بالزيت ثمَّ جعل من ذَلِك الزَّيْت قيروطي كَانَ جيدا لحرق النَّار.
القسي إِذا تضمد بورقه نفع حرق النَّار.
أوفاريقون قَالَ: أَنه إِن تضمد بورقه ابرأ حرق النَّار.
اندروسامن إِن تضمد بورقه ابرأ حرق النَّار. وَقَالَ ج: قُوَّة ورق هَذَا يجفف ويجلو فَلذَلِك قد وثق النَّاس بِأَنَّهُ يُبرئ حرق النَّار.
قَالَ: إِن ضمدت حرق النَّار ببيضة كَمَا هِيَ نِيَّة نَفَعت جدا وَإِن ضمدته ببياضها فَقَط بصوفة نفعته وَكَذَلِكَ الصُّفْرَة لِأَنَّهَا تبرد وتجفف تجفيفاً لَا لذع مَعَه وَبَيَاض الْبيض إِن جعلته على حرق)
النَّار لم يَدعه يتنفط إِن طليته فِي أول مَا يعرض.(4/167)
الْجُلُود الْخلقَة الَّتِي ترمي بهَا الأساكفة من النِّعَال وَغَيرهَا قَالَ د: إِن أحرقت وسحقت وذرت على حرق النَّار أَبرَأته وَشهد بذلك جالينوس وَقَالَ بولس: إِنَّهَا تَنْفَع حرق النَّار حَقًا.
ثَمَرَة الدلب الطرية مَعَ شَحم خِنْزِير يُبرئ حرق النَّار. د قَالَ جالينوس: جوز الدلب مَعَ شَحم ينفع حرق النَّار.
نَبَات الهيوفاريقون إِذا دق مَعَ ورقه وضمد بِهِ مَوضِع حرق النَّار أدمله. ج: لحم زيتون المَاء إِذا تضمد بِهِ بعد سحقه لم يدع حرق النَّار يتنفط. د: بعر الضَّأْن إِذا خلط بقيروطي ودهن ورد ابرأ حرق النَّار.
زبل الْحمام إِذا سحق بالزيت ثمَّ طلي بِهِ حرق النَّار أَبرَأَهُ. د: جالينوس قَالَ: كَانَ رجل يداوي الْجِرَاحَات الْحَادِثَة عَن حرق النَّار ببعر الكباش مَعَ قيروطي فيدملها وببعر الْمعز المحرق ويخلط قَلِيله مَعَ كثير من القيروطي.
طبيخ ورق الْحِنَّاء يصب على حرق النَّار. ج: حَيّ الْعَالم نَافِع لحرق النَّار.
القيموليا إِذا ديف بخل ولطخ على حرق النَّار فِي أول مَا يعرض منع من التنفط. د: الطين الَّذِي فِي حيطان الأتون مثل القيموليا فِي ذَلِك. د جالينوس: طين سالي وطين قبرس من أفضل الْأَدْوِيَة لحرق النَّار لِأَنَّهُمَا يجففان من غير لذع وَلَا إسخان ألف د وَلَا تبريد ظَاهر ويجلوان جلاء يَسِيرا وَإِلَى هَذَا تحْتَاج القروح الْحَادِثَة عَن حرق النَّار. ج: القيموليا نَافِع لحرق النَّار إِذا طلي عَلَيْهِ بخل كثير المزاج بِالْمَاءِ.
وَقَالَ: كل طين زبدي خَفِيف الْوَزْن ينفع حرق النَّار إِذا طلي عَلَيْهِ من سَاعَته بخل وَالْمَاء ويمنعه أَن يتنفط وَاجعَل مِقْدَار الْخلّ بِحَسب الْبدن ويبوسته.
الكندر إِن خلط بشحم البط ابرأ القروح الْعَارِضَة من حرق النَّار. د: لِسَان الْحمل إِذا تضمد بِهِ مَعَ الْملح نفع من حرق النَّار.
قَالَ ابْن ماسويه: خَاصَّة اللبلاب إِنَّه إِن دق وخلط بالموم الْمُصَفّى ودهن ورد ابرأ حرق النَّار. ج قَالَ: زهرَة هَذَا اللبلاب إِذا سحقت مَعَ القيروطي أَنْفَع شَيْء لحرق النَّار.) ج قَالَ: زهرَة هَذَا اللبلاب إِذا سحقت مَعَ القيروطي أَنْفَع شَيْء لحرق النَّار. دُخان خشب الصنوبر وَمثل ثلثه صمغاً يعجن بِالْمَاءِ ثخيناً ويطلى عَلَيْهِ وَلَا يُؤْخَذ حَتَّى يسْقط من نَفسه فَإِنَّهُ لَا يسْقط حَتَّى يندمل. د قَالَ جالينوس: المداد يجفف تجفيفاً شَدِيدا وَإِن ديف بِالْمَاءِ وطلي على حرق النَّار نفع من سَاعَته إِن كَانَ بخل قد انقع وَإِذا خلط بِزَيْت وَوضع على حرق النَّار لم يَدعه يتنفط.(4/168)
د: بصل النرجس إِن سحق بالعسل وَوضع على حرق النَّار نفع مِنْهُ. د: أصل السوسن إِن طبخ بدهن ورد وَاسْتعْمل ابرأ حرق النَّار.
أصل السوسن الْأَبْيَض البستاني وورقه لَا يجلو ويحلل باعتدال نفع حرق النَّار وَالْمَاء الْحَار لِأَن حرق المَاء يحْتَاج إِلَى دَوَاء يجمع التجفيف والجلاء المعتدل فأفضل الْأَدْوِيَة لَهُ السوسن إِذا شوي وسحق مَعَ دهن ورد وَوضع على الْموضع الَّذِي احرقه المَاء الْحَار وَالنَّار ألف د وَيتْرك حَتَّى يبرأ الشريج إِذا خلط بقيروطي ابرأ حرق النَّار. د: السمسم يُبرئ حرق النَّار.
قشر شَجَرَة الصنوبر الصَّغِير الْحبّ يدمل قُرُوح حرق المَاء الْحَار. ج: صدف الفرفير إِذا أحرق ثمَّ أنعم سحقه وَجعل مِنْهُ جعل مِنْهُ على حرق النَّار وَترك عَلَيْهِ حَتَّى يسْقط من ذَاته سقط بعد اندماله على شَحم الْخِنْزِير جيد لحرق النَّار. د: الشب إِن لطخ بِالْمَاءِ على حرق النَّار نفع. قشر السويه إِذا حك بِهِ مرداسنج ودقاق كندر وَافق حرق النَّار وَإِن اسْتعْمل هَذَا القشر بقيروطي ودهن الآس نفع من ذَلِك أَيْضا. د: ورق التوت إِن دق وسحق وخلط بِزَيْت وتضمد بِهِ ابرأ حرق النَّار. د: الغراء الْمَعْمُول من جُلُود الْبَقر إِذا أذيب بِالْمَاءِ ولطخ بِهِ منع حرق النَّار أَن يتنفط. إِن طبخ ورق الْخَبَّازِي البستاني وأنعم دقه وخلط مَعَ زيتون وضمد بِهِ حرق النَّار نفع مِنْهُ.
قَالَ بولس: إِن النطول بطبيخ الْخَبَّازِي البستاني ينفع من حرق النَّار.
الْخلّ يُطْفِئ حرق النَّار أسْرع من كل شَيْء.
ابْن ماسويه: الْأَدْوِيَة الْمَانِعَة من حرق النَّار مَا أصف: أطل الْموضع بدهن الآس المغلي أَو بدهن الْورْد أَو أطل الْموضع بقيموليا مَعَ بَيَاض الْبيض أَو ضع عَلَيْهِ نورة مغسولة بِمَاء الْمَطَر مَعَ بَيَاض الْبيض ودهن الآس الْمُتَّخذ بدهن ورد أَو ادهنه بدهن ورد مَعَ شَيْء من أقاقيا أَو صمغ)
الإجاص أَو أحرق نعل الْخُف وذره عَلَيْهِ أَو ذَر عَلَيْهِ هيوفاريقون بعد حرقه أَو أطل الْموضع إِسْحَاق: ينفع حرق النَّار وَالزَّيْت وَالْمَاء القيموليا وَحده مَعَ خل ممزوج بِالْمَاءِ وَالْبيض إِذا فَقص وغمست فِيهِ قطنة وَوضعت عَلَيْهِ.
والمداد إِذا طلي عَلَيْهِ. ألف د والكندر الْأَبْيَض إِذا سحق وطلي عَلَيْهِ بعد سحقه بِالْمَاءِ حَتَّى يُمكن من الطلاء وَهَذِه الْأَدْوِيَة تَنْفَع فِي الْمُبْتَدَأ وتمنع أَن يتنفط وَإِذا تنفط فاخلط سماقاً بسويق الشّعير وأسحقها وبلها بخل واجعله عَلَيْهِ(4/169)
أَو خُذ مَاء قد أطفئ فِيهِ نورة فاخلطه بشمع ودهن ورد واجعله عَلَيْهِ فَإِن كَانَت النَّار قد أبلغت حَتَّى أحدثت قرحَة وَلم يكن مَعهَا حمرَة وَلَا حرارة فاسحق شياً من كرات وَضعه عَلَيْهِ فَإِن كَانَت فِيهِ حمرَة فالبقلة الحمقاء مَعَ سويق شعير بضماد وَيصْلح أَيْضا إِذا لم تكن حرارة وَحمى أَو يُؤْخَذ خرء الْحمام فَيصير فِي خرقَة كتَّان وَيحرق حَتَّى يصير رَمَادا ويخلط بدهن ويطلى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَوَاء عَجِيب النَّفْع.
وَمِمَّا يدمل أَيْضا حرق النَّار: البرسياوشان الْيَابِس إِن سحق ونثر عَلَيْهِ وأطراف الآس محرقة إِن نثرت عَلَيْهِ أَو عمل مِنْهُ مرهم.
وَمِمَّا يوضع عَلَيْهِ قبل أَن يتنفط: الزَّيْتُون المملوح وَيصب عَلَيْهِ أَيْضا مَاء الزَّيْتُون المملوح أَو يلطخ عَلَيْهِ شب يمَان بخل.
ولحرق المَاء الْحَار: تضمد بصفرة الْبيض ودهن ورد بقطنة فَإِذا احْتِيجَ إِلَى تجفيفه فلنحرق شبكة صياد عتيقة وَيُؤْخَذ رمادها وشعير محرق وغربال عَتيق محرق وجلنار ويذر عَلَيْهِ مُفْردَة أَو مركبة بدهن ورد مَرَّات.
من تذكرة عَبدُوس لحرق النَّار وَحرق النورة: يُؤْخَذ شعير محرق وجلنار وودع محرق وشبكة الصياد الْخلقَة محرقة وصدف محرق ومرداسنج يطلى بدهن الْورْد ودهن الآس مَعْمُول من دهن ورد وَبَيَاض بيض لخرق النورة يطلى عَلَيْهَا على الْمَكَان. طين حز مغسول بِمَاء شَدِيد الْبرد فَإِنَّهُ يسكن. لي تجربة من الْجَامِع مرهم أَبيض لحرق النَّار: يُؤْخَذ خثي الْبَقر الرَّاعِي ألف د الْيَابِس وقشور شَجَرَة الصنوبر ومشكطرامشيع عشرَة عشرَة ومرداسنج ثَلَاثَة وخبث الْفضة دِرْهَمَانِ خبث الرصاص أَرْبَعَة دَرَاهِم نورة قد غسلت غسلات بِمَاء بَارِد خَمْسَة دَرَاهِم وقيموليا خَمْسَة دَرَاهِم اسفيذاج الرصاص وطين قبرسي أَو رومي من كل وَاحِد سَبْعَة دَرَاهِم وعصا الرَّاعِي)
مدقوق عشرَة مداد فَارسي أَو صيني وزن سِتَّة دَرَاهِم توتياء أَخْضَر سَبْعَة دَرَاهِم بعر الضَّأْن عشرَة دَرَاهِم حب اللبلاب وورقة من كل وَاحِد خَمْسَة عشر درهما خبث الْحَدِيد وعصارة ورق الخطمى وعصارة ورق الْخِيَار من كل وَاحِد عشرَة دَرَاهِم وسوسن إزاد وبصله وسوسن آسمانجوني وزعفران من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم كافور أَرْبَعَة دَرَاهِم موم ودهن ورد ومخ أيل وَإِذا كَانَ مَعَ الحرق حرارة وَحُمرَة فَاجْعَلْ النورة المغسولة بِمَاء الْمَطَر وإسفيذاج الرصاص وحناء مكي وعصارة عِنَب الثَّعْلَب ورغوة بزر قطوناً وَبَيَاض الْبيض وشمع أَبيض ودهن ورد خام يَجْعَل عَلَيْهِ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ عَجِيب.
من الْكَمَال والتمام لحرق النَّار: قيموليا يسحق ويخلط مَعَه دهن ورد وَبَيَاض بَيْضَة(4/170)
وَشَيْء من خل خمر يطلى بريشة أَو تُؤْخَذ نورة فتغسل عشر مَرَّات وتخلط بدهن ورد وَبَيَاض بيض وإسفيذاج الرصاص وخبث الْفضة أَو يطلى الْموضع بطين أرمني بخل وَمَاء ورد فَإِنَّهُ عَظِيم النَّفْع وَإِن سحق الصمغ ببياض الْبيض وطلي عَلَيْهِ منع أَن يتنفط أَو يَجْعَل الآس محرقاً مَعَ شمع ودهن ورد وَيجْعَل عَلَيْهِ.
صفة دَوَاء يشرب فينفع من حرق النَّار: يشوى أصل السوسن الْأَبْيَض ألف د فِي الْعَجِين ويسحق ويسقى مَعَ شَيْء من دهن ورد أَو يَجْعَل عَلَيْهِ بعر الْغنم بدهن ورد أَو ورق الخطمي ارطب مَعَ دهن ورد أَو أصُول النرجس تدق بِعَسَل وَيجْعَل عَلَيْهِ أَو يعجن الشب بِمَاء ورد ويطلى عَلَيْهِ.
مرهم لحرق النَّار وَالْمَاء الْحَار: تُؤْخَذ نورة مغسولة وَبَيَاض الْبيض ودهن ورد وشمع أَبيض ومرتك مبيض اجْعَلْهُ مرهماً وعالج بِهِ.
من الفلاحة الفارسية قَالَ: لحرق النَّار دهن الْورْد وخل مَضْرُوب بعضه بِبَعْض جيد نَافِع جدا.
اطهورسفس قَالَ: إِن دق لحم الصدف بِلَا عظمه وَوضع على حرق النَّار نَفعه جدا.
وَقَالَ: غراء السّمك إِن ديف بِالْمَاءِ وطلي على حرق النَّار نفع جدا.
من مداواة الأسقام قَالَ: خُذ بيضًا وكندراً ومداداً فاطله عَلَيْهِ أَو ضع عَلَيْهِ عدساً مطبوخاً ودقيق الشّعير مَعَ بيض ني أَو خُذ سويقاً فاسحقه بِمَاء وَضعه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يمْنَع أَن ينتفط أَو ضع عَلَيْهِ سماقاً وسويقاً مسحوقين بخل فَإِذا تنفط الْجرْح فَخذ كارباً فأنعم دقه وألزمه الْجرْح أَو)
دق بقلة حمقاء وألزمها الْجرْح أَو اسحق الشب بِعَسَل واطله عَلَيْهِ أَو انقع غراء البقة بِمَاء واطل من ذَلِك المَاء.
ابْن سرابيون: الَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ المحترق بالنَّار الْأَدْوِيَة المعتدلة الْجلاء من غير أَن تسخن أَو تبرد فَمن هَذَا القانون أصلح مَا اسْتعْمل القيموليا وَجَمِيع الطين الْخَفِيف الْوَزْن إِذا طلي بِهِ مَوضِع الحرق مَعَ خل وَمَاء. وَيمْنَع التلهب والتنفط بَيَاض الْبيض ودهن الْورْد إِذا طلي عَلَيْهِ من سَاعَته. ألف د وَأفضل مِنْهُ ورق الخطمي الرطب وورق الْخَبَّازِي يسلق حَتَّى يتهرأ بِمَاء عذب ثمَّ ينقى ليفه ويخلط بمرداسنج مربى وإسفيذاج الرصاص أوقيتان مِنْهَا لرطل من المسلوق وَأَرْبع أواقي دهن ورد وَمَاء الكزبرة الرّطبَة وعنب الثَّعْلَب أُوقِيَّة أُوقِيَّة يحكم سحق الْجَمِيع حَتَّى يصير كالطرار ويضمد بِهِ. وينفع من هَذَا أَن تُؤْخَذ نورة مغسولة بِمَاء عذب سبع مَرَّات مجففة أَربع أَوَاقٍ وشمع مصفى أوقيتان دهن ورد سِتّ أَوَاقٍ يذاب الشمع والدهن(4/171)
ويسحق مَعَ الكلس ويطلى بِهِ وَقد تسْتَعْمل الكلس والدهن وَبَيَاض الْبيض وإسفيذاج قَلِيل وَيكرهُ الشمع بعض النَّاس. لي فِي احتراق المَاء الْحَار: يَنْبَغِي أَن ينطل عَلَيْهِ قبل أَن يتنفط مَاء الزَّيْتُون أَو مَاء الرماد أَو مرى أَو بن يطلى عَلَيْهِ فَإِن لم يُدْرِكهُ إِلَّا وَقد تنفط فَحِينَئِذٍ يسْتَعْمل مرهم الإسفيذاج ومرهم النورة فَإِنَّهُ يسكن ويجفف البثور. فَإِن ضعف جفوف النفاخات واندمالها فانثر عَلَيْهِ ورق الأثل المحرق أَو ورق الينبوت. وَإِن عسر أَكثر فانتثر عَلَيْهِ الإكسير بالطين الْأَحْمَر فِي بَاب القروح الْعسرَة الِانْدِمَال.(4/172)
3 - (الكي وَمَا يقْلع الخشكريشة) الْيَهُودِيّ قَالَ: أكو صَاحب الرهصة بِالذَّهَب الْأَحْمَر واكو الآكلة بِالْفِضَّةِ أَو النّحاس.
قَالَ بولس: مِمَّا يقْلع خشكريشة الكي ضماد دَقِيق الْحِنْطَة بِمَاء وزيت ومرهم الباسليقون أَو خس يدق مَعَ كرفس أَو باذروج وَيُوضَع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أقواها كلهَا وَأي دَوَاء شِئْت مِمَّا ينْبت اللَّحْم إِذا عجن بِعَسَل وَوضع عَلَيْهِ مثل الإيرسا والزراوند وَالْعَسَل نَفسه. لي السّمن والشيرج يُجزئ عَن هَذَا كُله.
قَالَ: ويقلع أثر الكي من أَصله الفجل مسحوقاً بخل ثَقِيف. لي ينظر فِي هَذَا ألف د فَإِن الخشكريشة تحْتَاج إِلَى المرخيات فَقَط.
أنطيلس: إِذا احتجت أَن تكوى شَيْئا مثل الْأنف أَو الْفَم أَو دَاخل الْأذن فَخذ أنبوبة من صفر فَأدْخلهَا فِيهِ وَأدْخل المكوى فِي جَوف الأنبوبة. لي لَو كَانَ مَعَ أبي الْحُسَيْن فِي الْيَوْم الَّذِي كوي صَاحب التوتة فِي أصل الضرس أنبوبة وَاسِعَة يلقمها فَاه لم يَحْتَرِق لِسَانه وشفتاه وَقد كَانَ يسهل عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ فِي ذَلِك الْوَقْت قِطْعَة رمح وسالة هَذَا الشكل.
تجارب المارستان: إِذا كويت بلخية أَو توتة فَاجْعَلْ المكوى كَالدَّمِ ثمَّ ضع على مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من الشكل فَإِذا احْتَرَقَ فحكه بِخرقَة خشنة حَتَّى يسْقط مَا احْتَرَقَ أَو اجرده ثمَّ ضع الكي عَلَيْهِ أبدا حَتَّى يصل إِلَى لحم صَحِيح يوجع أَشد الوجع أَو إِلَى عظم فَإِذا وصلت إِلَى عظم فاكوه ليسقط عَنهُ قشره إِذا كَانَ فَاسِدا وبقدر فَسَاده يحْتَاج إِلَى شدَّة الكي وَأحذر مجاري الأعصاب ورؤوس العضل والربط وَشر أماكنها المفاصل.
الأولى من الْأَدْوِيَة المفردة قَالَ: إِذا كوينا عضوا ينزف الدَّم كويناه بمكاو قد حميت غَايَة الْحمى لِأَن مَا لم يكن كَذَلِك لَا ينفع لِأَنَّهُ يحدث قشرة غَلِيظَة ويضره لِأَنَّهُ لَا يبلغ أَن يحدث قشرة عَظِيمَة ويحمي الْموضع فيهيج انبعاث الدَّم أَكثر.
من كتاب ينْسب إِلَى جالينوس فِي الفصد قَالَ: أَجود مَا يكوى بِهِ الذَّهَب الإبريز لِأَنَّهُ لَا ينفط مَوضِع الكي وَيبرأ سَرِيعا.(4/173)
من الأهوية والبلدان: الكي لَا يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل فِي الْأَزْمِنَة المفرطة الطبيعة كالقيظ والشتاء.
أنطيلس قَالَ: إِذا أردْت أَن تكوي شَيْئا فِي تجويف مثل الْفَم وَالْأنف والتجاويف للقروح فَاتخذ) ألف د للمكاوي أنبوباً من صفر تدخل فِيهِ وتبرز مِنْهُ قدر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من المكوى المحمى.
من الْأَدْوِيَة المفردة قَالَ: إِذا أردْت أَن تكوي لنزف الدَّم فَيَنْبَغِي أَن تكوي بمكاو فِي غَايَة الْحمى لِأَن تحدث قشرة غَلِيظَة محترقة فَإِن الَّتِي لَا تفعل ذَلِك لَا تقطع الدَّم بل تهيجه بالحرارة وتزيده.(4/174)
(الْخلْع وَالْكَسْر) (وَالْفَسْخ والوثء والأدوية) والعلاجات الملطفة للدشبد والمحللة لِبَقَايَا الغلظ من الأعصاب والمفاصل وَالَّتِي تلين العصب الصلب الممتد وَالَّتِي تشد المفاصل الرخوة وَالَّتِي تلين الْعرق الممتد والربط والسلع الْمُسَمَّاة تعقد العصب وَالَّتِي تلين المفاصل الَّتِي قد امْتنعت من الانبساط والجبر وتصلب المفاصل وتليينها بعد الْجَبْر وَمَا تضمد بِهِ الْأَعْضَاء الواهنة والكسيرة وَمَا يصلب كسور الْعِظَام الَّتِي لم تَجِد التحامها وَالْخلْع الَّذِي يكون من سقطة وَالَّذِي يكون من رُطُوبَة المفاصل وتليين الْعُنُق الممتد.
الثَّالِثَة من حِيلَة الْبُرْء: 3 (عِظَام الرَّأْس) قَالَ: مَتى عرض فِي مفصل كَبِير خلع من قرحَة قصدنا نَحْو القرحة حَتَّى تَبرأ وَتَركنَا الْخلْع لَا يبرأ وَذَلِكَ أَنا مَتى رمنا أَن نعالج الْخلْع أَيْضا حَتَّى يبرأ أصَاب العليل ألف د تشنج فِي أَكثر الْأَمر.
الْمقَالة الرَّابِعَة قَالَ: أبقراط يَأْمر أَن يَبْتَدِئ الرِّبَاط من مَوضِع الْكسر وَيذْهب حَتَّى يبلغ الْموضع السَّلِيم.
قَالَ: وَقد نجد أَصْحَاب التجارب وَذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب مَتى حدث تشنج أَو رض شَدِيد بَادرُوا إِلَى إِخْرَاج الدَّم وَإِن كَانَ الْبدن لَا امتلاء فِيهِ.
الرض إِذا لم يكن عَظِيما جدا منفسخاً كَفاهُ أَن يفصد ويطلى بالأدوية الْمَانِعَة حَتَّى إِذا سكنت شرته حلل مَا بَقِي من أثر الدَّم بالأدوية الَّتِي تفعل ذَلِك وَهِي الَّتِي تحلل الدَّم الْمَيِّت وَإِن كَانَ شَدِيدا وَمَعَهُ ضَرْبَان شَدِيد وورم لم يكن بُد من أَن يتقيح فَيَنْبَغِي أَن تبادر فِي تقييحه فَإنَّك تستدرك بذلك غرضين: أَحدهمَا أَن شدَّة الوجع تسكن وَالثَّانِي أَنه يُبَادر إِلَى التقيح الَّذِي لَا بُد لَهُ مِنْهُ ثمَّ يعالج بعلاج القروح فَيكون أسْرع مُدَّة وَذَلِكَ إِن الْأَجْزَاء المترضضة إِذا تقيحت ذَابَتْ وانحلت وَصَارَت صديداً ثمَّ يبْدَأ اللَّحْم ينْبت من الْموضع الصَّحِيح الَّذِي تحب وَإِن كَانَ مَعَ الْفَسْخ شقّ فقد ذكر علاجه فِي قوانين القروح.(4/175)
الْمقَالة السَّادِسَة قَالَ: الْكسر يَقع فِي الْعظم إِمَّا عرضا وَإِمَّا طولا وَالْوَاقِع بِالْعرضِ يبين فِيهِ أحد الجزءين فقد فَارق الآخر وَالْوَاقِع بالطول لَا يتَبَيَّن فِيهِ ذَلِك لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون شبه الشق فَقَط.
قَالَ: عِظَام الصّبيان يُمكن أَن تلتحم فَأَما عِظَام الفتيان والشيوخ فَلَا وَأما إِن يجْتَمع على الجزءين المكسورين شَيْء يلزقهما فَذَلِك يكون.
قَالَ: وَسبب ذَلِك أَن الْعظم يغتذي بغذاء يشاكله فيجمد على طرفِي العظمين من فضلَة غذَاء الْعظم شَيْئَانِ يلتزقان بِهِ.
قَالَ: وَمَا كَانَ من الْكسر مُنْفَصِلا بعضه من بعض بِالْعرضِ فَإِن أحد الجزءين يَزُول عَن محاذاة الآخر وَإِلَّا نَتنًا ألف د فَيَنْبَغِي أَن تقومها على الاسْتقَامَة بانتقال كل وَاحِد إِلَى خلاف الْجِهَة الَّتِي مَال إِلَيْهِ وَتجْعَل الدستور فِي ذَلِك الْجُزْء السَّلِيم الْبَاقِي على صِحَّته فَإِن هَذَا الْجُزْء يدل على مثل مَا يمال إِلَى نَاحيَة مَال وَإِلَى أَيْن يَنْبَغِي أَن ينْقل.)
قَالَ: وَفِي رفع جزئي الْعظم إِلَى خلاف جِهَتهَا إِذا كَانَا منفصلين بِالْكَسْرِ خوف أَن تنكسر شظاياهما وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ يكون فيهمَا أملس بل لَهُ زَوَائِد.
قَالَ: وَإِن انْكَسَرت هَذِه الزَّوَائِد لم ينجبر الْعظم جبرا محكماً لِأَن تِلْكَ الزَّوَائِد إِمَّا أَن تبقى بَين العظمين المكسورين فتمنع وَإِمَّا إِن هِيَ لم تبْق لم يكن لَهُ وثاقة لِأَن الوثاقة إِنَّمَا تكون إِذا كَانَ لكل قَالَ: وَإِذا انْكَسَرت الزَّوَائِد أَيْضا فَلَا بُد أَن يبْقى بَين العظمين فضاء يجْتَمع فِيهِ صديد على طول الْمدَّة وَيصير سَبَب العفن فِي الْعُضْو كُله فقليلاً يحدث انكسار الشظايا بالخالبة لهَذِهِ البلايا.
يَنْبَغِي أَن يمِيل جزئي المنقصف المتبرئ من كل وَاحِد إِلَى الْموضع الَّذِي تُرِيدُ وهما متباعدان لَا يماس أَحدهمَا الآخر وَهَذَا لَا يُمكن دون أَن يمد الْعُضْو المكسور من ناحيتين مختلفتين وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تمدده إِن كَانَ صَغِيرا بِيَدِك وَإِلَّا فبحبلين وَإِلَّا فَمَعَ الْحَبل بالآلات الَّتِي علمناها أبقراط حَتَّى إِذا تمدد أَو حاذيتهما وهما متباعدان ثمَّ أرخيت الْحَبل قَلِيلا قَلِيلا وَتركت العضل يكون هُوَ الْجَامِع لَهُ وَيَنْبَغِي فِي ذَلِك الْوَقْت أَن تمسها فَإِن رَأَيْت شَيْئا ناشراً أصلحته وسويته ثمَّ تَعْنِي بِأَن تسكن ذَلِك الْعُضْو غَارة التسكين لِئَلَّا يذبل مَا قومت فَلَا بُد لذَلِك من الرِّبَاط والرباط الرخو لَا يحفظ والصلب يحدث فاختر التَّوَسُّط.
قَالَ: وَلَو كَانَت الْأَعْضَاء ألف د مُتَسَاوِيَة الْعظم لَكَانَ الرِّبَاط العريض أَجود لِأَنَّهُ يلْزم الْعظم المكسور من كل جَانب ويشده شداً مُتَسَاوِيا وَلَكِن لِأَن الْأَمر لَيْسَ كَذَلِك يُمكن فِي الصَّدْر رِبَاط عريض وَلَا يُمكن فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَو فِي الترقوة أَو يلف عَلَيْهَا مثل هَذَا الرِّبَاط.(4/176)
الأجود فِي هَذِه أَن يلف عَلَيْهَا رِبَاط دَقِيق لَا يُسَاوِي لِأَنَّهُ يطلى على الْجلد إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن تزيد فِي لفاته فِي ذَهَابه إِلَى فَوق وأسفل الْكسر أَكثر مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الرِّبَاط العريض بِحَسب نقصانه عَنهُ فِي الوثاقة لدقته وَلِأَن كل رِبَاط يعم على اللَّحْم فَمن شَأْنه أَن يعصر الأخلاط ويوركها فِي الْموضع الَّذِي يَنْتَهِي عِنْده صَار الصَّوَاب أَن تبتدئ بلف الرِّبَاط على الْموضع المكسور ثمَّ تمد ذَاهِبًا إِلَى آخر الْعُضْو الصَّحِيح. لي وَيكون فِي الْموضع المكسور أَشد لِأَن مَا كَانَ من الرِّبَاط على خلاف هَذَا فَهُوَ يعصر الدَّم من الْمَوَاضِع السليمة ويوردها إِلَى مَوضِع الْكسر والرباط الَّذِي يَبْتَدِئ من مَوضِع الْكسر وَيَنْتَهِي إِلَى الْموضع السليمة لَا يدع أَن يحدث فِي مَوضِع الْكسر وروم. هَذَا أَمر يجب أَن يعْنى بِهِ غَايَة الْعِنَايَة وَذَلِكَ أَنه لَا يُؤمن أَن يحدث فِي هَذَا الْعُضْو عِنْد تقويمه أورام عَظِيمَة وَقبل الْمَدّ أَيْضا لِأَن)
الْأَسْبَاب الَّتِي تحدث الْكسر تنكى اللَّحْم وترضه قَالَ: وَلست أبعد أَن يعرض للعظم نَفسه شَيْء شَبيه بالورم فَإِنَّهُ قد يعرض لَهُ إِذا لم يعالج على مَا يَنْبَغِي أَن يرى إِذا كَانَ مكشوفاً أرطب مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي طبعه وَترى ذَلِك عيَانًا إِذا كَانَ مَعَ الْكسر حرج وَفَسَاد الْعظم لَيْسَ يكون فِي شَيْء إِلَّا من هَذَا الْعَارِض وَلذَلِك فَلَا شَيْء يَنْبَغِي أَن يعْنى بِهِ أَكثر من أَن تكون الرُّطُوبَة تنعصر من مَوضِع الْكسر إِلَى النواحي وَذَلِكَ يكون بِأَن يلف عَلَيْهِ الرِّبَاط على الْموضع الكسير لفات ثمَّ يذهب بِهِ نَحْو الْموضع الصَّحِيح ألف د فَإِن هَذَا يمْنَع أَن يجْرِي الدَّم من الْأَعْضَاء السليمة إِلَى مَوضِع الْكسر ويعصر أَيْضا مَا فِي مَوضِع الْكسر من الدَّم ويدفعه وَلِأَن الْموضع المكسور على ناحيتين يُمكن أَن يجْرِي إِلَيْهِ مِنْهَا الفضول أَعْلَاهُ وأسلفه وَالَّذِي. يُمكن أَن يجْرِي إِلَيْهِ مِنْهُ أَكثر من أَعْلَاهُ لِكَثْرَة الْأَعْضَاء هُنَاكَ فَأَما من أَسْفَله فَلَا لِأَنَّهَا نَاحيَة الْأَطْرَاف.
يَنْبَغِي أَن يذهب الرِّبَاط الْوَاحِد من مَوضِع الْكسر إِلَى فَوق وَالْآخر من مَوْضِعه إِلَى أَسْفَل. لي يَنْبَغِي أَن يكون الذَّاهِب إِلَى فَوق ارْفُقْ بِحَسب الْعرض الَّذِي ذكرنَا وَلِأَن الرِّبَاط يَنْبَغِي أَن يكون لَازِما احْتِيجَ إِلَى الرفائد.
قَالَ: واحتال أبقراط للْمَنْع من الورم بالقيوطي الرطب وَيجب أَن تخْتَار للعضو نصبة لَا وجع مَعهَا الْبَتَّةَ لِئَلَّا يحدث ورم وَهَذِه النصبة الَّتِي يُمكن العليل أَن يبْقى العليل عَلَيْهَا مُدَّة طَوِيلَة فِي حَال الصِّحَّة بِلَا وجع وَهِي النصبة الَّتِي هِيَ للعضو بالطبع وَهِي فِي الْيَد مائلة إِلَى الْبَطن وَفِي الرجل أَن تكون قريبَة من الممدودة وَانْظُر أَيْضا فِي عَادَة العليل فِي ذَلِك وَلَا تربطه على شكل ثمَّ تنقله بعد الرِّبَاط على شكل آخر فَإنَّك تفْسد بذلك تَقْوِيم مَا قومت وتجلب أَيْضا وجعاً لِأَن الْعظم يلتوي لِأَنَّهُ لَا بُد عِنْد مَا يتَغَيَّر شكل الْعُضْو أَن يتَغَيَّر حَال وضع الشكل فيسترخي بعض ويتوتر بعض وَيصير الرِّبَاط لذَلِك رخواً فِي مَكَان وصلباً جدا فِي مَكَان وتمدد الْعظم وَيحدث الوجع.(4/177)
قَالَ: وأبقراط يَأْمر أَن يحل الرِّبَاط يَوْمًا وَيَوْما لَا لِئَلَّا يُصِيب العليل قلق وَلَا يُصِيبهُ حكاك فَإِنَّهُ قد يسكن عِنْد الشد فِي الْموضع رُطُوبَة يعرض مِنْهَا لقوم حكة مؤذية مقلقة وَكَثِيرًا مَا يكون أَن تصير صديداً يَأْكُل الْجلد فيقرحه ألف د وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تحله وتصب عَلَيْهِ المَاء الْحَار بِقدر مَا يحلل ذَلِك الصديد.
قَالَ: فَهَذَا تدبيرك إِلَى الْيَوْم السَّابِع وَإِذا حللت الْكسر فِي الْيَوْم السَّابِع وَوجدت مَا حوله سليما)
من الورم أمنت أَن يحدث حَادث وَرُبمَا وجدت هَذِه الْمَوَاضِع أَشد تعرقاً وَأَقل لَحْمًا مِمَّا كَانَت عَلَيْهِ وَعند ذَلِك يمكنك أَن يلْزمه قطع العيدان وَحدهَا وتحله فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام مرّة وَذَلِكَ أَنه فِي أول الْأَمر حَيْثُ كَانَ الْغَرَض وَالْقَصْد ... بَقَاء الورم ... . مَعَه أَكثر ... وَجب فالحزم ...
تحفظ الْعُضْو ... . مَعَ تقطع العيدان وَهِي الجبائر وَأما الْآن فَإِن كَانَ الورم قد سكن وَذهب وَبَقِي الْعظم مكسوراً يحْتَاج إِلَى شَيْء يدعمه ويضبطه ويثبته فَمن الصَّوَاب أَن تسْتَعْمل الجبائر وَأَن تحل الرِّبَاط فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام فَأَما قبل هَذَا الْوَقْت فَلَا لِأَن الْموضع الْآن لَا حَاجَة بِهِ إِلَى أَن يخرج مِنْهُ صديد وانعقاد الدشبد على مَوضِع الْكسر أَيْضا أَجود مَا يكون إِذا أَبْطَأت بِحل الرِّبَاط وَلم يبطل الْعُضْو وَيصب عَلَيْهِ مَاء حَار لِأَن ذَلِك دَاعِيَة إِلَى أَن ينْحل بعض ذَلِك الشَّيْء الَّذِي يُرِيد أَن يعْقد الْعظم وَلَا يَنْبَغِي أَن تتْرك الْحل وبتطئ زَمَانا طَويلا فيغيب عَنْك جبر الْكسر الْبَتَّةَ.
وَقد يحدث أَيْضا مِمَّن ذَلِك مَرَّات كَثِيرَة أَن يجِف الْعظم جفوفاً شَدِيدا عسراً. قَالَ: وَلذَلِك يَنْبَغِي لَك فِي مثل هَذَا الْموضع أَن تحل الرِّبَاط كل ثَلَاثَة أَيَّام وتصب على الْموضع من المَاء الْحَار بِقدر مَا ترى الْعُضْو قد أَخذ ينتفخ ويحمر وتقطعه حِينَئِذٍ وَلَا تنْتَظر وتطيل الصب عَلَيْهِ إِلَى أَن ترى أَن الْحمرَة والانتفاخ الحادثان أخذا فِي السّكُون لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يحلل بِأَكْثَرَ مِمَّا يجلب وَإِذا كَانَ فِي الْموضع رُطُوبَة تمنع الالتحام فصب عَلَيْهِ مَاء حَار يَسِيرا ثمَّ أربطه ربطاً يرفع إِلَى الطَّرفَيْنِ فَإِن المَاء الْحَار هُنَا يرقق تِلْكَ الرُّطُوبَة فيسهل دفع الرِّبَاط لَهَا. وَمِمَّا لَا خَفَاء بِهِ أَنه إِذا كَانَ غرضك أَن يعصر الرِّبَاط مَا فِي الْعُضْو ألف د ويخرجه أَن يكون الْخرق مَتى بَعدت من مَوضِع الْكسر استرخت وَألا يلْزم حَوَاشِي الْخرق مُلَازمَة شَدِيدَة بل تكون إِلَى الرخاوة وَإِذا أردْت أَن تجلب إِلَى الْموضع شَيْئا يغتذى بِهِ فَلَا تقصر فِي الاستيثاق من أَطْرَاف الْخرق وَاجعَل لفاتها كلهَا أرْخى. لي أفهم هَذَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون حَوَاشِي الْخرق لَازِمَة ووسطه رخوة.
قَالَ: وَأما التَّدْبِير فَإِنَّهُ فِي أول الْأَمر يَنْبَغِي أَن يكون فِي غَايَة اللطافة. لي ليأمن الورم وَكَثِيرًا مَا يحْتَاج بل فِي الْأَكْثَر تفصده وتسهله وَأما فِي وَقت تولد الدشبد على الْعظم فأغذه بأغذية تولد دَمًا جيدا وتغذو غذَاء كثير وَتجمع مَعَ جودة الدَّم لزوجة فَإِن الشَّيْء الَّذِي يجْبر(4/178)
الْعظم إِنَّمَا يتَوَلَّد وَيكون من مثل هَذَا الدَّم لِأَن الدَّم الرَّقِيق الشبيه بِالْمَاءِ لَا يتَوَلَّد عَنهُ مثل هَذَا الْجَوْهَر)
الشبيه بطبيعة الْعظم وَالدَّم الَّذِي يكون غليظاً إِلَّا أَنه مَعَ غلظه لَا لزوجة لَهُ وَلَا دسومة قد يتَوَلَّد مِنْهُ الدشبد سَرِيعا إِلَّا أَن ذَلِك الدشبد يكون قحلاً يَابسا ينكسر سَرِيعا فَيكون لذَلِك غير حريز.
فَأَما مِقْدَار تولد هَذَا الْجَوْهَر فَيَنْبَغِي أَن يكون مِقْدَار مَا يضْبط الْعظم وَلَا يفرط حَتَّى يزحم العضل فيوجع وَلذَلِك يَنْبَغِي لَك أَن تتفقد بمعناته فَإِن رَأَيْته نَاقِصا فأعلن الطبيعة على فعله وَإِن رَأَيْته بِمِقْدَار الْحَاجة فاقطع تزيده ويمكنك أَن تقطع ذَلِك بِكَثْرَة صب المَاء الْحَار حرارة جَيِّدَة وَقلة الْغذَاء وَقلة لزوجته بالأدوية الَّتِي تُوضَع عَلَيْهِ خَارِجا فَإِن الْأَدْوِيَة المغرية المسددة إِذا جمعت إِلَى ذَلِك أَن تسخن قَلِيلا أعانت على توليد هَذَا الْجَوْهَر الَّذِي يتجبر بِهِ الْعظم. وَأما الْأَدْوِيَة المحللة ألف د فَإِنَّهُ ينقص مِنْهَا. لي قد بَين هَهُنَا عِلّة الْقَوْم الَّذين يحدث بهم وجع فِي مفاصلهم بعد الكسور والرض وَبَين علاجهم وَهُوَ مَا يلطف الدشبد.
قَالَ: فَإِن أردْت أَن يكون هَذَا الْجَوْهَر على مَا لَهُ أَن يكون فِي الطَّبْع لَا تزيد فِيهِ وَلَا تنقص مِنْهُ فَعَلَيْك بالأدوية اللاحمة فَإِن هَذِه لِأَنَّهَا تجفف تجفيفاً معتدلاً صَارَت تعْمل هَذَا الْجَوْهَر قَالَ: وَأما الْكسر الْوَاقِع بالطول فَيَنْبَغِي أَن يزحم الْعُضْو بالشد إِلَى دَاخل بعناية أَشد. فَأَما الْكسر الْمُخْتَلف المتفنن وخاصة مَعَ قرحَة فَإِنَّهُ فِي أَكثر الْأَمر يكون كَذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تلف عَلَيْهِ الرفادة الطَّوِيلَة على مَا أَمر أبقراط بعد أَن تغمس فِي شراب أسود قَابض وخاصة فِي الصَّيف فَإِن اسْتِعْمَال القيروطي فِي الصَّيف فِي الْكسر الَّذِي مَعَ قرح يخَاف أَن يجلب للعضو عفونة لِأَن هَذَا النَّحْو من الْكسر هُوَ أحْوج الْحَاجة إِلَى التجفيف لما هُوَ عَلَيْهِ من عظم الْعلَّة وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يداوى بالمجففة وَيكون قدر قوتها بِمِقْدَار اللاحمة ثمَّ ذكر البرانج وكسور القحف وَقد تَرَكْنَاهُ لنَنْظُر فِيهِ.
من السَّادِسَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: قَالَ أبقراط فِي كتاب المفاصل: الَّذين يتخلع مِنْهُم رَأس الْفَخْذ إِلَى خلف وَهُوَ شَيْء إِنَّمَا يعرض للنفر الْيَسِير فَإِنَّهُم لَا يقدرُونَ أَن يبسطوا أَرجُلهم لَا فِي الْموضع المخلوع وَلَا فِي مَوضِع منشأ الرّكْبَة وَبسط هَذَا أَشد امتناعاً عَلَيْهِم بِكَثِير.
قَالَ جالينوس: مفصل الرّكْبَة على أَنه لَا عِلّة بِهِ لَا يُمكن أَن يبسط لمشاركة الأربية.
الْمقَالة الأولى من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: إِذا وَقع الْكسر فِي مفصل فانرضت حُرُوف الحفرة الَّتِي)
يدْخل فِيهَا رَأس الْمفصل صَار ذَلِك الْمفصل مستعداً للإيجاع سَرِيعا.
قَالَ: وَإِذا عرض فِي الْمفصل ورم ألف د فيتحجر عسرت حركته بِسَبَب مَا يحدث فِي(4/179)
وَفِي النَّاس قوم نفر مفاصلهم فِي الْخلقَة غير عميقة وَهَؤُلَاء مستعدون لخلع المفاصل.
وَقوم تنصب إِلَى مفاصهلم رطوبات لزجة ويسهل انقلاب عنق الْعظم لرخاوة الرِّبَاط ورطوبة الحفرة.
فِي المفاصل المسترخية قَالَ جالينوس: فِي المفاصل المسترخية لابتلال رطوبتها برطوبات مَا يصلحها ويردها إِلَى حَالهَا الْأَدْوِيَة القابضة. لي قد ذكر جالينوس فِي غير مَوضِع أَن القابضة اللطيفة تغوص وتبلغ غور الْعُضْو فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه إِمَّا من القوابض الحارة كالسرو والأبهل وَنَحْوه إِذا ضمدت بِهِ هَذِه الْأَعْضَاء.
الأولى من قاطيطريون قَالَ: أعظم الدَّلَائِل وأسهلها تعرفاً على خلع الْعَضُد أَن يكون فِي الْإِبِط نتوء مدور صلب لِأَن هَذَا لَا يُمكن أَن يكون دون أَن يقلب رَأس الْعَضُد من مَوْضِعه وَيصير إِلَى الْإِبِط فَأَما الانخفاض والغور الَّذِي يكون فِي العاتق فَهُوَ عَلامَة تعم خلع الْعَضُد وَالْقلب الصَّغِير الْمُسَمّى رَأس الْكَتف وَقد يَنْبَغِي لنا أَن نثبت أَولا فِي رَأس الْكَتف السَّلِيم الْبَاقِي على حَاله الطبيعية كم مِقْدَار ارتفاعه ثمَّ نقيس إِلَيْهِ الآخر العليل فَإِذا وَجَدْنَاهُ على غير انحلال الطبيعة فلنعلم أَن الْعَضُد مخلوع.
قَالَ جالينوس: فَهَذِهِ الْعَلامَة لَيست مسلوبة للأولى إِلَّا فِي الصِّحَّة. صِحَة الدّلَالَة لِأَنَّهَا قد تكون لانخلاع رَأس الْكَتف وَلَا ألف د فِي سهولة التعرف. قَالَ: وَأبين من هَذَا أَيْضا أَلا يقدر الْإِنْسَان أَن يشيل عضده إِلَى رَأسه وَذَلِكَ أَن هَذَا قد يعرض أَيْضا من الفسوخ فِي العضل الَّذِي فِي الْعُضْو والأورام وَغير ذَلِك المجبرون عندنَا يتعرفون زَوَال رَأس الْعَضُد بِالنّظرِ دون اللَّمْس وَذَلِكَ أَنهم يرَوْنَ رَأس الْعَضُد منخفضاً مُنْقَطِعًا وَمن يعرفهُ مِنْهُم يطْلب النتوء تَحت الْإِبِط لم يكن عِنْدهم دونا وَإِذا لمسوه أَيْضا فَأكْثر مَا يلمسون نفس مَوضِع رَأس الْعَضُد فَإِذا رَأَوْهُ خَالِيا غير ممتلئ علمُوا أَنه زائل وَلَيْسَ مَتى زَالَ عَنْهُم بلغ أَن يتَبَيَّن فِي الْإِبِط إِلَّا أَن يكون ذَلِك عَظِيما شَدِيدا ويسمون ذَلِك الناسب.
قَالَ: كل إِنْسَان قد زَالَ مِنْهُ رَأس الْكَتف عَن مَوْضِعه ثمَّ عرض لَهُ بعد ذَلِك بِزَمَان طَوِيل أَن)
عضده انخلع عَن الْيَد الْأُخْرَى فَلَمَّا نظر الْمُجبر إِلَى قلبِي كتفه متشابهين قضى بِأَن عضده لم تنخلع وَأَن الَّذِي بِهِ صدمة أحدثت فسخا أمره أَن يُبَادر إِلَى الْحمام ويمرخ الْعُضْو بدهن كثير ويبطئ فِي الْجُلُوس فِي الآبزن وَيَضَع بعد خُرُوجه على الْموضع شمعاً وزيتاً وَيلْزم الرَّاحَة والسكون يَنْبَغِي أَن تنظر أَيجوزُ أَن تعالج الفسوخ على هَذَا فَإِن جالينوس قد رَضِي هَذَا التَّدْبِير للْفَسْخ ولعمري أَنه إِذا لم يخف سيلان مَادَّة فَإِن هَذَا وَجه تسكين الوجع وَتَحْلِيل مَا حصل.(4/180)
قَالَ جالينوس: فَلَمَّا قبل الرجل ذَلِك فَلَمَّا لم يسكن الوجع بذلك أمره أَن يصب عَلَيْهِ مَاء سخناً كثيرا ويغرقه مَعَ المَاء بالزيت ويلف على الْموضع بِزَيْت سخن ويدوم على الرَّاحَة والسكون فَلَمَّا لم ينْتَفع الْمَرِيض بذلك أَيْضا بعث إِلَيّ فَلَمَّا نظرت إِلَى العليل أدخلت إصبعي تَحت إبطه فَرَأَيْت فِيهِ رَأس الْعَضُد ظَاهرا فَلم أقتصر على ذَلِك ألف د حَتَّى أدخلت أصابعي فِي الْإِبِط.
الآخر لتَكون أوكد وَأَصَح فَلم أجد يه ذَلِك النتوء قلت: إِن الْعَضُد مخلوع إِلَّا إِن الْأَطِبَّاء غلطوا من أجل قياسهم هَذِه الْكَتف بِالْأُخْرَى وَكَانَت الْأُخْرَى قد عرض لَهَا أَن انخفض بِمَا كَانَ عرض لَهُ فسألوا العليل فَأقر أَنه كَانَ سقط عَن دَابَّته فأصابت ذَلِك الْموضع صدمة سكن وجعها سَرِيعا فِي ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة بِأَن وضع عَلَيْهِ صوف مغموس فِي زَيْت. لي إِنَّمَا كتبت هَذَا لتعلم أَنه يداوي الصدمة والضربة بِهَذَا النَّوْع فتسكن سَرِيعا وَأَيْضًا إِن علاج هَذَا الْعظم هَذَا مِقْدَاره فَإِنَّهُ لَا شَيْء أفضل للصدمة من الإرخاء فَلْيَكُن وَالْبدن نقي فَإِنَّمَا سُكُون وَجَعه فِيهِ يكون.
قَالَ: الانخفاض والغور الْحَادِث فِي مُعظم لحم الْكَتف وَهُوَ شَيْء عَام لزوَال رَأس الْكَتف عَن مَوْضِعه ولخلع مفصل الْعَضُد فَأَما الَّذِي تَحت الْإِبِط فَهُوَ لَا يُخطئ فِي ذَلِك والعضد المنخلعة أَيْضا لَا تَدْنُو من الأضلاع لِأَن رَأس الْعَضُد إِذا دخل إِلَى دَاخل كَانَ فِي أدنائك الْعَضُد إِلَى قَالَ أبقراط: قد أمرنَا أَلا يرد الْمفصل المخلوع إِلَى مَوضِع فِي الْيَوْم الثَّالِث وَالرَّابِع.
قَالَ: فِي الْكسر تمد الْعُضْو من جِهَتَيْنِ متضادتين وتقومه وتشده فِي الْخلْع تمد الْعُضْو إِلَى خلاف النَّاحِيَة الَّتِي خرج مِنْهَا وَيرد رَأس الْمفصل فِي الْموضع الَّذِي خرج وتربطه رِبَاطًا تحفظها على ذَلِك من هَذَا.
من الْمقَالة الثَّانِيَة قَالَ: مَتى كَانَ الْعظم قد انْكَسَرَ بِالْعرضِ كُله فَإنَّا نجْعَل الرِّبَاط يَأْخُذهُ من جَمِيع النواحي بالسواء ألف د وَمَتى كَانَ الْكسر مائلاً إِلَى جَانب جعلنَا الرِّبَاط يعصر)
على الْجِهَة المضادة لتِلْك الْجِهَة فِي هَذَا الْموضع ذكر صنوف الرِّبَاط بِحَسب الْأَعْضَاء وَلَيْسَ فِيهِ كَبِير فَائِدَة.
قَالَ: الرِّبَاط الَّذِي يَبْتَدِئ من وَجْهَيْن هُوَ أَن تضع وسط الْخِرْقَة الَّتِي ترْبط بهَا على مَوضِع الْعلَّة وَتَأْخُذ بِكُل وَاحِد من النصفين إِلَى نَاحيَة الْموضع الْمُخَالف لَهُ.
قَالَ: الرِّبَاط يحفظ الْعُضْو المكسور على مَا هُوَ مِنْهُ وَيمْنَع الورم وَلَا تتمّ لَهُ هَذِه الْأَفْعَال إِلَّا بِأَن يبْقى لَازِما لموضعه وَذَلِكَ لَا يكون دون أَن تجْعَل لَهُ بالأعضاء مُتَعَلقا لَا يَدعه أَن يَزُول فِي الْأَعْضَاء الَّتِي يقلب فِيهَا الرِّبَاط وَيَزُول فأحكم فِي هَذِه الْمَوَاضِع ليقوم عَلَيْهِ وَلَا يَزُول عَنهُ.
قَالَ: ولتكن خرق الرِّبَاط لَطِيفَة رقيقَة خَفِيفَة أما لَطِيفَة فَلِأَنَّهُ يحدث عَن الْوَسخ لذع وحكة وَأما رقيقَة فلكي تطليه بِشَيْء بعد وَأما خَفِيفَة فلئلا تثقل على الْعُضْو فَإِن جَمِيع هَذَا عون على منع الورم وأضدادها على حُدُوثه.(4/181)
قَالَ: الرِّبَاط الَّذِي يَبْتَدِئ من رَأْسَيْنِ يكون الْعَمَل باليدين كلتيهما فِي وَقت وَاحِد على مِثَال وَاحِد وَأما فِي سَائِر الرباطات الْأُخْرَى فاليدان تعملان فِيهَا كلتاهما فِي كل وَقت إِلَّا أَن عملهما لَا يكون على مِثَال وَاحِد لِأَنَّهُمَا أدهاما فالواحدة أشرف أَجزَاء الرِّبَاط لِأَنَّهَا الْخِرْقَة وتديرها وَالْأُخْرَى تكون عوناً لهَذِهِ ونافعة لَهَا فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ. لي الرِّبَاط الَّذِي يَبْتَدِئ من وَجْهَيْن هُوَ أَن تضع وسط الْخِرْقَة على الْموضع الَّذِي تُرِيدُ وَتلف عَلَيْهِ لفاً شَدِيدا لفتين أَو ثَلَاث ثمَّ تمر بِأحد الطَّرفَيْنِ إِلَى فَوق وتمر بِالْآخرِ إِلَى أَسْفَل مِثَال ذَلِك: كَانَ الْكسر حدث فِي وسط الساعد فَأخذت عِصَابَة فجعلتها نِصْفَيْنِ ثمَّ وضعت مَوضِع النّصْف ألف د مِنْهَا على مَوضِع الْكسر ولففت عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ ذهبت بِأحد الطَّرفَيْنِ لفاً نَحْو الرسغ وتأخذهما نَحْو الْمرْفق.
والرباط الَّذِي من رَأْسَيْنِ هُوَ أَن تضع وسط الرِّبَاط على الْموضع ثمَّ تمدهما جَمِيعًا بالتعاقب كَمَا تفعل الضفائر.
قَالَ: ليكن طول الْخرق وعرضها بِحَسب الْبدن والعضو فَاسْتعْمل فِي الصّبيان والأبدان قَالَ: إِذا كَانَ الشكل معوجاً وَلم يشْتَد عقد الْعظم بعد ولواه حَتَّى يردهُ إِلَى حَاله الطبيعية وَإِن صادفه وَقد انْعَقَد جيدا نطل عَلَيْهِ مَاء وزيت كثير ثمَّ مده بعد ذَلِك مدا شَدِيدا حَتَّى يفكه ويكسره فَيصير كَمَا كَانَ ثمَّ يقومه على شكله الطبيعي ثمَّ أسلمه إِلَى الطبيعة ليعقد عَلَيْهِ)
اللَّحْم. لي قد بَين جالينوس هَهُنَا كَيفَ يكسر الْعظم المعوج وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يكسر بالجنون وَقلة المبالاة كَمَا يفعل مجبرونا الْيَوْم لأَنهم يضربونه حَتَّى يكسروه كَيفَ جَاءَ.
وَفِي هَذَا خلال رَدِيئَة: مِنْهَا أَنه رُبمَا خرق وَمِنْهَا أَنه فِي الْأَكْثَر لَا يكسر من حَيْثُ كَانَ الْكسر لَكِن فِي مَوضِع آخر أَيْضا فَيكون بذلك الْغَلَط إِذا عقد أَكثر وَلَكِن الْوَاجِب على مَا قَالَ إِن لَا يزَال تنطله بِالْمَاءِ الْحَار والدهن والشيرج وترخيه وتلينه دَائِما بِعَمَل قوي جدا حَتَّى يُبَالغ فِيهِ ثمَّ تمده من وَجْهَيْن مدا شَدِيدا حَتَّى يَنْفَكّ لِأَن الدشبد يلين باستعمالك هَذِه الْأَشْيَاء وينحل وخاصة بِلُزُوم المَاء الْحَار لَهُ فَإِن المَاء الْحَار يحل الدشبد الْبَتَّةَ فَإِذا لِأَن الدشبد فِي الناحيتين يَنْفَكّ وَإِن رَأَيْت أَنه لَا يَنْفَكّ بسهولة رجعت إِلَى المَاء الْحَار أَيَّامًا ثمَّ امتحنت ذَلِك أَيْضا فَإِن هَذَا أَجود مَا يكون وأسلمه.
قَالَ: فك الْعظم الصَّغِير ألف د بِرَأْس الْكَتف فَإِنَّهُ يربطه رِبَاطًا يضغطه ويستكرهه حَتَّى يضْطَر الهز وَالَّذِي نشر وارتفع مِنْهُ إِلَى الانخفاض لِأَن مثل هَذَا الضغط لَيْسَ يحدث عَنهُ شَيْء مُنكر كَمَا يحدث عَن ضغط الترقوة إِذا كَانَت قد نشرت ونتأ أحد حروفها نتوءاً كَبِيرا إِلَّا على حَال(4/182)
يضغط الترقوة بالرباط وَلَكِن أقل مَا يضغط رَأس الْكَتف. وَأما فِي سَائِر كسور الْعِظَام فإمَّا أَن نجْعَل الضغط أقل مَا يكون وَإِمَّا أَلا نضغط أصلا تخوفاً من الورم.
قَالَ: تَعْلِيق الساعد فِي الْعُنُق يَنْبَغِي أَن يكون بِخرقَة عَظِيمَة تحتوي على الساعد كُله.
قَالَ: إِذا انْكَسَرَ الزندان كِلَاهُمَا أَو الْأَسْفَل وحدر وعلق بعد الشد بِخرقَة ضيقَة وَجعل أَكثر الْخِرْقَة فِي مَوضِع مكسر الْعظم وبعينه سَائِر الْيَد من جَانِبي الْكسر مُتَعَلقَة لَيْسَ لَهَا شَيْء يضبطها التوى ضَرُورَة عظم هَذَا وَيكون التواؤه إِلَى فَوق فَإِن كَانَ الْكسر على مَا وَصفنَا وَكَانَ الْكَفّ مَوْضُوعا فِي خرقَة والموضع الَّذِي هُوَ الْمرْفق وَكَانَ مَا فِي الساعد مُتَعَلقا صَار التواء الْعظم إِلَى النَّاحِيَة السُّفْلى وَإِذا كَانَ الْأَمر على هَذَا فَالصَّوَاب أَن يكون أَكثر الساعد مَعَ الْكَفّ مُعَلّقا بالسواء بِخرقَة لينَة من الْعرض مَا يُحِيط بذلك.
قَالَ: وَيُمكن أَن تجْعَل هَذَا علاجاً يصلح بِهِ الْعم الملتوي. فَانْزِل أَن إنْسَانا التوى ساعده إِلَى نَاحيَة أَسْفَل فَنحْن إِذا أردنَا إصْلَاح هَذَا وَضعنَا تَحت الْموضع الَّذِي التوى إِلَى أَسْفَل خرقَة صفيقة يعلق الساعد بهَا. لي نقُول نجْعَل العلاق على ذَلِك الْموضع الَّذِي الْعظم فِيهِ مائل إِلَى أَسْفَل ليكن العلاق دَائِما)
يجذب إِلَى فَوق فيشيله فَإِن كَانَ الساعد التوى فَوق استعملنا فِيهِ تَعْلِيقا يلويه إِلَى أَسْفَل وَهُوَ التَّعْلِيق الَّذِي يكون فِيهِ مَا يَلِي الْكَفّ ألف د وَمَا يَلِي الْمرْفق معلقتين بعلاقين يضبطهما وَيبقى الْموضع الْمُتَوَسّط مُتَعَلقا لَا شَيْء لَهُ يسْتَقرّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْضا إِن كَانَ عِنْد الرسغ مَكَان قد التوى ربطناه وعلقناه برباط يلويه إِلَى أَسْفَل وَهُوَ العلاق الَّذِي يضْبط مَا يَلِي الْمرْفق ويدع مَا يَلِي الرسغ لَا يسْتَقرّ على شَيْء.
وعَلى هَذَا الْمِثَال أَيْضا مَتى كَانَ التواء مِمَّا يَلِي الْمرْفق إِلَى نَاحيَة فَوق علقناه بعلاق وَيبقى مَعَه هَذَا الطّرف وَحده مُتَعَلقا لَا يسْتَقرّ على شَيْء وَهُوَ الَّذِي لَو كَانَ الْعظم لم يلتو لَكَانَ يلويه إِلَى أَسْفَل وَبِالْجُمْلَةِ كل رِبَاط ومعلاق يلتوي بِهِ مَوضِع قد كَانَ غير ملتو فَهَذَا يرد الملتوي إِلَى ضد تِلْكَ النَّاحِيَة ويصلحه. وعَلى قِيَاس مَا وصفت من أَمر الساعد يَقع الْخَطَأ والإصلاح أَيْضا من التواء السَّاق والفخذ بِوَضْع جملَة الرجل لِأَن الْوَضع يقوم للرجل مقَام التَّعْلِيق لليد.
الْمقَالة الثَّالِثَة قَالَ: فَأَما الرفادة فَلْيَكُن طولهَا مُسَاوِيا للرباط لِأَنَّهَا إِنَّمَا تحْتَاج لِأَن يوثق بهَا الرِّبَاط.
قَالَ: ليكن عرض الْعِصَابَة ثَلَاث أَو أَربع أَصَابِع وَثَلَاث أَو أَربع لفات وَحَيْثُ يكون الْكسر أَشد فلتكن اللفات أَكثر والخرق أثخن وَيلْزم ويكن عرضهَا قدر ثَلَاث أَو أَربع أَصَابِع وَيكون تحتهَا حَيْثُ تحْتَاج إِلَى وثاقة أَكثر أَربع طاقات وَإِلَّا ثَلَاث وَإِذا كَانَ الْكسر أعظم فتحتاج إِلَى وثاقة أَكثر وَليكن عدد الرفائد بِمِقْدَار مَا يَدُور حول الْعُضْو فَلَا يفضل وَلَا يقصر عَنهُ ليلزم الرِّبَاط ويعمد بالتواء(4/183)
لي لَيْسَ يُمكن أَن تقع الرفائد كل مَوضِع بطول الرِّبَاط وَذَلِكَ أَن مَوَاضِع كَثِيرَة تحْتَاج أَن تُوطأ برفائد صغَار لتستوي بذلك جملَة شكل الْعُضْو وَلَكِن أبقراط أَرَادَ بذلك مَا يوضع فَوق هَذِه الرفائد بعد التوطئة ولعمري ألف د إِن هَذَا أَجود أَن يكون سَوَاء يسوى شكل الْعُضْو برفائد ثمَّ تُوضَع رفائد بطول الرِّبَاط ثمَّ الجبائر فَوْقهَا والعصائب فَإِن هَذَا أَجود مَا يكون وأحكمه وَأقله وجعاً لِأَنَّهُ فِي غَايَة الْوَطْء.
قَالَ: وَمن عادتنا إِذا وَقع الْكسر فِي الترقوة أَن نضع عَلَيْهِ رفادتين يتقاطعان على هَذَا الشكل ونجعل مَوضِع التاقطع على مَوضِع الْكسر ثمَّ نجْعَل فوفها وَاحِدَة فِي الطول يضْبط عَلَيْهَا ونجعله فِي طول الْبدن على هَذَا الشكل لِأَن نمسك ونشدها بَين الرفادتين وتدعم مَوَاضِع كسر الترقوة دَاخِلا.)
وَقَالَ ج: شدّ الرفائد نَوْعَانِ وَلَهُمَا منفعتان النَّوْع الأول: يُرَاد بِهِ أَن يَسْتَوِي بِهِ تقعر الْعُضْو وتحدبه وَالثَّانِي أَن نغطي بِهِ الرِّبَاط ونسويه تَسْوِيَة ثَانِيَة ليدور الرِّبَاط وَيلْزم على الاسْتوَاء لِأَنَّهُ إِن كَانَ مَوضِع أَشد وَمَوْضِع أرْخى أحدث ضروباً من الاسترخاء.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تُعَاد بالرفائد الأولى أَن يكون فِيمَا بَينهَا فروج وَأَن لَا يَقع بَعْضهَا على بعض بل يكون فِي غَايَة الاسْتوَاء حَتَّى تَجِيء إِلَى فَوْقهَا كَذَلِك فَعِنْدَ ذَلِك يكون الرِّبَاط فِي غَايَة الاسْتوَاء.
وَقَالَ: أبقراط يُرِيد بالرباط الَّذِي من أَسْفَل العصائب الَّتِي تلف على الْعُضْو أَولا قبل الرفائد.
قَالَ: هَذِه تكون عصابتان إِحْدَاهمَا تلف على مَوضِع الْكسر ثمَّ يذهب بِهِ إِلَى فَوق وَمَنْفَعَة هَذَا الرِّبَاط أَن يمْنَع أَن ينصب إِلَى الْعُضْو شَيْء من الرطوبات وَيدْفَع أَيْضا بعض مَا قد حصل فِيهِ إِلَى فَوق وَيجب أَن يكون أَصْلَب لفاته على مَوضِع الْكسر ثمَّ يمر إِلَى نَاحيَة أَسْفَل وَهِي نَاحيَة الْأَطْرَاف على نَحْو مَا قد حددنا من اللف. قَالَ: وَمَنْفَعَة هَذَا أَن يدْفع مَا حصل فِي الْعُضْو إِلَى أٍ سفل وَلَهُمَا جَمِيعًا نفع يعمه ألف د وَهُوَ حفظ الْعُضْو المجبور على تقويمه.
قَالَ: قَالَ أبقراط: مَوضِع الْعلَّة يَنْبَغِي أَن يكون وَفِي الطَّرفَيْنِ إِمَّا أقل مَا يكون وَإِمَّا سَائِر الْمَوَاضِع فِيمَا بَينهمَا فعلى هَذَا الْقيَاس. لي هَذَا ملاك الْأَمر كُله فِي الْجَبْر فاحفظ بِهِ وَعَلَيْك أَولا قبل كل شَيْء تعمله أَن تلف على الْموضع عصائب تذْهب إِلَى فَوق ثمَّ تلف على الْموضع أَيْضا عصائب تذْهب إِلَى أَسْفَل وَيكون الْحَال فِي الغمز والضبط على مَا قد حدوا حفظهَا بِأَن تلصق أطرافها بخيط أَو ضماد الْجَبْر فَإِذا فعلت ذَلِك فَإِن هَذَا أول شَيْء يَنْبَغِي أَن تَفْعَلهُ بعد تَقْوِيم الْعُضْو فَحِينَئِذٍ خُذ فِي مَوضِع الرفائد الَّتِي هِيَ كالجسر وَالَّتِي كالمسامير وَالَّتِي هِيَ وطاء ثمَّ خُذ فِي الجبائر والعصائب الَّتِي تتمّ لَهَا جملَة الرِّبَاط.
قَالَ جالينوس: الْعلَّة فِي أَن الرِّبَاط يَنْبَغِي أَن يكون غمزه على مَوضِع الْعلَّة أَشد أَنه(4/184)
كَذَلِك يعصر مَا فِيهِ إِلَى الْعُضْو الَّذِي الرِّبَاط أرْخى وَلَا تدع أَيْضا أَن يَجِيء من تِلْكَ الْمَوَاضِع إِلَيْهِ شَيْء الْبَتَّةَ.
قَالَ أبقراط: الرِّبَاط يَنْبَغِي أَن يَأْخُذ من الْموضع الصَّحِيح شَيْئا كثيرا.
قَالَ ج: إِنَّمَا يكون ضبط الْعظم المجبور أصلح وأجدر وأوثق وانعصار الرُّطُوبَة من الْعُضْو العليل إِلَى مَا حوله إِنَّمَا يكون أَكثر وَامْتِنَاع تجلب مَا يتجلب إِلَيْهِ أَكثر بِأَن يَأْخُذ الرِّبَاط من الْموضع الصَّحِيح شَيْئا كثيرا.)
قَالَ ج: أبقراط يُسَمِّي الرِّبَاط الْأَسْفَل العصائب الَّتِي تلف على الْعُضْو أَولا قبل وضع الرفائد والرباط الْأَعْلَى الَّذِي يلف فَوق الرفائد وعَلى الجبائر.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون طول الرِّبَاط الْأَعْلَى بِمِقْدَار مَا يَتَحَرَّك مَعَه الْموضع المكسور الْبَتَّةَ شياً من حركاته بِأَن يكون كَأَنَّهُ قِطْعَة مصمتة والجبائر يَنْبَغِي أَن لَا يكون لَهَا غمز شَدِيد جدا ألف د ب وَمَتى كَانَ الرِّبَاط أقصر مِمَّا يَنْبَغِي صَار للجبائر غمز وَيَنْبَغِي أَن لَا تضع من الجبائر قدر مَا يثقل على العليل فَعَلَيْك بالتحفظ من ضغط الجبائر وكميتها وَكن إِلَى النُّقْصَان أميل مِنْك إِلَى الزِّيَادَة إِلَى أَن تقف على الِاعْتِدَال الَّذِي يحْتَملهُ العليل وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الرِّبَاط يلوي الجبائر فتنحرف. وَأحذر أَيْضا أَن تكْثر الرفائد الَّتِي تَحت الجبائر جدا وَبهَا إِذا أفرطت كَانَت الجبائر ضَعِيفَة رخوة لِكَثْرَة مَا تحتهَا من الْخرق وَليكن بِمِقْدَار لف الْعِصَابَة فِي مراته على مَوضِع الْكسر مِقْدَارًا يَأْمَن بِهِ أَن يلتوي أَو يَتَحَرَّك.
قَالَ أبقراط: لَا يَنْبَغِي أَن يكون للجبائر غمز وَلَا ثقل وَلَا انحراف أَكثر الفوقانية والسفلانية جَمِيعًا لِأَن منع الورم مِنْهُ يكون بِأَن يفعل ذَلِك بالسفلى وَمنع أبقراط بِكَثْرَة لف الفوقانية عَلَيْهِ.
قَالَ أبقراط: أما طول الْخرق فَثَلَاث أَو أَربع إِلَى سِتّ وَأما عرضهَا فَمن ثَلَاث أَصَابِع إِلَى سِتّ أَصَابِع وَاسْتعْمل أَعنِي الرباطات فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ الْعُضْو على غَايَة السَّلامَة من الورم وَيحْتَاج مِنْهَا إِلَى وضع الجبائر. لي مجبرونا الْيَوْم يضعون الجبائر مُنْذُ أول الْأَمر أبدا وَلَا يلتفتون إِلَى شَيْء آخر ولعمري أَنه إِذا كَانَ الْعُضْو سليما من الورم والخرق فَإِنَّهُ أحدب لكِنهمْ كثيرا مَا يخطؤون فيهيجون حمى ونفاطات وبلايا كَثِيرَة وَالصَّوَاب أَن تسْتَعْمل الجبائر حَيْثُ لَا يكون هيجان وَلَا وجع وَلَا امتلاء مُنْذُ أول الْأَمر وَأما غَيره فَدَعْهُ أَيَّامًا ليسكن الثائرة واحفظ الْعُضْو برباط سَلس وَبِمَا يسكن الأوجاع من الأطلية فَإِذا أمنت الورم فَعَلَيْك حِينَئِذٍ بالجبائر.
قَالَ أبقراط: ألف د يَنْبَغِي أَن تكون ملساء مستوية منحوتة الْأَطْرَاف أقطر من الرِّبَاط وَأَغْلظ مَا يكون حَيْثُ الْكسر مائل.(4/185)
قَالَ جالينوس: جَمِيع مَا يُحِيط بالعضو أَرْبَعَة أَشْيَاء إِمَّا من دَاخل فالرباط الْأَسْفَل وَهُوَ أول شَيْء يلقاه الْعُضْو ومنفعته أَن يحفظ الْعظم الْمُجبر والمصلح وَيمْنَع الْعُضْو العليل أَن يتورم وَبعد هَذَا الرفائد الَّتِي تسوي الْعُضْو تقعيره بتحدبه من الَّذِي يضْبط الرفائد حَتَّى لَا يتشوش ثمَّ بعد)
هَذَا رِبَاط الجبائر وَهِي الَّتِي تثبت الْجَمِيع بِحَالِهَا وَيَنْبَغِي أَن تكون ملساء وَلَا تكون ملتوية فَإِن ذَلِك أَنْفَع الْأَشْيَاء للكسر والملتوي شَرّ لِأَنَّهُ يلوي الرِّبَاط فيلتوي مَعَه الْعظم المكسور وَيَنْبَغِي أَن تكون أطرافها أرق من أوساطها ليَكُون غمزها على الْأَطْرَاف أقل مَا يكون أَو لَا يكون الْبَتَّةَ وَيكون تغمزه على الْوسط على مَوضِع الْكسر أَشد مَا يغمز ثمَّ يخف غمزها قَلِيلا قَلِيلا إِلَى نَاحيَة الْأَطْرَاف وَيكون أقصر من الرِّبَاط لِئَلَّا يلقى الْجلد العاري.
قَالَ: وأحوج مَوضِع إِلَى أَن يغمز عَلَيْهِ الجبائر مَوضِع الْكسر فَإِن هَذَا مَوضِع تحْتَاج أَن تعصره جدا وتوق أَن يلقى بالجبائر مَوضِع معرق أَو مَوضِع فِيهِ عِظَام ناتئة وأوتار لَكِن اجْعَلْهَا قَصِيرَة لَا تبلغ الْبَتَّةَ. لي إِذا احتجت أَن تضع على هَذِه الْمَوَاضِع جبائر فَيَنْبَغِي أَن تغطيها نعما وَاجعَل شدَّة الرِّبَاط من أول الْأَمر أقل شدَّة وَإِذا أخْبرك الْمَرِيض أَنه لم يجد حس ضغط أصلا فيمكنك أَن تزيد فِيهِ مَا احْتمل. لي ينظر فِي ذَلِك.
قَالَ: وَاسْتعْمل القيروطي صافياً أملس لينًا نقياً على الْعُضْو وعَلى الرِّبَاط الْأَسْفَل لِأَنَّهُ يسكن الوجع وَيحْتَاج إِلَيْهِ لذَلِك وخاصة إِن لم يُمكن الطَّبِيب أَن يُقيم عِنْد العليل. لي لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِنْده فَتحه مَتى أوجع ألف د أَو أرخاه.
قَالَ ج: جَمِيع الْأَطِبَّاء ينطلون على مَوضِع الْكسر عِنْد حلّه بعد الربطة الأولى مَاء حاراً وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك لأَنهم جربوا الِانْتِفَاع بِهِ تجربة وَاضِحَة وَيَقَع الْخَطَأ فِي اسْتِعْمَال المَاء الْحَار فِي الْكَيْفِيَّة والكمية فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تصب على العليل قدر مَا لَا يُؤْذِيه ويحتمله وَإِلَى أَن ينتفخ الْعُضْو ويربو وَمَا دَامَ لَا يضمر ويتقلص كَمَا أَن الْأَعْضَاء الَّتِي تعلق تحْتَاج أَن يكون تَعْلِيقهَا يشيلها باستواء كَذَلِك الْأَعْضَاء الَّتِي لَا تحْتَاج أَن تعلق يَنْبَغِي أَن تُوضَع على شَيْء مستو وطئ لِئَلَّا يضغط بعض الْمَوَاضِع وَيتَعَلَّق بعض فَيعرض مِنْهُ التواء واعوجاج ويعرض من الضغط وروم وَيَنْبَغِي أَن يكون الْعُضْو مائلاً إِلَى فَوق فِي التَّعْلِيق والوضع لِأَنَّهُ يمْنَع انصباب الْموَاد إِلَيْهِ. وَالتَّعْلِيق والوضع الْمَنْصُوب تسيل الْموَاد إِلَيْهِ وَيكون سَببا للورم وَالتَّعْلِيق إِلَى فَوق وَكَذَلِكَ الْوَضع الَّذِي يكون إِلَى فَوق يمْنَع الورم فَأَما الْأَعْضَاء الناتئة البارزة عَن الْبدن بِمَنْزِلَة الْعقب والورك فأفضل قَالَ: والعقب والورك خَاصَّة لتكونا على شَيْء وطئ لين مستو جدا.
قَالَ: وَأحذر أَن يكون وضع الْعُضْو أرفع مَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ يعرض مِنْهُ أَن يتعقف الْعُضْو(4/186)
إِلَى فَوق)
وَمَتى كَانَ اخْفِضْ عرض أَن ينثني ويتعقف إِلَى أَسْفَل وَمَتى كَانَ كل شَيْء أَصْلَب عرض لَهُ أَن ينرض وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ من ذَلِك مرتفعاً.
قَالَ: القالب الَّذِي يَجْعَل على الرجل إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْكسر عَظِيما جدا مفرط الرداءة فاحتيج لذَلِك أَن لَا يَتَحَرَّك الرجل الْبَتَّةَ بل تبقى فِي غَايَة من السّكُون فَإِذا لم يكن الْكسر بِهَذِهِ ألف د الْحَالة من الصعوبة فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَإِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن تَأْخُذ من الْعقب إِلَى الورك لتبقى الرجل جَمْعَاء لَا تتحرك.
فَأَما القالب الَّذِي يكون إِلَى الرّكْبَة فَلِأَنَّهُ لَا يعظم نَفعه ويقلق الْمَرِيض مَعَ ذَلِك كاقلاق سَائِر القوالب وَرُبمَا أحدث ضغطاً وضرراً وَيَنْبَغِي أَن تجتنبه حَيْثُ تَسْتَغْنِي عَنهُ فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَت مضرته عَظِيمَة. لي بَان من الْكَلَام فِي هَذَا الْموضع أَن هَذِه القوالب إِنَّا هِيَ أَلْوَاح عِظَام تَأْخُذ من الْعقب إِلَى الورك كَأَنَّهَا جبيرَة وَاحِدَة وَلها مضار عَظِيمَة إِذا لم تُوضَع موضعهَا وإقلاق وَجهد لعظمها.
وَإِنَّمَا تحْتَاج إِلَيْهَا حَيْثُ يكون الْكسر فأرح للأوقات الَّتِي يحْتَاج الْمَرِيض أَن يحول من فرَاش إِلَى فرَاش أَو يَتَحَرَّك لِئَلَّا تتحرك الرجل الْبَتَّةَ. وَرَأى أبقراط فِيهَا متوسط بَين الذَّم وَالْحَمْد. وَأَنا أرى أَن عَنْهَا غناء بِمَا يحتال ويترفق فِي نقل العليل. قد صحّح أبقراط قَوْلنَا فِي هَذِه القوالب أَنَّهَا أَلْوَاح وتوضع فِي الْجَانِبَيْنِ فِي آخر الثَّانِيَة من هَذَا الْكتاب عِنْد هَذِه الْعَلامَة. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك قبل أَن يرم لِأَن الْعُضْو إِذا ورم لم يحْتَمل غير الرِّبَاط المعتدل فضلا عَن الْكسر.
إِذا ربط رِبَاطًا يقبض مَوْضِعه وَيذْهب إِلَى فَوق كثيرا وَإِلَى أَسْفَل أقل يَنْبَغِي أَن تلْزم الشد وَلذَلِك قَالَ: الْمَدّ إِذا كَانَ الْعُضْو كَبِيرا فَإلَى الْجِهَتَيْنِ وَإِذا كَانَ صَغِيرا جدا فيكفيه أَن تمد بِهِ إِلَى أَسْفَل فَقَط إِذا كَانَ بِهِ من الصغر مَا لَا يحْتَاج أَن يمد من فَوق. لي مثل الْأَصَابِع وَنَحْوهَا ليكن غرضك فِي وضع الْأَعْضَاء وتعليقها أَن تشكلها أشكالاً لَا وجع مَعَه.
قَالَ: وَذَلِكَ فِي الْيَد هُوَ الشكل الَّذِي بَين المكبوبة على وَجههَا والملقية على قفاها وتميل قَلِيلا إِلَى الانكباب على وَجههَا. لي أَحسب أَن ألف د هَذَا غلط وَإِنَّمَا يحْتَاج أَن تكون بالضد أَعنِي أَن تكون مائلة إِلَى الْقَفَا لِأَن الشكل الَّذِي لَا ألم مَعَه هُوَ هَذَا وعَلى هَذَا شده مجبروناً لَا بل أَن علقت الْيَد على)
أَنَّهَا تكون مائلة إِلَى الانكباب هاج وجع عِنْد طرف الْيَد فِي الرسغ وَلم يجِئ مستوياً عِنْد حل قَالَ ج بعد هَذَا الْكَلَام بِقَلِيل: أبعد الأشكال فِي الْيَد أَن يؤلم الشكل الْمُتَوَسّط الْقَرِيب من بَين الانقباض والانبساط والمستلقي والمنكب إِلَّا أَنه زائل إِلَى الانبساط. لي هَذَا مِمَّا يُحَقّق مَا قُلْنَا وَذَلِكَ أَن الانبساط هُوَ تنحي الْبدن عَن الأضلاع وزوالها إِلَيْهِ هُوَ مَجِيء إِلَى الاستلقاء.(4/187)
قَالَ: وَفِي الرجل أبعد الأشكال أَن يؤلم الشكل الْمُتَوَسّط بَين الانقباض والانبساط. لي هَذَا الْمَدّ وَالْقَبْض زائل إِلَى الانبساط.
قَالَ: فَإِن هَذَا الشكل هُوَ الَّذِي قد ألفناه وَالَّذِي يمكننا أَن تبقى عَلَيْهِ مُدَّة أطول.
قَالَ ج: لما امتحنت بالتجربة بعد أَن فَكرت فِي قُوَّة الْعَادة رَأَيْت أَن من كَانَ مُعْتَادا لَا يكون رجله جَمْعَاء مبسوطة يَنْبَغِي أَن يكون فِي وَضعهَا فضل بسط وَفِي من لَا يزَال قَابِضا لَهَا نَهَاره أجمع أجعلها قَليلَة الْبسط وَكَذَلِكَ رَأَيْت أَن أجعَل شكل الْيَدَيْنِ أبدا قَرِيبا من الْمَدّ وأزيد وأنقص بِحَسب الْعَادَات الْجَارِيَة. لي قد صَحَّ أَن الْيَد يَنْبَغِي أَن تكون مائلة إِلَى الاستلقاء على الْقَفَا فَارْجِع إِن شِئْت واقرأ ذَلِك الْفَصْل.
قَالَ: الْأَعْضَاء الَّتِي هِيَ أعظم تحْتَاج أَن تمد أَكثر والأصغر أقل والفخذ تحْتَاج إِلَى مد أَكثر وَبعدهَا الْعَضُد ثمَّ السَّاق وَبعدهَا الساعد ثمَّ عِظَام تحْتَاج إِلَى مد أَكثر وَبعدهَا الْعَضُد ثمَّ السَّاق وَبعدهَا الساعد ثمَّ عِظَام الْكَفّ والقدم على أَنا قد تركنَا ذكر عِظَام الْكَلْب.
وَإِذا كَانَت الآفة حلت بالزندين جَمِيعًا كَانَ الشد قَوِيا وَإِذا حل بالزند الْأَعْلَى ألف د فقليل وَإِذا حل بالأسفل فأقوى كثيرا مِمَّا يحل بالزند الْأَعْلَى.
قَالَ: مد الْأَعْضَاء إِذا كَانَ أقل مِمَّا يَنْبَغِي حدث عَنهُ فِي الكسور أَن لَا يتم الْجَبْر والتسوية وَفِي الخلوع أَن لَا يتم رد الْمفصل إِلَى مَكَانَهُ فَأَما آفَة أُخْرَى فَلَا فَأَما الْمَدّ المفرط فَإِنَّهُ يعرض عَنهُ وجع ثمَّ أورام وحميات وتشنج وَكَثِيرًا مَا يحدث عَنهُ استرخاء وَهُوَ فِي الْأَبدَان الرّطبَة وخاصة فِي الصّبيان أقل مضرَّة لِأَن لِيف أعضائهم لَا ينهتك بِالْمدِّ بل يؤاتى وَفِي الرِّجَال وخاصة الصلاب الْأَبدَان أعظم ضَرَرا قس الْعُضْو إِلَى الْعُضْو الَّذِي هُوَ نَظِيره أبدا إِلَّا أَن يكون قد حدث عَن النظير آفَة أحدثت بِهِ غلظاً أَو عوجا كَضَرْبَة كَانَت أَو نَحْوهَا. يَنْبَغِي أَن يحس العليل بضغط)
الرِّبَاط فِي الْوسط أَكثر وَفِي الطّرف لَا يجد لَهُ ضغطاً الْبَتَّةَ أَو أقل مَا يكون. يَنْبَغِي أَن تروم تَحْرِيك الْعُضْو العليل إِذا كَانَ سليما من الوجع والورم عِنْد حكك لَهُ بِقدر مَا يُمكن وَلَا تمهل تحريكه الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يحدث عَنهُ شَيْء شَبيه بِالْمَوْتِ والهتك والمغص. يَنْبَغِي أَن تجتنب أَن يكون الْعُضْو الْمُعَلق أَو الْمَوْضُوع مَنْصُوبًا إِلَى أَسْفَل لِأَن ذَلِك عَظِيم الْمضرَّة وبالضد. إِذا حدث ورم أَو ترهل أَو حمرَة فَاجْعَلْ الرِّبَاط أَشد مَا يكون عِنْد طرفه الْأَعْلَى وَيَنْبَغِي أَن يذهب من مَوضِع الْكسر الورم إِلَى فَوق ذَهَابًا أَكثر فَأَما فِي نَاحيَة أَسْفَل فقليل جدا وأعن بِأَن يكون مَا ذهب فَوق يَسِيرا لتمنع بذلك أَن ينزل شَيْء الْبَتَّةَ لِأَن الْكسر إِذا ربط من سَاعَته قبل أَن يحدث عَلَيْهِ شَيْء فَأَما هَهُنَا فَيَنْبَغِي أَن لَا يسيل من فَوق شَيْء وَكَذَلِكَ ألف(4/188)
د فاربط إِذا كَانَ فسخا وفدعاً وَاجْعَلْهَا خرقاً رقيقَة قَوِيَّة نظيفة وانطل عَلَيْهَا بعد المَاء الْحَار إِذا كن فدع ليتحلل من الدَّم المحتقن فِي الْعُضْو أَو غَيره من الْخَلْط وَلَا يحْتَاج فِي ربط الفدع وَالْفَسْخ إِلَى جبائر وَتَكون الْخرق رقيقَة لَطِيفَة ليصل إِلَيْهِ النطول ليتحلل الدَّم الْمَيِّت تَحت الْجلد وَذَلِكَ أَن هَذِه لَا تحْتَمل غير الرفائد عَلَيْهَا وَلَا تحْتَاج إِلَى لف خرق كَثِيرَة عَلَيْهَا بل تحْتَاج إِلَى لف شَيْء قَلِيل يسيل مِنْهُ النطول وَيكون لَهُ قُوَّة مَعَ سُكُون لَهَا فِي ربطه الْأَعْضَاء المعوجة ضع عَلَيْهَا اللَّوْح فِي الْجَانِب المضاد وَلَا تدفعها وتضغطها بِمرَّة لَكِن قَلِيلا قَلِيلا واربطه وانطل عَلَيْهِ مَاء حاراً بِمِقْدَار مَا يلين بِهِ.
قَالَ: صَاحب المَاء هَهُنَا أقل مِنْهُ عِنْد تَحْلِيل دم الْفَسْخ لِأَنَّك إِنَّمَا تحْتَاج إِلَيْهِ بِمِقْدَار مَا يلين الْعُضْو فيجيب إِلَى الاسْتوَاء وَلَا يتَحَلَّل والدهن والمرخية وَهَذَا فعلك وتزيد فِي الغمز قَلِيلا قَلِيلا سَاعَة حَتَّى يَسْتَوِي فانطل المَاء على الرِّبَاط أَيْضا مَتى أردْت.
قَالَ: رِبَاط الْكسر وَالْفَسْخ وَحصر الدَّم وَنَحْوه هُوَ الَّذِي يَبْتَدِئ اللف من مَوضِع الْعلَّة أَشد مَا يكون وَيَنْتَهِي فِي الْأَطْرَاف أرْخى مَا يكون وَهَذَا الرِّبَاط هُوَ يمْنَع عَن الْأَعْضَاء الورم لِأَنَّهُ يمْنَع مَجِيء الدَّم إِلَيْهَا. وَأما الرِّبَاط الْمُخَالف وَهُوَ الرِّبَاط الأسمان فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ من الْموضع الصَّحِيح بشده وَيَجِيء قَلِيلا قَلِيلا يرخى إِلَى الْموضع العليل وَهَذَا الرِّبَاط يجلب الدَّم إِلَى الْموضع. لي مرهم جيد للمفاصل الْعسرَة الْحَرَكَة الَّتِي صلبت وغلظت من الْجَبْر: أشق جُزْء شمع جُزْء مقل الْيَهُود نصف جُزْء مر ربع جُزْء لإذن نصف جُزْء دهن الْحِنَّاء وشحم البط نصف جز ألف د تذاب الصموغ وَيجمع الْجَمِيع وينقع الْمقل فِي شراب ويحلل الْبَقِيَّة أَيْضا بِهِ وَيجمع)
وَيسْتَعْمل. لي على مَا رَأَيْت فِي آر أَيْضا: يُؤْخَذ لعاب الحلبة وبزر الْكَتَّان ولعاب قثاء الْحمار وأشق ولاذن وزوفاً رطب وشمع ودهن سوسن وشحم البط ومقل لين والسذاب جيد لَهَا إِذا حل مَعَ دهن ومخ الْعجل وَاسْتعْمل فِيهِ فَإِنَّهُ يلين والألعبة جمع وخاصة الحارة ونطل المَاء الْحَار وتدبيره أَن تنطله بِالْمَاءِ الْحَار وتضع هَذِه عَلَيْهِ وَلَا تمكنه أَن يتقرح والألية وَالتَّمْر والشيرج من هَذَا النَّحْو تديرها حرارة مَتى كَانَ غلظ الدشبد أقوى وَأعظم.
الْمقَالة الثَّالِثَة من الْفُصُول قَالَ: عِظَام الْأَطْفَال القريبي الْعَهْد بِالْولادَةِ لينَة شَبيهَة بالشمع لينًا. لي فَلذَلِك قد يُمكن أَن يَسْتَوِي كل شكل رَدِيء يعرض فِيهَا وَقد زعم مجبرونا أَنهم(4/189)
شدوا أطفالاً من الَّذين يخرجُون ويمشون على ظهر الْقدَم بِأَن قلبوا الْقدَم إِلَى الْحَال الطبيعية وشدوها فَاسْتَوَى ذَلِك وخاصة مَا كَانَ أرطب وَيَجِيء وَيذْهب سلساً.
قَالَ أبقراط فِي الْخَامِسَة من الْفُصُول: المَاء الْبَارِد يسكن وجع الفسوخ الْحَادِث فِي الْمَوَاضِع العصبية إِذا لم تكن مَعهَا قُرُوح.
قَالَ: إِذا صب عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء كثير دَفعه.
الْمقَالة السَّادِسَة من الْفُصُول قَالَ: الْعظم لَا يلتحم إِذا انْكَسَرَ لَكِن تلتزق جزءاه من ظاهرهما بدشبد يضمه ويمكنك أَن ترى ذَلِك فِي بعض الدَّوَابّ إِذا انْكَسَرَ مِنْهَا عظم فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع فَارْتَبَطَ بدشبد فَإنَّك إِن عَمَدت إِلَى دَابَّة من تِلْكَ الدَّوَابّ فشرحتها رَأَيْت الدشبد قد احتوى على مَوضِع الْكسر من الْعظم واستدار عَلَيْهِ حَتَّى ضَبطه وشده ألف د وَجمع الجزءين المفترقين من الْعظم بِمَنْزِلَة الرِّبَاط فَإِن أَنْت كشطت ذَلِك الدشبد وقلعته رَأَيْت بَاطِن الْكسر وَمَا فِي العمق مِنْهُ غير مُلْتَزم وَلَا ملتحم.
الْمقَالة السَّادِسَة من الْفُصُول قَالَ: إِذا قيل انخلع الورك فَافْهَم مِنْهُ أَنه انخلع رَأس الْفَخْذ من النقرة الَّتِي فِي عظم الورك وَإِذا قيل انخلع الْكَتف فَافْهَم فَإِنَّهُ انخلع رَأس عظم الْعَضُد من نقرة قَالَ: وَقَالَ أبقراط: وَلَا أعلم الْعَضُد تنخلع إِلَّا على جِهَة وَاحِدَة. لي فِي قُوَّة كَلَام جالينوس فِي هَذَا الْموضع إِن جَمِيع المفاصل المنخلعة إِذا كَانَ فِيهَا رُطُوبَة سهل ردهَا كَمَا يسهل خلعها. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن صَاحب عرق النسا إِذا حصلت رُطُوبَة فِي نقرة وركه ينخلع رَأس فَخذه بِأَهْوَن سعي وَيرجع بِأَهْوَن سعي مَرَّات كَثِيرَة.)
الْمقَالة الأولى من كتاب طبيعة الْإِنْسَان قَالَ: أبقراط يَأْمر فِي الْكسر الَّذِي مَعَ جرح أَن يشد الْكسر من الْجَانِبَيْنِ وَيتْرك مَوضِع الْجراحَة لَا يشد.
الْمقَالة الثَّانِيَة من طبيعة الْإِنْسَان قَالَ: قد ينخلع مفصل الرّكْبَة عِنْد الْمَشْي فِي بعض الْأَحْوَال وينخلع اللحى عِنْد التثاؤب.
فِي أزمان الْأَمْرَاض قَالَ: قد قَالَ أبقراط فِي خلع الْكَتف وَلَيْسَ يَصح عِنْدِي على الْحَقِيقَة أَنه ينخلع أَو لَا ينخلع على أَنِّي أقدر أَن أَقُول فِي ذَلِك أَشْيَاء كَثِيرَة. لي هَذَا القَوْل أَحْسبهُ لأبقراط لَا لِجَالِينُوسَ.
ابْن اسوبولس قَالَ: إِذا انْكَسَرَ عظم فِي الرَّأْس قطعناه وَإِن كَانَ فِي الْعَضُد والساعد قومناه وشددناه.
من كتاب أبقراط فِي الْكسر تَفْسِير سنقليوس قَالَ: الْعظم إِذا انْكَسَرَ لم تكن(4/190)
القطعتان متقابلتين لَكِن تميل وَاحِدَة إِلَى فَوق وَآخر إِلَى أَسْفَل فينقلب شكلها الطبيعي فَيعرض من ذَلِك وجع وَيكون من الوجع نزلة وَمن النزلة ورم فَلذَلِك يَنْبَغِي قبل ألف د أَن تحدث النزلة والورم أَن يجْبر الْكسر فَإِذا أردتم ذَلِك فمدوا الْموضع مدا مستوياً ومداً مُخَالفا يمد اثْنَان إِلَى فَوق وَاثْنَانِ إِلَى أَسْفَل وَإِن لم يقم على تَسْوِيَة فاستعينوا بالحبال والسيور حَتَّى تردوا الْعظم وتسووه إِلَى أَن يرجع إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَولا فَإِذا فعل بِهِ ذَلِك فليسووا الْيَدَيْنِ أَيْضا تَسْوِيَة جَيِّدَة حَتَّى يلْزم مَوْضِعه لُزُوما جيدا فَإِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فاربطوه بخرق لينَة فَإِن الرِّبَاط الرَّقِيق يحفظ التَّسْوِيَة وَلَا يَدعهَا تَزُول ثمَّ ضَعُوا الْعُضْو وَضعه الطبيعي أَعنِي بشكله الطبيعي والشكل الطبيعي هُوَ الَّذِي لَا وجع مَعَه كوضع الْيَد على الصَّدْر وضعا منزوياً فَإِن هَذَا الشكل هُوَ طبيعي لَا يحدث مِنْهُ وجع وَلَا ألم وَذَلِكَ أَن الزند الْأَسْفَل وَهُوَ الوحشي يكون مائلاً إِلَى الأَرْض والزند الْأَعْلَى إِلَى فَوق فَيكون لذَلِك عضد الذِّرَاع الدَّاخِلَة غير مائلة إِلَى خَارج وَلَا الْخَارِجَة مائلة إِلَى دَاخل فَأَما إِذا كَانَت الذِّرَاع على بَطنهَا فَإِنَّهُ شكل رَدِيء وَكَذَلِكَ على ظهرهَا.
قَالَ: إِذا عرض فِي الْجَبْر خطأ فَلِأَن يمِيل الْعُضْو إِلَى الْبَطن أقل ضَرَرا من ميله إِلَى ظَهره. قَالَ: فَإِذا رفعت الْيَد إِلَى الرَّأْس جيدا دخل رَأس الْعَضُد كُله فِي نقرة الْكَتف. لي فَلذَلِك هَذَا دَلِيل إِذا ارْتَفع على أَن الْعَضُد لم تنخلع من مَكَانهَا وكما أَن نفي الْكَتف من الرسغ إِلَى خلف وَإِلَى قُدَّام بِمِقْدَار مَا فِي الطَّبْع يدل على أَنه لَيْسَ بمفصل الرسغ عِلّة إِذا كَانَ قد)
تحرّك كل مَا لَهُ أَن يَتَحَرَّك كَذَلِك مفصل المأبض إِذا انزوى حَتَّى تُوضَع الْأَصَابِع على الْمنْكب وامتد حَتَّى تنبسط الْيَد فَلَا عِلّة بِهِ لِأَن هَذَا غَايَة امتداده الطبيعي وحركته ومفصل الْكَتف غَايَة امتداده ألف د إِلَى فَوق أَن تنصب الْيَد كالعضد على الْمنْكب وامتداده إِلَى أَسْفَل أَن ينبسط مَعَ الذِّرَاع انبساطاً وَاحِدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَكل مفصل تحرّك فِي الْجِهَات الَّتِي يَتَحَرَّك فِيهَا حركته الطبيعية فَلَا عِلّة بِهِ. الرِّبَاط الرخو يعي شَيْئا والصلب يوجع ويورم. لي رَأَيْت طول الشد يزمن ويوهن ويجفف الْعُضْو وَذَلِكَ أَن مجبراً كَانَ يشد الْعُضْو والزند أشهراً كَثِيرَة فَكَانَ يزمن خلقا كثيرا.
قَالَ: إِذا وَقع الْكسر بالزند الْأَعْلَى فَهُوَ شَرّ من وُقُوعه بالزند الْأَسْفَل فَإِن وَقع بهما جَمِيعًا فَهُوَ رَدِيء.
قَالَ: الْكسر فِي الزند الْأَسْفَل رَدِيء جدا لِأَنَّهُ حَامِل والزند الْأَسْفَل يُسمى الساعد فَأَما الْأَعْلَى فزنداً.
قَالَ: وَالْخَطَأ أَيْضا يبين فِي الزند الْأَسْفَل أَشد وَأكْثر لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ لحم كثير يغطيه كَمَا على الزند الْأَعْلَى.
قَالَ: إِذا انْكَسَرَ الزند الْأَعْلَى فيكفيه مد يسير لِأَنَّهُ لين الانقياد ينقاد سَرِيعا وَإِن انْكَسَرَ الْأَسْفَل فَيحْتَاج أَن يمد مدا إِلَى الشدَّة فَإِن انكسرا جَمِيعًا فَإِنَّهُ إِن يمدا مدا شَدِيدا وَليكن الْمَدّ(4/191)
أَيْضا بِحَسب لين الْأَبدَان فَإِن بدن الصَّبِي إِن مد بِشدَّة أَعْوَج لِأَن أعضاءه لينَة.
قَالَ: انْظُر حسنا إِلَى أَي النواحي مَال الْعظم المكسور فَإِنَّهُ يكون الْموضع الَّذِي مَال إِلَيْهِ منحدباً وَالَّذِي مَال عَنهُ عميقاً وَيعرف ذَلِك أَيْضا باللمس وَذَلِكَ إِنَّك تَجِد موضعا حدبة وموضعاً تقعيراً وَيسْأل العليل أَيْضا عَن مَوضِع الوجع فَإِن الوجع يكون مائلاً إِلَى الْعظم فبهذه الثَّلَاثَة تعرف صِحَة الْكسر.
قَالَ: الْخرق الجدد تهيج حكة ووجعاً والأجود أَن تكون لينَة ناعمة فِي أحْسنه يَعْنِي أطهر مَا كَانَ. لي سطح الْبدن وَبِالْعَكْسِ. قَالَ: إِذا أردْت تَسْوِيَة الزندين فَمد الْيَد قَلِيلا حَتَّى تستوي وتوكأ على أصل الْكَفّ أَعنِي على الْكُوع وَاجعَل الرِّبَاط خرقاً متوسطة فِي الْجدّة والخلق وَاجْعَلْهَا لَطِيفَة ألف د لاطئة لَازِمَة وَانْظُر إِلَى ميل الْعظم فابدأ من هُنَاكَ بالرباط والفف الرِّبَاط على ذَلِك الْموضع مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا حَتَّى تشد الْعظم وَيرجع إِلَى وَضعه ثمَّ انته بالرباط من مَوضِع)
الْكسر إِلَى الْموضع الصَّحِيح فَهَذَا الرِّبَاط الأول ثمَّ ابدأ بالرباط الثَّانِي فآته على مَوضِع الْكسر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ أنته إِلَى أَسْفَل وأرخ الرِّبَاط قَلِيلا قَلِيلا كلما تسافلت حَتَّى تبلغ الْموضع الَّذِي قَالَ: وَاجعَل عرض الرِّبَاط معتدلاً وَأحذر أَن يتشنج فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يحدث وجعاً إِن كَانَ شَدِيدا وَإِمَّا أَن يسترخي ويعوج سَرِيعا والمرهم الَّذِي تطليه بدل طلاء الْجَبْر: شمع وزيت فِي بعض الْأَحْوَال ومصطكى وأشق فِي بعض الْأَحْوَال.
قَالَ: إِذا ربطت فَلَا تحل إِلَّا فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا أَن يعرض لَهُ وجع أَو ورم وَإِن لم يجد العليل من الرِّبَاط وجعاً الْبَتَّةَ فَإِن الرِّبَاط السهل جدا رَدِيء لَا ينفع وَإِن ورمت أَطْرَاف الْأَصَابِع ورماً يَسِيرا وَوجد وجعاً قَلِيلا فَإِن الرِّبَاط المعتدل جيد. فَإِن كَانَ الورم والوجع مفرطين فَحل الرِّبَاط وَلينه فَإِن لم ترم مِنْهُ الْكَفّ الْبَتَّةَ فَاعْلَم أَن الرِّبَاط الرخو لَا ينفع فَحله وشده قَلِيلا وَإِذا ورمت الْكَفّ ورماً يَسِيرا فالرباط الشَّديد جيد فَإِذا مَضَت سَبْعَة أَيَّام فَاجْعَلْ شدّ الرِّبَاط أرْخى قَلِيلا لِئَلَّا يمْنَع عَن الْعُضْو غذاءه وَاسْتعْمل بعد ذَلِك الجبائر. لي هَؤُلَاءِ يستعملون الجبائر بعد أَن تمْضِي أَيَّام ويؤمن الورم الْبَتَّةَ وَيقبل الدشبد ينْعَقد وَأَنا أَظن أَن الْعُضْو لَا يَسْتَوِي إِلَّا بالجبائر وعَلى هَذَا رَأينَا المجبرين.
قَالَ: إِن كَانَت الْيَد تعالج فَلْيَكُن العليل ألف د على كرْسِي وَإِن كَانَت الرجل فَلْيَكُن مُضْطَجعا وَإِن كَانَ صَاحب الْيَد قواراً جَازَ أَن يضطجع.
قَالَ: وَإِذا كَانَ الْعُضْو وارماً فَأَرَدْت أَن تفش الورم فَاجْعَلْ القيروطي بدهن بابونج وَإِن احْتَاجَ يَنْبَغِي إِذا شددت الْيَد بالعنق أَن لَا تكون الْكَفّ منسفلة منصبة فتميل إِلَيْهَا الْموَاد وَلَا عالية جدا فَإِنَّهَا توجع بل تكون مستوية أَي مَوضِع كَانَ هُوَ أَخْمص فاملأه بالخرق ثمَّ الفف عَلَيْهِ الرِّبَاط لِئَلَّا يَجِيء الرِّبَاط مضطرباً.(4/192)
قَالَ: الشَّرَاب يفش الورم ويحله بحرارته وَيمْنَع النَّوَازِل بِقَبْضِهِ.
قَالَ: فالرباط الْجيد أَيْضا يحلل الورم الَّذِي قد كَانَ وَيمْنَع أَن يرم.
قَالَ: الجبائر تصلح لَا تلْزم الرفائد وَيَنْبَغِي أَن تكون الْجَبِيرَة الأولى غَلِيظَة وَأَن تُوضَع على مَوضِع الْكسر ثمَّ ضع الجبائر حول الْكسر وَلست أقدر أَن أحد لَك غلظ الجبائر لِأَنَّهَا تكون على مِقْدَار غلظ الْيَد ودقتها فَأَما طولهَا فَيَنْبَغِي أَلا تلمس أصل الْأَصَابِع وَهِي الأشاجع لِأَن ذَلِك الْموضع قَلِيل الْحلم عصبي فَإِذا وَقعت عَلَيْهِ الجبائر جرحته وَلَا تلمس الْمرْفق لِئَلَّا يجرحه.)
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن لَا تحل بعد وضع الجبائر إِلَّا فِي كل عشْرين ويماً إِلَّا أَن يعرض شَيْء يضْطَر أَعنِي حكة واعوجاج عظم فَإِن عرضت حكة فَحلهَا وصب عَلَيْهَا مَاء حَار فَإِنَّهُ يفش الرِّيَاح ويسكن لذع الأخلاط وَإِن لم يعرض عَارض فَلَا تحله وَلَا تنْزع الجبائر قبل الْعشْرين يَوْمًا أَو الثَّلَاثِينَ غير أَنه يَنْبَغِي أَن لَا تشد الجبائر جدا فتضيق المجاري وَلَا يسيل إِلَيْهَا الدَّم لِأَن الْكسر يحْتَاج إِلَى الدَّم ليغتذي ويهيئ مِنْهُ الدشبد الَّذِي يجْبر بِهِ الْكسر وَمِمَّا يَنْبَغِي لَك أَن تعلم أَن عظم الساعد إِذا انْكَسَرَ وجبر يقوى فِي ثَلَاثِينَ أَو فِي خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَرُبمَا قوي فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا بِقدر ألف د الزَّمَان وَالْقُوَّة وَحَال الدَّم فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يكون الدَّم غليظاً كثيرا والعليل شَابًّا ويبطئ فِي الصغار والمشايخ والضعفاء القليلي الدَّم.
قَالَ: فَأَما الشَّاب فَيبرأ سَرِيعا ويقوى عظمه وَحيا لِأَن قوته قَوِيَّة واليبس فِي الشَّبَاب قوي بِسَبَب الصَّفْرَاء وعَلى حسب الْغذَاء.
قَالَ: فَأَما الْغذَاء فَإِذا لم يكن مَعَ الْكسر جرح فَلْيَكُن غليظاً لزجاً.
وَإِن كَانَ مَعَ جرح فليلطف التَّدْبِير وَعَلَيْك بالبقول والسمك الصغار. وَإِن كَانَ الْجرْح عَظِيما فلطف التَّدْبِير أَشد.
قَالَ: وعلق الْيَد بِخرقَة عريضة تَأْخُذ من الزند إِلَى المأبض لِأَن الَّذين يعلقون العلاقة فِي مَوضِع فَقَط يعوجون الْيَد.
قَالَ: والجبائر لَيست تسْتَعْمل للُزُوم الرفائد فَقَط لَكِن وتشد الْعظم المجبور فَإِن رَأَيْت الْعظم قد اشْتَدَّ واستوى عِنْد مَا يحل الرِّبَاط فَلَا تسْتَعْمل حِينَئِذٍ الجبائر. لي الصَّوَاب والحزم أَن لَا يُفَارق الجبائر الْيَد إِلَّا بعد الْبُرْء الْكَامِل لِأَنَّهُ رُبمَا عرض اضْطِرَاب وَنَحْو ذَلِك وَالْكَسْر لم يقو نعما فَيبرأ أَيْضا وَقد ذكر الْمُجبر أَن قوما يرفعون الجبائر ثِقَة بعلمهم قبل الْأَرْبَعين على الزندين فيتعوجان بالجبائر وَإِن كَانَت مَانِعَة للغذاء فَإِن لُزُومهَا أصوب وَيَنْبَغِي أَن يسلس بِقدر مَا يقوى ليجمع بذلك الْأَمْن من الاعوجاج وَلَا يمْنَع الْغذَاء وَقد يذوب ويلطف بالجبائر الغلظ والاعوجاج الشَّديد فَإِنَّهُ يَدُور وَيَسْتَوِي ويحسر بعض السماجة والغلظ إِذا اسْتعْمل مُدَّة طَوِيلَة.
قَالَ: ولطف التَّدْبِير فِي أول الْكسر أَيَّامًا وَأما بعد عِنْد الْأَمْن من الورم فِي آخر الْعلَّة فَليَأْكُل اللَّحْم وَيشْرب الشَّرَاب.)(4/193)
قَالَ: فَإِن كَانَ العليل صَبيا أَو رطب الْبدن فالجبر نَفسه يَكْتَفِي أَن يمده وَأما الْأَبدَان الصلبة فتحتاج ألف د إِلَى شدّ شَدِيد وَإِن عجزت قُوَّة الرجل مد بالحبل الخشن والحبال.
قَالَ: وَعظم الْعَضُد إِذا انْكَسَرَ إِنَّمَا يمِيل إِلَى خَارج فِي الْأَكْثَر فلف الرِّبَاط على مَوضِع الْكسر بعد أَن تسويه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا واذهب بِهِ إِلَى فَوق ثمَّ ألفف الرِّبَاط الثَّانِي أَيْضا على مَوضِع الْكسر فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى أَسْفَل ثمَّ اربط برباط ثَالِث من أَسْفَل إِلَى فَوق وعلق الْيَد بشكل مَرْوِيّ وَأحذر أَن يكون مدلاة وَلَا تحلها إِلَى السَّابِع والعاشر ثمَّ بعد ذَلِك إِذا حللتها وَأَرَدْت ربطها ثَانِيَة فَاسْتعْمل الجبائر. والعضد تقوى فِي أَرْبَعِينَ وَإِيَّاك أَن يُفَارِقهُ الشد قبل الْأَرْبَعين.
قَالَ: وغذاء هَذَا العليل لَا غليظ وَلَا لطيف.
قَالَ: وَإِذا انْكَسَرَ عظم الْعقب عسر علاجه فَإِذا برأَ صَاحبه وَبَدَأَ يمشي أوجعهُ إيجاعاً شَدِيدا وَذَلِكَ أَن الْبدن كُله مَحْمُول عَلَيْهِ.
قَالَ: وَاعْلَم أَن عِظَام الْأَصَابِع الصغار من الْيَد وَالرجل لَا تنكسر لَكِنَّهَا تنْتَقل من موضعهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا صلبة صغَار فَكلما حدث عَلَيْهَا كَانَ إِلَى تنقلها من موضعهَا أسْرع مِنْهُ إِلَى أَن يكسرها.
قَالَ: وَإِذا عرض لَهَا الْخلْع فإياك أَن تمدها كَمَا تمد الْعِظَام الْمَكْسُورَة لَكِن شدّ عَلَيْهَا أصابعك واضغطها فَإِنَّهَا ترجع إِلَى مَكَانهَا ثمَّ اربطها على مَا وَصفنَا فِي سَائِر الرباطات وَعِظَام الْمشْط فِي الْيَد وَالرجل إِنَّمَا تنخلع إِلَى ظَاهر الْكَفّ وَالرجل وَيَنْبَغِي إِذا ربطت إِن كَانَ فِي الرجل أَن لَا يمشي صَاحبه الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ يرم من شدَّة الوجع وَهَذِه الْعِلَل تَبرأ فِي عشْرين يَوْمًا.
وَعظم الْعقب ينكسر إِذا وَقع الْإِنْسَان من مَوضِع عَال على عقبه فينرض الْعقب والعضلات الَّتِي حوله وَرُبمَا انفجر بعض الْعُرُوق ألف د أَيْضا ويسيل الدَّم فِي بطن العضل ويجمد فِيهِ ويضر بِهِ وَرُبمَا أورث تشنجاً فِي جَمِيع الرجل وارتعاشاً وَحمى واختلاط الْعقل فَهَذِهِ البلايا تعرض من كسر الْعقب.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت الْعقب كمد اللَّوْن فسل عَنهُ هَل كَانَ بِهِ قبل ذَلِك ورم حَال فَإِن قَالُوا: نعم فَهُوَ عَلامَة رَدِيئَة جدا لِأَنَّهُ قد أَخذ فِي طَرِيق الْمَوْت وَأما إِذا كَانَ الْعقب وارماً ورماً مدافعاً للأصابع فَإِن ذَلِك جيد لِأَنَّهُ يُرْجَى أَن يتقيح فينجو الْإِنْسَان.
قَالَ: إِن سقم الْعقب جعلنَا الرِّبَاط عَلَيْهَا وعَلى الرجل وَتَركنَا الْعقب مَفْتُوحَة.)
قَالَ: إِذا سقم الْعقب فَإنَّا نربطها ونأتي بالرباط إِلَى أَطْرَاف الْأَصَابِع لكيما تنْدَفع النَّوَازِل من النواحي كلهَا.
قَالَ: انطلوا الْعظم المكسور بِمَاء حَار كثير. لي يَعْنِي عظم الْعقب وَلِهَذَا وَقت يَنْبَغِي أَن يحذر.(4/194)
قَالَ: وكما أَن وضع الساعد المجبور مَمْدُود فَلْيَكُن وضع الرجل ممدوداً على اسْتِوَاء فَإِن ذَلِك لَهَا طبيعي.
قَالَ: وَقد يشرط الْعقب وَلَا يَنْبَغِي أَن يعمقه ليسيل الدَّم الْمَيِّت من الرض فيستعمل الْقَيْء.
قَالَ: وَعظم الْعقب إِذا لم ينجبر على مَا يَنْبَغِي لم يقدر العليل أَن ينْتَفع بِهِ الْبَتَّةَ.
قَالَ: وكل عظم لَا ينجبر على مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ يتحدب وَلَا يقبل غذاءه على مَا يَنْبَغِي.
قَالَ: وَإِن انْكَسَرَ الْعظم الْكَبِير فِي السَّاق فَهُوَ رَدِيء وَالصَّغِير أَسْفَل.
قَالَ: وَاسْتعْمل وضع الجبائر بعد خَمْسَة أَيَّام أَو سَبْعَة أَو تِسْعَة أَو أحد عشر على نَحْو عظم قَالَ: البرانج فَإِنَّهُ انفع إِذا احْتَاجَ العليل أَن ينْتَقل ويتحرك وَلها مضرَّة لِأَنَّهَا ينخسان الرّكْبَة ويوجعان فإمَّا أَن لَا يسْتَعْمل الْبَتَّةَ وَإِن اسْتعْمل فليستعمل وَاحِد يبلغ من لدن الورك إِلَى طرف الرجل.
قَالَ: وَإِذا ربطت السَّاق فَمدَّهَا مدا ألف د مستوياً فَإِن ذَلِك شكلها الطبيعي وَيُسمى هَذَا البرانج سوان وتفسيرها الْعِصَابَة فَدلَّ أَنَّهَا جبارَة لَا برانج وَقَالَ: إِن الضارة مِنْهَا مَا كَانَ بقطعتين وَاحِدَة على السَّاق وَالْأُخْرَى على الْفَخْذ لِأَنَّهَا تضغط الرّكْبَة فِي الْوسط والنافعة مَا كَانَت بِقِطْعَة وَاحِدَة من لدن الورك إِلَى الْقدَم ومنفعتها الْكُبْرَى لقِيَام العليل وتحويله من مَكَان إِلَى مَكَان. قَالَ: والفخذ إِذا انْكَسَرت تحْتَاج إِلَى مد قوي شَدِيد ثمَّ سووها واربطوها على مَا ذكرنَا ثمَّ ضعوها وَضعهَا الطبيعي وَهُوَ أَن تكون خَارِجَة محدبة وداخلة غائرة قَلِيلا فَإِن الطبيعة كَذَلِك جبلتها وَاجْعَلُوا بَين الفخذين شبه الكرة من خشب لِئَلَّا يعوج الْعظم وتعاهدوا فِي كل مَا تَعْمَلُونَ الورم والوجع والحكة. لي إِنَّمَا تكون الْفَخْذ منحدبة قَلِيلا وَاجعَل تحتهَا شَيْئا تُوضَع عَلَيْهِ فَخذ بهَا قَلِيلا وَأما السَّاق فَلَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك لِأَن شكلها مستو.
قَالَ: وَاعْلَم أَن الورم الَّذِي يكون فِي الْفَخْذ يكون عَظِيما على قدر عظم الْعُضْو لِأَن النَّوَازِل)
تسرع إِلَيْهِ وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ قد ورم فَأَسْرعُوا حلّه حَتَّى ينفش ويتبدد الورم والأعراض مِنْهُ أَعْرَاض رَدِيئَة وخذوا خرقاً وبلوها بشراب وضعوها على الورم فَإِن ذَلِك يطرد النَّوَازِل ويفش الورم فاستعملوا البرانج فِي كسر الْفَخْذ لَا غير وَالْمدّ الشَّديد يحْتَاج إِلَيْهِ ضَرُورَة فِي كسر الْفَخْذ لِأَنَّهُ عُضْو عَظِيم والورم فِيهِ يَنْبَغِي أَن يتَعَاهَد لِأَنَّهُ تعرض مِنْهُ أَعْرَاض رَدِيئَة.
قَالَ: فَأَما الْجرْح مَعَ الْكسر وَالْخلْع فَإِن عولجت الْجراحَة أَولا فَهُوَ خطأ لِأَن الْجرْح لَا يبرأ فِي أَيَّام قَليلَة وَإِذا برِئ الْجرْح يكون الْعظم قد صلب فإمَّا أَن يتْرك معوجاً وَإِمَّا أَن(4/195)
يحْتَاج إِلَى مد شَدِيد وَكثير فتعرض مِنْهُ أَعْرَاض رَدِيئَة مؤذية وَهَهُنَا أَيْضا ألف د علاج رَدِيء وَهُوَ أَن تُوضَع أَطْرَاف الرِّبَاط على الْمَوَاضِع الصَّحِيحَة أَشد ثمَّ يجاء بِهِ نَحْو الْجرْح وَهُوَ رخو حَتَّى يكون مَوضِع الْجرْح أرْخى مَوضِع فِيهِ فَإِن هَذَا العلاج يصب إِلَى خَارج فضولاً رَدِيئَة وَتعرض فِيهِ أَعْرَاض رَدِيئَة وَأما العلاج الْجيد فَهُوَ أَن تمد الْعُضْو المكسور الْمَجْرُوح بِرِفْق وَلَا تعنف ويسوى فيربط بِرِفْق وَيجْعَل ابْتِدَاء الرِّبَاط من مَوضِع الْجرْح ثمَّ يذهب بِهِ إِلَى أَسْفَل وَإِلَى فَوق كَمَا ذكرنَا فِي الرِّبَاط وَيسْأل العليل عَن الوجع وَيحل كل يَوْم لَا يبرأ كَالَّذي لَا جرح مَعَه وَيَنْبَغِي أَن ترد الْعظم ثمَّ ادخلوه. قَالَ أبقراط: إِنَّكُم أَن مددتم الساعد والعضد مدا شَدِيدا رَجَعَ الْعظم إِلَى مَوْضِعه من يَوْمه وَليكن الرِّبَاط الَّذِي للكسر مَعَ جرح وليحل فِي كل يَوْم وعالج الْجرْح بالمراهم فَإِذا انْفَتح الْجرْح وظننتم أَن فِيهِ قشوراً عظاماً فعلاجه علاج الْكسر مَعَ جرح إِلَّا أَنه لَا يَنْبَغِي أَن تشدوا الرِّبَاط وَلَا تغمزوه باليدين غمزاً شَدِيدا وَلَا تضغطوه بالجبائر وَلَا تستعملوا الجبائر لَكِن استعملوا بدلهَا خرقاً كَثِيرَة.
قَالَ: ودع رَأس الْجرْح مكشوفاً ليسيل الْقَيْح وبلوا الرفائد بِالشرابِ لتقي الْعُضْو وتمنع الورم وضعُوا المراهم الزفتية أَو مَا يحْتَاج إِلَيْهِ على الْجرْح أَولا ثمَّ ضَعُوا الْخرق الملوثة بِالشرابِ فَوق المرهم وَإِن كَانَ صيفاً فبلوا الرِّبَاط أبدا حَتَّى لَا يسخن وانصبوا الْعُضْو نصبة ليسيل قيحه.
وَالْجرْح فِي الْفَخْذ مَعَ الْكسر فَيحْتَمل الشد أَكثر لعظم الْعُضْو وَإِيَّاك أَن تَدعه أَيَّامًا كَثِيرَة فَإِنَّهُ يخَاف أَن يجْتَمع فِيهِ قيح كثير وَيفْسد فَسَادًا عَظِيما.
قَالَ: واجبر الْعظم المكسور من يَوْمه وَالْيَوْم الثَّانِي وَلَا يقربهُ فِي الثَّالِث فَإِن تعرض مِنْهُ أَعْرَاض رَدِيئَة. لي أَظن أَن هَذَا الَّذِي مَعَ جرح فَأَما غَيره فَلَا وَيَنْبَغِي أَن تنظر فِي ذَلِك نَظرنَا فِيهِ وَصَحَّ أَنه)
يعسر إِذا كَانَ مَعَ جرح وَأَن الْأَصْلَح أَن يجْبر من ألف د سَاعَته قبل الورم فَأَما إِذا ورم فعلاجه رَدِيء وَيَنْبَغِي أَن يتْرك على حَاله ويعرض مِنْهُ فَسَاد الْعُضْو وعفنه إِن جبر وَشد وَهُوَ وارم وَذكر هَهُنَا الى لَة الَّتِي تسمى السرم وَينظر فِيهِ.
قَالَ: من المجبرين من يجْبرهُ فِي الْخَامِس وَفِي التَّاسِع فَيعرض من ذَلِك الكزاز وَنحن لَا نرى بعد الورم والوجع وامتداد العضلات أَن نعالج الْعظم لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى مد وربط وَزِيَادَة فِي الوجع فَإِن فعلت ذَلِك وأدخلت الْعظم فِي مَوْضِعه عرض الكزاز وَإِن أدخلت مرّة عظما إِلَى مَوْضِعه الطبيعي فَاشْتَدَّ بالعليل لذَلِك الوجع وقدرت أَن تخرجه عَن مَوْضِعه الطبيعي حَتَّى يكون بحالته الأولى فافعل تريح السقم وقومته من الْخطر الْعَظِيم وَإِن لم يُمكن فِي حَالَة رد الْعظم إِلَى مَكَانَهُ الطبيعي فانشره إِن كَانَ ناتئاً فَإِن الْعظم رُبمَا كَانَ مُؤْذِيًا ناخساً. إِذا انْكَسَرَ عظم فأسرع بجبره من يَوْمه فَإِن لم ينفذ الْعظم وَيدخل فَدَعْهُ بِحَالهِ فَإِنَّهُ أَجود من أَن يدْخل على السقم ثمَّ يشده بعد الْمَدّ جهداً شَدِيدا فتصيبه مِنْهُ أَعْرَاض رَدِيئَة لِأَن فِي الْفَخْذ عضلات كَثِيرَة وَيكون إِدْخَاله أعْسر إِذا هُوَ لم يدْخل من يَوْمه.(4/196)
قَالَ أبقراط: ميل الْعظم المكسور إِلَى خَارج خير من ميله إِلَى دَاخل لِأَن الْعظم المكسور إِن مَال إِلَى دَاخل نخس هُنَاكَ عصباً عَظِيم الْقدر لِأَن فِي الْفَخْذ عضلات كَثِيرَة شريفة وأحدث تشنجاً وَحمى. وَيَنْبَغِي للمجبر إِذا علم أَن رد الْعظم إِلَى مَوْضِعه تحدث مِنْهُ حمى أَو تشنج وَأَن تَركه بِحَالهِ يحدث سماجة شَدِيدَة من اعوجاج.
قَالَ: مفصل الرّكْبَة سهل الْخُرُوج ومفصل الْعَضُد لَا يكون يتخلع لِشِدَّتِهِ وَبعده مفصل الورك فَأَما مفصل الْأَصَابِع فَلَا ينخلع ألف د بل ينكسر قبل أَن ينخلع وكل مفصل يعسر انخلاعه يعسر رده لِأَنَّهُ موثق جدا قصير الأربطة.
قَالَ: مفصل الرّكْبَة جعل سَلس الرِّبَاط لمنافع فَلذَلِك هُوَ يخرج من أدنى عِلّة وَيرجع أَيْضا رُجُوعا سهلاً وَلذَلِك جعلت عَلَيْهِ الفلكة لتمنعه من الْخُرُوج ولولاها لخرج لزجاً والمربط الْمُحِيط بِهِ سَرِيعا جدا فَأَما مفصل الْمرْفق فَإِنَّهُ موثق برباط وثيق فَلذَلِك لَا يخرج سَرِيعا وَلَا يدْخل سَرِيعا إِذا خرج فَلذَلِك إِذا رَأينَا مفصل الرّكْبَة قد انخلع لم نتخوف لضعف رباطه وَإِذا رَأينَا مفصل الْمرْفق قد انخلع تخوفنا حِينَئِذٍ لشدَّة رباطه وَعلمنَا أَنه لَا يرجع إِلَّا بِشدَّة وعسر.
قَالَ: وَجل مَا يمِيل مفصل الرّكْبَة إِلَى دَاخل فَأَما إِلَى خَارج فتمنعه الفلكة وَرُبمَا خرج إِذا)
كَانَت الْعلَّة قَوِيَّة. قَالَ: إِذا أردْت أَن ترد مفصل الرّكْبَة إِذا انخلع فَأقْعدَ العليل على كرْسِي قريب من الأَرْض وَارْفَعُوا رجلَيْهِ قَلِيلا ثمَّ تَأْتُوا برجلَيْن فتأمروا أَن يمدوا يديهما مدا قَوِيا من فَوق وَمن أَسْفَل ثمَّ يَأْتِي الطَّبِيب فَيدْخل الْمفصل فِي مَوْضِعه وَيَردهُ إِلَيْهِ ثمَّ يربطه ربطاً محكماً على مَا وَصفنَا وَفِي أَكثر الْأَحْوَال إِن أَدخل الْعظم فِي مَوْضِعه على الكرة عرض من ذَلِك حمى وكزاز وَإِن لم يدْخل عرض من ذَلِك حمى فَقَط.
قَالَ أبقراط: إِذا انْكَسَرَ الْعظم من أَسْفَله وَمَال إِلَى خَارج كَانَ علاج ذَلِك أَهْون من علاج مَا قَالَ: إِذا انْكَسَرَ الْعظم ونتأ نتوءاً يَسِيرا وَلم يرم وَلم تكن هُنَاكَ عضلة يتخوف مِنْهَا أدخلنا حِينَئِذٍ الْعظم إِلَى مَوْضِعه نَحوه وَإِن نتأ الْعظم جدا وورم الْعُضْو فَلَا يَنْبَغِي أَن تروم إِدْخَاله إِلَى مَوْضِعه لِأَنَّهُ تعرض مِنْهُ الْأَعْرَاض الَّتِي وَصفنَا.
قَالَ: ويعرض للمفاصل إِمَّا ميل وَإِمَّا انخلاع والميل يعرض ألف د إِمَّا إِلَى دَاخل وَإِمَّا إِلَى خَارج والانخلاع هُوَ زَوَاله إِلَى جَمِيع النواحي زوالاً كثيرا.
قَالَ: وَخُرُوج الْمفصل من مَكَانَهُ يكون ظَاهرا للرَّدّ وللجس لِأَن الْموضع الَّذِي مَال إِلَيْهِ يكون محدباً وَالَّذِي مَال عَنهُ متقعراً.
علاج ميلان مفصل الْمرْفق قَالَ: شكل الْيَد شكلاً منزوياً على بَطنهَا وليبصروا حسنا فَإِن كَانَ الميلان إِلَى دَاخل فشكلوا الْيَد على بَطنهَا وَإِن كَانَ إِلَى خَارج فشكلوا الْيَد على ظهرهَا.
قَالَ: علاج انخلاع المفاصل: مدوا الْعَضُد والساعد من جانبين مُخْتَلفين مدا شَدِيدا حَتَّى يرْتَفع الْعظم ثمَّ أدخلوه(4/197)
قَالَ أبقراط: إِنَّكُم إِن مددتم الساعد والعضد مدا شَدِيدا يرجع الْعظم إِلَى مَوْضِعه وَإِن لم يرم المعالج إِدْخَاله من تِلْقَاء نَفسه.
وَإِن انخلع الذِّرَاع من مفصل الْمرْفق إِلَى خلف فَإِنَّهُ صَعب وَقل مَا يكون ذَلِك لِأَن هُنَاكَ عصباً كثيرا وعروقاً وغضاريف فَيعرض من ميل الْعظم إِلَيْهَا أسقام رَدِيئَة وتمدد.
قَالَ: عالجوا إِدْخَال الْعظم إِلَى مَوْضِعه قبل أَن يرم فَإِن لم يتَّفق فَلَا تعالجوه إِلَّا بعد أَن يسكن قَالَ: علاج رض اللَّحْم أَشد من علاج كسر الْعظم لِأَن الْعظم لَا حس لَهُ.
فِي الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة قَالَ: الرجلَيْن المنقلبتين إِلَى خَارج أَو إِلَى دَاخل وَالرَّأْس المسفط أما فِي الْأَطْفَال حِين يولدون مَا دَامَت أعضاؤهم رطبَة فَيمكن أَن ترد إِلَى حَالهَا الطبيعية بالشد والتسوية وَإِمَّا فِي الْأَبدَان الَّتِي قد يَبِسَتْ فَلَا.
وَقَالَ: الْعظم اللين فِي الْأَطْفَال إِذا انْكَسَرَ يُمكن أَن يلتحم التحاماً مستوياً.)
قَالَ: وَمَا دَامَ الْبدن فِي النشء فَيمكن أَن يصلح شكل أَكثر أَعْضَائِهِ فَإِذا اسْتكْمل لم يُمكن أَن يصلح.
قَالَ: وَليكن غرضك فِي الْأَعْضَاء الَّتِي ألف د اعوجت الَّتِي يُمكن إصلاحها أَن تردها من الْجِهَة الَّتِي مَالَتْ إِلَيْهَا إِلَى خلَافهَا وَمَتى كَانَ فَسَاد الشكل فِي الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ من قبل كسر لم يسو على مَا يَنْبَغِي ثمَّ كَانَ الْعظم المكسور قد انجبر انجباراً محكماً فَلَا يعرض لَهُ فَإِن كَانَ انجباره لم يستحكم بعد وَلم يشْتَد فاكسره ثمَّ سوه واحتل فِي أَن ينْبت عَلَيْهِ الدشبد بالغذاء والشد.
من رسم الطِّبّ بالتجارب قَالَ: قد رصد أَن من كَانَ بِهِ خلع مَعَ جرح إِن رد مفصله فِي مَكَانَهُ تشنج.
من مُخْتَصر حِيلَة الْبُرْء قَالَ: الْفَسْخ والفدع والرض فَإِنَّهُ يكون فِي عمق الْبدن فِي الْجُزْء اللحمي من العضلة وَأما الهتك فَإِنَّهُ يكون فِي الْأَعْضَاء العصبية إِذا انتهك الليف الَّذِي فِيهَا أَي انْقَطع وتفرق مِنْهُ وَأما الفك فَإِنَّهُ زَوَال العصب عَن مَوْضِعه الْمَوْضُوع عَلَيْهِ وَهُوَ أقلهَا حدوثاً وَأكْثر مَا يعرض لطرف الْمنْكب.
من الْمقَالة الثَّانِيَة من مَنَافِع الْأَعْضَاء قَالَ: مفصل الرسغ قوي الرباطات قوي الرُّكْن وبهذين يكون شدَّة الْمفصل وقوته وَلذَلِك يعرض لَهُ الْخلْع أقل مِمَّا يعرض لمفصل الْمنْكب لِأَن مفصل الْمنْكب قد عدم الْأَمر من وثاقة الرُّكْن وصلابة الرباطات وَلَكِن الحركات القوية تعرض فِي الرسغ أَكثر مِمَّا تعرض فِي الْمنْكب وَلذَلِك يوثق فِي الْخلقَة مِنْهُ أَكثر وَكَذَلِكَ لَا ينخلع أَيْضا كثيرا.
وَقَالَ: لَا يُمكن أَن ينخلع أحد الزندين إِلَّا بِأَن تبَاعد عَن الثَّانِي بعدا كثيرا.(4/198)
لي اسْتَعِنْ بحركة المفاصل بالعضل وبجراحات الأعصاب فَلذَلِك أَكثر مَا يعرض خلع الزند الْأَسْفَل مَعَ كسر الْأَعْلَى لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مربوطان بَعْضهَا بِبَعْض برباط وثيق جدا.
قَالَ فِي الثَّالِثَة: لما كَانَ أبقراط عَالما بنصبة الْفَخْذ وشكلها تقدم إِلَى من يتَوَلَّى ألف د جبرها إِذا انْكَسَرت أَن يَدعهَا على نصبتها وشكلها وَلَا يلويها وَلَا يردهَا على التعويج الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ إِلَى الاسْتقَامَة والنصبة المستوية.
قَالَ: وَجَمِيع من تكون قَصَبَة فَخذه بالطبع مُسْتَقِيمَة يعرض لَهُ فِي ركبته الفحج والفحج رَدِيء فِي الْحَضَر وَالْمَشْي والثبات.) لي هَذَا العوج هُوَ يجذب الْفَخْذ إِلَى وَحشِي الْبدن وَمن كَانَ فِيهِ هَذَا التحدر أقل كَانَ أَشد فحجاً.
الْمقَالة الثَّانِيَة عشرَة من مَنَافِع الْأَعْضَاء قَالَ: إِذا كثرت الرُّطُوبَة فِي نقر المفاصل ورباطها ابتلت وانخلعت سَرِيعا وَإِذا غلب على الرِّبَاط والنقر اليبس عسر حركتها.
وَقَالَ: مفصل الْكَتف ينخلع أَكثر من انخلاع سَائِر المفاصل لِأَن نقرته لَيست مقعرة ورباطاته رقيقَة سلسة وَإِنَّمَا عمل كَذَلِك لِأَنَّهُ احْتَاجَ إِلَى تغير الحركات وَلم يُمكن ذَلِك إِلَّا بذلك.
قَالَ: فَأَما مفصل الورك فَإِن نقرته حَقًا مقعرة ورباطه مُدَوَّرَة قَوِيَّة موثقة لِأَن مفصل الورك احْتَاجَ إِلَى الثَّبَات والتمكن أَكثر مِمَّا احْتَاجَ إِلَى تغير الحركات.
وَقَالَ: إِن حدث على الْمفصل الأول أغْنى الخرزة الأولى من خرز الْعُنُق الَّذِي يلتئم مَعَ الرَّأْس خلع مَاتَ الْحَيَوَان من سَاعَته بِعَدَمِ التنفس لِأَن العصب الْفَاعِل للنَّفس يمسك عَن فعله. لي فِي تعقد العصب قد يظْهر على الْيَد وَالرجل وبالقرب من المفاصل شَيْء شَبيه بالسلع وَفِي الْأَكْثَر يكون بعقب التَّعَب الشَّديد وَيفرق بَينهَا وَبَين السّلع بِأَنَّهَا ألزم لمكانها من السّلع ولمسها لمس عصب وَإِذا غمز عَلَيْهَا بِشدَّة تبددت وَذَهَبت ثمَّ يعود بَعْضهَا وعلاجها أَن يغمز عَلَيْهَا فَإِن تتبدد بالغمز وَإِلَّا فَمِنْهَا مَا يدق بِمِطْرَقَةٍ وخشب فتبدد ثمَّ تُوضَع عَلَيْهِ جبيرَة وتشد فَإِنَّهَا لَا تعود وَإِن كثرت أَو عظمت فتحتاج أَن تنقى ألف د الْبدن وَرُبمَا كَانَت عَظِيمَة إِلَّا أَنَّهَا تكون مفرطحة كَمَا كَانَ فِي مأبض ركبة امْرَأَة فَإِنَّهُ قد كَانَ فِي عظم الهوزة فبددت بالغمز ثمَّ شدت فَذَهَبت فَإِذا رَأَيْت ذَلِك واشتبه عَلَيْك فسل هَل حدث بعد تَعب وَانْظُر هَل مجسته عصبية وأغمزه وَانْظُر هَل يُؤثر الغمز فِيهِ حَتَّى تقف عَلَيْهِ.
السَّابِعَة عشرَة من مَنَافِع الْأَعْضَاء قَالَ: إِذا عرفت مَا يحدث عَن الْخلْع وَالْكَسْر ضَرُورَة فتقدمت بِمَا يكون بَرِئت من الذَّم. مِثَال ذَلِك إِنَّك إِذا تقدّمت فِي الْخلْع الَّذِي يكون مَعَ قرحَة أَنَّهَا لَا تَبرأ أَو فِي خلع الورك وَإِن لم يكن مَعَ قرحَة أَنه يزمن الرجل اضطراراً. لي رُبمَا استرخت ربط المفاصل فَيكون الْعُضْو مسترخياً وَهُوَ غير منخلع لِأَنَّهُ بَاقٍ على استوائه وعلاجه شده شداً يشيله والأشياء القابضة مَعَ حرارة. وَقد رَأَيْت غُلَاما كَانَ(4/199)
مَنْكِبه كَأَنَّهُ يتَعَلَّق فَإِذا شلت مرفقه إِلَيْهِ بالمنكب صَار كالطبيعي وَإِذا تركته امْتَدَّ الْعَضُد وباين الْمنْكب حَتَّى تدخل فِيهِ الإصبع وَأمره الْمُجبر أَن يشد مرفقه إِلَى فَوق ليرْفَع رَأس الْعَضُد ويلزقه نعما)
بالمنكب وَقد يعرض مثل هَذَا فِي الورك فتطول إِحْدَى الرجلَيْن وَكَذَلِكَ إِذا عرض فِي الْيَد طَالَتْ. فَأَما الْخلْع فَإِنَّهُ يقصر بِهِ وَأما الْأَصَابِع الصغار إِذا انخلعت فَإِنَّمَا تتخلع إِلَى دَاخل الْكَفّ وتعسر لذَلِك.
التَّاسِعَة من آراء أبقراط قَالَ: قَالَ أبقراط فِي كتاب المفاصل: يَنْبَغِي أَن تتعرف الْخلْع بِهَذِهِ العلامات: إِحْدَاهَا أَنه لما كَانَت الْيَد وَالرجل فِي النَّاس منتهياً عَن تَعْدِيل فقد يَنْبَغِي أَن تقيس بالشَّيْء الصَّحِيح بعد أَن تنظر فِي مفاصل غَرِيبَة لَكِن فِي مفاصل الْمَرِيض نَفسه فتقيس العليل مِنْهَا بِالصَّحِيحِ.
قَالَ: وَمن عَلَامَات انخلاع رَأس الْعَضُد أَن ترى ألف د رَأْسِي الْعَضُد تَحت الْإِبِط أَكثر من رَأس الْعَضُد الصَّحِيح وَيكون قبله الْكَتف المخلوعة فِيهَا غور أَكثر مِنْهُ فِي الساعد وَترى الْعظم الصَّغِير الَّذِي لرأس الْكَتف مبائناً لِأَن ذَلِك يغور ويغوص إِلَى أَسْفَل وَهَذِه الْعَلامَة قد تكون والعضد غير مخلوعة.
قَالَ: وَإِن مرفق الْعَضُد المخلوعة يكون أَكثر تباعداً من الْجنب الصَّحِيح فَإِن استكره على الدنو مِنْهَا رُبمَا يوجع شَدِيدا وَلَا يُمكنهُ أَن يشيل يَده على استقامة إِلَى جَانب أُذُنه والمرفق مبسوطة كَمَا يُمكن فِي الْيَد الصَّحِيحَة وَلَا يُمكن أَن تديرها إِلَى هَهُنَا.
قَالَ: وَقلة الْكَتف تكون غائرة أَيْضا فِي من ينخلع مِنْهُ الْعظم الصَّغِير الْمُسَمّى رَأس الْكَتف لَكِن هَذَا لَا يكون لَهُ نتوء فِي الْإِبِط وَلَا تتباعد عضده من الأضلاع وَلَا يعسر عَلَيْهِ أَن يرفع يَده إِلَى رَأسه ويديرها.
قَالَ: وَقد تنخلع الفقارات الَّتِي قُدَّام فينخفض ذَلِك الْموضع كانخفاض من تنكسر سناسنه وَكسر السناسن يسهل وخلع الفقار مهلك لِأَن الفقارة الَّتِي تنخلع إِمَّا أَن تهتك النخاع الْبَتَّةَ وَإِمَّا أَن تضغطه وَإِن ذهبت تَدْفَعهُ احْتَاجَ إِلَى شدَّة شَدِيدَة وَشَيْء عَظِيم يسْقط عَلَيْهِ فَإِن سقط عَلَيْهِ شَيْء عَظِيم أَو دَفعته بِدفع شَدِيد انْكَسَرَ سنسنه الَّذِي عَلَيْهِ قبل أَن يدْخل الفقار. لي اسْتَعِنْ بِقِرَاءَة هَذَا الْموضع واطلب كتاب المفاصل لأبقراط.
وَقَالَ: قوم يدعونَ مَوضِع القرحة فِي الْكسر مكشوفاً وَهَذَا علاج رَدِيء لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تضع الْخرق والشد على مَوَاضِع تحْتَاج إِلَيْهَا.
قَالَ: وَلَا بُد ضَرُورَة لمن يرطب هَذَا الرِّبَاط من أَن ينْدَفع ورمه إِلَى القرحة فَإنَّك لَو ربطت)
لَحْمًا صَحِيحا رِبَاطًا تَأْخُذهُ من الْجَانِبَيْنِ وتترك وَسطه غير مربوط لورم الْموضع الَّذِي لَا يرْبط ألف د واستحال لَونه فَيجب من ذَلِك أَن تجْعَل القرحة الرَّديئَة اللَّوْن ويسيل مِنْهَا شَيْء وَلَا(4/200)
يمْنَع مده وَيكون الْعِظَام وَلَيْسَ هِيَ زَمعَة السُّقُوط تتساقط وَتصير القرحة ذَات ضَرْبَان وَذَات حمى ثمَّ يضطرون بِسَبَب الورم والوجع إِلَى حل الرِّبَاط. لي يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه لَيْسَ هَذَا هُوَ الَّذِي يَفْعَله مجبرونا لَكِن أَن يشد إِنْسَان بعصابتين وَاحِدَة من أَسْفَل إِلَى مَوضِع القرحة وَأُخْرَى من أَسْفَل القرحة وَيتْرك مَوضِع القرحة بِلَا شدّ الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يتْرك رَأس القرحة فَقَط مكشوفاً وَفِيه شكّ لِأَن أبقراط قَالَ بِهَذَا اللَّفْظ هَكَذَا وَهَهُنَا قوم آخَرُونَ يعالجون بِأَن يشدوا بالخرق وَيدعونَ مَوضِع القرحة يتنفس ويتروح ويضعون على القرحة بعض الْأَدْوِيَة ورفائد مبلولة بشراب وَهَذَا علاج سوء يتبعهُ فَسَاد القرحة وسيلان الرطوبات وتساقط الْعِظَام يَنْبَغِي أَن ينظر فِي ذَلِك.
قَالَ: كَانَ أحنف فعالجه الْمُجبر فَاسْتَوَى وَبَقِي فِيهِ شَيْء قَلِيل لَا بَال لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ مَحَله خَاصَّة عِنْد شدَّة الوجع إشفاقاً عَلَيْهِ وَهَذَا الصَّبِي لما كَانَ قَلِيلا يرسم ثمَّ أَنه مَال رَأسه إِلَى جَانب الْيَسَار بتشنج الْوتر.
قَالَ: الْمُجبر يَنْبَغِي أَن يلين بعصابة وَيقوم رَأسه ثمَّ يوضع فِي الْموضع مخدة محشوة جيدا ويشد لتَكون المخدة تدفع دَائِما إِلَى الرَّأْس إِلَى الْجِهَة الَّتِي مَال إِلَيْهَا فَيكون التليين وَالدَّفْع الدَّائِم يسوى الرَّأْس.
وَقد عالج غير وَاحِد هَكَذَا فبرؤوا ويعالجون خلع الخرز إِلَى خلف بِأَن يضبطه كَمَا يضْبط الحمامي وَيَضَع ركبته فِي ظَهره ويدفعه بِشدَّة وَجلد فَيرجع أَو ينومه على بَطْنه يقوم بكعبه عَلَيْهِ ألف د قَالَ: إِن زَالَ الخرز إِلَى الْبَطن فَلَا علاج لَهُم الْبَتَّةَ.
قَالَ: الْكسر إِذا كَانَ مدوراً ثمَّ كَانَ أحمل فَإِنَّهُ عسر اللُّزُوم وَقد رَأينَا مِنْهُ عدادًا لَهُ شدّ وَأكْثر لَا يلْزم الْبَتَّةَ. لي عِنْد مثل هَذِه الْحَالة تحْتَاج إِلَى شدّ يبقي عَلَيْهِ زَمَانا طَويلا والأطعمة المولدة للدشبد والموميائي والأيابس فقد رَأينَا مَا لزم بعد أشهر فَاسْتَوَى وبرأ مِنْهُ. أَكثر مَا يَقع أَن لَا يلْزم الْكسر وَلَا يعْقد فِي الْعَضُد وَقد يَقع فِي الزندين إِذا انكسرا فِي وسط الساعد جَمِيعًا وَيَقَع فِي السَّاق أقل وتختلف الْأَبدَان فِي زمَان العقد رَأَيْت عضد احْتَاجَت أَن تشد أَرْبَعَة أشهر حَتَّى لَزِمت وَمَا)
بِهِ وَأَقل وَأكْثر فِي الْعَضُد والساق كسر لَا ينكسر وَفِي هَذِه الْحَالة يفزع المجبرون إِلَى الجبائر الطوَال يضعون على طول الْعظم كُله وَذَلِكَ صَوَاب لِئَلَّا يَقع زَوَال الْبَتَّةَ وَيبقى بِحَالهِ وَلَا يتَنَحَّى ويتسوس اللزوجة وينفزع فِي كل مَا يَتَحَرَّك الْعُضْو فَإِن كَانَ فِي السَّاق وضعُوا عَلَيْهِ(4/201)
جبائر طولهَا من الكعب إِلَى الرّكْبَة وَفِي الساعد من الْكَفّ إِلَى الْمرْفق وَفِي الْعَضُد من الْمرْفق إِلَى الْإِبِط وَمنعُوا من الْحَرَكَة وتوقوا وَرَضوا عقد الْحل لَا يجذبونه.
لون يصلح لتِلْك يَأْكُلهُ حِين يُرِيد أَن يعْقد كَسره: يُؤْخَذ خروف فِي خبز سميذ ودقيق أرز وصدور القبج فتتخذ ودقيق الْأرز وَلبن فتتخذ هريسة ويجود ضربهَا حَتَّى تَنْعَقِد وَيطْعم مِنْهُ ولينتقل بالشاهبلوط وَيَأْكُل أَيْضا من جلد الجدي وَيكثر مِنْهُ وَقد طبخ اسفيذباج مَعَ أرز حَتَّى يغلظ ويلتزج فَإِنَّهُ ملاكه وَيَأْكُل من أَطْرَافه وَيجْعَل شرابه شرابًا قَابِضا غليظاً ويتوق الرَّقِيق والأصغر الْحَار فَإِنَّهَا ترق الدَّم وَلَا يستحم وَلَا يجود وَلَا يعْمل شَيْئا مِمَّا يرق الدَّم ويسخن المزاج ويحذر الْجِمَاع الْبَتَّةَ والموضع الْحَار وَليكن بدنه بَارِدًا أبدا فِي مَكَان ريح فَإِن جَمِيع مَا يغلظ الدَّم جيد لَهُ وَفِي هَذَا الْوَقْت يسْتَعْمل الموميائي وَنَحْوه من الْأَشْيَاء وَيُزَاد ألف د فِي الأضمدة جوز السرو وغراء وأقاقيا وكثيراء وَنَحْوهَا مِمَّا لَهَا قُوَّة قَوِيَّة فِي الْقَبْض والغوص فِي التغرية وَالْحِفْظ للعضو بِحَالهِ وَإِن استرخى الرِّبَاط أما فِي أول الْأَمر فَيجب أَن يكون التَّدْبِير لطيفاً جدا مبرداً حَتَّى يَأْمَن الورم والحدة وَلَا يشد عضوا نَافِذا الْبَتَّةَ فِيهِ حِدة وورم حَتَّى يسكن ورمه وَلَو بَقِي لَا ينجبر فَإِنَّهُم كَذَا يَفْعَلُونَ وَهَذَا وَجهه فَإِن لم يجد بدا فقومه على لوح واعقد عَلَيْهِ طاقاً وخرقة بِقدر مَا يُمكنهُ على تقويمه وَلَا يضغط الْبَتَّةَ وَلَا يمْنَع الالتحام فَإِن كَانَ ذَلِك تولدت خبيثة إِذا شكّ فِي الْكَتف أَو الأضلاع غَيرهَا وضع أُذُنه عَلَيْهَا هَل يسمع فرقعة الْعظم وَكَذَلِكَ يعْمل فِي ظهر الْكَتف وَنَحْوه فَإِن سمع فرقعة الْعظم علم أَنه مكسور والغمز الشَّديد يَسْتَعْمِلهُ ليستدل بِهِ على أَشد مَوضِع يوجع العليل فنقصده بالشد والضماد.
قَالَ: والورك إِذا انخلعت قصرا الرجل. وَقَالَ: أَكثر مَا تنخلع إِلَى بر وَقل مَا تنخلع إِلَى دَاخل وردهَا أَن تمد بِشدَّة من أَسْفَل أَو من فَوق ثمَّ يغمز الْمُجبر بِيَدِهِ عَلَيْهِ يردهُ إِلَى حَيْثُ مَال عَنهُ بشده فَإِنَّهَا تدخل وَأما خلعها إِلَى دَاخل فَإِنَّهُ يلقِي مِنْهُ بلَاء قوي فِي أصل الحالب ويمدها رجل جلد وَهُوَ رَاكِع بِقُوَّة وَقد أمسك العليل بمده الرجل إِلَى بر وَيرْفَع الْمُجبر بِيَدِهِ رَأس الْفَخْذ حَيْثُ الرّكْبَة إِلَى دَاخل بِشدَّة فَإِنَّهُ يدْخل وَقد ترد الْفَخْذ إِذا انخلعت أَيْضا بِضَرْب آخر إِذا انخلعت)
إِلَى خَارج فَليرْفَعْ رجل قوي طرف الْفَخْذ حَيْثُ الرّكْبَة إِلَى بر بِشدَّة وَآخر يدْفع حَيْثُ الرّكْبَة إِلَى دَاخل وينخلع إِلَى دَاخل وبالضد. الآخر الْأَعْلَى يكون بمنديل أَو حَبل وعَلى هَذَا الْوَجْه أَعنِي بِهَذَا الْوَجْه أَن يغمزوا رَأس الْعُضْو غمزاً مُخَالفا حَتَّى يغمزوا وَاحِدَة إِلَى دَاخل ألف د وَآخر إِلَى خَارج يُمكن أَن يرد جَمِيع المفاصل الَّتِي لَهَا عظم السَّاق والعضد الَّذِي قَالَ فِي اللحى المكسور أَنه يُسَوِّي الْأَسْنَان بَعْضهَا مَعَ بعض ويشدها بخيط ذهب وثيق ويلويه بالجفت خَارِجا حَتَّى يبْقى على التَّقْوِيم وَيجْعَل لَهُ حساء يصب فِي فِيهِ من مَاء لحم ونبيذ وَأما غَيره فسووه بالجبائر والرفائد وَلَيْسَ بِحسن وَلكنه يعْمل بِهِ وَأما أَنا فَأرى هَذَا خطأ لِأَن وضع الثَّنية على الثنايا شكل خَارج عَن الطَّبْع وَإِذا بَقِي مُدَّة هاج من(4/202)
الوجع أَمر عَظِيم جدا والشكل الطبيعي إِنَّمَا هُوَ أَن يكون الْأَسْنَان الَّتِي فِي اللحى الْأَسْفَل دَاخِلا وَالَّتِي فِي الْأَعْلَى خَارِجا.
قَالَ: رِبَاط الورك قد يسترخي بِمَا يسترخي رِبَاط الْعَضُد وعلاجه أَن يمد الرجل وَيُؤْخَذ لَهَا ثوب عريض عرضه شبر أَو يَأْخُذ الْقدَم كلهَا فَيلقى فِي الْقدَم ويمد بِهِ إِلَى الظّهْر ويشد شداً على هَذَا حَتَّى تكون الرجل كَأَنَّهَا قد ضمرت فِي الْحَائِط بسير شَدِيد فَإِنَّهُ يلْزم وَقد أَقبلت خلق بِهَذَا التَّدْبِير من الزمانة.
الثَّالِثَة من الثَّانِيَة من أبيذيميا: إِذا انخلع فقار الصلب إِلَى دَاخل ضغط المثانة فأورث ورماً واحتباس الْبَوْل وورم المعي الْمُسْتَقيم أَولا واحتباس الرجيع وَإِذا لم ينخلع الفقار هَكَذَا لَكِن حدث فِي النخاع النَّابِت مِنْهُ الأعصاب الَّتِي تَجِيء إِلَى هَذِه شَيْء خرج الْبَوْل وَالْبرَاز بِغَيْر إِرَادَة وَأكْثر من يتزعزع نخاع ظَهره تضعف حَرَكَة رجلَيْهِ ويحتبس بَوْله.
الكسور إِذا وَقعت عِنْد المفاصل قريبَة مِنْهَا عسر بعد جبرها ثني المفاصل لِأَن غلظ الدشبد يصير عَلَيْهِ وَيحْتَاج إِلَى مُدَّة وأصحابنا يلزمونه التليين مُدَّة طَوِيلَة أشرهاً ويأمرون ببسطه وَقَبضه حَتَّى يَتَّسِع وَأَنا أرى أَن يحتال فِيهِ بِمَا يلطف الدشبد فَإِن ذَلِك الضّيق فِي المفاصل إِنَّمَا جَاءَ من أجل غلظ الدشبد الْكسر ألف د الْقَرِيب مِنْهُ.
وَأما الْعِظَام الصغار مثل عِظَام الْأَصَابِع فَإِنَّهُ لصغرها أَيْن وَقع الْكسر ضَاقَ الْمفصل وَلَكِن إِذا وَقع الْكسر من الكعب عِنْد الْمفصل فَأَنِّي رَأَيْت كثيرا يَقع الْكسر بالكعبين الأول وَالثَّانِي فَلَا تنضم الْأصْبع بعد الانجبار وَجَهل أَصْحَابنَا من المجبرين الصانعين على ذَلِك وَذَلِكَ أَن مثل هَذَا يحْتَاج أَن يكون إِذا انجبر أدنى انجبار وخاصة الْأَصَابِع لِأَنَّهُ لَا يَقع عَلَيْهَا كَبِير تَعب وَلَيْسَت)
عظاماً كبارًا أَن يتْرك الشد وَيُؤْخَذ فِيمَا يلطف الدشبد لِئَلَّا يكون دشبدها كَبِيرا غليظاً لِأَن الْحَاجة هَهُنَا إِلَى ثني الْمفصل أَكثر مِنْهَا إِلَى الوثاقة.
وَأما فِي الْعِظَام الْكِبَار فَيكون ميلك فِي ذَلِك باعتدال لِأَنَّهُ كَمَا يحْتَاج إِلَى الْبسط وَالْقَبْض كَذَلِك تحْتَاج إِلَى الوثاقة.
وَأما وسط الْعظم بالبعد من الْمفصل فصل إِلَى قُوَّة الدشبد كُله لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى الوثاقة وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يبسط ويتقبض.
السَّابِعَة من السَّادِسَة قَالَ: إِذا كَانَ عظم مكسور ينخس العضلة ويهيج الوجع فَلَا تمله أَن تقطعه أَو تسويه مَا أمكن وتفصد العليل وتسقيه الدَّوَاء وتسكن وَجَعه. لي وَلَا تشد حَتَّى تأمن الورم. رَأَيْت رجلا بِهِ كسر خارق فَقطع بعضه وَبَقِي نافراً شهرا وَأكْثر فَلم يجبروه الْبَتَّةَ وَلم يشدوه انْتِظَار السّكُون والتعقد والورم وَجُمْلَة فَإِنَّهُم لَا يشدون شَيْئا نافراً وَلَا سخنا. لي غُلَام جَاءَنَا بالمارستان ووركه منخلعة إِلَى خَارج فَكَانَت رجله العليلة أقصر كثيرا نَومه على جَانب وَرفع رَأس الرّكْبَة فِي جِهَة الصَّدْر وَوضع الْيَد على إليته وَكَانَ رَأس الورك(4/203)
قد جعل فِي الألية حدبة وَدفعه فَرجع فشده وَشد ركبته وعقبيه بإبهاميه مَعًا ألف د وَأمره أَن جاءتنا امْرَأَة إِلَى المارستان فَكَانَ عضدها قد تَبَاعَدت من أضلاعها جدا فَقَالَ الْمُجبر: إِنَّهَا مخلوعة الْعَضُد فَلَمَّا نَظرنَا رَأينَا الْعظم الَّذِي يوازي الترقوة الْمُسَمّى حَبل العاتق وَرَأسه يُسمى الزرقين وَهُوَ لاصق بفكة الْكَتف قد خرج وَأرى أَن هَذَا الْعظم هُوَ الَّذِي يُسَمِّيه جالينوس الْعظم الصَّغِير الَّذِي فِي رَأس الْكَتف وَشد هَذَا هُوَ أَن تُوضَع عَلَيْهِ رفادة ويشد حَتَّى يلطأ ويلتزق وَلَا علاج لَهُ وَلَا شدّ غير هَذَا وشده: يوضع الرِّبَاط على الْعظم وَيُؤْخَذ تَحت الْمرْفق مبتدئه وَيكون الْعَضُد لاصقة بالجنب وَإِن شِئْت أدرت الرِّبَاط إِلَى تَحت الْإِبِط الآخر ليَكُون أوفق. يَنْبَغِي إِذا حللت هَذَا الرِّبَاط أَن يضع وَاضع يَده على رَأس الزرقين وَهُوَ حَيْثُ يتَّصل طرف هَذَا الْعظم بالمنكب أَنه إِن لم يفعل ذَلِك وحللته حَرَامًا أَن يَقع الْعظم لِأَنَّهُ فِي شده لَا يلتزق التزاقاً محكماً فيرتفع وَيكون الْحَال فِي كل شدَّة وينخلع الورك إِلَى خَارج ينَام على الْجَانِب المخلوع وَيجْعَل جُلُوسه على مَنْكِبه فَإِن ذَلِك يعين على جودة رُجُوعه واستقراره فِي مَكَانَهُ وَيمْنَع من خُرُوجه بعد الرَّد.
أهرن ضماد للمفاصل الَّتِي قد زمنت يحلهَا ويلطفها: يُؤْخَذ حب الخروع مقشراً فَيدق)
بالسمن مثل نصفه وَمن الْعَسَل مثل ربعه وَيلْزم الْموضع.
وَأَيْضًا: يتَّخذ قيروطي بدهن السوسن وألزمه الْموضع واستعن بِبَاب المفاصل.
الطَّبَرِيّ قَالَ: قد أَقمت غير وَاحِد مِمَّن اقعده وشبكته الرّيح بدهن الحندقوقي وَصفته فِي بَاب الْمفصل.
لزوَال الْمفصل عَن مَوْضِعه من البلغم وَالرِّيح: راسن ووجع يطبخان ويجعلان ضماداً على الْموضع كلما كَانَ الْبدن أرطب عظاماً كَانَ أسْرع التحاماً. لي ضماد يلين العصب ألف د المتعقف: أشج ومقل أُوقِيَّة أُوقِيَّة بزر كتَّان وحلبة ثلث أُوقِيَّة كل وَاحِد لبنى أُوقِيَّة شَحم الْعجل أَو مخ سَاقه أُوقِيَّة تمر وطين وخطمي من كل وَاحِد ثلث أُوقِيَّة شمع ودهن حناء مَا يجمع بِهِ هَذِه الْأَدْوِيَة إِسْحَق الْجَمِيع بعصير عِنَب أَو شيرج التِّين قَلِيلا ثمَّ اجمعه جَمِيعًا وضمد بِهِ. قَالَ: وَأحذر على العصب الموثوء المَاء وَعَلَيْك فِيهِ بالأدهان الَّتِي قد طبخت بالأشياء القابضة والرياحين اللطيفة وَلَا تغرقه بالدهن إِلَّا مسخنا. قَالَ: وَإِذا حدث وثء فِي عُضْو عصبي فَلَا يقربهُ مَاء حَار وَلَا بَارِد وَعَلَيْك بالدهن الْمَطْبُوخ فِيهِ أفاويه قابضة وَيكون مسخناً يوضع عَلَيْهِ بليد فَوْقه ويفصد ويسهل ويحقن فَإِن كَانَ شقّ فَلَا تتركه يلتحم الْبَتَّةَ وَإِلَّا ورم وعفن الْعُضْو لَكِن تتعاهد رَأسه مَفْتُوحًا أبدا حَتَّى يسكن الوجع ويأمن مِنْهُ فَإِذا سكن ذَلِك فَعِنْدَ ذَلِك فاجبره إِن شِئْت.(4/204)
من كتاب ينْسب إِلَى جالينوس قَالَ: الْعظم يُصِيبهُ الْكسر وَهُوَ أَن يندق بِاثْنَيْنِ والرض هُوَ أَن ينكسر قطعا صغَارًا حَتَّى تتخشخش والقصم هُوَ أَن ينشق بالطول قَالَ: وَهُوَ أيسر علاجاً من الرض وَالْكَسْر.
قَالَ: وَأما مَا يَقُول النَّاس فِي انْقِطَاع المخ فِي الْعظم أَنه مهلك فَبَاطِل لِأَن المخ لَا يَنْقَطِع فِي بَاطِن الْعظم لِأَنَّهُ هُنَاكَ أبدا ذائب مُتَّصِل.
قَالَ: وَقعت صَخْرَة على طرف منْكب رجل فخرقت الْجلد وَاللَّحم حَتَّى ظهر طرف الْعَضُد عَارِيا وخلع رَأس الترقوة وَأَخذه بعض الْجُهَّال فسوى الْعظم ورد اللَّحْم وَالْجَلد عَلَيْهِ وضمده وشده فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِث أنتن اللَّحْم وأخضر الْعظم وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوَاب أَن يقطع ذَلِك اللَّحْم كُله ويكوى بالزيت المغلي فافعل فِي ألف د كل لحم بَان.
قَالَ: وَإِذا عجز عَن ذَلِك إِلَّا أَنه أقل فَإِنَّهُ وثء والوثء هُوَ أَن يَزُول الْعُضْو من مَوْضِعه شَيْئا)
يَسِيرا أقل من الْخلْع وَلَا ينخلع انخلاعاً تَاما والوهن هُوَ أَن يكَاد يلْحق الْعُضْو الزَّوَال وَهُوَ أيسر من الوث فَهَذِهِ الثَّلَاثَة من جنس الْخلْع. لي مَا يحدث فِي الْعِظَام والمفاصل شبه الْكسر والرض والقصم وَأما فِي المفاصل فالخلع والوثء والوهن.
قَالَ: وَإِذا انْقَطع عِنْد الْخلْع رُؤُوس شظايا العضل الملتزق للعظم بالعظم لم يرجع ذَلِك الْبَتَّةَ بالجبر إِلَى حَاله الطبيعية وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي الورك وَقد يكون فِي رَأس الْعَضُد وَفِي زندي الْقدَم عِنْد الْكَعْبَيْنِ.
قَالَ: والجبر يسْرع التحامه فِي الْأَطْفَال وَفِي الصّبيان والشباب ويبطئ فِي الْمَشَايِخ لِأَن لحمهم قَلِيل والرطوبات الَّتِي فِي نقر المفاصل قَليلَة جدا.
قَالَ: وَإِذا حدثت الْعلَّة بالأطفال فتعرف موضعهَا بالوجع والحمرة والورم وحد التزاق الْعِظَام فالدشبد أَن يعسر ويبطئ فِي الْمَشَايِخ أَكثر من ذَلِك كثيرا ويسرع فِي الصّبيان.
قَالَ: فَإِن كَانَ من سقط ممتلئاً فبادر بالفصد فِي الْجِهَة الضِّدّ وَاجعَل الطلاء المبردة والمقوية كالصبر والفوفل والصندلين والكافور والطين الأرمني.
قَالَ: وَمن كَانَ بِهِ فِي كَسره جرح فَيَنْبَغِي أَن يجْبر جبرا رَقِيقا جدا ويرصف الجبائر على حُدُودهَا وَيتْرك فِي مَوضِع الْجرْح مكشوفاً ثمَّ يعالج بالفتل والمراهم وترفد برفائد فَوْقه ثمَّ يغطى كُله من فَوق الشد تَغْطِيَة تعمم الْجَبْر وَالْجرْح وَيحل ذَلِك عَنهُ غدْوَة وَعَشِيَّة إِن احْتَاجَ إِلَى ذَلِك وَلَا يحل رِبَاط الْكسر.
قَالَ: وَالْمَاء الْحَار والدهن ينفعان الْكسر فِي أول الْأَمر لِأَنَّهُمَا يلينان الْعُضْو ويعدانه(4/205)
للجبر والعلاج أَعنِي قبل أَن يجْبر ويشد وَكَذَلِكَ ينفع بعد الْبُرْء حل الرِّبَاط لِأَن الرِّبَاط يحدث يبساً فِي الأعصاب ألف د وَقلة الْحَرَكَة وصلابة وعسر حَرَكَة الْعُضْو فَيحْتَاج أَن يلين بالدهن والموم ومخ الْبَقر. فَأَما فِي وسط الْكسر فَلَا يقربن الْعُضْو مَاء حَار وَلَا دهن فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يفْسد بإرخائه إِلَّا الْأَطْفَال وَالصبيان فَإِن الضماد إِذا جف عَلَيْهِم جفوفاً شَدِيدا ألمهم فادهن مَوضِع الوجع مِنْهُم ثمَّ ارفده واجبره وَإِذا سكن الوجع فَلَا يقربهُ الدّهن وَكَذَلِكَ الْمَشَايِخ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِك وَلَا يقرب صَاحب الْكسر الَّذِي لَا وجع بِهِ الدّهن وَالْمَاء الْحَار من بعد ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى أَن يبرأ وَيحل رباطه.)
قَالَ: وَيَنْبَغِي للمجبر أَن يمد يَده على مَوضِع الْكسر فِي كل حلَّة يحلهَا مصاعداً ومنحدراً إمراراً رَفِيقًا لِئَلَّا يفْسخ شَيْئا رخصاً وَلَا يخفى عَلَيْهِ شظية أَو عوج إِن كَانَ بَقِي.
قَالَ: وَرُبمَا رام الْمُجبر كسر الْموضع ليعيده فَيكون دشبده صلباً عَظِيما جدا فيكسر من مَوضِع غير ذَلِك فَيحدث كسر آخر وَيبقى الأول المعوج. اعْمَلْ فِي هَذَا بِحَسب الدشبد فِي صلبته وعظمه وَبعد زَمَانه فَإِن اضطررت إِلَى ذَلِك فلين أبدا حَتَّى يسترخي الدشبد ثمَّ الْكسر وَيَنْبَغِي أَن يشد جبائر إِلَّا على مَوضِع الْكسر لكَي إِذا غمزته لم ينكسر الْبَتَّةَ إِلَّا من مَوضِع الْكسر الَّذِي لَا شدّ عَلَيْهِ. قَالَ: فَشد على ذَلِك الْموضع جلد الألية يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة حَتَّى ينتن أَو الحلبة ولب حب الْقطن وبزر الْكَتَّان المدقوق بِاللَّبنِ الحليب أَو التَّمْر المعجون بالسمن يلْزم ذَلِك قَالَ: إِذا حرقت شظية اللَّحْم فَلَا توسعها كَمَا يفعل جهال الْأَطِبَّاء لَكِن يمد رجلَانِ يجذبان الْعُضْو على استقامة لَا يعوجانه الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ رَدِيء أَحدهمَا ألف د إِلَى فَوق وَالْآخر إِلَى أَسْفَل جذباً جيدا ثمَّ قَومهَا نعما وامسحها وَأدْخل تِلْكَ الشظية بِشدَّة فَإِن لم تدخل الشظية بِهَذَا العلاج فَلَا توسع الْجرْح الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ رَدِيء لَكِن خُذ قِطْعَة لبد فخرق وَسطه خرقاً وَأدْخل الشظية فِيهَا وضع فَوق اللبد جلدا أَيْضا من نطع مثل اللبد ثمَّ أغمز الشظية غمزاً جيدا من جوانبها حَتَّى تبرز الشظية نعما وتنتؤ فَوق بِمِقْدَار غلظ اللبد وَالْجَلد ثمَّ اقطعها بمنشار أَصْحَاب الأمشاط. لي قِطْعَة نطع تَكْفِي فِي هَذَا الْموضع تكون واقية اللَّحْم.
قَالَ: فِي كسر الْأنف اتخذ أميالاً ثَلَاثَة غليظاً ووسطاً ودقيقاً وَأدْخل الْميل فِي المنخر إِلَى أَن يبلغ الخياشيم وأمسكه بِإِحْدَى يَديك وأمرر الْأُخْرَى على قَصَبَة الْأنف حَتَّى يَسْتَوِي ثمَّ ضمده بِخرقَة صَغِيرَة فَوق بِلَا جبائر إِلَّا فَتِيلَة من دَاخل وَرُبمَا حدث مِنْهُ إِذا لم يعالج انسداد الْأنف.
وَأما كسر الجبين فضع كرة خرق بَين الرباعيات ثمَّ أَدخل أصابعك إِلَى دَاخل الْعُمر فاغمزه وأمررها عَلَيْهِ من خَارج حَتَّى يَسْتَوِي نعما ثمَّ ضع الضماد بِخرقَة على قدر مَوضِع الْكسر وضع عَلَيْهِ جبائر تَأْخُذ من الْموضع الصَّحِيح أَيْضا قِطْعَة صَالِحَة وشده.(4/206)
فِي خُرُوج خرز الْعُنُق
قَالَ: إِذا وَقع الْإِنْسَان على رَأسه رُبمَا خرجت خرز عُنُقه. قَالَ: فأضجع العليل على قَفاهُ ثمَّ مد رَأسه إِلَى فَوق مدا رَفِيقًا وتسوي خرزه حَتَّى يَسْتَوِي بِالْمَسْحِ والغمز ثمَّ ضع عَلَيْهِ الضماد واحشه بالخرق وضع عَلَيْهِ جبيرَة طَوِيلَة من حد القذال إِلَى آخر خرز الْعُنُق وتشده إِلَى الرَّأْس)
لِئَلَّا يَقع الرِّبَاط على الْحُلْقُوم وحله كل ثَلَاثَة أَيَّام.
قَالَ: وَاجعَل الْخَيط أبدا حَاشِيَة ثوب فَإِن المدور لَا خير فِيهِ يضغط وَيرجع وضع تَحت الْإِبِط الَّتِي ترقوتها مَكْسُورَة مخدة ألف د تشيل تِلْكَ الترقوة. لي إِذا كَانَت الَّتِي تلِي الْعَضُد عالية فَإِنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى مخدة لِأَنَّك إِنَّمَا تُرِيدُ أبدا أَن تردها إِلَى استوائها.
وَأما لوح الْكَتف فأقم يَده على عَارضه ثمَّ أغمز اللَّوْح وأقلبه أبدا إِلَى ضد النَّاحِيَة الَّتِي مَال إِلَيْهَا وقسه بالكتف الْأُخْرَى حَتَّى يَسْتَوِي ثمَّ ضمده.
وَأما عِظَام الصَّدْر الَّتِي بَين الثندوتين فَمَا أقل مَا تنكسر فترجع إِلَى حَالهَا فنومه على وَجهه على ثوب مطوي واغمز الْكَفّ حَتَّى تستوي الْعِظَام نعما ثمَّ ضمدها وضع عَلَيْهَا جبائر وشدها.
قَالَ: وَأحكم جبر الترقوة فَإِنَّهَا فِي الْأَكْثَر تنفك إِذا حمل صَاحبهَا شَيْئا ثقيلاً.
قَالَ: وضع على الذِّرَاع والعضد والساق والفخذ جبيرتين طويلتين متقابلتين والباقية كَمَا تَدور الْعِظَام. 3 (خلع الزند) قَالَ: ادْفَعْ الذِّرَاع إِلَى رجل جلد يجذبها واجذب أَنْت الْكَفّ على استقامة ثمَّ ارْفَعْ الْيَد والزند حَتَّى تسويه ثمَّ مد أَصَابِع ذَلِك الْكَفّ إصبعاً فإصبعاً مدا جيدا وابدأ بالإبهام وامددها بالوسطى والسبابة من إصبعك فَإِنَّهُ يَسْتَوِي بِهِ الزندان ثمَّ ضمده وأرفده وضع الجبائر.
وَأما الكعاب الصغار فِي الْكَفّ والقدم فارفعها أبدا إِلَى ضد جِهَتهَا الْمُقَابلَة وَإِن كَانَت ناتئة فاغمزهما ثمَّ ضمدها وَإِن نتأ فِي ظهر الْقدَم والكف نتوء فَلَا تتركه لَكِن ضع عَلَيْهِ الأسرف وألزمه الشد بعد أَن تدقه وتفدغه وشده أسبوعين أَو ثَلَاثَة حَتَّى ينطل الْبَتَّةَ وتأمن عودته.
وَأما خرز الظّهْر فابطح العليل على وَجهه وسو الخرز بِالدفع فَإِن كَانَ قد زَالَ إِلَى ذَلِك الْجَانِب فالأجود أَن تضع جبيرتين فِي جَانِبي الخرز وَإِن مَال إِلَى فَوق فضع جبيرَة وَاحِدَة فَوق فاغمزها إِلَى أَسْفَل ألف د وَتَكون الجبائر من الحقو إِلَى الْكَتف ثمَّ شده.(4/207)
وَأما الأضلاع فَإِذا انْكَسَرت إِلَى دَاخل فأطعم العليل منفخة ثمَّ يمسك النَّفس وَلَا يضطرب فَإِنَّهُ وَأما الْعظم العريض الَّذِي فَوق العصعص فَإِنَّهُ إِذا انْكَسَرَ أَو تقطعت شظايا عضله لم ترجع وتنقص إِحْدَى الْوَرِكَيْنِ. وعلاجه إِذا تقلب أَن تبطح العليل ويمد فَخذيهِ رجلَانِ كل فَخذ مدا شَدِيدا وَاحِد من يَده لِئَلَّا ينزل نحرهم واغمز أَنْت وَآخر مَعَك يغمز الرُّكْبَتَيْنِ أَحدهمَا أَنْت وَالْآخر هُوَ غمزاً شَدِيدا وَذَلِكَ الْموضع فَإِذا اسْتَوَى فضع عَلَيْهِ الضماد وَاجعَل تَحْتَهُ شَيْئا صلباً تَدْفَعهُ إِذا نَام عَلَيْهِ وَهُوَ مستلق مثل كبة من خرقَة.
وَأما العصعص فَأدْخل إصبعك فِي الدبر الإصبع الْوُسْطَى واغمزه إِلَى فَوق وسو من خَارج بِالْيَدِ الْأُخْرَى حَتَّى يَسْتَوِي ثمَّ ضمده ويقل الْأكل ليقل غائطه وَيكون أَيْضا سهلاً لينًا وَلَا يحْتَاج يحل كثيرا وَأما الشد فَأَنت ترى عِنْد الْعَمَل وَجهه.
قَالَ: والورك الَّتِي تَنْقَطِع شظايا عضلها تسترسل أَولا ثمَّ إِنَّهَا تنقص.
وَأما فلكة الرّكْبَة فابسط الرجل ورد الفلكة ثمَّ املأ مأبض الرّكْبَة خرقاً لِئَلَّا ينثني وَأحكم جبائره وَضعه فِي الْجَانِب الَّذِي مَال لتدفعه وَلَا يمِيل فَإِذا برأَ وَاشْتَدَّ فلثثته قَلِيلا قَلِيلا وَلينه بِسُرْعَة.
فَأَما الذّكر فَإِنَّهُ قد ينكسر عصبه وخاصة عِنْد اقتضاض الْبكر فَانْظُر أبدا مَوضِع الورم والوجع فامسحه نعما ثمَّ ضمده وارصف عَلَيْهِ جبائر خفافاً وشده ثمَّ شده إِلَى الحقو ليَكُون)
منتصباً وحله كل يَوْمَيْنِ وَإِن بقيت فِيهِ عقدَة فَإِنَّهَا لَيست بضائرة وَلَا رَدِيئَة إِلَّا أَن أَقبلت تعظم.
وَجَمِيع المفاصل مدها وأرفعها إِلَى ضد الْجَانِب ألف د المائل إِلَيْهِ.
قَالَ: وَإِن انخلع بعض عِظَام الْقدَم ونتأ فَوق ذَلِك يكون إِذا سقط الْإِنْسَان على قدمه فأقمه وضع أَخْمص قدمك عَلَيْهِ وَتَحْته ثوب ملفوف واغمزه حَتَّى يدْخل واجذب الْأَصَابِع كَمَا عملت فِي الْكَفّ ثمَّ ضمده فَإِن تجذبت الْأَصَابِع حَتَّى ترجع الكعاب إِلَى موَاضعهَا وَكَذَلِكَ فافعل فِي كعاب مشط الْكَتف.
قَالَ: والضماد يسْرع ويجعله أَصْلَب وَأقوى لِأَن الدشبد الَّذِي ينْبت من غير أضمدة لَا يكون صلباً. والجبائر إِمَّا القنى وَإِمَّا خشب الدفلى وَإِمَّا من نَحْوهمَا مِمَّا يؤاتيك كَيفَ تُرِيدُ وَأما الأضمدة فقد كتبناها مستقصاة غزيرة فِي بَاب السقطة والضربة. وَأما الملينات فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَيْهَا بعد الْبُرْء.
إِذا قحل الْعُضْو من كَثْرَة الرِّبَاط فمرهم بِاسْتِعْمَال مخ الْبَقر والموم ودهن الخيري ودهن الْحل ودهن البان وَالْحمام واجتنب الْحمام فِي آخر الْعلَّة وأولها وَكَذَلِكَ المَاء الْحَار وَالْمَاء الْبَارِد جيد فِي أول الْأَمر ووسطه. والأطفال يَحْتَاجُونَ إِلَى شَيْء من دهن يطلون بِهِ قبل الضماد لِأَن لحومهم رطبَة فيشتد وجعهم والمشايخ لضعفهم ويبسهم.(4/208)
من كتاب مسيح أَو تياذوق للعنق الصلب: يُؤْخَذ زوفاً رطب وشمع وعلك غير مطبوخ ودهن الحلبة يوضع على عصب الْعُنُق.
بولس قَالَ: وَقد يكون التواء العصب إِمَّا من ضَرْبَة أَو من تَعب فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من الْجَسَد وَلَا سِيمَا فِي الْأَطْرَاف.
قَالَ: وأرجنجانس يعالج ذَلِك النورة وشحم البط وعلك البطم يوضع عَلَيْهِ.
قَالَ: وتشد عَلَيْهِ رصاصة ثَقيلَة فَإِنَّهُ يتَحَلَّل فِي أَيَّام يسيرَة هَذَا هُوَ الَّذِي يشبه السّلْعَة.
قَالَ: وَيصْلح فِي التواء المفاصل ورضها صوف وسخ يغمس فِي ألف د دهن وَيُوضَع عَلَيْهِ أَو يمسح بالشمع ودهن الْورْد وينطل بِالْمَاءِ العذب الفاتر ويسكن ويسكن عَنهُ وَجَعه بالدلك والغمز من اخْتِصَار حِيلَة الْبُرْء: الْفَسْخ رض اللَّحْم والهتك انْقِطَاع لِيف الْعُضْو العصبي والفك زَوَال العصب عَن مَوْضِعه وَهُوَ صَحِيح.)
بولس قَالَ: قد يحدث فِي المفاصل تعقد لشد أَو ضغط وَيحْتَاج إِلَى المرخية ويعمها سَائِر علاج الورم الجاسي وَيصْلح بالتنطيل بِالْمَاءِ الفاتر وَالزَّيْت الَّذِي قد طبخ فِيهِ خطمي وحلبة وبزر كتَّان وأصل قثاء الْحمار وورق الْغَار ودهن قثاء الْحمار ويعالجون بعد النطول بالأدوية المذهبة وَهَذَا جيد صفته: يُؤْخَذ شَحم عجل ومخه وأشق وأصل السوسن من كل وَاحِد كف جاوشير أُوقِيَّة وقاقلة وأصطرك وكدر من كل وَاحِد ... ... أَوَاقٍ فلفل سِتُّونَ وَمِائَة حَبَّة شمع رَطْل علك البطم نصف رَطْل مقل دهن السوسن وشراب مَا يجمع بِهِ الْجَمِيع ويضمد بِهِ.
وَقد تسترخي المفاصل فِي الْأَمْرَاض المزمنة فِي الحميات وَفِي علل القولنج والفالج إِذا غلبت فِيهَا رداءة مزاج حَار رطب فَيفْسد لذَلِك حركتها وتمتنع وَيَنْبَغِي فِي هَؤُلَاءِ أَن ينطل أعضاؤهم بطبيخ الأقاقيا والعليق والآس وأطراف الْأَشْجَار القابضة وَجَمِيع الْأَدْوِيَة الَّتِي تجفف بِقُوَّة وتضمد أَيْضا بأضمدة هَذِه قوتها.
قَالَ: وَكثير من النَّاس من يظنّ أَن هَذَا الاسترخاء يكون من برد فيستعمل الْأَشْيَاء الحارة فَتكون الْمضرَّة من ذَلِك أَشد. لي على مَا رَأَيْت للإسكندر لتعقد المفاصل المزمن الَّذِي قد صَار شبه التعقد: يُؤْخَذ شمع أصفر ودهن خروع ألف ومقل لين وجندبادستر وأصل قثاء الْحمار وقطران ودهن الْحِنَّاء أُوقِيَّة وصمغ البطم وميعة ودهن البان وفربيون يتَّخذ لصوقاً. وَاعْتمد فِي هَذَا الْبَاب على هَذَا(4/209)
الْمِثَال أَعنِي الْأَشْيَاء القوية الإسخان مَعَ الَّتِي فِي الْغَايَة من التليين وَانْظُر أَن لَا تكون فِي الْعُضْو حرارة الْبَتَّةَ.
شَمْعُون قَالَ: إِذا كثر بالإنسان السّلع العصبية الَّتِي تَنْعَقِد فاسقه دهن خروع وَحب الشيطرج وَنَحْوهَا وعالجه بالحقن وَدخُول الْحمام وَالْمَاء السخن والأدهان وضع عَلَيْهِ من الخروع محرقاً قد خلط بالموم ودهن السوسن ودهن الحلبة وحذره التخم وَالْعشَاء فَإِن بَقِي مِنْهُ شَيْء فضع عَلَيْهِ قالب أسرف وشده.
الْمقَالة الثَّانِيَة من جَوَامِع الْعِلَل والأعراض قَالَ: تفرق الِاتِّصَال إِن كَانَ فِي اللَّحْم سمي قرحَة وَإِن كَانَ فِي غضروف سمي فكاً وَإِن كَانَ فِي عصبَة أَو طرف عضلة سمي هتكاً وَإِن كَانَ فِي وسط العضل سمي فسخا وَإِن كَانَ فِي الْعظم سمي كسراً فَإِذا كَانَ فِي عظم الرَّأْس فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي الْعظم فِي الرَّأْس نَفسه سمي شدخاً وَإِن لم يغر كَبِير غور سمي رضَا وَإِن انْشَقَّ فَقَط)
سمي صدعاً وَإِن تَبرأ بعض من بعض سمي قلعاً وَإِن كَانَ فِي عرق ضَارب سمي أم الدَّم.
انطيلس قَالَ: السّلْعَة الْمُسَمَّاة عنقيلاً هُوَ تعقد العصب ويعرض من ضَرْبَة أَو سقطة أَو إعياء ويعرض أَكثر ذَلِك فِي ظُهُور الْكَفَّيْنِ والقدمين والمفاصل والساقين والمفاصل الْكَثِيرَة الْحَرَكَة وَهُوَ صلب يكون ينْدَفع يمنة ويسرة وَلَا ينْدَفع فِي الطول الْبَتَّةَ وَإِذا غمزها غامز أحس العليل بخدر فِي الْعُضْو وَلَا يعرض فِي العمق بل تَحت الْجلد ظَاهرا.
قَالَ: والعارضة مِنْهَا فِي السَّاقَيْن وَالْيَدَيْنِ والذراعين لَا تقطع لِأَنَّهُ يتخوف تشنج ألف د العصب لَكِن رضها بالدق وَتجْعَل عَلَيْهَا أسرباً وتشدها والحادثة فِي الرَّأْس وَبَين الْعَينَيْنِ فَإنَّا نشق الْجلد عَنْهَا ثمَّ نضمدها بالقالب ونقطع أَصْلهَا ونخرجها. لي كَانَ بصديق لي فِي إصبعه فِي آخر مفاصلها حَتَّى أَنه كَانَ إِذا ثناها يعسر عَلَيْهَا بسطها حَتَّى يحْتَاج أَن يبسطها بِالْيَدِ الْأُخْرَى بِأَن يمدها ويبسطها مَعَ صَوت وفرقعة وصرير فِي مفاصل أَصَابِعه كلهَا وَكَانَ الرجل بَارِد المزاج مرطوباً فَلم يكن يظْهر فِي الْمفصل غلظ الْبَتَّةَ وأقدر أَن ضماد الْخَرْدَل ينفع من هَذَا نفعا فِي الْغَايَة وَيَنْبَغِي أَن يجذب قبل ذَلِك بالقوية التليين مثل الأشق والمقل والميعة ودهن السوسن وشحم الثور والأسد فَإِن أنجح وَإِلَّا فَاسْتعْمل الْخَرْدَل وخرء الْحمام لِأَنَّهُمَا يقدران أَن يجذبا تِلْكَ الرُّطُوبَة من عمق الْمفصل وَاعْتمد فِي المفاصل الْعسرَة الْبسط لغلظ فِيهَا على الملينات من بَاب سقيروس وَمن السَّابِعَة من قاطاجانس ومادة الملينات مثل الأشق والميعة ومخ سَاق الْبَقر وشحم الثور والقنة ودهن الْحِنَّاء ودهن السوسن والجاوشير والزوفا الرطب والشمع الْأَصْفَر ووسخ الكور والألعبة: لعاب الحلبة وبزر الْكَتَّان وَنَحْو هَذِه: ثجير حب البان وهجير حب الخروع إلية وتمر هندي وَهَذَانِ الثجيران بالغان وسخنان أَيْضا ويبسط العصب بالنطول الْكثير بِالْمَاءِ الْحَار وبالدهن الفاتر ويحركه حَرَكَة دائمة وَآخر الْأَمر إِذا كَاد يُؤمن ينجر بالخل على المرقشيثا ويطلى بالملينات فَهَذَا آخر مَا فِيهِ وَالتَّمْر والألية إِذا دقا وضمد(4/210)
بِهِ جيدا وأقواها الأشق والمقل والميعة وثجير الخروع والبان ودهن السوسن والحناء.
وَإِذا كَانَ الْعُضْو قد برد فألق مَعَه ألف د السكبينج والقنة والمر والجندبادستر فَإِنَّهَا تسخن العصب وتبسط الْعُضْو بسطاً جيدا قَوِيا.
مرهم قوي جيد للورك الَّتِي فِيهَا عرج وَغلظ إِذا تطاول أمرهَا ولامتناع المفاصل من الانبساط وللاسترخاء وَهُوَ قوي: زبيب عَتيق رطلان دهن سوسن نصف رَطْل ميعة سَائِلَة ربع رَطْل)
دهن الْغَار نصف رَطْل شمع أصفر نصف رَطْل علك البطم أوقيتان فربيون أوقيتان أشق ثَلَاث أَوَاقٍ جندبادستر فلفل جاوشير بازرد من كل وَاحِد أوقيتان مخ عظم الأيل أَربع أَوَاقٍ تذاب الذائبة وتلقى عَلَيْهِ الْيَابِسَة أَو المسحوقة وتستعمل.
تليين عَجِيب ابْن سرابيون: عكر دهن بزر الْكَتَّان وعكر دهن الْحل وحلبة يغلى بِاللَّبنِ غلياناً يَسِيرا ثمَّ تصب عَلَيْهِ ألية مذابة وَيسْتَعْمل فَإِنَّهُ يلين المفاصل الجاسئة.
السَّابِعَة من مَنَافِع الْأَعْضَاء قَالَ: القالب دَوَاء الْكسر هَذَا صفته: يكون قالب طَوِيل بِقدر طول رجل الْإِنْسَان كَسَائِر القوالب الَّتِي تتَّخذ للفخذ والساق إِذا انكسرتا وَلِهَذَا القالب فِي أَسْفَله محور يَنْتَهِي إِلَيْهِ طرف اللفائف الَّتِي يشد بهَا الْعظم المكسور من فَوق الْكسر وَمن دونه رباطان وثيقان وَأصْلح الرباطات فِي هَذَا الْموضع الرِّبَاط المتضاعف فَيصير لكل وَاحِد من الرباطين أَرْبَعَة أَطْرَاف وَيجْعَل اثْنَان مِنْهَا فِي الْجَانِب الْأَيْمن وَاثْنَانِ فِي الْجَانِب الْأَيْسَر وَيُؤْتى بأطراف الرِّبَاط الْأَسْفَل إِلَى المحور فيربطه بِهِ لكيما يمد الْعظم المكسور بأسره إِلَى أَسْفَل.
قَالَ: فَأَما أَطْرَاف الرِّبَاط الْأَعْلَى فَلَمَّا كَانَ أَعلَى الْكسر يَنْبَغِي أَن يمد فِي خلاف الْجِهَة الَّتِي يمد فِيهَا الْأَسْفَل فَإِنَّهَا ترفع إِلَى فَوق وتنفذ فِي الْكسر ثمَّ تجذب فتشد بالمحور فَإِذا دَار المحور عرض من ذَلِك أَن يَمْتَد ألف د الْعظم المكسور من الْجَانِبَيْنِ امتداداً سَوَاء إِذا كَانَ إِنَّمَا تجذب أَطْرَاف الرِّبَاط الْأَعْلَى والأسفل محوراً وَاحِدًا لِأَن أَطْرَاف الرِّبَاط الْأَسْفَل تمده إِلَى أَسْفَل وأطراف الرِّبَاط الْأَعْلَى تمده إِلَى فَوق وَإِلَى أَسْفَل فِي أَسْفَل القالب على استقامة ويعطف فِي أَعْلَاهُ. لي يقْرَأ من بولس وَمن حِيلَة الْبُرْء وَيثبت بنسخ إِن شَاءَ الله.
قَالَ: انصداع عظم الْعَضُد صدعاً ينفذ مِنْهُ إِلَى المخ ثمَّ يرْبط رِبَاط الْعِظَام الْمَكْسُورَة فَإِنَّهُ يجْتَمع صديد فَيفْسد المخ ثمَّ الْعظم ثمَّ يفْسد اللَّحْم حَتَّى يصير قرحَة. لي على مَا يَقْتَضِي كَلَامه: فَإِن شدّ على مَا يجب أَعنِي أَن يكون مَوضِع الضَّرْبَة أَشد وَيذْهب إِلَى الجوانب أقل شدَّة منع أَن ينصب إِلَيْهِ شَيْء فيركب الشق من الْعظم دشبد يلتحم بِهِ. قَالَ جالينوس: وَلِأَنَّهَا لَا يتهيأ فِي كسر عظم الرَّأْس أَن يدْفع عَنهُ الْمَادَّة بالرباط اضطررنا أَن نخرج من الْعظم قِطْعَة ليسيل الصديد وَإِلَّا أفسد الغشاء الَّذِي على الدِّمَاغ والبرابخ الَّتِي تذكرها بربخان أَحدهمَا هُوَ الَّذِي يصلح للمد وَقد ذَكرْنَاهُ وَالثَّانِي يسْتَعْمل فِي الْوَقْت الَّذِي يكون)
الْكسر فِيهِ هُوَ ذَا ينْعَقد للتحرز والسعفة لِئَلَّا يُمكن العليل أَن يلوي رجله وَلَا أَن يَتَحَرَّك لحاجاته فَيفْسد الْكسر ويتفرغ الدشبد وَالْمدّ والجبائر يَعْنِي عَنْهُمَا بحول الله.(4/211)
بولس فِي الْأنف قَالَ: علق الْأنف عظاً ويعرض فِيهِ السكر وَلَا يَنْبَغِي أَن يَقع عَلَيْهِ الرِّبَاط من فَوْقه فَإِنَّهُ يُورث فطسة إِلَّا أَن يكون أنف قد كَانَ لَهُ نتوء فِي حَال الصِّحَّة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَوِي.
قَالَ: ادخل فِي الْأنف مروداً غليظاً وَليكن ذَلِك فِي الْيَوْم الأول من الْكسر إِن أمكن وَلَا يكون بعد الْعَاشِر لِأَن عِظَام ألف د الْأنف تلتحم وتصلب فِي سرعَة فَإِذا دخل المرود فِي الْأنف وَسوى م خَارج بالسبابة والإبهام حَتَّى يذهب كَانَ نتوء فَإِذا سويته فلف فتيلتين على إنبوب وبس محرق وَأدْخلهُ فِيهِ واتركه حَتَّى يصلب الْعظم وَيرجع واطله من خَارج بالدواء وضع عَلَيْهِ خرقَة وَلَا تشده لِأَنَّهُ يفطس إِلَّا أَن يكون ناتئاً على مَا ذكرنَا فَإِن عرض للأنف ورم حَار فافصد وأسهل ولطف التَّدْبِير وَخذ دياخيلون فدفه بدهن ورد قَلِيل وضمد بِهِ أَو خُذ سميذ حِنْطَة ودقاق كندر فاطبخه بِمَاء الْورْد وذر عَلَيْهِ رَمَادا وضمده بِهِ فَإِنَّهُ جيد.
وَإِن عرض للأنف أَن يمِيل إِلَى جَانب فألصق عِصَابَة أَو سيراً فِي عرض إِصْبَع بغراء الْبَقر أَو قَالَ: فَإِن انرض عظم الْأنف وَصَارَ كسراً حادة فَإنَّك تعرف ذَلِك من النخس على التَّسْوِيَة والشج فشق عَنْهَا وأخرجها بالجفت ثمَّ خطّ الْموضع وذر عَلَيْهِ الْأَدْوِيَة وَلَا تتوان فَإِنَّهُ لَا يبرأ لَكِن يقيح حَتَّى يخرج الْعظم أبدا.
3 - (الْأذن المرضوضة)
3 - (فِي بَاب الْأذن يحول اللحى الْأَسْفَل يَعْنِي الفك) قَالَ: إِن انْقَطع الفك إِلَى دَاخل وَلم يتقصف بِاثْنَتَيْنِ فَأدْخل إِن انْكَسَرَ اللحى الْأَيْمن السبابَة وَالْوُسْطَى من الْيَد الْيُسْرَى فِي فَم العليل وَإِن انْكَسَرَ اللحى الْأَيْسَر فَمن الْيَد الْيُمْنَى وارفع بِهِ حدبة الْكسر إِلَى خَارج من دَاخل واستقبلها بِالْيَدِ الْأُخْرَى من خَارج وسوه وَيعرف استواؤه من مُسَاوَاة الْأَسْنَان الَّتِي فِيهِ.
وَأما ان تقصف اللحى بِاثْنَتَيْنِ فأمدده من الناحيتين على الْمُقَابلَة بخادم يمده وخادم يمسك ثمَّ يصير الطَّبِيب إِلَى تسويته على مَا ذكرنَا واربط الْأَسْنَان الَّتِي ألف د تعوجت وَزَالَ بَعْضهَا بِبَعْض بخيط ذهب فَإِن عرض مَعَ الْكسر جرح أَو شظية عظم تنخس فشق عَلَيْهِ ووسعه وانزع الشظية وَاسْتعْمل الْخياطَة أَو الرفائد والأدوية الملحمة بعد الرَّد والتسوية.
قَالَ: ورباطه يكون على هَذِه الْجِهَة: يَجْعَل وسط الْعِصَابَة على نقرة الْقَفَا وَيذْهب بالطرفين من الْجَانِبَيْنِ على الْأُذُنَيْنِ إِلَى طرف اللحى ثمَّ يذهب بِهِ أَيْضا إِلَى النقرة ثمَّ إِلَى اللحى على الْخَدين إِلَى اليافوخ ثمَّ مِنْهُ أَيْضا إِلَى تَحت الترقوة وليوضع رِبَاط آخر على الْجَبْهَة وَخلف الرَّأْس ليشتد جَمِيع اللف الَّذِي لف وَيجْعَل عَلَيْهِ جبيرَة خَفِيفَة.(4/212)
وَإِن انْفَصل اللحيان جَمِيعًا من طرفيهما فليمدا بِكُل الْيَدَيْنِ قَلِيلا ثمَّ يقابلا ويؤلفا وَينظر إِلَى تألف الْأَسْنَان وتربط الثنايا بخيط ذهب لِئَلَّا يَزُول التَّقْوِيم وَيُوضَع وسط الرِّبَاط على الْقَفَا ويجاء بِرَأْسِهِ إِلَى طرف اللحى وَيُؤمر العليل بِالسُّكُونِ والهدوء وَترك الْكَلَام وَيجْعَل غذاءه الأحساء.
وَإِن تغير شَيْء من الشكل فَحل الرِّبَاط إِلَّا أَن يعرض ورم حَار فَإِن عرض ورم حَار فَلَا تغفل عَن النطول والأضمدة الَّتِي تصلح لذَلِك مِمَّا يسكن ويحلل باعتدال وَعظم الفك يشْتَد كثيرا قبل ثَلَاثَة أسابيع لِأَنَّهُ لين وَفِيه مخ كثير يملؤه. 3 (الترقوة) قَالَ: الترقوة يتَّصل أحد رأسيها بالصدر وَالْآخر بِطرف الْمنْكب عِنْد مفصل الْكَتف فَيمسك الْعَضُد عَالِيا فَإِن انْكَسَرَ فِي النَّاحِيَة الَّتِي تلِي الْمنْكب نزلت الْقطعَة الْمَكْسُورَة مَعَ الْعَضُد فاسترخت إِلَى أَسْفَل إِن كَانَ كسراً مندقاً بِاثْنَيْنِ وَإِن كَانَ كسر ذُو شظايا غير متبرئ كَانَ نزُول الْعَضُد أقل وَكَانَ الوجع أَشد قَالَ: وَلِأَن تندق الترقوة بِاثْنَيْنِ ألف د أصلح من أَن تنكسر شظايا وَذَلِكَ أَن الَّتِي تنقصف بِاثْنَيْنِ تعود إِلَى شكله الطبيعي بِالْمدِّ وَالدَّفْع وَسَائِر أَنْوَاع الْكسر المشظاة عسرة التألف. لي إِن اندقت بِالْقربِ من القس كَانَ نزُول رَأس الْعَضُد إِلَى أَسْفَل أقل.
قَالَ: إِذا اندقت الترقوة بنصفين فأجلس العليل على كرْسِي ويضبط خَادِم الْعَضُد الَّتِي فِيهِ الترقوة الْمَكْسُورَة ويمده إِلَى خَارج وَإِلَى فَوق أَيْضا ويمد خَادِم آخر الْعُنُق والمنكب الْمُقَابل بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويسوى الطَّبِيب بأصابعه مَا كَانَ ناتئاً يَدْفَعهُ وَمَا كَانَ متقعراً يجذبه ويجره. فَإِن احْتَاجَ فِي ذَلِك إِلَى مد أَكثر وضع تَحت الْإِبِط كرة عَظِيمَة من خرق ودع الْمرْفق حَتَّى تقربه من الأضلاع فَإِنَّهُ يَمْتَد على مَا تُرِيدُ.
وَإِن انْقَطع طرف الترقوة إِلَى دَاخل كثيرا وَلم يجب يجذب الطَّبِيب وَلم يمد لِأَنَّهُ صَار إِلَى عمق كَبِير فالق العليل على قَفاهُ وَتَحْت مَنْكِبه مخدة تتَّخذ دونه واكبس مَنْكِبه إِلَى أَسْفَل حَتَّى يرْتَفع عظم الترقوة ثمَّ تسويه وَأَصْلحهُ بأصابعك وشده فَإِن وجد العليل نخساً من إمرار الْيَد عَلَيْهِ فَإِن شظية تنخسه بِحَسب الْموضع فشق الْموضع وانزع الشظية وَليكن ذَلِك مِنْك بِرِفْق وخاصة إِن كَانَت الشظية تَحت لِئَلَّا يخرق صفاق الصَّدْر وَأدْخل الْآلَة الحافظة للصفاق تَحت الْعظم ثمَّ اكسر الْعظم فَإِن لم يعرض ورم حَار فشق الشق والحمه وَإِن عرض ورم حَار فَبل الرفائد بالدهن.
وَإِن نزل رَأس الْعَضُد عِنْد الْكسر مَعَ قِطْعَة الترقوة إِلَى أَسْفَل فَيَنْبَغِي أَن تعلق الْعَضُد برباط عريض وتشال إِلَى نَاحيَة الْعتْق وَإِن كَانَت قِطْعَة الترقوة تميل إِلَى فَوق وَقل مَا يكون ذَلِك فَلَا تعلق الْعَضُد وليستلق صَاحب الترقوة الْمَكْسُورَة ألف د على ظَهره ويلطف تَدْبيره وتشتد الترقوة فِي شهر وَأَقل.(4/213)
3 - (الْكَتف) قَالَ: الْكَتف لَا ينكسر مِنْهَا الْموضع العريض وَإِنَّمَا يعرض الْكسر لحروفها وَرُبمَا يقطع إِلَى دَاخل إِذا انْكَسَرَ وَرُبمَا انْكَسَرت من حروفها شظية وَإِذا انْكَسَرَ وَانْقطع إِلَى دَاخل عرق من تقعير تَحت اللَّمْس إِذا أمرت الْيَد عَلَيْهَا وَمن الخرز الَّتِي تعرض الَّذِي يَلِيهِ. وَإِن عرض فِيهِ شقّ فَقَط فَإِنَّهُ يعرف بالوجع بِلَا تَقْصَعُ لَكِن شبه خشونة وَقلة اسْتِوَاء ويعالجان جَمِيعًا بالرباط وعلاج مِمَّا يسكن الورم الْحَار وَأما الشظايا فَإِن لم تكن خَارِجَة لَكِن كَانَت سَاكِنة لَازِمَة فَإِنَّهَا تلْزم بالرباط وتبرأ فَإِن كَانَت خَارِجَة ناتئة تنخس فليشق عَلَيْهَا ثمَّ تعالج بِمَا ذكرنَا وَليكن النّوم على الْكَتف بالجانب الصَّحِيح. 3 (عظم القس) قَالَ: إِن عرض لَهُ شقّ وَلم يمل إِلَى دَاخل فَإنَّك تعرف ذَلِك بالتفرقع تَحت الْأَصَابِع إِذا أمررت عَلَيْهِ يدك والوجع. يَنْبَغِي أَن يشد فَقَط.
قَالَ: فَإِن عرض تصعصع وتغور إِلَى دَاخل فَإِنَّهُ تعرض أَعْرَاض رَدِيئَة من ضيق النَّفس والسعال والنفث وَرُبمَا تعفن الْحجاب وَفَسَد فألق العليل على ظَهره وَاجعَل مخدة مُرْتَفعَة بَين كَتفيهِ واغمز مَنْكِبَيْه إِلَى أَسْفَل واجمع أضلاعه من الْجَانِب حَتَّى يَسْتَوِي التقصع. 3 (الأضلاع) قَالَ: ضلوع الْخلف لَا يعرض لَهَا الْكسر إِلَّا من النَّاحِيَة الَّتِي تلِي الفقار فَأَما الأضلاع فَمن الْجَانِبَيْنِ فَإِن لم تكن متقصعاً غائراً فَإنَّك تعرفه من التفرقع وَقلة الاسْتوَاء تَحت الْأَصَابِع ويكفيه الشد وَمَا يسكن الورم الْحَار. وَأما إِن كَانَ مائلاً إِلَى دَاخل فقد قيل فِيهِ أَقْوَال لَا معنى لَهَا مِنْهَا: التملئ من الْغذَاء وَمِنْهَا: شدّ حصر ألف د النَّفس وَهِي ضَعِيفَة. وَأما المحاجم فَهِيَ أقوى لَكِن يخَاف أَن تحدث ورماً يَنْبَغِي أَن تضع المحجمة فَإِن ارْتَفع وَإِلَّا أخذت من ساعتها وأعيدت وَلَا تتْرك عَلَيْهَا الْبَتَّةَ لَكِن تُؤْخَذ كَمَا تعلق فَإِنَّهُ بِهَذَا الْوَجْه لَا يكون ورم. وَإِن عرضت شظية تنخس فَإِنَّهُ يهيج مِنْهُ شَيْء أَشد من الشوصة فَإِن اسْتَوَى بهَا وَإِلَّا فَإِنَّهُ إِن كَانَ النخس شَدِيدا مفرطاً يَنْبَغِي أَن يشق عَلَيْهِ وتنزع الشظية بعد أَن يتحفظ بالحجاب جدا. 3 (عظم الْعَانَة والورك) هَذِه تنكسر حروفها وتنشق أَيْضا فَإِن انشقت عرفت ذَلِك من قلَّة الاسْتوَاء تَحت الْأَصَابِع وَإِن عرض كسر وشظية اشْتَدَّ الوجع واخدرت السَّاق الَّتِي فِي جَانِبه وَيَنْبَغِي أَن تسوى بِالْمَسْحِ بالأصابع ثمَّ ترْبط فَإِنَّهُ فِي هَذِه وَحدهَا لَا تشق على الشظايا كَمَا يفعل فِي سَائِر الْمَوَاضِع لِأَنَّهَا لَيست ضَرُورِيَّة.(4/214)
فِي خرز الصلب
قَالَ: هَذِه أَعْرَاض لَهَا رض إِن بلغ إِلَى أَن يضغط النخاع عرضت رَدِيئَة فَإِن كَانَ ذَلِك فِي خرز الْعُنُق قتل سَرِيعا لِأَنَّهُ تحبس النَّفس فَفِي هَذِه أَعنِي الَّتِي تنخس النخاع اسْتعْمل الشق عَنهُ وَإِخْرَاج الْعظم الناخس. وَأما إِن لم يضغط فَعَلَيْك بِمَا يسكن الورم الْحَار. قَالَ: وَالَّذِي يحْتَاج أَن يخرج من كسر الْعِظَام أبدا مَا كَانَ مبرئاً الْبَتَّةَ أَو مَا كَانَ ينخس لِأَن ذَلِك يعفن على طول الْأَيَّام فيورث قرحَة وَهَذَا يهيج الوجع والورم. 3 (عظم الْكَاهِل) قَالَ: إِن تَقْصَعُ إِلَى دَاخل فَأدْخل الإصبع فِي المقعدة وَيرْفَع صَوته ويسوى خَارج الْعَضُد. قَالَ: وعلق الْيَد فِي الْعُنُق ليبقى لَهَا شكلها الطبيعي ثمَّ مر خادمين يجر أَحدهمَا فَوق وَالْآخر من أَسْفَله بِالْيَدِ فَإِن لم يجتزئ بِهَذَا الْمَدّ ألف د فيربط فَوْقه وأسفله ويجر برباطين ثمَّ قابلهما وأرخه وسوه ثمَّ يرْبط على مَا أَمر أبقراط. وَإِن عرض الْكسر بِالْقربِ من الْإِبِط يكون الْمَدّ بِلَا ربط وَإِن عرض بِقرب الْمرْفق فالمرفق حَبل فِي الْجَبْر يَنْبَغِي أَن يكون شدَّة الرَّبْط بِحَسب قلَّة حس الْبدن وشدته وَيَنْبَغِي أَن تلف الْخرق أشده على مَوضِع الْكسر ثمَّ يذهب بِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ وَليكن الرِّبَاط أَيْضا مسترخياً إِن خفت ورماً أَو كَانَ هُنَاكَ وجع وَالْحَدَث من الْأَطِبَّاء يستعملون الجبائر بعد الرِّبَاط من سَاعَته ليمسك شكل مَا يسوى والقدماء كَانُوا يستعملون الجبائر بعد الرِّبَاط من سَاعَته ليمسك شكل مَا يسوى والقدماء كَانُوا يستعملون الجبائر بعد الْأُسْبُوع لأَنهم حِينَئِذٍ قد أمنُوا الورم وَيَنْبَغِي أَن تحل الرِّبَاط فِي أول يَوْم أَو فِي كل يَوْمَيْنِ وخاصة إِن عرضت حكة فينطل بِمَاء حَار حَتَّى تتحلل الرطوبات اللذاعة إِلَى الْيَوْم السَّابِع فَإِذا جاوزه فليحل فِي كل أَربع أَو خمس لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قد أَمن الورم والحكة وَهُوَ أَجود لانحتام الْعظم وَيَنْبَغِي أَن تملأ الْمَوَاضِع العميقة ليستوي الرِّبَاط وضع الجبائر ولتوضع الجبائر حوالي الْكسر وَيكون الْبعد بَينهمَا إصبعاً وَلَا تبلغ الجبائر الْمفصل بل يكون فِيمَا يَلِي الْجَانِب الْأَيْسَر من الْمفصل أَصْغَر وأضعف ويكن أبدا فِي الجوانب الَّتِي تنجذب إِلَيْهَا الْكسر أغْلظ وأطول والأجود أَن تشد الْعُضْو مَعَ الصَّدْر تضم إِلَيْهِ لِئَلَّا يَتَحَرَّك الْبَتَّةَ وخاصة إِن كَانَ الْكسر قرب الْمرْفق وَإِن عرض ورم حَار اسْتعْمل النطل بالزيت ولطف التَّدْبِير فِي أول الْأَمر وَغلظ بِآخِرهِ وَإِذا لزم واستحكم وحللته صلح المَاء الْحَار وَالْحمام والمرخ.
قَالَ: وَعظم الْعَضُد والساق يشْتَد فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ يحل وَيسْتَعْمل التليين وَإِن قصف الْعُضْو أرْخى الرِّبَاط.
قَالَ: إِن انْكَسَرَ الْأَعْلَى فَهُوَ أسهل ألف د وَأسلم وَإِن انْكَسَرَ الْأَسْفَل فشر وَإِن انكسرا جَمِيعًا فشر فليمد ويسوى شكله ويشد ويعلق وَيكون شكل الْإِبْهَام فَوق الْخِنْصر أَسْفَل ويشد فِي ثَلَاثِينَ لَيْلَة ثمَّ يحل.(4/215)
3 - (الْأَصَابِع والمشط وأطراف الْيَد) قَالَ: ليبسط العليل يَده على كرْسِي مستو ويمد أَصَابِعه خَادِم وَيُسَوِّي الطَّبِيب مَا نتأ من ذَلِك فاتكأ عَلَيْهِ وَيَضَع الْجَبِيرَة فِي الْجَانِب الَّذِي مَال إِلَيْهِ وَأما الْأَصَابِع فلتمد وتسوى برباط أبدا مَعَ منع الَّذِي يَليهَا ليقومها ويشدها. 3 (الْفَخْذ) قَالَ: اسْتعْمل فِيهَا الْمَدّ من الْجَانِبَيْنِ والتسوية فَإِن كَانَت شظايا غير مستوية فلتسو فَإِنَّهَا تلْزم فَأَما إِن كَانَت تنخس فلتشق وَتخرج وَأما الرِّبَاط فَلْيَكُن على مَا ذكرنَا فِي الْعَضُد ويشتد فِي خمسين لَيْلَة وَليكن وَضعهَا هَكَذَا. 3 (فلكة الرّكْبَة) قَالَ: قد يعرض لَهَا الرض أَكثر وَالْكَسْر أقل والشق تَحْتَهُ والتفتت وَيعرف ذَلِك من خشونة تَحت اللَّمْس والفرقعة وَالصَّوْت فلتمد السَّاق وَتجمع الفلكة إِن كَانَت تقلصت وتسوى الشظايا وَإِن كَانَت تنخس نخساً شَدِيدا أخرجت ثمَّ تُوضَع عَلَيْهِ تَحت الرّكْبَة كرة وتلاث السَّاق. 3 (السَّاق) إِن انْكَسَرت القصبتان جَمِيعًا مَالَتْ السَّاق إِلَى جَمِيع الْجِهَات وَإِن انْكَسَرت الْعليا وَهِي الأدق مَالَتْ السَّاق إِلَى دَاخل وَإِلَى خَارج وَإِلَى قُدَّام فَقَط وَإِن انْكَسَرت الغليظة مِنْهُمَا مَالَتْ إِلَى دَاخل وَإِلَى خَارج وَإِلَى خلف وتسويتها ومدها وشدها كمد الْعَضُد. 3 (عِظَام الْقدَم) قَالَ: الكعب لَا يعرض لَهُ الْكسر بِمَا يُحِيط بِهِ ويستره وَأما الْمشْط وأصابع الرجل فتنكسر وتعالج بعلاج الْكَفّ. 3 (الْكسر مَعَ جرح) ليقطع أَولا نزف ألف د إِن عرض ويسكن ورم حَار إِن كَانَ وَإِن عرض رض اللَّحْم الَّذِي حول الْكسر فليشرط لِأَنَّهُ يتخوف مِنْهُ الآكلة أَو تعالج بعلاج يمْنَع العفن فَإِن كن كسر صغَار من الْعظم تنخس فلتخرج فَإِن كَانَ عظم كَبِير قَرِيبا وخرق فَيَنْبَغِي أَن يدْخل ويسوى من سَاعَة يعرض أَو يَوْمه فَإِن لم يتَّفق ذَلِك قبل أَن يدم فَلَا يسوى حَتَّى يسكن الورم الْحَار وَذَلِكَ بعد الْيَوْم الْعَاشِر وَهَذِه الْعِظَام تدخل بالسرم الصَّغِير ليشتد الْعظم بِهِ ويتكأ عَلَيْهِ حَتَّى يدْخل ثمَّ يسوى وَإِن لم يدْخل بذلك فشر ويسوى ويشد شداً يكون فَم الْجرْح مَفْتُوحًا وَإِن عرض فِي حَالَة أَن يكون لحم الْجرْح رهلاً وَينصب مِنْهُ صديد رَقِيق فَاعْلَم أَن هُنَاكَ شظية فجففه حَتَّى تصل الْيَد إِلَيْهِ وَأخرجه واربط فَوق الْجرْح خرقَة تحفظ عَلَيْهِ الدَّوَاء تفتحه كل يَوْم وتعيد الدَّوَاء وَيكون رِبَاط الْكسر بِحَالهِ.(4/216)
3 - (الدشبد الْعَظِيم الَّذِي يعرض) قَالَ: رُبمَا عرض دشبد عَظِيم يمْنَع الحركات وخاصة إِن كَانَ بالمفصل فَانْظُر فَإِن كَانَ الدشبد طرياً فضع عَلَيْهِ أدوية قَوِيَّة الْقَبْض وألزقه واربطه ربطاً شَدِيدا بجبيرة ورصاصة فَإِنَّهُ يلطأ وَإِن كَانَ الدشبد قد صلب وَكَانَ مُؤْذِيًا فشق عَنهُ واقطع مِنْهُ بأجود مَا أمكن ثمَّ عالج الْجرْح. 3 (الْعِظَام الَّتِي قد تعقد كسورها معوجة) قَالَ: قد يعرض من عوج شكل الْعظم زمانة. وَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل قَول من زعم أَنه يكسر الْعظم لِأَنَّهُ يعرض من ذَلِك غَايَة العطب لَكِن إِن كَانَ التعقد طرياً فلينطل ويضمد بالمرخية الملينة ويدلك ويمال الْعُضْو الْجَانِب حَتَّى ينْتَقض اتِّصَال الدشبد ثمَّ يسوى وَإِن كَانَ صلباً وَلم ينْتَقض بذلك فليشق عَنهُ ثمَّ يقطع الدشبد حَتَّى ينْعَقد الْعظم ثمَّ يقوم مَكَانَهُ ويعالج علاج الْجرْح مَعَ كسر. ألف د 3 (من لَا ينْعَقد كسرهم) قَالَ: يمْتَنع انْعِقَاد الْكسر ويبطئ إِمَّا لِكَثْرَة حل الرطوبات وَإِمَّا لِكَثْرَة النطولات أَو لحركة كَانَت فِي غير وَقتهَا أَو لقلَّة الدَّم فِي الْبدن يَنْبَغِي أَن تضَاد هَذِه الْعِلَل وَأَن يجذب إِلَى الْعُضْو دَمًا بِأَن تطليه بأَشْيَاء حارة تجْعَل الْغذَاء غليظاً وَيلْزم العليل السرُور والفرح ليكْثر الدَّم فَإِن أَكثر شَيْء فِي منع الِانْعِقَاد قلَّة الدَّم وأبلغ مَا يسْتَدلّ بِهِ على التعقد ظُهُور الدَّم على خرق الرِّبَاط. 3 (الْخلْع) قَالَ: الْخلْع التَّام هُوَ أَن يَزُول الْمفصل عَن مَكَانَهُ زوالاً تَاما فَأَما زَوَاله قَلِيلا فيسمى زَوَال الْمفصل.
الفك المنخلع قَالَ: إِمَّا أَن ينخلع انخلاعاً تَاما وَإِمَّا أَن يَزُول قَلِيلا وَالَّذِي يَزُول الْمفصل قَلِيلا فَإِنَّهُ يكون من استرخاء عضلاته عِنْد منع كثير أَو تثاؤب وَيرجع إِلَى مَوْضِعه من ذَاته بِلَا علاج. لي أَكثر من نفع الدّهن إِلَى خلف وسده قَالَ: فَأَما الْخلْع فَإِنَّهُ إِمَّا أَن ينخلع لحى وَاحِد وَإِمَّا أَن ينخلعا مَعًا وَإِن انخلع وَاحِد كَانَ الْأَسْنَان فِي ذَلِك الْجَانِب معوجة وينتأ الدقن وَإِن انخلعا جَمِيعًا كَانَ نتوء الذقن أَكثر وَأَشد وَلَا يُمكن صَاحبه أَن يطبق فَاه وَهُوَ أَشد بلية لَكِن لَا يكون لأسنان غير مُقَابلَة كَمَا يكون فِي خلع اللحى الْوَاحِد وَيَنْبَغِي أَن يسْرع برد اللحيين إِذا انخلعا فَإِن ذَلِك أوفق وأسهل فِي الرَّد فَإِنَّهُ إِن أبطئ بِهِ صلب وَاشْتَدَّ وهاج حميات لَازِمَة دائمة وصداعاً دَائِما لِكَثْرَة تمدد العضلات وَكَثِيرًا مَا ينْطَلق الْبَطن فضولاً مرية(4/217)
لَا يخالطها شَيْء ويموتون فِي الْأَكْثَر فِي الْعَاشِر وعلاجه: يمسك بعض الأعوان الرَّأْس وَيدخل الْمُجبر الْإِبْهَام فِي الْفَم ويحرك اللحى فِي الجوانب يمنة ويسرة وَقد ألف د أرْخى العليل فكه وَأطْلقهُ سَاعَة ثمَّ يمد اللحى بِمرَّة وَيَردهُ فِي مَوْضِعه وَيدخل فِي مَوْضِعه بِأَن يدْفع إِلَى خلف فَإِذا دخل فِي مَوْضِعه واستوت الرباعيات أطبق الفكين وَلم يَكُونَا مفتوحين ثمَّ يوضع عَلَيْهِ رفادة بشمع ودهن ورد وَشد فَإِنَّهُ يبرأ بأسهل مَا يكون. وَإِن عسر وصلب فِي حَالَة فليكمد وينطل بِالْمَاءِ الْحَار والدهن وَالْحمام نطلاً كثيرا حَتَّى يسترخي ثمَّ يجلس الطَّبِيب من خلف العليل ويجذب فكه إِلَى خلف.
الترقوة وَعظم الْمنْكب الصَّغِير الَّذِي يرْبط الترقوة بالمنكب قَالَ: الترقوة لَا تنخلع من نَاحيَة الصَّدْر لِأَنَّهَا مُتَّصِلَة بِهِ لَا مفصل بَينهمَا فَإِن ضربت ضَرْبَة شَدِيدَة هُنَاكَ تبرأت مِنْهُ وعلت وعلاجه أَن تُوضَع عَلَيْهِ رفادة كَثِيرَة اللفائف ويشد وَأما الطّرف الَّذِي يَلِي الْمنْكب فَلَا يزَال زوالاً كثيرا لِأَنَّهُ يمْنَعهَا من ذَلِك رَأس الْكَتف والعضلة الَّتِي لَهَا رأسان وَلَيْسَت أَيْضا مفصلا لَكِن شبه الِاتِّصَال فَإِن تبرأت ونشرت علت وتعالج بِأَن يوضع عَلَيْهَا رفادة غَلِيظَة ويكبس بالشد.
وَأما الْعظم الصَّغِير الْمَوْضُوع على هَامة الْمنْكب فَإِنَّهُ إِذا زَالَ ظن من لَا درية لَهُ أَن الْعَضُد انخلعت وَذَلِكَ أَنه يرى رَأس الْكَتف حِينَئِذٍ أحد وَيرى مَوضِع الْعظم الَّذِي أَسْفَل مِنْهُ مقعراً.
الْعَضُد قَالَ: رَأس الْعَضُد لَا ينخلع إِلَى فَوق لَان نتوء الْمنْكب يمنعهُ وَلَا ينخلع إِلَى نَاحيَة الظّهْر لِأَن الْكَتف يمنعهُ من ذَلِك وَلَا ينخلع إِلَى نَاحيَة الْبَطن إِلَى قُدَّام لِأَن العضلة ذَات الرأسين تمنع وَرَأس الْمنْكب أَيْضا لكنه ينخلع إِلَى الْجَانِب الْإِنْسِي والجانب الوحشي يَسِيرا جدا وتخلع إِلَى أَسْفَل نَاحيَة الْإِبِط خُرُوجًا كثيرا وَلَا سِيمَا فِي الَّذين لحومهم قَليلَة فَإِنَّهُ يخرج ألف د من هَؤُلَاءِ سَرِيعا وَيدخل أَيْضا سَرِيعا وَأما الكثيرو اللَّحْم فيعسر انخلاعه فيهم ويعسر رُجُوعه جدا.
وللخلع عَلَامَات مِنْهَا: أَنَّك إِن قرنت بَين رَأْسِي الْمَنْكِبَيْنِ رَأَيْت المنخلع متقصفاً وَيكون الْمنْكب الطبيعية أحد من طرف الْمنْكب المنخلع وَيصير رَأس الْعَضُد تَحت الْإِبِط وَلَا يُمكن أَن يقرب الْعَضُد إِلَى الأضلاع إِلَّا بوجع شَدِيد وَلَا تصعد الْيَد إِلَى الرَّأْس وَلَا تديرها فِي سَائِر الحركات.
وَإِن عرض هَذَا الْخلْع بصبي أَو فَتى رطب الْبدن وَكَانَ طرياً حِين حدث فَإنَّك إِن قدمت عضده وكبست إبطه بِشَيْء وَلَو بِيَدِك بعد أَن تقبض الْأَصَابِع وتدفع بالمفصل الْأَوْسَط كالحال عِنْد اللكم دخل الْمفصل بذلك وَأما المزمن فليستحم العليل وينطل نطلاً كثيرا. ثمَّ يستلقي على الْقَفَا وَيجْعَل تَحت إبطه كرة صوف محشوة جيد جدا معتدلة الْقدر وَيجْلس الطَّبِيب قباله مائلاً إِلَى نَاحيَة الْجنب العليل وَيجْعَل عقب رجله على(4/218)
الكرة ويمد عضد العليل إِلَيْهِ إِلَى نَاحيَة الرجل ويشد الْعقب بالإبط وَقد جلس عِنْد رَأس العليل رجل يدْفع رَأسه إِلَى نَاحيَة الْخلاف لِئَلَّا يمِيل إِلَى الْجَانِب الَّذِي يمده الطَّبِيب وَيدخل أَيْضا بِأَن يَجْعَل خَشَبَة على وَسطهَا خرق)
صلبة ناتئة تملأ إبط العليل ثمَّ تُوضَع تَحت إبطه ويمد طرفاها إِلَى فَوق خادمان وخادم يضْبط الْعَضُد إِلَى أَسْفَل وَيكون هَذَا يُعَارضهُ ألم إِلَّا أَنه يوضع تَحت العليل كرْسِي وَهُوَ قَائِم ثمَّ يخرج من تَحت رجله ليتعلق ويضبط الْمُجبر الْعَضُد وَهُوَ أصعب مِمَّا ذكرنَا وَيصْلح للشديد المزمن وَيصْلح للسهل أَيْضا الْوسط فِي ذَلِك أَن ينظر رجل أطول من العليل فَيدْخل مَنْكِبه ألف د تَحت العليل وَقد حشوته ويمد العليل على ظَهره ليتعلق بِهِ ويهز قباله يدْخل وَأَغْلظ مَا يكون وأصعبه يصلح للشديد المزمن أَن تتَّخذ خَشَبَة لَهَا رَأس يمْلَأ الْإِبِط ويلف عَلَيْهَا خرق وَيدخل فِي الْإِبِط وتشد الْيَد عَلَيْهَا فِي الْعَضُد والساعد والكف ثمَّ تدخل فِي عضادة سلم ويعلق العليل على مَا ذكرنَا وتمد الْيَد مَعَ الْخَشَبَة إِلَى أَسْفَل فَإِنَّهُ يدْخل. لي هَذَا اسْم أَيْضا لِأَن الْعَضُد لَا تكَاد تنكسر وَإِنَّمَا يُصِيب الشدَّة الْخَشَبَة الَّتِي تَحْتَهُ وَهُوَ يرد رَأس الْعَضُد ردا شَدِيدا جدا وَيَنْبَغِي أَن يكون بَاطِن الْخَشَبَة وظاهرها عريضة ليلزم وَلَا تكون مستديرة.
قَالَ: إِذا دخلت الْعَضُد فلتوضع تحتهَا كرة وتشد إِن كَانَ ورم فلتغرق الكرة بالدهن. لي الأجود أَن تتَّخذ خَشَبَة لَهَا رَأس كرى ويلف عَلَيْهَا خرق وَتدْخل فِي الْإِبِط وتشد مَعَ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تلقي عِصَابَة فِي طرف الْمرْفق تشال إِلَى فَوق بِشدَّة لِئَلَّا تنزل الْعَضُد ثَانِيَة وَتحل فِي الْيَوْم السَّابِع. لي يَنْبَغِي أَن تحل قبل أَن يمسك الْمرْفق مكبوساً إِلَى فَوق. قَالَ: وَلَا تحل قبل ذَلِك لِئَلَّا تَزُول ثَانِيَة. فَإِن كَانَ الْمفصل ينخلع مرّة بعد أُخْرَى بسهولة لرطوبة قد مَلَأت الحفرة وبلت رباطات فَاسْتعْمل الكي. لي بعد التَّسْوِيَة.
قَالَ: وَاعْلَم أَنه انخلع الْعَضُد عِنْد الْولادَة أَو فِي النشء وَلم يرد لم يطلّ الْعُضْو حق طوله لَكِن تبقى قَصِيرَة كعضد ابْن عرس وَلَا تضر فِي الْعَمَل شَيْئا ويرق الْمرْفق وَكَذَلِكَ إِن انخلعت الْفَخْذ لم يطلّ حق الْفَخْذ وَحقّ السَّاق.
المفرق مفصل الْمرْفق عسر الْخلْع عسر الدُّخُول لشدَّة الرباطات وقصرها وغمز الْبَقر وَقد يَزُول قَلِيلا وينخلع الْخلْع التَّام وينخلع إِلَى جَمِيع الْجِهَات وَمَعْرِفَة خلعه سهلة لِأَنَّهُ ينجذب أحد الْجَانِبَيْنِ ويتقصع الْبَاقِي ظَاهرا جدا وَيَنْبَغِي أَن يعالج من سَاعَته ألف د قبل أَن يعرض لَهُ ورم(4/219)
حَار فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِن مد عرض عطب وَلم يبرأ. وَشر الْخلْع مَا انخلع إِلَى خلف وأكثرها وجعاً.
فَإِن زَالَ الْمرْفق زوالاً يَسِيرا فَيَنْبَغِي أَن يمد مدا يسرا وَيدْفَع الطَّبِيب الْعظم بِأَصْل كَفه فَإِنَّهُ يَسْتَوِي وَأما الْخلْع إِلَى قُدَّام فَإِن أبقراط يردهُ بِأَن يثني الْيَد ضَرْبَة ثنياً يضْرب أصل كفها الْمنْكب الَّذِي يحاذيه. وَإِن انخلع إِلَى خلف فَإِنَّهُ يمده مدا شَدِيدا ضَرْبَة إِلَى خلف وَإِن لم يجب بذلك فليضبط الْعَضُد والساعد خدم ويمدونه جدا ويمرخ الطَّبِيب يَده بدهن وَيَأْخُذ فِي مَسحه بِشدَّة حَتَّى يدْخل. لي يَنْبَغِي أَن تنظر فِي النُّسْخَة فِي نُسْخَة أُخْرَى فِي جَمِيع الْمقَالة السَّادِسَة.
خلع مفصل الْعظم والأصابع قَالَ: هَذِه سهلة الرُّجُوع يكفيها أدنى مد حَتَّى ترجع. لي أما مَا يَقُول مجبرونا فِي زَمَاننَا هَذَا فخلاف هَذَا جدا.
زَوَال الخرز قَالَ: إِن زَالَت الخرزة إِلَى دَاخل احْتبسَ الْبَوْل والرجيع وَإِن كَانَ خرز الْعُنُق جَاءَ الْمَوْت سَرِيعا إِلَّا أَنه قد يكون أَن تنكسر السَّاق فيتقصع الصلب وَلَا تحدث هَذِه الْأَحْدَاث فيتوهم الْجَاهِل أَن ذَلِك زَوَال الخرز إِلَى دَاخل وَلَيْسَ كَذَلِك. لي وَقَالَ فِي إصْلَاح الحدبة قولا يشبه مَا يحْكى عَن الحى تحْتَاج أَن تنظر فِي نُسْخَة أُخْرَى.
الورك قَالَ: يكون خلع الورك إِمَّا إِلَى دَاخل يَعْنِي الْجَانِب الْإِنْسِي وَإِمَّا إِلَى خَارج أَي الْجَانِب الوحشي وَإِمَّا إِلَى قُدَّام أَي جَانب الْبَطن وَإِمَّا إِلَى خلف أَي جَانب الظّهْر.
قَالَ: وَإِن انخلعت الْفَخْذ إِلَى دَاخل يكون الرجل المخلوعة أطول إِذا قرنتا وَتَكون الرّكْبَة ناتئة أَكثر عَن الْأُخْرَى وَلَا يقدر العليل أَن يثني رجلَيْهِ من عِنْد الأربية وَتَكون أربيته منتفخة وارمة لِأَن رَأس ألف د الورك قد نشب فِيهَا.
قَالَ: وَإِن انخلعت إِلَى خَارج تكون الرجل مِنْهُم أقصر وَتَكون الأربية عميقة وَمَا يحاذيها من خلف وارماً وَتَكون الرّكْبَة منقعرة إِلَى دَاخل.
وَإِن انخلعت الورك إِلَى قُدَّام فَإِن العليل يُمكنهُ أَن يبسط سَاقه وَلَا يُمكنهُ أَن يثنيها بِلَا ألم وَلَا يُمكنهُ الْمَشْي لِأَنَّهُ لَا يتهيأ لَهُ أَن يرفع رجله إِلَى قُدَّام ويحتبس بَوْله وتتورم أربيته وَتَكون مشيتهم على الْعقب.(4/220)
وَإِن انخلعت إِلَى خلف لم يقدر أَن يبسط السَّاق وَلَا يثنيها إِلَّا بِأَن يثني الأربية قَلِيلا وَتَكون رجله أقصر وأربيته مسترخية تَحْتَهُ وَيكون رَأس الْفَخْذ فِي مَوضِع الانخفاض بَينا. الَّذِي يعرض لَهُم إِلَى قُدَّام تكون الرجل أطول.
قَالَ: فَمن عرض لَهُ خلع هَذَا الْمفصل مُنْذُ الصِّبَا أَو زمَان طَوِيل فَلَا علاج لَهُم. وَأما إِذا عرض فَيَنْبَغِي أَن تبادر فِي رده. لي لم ننسخ كل مَا قَالَه لأَنا لم نستحسن مِنْهُ إِلَّا هَذَا الصِّنْف الْوَاحِد وَيَنْبَغِي أَن يُعَاد النّظر فِي نُسْخَة أُخْرَى ويثقف إِن شَاءَ الله وَالْوَجْه هُوَ هَذَا وَهُوَ بإصلاح: يخضر لوح عَظِيم مثل خوان الخبازين وَتجْعَل فِيهِ نقر مُتَقَارِبَة أَو جرود لِئَلَّا يعْدم مَوضِع رَأس المبرم أَي سَبَب وَإِن اتخذ ذَلِك فِي أَرض صلبة جَازَ واللوح أصلح ثمَّ يوتد وتد وَيدخل فِي وسط رجل العليل وَقد لف عَلَيْهِ خرق فَإِن انخلعت الورك إِلَى خَارج وضع السّوم)
فِي الخَنْدَق من خَارج وَدفعت بِهِ الْفَخْذ إِلَى دَاخل والوتد خَارج وَأما إِلَى الْجَانِبَيْنِ فينوم العليل على جنب ثمَّ يستعملون ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن تنفقد ذَلِك ويتبين أَكثر إِن شَاءَ الله.
الرّكْبَة قَالَ: ينخلع مفصل الرّكْبَة إِلَى جَمِيع النواحي مَا خلا قُدَّام لِأَن عين الرّكْبَة تَمنعهُ ويعالج بِالْمدِّ والإرسال والتسوية وَإِذا سوى فليربط وَلَا يحل أَيَّامًا كَثِيرَة.
قَالَ: والكعب والعقب أَيْضا يزولان فيعالجان بِمد قوي وَرفع وَيمْنَع الْمَشْي أَرْبَعِينَ لَيْلَة ألف د أقل شَيْء لِئَلَّا ينْتَقض.
قَالَ: وَإِذا عرض الْخلْع مَعَ جرح فَرد الْمفصل من سَاعَته قبل أَن يعرض الورم الْحَار ورده خطر لِأَن الْمفصل تحْتَاج إِلَى مد عنيف وخاصة إِن كَانَ مفصلا عَظِيما والعضلات المجروحة لَا تحْتَمل ذَلِك فَإِن دخل الْمفصل بتمدد قَلِيل فَذَاك. وَإِن احتجت إِلَى مد شَدِيد فَلَا يعرض لَهُ فَإِنَّهُ يكون تشنج وَمَوْت سريع وَإِن غفل عَنهُ فَلَا يعرض لَهُ إِلَى أَن يسكن الورم الْحَار فَإِذا سكن فَأدْخلهُ إِن دخل بِمد غير عنيف وَإِن لم يجب إِلَّا بِمد عنيف فَلَا يعرض لَهُ فَلِأَن يعِيش زَمَانا أصلح.
قَالَ ج فِي الْخَامِسَة من الْأَعْضَاء الألمة: أَنه يرى على الرباطات عِنْد إنعقال الْعظم المكسور شَيْء من الورم.
الثَّالِثَة من قاطيطريون قَالَ جالينوس قَالَ أبقراط: يَجْعَل الرِّبَاط على التربل والورم الْحَار من مَوضِع الورم وَيذْهب بِهِ إِلَى فَوق. لي كتب هَذَا فَوق على أَنه يكون الرِّبَاط من فَوق أَشد وَعند الورم الين وَلَيْسَ يجب(4/221)
بِمَا قَالَ جالينوس ذَلِك لكنه يُمكن أَن يُرِيد بذلك أَن يكون الرِّبَاط وَإِن كَانَ يبتدأ من مَوضِع أَشد يذهب إِلَى فَوق وَقد صححت النّظر فِي الْكتاب فَكَانَ على مَا أَقُول يَنْبَغِي أَن يكون فِي نفس الورم أَشد وَيذْهب إِلَى فَوق وَهُوَ أَلين فقد قَالَ جالينوس: أَن الرِّبَاط الَّذِي يُرِيد أَن يمْنَع الانصباب من الْموضع يَنْبَغِي أَن يكون أَشد وَمَتى ذهب إِلَى فَوق أرْخى فَأَما الرِّبَاط الَّذِي يُرِيد أَن يجْبر بِهِ إِلَى الْعُضْو شَيْئا فَلْيَكُن من فَوق أَشد وَمَا جَاءَ إِلَى الْموضع الَّذِي تُرِيدُ أَن يَجِيء إِلَيْهِ يكون أرْخى مَوضِع فِيهِ الْموضع الَّذِي تُرِيدُ أَن تجْعَل فِيهِ الْمَادَّة وَهَذَا حق صَحِيح. وَقَالَ قولا أَيْضا أَن الْكسر والضربة قبل أَن ألف د ترم بالرباط يمْنَع عَنهُ الورم فَإِذا ورم فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل الرِّبَاط)
قَالَ: وَفِي هَذِه الْمقَالة من مَوَاضِع ربط الْكسر والوث وَمنع الورم واحتقان الدَّم تَحت الْجلد وتهزيل الْعُضْو يَبْتَدِئ وشده من الْموضع نَفسه وَيذْهب بِهِ إِلَى فَوق باسترخاء قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى يكون إرخاؤه أَطْرَافه ورباط الأسمان وجر الْمَادَّة إِلَى الْعُضْو فيبتدئ من فَوق الْعَضُد أشده وَيكون إرخاؤه فِي الْموضع الَّذِي تُرِيدُ أَن تجذب إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الرِّبَاط الَّذِي يُسمى الْمُخَالف.
وَقَالَ: وَهَذَا يوضع ابتداؤه على الْموضع السَّلِيم ويشد بِقدر مَا لَا يوجع فَيحدث ورماً ثمَّ سلسل قَلِيلا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْموضع الَّذِي يُرِيد أَن يحصل فِيهِ الدَّم وَمَا ابتدأت بِهِ من مَوضِع أطول كَانَ الدَّم الَّذِي يتجذب إِلَيْهِ أَكثر.
تليين. يصلح للملوك: حرف حب البان ميعة سَائِلَة ولاذن رطب من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم وشمع أصفر ومصطكي لين من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم دهن البان أُوقِيَّة دهن السوسن نصف أُوقِيَّة يذاب الشمع والدهن وَيجمع سحقاً فِي هاون ويضمد وَقد يُزَاد فِيهِ حب المحلب وَهُوَ طيب الرّيح وَإِن أردْت أطيب جعلت فِيهِ عنبراً قَلِيلا. لي على مَا رَأَيْت فِي أربياسيس: إِذا كَانَ فِي مفصل أَو غَيره دشبد صلب جدا يُرِيد أَن يلين فاعمد إِلَى الملينات بالخل الْبَالِغ الثقافة اللَّطِيف جدا فَإِن لَهُ فِي إرخائها قُوَّة عَجِيبَة جدا وَكَذَلِكَ إِذا أردْت أَن تغير كسر الْعُضْو لتصلحه فاعتمد على هَذَا فِيهِ. مثالها: يُؤْخَذ أصُول الخطمى وأصول قثاء الْحمار ومقل وأشق وجاوشير تجمع بالخل الثقيف ويطلى بعد أَن يكمد بالخل تكميداً كثيرا فِي كل وَقت وَاسْتعْمل المرهم العاجي.
من الثَّالِثَة من آر: وَإِنَّمَا سمي العاجي لِأَنَّهُ يلين بالعاج وَجَمِيع الْمِيَاه ألف د الَّتِي تحلل الْعِظَام ويلينها مثل خل اللاذن وخل الشّعير قَوِيَّة تحْتَاج إِلَيْهَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع.
دَوَاء يحلل وَيمْنَع الورم ويلين إِذا وَقعت ... وَكَانَ الْبدن ... . فَجعلت عَلَيْهِ ... . . لِأَنَّهُ يحلل مَا ... . . مَا يَجْعَل فِيهِ: يُؤْخَذ جُزْء خل وَأَرْبَعَة أَجزَاء زَيْت يكون(4/222)
الْجَمِيع رطلا وحزمة قضبان الشبث يطْبخ حَتَّى يذهب الْخلّ ثمَّ يلقى على ذَلِك من الشمع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويجعله قيروطياً فَإِنَّهُ جيد بَالغ.
تليين بَالغ: شمع أصفر ودهن السوسن وزوفاً رطب ومخ الأيل ومقل لين أَو لب حب الخروع ولعاب بزر الْكَتَّان وأصول الخطمي يجمع الْجَمِيع فَإِنَّهُ عَجِيب. لي الملينات: شمع شَحم مقل أشق جاوشير بارزذ ميعة اصطرك خروع عكر دهن بزر)
الْكَتَّان عكر دهن السوسن زوفاً رطب سمن تمر دَهِين ألية مذابة خطمي بزر الْكَتَّان حلبة علك الصنوبر أصل قثاء الْحمار مصطكى ثجير حب البان هجير دهن الْحِنَّاء.
أربياسيس: مرهم بَالغ للتليين جدا لَا شَيْء أبلغ مِنْهُ ينفع المفاصل الْعسرَة الْحَرَكَة وَيحل الغلظ كُله: أشق سِتّ وَثَلَاثُونَ أُوقِيَّة وشمع أصفر مثله صمغ البطم ثَمَانِي أَوَاقٍ مقل مثله قنة مثله كندر أَربع أَوَاقٍ دهن الْحِنَّاء مثله مر أَربع أَوَاقٍ ينقع المر والمقل والكندر والأشق بخل ويسحق بِهِ حَتَّى يلين وينحل ثمَّ يخلط الْجَمِيع بعد أَن يذاب الشمع مَعَ دهن الْحِنَّاء وصمغ البطم ويلقى فِي هاون وَيمْسَح الهاون والدستج بدهن السوسن ويدق حَتَّى يصير وَاحِدًا فَإِنَّهُ عَجِيب جدا. لي الرباطات إِن أردْت أَن تدفع من الْعُضْو الْمَادَّة فَشد على الْموضع المؤوف أَشد مَا يكون وأوحد قَلِيلا قَلِيلا ذَاهِبًا إِلَى نَاحيَة الكبد هَذَا يكون فِي الْجَبْر والجراحات الَّتِي تُرِيدُ أَن تدفع عَنْهَا مَا يَجِيء إِلَيْهَا. وَإِن أردْت أَن تجْعَل فِي الْموضع شَيْئا فَشد بِالْعَكْسِ ألف د من هَذَا وَإِن أردْت أَن تجذب عَن عُضْو إِلَى عُضْو مثل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي نزف الدَّم والورم والوجع فَشد الْعُضْو الْمُقَابل من نَاحيَة الكبد آخِذا إِلَى الْأَطْرَاف وَاجعَل الشد ابتداءه أَشد وأرخه نَاحيَة الْأَطْرَاف وَكَذَلِكَ فِي الْعَينَيْنِ.
الْمقَالة الثَّالِثَة قَالَ: إِذا حدث رض أَو فسخ فاربطه وَليكن لفك على الْموضع نَفسه شَدِيدا جدا واذهب بالرباط إِلَى فَوق ذَهَابًا كثيرا. ويطلى عَلَيْهِ مَاء حَار كثير لِأَنَّهُ يحْتَاج أَن يحلل ذَلِك الدَّم الْمَيِّت وَيحْتَاج فِي إمعان ذهَاب الرِّبَاط إِلَى فَوق لِئَلَّا ينصب إِلَيْهِ شَيْء وَمَا ذهب إِلَى فَوق فَلْيَكُن أرْخى ولتكن خرقَة صلبة رقيقَة لتحتمل الشد وتسرع اتِّصَال النطول بِهِ وَينصب الْعُضْو إِلَى فَوق كَمَا يفعل فِي نزف الدَّم وَهَذَا علاج أَعنِي الرِّبَاط يَنْبَغِي أَن يكون قبل أَن يرم الْعُضْو لِأَن الْعُضْو إِذا ورم لم يحْتَمل غمز الرِّبَاط المعتدل فضلا عَن شدَّة الغمز فَلذَلِك يداوى حِينَئِذٍ بالأضمدة وبمواصلة صب المَاء الْحَار.
صَحَّ أَمر القوالب أَنَّهَا أَلْوَاح وَهَهُنَا شَيْء مثل عَمُود فِي رَأسه كرة تُوضَع فِي الْإِبِط عِنْد رد خلع الْعَضُد ويشد.(4/223)
لي أَجود الْأَشْيَاء فِي الْكسر الَّذِي مَعَ خراج أَن يلف الرِّبَاط على مَوضِع الْجرْح أَشد وخاصة نَاحيَة فَوق بعد أَن يدع فَم الْجرْح مكشوفاً بِقدر مَا يسيل ثمَّ يذهب بِهِ إِلَى فَوق وترخيه مَا ذهبت بِهِ إِلَى فَوق واربط رِبَاطًا آخر كشد مَوضِع الْجرْح من أَسْفَل أقل مِمَّا فَوق وَيذْهب بِهِ إِلَى)
أَسْفَل برباط دَقِيق لين فَإِن كَانَ مَوضِع الْكسر هُوَ مَوضِع الْجرْح أَو بِالْقربِ مِنْهُ جدا كَفاك وَإِن كَانَ بالبعد مِنْهُ فاربط الَّذِي ذكرنَا على الْجرْح واربط فَوق ذَلِك رِبَاطًا للكسر فلف أشده على الْكسر وَيذْهب إِلَى فَوق وَإِلَى أَسْفَل ألف د على مَا بَين فَإِن هَذَا أحكم مَا يكون. ج: الراسن جيد للمفاصل الَّتِي تنخلع من الرُّطُوبَة. ج: الْعَاشِرَة من الْأَدْوِيَة المفردة قَالَ: يغمز على الْعُضْو الملتوي وَهُوَ الَّذِي يُسمى تعقد العصب غمزاً قَوِيا ثمَّ ضع عَلَيْهِ صفيحة أسرف رقيقَة وتشد فِيهِ يذهب بِهِ جملَة بِخَاصَّة فِيهِ وَليكن الْجَوْز الْفَج جيد للمفاصل الرّطبَة يجففها بِقُوَّة قَوِيَّة.
أَبُو جريج: الموميائي يسْرع التحام الْكسر ويكن وَجَعه بِخَاصَّة فِي ذَلِك عَجِيب وخاصة فِي تسكين الوجع ويسقى بنبيذ.
مَا سرجويه: المغاث يلين صلابة الدشبد فِي المفاصل إِذا طلي عَلَيْهِ وصلابة العصب الممتد. لي إِذا بطلت حَرَكَة المفاصل أَو كن دشبد غليظ جدا واحتجت إِلَى تليين قوي فانطل الْموضع كل يَوْم مرَّتَيْنِ بِالْمَاءِ الْحَار نطلاً كثيرا حَتَّى يحمر ثمَّ عله بالملينات وَإِن كَانَ الغلظ شَدِيدا احتجت أَن تُقِيمهُ فِي بخار الْخلّ وَيجْعَل فِي الملينات خل وخاصة إِذا أردْت أَن تفك كسراً خطأ.
من كتاب الْجَبْر لأبقراط قَالَ: أحذر عِنْد تَسْوِيَة الْكسر وَالْخلْع أَن يوجع العليل وجعاً شَدِيدا وخاصة إِذا كَانَ حامياً فَإِنَّهُ رَدِيء واجهد أَن يكون مدك للعضو المنخلع والمكسور بِأَقَلّ مَا يكون وجعاً. وَقَالَ: مَتى لم يؤات عظم الْعَضُد المكسرو بمدك أَو بِمد من يعينك بِالْيَدِ فَقَط فَاتخذ آلَة شبه دَرَجَة السّلم وأجلس العليل على كرْسِي مشرف حَتَّى يكون كَمَا قَالَ أبقراط شبه الْقَائِم وليخرج عَلَيْهِ يَده على تِلْكَ الْخَشَبَة يجذب الْقطعَة الْعليا الْعَضُد المكسور وَالشَّيْء الثقيل الْمُعَلق فِي الْمرْفق يجذب الْقطعَة السُّفْلى مِنْهُ ثمَّ سوهما بِيَدِك وأرخ الْمَدّ بر إِذا اسْتَويَا السَّابِعَة من مسَائِل السَّادِسَة: إِذا كَانَ عظم ينخس العضلة فبادر بشقه وإخراجه وَإِلَّا هاج وجعاً شَدِيدا. لي إِذا كَانَ ينخس العضلة وَلَيْسَ ألف د بمتبرئ فشق عَنهُ وانشر عَنهُ مَا ينخس أَو سوه ثمَّ اربطه بعد.(4/224)
من رسم الطِّبّ بالتجارب قَالَ: انْزِلْ أَن رجلا انخلعت سَاقه وَمَعَ ذَلِك الْخلْع خرجت)
فَصَاحب التجربة يَقُول إِنَّا لَا نرد الْخلْع لِأَنَّهُ قد شوهد أَنه إِن رده حدث تشنج.
الثَّانِيَة من قاطيطربون قَالَ: وَقع بِرَجُل ضَرْبَة على ظَهره بلغ من توجعه مِنْهَا أَنه لم يُمكنهُ الْبَتَّةَ فبللنا خرقَة صوف بِزَيْت مسخن ووضعناها على خرزه وفرشناه على فرَاشه ثمَّ نومناه عَلَيْهَا ثمَّ بللنا طرفِي الْخِرْقَة وشددناه. لي إِنَّمَا كتبنَا هَذَا ليعلم قدر الإرخاء فِي هَذِه الْعلَّة فَإِنَّهُ حَيْثُ لَا يكون خلع وَلَا كسر بل فسخ وَلَا تقدم شَيْئا من العلاج بل لَا تعالج إِلَّا بِهَذَا وَحَيْثُ يكون الْكسر وخلع مثل خرق الرِّبَاط شمع ودهن انطله بعد الشد وَذَلِكَ أَنه يرى أَن الرِّبَاط إِذا ربط فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يبْدَأ فِي الشتَاء بدهن مسخن وَفِي الصَّيف بنطل عَلَيْهِ مَاء بَارِد كل يَوْم مَرَّات وَإِلَّا كَانَ دَاعيا إِلَى هيجان الورم الْحَار. وَأَنا أَقُول: إِن فِي الصَّيف يَنْبَغِي أَلا تفارق الرِّبَاط الشَّديد ليأمن الورم. فإمَّا فِي قَالَ: قد أَمر أبقراط فِي كِتَابه فِي الْكسر وَفِي كِتَابه فِي الْخلْع: أَن تبل خرق الرِّبَاط فِي قيروطي رطبَة ساذجة وَفِي القيروطي الَّتِي يَقع فِيهَا الزفت وَفِي الشَّرَاب الْأسود العفص لِأَن الْخرق الجافة فَإِنَّهَا مَعَ مَا تقدم من مَنْفَعَة النطول شَأْنهَا أَن تسخن الْعُضْو الَّذِي يَقع عَلَيْهِ سخونة نارية فتزيد فِي حرارته وتشعلها وَيصير سَببا لتجلب الْموَاد إِلَيْهِ وَهَذَا أعظم الْأَشْيَاء فِي إِحْدَاث الورم.
قَالَ: وَإِن كَانَ فِي عُضْو مَا ابْتَدَأَ ورم حَار أَو بثور فَاجْعَلْ خرق الرِّبَاط أرق مَا يكون وألينه وأجفه وَأقله آفَات وَكَذَلِكَ الرفائد فَإِن ثقل هَذِه أجلب الْأَشْيَاء للورم الْحَار.
من الْكَمَال والتمام للتشنج الْحَادِث بعد الْجَبْر وأوجاع ألف د المفاصل: أصل السوسن الْأَبْيَض يخلط بِعَسَل ودهن السوسن الْأَبْيَض ويضمد بِهِ ويمرخ بدهن السوسن وينطل بطبيخ الحلبة وبزر الْكَتَّان والإيرسا وإكليل الْملك وَيجْعَل الْغذَاء اسفيذاجاً دسماً ويسقى دهن اللوز على مَاء البزور وَالْأُصُول الملينة يُؤْخَذ سبستان وحلبة وتين وبزر كتَّان وأصول الخطمي يطْبخ وَيجْعَل فِيهِ دهن اللوز وَإِن كَانَ بردا فدهن الخروع على مَاء الْأُصُول.
القلهمان قَالَ: دهن البان يلين العصب الجاسئ جدا.
بولس قَالَ: إِذا انْكَسَرَ عظم القحف قطعناه وَإِن انْكَسَرت الْعَضُد والساعد مددناه وقومناه وجبرناه وربطناه.
وَقَالَ فِي رسم الطِّبّ بالتجارب: إِنَّه إِذا كَانَ مَعَ الْخلْع جرح لم يرد إِلَى مَكَانَهُ لِأَنَّهُ إِن فعل ذَلِك تشنج.)
من الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة قَالَ: الْعظم لَا يُمكن أَن يلتحم وَلَا بُد إِذا انْكَسَرَ الْعظم أَن يألم العضل وَاللَّحم مَعَه وَلِأَن انجبار الْكسر بالدشبد فَيَنْبَغِي أَن يكون الْغذَاء مِمَّا فِيهِ قُوَّة توليد للدشبد.(4/225)
أبيذيميا قَالَ: من انْكَسَرَ مِنْهُ القحف وَاحْتَاجَ إِلَى نشر بِالْمِنْشَارِ فليبادر بذلك وَلَا ينْتَظر إِلَى أَن يحدث عَمَّا ينجذب إِلَى أم الدِّمَاغ صديد كَمَا يفعل قوم انتظاراً مِنْهُم لاستكمال التقيح كَمَا يُفَارق الْأُم الجافية المحجمة وَيَنْبَغِي أَن تنظر التقيح مَتى كَانَت الْأُم لَيْسَ يضغطها وَلَا يزحمها بِشَيْء فَأَما إِن كَانَ ينخسها شَيْء من الْعِظَام فَلَيْسَ يُمكن الْبَتَّةَ أَن تنظر وَإِن لم ينخسها شَيْء فَلْيَكُن انْتِظَار التقيح مِقْدَارًا معتدلاً حَتَّى لَا يُجَاوز الثَّالِث الْبَتَّةَ مُنْذُ أول الْعلَّة وَأَكْثَرهم يَنْبَغِي أَن يعالج فِي الثَّانِي.
قاطيطريون: أعظم الدَّلَائِل على خلع الْعَضُد وأسهلها تعرفاً النتوء المدور الصلب الْكَائِن فِي الْإِبِط لِأَن هَذَا يُمكن أَن يكون دون أَن ينخلع رَأس الْعَضُد وَيصير إِلَى مَوضِع الْإِبِط. وَأما الانخفاض ألف د والغور الَّذِي يكون فِي قلَّة العاتق فَهُوَ عَلامَة تعم خلع الْعَضُد وَإِتْلَاف الْعظم الصَّغِير الْمُسَمّى رَأس الْكَتف وَيَنْبَغِي أَن يكْتب أَولا فِي رَأس الْكَتف السَّلِيم وَيعرف قدر ارتفاعه ثمَّ تقيس إِلَيْهِ العليل فَمَا وَجَدْنَاهُ فِي غير الْحَال الطبيعية علمنَا أَن الْعَضُد مخلوعة إِلَّا أَن هَذِه الْعَلامَة دون الأولى فِي الدّلَالَة فَوْقهَا فِي الصعوبة وأنقص هَذَا فِي الْقُوَّة الْعَلامَة الَّتِي تُوجد فِي الحركات وَذَلِكَ أَنه قد يعرض للْإنْسَان أَلا يقدر أَن يشيل عضده إِلَى فَوق عِنْد مَا يعرض فِي العضل الَّذِي هُنَاكَ فسخ أَو تمدد أَو ورم أَو مَا انهتك وَانْقطع فِي عمق هَذَا العضل شَيْء من شظايا العصب المبثوث فِيهِ.
قَالَ: وَأعرف رجلا كَانَ قد زَالَ مِنْهُ رَأس الْكَتف عَن مَوْضِعه ثمَّ عرض لَهُ بعد ذَلِك بِزَمَان طَوِيل إِن عضده انخلعت من الْيَد الْأُخْرَى واصئابة فِي مَوضِع الصداع فَلَمَّا نظر الطَّبِيب إِلَى كلتى الْكَتِفَيْنِ متشابهتين حكم أَن مفصل الْعَضُد لم تنله آفَة وَأَن الْحَادِث إِنَّمَا هُوَ صدمة وَأَن الوجع من أَجله فَأمر أَن يُبَادر إِلَى الْحمام ويتمرخ فِيهِ بدهن كثير ويبطئ فِي الْجُلُوس فِي الآبزن فَإِذا خرج وضع على ذَلِك الْموضع صُوفًا مغموساً فِي قيروطي رطب ويستلقي وَيلْزم الدعة فَلَمَّا فعل ذَلِك أَقَامَهُ الوجع ليلته فَلَمَّا صرت إِلَيْهِ نظرت فَرَأَيْت أرفع مَوضِع فِي كتفه الَّتِي لَا توجعه وَهِي الَّتِي كَانَت قد زَالَت مُنْذُ زمَان طَوِيل أَخفض مِنْهُ فِي الْكَتف العليلة وَلِأَن ورم الْكَتف العليلة كَانَ قد تزيد تفقدت الْكَتف الَّتِي كَانَ يظنّ بهَا أَنَّهَا صَحِيحَة بعناية شَدِيدَة لِأَنِّي كنت)
أرى رَأس الْكَتف مِنْهُ قد زَالَ إِلَى فَوق فدعاني مَا رَأَيْت من ذَلِك وَمن قلَّة انْتِفَاع العليل بِمَا عولج بِهِ أَن أدخلت أصابعي فِي إبط تِلْكَ الْكَتف الوارمة ألف د فَلَمَّا لمسته وجدت فِيهِ رَأس الْعَضُد ظَاهرا فَلم أقتصر على ذَلِك حَتَّى أدخلت أصابعي فِي الْإِبِط الآخر فَلَمَّا لم أجد شَيْئا من النتوء الَّذِي وجدته فِي الآخر قلت: إِن الْعَضُد مخلوعة إِلَّا أَنهم لم يعلمُوا أَن ذَلِك لأَنهم لم يدروا أَن رَأس الْكَتف من الْيَد الْأُخْرَى زائل عَن مَوْضِعه وقاسوا الْكَتف العليلة إِلَى تِلْكَ الَّتِي كَانُوا يرونها سليمَة على أَنَّهَا صَحِيحَة عِنْدهم وَقلت لَهُم: سلوا الْمَرِيض هَل أَصَابَته فِيمَا تقدم صدمة على رَأس كتفه من الْيَد الْأُخْرَى فَأقر بعد أَنه كَانَ سقط(4/226)
عَن دَابَّته على ذَلِك الْموضع وَسكن وَجَعه سَرِيعا بالصوف المشرب بالزيت فَفِي الدَّلَائِل فرق كثير وبون بعيد من ذَلِك أَن مَا يعرض للْإنْسَان أَن يَسْتَطِيع أَن يمد يَده العليلة إِلَى فَوق يعم على الْأَكْثَر وَذَلِكَ أَنه مَتى عرض لوترات العضل الَّتِي هُنَاكَ أَو للعضل نَفسه أَن يحدث فِيهِ ورم صلب أَو ورم حَار أَو تفسخ أَو هتك فِي عمق الْموضع لم يُمكن رفع الْيَد إِلَى فَوق لشدَّة الوجع والانخفاض والغور الْحَادِث فِي مُعظم لحم الْكَتف عَام لخلع مفصل الْعَضُد ولزوال رَأس الْكَتف عَن مَوْضِعه فَأَما النتوء الْكَائِن فِي الْإِبِط المدور الصلب فَهُوَ عَلامَة كَافِيَة على الْعَضُد المخلوعة لِأَنَّهَا لَا تخطئ أصلا وَهِي مَعَ ذَلِك سهلة التعرف وَذَلِكَ أَن الْإِنْسَان إِنَّمَا يحْتَاج أَن يدْخل أَصَابِعه فِي الْإِبِط حَتَّى يلمس تِلْكَ الْعَضُد هُنَاكَ ظَاهِرَة. وَصَاحب الْقيَاس يُمكنهُ أَن يدْرك هَذِه العلامات سَرِيعا وَذَلِكَ أَنه يَأْخُذهَا من طبائع الْأَشْيَاء وَيحْتَاج أَن ينْتَظر التئامها لِأَنَّهُ إِنَّمَا توهم أَن الْعَضُد قد خرجت عَن موضعهَا الْخَاص بهَا وَصَارَت إِلَى مَوضِع الْإِبِط علم أَنه يُوجد فِي الْإِبِط نتوء على غَيرهَا من الْأَعْضَاء الَّتِي لَيست مستوية لَكِن فِيهَا مَوَاضِع لاطئة.
قَالَ: إِنَّمَا يحْتَمل الْعُضْو الجبائر إِذا كَانَ سليما من الورم والرباط تجلب ألف د شَيْئا من فضول إِلَى الْعُضْو وَيمْنَع أَن ينصب إِلَيْهِ شَيْء وَيمْنَع الْعُضْو العليل أَن يرم وَأما الجبائر فلتكن ملساء مقعرة. الْأَطْرَاف نَاقِصَة عَن الرِّبَاط من الْجَانِبَيْنِ لَكِن يكون وسط الرِّبَاط أقوى وَأَشد غمزاً من طَرفَيْهِ وَيَنْبَغِي أَن لَا تلقي الجبائر الْبَتَّةَ موضعا معرى من اللَّحْم الناتئ.
قَالَ: والأطباء يستعملون نطول المَاء الْحَار على الْموضع بعد أَن يحلوه من الشدَّة الأولى ليحدث مِنْهُ نَفعه وَيَنْبَغِي أَن يكون المَاء معتدلاً عِنْد العليل فَإِذا كَانَ بدنه نقياً فَإِن نطول المَاء الْحَار يحلل من الْعُضْو أَكثر مِمَّا يجلب إِلَيْهِ وخاصة إِن كَانَ زَمَانه زَمَانا طَويلا وَكَانَ الْبدن ممتلئاً فَإِنَّهُ)
يجلب إِلَيْهِ أَكثر مِمَّا يحلل وخاصة إِن كَانَ زَمَانه قَصِيرا وَليكن مِقْدَار صبه عَلَيْهِ مَا دَامَ الْعُضْو يَرْبُو وينتفخ وَيقطع قبل أَن يَأْخُذ يضمر ويتخلص. وتمديد الْعُضْو بإفراط يجلب ورماً وَحمى وتشنجاً وَهُوَ فِي الصّبيان أسلم لرطوبتهم.
قَالَ: وعلاج الْكسر أَن تمدد الْعُضْو من جِهَتَيْنِ متضادتين وتقومه وتجبره وتصلحه حَتَّى ترده ثمَّ تربطه على مَا يَنْبَغِي وَأما الْخلْع فَإِن يمد الْعُضْو خلاف النَّاحِيَة الَّتِي خرج مِنْهَا وَيدخل رَأس الْعُضْو المنخلع فِي مَوْضِعه من الْمفصل ويشد الْموضع برباط يكشفه كَمَا يَدُور مُوَافقا لَهُ قَالَ: رِبَاط الْكسر إِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَن يدْفع الدَّم عَن الْموضع العليل لِأَنَّهُ بِهَذَا يُؤمن الورم.
الْفُصُول قَالَ: قد ينخلع رَأس الْفَخْذ والعضلة من خَارج لَكِن لِأَنَّهُ يصير إِلَى تِلْكَ النقر رطوبات يَنْبَغِي أَن يكوى فِي هَذِه المفاصل ليجفف تِلْكَ الرُّطُوبَة الَّتِي فِي تِلْكَ النقر بالكي فَإِنَّهُ أبلغ مَا يكون فِي تجفيفها ويعسر تجفيفها بِغَيْر الكي ويقتبس الْجلد والمفصل بذلك قُوَّة بعد ذَلِك للدشبد الْمُتَوَلد مَوضِع الكي فَلَا يقبل أَيْضا بعد ذَلِك هَذِه الفضول. لي يَنْبَغِي أَن تعلم أَن هَذَا الانخلاع لَا يكون رَأس الْعَضُد قد زَالَ حَتَّى مد رباطه وَقَلبه إِلَى مَوضِع آخر كَمَا يكون عِنْد مَا يرم(4/227)
رَأس ألف د الْعَضُد تَحت الْإِبِط لَكِن إِذا امْتَلَأت النقرة من الرطوبات وابتلت بِهِ الرباطات كَانَ رَأس الْمفصل من النقرة منبرزاً وسلساً ورباطه رخواً وارماً هَذَا يحدث بِسَبَب سَابق. لي فِي المارستان رؤيتي من المجبرين أخوف شَيْء ينكسر أَن لَا يلتحم وَلَا يصلب الْعَضُد ثمَّ الساعد وَأمر الْفَخْذ والساق أسهل لِأَنَّهُ قد يتهيأ أَن يبسطها فِي موضعهَا الْخلْع إِذا لم يوجع كَانَ أوحش من الْكسر فِي الْجُمْلَة للترقوة يصعب أمرهَا إِذا كَانَت قد انْكَسَرت إِلَى دَاخل لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يدبر ويلزمها الجبائر من دَاخل. الْخلْع يعرض فِي الزند الْأَسْفَل أَكثر لِأَنَّهُ يَجِيء وَيذْهب وَيكون سمجاً لِأَن فِي ربطه سَعَة. وَمَا الزند الْأَعْلَى فَإِنَّهُ مَوْصُول بالكف وصلا أضيق لَا يَتَحَرَّك إِذا غمزت عَلَيْهِ كَمَا يَتَحَرَّك الزند الْأَسْفَل. وَالْكَسْر يجفف فِيهِ أَكثر وخلعه أَيْضا لَا يكون كسماجة الآخر. اعْلَم أَن أَكثر مَا يحْتَاج أَن تتعاهد الرِّبَاط وتشده بعد الْعشْر أَو الْعشْرين لِأَنَّهُ فِي ذَلِك الْوَقْت يبْدَأ الدشبد يتكون وَلَا يغرنك أَن ترى الْعُضْو مستوياً فيتهاون بالرباط فَإِنَّهُ يرى كَذَلِك مادام عليلاً فَإِذا اسْتَوَى سكن الورم وَظهر اعوجاجه وسماجته فاستقصى ذَلِك وَإِذا كَانَ مَعَ الْخلْع وَالْكَسْر جِرَاحَة فَلْيَكُن الرِّبَاط خَفِيفا جدا إِلَى أَن يَأْمَن الورم الْعظم والجراحة وَلَا يضر ذَلِك فِي أول الْأَمر فَإِذا أمنت فَشد حِينَئِذٍ وَإِذا ربطت رِبَاطًا شَدِيدا الْكسر أَو الْخلْع)
فَانْظُر إِلَيْهِ من الْغَد فَإِن رَأَيْته قد ورم ورماً كثيرا فنفسه وَالْكَسْر يرجع فِي أَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ وَالْخلْع أسْرع وَإِذا لزم الْكسر وَبَدَأَ يعْقد فَاجْعَلْ مَوْضِعه من الرِّبَاط أسلس قَلِيلا قَلِيلا ليمكن فِيهِ أَن يعْمل دشبد كثيرا وَلِئَلَّا يَجِيء شَدِيد الرَّقَبَة. وَانْظُر أَلا تتوانى ويغرك فنترك الشد فِي حَاله وتترك اسْتِوَاء الْعُضْو وقوته بعد الْأَرْبَعين وَنَحْوه وَعند مقاربة الْبُرْء وَلَكِن الزم وَشد فِي هَذِه الْحَالة فَإِنَّهُ فِي تواني يَوْم يَجِيء معوجاً إِلَى أَن تعلم علما يَقِينا صلابته وقوامه وَانْظُر أبدا الْجِهَة ألف د المائلة إِلَيْهِ وضع الرفائد فِي مقابلتها واغمزه من هُنَاكَ قَالَ: رجل جبرت ...
فَجَاءَت معوجة لَهَا خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا فَقَالَ: لينها أَيَّامًا ليحتال تحسنها وَالَّذِي يحتال بعد أَن تلين أَيَّامًا بِالتَّمْرِ والشيرج ثمَّ تنظر جِهَة الْميل فتجعل الرفائد والجبائر عَلَيْهِ وتحكم شده حَتَّى يمِيل عَن تِلْكَ الْجِهَة وَتبقى على ذَلِك فتحس أَلا يكون قبيحاً بِمرَّة.
الْعِلَل والأعراض: الرطوبات إِذا أمنت وأقامت فِي المفاصل بلت ربطها وأرخته فَصَارَ الْمفصل لذَلِك سهل الزَّوَال والانخلاع وَرُبمَا تَكَسَّرَتْ النقر الَّتِي فِيهَا تكون رُؤُوس الْعِظَام لعِلَّة مَا فَيصير العضل بعد ذَلِك سهل الانخلاع جدا وَرُبمَا كَانَ من نفس الخلعة هَذِه النقرة لَيست عميقة فَيكون صَاحبهَا مستعد لانخلاع المفاصل.
من كتاب آراء أبقراط وأفلاطن: العلامات الصَّحِيحَة على انخلاع الْعَضُد من الْكَتف النتوء تَحت الْإِبِط وتباعد الْمرْفق من الأضلاع أَكثر من بعد الصَّحِيح وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يدنو الصَّحِيح إِلَّا بوجع يَعْنِي أَنه لَا يلتزق بهَا الترقوة وَلَا يُمكنهُ أَن يشيل يَده إِلَى رَأسه وعضده(4/228)
فيبسط إِلَّا بوجع.
قَالَ: وَرُبمَا انْكَسَرت السناسن فَيَنْقَطِع الصلب فيظن قوم أَن ذَلِك انخلاع خرز الصلب إِلَى دَاخل وَلَيْسَ كَذَلِك وانخلاع خرز الصلب إِلَى دَاخل متْلف مهلك وَأما كسر السناسن فَلَا خوف فِيهِ. لي الترقوة لَيست تَزُول أبدا إِلَى دَاخل وَإِنَّمَا يخَاف أَن تخرج إِذا انْكَسَرت أبدا إِلَى خَارج فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تُوضَع الْجَبِيرَة على الْموضع وتغمز وتشد أبدا.
قَالَ: انخلاع الْعَضُد تحْتَاج أَن يعلق صَاحبه ويشد رسن فِي عضده ويشال إِلَى فَوق أَعنِي يمد عَن نَاحيَة الأضلاع وَرُبمَا انْكَسَرت الْعَضُد من شدَّة هَذَا الجذب من قبل أَن يخرج رَأس الْعَضُد من الْموضع الَّذِي قد تشب فِيهِ.
آراء أبقراط وأفلاطن قَالَ أبقراط فِي كتاب الْجَبْر: وَهَهُنَا قوم يعالجون الْكسر الَّذِي مَعَ جِرَاحَة)
بِأَن يشدوا من الْجَانِبَيْنِ وَيدعونَ ألف د مَوضِع القرحة بِلَا شدّ يتنفسون ويضعون عَلَيْهَا مرهماً وَهَذَا علاج سوء لِأَن الورم ينْدَفع إِلَى القرحة والأخلاط كلهَا فِي هَذِه الْحَالة تميل إِلَيْهَا بل لَو ربطت لَحْمًا صَحِيحا من الْجَانِبَيْنِ وَتركت وَسطه مكشوفاً لوجدته فِي هَذَا الْحَال يتعوج ذَلِك الْوسط قَالَ: فَتَصِير الْجراحَة لهَذَا العلاج رَدِيئَة اللَّوْن رَدِيئَة الصديد لَا تكون فِيهَا مُدَّة نضجة ويتولد فِيهَا عِظَام فَاسِدَة ضَرُورَة ويضطر الْأَمر فِي آخِره إِلَى أَن يحل ذَلِك الرِّبَاط بِشدَّة الضربان. لي يَنْبَغِي أَن يفهم من هَذَا إِذا كَانَ مَعَ الْكسر قرحَة فِي مَوْضِعه الْخَاص فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تعالج القرحة أَولا فَإِن كَانَ بَعيدا مِنْهُ يحْتَمل أَن يعالج الْكسر بِهِ فَيَنْبَغِي أَن تعْمل بِحَسب مَا ترى فَإِن الْأُمُور فِي هَذَا مُخْتَلفَة.
الطَّبَرِيّ قَالَ: إِن انْكَسَرَ الْأنف التحم فِي عشرَة أَيَّام والضلع فِي عشْرين يَوْمًا والذراع فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا والفخذ فِي خمسين يَوْمًا.
قَالَ: وَمِمَّا يلين المفاصل الْمَكْسُورَة الَّتِي قد صلبت والوثء: التَّمْر والألية يدقان ويضمد بهما.
وَقَالَ: دهن البلسان يلين العصب المنعقد.
الطَّبَرِيّ قَالَ: دهن البان يلين العصب المنعقد.
حِيلَة الْبُرْء: يَنْبَغِي أَن يحول إِلَى هَهُنَا مَا فِي آخر السَّادِسَة وَمن جملَة أَن أول مَا يَقع الْكسر يَنْبَغِي أَن يلطف التَّدْبِير ويبرد وَرُبمَا احتجت أَن تفصد لِئَلَّا يحدث الورم وَلَا يَنْبَغِي أَن يشد الورم شداً يوجع من أول الْأَمر فَإِذا أمنت الورم زِدْت فِي الشد. وَإِذا كَانَ بعد خَمْسَة عشر يَوْمًا وَأخذ الْعظم ينجبر فَاجْعَلْ الأغذية غَلِيظَة لزجة وَلَا تجعلها غير لزجة لِأَن ذَلِك الدشبد الْمُتَوَلد مِمَّا لَا لزوجة لَهُ ينكسر سَرِيعا فَيَعُود الْكسر. لي هَذِه هِيَ الترمس والأشياء القابضة وَأما ذَلِك الغليظ اللزج فَمثل الأكارع والبطون والهريسة وَالشرَاب الغليظ.
قَالَ: من الدَّلِيل لَا بُد للكسر الَّذِي يخرق أَن يتْرك مَوضِع الْجرْح فَارغًا بِلَا شدّ وَيجْعَل(4/229)
جملَة الشد أرْخى ويعالج الْعظم حَتَّى يخرج إِن كَانَت لَهُ شظايا بنشر وَإِن لم تكن شظاياً يحك وي ل عَلَيْهِ المراهم. ألف د الْكسر المدور أَعنِي بِهِ الَّذِي ميل الخرز إِذا اندق بِاثْنَيْنِ ينْعَقد بطيئاً جيدا وَيحْتَاج الْمُجبر أَن يُطِيل علاجه وَيَنْبَغِي لصَاحبه أَلا يحركه كتحريك سَائِر الكسور الَّتِي لَهَا شعب وشظايا فَإِن تِلْكَ كالغشاءين والتحامه أسْرع وأوكد وَإِذا بَدَأَ الْكسر ينجبر فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن ترخى الرِّبَاط قَلِيلا فَإِذا انجبر فعلامته أَن يكون إِذا جسست بِيَدِك وجدته)
مثل خرزة تديرها بَين أَصَابِع يَديك ترى عَلَيْهِ نتوءاً صلباً وَذَلِكَ هُوَ الدشبد الَّذِي قد عقد على الْعظم يَنْبَغِي أَن يتَعَاهَد الْبَطن الرِّبَاط فَإِذا ذهب يرم لوجع أرخيته فَإِنِّي رَأَيْت صَبيا شدت يَده فتنفطت وعفنت وتستعمل الفصد أَن احتجت إِلَى ذَلِك وَإِن كَانَ نافراً شددت أدنى شدّ وَإِن كَانَت نافرة جدا وَخفت الورم أَو ورماً حِين تشده فدع الشد الْبَتَّةَ أَيَّامًا وَاسْتعْمل البط فِيهِ حَتَّى تسكن النائرة ثمَّ اسْتعْمل الشد وَلَا تبالي بالجبر فَإِن الْعظم لَا يلتحم فِي مُدَّة تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي تسكن فِيهَا تِلْكَ النائرة. وَإِن التحم أمكنك أَن تقويه بالرفائد.
رَأَيْت رجلا نحيل الْبدن مسلولاً وَبِه كسر فِي عضده قد أَتَى عَلَيْهِ سِتُّونَ يَوْمًا ثمَّ لم تلْزم الْبَتَّةَ وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ شَيْء وَلذَلِك قلَّة الدَّم أعون شَيْء على أَن لَا يلْزم المكسور لِأَن الطبيعة لَا تَجِد مَا تهيئ مِنْهُ دشبداً.
قَالَ: إِذا رَأَوْا الْكسر لَا يلْزم إِلَّا لُزُوما ضَعِيفا دلكوا مَوْضِعه باليدين حَتَّى تنفرغ مَا على الْكسر من تِلْكَ اللزوجة الضعيفة الَّتِي لَا تَسَاوِي شَيْئا ويدمى وَتَحْته دم آخر ينْعَقد عَلَيْهِ ويشده وَمِقْدَار قُوَّة الْفَرْع والدلك بِقدر لحم الْبدن وقوته مَا كَانَ الحم فاجعله أَكثر وَأقوى هَذَا يقوم للجبر مقَام الْحل للقروح.
قَالَ: وَيَنْبَغِي عِنْد الغمز وَالْمسح على عِظَام الْكسر الشظايا أَن يتَعَرَّض الساعد بالغمز لتستوي الْعِظَام وَيمْسَح مسحاً جيدا لترى الاسْتوَاء ثمَّ تضع على مَوضِع ألف د الْكسر نَفسه رفادة.
قَالَ: وَلَيْسَ يجر الْأَصَابِع والغمز مَعًا إِلَّا على خلع تُرِيدُ أَن يجرع إِلَى مَوْضِعه أَو شظية عظم فَأَما الأدهان وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا تزيدها ألماً فَقَط.
الْأَصَابِع إِذا انخلعت تدخل إِلَى دَاخل الْكَفّ لَا تنخلع إِلَى ظَاهر فَيرى رَأسهَا فِي بَاطِن الْكَفّ وَيرى الْغَوْر فِي الظَّاهِر وردهَا عسر وتحتاج إِلَى قُوَّة أَيْضا وَلَا يَنْبَغِي أَن تمد على اسْتِوَاء بل تقبض عَلَيْهَا وتشال بالسبابة من بدله الَّتِي تقع تحتهَا عِنْد الْقَبْض عَلَيْهَا ِأصلها إِلَى فَوق كَأَنَّك تقلعها من أماكنها فَإِنَّهَا تدخل إِلَى موضعهَا بِصَوْت أبح وَكَذَا ترجع المفاصل إِذا انخلعت بِصَوْت أبح.
لخلع الْعَضُد يُؤْخَذ خَشَبَة فَيجْعَل على وَسطهَا خرقَة وتوضع تَحت الْإِبِط ويجر رَأسهَا رجلَانِ إِلَى فَوق ويكبس منْكب العليل الآخر الصَّحِيح إِلَى أَسْفَل لِئَلَّا يقوم العليل فيشيل نَفسه(4/230)
ويمد)
الرّجلَانِ الحويك ويشيل الْمُجبر الْعَضُد ويجرها إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يقلعه من الْإِبِط فَإِنَّهُ يدْخل بِصَوْت أبح فَلَا تخرج الْخَشَبَة قَلِيلا ثمَّ أَدخل تَحت الْإِبِط كرة قَوِيَّة وشده وعلق الْيَد وَيكون الشد يرفع الْمرْفق ويحفظ رَأس الْعَضُد جيدا وَأَيْضًا لرده: تُؤثر رجلك فِي جنب العليل وتجذب عضده إِلَيْك كَأَنَّك تقلعها من الْإِبِط وَأَنَّهَا تدخل. وَأَيْضًا تعلق فِي السّلم وَهُوَ أصعبها وَيخَاف مِنْهُ وَمن الْحَرِيق كسر الْعَضُد فَإِن انْكَسَرَ احتجت أَن تعالج الْكسر ويبق الْخلْع أبدا. لي أعلم أَن الْحَرِيق وَالسّلم يخَاف مِنْهُ الْكسر إِذا لم يكن مَوْضُوعا تَحت رَأس الْعَضُد لَكِن على نصفه وَهَذَا يجهله المجبرون فَأَما إِذا كَانَ رَأس الْعَضُد على الْحَرِيق لم ينكسر الْبَتَّةَ وَلَو وَقع عَلَيْهِ أَشد مَا يكون من الْقُوَّة. الرجل النحيف الْبدن الَّذِي لم يلْزم كسر عضده بعد سِتِّينَ يَوْمًا أحدبدته عصب فَأقبل كَسره بِعقد ألف د وعقده.
أهرن: مَا يرجع الْعَضُد المنخلع إِذا مسته فَكَانَت سلسة رخوة وَاسِعَة الْجلد كَانَ فِيهِ رُطُوبَة واليابسة القحلة الصلبة عسرة الرُّجُوع.
رَأَيْت صبية بَقِي يَدهَا بعد الشد ممدودة لَا يثنى الْمرْفق فأمرتها بِأَن تعلق يَدهَا فِي رقبَتهَا وتضيق العلاق قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى ينظم نعما لِأَنَّهُ إِن ضيق العلاق من أول أمره اشْتَدَّ الوجع.
القصبة الصُّغْرَى من السَّاق هِيَ فِي الْجَانِب الوحشي فَإِذا انْكَسَرت فَلَيْسَ فِيهَا كَبِير مَكْرُوه وصاحبها يمشي وَهُوَ مكسور فَإِذا جبرت تمّ أمرهَا فِي عشْرين يَوْمًا وَأَقل.
لخلع الْعَضُد: تُؤْخَذ خَشَبَة مُدَوَّرَة الرَّأْس قدر شبر فليف عَلَيْهَا قطن وخرق فَإِذا رجعت الْعَضُد فَأدْخل هَذِه فِي الْإِبِط وشلها بعصابة شيلاً قَوِيا لتدفع أبدا الْإِبِط وَتَكون تَحْتَهُ وَيمْنَع أَن يرجع رَأس الْعَضُد فِيهِ وَيَنْبَغِي أَن يكون طول هَذِه كطول الْعَضُد وَيحكم شده وتلصق الْعَضُد بالجنب ويشده كَمَا يفعل فِي كسر الْعَضُد فَإِن التزقت الْعَضُد بالجنب رطبها جَمِيعًا فِي خلع الْعَضُد أَجود هُوَ رُجُوع رَأسه المنخلع إِلَى الْحَال الطبيعية.
من كتاب أبقراط فِي الْكسر قَالَ: الْعظم إِذا انْكَسَرَ لم يبْق شكله على الاسْتوَاء لَكِن يمِيل بعضه إِلَى أَسْفَل وَبَعضه إِلَى فَوق فمدوه وقوموه على مَا كَانَ واربطوه.
قَالَ: ويعرض لكسر الْعظم وجع شَدِيد لمؤخره للعضل فَيَنْبَغِي قبل الورم والنوازل أَن يقومه ويشده. لي الجبائر يَنْبَغِي أَن يكون وَضعهَا على مَوضِع الْكسر نَفسه وَفِي مُقَابلَته وبهذين الْمَوْضِعَيْنِ)
يكون تقويمه فَإِن احترست وَأخذت بالوثيقة فضع أَيْضا على جَمِيع الْجِهَات ليَكُون الْكسر كَأَنَّهُ فِي قالب أَو بربخ وَرجع إِلَى كتاب أبقراط قَالَ: فَإِن لم تكفك فِي مد الْعظم المكسور قوتك فَاسْتَعِنْ بالحبال والسيور فَإِذا امْتَدَّ مَا تُرِيدُ فقومه بِيَدِك ألف د ثمَّ اربطه بخرق لينَة ثمَّ(4/231)
تمسك الْعُضْو بِحَالهِ الطبيعية يدا كَانَت أَو رجلا وَهُوَ الشكل الَّذِي لَا وجع مَعَه وشكل الْيَد الَّذِي لَا وجع فِيهِ هُوَ أَن يكون بَاطِن الْيَد مواجهاً للصدر. لي مِمَّا رَأَيْت: الجبائر تُوضَع على الْكسر من أول سَاعَة يَقع الْكسر وَإِن كَانَ الْكسر قد عتق فضع عَلَيْهِ الملينات ثمَّ سوه بالجبائر تُوضَع على الْكسر من أول سَاعَة يَقع الْكسر واقصد أَن يعمد الْموضع المحدب. لي جَاءَنَا رجل يزْعم أَنه تنخلع عضده كل قَلِيل إِذا عمل بِيَدِهِ عملا فَقَالَ: قد دخلت فِي مفصل الْكَفّ رُطُوبَة وَيَنْبَغِي أَن تشد أَيَّامًا كَثِيرَة لتفنى تِلْكَ الرُّطُوبَة وَأَنا أَقُول: هَذَا يحْتَاج إِلَى الأضمدة بالقوابض الحارة وبآخره إِلَى أضمدة الْخَرْدَل والكي.
إِذا رَجَعَ الْكسر فِي الزند الْأَعْلَى فَهُوَ هَين وَأما إِذا وَقع فِي الْأَسْفَل فرديء وَإِن وَقع فيهمَا فشر من ذَلِك.
قَالَ: الزند الْأَعْلَى إِذا انْكَسَرَ فَلَا تحْتَاج أَن يمد بِشدَّة لِأَنَّهُ لين ينقاد سَرِيعا. فَأَما فِي الِابْتِدَاء فليمد مدا كثيرا لِأَنَّهُ جاس جدا فَإِن انْكَسَرَ جَمِيعًا فليمدا مدا شَدِيدا. وأعضاء الصّبيان لَا يَنْبَغِي أَن يشد مدها لِأَنَّهَا قد تعوج لشدَّة الْمَدّ لرطوبتها.
وَقَالَ: يعرف مَوضِع الْكسر من ثَلَاث خِصَال: من أَن الْموضع الَّذِي مَال عَنهُ الْعظم عميق.
وَالَّذِي مَال إِلَيْهِ أحدب وَهَذَا رُبمَا بِأَن بِالْعينِ فَإِن لم يبن بِالْعينِ فباللمس تَجِد أحد الْمَوْضِعَيْنِ عميقاً وَالْآخر منحدباً.
وَمن الوجع فَإِنَّهُ يكون فِي الْموضع الَّذِي مَال إِلَيْهِ الْعظم. لي وَيعرف ذَلِك أَيْضا كثيرا من خشخشة الْعظم تَحت يدك فَاسْتَعِنْ بكلها على قدر الْموضع فَإِذا كَانَ الْكسر مفرطاً ألف د رَأَيْت الْعُضْو يلتوي وينقلب وخاصة إِن كَانَ مدوراً أَعنِي الَّذِي لَا شظايا لَهُ.
قَالَ: ليكن الْخرق لَا جَدِيدَة وَلَا بالية. وابتدئ بالرباط على حَيْثُ مَال الْعُضْو فالفف عَلَيْهِ مَرَّات حَتَّى يثبت الْعظم الصَّحِيح وأرخ الرِّبَاط مَتى تبَاعد من مَوضِع الْكسر واربط ثَلَاث عصائب وَاحِدَة تبتدئ من مَوضِع الْكسر وَتَأْخُذ إِلَى فَوق. وَأُخْرَى تبتدئ من مَوضِع الْكسر)
وَتَأْخُذ إِلَى أَسْفَل من الْكسر فِي الْموضع الصَّحِيح. وَأُخْرَى تبتدئ من أَسْفَل مَوضِع الرِّبَاط إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى أَعلَى مَوضِع مِنْهُ. لي هَذَا يحفظ الرباطين الْأَوَّلين.
قَالَ: وَأحذر أَن نسج العصائب وَذَلِكَ يصير رخوا سَرِيعا وَلَا تحل الرِّبَاط إِلَّا فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام مرّة إِلَّا أَن يعرض للسقيم وجع شَدِيد. أَصْحَابنَا لَا يحلونه الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يوجع ويرم ورماً كثيرا ويسترخي. رَجَعَ قَالَ: إِن ورمت أَطْرَاف الْيَد ورماً كثيرا فَاعْلَم أَنه كَانَ شَدِيدا وَإِن لم ترم التبة فَاعْلَم أَن الرِّبَاط ضَعِيف فأحكمه وَإِن ورمت ورماً يَسِيرا فَإِنَّهُ جيد على مَا يَنْبَغِي.(4/232)
قَالَ: وَبعد السَّابِع اجْعَل الرِّبَاط أرْخى لِئَلَّا يمْنَع الْغذَاء. قَالَ: ثمَّ اسْتعْمل الجبائر بعد هَذَا.
هَذَا نقض قَوْله لِأَن الجبائر تشد الرِّبَاط وتمنع الْغذَاء وأحوج مَا كَانَت إِلَيْهِ الجبائر فِي وَقت الْكسر قَالَ: إِنَّمَا ذكر أبقراط الجبائر أخيراً لتَكون أحكم للعلاج وَأَشد للعضو المجبور.
قَالَ: إِذا علقت الْيَد بالعنق فَانْظُر أَن تَأْخُذ خرقَة تعرض مَا بَين الْمرْفق إِلَى الْأَصَابِع فعلقها بِهِ لِأَن ذَلِك الْخرق الدقاق إِن تعلق رَدِيئَة موهنة للكسر وتفقد الْكَفّ لَا تكون مائلة إِلَى أَسْفَل فَإِنَّهُ يسيل إِلَيْهَا مواد وَلَا فَوت فترجع.
قَالَ: يَنْبَغِي أَن تكون الذِّرَاع محاذية للإبهام. يَنْبَغِي أَن تكون الْجَبِيرَة الأولى غَلِيظَة وتوضع سَائِر الجبائر ولتكون دون الأولى فِي الغلظ حول الْكسر ووطئ مَوضِع انتهائها وَلَا تحل إِلَى أَن تهيج حكة شَدِيدَة واعوجاج أَو وجع شَدِيد ألف د وورم مفرط.
قَالَ: وَإِن عرض حكة شَدِيدَة فَحله وانطل عَلَيْهِ مَاء حاراً فَإِنَّهُ يسكن الحكة وينفش تِلْكَ الأخلاط.
قَالَ: والساعد ينجبر فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَو خَمْسَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَرُبمَا برأَ فِي ثَمَانِيَة وَعشْرين يَوْمًا على قدر اخْتِلَاف الْأَبدَان فَإِنَّهُ مَتى كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَالَّذِي فِيهِ غلظ أسْرع الْجَبْر ويبطئ فِي الغلمان والمشايخ لرقة دم الغلمان وَإنَّهُ ينفذ مِنْهُ كثيرا فِي غذائهم وَضعف قُوَّة الْمَشَايِخ.
وَإِذا كَانَ الْكسر مَعَ جرح فلطف التَّدْبِير وَإِن كَانَ بسيطاً فَاجْعَلْ الْغذَاء غليظاً.
قَالَ: إِذا رَأَيْت الْعظم قد استواى وَعقد فَلَا تسْتَعْمل الجبائر. لي المجبرون قد جربوا أَنه إِن لم تدم الجبائر على الْعظم مُدَّة طَوِيلَة بعد انْعِقَاده أَعْوَج وَكَثِيرًا مَا يتهاون الْمُجبر بعد أَيَّام كَثِيرَة لَا يظنّ أَنه قد اسْتغنى عَن الجبائر فيعوج الْعظم وَاسْتعْمل فِي أول زمَان الْكسر الأغذية اللطيفة المبردة أَيَّامًا مثل السويق وَنَحْوه وَلَا يقرب اللَّحْم وَالشرَاب الْبَتَّةَ)
ليأمن من الورم وانصباب الْموَاد. فَأَما فِي الْوسط وبآخره فَاسْتعْمل اللَّحْم وَالشرَاب والأغذية الغليظة.
قَالَ: أَكثر ميل الْعَضُد إِذا انْكَسَرت إِلَى خراج فصادفها بالرفائد.
قَالَ: وَعظم الْعَضُد يشْتَد فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
قَالَ: وَإِيَّاك أَن تشد الجبائر بِقُوَّة فَإِنَّهُ لَا يلْزم الْبَتَّةَ لمنع الْغذَاء.
قَالَ: عظم الْعقب إِذا انْكَسَرَ كَانَ علاجه عسراً.(4/233)
قَالَ: الْعِظَام الصغار يَعْنِي عِظَام السلاميات لَا تنكسر لِأَنَّهَا صلبة جدا لَكِن تنخلع فَلَا تمدها كَمَا تمد الكسور لِأَنَّهَا لَا تنكسر لَكِن اضغطها وَشد عَلَيْهَا بأصبعك فَإِنَّهَا ترجع إِلَى أماكنها وَكَذَلِكَ الْحَال فِي عِظَام الرسغ وَيَنْبَغِي أَن تضع الْجَبِيرَة فَوْقهَا فَإِنَّهَا تنجذب خَارِجا كثيرا لِأَن الَّذِي تَحْتَهُ عضل صلب يمْنَع الْعظم أَن ينزل وتشيله وَهَكَذَا الْحَال فِي ظهر الْقدَم والكف وَيبرأ فِي عشْرين يَوْمًا وَإِن كَانَ فِي الرجل فَلَا يمس. ألف د قَالَ: وَقد يعرض مَعَ الْكسر الَّذِي مَعَ جرح كَبِير أَن يجمد الدَّم فِي تِلْكَ العضل فيورث كزازاً. لي هَذَا يعالج بِالْمَاءِ الْحَار.
قَالَ: الْعظم إِذا لم يستو هزل ورق لِأَنَّهُ لَا يغتذي على مَا يَنْبَغِي. وَإِن انْكَسَرَ عظم السَّاق الْعليا سهل أمره وَأما السُّفْلى الْكَبِيرَة فرديء جدا. وَالصَّبِيّ يكفى أَن يمده الطَّبِيب وَحده وَأما الشَّبَاب فَيحْتَاج إِلَى أعوان يمدونه.
قَالَ: فَإِذا أردْت جبر الْفَخْذ فَمدَّهَا شَدِيدا أَشد من مد كل عُضْو قَالَ: وَإِذا شددت الْفَخْذ فَاجْعَلْ بَين الفخذين كرة صوف لِئَلَّا يتعوج الْعظم وَإِن عرض ورم فبلوا صُوفًا بشراب وضعوه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يبرد الورم قَالَ: مدوا عظم الْفَخْذ مدياً قَوِيا لِأَنَّهُ عظم كَبِير وَلَا تجزعوا من شدَّة الْمَدّ وَلَا تتركوا كَسره متبرئاً زَمَانا طَويلا لِأَنَّهُ يسيل مَا بَينهَا رطوبات فتعفن ويعرض مِنْهُ عفن الْعُضْو كُله.
قَالَ: وَإِذا كَانَ مَعَ الْكسر جرح فَلْيَكُن مده بِرِفْق وَإِيَّاكُم وَالْمدّ الشَّديد وَكَذَلِكَ فاربطوه بِرِفْق وتفدوا الورم والوجع. قَالَ: وَتحل كل يَوْم من أجل الْجرْح وَيكون العصائب أَكثر عرضا. قَالَ: وَيتْرك الْجرْح مَفْتُوحًا ليسيل الصديد وضع على الْجرْح مرهماً وضع حوله وَفَوق المرهم خرقاً مبلولة بشراب أسود قَابض فَإِن ذَلِك يمْنَع الورم.)
قَالَ: وَاجعَل شكل الْعُضْو شكلاً يسل الصديد مِنْهُ وَاجعَل شدك الرِّبَاط على قدر عظم الْعُضْو من الْجرْح. لي الكسور إِذا وَقعت بِالْقربِ من المفاصل أضرت بحركة الْمفصل وعسرته لِأَنَّهَا تورث مَوضِع المفاصل غلظاً حِين يعْقد الدشبد وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يكون أطول الشد فِي هَذِه أقل والتليين أسْرع وَأكْثر عِنْد مَا يَأْخُذ فِي الِانْعِقَاد.
حكى الْمُجبر أَنه يسْتَعْمل الشمع والدهن بدل ضمادهم حَيْثُ ألف د يرى الوجع شَدِيدا والورم كثيرا فيسكن الورم والوجع وَيَحْمَدهُ العليل جدا جدا فَإِن ذَلِك شَرّ لَهُ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي كتاب أبقراط فِي الْكسر وَالْخلْع.
الجبائر تُؤْخَذ عَن الْعَضُد إِذا صلب العقد واستوى لِأَنَّهُ يُرَاد بالجبائر إِمَّا حفظ الْعُضْو على حَاله وَإِمَّا أَن يَسْتَوِي عوجه فَإِذا حصل الاسْتوَاء والصلابة فقد اسْتغنى عَنْهَا.(4/234)
وَإِذا كَانَ الساعد يشْتَد عقده سَرِيعا فِي عشرَة أَو خَمْسَة وَعشْرين احْتَاجَ أَن يبْقى على الجبائر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَمَتَى تَأَخّر العقد كَانَت مُدَّة الْحَاجة إِلَى الرفائد أطول وبالضد. وَالصَّوَاب فِي وَضعهَا أَن تُوطأ وَتجْعَل اللَّازِمَة للكسر يغمز عَلَيْهِ وَيُوضَع الْأَقْوَى إِلَى جِهَتَيْنِ متضادتين من الْكسر ثمَّ الأضعف فِي جَنْبي هَذَا الْمَكَان حَتَّى يكون الْعُضْو كَأَنَّهُ فِي قالب مثلا.
قَالَ: الجبائر فِي الْموضع الَّتِي يخَاف أَن تَجِيء معوجاً مثل الشُّيُوخ والخدم والقصف الطوَال يَنْبَغِي لَهَا أَن يكون لَهَا فضل طول على الْعَادة لِأَن الجبائر الطوَال احفظ لِاسْتِوَاء الْعُضْو وَأَنا أرى أَن تكون الْجَبِيرَة أبدا من الْمفصل إِلَى الْمفصل فَإِن ذَلِك أَجود وأوفق.
الْخلْع وَالْكَسْر فِي الورك لَا يكَاد يَجِيء صَاحبهَا أبدا الْأَعْرَج وَذَلِكَ إِذا كَانَ جبره جيدا وَلَا بُد أَن يَجِيء نَاقص الرجل نُقْصَانا تَاما يَنْبَغِي أَن نفر مِنْهُ أَو نعلمهُ ذَلِك وخاصة فِي شيخ وخادم.
فِي مَا يصلب المفاصل المسترخية وكسور الْعِظَام الَّتِي لم نجد التئامها: طبيخ الآس وورقه وحبه والأقراص الَّتِي تَركه يَجْعَل نمائه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ نَافِع جدا ودهن الآس اجْعَلْهُ أبدا إِذا احتجت إِلَى دهن طبيخ شَجَرَة الأقاقيا إِذا صب على المفاصل المسترخية شدها.
طبيخ ورق الدردار: إِن طبخ ورقه وصب ألف د على المفاصل الْمَكْسُورَة الحمها سَرِيعا. د: وَوَافَقَ على ذَلِك جالينوس وأربياسيوس.
دهن الْحِنَّاء نَافِع من كسر الْعِظَام.) د: رماد الكرنب إِذا خلط مَعَ شَحم عَتيق وضمد بِهِ أَبْرَأ استرخاء المفاصل. د: طبيخ ورق شَجَرَة المصطكى إِذا صب على الْعِظَام الْمَكْسُورَة ألحمها. د: الماش إِن ضمدت بِهِ الْأَعْضَاء الواهنة نَفعهَا وَسكن وجعها وخاصة إِذا عجن بالمطبوخ د: قشور الكفري يشد المفاصل المسترخية. د: الْخلْع ضَرْبَان إِمَّا من سقطة أَو مد أَو غور وَإِمَّا من انصباب رطوبات فِي نقر الْعِظَام الَّتِي فِيهَا رُؤُوس المفاصل.
الراسن إِذا تضمد بِهِ نفع من الْخلْع الَّذِي من رُطُوبَة. قَالَ: ابْن ماسويه: خاصته النَّفْع من خلع المفاصل من الرُّطُوبَة أكل أَو ضمد بِهِ وَقَالَ: المر ينفع من الكسور والوثء.
صفة دَوَاء: سماق وماش مقشر عشرَة عشرَة حب الآس سَبْعَة أصل الراسن عشرَة ينخل ويعجن بِمَاء الأثل ويضمد الْموضع.(4/235)
طلاء للكسر والوثء: مغاث ماش مقشر عشرَة عشرَة مر صَبر خطمى أَبيض أقاقيا خَمْسَة خَمْسَة طين أرمني عشرُون درهما يطلى ببياض الْبيض إِن كَانَ مَعَ ورم حَار.
ضماد آخر جيد: ورق الأثل والسرو والآس وَالْخلاف يدق ويعصر وَيُؤْخَذ سك وَورد وبصل النرجس وَمن النرجس ومريافلون وصندل أَحْمَر وطين أرمني ولاذن وفوفل وقمحة وخطمي وماش وأقاقيا وإكليل الْملك ومرزنجوش وَإِن كَانَ مَعَ ورم فألق فِيهِ المرزنجوش وزد فِيهِ وردا وَإِن احتجت إِلَى الإسخان فألق فِيهِ مرزنجوشاً والراسن والسرو.
للكسر والوثء مَعَ ورم حَار: ماش مقشر عشرُون مغاث خَمْسَة عشر طين أرمني عشرُون وَأَيْضًا: ماش مقشر مغاث جلنار أقاقيا يضمد بِهِ وَهُوَ قوي جدا.
وَمن أدويته: المغاث والماش والسرو والورد ألف د واللاذن والرامك والسك وَنَحْوهَا.
من تذكرة عَبدُوس: ورق الآس واللاذن والزعفران وطين جيد للرض والوهن.
وَأَيْضًا نَافِع للكسر والوثء وَالْخلْع: مغاث ماش خطمي وأقاقيا وطين وَمر يطلى بِمَاء الآس.
من الْكَمَال والتمام للمفاصل الزائلة عَن موضعهَا: يدق أصل الْقصب وورقه ويخلط مَعَه شَيْء من خل وَيُوضَع على الْموضع الْأَلَم.
للمفاصل وَالْعِظَام الزائلة عَن موَاضعهَا وتسكين الوجع الْعَارِض فِيهَا: يخلط بصل النرجس ويضمد.)
لانصداع الْعظم وكسره: تُوضَع عَلَيْهِ صوفة مغموسة فِي خل وزيت ويشد بِرِفْق.
أَبُو جريج: الصمغ الْعَرَبِيّ يجْبر الْعِظَام الْمَكْسُورَة.
أطهورسفس قَالَ: إِن دق لحم الصدف وعظمه وَوضع على الرض عظم نَفعه. الصدف والعظم المكسر المكس إِذا ضمد بِهِ كسر الْعِظَام الَّتِي قد تساقطت جبرها. لي أطهورسفس: يكلس الصدف ثمَّ يطلى على الْكسر بعد أَن يشوى برطوبة الصدف فَإِنَّهُ عَجِيب وَإِن شِئْت فَاجْعَلْ ذَلِك بالنورة وَبَيَاض الْبيض فَإِنَّهُ أعجب وَأحسن وأجود جدا لِأَنَّهُ يصير مثل الْحجر فَلَا يحْتَاج أَن وَقَالَ: شَحم الدب نَافِع جدا من الْخلْع والوثء والتعقد المزمن والرض فِي العصب ويلطف غلظ العصب جدا إِذا دلك بِهِ فِي الشَّمْس دلكا رَفِيقًا حَتَّى تتشربه الْأَعْضَاء وَهُوَ فِي غَايَة التليين.
الطَّبَرِيّ: الأنزروت يجْبر الْكسر والوثء إِذا طلي مَعَ عسل.(4/236)
خبرني الْمُجبر أَنه يتَّخذ طلاء من كثيراء يحله بِالْمَاءِ حَتَّى يصير طراراً ويحمره بزعفران ويعالج مِنْهُ الْكسر فَإِنَّهُ حسن جدا وَيجْبر ويقوى.
رَأَيْت عجوزاً مخلوعة الْعَضُد جدا فَمدَّهَا بِيَدِهِ فَاسْتَوَى كَمَا مده وَلم يحْتَج إِلَى حويك وَلَا سلم وَلَا غَيره فَقَالَ: هَذَا لِأَنَّهَا عَجُوز ألف د ضَعِيفَة.
وَرَأَيْت رجلا بِهِ غلظ شَدِيد وصلابة فِي عُنُقه فَقلت: أسقطت من مَوضِع عَال على عُنُقك فَقَالَ نعم.
الْيَد وَالرجل المعوجة تكسر ثَانِيَة وتعاد وَالَّتِي يخَاف مِنْهَا أَن تخرق الْعظم عِنْد الْكسر فَإِنَّهُ إِن خرق وتقرح خرجت مِنْهُ قِطْعَة أَو قشرة فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يوضع تَحْتَهُ شَيْء وطئ وَيكسر عَلَيْهِ.
فَأَما الْقطع الصغار من الْعظم فَإِنَّهُ وَلَو بقيت وتخشخشت بعد أَلا يكون مَعَه جرح فَإِنَّهُ يلتحم بَعْضهَا بِبَعْض ويصلب وعَلى قدر كسرة الْقطع الْمَكْسُورَة وتباعد بَعْضهَا عَن بعض يكون عظم الدشبد.
وأضر مَا يكون ذَلِك على المفاصل وَعَلَيْك فِيهَا بشحم البط أَو شَحم الدب وَالْمَاء الْحَار فَإِنَّهُ يلطف ذَلِك.
الترقوة إِذا انْقَلب رَأسهَا من حَيْثُ الْعَضُد فشده وَيَنْبَغِي أَن يكون قَائِما وَمعنى الشد الْقَائِم: الَّذِي يضم الْعَضُد إِلَى الأضلاع لِأَنَّهُ كَذَا يلْزم هَذَا الرَّأْس المنقلب أَجود وَإِذا انْقَطع من الْوسط لَا يشد كَذَا لِأَن هَذَا ينبعث على أَن ينتؤ أَكثر وَأَنا أَظن أَن الْقَائِم فِي ذَلِك أَيْضا خطأ لِأَن الْقيام)
يرفع رَأس الترقوة ويخرجه وينحني بالعضد عَن الأضلاع بلطء الترقوة.
كمل بنصر الله وعونه وتأييده ويتلوه إِن شَاءَ الله فِي الشجاج وكسور عِظَام الرَّأْس انْتهى الْجُزْء الثَّالِث عشر وَقد وَقع الْفَرَاغ من طبعه يَوْم الْجُمُعَة الثَّالِث من شهر صفر المظفر سنة هـ يوليو سنة م وَصلى الله تَعَالَى على خير خلقه سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ (اللَّهُمَّ صلي على مُحَمَّد وَآله وَسلم وأعن لاقوة إِلَّا بك.)(4/237)
(فارغة)(4/238)
(الْجُزْء الرَّابِع عشر) (الحميات وَالْبرَاز والقيء وَغَيرهَا)(4/239)
(فارغة)(4/240)
(الحميات وَالْبرَاز والقيء وَغَيرهَا) (الحميات) الَّتِي تكون مَعهَا أَعْرَاض غَرِيبَة يتَغَيَّر من أجلهَا التَّدْبِير عَن تَدْبِير الحميات
3 - (الْمقَالة الْحَادِيَة عشرَة من حِيلَة الْبُرْء فِي)
3 - (الحميات الغشية المضاهية للبلغمية) قَالَ: لَيست الحميات الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض جِنْسا آخر من أَجنَاس الحميات لَكِن كَمَا تتركب حمى مَعَ حمى كَذَلِك يتركب فِي بعض الْأَوْقَات عرض مَعَ حمى. قَالَ: فَمَتَى كَانَت هَذِه الْأَعْرَاض عَظِيمَة عاقت التَّدْبِير أَن يجْرِي على ماينبغي بل احتجنا أَن نصرف العلاج كُله إِلَى الْعرض وَأَن كَانَ مِمَّا يزِيد فِي الْحمى فَأن كَانَت الْقُوَّة قد انْحَلَّت فَأَنا نصرف الْعِنَايَة إِلَى تقويتها ثمَّ إِلَى الْعرض ثمَّ إِلَى الْحمى إِلَّا أَن يكون هَذَا الْعرض هُوَ الَّذِي يحل الْقُوَّة فالقصد إِلَيْهِ وَأَن كَانَ الْعرض لايمكنه أَن يحل الْقُوَّة فِي مُدَّة مانقلع نَحن أصل الْمَرَض قصدنا لعلاج الْمَرَض. قَالَ: أَن قوما تبتدىء بهم الْحمى وَفِي أبدانهم خام كثير مُجْتَمع جدا وفم الْمعدة مِنْهُم ضَعِيف قد أضرت بهم التخم وَغَيرهَا وَمن هَذِه حَالَته ينتفخ بَطْنه وبدنه كُله بِأَكْثَرَ من الْمِقْدَار الطبيعي وَبَعْضهمْ يتَغَيَّر لَونه عَن طَبِيعَته إِلَى الْبيَاض والمائية وَبَعْضهمْ تحول ألوانهم إِلَى السوَاد والخضرة الْمُسَمّى اللَّوْن)
الرصاصى ونبضهم كلهم صَغِير بِقِيَاس حرارتهم ضَعِيف مُخْتَلف أبدا فِي نبضة وَاحِدَة ومرات كَثِيرَة لَا يخْتَلف فِي نبضات كَثِيرَة ايضاً فَأن فصد لَهُم عرق وَقَعُوا فِي بلَاء عَظِيم على أَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى الاستفراغ إِلَّا أَنهم لَا يحْتَملُونَ أخراج الدَّم وَلَا أسهال الْبَطن أذا كَانَ الغشى يتجلاهم من غير أَن يفعل بهم ذَلِك وَلذَلِك مداواتهم نكرَة أذا كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى الأستفراغ وَلَا يحْتَملُونَ أَكثر مِمَّا يستفرغ بِهِ الْبدن.
قَالَ وَأَنا أستفرغ هَؤُلَاءِ بالدلك وَيَنْبَغِي أَن يبْدَأ بِهِ مُنْذُ أول الْأَمر فِي مبدأ الْأَمْرَاض وَيكون أول شىء دلك الفخذين والساقين ويتعمد المدلك بِأَن يدلك من فَوق إِلَى أَسْفَل(4/241)
بمناديل متوسطة الخشونة فَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يسخن الْجلد لِأَن الْمَرِيض يحْتَاج إِلَى أَن يسخن ويتحلل بدنه بذلك ثمَّ خُذ فِي دلك الْبدن من فَوق إِلَى أَسْفَل على ذَلِك الْمِثَال وابتدىء من الْمَنْكِبَيْنِ حَتَّى إِذا رَأَيْت الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ قد سخن سخونة بَالِغَة وَخفت أَن يُصِيبهُ شَبيه مايكون من الأعياء من مس المرضوضين فَاسْتعْمل التمريخ بدهن مرخ بِمَنْزِلَة الزَّيْت اللَّطِيف غير الْقَابِض وَإِن كَانَ الْوَقْت شتاء ًفافتر مَاله تَحْلِيل كدهن البابونج وَالزَّيْت اللَّطِيف جدا أَو زَيْت لطيف قد طبخ فِيهِ مَاء وشبت فِي أناء مضاعف فادلك بِهِ الْيَدَيْنِ والفخذين إِلَى الرجلَيْن على ماوصفت من فَوق إِلَى أَسْفَل ثمَّ امسح الدّهن من على الْبدن فَأَنَّهُ يُؤْذِي ويكرب ثمَّ خُذ فِي الدَّلْك للصلب بالمناديل يَابسا أولاعلى ذَلِك الْمِثَال ثمَّ بالدهن ثمَّ عد إِلَى الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ ثمَّ كرّ على الصلب ابدأ باليابس والدهن وَمسح الدّهن أفعل ذَلِك نهارك كُله فِي بَيت مضىء يَابِس معتدل الْحَرَارَة.
قَالَ: وأنفع مايعطون مَاء الْعَسَل قد طبخ فِيهِ زوفا وَلَا تناولهم طَعَاما وَلَا تكْثر لَهُم من الشَّرَاب لَكِن يستعملون مَاء الْعَسَل وَحده ثَلَاثَة أَيَّام ويدلكون دلكا دَائِما يتداوله جمَاعَة وَلَا يقطع عَنْهُم الدَّلْك إِلَى أَن يَأْخُذهُمْ النّوم.
قَالَ: وَلَا تَأذن لَهُم فِي طول النّوم فَأَنَّهُ يمْنَع التَّحَلُّل ويثقل الأحشاء ويحتاجون إِلَى النّوم المعتدل لِأَنَّهُ ينضج واليقظة تحلل فيحتاجون إِلَى هَذَا باعتدال وتداول.
قَالَ: أَن كَانَ نبض هَؤُلَاءِ فِي الْغَايَة القصوى من الصغر والضعف وَكَانَ مَعَ هَذَا مُخْتَلفا اخْتِلَافا شَدِيدا قَوِيا فالبلية عَظِيمَة فِي الْغَايَة القصوى من الشدَّة وَأَن كَانَ للنبض قُوَّة وَعظم يسير وَلَا ضغط فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف فتفقد حَال الْبَطن وَاسْتعْمل الحقنة بأتقان وثقة أَن كَانَ لَا يخرج من تِلْقَاء نَفسه خُرُوجًا جيدا كثيرا سهلاً وَمَاء الْعَسَل يعين على ذَلِك وَإِن كَانَ النبض بالحالة الأولى فَلَا)
تعْمل عَلَيْهِ شَيْئا غير الدَّلْك.
قَالَ: وَمَاء الْعَسَل يُمكن ان يستفرغ تِلْكَ الفضول استفراغاً نعما فَأن رَأَيْت أَن الْبَطن يجرى جيدا فزد فِي طبخ مَاء الْعَسَل فَأن أسهاله يكون أقل وَإِذا لم تطبخه كَانَ أسهاله أَكثر وغذاؤه أقل وَإِن كَانَ ينحدر إِلَى الْبَطن كثيرا فَاسق بدل مَاء الْعَسَل مَاء الشّعير وَإِذا دَامَ الإسهال فأعطه حسا وتفقد النبض فَأَنَّهُ رُبمَا مَال دفْعَة إِلَى الضعْف والأختلاف والصغر وَفِي ذَلِك الْوَقْت يَنْبَغِي أَن تطعمه خبْزًا مبلولاً بشراب ممزوج بعد أَن لَا يكون فِي الْبَطن ورم وَلَا فِي الكبد فَأَنَّهُ أَن كَانَ فِي أحد هذَيْن ورم وَالْبدن مَمْلُوء اخلاطاً فَلَيْسَ فِي الْمَرِيض مطمع بعد أَن يكون نبضه يتَغَيَّر هَذَا التَّغَيُّر فاخبر أَن هَذَا يَمُوت وَلَا تعالجه بعلاج قوي الْبَتَّةَ فَأَما من كَانَت بهم هَذِه الْعلَّة من غير ان يكون بِهِ ورم فِي بَطْنه فَأن أَنْت عالجته فَلَا شَيْء اسمج من أَن يتجلى الْمَرِيض غشى وَلم يتَقَدَّم فيمنعه فَأن كَانَ وَلَا بُد أَن يكون فقد تقدّمت فأنذرت بِكَوْنِهِ فأذا عَالَجت الْمَرِيض ثَلَاثَة أيامٍ وَلم يعرض مَكْرُوه فأدم العلاج إِلَى السَّابِع وَلَا تزِدْه على مَاء الْعَسَل وَحده قد طبخ فِيهِ زوفاً فَأن هَؤُلَاءِ يصبرون على الأمساك عَن الطَّعَام لِأَن(4/242)
أبدانهم تغذى بِتِلْكَ الأخلاط الخامة وَإِن تهَيَّأ أَن تكون هَذِه الأخلاط لَيْسَ أَنما هِيَ نِيَّة فَقَط لَكِنَّهَا مَعَ ذَلِك ردية لَا يُمكن أَن تنضج فَلَيْسَ يُمكن من اصابه ذَلِك أَن يسلم فَأن احتجت فِي بعض هَذِه الْأَوْقَات بِسَبَب أَن بطن الْمَرِيض ينْطَلق أَو بِسَبَب أَنه يمل ناء الْعَسَل فاسقه مَاء الشّعير فَأن أَبَت نَفسه هَذَا أَيْضا فَاتخذ لَهُ حسا خندروس واسقه أَيَّاهُ بخل فَأن الْخلّ إِذا ألْقى فِي هَذَا نفع من هَذِه الْعلَّة وَإِن أَنْت أحسست فِي وَقت مَا أَن الأخلاط الخامة غَلِيظَة جدا فَاسق الْمَرِيض مَكَان مَاء الْعَسَل سكنجبينا دَائِما فَأن كرهه لِكَثْرَة شربه لَهُ فاسقه بدله مَاء الْعَسَل وَمَاء كشك الشّعير وَإِذا اسْتعْملت هَذِه أَيْضا مُدَّة فَارْجِع إِلَى السكنجين وَأكْثر شَيْء يجب أَن يتَوَهَّم مِنْهُ أَن الأخلاك بَارِدَة إِذا رايت نبض عرق الْمَرِيض صَغِيرا متفاوتاً بطيأً وَإِن كَانَ النبض كَذَلِك فَأن لون الْبدن يتَغَيَّر مِنْهُ على الْمَكَان تغيراً ظَاهرا وَيصير إِلَى مَا وصفت.
لي هَذَا حِين يُرِيد أَن غشياً ونبض هَؤُلَاءِ أَشد نظاماً من نبض جَمِيع المحمومين فَأن كَانَ الزَّمَان صيفاً وَالْمَرِيض مُعْتَاد لشرب المَاء الْبَارِد فاسقه السكنجين بِالْمَاءِ الْبَارِد وَإِن كَانَ شتاء فالماء الْحَار مُعْتَادا كَانَ لشرب المَاء الْبَارِد أَو الْحَار وَكَذَلِكَ إِن كَانَ حر الصَّيف مفرطاً فِي عنفوانه فَاسق من لم يكن مُعْتَادا لشرب المَاء الْبَارِد أَيْضا المَاء الْبَارِد بعد أَن لَا يكون شَيْء فِي)
أحشائهم مستعداً لقبُول الآفة سَرِيعا وَالْحمام فِي غَايَة المضادة لهَؤُلَاء وَكَذَلِكَ الْهَوَاء الْحَار غَايَة الْحَرَارَة والبارد غَايَة الْبُرُودَة وَلذَلِك لَيْسَ يَنْبَغِي أَن تدخلهم الْحمام وَاجعَل مَوضِع فرشهم فِي الصَّيف فِي هَوَاء طيب الرّيح وَفِي الشتَاء فِي مَوضِع دفىء فَأن الْأَمريْنِ جَمِيعًا إِذا أفرطا أضرا بهم وَذَلِكَ أَن الْحَرَارَة تذيب أخلاطهم المجتمعة فيهم وَإِن انصبت إِلَى الْبدن كُله لَا يُؤمن ان تصير إِلَى الرئة وَأَن ترْتَفع فِي بعض الْأَوْقَات إِلَى الدِّمَاغ والأصلح لَهَا أَن تبقى لابثة فِي الكبد وَالْعُرُوق الْكِبَار فَأَما فِي الْبرد فَأَنَّهَا تبقى عسرة النضج وَأَن كَانَت فِي الكبد سدة يسيرَة زَادَت فِيهَا وَإِن لم تكن هُنَاكَ سدد ولدت فِيهَا سدداً إِذا هِيَ امْتنعت من النّفُوذ ولحجت بسب غلظها فَهَذَا علاجهم إِذا أَنْت دعيت ألى علاجهم من أول يَوْم فَإِن لم تدعى إِلَيْهِم أَلا بعد أَن يغشى عَلَيْهِم فَانْظُر فَأن لم يكن فِي الْبَطن ورم فأطعمهم خبْزًا يَسِيرا مَعَ شراب سريع النفوذحتى إِذا فاقوا فَخذ فِي الدَّلْك على الْوَجْه الَّذِي ذكرت فَأن كَانَ الزَّمَان صيفاً والبلد حاراً أَو راكد الْهَوَاء محتقناً شَدِيد الْحر فَاسق الشَّرَاب بِمَاء بَارِد فَأن لم يكن مَعَ هَذَا فَمَعَ مَاء حَار وَلَكِن على كل حَال فَاسق الْمَرِيض شرابه فِي الْمرة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَهُوَ حَار فَأن شرب الْحَار أفضل فِي جَمِيع المداواة الَّتِي مَعهَا يسْتَعْمل الدَّلْك لِأَن الْحَار يعين على نضج الأخلاط الخامة.
قَالَ: فَأَما من أَصَابَهُ غشي بِسَبَب مرار اصفر يضر بِفَم معدته فاسقه شرابه بَارِدًا بِالْفِعْلِ واسق جَمِيع ضروب الغشى شرابًا طَبِيعَته حارة ونفوذه سريع وَذَلِكَ أَنه أَنما نُرِيد أَن ينفذ الطَّعَام الَّذِي يطعم أَيَّاهُ لَا أَن يبْقى وَاقِفًا فِي الْمعدة وَهَذَا يكون بِالشرابِ الْأَصْفَر الرَّقِيق الْعَتِيق(4/243)
الريحاني وَلَا يَنْبَغِي أَن أَن يكون قد بلغ أَن يكون مرا فَأن المر رَدِيء للمعدة والكبد لَكِن اختر الَّذِي فِيهِ فِي جوهره من الأَصْل قبض وَقد ذهب عَنهُ ذَلِك الْقَبْض لعتقه فَأن هَذَا لذيذ المشرب سريع النّفُوذ مسكن سُورَة الْخَلْط وَمَتى تتَابع عَلَيْهِم الغشي فأعطهم أغذية قَلِيلا قَلِيلا فِي مَرَّات وَلَا يكون طَعَاما غليظاً وَلَا بَارِدًا واسقهم من الادوية الملطفة قدر مايمكن المحموم أَن يشربه وَالشرَاب المائي نَافِع لهَؤُلَاء مُنْذُ أول الْأَمر فِي حَال الغشي أَن كَانَت حماهم لَيست بالقوية على أَن الْحمى القوية لاتكاد تعرض على هَذِه الْجِهَة وَإِن كَانُوا شُيُوخًا فالشراب أَنْفَع لَهُم فَأَنَّهُ إِذا كَانَت هَذِه الْعلَّة بشيخ فَيَنْبَغِي أَن يسقى بعد الطَّعَام شرابًا وَهَذِه الحميات تنوب كل يَوْم عِنْد الْمسَاء أَو بِاللَّيْلِ لَا بِالْغَدَاةِ وَلَا إِلَى نصف النَّهَار. 3 (الْحمى الغشية المضاهية للغب) قَالَ: ولنأخذ الْآن فِي ذكر من علته ضد هَذِه أعنى أَن تكون أخلاط بدنه فِي غَايَة الرقة واللطافة فَهِيَ تنْحَل لذَلِك فِي أسْرع الاوقات وَإِن لم تتلافهم أَصَابَهُم الغشي فَيَنْبَغِي أَن تعالج هَؤُلَاءِ بالضد من علاج أُولَئِكَ وَذَلِكَ ان أُولَئِكَ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تستفرغ أبدانهم قَلِيلا قَلِيلا دَائِما مُتَّصِلا لأَنهم لَا يحْتَملُونَ الأستفراغ دفْعَة وَهَؤُلَاء يَحْتَاجُونَ أَن يغذوا قَلِيلا قَلِيلا وَإِن نَحن لحقناهم فِي أول أَمرهم وقوتهم قَوِيَّة فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن نغذوهم قَلِيلا قَلِيلا وَذَلِكَ أَنهم يقدرُونَ أَن يستمرؤا طعامهم حِينَئِذٍ فِي مرّة وَاحِدَة وكما أَن أُولَئِكَ الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ مَتى كَانَ بهم مَعَ علتهم ورم فِي الْمعدة والكبد هَلَكُوا الْبَتَّةَ كَذَلِك هَؤُلَاءِ مَتى ورم أحد هذَيْن العضوين هَلَكُوا الْبَتَّةَ أَن كَانَت قوتهم سَاقِطَة وَذَلِكَ أَنا لَا نقدر أَن نغذوهم غذَاء مُتَّصِلا لِأَن غذاءهم إِنَّمَا يُمكن فِي وَقت انحطاط النّوبَة فَقَط وَلَا نقدر إِذا لم نغذهم أَن نخلصهم من العطب وَفِي مثل هَذِه الْعلَّة يصير وَجه الْمَرِيض شَبِيها بِوَجْه الْمَيِّت سَرِيعا أنف دَقِيق وَعين غائرة وصدغ لاطىء وَأَصْحَاب هَذِه الْعلَّة أَن أَصَابَهُم فضل أسهال أَو سهر أَو اغتموا ثمَّ لم يبادروا إِلَى الْغذَاء صَارَت وُجُوههم بِهَذِهِ الْحَال وَمَتى صَارَت وُجُوههم بِهَذِهِ الْحَال من بعض هَذِه الْأَشْيَاء فالبلية أقل من أَن تكون بِلَا هَذِه الْحَالة فَأن ذَلِك متْلف وخاصة مَتى كَانَ ذَلِك مُنْذُ اول الْمَرَض فَأن الْمَرِيض أذا صَار بِهَذِهِ الْحَال فِي أول مَرضه لم يُمكنهُ أَن يبْقى إِلَى أَن ينضج مَرضه وَلَا بُد لهَؤُلَاء من التغذية وتكثيف ظَاهر الْبدن بالضد من أُولَئِكَ فاختر لهَؤُلَاء موضعا بَارِدًا قَابِضا على ماوصفت فِي بَاب الدق ومرخ أبدانهم بمروخات قابضة وغذهم بأغذية لَا تسرع التَّحَلُّل وَلَا تغذهم بِمَاء الْعَسَل وَمَاء الشّعير وَلَكِن بالخبز والفاكهة القابضة الْعسرَة الْفساد وَحدهَا أَو مَعَ الْخبز وأعطهم صفرَة الْبيض وخصى الديوك المسمنة بِاللَّبنِ وأدمغة الحملان محكمَة الشي فَأن هَذِه الأدمغة إِذا لم يكن شيها محكماً كَانَت عَظِيمَة الْمضرَّة وَبِالْجُمْلَةِ فاعمل على تَغْلِيظ الأخلاط وتكثيف الْجلد وتشده وتمنع التَّحَلُّل وَلَا بُد لَهُم(4/244)
ضَرُورَة من شراب مائي بعد الطَّعَام مُنْذُ أول أَمرهم فَأن كَانَت الْأُمُور كلهَا على ماترجوه وتحبه فأطعمهم شَيْئا من الأغذية الحمية وخاصة بعد الرَّابِع إِذا كَانَت الأخلاط المولدة للحمى قد نَضِجَتْ.
قَالَ: وَلما عرضت هَذِه الْعلَّة على ماقلت لَك للفتى الَّذِي ذكرته فِي الْعَاشِرَة غذوته على ماوصفت كل يَوْم قبل نوبَة الْحمى ثمَّ قطعت عَنهُ الْغذَاء بالتعمد يَوْمًا فَجَاءَهُ ابْتِدَاء الدّور مَعَ)
غشي فَأن كَانَ الْمَرِيض يتجلاه الغشي فاقصد نَحْو الْعرض اللَّازِم وَأَن كَانَ الْمَرِيض لم يبتدىء بِهِ الغشي فاقصد للآمرين كليهمَا واحتل للغشي أَلا يحدث وللمرض أَن ينْحل أَولا فأولاً وَلَوْلَا مَا نتخوفه من الغشي لَكنا نحتال للمرض ونقلعه فِي أسْرع وَقت وَذَلِكَ أَنا كُنَّا نقصد إِلَى من كثرت أخلاطه فِي بدنه حَتَّى صَارَت تؤذيه غَايَة الْإِيذَاء فنستفرغه فِي مرّة وَاحِدَة وَأما من بدنه سريع الأنحلال فَأَنا لم نَكُنْ نضطر لَوْلَا الغشي إِلَى أَن نغذوه قبل النّوبَة فَيطول بذلك مَرضه.
الثَّانِيَة من الْأَعْضَاء الألمة: كَمَا أَنه يعرض فِي مُنْتَهى الْحمى لقوم اخْتِلَاط الذِّهْن من قبل أَن حرارة الْحمى تشعل الرَّأْس وتلهبه كَذَلِك قد يُصِيب بعض النَّاس فِي ابْتِدَاء الدّور سبات وَيكون ذَلِك لِأَن الدِّمَاغ مستعد لقبُول هَذِه الْعلَّة بسهولة أَو لِأَن بِهِ سوء مزاج بَارِد لم يكن بِهِ من الْقُوَّة مَا يكون يظْهر فعله فأذا تزيد ذَلِك فِي وَقت النّوبَة ظهر فعله كَمَا أَن اخْتِلَاط الذِّهْن أَيْضا يكون فِي الأدمغة الحارة أَكثر عِنْد الحميات.
لي السبات يحدث فِي الأبتداء لِأَن الْخَلْط بَارِد منتشر لم يحم بعد.
فِي الْمقَالة الرَّابِعَة من تَدْبِير الأصحاء تدابير يصلح أَن يستعان بهَا فِي تَدْبِير صَاحب الْحمى الَّتِي من الْخَلْط الخام حَيْثُ ذكر الإعياء وَيصْلح للأحتراس من الْحمى وَذَلِكَ أَن فِيهِ علاج الإعياء والإعياء إِذا لم يعالج ولد حمى وَقد ذكر التَّدْبِير الْحَافِظ من الْحمى فِي بَاب الإعياء وَذكر كلَاما فِي هَذِه الْمقَالة حَيْثُ ذكر الإعياء.
لي اسْتَعِنْ لتدبير الْحمى الغشية الَّتِي من الْخَلْط الخام بِبَاب الإعياء من حَيْثُ تَدْبِير الأخلاط الخامة وبهذه الْمقَالة من تَدْبِير الأصحاء.
الثَّالِثَة من الأخلاط: الَّذين أبدانهم منتفخة ممتلئة وألوانهم رصاصية وَلَا يسخنون إِذا دلكوا فأنهم لَا يَحْتَاجُونَ أَن يغذوا إِذا حموا لِأَن فِي أبدانهم أخلاطا خامة نِيَّة كَثِيرَة وَأما الَّذين تغور أَعينهم سَرِيعا وتقحل جُلُودهمْ وحرارة حماهم لذاعة فأنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى أَن يغذوا قَلِيلا قَلِيلا كل سَاعَة بغذاء مرطب.
الأولى من تقدمة الْمعرفَة قَالَ: إِذا كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة والأخلاط رقيقَة وَالْبدن سهل التَّحَلُّل مرارياً بالطبع والحمى حارة سهل أَن يصير وَجهه عِنْد الْحمى بِالْحَال الَّتِي وصف(4/245)
أبقراط: أنف دَقِيق وَعين غائرة وصدغ لاطىء لِأَنَّهُ يتَحَلَّل مِنْهُ بالتحلل الْخَفي شَيْء كثير جدا.
قَالَ: فَأن كَانَ ذَلِك وفم الْمعدة فِيهِ ضعف فَأَنَّهُ يسهل وُقُوعه فِي هَذِه الْأَشْيَاء.)
قَالَ: وغرض علاج هَؤُلَاءِ تَقْوِيَة الْمعدة وَالْقُوَّة بالأطعمة الْمُوَافقَة وتغليظ الأخلاط وَمنع التَّحَلُّل.
قَالَ: وَهَذِه الحميات الَّتِي تجْعَل الْوَجْه بِهَذِهِ الْحَال تكون إِذا جسست العليل كَأَنَّهُ يرْتَفع من بدنه شرارات نَار تنفذ فِي يدك وَيَنْبَغِي أَن تطيل الجس لتعرف حِينَئِذٍ حَقِيقَة ذَلِك وَهَذِه الحميات لاتكون ابداً عَن أَسبَاب بلغمية وَلَا عَن امتلاء الْبدن من الدَّم بل من التَّعَب والجوع وَنَحْوه والمزاج المراري والسهر وَنَحْو ذَلِك.
من كتاب مابال قَالَ: حميات الْأَطْفَال أَشد من حميات سَائِر الْأَسْنَان لِكَثْرَة الْحر والرطوبة فيهم.
من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة قَالَ: أَنا جسست عرق الْملك فَرَأَيْت عرقه بَرِيئًا من كل عظم فَدلَّ على ابْتِدَاء نوبَة حمى فِي سنّ من الْأَسْنَان.
لي يَقُول أَن ابْتِدَاء النّوبَة يَجْعَل النبض أعظم وَقد قيل فِي مَوَاضِع أَن الأبتداء يضغط النبض من الفصد قَالَ: الَّذين فِي أبدانهم أخلاط نِيَّة كَثِيرَة مَعَ حمى وأبدانهم رطبَة يسْرع إِلَيْهِم الغشي فَلَا تستفرغهم بالفصد لَكِن بالدلك بالأدهان المعتدلة والإسخان بِشرب الْأَدْوِيَة الَّتِي تقطع وتسخن أسخاناً معتدلاً فَأن الْأَدْوِيَة الَّتِي تسخن اسخاناً شَدِيدا ترخي الْقُوَّة أرخاءً شَدِيدا بَغْتَة فَلَا يُمكن احْتِمَال العلاج وَلذَلِك يجب ان يكون قوي الْأَطْعِمَة والأشربة الَّتِي تقطع غلظ الأخلاط معتدلة فِي حَرَارَتهَا.
من الْمَوْت السَّرِيع قَالَ: إِن كَانَ بأنسان حمى وخفق قلبه بَغْتَة وَأَخذه الفواق وانعقال الْبَطن بِلَا سَبَب مَعْرُوف مَاتَ وَإِن ظهر على الْأَصَابِع من الْيَدَيْنِ كلتيهما مَعَ أَي حمى كَانَت ورم أسود شَبيه حب الكرسنة فِيهِ وجع شَدِيد مَاتَ فِي الرَّابِع وَإِذا بدا بِهِ هَذَا الوجع عرض لَهُ ثقل وسبات شَدِيد.
من كتاب العلامات: عَلَامَات المتهىء للحمى: أَن يجد ثقلاً فِي بدنه بِلَا عِلّة توجب ذَلِك وَيكون بطيء الْحَرَكَة ويجد فِي ظَاهر بدنه شبه نخس بالأبر وَتَكون حَالَة بدنه غير مستوية ويتثاءب كثيرا وَيكثر البصاق والمخاط ويثقل الرَّأْس والورك ويضطرب للنوم ويقلق فِي السهر فَمَا دَامَت هَذِه الْأَعْرَاض قَليلَة فَهِيَ دَالَّة على حمى سَتَكُون فأذا عظمت واشتدت التهبت الْحمى.
قَالَ: وأذا رَأَيْت المجسة كثيفة شَدِيدَة فسل الرجل هَل أحضر أَو استحم أَو أَكثر الطَّعَام فَأن لم(4/246)
قَالَ: وعلامات من تَأْخُذهُ الْحمى أَن يكون نَفسه مَكْرُوها عِنْد الطبيعة غير طيب الرَّائِحَة)
ومرارة الْفَم ويبسه وظمأ وورم الْوَجْه وصفرته والغثى والتلهب والثقل والإبطاء فِي الحركات والعرق وقيء الْمرة وَكَثْرَة الْبَوْل وضربان الصدغين ووجع فِي الرَّأْس وَقلة الشَّهْوَة وضيق النَّفس أَو رداءته وامتداد الْعُرُوق وامتداد الشراسيف والتثاؤب والغشي وَضعف الْبدن.
وَقَالَ: انْقِضَاء الحميات فِي الابدان المتكاثفة أَبْطَأَ لِأَنَّهَا لَا تنفش فيهم إِلَّا فِي زمَان طَوِيل.
وعلامات هَؤُلَاءِ أَن يعسر فيهم الْبَوْل وَالْبرَاز والعرق والقيء وَغَيره من الأستفراغات وَأما المتخلخلوا الْأَبدَان فَأن فضولهم تخرج بالقيء والرجيع وَالْبَوْل إِلَّا أَنه قد تعرض لَهُم قشعريرة يسيرَة ومجسة صَغِيرَة وتنحف أبدانهم وَرُبمَا خرجت فضولهم فِي المجاري الْخفية فأقلعت حماهم سَرِيعا.
قَالَ: وَأما من حم فحمى مزمنة فَتكون مجسته صَغِيرَة ضَعِيفَة كثيفة وبدنه إِلَى الصُّفْرَة ويعرض لَهُ عِنْد أَخذ الْحمى قشعريرة وَلَا تكون حرارة حماه شَدِيدَة جدا.
قَالَ: عَلَامَات الْحمى الَّتِي مَعَ تخلخل الْبدن أَن يَتَحَرَّك فِيهَا الْقَيْء المتتابع الْكثير والعرق والأختلاف. وعلامة الَّتِي مَعَ كَثَافَة الْبدن أَن تشتد الْحمى مرّة وتخف أُخْرَى ويعرض مَعهَا فوَاق وجفاف الْبدن وخشونة اللِّسَان وتضعف هَذِه الْأَعْرَاض تَارَة وتقوى تَارَة.
الْخَامِسَة عشرَة من النبض قَالَ: سرعَة الأنقباض عَلامَة تعم جَمِيع الحميات الكائنة عَن العفونة والحميات الورمية تزيد مَعَ ذَلِك فِيهِ صلابة النبض فَاسْتَعِنْ بِهَذِهِ الْمقَالة وَنحن نكتب ذَلِك فِي بَاب النبض فَأن فِيهِ عَلامَة الحميات يَنْبَغِي أَن تستعين بالخامسة عشرَة من النبض أَو بِبَاب النبض.
قَالَ هَهُنَا: مَتى تغير النبض دفْعَة من غير طَعَام ولاشراب وَلَا عَارض من عوارض النَّفس وَلَا خلط انصب إِلَى الْمعدة فَأَنَّهُ قد ابتدأته نوبَة إِلَى أَي أَصْنَاف التَّغَيُّر كَانَ حرارة أَو برودة فَأَنَّهُ يتَغَيَّر إِلَيْهِمَا جَمِيعًا على حسب حَال الْقلب. لاتدع النّظر دَائِما فِي هَذِه الْمقَالة فَأن فِيهَا جلّ مايحتاج إِلَيْهِ من أَمر الحميات.
وَقَالَ: فِي ابْتِدَاء بعض الحميات تنصب إِلَى الْقلب مَادَّة كَثِيرَة بَارِدَة يشرف العليل من أجلهَا على أنطفاء الْحَرَارَة الغريزية فَلذَلِك يصغر مِنْهَا النبض ويبطىء ويتفاوت وَإِن تبع هَذِه الثَّلَاثَة ضعف النبض ضعفا بَينا مَاتَ العليل الْبَتَّةَ وَإِن لم يحدث ضعف نبض جاهدت الطبيعة واشتعلت فِي تِلْكَ الْمَادَّة وألهبتها حَتَّى يصير النبض بعد ذَلِك سَرِيعا إِلَّا أَن انقباضه أسْرع بِمِقْدَار كثير.
الأولى من أبيذيميا قَالَ: الحميات المختلطة تحدث عَن أخلاط مُخْتَلفَة.)
الثَّالِثَة: برد الْأَطْرَاف جدا فِي الحميات يكون إِمَّا لورم عَظِيم فِي الأحشاء وَإِمَّا لِكَثْرَة أخلاط بَارِدَة.(4/247)
الثَّالِثَة قَالَ ج: أَنِّي تفقدت مُنْذُ حداثتي إِلَى الْآن فَمَا رَأَيْت حمى تسع وَلَا سبع وَلَا سدس أَي تنوب فِي كل سَبْعَة أَيَّام أَو تِسْعَة أَيَّام أَو سِتَّة أَيَّام فَأَما خمس فقد رَأَيْته رُؤْيَة شكوك فِيهَا غير بَين مثل الرّبع وَالْغِب.
قَالَ: وَلَا يكْتَفى فِي صِحَة ذَلِك أَن تَدور دوراً أَو دورين على كَثْرَة مَا أعنى بِالْمرضِ بل لم أجد ذَلِك قطّ وَلَا فِي الطبائع طبيعة توجب أَن يكون دور حمى فِي الْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وممكن أَن يدْفع ذَلِك وَقَالَ ابقراط: أَن ذَلِك يكون.
قَالَ: أصعب الحميات وأشدها خطراً المطبقة والمفترة أَعنِي الَّتِي لَهَا نوبَة إِلَّا أَنَّهَا لَا تقلع حَتَّى ينقى الْبدن مِنْهَا وَأسلم الحميات الرّبع وَإِن كَانَت أطولها لِأَن الدائمة لاتنفتر فِي كد الطبيعة والنائبة بِقدر طول الفترة تكون رَاحَة الطبيعة وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن الرّبع السليمة الَّتِي لَيست من ورم لأَنا قد رَأينَا من بِهِ ربع من طحال عَظِيم صلب استسقوا وماتوا وَأما الْخَالِصَة بِلَا ورم فسليمة وَقد تخلص من الصرع والوسواس والأمراض الوسواسية السوداوية.
قَالَ: وَشطر الغب قد يكون مِنْهَا وض حاد وَهَذِه الْحمى أقتل الحميات وَيكون مِنْهَا أَيْضا أمراض السل وَغَيره من الْأَمْرَاض الطَّوِيلَة وَتسَمى المجانبة للغب وَلَا أَحْمد تَسْمِيَتهَا شطر الغب.
قَالَ ج: وَهَذِه التَّسْمِيَة اصوب وَأما شطر الغب فَلَا أَحْمَده.
قَالَ ب: الحميات الليلية أَي الَّتِي تنوب فِي بِاللَّيْلِ لَيست بالقتالة جدا وَهِي طَوِيلَة والنهارية أطول مِنْهَا وَرُبمَا مَالَتْ فِي بعض الْأَبدَان إِلَى السل وَإِنَّمَا صَارَت النهارية وَهِي الَّتِي تنوب أبدا بِالنَّهَارِ وتفتر لَيْلًا دَائِما أَخبث لِأَنَّهَا تنوب فِي وَقت فِيهِ المسام مفتحة والحرارة بارزة فَيدل ذَلِك أَن مادتها أَكثر وَأقوى وَأما اللَّيْلَة فبالضد وَجل تدبيرها يَقع فِي وَقت فترتها وَهُوَ اللَّيْل فَيحْتَاج أَن يسهر ويميل بذلك إِلَى السل لِأَنَّهُ ينحف وَيحْتَاج أَن يتدبر بِاللَّيْلِ وَيكون بِالنَّهَارِ محموماً.
لي هَذَا صنفان من الحميات منفردان بأنفسهما فأفردهما.
قَالَ ب: السَّبع طَوِيلَة وَلَيْسَت بقتالة وَالتسع أطول مِنْهَا وَلَيْسَت أَيْضا بقتالة.
قَالَ ج: تفقد هَذَا بالتجربة بعد التَّحَرُّز وَذَلِكَ أَنه قد يُمكن أَن يحم عليل وَتذهب حماه فيدبر)
تدبيراً يعاوده فِي السَّابِع ثمَّ يحفظ تَدْبِير ذَلِك الْخَلْط وَيلْزم ذَلِك التَّدْبِير فَيحدث لَهُ نوبَة أُخْرَى فِي السَّابِع وتنقضي ثمَّ يدبر أَيْضا كَذَلِك فتفقد ذَلِك لِئَلَّا يغلطك فأذا رَأَيْتهَا تنوب كَمَا تنوب الرّبع وَالْغِب وتدبير الْمَرِيض تَدْبِير صَحِيح جيد فَحِينَئِذٍ قد وَجدتهَا.
قَالَ ب: الخماسيات أردأ الحميات لِأَنَّهَا تكون قبل حُدُوث السل وَبعده.(4/248)
قَالَ ج: قولي فِي هَذِه كَقَوْلي فِي السَّبع.
وَقَالَ ب: الحميات الدائمة والنائبة جَمِيعًا مِنْهَا مايبتدىء بلين ثمَّ يضعف وتشتعل عِنْد قرب البحران وَمِنْهَا مَا يبتدىء أَشد مَا يكون ولايزال يخف نَحْو البحران وَمِنْهَا مايكون بِحَالهِ إِلَى حِين البحران وَكَذَلِكَ الأوجاع كلهَا فضلا عَن الحميات قد تكون على هَذِه الْجِهَات الثَّلَاث.
السَّادِسَة من الثَّانِيَة من أبيذيميا قَالَ قولا إوجب فِيهِ ذَلِك ضَرُورَة يَكْفِيك فِي تعرف الْحمى من أَي جنس هِيَ الأستدلال من شدَّة حَرَارَتهَا وحدتها لِأَن الَّتِي تكون قَوِيَّة الْبَتَّةَ تلذع الْكَفّ وَحمى يَوْم لاتبلغ حَرَارَتهَا أَن تلذع ولاتكون حمى قَوِيَّة الْحَرَارَة لذاعةً إِلَّا من عفن الأخلاط.
الأولى من السَّابِعَة ذكر ج فِي الْحمى البلغمية فِي أَمر النافض ماقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابهَا وبحسب ماينبغي أَن يكونك: النافض الْبَارِد الشَّديد الْبرد إِنَّمَا يكون فِي الرّبع وَفِي البلغمية فَأَما الغب فنافضها أَنما هُوَ لذع لابرد الْبَتَّةَ وَلَا تصطك فِيهِ الْأَسْنَان كَمَا تصطك فِي الرّبع وَأما البلغمية فَمَتَى رَأَيْت نافضاً شَدِيدا صعباً والتهبت بعده حمى شَدِيدَة الْحَرَارَة جدا وَكَانَ النافض أطول مُدَّة وصعوده بطيء فالحمى ربع وَإِذا كَانَ نافض بِهَذِهِ الْحَال إِلَّا أَن صُعُوده يعسر جدا وَإِذا صعد لم يسخن الْبدن جدا وَلم يهج عطشاً ولاكرباً وَلَا كَانَت حَرَارَتهَا شَدِيدَة فالحمى بلغمية.
قَالَ: أخص أَصْنَاف الحميات ماأخذ مِنْهَا من نفس طبيعتها أَعنِي من الْحَرَارَة.
قَالَ: والحميات مِنْهَا مايلذع الْبدن دَائِما وَمِنْهَا مايلذعه ثمَّ يخور وَمِنْهَا مالايلذع أَولا ثمَّ يلذع وَمِنْهَا طيبَة اللَّمْس دَائِما وَمِنْهَا ماحرارته يابسة وَمِنْهَا ماحرارته بخارية وَمِنْهَا مايحس فِيهِ شبه نفاخات ريح ترْتَفع وتلقي الْيَد مرّة بعد أُخْرَى.
قَالَ: والحميات الَّتِي يغلب فِيهَا على الْبدن خضرَة وكمودة تدل على نُقْصَان الدَّم والحرارة الغريزية وَلذَلِك هِيَ قتالة.
الثَّامِنَة من السَّادِسَة قَالَ: الحميات الَّتِي تَنْشَق فِيهَا الشّفة فَأَنَّهَا تغب وتفتر.
الأولى من الأهوية والبلدان قَالَ: الحميات الليلية هِيَ الَّتِي تنوب فِي كل لَيْلَة وتنقضي وَتَكون هَذِه)
من البلغم.
الْيَهُودِيّ: ينفع من الْحمى المزمنة الْقَدِيمَة أَن يسقى نصف مِثْقَال لوغاذيا كل يَوْم بطبيخ الأفسنتين.
اهرن: اسْتدلَّ بالنافض جملَة على أَن الْحمى حمى عفن خَارج الْعُرُوق وَانْظُر فِي نوع النافض لتعلم من أَي هَذِه الْأَنْوَاع هِيَ وَذَلِكَ ان نافض الغب يَجِيء بَغْتَة وبردها قَلِيل وحركتها شَدِيدَة وَبرد الرّبع يَأْتِي قَلِيلا ويسخن قَلِيلا ويبطىء فِي ذَلِك وَإِن عرضت الْحمى بعد وجع الْمعدة فَهِيَ فِي الْأَكْثَر بلغمية وَبعد وجع الطحال ربع.(4/249)
لي وَبعد وجع الكبد غب.
العفن أَنما يكون فِي الْبدن لأمتناع مَا يتَحَلَّل من الْبدن بِسَبَب سدد وَمن زِيَادَة حرارة ورطوبة على الْحَال الطبيعية وَذَلِكَ يكون إِمَّا لِأَن الْهَوَاء أسخن وأرطب أَو لأطعمة هَذِه حَالهَا أَو للمزاج.
وَقَالَ: اقصد فِي حميات العفن كلهَا إِلَى أخراج ذَلِك الْفضل العفن فأنك إِذا فعلت ذَلِك لم تعاود الْعلَّة أَو تضعف الْبَتَّةَ.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ فِي الحميات الغشية المضاهية للبلغمية قَالَ: من هَؤُلَاءِ من قوته أقوى والبلغم فِي بدنه كثير حَتَّى أَنه قد ثقل على الطَّبْع وَكَاد يخنقه وَضعف عَن أنضاجه.
قَالَ: فَاسق هَؤُلَاءِ مسهلاً قَلِيلا لتخف كَثْرَة البلغم ويخف عَن الطبيعة فَأن رَأَيْت أَنه قد قوي بعد ذَلِك على نضج الْبَاقِي وَإِلَّا فعد فِي الأسهال قَلِيلا قَلِيلا مادامت الْقُوَّة غير سَاقِطَة.
وَقَالَ: فأذا كَانَت الْقُوَّة لاتحتمل الأسهال الْبَتَّةَ فَعَلَيْك بالدلك وتلطيف التَّدْبِير وَليكن الدَّلْك فِي شدته وَلينه وكثرته وقلته بِحَسب الْقُوَّة فَأن كَانَت الْقُوَّة ثَابِتَة فالدلك الشَّديد العنيف يُبرئهُ سَرِيعا لِكَثْرَة استفراغه وَإِن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة فَلَا.
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ أَن الدَّلْك وَالْمَنْع من الْغذَاء وتلطيفه يَنْبَغِي أَن يكون بِحَسب الْقُوَّة فَمَا أمكنت الْقُوَّة من ذَلِك كَانَ أسْرع لبرء العليل.
لي قَول الْإِسْكَنْدَر هَذَا فِي من يحم من بلغم كثير ني كَانَ فِي من يغشى عَلَيْهِ وَفِي من لايغشى قَالَ: وَقد امْر جالينوس بالدلك وَوصل الصَّوْم والأقتصار على مَاء الْعَسَل والزوفا وَلَيْسَ هَذَا فعل عَالم بالطب وَقد رَأَيْت رجلا هلك بدوام الدَّلْك وَالصَّوْم وَذَلِكَ أَن طبيبه أَمر رجَالًا يتداولونه بالدلك وصومه أَيَّامًا فأسقط قوته وَهلك وَأما أَنا فَأمر أَن يكون الدَّلْك قَلِيلا قَلِيلا)
وليعطوا بعد ذَلِك غذَاء لِئَلَّا تسْقط الْقُوَّة نَحْو الْخبز المبلول بشراب وخاصة أَن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة وَإِلَّا فماء الشّعير فَأن بِهَذَا التَّدْبِير ينْحل البلغم الْبَتَّةَ.
قَالَ: فَأَما من تنوب عَلَيْهِ حمى بلغمية ويغشى عَلَيْهِ كثيرا فَمر بدلك اليته ومثانته دلكا شَدِيدا وتدفئتهما بعد ذَلِك وتعصب سَاقيه وَيَديه وَلَا تَدعه ينَام وَأَن عرفت وَقت النّوبَة فابدأ بِهَذَا الْعَمَل قبل النّوبَة بساعتين وأطعمه قبل النّوبَة طَعَاما خَفِيفا وَإِن غشي عَلَيْهِ بَغْتَة فأعطه خبْزًا وَشَرَابًا قَلِيلا بِقدر ماتسترد قوته ثمَّ عد فِي التَّدْبِير.
لي هَذَا تَدْبِير من بِهِ نافض لَا يسخن ويغشى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك. من كتاب شرك الْهِنْدِيّ قَالَ: لاينبغي أَن يسقى المحموم دَوَاء لقيء ويقيأ قبل(4/250)
السَّابِع فَأَنَّهُ أَن تقيأ فِي فورة حماه أعتراه ألم الْمعدة والربو والنفخة فِي الْبَطن وعزوب الذِّهْن وَلَا تسرف فِي تَأْخِيره فَأَنَّهُ يدْخل ويمازج أخلاطه ممازجة عسرة لَا تنقلع.
قَالَ: مر المحموم يتغرغر ويتمضمض وَيغسل فَمه حِين يُرِيد الطَّعَام مَرَّات كَثِيرَة ليغسل ذَلِك الطّعْم الرَّدِيء عَن فَمه ويجد طعم الْغذَاء وَيغسل كل مَحْمُوم فَمه بِمَا يُوَافق فَمنهمْ بالزيت وَمِنْهُم بشراب وَمِنْهُم بِمَاء فاتر.
قَالَ: وَأما الحميات العفنة العتيقة والنافض من غير حمى فينفع مِنْهُ أكل الثوم على الرِّيق واللحوم الحارة اللطيفة.
شَمْعُون قَالَ: اسْقِ للحميات الحارة إِذا عتقت بزوراً مَدَرَة للبول وللبلغمية الَّتِي تَأْخُذ بِاللَّيْلِ شخزنايا وفوذنج. وللربع والمختلطة العتيقة دَوَاء الكبريت وللحميات العتيقة المزمنة جدا ثبادريطوس واللوغاذيا.
لي: الحميات إِذا أزمنت تحْتَاج إِلَى مايسخن وينضج ويدر الْبَوْل لينقي الدَّم.
جملَة فِي تعرف نوع الْحمى أغلوقن قَالَ: إِذا حدثت حمى بنافض شَدِيد فَالْأولى أَن تظن بهَا أَنَّهَا غب لِأَن الغب مَعَ أول حدوثها تبتدىء بنافض شَدِيد وَأما ابْتِدَاء الرّبع فبنافض لَيْسَ بشديد ثمَّ يشْتَد فِيهَا النافض على الْأَيَّام مَعَ أَنَّهَا على الْأَكْثَر لاتكاد تبتدىء ابْتِدَاء لَكِن تحدث بعد حميات مختلطة والبلغمية ايضاً كَذَلِك أَعنِي أَنَّهَا لَا تبتدىء بنافض شَدِيد من أول الأبتداء وَإِذا كَانَ نافض شَدِيد فَهِيَ غب فَأن كَانَت بنافض يسير فَهِيَ ربع أَو بلغمية أَو شطر الغب فَارْجِع وَاسْتشْهدَ بالعلامات الْأُخَر والأعراض اللَّازِمَة لكل حمى والأسباب الملتئمة)
وَذَلِكَ أَن النبض فِي الغب يكون عَظِيما قَوِيا قَلِيل الأختلاف والنافض كَأَن الْجلد ينخس مَعَ برد اقل فِي وَقت الصَّيف وبلاد حارة ومزاج حَار وَسن حارة ومهنة وتدبير يوجبان الْحَرَارَة وَإِن كَانَ قد عرض فِي ذَلِك الْوَقْت لكثير من النَّاس الغب فثق واحكم بالغب والقيء المراري والعطش الشَّديد يدلان دلَالَة ظَاهِرَة على الغب والهذيان فِي الصعُود.
لي فرق بَينهَا وَبَين المحرقة بالنافض فِي الأبتداء.
قَالَ: فأذا انحطت الْحمى وَرَأَيْت الأختلاف الْخَاص بالحمى مَعَ ذَلِك فِي النبض لابثاً فَاقْض بالغب كَمَا لَو رَأَيْتهَا قد دارت.
قَالَ: فَأَما الرّبع فأعظم دلائلها دَلِيل يظْهر فِي أول نوبتها مادام النافض قَائِما بصاحبها وَذَلِكَ أَن نبضه يكون شَدِيد التَّفَاوُت والإبطاء فِي أول نوبتها مادام النافض قَائِما فِي ذَلِك الْوَقْت فَأَما عِنْد الصعُود فَلَا بُد أَن يسْرع ويتواتر إِلَّا أَنه يبْقى فِيهِ من ذَلِك بَقِيَّة إِذا قسته(4/251)
بالنبض فِي صعُود الغب كَانَ دونه بِكَثِير والأختلاف فِي نبضه بَين جدا أبين مِنْهُ فِي الغب وَسَائِر الحميات وَذَلِكَ أَنا نجد اول الْحَرَكَة وَآخِرهَا أسْرع من وَسطهَا وَلَا نجد فِيهَا أَيْضا من شدَّة الْحَرَارَة واللهيب مَا فِي الغب فَهَذَا أعظم دلائله لَكِن لَا تدع مَعَ ذَلِك النّظر فِي الْأَسْبَاب الملتئمة أَعنِي السن والمزاج والمهنة والأمراض الْوَارِدَة وَعظم الطحال وحميات مختلطة وَلَا يكون فِي هَذِه وَلَا فِي البلغمية قيء مرار لِأَن ذَلِك من خَواص الغب فَأن رَأَيْت بعد سُكُون الْحمى النبض أَشد تَفَاوتا من النبض الطبيعي وَأَبْطَأ مِنْهُ فقد بَان بَيَانا وَاضحا بإنها ربع. فَأَما البلغمية فالنبض فِيهَا أَصْغَر من الرّبع بِحَسب صغر الرّبع عَن الغب وَكَذَلِكَ أَشد تَفَاوتا مِنْهُ وَيكون اللِّسَان والفم كَمَا يكونَانِ فِي الغب على غَايَة اليبس ويكونان فِي هَذِه رطبَة رهلة والقيء وَالْبرَاز بلغمي وتعتري ذَوي الْأَسْنَان والأمزجة البلغمية وَمَا رَأَيْت شَابًّا مرارياً قطّ حم هَذِه الْحمى بل أَنَّهَا أسْرع إِلَى الصّبيان وخاصة إِلَى الصغار مِنْهُم وَإِلَى المبلغمين بالطبع وَالتَّدْبِير فَأن كَانَت فِي ذَلِك الْوَقْت هَذِه الْحمى فضم هَذِه العلامات إِلَى ذللك.
قَالَ: وَلَيْسَ يسكن الْعرق فِي هَذِه الْحمى كَمَا يسكن فِي الرّبع وَالْغِب وَلِهَذَا لَا تبقى فتراتها.
قَالَ: وَالْبَوْل فِي ابْتِدَاء البلغمية إِمَّا رَقِيق أَبيض أَو غليظ أَحْمَر كدر مشبع الْحمرَة وَفِي الغب تَجدهُ إِمَّا مشبع الصُّفْرَة أَو دون المشبع بِقَلِيل وَفِي الرّبع مُخْتَلف الْأَحْوَال فِي اللَّوْن لكنه فِيهَا كلهَا غير نضج.)
قَالَ: فَهَذِهِ دَلَائِل المفترة فَأَما اللَّازِمَة فأعظم دلائلها أَلا تَجِد شَيْئا من الدَّلَائِل الَّتِي ذكرنَا فِي المفترة وَأَن تمْضِي أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة وَلَا تحط وَيكون تزيدها مُخْتَلفا.
لي لم يُعْط دَلِيلا بَينا وَلَكِن إِذا رَأَيْت الْحمى ابتدأت بِلَا سَبَب باد وَلَيْسَ فِيهَا نافض فَظن أَنَّهَا من اللَّازِمَة فَأن رَأَيْت تزيدها مُخْتَلفا بِلَا تَرْتِيب لَكِن تنقص وتخف مرّة وتشتد أُخْرَى ويدوم على ذَلِك أَو يطول التزيد حَتَّى يُجَاوز وَقت تزيد جَمِيع الحميات فاستيقن انها لَازِمَة.
من جَوَامِع أغلوقن: جَمِيع الحميات غير المفترة لَا يكون فِي ابتدئها نافض وَلَا مَعهَا عرق فَأن كَانَ فِي وَقت مَا حمى دائمة فِي ابتدائها برد الْأَطْرَاف أَو قشعريرة فَذَلِك يكون لورم عَظِيم فِي الْجوف فتنضم الْحَرَارَة إِلَيْهِ فِي وَقت الْحمى أَو لِأَنَّهَا مركبة مَعَ حمى أُخْرَى تَدور.
إِذا حدث فِي أول الْحمى نافض شَدِيد مرعد فَهِيَ غب وَمَعَ ذَلِك خَالِصَة لِأَن الغب غير الْخَالِصَة بِقدر قلَّة خلوصها يقل نافضها وتطول نوبتها.
قَالَ: لَا يخلوا النافض أَن يجد صَاحبهَا مس الْبرد أَكثر كَمَا يكون ذَلِك فِي البلغمية وَجَمِيع أَصْنَاف النافض الَّتِي لَا تسخن وَأما مس الرض والتكسر كَمَا يكون فِي الرّبع وَأما مس اللذع والنخس كَمَا يكون فِي الغب.(4/252)
الْعرق يكون فِي الأنحطاط فِي الغب وَالرّبع إِلَّا أَنه فِي الغب أسْرع أَعنِي أَنه متداولها وأعون للطاقة الْخَلْط وَسُرْعَة بروزه وَفِي الرّبع أقل وأعسر وَأما فِي البلغمية فَلَا يكون أَو عسر أما يكون لغلظ الْخَلْط وعسر نضجه.
قَالَ: من الحميات ماالمادة فِيهَا أَكثر من غَلَبَة الْكَيْفِيَّة بِمَنْزِلَة حمى البلغم فَلذَلِك يحْتَاج إِلَى لي بَان من هَذَا الْكَلَام أَن قَول ج فِي المطبقة أَن تزيدها مُخْتَلف فَأَنَّهُ يُرِيد أَن تزيدها لَا يكون إِذا بدا مر على ماهو عَلَيْهِ كالحال فِي الرّبع وَالْغِب وَلَكِن يزِيد تَارَة ويسكن أُخْرَى.
روفس إِلَى الْعَوام فِي التحفظ من الْحمى: إِذا كَانَ فِي الْبدن أعياء يَدُور فِي أَوْقَات فلطف التَّدْبِير وَلَا تَأْكُل إِلَّا بعد ذَلِك الْوَقْت لِأَنَّهُ مُنْذر بحمى ستحدث.
لي احترس من حمى يَوْم بترك الْأَسْبَاب الْبَادِيَة وَمن حمى عفن بترك التملي وَمَا يُولد أخلاطاً نِيَّة فِي الْبدن تعفن كالفواكه ثمَّ تتْرك مَا يسخن ويثير الْحمى وتعاهد الأستفراغ وَالنَّظَر الدَّائِم إِلَى المَاء فِي لَونه وبحسب تغيره.
من كتاب الحميات لِأَبْنِ ماسوية قَالَ: للحميات العفنة تسع خَواص أَحدهَا أَن تكون حَادِثَة من)
سَبَب متقادم فِي الْأَكْثَر وَالثَّانِي أَن تكون مَعَ نافض وَالثَّالِث أَن الأختلاف فِي النبض لَازم للعرق فِي جَمِيع أَحْوَاله وَالرَّابِع ان تَدور أدواراً كَثِيرَة على الْأَكْثَر. وَالْخَامِس أَن تكون حَرَارَتهَا نارية يابسة لذاعة للبدن وَيكون النبض فِي الأبتداء صَغِيرا مُخْتَلفا وَإِذا رفعت الْيَد عَن الْبدن بقيت الْحَرَارَة فِي أصابعك سَاعَة. وَالسَّادِس أَن يكون الأنقباض أسْرع من الأنبساط. وَالسَّابِع أَن الْبَوْل فِيهِ غير نضج فِي الْيَوْم الأول. وَالثَّامِن أَن الْأَعْرَاض اللَّازِمَة للحمى مثل الْعَطش والصداع تكون فِيهِ لِأَن هَذِه الْأَعْرَاض لَا تلْزم حمى يَوْم وَإِنَّمَا تكون مَعَ حميات العفن. وَالتَّاسِع أَن الْعرق مابال: التدثر فِي ابْتِدَاء النّوبَة جيد لِأَنَّهُ يعين على سرعَة الصعُود وَفِي الْمُنْتَهى الْكَشْف أصلح أَن كَانَ الْهَوَاء معتدلاً.
من مسَائِل الْفُصُول قَالَ: كل رُطُوبَة غَرِيبَة عَن طبيعة الْجِسْم لَا تصلح أَن تغذوه وَإِذا ثبتَتْ فِيهِ آل أمرهَا إِلَى العفونة ضَرُورَة ولاسيما إِن كَانَت فِي مَوضِع حَار.
لي هَذِه الْعلَّة فِي تولد الحميات من اكل الْفَاكِهَة الْبَارِدَة كالمشمش وَغَيره.
الثَّانِيَة من الْفُصُول: قد ظن قوم أَنه لَا يحدث من الأستفراغ مرض الْبَتَّةَ وَهَؤُلَاء يظنون أَنه لَيْسَ مرض إِلَّا الْحمى وَحدهَا.(4/253)
لي كَانَ هَذَا قد واطأ جالينوس على أَنه لَا تحدث الْحمى من استفراغ فِي حَال الْبَتَّةَ.
الْخَامِسَة عشرَة من الْفُصُول: اللَّبن ينفع أَصْحَاب الْحمى الطَّوِيلَة الضعيفة الَّتِي يذوب فِيهَا الْبدن أَكثر مِمَّا عَلَيْهِ حَال الْحمى فِي الشدَّة إِذا لم يكن بهم صداع أَو نفخة فِي الشراسيف أَو كَانَ مايختلفونه أَو يبولونه مرارياً وَبِالْجُمْلَةِ مَتى كَانَ يغلب المرار على الْبدن فَأَما من بِهِ حمى قَوِيَّة فَلَا تسقه لَبَنًا لِأَنَّهُ تستحيل فِيهِ لامحالة.
الْخَامِسَة من الْفُصُول: إِذا كَانَت الْحمى تفارق وينقى مِنْهَا الْبدن فَأن كَانَت طَوِيلَة النوائب فَهِيَ على حَال سليمَة لِأَن مايفارق وينقى مِنْهُ الْبدن لَيْسَ يكون من ورم وَلَا عفونة خبيثة.
الأولى من الحميات قَالَ: حر الْهَوَاء الشَّديد يُورث الحميات لِأَنَّهُ يسخن الْقلب بالتنفس جد فيلهب الْحمى فِي جَمِيع الْبدن.
لي فا الْحمام الْحَار ايضاً يشعل أذن الْحمى وكل ماأحمى الْقلب. وَأما هَوَاء الموتان فَأَنَّهُ بعفنه يُؤَدِّي إِلَى الْقلب حَالا عفنة.
لي على مابان فِي هَذَا الْكتاب أَن أَصْحَاب الأغذية الجيدة لَا تعرض لَهُم حمى إِلَّا من الأمتلاء)
فَيَنْبَغِي أَن يتَعَاهَد فتح السدد ونفض الأمتلاء وعلامته أعياء عَارض فأذا عرض لَهُم فبادر بنفض الأمتلاء فَأَنَّهُ أَمَان من أَن يحم وَأما أَصْحَاب الأغذية الردية الحارة فيحمون لرداءة الأخلاط وَلَا يُمكن أَن يحترسوا من الْحمى لأَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى أسهال وتغذية بأغذية مرطبة بَارِدَة.
وَقَالَ: العفونة الَّتِي تكون للأخلاط فِي جَوف الْعُرُوق كالعفونة الَّتِي تكون فِي الاورام والرسوب الَّذِي فِي الْبَوْل فِي هَذِه كالمدة من الْخراج. وعَلى حسب جنس الْمدَّة تكون حَالَة غَلَبَة الطَّبْع فِي الْخراج وقلته وَكَذَلِكَ بِحَسب حَال الرسوب تكون غَلَبَة النضج فِي الْعُرُوق وَقلة غَلَبَة العفن وَحَال الرسوب الرَّدِيء كَحال الْمدَّة الرقيقة المنتنة الخضراء وكما أَن الْمدَّة الجيدة وَاحِدَة والردية والعفنة ضروب بِلَا نِهَايَة كَذَلِك الرسوب الْجيد وَاحِد وَهُوَ الأملس الْأَبْيَض الَّذِي لانتن لَهُ وَمَا سوى ذَلِك لي العفن فِي الْعُرُوق يكون لِأَن لِأَشْيَاء فضلا يصير فِيهَا كَمَا يصير فِي الخراجات فَأن فِي ظَاهر الْبدن مادام الْجَارِي إِلَى الْعُضْو يلزق بِهِ مايلزق وَيخرج ويتحلل مالايلزق فَلَا يكون خراجاً فاذا حصل مِنْهُ شىء لَا يتَحَلَّل وَلَا يلزق كَانَ خراجاً ذَلِك يكون إِمَّا المنافرة فِي الطَّبْع أَو لِكَثْرَة وَكَذَا الحميات أَيْضا تكون إِمَّا لرداءة خلط أَو لكثرته فأذا عفن اشتعلت الْحَرَارَة وَإِذا نضج سكنت كَمَا أَنه خَارج أَشد مَا يكون الْحَرَارَة عِنْد تولد الْمدَّة فأذا تولدت سكنت الْحَرَارَة وَيكون هَذَا دَلِيلا على أَن الأنتهاء قد كَانَ وَأَنه لَا يُمكن أَن يكون أنتهاء(4/254)
والحرارة تزيد لِأَنَّهُ يدل على أَن العفن بعد هُوَ دَاء يكون ويشتعل وكما أَنه يحترس من العفن من خَارج بالفصد والرداعة كَذَلِك من دَاخل ثمَّ من قبل أَن ينضج احتجت إِلَى أَن تعين عَلَيْهِ كَذَلِك دَاخل فيهم فتمم هَذَا الْكَلَام ببحث جيد وحرره أَن شَاءَ الله.
لي قد وَقع الْإِجْمَاع من الْأَطِبَّاء على ان النبض فِي أَوَائِل حميات العفن يكون منضغطاً وَهُوَ الصَّغِير الْمُخْتَلف وَقد يكون هَذَا النبض أذا ثقل على الْمعدة شَيْء وَمن هَهُنَا يعلم أَن حَال ذَلِك الْخَلْط كَحال مايثقل على الْمعدة فَأن الْإِنْسَان إِذا تغذى انضغط نبضه ثمَّ يقبل يعظم كَذَلِك يعلم أَن الْخَلْط يبرد الْبدن أَولا ثمَّ تستوي عَلَيْهِ الْحَرَارَة. وَأَيْضًا أَن الحميات المطبقة يتقدمها أَيَّامًا انضغاط النبض حَتَّى تشتعل كَمَا أَنه يتَقَدَّم فِي النائبة بساعة وَنَحْوهَا انضغاط النبض.
الأولى من الحميات قَالَ: التضاغط لَازم لابتداء نَوَائِب حمى العفن وَهَذِه الْأَشْيَاء يتبعهَا قشعريرة أَو برد الْأَطْرَاف أَو حَال شَبيهَة بِالْكَسَلِ والميل إِلَى النّوم وَاخْتِلَاف النبض مَعَ صفراء)
وَضعف. 3 (الفصد فِي الْحمى) لي تَلْخِيص مااستقصيته من كتاب الفصد وحيلة الْبُرْء وتقدمة الْمعرفَة وَجَمِيع كتب ج فِي الفصد فِي الْحمى: من الحميات حميات يجب الفصد فِيهَا ضَرُورَة وَهِي الَّتِي يكون الْبدن فِيهَا مملوءاً من دم حَار يغلي مثل سونوخوس وَمِنْهَا مالايجب الفصد فِيهِ الْبَتَّةَ فَأن فصدت أما قتلت العليل وَإِمَّا اضررت بِهِ مثل الْحمى الَّتِي يكون الْبدن فِيهَا مملوءاً من خلط ني كثير الْمِقْدَار وَيعرف ذَلِك من شدَّة النافض أوطوله اومنهما وَمن أَن الْحَرَارَة بعد ذَلِك تكون ضَعِيفَة قَصِيرَة وَمن لون الْبدن الْأَبْيَض الْأَصْفَر ومزاجه وتدبيره وَهَذِه الحميات تكون بلغمية وأدوارها فِي الْأَكْثَر أدوار البلغم فَأن فِي هَذِه الحميات أذا فصدت أَن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة أضرّ بالعليل وَتَأَخر النضج فَقَط فَأن كَانَت الْقُوَّة خَاصَّة كَثِيرَة تخلص بعد طول وَإِلَّا هلك وَإِن كَانَت ضَعِيفَة غشي عَلَيْهِ وَمَات سَرِيعا وخاصة أَن كَانَ فَم الْمعدة ضَعِيفا وَأما سَائِر الحميات فمل إِلَى الفصد وَلَا تمل بِحَسب قربهَا من أحد هذَيْن وبحسب الْقُوَّة فَمَتَى وجدت النافض قَوِيا وطويلاً والحار قَصِيرا ضَعِيفا فَلَا تفصد وَمَتى وجدت الْحَار أطول وَأَشد وَالْبدن أميل إِلَى الْحمرَة مَعَ ثقل وامتلاء فافصد وَلَيْسَ مَتى وجدت الْحَار أَشد وَجب الفصد لِأَن هَهُنَا حمى لَازِمَة لايجب الفصد فِيهَا وَهِي الْحمى الَّتِي ينخرط مِنْهَا وَجه صَاحبهَا سَرِيعا وَهِي من المحرقات القوية الَّتِي تجْعَل الْوَجْه بِالْحَال الَّتِي وصف أبقراط فِي(4/255)
كتاب تقدمة الْمعرفَة فَأن هَذِه الْحمى شَدِيدَة الْحَرَارَة جدا والأخلاط فِيهَا فِي غَايَة الرقة فَلذَلِك يستفرغ مِنْهَا شَيْء كثير جدا فِي كل يَوْم وأنما يحْتَاج إِلَى تَغْلِيظ وترطيب لَا إِلَى استفراغ لَكِن إِذا وجدت سَائِر الحميات العفنة مائلة إِلَى السونوخوسية فافصد أَعنِي أذا وجدت فِيهَا الْحَرَارَة كَثِيرَة مَعَ رُطُوبَة وامتلاء فِي الْبدن وَحُمرَة اللَّوْن وتمدد وَقُوَّة لِأَن فِي هَذِه إِذا فصدت خف نضج الْبَاقِي على الطبيعة وَإِذا وجدت الْحمى مائلة إِلَى المذيبة أَعنِي الَّتِي ينخرط فِيهَا الْوَجْه سَرِيعا وَهِي الشَّدِيدَة الْحَرَارَة القحلة الْيَابِسَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أثر رُطُوبَة وامتلاء فَلَا تفصد بل عالج بالترطيب وبالغذاء وَإِن وجدت الْحمى مائلة إِلَى النِّيَّة أَعنِي الطَّوِيلَة النافض اللينة الْكَثِيرَة الرُّطُوبَة الَّتِي لون الْبدن فِيهَا أَبيض أصفر وَكَانَ مَعَ ذَلِك ثقل وتمدد فَلَا تفصد وَعَلَيْك بالأنضاج.
وَبِالْجُمْلَةِ فان الْخَاص بسونوخوس الفصد والأستفراغ حَتَّى يغشى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبدن شَيْء)
آخر يحْتَاج أَن يعْنى بِهِ بعد الفصد فَأَما حميات العفن الَّتِي تقرب مِنْهُ وتشبهه فيفصد مِنْهَا وَلَا يفرط فِي أخراج الدَّم لِأَنَّهُ لَيْسَ علاجه ذَلِك فَقَط لَكِن تحْتَاج أَن تعالج العفن مُدَّة فَلهَذَا يَنْبَغِي أَن يبْقى من الدَّم بَقِيَّة تمده بالعلاج وبمقدار قربهَا وَبعدهَا من سونوخوس يكون كَثْرَة أخراج الدَّم قَالَ: ويستدل على الْأَبدَان الَّتِي فِيهَا خلط غليظ ني كثير بِأَن اللَّوْن مِنْهَا عديم الدَّم والنبض مُخْتَلف واكثره الصَّغِير البطيء.
قَالَ: ولونهم رصاصي أَو بَين الصُّفْرَة وَالْبَيَاض وَغَيره من الألوان الكمدة أَي لون كَانَ غير الْأَحْمَر ونبضهم مُخْتَلف فِي السرعة والعظم وَأَكْثَره الصَّغِير البطيء ويعتريهم ثقل وكسل وإبطاء الْفَهم والحواس فَلَا تفصد هَؤُلَاءِ وَلَا تستفرغهم إِذا حموا أصلا وانتظر بالفصد ابداً انحطاط نوبَة الْحمى ونضج الطَّعَام. ويستدل على ذَلِك بالبول.
لي على مارأيت فِي كتاب الدَّلَائِل: يَنْبَغِي أَن لايوافي النّوبَة طَعَاما ولاشراباً فِي الْمعدة لم ينضج فَأن ابْتِدَاء النّوبَة حِينَئِذٍ يطول ويعسر الصعُود وَيطول وَإِن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة كَاد أَن يختنق العليل لشدَّة الإنطفاء وَالْبرد وانضغاط النبض ثمَّ أَن قويت الْقُوَّة وتصاعدت الْحمى كَانَت الْحَرَارَة أَزِيد أضعافاً كَثِيرَة وَذَلِكَ بَين من أجل أَن مَادَّة الْحمى تشبه حَال الطَّعَام فِي تبريده للحرارة الغريزية ثمَّ اشتعاله بهَا وَكلما كَانَ ذَلِك الطَّعَام أغْلظ وَأَبْطَأ اسْتِحَالَة كَانَ ذَلِك كُله أَشد وأوكد وَإِن تقيأ فِي ذَلِك الْوَقْت لم يخرج الطَّعَام وَحده بل خرج مَعَه أَشْيَاء من مواد الْحمى وَذَلِكَ أَن رطوبات تنصب إِلَى الْمعدة فِي وَقت الْحمى فَيكون لذَلِك الِابْتِدَاء أقصر والأنتهاء أسْرع وَأقرب والحرارة أخف.
قَالَ: وَمَا كَانَ من الحميات مَعَ نُقْصَان من الْبدن شَدِيد فالحاجة إِلَى التغذية اكثر حَتَّى أَنه رُبمَا احتجت إِلَى أَن تغذو فِي وَقت النّوبَة وَمَا كَانَ من الحميات من الامتلاء وَفِي الْبدن فضول كَثِيرَة فَفِي الْجُمْلَة حَاجته إِلَى الْغذَاء قَليلَة. قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَن تغذوه إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ(4/256)
أَيْضا إِلَّا بالبعد من النّوبَة فَأن لم تكن نَوَائِب فَفِي أخف الْأَوْقَات عَلَيْهِ أَو ألطف أَوْقَات النَّهَار أَو وَقت عَادَته فِي الْأكل فِي الصِّحَّة هَذَا فِي المطبقة.
جملَة استقصيتها فِي أَمر الْحمام مَعَ الْحمى: يسْتَعْمل الْحمام فِي المحموم وَيتْرك بِحَسب الْأَعْرَاض فالحمى المذيبة لاينبغي أَن يقرب فِيهَا الْحمام الْبَتَّةَ لَكِن الترطيب بِالْمَاءِ الَّذِي يبلغ فتورته إِلَى أَلا يحل من الْبدن شَيْء وَكَذَلِكَ فِي الدق وَلَا يقربُوا سخونة الْحمام وهواءه الْحَار ماأمكن لِأَنَّهُ)
ضار بهم وَأما فِي الغب فَأَنَّهُ لايضر أَن يستحم قبل النضج لِأَنَّهُ لَا يخْشَى من هَذِه الْمَادَّة ارتباك وَلَا سدد وَأما فِي البلغمية وَالرّبع فَلَا تطلق لَهُ ذَلِك قبل النضج وَأطلق لَهُ بعد النضج. فَأَما الشَّرَاب فبقدر حرارة الْحمى وَالْعَادَة فَلَا تطلق لمن بِهِ حمى عفن قبل النضج لِأَنَّهُ يزِيد فِيهِ فأذا نضج فَأَطْلقهُ لَهُ فَأَنَّهُ ينضج الْمَادَّة واما حمى يَوْم فاطلق لَهُ الْحمام وَالشرَاب ويستقصى هَذَا فِي مَوْضِعه.
لي على مارأيت فِي الْعَاشِرَة من حِيلَة الْبُرْء: الْحمى القحلة الَّتِي يحمها أَصْحَاب الأمزجة الْيَابِسَة من الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام والتعب وَنَحْوه لَيست حمى عفن الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هِيَ حمى تهيج من حمى الْبدن فَأن غذي صَاحبهَا سلم وإلاوقع فِي الدق وَلذَلِك يسقى مَاء بَارِدًا ويغذى فِي جَمِيع أَوْقَاتهَا وَهِي نوع من حميات يَوْم إِلَّا أَنَّهَا النَّوْع الْمُؤَدِّي إِلَى الدق كَمَا أَن الَّتِي من سدد تُؤدِّي إِلَى سونوخوس.
الثَّانِيَة من أَصْنَاف الحميات قَالَ كَثْرَة حرارة الْحمى أَنما يكون دَائِما بِحَسب كَثْرَة مايتحلل من الْبدن فَأَما عاديتها وَكَثْرَة حَرَارَتهَا فَتكون بِحَسب مامع الْخَلْط من الحدة فَلْيَكُن هَذَا فِيهِ أعظم دَلِيل على الْخَلْط المولد للحمى.
أوريباسيوس وبولس: يَنْبَغِي فِي حميات العفن أَن لم يكن بِهِ تخمة وساعدت الْقُوَّة الفصد وَبعد الفصد فنق الْبدن من العفن بالإسهال وإدرار الْبَوْل والعرق فَأن مَالَتْ الفضول من ذَاتهَا إِلَى فَم الْمعدة فَاسْتعْمل الْقَيْء وَاسْتعْمل من هَذِه أقلهَا حرارة وَلَا تسْتَعْمل تخلخل الْبدن قبل الإستفراغ فَإِذا استفرغته تخلخله بدهن البابونج وَفِي هَذَا الْوَقْت ان تشرب شرابًا مائياً وتستحم باعتدال حلل وَأخرج مابقي من العفن وَأما فِي وَقت الصعُود الْكُلِّي فَلَا تسْتَعْمل الْحمام وَلَا شرابًا وَلَا تخلخل الْبدن.
قَالَ: وَفِي الحميات الحارة جدا المحرقة أسق المَاء الْبَارِد بعد أَن يكون النضج ظَاهرا وَالْقُوَّة قَوِيَّة وَإِن كَانَ العليل خصيب الْبدن وَالْوَقْت صيفاً فحمه بِالْمَاءِ الْبَارِد وَأما إِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة والنضج ظَاهر والحميات قد انحطت فينفع الْحمام وَشرب الشَّرَاب وتخلخل الْبدن بدهن البابونج وَنَحْوه.
فِي الأدهان فِي الْحمى أريباسيوس وبولس قَالَا: أَن كَانَ الصداع فِي الْحمى فَاسْتعْمل صب الأدهان على الرَّأْس بعد نُقْصَان حِدة الدّور لي يَعْنِي الهبوط الجزئي قَالَ: بَارِدًا فِي الصَّيف)
وفاتراً فِي الشتاءويكون دهن ورد وخل خمر.(4/257)
من كتاب الدَّلَائِل: ماكان من الحميات مَعَ نُقْصَان الْبدن فالحاجة فِيهِ إِلَى الْغذَاء أَكثر بل رُبمَا غذونا العليل فِيهَا فِي وَقت الْحمى وَمَا كَانَ مِنْهَا مَعَ فضول فِي الْبدن وامتلاء فاحذر كَثْرَة الْغذَاء ولايكون إِلَّا فِي فتراتها وبمقدار مَالا تسْقط الْقُوَّة.
السَّادِسَة من تَفْسِير السَّادِسَة من مسَائِل أبيذ يميا قَالَ: الْحمى الَّتِي يعرض مَعهَا نافض تكون أقوى وَأَشد حرارة.
لي لهَذَا عِلّة تحْتَاج أَن تحذر والتجربة تشهد بِهَذَا فِي الْأَكْثَر.
الثَّامِنَة من تَفْسِير السَّادِسَة قَالَ: الحميات الَّتِي تتقرح مَعهَا الشفتان تدل على أَنَّهَا من الحميات الفترة وخاصة الغب قَالَ: فَأن كَانَت فِي وَقت فِي اللَّازِمَة فَأَنَّهَا تدل على أَنَّهَا ستنحل وتفارق.
لي الحميات الَّتِي تَأْخُذ بعقب الفصد والإسهال لاتخف مِنْهَا فَأَنَّهَا يومية لاعفنية وَيحْتَاج أَن يرطب الْبدن فِيهَا ويغذى بأغذية بَارِدَة رطبَة لتعدل الأخلاط الَّتِي تسخنها فيسكن بذلك وَأعظم الاشياء فِي نَفعهَا الضماد الْبَارِد على الْقلب والكبد.
الأولى من أَصْنَاف الحميات: الحميات الحادة تحدث عِنْد طُلُوع الْكَلْب لشدَّة سخونة الجو فَأن الجو إِذا سخن يسخن الْقلب جدا والشرايين لما يجتذب مِنْهُ وَعند ذَلِك تستحيل حَرَارَتهَا إِلَى النارية.
لي لست أرى الْحمام للمحموم صَوَابا فِي حَالَة وَإِذا احْتَاجَ إِلَى التَّحْلِيل لبدنه والترطيب كَانَ ذَلِك فِي آبزن فِي مَوضِع معتدل وخاصة لأَصْحَاب الْأَبدَان المرارية فَأَنَّهُ يسْرع إِلَيْهِم مِنْهُ الغشي.
السَّادِسَة من الثَّانِيَة قَالَ: الحميات ثَلَاث: الدق وَحمى يَوْم والعفن فحمى يَوْم عِنْد انحطاط نوبتها تنْحَل الْبَتَّةَ بالحمام والعفنة لَيْسَ كلهَا تنْحَل بالحمام لَكِن مَا كَانَ مِنْهَا الْخَلْط المولد لَهُ فِيهِ قد نضج انحطت الْحمى انحطاطاً كلياً وَأما الدق فيئس الْأَطِبَّاء فِي أدخال صَاحبهَا الْحمام نظر.
لي أَقرَأ جملَة مافي الْعَاشِرَة من حِيلَة الْبُرْء فِي الْحمام فَأَنَّهُ يزْعم أَن جَوْهَر حمى يَوْم ينْحل فِي الْحمام وَلَيْسَ لَهَا علاج أفضل مِنْهُ وَكَذَلِكَ السددية لاغنى بهَا فِي فتح السدد عَن الْحمام. وَأما الدق فَأَنَّهُ يحْتَاج فِيهِ إِلَى المَاء الْبَارِد لَكِن يدْخلُونَ الْحمام لتسخن أبدانهم فَلَا يَضرهَا المَاء الْبَارِد إِذا لقيها دفْعَة لِأَنَّهَا منهوكة بَارِدَة فَأَما حميات العفن فتجتنب الْحمام فِي أول أمرهَا وصعودها)
لِأَن الْجلد وَاللَّحم كثيف فيحرك الفضول وَلَا يخرج.
وَأما فِي الأنحطاط وخاصة الْكُلِّي فَأَنَّهُ نعم العون على تَحْلِيل مَادَّة العفن. وَأما الَّتِي مَعَ أورام فَأَنَّهُ(4/258)
يحذر فِيهِ من اسْتِعْمَال الْحمام وخاصة فِي ابْتِدَاء الدّور وَفِي تزيده فَلَا تستعمله.
وَأما الشَّبَاب الخصيبوا الْأَبدَان فانهم إِذا حموا حمى حريفة فَلَا يكره لَهُم بعد الأنحطاط الجزئي الأستحمام بِالْمَاءِ الْبَارِد.
لي الْحمام يهيج الْحَرَارَة وَيسْقط الْقُوَّة جدا فاستعماله حَيْثُ حرافة وحدة خطأ. وَأما حَيْثُ يحْتَاج إِلَى تخلخل سطح الْبدن فَلَا غنى بِهِ عَنهُ بتحرز.
المسبتة الثَّانِيَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: من النَّاس من يُصِيبهُ فِي ابْتِدَاء النوائب سبات شَدِيد أوضعف وَذَلِكَ يكون لِأَن الدِّمَاغ يبرد بردا شَدِيدا وَهَذَا يكون عَن استعداد فِيهَا لذَلِك لِكَثْرَة بلغم أَو سوء مزاج فَفِي وَقت النّوبَة يقوى ذَلِك حَتَّى يظْهر.
لي هَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ أَن يعطسوا أَو يغرغروا وتسخن رؤوسهم أذا كَانَ من سوء مزاج فَقَط وخاصة فِي وَقت النّوبَة.
الرَّابِعَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: فلَان الطَّبِيب لما انحطت حماه يَوْم كَانَت بِهِ ونقى عرقه وبدنه استحم وَلم يزل يتدبر تدبيراً لطيفاً إِلَى أَن جازه الْيَوْم الثَّالِث فَلَمَّا لم يحم فِي الثَّالِث رَجَعَ إِلَى عَادَته.
لي هَذَا الْوَجْه الأجود فِي مَا يدبر بِهِ من حم وَإِنَّمَا صَار تلطيف التَّدْبِير إِلَى الثَّالِث لمضى نوبَة الغب والبلغمية وَلَا ينْتَظر أَرْبَعَة أَيَّام لِأَن الرّبع لَا تكَاد تحدث ابْتِدَاء.
من كتاب الدَّلَائِل قَالَ: مِمَّا لَا يُفَارق الْحمى السرعة والتواتر فِي النبض وحرارة اللَّمْس الحاد وتواتر النَّفس.
قَالَ: والحميات الَّتِي تكون من العفونة علاجها بعد نضج الأخلاط الْحمام وَكَذَا أَوْقَات شرب المَاء الْبَارِد يكون بعد النضج.
من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة قَالَ قولا يُوجب مِنْهُ ماأقول: من عرضت لَهُ حمى فَأن علم أَي نوع هِيَ فَذَلِك وَإِلَّا فليلطف التَّدْبِير إِلَى أَن يجوز الرَّابِع وَلَا يستحم ولايتعب وَلَا يَأْكُل يَوْم نوبَته حَتَّى يتَجَاوَز السَّاعَة الَّتِي تَأتي فِيهَا نوبتها. 3 (الْحمام فِي الحميات) من جَوَامِع أغلوقن: أطلق للعليل فِي الغب الْخَالِصَة أَن يستحم وَلَو قبل النضج وَإِن أحب ذَلِك وَكَانَ مُعْتَادا لَهُ أَن يَجعله مرَّتَيْنِ فليستحم ويسبح فِي المَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ يخْشَى فِي هَذِه الْحمى أَن ينْحل مِنْهَا شَيْء كثير دفْعَة تَأتي نَاحيَة الْجلد فتورث سدداً لِأَن مادتها رقيقَة لَطِيفَة فَمَا يحلل مِنْهَا يتَحَلَّل من المسام. فاما الغب غير الْخَالِصَة والبلغمية وَالرّبع فَلَا يُطلق الأستحمام دون نضج لِأَن موادها غَلِيظَة تنْحَل بالحمام ثمَّ لَا تحلل من المسام فَتحدث(4/259)
سدداً ثمَّ تسيل إِلَى بعض الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة فأذا نضج فحمه وَالشرَاب لَا يسقى وَلَا فِي الغب قبل النضج فَأَنَّهُ يزِيد فِي مادتها وَبعد النضج يسقى فِي الْجَمِيع.
من جَوَامِع الحميات على غير تَفْصِيل: بِقدر طول الفترة يكون بعد الْحمى عَن الْخطر وبالضد.
لي فَلذَلِك أخطر الحميات اللَّازِمَة ثمَّ البلغمية ثمَّ الغب ثمَّ الرّبع. فَأَما الْخمس وَالسُّدُس فَأَقل خطراً من الرّبع.
من كتاب العلامات: إِذا كَانَ فِي الْحمى قيء وعرق كثير وحرارة فِي ظَاهر الْبدن ونداوة فَاعْلَم أَنَّهَا لَيست من استحصاف الْبدن.
لي إِذا رايت فِي حمى ربع أَو غب أَو بلغمية الْبدن ينقص ويذوب أَكثر مِمَّا كَانَ من عَادَته أَن يكون فِيهَا فَانْظُر حسنا فَأن مَعهَا حمى دق وتفقد حِينَئِذٍ البرَاز فَأن كَانَ دهنياً دسماً فاقصد الرَّابِعَة من الْفُصُول: اسخن الحميات المحرقة ثمَّ الغب الْمُفَارقَة.
لي ثمَّ سونوخوس ثمَّ الرّبع ثمَّ بعض الحميات اليومية ثمَّ الدق ثمَّ البلغمية ويخالط سونوخوس واليوميات حرارة بخارية. فَأَما حميات العفن والدق وَإِن كَانَتَا لينتين فَأَنَّهُ إِذا طَال لمسك لَهما أحسست مِنْهُمَا بحرارة يابسة لذاعة.
لي المليلة حَال مَا يتَقَدَّم الحميات أَو يتَأَخَّر وَرُبمَا أنذرت بهَا وَهِي حميات إِلَّا أَنه يبلغ من قلتهَا أَلا تحس أحساساً ظَاهرا وَأَن طَالَتْ مدَّتهَا أفسدت المزاج وصفرت اللَّوْن وأفسدته وَيكون أعراضها التكسر والإعياء وَنَحْوهمَا ويعالج بالنقوع والجلنجبين والورد خَاصَّة نَافِع لهَذِهِ الْحَال وَرُبمَا احْتِيجَ إِلَى نفض وَبِالْجُمْلَةِ يكون من خلط رَدِيء مستكن فِي الْبدن فاستفرغ وَبدل مزاجه.
شرك: اهليلج أسود جيد للمليلة.)
لي ينفع مِنْهُ سف الكزبرة مَعَ رَاحَة سكر كل يَوْم.
ابْن ماسوية: الكشوف مخرج للفضلات الردية من الْعُرُوق وَيذْهب بالمليلة وَنَافِع من حميات الصّبيان إِذا شرب مَعَ السكنجين والحميات البطية اللينة المزمنة وَالَّتِي قد هيجت الأحشاء.
أَبُو جريح: النانخواة تذْهب بالمليلة والحميات الطَّوِيلَة أرلخوز الغافت نَافِع جدا للحميات الحادة بولس: علاج حميات العفن إِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة فافصد من ساعتك إِلَّا أَن يكون فِي الْبَطن سوء هضم فَأن لم يكن فَانْظُر فِي الْقُوَّة وَبعد الفصد استفرغ بَاقِي الفضول العفنة(4/260)
بالإسهال وإدرار الْبَوْل والعرق فَأن مَالَتْ الفضول من ذَاتهَا إِلَى فَم الْمعدة فأعن على الْقَيْء وَإِن لم تمل وَلم تهج غثياً فَلَا ولطف التَّدْبِير واجعله مِمَّا لَا يسخن كَمَاء الشّعير والسكنجين وَمَاء الْعَسَل وَإِن لم يستطلق الْبَطن حقن وَلَا تجْعَل الْبدن كُله متخلخلاً قبل الأستفراغ وَبعد الأستفراغ يُمكن أَن يتخلخل بِشَيْء فاتر الْحَرَارَة كدهن البابونج وَفِي هَذَا الْوَقْت إِن شرب شرابًا مائياً بِمَاء كثير يُحَرك جَمِيع الاستفراغات وَكَذَا يفعل الْحمام المعتدل فِي هَذَا الْوَقْت بِالْمَاءِ العذب فَأن كَانَت الْحمى قَوِيَّة عَظِيمَة فَلَا تسْتَعْمل شرابًا وَلَا حَماما وَلَا أدهاناً تخلخل الْجَسَد بل اسْقِ المَاء الْبَارِد أَن لم يمْنَع مَانع فَأَنَّهُ أَن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة والحمى حارة جدا محرقة والنضج بَين فنق واعط المَاء الْبَارِد. وَإِن كَانَ العليل مَعَ ذَلِك خصيب الْبدن وَالزَّمَان حَار فَأدْخلهُ المَاء الْبَارِد وَإِن كَانَت حرارة الْحمى لَيست قَوِيَّة وَالْقُوَّة قَوِيَّة والنضج بَين فَأَنَّهُ ينْتَفع جدا بالحمام وَشرب الشَّرَاب والأدهان المخلخلة للجسد.
لي هَذَا تَدْبِير مَا كَانَ من حميات العفن حاراً كاللازمة وَالْغِب والمحرقة لَا الرّبع والبلغمية صفة لَهُ جَيِّدَة قَالَ: هَذِه حقنة تسكن الْحمى يُؤْخَذ صفرَة بيضتين زعفران اثْنَا عشر قيراطاً دهن ورد أوقيتان ميبختج ثَلَاث اوراق مَاء الشّعير ثَلَاث أوراق ويحقن بِهِ فَأن هَذِه الحقنة تسكن الْحمى تسكيناً عجيباً وتطفىء الْحَرَارَة واللهيب حَتَّى يعجب من ذَلِك.
لي هَذِه الحقنة الْمُتَقَدّمَة من اختيارات حنين وخبرني بعض النَّاس أَنه جربها فِي حمى محرقة فَوَجَدَهَا تسكن اللهيب والعطش جدا.
الْأَشْيَاء الَّتِي ألحقها بولس بالحميات فِي الْأَمْرَاض الوافدة فِي الَّذين يعرض لَهُم غشي من كَثْرَة الكيموسات النِّيَّة فِي الَّذين يعرض لَهُم الغشي لرقة أخلاطهم. فِي الغشي فِي الوجع فِي بعض الْأَعْضَاء مَعَ الْحمى فِي الذوبان وَهِي الْحمى المذيبة فِي السهر مَعَ الْحمى فِي السبات فِي الصداع)
مَعَ الْحمى فِي القشعريرة والنافض فِي الْعرق فِي السعال مَعَ الحميات فِي بوليموس مَعَ الْحمى فِي الشَّهْوَة الْكَلْبِيَّة مَعَ الْحمى فِي الْعَطش مَعَ خشونة اللِّسَان فِي الغشي فِي الأستطلاق فِي الرعاف فِي الغشي فِي تقرح القطاة وَقد ذكرنَا نَحن فِي بَابه كلَاما على ماذكر وَمَا يَلِيق بِهَذَا الْمَوْضُوع فَفِي بَابه.
لي على مارأيت فِي أغلوقن: إِذا كَانَ فِي النّوبَة المبتدئة تلهب كثير وعرق غزير فَلَيْسَتْ بلغمية الْبَتَّةَ والعرق دَلِيل على أَن الْحمى لَيست بلغمية فَعِنْدَ ذَلِك إِمَّا أَن تكون ربعا أَو غبا فَانْظُر فِي النافض والنبض خَاصَّة فَأَنَّهُ ان كَانَ صَغِيرا جدا وَلم يكن عرق كثير فربع وبالضد.
فِي الْحمام من مسَائِل أبيذيميا قَالَ: اسْتعْمل فِي حمى يَوْم وحميات العفن الْحمام أَكثر لَكِن كَمَا أَنه يسْتَعْمل فِي اليومية الْحمام عِنْد انحطاط النّوبَة فَيَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل فِي حميات العفن عِنْد الأنحطاط الْكُلِّي لَا قبل ذَلِك لِأَن فِي ذَلِك الْوَقْت تنْحَل الفضول اللذاعة الْبَاقِيَة ويودع الْبَطن رُطُوبَة عذبة.(4/261)
مسَائِل أبيذيميا من كَانَ فِي عروقه أخلاط نِيَّة لَا يُطلق لَهُ التَّعَب وخاصة إِن لم يعتده فَأَنَّهُ يثير الْحمى لَكِن اجْتهد أَلا تعفن تِلْكَ الأخلاط بِالسُّكُونِ والدعة وتجنب الْأَشْيَاء الحارة إِلَى أَن تستفرغه فأذا استفرغته فَلَا تبال حِينَئِذٍ بالتعب.
الثَّامِنَة من تَفْسِير السَّادِسَة من مسَائِل أبذيميا قَالَ: الحميات الَّتِي تتبثر مَعهَا الشّفة هِيَ حميات مقلقة وَفِي الْأَكْثَر الغب الْخَالِصَة وَحمى يَوْم وَذَلِكَ أَنَّهَا تدل على قلَّة الْمَادَّة وحدتها وخفتها على الطبيعة.
من الْفُصُول: التَّدْبِير نَافِع لجَمِيع المحمومين لاسيما الصّبيان.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة قَالَ: الْمَشْي والتعب جملَة والدلك والجوع والتكميد وكل مايهيج حرارة عَدو لمن بِهِ حمى.
لي والإكثار من الْكَلَام.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: الْحمى أَن لم تبادر فتغمر بالأشياء المرطبة وَإِلَّا ازْدَادَ العفن كل يَوْم وَقَوي فبادر بالترطيب والتبريد.
قَالَ: وَقد قَالَ قوم أَن الحميات الدائمة تكون لِكَثْرَة الأخلاط لَا لِأَنَّهُ دَاخل الْعُرُوق.
لي حدث لي بِبَغْدَاد حمى بنافض وتصاعد النبض ثمَّ حممت وَلم أعرق وَلم تعاود بعد)
أنقضائها فَلهَذَا يَنْبَغِي أَن تعلم أَنه لَيْسَ مَتى كَانَت بنافض نقطع أَنَّهَا لَيست بيومية وبالضد.
الْمسَائِل الطبيعية قَالَ: الْحَرَكَة تهيج الْحمى وتشعلها كالنفخ للنار.
قَالَ: الْأَصْلَح فِي أول الْحمى التدثر فأذا حمى الْبدن فالتكشف أَن كَانَ الْهَوَاء طيبا ريحًا بِأَن يكون فِيهِ وَإِذا كَانَت ريح قَوِيَّة فَأن لَا تَلقاهُ مابين النوبتين فَيَنْبَغِي أَن يسخن الْبدن بالحمام أَو صب المَاء الْحَار على الْأَطْرَاف والدلك والمرخ فِي الحميات الطَّوِيلَة الفترات لَا سِيمَا المزمنة فان ذَلِك يكسر حِدة النّوبَة وَالثَّانيَِة يوهنها وَيقصر مدَّتهَا.
الْهِنْدِيّ: عالج الحميات البلغمية بالقيء ودواء الْمَشْي. استكبره قَالَ: عالج الْحمى العفنة بدواء الْمَشْي.
فِي المختلطة الَّتِي لَا نظام لَهَا وَلَا يُوقف مِنْهَا على شَيْء حميد فِي جمل الحميات تَأتي.
قَالَ أطهورسفس: إِن زبل الْإِنْسَان الْيَابِس إِذا شرب بِخَمْر أَو عسل نفع من جَمِيع أدوار قَالَ ابْن ماسوية: البقلة الحمقاء نافعة فِي الحميات المستحكمة.
قَالَ بديغورس: خَاصَّة الباداورد تنقية الْحمى الحادة. د: البابونج إِذا سحق بدهن ومرخ بِهِ نفع من الحميات الدائرة. ج قَالَ: وينفع من الحميات بعد استحكام نضجها وخاصة مَا كَانَ مِنْهَا من تكاثف الْبدن.(4/262)
قَالَ ابْن ماسوية: الْجلاب نَافِع من الْحمى المتولدة من البلغم والمرة. مرق الديوك الهرمة الَّتِي فِي بَاب القولنج مَعَ البسبايج والقرطم نَافِع للحميات المزمنة النافضة وَغَيرهَا.
لي إِذا احتجت فِي هَذِه الحميات إِلَى مسهل فأسهل بِهِ مَرَّات فَأَنَّهُ جيد.
قَالَ د: أَنه يسهل خلطاً نياً وَإنَّهُ يكون بِهِ ذهَاب هَذِه الحميات وَهُوَ جيد للسوداء والحمى الرّبع خَاصَّة لِأَنَّهُ يسهل خلطاً أسود وَيَنْبَغِي أَن يسهل بِهِ فِي الرّبع مَرَّات ويقوى فِي البسبايج إِن شَاءَ الله والكشوث نَافِع من الحميات المزمنة وخاصة مَاؤُهُ نَافِع من الحميات الْعَارِضَة للصبيان إِذا شرب مَعَ السكنجين.
ابْن ماسوية: سمرينون يشرب لأدوار الْحمى. د: الكرنب نَافِع من الحميات المزمنة والبلغمية الْخَالِصَة الَّتِي لَا صفراء مَعهَا.
ابْن ماسوية: رب الحصرم جيد للحمى الحارة. د: الزراوند نَافِع من الحميات الدائرة.) د: والرازيانج أَن سقِِي بِمَاء بَارِد فِي الحميات سكن الغثي والتهاب الْمعدة وَهُوَ نَافِع من الحميات المزمنة.
ابْن ماسوية: الْخَرْدَل يرض رضَا جريشاً نَافِع من الحميات الدائرة.
ابْن ماسوية: الرازيانج أَن سقِِي بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي الحميات المزمنة نفع.
قَالَ ب: لاينبغي أَن يسقى المحموم دَوَاء مسهلاً لِأَن لُحُوم المحمومين قبل الاربع عشرَة حارة جدا فَهِيَ تجذب الدَّوَاء إِلَيْهَا بِسُرْعَة فَأن كَانَ الدَّوَاء كثيرا قَتله سَرِيعا وَإِن كَانَ قَلِيلا زَاد فِي حماه وَطول مُدَّة مَرضه وأصابهم يرقان وَإِن كَانَ بالدواء المسهل من الْقُوَّة مَالا يقدر الْبدن على جذبه فَأَنَّهُ يسهل هَؤُلَاءِ اسهالا قَوِيا وأصابهم تشنج من شدَّة يبس أبدانهم فَأن نَجوا تَركتهم الْحمى بعقب النفض ثمَّ عاودتهم بعد فأهلكتهم فَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن تدني من المحمومين الأقوياء الْحمى دَوَاء مسهلاً قَوِيا وَلَا دَوَاء مسخناً إِلَّا أَن يضطروا إِلَى ذَلِك بل تعتمد فِيهِ على الحقن مَرَّات كثيرو وَكَذَا فِي زمن القيظ وَاسْتعْمل بدله الحقن.
من الْكَمَال والتمام: طبيخ شاهترج ثَلَاثَة حشيش غافت أَرْبَعَة أصل كرفس أصل الرازيانج خَمْسَة خَمْسَة شكاعي وباداورد دِرْهَمَانِ يطْبخ برطل مَاء حَتَّى ينتصف ويسقى مِنْهُ كل يَوْم ج: فِي حِيلَة الْبُرْء الثَّامِنَة مِنْهَا قَالَ: الْحمى إِمَّا أَن يكون السَّبَب الَّذِي أثارها قد هدأ وَبَطل أَو يكون سَببه مُقيما وَهَذَا نَوْعَانِ نوع يعسر قلع سَببه وَهِي اقطيقوس وَنَوع لَا يعسر قلع سَببه وَهِي حميات العفن الَّتِي فِي الأخلاط.
قَالَ: الْحمى من جِهَة أَنَّهَا شَيْء خَارج عَن الطبيعة يَنْبَغِي أَن يبطل وَمن أَنَّهَا مرض(4/263)
سوء مزاج يَنْبَغِي أَن يداوى بأصلاح المزاج وَلِأَنَّهَا سوء مزاج حَار يَنْبَغِي أَن يداوى بتبريد المزاج الْحَار فَأن كَانَ السَّبَب الْفَاعِل قد بَطل فأنما بَقِي عرض وَاحِد وَهُوَ تبريد سوء المزاج الحارن فَأن كَانَ السَّبَب ثَابتا فَانْظُر فَأن كَانَ السَّبَب قَائِما والحمى بعد لم تتكون وَلم تستحكم قصد لقلع السَّبَب واستئصاله وَإِن كَانَ بعض الْحمى قد كَانَ واستحكم وَبَعضه تكون بِالسَّبَبِ قصد لقلع السَّبَب وتبديل المزاج جَمِيعًا إِلَّا أَنه يقدم أَولا قلع السَّبَب ثمَّ تكر على تَبْدِيل المزاج.
حمى يَوْم وَحمى دق تشترك فِي السَّبَب الْفَاعِل لَيْسَ يكون بهَا دَائِما لكنه قدر فعل وَوَقع إِلَّا أَنه فِي حمى يَوْم كَانَ فعل قَلِيلا وَفِي حمى الدق فعل كثيرا بِمَنْزِلَة خَشَبَة تمكنت النَّار مِنْهَا تمَكنا قَوِيا وَفِي حمى يَوْم بِمَنْزِلَة خَشَبَة لم تتمكن النَّار مِنْهَا إِلَّا تمَكنا ضَعِيفا.)
لي الحميات الْكَثِيرَة الْأَيَّام يحْتَاج إِلَى النّظر فِيهَا إِلَى قُوَّة الْمَرِيض وَأما حمى يَوْم فَلَا.
اسْتِخْرَاج: لايستحق أَن تجْعَل أَجنَاس الحميات ثَلَاثَة لِأَن حمى دق وَحمى يَوْم يُقَال عَنْهَا أَنَّهَا حمى من حرارة بِلَا عفن فَهَذَا جنس لَهما كَمَا أَن الْحمى جنس للْجَمِيع من الحميات وَلَكِن الْحمى جِنْسَانِ: إِمَّا بعفن وَإِمَّا بِلَا عفن وَالَّذِي بِلَا عفن جِنْسَانِ: أما شَدِيدَة التأكل وَهِي حمى الدق وَإِمَّا قَليلَة التأكل وَهِي حمى يَوْم. وَحمى دق ثَلَاثَة أَنْوَاع: أما أَن يكون بِسوء مزاج قد قبله الْعظم وَنَحْوه من الْأَعْضَاء الصلبة وَهَذِه هِيَ الذبولية وَأما أَن يكون قد قبله اللَّحْم أويكون قد قبله الْأَعْضَاء الْقَرِيبَة الجمود. وَحمى يَوْم جِنْسَانِ: أما من دَاخل. وَهَذِه نَوْعَانِ: أما لرداءة كَيْفيَّة مثل الْأَطْعِمَة الحارة وَإِمَّا كَثِيرَة الكمية فَتكون عَنْهَا التُّخمَة وَإِمَّا من خَارج وَالَّتِي من خَارج إِمَّا نفسانية كالفرح والحزن وَالْغَم والسهر والهم وَالْغَضَب أَو طبيعية كالتعب وَتغَير الْهَوَاء والأستحمام بِمَاء قَابض أَو كبريتي. وَالَّتِي مَعَ عفن جِنْسَانِ: إِمَّا فِي كل الْبدن أَو فِي بعضه كالورم فِي بعض الْأَعْضَاء الَّتِي تسخن ماقاربها دَاخِلا كَانَ هَذَا الْعُضْو أَو خَارِجا فَأَنَّهُ لايمكن أَن يحم عُضْو وارم إِلَّا بعفونة وَلذَلِك أعد وجع الأربية حمى عفن وَإِن كَانَت سريعة الزَّوَال فأنما تَزُول بِزَوَال سَببهَا وَإِلَّا اقامت وعفنت جَمِيع أخلاط الْبدن وَأما عفونة فِي جَمِيع الْبدن فَأَما أَن تكون من خَارج الْعُرُوق وَهِي إِمَّا غب أوبلغمية دَائِرَة أوربع وَإِمَّا دَاخل الْعُرُوق وَهِي إِمَّا غب دائمة وَإِمَّا ربع فتشتد كل ثَالِث أَو دائمة. والدائمة ثَلَاثَة أَنْوَاع إِمَّا أَلا تزَال تشتد مُنْذُ ابتدائها إِلَى تَركهَا أَو تضعف مُنْذُ ابتدائها إِلَى تَركهَا أَو تبقى على حَالَة وَاحِدَة فَهَذِهِ هِيَ البسائط وَقد تنوب حميات خمْسا وستاً وَسبعا وَعشرا وَفِي كل شهر وَقد رَأَيْت ذَلِك وَإِمَّا المركبة فالتي يحدث فِيهَا حر وَبرد مَعًا فِي عُضْو وَاحِد وَالَّذِي يحدث فِيهِ حر فِي ظَاهر الْبدن وَبرد فِي بَاطِنه وَبِالْعَكْسِ أَو يتركب كل وَاحِد من حميات يَوْم والعفن والدق المتفردة مَعَ صاحبتها وَاحِدَة مَعَ وَاحِدَة(4/264)
ممتزجة أَو متعاقبة تَجِيء أحداهما فِي أثر الْأُخْرَى أَو وَاحِدَة مَعَ اثْنَتَيْنِ أَو مَعَ ثَلَاث تَمام الْقِسْمَة. وَالَّذِي يسْتَحق أَن يذكر من المركبات لتغير علاجها شطر الغب وَهِي غب ودائمة وغب وَربع وَنَحْو هَذَا فَأَما غير ذَلِك فَلَا.
قَالَ ج فِي حِيلَة الْبُرْء: وَإِذا كَانَت أَسبَاب الْمَرَض قد بطلت فَلَيْسَ يُؤْخَذ مِنْهَا على مابه دَلِيل مثل حمى يَوْم من غضب وَإِذا كَانَ السَّبَب قَائِما لابثاً ويولد الْمَرَض فَخذ دَلِيل العلاج مِنْهُ وَمن الْمَرَض نَفسه أَيْضا كحميات العفن فَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يبتدأ بمداواة العفن وَلَا تغفل أَيْضا تبريد الْحمى)
وتطفئتها فَأن كَانَت الْأَشْيَاء الَّتِي يداوى بهَا العفن مُوَافقَة لتبريد الْحمى أَيْضا تغنمت ذَلِك وبادرت إِلَيْهِ وَإِن كَانَ مايداوى بِهِ ماقد استحكم وَفرغ من الْحمى يزِيد فِي السَّبَب فاستقص النّظر حِينَئِذٍ على هَذَا الْمِثَال. وَلَا تَخْلُو من هَذَا أما أَن تداوى الْحمى وتترك السَّبَب الْفَاعِل لَهَا نَاحيَة أَو تقطع السَّبَب وَلَا تبال بِنَفس الْحمى أَو تجْعَل أَكثر قصدك لأحد هذَيْن الغرضين وَلَا تغفل الْأُخَر وَالْأول من هَذِه الْأَقْسَام غير مَحْمُود لِأَنَّك مَتى كنت تداوي مَا يحدث من الْحمى دَائِما بأَشْيَاء تزيد فِي السَّبَب الْفَاعِل لَهَا لم يَنْقَطِع كَونهَا وَلم ينقص عظمها لِأَن كَونهَا أبدا تَابع للسبب وَأما الثَّانِي وَهُوَ أَن تقطع السَّبَب وتترك أَمر الْحمى فَأَنَّهُ نَاقص لَا يجوز اسْتِعْمَاله فِي كل مَكَان وَذَلِكَ أَنه رُبمَا كَانَ بالحمى من الْعظم مَالا يُطيق العليل احْتِمَاله وَالصَّبْر عَلَيْهِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي فِي هَذِه الْحَال أَن تقصد لقطع السَّبَب بِمَا يزِيد فِي حر الْحمى وَلَا ينقص مِنْهُ الْبَتَّةَ وَإِلَّا أطفيت الْحمى والمحموم وَإِن كَانَ بالحمى من الضعْف مَالا يتخوف مَعهَا أَن يحل قُوَّة الْمَرِيض فِي الْمدَّة الَّتِي يقْصد فِيهَا لمقاومة السَّبَب فَلَيْسَ هَذَا هُنَا بناقص وَلَا مَكْرُوه وَأما الضَّرْب الثَّالِث وَهُوَ أَن تقصد قصد أعظمها وَلَا تفعل الْبَاقِي فَأَنَّهُ مَحْمُود فِي الْأَكْثَر ولاينبغي أَن تركب غَيره إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَفِي الْأَكْثَر تَجِد السَّبَب أقوى وَرُبمَا كَانَ فِي الندرة بالحمى من الْعظم مَا إِن لم تقصد لدفعه أتلف الْمَرِيض فَفِي مثل هَذِه الْحَال فاقصد لتطفئة الْحَرَارَة وتبريدها ثمَّ أقصد بعد هَذَا لقطع السَّبَب الْفَاعِل لَهَا. وَخذ الْأَغْرَاض من هَذِه الثَّلَاثَة من الْقُوَّة والحمى وَالسَّبَب فالحمى تحْتَاج أَن تقلع وقلعها يكون بقلع السَّبَب وَالْقُوَّة تحْتَاج أَن تستبقى فَمَتَى رَأَيْت القوى تقاوم الْحمى قصدت لقلع السَّبَب وَمَتى رايت الْقُوَّة تقصر عَن ذَلِك قصدت لتقويتها أَولا ثمَّ عدت إِلَى قلع السَّبَب.
قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَن تمْتَنع من الاستفراغ مَعَ ثبات الْقُوَّة وخاصة فِي الْحَيَّات القصيرة الْأَيَّام.
وَقَالَ: حمى دق وَحمى يَوْم مداواتها مداواة الْحمى نَفسهَا فَأَما حميات العفن فتخالط مداواة الْحمى نَفسهَا الْقَصْد لقلع السَّبَب الْفَاعِل.(4/265)
قَالَ: العفونة لَا تَخْلُو من أَن تكون فِي الْعُرُوق كلهَا بالسواء أَو فِي أعظمهاوأشرفها وَهِي الَّتِي فِيمَا بَين الحالبين والأبطين أَو فِي عُضْو وَاحِد أَصَابَهُ ورم أَو سوء مزاج حَار والعفن لَا يكون إِلَّا لعدم الْبدن بتحلل ماكان مِنْهُ يتَحَلَّل وَذَلِكَ يكون من سدد فِي أَفْوَاه الْعُرُوق أما لغلظ الأخلاط فِي جَوف الْعُرُوق أَو لكثرتها أَو للزوجتها عِنْدَمَا تميل إِلَى نَاحيَة سطح الْبدن دفْعَة أَعنِي الأخلاط)
الَّتِي فِي جَوف الْعُرُوق وَإِنَّمَا تميل إِلَى هَذِه النَّاحِيَة دفْعَة أما لرياضة شَدِيدَة أَو سير عنيف أَو من تغير هَوَاء أَعنِي من شدَّة برد إِلَى حر أَو لغضب فَأَنَّهُ قد يعرض من هَذِه أجمع السدة الَّتِي ذَكرنَاهَا.
لي جالينوس يعد حمى مَعَ ورم أَو مَعَ عفونة.
قَالَ جالينوس فِي الصِّنَاعَة الْكَبِيرَة: إِن فَسَاد الْغذَاء فِي الحميات زَائِد فِيهَا لِأَنَّهُ يُولد أخلاطاً ردية وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تعنى بالهضم فِي الحميات جدا أَشد الْعِنَايَة.
وَقَالَ: إِذا بردت الْأَطْرَاف عِنْد ابْتِدَاء الدّور وَصغر النبض جدا وانقبض الدَّم نَحْو وسط الْبَطن فَأَنَّهُ دور قوي مؤذ جدا وَبِالْعَكْسِ فاجتهد فِي أسخان الْأَطْرَاف بالدلك.
قَالَ فِي الْعِلَل والأعراض: إِذا كَانَ الْخَلْط الْفَاعِل للنافض حاراً فشفاؤه إِن كَانَ بِلَا مَادَّة للتبريد وَإِن كَانَ بمادة فبالأستفراغ كالنافض الْحَادِث عَن صفراء فانه يحْتَاج إِلَى أستفراغ وَأَن كَانَ الْخَلْط الْفَاعِل للنافض بَارِدًا وَكَانَ مَعَ مَادَّة فشفاؤه إِن كَانَ يَسِيرا بالإنضاج وَحده وَإِن كَانَ كثيرا فبالأستفراغ أَولا ثمَّ بالإنضاج لما بَقِي وَقد حصل أَن النضج هُوَ المنتهي بعد أَن تكون الطبيعة غالبة وَلذَلِك ترى الْأَمْرَاض الْبَارِدَة يطول مُنْتَهَاهَا لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى مُدَّة طَوِيلَة لينضج الْخَلْط الَّذِي عَنهُ تكون كَحمى البلغم وَأما الْحمى المحرقة فَأَنَّهَا تَنْتَهِي قَرِيبا جدا وعَلى هَذَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تنْتَظر بحمى الرّبع وَلَا بحمى الغب والبلغم النضيج ثمَّ تستفرغ الْبدن لَكِن أَن كَانَ السَّبَب ضَعِيفا فأنك لَا تحْتَاج إِلَى استفراغه الْبَتَّةَ وَيَكْفِي أَن تسخن الْبَارِد ليقبل الأنضاج لِأَن النضج إِنَّمَا هُوَ تَشْبِيه بالطبيعة وتبرد الْحَار ليغير الطبيعة وَأَن كَانَ كثيرا استفرغ وأنضج الْبَاقِي. وَلست أعرف للأمتناع من الأستفراغ بالمسهل فِي البلغم وَالْغِب والسوداء وَجها أَلا أَن يُقَال أَن الْأَدْوِيَة المسهلة تهيج حرارة وَهَذِه الْحَرَارَة تكون حرارة غَرِيبَة فَتكون أعون للحمى على الطبيعة أَعنِي الْحر الغريزي هَهُنَا فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن لاتسقى دَوَاء مسهلاً بل تسقى دَوَاء بَارِدًا أَن خفت وَرَأَيْت الْحَرَارَة الغريزية قَوِيَّة أَو تدع الطبيعة بِحَالِهَا أَن رَأَيْتهَا تَعْنِي بِهِ إِلَى أَن تحيل الطبيعة أَكثر ذَلِك الْخَلْط وتقوى عَلَيْهِ وتستعمل جينئذ الأسهال لِأَن الْحَرَارَة الغريبة قد ضعفت وحرارة الدَّوَاء المسهل حِينَئِذٍ مَأْمُونَة وَفِي هَذَا وَجْهَان من أدخال الشَّك: أَحدهمَا أَن يُقَال إِذا كَانَت الطبيعة قد أحالت ذَلِك الخلطوأنضجته فَلَيْسَ يحْتَاج حِينَئِذٍ أَن يخرج عَن الْبدن لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَادَّة مُوَافقَة كالغذاء اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون يشكو كميتها وَذَلِكَ يُمكن أَن يسْتَدرك بالإمساك عَن الْغذَاء فَلَيْسَ)
للأستفراغ بعد(4/266)
النضج وَجه بتة لِأَنَّك حِينَئِذٍ إِنَّمَا تستفرغ المشاكل لَا الْمُخَالف. وَالثَّانِي أَنه قد تَجِد أدوية كَثِيرَة مسهلة لَا تهيج حرارة بل تمنع وتبرد وَأَيْضًا فَأن الدَّوَاء المسهل وَأَن كَانَ حاراً فَأَنَّهُ يبرد بِالْعرضِ أَكثر مِمَّا يسخن بالجوهر مِثَال ذَلِك: السقمونيا أَن أسخن بالجوهر فانه يبرد بِالْعرضِ أَكثر لِأَنَّهُ يخرج الصَّفْرَاء الَّتِي هِيَ مَادَّة الْحَرَارَة. فَأن أحدث حرارة فأنما يحدثها مُدَّة الأسهال فَقَط ثمَّ يؤول الْأَمر إِلَى الْبرد بِإِخْرَاجِهِ الْحَار عَن الْبدن وَخُرُوجه مَعَه وَيَنْبَغِي أَن نَحن تركنَا الْقيَاس أَلا نَدع العيان فَأَنا نجد الدَّوَاء الْحَار أذا لم يكن مسخناً أَن أَخذ مِنْهُ أسخن وَبَقِي أسخانه لابثاً لِأَنَّهُ لَا يعرض عَنهُ أَن يبرد بِعرْض فَأن كَانَ مَعَ أسخانه مسهلاً لخلط بَارِد فَأَنَّهُ حِينَئِذٍ يسخن بالجوهر وَالْعرض جَمِيعًا مِثَال ذَلِك أَنه أَن سقِِي فِي حمى غب شَحم حنظل فَأَنَّهُ يسخن اولاً بجوهره وَثَانِيا بِالْعرضِ لأخراجه البلغم. وَبعد فَكيف صرنا فِي حمى الدَّم نبادر بالإستفراغ وَلَا تنْتَظر النضج. فَأن قيل لأَنا قد نقدر أَن نستفرغ من غير أَن نسخن لأَنا نخرج الدَّم بالفصد. قيل فاجعلوا لنا أَولا على هَذَا الْقيَاس أَن نخرج الصَّفْرَاء والسوداء والبلغم فِي الحميات أَن قَدرنَا على أخراجها بادوية لاتسخن وَأَنْتُم تأبون ذَلِك فَمَا الْعلَّة فَأن قَالُوا: أَن الدَّم نضيج لَا يحْتَاج أَن ينْتَظر بِهِ النضج وَإِنَّمَا تؤذي كميته قُلْنَا لَهُم فأمسكوا عَن الأستفراغ فِي هَذِه الْحمى أَن كَانَ هَذَا الْخَلْط مُوَافقا ودعوا الطبيعة تغتذى بِهِ أَولا فأولاً فَأن قَالُوا: أَنا نَخَاف ان يخرج وَجه حرارة الْحمى عَن المزاج الْمُوَافق فيسخن فضل سخونة قيل لَهُم: الصَّفْرَاء أَحَق بِأَن تصير إِذا تركت أحد وأحر وأخبث وَبعد فَأن الصَّفْرَاء والسوداء جَمِيعًا أنضج من الدَّم لِأَنَّهُمَا تَكُونَانِ بعده. فَأن قَالُوا: أَن النضج إِنَّمَا هُوَ تشبه بالطبيعي والصفراء أسخن والسوداء ابرد من الطبيعي وَيحْتَاج أَن تعْمل الطبيعة فِيهَا حَتَّى تشبهها بهَا قيل: فأذا أشبهته قد استغني عَن الأستفراغ إِلَّا من بَاب الكمية لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قد صَار دَمًا مُوَافقا فِي الْكَيْفِيَّة مُؤْذِيًا بالكمية وعَلى هَذَا الْقيَاس يجب أَن تدعى حمى الغب والسوداء والبلغم حَتَّى يَسْتَحِيل أخلاطها دَمًا مُوَافقا ثمَّ تفصدون أَن آذاكم كميته. وَأَنْتُم لاتفعلون ذَلِك وَلَو فعلتموه لَكَانَ مَعَ الْجَهْل والسخف أَشد خطأ وَذَلِكَ أَنا نرى العليل بعد مُنْتَهى هَذِه لَيْسَ إِنَّمَا يحْتَاج أَن يخرج دَمه بل يحْتَاج إِلَى زِيَادَة فِيهِ. وماتقولون أيمسك عَن اليرقان فَلَا تسهله بسقمونيا حَتَّى تنضج الطبيعة ذَلِك الْخَلْط. أَن فعلنَا هَذَا آل أمره إِلَى فَسَاد المزاج وَالِاسْتِسْقَاء وَمَا بالنا إِذا استفرغنا بسفمونيا لانجده بعد ذَلِك يزِيد فِي أسخانه وَكَثْرَة انتشار مراره وصبغ بَوْله واصفرار لَونه بل نجده ينقص فِي جَمِيع هَذِه)
الْأَشْيَاء وجلها وَفِي جملَة القَوْل أَنه أَن كَانَ يَنْبَغِي أَن يتْرك الطبيعة الْأَمْرَاض إِلَى أَن تنضجها فَأَنَّهُ لَيْسَ بهَا بعد النضج حَاجَة إِلَى طَبِيب بتة لأانها قد جعلت الْخَلْط الْفَاعِل لذَلِك الْمَرَض طبيعياً بأحالته إِلَيْهَا وَفِي هَذَا بطلَان الطِّبّ وَقَوْلِي أَن النضج أَنما يحْتَاج أَن يتفقد لأمر الْغذَاء فَقَط لِأَن الْغذَاء قبل النضج يُطِيل الأنتهاء لعمل الطبيعة فِيهِ وَفِي الْمَرَض فأذا انْفَرَدت بِالْمرضِ كَانَ(4/267)
أسْرع فَأَما المسهل الْمخْرج للخلط الْفَاعِل لِلْعِلَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع مِنْهُ من أجل عمل الطبيعة فِيهِ وَفِي الْمَرَض فأذا انْفَرَدت بِالْمرضِ فَلَا يَنْبَغِي أَن نمْنَع من المسهل من أجل انْتِظَار النضج بل يُعْطي أَن أمكن الزَّمَان وَالْوَقْت وَالْحَال وَلَا تؤخره الْبَتَّةَ.
قَالَ: وَقد سقيت مَرَّات فِي ابْتِدَاء الحميات الغب سقمونيا مَعَ اهليلج أصفر فَلَيْسَ أَنما خففت النّوبَة بعد ذَلِك فَقَط بل صَارُوا فِي بعض الْأَوْقَات إِلَى أَن لم ترجع النّوبَة بعْدهَا وبرؤا برءاً تَاما وَكَذَلِكَ استفرغت بالقيء صفراء فَمِنْهُ مَا خفف النّوبَة وَمِنْه مَا قلعهَا وَقد سقيت فِي أول الرّبع أخلاطاً يخرج السَّوْدَاء فَلم يطلّ بِهِ فَانْتَفع بِهِ وبرأ بِسُرْعَة وَكَذَا استفرغت بالقيء صفراء فَخفف ذَلِك فِي يَوْم النّوبَة وَصرف الْحمى آخرا وسقيت فِي قيء ربع فاستفرغت السَّوْدَاء فبرؤا.
أَي أستخراج من كتاب أَصْنَاف الحميات: الحميات إِمَّا أَن تكون من أَسبَاب نفسية إِذا أفرطت كالغم والسهر والفكر أَو من أَسبَاب طبيعية مثل أَخذ شَيْء حَار من دَاخل أَو خَارج أَو حَرَكَة حيوانية كالغضب أومن فَسَاد هَوَاء كالموتان أَو من امتلاء أَو من تخم أَو أورام حارة أَو أكثار شراب.
من أَصْنَاف الحميات قَالَ: الْحمى هِيَ مرض من سوء مزاج وَهَذَا السوء مزاج يكون إِذا صَار فِي الْقلب حرارة خَارِجَة عَن المجرى الطبيعي وَهَذِه الْحَرَارَة تصير فِي الْقلب على ثَلَاثَة أَجنَاس إِمَّا فِي جرمه أوفي رطوبته أَو فِي أرواحه. 3 (الْفرق بَين حميات العفن وَغَيرهَا) قَالَ فِي كتاب أَصْنَاف الحميات: مماهو خَاص للعفونة أَلا يتقدمها سَبَب باد فَأن ذَلِك لَيْسَ لوَاحِد من الجنسين الآخرين يَعْنِي الدق واليومية لِأَن جَمِيع الحميات يتقدمها سَبَب باد وَأما حميات الدق فقد تكون عَن سَبَب بادوذلك يكون لِأَن حمى دق لاتبتدىء بِنَفسِهَا بل يتقدمها حمى يَوْم أَو حمى عفن.
قَالَ ج: فَمَتَى حدث بِأحد حمى بِغَيْر سَبَب باد فحماه من عفن وَرُبمَا يتَقَدَّم سَبَب باد فأثار حمى يَوْم ثمَّ أثار حمى عفن إِذا كَانَ الْبدن مستعداً كثير الفضول وَذَلِكَ أَنَّهَا تسخن من حمى يَوْم فتعفن فتهيج حمى عفن بعد انْقِضَاء حمى يَوْم وَقد وصفت الْفرق بَينهمَا فِي حمى يَوْم وَمن دَلَائِل حمى عفن أَن يكون فِي ابتدائها نافض من غير أَن يكون أصَاب الْبدن حر شَدِيد ولابرد شَدِيد قبل حدوثها وَهَذَا خَاص بحميات العفن إِلَّا أَنه قد يعدمها فِي بعض الْأَوْقَات لِأَنَّهُ قد تكون حميات العفن لَا يكون فِي ابتدائها وَلَا فِي تزيدها أختلاف محسوس وَيكون فِيهِ تضاغط النبض وَمَعْنَاهُ صغر وَاخْتِلَاف فِي ابتدائها فَأَنَّهُ يكون مَعَ هَذِه وَلَا يفارقها بتة وَهُوَ خَاص لَهَا دون غَيرهَا إِلَّا أَن هَذَا النبض رُبمَا كَانَ عَن خلط رَدِيء فِي فَم الْمعدة فتفقده فَأن كَانَ فَم الْمعدة صَحِيحا فالتضاغط أَنما يكون للحمى وَأَن كَانَ أذا تقيأ بَقِي هَذَا الأختلاف فأنما هُوَ أَيْضا للحمى وَإِن كَانَ فِي فَم الْمعدة عِلّة.(4/268)
لي قد حصل هَهُنَا دليلان أَلا يكون سَبَب باد وَهَذَا النبض.
قَالَ: وَمن أعظم دَلَائِل حمى عفن أَنه لَيْسَ فِي حَرَارَتهَا شَيْء من اللَّذَّة والهدوء لَكِنَّهَا دخانية مؤذية هَذَا فِي وَقت انتهائها فَأَما فِي الأبتداء فَلِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مغمورة مدفونة وَيكون فِي وَقت ابْتِدَاء نوبَة الْحمى النبض صَغِيرا غير سريع وَفِي مُنْتَهَاهَا عَظِيما سَرِيعا وأخص دَلَائِل العفنة أَن لَا يظْهر فِيهَا فِي الْبَوْل للنضج أثر أَو يظْهر أثر ضَعِيف.
الثَّانِيَة من أَصْنَاف الحميات: والحميات الَّتِي تنوب تكون إِذا كَانَ الْخَلْط جَارِيا متحركاً فِي الْبدن كُله وَأما الدائمة فأذا كَانَ الْخَلْط محصوراً فِي جَوف الْعُرُوق.
وأصناف الحميات الْمُفَارقَة كلهَا ثَلَاثَة: الغب وَالرّبع والنائبة كل يَوْم وَمن الحميات مَا يُسمى مطبقة وَهِي الَّتِي لَا يكون فِيهَا فتور ونوائب وَمِنْهَا دائمة وَهِي الَّتِي يكون فِيهَا فترات ونوائب إِلَّا أَن فتراتها لَيست تكون بأنقضاء الْحمى بل بفتورها فَقَط ونوائبها أَيْضا لَيست كَحمى بَدْء لم)
تكن لَكِن كَأَنَّهُ شَيْء يتزيد فِي ذَلِك الْوَقْت. والمطبقة ثَلَاث: أما أَن تتزيد من ابتدائها إِلَى انْقِضَائِهَا أَو تنقص كَذَلِك أَو تكون ذَات ابتواء كَذَلِك. وَأما الدائمة فنوائبها تَحت جنس المطبقة الَّتِي هِيَ من جِنْسهَا حَتَّى يَنُوب الغب فِي الثَّالِث وَالرّبع فِي الرَّابِع والبلغمية فِي الْوَقْت من أَمسهَا. 3 (الْفرق بَين الغب الْخَالِصَة والنائبة كل يَوْم) قَالَ: تضاغط النبض وصغره فِي الغب أقل مِنْهُ فِي البلغمية وأسرع ذَهَابًا ولايكاد يكون فِي الغب اخْتِلَاف وَفِي البلغم بِخِلَاف ذَلِك والحرارة فِي الغب تشتعل سَرِيعا بعقب النافض وَفِي البلغمية تبطىء وتتأخر وقتا وتطول مُدَّة صعودها وحرارة الغب نارية نقية خَالِصَة وحرارة البلغمية ضبابية كنار تشتعل فِي حطب رطب وَلذَلِك يكون الأستفراغ فِي البلغمية يَسِيرا وَوقت النّوبَة أطول من الصفراوية وَوقت الفترة لايبقى مِنْهَا مثل مايبقى من الغب لَكِن تبقى دَائِما فِي الْعُرُوق عَلَامَات العفونة وحرارة العفونة وحرارة الْبدن أَيْضا تبقى مِنْهَا بَقِيَّة والعلامة الدَّالَّة على العفونة فِي النبض تكون فِي البلغمية أبين مِنْهَا فِي الغب وَالْبدن لاينقى مِنْهَا فِي الفترة بِالْإِضَافَة إِلَى نقاء الغب والبلغم يعرض فِي الْأَبدَان والبلدان والاسنان وَالتَّدْبِير الْمُوجب لذَلِك ونوبتها كل يَوْم وبضد ذَلِك الغب نافض الغب كنخس الأبر ونافض البلغمية تبرد فِيهِ الْأَطْرَاف وتقشعر ونافض الرّبع يكون برده قَوِيا مَعَ تكسر شَدِيد.
لي هَذَا ينْتَفع بِهِ فِي أَن يعرف نوع من أول نوبَة: حمى الغب تنحط فِي الْأَكْثَر مَعَ قيء مرار وعرق.
قَالَ: كَثْرَة حَرَارَتهَا تكون بِحَسب كَثْرَة مَا يتَحَلَّل فأذا رَأَيْتهَا كَثِيرَة وَلم تكن مؤذية بكيفيتها لَكِنَّهَا إِلَى البخارية أميل فَهِيَ دموية وَأما الْحَرَارَة اللذاعة المفرطة فِي الْكَيْفِيَّة فَمن(4/269)
الْمَرَّتَيْنِ فَمَتَى وجدت الْحَرَارَة ضَعِيفَة أول ماتلمس ثمَّ أحسستها يتزيد قَلِيلا قَلِيلا تلذيعها وفيهَا مَعَ ذَلِك اخْتِلَاف حر حَتَّى يخيل إِلَيْك كَأَنَّهَا تنفذ من مصفى أَو من منخل فَأن تِلْكَ الْحَرَارَة من بلغم قد عفن.
قَالَ: وَذَلِكَ أَن هَذَا الْخَلْط كاللعاب الغليظ إِذا طبخته فانه يصير عَلَيْهِ كالنفاخات لَا تنفجر حَتَّى تَنْشَق فَيكون البخار غير مستو كَمَا يكون فِي المَاء إِذا طبخ لَكِن يكون فِي بعض الْمَوَاضِع بخار وَفِي بعضه لَا.
من جَوَامِع الحميات إِذا احتقن البخار فِي الْبدن وَكَانَ الْبدن جيد الأخلاط حدث أمتلاء وَإِذا عفن حدثت حمى مطبقة. وَإِن كَانَ مَا يتَحَلَّل من جنس الدُّخان اللَّطِيف بِمَنْزِلَة مَا يتَحَلَّل من الْأَبدَان المرارية أحدث حمى غب وَأَن كَانَ مَا يتَحَلَّل كالدخان الغليظ بِمَنْزِلَة مايتحلل من الْأَبدَان البلغمية العفنة أحدث حمى بلغمية وَإِن كَانَ غبارياً أَو رمادياً بِمَنْزِلَة مايتحلل من الْأَبدَان السوداوية العفنة أحدث الرّبع.
لكل حمى دَائِرَة حمى وَاحِدَة من جِنْسهَا وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا عفن ذَلِك الْخَلْط دَاخل الْعُرُوق.
الحميات المطبقة مِنْهَا متزيدة وَهِي الَّتِي لَا تزَال تزيد إِلَى أَن تَنْقَضِي ببحران جيد أَو رَدِيء وَمِنْهَا منتقصة وَمِنْهَا الدائمة بِحَالِهَا.
جَمِيع الحميات المفردة الْحَادِثَة عَن عفونة الأخلاط سبع: اثْنَتَانِ من الصَّفْرَاء أحداهما دائمة وَالثَّانيَِة نائبة وَكَذَا من كل خلط اثْنَتَانِ وَمن الدَّم وَاحِدَة إِذا عفن.
من الْجَامِع غير الْمفصل: يسْتَدلّ على طول الحميات بطول النوائب والتزيد فحمى البلغم لما كَانَت نوبَة وَاحِدَة طَوِيلَة الْوَقْت جدا عسرة الأنتهاء والتزيد فَكَذَلِك جُمْلَتهَا وَكَذَلِكَ فاحكم على الصَّفْرَاء من نوبَة وَاحِدَة. وَذَلِكَ أَن انتهاءها وتزيدها الْكُلِّي بِحَسب الجزئي وعَلى هَذَا فقس فِي الرّبع. وَأما الحميات الدائمة فَأَنَّهَا تَنْقَضِي فِي أُسْبُوع وخاصة مَا كَانَ الدَّم فِيهَا أميل إِلَى الصَّفْرَاء والمحرقة تَنْقَضِي أسْرع.
وَيفرق بَين الحميات من أَوْقَات ابتدائها وَكَيْفِيَّة حَرَارَتهَا وَالْوَقْت الْخَاص والمزاج وَالتَّدْبِير والنبض فأنك إِذا تفقدت ذَلِك كُله بِأَحْكَام بِمَا يخص كل وَاحِد علمت نوع الْحمى فِي أول نوبَة من لون الْبدن وَذَلِكَ أَن لَونه يكون بِحَسب غَلَبَة الْخَلْط وَطعم فَم العليل أَيْضا يعرف مِنْهُ غَلَبَة الْخَلْط.
والنبض فِي ابْتِدَاء جَمِيع الحميات يصغر إِلَّا أَنه فِي الرّبع يفرط فِي ذَلِك حَتَّى يخيل أَن الْعرق مربوط برباط يجذبه إِلَى دَاخل حَتَّى يمنعهُ من الأرتفاع وَفِي الغب لَا يفرط بل يتباعد كثيرا عَن الْحَال الطبيعية فِي الْعظم والسرعة وَأما فِي ابْتِدَاء الرّبع فيشتبه نبض الشَّبَاب بنبض(4/270)
الشُّيُوخ لميله إِلَى التَّفَاوُت والأبطاء والصغر بأفراط حَتَّى أَنه يمكنك أَن تحكم أَن هَذَا الأبتداء لَيْسَ إِلَّا للربع وَفِي الغب خَاصَّة أَنه لَا يكَاد يُوجد اخْتِلَاف فِي النبض دون سَائِر الحميات وَيكون فِي الصعُود)
النبض عَظِيما قَوِيا مشرفاً سَرِيعا مستوياً وَأما فِي البلغمية فالأختلاف بَين فِيهَا من أَوله إِلَى وَقت تزيده وَلَا يكون عَظِيما وَلَا سَرِيعا وَيكون فِي الغب عَطش شَدِيد فِي وَقت الأنتهاء وَلَا يكون الصَّدْر من صَاحبهَا اسخن من الْأَطْرَاف وَإِذا وضعت كفك على بدنه لقِيت يدك أَولا حرارة عَظِيمَة مَعَ شَيْء من بخار ثمَّ أَنَّهَا تنهزم وتخور تَحت كفك وَلَا تتزيد دَائِما حَتَّى تهزم كفك بأذاها كالحميات المحرقة الخبيثة فَأن هَذِه مَتى طَال لبث الْكَفّ عَلَيْهَا كَأَن أحساسها بِالْحرِّ أَشد وَصَاحب الغب يشرب من أول نوبَة المَاء كثيرا وَإِذا انْتَهَت حماه ارْتَفع من جلده بخارية ويعرق وَلَا تجَاوز نوبتها اثنتى عشرَة سَاعَة أذا كَانَت خَالِصَة ويتقيأ صَاحبهَا ويبول بولاً رَقِيقا مرارياً وَكَذَا يخْتَلف بَطْنه اخْتِلَافا مرارياً. وانحطاطها يكون بعرق وبخار حَار فِي الْبدن. وَرُبمَا كَانَ الْعرق مستوياً فِي جَمِيع الْبدن وَرُبمَا لم يكن فِي جَمِيعه وَيكون عرقه بخارياً حاراً وَيكون نبضه فِي وَقت الفترة كالنبض الطبيعي إِلَّا أَنه أميل إِلَى السرعة والعظم والتواتر وَالْقُوَّة إِلَّا أَنه مستو غير مُخْتَلف ويتقدم قبلهَا السن والمزاج وَالتَّدْبِير وَأَن يكون قد كَانَ كثيرا فِي ذَلِك الوقتف هَذِه تصحح لَك أَنَّهَا غب. وَأما الرّبع فالنبض فِي الأبتداء على مَا وصفت لَك وَفِي الأنتهاء صَغِير بطيء بالأضافة إِلَى الغب ويتقدمه حميات مختلطة وَعظم الطحال وَالْبدن المولد للدم السوداوي وَفِي الْبَوْل المائي. وَأما النائبة فِي كل يَوْم فَلَا نافض فِي ابتدائها لَكِن قشعريرة وَإِذا تَمَادى الزَّمَان بصاحبها لم يعرض لَهُ إِلَّا برد فَقَط.
لي لِأَن البلغم يكون قد عفن كُله وَلَا يعرض فِيهَا تلهب وَلَا عَطش وَلَا يضْطَر إِلَى أَن يكْشف ثِيَابه فِي وَقت الْحَرَارَة إِلَّا أَن يتنفس تنفساً قَوِيا متواتراً وَالْبَوْل فِيهَا أَبيض ويصحح ذَلِك الْبدن وَالسّن والمزاج وَالْوَقْت وَالتَّدْبِير والتخم وَلَا يكَاد يَخْلُو صَاحبهَا أَن تألم معدته وكبده مَعهَا وتنتفخ الْمَوَاضِع الَّتِي فِيمَا دون الشراسيف إِذا ابتدأت الْحمى ويتمدد وَيكون الْبَوْل مركبا من بَيَاض وصفرة ونوائبها أَكثر مَا تكون من أول النَّهَار.
حمى يَوْم تكون عَن سَبَب باد وَلَا يخْتَلف النبض وَلَكِن يعظم ويسرع ويتبين النضج فِي الْبَوْل وحرارتها بخارية.
لي يَنْبَغِي أَن تبدأ فَتفرق بَين أَجنَاس الحميات الأول بَعْضهَا من بعض ثمَّ تبين أَنْوَاعهَا مثل الغب فِي ذكر الغب ونفصل بَين كل هَذِه وسونوخوس الكائنة من غليان الدَّم وَفِي ذكر سونوخوس وَبَين الْحمى الدائمة الكائنة من دم وَبَين الكائنة من خلط غير الدَّم وَبَين الدائمة عَن غير خلط بِغَيْر)
الدَّم.(4/271)
3 - (فصل)
3 - (حرارة السل) فاترة بليدَة وَتَكون فِي الْأَبدَان الْيَابِسَة القليلة اللَّحْم وتتزيد الْحَرَارَة فِيهَا وَقت الأستمراء وتظن أَن بِهِ سباتاً وَعَيناهُ غائرتان وبدنه قحل ونبضه صلب دَقِيق ضَعِيف.
لي: نجمل الدَّلَائِل فَنَقُول: يخص هَذِه الْحمى مُفْردَة كَيْت وَكَيْت مثل الْخَاصَّة الْحَقِيقَة ويخصها كَيْت وَكَيْت مثل الرَّسْم وَالْحَد فَنَقُول: أَن الْخَاصَّة ضَرْبَان أما مؤلف وَإِمَّا بسيط فأذا لم تصب بسيطاً طلبته مؤلفاً مثل الْحَيّ النَّاطِق الْمَيِّت.
لي: وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن تبتدىء فِي أول تَحْرِيك لكتابك فَتَقول: إِذا غلبت حرارة مؤذية فِي جَمِيع الْبدن فَذَلِك حمى وَإِنَّمَا قُلْنَا مؤذية لانه قد يحدث للسكران حرارة زَائِدَة فِي جَمِيع بدنه إِلَّا أَنَّهَا غير مؤذية لِأَنَّهَا حرارة بخارية إِنَّمَا تولدت من نَمَاء الْحَار الغريزي وتكثر فَهِيَ غريزية طبيعية. وَقد تسمى الْبُرُودَة إِذا كَانَت فِي جَمِيع الْبدن وَكَانَت مؤذية حمى أَيْضا على تَشْبِيه لَهَا بالحرارة الَّتِي فِي جَمِيع الْبدن وَهِي وَأَن كَانَت لَا تسْتَحقّ أَن تسمى حمى لِأَن اسْم الْحمى من الْحمى فَأَنَّهَا تشبه الْحمى فِي أَنه قد حدث فِي الْبدن كُله برودة مؤذية وَإِن كَانَت هَذِه الْحَرَارَة أَو الْبُرُودَة فِي عُضْو دون عُضْو فَلم تجر الْعَادة بتسميتها حمى لَكِن يُقَال عِلّة فِي ذَلِك الْعُضْو لِأَن الفلغموني والحمرة قد تكون فِي عُضْو فَلَا يُقَال: أَن فِي الْبدن حمى لَكِن عِلّة وَإِن قيل بذلك الْعُضْو حمى كَانَ أشبه.
3 - (فصل)
3 - (أَجنَاس الحميات الَّتِي مَعهَا حرارة) الأول جِنْسَانِ: إِمَّا أَن يكون مَرضا أَو عرضا
وَالَّتِي تكون مَرضا جِنْسَانِ: إِمَّا عفنية وَإِمَّا بِلَا عفن وَالَّتِي بِلَا عفن أَو يومية أَو سونوخوس الكائنة من غليان الدَّم والعفنية تَنْقَسِم قسمَيْنِ: إِلَى سونوخوس الكائنة من عفونة الدَّم وَالْغِب الْمُفَارقَة واللازمة والبلغمية الْمُفَارقَة والدائمة وَالرّبع الْمُفَارقَة والدائمة وَإِلَى ماينوب فِي كل خمس أَو سبع أَو دون ذَلِك أَو أَكثر.
الَّتِي تكون عرضا تَنْقَسِم إِلَى الَّتِي تكون مَعَ عِلّة وورم الكبد أَو الْمعدة أَو الرئة أَو الطحال أَو الْحجاب أَو المعي الصَّائِم أَو فِي الدِّمَاغ كالكائن من قرانيطس وليثرغس أَو عَن عِلّة أَو ورم آخر فِي بعض الْأَعْضَاء كالخراجات والدبيلات والأوجاع الَّتِي تستحر الْحمى.
فَأن قيل: أَن حمى يَوْم الكائنة من تكاثف الْبدن وَنَحْوهَا كَانَ يَنْبَغِي على مَا وَصفنَا أَن نعدها فِي الْحمى الَّتِي هِيَ عرض لِأَن هَذِه إِنَّمَا تعرض عَن تكاثف الْبدن وتكاثف الْبدن سَببه البردفيكون الْبرد هَهُنَا سَببا وتكاثف الْجلد مَرضا والحمى اللاحقة لَهُ عرضا.
قيل لَهُ: أَن الْمَرَض هُوَ مايضر بِالْفِعْلِ إِذا وجد بِلَا انْتِظَار لشَيْء وَلَا توَسط وَلَيْسَ تكاثف الْبدن كَذَلِك لِأَن التكاثف إِنَّمَا يضر بِالْبدنِ بحدوث الْحمى لَا بِنَفسِهِ.(4/272)
وَمن الْعَجَائِب أَن يضع الْمَرَض لَا يضر بِالْفِعْلِ وَالْعرض يضر بِهِ وَيكون الْمَرَض منتظراً للعرض فِي الْإِضْرَار بِالْفِعْلِ فَلَيْسَ إِذا تكاثف الْبدن هَهُنَا مَرضا بل سَببا أَيْضا للحمى وَلَيْسَ يمْتَنع أَن يكون للحمى أَكثر من سَبَب وَاحِد إِمَّا قريبَة كلهَا مِنْهُ أَعنِي أَلا يكون أَحدهَا أقرب إِلَى الْمَرَض من الآخر مثل حمى يَوْم.
ابْن ماسوية: عد سونوخوس الكائنة من غليان الدَّم فِي حمى يَوْم. الصَّوَاب فِي الْقِسْمَة الأولى ماعلمنا لِأَن جالينوس قَالَ: أَن أخص أَصْنَاف الحميات وأولاها بهَا ماكان من نفس طباعها يَعْنِي فبالواجب فصلنا أَولا فَقُلْنَا: الحميات مِنْهَا مرض وَمِنْهَا عرض فَأن هَذَا أَحْرَى أَن يكون ضبط الْأَجْنَاس على ماينبغي.
ابْن ماسوية: الدَّلَائِل الْخَاصَّة بحميات العفن كلهَا أَلا يكون عَن سَبَب باد على الْأَكْثَر والأنقباض فِيهَا أسْرع من الأنبساط لِأَن الطبيعة فِي أخراج البخارات أحْوج مِنْهَا إِلَى الأستمداد من الْهَوَاء)
لِكَثْرَة البخارات المؤذية وَالْبَوْل غير نضيج وَلَا تقلغ فِي أول نوبَة بعرق.
فِي أزمان الْأَمْرَاض قَالَ ج: أول مَا يعرض فِي حميات الغب قشعريرة ثمَّ لَا تزَال تتزيد حَتَّى يبرد الْبدن كُله أَو أَكْثَره وَيصير النبض فِي ذَلِك الْوَقْت أَصْلَب مِمَّا كَانَ بالطبع وأسرع وتتبين السرعة فِي الأنقباض بَيَانا ظَاهرا وَيمْكث ذَلِك ساعتين أَو ثَلَاثًا أَو أقل أَو أَكثر ثمَّ يبْدَأ النبض يعظم ويسرع فِي الْحَرَكَة ويتواتر وَسَاعَة يعرض ذَلِك تشتد حرارة الْبدن فيحس فِي دَاخل الْبدن بتوقد شَدِيد والاطراف بعد بَارِدَة ويغلب على الْبدن فِي هَذَا الْوَقْت اضْطِرَاب لَيْسَ بِيَسِير وَهَذَا هُوَ وَقت الصعُود وعطش وَيخْتَلف بعد بِكَثْرَة الْحَرَارَة وَغير ذَلِك.
لي: فِي معرفَة الْحمى فِي أول دور لنصنع أَن حمى حدثت ونريد مَعْرفَتهَا من أَي جنس هِيَ فَأَقُول: أَن أول ماتحتاج أَن تنظر إِلَيْهِ هَل كَانَ لَهَا سَبَب باد أم لَا وَهل حَال الْبدن وتدبيره فِي مَا مضى حَال مُوجبَة للعفن والأمتلاء وَهل ابتدأت بنافض وَكَيف نوع الْحمى وحرارتها وَحَال انْقِضَائِهَا أبعرق أم بِغَيْرِهِ وَكَيف صُورَة نافضها وَكَيف مزاج ذَلِك الْبدن وَمَا قد كثر أَن يعرض فِي ذَلِك الْوَقْت من الحميات فلنضع أَنَّهَا ابتدأت من سَبَب باد وَأَنَّهَا بِلَا نافض وَأَن حَرَارَتهَا بخارية وَأَن النبض غير متغير كثير تغير وَأَن النضج فِي الْبَوْل ظَاهر وَأَن التَّدْبِير تَدْبِير احتراس وَأَنَّهَا قد انْقَضتْ بعرق اَوْ ببخار يخرج من الْبدن كثيرا وَأَن العليل وجد بعْدهَا خفاً شَدِيدا حَتَّى كَأَنَّهُ لم يحس بهَا فمعلوم أَنَّهَا حمى يَوْم.
ولنضع أَنَّهَا ابتدأت بِلَا نافض وَأَن التَّدْبِير كَانَ تدبيراً يُوجب الأمتلاء وَأَن عَلَامَات الأمتلاء ظَاهِرَة والنبض قوي عَظِيم عريض وَأَن المَاء أرجوراني وَالْعين ناتئة حَمْرَاء والأصداغ(4/273)
منتفخة وَأَن التَّدْبِير كَانَ تدبيراً يُوجب الأمتلاء إِلَّا أَنه لَا يُوجب احتداد الدَّم وَأَن مَعهَا ربواً ولهباً وَلَا يظْهر فِي الْعُرُوق عَلَامَات العفن وَيكون الْحر مَعَ كثرته بخارياً أَعنِي ان يكون الأنقباض سَرِيعا فمعلوم أَنَّهَا سونوخوس الكائنة عَن سخونة الدَّم.
ولنضع أَن هَذِه جَمْعَاء ظَهرت لَكِن كَانَ مَعهَا عَلَامَات العفن وَهُوَ أَن أنقباض الْعرق إِلَى دَاخل كثير وَالْبَوْل أَزِيد حِدة وَأَقل نضجاً وَنَوع الْحَرَارَة أَشد فِي الْكَيْفِيَّة وَكَذَا الْعَطش وَغير ذَلِك.
والحرارة فِي الْبدن كُله مستوية أَو شَبيهَة بِهِ وَلَيْسَت كالأولى الَّذِي كَانَ بهَا فِي الْقلب والصدر أَكثر اللهب والحرارة وَالتَّدْبِير يُوجب العفن ودامت أَيْضا فَلم تنقض كَمَا تَنْقَضِي النائبة.
ولنضع أَنَّهَا ابتدأت من غير سَبَب باد وابتدأت بقشعريرة وبنخس الْبدن فِيهَا كنخس الأبر)
وَابْتِدَاء كَانَ الْعرق فِي ذَلِك الْوَقْت أَصْلَب وأسرع انقباضاً وصغراً مِمَّا عهدته ثمَّ ابتدأت الْحَرَارَة وَلم يطلّ الْأَمر حَتَّى استولى اسْتِيلَاء محكماً على جَمِيع الْبدن وَغلب اللهيب والعطش وَعرض مَعهَا قيء مرار أصفر وَكَانَت الْحَرَارَة يابسة دخانية وَالتَّدْبِير وَالزَّمَان يوجبان الصَّفْرَاء ثمَّ انحطت وَانْقَضَت بعد الْقَيْء وَعرض مَعهَا خفَّة فِي الرَّأْس وَالْبَوْل رَقِيق مراري فَأن هَذَا يقرب من النَّفس أَنَّهَا غب وخاصة أَن انْقَضتْ ونقي الْعرق مِنْهَا بعد اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة أَو قبل ذَلِك.
ولنضع أَن هَذِه الْأَعْرَاض تظهر كلهَا إِلَّا النافض وَلَا يكون مَعهَا بَوْل أرجواني غليظ وَلَا نبض عريض لَكِن كنبض الغب وبوله وَنَوع الْحر فِيهِ كنوعه.
أَقُول: أَن ذَلِك يقرب فِي النَّفس أَنَّهَا غب دائمة ويتحقق ذَلِك أَن خفت غبا.
ولنضع أَنَّهَا ابتدأت بِبرد ضَعِيف إِلَّا أَنه خَالص غير ناخس ثمَّ طَال الْأَمر وعسر فِي انتشار الْحَرَارَة وَلما انتشرت أَيْضا لم تكن كَثِيرَة اللهيب وَلَا ظهر عَطش وتوقد وَظهر الصغر والإبطاء فِي النبض والأختلاف أَكثر مِمَّا ظهر فِي الغب وَكَانَ التَّدْبِير والمزاج وَالْوَقْت وَالْعَادَة قد جرت بحدوث حميات بلغمية وَكَانَت ايضاً من غير سَبَب باد فَهَذَا يقرب من النَّفس أَنَّهَا بلغمية وَتَكون نوبتها طَوِيلَة وَالْبَوْل أَبيض وَلَا ينقي الْعرق عِنْد الْمُفَارقَة لَكِن كَانَ مِنْهَا بَقِيَّة.
فلنضع أَن هَذِه الْأَعْرَاض تُوجد إِلَّا الْبرد والإقلاع.
أَقُول أَنَّهَا بلغمية دائمة وخاصة أَن خفت وثقلت فِي أَوْقَات نَوَائِب الْمُفَارقَة.
ولنضع أَنَّهَا ابتدأت بعقب حميات مختلطة أَو بعقب عظم الطحال أَو بعض الْأَمْرَاض السوداوية وَكَانَ نافضها كَأَنَّهُ يرض الْعظم بصدقه وغوره فِي الْبدن وعسر أَن تسخن فَلَمَّا سخنت أَشْتَدّ سخونتها فِي الكمية والكيفية وَالْبَوْل عديم النضج والنبض كانه مربوط إِلَى دَاخل أَو يجذب إِلَى دَاخل جذباً مَعَ صغر وأبطاء وَنَوع الْحَرَارَة يابسة قشفة.(4/274)
أَقُول: أَنَّهَا ربع وخاصة أَن كَانَت الْعَادة جرت بذلك.
وَإِن ظَهرت هَذِه الْأَعْرَاض إِلَّا النافض وَكَانَ اللَّوْن أسود وَالْبَوْل مَعَ ذَلِك إِلَى السوَاد.
أَقُول أَن هَذِه ربع دائمة لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تعرض الرّبع الدائمة قبل أَن تمازج السَّوْدَاء الدَّم وَلذَلِك يَسْتَحِيل الدَّم إِلَى السوَاد والكمودة قبل ذَلِك بِزَمَان طَوِيل. وَكَذَا فأنهم فِي الغب والبلغمية الدائمتين فَأن فِي الغب يصفر اللَّوْن قبل ذَلِك بِزَمَان طَوِيل وَفِي البلغمية يخْتَلط بَين الصُّفْرَة والياض ثمَّ تبتدىء تِلْكَ الحميات ويغلب على الْبَوْل المرارية مُدَّة طَوِيلَة.)
فَأَما السل فَلَيْسَ يُمكن أَن تكون ابْتِدَاء لَكِن بعد حميات تهيجها.
فلنضع أَن حميات دائمة حاملة الْحَرَارَة لَا نافض فِيهَا الْبَتَّةَ وَلَا أقلاع قد دَامَت بعقب بعض الحميات وَأَن الْبدن يَابِس نحيف مراري وَأَنَّهَا قد دَامَت أَيَّامًا وَلَيْسَ جوهرها كجوهر سونوخوس والنبض صلب رَقِيق والحرارة كانها مدفونة وتستبان بعد حِين وتهيج الْحَرَارَة مَتى طعموا وَيرى مَوَاضِع الْعُرُوق الضوارب وَالْقلب أبدا أسخن من جَمِيع الْبدن ويبولون بولاً دهنياً أَو فِيهِ دهن ويتبرزون برازاً دهنياً وشحمياً.
أَقُول: أم هَذِه حمى سل.
وَإِن دَامَت هَذِه حَتَّى يظْهر اليبس والقحل ولطء الصدغ وامتداد جلدَة الْجَبْهَة وغؤور الْعين والرمص الْيَابِس والتغميض الدَّائِم للعين وَجرى الْبَطن وقشف الْجلد كُله فَهَذَا الذبول.
فَأن دَامَ حَتَّى تظهر الْعُرُوق خَالِيَة من الدَّم ويدق الْعظم ويرق وييبس الْجلد ويتشنج وَيصير كأبدان الْمَشَايِخ فَهَذَا التفتت.
قَالَ ج فِي الْعَادَات: إِن قوما يسخرون مِمَّن يتبع الْعَادة فِي الْأَمْرَاض حَتَّى أَنهم يَقُولُونَ لَهُ أئذن للمحموم فِي الأستحمام بِالْمَاءِ الْبَارِد إِن كَانَ مُعْتَادا لذَلِك.
من كتاب الفصد قَالَ: الْقلب مَعْدن الْحَرَارَة الغريزية وَمِنْه سخونة الْجَسَد كُله ومادة هَذِه السخونة الدَّم وتقل وتكثر بِحَسب قلته وكثرته أَو مزاجه وكما أَن الْحَرَارَة الغريزية تتأدى إِلَى جَمِيع الْبدن من الْقلب كَذَلِك الْحَرَارَة الْخَارِجَة عَن الطبيعة لَا تشْتَمل على الْبدن كُله دون أَن الْيَهُودِيّ قَالَ: الحميات الْعَارِضَة من القروح والأورام حميات عرضية. من عرضت لَهُ حمى أَو حرارة شَبيهَة بالحمى فِي وَقت من النَّهَار أَو اللَّيْل فليحذر من غَد ذَلِك الْيَوْم أَو بعد غَد أَن يكون فِي ذَلِك الْوَقْت مَمْلُوء الْبَطن من الطَّعَام أَو نَائِما وليدع الْأكل وَالنَّوْم إِلَى أَن يجوز ذَلِك الْوَقْت فَأن ذَلِك يكون سَببا لاهتياج النّوبَة.
الْمعرفَة بابتداء النّوبَة من النبض ينفع فِي أَلا يُؤذن للعليل فِي ذَلِك الْوَقْت بِالْأَكْلِ وَالْحمام.
من كتاب الذبول: الحميات الَّتِي تكون من عفونة الأخلاط فعلاجها بعد أَن تنضج تِلْكَ الأخلاط الْحمام.(4/275)
قَالَ فِي الصِّنَاعَة الصَّغِيرَة: أنزل أَنه حدثت حمى مَعَ عفونة الأخلاط فأنك تحْتَاج أَن تستفرغ وتحدث تغيراً أما الأستفراغ فللجوهر الَّذِي عفن والتغيير فِيهِ ليمنع من العفن.)
وَأما النّوم للمحموم فسنذكره فاقرأه فِي بَاب النّوم فَأَنَّهُ فِيهِ علاجاً كثيرا إِن شَاءَ الله.
أبيذيميا قَالَ: حمى ربع لاتكاد تُوجد دائمة والبلغمية لاتكاد تنقى من الْبدن وَكَأَنَّهَا مطبقة وَالْغِب تكون كثيرا دائمة وَكَثِيرًا مقلعة.
قَالَ ج أَنِّي لم أرى حمى تَدور سبعا وَلَا تسعا وَلم يرتض قَول أبقراط فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يَقُول من أَي خلط هِيَ.
لي قد رَأينَا حمى تنوب فِي كل تِسْعَة أَيَّام مرّة وَفِي كل شهر مرّة فَأَما الَّتِي تنوب فِي كل شهر مرّة وبصاحبها صرع وَلَيْسَ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي من أَي خلط هِيَ يكون مايبطل أَن تُوجد هَذِه.
أبيذيميا: الْحمى الليلية لَيست بالقتالة جدا وَهِي طَوِيلَة والنهارية أردأ لِأَن الْبدن بِالنَّهَارِ ينتشر ويتحلل وتتسع مسامه أَكثر مِنْهُ بِاللَّيْلِ فأذا كَانَت الْحمى تنوب فِي هَذَا الْوَقْت فان مادتها أقوى وَأكْثر من الَّتِي تنوب إِذا انقبض الْبدن وتكاثفت مسامه وَغَارَتْ حرارته لِأَن هَذِه الْحَال مُعينَة للحمى وَأَيْضًا فَأَنَّهُ إِذا كَانَت النوائب بِالنَّهَارِ اضْطر أَن يكون تَدْبِير المحموم لإي أَوْقَات ردية من آخر اللَّيْل وَفِي الْأَوْقَات الَّتِي يجب ان ينَام فِيهَا وَلذَلِك ينتقص بدنه على طول الْأَيَّام وَيصير إِلَى السل لِأَنَّهُ لَا يكَاد يَسْتَوْفِي مِقْدَار نَومه بِالنَّهَارِ وَإِن استوفى لم ينب عَن نوم اللَّيْل فيجف الْبدن على طول هَذَا الْأَمر.
قَالَ ب: والسبع وَالتسع أطول.
قَالَ ج: يسمج أَن يكذب أبقراط فِي هَذَا وَيَنْبَغِي أَن يتفقد هَذَا مَعَ تحرز وَذَلِكَ أَنه قد يُمكن أَن يحم إِنْسَان حمى يَوْم وتنقضي بعد فَتْرَة فيعاود فِي التَّاسِع أَو السَّابِع وتنقضي مَرَّات على هَذَا النَّحْو فَإِذا سلم من هَذَا فقد صَحَّ الْأَمر.
قَالَ ب: الحميات تنوب فِي خمس وَسبع وتسع قَالَ ب: وأردأ الحميات الْخمس لِأَنَّهَا تكون قبل قَالَ ج: ماقلت فِي السَّبع وَالتسع أَقُول فِي هَذِه وَيَنْبَغِي أَن تتفقد فِي هَذِه وَاحِدَة أَن لَا يكون بأصحاب السل حمى أُخْرَى توهم لذَلِك أَنَّهَا حمى تَدور خمْسا.
قَالَ: الحميات الدائمة مِنْهَا مَا يبتدىء فِي أول يَوْم فِي غَايَة الْعظم الَّذِي تكون عَلَيْهِ وتخف نَحْو وَقت البحران وَرُبمَا كَانَت فِي أول يَوْم لينَة مدفونة ثمَّ تشتد أَولا فأولاً إِلَى وَقت البحران وَرُبمَا ابتدأت لينَة ثمَّ أخذت تتزيد حَتَّى تبلغ مُنْتَهَاهَا وَتَأْخُذ فِي التنقص ويدوم ذَلِك بهَا إِلَى وَقت البحران.)(4/276)
إِن يبس الشفتين وَاللِّسَان فِي الحميات يدل على ان الْحمى قد أفنت الرُّطُوبَة المحمودة.
العلامات الدَّالَّة على حُدُوث الْحمى الثّقل الْعَارِض فِي الْبدن من غير عِلّة ظَاهِرَة وبطء الْحَرَكَة ونخس فِي سطح الْبدن وتثاؤب دَائِم ويسيل الرِّيق ويثقل الرَّأْس والورك ويضطرب للنوم فأذا تزيدت هَذِه الْأَعْرَاض وَعظم النبض وأسرع من غير أحصار أَو شَيْء يُوجب ذَلِك فَأن الْحمى ستحضر فَإِذا تكاثف النبض فقد بَدَت الْحمى.
3 - (فصل)
قَالَ: 3 (تنفر مِنْهُ الطبيعة لِشِدَّتِهِ. والحواضن يعرفن أَن الطِّفْل مَحْمُوم برِيح نَفسه وَإِذا) 3 (جسست العليل فلتكن يدك معتدلة وَإِلَّا غَلطت وأبدأ بجس يَده وصدره وَقد) 3 (عدلت يدك بوضعك أياها على صدرك وبطنك أَن كَانَت بَارِدَة حَتَّى تعتدل وَلَا) 3 (تتجاوز الِاعْتِدَال فَإِذا جسست يَده وصدره وجنبيه فالبث قَلِيلا ثمَّ أعد الجس) 3 (وَافْعل ذَلِك مَرَّات يستبن لَك وتقف على شَيْء وَاحِد وَإِذا كَانَت الْحمى فِي بدن كثيف) 3 (طَالَتْ أَكثر لِأَن تحللها أَبْطَأَ وبالضد.) قَالَ: إِذا خرجت الفضول من المجاري كثيرا أسْرع أقلاع الْحمى. وَفِي بَدْء الْحمى المجسة صَغِيرَة كثيفة وتبرد الْأَطْرَاف ويعرض تثاؤب دَائِم وكسل واسترخاء الْعُنُق وسبات وَغشيَ ويحمى الصدغان والصدر ويكمد لون الأظافر وتبيض الأرنبة وتبرد الْأذن وخاصة شحمتها بردا قَوِيا.
فَأَما عَلَامَات الصعُود: فَعظم النبض وسرعته وَحُمرَة اللَّوْن وصفرته ووجع المفاصل والعطش وَعظم النَّفس والغثى والفواق.
جورجس قَالَ: إِذا رَأَيْت فِي الْحمى الْقُوَّة تحْتَمل الأستفراغ فاستفرغ وَإِذا لم تحْتَمل فلطف وَبرد.
وَقَالَ: وكما أَن مَعَ الغب فِي الْأَكْثَر وجع الرَّأْس وَمَعَ البلغمية وجع الْمعدة فَمَعَ الرّبع وجع الطحال.
من كتاب البحران قَالَ: الْأَمْرَاض الَّتِي تتحرك حَرَكَة سريعة خبيثة لاسيما أَن كَانَ فِيهَا للريح والرطوبة حَرَكَة مضطربة فَهَذِهِ يَنْبَغِي أَن تستفرغ بالمسهل فِي الأبتداء لِأَن هَذِه الرطوبات سهلة المواتاة للمسهل فَأَما الرُّطُوبَة اللابثة الراكدة فَأَنَّهَا لَا تواتي المسهل إِلَّا بكد. وَاعْلَم أَن تعرف نوع الْحمى من أول نوبَة أعظم العون على تعرف مُنْتَهى الْمَرَض وتعرف مُنْتَهى الْمَرَض أعظم العون على صَوَاب التَّدْبِير وَيَنْبَغِي أَن تروض نَفسك فِي تعرف الْمُفْردَات ليسهل عَلَيْك تعرف المركبات.)
قَالَ: وَحمى الغب أطول من المحرقة والبلغمية من الغب والسوداوية من البلغمية.(4/277)
أبيذيميا قَالَ: وَمَتى كَانَ الْخَلْط العفن منتشراً فِي الْبدن كَانَ ابْتِدَاء النّوبَة نافضاً وقشعريرة وَفِي آخِره عرق وينقى الْبدن وَقت الرَّاحَة وبالضد. مَتى كَانَ العفن دَاخل الْعُرُوق فالغب ودائمتها قصيرتان والبلغمية ودائمتها طويلتان إِلَّا أَنَّهُمَا أقصر من السوداوية.
لي كل دَائِم أقصر من المفارق الَّذِي من جنسه.
أبيذيميا قَالَ ب: من غلب المرار عَلَيْهِ فاستفراغه خَاصَّة فِي الْحمى نَحْو الرجلَيْن.
قَالَ ج: هَذَا القَوْل يُمكن ب أَن يَقُوله على طَرِيق المشورة بِمَا يَنْبَغِي أَن يفعل بِمن حم وَكَانَ مراري الطَّبْع وَيُمكن أَن تكون الطبيعة تَأتي فيهم بذلك.
فنفول: يَنْبَغِي للطبيب أَن يلْزم عَادَة الطبيعة حَتَّى ينفض الْأَبدَان المرارية إِذا حدثت الْحمى مَرَّات أبيذيميا قَالَ: جَمِيع حميات يَوْم فَهِيَ بعد انحطاط النّوبَة تنْحَل بالأستحمام فَأَما الَّتِي من العفن فَمَا كَانَت الأخلاط فِيهَا قد نَضِجَتْ فَأَنَّهَا تنْحَل أَيْضا بالحمام واما الدق فَفِيهِ اخْتِلَاف بَين كبار الْأَطِبَّاء: هَل يَحْتَاجُونَ مَعَه إِلَى الْحمام أم لَا الأولى من أبيذيميا: اللَّوْن الْأَخْضَر والكمد فِي الحميات رَدِيء فاما الْأَحْمَر فَيدل على غَلَبَة الدَّم والأصفر على غَلَبَة الصَّفْرَاء وتفقد حِينَئِذٍ البرَاز فَأن وجدته أَبيض فَاعْلَم أَن ذَلِك لِأَن الْمرة انتشرت إِلَى الْخَارِج فَأن لم يكن كَذَلِك بل كَانَ يخالطه مرار كثير فَاعْلَم أَن هَذِه الْحمى صفراوية قَوِيَّة فِي ذَلِك وَهَذِه تجْعَل الْبدن فِي حَال الذبول إِن لم يُدْرِكهَا حُدُوث بحران بنافض وعرق فَأَما الحميات الَّتِي يكون الْبدن فِيهَا فِي غَايَة الْحمرَة فَهِيَ الحميات المطبقة وَأما الحميات الَّتِي يضْرب لون الْبدن فِيهَا إِلَى خضرَة وكمدة من قبل فَيدل أَن الدَّم نَاقص فِي هَذِه الْأَبدَان وتنقص مَعَه الْحَرَارَة الغريزية لذَلِك فَهِيَ ردية قتلة وَبَعض هَذِه الحميات تجلب الغشي وعلاجها الأستفراغ وَهَذِه الْحمى يقحل فِيهَا الْبدن ويقشعر وقتا بعد وَقت وَبِه صداع ووجع فِي الأحشاء ويتقيء مرَارًا وَإِذا هاج بِهِ الْمَرَض لم يقدر أَن يقل طرفه ويجف بَطْنه وَيصير لَونه أَخْضَر كمداً وَتسود شفتاه بِمَنْزِلَة من أكل التوت ويميل بَيَاض عَيْنَيْهِ إِلَى خضرَة وكمودة وتجحظ عَيناهُ كالمختنق وَرُبمَا تغير لَونه من الكمودة والخضرة إِلَى الصُّفْرَة.
أبيذيميا ب قَالَ: اسْتعْمل المسهل فِي الْأَمْرَاض الحادة جدا إِذا كَانَ الْخَلْط هائجاً مُنْذُ أول يَوْم الْهياج والهائج هُوَ كل خلط على غَايَة الأستعداد لِلْخُرُوجِ فَأَنَّهُ يُبَادر إِلَيْهِ فَأن تَأْخِيره فِي مثل هَذَا)
الْمَرَض رَدِيء يستفرغ الأخلاط الهائجة من قبل أَن تهيج الْقُوَّة وَأَن تتزيد حرارة الْحمى أَو تصير تِلْكَ الأخلاط المتحدة فِي الْبدن إِلَى عُضْو من الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة فَتمكن فِيهِ.
قَالَ ج: قد ثَبت أَن الْحَرَارَة الغريزية أسخن على الأطلاق من الْحَرَارَة الغريبة. وتقرح الشفاه فِي الْحمى يكون فِي الْأَكْثَر فِي الغب وَفِي المفترة.(4/278)
طيماش قَالَ: الأخلاط الَّتِي تولد الْأَمْرَاض رُبمَا كَانَت رقيقَة فِي الْأَعْضَاء المتخلخلة. وَرُبمَا كَانَت غَلِيظَة لَا حجَّة فِي الْأَعْضَاء فَأن رمت استفراغ الغليظة اللاحجة قبل أَن تنضح على طول الْمدَّة فأنك تثور الْبدن وَلَا يمكنك أَن تستفرغها.
لي هَذَا قد دلّ أَن انْتِظَار النضج أَنما يَنْبَغِي أَن يكون فِي الأخلاط الغليظة.
قَالَ بعد هَذَا بِقَلِيل: إِن الْأَمْرَاض المزمنة أَكثر ماتحدث من السَّوْدَاء وَهَذَا الْخَلْط يعسر تَغْيِيره وَيحْتَاج إِلَى مُدَّة طَوِيلَة لينضج فِيهَا فَأن دارأ الْإِنْسَان الْمَرَض الَّذِي هَذِه حَاله أمكن على طول الْمدَّة أَن ينضج وَإِن هُوَ حركه وهيجه بدواء محرك قبل النضج أحدث أمراضاً صعبة.
وَقَالَ بعد هَذَا بِقَلِيل: وَاحْذَرْ على صَاحب هَذِه الْعلَّة التخم وَالْجِمَاع فأنهما يثوران هَذِه الأخلاط تثويراً شَدِيدا وَدَار فِي أول الْأَمر بالركوب وَالْمَشْي المعتدل والأغذية الحميدة الكيموس السريعة الهضم وَاحْذَرْ الْحَرَارَة والسهر وَشدَّة الْحَرَكَة.
لي هَذَا تَدْبِير النضج قبل الرّبع من كتاب الأخلاط: النّوم رَدِيء فِي ابْتِدَاء نَوَائِب الْحمى جدا وخاصة إِذا كَانَ فِي الْعلَّة سبات.
الأخلاط قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَن يغذى العليل فِي وَقت النّوبَة وَلَا قبل ابتدائها بِوَقْت يسير إِلَّا التخوف من سُقُوط الْقُوَّة فِي الْغَايَة القصوى. وَاجعَل الأستفراغ فِي أَوْقَات النوائب من فَوق وَفِي أَوْقَات السّكُون من أَسْفَل لِأَن فِي أَوْقَات النّوبَة الأخلاط ثائرة ومائلة نَحْو الْعُلُوّ وَكَثِيرًا مايكون الْقَيْء والرعاف فِي الأستفراغ من فَوق وَحِينَئِذٍ يسهل ميل الأخلاط إِلَى هَذِه الْجِهَة فَأَما فِي وَقت الرَّاحَة فَأن الطبيعة سَاكِنة وَكَثِيرًا مَا يكون. مِنْهَا الأستفراغ بالبول وَالْبرَاز فامتثل لذَلِك.
فِي تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي أَن تعنى بأنضاج مايمكن فِيهِ النضج واستفرغ المحترق وَالْخَارِج عَن أَن يُمكن فِيهِ النضج فِي الحميات الْحَادِثَة من العفونة عناية يسيرَة.
لي من هَذَا القَوْل يعلم أَنه لَا يَنْبَغِي أَن ينْتَظر بالأستفراغ النضج لشَيْء من الحميات خلا البلغمية لِأَن النضج أَنما يهيء الأخلاط لِأَن تكون دَمًا وَلَيْسَ وَاحِد من الأخلاط يُمكن أَن)
يَسْتَحِيل دَمًا إِلَّا البلغم فَقَط.
قَالَ فِي الْأَمْرَاض الحادة: النضج فِي الأخلاط المرارية انما هُوَ أَن يغلبها الطبيعة على مِثَال مايقهر الْخَلْط الصديدي فيحيله مُدَّة.
لي: إِلَّا أَن تغذيه غذَاء مُوَافقا لِأَن ذَلِك يكون فِي البلغم فَقَط.
الْفُصُول قَالَ ب: الأغذية الرّطبَة تَنْفَع جَمِيع المحمومين لاسيما الصّبيان والمعتادون الأغتذاء بالأغذية الرّطبَة(4/279)
لي هَذَا يَنْفَعهُمْ من وَجْهَيْن وَذَلِكَ أَن هَذِه الأغذية مضادة لهَذَا الْمَرَض وموافقة للمزاج وَإِلَى هَذَا يحْتَاج وَذَلِكَ أَن الْمَرَض يَنْبَغِي أَن يُقَاوم بالضد وَالشَّيْء الطبيعي يحفظ بالمشاكلة. وَأما تغذية المحمومين جملَة فاقرأه فِي بَاب الْأَشْيَاء العامية أَعنِي العلاج الْعَاميّ وَإِن تحوله إِلَى هَهُنَا أَجود وأخص بِهِ فحوله إِلَى هَهُنَا وَلَا تؤخره فَأَنَّهُ فِي هَذَا كُله إِذا كَانَت نَوَائِب الْحمى لَازِمَة لدور فلاتعط الْمَرِيض شَيْئا فِي وَقت النوائب.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل الدَّوَاء المسهل بعد أَن ينضج الْمَرَض فَأَما وَالْمَرَض ني فَلَا إِلَّا أَن يكون الْمَرَض مهتاجاً وعَلى الْأَكْثَر لَيْسَ يكون مهتاجاً.
قَالَ معنى المهتاج: شدَّة حَرَكَة الْخَلْط وانتقاله وجولانه فِي الْبدن.
قَالَ: فَمَتَى كَانَ كَذَلِك فاستفرغ أَي إِذا كَانَت لَهُ حَرَكَة بثقل وسيلان. قَالَ: وَمَتى كَانَ الكيموس ثَابتا راسخاً فِي بعض الْأَعْضَاء فَلَا تسهل حَتَّى تنضج فأذا نضج فَأن الطبيعة تكون قَالَ ج فِي كتاب الْفُصُول: انا رُبمَا فصدنا المحموم وَهُوَ مستلق لضَعْفه عَن الْجُلُوس والأنتصاب.
قَالَ: قد نحتاج إِلَى أَن نستعمل المسهل فِي الْأَمْرَاض الحادة فِي أَولهَا فِي الندرة بعد أَن ندبر العليل قبل ذَلِك على ماينبغي.
قَالَ ج: ب: يخبر أَنه رُبمَا ينْتَظر دَائِما بالإسهال حُدُوث النضج وَأما فِي الْأَمْرَاض الحادة فممكن إِذا كَانَت الأخلاط مهتاجة أَن تسْتَعْمل المسهل فِي ابتدئها وَتفعل ذَلِك بحذر وتحرز شَدِيد لِأَن الخطرفي اسْتِعْمَال المسهل فِي الْحمى عَظِيم لِأَن الْأَدْوِيَة المسهلة كلهَا حارة يابسة والحمى من جِهَة مَا هِيَ حمى لَيْسَ تحْتَاج إِلَى مَا يسخن ويجفف لَكِنَّهَا تحْتَاج إِلَى ضد ذَلِك وَلذَلِك لَيْسَ يسْتَعْمل الإسهال فِي الْحمى لمَكَان حَرَارَتهَا لانه من هَذِه الْجِهَة يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل مَا يبرد لَكنا نستعمل لمَكَان الكيموس الْفَاعِل للحمى فَيَنْبَغِي أَن يكون النَّفْع الَّذِي ينَال المحموم من استفراغ الكيموس الْفَاعِل للحمى أَكثر من الضَّرَر الَّذِي ينَال العليل من سخونة الدَّوَاء المسهل وَإِنَّمَا يكون)
الأنتفاع بِهِ أَكثر إِذا استفرغ ذَلِك الكيموس الضار كُله بِلَا أَذَى وَلِأَن يكون ذَلِك كَذَلِك يَنْبَغِي أَن ينظر أَولا هَل الْبدن مستعد لذَلِك الأسهال وَأَن الَّذين كَانَ أول مرضهم من تخم كَثِيرَة اَوْ أَطْعِمَة لزجة غَلِيظَة وَالَّذين بهم فِي مادون الشراسيف تمدد وانتفاخ أَو حرارة شَدِيدَة مفرطة أَو هُنَاكَ أَعنِي فِي بعض الأحشاء ورم فَلَيْسَ بدن وَاحِد مِنْهُم متهيأ للإسهال فَيَنْبَغِي أَن لايكون شَيْء من هَذِه مَوْجُودا وَأَن تكون الأخلاط فيهم سهلة الجرية رقيقَة بِلَا لزوجة فِي الْغَايَة والمجاري الَّتِي تستفرغ مِنْهَا وَاسِعَة مَفْتُوحَة فَأن أردْت إسهال مثل هَذِه فهيىء الْخَلْط وَالْبدن كَمَا ذكرت لَك. قَالَ: إِلَّا أَنه فِي الْأَمْرَاض الحادة إِنَّمَا يجوز أَن تسْتَعْمل الإسهال مُنْذُ أول يَوْم إِذا كَانَ الْخَلْط مهتاجاً وَأما فِي الْيَوْم الثَّانِي أقصاه فَلَيْسَ يُمكن أَن تهيىء الْبدن مِنْهَا هَذِه التهيئة إِلَّا ان يَتَّسِع للعليل أَن يسقى(4/280)
فِيهَا مَاء الْعَسَل فَلذَلِك تحْتَاج أَن تسْتَعْمل الإسهال فِي الْأَمْرَاض الحادة فِي الندرة لِأَنَّهُ لَا يكَاد أَن تكون الأخلاط فِيهَا مهتاجة أَولا فَأن كَانَت مهتاجة أمكن أَن يهيأ الْبدن فِيهَا إِلَّا أَن يمْنَع الْوَقْت لِأَن الْمَرَض الحاد لَا يمهلنا أَن نهيىء الْبدن للإسهال. لي قد صحّح وَقضى أَنه يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل الإسهال إِذا كَانَ ضَرَره أقل من نَفعه فقد بَان أَنا أَن ركبنَا دَوَاء لَا يسخن مَعَ إسهال فقد أمنا الضَّرَر.
النّوم فِي ابْتِدَاء الْحمى وخاصة فِي من يعرض لَهُم قشعريرة أَو نافض أَو برد فِي ظَاهر بدنه ضار جدا لِأَنَّهُ يَتَطَاوَل مَعَه ثبات هَذَا النافض وَلَا يَنْتَهِي إِلَّا بكد وَإِن كَانَ بعض الأحشاء وارماً زَاد فِيهِ وَحقّ لَهُ ذَلِك وَإِن كَانَ يتحلب إِلَى الْمعدة بعض الكيموسات فَلَيْسَ ضَرَره لَهَا أَنَّهَا لَا تنضج كَمَا تنضج فِي غير هَذَا من أَوْقَات النّوم فَقَط لَكِنَّهَا مَعَ ذَلِك تكون أَزِيد كثيرا وَتبقى غير نضيجة وَلذَلِك يتَقَدَّم إِلَى المرضى فِي الأنتباه فِي ابْتِدَاء النّوبَة ليقاوم ويميل إِلَى الدَّم والحرارة وَالدَّم وَالروح الْكَائِن فِي الأنتباه إِلَى ظَاهر الْبدن فِي ابْتِدَاء النّوبَة وَبعد ذَلِك من أعظم ماتداويهم بِهِ.
واما النّوم الْكَائِن فِي وَقت انحطاط النّوبَة وَكَذَا فِي مُنْتَهَاهَا فنافع وَرُبمَا يَقع فِي آخر تزيد النّوبَة بِالْقربِ من الْمُنْتَهى إِلَّا إِذا عظم مَنَافِعه إِنَّمَا يكون فِي وَقت انحطاط الْحمى.
جَمِيع الحميات يكون فِي الصَّيف أقصر مُدَّة لأنتشار الأخلاط ورقتها وَسُرْعَة تحللها وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة والأخلاط متهيئة للتحلل تحللت وَسكن الْمَرِيض وغن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة فَأَنَّهَا تنْحَل مَعَ تحلل الاخلاط فَيكون الْمَوْت فِيهَا لذَلِك أَكثر. فَأَما فِي الشتَاء فبالضد لِأَن الأخلاط)
اعسر انحلالاً لِأَن الْقُوَّة قَوِيَّة وقليلة التَّحَلُّل فَتبقى الْأَمْرَاض لَا تنْحَل وَلَا تَمُوت المرضى.
من كَانَت بِهِ حمى متوسطة فِي الْقُوَّة والضعف فَأن كَانَ بدنه يبْقى بِحَالهِ ولايهزل فرديء لِأَنَّهُ يكون ذَلِك لتكاثف الْجلد وَغلظ الكيموسات وَقلة تحلل الْبدن وَرُبمَا كَانَ لضعف الْقُوَّة وتفقد فِي هَذَا حَال الْهَوَاء لِأَن الْبَارِد يزِيد فِي أَلا يهزل الْبدن فَتكون الدّلَالَة فِيهِ أَضْعَف وبالضد وَإِن كَانَ الْبدن يهزل فِي الشتَاء وَلَا يهزل فِي الصَّيف مَعَ هَذِه الْحمى فالدلالة أوكد واشد وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْنَان فَأن الْمَشَايِخ وَالصبيان يكون انحلالهم فِي الحميات أسْرع والكهول أَبْطَأَ فَخذ مِنْهُ أَيْضا اسْتِدْلَالا وَانْظُر أَن لَا يكون هُنَاكَ استفراغ محسوس فَأَنَّهُ عِنْد ذَلِك لَا يحْتَاج أَن تنْسب النهوك إِلَى التَّحَلُّل الْخَفي وَكَثْرَة الْكَلَام جدا مِمَّا ينهك بدن المحموم وَكَذَا الْحَرَكَة فاعمل بِحَسب ذَلِك وأضداده يمْنَع التَّحَلُّل مادام الْمَرَض فِي ابْتِدَائه فَأن رَأَيْت أَن تحرّك شَيْئا فحرك فَإِذا انْتهى الْمَرَض فَلَا تحرّك الْمَرِيض ودعه يسكن فان جَمِيع الْأَشْيَاء فِي أول الْمَرَض وأخره وَفِي منتهاه أقوى.
قَالَ: انا نستعمل الفصد خَاصَّة والإسهال فِي ابْتِدَاء الحميات وَلَا نستعمل وَلَا وَاحِد من هذَيْن فِي وَقت الْمُنْتَهى لِأَن نضج الْمَرَض يكون فِيهِ والأجود أَن تعين النضج وسرعته(4/281)
وَخِفته على الطبيعة أَن تسْتَعْمل الأستفراغ فِي ابْتِدَاء الْمَرَض لثقل مادته وَيكون أنضاجه على الطبيعة أسهل فَأَما فِي الْمُنْتَهى فأذا نَضِجَتْ الطبيعة الْمَادَّة كلهَا أَو أَكْثَرهَا فالأستفراغ حِينَئِذٍ من الْفضل وَأَيْضًا فَأن الْقُوَّة النفسية حِينَئِذٍ أَضْعَف وَإِن كَانَت القوتان الأخريان أقوى لِأَنَّهُ كَمَا أَن فِي الأبتداء الْقُوَّة النفسية أقوى وَهَاتَانِ أَضْعَف كَذَا الْأَمر فِي النتهى بالضد والأستفراغ يعين على ضعف الْقُوَّة النفسية.
قَالَ: وَإِذا كَانَ الْخَلْط هائجاً سابحاً فِي الْبدن فَأن الطبيعة تهيج لدفعه وتحتاج أَن تعان على استفراغه ويسهل سلوكه إِلَى الْبَطن بالمسهل وَأما إِذا كَانَت الأخلاط ثَابِتَة راسبة فِي عُضْو وَاحِد فَلَا تحرّك بعد.
قَالَ ب: من أَرَادَ أَن يستفرغ عضوا وارماً فِي الأبتداء بالمسهل فَلَا يسفرغ من الْعُضْو المتمدد شَيْئا لِأَن الْعلَّة لَا تواتي الدَّوَاء لِأَنَّهَا لم تنضج بعد وأنهك الْمَوَاضِع الصَّحِيحَة.
لي قد أَشَارَ هَهُنَا إِلَى أَنه يَنْبَغِي أَن ينْتَظر بالمسهل النضج فِي الأورام فِي الأحشاء وَنَحْوهَا إِلَّا فِي الحميات لِأَن الْخَلْط فِي الحميات هائج سابح أبدا إِلَّا أَن تكون الْحمى عرضت من ورم مَا.
قَالَ ج: فِي كتاب الأخلاط: الأخلاط إِن كَانَت رقيقَة مائية فاستفرغ على الْمَكَان من قبل أَن يطول لبثها فتجمد وَتصير لذاعة أكالة وَذَلِكَ أَنَّهَا تنْتَقل من حرارة الْحمى إِلَى هَذِه الْكَيْفِيَّة)
سَرِيعا وَإِن كَانَت لزجة متمكنة فِي عُضْو مَا فاقصد لإنضاجها حَتَّى تجْرِي بسهولة. وَفِي هَذِه زعم قَالَ ب فِي الْفُصُول: اسْتعْمل الدَّوَاء بعد النضج وَقَالَ: بعض الأخلاط يَنْبَغِي أَن تستفرغ مُنْذُ أول الْأَمر بِسُرْعَة وَبَعضهَا ينْتَظر نضجها.
قَالَ: استفرغ الأخلاط الرقيقة فِي أول الْمَرَض وانتظر بالغليظة النضج كالبلغم والسوداء.
وَقَالَ: الْأَمْرَاض الَّتِي تزمن وَيكون انْقِضَائِهَا بالتحليل إِنَّمَا تَنْقَضِي قَلِيلا قَلِيلا بِأَن ينضج الأخلاط وَلذَلِك مَتى كَانَت هَذِه الأخلاط أقل كمية وأجود كَيْفيَّة كَانَ ذَلِك أسهل وَأقرب.
لي من هَهُنَا يَصح أَن الأستفراغ يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَت الأخلاط كَثِيرَة وَلَو كَانَت نِيَّة غَلِيظَة.
وَقَالَ: يَنْبَغِي أَن تستفرغ الأخلاط بِكَثْرَة فِي الْأَمْرَاض الحادة فِي الْمُبْتَدَأ.
قَالَ ج: إِنَّمَا يكره الأستفراغ من حرارة الْأَدْوِيَة المسهلة لِأَن قوما استفرغوا على مَا يَنْبَغِي فأورثتهم حرارة المسهلة حميات محرقة فَيَنْبَغِي ان يسعمل فِي الْأَمْرَاض الحادة الأستفراغ إِذا قَالَ ج: أَن ب يَأْمر أَن تستفرغ هَذِه الأخلاط فِي الحنيات الحادة قبل ان تزيد حرارة الْحمى وتضعف الْقُوَّة وَتصير هَذِه الأخلاط الهائجة إِلَى عُضْو شرِيف فيتمكن فِيهِ وَهَذِه الْأَمْرَاض هِيَ الَّتِي حد بحرانها الْأُسْبُوع الأول.(4/282)
لي إِذا كَانَ يجب أَن يسْتَعْمل الأستفراغ فِي مثل هَذِه على حدتها وحرارتها فكم بالحرى يجب فِي الَّتِي تَجِيء فِي الرَّابِع عشر والمنفصلة.
فِي الأمتناع من الْغذَاء. قَالَ: الأمتناع من الْغذَاء مَعَ الْحمى دَلِيل رَدِيء.
الْفُصُول قَالَ: كَانَ القدماء لَا يسمون الحميات الْحَادِثَة مَعَ ورم فِي عُضْو مَا مَرضا لَكِن عرضا وَكَانُوا لَا يَقُولُونَ أَن مرض الْإِنْسَان حمى إِلَّا من حم من سَبَب باد أَو حمى عفونة. ميامر قَالَ: الصَّبْر المغسول إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يسقى المحموم الْمُحْتَاج إِلَى نفض وَقد سقى الْأَطِبَّاء أيارج فيقرا غير مغسول الصَّبْر للمحمومين فَمَا أضرّ ببعضهم الْبَتَّةَ وَهَؤُلَاء كَانُوا من كَانَ فيهم رطوبات كَثِيرَة وَلم يكن بهم سوء مزاج فَأَما من بِهِ سوء مزاج حَار بِلَا مَادَّة فالصبر يُؤَدِّيه إِلَى الذبول وَكَذَلِكَ كَانَت حَال الْجُهَّال من الْأَطِبَّاء لما سقوا الأيارج بعض المحمومين فنفعهم سقوا غَيرهم على غير تحذير فَعظم ضَرَره.
لي وَهَذَا شَاهد أَيْضا على أَن الْأَدْوِيَة وَإِن كَانَت حارة فَأَنَّهَا لَا تضر حَيْثُ تكون الأخلاط وَقد قَالَ ج: إِن الصَّبْر يُؤَدِّي من بِهِ سوء مزاج حَار بِلَا مَادَّة إِلَى الذبول فَفِي جَمِيع الْوُجُوه)
لَيْسَ فِي التَّوَقُّف عَن الأستفراغ إِذا كَانَت الأخلاط مَوْجُودَة ومواتية معنى: وَقَالَ فِي ذكر الأيارج: لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يسقى من بَطْنه ورم أيارج قبل أَن ينضج الورم وينحط وَذَلِكَ أَن ب إِنَّمَا يَأْمر أَن يستفرغ من قد استحكم نضجه حسنا وَلَا يستفرغ مَا كَانَ نياً وَلَا فِي الأبتداء إِن لم تكن أَشْيَاء هائجة حافزة وَيسْتَحب بالإستفراغ مَتى كَانَت لم تمل إِلَى وَاحِد من الْأَعْضَاء ميلًا تلبث وتستقر فِيهِ.
حنين فِي كتاب الْمعدة فِي آخِره عِنْد الْأَدْوِيَة المسهلة وصف حبا قَرِيبا من حب القوقايا فَقَالَ: يسقى مِنْهُ فِي حمى ربع وَفِي ابْتِدَاء حمى غب.
وَقَالَ أَبُو جريح الراهب: عصارة الغافث وعصارة الأفسنتين إِن سقيتا مفردتين أَو مؤلفتين مَعَ شَيْء من سكر للربع والبلغمية وَبِالْجُمْلَةِ لجَمِيع الحميات المتطاولة أبرأتها والغافث أقوى وَكَذَلِكَ الشكاعي وَكَذَا الجعدة فَأَنَّهَا قَوِيَّة فِي أَنْوَاع هَذِه الحميات. وَقَالَ: نَقِيع مزر النانخواه جيد معجون بِعَسَل يذهب المليلة ويقلع الحميات المزمنة السوداوية والبلغمية المحرقة.
فليغريوس: إِذا طَالَتْ الحميات وَسكن توقدها ولهبها وأزمنت فعالجها بدواء الفوذنج فَأَنَّهُ يسخن جَمِيع الْبدن وَيخرج عَنهُ جَمِيع الأخلاط وَهُوَ عَجِيب فِي ذَلِك وَفِي جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي صفة دَوَاء: فوذنج نهري وساليوس وفطرساليون وبابونج أَرْبَعَة أَرْبَعَة و: كاشم اثْنَا عشر درهما وفلفل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ تدق وتنخل وَيُعْطى هَذَا الدَّوَاء فانه يكثر الْعرق جدا وَالْبَوْل بِمرَّة.(4/283)
هَذَا كَلَام كلي فِي الْفرق بَين الحميات يتْرك بِحَالهِ ليَكُون اتِّصَاله على مَا يجب وتنقل دَلَائِل كل وَاحِد فِي بَابه فيجتمع هَهُنَا وَثمّ فَيكون أبلغ.
قَالَ حنين فِي الْمسَائِل: إِذا كَانَت قُوَّة الْمَرِيض قَوِيَّة واحتجنا أَن نستفرغ بدنه وَهُوَ مَحْمُوم استفرغناه مُنْذُ أول الْأَمر بِلَا تهيب وَإِن كَانَت ضَعِيفَة لم نستفرغه لَكِن نستعمل فِيهِ أَولا المطفئة حَتَّى إِذا تراجعت الْقُوَّة استفرغناه.
أغلوقن: يَنْبَغِي أَن تروم فِي الحميات العفونية إِن لم تعلم من أَي جنس هِيَ فِي أول يَوْم فَإِن لم يكن فَفِي الثَّانِي فَإِن لم يكن فَفِي الثَّالِث لَا محَالة تتعرف ذَلِك وَمَا أقل مايحتاج مِنْهَا أَن تنْتَظر تعرفها فِي الرَّابِع.
الحميات الَّتِي تبتدىء بنافض أعلم إِنَّهَا من الَّتِي تنوب بأدوار وَذَلِكَ أَن الغب وَالرّبع فِي الْأَكْثَر يحدث مَعَ نافض إِلَّا أَن الغب مُنْذُ اول حدوثها تبتدىء بنافض شَدِيد فَأَما الرّبع فَلَا أعلم أَنِّي)
رَأَيْتهَا تبتدىء بنافض شَدِيد لَكِن بعقب حميات مُخْتَلفَة. فَأَما النائبة كل يَوْم فَلَا تكَاد تحدث إِلَّا مَعَ عِلّة فِي فَم الْمعدة كَمَا أَن الرّبع لَا تكَاد تحدث إِلَّا مَعَ عِلّة الطحال وَأما الَّتِي تبتدىء بنافض شَدِيد فَهِيَ أَن تكون غبا اولى من أَن تكون غَيرهَا فَإِن شهد لَك مَعَ ذَلِك سَائِر تِلْكَ الدَّلَائِل أعنى السن وَالْوَقْت والبلد وَإِن حمى كثير من حمى غب فِي ذَلِك الْوَقْت وَالتَّدْبِير قبلهَا وَحَال الْحمى وَذَلِكَ أَن الغب يَنْبَغِي ان تكون حَرَارَتهَا كَثِيرَة حادة والنبض فِيهَا قَوِيا عَظِيما سَرِيعا متواتراً لَا اخْتِلَاف فِيهِ إِلَّا الأختلاف الَّذِي للحمى خُصُوصِيَّة ونافضها كَأَنَّهُ شَيْء ينخس الْجلد حَار وَيكون ذَلِك بِأَن يؤلمه النخس أشبه مِنْهُ بِأَن يؤلمه الْبرد بِخِلَاف حَال نافض الرّبع والنائبة كل يَوْم وَذَلِكَ ان هَؤُلَاءِ يحسون من نافضهم بِبرد فَإِذا صَحَّ لَك من شدَّة النافض هَذَا النَّوْع مِنْهُ وَالْأَحْوَال الَّتِي ذكرت وَهِي التَّدْبِير الْمُتَقَدّم الْمُوجب لتوليد المرار كالكد والتعب والأطعمة المرارية وَالزَّمَان الْحَار وَالسّن والمزاج وَإِن عرض لكثير حمى غب وَرَأَيْت مَعَ ذَلِك عطشاً وقيأ ومرار وعرقاً مرارياً تبع حماه أَو جَمِيعهَا وَرَأَيْت بعد انحطاطها نقى من الْعرق والأختلاف الَّذِي يخص بِهِ الْحمى فَتثبت الحكم أَنَّهَا غب كَمَا أَنَّك لَو رَأَيْتهَا قد نابت غبا فَأَما ان كَانَ النافض يَسِيرا فنظرك فِي سَائِر هَذِه الدَّلَائِل يَنْبَغِي أَن يكون أَكثر لِأَنَّهُ قد يُمكن عِنْد ذَلِك أَن تكون النائبة فِي كل يَوْم اَوْ الرّبع أَو شطر الغب فَلْيَكُن تفقدك لسَائِر مَا ذكرت عِنْد ذَلِك أَشد وَأكْثر.
دَلَائِل الرّبع قَالَ: من أبين دلائلها دَلِيل يظْهر فِي أول نوبتها مادام النافض قَائِما وَهُوَ أَن يكون نبضه شَدِيد التَّفَاوُت شَدِيد الأبطاء فِي ذَلِك الْوَقْت فاما فِي حَال انتهائها فَلَا بُد أَن يحدث فِي النبض تَوَاتر وَسُرْعَة إِلَّا أَنه على حَال بطيء متفاوت بِالْإِضَافَة إِلَى النبض فِي مُنْتَهى الغب.
قَالَ: والأختلاف الَّذِي فِي نبضة وَاحِدَة إِلَى الحميات مَخْصُوصَة بِهِ فِي الغب أبين(4/284)
وَذَلِكَ أَنَّك تَجِد أول الْحَرَكَة وآخرعا أسْرع كثيرا من وَسطهَا وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِي الغب لِأَن هَذَا الأختلاف فِيهَا غير بَين وخاصة فِي وَقت مُنْتَهَاهَا وَلَا تحمد فِي الرّبع شدَّة اللهيب والغليان فَلَا تدع مَعَ ذَلِك سَائِر الدَّلَائِل الَّتِي من خَارج مَا قلت وَهل لَهُ طحال عَظِيم فَإِذا شهد ذَلِك وَرَأَيْت مَعَ ذَلِك بعد الأنحطاط النبض أَشد تَفَاوتا وَأَبْطَأ من النبض الطبيعي فقد بَان أَنَّهَا ربع.
لي الأختلاف فِي النبض الْخَاص فِي الحميات لَيْسَ هُوَ أَن يكون نبضة عَظِيمَة وَأُخْرَى صَغِيرَة لَكِن الأختلاف فِي نبضة وَاحِدَة وَهُوَ أَن يكون وَسطهَا كَأَنَّهُ شَيْء لابث ممتد وأولها وأخرها سَوَاء)
مسرعاً جدا كَأَنَّك فِي الْمثل تتوهم أَن رجلا يحضر أَشد مايكون مُدَّة ثمَّ يبطىء بأحضاره ذَلِك مُدَّة ثمَّ يعقبه بأحضار كَالْأولِ.
قَالَ: فَأَما النائبة كل يَوْم فأنك تَجِد الْحَرَارَة فِيهَا مَعَ فضل طوبة وَشَيْء من حِدة وَلَا تتبين حدتها وحرارتها إِلَّا بعد طول وضع الْيَد كَأَنَّهَا نَار مغمورة فِي رُطُوبَة كَثِيرَة أشبه مِنْهَا بِنَار قد غلبت واستحوذت على مادتها ونبضهم أَصْغَر من نبض أَصْحَاب الرّبع وتفاوته أقل من تفَاوت أَصْحَاب الرّبع وَأما بطؤه فمسار للربع والعطش فِي الْمُنْتَهى أقل مِنْهُ فِي الرّبع فكم بالحري أَن تنقص فِي هَذِه كلهَا عَن الغب.
قَالَ: وَاللِّسَان وَسَائِر الْبدن يكون فِي الغب على أَشد مَا يكون يبساً وَفِي النائبة كل يَوْم أرطب وَيكون الْقَيْء فِيهَا بلغمياً وَالْبرَاز كَذَلِك وَلَا تكَاد ترى فِي شَاب محرور بل تسرع إِلَى الصّبيان وخاصة الصغار وَإِلَى المبلغمين وخاصة السمان والبطالين والنهمين ومكثري الْحمام بِالْمَاءِ العذب والتملؤ من الطَّعَام والبلد وَالْوَقْت الْمُوَافق لذَلِك وَإِن كَانَت يابسة فِي ذَلِك الْوَقْت فَهُوَ دَلِيل قوي وَلَا يسكنهَا الْعرق كَمَا يسكن الغب وَالرّبع. وَكَذَلِكَ لَا يكَاد ينقى مِنْهَا صَاحبهَا وَالْبَوْل فِي ابتدائها إِمَّا رَقِيق أَبيض أَو أَحْمَر كدر مشبع غليظ: فاما فِي الغب فَأَنَّهُ مشبع الصُّفْرَة أَو دونه قَلِيلا وَأما فِي الرّبع فالبول مُخْتَلف الْأَحْوَال إِلَّا أَنه فِي أَحْوَاله كلهَا غير نضيج فَأَما فِي الحميات الدائمة فأعظم مَا تستدل بِهِ عَلَيْهَا أَنَّك لَا تَجِد فِيهَا شَيْئا مِمَّا ذَكرْنَاهُ.
لي: إِنَّمَا لَا يُوجد فِيهَا النافض فَقَط.
قَالَ: وَأَن تمْضِي بالحمى أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة وَلَا تَجِد تَنْقَضِي فِيهَا وَأَن يكون تزيدها مُخْتَلفا وَهَذَا الدَّلِيل مَعَ سَائِر دلائلها على سَائِر أمرهَا قد تنذر بِطُولِهَا وَلَا يذهب أثر الْحمى من النبض الْبَتَّةَ فَأن كَانَ لَهُ مَعَ ذَلِك سوء نظام أَو سوء وزن فَذَلِك يدل مَعَ أَنَّهَا لَيست من الحميات لي: يَنْبَغِي أَن يفهم مَا يزِيد بتزيد مُخْتَلف فَأن بقيت بِهَذِهِ الْحَال وَرَأَيْت لَهَا فِي الثَّالِث هيجاناً أَزِيد وَلَيْسَ فِي البرَاز وَالْبَوْل نضج فَلَيْسَ تَنْقَضِي فِي السَّابِع فَأن رَأَيْت الْحَال كَذَلِك فِي الرَّابِع فِي عدم النضج وَرَأَيْت الْبدن غير ضامر والحرارة كَأَنَّهَا مندفنة فَأَنَّهَا تطول أَكثر.
قَالَ: وَأحد الحميات الْحمى المفترة وأسلمها الغب وأطولها الرّبع وَلَا خطر فِيهَا.(4/285)
وَأما النائبة كل يَوْم فطويلة غير سليمَة وَيَنْبَغِي أَن تقدر الْغذَاء مُنْذُ أول الْأَمر بِحَسب كل وَاحِدَة مِنْهَا وَذَلِكَ أَن الحاد السَّرِيع الْبلُوغ إِلَى منتهاه ينفع أَن يدبر صَاحبه التَّدْبِير اللَّطِيف.)
وَأما البطيئة النِّهَايَة فَأن لم يُعْط صَاحبهَا أغذية أغْلظ أتلفته إِذا اضطررت أَن تنْتَقل عَن ذَلِك التَّدْبِير إِلَى غَيره فِي غير الْوَقْت الَّذِي يجب وَذَلِكَ أَنه فِي وَقت النِّهَايَة أحْوج مَا يكون الْمَرِيض إِلَى تلطيف التَّدْبِير.
وَقَالَ: انْظُر فِي كل الحميات وخاصة فِي الغب أخالصة هِيَ أم مشوبة فَأن الغب الْخَالِصَة تَنْقَضِي أَكثر مَا يكون فِي سَبْعَة أدوار وَلَا تجاوزها وَهِي مَعَ ذَلِك أسلم الحميات وَإِن كَانَت غير خَالِصَة وَلَا نقية فالحال فِيهَا بالضد.
مِثَال: ابْتَدَأَ بفتى ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة أَبيض اللَّوْن سمين بطال التَّدْبِير حمى على مَا أصف فِي ابْتِدَاء الخريف فَلم تُفَارِقهُ إِلَّا بعد الرّبيع بأيام وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا بقشعريرة قَرِيبا من وَقت الصُّبْح ثمَّ لم تكن حَرَارَتهَا حِين صعدت شَبيهَة بحرارة الغب وَلَا نبضه شَبِيها بالنبض فِي الغب وَلَا أَصَابَهُ قيء مرار وَلَا عرق وَلكنه لبث يَوْمه ذَلِك وَلَيْلَته أجمع إِلَى الْغَدَاة محموماً فَلَمَّا كَانَ فِي السَّاعَة الثَّالِثَة من الْيَوْم الثَّانِي ندى بدنه ندى يَسِيرا فتحللت حماه بعض التَّحَلُّل إِلَّا أَنه تحلل ضَعِيف وبكد مَا ظهر نقاؤه فِي آخر ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ على حَال فِي عرقه دَلَائِل حمى بَاقِيَة إِلَّا أَنه كَانَ خَفِيف الْبدن عشيته تِلْكَ وَلَيْلَته فَلَمَّا كَانَ نَحْو الصُّبْح عرضت لَهُ النّوبَة كالحال الأولى وانتظم على هَذِه الْحَال طول تِلْكَ الْمدَّة وَكَانَ نبضه فِي طول تِلْكَ الْمدَّة صلباً وبوله غير نضيج فَلَمَّا كَانَ فِي الرّبيع ابْتَدَأَ نبضه يلين وَأَقْبَلت ترسب فِي الْبَوْل رسوب محمودة وَهَذِه حَال الغب الَّتِي هِيَ أبعد شَيْء من الْخَالِصَة وَأما مَا بَين الْخَالِصَة وَغير الْخَالِصَة من هَذِه الحميات فكثيرجداً وَلَيْسَ يعسر تعرفها من تعرف الطَّرفَيْنِ أَحدهمَا هَذَا الَّذِي ذكرت وَالْآخر أَن الغب الْخَالِصَة تنوب أَربع سَاعَات وَإِلَى اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة أَكثر شَيْء وَيكون فِي الْبَوْل فِي الثَّالِث وَالرَّابِع وَلَا محَالة عَلامَة نضج وعَلى هَذَا فاعرف خلوص النائبة كل يَوْم من الرّبع لِأَن الْحمى الَّتِي تَجِد فِيهَا جَمِيع أَعْلَام الرّبع الْخَالِصَة وبالضد وَالرّبع والبلغمية إِذا لم تخلصا قصرت مدتهما كَمَا أَن الغب إِذا لم تخلص طَالَتْ مدَّتهَا فعلى هَذَا انْظُر فِي المفترة وَاجعَل تدبيرك بِحَسبِهِ وَأما اللَّازِمَة فاقصد فِيهَا بِالنّظرِ إِلَى الْبَوْل وَالْبرَاز وسحنة الْبدن كُله والنبض وَقدر الْحَرَارَة والأسباب الْخَارِجَة فعلى ذَلِك تكون قَالَ: وَيَنْبَغِي فِي الغب أَن تقصد بجهدك إِلَى تبريد الْبدن وترطيبه ولاستفراغ الصَّفْرَاء بالقيء وَالْبرَاز وتسييل الْبَوْل والعرق فَأن تنقية الْبدن بهَا محمودة واستعن على تليين الْبَطن بالحقن اللينة ن وَإِذا ظَهرت عَلَامَات النضج فأعطه أفسنتيناً فَأن لَهُ عملا مَحْمُودًا والإستحمام بِمَاء)
حَار عذب يستفرغ شَيْئا من المرار وينفع لِأَنَّهُ يرطب الْبدن فَأَما غير العذب فَلَا يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل فَأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الذبول إِن اسْتعْمل فِي هَذِه الْحَال. وتبريد بدن صَاحب هَذِه الْحمى وترطيبه مُوَافق لَهُ فَلْيَكُن غرضك فِي استحمامه أَن ترطبه فَقَط وَإِن ظَهرت عَلَامَات(4/286)
النضج فَلَيْسَ تخطىء إِن أدخلته الْحمام مَرَّات وَلَا إِن سقيته شرابًا رَقِيقا مكسوراً بِالْمَاءِ ولتكن أطعمتهم بَارِدَة رطبَة وَمَا يقدر على استمرائه وأصوب الطَّرِيق فِيهِ أَن تقتصر على مَاء كشك الشّعير إِلَى أَن يَجِيء البحران فَهَذَا تَدْبِير الْخَالِصَة. وَأما غير الْخَالِصَة فاجتهد فِي أَن لَا تزيد فِي الْمَرَض من جِهَة الْغذَاء وَلَا توهن الْقُوَّة من الْمَرِيض من أجل اللطافة وانح فِي ذَلِك نَحْو طول الْمَرَض وَقدر الْقُوَّة لِأَن طول الْمَرَض يحْتَاج إِلَى تَقْوِيَة الْغذَاء وَكَذَا ضعف الْقُوَّة وبالضد وَلَا تدخلهم الْحمام إِلَّا بعد النضج. واغذهم أقل من غذَاء صَاحب الغب الْخَالِصَة فَأن احتاجوا إِلَى أخراج الدَّم فافعل ودبر الْغذَاء بِحَسب ماترى بِأَن تخلط بهَا مَا يقطع ويسخن وأوفق مَا يعالجون بِهِ كشك الشّعير ملقى فِيهِ فلفل أَو زوفاً أَو صعتر أَو سنبل الطّيب تلقيه فِي مَاء الْعَسَل وأدر بَوْلهمْ بِمَا لم يكن مفرط اليبس وَأفضل مَا عولجوا بِهِ أفسنتين وتواتر سقيه وَبعد السَّابِع السكنجين والأدوية المسهلة السليمة. فَأَما الْقَيْء بعد الطَّعَام فَيبلغ من نَفعه أَنِّي أعرف خلقا قد تخلصوا بِهِ من هَذِه الحميات.
علاج اصحاب الرّبع قَالَ: دبر أَصْحَاب الرّبع فِي أول الامر بالفصد وَلَا تسقهم شَيْئا من الْأَدْوِيَة القوية وَلَا تستفرغ إِلَّا أَن يكون الدَّم غَالِبا جدا فيفصدوا كَمَا قدمنَا من الباسليق فَأن لم يكن فالأكحل وتفقد حَال الدَّم فان كَانَ غليظاً أسود وَأكْثر مَا تَجِد ذَلِك فِي أَصْحَاب الأطحلة الغليظة فأمعن فِي أخراج الدَّم فَأن كَانَ أَحْمَر ناصعاً رَقِيقا فاقطع أخراجه عَن الْمَكَان وَاجعَل فصدهم من الباسليقن فَأن لم يكن من الباسليق فالأكحل وَاجعَل أغذيتهم لَا تولد رياحاً الْبَتَّةَ بل تحلها وتتوخى تلين بَطْنه مَا أمكن بالأشياء المألوفة فَأن لم ينجح فبالحقن أَولا بِمَا فِيهِ حِدة يسيرَة ثمَّ بالأقوى وامنعهم من الْأَطْعِمَة الغليظة جدا وامنعهم من الشَّرَاب الرَّقِيق والأطعمة الرُّخْصَة الَّتِي لَا لزوجة فِيهَا ويسعملون المالح والخردل فِي الْأَيَّام بعد تطاول الْعلَّة ودواء القاقلى والكمونى وَإِن أمسك عَن الْحمام إِلَى أَن تَنْتَهِي الْحمى كَانَ أَجود وَإِن لم تكن الْحمى قَوِيَّة فَيَنْبَغِي أَن يرتاض فِي يَوْم الرَّاحَة فَهَذَا علاجها إِلَى وَقت الْمُنْتَهى وَظُهُور النضج وَبعد النضج يستفرغ ويدر الْبَوْل وتنطل الأحشاء بِمَا يلين صلابتها وتعود بهَا بعد الْمُنْتَهى مُدَّة طَوِيلَة فَأَنَّهُ صَالح لَهُ)
وإسهاله بعد الْمُنْتَهى بِمَا يستفرغ الأخلاط السوداوية مرَارًا كَثِيرَة والقيء على التملؤ من الطَّعَام مَرَّات مُتَوَالِيَة وَإِن لم يعق عائق فقيئهم بالخربق الْأَبْيَض بعد أَن تغرزه فِي فجل وتدعه حَتَّى يَأْخُذ قوته وَيطْعم ذَلِك الفجل فَأن لم يبلغ مايراد سقِِي الخربق نَفسه. وَمن يعسر عَلَيْهِ الْقَيْء استفرغ من الْبَطن ثمَّ يعْطى الترياق وَسَائِر الْأَدْوِيَة الْمَذْكُورَة لهَذِهِ الْحمى وأبلغها دَوَاء الحلتيت وَأما من يسْتَعْمل شَيْئا من هَذِه الْأَدْوِيَة فِي الأبتداء وَبِالْجُمْلَةِ قبل الأنتهاء فأنما يزِيد فِيهَا فَأَما علاج النائبة فِي كل يَوْم فَأَنَّهُ يسقى السكنجين فِي الْأَيَّام الأول وَمَا يدر الْبَوْل أدراراً صَالحا وَجُمْلَة التَّدْبِير فِي هَذِه الْعلَّة يكون ملطفاً مقطعاً وَإِذا بلغت الْمُنْتَهى فاعتن بالمعدة وخاصة فمها ثمَّ مره بالقيء بالفجل بعد التماؤ من الطَّعَام واستفراغ البلغم بالإسهال.(4/287)
فَأَما علاج الحميات الدائمة فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُجَاوز السَّابِع أَو نَحوه وَالْقُوَّة قَوِيَّة وَالسّن مُحْتَملَة فدبرهم بِالتَّدْبِيرِ الَّذِي فِي غَايَة اللطافة والأستقصاء وَمَا يُجَاوز مِنْهَا منتهاه السَّابِع وَالْقُوَّة غير قَوِيَّة فدبره فِي الأبتداء تدبيراً غليظاً فَإِذا دنى الْمُنْتَهى فدبره بألطف التَّدْبِير ثمَّ عد فِي الأنحطاط إِلَى تَدْبِير أغْلظ قَلِيلا وَاجعَل مَرَاتِب التَّدْبِير فِي تَغْلِيظ الْغذَاء على مِثَال مَرَاتِب التنقص فِيهِ قبل مُنْتَهى الْعلَّة.
وَأما الفصد فاستعماله إِذا كَانَ الْمَرَض عَظِيما وَمَتى رَأَيْت فِي الْبدن الْحمرَة أَزِيد مِمَّا كَانَت فِي الصِّحَّة وَكَانَ يحس بثقل فِي الْبدن كُله بِخِلَاف الْعَادة وَالْعُرُوق دارة ممدودة فَحِينَئِذٍ استفرغ الدَّم إِلَّا أَن يمْنَع ضعف الْقُوَّة وَغَيره وَجَمِيع التَّدْبِير الرطب نَافِع لجَمِيع أَصْحَاب الحميات الحادة أغذية كَانَت أَو غَيرهَا فاغذهم بِمَاء كشك الشّعير إِلَّا من كَانَ يحمض فِي معدته وبماء الْعَسَل إِلَّا من كَانَ يَسْتَحِيل فِي معدته إِلَى المرار وَإِذا غلظ التَّدْبِير أَكثر من ذَلِك فالخبز المغسول وَنَحْوه. وَمَتى كَانَت الْحمى شَدِيدَة الْحَرَارَة والتلهب فَأول ماترى فِيهَا عَلَامَات النضج قد ظَهرت فنق وأقدم على سقِِي أَصْحَابهَا المَاء الْبَارِد ومقداره يكون حسب وَقت السّنة والبلد والطبع وَالْعَادَة فَهَذِهِ جملَة تَدْبِير الحميات الَّتِي لَا أَعْرَاض مَعهَا مقلقة دَاعِيَة إِلَى العلاج لَهَا. فَأَما الحميات الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض مقلقة دَاعِيَة إِلَى علاج فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تفرد الْقَصْد لَكِن خمن وأحدس كم مِقْدَار الْخطر فِي ذَلِك الْعرض وَفِي الْحمى فقاوم أشدهما وأصعبهما وَلَا تغفل الآخر. مِثَال ذَلِك: أنزل أَن رجلا عرضت لَهُ الْحمى وَفِي بدنه امتلاء من الدَّم إِلَّا أَنه قريب الْعَهْد فتحمه ويجد لذَلِك عصراً فِي فَم الْمعدة وَقد تقيأ خلطاً ردياً فأضر ذَلِك بالمواضع الَّتِي مر بهَا مضرَّة عَظِيمَة وقلق لذَلِك)
وَبِه كرب فَانْظُر أينبغي أَن تفصد للحمى فتفرغ ذَلِك الأمتلاء كَمَا كنت تفعل لَو كَانَت الْمعدة عليلة من غير أَن يلْحق علاجك مَكْرُوه أَو تقدم الْعِنَايَة بِفَم الْمعدة. فأذا صلح اسْتعْملت من بعد الأستفراغ الَّذِي تحْتَاج إِلَيْهِ وَأَنا أوثر الثَّانِي فقد رَأَيْت مرضى استفرغوا فِي هَذِه الْحَال قبل تَقْوِيَة الْمعدة فَهَلَك بَعضهم وَبَعْضهمْ أشرف على الْهَلَاك وَمن كَانَ بِهِ مَعَ مثل هَذِه الْحمى ذرب فكفاه الذرب من أَن يستفرغ فَأن كَانَ أقل مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فبحسب امتلائه وَذَلِكَ أَن من ظن بِمن كَانَت هَذِه حَاله أَنه يحْتَاج إِلَى استفراغ أَكثر مِمَّا بِهِ وَتقدم فِي فصده فَأَنَّهُ مشرف مِنْهُ على خطر فادح سريع وَكَذَلِكَ مَتى كَانَ قد عرض للعليل تشنج وَكَانَ يحْتَاج أَن يستفرغ مَعَ ذَلِك فَلَا يستفرغ الدَّم بِمرَّة بِحَسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الأمتلاء الَّذِي فِي بدنه لَكِن يستفرغ مِنْهُ شَيْء بِسَبَب ذَلِك الْعَارِض إِذا كَانَ قد تهيج الْعرق كثيرا ويجلب السهر ويهد الْقُوَّة وَكَذَا مَتى كَانَ العليل قد عرض لَهُ سهر ووجع شَدِيد فاحذر الأستفراغ الْكثير وَمَا يكون مِنْهُ فِي دفْعَة وَيَنْبَغِي أَن تعد مزاج الْهَوَاء إِذا كَانَ شَدِيد الْحَرَارَة اَوْ الْبرد بِمَنْزِلَة عرض من الْأَعْرَاض فتوق أَيْضا أَن تخرج الدَّم فِي شدَّة حر أَو برد فَأَنَّهُ يعرض عَن أخراج دم كثير فِي الْوَقْت الْحَار للمحمومين غشي شَدِيد وَفِي الْأَوْقَات الْبَارِدَة جدا برد شَدِيد فِي أول نوبَة الْحمى مهلك لَا يسخن مَعَه.(4/288)
والأعلاء مُخْتَلفُونَ أَيْضا فِي مقادير احتمالهم للأستفراغ بِحَسب مزاجهم وعادتهم فَانْظُر فِي ذَلِك من تحْتَاج أَن تستفرغ وَهُوَ لَا يحْتَمل فاستفرغه قَلِيلا قَلِيلا فِي مَرَّات.
لي الأستدلال على الحميات على ماينبغي أَن يحفظ الطَّبِيب ماينفع حفظه وَذَلِكَ يكون إِمَّا من التَّدْبِير الْمُتَقَدّم أَو من الْحَال الْحَاضِرَة أَو من الْأَبْنِيَة أَو من الزَّمَان أَو من الْمَكَان وَالسّن والمزاج والنبض وَالْبَوْل والنافض والعرق وَكَيْفِيَّة حرارة الْحمى وَمِقْدَار النوائب وَكَيف تنوب والعطش وَحَال الأحشاء والقيء وَالْبرَاز وَإِمَّا من الْأَشْيَاء الَّتِي تتبعها الْحمى وغما من الْأَعْرَاض اللاحقة مثل السهر والصداع والتشنج وَغير ذَلِك. 3 (التَّفْرِقَة بَين أَجنَاس الحميات) 3 (وأنواعها الأول والثواني والأنواع والأشخاص) والتفرقة تكون إِمَّا بَين أجناسها وَإِمَّا بَين أَنْوَاعهَا. أما بَين أجناسها الأول فَيَنْبَغِي أَن تعرف التَّفْرِقَة بَين الحميات الَّتِي هِيَ من مرض وَالَّتِي هِيَ من عرض فالتفرقة بَينهمَا تكون بِأَن الحميات الَّتِي تتبع الأوجاع والأورام هِيَ أَعْرَاض مثل الْحمى التابعة لورم الكبد والتشنج واما الْأَجْنَاس الَّتِي هِيَ دون هَذِه فالتفرقة بَين حمى يَوْم وَحمى عفن وَحمى دق إِمَّا مِمَّا يتقدمها بِأَن يكون لَهَا سَبَب باد وغما من الْحَاضِر فَلَا نافض مَعهَا وَلَا حرارة محرقة وَيكون فِي انحطاطها عرق كثير مَحْمُود وَلَا يعرض إِذا استحم صَاحبهَا لَهُ قشعريرة فِي الْحمام فَهَذَا فرق بَين حمى يَوْم وَبَين الغب وَالرّبع والبلغمية وَلَيْسَ يفرق بَينهَا وَبَين سونوخوس بعد.
فَأَقُول: حمى عرض تشارك حمى مرض فِي خَاصَّة وَهِي انهما جَمِيعًا تسخنان وتلهبان وتفترقان فِي أَن هَذِه تَابِعَة وَتلك نَفسهَا مرض.
تَفْصِيل الحميات بِأَلْفَاظ منطقية يَنْبَغِي أَن تعْمل هَذَا على هَذِه الْجِهَة فَأَنَّهُ أَجود مَا يكون واصحه على نَحْو ماعمل ابْن نهرين حمى يَوْم تشارك حمى عفن فِي أَنَّهَا تَحْمِي الْبدن وتخالفها فِي أَن الْبَوْل فِيهَا نضيج والحرارة فاترة وَاحْتِمَال الْمَرِيض لَهَا سهل وسببها باد. وتشارك حميات العفن حمى الدَّم فِي أَنه لَا نافض فِيهَا وتخالفها فِي أَن مَعَ الترقية عرقاً وَلَيْسَ ذَلِك مَعَ المطبقة فِي ان حَرَارَتهَا هادئة سَاكِنة وحرارة سونوخوس حرارة محرقة وتنفصل من الغب بِأَن لَهَا سَببا بادياً وتسرع الْحَرَارَة وينضج الْبَوْل وتشركها فِي الْعرق وَفِي الأنحطاط وتخالفها فِي النضج فِي الْبَوْل وَفِي أَنه لَا نافض فِيهَا ثمَّ تمر على هَذَا حَتَّى تحكم ذَلِك أجمع فتعلم فِي كم شَيْء توَافق كل وَاحِدَة وَفِي كم تخالفها فَأن ذَلِك عون جيد على حفظه أَن شَاءَ الله.
جَوَامِع أغلوقن الْأَمْرَاض المزمنة لَا يَنْبَغِي أَن تسهل فِيهَا حَتَّى ينضج الْخَلْط وَأما الَّتِي الأخلاط فِيهَا سابحة فِي الْبدن فاستفرغ وَلَا تنْتَظر وَلَكِن بعد أَن تنظر هَل هِيَ رقيقَة سهلة(4/289)
الْخُرُوج قَليلَة اللزوجة وَلم يكن سَبَب الْعلَّة تخماً وأطعمة غَلِيظَة حدث لَهُ بِسَبَبِهَا انتفاخ الجنبين وتمددهما وَلَا حرارة وَلَا ورم فِي الأحشاء وَأَن طرق المجاري مَفْتُوحَة.
الطَّبَرِيّ: وَلَا تسْتَعْمل الإسهال إِذا كَانَ من خلط غليظ كَحمى الرّبع والبلغمية إِلَّا بعد النضج.
لي إِن الْعَلامَة الَّتِي تُعْطى فِي الحميات من النبض تُوجد من انقباض الْعرق سَرِيعا وَهِي عَلامَة غامضة وَذَلِكَ أَن كثيرا مِمَّن لَيْسَ بصغير الشَّأْن فِي الطِّبّ قد أنكر أَن يدْرك انقباض الْعرق فدع سرعَة الأنقباض وَإِذا كَانَ انقباض النَّفس سَرِيعا فَذَلِك يدل على حرارة نارية بِقدر سرعَة الأنقباض.
لي أَنه صَحَّ لي مِمَّا قَرَأت فِي كتاب البحران أَن نافض الرّبع بَارِد بِالْإِضَافَة إِلَى نافض الغب ونافض الغب كَأَنَّهُ شَيْء يوعد ويلذع الْبدن بثقل شَدِيد مؤلم للعظم بثقله ونافض الرّبع مثل جليدي يماس.
من النبض الْكَبِير إِذا رَأَيْت النبض زَائِدا فَانْظُر أَن وجدته بعد سَاعَة أُخْرَى بِحَسبِهِ زَائِدا فَأَنَّهُ ابْتِدَاء نوبَة حمى يَوْم وَإِن كَانَ بنفض فَذَاك لِأَنَّهُ أَخذ دَوَاء حاراً.
لي كَيفَ يكون عظم النبض دَالا على ابْتِدَاء النّوبَة وَإِنَّمَا يكون فِي ابْتِدَاء النوائب صَغِيرا.
لي أَن النبض إِنَّمَا تَتَغَيَّر حَاله بِحَسب حَال النَّفس فَاسْتَعِنْ بِالنَّفسِ فَأن الأنقباض والأنبساط صلب لطول زمانهما فَأن انقباض النَّفس يخفى فَإِذا رَأَيْت زمَان الأنقباض قَصِيرا فَاعْلَم أَن انقباض الْعرق أَيْضا قصير الزَّمَان وَإِذا رَأَيْت الوقفة بعد الأنقباض إِلَى أَن يعودالأنبساط قَصِيرا فَاعْلَم أَن النبض متواتر وَقصر زمَان الأنقباض يدل على أَن الْحَاجة إِلَى قذف البخارات شَدِيدَة وَهِي الَّتِي تحْتَاج إِلَى كَونهَا فِي حمى يَوْم لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْحمى لَا تشتد الْحَاجة إِلَى إِخْرَاج البخارات ضَرْبَة لِأَنَّهَا لَيست حارة كبخارات العفن وَيدل أَصْحَاب الكبد على هَذَا بالنبض فدع النبض وَانْظُر فِي النَّفس فعلى قدر صغر زمَان إِخْرَاج النَّفس احكم بِشدَّة الْحَاجة إِلَى إِخْرَاج البخار وعَلى قدر سرعَة زمَان إِدْخَال النَّفس وَقصر الوقفة بعد إِخْرَاج النَّفس إِلَى أَن يعود الأنبساط فاحكم بتزيد الْحَرَارَة ن وَجُمْلَة فَأن النبض نفس مُنْقَطع أَعنِي أَنه نفس وَاحِد تكون مِنْهُ نبضات عداد وحاله أبدا لَازم لحَال النَّفس فَاسْتَعِنْ بِهِ أبدا عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي النبض الْكَبِير: من العلامات الْغَيْر الْمُفَارقَة لحميات العفن أَن يكون الأنقباض زَائِدا للسرعة فَخذ نَفسك بالتدرب فِي حس الأنقباض فَأَنَّهَا عَلامَة لَا تفارق ابْتِدَاء نوبَة الحميات العفنة وَهِي بعيدَة من الْكَذِب جدا.
قَالَ: وَالدَّم يمِيل فِي ابْتِدَاء هَذِه النوائب إِلَى بَاطِن الْبدن والأحشاء فَيكون لذَلِك الأنبساط أَضْعَف وأصغر لَكِن إِذا كَانَ مَعَ صغر الأنبساط سرعَة الأنقباض وعظمه فَأن ذَلِك ابْتِدَاء نوبَة حمى وَإِن لم يكن مَعَه ذَلِك فَأَنَّهُ قد يكون صغر الأنبساط للهم وَالْغَم وَنَحْوه ممايرد الدَّم إِلَى بَاطِن الْبدن.(4/290)
لي تعرف ذَلِك من النَّفس قَالَ: وَهَذِه عَلَامَات لَا تكون فِي حمى دق لِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا ابْتِدَاء نوبَة وَلَا فِي حمى يَوْم لِأَنَّهُ لَا يحوج الْقلب إِلَى سرعَة قذف البخارات الحارة لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ عفن يكون هَذِه البخارات فَلْيَكُن سرعَة الأنقباض عَلامَة خاصية لحمى عفن.
قَالَ: والحميات الكائنة مَعَ ورم من هَذَا الْجِنْس فَلذَلِك مَعهَا هَذِه العلامات إِلَّا أَن الْفرق بَينهمَا)
أَن فِي الورمية النبض مَعَ سرعَة الأنقباض فِيهِ صلابة وَإِنَّمَا ينضغط النبض ويصغر ويبرد الْبدن فِي أول النّوبَة لِأَنَّهُ يصير إِلَى بَاطِن الْبدن من الأخلاط الْبَارِدَة على غَلَبَة الْبرد مَا يكَاد يطفىء حرارته الغريزية بِمَنْزِلَة حطب كثير يلقى على نَار يسيرَة فَأن لم تنطفىء النَّار وَأخذت تعْمل فِيهَا فانها لاتزال تظهر قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى تقوى وَهَذَا يشبه صعُود الْحمى. وَحِينَئِذٍ تدفع الطبيعة مَا لم يُمكنهَا إحالته من هَذِه الفضلات إِمَّا لطيفها فبالأنقباض بِالنَّفسِ وَهُوَ البخار الدخاني وَأما كثيفها فبالعرق والرسوب بالبول والخراجات وَنَحْو ذَلِك من أَسبَاب البخارين.
لي قد صحّح هَذَا مَا كنت استخرجته انا أَن حَال برودة الْبدن فِي الْحمى مرّة وسخونته بعقبها احرى تشبه حَالنَا إِذا تغذينا وشربنا مَاء بَارِدًا فبردنا أَولا ثمَّ سخنا بعد ذَلِك وَبَين أَن الحميات تكون إِذا كثرت الأخلاط النِّيَّة فِي الْبدن أَعنِي حميات العفن الَّتِي يتقدمها نافض وَصحح أَيْضا أَن الحميات الَّتِي لَا يتقدمها نافض لَيست تكون عَن أخلاط نِيَّة الْبَتَّةَ وَهِي غير مستعدة للعفن بل هِيَ بَارِدَة جدا وَلِأَن هَذِه الفضلات لاتجيء إِلَى نَاحيَة الْقلب وَلَكِن تكون بالبعد عَنهُ فِي من كناش ابْن سرابيون: الحميات المزمنة يحْتَاج فِيهَا إِلَى مايدر الْبَوْل ويسخن أسخاناً صَالحا كالأفسنتين والغاريقون والغافت والشكاعي والباذاورد والنانخواه وَنَحْوهَا يُعْطي طبيخها وَإِن كَانَت حرارة بَاقِيَة جعل مَاء الهندباء والكرفس وعنب الثَّعْلَب إِن شَاءَ الله.
أَقْرَاص لَهُ أَيْضا يُؤْخَذ للحميات العتيقة عصارة غافت عصارة أفسنتين شكاعي باذاورد شاهترج بزر كشوث بزر الْبِطِّيخ مقشراً بزر الْخِيَار رب السوس ورد يجمع ويقرص فَأَنَّهَا تسكن الْعَطش والحمى وتقلع الحميات العتيقة جدا.
طبيخ للحمى العتيقة: أصل كرفس وأصل رازيانج وإذخر وأنيسون ومصطكي وعصارة غافت يطْبخ ويسقى.
لي يسقى القرص بِهَذَا المَاء أَيَّامًا فَأَنَّهُ يقْلع الحميات المزمنة وَإِن كَانَ حِدة سقِِي بسكنجين. وَإِن كَانَ أحد سقِِي بِمَاء الهندباء وَشَيْء من كرفس إِن شَاءَ الله.
لي كَانَ بصبي حمى تنوب كل يَوْم فسقيته أَقْرَاص الْورْد فَصَارَت تنوب غبا وَذَلِكَ من أجل السنبل وَقد جربت ذَلِك فِي لناقه فرأيته كثيرا مَا ترد عَلَيْهِ الْحمى.(4/291)
من الثَّانِيَة من كتاب البحران: حمى يَوْم إِنَّمَا تكون من سخونة الرّوح فَقَط من غير أَن يكون فِي الأخلاط عفن أَو يحدث فِي الْأَعْضَاء ورم خلا الَّتِي تكون من ورم الغدد وَقَالَ: قد تحدث من)
سهر وتخمة وغم وهم وَغَضب وَحرق شمس وَبرد وتعب والإكثار من الشَّرَاب وَنَحْو ذَلِك والعلامات الشاملة لجَمِيع حمى يَوْم أَن النبض يزْدَاد سرعَة وتواتراً وَكَثِيرًا مايزداد عظما وَيبقى استواؤه الطبيعي بِحَالهِ ونظامه وَلينه. وَكَذَا الْبَوْل فَأَنَّهُ رُبمَا كَانَ مَعَه غمامة حميدة مُتَعَلقَة.
وَرُبمَا كَانَ فِيهِ رسوب وَرُبمَا كَانَ فِيهِ غمامة طافية وَكله حسن اللَّوْن وَأما الْحَرَارَة فَأَنَّهَا بخارية لِأَنَّهُ رُبمَا تبين ذَلِك حِين تضع يدك على الْبدن وَرُبمَا تبين ذَلِك بعد وَلَيْسَ مَعهَا شَيْء من الْأَعْرَاض الخبيثة الْمَذْكُورَة فِي كتاب تقدمة الْمعرفَة أَعنِي الْوَجْه الشبيه بِوَجْه الْمَيِّت كلطء الصدغ وَالْأنف الدَّقِيق وَالْعين الغائرة فَهَذِهِ العلامات العامية لَهَا. فَأَما الَّتِي تخص كل نوع مِنْهَا فَانِي سأذكر مِنْهَا طرفا. أما الْحَادِثَة عَن عوارض النَّفس فَأَقُول: إِنَّك إِن أحضرت الْمَرِيض وَتلك الْعَوَارِض بَاقِيَة بعد فِي نَفسه فتفقد النبض خَاصَّة كَمَا بيّنت فِي كتاب النبض واضف إِلَيْهِ الأستدلال بِسَائِر الْأَشْيَاء وَإِن كَانَت الْعَوَارِض قد سكنت فستجد فِي النبض عَلامَة خُفْيَة تدل على ذَلِك الْعَارِض الَّذِي كَانَ بِسَبَب الْحمى.
لي السُّؤَال عَن السَّبَب البادي يعينك على الأستدلال بِغَيْرِهِ فاقصد لذَلِك فَأَنَّهُ أسهل وأرضح.
وَمِمَّا يعم جَمِيع حميات يَوْم أَن بَوْل جَمِيعهم أقرب إِلَى الصُّفْرَة المشبعة. حمى يَوْم من غم تَجِد بدنه جدا أَكثر من الْحَرَارَة وَمن غضب خلاف ذَلِك وتجد ضمور الْبدن فِي من عرضت لَهُ هَذِه من غم أبين وَالْعين غائرة واللون حَائِل وَفِي الْهم أَكثر مَا تستدل على الْحمى من عوارض النَّفس فضلا عَن الْمَرَض والعلامات فِيهَا فِي الْمَرَض أبين وَفِي السهر ميزه من لون الْوَجْه. وَذَلِكَ أَنه يكون متهبجاً وبكد مَا يُحَرك عَيْنَيْهِ.
قَالَ: وَالْعين تَجف فِي من يحم ويهيج جدا وغور الْعين مُشْتَرك بحمى غم وسهر وَفِي الْغَضَب لَا تغور الْعين وَلَا يكون الْبَوْل ردياً بل الْحَرَارَة فِي أبدانهم أَكثر وترتفع من الْعين بِسُرْعَة ولاينقص عظم النبض كَمَا ينقص فِي أَصْحَاب السهر والهم وَالْغَم.
فِي حمى التَّعَب يكون الْجلد جافاً فِي الْوَقْت الَّذِي بَين أول الْحمى ومنتهاها ثمَّ أَنه مُنْذُ الْوَقْت يرْتَفع من العمق مَا لم يسرف فِي التَّعَب بخار وَفِي بَعضهم قد يبْقى اليبس بِحَالهِ وَأكْثر مَا يكون ذَلِك فِي من أفراط فِي التَّعَب وَلمن عرض لَهُ بَغْتَة مَعَ برد ونبض من أسراف فِي التَّعَب صَغِير وَأما من لم يسرف فَأن نبضه يكون عَظِيما.
فِي استحصاف الْجلد: يستحصف الْجلد إِمَّا من برد أَو من شَيْء قَابض يلقاه مثل الأستحمام)
بِمَاء الشب وَيعرف ذَلِك من اللَّمْس لِأَن أبدان هَؤُلَاءِ لَا تجدها حارة اللَّمْس أول مَا تضع يدك عَلَيْهَا بل سَاكِنة الْحَرَارَة فَإِذا طَال مماستك لَهَا وجدت الْحَرَارَة قد احتدت وَلَا يكون بَوْلهمْ مشبع الصُّفْرَة ولاأبدانهم ضامرة وَلَا أَعينهم غائرة وَلَا جافة وَلَكِن أرطب وَأبقى مِمَّا كَانَت فِي وَقت(4/292)
فِي ورم الغدد يكون النبض فِي غَايَة الْعظم سَرِيعا متواتراً والحرارة فِي بدنه كَثِيرَة ويرتفع مِنْهُ بعد مُنْتَهى الْحمى سَرِيعا من عمق الْبدن ندى حَار إِلَّا أَن حرارته لذيذة غير مَكْرُوهَة لِأَن الْحَرَارَة واللذع فِي هَذِه الْحمى أقل مِنْهُ فِي جَمِيع أصنافها الْأُخَر وَيكون الْوَجْه أَحْمَر وَأَشد انتفاخاً مِمَّا كَانَ ويميل الْبَوْل إِلَى الْبيَاض. عَلامَة غائرة ويعم جَمِيع أَصْحَاب حمى يَوْم اسْتِوَاء النبض وَفِي الندرة يُوجد اخْتِلَاف فِي نبضة وَاحِدَة وَلَا يكَاد يكون ذَلِك بَينا.
جَوَامِع البحران: العلامات الْعَامَّة لحمى يَوْم اجْمَعْ اسْتِوَاء النبض ونضج الْبَوْل وَأَن تكون عَارِية من الْأَعْرَاض الردية.
من أَصْنَاف الحميات من الأولى: الْأَبدَان المستعدة لحمى يَوْم هِيَ الَّتِي يتَحَلَّل مِنْهَا بخار حاد حَار فَأن هَذِه إِذا تكاثف سطحها حدث فِيهَا حمى يَوْم.
فِي الْحمى الَّتِي من ورم الأربية واللحوم الرخوة.
قَالَ: من هَذِه الحميات ماهي من جنس حمى يَوْم وَمِنْهَا حميات ردية لِأَنَّهَا لَا تتولد عَن ورم أَو قرحَة أَو دبيلة أَو نَحْو ذَلِك يكون فِي بعض الأحشاء فتصل مِنْهُ بخارات حارة ردية إِلَى الْقلب فَأَما فِي الحميات الَّتِي هِيَ من ورم هَذَا اللَّحْم من غير ورم فِي الأحشاء فَأَنَّهُ إِنَّمَا يكون ذَلِك من هَذِه الأورام حمى بِأَن تحمى مايليها ثمَّ مايليها حَتَّى تصل الْحمى إِلَى الْقلب كَمَا تصل الْحَرَارَة إِلَى الْقلب من التَّعَب وَالشَّمْس وَغَيرهمَا لَا مثل الأول الَّذِي يرتقي مِنْهُ بخارات حارة ردية إِلَى الْقلب.
لي إِذا ظهر الورم ثمَّ كَانَ عَنهُ حمى فَأَنَّهُ حمى يَوْم فالحمى حِينَئِذٍ تكون بطرِيق السخونة بالمجاورة من عُضْو إِلَى عُضْو فَإِذا ظهر هَذَا الورم بعد الْحمى فَأن ذَلِك يكون لِأَن الأحشاء دفعتها إِلَى هُنَاكَ.
قَالَ: والحميات الْحَادِثَة عَن الأخلاط العفنة والورم فِي الاحشاء ردية جدا لإن ذَلِك العفن يسري أَولا فأولاً إِلَى الْقلب والحمى الْحَادِثَة عَن حرارة الورم الرخو بِلَا عفن دَاخل سليمَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسري الْحَرَارَة فَقَط بِلَا عفن.)
قَالَ: قد تبينت بِالْفِعْلِ أَمر حمى يَوْم غير مرّة وَتَقَدَّمت إِلَى من عرضت لَهُ أَن يستحم ويتغذى بغذاء معتدل ويتصرف فِي أَعماله وأمنته من معاودة الْحمى فَلم تعاوده الْحمى وَأول دَلَائِل هَذِه الْحمى أَن يكون لَهَا سَبَب باد إِلَّا أَن هَذَا العليل وَإِن كَانَ غير مفارق لهَذِهِ الْحمى فَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ خَاصَّة. فَأَما الدَّلِيل الْغَيْر المفارق لَهَا الْبَتَّةَ فظهور النضج فِي أول الْيَوْم واستواء النبض مَعَ تزيده وعظمه فِي ابْتِدَاء الْحمى وَيكون مَعَ ذَلِك التَّوَاتُر فِي الوقفة إِلَى دَاخل نَاقِصا بِقِيَاس الْعظم والسرعة وَأكْثر من هَذَا وأولي بالخصوصية بِهَذِهِ الْحمى أَن انقباض النبض لَا يتزيد بِسُرْعَة الْبَتَّةَ فَأن تزيد فِي بعض الْحَالَات فقليلا. وينبوع الْحَرَارَة فِيهِ طيب وَهَذَا غير مفارق لحمى يَوْم أَعنِي طيب الْحَرَارَة.(4/293)
قَالَ: وَمن الدَّلَائِل الْغَيْر الْمُفَارقَة لهَذِهِ الْحمى اسْتِوَاء النبض فِي تزيد الْحمى بِغَيْر تضاغط النبض إِلَّا أَن هَذِه الْخَاصَّة قد تُوجد لغير حمى يَوْم أَيْضا وَقلة عَادِية الْحمى فِي وَقت انتهائها فَأَنَّهُ فِيهَا أسكن وَأسلم مِنْهُ فِي سَائِر الحميات والأجود أَن تجْعَل ذَلِك خَاصّا بِهَذِهِ الْحمى وَإِن كَانَ قد يُوجد فِي غَيرهَا لِأَنَّهُ فِيهَا أَكثر مِنْهُ فِي سَائِر الحميات يَعْنِي سهولة الأنتهاء وَقلة عَادِية الْحمى فِي ذَلِك الْوَقْت من النّوبَة وَكَذَا أَيْضا انحطاطها بعرق أَو بدواء أَو بخار طيب يتَحَلَّل من الْبدن ثمَّ أعقب ذَلِك أقلاع تَامّ من الْحمى فَأن هَذِه أَيْضا وَإِن كَانَت تكون فِي غَيرهَا فَهِيَ بِهَذِهِ أولى لانها فِيهِ أَكثر.
لي انقباض الْعرق على ماهو عَلَيْهِ من الشّرف من خُصُوصِيَّة هَذِه الْحمى وعَلى ماهو عَلَيْهِ من الغموض حَتَّى أَن حذاق الْأَطِبَّاء قد أَنْكَرُوا أَن يدْرك الأنقباض فَالْوَجْه الْجيد النّظر إِلَى النَّفس فَأن مثله لَا يُفَارق فَإِذا رَأَيْت خُرُوج النَّفس سَرِيعا فَاعْلَم أَن الأنقباض سريع وبالضد.
3 - (فصل)
3 - (ذكر عَلَامَات حميات العفن) 3 (الفارقة بَينهَا وَبَين حمى يَوْم والدق) قَالَ: من الدَّلَائِل الْغَيْر الْمُفَارقَة لحميات العفن أَن تبتدىء بِغَيْر سَبَب باد فَأن هَذِه تعم حميات العفن لِأَن حميات يَوْم كلهَا لَهَا سَبَب باد فَأَنَّهَا لَا تحدث ابْتِدَاء لَكِن يتقدمها حميات غَيرهَا فَيجب مَتى رَأينَا شَابًّا قد ابتدأت بِهِ حمى من غير سَبَب باد أَن نعلم أَن حماه من عفونة الأخلاط.)
قَالَ: وَرُبمَا تقدّمت حمى وأعقبت حمى عفن وَذَلِكَ عِنْد مايكون الْبدن مستعداً لحدوث وَذَلِكَ بِأَن يكون فِيهِ فضول تقبل السخونة من تِلْكَ الْحمى ويبتدىء بهَا العفن. وَيظْهر لَك هَذَا أَن حمى يَوْم هَذِه لَا تَنْتَهِي إِلَى أقلاع صَحِيح وَرُبمَا عرض أَن ترى مَا عِنْد مُنْتَهَاهَا بعض الْأَعْرَاض الدَّالَّة على انقلابها.
لي يَعْنِي أَنه يرى فِي انتهائها الْأَعْرَاض الردية القوية وَشدَّة الْحَرَارَة الكائنة فِي حميات العفن.
قَالَ: وَذَلِكَ يكون أبين عِنْد انحطاط تِلْكَ الْحمى فتفقد فِيهَا سهولة انحطاط حمى عفن قَالَ: وَمن عَلَامَات حمى عفن أَن تبتدىء بنافض أَو قشعريرة إِلَّا أَنه لَيْسَ بِلَازِم لجميعها وَمن دلائلها أختلاف الْحَرَارَة وَاخْتِلَاف النبض فِي الأبتداء والتزيد فَأَنَّهُ خَاص بحميات عفن إِلَّا أَنه لَيْسَ لكلها.
لي لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِك للغب الْخَالِصَة وَمِمَّا هُوَ مثل الدَّلِيل الَّذِي مثل هَذَا وَأكْثر مِنْهُ أَن النّوبَة تَتَكَرَّر مرَارًا كَثِيرَة وَأَن النبض فِي الأبتداء صَغِير جدا يخْتَلف وَهُوَ النبض الْمُسَمّى المنضغط فَهَذَا لَازم لحميات عفن إِلَّا أَنه لَا يلْزم جَمِيعهَا.(4/294)
لي لَا يلْزم الغب وَاخْتِلَاف النبض وصغره خَاص بحمى عفن وَلَا يكون فِي حمى يَوْم إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن تتفقد وَاحِدَة وَذَلِكَ أَنه رُبمَا كَانَ فِي فَم الْمعدة خلط رَدِيء يلذعه أَو يبرده فَيعرض من اجله أَن يصير النبض صَغِيرا مُخْتَلفا وَإِن كَانَت الْحمى حمى يَوْم. وَيفرق بَين ذَلِك أَن هَذَا إِذا بَقِي سكن الأختلاف لِأَنَّهُ برد فَم الْمعدة أَو لذعها لِأَن النبض الْحَادِث من الشَّيْء الْمبرد يكون أَصْغَر والحادث من اللذع أَكثر اخْتِلَافا فَمَتَى لم يسكن هَذَانِ العرضان من النبض بالقيء فَأَنَّهُ دَلِيل خَاص بحمى عفن.
قَالَ: وَمن أعظم دَلَائِل العفنية كَيْفيَّة الْحَرَارَة فِيهَا وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الطّيب واللذاذة والهدوء كَمَا فِي حمى يَوْم لَكِن حرارة العفنية كَأَنَّهَا بالدخانية أشبه حَتَّى أَنَّهَا تؤذي اللَّمْس وَلَا يَنْبَغِي أَن تطلب شدَّة الْحَرَارَة فِي ابتدائها بل فِي التزيد والأنتهاء وَبعد طول لبث الْكَفّ على الْبدن فَأن لَهُ نوع حرارة تنخس الْبدن كَمَا يفعل الدَّوَاء الحريف وَهَذِه الْحَرَارَة تتولد من عفن الأخلاط. وَمن دلائلها الخاصية الَّتِي لَا تفارقها سرعَة الأنقباض وَذَلِكَ يظْهر ظهوراً بَينا فِي وَقت ابتدائها وَفِي وَقت تزيدها وَلَيْسَ هُوَ بالخفي فِي وَقت انتهائها. وَيكون فِي الِابْتِدَاء النبض صَغِيرا غير سريع فَأَما فِي الأنتهاء فعظيم سريع والتواتر يكون فِي النبض بعد الأنبساط وَلَيْسَ هُوَ)
كَذَلِك فِي حمى يَوْم والدق وَمن أخص الدَّلَائِل بِهَذِهِ الْحمى ألايظهر فِيهَا للبول نضج فِي الْيَوْم الأول وَظُهُور أثر للنضج الْخَفي الضَّعِيف أَيْضا خَاص بحميات عفن وَلَا يكون الْبَوْل فِي حمى يَوْم إِلَّا عديم النضج أَولا وَأثر النضج فِيهِ خَفِي ضَعِيف وَلَيْسَ يظْهر فِي وَقت من الْأَوْقَات فِي الأبوال الأول فِي هَذِه الحميات نضج أَو أثر عَظِيم للنضج بعد أَن يخرج عَنْهَا مايكون فِيهَا بالأنقلاب من حمى يَوْم.
لي يَقُول أَنه قد يكون إِذا انْتَقَلت حمى يَوْم إِلَى حمى عفن فِي ذَلِك الْيَوْم الَّذِي ابتدأت فِيهِ حمى يَوْم بَوْل نضيج وَذَلِكَ الْبَوْل لَيْسَ لحمى عفن بل لحمى يَوْم فاحفظ هَذَا.
قَالَ: وَقد وصفت لَك حالات الأنقلاب.
قَالَ: وَمن أَنَّهَا مَعَ مَا وَصفنَا فِي وَقت مُنْتَهى نوبَة الْحمى فِيهَا شَيْء من أَعْرَاض الْحمى المحرقة أَو من الْأَعْرَاض الَّتِي يحس فِيهَا بِالْحرِّ وَالْبرد مَعًا أَو من الْأَعْرَاض الَّتِي يحرق فِيهَا بَاطِن الْبدن وَظَاهره بَارِد أَو من أَعْرَاض شطر الغب. أَو من أَعْرَاض اللثقة أَو غير ذَلِك مِمَّا هَذِه سَبيله من الحميات فَهَذِهِ الْأَعْرَاض يَعْنِي أَعْرَاض هَذِه الحميات إِذا حدثت فِي الْحمى دلّت على أَنَّهَا عفنية ودلت مَعَ ذَلِك على أَي نوع هِيَ من الحميات العفنية فأذا لم تُوجد كَانَ تعرفها بِسَائِر الدالات الَّتِي وَصفنَا لِأَنَّهَا لَيست بِغَيْر مُفَارقَة لحميات العفن الْبَتَّةَ وانحطاط الْحمى إِذا لم يزل إِلَى أقلاع نقي بعرق فَلَنْ يَخْلُو أَن تكون حمى يَوْم انقلبت إِلَى عفنية واما النبض الصلب فَغير لَازم أبدا لشَيْء من أَجنَاس الحميات الثَّلَاث وَلَا لحمى الدق إِلَّا أَنه أَكثر مَا يُوجد فِي حمى دق. وَأما الجنسان الْآخرَانِ فَإِنَّمَا يُوجد فيهمَا ذَلِك لعَارض يعرض. أما فِي حمى يَوْم فَإِذا كَانَت حدثت من برد شَدِيد(4/295)
وَكَانَ مَعَ تِلْكَ الْحمى تمدد فِي العصب أَو نكاية شَدِيدَة من حر شمس أَو تَعب أَو إقلال غذَاء أَو سهر مفرط أَو استفراغ. وَأما فِي حمى عفن فَإِذا حدث مَعهَا ورم اَوْ جسأة فِي بعض الْأَعْضَاء أَو تمدد أَو يبس فِي عصب أَو شرب مَاء بَارِد أَو أكل فِي غير وقته أَو أكل بعض الْفَوَاكِه المبردة بالثلج فَأَما من نفس طبيعة الْحمى فَلَا يكون النبض صلباً لِأَنَّهُ أَن حدث حمى من ورم وَكَانَ النبض صلباً فَلَيْسَتْ الصلابة من أجل الْحمى لَكِن من أجل تمدد الْعُرُوق وامتلائها.
وَبِالْجُمْلَةِ أَقُول: أَن الصلابة أَنما تحدث فِي الْعُرُوق أما مِمَّا يحدث عَنهُ تمدد أَو مِمَّا يحدث عَنهُ يبس من جمود والتمدد يحدث من تورم وجسأة وَنَحْوهَا والجمود يحدث من برد قوي واليبس)
يحدث من استفراغ وجوع.
الحميات المحرقة إِذا طَالَتْ حَتَّى تجفف الْأَعْضَاء الجامدة تجفيفاً مفرطاً مَالَتْ إِلَى الدق.
لي مِمَّا تبين فِي كَلَام جالينوس إِن حميات يَوْم لَا يكون فِي ابتدائها تضاغط وَمَعْنَاهُ أَنه لَا يكون مَعَ النّوبَة أقشعرار وَلَا برد فِي الْأَطْرَاف وَلَا حَال شَبيه بالميل إِلَى النّوم والكسل وَلَا اخْتِلَاف فِي النبض وَلَا ضعف وَلَا شَيْء من أشباه هَذِه الْأَعْرَاض لَكِن يكون النبض سَرِيعا عَظِيما بِسُرْعَة.
فِي الْحمى الَّتِي تعرض من حرارة الشَّمْس قَالَ: يُوجد جلده على حَال من السخونة واليبس أَكثر من الْحَال الَّتِي كَانَت وَيُوجد النبض قد مَال فِيهَا إِلَى نبض الْحمى وَهَذَا أَيْضا أقل عطشاً ينظر فِي هَذَا نعما لِأَن الْحَرَارَة فِيهَا إِنَّمَا هِيَ فِي الظَّاهِر أَكثر وَلم يقل أَنه لَا يعطش بل قَالَ أقل عطشاً مِمَّن حرارته مُسَاوِيَة لحرارته وَهَكَذَا يجب لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا ساوت حرارته حرارة هَذَا فالحرارة فِي بَاطِنه أَكثر كثيرا فَيكون أَشد عطشاً من غَيره مِمَّن حرارته كحرارته وَحين تضع كفك على بدنه تَجِد حرارته فِي غَايَة مُنْتَهَاهَا وَرَأسه كَأَنَّهُ يَحْتَرِق احتراقاً وتتوق نَفسه إِلَى صب المَاء الْبَارِد عَلَيْهِ وَينْتَفع من ذَلِك بِهِ وَعَيْنَيْهِ أسخن وَأَشد حمرَة مَعَ يبس إِذا لم تكن هَذِه الْحمى مَعَ زكام وَلَا نزلة فَأَنَّهُ قد يعرض ذَلِك لبَعض من يبلغ مِنْهُ حر الشَّمْس وَمن كَانَت تِلْكَ حَاله فَأن رَأسه مَعَ حرارته يكون ممتلئاً من الدَّم حَتَّى تكون عروقه كَأَنَّهَا ممتدة الَّتِي فِي الْعين وَالَّتِي فِي الصدغ والجبهة وَالْوَجْه كُله.
لي إِنَّمَا يعرض هَهُنَا هَذِه الْعُرُوق لِأَنَّهُ لَا يدْخل من كَانَ بِهِ نزلة من برد إِلَى الْحمام إِن لم تنضج نزلته.
فِي الكائنة من برد قَالَ: وَمن أعظم الدَّلَائِل الَّتِي تفرق بَين صَاحب هَذِه الْحَال وَبَين من يعرض لَهُ حمى يَوْم من الْبرد أَن الَّذِي يبلغ إِلَيْهِ البردفي رَأسه يهيج بِهِ الزُّكَام والنزلة وَرُبمَا حم من الْبرد الَّذِي فِي رَأسه فَقَط. فَأَما فِي الْأَكْثَر فَإِنَّمَا يحم إِذا كَانَ الْبدن كُله قد بلغ إِلَيْهِ الْبرد ويجد جلدَة بدنه أقل سخونة وَأَشد امتلاء وانتفاخاً وَلَا ترى فِي وَجهه شَيْئا من يبس وقحل كَالَّذي يعرض فِي وَجه من أَصَابَته حمى من حر الشَّمْس من غير أَن يكون عرض لَهُ فِي رَأسه امتلاء.(4/296)
قَالَ: من سخن رَأسه بالشمس فَأَنَّهُ يعرض لَهُ فِي رَأسه امتلاء فِي الْأَكْثَر إِلَّا أَنه يكون بدنه نقياً لَا فضول فِيهِ الْبَتَّةَ فَأن الَّذِي هَذِه حَاله فَقَط يُمكن إِذا سخن رَأسه أَن يبْقى على حَاله من غير)
أَن يعرض لَهُ الأمتلاء إِلَّا أَنَّك على حَال رُبمَا وجدت الرَّأْس كُله قد نالته حرارة شَدِيدَة جدا من قبل حر الشَّمْس من غير أَن يكون قد عرض فِيهِ امتلاء وَهَذِه الْحَال يُخَالف حَال الْبرد ومخالفته بَيِّنَة جدا من قبل حر الشَّمْس.
لي يَقُول أَنه لَا يشبه بِحَال من تصيبه الْحمى من برد رَأسه وبدنه إِذا كَانَ من برد رَأسه جدا لابد أَن يماله زكام ونزلة فيجد فِي وَجهه وَرَأسه من الأمتلاء بالرطوبة بِحَالَة مُخَالفَة لحَال من عرض لَهُ احتراق فِي رَأسه وَلم تحدث لَهُ نزلة لِأَن بدنه نقي وَذَلِكَ أَن هَذَا يكون فِي قشف الْوَجْه وَالرَّأْس يابسة حارة. قَالَ: وَأما الْحَال الَّتِي يكون مَعهَا الأمتلاء يَعْنِي بِهِ إِذا سخن الرَّأْس وَالْبدن ممتلىء فتمييزه عسر إِذْ كَانَ يعرض مَعَه النزلة والزكام كَمَا يعرضان فِي من برد رَأسه لِأَن اليبس وسخونة الْجلد وَسَائِر الدَّلَائِل الَّتِي تخص صَاحب الأحتراق فِي الشَّمْس نفصله لَك. 3 (من يُصِيبهُ حمى من استحصاف الْبدن) قَالَ: الْحَرَارَة فِي هَؤُلَاءِ بِخِلَافِهَا فِي من يُصِيبهُ ذَلِك من احتراق الشَّمْس لأَنا نجد الْحَرَارَة فِي هَؤُلَاءِ أول وضعك يدك فاترة يسيرَة ثمَّ أَنَّهَا تتزيد إِذا طَال اللَّمْس تزيداً كثيرا.
قَالَ ج: هَذَا مَا كَانَ ينقص كتاب البحران من صفة هَذِه الحميات.
الثَّانِيَة من أَصْنَاف الحميات: قَالَ: قد قلت أَن الدَّم إِذا سخن بِلَا عفن تولدت مِنْهُ حمى يَوْم.
قَالَ: ضيق المسام يكون إِمَّا لتكاثفها أَو انسدادها والتكاثف يعرض لبرد أَو لقبض أَو ليبس وانسدادها يعرض لِكَثْرَة أخلاطها أَو لغلظها.
لي حمى يَوْم قد تعرض لتكاثف المسام وَمن انسدادها والعارض من تكاثفها يحلله الْحمام ويسرع ذَلِك وينقضي والعارض من سددها يحْتَاج إِلَى تَدْبِير أطول وَهَذِه هِيَ الَّتِي رُبمَا بقيت ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة بِحَسب صعوبة السدة. انْظُر فِي هَذِه فَأن كَانَ للورم فِي الغدد سَبَب باد فَأن الْحمى الَّتِي مَعَه يومية. فَأن كَانَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَأن الورم عَن عفونة فِي بعض الأحشاء وَانْظُر فِي الرَّابِعَة من الْفُصُول فِي الْفَصْل الَّذِي فِيهِ كل حمى تكون مَعَ ورم فَأَنَّهَا تدل على أَن الورم سَابق للحمى فَليُحرر ذَلِك.
وَقَالَ: التخم تحدث حمى يَوْم من طَرِيق أَنَّهَا تجمع فِي الْبدن فضلا حاراً. وَقَالَ: إِذا حدث فِي الْيَد وَالرجل قرحَة بِسَبَب باد فتورمت الأربية والإبط ثمَّ حدثت عَن ذَلِك حمى فَأَنَّهَا حمى يومية لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسخن الْقلب فِي هَذِه بارتقاء الْحَرَارَة من عُضْو إِلَى عُضْو حَتَّى تصل إِلَى الْقلب)
وَإِن حدث الورم فِي الأربية بِلَا سَبَب باد نَحْو عَثْرَة أَو(4/297)
قرحَة أَو قطع فِي الرجل وَتبع ذَلِك الْحمى فَأن تِلْكَ حمى عفن لِأَن ذَلِك الورم حِينَئِذٍ أَنما أحدث فِي عُضْو شرِيف امتلاء ويصل من هَذِه الأورام إِلَى الْقلب جَوْهَر العفونة وبخاره.
الْفرق بَين الْحمى الخبيثة والسلية من الحميات الكائنة مَعَ ورم اللَّحْم الرخو إِذا كَانَ لهَذَا الورم سَبَب باد وَيُوجب ذَلِك فالحمى يومية وَإِن حدثت هَذِه الأورام ابْتِدَاء بِلَا سَبَب باد يُوجب ذَلِك فردية وبمقدار رداءة مايظهر لَك من رداءة الورم رداءتها لِأَن ذَلِك دَلِيل على حَال الْخَلْط الَّذِي مِنْهُ انْدفع هَذَا الْفضل الْمُحدث الورم.
لي حمى يَوْم تعرف من أَن لَهَا سَببا بادياً وَعدم النافض وَأَن الْبَوْل نضيج فِي أول يَوْم والنبض غير مُخْتَلف والحرارة سَاكِنة لينَة مستوية وتقلع بعرق وَلَا يكون فِي انتهائها أَعْرَاض ردية.
حميات عفن تعرف من عدم السَّبَب البادي وَمن ابتداءها تكون مَعَ نافض أَو برد أَو أقشعرار وَإِن كَانَ وَلَا بُد فَمَعَ انقباض الْحَرَارَة وانهزامها إِلَى بَاطِن الْبدن مَعَ انضغاط النبض واختلافه وَكَيْفِيَّة الْحَرَارَة أَن تكون قَوِيَّة ردية وَالْبَوْل فِيهَا فِي الْأَيَّام الأول عديم النضج أَو خُفْيَة وَفِي نهايتها أَعْرَاض صعبة وَسُرْعَة انقباض الْعُرُوق وَيظْهر فِي انتهائها نوع إِحْدَى الحميات العفنية الْمَعْرُوفَة الْأَعْرَاض الشَّدِيدَة فَهِيَ الْمُنْتَهى الجزئي وانحطاط النوائب بِلَا عرق دليلان من دَلَائِل الْحمى العفنية.
لي مَتى رَأَيْت النّوبَة قد انحطت بِلَا عرق وَلَا ندى وَلَا بخار فَلْيَكُن دليلك على حمى العفن.
العلامات الدَّالَّة على أَن حمى يَوْم قد انقلبت إِلَى غَيرهَا من الحميات أَن تكون الْحمى قد انحطت لَا ينقى مِنْهَا الْبدن وَأَن صَعب مُنْتَهَاهَا وتنحط بِلَا عرق. والنبض لَا يصلب فِي حمى يَوْم إِلَّا بِسَبَب الْبرد أَو بِسَبَب الإستفراغ وَفِي حميات العفن إِلَّا بِسَبَب ورم حَار أَو ورم صلب فِي الأحشاء فَأَما فِي الدق فبسبب اليبس.
من الثَّامِنَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: كَانَ رجل آدم قضيف ازب شَاب حَار اللَّمْس أَحْمَر اللَّوْن فِي صِحَّته فَحم من الإستحمام بِمَاء الشب وَكَانَ مُعْتَادا فِي صِحَّته أَن يستحم فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ فأدخلته الْحمام سَاعَة انحطت النّوبَة وعرقته بدهن وغذوته أول مَا يخرج بِمَاء الشّعير ثمَّ انتظرت بِهِ قَلِيلا وَأَطْعَمته حساءً وسمكاً وإسفيذباج وحممته فِي الْيَوْم الثَّانِي ثَلَاث مَرَّات لأزيد على)
عَادَته وَاحِدَة.
قَالَ: وَهَذِه الْأَبدَان الَّتِي حَالهَا هَذِه الْحَال ينْحل مِنْهَا بخار لذاع شَدِيدَة الإستعداد لحمى يَوْم فَمَتَى أَمْسكُوا عَن الْحمام والغذاء وتعبوا وسهروا واستحموا بِمَاء قَابض صَارُوا من حمى يَوْم إِلَى حمى دق وَإِن لم ترطبهم وتلحقهم سَرِيعا وَإِن كَانَ فَم معدتهم مَعَ ذَلِك شَدِيد الْحس وَقَعُوا فِي الحميات الَّتِي مَعهَا غشي وَهَذِه الْأَبدَان يَنْبَغِي أَن تحفظ صِحَّتهَا بالإستحمام بِمَاء عذب وأغذية مولدة للخلط العذب وَترك التَّعَب والسهر والجوع وَالشرَاب الْحَار وَلُزُوم الرَّاحَة وَشرب المَاء وَيكون ذَلِك على مِقْدَار غَلَبَة الْحَرَارَة واليبس فِي أبدانهم فَأن من لم يغتذ فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ حم وَيَنْبَغِي أَن يغذوا لحفظ صحتهم بأغذية متوسطة فِي الْكَثْرَة والقلة ويجتنبوا(4/298)
مافيه حرافة وملوحة وعصوفة وَبِالْجُمْلَةِ كَيْفيَّة دوائية فَإِنَّهَا تسخنهم وتجففهم جدا فَيحدث بهم سدد فيحمون مِنْهُ وَمَتى رَأَيْت أَنهم قد سخنوا قَلِيلا فاعدل بأطعمتهم إِلَى الْبُرُودَة بعد ذَلِك ولتكن طبائعهم أبدا لينَة وبولهم وعرقهم دَارا مسهلاً وَيكون ذَلِك بِأَن توقيهم الأغذية القابضة واللزجة لِأَن القابضة تمنع البرَاز واللزجة تمنع الْبَوْل والعرق.
الثَّالِثَة من الثَّانِيَة من مسَائِل أبيذيميا قَالَ: إِذا كَانَ ورم اللَّحْم الرخو قبل الْحمى فَهُوَ مِنْهُ وَإِن كَانَ الورم بعد الْحمى فَهُوَ حمى عفن فالأبدان المرارية الَّتِي ينْحل مِنْهَا بخار لذاع تحم إِذا امْتنع بخارها فِي أسْرع وَقت والبخار يمْنَع من ضيق المسام وانسدادها ويضيق المسام من كل شَيْء يقبض وَمن أفراط اليبس على ظَاهر الْبدن وَالْبرد وَلذَلِك منعت هَذَا الرجل أَن يتدلك فِي الْحمام بالأشياء القابضة واليابسة وَبِالْجُمْلَةِ حذره من التدلك الْبَتَّةَ بِشَيْء يجد مِنْهُ تقبضاً فِي بدنه ومنعته من غُبَار وشمس ودلك شَدِيد. وَكَانَ رجل آخر يجد رعاد الْحمى لِأَنَّهُ كَانَ يمرخ فِي الْحمى بالزيت الْقَابِض فمرخته بالزيت اللَّطِيف وحممته فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ فاستراح من ذَلِك. قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ من يتَحَلَّل من بدنه فضول دخانية فَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب هَذِه كلهَا ويدع الأغذية اللزجة فَأَنَّهَا تبقى لاحجة فِي مسامه فتمنع مَا يتَحَلَّل مِنْهَا وَكَانَ خلق كثير مِنْهُم يمرضون أمراضاً مُتَوَالِيَة لتعرضهم للشمس وتدلكهم بالبورق وَالْملح وإكثار الرياضة والدلك الصلب فبرؤا لما منعتهم ذَلِك وَهَذِه الْأَشْيَاء دَاخِلَة فِي حفظ الصِّحَّة وَهِي أَيْضا إِذا لحقت الْحمى قبل أَن تستحكم قلعتها وأبطلت سَببهَا وَجَمِيع هَؤُلَاءِ يَنْبَغِي أَن يدخلُوا الْحمام سَاعَة تنحط النّوبَة ويدلكون بدهن دلكا لينًا وَمن حم من يبس يدلك أقل وَيصب عَلَيْهِ من المَاء أَكثر.)
وَمن حم من شَيْء قَابض يمرخ بدهن ويدلك دلكا لينًا على قدر قوته.
وَمن حم من غضب أَو سهر أَو غم فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى دلك كثير وَلَا استحمام كثير بل يعرق بدنه بدهن كثير مفتر لَا قبض فِيهِ وبدلك يسير ويستحم كالعادة وَمن حم من احتراق شمس فَأَنَّهُ يحْتَاج فِي أول الْأَمر إِلَى أَشْيَاء تبرد ثمَّ يستحم كثيرا وَلَا يحْتَاج إِلَى تمريخ كثير وَلَا إِلَى دلك كثير. والأشياء المبردة: دهن ورد مبرد فِي ثلج يصب على الرَّأْس وَالْيَد معلقَة فَوْقه مُرْتَفعَة كثيرا وحلله بصوف منفوش لَا يزَال ينطل عَلَيْهِ مِنْهُ إِلَى أَن تنحط الْحمى من أول انحطاطها إِلَى أَن تفارق ثمَّ أدخلهُ الْحمام إِذا فَارَقت النّوبَة فَأن كَانَ من برد فَأدْخلهُ الْحمام إِلَّا أَنه أَن كَانَ بِهِ نزلة أَو زكام فَلَا تدخله حَتَّى تنضج نزلته أَو زكامه فَأَما من حم من احتراق شمس فَأدْخلهُ وَلَو كَانَ بِهِ زكام أَو نزلة فَإِذا خرج من الْحمام فادهن رَأسه بِتِلْكَ الأدهان الَّتِي صببتها على رَأسه قبل دُخُول الْحمام وَافْعل ذَلِك أَيْضا بِمن لَا زكام بِهِ مِمَّن احْتَرَقَ فِي شمس فَأن كَانَ إِنَّمَا حم من احتراق الشَّمْس فعرق رَأسه بدهن مبرد وَمن حم من برد أَصَابَهُ فعرق رَأسه بدهن مسخن وَليكن دهن السوسن والناردين وَلَا تسْتَعْمل الْحمام إِلَّا(4/299)
بعد انحطاط الْحمى وزد فِي قُوَّة تبريد من أَصَابَته حمى من احتراق الشَّمْس وَاجعَل ذَلِك فِي من حماه من برد أقل وَأما من حم من سهر أَو غم فزد فِي ترطيبه وتبريده ونومه وَمن بِهِ حمى من أعياء فَلْيَكُن أَكثر غذَاء وَمن بِهِ حمى من برد فَلْيَكُن أقل غذَاء.
قَالَ: وَأما الشّرْب فاختر مِنْهُ المائي فَأَنَّهُ خير لَهُ من المَاء وَحده لِأَنَّهُ يعين على أدرار الْبَوْل والعرق والأستمراء وَكَانَ ابقراط يسْقِيه لَا فِي حمى يَوْم لَكِن فِي الْأَمْرَاض الحادة.
قَالَ: وَالْمَاء الْبَارِد جيد لأهل هَذِه الْأَبدَان المرارية وخاصة إِن كَانُوا معتادين فِي الصِّحَّة لَهُ.
قَالَ: وَقد أدخلت من حمى حمى يَوْم الْحمام يَوْم حمى انحطت وَمن غَد أَيْضا وَفِي الْيَوْم الثَّالِث أَيْضا إِذا كَانَ مُحْتَاجا إِلَيْهِ. 3 (حميات يَوْم الكائنة من السدد) قَالَ: إِن كَانَت يسيرَة وعولجت بتفتيحها وجلائها وتنقيتها منع يدلك أَن يكون للحمى نوبَة ثَانِيَة وَإِن كَانَت السدة عَظِيمَة لم يُؤمن نوبَة ثَانِيَة فَإِن كَانَ مَعَ السدد فِي الْبدن أخلاط كَثِيرَة غَلِيظَة لزجة فَإِن هَذِه الْحمى لَا تبقى حمى يَوْم لَكِن تؤول فِي الْأَبدَان الَّتِي أمزجتها جَيِّدَة إِلَى حمى سونوخوس الكائنة من سخونة الدَّم من غير أَن يعفن فَأن كَانَت من الْأَبدَان الردية المزاج آل أمرهَا إِلَى حمى عفن.
لي قَوْله رَدِيء المزاج يذهب بِهِ إِلَى الحارة الْيَابِسَة المرارية والحارة الرّطبَة الَّتِي الْحَرَارَة فِيهَا غالبة أَكثر مِمَّا يذهب بِهِ إِلَى الْبَارِدَة الرّطبَة وَلَا يذهب بِهِ إِلَى الْبَارِدَة الْيَابِسَة الْبَتَّةَ.
لي حمى يَوْم الكائنة من السدد قد تبتدىء بِلَا سَبَب باد لِأَن السدد لَيست تكون فِي سطح الْجلد مثل ماتكون عِنْد الأغتسال بِمَاء الشب وَبِمَا يشبه الْغُبَار وَالْبرد وَنَحْو ذَلِك لَكِن تكون لِأَن الأغذية الغليظة اللزجة تكون فضولها الَّتِي فِي الهضم الثَّالِث غَلِيظَة فتلحج فِي المجاري الَّتِي هِيَ مجاري الفضول الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ الْعرق والوسخ.
وَقَالَ: إِذا انسدت هَذِه المجاري لم يتنفس الْبدن وَكَثُرت حرارته وامتلأ أَيْضا فتهيج لذَلِك حمى وَهَذِه الْحمى أَشد حميات يَوْم تعرقاً ومداواة وَبِأَن تعرقها لَيْسَ بِالسَّبَبِ البادي كسائرها وَلَكِن يكون بِأَنَّهُ لَا يكون فِيهَا نافض وَنَوع الْحَرَارَة أَن يكون يشبه حرارة حمى يَوْم مَعَ أَنَّهَا فِي الْأَبدَان المرارية الحارة المزاج تكون قَوِيَّة وَلَا يتَبَيَّن فِي الْبَوْل عدم نضج وَلَا فِي الْعرق عَلامَة عفونة وَسَائِر الْعُرُوق الدَّالَّة على العفن وَإِن علمت مَعَ ذَلِك أَن العليل كَانَ يدبر تدبيراً غليظاً وَيَأْكُل أَطْعِمَة بَارِدَة لزجة وَيتْرك الرياضة كَانَ ذَلِك اوكد.
قَالَ جالينوس: حمى يَوْم الكائنة من سدد وَإِن كَانَ لَا يتَبَيَّن فِي الْعرق فِيهَا عَلامَة العفن وَلَا فِي الْبَوْل خلاف النضج وَلَا فِي الْيَوْم الأول وَلَا فِي الثَّانِي من قبل انحطاطها تطول وَلَا تبادر إِلَى الأنقضاء كَسَائِر حميات يَوْم وَلَا يستفرغ من الْبدن عرق وندى كثير كَسَائِر حميات(4/300)
يَوْم توهم أَنَّهَا لَيست حمى يَوْم. وأوكد مَا تكون هَذِه الْأَشْيَاء فِيهَا إِذا كَانَت السدد عَظِيمَة وَعند ذَلِك تحْتَاج أَن تعاون الطبيعة على تَحْلِيل تِلْكَ السدة معاونة عَظِيمَة وَإِلَّا لم يكن بُد أَن تعفن الأخلاط.
لي قد سلخ هَذِه الْحمى عَنْهَا من عَلَامَات حمى يَوْم السَّبَب البادي والعرق فِي الأنحطاط)
وَسُرْعَة الأنحطاط وَبَقِي لَهَا من عَلَامَات حمى يَوْم سائرها.
قَالَ: فَلذَلِك يَنْبَغِي إِن يفصد صَاحبهَا إِذا كَانَت السدة عَظِيمَة إِلَّا أَن يكون شَيخا أَو صَبيا وَلَو لم تكن جَمِيع عَلَامَات الأمتلاء مجتمعة فالأجود أَن تستفرغ الْبدن بالفصد ثمَّ تَأْخُذ فِي تفتيح السدد وتنقية المجاري والمنافذ وَذَلِكَ أَنا إِن نقيناها قبل استفراغنا الْبدن لم نَأْمَن من انجذاب الأخلاط دفْعَة إِلَى المجاري لكثرتها فتلحج فِيهَا لحوجاً عسراً لِأَن السدد إِنَّمَا يفتحها مَا يجلو إِذا وضعت على خَارج الْبدن وَإِذا أوردت دَاخله وَلَا يُؤمن على مَا وضع خَارِجا أَن يجذب شَيْئا آخر ويزيده على الَّذِي هُوَ لاحج وَلَا على الْأَشْيَاء الَّتِي تورد دَاخل الْبدن أَن يكون إِذا أسرف فِيهَا جذبت شَيْئا مِمَّا هُوَ محتقن فِي الْعُرُوق فَأن تهَيَّأ أَن يكون ذَلِك الشَّيْء غليظاً أَو لزجاً كَانَ مَادَّة للسدد وَإِن لم يكن غليظاً وَلَا لزجاً فَأَنَّهُ على حَال يُؤْذِي لكثرته فَأن الشَّيْء الْكثير إِذا مَال نَحْو المجاري يحدث من السدد والحوج بكثرته لَيْسَ بِدُونِ مَا يحدث الشَّيْء اللزج الغليظ بلزوجته وغلظه وخاصة إِن كَانَت المسلك ضيقَة فلكيما يكون فِي أَمن من هَذِه صَار استفراغ الْبدن من أَجود مَا يسْتَعْمل وَمَعَ ذَلِك فَأن الفضول الدخانية تنقص بِنُقْصَان الأخلاط فينتقص لذَلِك حرارة الْحمى وَتصير فِي حد يُمكنهَا مَعَه أَن تتحلل إِلَى الْخَارِج.
قَالَ: فَمَتَى رَأَيْت الْحمى حدثت بِلَا سَبَب باد وَلم يكن فِي انحطاطها استفراغ بَين وَقدر يعْتد بِهِ وَبَقِي الأنحطاط لابثاً على مِثَال وَاحِد فَاعْلَم أَن الْحمى حمى سدد فَإِن كَانَت مَعَ سَبَب باد فَلَيْسَ بمنكر إِن يجْتَمع سببان فَإِذا رَأَيْت الأنحطاط على مَا وصفت طَويلا بِلَا استفراغ فَاعْلَم انها حمى يَوْم سدد. وَلَا يَنْبَغِي أَن تتَوَقَّف عَن استفراغ الدَّم حِينَئِذٍ لَكِن أخرج بِحَسب الْقُوَّة وبحسب عظم السدد وشدتها.
لي هَذَا الْكَلَام افهمه على أَنه قد صَحَّ عنْدك أَن الْحمى لَيست عفنية وَإِذا لم يكن استفراغ فِي الأنحطاط يدل على كَثْرَة السدد فَلذَلِك أمرنَا بالفصد لِأَن السدة الْيَسِيرَة تتحلل بتدبير تَحْلِيل السدد.
لي هَذِه الْحمى تحْتَاج أَن يفرق فِي ابتدائها بَينهَا وَبَين حمى العفونة وَقد ذكرنَا ذَلِك وَفِي آخرهَا بَين الدق.
فِي مُخْتَصر حِيلَة الْبُرْء: الأحتقان الْكَائِن من تكاثف الْجلد تكون عَنهُ حمى يَوْم والأحتقان الْكَائِن عَن سدد تكون عَنهُ حمى يَوْم والمستعدة إِلَى الأنتقال إِلَى سونوخوس وَهُوَ أَن يكون)
التَّدْبِير الَّذِي تقدم لَا يكون مُوجبا للسدد وَلَا الْبدن ظَاهر الأمتلاء بل التَّدْبِير لطيف وَالْبدن نحيف يَابِس.(4/301)
قَالَ ج: ويستدل على عظم السدد من مِقْدَار الْحمى لِأَن السدد مَتى كَانَت أقوى واشد تكون الْحمى التابعة لَهَا أصعب وَأَشد وبالضد فَإِذا استفرغته فأعطه شَيْئا من الْأَدْوِيَة والأغذية الَّتِي تجلو وَلَا يكون ذَلِك بعد وَقت طَوِيل وَلَا يُمكن أَن يسْتَعْمل مِنْهَا الحارة فَيمكن إِذا أَن تسْتَعْمل كشك الشّعير وَمَاء الْعَسَل والسكنجين وَحده مَعَ أَنه لَيْسَ يسخن ويجلو جلاءً قَوِيا ويقلع مَا فِي المجاري والمنافذ وَالسكر يدْخل فِي عداد هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي تجلو وتفتح السدد فَإِذا فعلت ذَلِك فَانْظُر كم نقص من حرارة الْحمى فَأن نقصت الْحمى فِي الْيَوْم الثَّالِث وَلَا يكون الْبَوْل عديم النضج وَلَا فِي الْعُرُوق اثار للعفن فَأدْخلهُ الْحمام وَأخرجه فِي وَقت يكون بَينه وَبَين الْوَقْت الَّذِي يخْشَى فِيهِ ابْتِدَاء الدّور خمس سَاعَات مستوية مِثَاله: إِن كَانَت الْحمى فِي أول نوبَة فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة فافرغ من اسستحمامه فِي الرَّابِعَة وَتقدم فِي تمريخه ودلكه بغاية الأعتدال بأَشْيَاء تجلو كدقيق الكرسنة والباقلى وَالْعَسَل الْمَضْرُوب بِمَاء كثير وَأكْثر جلاء من هَذِه أصل السوسن والزراوند وَالْعَسَل الْقَلِيل المَاء وَأَشد من هَذِه أَيْضا جلاء رغوة البورق والنطرون والصابون وَاسْتعْمل مِنْهَا بِقدر ذَلِك.
لي حمى يَوْم الَّتِي عَن سدد رُبمَا نابت أَيَّامًا إِذا كَانَت السدد عَظِيمَة وَلَا تخرج بذلك عَن حد حمى يَوْم لِأَنَّهَا لَيست عفنية وَلَا دقاً فَإِذا خرج من الْحمام فَلَا يطعم وَلَا يسقى شَيْئا إِلَى أَن يجوز الْوَقْت الَّذِي تخشى فِيهِ النّوبَة خلا مَاء الشّعير قد طبخ فِيهِ كرفس فَإِن كَانَ وَلَا بُد فماء الشّعير ثمَّ انْتظر وَإِن لم تصبه النّوبَة وَجَاز وَقتهَا فحمه ثَانِيَة أَن أحب ذَلِك وأغذه فَأن رَأَيْت الْحمى فقسها بِمِقْدَار الأولى وتفقد امْر الْبَوْل فَأن كَانَ مقدارها قَلِيلا ضَعِيفا وَالْبَوْل صَحِيحا والنبض نقياً فَاعْلَم أَن السدد قَليلَة مانقيت. وَأدْخلهُ فِي الْيَوْم الرَّابِع الْحمام وأغذه وثق بِأَنَّهُ لَا تصيبه نوبَة وَإِن كَانَت الْحمى فِي الثَّالِث شَدِيدَة وَلم تَرَ لما فعلت من التفتيح والجلاء نُقْصَانا عَظِيما فَاعْلَم أَن السدد قَوِيَّة وَأَن الْأَمر قد آل بِهِ إِلَى عفن وعلاجه علاج حمى عفن.
بلاديوس قَالَ: إِذا حدث ورم فِي الأربية ابْتِدَاء من سَبَب باد ثمَّ هَاجَتْ مِنْهُ حمى فَذَلِك حمى عفن من ورم أَو خلط رَدِيء فِي الكبد أَو فِي بعض الأحشاء. 3 (حمى يَوْم من التخم) قَالَ: وَلِأَن حمى يَوْم قد تكون من تخم وَشر التخم فِي الْأَبدَان المرارية التُّخمَة الدخانية لِأَن التُّخمَة الحامضة إِنَّمَا تعرض لهَذِهِ الْأَبدَان فِي الندرة ومضرتها لَهَا يسيرَة فَمَتَى انْطَلَقت الطبيعة مَعَ التخم الدخانية كَانَ الضَّرَر أقل وبالضد لِأَن الْأَبدَان المرارية مَتى احْتبسَ طبائعها مَعَ تخمة دخانية حموا سَرِيعا وخاصة إِن تصرفوا فِي أَعْمَالهم وَتركُوا الرَّاحَة وَالنَّوْم. وَقد تعرض أَيْضا الْحمى لكثير مِنْهُم إِن انْطَلَقت طبائعهم لِأَنَّهُ يصير فيهم ذرب قوى فَيكون كَثْرَة اخْتلَافهمْ وحركتهم عوناً لهيج الْحمى فَأن كَانَ مَعَ ذَلِك لذع أَو وجع أوحرارة مفرطة فِي الأمعاء والمعدة كَانَ ذَلِك أعون فِي تزيد حرارة الْحمى وَأَحْرَى أَن ييبسها وَلَيْسَت مداواة من انْطَلَقت طَبِيعَته مِنْهُم(4/302)
3 - (مداواة من انْطَلَقت طَبِيعَته) قَالَ: مَتى رَأَيْت أَن الشَّيْء الَّذِي يستفرغ إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي فسد وَحده فَأدْخل الْمَرِيض الْحمام وأغذه عِنْد انحطاط النّوبَة واعتن بالمعدة وَإِن كَانَ الأستفراغ قد أجحف فالأجود أَن يغذى قبل أَن يدْخل الْحمام بعد أَن يعتنى بِأَمْر الْمعدة والعناية بهَا تكون إِن كَانَ الأستفراغ قد قطع بِأَن يوضع عَلَيْهَا صوف مبلول بِزَيْت قد طبخ فِيهِ أفسنتين فِي أناء مضاعف لِئَلَّا يفْسد الطَّبْخ ويدخنه وَإِن كَانَ قد بَقِي فِي الْمعدة شَيْء من مس اللذع والوجع فضع عَلَيْهَا قِطْعَة لبد سخنة يابسة أَو مغموسة فِي ذَلِك الزَّيْت معصورة مسخنة وَإِن كَانَ الدّهن الَّذِي يغمس فِيهِ هَذَا اللبد دهن ناردين فائق فجيد وَيَنْبَغِي أَن يعصر ثمَّ يوضع عَلَيْهِ والأجود أَن يكون بدل اللبد صوف فرفير فائق فَأن فِيهِ قبضا لطيفاً وَفِيه قُوَّة تغوص إِلَى الْمعدة فتسخنها وتجففها وتقويها فَأن كَانَ فَم الْمعدة شَدِيد الضعْف فاسحق مصطكى بدهن ناردين فائق واغمس فِيهِ صوف فرفير وَضعه عَلَيْهِ ولتكن هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي تضعها عَلَيْهِ فِي غَايَة الْحَرَارَة فان الْأَشْيَاء الفاترة تحلل فَم الْمعدة وترخيه. قَالَ: وَإِن احتجت إِلَى قيروطى الصَّبْر والمصطكى فَاسْتَعْملهُ وَإِن كَانَ فِي فَم الْمعدة حرقة واشتعال فضع عَلَيْهِ قيروطياً بدهن السفرجل والأضمدة المبردة القوية وَإِن كَانَت طَبِيعَته بعد منطلقة فأعطه مَاء سويق الشّعير وَالْخبْز الَّذِي يَقع فِي عجنه حل الَّذِي يتَّخذ لأَصْحَاب الذرب وَإِن كَانَ شَدِيد الانطلاق فَاسق السويق على مَاء الرُّمَّان والكمثرى واسقه مَاء الْفَوَاكِه وَمَاء طبيخ الكمثرى والسفرجل وَحب الآس وَإِن كَانَ الأختلاف قد انْقَطع فاغذه بخصي الديوك والسمك الرضراضي وببعض الْفَوَاكِه القابضة وَإِن كَانَت شَهْوَته سَاقِطَة)
وَنَفسه تأبى الطَّعَام فَأن هَذَا كثيرا مَا يعرض فاسقه الدَّوَاء الْمُتَّخذ بعصارة السفرجل والمتخذ بِلَحْم السفرجل الَّذِي وصف فِي كتاب تَدْبِير الأصحاء جوارش السفرجل الْبَسِيط بِلَا فلفل وَلَا غَيره. قَالَ: هَذَا هُوَ علاج هَؤُلَاءِ الَّذين يَنْبَغِي أَن يعالجوا بِهِ فِي أول انحطاط النّوبَة. فاما من احْتبست طَبِيعَته فجس شراسيفه وبطنه كُله وسل العليل أَيْن يجد الثّقل من بَطْنه وَأي ضرب من الجشاء يتجشأ وَانْظُر فَأن كَانَ الطَّعَام وَاقِفًا بعد فِي أَعلَى الْبَطن فاسقه دَوَاء الفلافل الثَّلَاثَة الْبَسِيط الْقَلِيل الأخلاط وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ نَحن فِي كتاب تَدْبِير الأصحاء فَأَنَّهُ نَافِع لمن لَا يستمرىء طَعَامه ثمَّ اسْتعْمل النطول على الْبَطن والشراسيف وَيفْعل هَذَا الْفِعْل أَكثر وَأَشد وَأما من كَانَ الطَّعَام فِي أَعلَى بَطْنه فاما من انحدر إِلَى أَسْفَل بَطْنه فافعل بِهِ هَذَا بِعَيْنِه ويحرك أقل قَلِيلا وَإِن كَانَ الطَّعَام قد نزل نزولاً كثيرا فأعنه بشيافة أَو بحقنة فَأن وجد لذعاً فِي أمعائه فعلاجه من بَاب الأمعاء وَإِن وجد نفخة فَمن بَاب النفخة.
قَالَ: فَإِذا انْطَلَقت طَبِيعَته فاغذه بِسُرْعَة أغذية حميدة وتجنب القوابض وَدبره بِهَذَا التَّدْبِير فِي الْيَوْم الثَّانِي وَأدْخلهُ الْحمام فَأن نَام ليلته نوماً طبيعياً فقد برأَ وَإِلَّا فَلَا تجزع لَكِن حمه وقم عَلَيْهِ قيامك بِعَيْنِه من الدَّوَاء وَالتَّدْبِير بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ.(4/303)
قَالَ: فَأَما التُّخمَة الَّتِي تكون مَعهَا حموضة فَلَا تكَاد تكون مَعهَا حمى وَإِن حدثت مَعهَا حمى فَهِيَ إِلَى أَن يكون حمى يَوْم أقرب.
قَالَ: لِأَن البخار الْكَائِن عَن التُّخمَة الحامضة بخار بَارِد يسير لَا بخار دخاني كثير.
قَالَ: فحمى يَوْم من تخمة حامضة وَحمى العفن قد تحدث مِنْهَا فَنحْن نذكرها فِي حميات العفن. قَالَ: فاما من حم من ورم الأربية فَأَنَّهُ بعد أَن يعْنى بالورم وتنحط الْحمى يستحم ويغتذي أمنا من أَن تعود الْحمى إِلَيْهِ وَقد تكون حمى يَوْم لِكَثْرَة الْأكل وَالشرب إِذا ثقل على الْمعدة جدا وأحوج إِلَى الْقَيْء وَهَؤُلَاء يَنْبَغِي أَن يَنَامُوا فضل نوم ثمَّ يستحموا ويغتذوا غذَاء خَفِيفا فَقَط.
قَالَ: وَلِأَن الحميات أَكثر مَا تسرع إِلَى هذَيْن المزاجين الْحَار الْيَابِس والحار الرطب وَقد ذكرنَا مَا يحدث فِي الْحَار الْيَابِس فَأَنِّي ذَاكر حَال المزاج الْحَار الرطب.
قَالَ: وَهَذِه الْأَبدَان الذفرة المنتنة الْعرق وَالْبَوْل وَالْبرَاز وَيحد بِهَذِهِ الْحمى من الْأَسْبَاب الَّتِي تحدث بالأبدان المرارية لَيْسَ بِدُونِ ذَلِك وعلاجها وتخالفها فِي أَنَّهَا أحمل مِنْهَا للجوع والعطش)
وَأَقل حَاجَة إِلَى الترطيب وَأما التوسيع للمسام فحاجتهم إِلَيْهِ لَيست بِدُونِ ذَلِك أَصْلِيَّة كَانَت هَذِه الأمزجة اَوْ مكتسبة.
قَالَ: والمزاج الْحَار الْيَابِس تؤول بِهِ الْحَال من حمى يَوْم إِلَى حمى حادة وَإِلَى الدق إِذا لم يدبر على مَا يَنْبَغِي فَأَما الْحَار الرطب فيؤول بِهِ إِلَى حميات العفن.
التَّاسِعَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: مَتى حدثت حمى يَوْم عَن احتراق شمس أَو عَن عوارض النَّفس أَو ورم اللَّحْم الرخو أَو عَن تَعب أَو سَبَب آخر باد أَي ظَاهر فَلَيْسَ يَمْتَد إِلَى الثَّالِث أصلا أَن لم يعرض فِي التَّدْبِير خطأ. فَأَما مَتى حدثت من امْتنَاع مَا كَانَ يتَحَلَّل فممكن أَن تتجاوز الثَّالِث إِذا كَانَ لانسداد المسام لَا تكاثفها لِأَن الْحَادِث لتكاثفها ينْحل كَمَا ينْحل سَائِر حميات يَوْم وَكَذَا أَن(4/304)
كَانَت السدد يسيرَة فَأَما إِن كَانَت عَظِيمَة فَلَا بُد أَن تبقى اَوْ تنوب بِقدر عظمها ويخيل أَنَّهَا لَيست حمى يَوْم.
قَالَ: وَحمى يَوْم السددية لَا تكون إِلَّا فِي الْأَبدَان الْكَثِيرَة الدَّم لِأَن السدة لَا تفنى بتولد الْحمى دون أَن يكون المتحلل من الْبدن بخاراً كثيرا جدا فَإِذا انسدت المسام قل مَا يتَحَلَّل مِنْهُ بالأضافة إِلَى الْحَال الأولى فاجتمعت فِي الْبدن حرارة أوجبت الْحمى.
قَالَ: حمى يَوْم إِذا كَانَت من سدد عَظِيمَة وَلم تعالج كَمَا يجب انْتَقَلت إِمَّا إِلَى مطبقة بِلَا عفن أَو إِلَى مطبقة بعفن أَو إِلَى بعض حميات العفن النائبة.
لي وَلَا تنْتَقل هَذِه إِلَى الدق لِأَن هَذِه تكون مَعَ الأمتلاء وَكَثْرَة رطوبات قَالَ: وَإِذا كَانَت السدد يسيرَة فَأَنَّهَا تَنْقَضِي كَمَا تَنْقَضِي حميات يَوْم إِلَّا أَن يجهل الْأَطِبَّاء تدبيرها.
قَالَ: الْحمى الكائنة عَن السدد مادام لم يظْهر فِي الْبَوْل والنبض كَيْفيَّة الْحَرَارَة وعلامة العفن فَهِيَ حمى يَوْم وَلَو أطبقت اياماً على مَا ذكرنَا من سونوخوس بِلَا عفونة.
قَالَ: فالسدة تكون إِمَّا من كَثْرَة الدَّم أَو لغلظ الأخلاط وعلاج الأولى الفصد وَالثَّانيَِة التلطيف.
لي الْفرق بَينهمَا أَنه يظْهر مَعَ الأولى حمرَة اللَّوْن وانتفاخ وتمدد وَلَا يظْهر مَعَ الْأُخْرَى ذَلِك.
لي حمى يَوْم احْتَاجَت جمع إِلَى الْحمام لَان مَعَ أَكْثَرهَا امْتنَاع مَا كَانَ يتَحَلَّل من الْبدن فالحمام يحلل ويوسع المسام وَمَعَ الثَّانِيَة حِدة وحرافة قد اكتسبتها بالحمى وَالْحمام يرطبها ويعدلها ويسهل تَحْلِيل مَا يحْتَاج أَن يتَحَلَّل. وَقد ذكر جالينوس أَن مَعهَا كلهَا امتناعاً من تحلل إِلَّا أَنه مَعَ بَعْضهَا أبدا ضَرُورَة وَمَعَ بَعْضهَا فِي الاكثر وَمَعَ بَعْضهَا فِي الْأَقَل. قَالَ فِي آخر الْعَاشِرَة: الْحمام)
يستفرغ الْبدن بالعرق والتحلل الْخَفي وَفِي حمى يَوْم يتهيأ أَن تستفرغ نفس جَوْهَر الْحمى بِهَذَيْنِ الأستفراغين.
تكاثف المسام يكون لانقباض الْجلد من الْبرد اَوْ الْقَبْض أَو الوجع وَشَيْء من اللَّحْم تَحْتَهُ ينقبض مَعَه. وَأما السدة فَتكون إِذا لحجت الأخلاط فِي أَطْرَاف الْعُرُوق الأقاصي النافذة إِلَى سطح الْبدن غما لكثرتها أَو لغلظها أَو للزوجتها.
قَالَ فِي الْحَادِيَة عشرَة من حِيلَة الْبُرْء: وإمالتها إِلَى ظَاهر الْبدن بَغْتَة بِسَبَب حَرَكَة عنيفة أَو تغير الْهَوَاء دفْعَة من شدَّة الْبرد إِلَى شدَّة الْحر أَو بِسَبَب الْغَضَب.
لي حميات العفن أَن عدمت النافض فَلَا بُد من أَن يكون فِي ابتدائها ضغط فِي النبض اَوْ انضمام الْحَرَارَة إِلَى وسط الْبدن فَمَتَى رَأَيْت حمى لم يعرض فِي ابتدائها نقص الْحَرَارَة وَبرد الْأَطْرَاف والأنضغاط فِي النبض فَبين أَنَّهَا يومية.
الرَّابِعَة من الْفُصُول قَالَ: الْحمى الَّتِي تكون مَعَ ورم اللَّحْم الرخو الَّذِي فِي الأريتين وَنَحْوهمَا من الْأَمَاكِن الَّتِي فِي الْبدن إِذا حدث من سَبَب ظَاهر فَهِيَ حمى يَوْم. فَأَما سَائِر الأورام الَّتِي تحدث فِي هَذِه الْمَوَاضِع من غير سَبَب ظَاهر فَلَا تكَاد تحدث إِلَّا مَعَ ورم فِي الأحشاء وَلذَلِك الْحمى الكائنة مَعهَا ردية.
لي لَا يحْتَاج فِي هَذَا الْفَصْل اكثر من أَن حمى يَوْم الكائنة من ورم الأربية يتقدمها الورم ثمَّ يكون بعد بحرارة الورم الْحمى وَأما العفنية فَأن الْحمى تكون فِيهَا أقدم من الورم فهمت بعد هَذَا الْمَعْنى مَتى ورمت الأربية فَحدث مَعهَا حمى فَانْظُر فَأن كَانَ لورم الاربية سَبَب باد فَأَنَّهَا حمى عفن وَإِن لم يكن لَهَا سَبَب باد فَإِنَّهَا حمى ردية.(4/305)
السَّابِعَة من أبيذيميا قَالَ ب: من أَصَابَته حمى لَيست من مرار فصب على رَأسه مَاء حَار نقصت بذلك حماه.
قَالَ ج: يُرِيد بِهِ حميات يَوْم فَأن المحموم من حر شمس أَو من برد وتعب وضيق المسام كلهَا تنْحَل بالإستحمام وَمَا تولد من الحميات من برد يدل على حمى العفونة وَتلك لَا يَنْبَغِي أَن يقرب صَاحبهَا الْحمام دون أَن تنضج أَو يستفرغ.
الْخَامِسَة عشرَة من النبض قَالَ: إِذا كَانَ النبض عَظِيما قَوِيا عديم الصلابة فالحمى حمى يَوْم بعد أَن لَا يكون أنقباضه سَرِيعا فَأن هَذِه عَلامَة عامية لحميات العفن.)
الثَّالِثَة من الثَّانِيَة من أبيذيميا قَالَ: إِذا ورم الغدد عَن سَبَب باد واعقب ذَلِك حمى فَأَنَّهَا حمى يَوْم وَإِذا ورم الغدد بِلَا سَبَب باد فَإِنَّهُ أَن أعقب حمى فَأَنَّهَا ردية تدل على ورم فِي الْجوف وَإِن كَانَت الْحمى مُتَقَدّمَة لورم الغدد بِلَا سَبَب باد فَأَنَّهُ أردأ وأشر وَقد ذَكرْنَاهُ فِي تقدمة الْمعرفَة.
السَّادِسَة من الثَّانِيَة من أبيذيميا قَالَ: جَمِيع أَصْنَاف حمى يَوْم يحلهَا الْحمام بعد النّوبَة لِأَن مَحل النّوبَة من هَذِه مَحل بُلُوغ النضج والأنحطاط من حميات العفن. وحميات العفن تنْحَل بالحمام بعد النضج فَيَنْبَغِي أَن يحم صَاحب حمى يَوْم بِالْمَاءِ الْحَار ويغذى غذَاء مَحْمُودًا ويسكن. وَفِي النَّاس قوم إِذا أبطؤا عَن الْحمام حموا وَهَؤُلَاء هم الَّذين ينْحل مِنْهُم بخار دخاني كثير.
قَالَ: وَمن كَانَت حماه من برد وتكاثف الْبدن فأجود الْأَشْيَاء أَن يلتحف بعد الْحمام والغذاء بِثِيَاب كَثِيرَة وينام ليعرق فَأن فِي ذَلِك ذهَاب كَثَافَة الْبدن.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة قَالَ: انضمام المسام نَوْعَانِ: أَحدهمَا فِي سطح الْبدن والأخر فِي عمقه وَقد بَينا علاجهما فِي حِيلَة الْبُرْء.
الْيَهُودِيّ قَالَ: إِذا كَانَ فِي الْحمى عرق فَلَيْسَتْ حمى ورم.
قَالَ: وَحمى يَوْم الكائنة من(4/306)
ورم الأربية لَا تكن إِلَّا بِسُكُون ذَلِك الورم فعالج ذَلِك الورم وَذَلِكَ أَن الورم لَا يسكن إِلَّا بِسُكُون القرحة الَّتِي عَنْهَا ارْتَفع الورم إِلَى الأربية فَأَما ورم الأربية بِلَا سَبَب باد فَلَيْسَ حماها حمى يَوْم بل حمى عفن عَن ورم فِي الأحشاء.
قَالَ: وَمِمَّا يفصل حمى يَوْم عَن حمى عفن عَن ورم فِي الأحشاء أَن يكون ابتدائها هيناً لينًا وانتهاؤها صعباً وَحمى عفن تبتدىء قَلِيلا قَلِيلا بلين ثمَّ تصعب عِنْد الْمُنْتَهى. لي فِي هَذَا عِلّة طبيعية.
فِي بعض كتب الْهِنْد قَالَ فِيهِ: أَنه قد تكون حمى من سوء. لي وَهَذِه الْحمى عِنْدِي حمى يَوْم.
اهرن قَالَ: قد تكون حمى يَوْم من كَثْرَة النّوم وَمن قبل وجع شَدِيد يعرض لبَعض الْأَعْضَاء.
قَالَ: إِذا ورمت الأربية من قرحَة فِي الرجل أَو فِي الْيَد تبع ذَلِك حمى يَوْم وَإِن ورمت الأربية بِلَا سَبَب باد وَلَا قرحَة وَلَا تَعب فتبع ذَلِك حمى فَهَذِهِ حمى ردية من جنس العفن والطواعين.)
قَالَ: وَإِن جَاوَزت حمى يَوْم الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِلَى أَرْبَعَة أَيَّام وَأكْثر فقد خرجت من حمى يَوْم وَصَارَت إِلَى الحميات الحادة. قَالَ: وَيكون حمى يَوْم من الْجُوع الشَّديد.
لي والعطش وَبِالْجُمْلَةِ كل مَا يُمكن أَن يهيج بالانسان حرارة.
قَالَ ج: وَإِذا رَأَيْت مَعَ الْحمى صداعاً أَو وجعاً فِي بعض الْأَعْضَاء فِي بَدْء مَا تَأْخُذ الْحمى فَإِذا تركت تِلْكَ الْحمى بَطل ذَلِك الوجع فَأن ذَلِك يدل على أَنَّهَا حمى يَوْم.
قَالَ: سل أبدا هَل للحمى سَبَب باد قَالَ: إِذا ظَنَنْت أَن الْحمى حمى يَوْم فَمر صَاحبهَا بالحمام فَأن وجد فِي الْحمام قشعريرة فَأخْرجهُ بِسُرْعَة فَإِنَّهَا لَيست حمى يَوْم بل حمى عفن وَإِذا شَككت فِي هَذِه الْحمى فَاسْتعْمل هَذِه الْعَلامَة.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: يَنْبَغِي أَن تتثبت فِي أَمر الْحمام فِي حمى يَوْم لِأَنَّهُ إِن كَانَ هُنَاكَ عفن صَارَت مِنْهُ حمى دائمة وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك حَار المزاج أدّى إِلَى حميات محرقة. 3 (انْتِقَال حمى يَوْم إِلَى غَيرهَا) قَالَ الْإِسْكَنْدَر: إِذا لم تفارق الْحمى الْبدن والعرق بعد الْعرق فقد انْتَقَلت حمى يَوْم فَانْظُر حِينَئِذٍ فِي التَّدْبِير والمزاج فَأَنَّهَا ينْتَقل بِحَسب ذَلِك فِي الأمزجة الحارة إِلَى الغب وَكَذَا فِي سائرها.
أريباسيوس قَالَ: أعظم عَلَامَات حمى يَوْم المَاء النضيج والنبض الصَّغِير المنضغط وَحسن حَال العليل بعد الأنحطاط والحرارة البخارية اللذيذة االلمس. وَفِي حميات العفن فِي جَمِيعهَا لَا يكون المَاء نضيجاً فِي أول يَوْم الْحمى والنبض يكون صَغِيرا مختلطاً فِي ابتدائها.
أغلوقن: إِذا كَانَت الْحمى عَن ورم الغدة وَكَانَ ورم الغدد لخراجة اَوْ قرحَة قبل ذَلِك فَهِيَ حمى يَوْم فَأَما إِن كَانَ ورم الغدد مبتدياً بِلَا سَبَب باد فَإِن ذَلِك دَلِيل على ورم فِي الأحشاء والحمى الَّتِي مَعهَا عفن ردية. قَالَ: وَأول دَلَائِل حمى يَوْم أَلا يكون فِي النبض اخْتِلَاف فِي قرعَة وَاحِدَة أصلا. وَإِن كَانَ فقليلاً وَيكون الْبَوْل طبيعياً أَو قَرِيبا مِنْهُ فَإِذا سكنت الْحمى رَجَعَ النبض إِلَى حَاله الطبيعي كَأَنَّهُ لَيْسَ حمى الْبَتَّةَ فَيرجع النبض فِيهَا إِلَى الْحَال الطبيعية فِي مَا بَين النوبتين وَلَو كَانَ بَينهمَا وَقت طَوِيل كنوائب الرّبع وَالْغِب وَالْبَوْل أَيْضا بعد سُكُون الْحمى يكون أحسن وَلَا بُد أَن يَنْقَضِي بعرق أَو بخار كثير يرْتَفع من الْبدن وَيصير الْبَوْل فِي هَذَا الْوَقْت أحسن كثيرا مِمَّا كَانَ وَإِن كَانَ حسنا فَأن عرضت مَعَه أَعْرَاض كالصداع وَغَيره هدأت الْبَتَّةَ مَعَ انحطاط الْحمى)
وخفة بدن العليل وراحته الرَّاحَة التَّامَّة من أعظم دلائلها وَاخْتِمْ ذَلِك كُله بِأَن تسْأَل هَل كَانَ لَهُ سَبَب باد فَأن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّمَا تحْتَاج أَن تنْتَظر سكونه ثمَّ دخله الْحمام وَضم إِلَى ذَلِك هَذَا أَيْضا إِلَّا أَن يعرض لَهُ فِي الْحمام أقشعرار واتصلت لَهُ بعد الْحمام خفَّة الْبدن والراحة فَإِن تمت هَذِه أجمع فَأخْرجهُ واغذه واسقه شرابًا(4/307)
بِلَا خوف وثق بِأَنَّهُ لَا يعاود. لي وَاذْكُر دَلَائِل أَسبَاب حمى يَوْم كدليل السهر وَالْغَضَب وَالْغَم وَنَحْوهَا بإيجاز واختصار وَخذ ذَلِك من أغلوقن فِي جوامعه.
قَالَ ابْن سرابيون: الَّذين يحبونَ الأغذية حارة أعن بالكبد فَإِنَّهَا تسخن مِنْهَا وَلذَلِك يكون بَوْلهمْ شَدِيد الْحمرَة فأسهلهم إِن كَانَت الطبيعة يابسة لينقى الْبَطن ثمَّ أعطهم كل مَا كَانَ بَارِدًا مبرداً لكبد مدراً للبول مثل السكنجين السكرِي وَمَاء الرُّمَّان الحامض وصب على الكبد صندلين وَنَحْوه بِمَاء الْخلاف والورد. فِي الَّتِي من الْحر: لَا تدخلهم الْحمام لِأَنَّهُ يخَاف أَن يزيدهم حرارة وَلَا يُؤمن أَن يهيج بهم حمى عفن أَو يحدث ورماً وأعن فيهم بتبريد الْقلب مَا أمكن.
لي لَيْسَ رَأْيِي فِي أدخال صَاحب حمى يَوْم الْحمام بِقَوي إِلَّا من تَعب واستحصاف الْجلد فَأَنِّي وَقد قَالَ ج: فِي الأولى من الحميات: أَن استنشاق الْهَوَاء الْحَار يسخن الْقلب وَيُورث حميات وَلذَلِك يحمى النَّاس عِنْد طُلُوع الشعرى العبور.
لي لَيْسَ دَلِيل النبض فِي حمى يَوْم بكاف لِأَن الأنقباض لَا يتَبَيَّن إِلَّا فِي أعظم مَا يكون من النبض وَقد رَأَيْت أَقْوَامًا يحترقون احتراقاً من شدَّة الحميات أَو بشريانهم من الصغر أَمر لَا يحس انبساطه إِلَّا بِجهْد فضلا عَن انقباضه وَذَلِكَ لخلفة فِي شريانهم فَلهَذَا رَأَيْت أَن يفزع فِي هَذَا إِلَى النَّفس.
لي على ماصح فِي الأولى من الحميات: كل نوبَة فِي ابتدائها تضاغط النبض وَبرد وأقشعرار وَحَال شَبيه بالميل إِلَى النّوم والكسل فَهِيَ حمى عفن وَعلة ذَلِك أَن الحميات من عفن تكون من خلط ني مَحَله مَحل طَعَام يُؤْكَل فَكَمَا أَن الطَّعَام إِذا أكل يمِيل الْبدن إِلَى الكسل لِأَنَّهُ يبرده أَولا حَتَّى إِذا عملت فِيهِ الْحَرَارَة قَلِيلا أسخن الْبدن فَكَذَلِك ذَلِك الْخَلْط فِي الْعُرُوق وَفِي العضل إِذا انصب عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يبرد أَولا ثمَّ إِذا عملت فِيهِ الْحَرَارَة تَأْخُذ حمى وَيَنْبَغِي أَن تحزر الْعلَّة فِي علل الحميات فَيُقَال لم صَارَت هَذِه الأخلاط يظْهر مِنْهَا تبريد الْبدن وإسخان أَكثر من الْغذَاء.
أغلوقن: هَذَا مَا أَخَذته من هَذِه مِمَّا رَأَيْته نَافِعًا النافع من هَذِه الْأَشْيَاء تعرف الْأَسْبَاب)
الَّتِي من أجلهَا يكَاد تشبه حمى يَوْم. بحمى عفن مثل أَلا يعرق المحموم أَو يقل صبغ بَوْله أَو يكثر أَو يصغر نبضه جدا أَو يصير لَهُ سحنة ردية. فاما التَّفْرِقَة بَين الْأَسْبَاب الْبَادِيَة فَلَيْسَ فِيهَا كَبِير دَرك وَالسُّؤَال يُغني عَنهُ.
قَالَ ج: يعم جَمِيع أَصْحَاب حمى يَوْم أَن بَوْلهمْ يكون أشْبع صفرَة من الْبَوْل الطبيعي.
قَالَ: وَمن حم من غم فمعه من حِدة الْحَرَارَة أَكثر مِمَّا مَعَه من كثرتها وَمن حم من غضب فمعه من كَثْرَة الْحَرَارَة أَكثر مِمَّا مَعَه من حدتها وَأَصْحَاب الْغم تكون أبدانهم ضامرة(4/308)
وأعينهم غائرة ولونهم ردياً فَاسِدا وَكَذَلِكَ الْحَال فِي السهر وَأَصْحَاب الْغَضَب نبضهم عَظِيم ويعرقون سَرِيعا وَأَصْحَاب السهر وَالْغَم نبضهم صَغِير وَمن حم من تَعب مفرط لَا يكَاد يعرق عِنْد الأنحطاط وخاصة إِن كَانَ فِي طَرِيق حَار جدا أَو بَارِد جدا أَو كثير الْغُبَار فَأَما من تَعب تعباً قَلِيلا فَأَنَّهُ يعرق وَمن أفرط فِي التَّعَب يصغر نبضه وَمن لم يفرط يعظم وَمن حم لاستحصاف جلده لَيْسَ مَاؤُهُ منصبغاً وَمن حم من ورم الأربية فنبضه عَظِيم جدا وسريعاً مَا يعرق وحرارة حماه أقل من سَائِر الحميات ووجهة ممتلىء وبوله يمِيل إِلَى الْبيَاض.
لي هَذِه نَظِير سونوخوس إِلَّا فِي الأولى قَالَ: جَمِيع هَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى حمام إِلَّا أَن من حم من تكاثف جلده فَيحْتَاج إِلَى أَن يُطِيل اللّّبْث فِيهِ. فَأَما غَيره فَلَا بل يقلل ذَلِك بل يُطِيل اللّّبْث فِي المَاء الْحَار ماأحب والمرخ بالدهن لأَصْحَاب التَّعَب أَنْفَع مِنْهُ لأَصْحَاب استحصاف الْجلد وَيكثر هَذَا الْغذَاء ويقلله صَاحب الغدد والأستحصاف وليلطف تَدْبيره لتكاثف وَأَصْحَاب الورم لَا يسقون شرابًا الْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ أَصْحَاب تكاثف المسام وخاصة إِن كَانَت أبدانهم ممتلئة وسددهم قَوِيَّة.
لي لَا تسق هَؤُلَاءِ شرابًا حَتَّى تبطل الْحمى الْبَتَّةَ وَتعلم أَنه لم يبْق شَيْء فَأن بِهَذِهِ الْحَال يعلم أَن السدد قد تفتحت وأحوجهم إِلَى الترطيب وَالشرَاب أَصْحَاب السهر والتعب إِلَّا أَن يَكُونُوا مصدعين. قَالَ: الحميات المبتدئة بنافض يَنْبَغِي أَن تعد من الحميات الَّتِي تنوب بأدوار.
لي جملَة علاج الْحمى السددية إِذا كَانَت فِيهَا عَلَامَات حمى يَوْم ثمَّ انحطت بِلَا عرق فَهِيَ سددية وخاصة عَن كَانَ أدمن على أغذية غَلِيظَة وبحسب شدَّة الْحمى تكون شدَّة السدد وعلاجها جملَة إِن كَانَت الْحمى عَظِيمَة أَن يفصد ثمَّ يقْصد إِلَى تفتيح السدد بالسكنجين وَمَاء الشّعير وَالْحمام قبل النّوبَة بِوَقْت صَالح ودلك ظَاهر بدنه وإسهال بَطْنه وإدرار بَوْله بِرِفْق وتفقد)
نافض الْحمى بعقلك فَإِنَّهُ بِحَسب عظم السدد يكون بَقَاؤُهَا فَإِن كَانَت السدد قَليلَة لم تحتج إِلَى فصد وَمَا دمت لَا ترى فِي المَاء عَلامَة عفن وَلَا فِي نوع الْحَرَارَة فِي اللَّمْس فالحمى لم تنْتَقل إِلَى عفن لَكِنَّهَا بعد سددية.
جَوَامِع أغلوقن قَالَ: حمى يَوْم قد تحدث عَن وجع يحدث فِي بعض الْأَعْضَاء وَاجعَل الوجع أحد أَسبَابهَا الْبَادِيَة. قد يتبع حمى يَوْم الدماميل قبل أَن تنضج ووجع الْعين ووجع الْأذن ووجع الضرس والقولنج والبواسير إِذا أفرطت فِي الوجع فَهَذِهِ كلهَا دَاخِلَة فِي نوع الوجع وَتصير أسباباً بادية. حمى يَوْم لَا محَالة تحدث عَن سَبَب باد وَلَيْسَ كل حمى حدثت عَن سَبَب باد حمى يَوْم. لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون السَّبَب البادي حرك سَببا فِي الْبدن من الْأَسْبَاب المتقادمة فَحدث عَنهُ حمى دم أَو حمى عفن وكل حمى حدثت عَن سَبَب متقادم فَهِيَ حمى عفن إِلَّا أَنه مُمكن أَن يهيجه السَّبَب البادي فَيكون سَببه بادياً وَهُوَ حمى عفن وَمن عَلَامَات حمى يَوْم عَن السَّبَب البادي وَأَن لَا يكون فِي ابتدائها نَاقض وَلَا يكون(4/309)
فِي مُنْتَهَاهَا حرارة شَدِيدَة لذاعة لَكِن لحر الْحمام البخارية وَلَا يخْتَلف فِيهَا النبض إِلَّا قَلِيلا وَالْمَاء نضيج وتنقضي بعرق وَلَا يكون النَّفس فِيهَا شَدِيدا حاراً جدا وَإِذا دخل الْحمام بعد انْقِضَائِهَا لم يعرض لَهُ نافض.
ورم الحالب إِن حدث عَن سَبَب باد مثل قرحَة الرجل فالحمى الْحَادِثَة مَعَه حمى يَوْم وَإِن حدث ابْتِدَاء بِلَا سَبَب باد فالحمى عفنية والورم الْحَادِث فِي لحم رخو إِن حدث قبل الْحمى ثمَّ حدثت هِيَ من أَجله فَهِيَ حمى يَوْم وَإِن عرض لَهُ فِي الْحمى فَهِيَ حمى عفن وَيدل على ورم فِي ذَلِك الْعُضْو الَّذِي يقبل فضوله ذَلِك اللَّحْم الرخو فَإِن كَانَ فِي أصل الْأذن فَفِي الدِّمَاغ وَإِن كَانَ فِي الْإِبِط فَفِي الْقلب وَإِن كَانَ فِي الحالب فَفِي الكبد.
القَوْل فِي حمى يَوْم الْحَادِثَة عَن ورم الحالب: الْبَوْل لَا يكون فِيهِ شَدِيد الإنصباغ لِأَن الْحَرَارَة تميل إِلَى الورم ولون وَجهه يكون أَحْمَر وحرارته شَدِيدَة لِأَن بِهِ ورمين حارين ونبضه عَظِيم مسرع وَلَكِن مَعَ هَذَا كُله تكون دَلَائِل حمى يَوْم مَعَه الذبول قد قلت فِي كتابي فِي الحميات: حمى يَوْم جنس يُشَارك حمى الدق فِي الْجِنْس إِلَّا أَنه لَا يُمكن الأستدلال عَلَيْهَا فِي أول حدوثها على الْحَقِيقَة لَكِن يسْتَدلّ عَلَيْهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو فِي الثَّالِث لَا محَالة وَأَنَّهَا سَاعَة تعرف وَيَنْبَغِي أَن يسقى صَاحبهَا مَاء بَارِدًا إِلَّا إِن شربه فِي هَذَا الْوَقْت لَا خطر فِيهِ لِأَن الْقُوَّة بعد قَوِيَّة وَالدَّم المحتبس فِي الْبدن بعد كثير فَأَما إِذا طَالَتْ الْمدَّة فَأن الْقُوَّة تضعف وَالدَّم يقل وَلذَلِك يصير فِي هَذَا الْوَقْت)
ضَرَر المَاء الْبَارِد شَدِيدا لِأَنَّهُ يبرد مَعَ الْعُضْو الَّذِي يحْتَاج إِلَى تبريده غَيره من الْأَعْضَاء.
لي هَذِه الَّتِي ينخرط مِنْهَا الْوَجْه سَرِيعا إِلَّا مَا لانت وَبقيت على ذَلِك اللين.
إِسْحَاق: من أَصَابَته هَذِه الْعلَّة من تَعب أَو من يبس أَو هم أَو سهر فليمرخ بدهن كثير جَمِيع بدنه فَأَما من عرضت لَهُ من برد فليستحم إِذا سكنت حماه وَمن عرضت لَهُ من احتراق شمس فَيصب على رَأسه دهن الْورْد فَإِذا سكنت صب عَلَيْهَا المَاء الفاتر وميل الْغذَاء لمن أَصَابَهُ ذَلِك من برد إِلَى حر وبالضد وغذي أَصْحَاب السهر والتعب واليبس بأغذية مرطبة وَليكن الْغذَاء بعد انحطاط الْحمى إِلَّا فِي من كَانَ مزاجه حاراً جدا مولداً للمرار فَإِن الْأَمر قد يضْطَر فِي هَؤُلَاءِ إِلَى أَن يطعموا فِي وَقت الْحمى خبْزًا مبلولاً بِالْمَاءِ الْبَارِد مُوَافق لهَؤُلَاء وَلِجَمِيعِ من يتَوَلَّد فِي بدنه أخلاط ردية لذاعة فَأَما أَصْحَاب الْبرد فَإِن الشَّرَاب المائي الرَّقِيق مُوَافق لَهُم ويحلبون لأَصْحَاب التَّعَب والسهر وَالنَّوْم بأغذية مرطبة ودلك الْقَدَمَيْنِ.
من الْكَمَال والتمام تَدْبِير نَافِع للهيب الْكَائِن فِي الْبدن من احتقان البخار فِيهِ: الْحمام والتعرق بالدثار والأنكباب على بخار الشبث والبابونج والمرزنجوش ويتمسح بعد ذَلِك وَبعد أَن يعرق نعما بدهن الشبث والبابونج المتخذين بدهن الخيرى الْأَصْفَر والأحمر وَيَنْبَغِي أَن يتعب فَإِن ذَلِك يحلل عَنهُ جدا وَيجْعَل الْغذَاء قَلِيلا لطيفاً.(4/310)
قَالَ ج من حِيلَة الْبُرْء: إِن الْأَبدَان الَّتِي مَا يتَحَلَّل مِنْهَا بخار دخاني حَار حريف مَتى استحصفت من سَبَب مَا حدث فِيهَا حمى وَلِهَذَا أَجود مَا يسْتَعْمل هَؤُلَاءِ فِي الأحتراس من حمى يَوْم أدامة الأستحمام بِمَاء عذب فاتر والدلك اللين الَّذِي يُرْخِي الْبدن ويوسع مسامه والرياضة المعتدلة والأغذية المولدة كيموساً عذباً بِلَا حِدة فِيهِ وأضداد هَذِه الاشياء مضادة لَهُم مثل قطع الأستحمام والرياضة الشَّدِيدَة والدلك الصلب والأغذية الحريفة المالحة والسهر وَالْغَضَب وَالشَّمْس والتعب وَجَمِيع مَا يحدث الأخلاط والإمساك عَن الطَّعَام.
قَالَ: والأبدان يستحصف خَارِجهَا من كل شَيْء يقبض أَو مِمَّا يرسخ فِي المسام وَلِهَذَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع من هَذِه حَال بدنه من أَن يتدلك فِي الْحمام أَو غَيره بِشَيْء قَابض والتمرغ فِي التُّرَاب عِنْد الصراع ويجتنب الْأَطْعِمَة الغليظة اللزجة فَإِن هَذِه تبقى فِي مجاريه ومنافسه فتمنع تحلل مَا كَانَ مِنْهُ يتَحَلَّل وان يُبَادر بهم إِلَى تفتيح مسامهم كلما يرَوْنَ فِي أبدانهم التياثاً قبل استحكام الْحمى لِأَن الْحمى تبطل حِينَئِذٍ وَتذهب بقلع سَببهَا.)
قَالَ: وَجَمِيع أَصْحَاب حمى يَوْم يَنْبَغِي أَن يدخلُوا الْحمام سَاعَة تَنْقَضِي النّوبَة الأولى ويدلكون بدهن دلكا لينًا وَيكون دلك من ناله ذَلِك من قبض جلده أقل وَكَذَا من ناله ذَلِك من يبس إِلَّا أَنه يصب عَلَيْهِ المَاء أَكثر. من حم بسهر أَو غضب أوهم فَلَا حَاجَة لَهُم إِلَى استحمام كثير وَلَا دلك كثير لَكِن يعرق أبدانهم بدهن كثير مفتر لَا قبض فِيهِ ويدلكون دلكا يَسِيرا ثمَّ يستحمون كالعادة وَمن أَصَابَهُ ذَلِك من شمس فَهُوَ يحْتَاج أَولا إِلَى مَا يبرد وَإِلَى استحمام كثير وَلَا يكون بدلك كثير وَلَا تمريخ كثير وَالَّذِي يبرده دهن الْورْد مبرداً بِالْمَاءِ الْبَارِد والثلج على ماحسب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وانطل مِنْهُ إِذا برد على الرَّأْس بصوفة وَلَا تزَال تفعل ذَلِك إِلَى انحطاط الْحمى قَلِيلا ثمَّ امْضِ بِهِ إِلَى الْحمام إِذا انحطت وَإِذا كَانَ سَبَب الْحمى بردا فَإِن كَانَ بِهِ نزلة فَلَا تدخله الْحمام دون أَن ينضج نزلته أَو زكامه ثمَّ ادخله الْحمام فَأَما من حم من احتراق فَأدْخلهُ الْحمام وَإِن كَانَ بِهِ نزلة فَإِذا أخرجته من الْحمام فَمن حم من احتراق شمس فادهن رَأسه بدهن الْورْد وَمن حم من برد فبدهن السوسن أَو ناردين وَلَا يسْتَعْمل أحد من المحمومين الْحمام إِلَّا بعد انحطاط الْحمى وغذاء أَصْحَاب هَذِه الْحمى بِمَا يُولد فِي الْبدن دَمًا جيدا من أغذية سريعة الهضم لَا تحتبس لَهَا فضول وَمَاء الشّعير هُوَ كَذَلِك. وَيَنْبَغِي إِذا كَانَ الْحمى حدثت من غضب أَو احتراق أَن يقْصد مَعَ ذَلِك للتبريد والترطيب وَإِذا حدثت من برد فأسخن إسخاناً معتدلاً.
وَمن حم من سهر أَو غم أَو هم فضم إِلَى تَدْبيره مَا يكون مرطباً. وَمن حم من تَعب فَلْيَكُن تَدْبيره أَكثر غذَاء. وَمن حم من برد فَلْيَكُن أقل غذَاء وَليكن شرابه مائياً لِأَنَّهُ أفضل من المَاء فِي إدرار الْبَوْل والعرق مثل هَذِه الْأَبدَان المرارية فَإِنَّهَا إِذا كَانَت تنْتَفع بِالْمَاءِ الْبَارِد فِي صِحَّتهَا فَلَا تمنعهم مِنْهُ فِي حمامهم بعد أَن يَكُونُوا قد اعتادوه فاما من لم يعتده فَأَنِّي لَا ابتدىء بسقيه إِلَّا بعد أَن ينضج وأعوده إِيَّاه أَيَّامًا.
قَالَ: إِذا حدثت حمى يَوْم بِسَبَب سَده فَأَنَّهُ إِن كَانَت يسيرَة وَعمل الطَّبِيب فِي تفتيحها(4/311)
عملا جيدا منع أَن يكون للحمى نوبَة أُخْرَى وَإِن كَانَت عَظِيمَة لم يُمكنهُ أَن يحسم النّوبَة وَإِن كَانَ فِي الْبدن أخلاط كَثِيرَة لزجة لاحجة راسخة فَلَيْسَ يُمكن أَن تبقى هَذِه على حمى يَوْم وَلَكِن تؤول فِي الْأَبدَان الَّتِي مزاجها رَدِيء إِلَى حمى عفن ضَرُورَة وَفِي الَّتِي مزاجها جيد إِلَى سونوخوس الَّتِي من دم حُلْو أَو من عفونة الأخلاط.
وَقَالَ: إِذا شرعت الْحمى فِي انْقِضَائِهَا واستفرغ عِنْد انْقِضَائِهَا من الْبدن بخار أَو ندى أَو عرق)
أَو بَوْل كثير مَعَ عَلامَة حَسَنَة فِي النبض فَهِيَ حمى يَوْم بِالْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ إِذا فقدت هَذِه العلامات فَلَيْسَتْ حمى يَوْم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يتَبَيَّن فِي الْعُرُوق عَلامَة العفن وَلَكِن مُمكن أَن يكون مِمَّا طَال انحطاطها وانحطت بِلَا عرق وَلَا ندى وَلَا بَوْل لِأَن الْخَلْط الريء لم يتَحَلَّل بأجمعه لَكِن بقيت مِنْهُ بَقِيَّة كَثِيرَة وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن تعين الطبيعة على استفراغ هَذَا الْخَلْط الرَّدِيء إِن احْتمل السن وَالزَّمَان وَإِن لم يكن الأمتلاء ظَاهرا فِيهِ لِأَن الأجود أَن يستفرغ جلّ ذَلِك الْخَلْط الرَّدِيء. ثمَّ تَأْخُذ فِي تفتيح السدد وتنقية المجاري والمنافذ وَذَلِكَ لِأَن فِي الأستفراغ أخراج جلّ تِلْكَ الرطوبات الَّتِي لَهَا تِلْكَ البخارات الدخانية وَإِن أردْت تفتيح السدد قبل الأستفراغ لم تأمن أَن تجْرِي إِلَى المسام دفْعَة شَيْئا كثيرا فتضاعف السدد لذَلِك فَلَا يُؤمن الْخطر فالأصوب أَن تبدأ باستفراغ الْبدن ثمَّ بِفَتْح السدد فَمَتَى رَأَيْت فِي وَقت مَا أَن النّوبَة الأولى عسرة الأنحطاط كَأَنَّهَا تبقى لابثة وَلَيْسَ مَعَ انحطاطها استفراغ ذُو قدر يعْتد بِهِ فَلَا تتَوَقَّف عَن استفراغ الْبدن بأخراج الدَّم وَلَا تؤخره وَأخرج مِنْهُ بِحَسب الْقُوَّة وبحسب عظم السدد وتعرف عظمها من عظم الْحمى فَإِذا استفرغته فأعطه بعد وَقت يسير شَيْئا مِمَّا يجلو وَلِأَن الْجلاء هِيَ الفالخة وَهِي حارة يَنْبَغِي أَن تخْتَار مايصلح لَهُ والسكنجين يصلح لَهُ لِأَنَّهُ يجلو جلاءً قَوِيا من غير أَن يسخن ويقلع مَا فِي المجاري والمسام ويفتحها وَالسكر أَيْضا يدْخل فِي هَذَا الْبَاب وَمَاء الشّعير وَمَاء الْعَسَل فَإِذا فعلت ذَلِك فَانْظُر كم مِقْدَار مَا ينقص من حرارة الْحمى فِي النّوبَة الثَّالِثَة فَأن رَأَيْت الَّذِي بَقِي مِنْهَا يَسِيرا وَلَيْسَ فِي النبض عَلامَة عفونة وَلَا فِي الْبَوْل عدم النضج فَأدْخلهُ الْحمام قبل الْوَقْت الَّذِي ابتدأت فِيهِ قُوَّة الْحمى فِي النّوبَة الأولى بِخمْس أَو أَربع سَاعَات أَو أَكثر مَا أمكنك فَهُوَ خير وحسبك أَن يكون بَين خُرُوجه من الْحمام وَبَين الْوَقْت الَّذِي بدأت فِيهِ النّوبَة الأولى ثَلَاث سَاعَات ويدلك ويمرخ باعتدال ويدلك بِمَا ينقي بدنه كدقيق الكرسنة ودقيق الشّعير ودقيق الباقلى يضْرب بِمَاء كثير وَعسل مَضْرُوب بِمَاء ونضرون فَأن كَانَ بَين فَرَاغه من الْحمام وَبَين وَقت النّوبَة زمَان يسير فَلَا تطعمه شَيْئا خلا طبيخ الكرفس قَلِيلا وَإِن كَانَ طَويلا فاغذه بكشك الشّعير ثمَّ فَأن جَازَت فحمه أَيْضا ثمَّ اغذه وَإِن نابت فقسها أَيْضا بالنوبة الْمُتَقَدّمَة وتفقد الْبَوْل والنبض فَأن رَأَيْتهَا يسيرَة وَجَمِيع أعراضها قَليلَة فَاعْلَم أَن الَّذِي بَقِي من السدد قَلِيل وَأدْخلهُ فِي الرَّابِع الْحمام وثق بِأَنَّهُ لَا يُصِيبهُ فِي الْخَامِس نوبَة وَإِن كَانَت النّوبَة شَدِيدَة فَلَيْسَتْ حمى يَوْم وَقد(4/312)
تحدث لهَذِهِ الْأَبدَان أَعنِي الْأَبدَان الَّتِي يتَحَلَّل مِنْهَا بخار حَار مراري حمى يَوْم من التُّخمَة)
وخاصة الَّتِي يعرض مِنْهَا تغير الطَّعَام إِلَى الدخانية لِأَن تغيره إِلَى الحموضة إِنَّمَا يعرض لهَذِهِ الْأَبدَان فِي الندرة ومضرتها لَهَا يسيرَة. وَمَتى انْطَلَقت الطبيعة مَعَ هَذِه التُّخمَة فضررها أقل وَبِالْعَكْسِ لِأَن الْأَبدَان المرارية مَتى احْتبست طبائع أَهلهَا مَعَ مثل هَذِه التُّخمَة أسرعت إِلَيْهَا الْحمى وخاصة أَن سعوا فِي أَعْمَالهم وَلم يستعملوا الرَّاحَة تهاوناً بالتخمة وَرُبمَا انْطَلَقت طبيعتهم كثيرا فَيكون كَثْرَة اخْتلَافهمْ عوناً على شدَّة عود الْحمى وَإِن كَانَ بهم مَعَ ذَلِك لذع أَو وجع أَو حرارة مفرطة فِي الْمعدة والأمعاء كَانَ ذَلِك أعون على تزيد حرارة الْحمى وَأَحْرَى أَن يشبها فَمَتَى رَأَيْت الشَّيْء المستفرغ بالخلفة إِنَّمَا هُوَ الشَّيْء الَّذِي فسد وَحده فَأدْخلهُ الْحمام واغذه عِنْد انحطاط النّوبَة الأولى واعتن بمعدته وَمَتى أفرط أَن يجحف بِالْقُوَّةِ فالأجود أَن تغذوه من غير حمام بعد أَن تعنى معدته بِأَن تضع عَلَيْهَا صُوفًا مبلولاً بِزَيْت قد طبخ فِيهِ أفسنتين فِي أناء مضاعف لِئَلَّا يفْسد ويتدخن وَإِن بَقِي فِي الْمعدة شَيْء من لذع ووجع فضع عَلَيْهَا بعد الزَّيْت قِطْعَة لبد سخنة مغموسة فِي ذَلِك الدّهن أَو فِي دهن الناردين الْفَائِق وَيكون قد عصر حَتَّى فَارقه أَكثر الدّهن والجيد أَن يكون مَكَان اللبد صوف فرفير فائق فَإِن لَهُ قبضا لطيفاً وَكَذَا قُوَّة دهن الناردين يغوص إِلَى جرم الْمعدة فيسخنه ويجففه ويقويه وَإِن كَانَ فَم الْمعدة شَدِيد الضعْف فاسحق مصطكى مَعَ دهن الناردين حَتَّى يصير فِي ثخن وسخ الْحمام واغمس فِيهِ فرفيراً وَضعه عَلَيْهِ ولتكن حارة فِي أول مَا تضع عَلَيْهَا لِأَن الْأَشْيَاء الفاترة تحل فَم الْمعدة وترخيه وَإِن كَانَ الْبَطن مُنْطَلقًا بعد فالجيد أَن يسْتَعْمل دهن السفرجل الْفَائِق الحَدِيث على نَحْو مااستعملت دهن الناردين ودهن المصطكى أَيْضا نَافِع لهَؤُلَاء كلهم وَإِن لم يحْتَمل الْمَرِيض أَن يشد شىء على بَطْنه فَاتخذ لَهُ قيروطياً بطانة عَلَيْهِ تَأْخُذ شمعاً أَبيض بالطبع فأذبه بدهن ناردين حَتَّى يجمد ثمَّ اخلط بهما وهما بِالسَّوِيَّةِ من الصَّبْر ثمن جُزْء وَكَذَلِكَ من المصطكى واسحقه نعما وَاسْتَعْملهُ وَأَن شِئْت فاخلط بِهِ مِنْهُمَا فضلا قَلِيلا وَإِن كَانَ فِي الْمعدة حرقة حَتَّى توهمت أَن هُنَاكَ ورماً حاداً فقيروطياً بدهن السفرجل والأدوية المتخذة بالملح والشب وَنَحْوهمَا وَإِن كَانَت الطبيعة لينَة بعد فاغذه بسويق الشّعير أَو بِمَاء رمان أَو بِمَاء على ماترى وأطعمهم الْخبز الَّذِي يعْمل بالخل وَليكن الْخلّ قَلِيلا وَإِن كَانَ يستلذ فاسقه مَاء الْفَوَاكِه القابضة مثل مَاء الكمثرى والسفرجل يتَّخذ لَهُ مِنْهُمَا شراب وَإِن كَانَ قد انْقَطع فاغذه بخصي الديوك والسمك الرضراضي وببعض الْفَوَاكِه القابضة فَإِن كَانَت شَهْوَته ذَاهِبَة فاسقه الدَّوَاء الْمُتَّخذ بعصارة السفرجل أَو الْمُتَّخذ)
بِلَحْم السفرجل أَن تهَيَّأ هَذَا مِمَّا هُوَ مَكْتُوب فِي تَدْبِير الأصحاء فَأَما من احْتبست طَبِيعَته مِنْهُم فَلم يجب الْبَتَّةَ فجس أَولا مَوضِع الشراسيف ثمَّ جس الْبَطن كُله وَانْظُر حسنا إِن كَانَ الطَّعَام قد انحدر إِلَى الأمعاء أَولا واسأل فِي أَي مَوضِع يجد مس الثّقل فِي بَطْنه وَأي ضرب من الجشاء يتجشأ فَإِذا عرفت ذَلِك يَقِينا فَأن كَانَ الطَّعَام فِي أَعلَى الْبَطن فاسقه دَوَاء الفلافل الَّذِي مدحناه نَحن فِي كتاب تَدْبِير الأصحاء ثمَّ تطلى على الْبَطن كُله نطولاً لَهُ وَقت كثير فَإِن كَانَ هَذَا قد انحدر(4/313)
إِلَى الْأَسْفَل وَإِلَّا فاحدره بشيافة أَو حقنة وبحري أَن كَانَ هُنَاكَ لذع أَن يسكنهُ فَإِن كَانَت نفخة ذهبت بهَا وَيذْهب اللذع بشحم البط أَو شَحم الدَّجَاج أَو بشحم الْمعز مدافاً فِي زَيْت قَابض وَإِن لم يتهيأ شَيْء من هَذِه الشحوم فاخلط بِهِ شمعاً مصفى وداو النفخة بالزيت الْمَطْبُوخ بالبزور فَإِذا انْطلق الْبَطن فاغذه من ساعتك وتجنب فِي غذائه القوابض فَقَط وَأعد التَّدْبِير إِن احتجت فِي الْيَوْم الثَّانِي فِي ذَلِك الْوَقْت بِعَيْنِه وَأدْخلهُ الْحمام إِن كَانَ قد نقي من الْحمى أصلا فَأن نَام فِي اللَّيْلَة الَّتِي تتلو هَذَا الْيَوْم نوماً طيبا فقد برأَ برءاً تَاما وَإِن كَانَ محموماً فَلَا يخرج وعد فِي التَّدْبِير أَيْضا من غَد هَذِه اللَّيْلَة وَدبره بِسَائِر مَا وَصفنَا فَأن رايت أَن أَصْحَاب هَذِه الطبائع قد حموا من تخمة الجشاء فِيهَا حامض فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تتوهم أَن سَبَب حماهم هَذِه التُّخمَة فَأن هَذِه التُّخمَة لَا تكَاد تعرض لهَؤُلَاء وَإِن عرضت حموا مِنْهَا لَكِن سَببهَا العفونة وَلَيْسَت حمى يَوْم وَاعْلَم أَن البخار الدخاني لَا يحدث بِسَبَب التُّخمَة الَّتِي الجشاء فِيهَا حامض وَذَلِكَ أَن الْمَادَّة الَّتِي طعمها حامض إِنَّمَا يتَحَلَّل مِنْهَا بخار بَارِد يسير جدا.
وَأَقُول: أَن أسهل الْأَبدَان وقوعاً فِي حمى يَوْم وأشرها مضرَّة عَلَيْهِ إِن لم يدبر بِمَا يَنْبَغِي الْبدن الَّذِي الْحَار الْيَابِس فِيهِ أَكثر وَبعده فِي الأستعداد لحمى يَوْم الَّذِي الْحَار الرطب فِيهِ أَكثر على أَنه أَكثر فِي الأستعداد للعفونة وَبعد هذَيْن الْحَار وَحده فِيهِ أَكثر وَبعده الْبدن المعتدل فَأَما الأمزجة الْبَاقِيَة فَلَا تكَاد تسرع إِلَى قبُولهَا وَلَا إِن حمت ضرها الأمساك عَن الطَّعَام كثير الضَّرَر وَأَقل مَا يكون ضَرَرا المزاج الْبَارِد الرطب فَإِذا أصَاب حمى يَوْم الَّذِي المزاج الْحَار الرطب فِيهِ أَكثر فدبره بِهَذَا التَّدْبِير إِلَّا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى التَّدْبِير وَكَذَلِكَ فدبر كل مزاج على مَا يسْتَحقّهُ.
اسْتِخْرَاج: وَلَا يغلطنك هُنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي أَمر القلوح وَغَيرهَا حَتَّى تظن أَن الْبدن الْبَارِد الطّيب)
لِأَن هَذَا القانون إِنَّمَا هُوَ إِذا احتجت أَن تولد شَيْئا كلا لما كَانَ أَو تحفظ شَيْئا على حَاله: فَأَما هَذَا المزاج الْحَادِث الْآن فَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يستأصل أَن كَانَ خَارِجا عَن الطَّبْع وَلذَلِك فَأن يحْتَاج أَن تزيد فِي تبريد الْبدن المراري وترطيبه لِأَن ذَلِك يُمكنهُ أَن يُقَاوم مَا حدث بِهِ هَذَا إِذا كَانَ استدلالك عَلَيْهَا من المزاج. فَأَما من الْمَرَض فعلى حسب قوتها فَيمكن أَن تكون حمى فِي بدن بَارِد رطب شَدِيد الْقُوَّة فتحتاج حِينَئِذٍ إِلَى تبريد أبرد وأرطب من حمى دونهَا بِكَثِير فِي بدن حَار يَابِس.
قَالَ ج: الْأَبدَان المائلة عَن الأعتدال يسْتَعْمل فِيهَا إِذا حمت إِمَّا أَشْيَاء تضَاد مزاج الْحمى وَإِمَّا أَشْيَاء مَعَ مضادتها للحمى مضادة لسوء مزاجهم مضادة بذلك الْمِقْدَار فَقَط وَلَيْسَ يحْتَاج فِي وَقَالَ: حمى يَوْم كثيرا ماتنتقل إِلَى الجنسين الآخرين إِذا أَخطَأ فِي التَّدْبِير وَأما إِذا كَانَت من سَبَب احتراق أَو تخمة أَو تَعب أَو ورم حدث فِي الأربية أَو عَن سَبَب آخر غير(4/314)
ظَاهر فَلَيْسَ تمكث إِلَى الثَّالِث أصلا إِن لم يعرض فِي تدبيرها خطأ وَإِن كَانَت حَادِثَة من سدة فَيمكن أَن تنقى بعد الثَّالِث أَن جرى على صَوَاب فَأَما الْحَادِثَة عَن تكاثف ظَاهر الْبدن فَأَنَّهَا تذْهب فِي يَوْم وَاحِد بعد أَن تعالج على مَا يَنْبَغِي.
لي الْفرق بَين السدة وتكاثف الْبدن أَن السدة دَاخِلَة فِي عمق الْبدن والتكاثف ظَاهر فِي الْجلد وكلاهنا تكون مِنْهُمَا الْحمى بِأَن يمنعا البخار إِلَّا أَن السدة أَشد تحليلاً لِأَنَّهُ غائص غائر والتكاثف أسهل وَهَذِه الْحمى أَشد أَنْوَاع حمى يَوْم وأطولها وأكثرها انتقالاً وَهِي تنْتَقل إِلَى سونوخوس من غير عفونة لَا تمنع التَّحَلُّل وَلَيْسَ السدد فِي مَكَان تتحلل بالحمام كتكاثف الْجلد بل تحْتَاج إِلَى أدوية تجلو وتقطع من دَاخل مَعَ الأستحمام لِأَن السدة غائرة دَاخِلَة فِي الأوردة الصغار أَيْضا وَجُمْلَة فَلَيْسَ السدد هُوَ التكاثف بل هَذَا نوع آخر وَهِي أطول حميات يَوْم وأعسرها علاجاً لِأَنَّهَا وَحدهَا رُبمَا نابت نَوَائِب عدَّة مَعَ حسن التَّدْبِير وَرُبمَا انْتَقَلت إِلَى سونوخوس إِن لَك تنْحَل السدد أَو يستفرغ.
قَالَ ج: لَيْسَ شَيْء من أَنْوَاع حمى يَوْم يتَجَاوَز الْيَوْم الثَّالِث إِلَّا أَن يعرض فِي أَمر الْمَرِيض خطأ خلا الْكَائِن من السدد والسددتحدث من الْأَشْيَاء إِمَّا اللزجة وَإِمَّا الغليظة وَإِمَّا الْكَثِيرَة وَأما بارز الْبدن فَيحدث عَن برد الْهَوَاء أَو عَن شمس تجفف ظَاهر الْبدن تجفيفاً قَوِيا أَو عَن مَا يقبض ظَاهرا كالشب وَغَيره وَهَذِه تَنْقَضِي فِي النّوبَة الأولى بعد أَن تعالج بِمَا يَنْبَغِي فَأَما الْحَادِثَة)
عَن سدد فَأن كَانَت السدة يسيرَة فَأَنَّهَا تَنْقَضِي أَيْضا فِي النّوبَة الاولى وَإِن كَانَت قَوِيَّة متراكبة فَأَنَّهُ لَا يُمكن تحللها فِي يَوْم وَلَا بُد من أَن تمكث أَكثر من يَوْم ويظن بهَا أَنَّهَا قد خرجت عَن جنس حمى يَوْم وَإِنَّمَا سميت حمى يَوْم لِأَنَّهَا فِي الْأَكْثَر تَنْقَضِي فِي أَربع وَعشْرين سَاعَة. هَذِه السدد الَّتِي ذكرهَا جالينوس الَّتِي يكون مِنْهَا حمى يَوْم الَّتِي كثيرا مَا تنْتَقل إِلَى سونوخس خَالِيَة عَن العفونة وَهِي السدد الَّتِي تسدد أَفْوَاه الْعُرُوق الصغار لَا مَا تسدد منافذ الْجلد وبانسداد هَذِه الرؤوس يكون الأمتلاء وَتظهر علاماته أَعنِي عَلَامَات الأمتلاء الَّذِي بِحَسب تجويف الْعُرُوق.
قَالَ ج: جَمِيع حميات يَوْم خلا الَّتِي عَن سدد شَدِيدَة تَنْقَضِي فِي يَوْم إِلَّا أَن يكون الْهَوَاء بَارِدًا أَو يكثر ترويحه بالمراوح أَو يطلى الْبدن بأشياءٍ بَارِدَة قابضة أَو يخطىء الْأَطِبَّاء عَلَيْهِ.
وَقَالَ: قد بيّنت أَن انضمام المجاري ضَرْبَان: أَحدهمَا فِي ظَاهر الْجلد يحدث عَن احراق الشَّمْس لظَاهِر الْبدن أَو عَن برد الْهَوَاء أَو عَن استحمام بِمَاء الشب والقلقند وَالْآخر غائر فِي الْبدن وَهِي السدد والسدد تكون إِمَّا لكمية الأخلاط إِذا كَانَت كَثِيرَة وَإِمَّا لكيفيتها إِذا كَانَت لزجة وَإِمَّا لَهما مَعًا. وَالْغَالِب فِي مداواة السدد الْحَادِثَة عَن كَثْرَة الأخلاط الفصد(4/315)
وَإِن كَانَت عَن كَيْفيَّة الأخلاط فبالأشياء الَّتِي تلطف وترقق الأخلاط. وَقد تنْتَقل حمى يَوْم إِلَى حمى محرقة وَإِلَى حمى دق.
لي حمى يَوْم إِذا كَانَت فِي الْأَبدَان المرارية الْيَابِسَة الحارة وَاتفقَ لأصاحبها أَن يمسكوا عَن الطَّعَام بمشورة طَبِيب انْتَقَلت إِلَى حمى دق وحميات محرقة قَوِيَّة وَإِذا كَانَت فِي الْأَبدَان الْكَثِيرَة اللَّحْم وَالدَّم انْتَقَلت إِلَى سونوخس من غير عفن.
وَقد قُلْنَا فِي هَذِه فلنقل الْآن فِي الَّتِي تنْتَقل إِلَى الدق وَإِلَى المحرقة: إِذا حم أَصْحَاب الْأَبدَان العضلة القوية القليلة اللَّحْم المرارية الحارة المزاج جدا فاحذر أَن يطول بهم الأمساك عَن الْغذَاء لِأَنَّهُ أَن طَال بهم ذَلِك وَقَعُوا فِي حمى الدق فاغذهم وبردهم ورطبهم فِي الْغَايَة لأَنهم أَن أَمْسكُوا فِي حَال الصِّحَّة عَن الطَّعَام وقتا طَويلا حموا فَكيف فِي وَقت الْحمى وَإِنَّمَا تهيج بِهَذِهِ الْأَبدَان من الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام أَو من التَّعَب حمى لِأَن هذَيْن يهيجان بخاراً كثيرا وبخار هَذِه الْأَبدَان حَار حريف فَإِذا مر نَاحيَة الْجلد بالأجسام الحساسة لذعها فاقشعرت لذَلِك وتقبضت ومنعت تحلل البخارات واحتقنت وأحدثت حمى. وبحسب كَثْرَة تِلْكَ البخارات وحدتها وَسُرْعَة حركتها وبحسب الْقُوَّة يكون عظم النافض وصغره وَذَلِكَ أَن كَثْرَة البخار وحدته وَسُرْعَة حركته)
تزيد فِي النافض وَبِالْعَكْسِ وَالْقُوَّة تسخف ذَلِك والضعف يكثر بقبضها وارتعادها مِنْهُ وبحسب اتِّفَاق هَذِه الْأَشْيَاء يكون قدر مَا يعرض من النافض والأقشعرار حَتَّى أَنه رُبمَا لم يعرض إِلَّا شبه هَذِه الْقِصَّة وذكاء الْحس مِمَّا يعين على توليد النافض.
مِثَال لِجَالِينُوسَ: أنزل أَن رجلا حَار المزاج يَابِس غَالب عَلَيْهِ الصَّفْرَاء ومعدته تولد صفراء أمسك عَن الطَّعَام وسهر واغتم واضطره امْرَهْ إِلَى الْبرد فِي طَرِيق طَوِيل بِسُرْعَة.
قَالَ: أَنه من أجل مَا تحدث الفضول المرارية من الْحَرَارَة إِلَى نَاحيَة ظَاهر بدنه يعرض لَهُ اولاً اضْطِرَاب فِي بدنه ثمَّ قشعريرة فَأن هُوَ داوم الْحَرَكَة وَلم يُبَادر إِلَى الْغذَاء حم من سَاعَته. وَقد رَأَيْت خلقا كثيرا كَذَلِك وخاصة أَن كَانَ ناقها من مرض وَمن صادفته من هَؤُلَاءِ سَاعَة ابتدأت بقشعريرة أطعمته خبْزًا مبلولاً بشراب ممزوج فسكن عَنهُ الأقشعرار. وَجُمْلَة فَأن من هَذِه حَاله أَنا أبادر فأغذوه فِي ابْتِدَاء حماه بِخبْز مبلول بشراب وَمَاء أَو بِغَيْرِهِ فأسكن بذلك نافضهم وأدفع عَنْهُم الْحمى وَكلما بادرت إِلَى أطعامهم كَانَ تسكينك للحمى عَنْهُم أَكثر بِقِيَاس مبادرتك فَإِن أَنْت أَبْطَأت فِي أطعامهم دفعت عَنْهُم أَكثر الْحمى حَتَّى أَنه رُبمَا يعرض لَهُم حرارة كَثِيرَة يُمكن أَلا أَن يحموا إِلَّا أَن حماهم لَا تكون مؤذية وَيظْهر بعْدهَا ندى فِي الْبدن فَإِن لم يظْهر فِي الْبدن ندى فحمهم واغذهم ثَانِيَة فَإِن حموا بعد ذَلِك فَلَا تغذهم فِي اول النّوبَة لَكِن إِذا أخذت فِي الأنحطاط فاغذهم من ساعتك وَلَا تنْتَظر انْقِضَاء الْحمى على التَّمام لِأَن جَمِيع الْأَبدَان الَّتِي مزاجها يَابِس قحل لَا تنقى من الْحمى نقاءً مَحْمُودًا قبل أَن يرطب الْبدن إِمَّا باستحمام أَو بأغذية رطبَة.
وَجُمْلَة اقول: أَن فِي هَذِه الْأَبدَان أبداناً تحْتَاج ان تغذى قبل نوبَة الْحمى وأبداناً(4/316)
تحْتَاج وَلَو أَنَّهَا فِي نِهَايَة الْحمى إِلَى ذَلِك وأبداناً تحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي انحطاطها وَاعْلَم أَنه لَيْسَ شَيْء أسهل توليداً للحمى من الْأَبدَان الحارة الْيَابِسَة فِي مزاجها الْأَصْلِيّ كَانَ لَهَا ذَلِك أَو الَّتِي حَالهَا فِي وَقت مَا حَال حارة يابسة باكتساب مَا مثل حَرَكَة كَبِيرَة أَو سهر أَو هم أَو غذَاء اَوْ تَدْبِير مَا حَار يَابِس أَو من الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام. وَلَا شَيْء أَشد ضَرَرا وإهلاكاً لَهُم من ذَلِك وَلَا بُد من أَن يفضوا مِنْهُ إِلَى حميات محرقة فَأن لم تعالجهم الْمَوْت مِنْهَا آل بهم إِلَى حمى دق وَمِنْهَا إِلَى الذبول وَرُبمَا وَقَعُوا فِي الدق بِلَا توَسط الحميات المحرقة وَبِالْجُمْلَةِ فالترطيب وَالطَّعَام المرطب من أعظم علاج هَؤُلَاءِ كَمَا أَن من كَانَت حماهم من سداد أَو تخم أَو امتلاء أَو ورم فالإمساك عَن الطَّعَام)
يَنْفَعهُمْ وَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن تغذوا هَؤُلَاءِ فِي وَقت انحطاط الْحمى فضلا عَن أَن تغذوهم فِي وَقت نوبتها.
وَاعْلَم أَن المَاء الْبَارِد ينفع الَّذين قدمنَا ذكرهم إِن لم يَكُونُوا قد وَقَعُوا فِي السل ونحفت أبدانهم فَإِن الْفَتى الَّذِي قد حم وَقت طُلُوع الشعرى العبور لما شرب فِي وَقت النّوبَة مَاء بَارِدًا قدر قوطولين تقيأ من سَاعَته مرَارًا أَحْمَر ثمَّ أسهل أَيْضا مرَارًا وَلما شرب بعد طَعَامه من المَاء الْبَارِد أَيْضا قوطولين لم تلبث حماه أَن طفئت.
لي مِمَّا رَأَيْت: إِذا أدخلت مَرِيضا الْحمام وأصابه نافض فَاعْلَم أَن فِي بدنه أخلاطاً مرارية وان جلده كثيف بالطبع فَلَمَّا حلهَا حر الْحمام وَجَاءَت نَحْو الْجلد لذعته وَإِنَّمَا يكون ذَلِك لِأَن هَذِه الأخلاط ترق قبل أَن ينْحل الْجلد وَكَذَا يُصِيب هَذَا من بِهِ تخم وَهُوَ فِي بَدْء نوبَة الْحمى وصعودها.
فِي أَصْنَاف الحميات: إِذا تكاثف الْجلد ثمَّ كَانَ مَا يتَحَلَّل جيدا عرض الأمتلاء وَإِن كَانَ ردياً عرضت الْحمى وَإِنَّمَا يكون ردياً فِي الْأَبدَان الردية الأخلاط إِمَّا لمزاجها أَو لِأَنَّهَا لَا تحم كثيرا وتأكل أَطْعِمَة ردية مرارية وتشرب عَلَيْهَا مياهاً عكرة عفنة كَمَاء النقائع وَنَحْوه أَو يديم الأهتمام أَو يسهر أَو يَأْخُذ أدوية حارة أَو يَأْكُل أَطْعِمَة يعرض مِنْهَا عفونة أَو تخم فَإِن هَؤُلَاءِ مَتى كثفت أبدانهم أَو عرضت لَهُم سدد فِي مجاريهم يَعْنِي منافذهم حموا.
قَالَ: وَإِذا كَانَ ذَلِك فَلَيْسَ بعجيب أَن يكون بعض من يتخم يحم وَبَعْضهمْ لَا يحم وَذَلِكَ ان من بدنه بالطبع أَو بالأكتساب رَدِيء وَلم يكن بدنه يتنفس على يَنْبَغِي ويتعب فِي غير وقته ويبادر بِالدُّخُولِ إِلَى الْحمام فَأن الْحمى تسرع إِلَيْهِ. وَمن دَمه جيد ومنافذه وَاسِعَة وَإِن عرضت لَهُ تخمة وَاسْتعْمل السّكُون وإسخان نواحي الْمعدة والكبد لم يُمكن أَن يحم لِأَن أخلاطه تنضج وَتصير محمودة فَأَما من اسْتعْمل بعد التُّخمَة حَرَكَة قَوِيَّة أَو تعرض للشمس أَو الْحمام فان ذَلِك الشَّيْء الْفَاسِد ينتشر فِي بدنه كُله فيحم لحدوث السدد وَكَذَا إِذا حدثت بعد التُّخمَة انطلاق الْبَطن فَلَيْسَ تحدث الْحمى إِلَّا أَن يكون لسَبَب آخر مثل ورم أَو تَعب أَو غير ذَلِك لِأَن الأنطلاق يمنعهُ أَن ينتشر وَيحدث سدداً.
قَالَ: لحمى يَوْم خَواص(4/317)
يشركها فِيهَا غَيرهَا وخواص لَا يشركها فِيهَا غَيرهَا فَأَما الَّتِي يشركها فِيهَا غَيرهَا فظهور النضج فِي الْبَوْل مُنْذُ أول يَوْم وَطيب حرارة الْحمى وَأما مَا لَا يشركها فِيهَا)
غَيرهَا فاستواء النبض وتزيد الْحمى من غير تضاغط فِي الْحَرَارَة وَلَا فِي النبض وَقلة عَادِية الْحمى فِي وَقت انتهائها والأجود أَن يَجْعَل هَذِه دَلَائِل هَذِه لِأَنَّهُ فِيهَا أبدا أَكثر مِنْهَا فِي غَيرهَا وَزَاد فِي أَسبَابهَا التخم والموتان.
قَالَ: وَكَذَا أَيْضا يكون انحطاطها مَعَ ندى وعرق وبخار طيب ينْحل من الْبدن كثير الفضول فيسخن من حمى يَوْم فعفنت أخلاطه فثارت بِهِ حمى عفن وَدَلِيل ذَلِك أَلا تقلع حمى يَوْم أقلاعاً صَحِيحا وَرُبمَا عرض أَن ترى عِنْد مُنْتَهى حمى يَوْم بعض الْأَعْرَاض الدَّالَّة على انقلاعها وَيكون أبين كثيرا عِنْد انحطاط تِلْكَ الْحمى بِأَن لَا يكون انحطاطها خَفِيفا سهلاً كانحطاط حمى يَوْم الَّتِي هِيَ أخف جَمِيع انحطاط الحميات.
قَالَ: من أَصَابَته حمى يَوْم من احتراق شمس فجلده يُوجد السخونة واليبس أَكثر مِمَّا يسخن من ميل النبض إِلَى الْحَرَارَة واليبس وَهُوَ أَيْضا أقل عطشاً مِمَّن حرارته مُسَاوِيَة لحرارته وَحين تضع كفك على بدنه تَجِد حرارته فِي غَايَة مُنْتَهَاهَا وَيُخَالف ذَلِك حَال من تصيبه هَذِه الْحمى من استحصاف الْبدن لأَنا نجد الْحَرَارَة فِي هَؤُلَاءِ عِنْد وضع الْيَد على أبدانهم يسيرَة ثمَّ تزيد إِذا لَبِثت وَمن أَصَابَته من شمس فرأسه خَاصَّة كَأَنَّهُ يَحْتَرِق احتراقاً وتتوق نَفسه إِلَى صب مَاء بَارِد عَلَيْهِ وَينْتَفع بِهِ أَيْضا مَعَ ذَلِك وتجد عينه أَيْضا أسخن وَأَشد امتلاء وَأَشد حمرَة مَعَ يبس وَأَن لَا يكون مَعَ تِلْكَ الْحمى زكام وَلَا نزلة لِأَنَّهُ قد يعرض الزُّكَام والنزلة لبَعض من يبلغ بِهِ حر الشَّمْس وَمَتى كَانَت تِلْكَ حَاله فان رَأسه مَعَ حرارته يكون ممتلئاً من الدَّم حَتَّى يكون عروقه ممتدة ممتلئة الَّتِي فِي الْعين وَفِي الصدغ والجبهة وَالْوَجْه كُله وَهَذَا من أعظم الدَّلَائِل على صَاحب هَذَا الْحَال وَالْفرق بَينه وَبَين من يُصِيبهُ برد أَنه إِذا كَانَ من برد فَأن بدنه أقل سخونة وَأَشد امتلاءً وَأَشد انتفاخاً وَلَا يرى فِي وَجهه شَيْء من اليبس.
فِي جمل الحميات قَالَ: انسداد المسام يكون لتكاثف الْجلد وتكاثف الْجلد لبرد أَو من أَشْيَاء قَالَ: حمى يَوْم تعرف من السَّبَب البادي وَمن أَن الْبَوْل نضيج والنبض مستو والحرارة سَاكِنة وإقلاع الْحمى مَعَ عرق أَو نداوة.
جَوَامِع البحران: العلامات الْخَاصَّة بحمى يَوْم اسْتِوَاء النبض ونضج الْبَوْل وَألا يكون مَعهَا أَعْرَاض خبيثة ردية.
حمى يَوْم إِذا كَانَت من تخمة كَانَ بَوْله مائياً وَإِذا كَانَت الْحمى من سهر كَانَ مَعهَا ميل الأجفان)
إِلَى الثّقل وتهبج الْوَجْه وَالَّتِي من غم تغور العينان وَالَّتِي من غضب تحمر عَيناهُ وتنتفخان وَكَذَا وَجهه.
حميات ابْن ماسويه قَالَ: من حميات يَوْم مَا يبْقى أَرْبَعَة أَيَّام وَخَمْسَة وَسِتَّة وَهِي(4/318)
الَّتِي تكون من سدة فِي الشرايين يسخن الدَّم فِيهَا وَلَا يعفن وَإِنَّمَا تعد هَذِه فِي حمى يَوْم لِأَنَّهَا لَيست عفونية وَلَا الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة فِيهَا حامية.
لي على مَا رَأَيْت: أَسبَاب حمى يَوْم إِن كَانَت من قبل الطَّعَام فإمَّا لكيفيته إِن كَانَ لزجاً أَو حاراً مثل الْخَرْدَل أَو لكميته بِأَن يكون كثيرا وَأَن كَانَ من شراب فلكثرته أَو لفرط حره وَإِن كَانَ من خَارج فَمثل الْمسير المسارع والصراع وَجَمِيع الحركات المتعبة وإحراق شمس أَو مكث فِي برد أَو اغتسال بِمَاء شب وكبريت وملح أَو من أَعْرَاض النَّفس مثل سهر وَغَضب وغم أَو قَالَ: خَواص الْحمى اليومية أَن تكون من سَبَب باد وَأَن الْبَوْل فِيهَا نضيج والنبض سريع كثير وخاصة فِي الأنبساط.
لي يُرِيد بذلك أَنه مشرف لِأَن الْعظم فِي الأنبساط هُوَ الإشراف وَهَذَا يدل على أَن الطبيعة تحْتَاج أَن تدخل هَوَاء كثير وَإِذا كَانَ الأنقباض أعظم دلّ على أَن فِي الْقلب بخارات حارة كَثِيرَة تحْتَاج أَن تخرج فَإِذا كَانَ الأنبساط كثيرا والأنقباض قَلِيلا دلّ على أَن البخارات الردية تحْتَاج أَن تخرج وَدَلِيله أَن الْحَاجة إِلَى الأنقباض هِيَ لإِخْرَاج البخارت وَإِلَى الأنبساط لإدخال الْهَوَاء لتبريد الْحَرَارَة فِيهِ وتصاعد الْحمى فِيهَا لَا يكرب وَلَا يُؤْذِي كَمَا يكون فِي جَمِيع حميات العفن وَأَن انْقِضَائِهَا يكون لرطوبة تخرج من الْبدن الْحَادِثَة عَن الأحتراق وَيكون رَأسه أسخن من جَمِيع بدنه وَيجب أَن يصب على رَأسه دهن ورد ونيلوفر وَمَاء الْورْد.
قَالَ: وَالَّذين حماهم من الْبرد بَوْلهمْ أَبيض ونبضهم صَغِير ونبض الَّذين أَصَابَتْهُم من اغتسال بِمَاء الشب أَصْغَر. لي هَذَا يبطل خَاصَّة حمى يَوْم الَّتِي زعم أَن الْبَوْل فِيهَا نضيج والنبض قوي سريع عَظِيم.
قَالَ: ويكب هَؤُلَاءِ على طبيخ المرزنجوش والبابونج وَيصب على رؤوسهم المَاء ويمرخون فِي الْحمام بعد الْعرق وَلَا يقرب الدّهن أبدانهم قبل أَن يعرقوا وتطعمهم أَطْعِمَة مرطبة كالإسفيذباج وتشممهم رياحين طيبَة وَالَّذين تصيبهم من الأغتسال بمياه قابضة تكون جُلُودهمْ أَشد قحولة حَتَّى كَأَنَّهَا مدبوغة ونبضهم أَكثر سرعَة وصغراً واجتماعهما وَالْبَوْل أَشد بَيَاضًا ورقة حَتَّى أَنه)
يشبه بَوْل الشَّاة وَذَلِكَ أَن بَوْل الشَّاة فِي الْأَكْثَر كَذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يكون لبث هَؤُلَاءِ فِي الْحمام أَكثر وحمامهم أسخن ويدخلونه مرَارًا كَثِيرَة وَيَنْبَغِي أَن تغذوا هَؤُلَاءِ بأغذية سريعة الهضم وَإِذا كَانَت عَن أَطْعِمَة حارة وَكَانَ الْبَوْل منصبغاً فاعطهم مِمَّا ينفع الكبد كالسكنجين بِمَاء الرُّمَّان وضمد أكبادهم بضماد الصندلين بِمَاء الْخلاف والكائنة عَن تَعب فَأن مفاصلهم تكون أسخن من جَمِيع أبدانهم وَيكون عرقهم فِي مُنْتَهى هَذِه الْحمى أقل إِلَّا أَن يَكُونُوا تعبوا تعباً يَسِيرا فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ لذَلِك عرق كثير ويجدون أعياء فِي مفاصلهم فعالجهم بالراحة والتمريخ والآبزن بعد والتمريخ بعد الآبزن لتحفظ رُطُوبَة المَاء عَلَيْهِم وغذهم بأَشْيَاء ترطبهم واسقهم الشَّرَاب الكثيرالمزاج وأطعمهم الْفَوَاكِه المبردة والحمى الْحَادِثَة عَن غضب(4/319)
تكون أَعينهم سريعة الْحَرَكَة ناتئة ووجوهم وأبدانهم ممتلئة وأبوالهم حمر والنبض كَبِير مشرف فَهَؤُلَاءِ يحتال لتسكين غضبهم وليحذروا الشَّرَاب حَتَّى يسكن غضبهم وَلَا يدخلُوا الْحمام خوفًا أَن تحمى أخلاطهم أَكثر أَو تعفن أَو ترق اكثر أَو تسيل إِلَى بعض الْأَعْضَاء وَيحدث ورم ويغذون باغذية مرطبة.
وَالَّتِي من الْغم يكون الْفِكر ظَاهرا عَلَيْهِم فدبرهم بالترطيب. والكائنة عَن سهر يكون مهبج الْوَجْه لفقد الهضم غائر الْعَينَيْنِ سَاقِط الأجفان كَأَنَّهُ يُرِيد النّوم وَيكون الْبَوْل كدراً لعدم الهضم وعلاجهم بِالنَّوْمِ ودلك الْأَطْرَاف لينحدر البخارات من رؤوسهم ويطعمون ويسقون الشَّرَاب وينومون بِاللَّيْلِ خَاصَّة فَأَنَّهُ أَجود لَهُم.
حمى يَوْم أما أَن تَنْقَضِي بتة أَو تؤول إِلَى سونوخوس أَو إِلَى دق أَو إِلَى حمى عفن فاستدل على مَا قد آلت إِلَى الدق بِلُزُوم حمى ضَعِيفَة الْحَرَارَة متساويتها وحرارة الشرايين أَكثر من الْبدن وَصغر النبض وصلابته وهيجان الْحَرَارَة عِنْد الأغتذاء يصحح لَك أَن يكون الْبدن مستعداً لَهَا وَإِذا انْتَقَلت إِلَى سونوخس صَارَت الْحَرَارَة اكثر والأمتلاء فِي الْبدن ظَاهر وَالْبدن يكون من الْأَبدَان الْكَثِيرَة الدَّم وَحمى يَوْم الْمُتَقَدّمَة لَهَا من جنس مَا يجمع فِي الْبدن امتلاء من جنس الَّتِي تحلل عَن الْبدن كالسهر والتعب وَإِذا آلت إِلَى عفن فَأَنَّهُ رُبمَا أحدثت أقشعراراً وَاخْتِلَاف النبض وصغره ولذع الْحَرَارَة ويبسها وتبعها أَعْرَاض تِلْكَ الْحمى الَّتِي آلت إِلَيْهَا.
قَالَ الْيَهُودِيّ: حمى يَوْم تعرض عَن الأمتلاء أَيْضا وَمن الأستفراغ.
لي الكائنة من الأمتلاء هِيَ الَّتِي يسميها جالينوس الكائنة من سدد فَأَما من الأستفراغ فَانْظُر فِيهِ وَيَنْبَغِي أَن تنظر فِي أَسبَاب حمى يَوْم الْبَادِيَة حَتَّى تعلم على الْحَقِيقَة أجناسها وَأَنا أَقُول: أَن)
الأستفراغ يحدث حرارة لِأَن التَّعَب والسهر إِنَّمَا هُوَ استفراغ وَبِذَلِك يحمى مزاج الْبدن لِأَن رطوباته تقل. فَيَنْبَغِي أَن تَقول: أَن حميات يَوْم تكون مِمَّا يحمي الْبدن ومزاج الْقلب وَالَّتِي تَحْمِي الْبدن إِمَّا زِيَادَة جزئية وَذَلِكَ يكون بالأغذية والاشربة والأدوية إِمَّا بالكمية وَإِمَّا بالكيفية وَمنع التَّحَلُّل من التكاثف والسدد وَإِمَّا بِنُقْصَان رُطُوبَة مِنْهُ وَذَلِكَ يكون كالكائنة عَن السهر وَالصَّوْم والحزن وَجَمِيع ماأشبه ذَلِك مِمَّا يحلل الْبدن قَلِيلا فَأن هَذَا أَيْضا بنقصانه للرطوبة يحمي الْبدن وَإِمَّا مِنْهُمَا جَمِيعًا كالكائنة من الأحتراق فِي الشَّمْس وَالْمَشْي المفرط وَنَحْو ذَلِك.
الْيَهُودِيّ قَالَ: حمى يَوْم تبدأ مُنْذُ أَولهَا بِشدَّة وَعند النتهى ذَات لين سريع حَتَّى كَانَ عظمها هُوَ الأبتداء وَحمى عفن تبدأ بلين وتصعب عِنْد النتهى وتعظم أعراضها وتطول.
قَالَ: فحمى يَوْم لَا يكون ابْتِدَاؤُهَا هيناً وَلَا مُنْتَهَاهَا صعباً وَحمى عفن بالضد والنبض النبسط فِي أول الْحمى يدل على حمى يَوْم والمنقبض على حمى عفن.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت فِي هبوط الْحمى عرقاً كثيرا فَاعْلَم أَن الْحمى لَيست يومية. قَالَ: وعماد الْأَطِبَّاء فِي معرفَة حمى يَوْم على عدم النافض وَشدَّة الأبتداء ولين الْمُنْتَهى.
البحران قَالَ: تعرف حمى يَوْم بِأَن النبض يزْدَاد فِيهَا سرعَة وتواتراً وَكَثِيرًا مَا يزْدَاد(4/320)
عظما وَيبقى لَهُ استواؤه الطبيعي والنظام واللين وَكَذَا الْبَوْل فَأَنَّهُ رُبمَا كَانَت فِيهِ غمامة حميدة أَو رسوب مَحْمُود وَكله حسن اللَّوْن وَأما الْحَرَارَة فَأَنَّهَا بخارية لَا محَالة إِلَّا أَنه رُبمَا تبين لَك ذَلِك من أول وضعك يدك عَلَيْهِ وَرُبمَا تبين بعد سَاعَة وَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء من أَعْرَاض الْحمى الخبيثة كالأنف الدَّقِيق والصدغ اللاطىء وَنَحْو ذَلِك وَبَوْل جَمِيعهم حسن أصفر مشبع وَإِذا عرضت من سهر فَأَنَّهُ يهيج لَونه وَلَا يشيل جفْنه وَصَاحب الْهم تَجف عينه وَفِي الْغَضَب لَا تغور الْعين وَلَا يصفر اللَّوْن وَلَا تَجِد عظم نبضهم نَاقِصا كَمَا ينقص فِي أَصْحَاب السهر وَالْغَم وَفِي التَّعَب يقحل الْجلد وَمن أشرف بَغْتَة صغر نبضه والمستحصف الْجلد لَا يخفى لمسه على مَا قد لمسه مَرَّات وَيبدأ أَيْضا بطول وضع الْيَد عَلَيْهِ وَلَا يكون بَوْله مشبع الصُّفْرَة وَلَا بدنه ضامراً وَلَا عينه غائرة كالتعب وَالْغَم والسهر وَلَا النبض أَيْضا أَصْغَر كالحال فِي هَؤُلَاءِ لكنه كَأَنَّهُ أعظم وأرطب.
وَالَّتِي من ورم الغدد فالنبض عَظِيم جدا وسريع متواتر جدا ويرتفع من بدنه ندى حَار لذيذ والحرارة فِي هَذِه والحدة اقل مِنْهَا فِي جَمِيعهَا وَالْوَجْه أَشد حمرَة وانتفاخاً مِنْهُ فِي حَال الصِّحَّة وَالْبَوْل يمِيل إِلَى الْبيَاض.)
أبيذيميا: إِذا كَانَت الْحمى بعقب ورم اللَّحْم الرخو الَّذِي فِي الحالب وَغَيره ثمَّ كَانَ لورم ذَلِك اللَّحْم سَبَب باد من خراج أَو ضَرْبَة أَو غير ذَلِك من خَارج فَأَنَّهَا حمى يَوْم وَإِن لم يكن كَذَلِك لَكِن ورم من ذَات نَفسه فَأَنَّهَا حمى شَرّ تدل على ورم فِي الْبَاطِن وَلَيْسَت يومية بل طَوِيلَة.
أبيذيميا: فِي حمى تَعب يَنْبَغِي أَن يصب المَاء الْحَار فِي الْحمام على رَأسه ويستحم إِلَى أَن تعرق قَالَ ج: قد عرض لي مَرَّات أَن حممت من أعياء فَعرض لي مَعَه سعال يَابِس يسير كَمَا يَقُول أبقراط وَسبب ذَلِك هُوَ فَسَاد مزاج آلَات النَّفس وَهُوَ سعال يسير لَا نفث مَعَه خَفِيف غير رَدِيء.
لي هَذَا الأعياء لَيْسَ هُوَ كالكائن من ذَات نَفسه لِأَن ذَلِك يكون عَن فَسَاد الأخلاط والأمتلاء وجالينوس شَدِيد التحفظ من ذَيْنك جدا.
لي النَّفس يجْرِي فِي كثير من الْأَشْيَاء مجْرى النبض وَسُرْعَة أخراج النَّفس تدل على أَن فِي الْقلب بخارات حارة جدا وَهَذِه انما تكون فِي حميات عفن فَإِذا رَأَيْت النَّفس يخرج بِسُرْعَة وَشدَّة فَلْيَكُن أحد دلائلك على أَن الْحمى حمى عفن كَمَا أَنه أَن كَانَ الأنقباض أعظم من الأنبساط فِي النبض علمت لَا شكّ أَنَّهَا حمى عفن لَكِن الْأَمر فِي النَّفس أبين مِنْهُ فِي النبض لِأَن مُدَّة الأنبساط والأنقباض فِيهِ أطول.
الْفُصُول: إِذا كَانَ حُدُوث الورم فِي اللَّحْم الرخو الَّذِي فِي الأربيتين وَنَحْوهمَا من سَبَب باد وَكَانَ مَعَه حمى فَلَيْسَتْ هَذِه الْحمى خبيثة بل هِيَ حمى يَوْم وَأما أَن كَانَ ذَلِك الورم من غير سَبَب باد فَأَنَّهُ لَا تكَاد تحدث إِلَّا مَعَ أورام حادة فِي الأحشاء وَلذَلِك فالحمى الَّتِي تكون مَعهَا هِيَ حمى خبيثة.(4/321)
من أَصَابَته حمى لَيست من مرار فصب على رَأسه مَاء حارا تنفضي بذلك حماه.
قَالَ ج: قد دلّ أبقراط على أَن جَمِيع الحميات الَّتِي من مرار إِذا صب على رُؤُوس أصاحبها مَاء حَار كثير انْحَلَّت لِأَن الْحمى الكائنة من أحراق شمس أَو من برد أَو من تَعب وَالَّتِي تكون من أجل المسام فَأن تِلْكَ من أجل تضايقه للبرودة أَو من انسدادها كلهَا تنْتَفع بصب المَاء الْحَار عَلَيْهَا لِأَن الْحمى تنْحَل وتنتعش بِهِ.
لي حمى يَوْم الَّتِي من سدد نعني بهَا الَّتِي تكون فِي منافذ الْبدن مفْسدَة بخلط لاحج فِيهَا وَالَّتِي تكون من أجل المسام نَوْعَانِ: نوع يضيق المسام فِي ظَاهرهَا من أجل شَيْء يقبض الْبدن إِمَّا قَابض أَو بَارِد وَالثَّانِي يكون من أجل شَيْء لاحج فِيهَا وبمقدار غلظه وكثرته تكون شدَّة)
السدة فَهَذِهِ السدة إِنَّمَا هِيَ فِي العضل الملبس على الْيَدَيْنِ لَا فِي مسام الْبَطن والأحشاء.
قَالَ: واما حميات العفن والاورام فَلَيْسَ ينفعها الأستحمام بِالْمَاءِ الْحَار إِلَّا بعد استفراغ الأخلاط الفاعلة للحمى أَو نضجها.
فِي مداواة الأسقام قَالَ: إِذا كَانَ بِصَاحِب حمى يَوْم زكام فَلَا تدخله حَماما بل صب على رَأسه أدهاناً حارة كدهن السوسن والناردين.
قَالَ: لَا يسقى من حم من امتلاء شرابًا وَلَا من حم من أخلاط حريفة ن وَهَذَا خَاصَّة اسْقِهِ مَاء صرفا وامنعه الشَّرَاب.
أغلوقن قَالَ: إِذا رَأَيْت النبض لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَو فِيهِ اخْتِلَاف قَلِيل وَالْبَوْل كبول الأصحاء أَو غير بعيد مِنْهُ وَاجْتمعت سَائِر الدَّلَائِل أَعنِي أَن لَا يكون حَالَة الْمَرِيض بَعيدا عَن حَال الصِّحَّة أَي لَا تكون حرارة الْحمى ردية فثق أَنَّهَا حمى يَوْم وَاسْتظْهر بِأَن تسْأَل هَل لَهَا سَبَب باد فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَك أَن تنْتَظر أول انحطاط النّوبَة ثمَّ تبادر بالعليل إِلَى الْحمام.
قَالَ: وَفِي انحطاط هَذِه لَا يَخْلُو عَن عرق أَو ندى فِي الْبدن كُله وَيصير الْبَوْل والنبض فِي ذَلِك الْوَقْت أَجود فَلْيَكُن هَذَا دَلِيلا لَك أَيْضا على هَذِه الْحمى وَإِن كَانَ قد عرض مَعَ تِلْكَ الْحمى وجع فِي الرَّأْس أَو غَيره لم يبْقى مَعَ انحطاطها فَاجْعَلْ رُجُوع الْمَرِيض إِلَى حَالَته الطبيعية الْبَتَّةَ عِنْد انحطاط هَذِه كالخاتمة لجَمِيع دلائلك ثمَّ تفقد حَال الْمَرِيض أَيْضا إِذا أدخلته الْحمام فَأن لم يعرض لَهُ قشعريرة لم يعتدها وَلَا غير ذَلِك من الْأَذَى وخف بدنه بعد الْحمام فثق وَتقدم واغذه بعد الْخُرُوج واسقه شرابًا بِمِقْدَار قصد على نَحْو حَاله وائذن لَهُ فِي التَّصَرُّف.
قَالَ: فَأَما أَنا فَأَنِّي أروم أَن أخبر المرضى بِالسَّبَبِ البادي الَّذِي مِنْهُ عرضت لَهُم.
قَالَ: وَالَّذين تعرض لَهُم هَذِه من الْغم اعينهم غائرة وَالَّذين عرضت لَهُم من سهر لونهم قَبِيح وأعينهم منكسرة بكد مَا يشيلون أجفانهم ونبضهم صَغِير وَأما من عرضت لَهُ من غضب فَأن نبضه أعظم وعينه غير غائرة واما من عرضت لَهُ من أعياء فجلدته قحلة وَمن عرضت لَهُ من الأستحمام بِمَاء الشب جلدته كالجلد المدبوغ وَلَا يكون حجم الْبدن فِي هَؤُلَاءِ(4/322)
ضامراً إِلَّا فِي من حم برد لكنه كَأَنَّهُ امتلاء وَالْعين ازيد جحوظاً لأَنهم ممتلئون باحتقان الأخلاط فيهم ونبضهم أَيْضا قوي. وَمن بِهِ ورم الاربية من سَبَب ظَاهر فَأن الأربية إِذا لم يكن لورمها سَبَب ظَاهر فليسوء ظَنك بِهِ.)
قَالَ: ونبض هَؤُلَاءِ أعظم من نبض جَمِيع أَصْحَاب حمى يَوْم مَعَ سرعَة وتواتر وَكَثْرَة حرارةٍ فِي اللَّمْس وَحُمرَة فِي الْوَجْه وامتلائه وانتفاخه وبولهم يمِيل إِلَى الْبيَاض فاما نبض أَصْحَاب الْغم والسهر فصغير وأبدانهم ذابلة وعيونهم غائرة وبولهم مراري وَكَذَا بَوْل أَصْحَاب التَّعَب.
قَالَ: وجميعهم يدْخل الْحمام إِلَّا من عرضت لَهُ هَذِه بِسَبَب ورم الغدد. وَإِن طَال اللّّبْث فِي هَوَاء الْحمام لم يضرّهُ شَيْء وَكَذَا من عرضت لَهُ بِسَبَب تكاثف الْجلد فَأَما غير هَؤُلَاءِ أجمع فكلهم لَا يَنْبَغِي أَن يطيلوا اللّّبْث فِي هَوَاء الْحمام ويطيلوا اللّّبْث فِي المَاء ماأحبوه واما المرخ بالدهن الفاتر فموافق لأَصْحَاب التَّعَب أَكثر مِنْهُ لجميعهم ثمَّ بعدهمْ أَصْحَاب الأستحصاف.
فَأَما الطَّعَام فَيمكن أَن يعْطى مِنْهُ أَصْحَاب التَّعَب مرَارًا وَلَا يصلح ذَلِك لأَصْحَاب الأستحصاف وَلَا لأَصْحَاب ورم فِي الغدد لِأَن هَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَدْبِير ألطف وَأما أَصْحَاب الأعياء فَيَنْبَغِي أَن يتناولوا مِنْهُ غَايَة مَا يقدرُونَ على استمرائه قُوَّة جَيِّدَة فَأَما من كَانَ بِهِ ورم الغدد فامنعه الشَّرَاب الْبَتَّةَ إِلَى أَن ينْحل ورم غدده فَأَما أَصْحَاب استحصاف الْجلد فَأن كَانَ يَسِيرا فَلَا تمنعهم من شراب يسير وَإِن كَانَ كثيرا فَلَا تعطهم مِنْهُ وخاصة أَن كَانُوا ممتلئين ولطف تدبيرهم ايضاً أَكثر.
قَالَ: وأحوجهم إِلَى الشَّرَاب أَصْحَاب السهر فأعطهم بِلَا توق إِلَّا أَن يكون صداع وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الْهم وَأَصْحَاب الْغَضَب لَا تعطهم شرابًا حَتَّى يسكن غضبهم الْبَتَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ فقابل كل شَيْء بضده فَمن حم من تَعب فبالراحة الزَّائِدَة وَالَّذِي من غضب بتطييب النَّفس وَمن حدثت بِهِ من ورم الاربية والغدد الْأُخَر الَّتِي فِي الْإِبِط بَان تقصد لتحليل ذَلِك الورم ومداواة العفن الْحَادِث عَنهُ ذَلِك الورم.
جَوَامِع أغلوقن: الْأَسْبَاب العامية لجَمِيع حمى يَوْم كلهَا هِيَ مَا يُورد على الْبدن حرا خَارِجا عَن الطَّبْع وَهِي صنفان: إِمَّا مَا يمْنَع حرارة الْبدن أَن تتفشى وَإِمَّا مَا يزِيدهُ حرارة إِن لم يكن لَهُ وَالْمَانِع حرارة الْبدن أَن تتفشى جَمِيع مَا يكثف سطح الْبدن من برد ومياه قابضة أَو أدوية أَو يسد المسام سداً لَهُ غور مَا وَهَذَا يكون على ضَرْبَيْنِ: إِمَّا من طَعَام لزج غليظ تكون فضلاته فِي الْأَعْضَاء غَلِيظَة فيرتبك فِي المسام أَو لغذاء كثير الْمِقْدَار فَأن الْبدن فِي هَذِه الْحَال وَأَن كَانَت مسامه بِحَالِهَا فَأَنَّهُ ترتبك فِيهِ الْحَرَارَة لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى مسام أَكثر وأوسع لِأَن حرارته تكون زَائِدَة فتحتاج إِلَى ترويح أَكثر. وَيدخل فِي هَذَا الْفَنّ الَّذِي يسمونه التخم والإكثار من الشَّرَاب بعد أَلا)
يكون لهَذَا الشَّرَاب ضَرَر بكيفيته بل بكميته وَفِي هَذِه الْحَال تنسد الثقب لِكَثْرَة مَا يمر فِيهَا وتكاثفه فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَنْوَاع: الْبرد يُصِيب سطح الْبدن والأشياء القابضة والأغذية الْكَثِيرَة والأغذية اللزجة.(4/323)
وَأما مَا يزِيد فِي حرارة الْبدن فَأَما أَن يكون من دَاخله وَإِمَّا من خَارجه وَإِمَّا مِنْهُمَا جَمِيعًا أما من دَاخله فبالأدوية والأغذية الحارة وحركات الْبدن وَالنَّفس والعفن وَتَحْت هَذِه من الْأَنْوَاع: التَّعَب والسهر وَالْغَضَب وَالْغَم والهم والفزع. والحرارة الزَّائِدَة فِي الْبدن من أجل خراج أَو دمل أَو نَحْو ذَلِك فَأَما الَّذِي يسخنه من ظَاهره وباطنه فكالهواء الْحَار فَجَمِيع أصنافها على هَذِه الْقِسْمَة: أما تكاثف الْجلد أَو سدد المسام أَو تَعب أَو غم أَو سهر أَو غضب أَو خوف أَو هَوَاء حَار كالصيف وَالشَّمْس أَو أغذية أَو أدوية حادة وَلَا يحدث عَن الْفَرح لأان الْفَرح يحلل الْحَرَارَة.
قَالَ: كل حمى يَوْم لَهَا سَبَب باد وَلَيْسَ كل مَا لَهُ سَبَب باد حمى يَوْم لِأَنَّهُ مُمكن أَن يثير السَّبَب البادي عفونة فَتكون الْحمى حمى عفن وكل حمى لم يتقدمها سَبَب باد فَهِيَ حمى عفن إِلَّا أَنه لَا يجب أَن يكون كل حمى عفن لَا يتقدمها سَبَب باد لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون السَّبَب البادي مهيجاً للعفن.
عَلَامَات حمى يَوْم أَن يكون الْمَرِيض إِذا استحم بعد انصرافها لَا يحس فِي الْحمام بنافض ثمَّ يعود إِلَى الْحَال الطبيعية على التَّمام وَألا يكون فِيهَا نافض وَألا يخْتَلف النبض وَأَن تكون حَرَارَتهَا فِي الصعُود غير مؤذية محرقة لَكِنَّهَا هادية بخارية وينقى مِنْهَا الْبدن نقاءً كَامِلا إِذا فَارَقت وتفارق أما بعرق أَو بندى كثير فِي الْبدن وَلَا يزَال الْبَوْل فِيهَا نضيجاً فِيهِ رسوب حميد. وَفِي حمى الْغَضَب نارية الْبَوْل مَعَ حرارة يجد العليل حسها. وَفِي حمى غم نارية الْبَوْل مَعَ حِدة يجد العليل حسها من أجل اليبس الْمُتَوَلد من الْغم وغؤور الْعين. وَفِي حمى السهر تغور الْعين إِلَّا مَعَ ميل إِلَى النعاس وانكسار الأجفان. وَفِي الْغم يكون غؤور الْعين مَعَ تحرّك شَدِيد لَا يفتر. وَفِي الْغَضَب الْعين فِيهَا جاحظة. وَفِي حمى الْغم الْوَجْه فِيهِ صفرَة مَعَ نحافة. وَفِي السهر الْوَجْه أصفر مَعَ تهبج. وَفِي الْغَضَب الْوَجْه والجسم منتفخان إِلَّا أَنه مَعَ حمرَة وَحسن حَال شَبيه بِالْخصْبِ الطبيعي.
وَفِي السهر ينتفخ الْوَجْه وَالْبدن إِلَّا أَنه مَعَ صفرَة وَسُوء حَال كالتهبج الْحَادِث من مرض. وَفِي الْغَضَب النبض مشرف عَظِيم. وَفِي الْغم صَغِير. وَفِي السهر صَغِير. وَفِي التَّعَب الْجلد يَابِس)
وَإِن كَانَ التَّعَب قَلِيلا لم يمْكث طَويلا عَنهُ الْحمى لَكِن يخرج من الْبدن رُطُوبَة تلينه وَإِن كَانَ شَدِيدا مفرطاً بَقِي اليبس فِي الْبدن فِي وَقت انحطاط الْحمى أَيْضا والشديد يَجْعَل النبض صَغِيرا إِذا حل الْقُوَّة واليسير مِنْهُ يَجْعَل النبض عَظِيما إِلَّا أَن الْقُوَّة بَاقِيَة. وَفِي الأحتراق فِي الشَّمْس الْجلد يَابِس مَعَ لهيب الرَّأْس وَالْعين وَمن التَّعَب من غير شمس يكون الْجلد يَابسا إِلَّا أَنه عديم التهاب الرَّأْس وَالْعين. تكاثف الْجلد يعرف باللمس لِأَنَّهُ صلب مكتنز كثيف كالجلد المدبوغ وَإِذا وضع عَلَيْهِ الْيَد لم يحس بالحرارة أَولا إِلَّا شَيْئا قَلِيلا لِأَنَّهَا لَا تقدر أَن تبرز إِلَى الْيَد لتكاثف الْجلد فَأن أَدِيم اللَّمْس حَتَّى يسخن الْجلد وتتسع مسامه ظَهرت لَك فَوَجَدتهَا أقوى من الَّتِي أحسست فِي أول الْأَمر كثيرا وَالْبَوْل فِي هَذِه(4/324)
الْحمى يمِيل إِلَى الصُّفْرَة أَو إِلَى الْبيَاض وَلَا يكون أَحْمَر الْبَتَّةَ لِأَن الفضول المائية قد تعفنت فِي الْبدن لتكاثف الْجلد وَلَا تكون الْعين غائرة وَكَثِيرًا مَا تكون الْعين جاحظة منتفخة وَلَا يكون النبض صَغِيرا لِأَن الْقُوَّة بَاقِيَة والحرارة كامنة.
والسهر: النبض فِيهِ قد يكون صَغِيرا. وورم الحالب إِن حدث من أجل قرحَة فِي الرجل أَو نَحْوهَا ثمَّ حدثت حمى بعقب ذَلِك فَهِيَ حمى يومية وَإِن ورم الحالب أَو الغدد بِالْجُمْلَةِ بِلَا سَبَب ظَاهر فَكَانَ مِنْهُ حمى يَوْم أَو كَانَ أَولا حمى ثمَّ ورم الحالب فالحمى حمى عفن تدل على أَن فِي الْأَعْضَاء الشَّرِيفَة امتلاء. وورم الحالب والإبط الْحمى الَّتِي تكون مِنْهُ يكون النبض فِيهَا عَظِيما جدا سَرِيعا متواتراً وحرارتها كَثِيرَة لِأَن بصاحبها مرضين حارين: ورماً وَحمى ولون الْوَجْه أَحْمَر منتفخ وَالْبَوْل مائل إِلَى الْبيَاض لِأَن المرار الصفراوية مائلة نَحْو الورم الْحَار ويرتفع فِي(4/325)
استحصاف الْبدن الْحمى الَّتِي تكون مِنْهُ يَنْبَغِي أَن يلبث فِي هَوَاء الْحمام أَكثر من جَمِيع الْأُخَر كلهَا لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى تَحْلِيل ورم الغدد. قَالَ: والحمى الْحَادِثَة عَن هَذِه تحْتَاج أَن يلبث صَاحبهَا فِي هَوَاء الْحمام كثيرا إِلَّا أَنه دون لبث من بِهِ استحصاف. من حماه من غم يلبث فِي مَاء حَار أَكثر من هَوَاء الْحمام بل اللّّبْث فِي هوائه ضار لَهُ. والتعب كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الأستحمام مِنْهُ والأرق كَذَلِك والأحتراق فِي الشَّمْس. والتعب يكثر فِي الأستحمام من الدّهن أَكثر من جَمِيعهَا ويدلك بذلك دلكا رَفِيقًا لينًا جدا معتدل الْمِقْدَار كَيْمَا يرطبه. وَالْغَم يسْتَعْمل فِيهِ الدّهن أقل من التَّعَب والسهر كَذَلِك وَجَمِيع مَا يجفف الْبدن فَأَنَّهُ يسْتَعْمل فِيهِ الدّهن أقل مِمَّا يسْتَعْمل فِي صَاحب التَّعَب والسهر كَذَلِك لِأَن صَاحب التَّعَب اجْتمع فِيهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه قد جف جفوفاً كثيرا وَيحْتَاج إِلَى دهن يرطبه وَالْآخر أَنه قد أَصَابَهُ فِي أَعْضَائِهِ شَبيه بالتمدد فَيحْتَاج إِلَى)
الدّهن ليطلق ويرخى للأستحصاف يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل الدّهن فِي الْحمام أقل من الأستعمال فِي صَاحب الْغم والأرق وَليكن مَا يسْتَعْمل مِنْهُ أَيْضا من بعد ذَلِك لينًا غير كثير الْمِقْدَار ليوسع المسام ويحلل الفضول المحتقنة فِيهِ.
ورم اللَّحْم الرخو: الدّهن والتمريخ أقل نفعا لَهُ من الَّذِي قبله لِأَنَّهُ أقل حَاجَة إِلَى التَّحَلُّل مِنْهُ.
التَّعَب يَنْبَغِي أَن يستحم بِالْمَاءِ مَرَّات كَثِيرَة بِحَسب مَا يُمكن يجلب إِلَيْهِ الْقُوَّة لِأَن أبدانهم قد جَفتْ جدا وَكَذَلِكَ أَصْحَاب الْهم والسهر يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ أَكثر من غَيرهم من أَصْحَاب الحميات الَّتِي لم تَجف أبدانهم مثل المستحصفي الْأَبدَان إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ أَيْضا أَعنِي أَصْحَاب الْهم والسهر يكتفون من المرات بِأَقَلّ مِمَّا يَكْتَفِي بِهِ صَاحب التَّعَب لِأَن أبدانهم لم تَجف جفاف أبدان أَصْحَاب التَّعَب. المستحصف يحْتَاج أَن يمْكث فِي هَوَاء الْحمام مُدَّة ليتحلل بدنه وَيحْتَاج إِلَيْهِ أَكثر من غَيره. صَاحب ورم الحالب يحْتَاج إِلَى هَوَاء الْحمام مُدَّة يسيرَة لِأَنَّهُ يحْتَاج من التَّحْلِيل إِلَى شَيْء كثير. التَّعَب يَنْبَغِي أَن يكون طَعَام من حم من تَعب كثير الْمِقْدَار سهل الأنهضام فِي مَرَّات كَثِيرَة لِأَن قوته ضَعِيفَة. وَأَصْحَاب السهر وَالْخَوْف وَالْغَم يغذون بعد الْحمام بغذاء مرطب يُولد دَمًا جيدا لِأَن هَذِه تجفف الْبدن.
استحصاف الْبدن: يَنْبَغِي أَن يكون تَدْبيره فِي غذائه لطيفاً لِأَنَّهُ يُولد دَمًا كثيرا لِأَن بدنه ممتلىء.
وورم الغدد كَذَلِك. فِي التَّعَب يسقى من الشَّرَاب مَا أمكنه أَن يشرب وينحو بذلك نَحْو الْعَادة وَالْقُوَّة وَالسّن فَأن الشَّيْخ وَالصَّبِيّ لَا يحتملان الْكثير من الشَّرَاب وَلَا الضَّعِيف وَكَذَا من لَا عَادَة لَهُ بِهِ فَلَا تطلق لَهُ إِلَّا الْيَسِير وبالضد وَكَذَلِكَ فِي الشتَاء فاجعله أَكثر مِنْهُ فِي الصَّيف وَبِالْجُمْلَةِ انح نَحْو مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وينفع الْبدن وَلَا يضرّهُ ويولد شَيْئا لَا حجا.
ورم الغدد لَا يسقى فِيهِ شراب حَتَّى يسكن ذَلِك الورم لِئَلَّا يعظم الورم. وَالْغَضَب لَا يسقى شرابًا حَتَّى يسكن غَضَبه سكوناً تَاما لِأَن الشَّرَاب يهيج الْغَضَب والأرق يسقى مِنْهُ فَأَنَّهُ نَافِع لَهُ لِأَنَّهُ ينومه. وَالْغَم يسقى فِيهِ شرابًا لِأَنَّهُ يسليه. والأستحصاف أَن كَانَ يَسِيرا يسقى مِنْهُ لِأَنَّهُ يُوسع المسام فَأن كَانَ شَدِيدا قَوِيا لم يسقى مِنْهُ لِأَنَّهُ يُمكنهُ وَيزِيد فِي الأمتلاء.
أهرن قَالَ: كل حمى من ورم الأربية والإبط إِن كَانَ فِي الْيَد وَالرجل قرحَة تورمت لذَلِك الأربية والإبط فهاج من ذَلِك حمى عفن لَكِن أَن ورمت الأربية والإبط بِلَا قرحَة تقدّمت فَهِيَ حمى عفن خبيثة.)
ابْن سرابيون: حمى يَوْم الْحَادِثَة عَن شمس وحر وسموم تكون رؤوسهم وجلودهم أسخن من رُؤُوس سَائِر أَصْحَاب الْحمى وخاصة رؤوسهم وَيكون بهم صداع وتحمر أَعينهم وتحمى فانتظر بهم سكونها. واسكب على رؤوسهم مَاء عذباً فاتراً قد طبخ فِيهِ بابونج وبنفسج ونيلوفر وَورد وادهن رؤوسهم بِهَذِهِ الأدهان أَو صب على رؤوسهم دهن ورد مفتراً وَلَا يكون بَارِدًا جدا فَأَما الْحَادِثَة عَن برد شَدِيد فَأن أبدانهم تكون منكمشة جافة تشبه حمى يَوْم الْحَادِثَة عَن الأستحمام بِمَاء الشب وبولهم أَبيض أَو مائل إِلَى الصُّفْرَة قَلِيلا لِأَنَّهُ لَا يتَحَلَّل من الْبرد شَيْء من الرطوبات ويصغر نبضهم فَاسْتعْمل فيهم بخارات الْمِيَاه الحارة الَّتِي قد طبخ فِيهَا أكليل الْملك ومرزنجوش وتجعله تَحْتهم فِي الْحمام ومرخهم بدهن مُحَلل كدهن البابونج والشبث والخيري وَلَا يدهنوا إِلَّا بعد الْعرق لَا قبل ذَلِك ويغذوا بأغذية مسخنة معتدلة كالإسفيذباج ويشربوا الشَّرَاب ويشموا الرياحين الطّيبَة. وَالَّذين يستحمون من مياه قابضة تكون جُلُودهمْ كمن مكث مُدَّة طَوِيلَة فِي مَاء العفص وَأول مَا تضع يدك على أبدانهم لَا تحس فِيهَا بحرارة لتكمش الْجلد على مَا ذكرت فأذا طَال مكثها أحسست بحرارة لِأَنَّهُ لَا يتَحَلَّل الْجلد وَيخرج البخار وَلَا يسقى هَؤُلَاءِ الشَّرَاب بعد إِلَّا أَن تفتح مسامهم لِأَنَّك أَن سقيت شرابًا وتكاثفهم شَدِيد زِدْت فِي الأمتلاء.
قَالَ: حمى يَوْم الْحَادِثَة عَن أَطْعِمَة حارة تسخن الكبد أَكثر من سَائِر الْأَعْضَاء وَلِهَذَا بَوْلهمْ أَحْمَر ويحسون فِي أكبادهم بلهيب وأعطهم النافعة للكبد مِمَّا يدر الْبَوْل مثل السكنجين السكرِي وَمَاء الرُّمَّان الحامض ويضمدوا بضماد الصندلين وكافور بِمَاء خلاف وَمَاء ورد.(4/326)
3 - (الْعرق وَمَا يدره ويمسكه وينذر بِهِ) يحصل مَا يدل عَلَيْهِ من الْأَمْرَاض الحادة فِي جَوَامِع الْعِلَل والأعراض: كَثْرَة الْعرق تكون أما لِكَثْرَة الرُّطُوبَة أَو لرقتها أَو لاتساع المسام أَو لفضل الْقُوَّة الدافعة وقلته وبالضد. وضيق المسام يكون أما من انضمام أَو سدة والأنضمام يكون إِمَّا للبرد وَإِمَّا للقبض وَإِمَّا لِكَثْرَة اللَّحْم والسدة تكون عَن أخلاط لزجة.
من الرَّابِعَة من تَدْبِير الأصحاء ينظر من الْعرق إِلَى لَونه وطعمه وريحه فِي وَقت الأستحمام فَأَنَّهُ يدل على الكيموسات الْغَالِبَة على الْبدن لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ أصفر وَرُبمَا كَانَ شَدِيد الصُّفْرَة إِذا جمع حَتَّى يكون كالجلاء يَعْنِي جلاء الصاغة وَعند ذَلِك يكون الْخَلْط الْغَالِب مرارياً خَالِصا وَرُبمَا كَانَ مائياً بلغمياً وَقد يكون حامضاً ومالحاً وَمَرا وكل ذَلِك يدل على حَال الكيموس الْغَالِب فِي الْبدن.
لي يتفقد من الْعرق لَونه وريحه وطعمه وقلته وكثرته وحرارته وبرودته واوقات خُرُوجه فَأَنَّهُ يدل فِي كل حَالَة من هَذِه الْحَالَات على شَيْء دون شَيْء.
قَالَ: وكما أَن الْبَوْل يدل على حَال مَا فِي الْعُرُوق كَذَا الْعرق يدل على مَا هُوَ خَارج الْعُرُوق أَعنِي الْفضل الملبس على الْعِظَام فَيكون إِذا غلب عَلَيْهِ البلغم أَبيض المنظر وَإِذا غلبت عَلَيْهِ الصَّفْرَاء أصفر بِمِقْدَار ذَلِك فَأن كَانَ غلبته كَثِيرَة صَار بلون الْجلاء أَعنِي جلاء الصاغة.
الْمقَالة الأولى من تقدمة الْمعرفَة: قَالَ: أما الْعرق فأفضله فِي جَمِيع الْأَمْرَاض الحادة مَا كَانَ فِي يَوْم باحورى وتخلص بِهِ العليل من حماه تخلصاً تَاما أَو مَا كَانَ فِي الْبدن كُله فَصَارَ العليل بِهِ أخف وَإِن لم يفعل أحد هذَيْن فَلَا نفع فِيهِ. وأردأ الْعرق الْبَارِد ثمَّ مَا كَانَ فِي الرَّقَبَة وَالرَّأْس فَأن هَذَا الْعرق إِذا كَانَ مَعَ حمى حادة يدل على الْمَوْت وَإِذا كَانَ مَعَ حمى هِيَ أَلين وأسكن أنذر بطول الْمَرَض.
قَالَ ج: أَن الْعرق الْكَائِن فِي يَوْم باخورى وَيكون بِهِ بحران تَامّ يكون حُدُوثه لَا محَالة فِي جَمِيع الْبدن وَكَذَا الْعرق الَّذِي يكون فِي جَمِيع الْبدن ويخف عَلَيْهِ الْمَرَض لَا محَالة يكون فِي يَوْم باحورى. وَأما الْعرق الَّذِي لَا يفعل شَيْئا من هذَيْن فرداءته يسيرَة. والكائن فِي الْبدن كُله إِلَّا أَنه يخف عَلَيْهِ الْمَرَض أَجود مِنْهُ. وَالَّذِي لَا يحدث خفاً لَكِن يزِيد فِي الْمَرَض فشر مِنْهُ وَلَو كَانَ فِي)
الْبدن كُله.
وَجَمِيع هَذِه الْأَصْنَاف حارة. والعرق الْبَارِد والكائن فِي الرَّأْس والرقبة رديئان لِأَنَّهُمَا ينذران بغشي. والبارد الْكَائِن فِي الرَّأْس والرقبة هُوَ شَرّ جَمِيع أَصْنَاف الْعرق وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ ينذر بحدوث الغشي لَكِن بِأَنَّهُ قد حدث فَانْظُر حِينَئِذٍ إِلَى الْحمى فَأن كَانَت مَعَ ذَلِك عَظِيمَة حارة فالموت لَا محَالة حَادث مَعَ كل وَاحِد من هذَيْن الصِّنْفَيْنِ من الْعرق الْبَارِد فِي جَمِيع(4/327)
الْبدن كَانَ أَو فِي الرَّأْس والرقبة فَقَط إِن كَانَت الْحمى مَعَ هَذَا الْعرق الْبَارِد هادية لينَة سَاكِنة فَأَنَّهُ مُمكن أَن تقوى الْقُوَّة على نضج تِلْكَ الأخلاط الَّتِي عَنْهَا يكون الْعرق الْبَارِد فِي طول الزَّمَان إِذا كَانَت لَا تنْحَل وتنفش من شدَّة حرارة الْحمى.
لي الْعرق حَار أَو بَارِد أَو مَائِع فِي عُضْو أَو قَلِيل أَو كثير أَو مَعَ حمى حادة أَو مَعَ حمى لينَة أَو فِي يَوْم باحورى أَو غير باحورى أَو مخفف للمرض أَو مسْقط لَهُ أَو زَائِد فِيهِ أَو فِي ابْتِدَاء الْمَرَض أَو فِي انحطاطه. والعرق الْكثير فِي الحميات إِذا كَانَ الْبدن قَوِيا يدل على فضل أَو امتلاء وَفِي الْبدن الصَّحِيح كَذَلِك وَيحْتَاج إِلَى الفصد وتقليل الْغذَاء والمسهل وَأما مَعَ الْبدن النحيف وَالْقُوَّة الساقطة فَيدل على ضعف الْقُوَّة وانحلال الْبدن بِهِ.
من كتاب مَا بَال: الْعرق الَّذِي قبل الْحمى وَالَّذِي بعد النّوبَة صَالح.
قَالَ: والعرق الْبَارِد إِنَّمَا يكون لِأَن الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْبدن لم تقو على هضم الأخلاط الْبَارِدَة.
لي الْعرق الْحَار إِنَّمَا هُوَ بخار من حرارة الْبدن يجْتَمع ويتكاثف والبارد إِنَّمَا يكون حِين يسترخي الْبدن لِأَن الْحَرَارَة تمسك الرُّطُوبَة على سَبِيل الجذب فَإِذا غارت لم يكن للرطوبات جاذب.
قَالَ: الْجنب الَّذِي ينَام عَلَيْهِ لَا يعرق لِأَنَّهُ ينضغط وَيمْنَع السيلان إِلَيْهِ. وَالنَّوْم أَكثر عرقاً من الْيَقَظَة.
الرَّابِعَة من كتاب الْفُصُول قَالَ: الْعرق الْبَارِد إِذا كَانَ مَعَ حمى حادة دلّ على الْمَوْت وَإِذا كَانَ مَعَ حمى هادية دلّ على طول الْمَرَض. قَالَ ج: التجربة تشهد بِهَذَا فِي الْأَكْثَر وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن الْعرق الْبَارِد إِذا كَانَ مَعَ حمى دلّ أَن فِي الْبدن رطوبات بَارِدَة ردية تبلغ من كميتها ورداءة كيفيتها أَلا تقوى على أسخانها الْحَرَارَة الغريزية وَلَا حرارة الْحمى الغريبة وَمثل هَذِه الرطوبات تحْتَاج إِلَى زمَان طَوِيل جدا لتنضج فِيهِ فَإِذا كَانَ مَعَ حمى حادة لم تمهل لِأَنَّهَا تحل الْقُوَّة قبل)
نضج هَذِه فَأَما أَن كَانَ الْعرق الْبَارِد مَعَ حمى هادية فممكن أَن تمهل فِيهِ مُدَّة وتنضج تِلْكَ الأخلاط وَيُمكن أَيْضا مَعَ الْحمى الفاترة أَن تكون تِلْكَ الأخلاط وَيُمكن أَيْضا مَعَ الْحمى الفاترة أَن تكون تِلْكَ الأخلاط لَيست بالكثيرة وَلَا الشَّدِيدَة الْبرد فِي الْغَايَة وَلَكِن فتورة الْحمى لم تبلغ أَن تسخنها وَلَو كَانَت الْحمى أَشد حرارة لم يكن عَنْهَا عرق بَارِد بل حَار.
قَالَ: حَيْثُ كَانَ الْعرق من الْبدن فثم الْمَرَض لِأَن الأستفراغ يكون من مَوضِع الْعلَّة فَإِذا كَانَ الْخَلْط سابحاً فِي الْبدن كُله كَانَ الْعرق فِيهِ كُله وبالضد وَذَلِكَ أَن الْعرق يكون أما باستفراغ الطبيعة للشَّيْء الْفَاضِل وَعند ذَلِك يكون الْعرق ببحران مَحْمُود وَإِمَّا بِأَن الرطوبات(4/328)
لَا تسْتَمْسك فِي الْبدن بِسَبَب الْمَرَض وعَلى أَي جنس كَانَ الْعرق فَإِنَّمَا تستفرغ فِيهِ الرُّطُوبَة من الْأَعْضَاء العليلة. الْعرق الْكثير فِي النّوم من غير سَبَب يُوجب ذَلِك يدل على أَن صَاحبه تحمل على بدنه من الْغذَاء أَكثر مِمَّا يحْتَمل فَأن كَانَ ذَلِك من غير أَن ينَال صَاحبه من الطَّعَام فَيحْتَاج إِلَى استفراغ.
قَالَ ج: صِحَة هَذَا الْفضل يكون بِأَن يحفظ مَعَ الْعرق الْكثير وَذَلِكَ أَن الْقَلِيل يُمكن أَن يكون لضعف الْقُوَّة أَو لسخافة الْبدن وكثرته تكون على وَجْهَيْن: إِمَّا لإفراط تنَاول الْأَطْعِمَة قَرِيبا وَإِذا كَانَ كَذَلِك فامنعه مِنْهُ أَو لإفراط تنَاول أَطْعِمَة قد سبقت قبل ذَلِك وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَن يستفرغ. لي لِأَن الَّذِي أفرطه عرقه لتقدم امتلائه فقد حصل الأمتلاء فِي عروقه وَالَّذِي أفرط عرقه إِنَّمَا هُوَ لثقل الطَّعَام على بدنه فَلم يبلغ بعد أَن يكثر الأمتلاء فِي عروقه وَلذَلِك إِن منعته الْغذَاء اكْتفى وَالْأول ايضاً أَن منعته مِنْهُ كفى فِي دفع ذَلِك الْعرق لَكِن الأستفراغ خير لَهُ لخلال مِنْهَا أَنه لَا يُؤمن أَن تبدر بِهِ مضرَّة فِي مُدَّة هَذِه الْأَيَّام وَمِنْهَا أَن ذَلِك خير من أَن ينهك الْقُوَّة اياماً كَثِيرَة وَمِنْهَا أَن الْبَاقِي من دَمه بعد التجويع يكون ردياً لِأَن الألطف ينْحل وَأما بالدواء فانه قَالَ: الْعرق الْكثير الَّذِي يجْرِي دَائِما حاراً كَانَ أَو بَارِدًا فالحار يدل على خفَّة الْمَرَض والبارد على عظمه. قَالَ ج: هَذَا هُوَ الْعرق الْجَارِي دَائِما فِي جَمِيع أَيَّام الْمَرَض وَهَذَا يدل على كَثْرَة الأخلاط لِأَن الْبَارِد يدل على أَنَّهَا كَثِيرَة بَارِدَة وَلذَلِك هِيَ أردأ لِأَنَّهَا أَبْطَأَ نضجاً والحارة أقل رداءة. إِذا كَانَ بِإِنْسَان حمى فَأَصَابَهُ عرق فَلم تقلع حماه فَتلك عَلامَة ردية تنذر بطول مرض وتدل على رُطُوبَة كَثِيرَة وَلذَلِك تحْتَاج الطبيعة إِلَى مُدَّة كَثِيرَة لتنضج تِلْكَ الرُّطُوبَة وَيطول لذَلِك الْمَرَض بِإِذن الله تَعَالَى وَجل.)
السَّابِعَة من الْفُصُول: إِذا حدث عَن عرق أقشعرار فرديء لِأَن أبقراط قَالَ: أَن أَعْرَاض البحران إِذا لم يكن بهَا بحران فَرُبمَا دلّت على موت وَرُبمَا دلّت على أَن البحران يعسر لِأَن الطبيعة قد رامته فَلم تطقه.
لي أَنا لَا أستحسن هَذَا من أجل أَنه لَيْسَ الْعرق من أَعْرَاض البحران بل الشَّيْء الَّذِي يكون بِهِ البحران وَرُبمَا عَنى أبقراط بذلك أَن يظْهر القلق والأضطراب وَسَائِر العلامات الَّتِي تتقدم البحران ثمَّ لَا يكون البحران فَأن ذَلِك بِالْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يكون لِأَن الْمَرَض قد تزيد زِيَادَة ردية فَيدل على موت أَو لِأَن الطبيعة قد أَرَادَت أَن تعْمل بحرانا فَلم تطق فَأَما هَهُنَا فَإِنَّمَا صَار كَذَلِك لِأَن الأستفراغ يَنْبَغِي أَن يكون أخف فَإِذا كَانَ الْعرق يجلب نافضاً بعده دلّ على أَن خللطاً كثيرا برز(4/329)
الْمقَالة السَّابِعَة: الْعرق الْكثير الْجَارِي دَائِما حاراً كَانَ أَو بَارِدًا يدل على أَنه يَنْبَغِي أَن يخرج من الْبدن رُطُوبَة أما فِي القوى فَمن فَوق وَأما فِي الضَّعِيف فَمن أَسْفَل.
قَالَ ج: اما أَن الْعرق الْكثير يدل على كَثْرَة رُطُوبَة فَصَحِيح وَأَن ذَلِك يحْتَاج أَن يستفرغ بالقيء والإسهال فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل دَائِما فِي الْقوي الْقَيْء وَلَا فِي الضَّعِيف الإسهال لَكِن يسْتَعْمل الْقَيْء والإسهال بِحَسب الْحَاجة إِلَيْهِمَا.
لي على مَا رَأَيْت فِي كتاب محنة الطَّبِيب: إِذا كَانَت الأخلاط مائلة نَحْو الْجلد فاستفرغها بالعرق. وَقَالَ فِي عليل أَرَادَ أَن يعرقه: أَنه أسخن الْبَيْت الَّذِي كَانَ فِيهِ ثمَّ أَمر أَن ينطل وَيصب على مراق بَطْنه دهن مسخن حَتَّى يبرز الْعرق ثمَّ يكف عَن الدّهن وَإنَّهُ لما فعل ذَلِك عرق.
لي وَهَذَا العليل كَانَ بِهِ ورم فِي أحشائه وَأخْبر أَنه لَو كَانَت الْعلَّة فِي عُضْو آخر لابتدأ بصب الدّهن على ذَلِك الْعُضْو.
الثَّانِيَة من أبيذيميا قَالَ: الْعرق إِذا كَانَ قبل نضج الْمَرَض لم ينْتَفع بِهِ وَإِنَّمَا يدل على كَثْرَة الرُّطُوبَة أَو على ضعف الْقُوَّة.
السَّابِعَة من السَّادِسَة من أبيذيميا: أَكثر من يَمُوت تعرق مِنْهُ الْجَبْهَة ونواحي الرَّأْس إِلَّا من يَمُوت بنزف الدَّم فَيكون لبَعْضهِم فِي الْجَبْهَة فَقَط ويبلغ فِي بَعضهم إِلَى الْعين. وكل عرق يكون على هَذَا الْوَجْه ينذر بِضعْف الْقُوَّة الحيوانية. قَالَ: وَقد يَمُوت من يكون جلده قحلاً بِلَا عرق. قَالَ فِي الْمسَائِل: يحدث الْعرق فِي من يَمُوت إِمَّا فِي الْجَبْهَة فَقَط أَو ينحدر حَتَّى يبلغ التراقي وَرُبمَا بلغ الصَّدْر.)
لي إِذا رَأَيْت ذَلِك مَعَ كد شَدِيد فَأَنْذر بِالْمَوْتِ.
الْيَهُودِيّ: إِذا كَانَ الْعرق لَا يسكن سُورَة الْحمى فالحمى طَوِيلَة.
قَالَ: وَقد رَأَيْت من كَانَ يعرق ثمَّ يحم فطالت بِهِ حماه جدا والعرق الْكثير المفرط مَعَ استطلاق الْبَطن أَو درور بَوْل أَو شَيْء من الأستفراغات رَدِيء.
الْإِسْكَنْدَر: مِمَّا يدر الْعرق جدا: أَن يسقى بعد الْخُرُوج من الْحمام جرع ماءٍ فاتر فَأَنَّهُ يعرق تعريقاً كثيرا. وَيخرج البلغم من العضل إِن خلط نطرون فِي زَيْت ودهن بِهِ صلب العليل فَأَنَّهُ يعرق فِي الْحمام وَهُوَ أَجود اسْتَعِنْ بِبَاب النافض فَأن فِيهِ معرقات والقوية مِنْهَا: الميعة والحلتيت والجاوشير والجندبادستر والأفيثمون يخلط بِعَسَل ويسقى فَأَنَّهُ يثيم ويعرق جدا والضعيف: دهن بابونج. وَالْقَوِي من الأدهان دهن يطْبخ فِيهِ عاقرقرحا وَنَحْوه.
شَمْعُون: يدر الْعرق الكمون إِذا شرب وَحب الْغَار والأنيسون والفنجنكشت والفوذنج والجعدة والمشكطرامشير والكاشم والشونيز والفستق وَمِمَّا يدره إِذا تمسح بِهِ دهن سوسن(4/330)
وبابونج والعاقرقرحا إِذا فتق فِي الدّهن والقسط وَمِمَّا يمْنَع الْعرق: عصارة الحصرم وطبيخ العفص إِذا دلك بِهِ الْبدن.
مسَائِل الْمقَالة الأولى من أبيذيميا قَالَ: الْعرق الْكَائِن قبل نضج الْمَرَض لَا ينفع الْبَتَّةَ وَهُوَ دَلِيل غير مَحْمُود لِأَنَّهُ لَيْسَ يستفرغ الْخَلْط الرَّدِيء بل يدل على كَثْرَة رُطُوبَة أَو على ضعف قُوَّة.
أريباسيوس: مِمَّا يدر الْعرق: بابونج يَابِس مدقوق مسحوق ويخلط بِزَيْت أنيسون أَو نطرون والحلتيت إِذا شرب مِنْهُ حمصة عرق.
الساهر: مِمَّا يقطع الْعرق المفرط مسح الْبدن بدهن ورد أَو دهن آس وَيصب عَلَيْهِ مَاء الآس وَمَاء ورد وَيروح بمراوح ويفرش الْبَيْت بأطراف الْأَشْجَار الْبَارِدَة. لي وَهُوَ قوي على مَا رَأَيْت هَهُنَا: يعتصر مَاء أَطْرَاف الْخلاف وورقه وَمَاء الآس وَمَاء الْورْد وَيُؤْخَذ مِنْهَا جُزْء جُزْء ويطبخ حَتَّى يذهب المَاء ويداف فِيهِ صندل أُوقِيَّة فِي رَطْل ودرهمان من كافور ويمرخ بِهِ الْبدن.
ابْن ماسويه فِي الحميات قَالَ: اقْطَعْ كَثْرَة الْعرق بدهن الآس أَو بدهن الْخلاف أَو خُذ تفاحاً وسفرجلاً من كل وَاحِد نصف رَطْل ورد يَابِس ثلث رَطْل واطبخه بِخَمْسَة أَرْطَال مَاء حَتَّى يبْقى رطلان وَصفه وألق عَلَيْهِ نصف رَطْل دهن ورد واغله إِلَى أَن يذهب المَاء وَاسْتعْمل الدّهن وَبرد مَضْجَع العليل. لي يتَّخذ دهن قوي لهَذَا.)
مابال: المَاء الْحَار يجلب الْعرق أَكثر من الْهَوَاء الْحَار. لي لذَلِك لَا شَيْء أَنْفَع فِي ابْتِدَاء الْحمى الَّتِي بنافض من شرب مَاء حَار مَرَّات والأنكباب عَلَيْهِ.
قَالَ: الْعرق إِذا مسح زَاد وَإِذا ترك انْقَطع. والعرق أبدا فِي مُؤخر الْبدن من نَاحيَة الظّهْر أَكثر وَهُوَ فِي الأعالي أَيْضا أَكثر والصدر أَيْضا يعرق أَكثر من الْبَطن والراس حماه أَكثر من سَائِر الْبدن الْعرق السخن ينذر بِبَقَاء الْحَرَارَة الغريزية والبارد بضعفها.
تياذوق قَالَ: ينفع من كَثْرَة الْعرق أَن يطْبخ أفسنتين فِي دهن آس ويدهن بِهِ.
ابْن سرابيون قَالَ: من انْحَلَّت قوته من عرق فانثر على بدنه آساً وورداً أَو ادهنه بدهن السفرجل والورد.
الثَّانِيَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: الَّتِي تمنع من الْعرق المسددة والمغرية والقابضة وبالضد.
بولس: استدع الْعرق بدثار وَسُكُون وَلَا تمسح فَأن الْعرق يجلب الْعرق وليتمضمض بِالْمَاءِ الْحَار ويتجرع مِنْهُ فَأَما مَنعه فبالتبريد وَالْحَرَكَة والنشف وَالْمسح والعرق الْكثير يجلب ضعفا وَرُبمَا أحدثت غشياً شَدِيدا فاصبغ قَمِيصًا رَقِيقا بصندل وَمَاء ورد وينشر وَيروح ويذر على الْبدن عفص وَورد مسحوقان كالغبار وكهرباء وقشر الصنوبر ويطلى الْعُضْو الَّذِي يكثر فِيهِ بسويق الشّعير مَعَ شراب عفص وَيمْسَح الْوَجْه بخل وَمَاء أَن كَانَ فِيهِ الْعرق وَقد يطلى إِذا اشْتَدَّ الْأَمر بالألعبة والصموغ وتترك حَتَّى تَجف على الْبدن فَأَنَّهُ يمْنَع الْعرق وَيمْنَع(4/331)
مِنْهُ أَيْضا الشمع ودهن الْورْد وخاصة على الْكَتِفَيْنِ والصدر والغذاء الْبَارِد الْيَابِس وترويح الْبدن. قَالَ: وَيمْنَع من الْعرق الزَّيْت قد أغلي فِيهِ آس وفوذنج وعفص وكرفس إِذا دهن بِهِ.
لي كَذَلِك يسْتَعْمل مَاء الكرفس للحصف.
مابال قَالَ: الْعرق يكون عَن المَاء الْحَار أَكثر مِنْهُ عَن الْهَوَاء الْحَار. وَإِذا مسح الْعرق ازْدَادَ وَإِذا ترك وَلم يمسح انْقَطع لِأَنَّهُ إِذا لم يمسح برد على الْبدن ومقدم الرَّأْس يعرق أَكثر من مؤخره والصدر يعرق أَكثر من الْبَطن.
لي كَانَ رجل يعرق بدنه كثيرا فَاسْتعْمل عفصاً فَذهب عَنهُ ذَلِك وَلِهَذَا أرى لمن يتَأَذَّى بِكَثْرَة عرق فِي رجلَيْهِ أَن يدمن وضعهما فِي مَاء الشب والعفص وَنَحْوهمَا.
لي يتَبَيَّن من هَذَا الْفَصْل الَّذِي أَوله الأجواف فِي الشتَاء وَالربيع وَهُوَ الأول من الْفُصُول: أَن الْعرق قد يكون إِذا لم تستول الطبيعة على الْغذَاء غَايَة الأستيلاء لنُقْصَان فِي الْحَرَارَة الغريزية فَأن ج)
قَالَ هُنَاكَ: إِن كلما كَانَت الْحَرَارَة الغريزية أقوى كَانَ التَّحَلُّل أخْفى عَن الْحس لِأَنَّهُ أذا كَانَ أَمر الْبدن يجْرِي على مَا يَنْبَغِي واستولت الطبيعة على الْغذَاء وقهرته لم ينبعث من الْجلد رُطُوبَة يحس بهَا وَلذَلِك زعم بعض القدماء أَن الْعرق خَارج عَن الطبيعة.
لي فَمن هَهُنَا قُلْنَا أَن الْعرق قد يكون أما لفضل امتلاء أَو لِأَن الطبيعة مقصرة عَن استكمال الْفِعْل فِي الْغذَاء واعرف لأي هذَيْن هُوَ بعد من الْأَحْوَال الْأُخَر وَهَذَا هُوَ الْعرق الصحي غير الْمَكْرُوه لَا المرضى والكائن بالحمام وَالْحَرَكَة. ج: الفوذنج النَّهْرِي أَن شرب بِمَاء الْعَسَل وَهُوَ يَابِس أدر الْعرق وأسخن الْبدن أسخاناً بَينا.
والآس دهنه وعصارته يقطع عرق من يكثر عرقه ويورثه ذَلِك خفقان الْفُؤَاد ويقويه أَيْضا.
بولس: الْعرق المتقطع عرق رَدِيء جدا مهلك.
الثَّانِيَة من الْحِيلَة قَالَ: الْعرق يكون لِأَن الْحَرَارَة الغريزية تضعف أَو لِأَن الرجل يكثر الْغذَاء أَو لِأَنَّهُ يَتَحَرَّك حَرَكَة شَدِيدَة.
لي إِذا كَانَ الْعرق مَعَ قلَّة الْغذَاء فَذَلِك لضعف الْحَرَارَة الغريزية.
السَّادِسَة من الْعِلَل والأعراض قَالَ: الْعرق الَّذِي عَنهُ الغشي يكون عِنْد مَا يعرض للبدن أَن يكون غذاؤه يرجع الْقَهْقَرَى.
لي سَبَب الْعرق فِي الضعْف والغشي أَنه مَتى مَالَتْ الطبيعة نَحْو الْبَاطِن خلفت ماليس بخاص بهَا بِغَيْر تَدْبِير وَلَا ماسك وَيَكْفِيك هَذَا دَلِيلا وسائقاً إِلَى تحديده.
مُفْرَدَات تدر الْعرق ج: دهن الأقحوان يدر الْعرق والانيسون والعاقرقرحا إِذا خلط بالزيت وتمسح بِهِ يدر الْعرق. ج: الفوذنج النَّهْرِي إِن شرب بِمَاء الْعَسَل يدر الْعرق. البنس يجلب الْعرق مَاء رماد خشب التِّين إِذا تمرخ بِهِ مَعَ دهن عرق.
ابْن ماسويه: مِمَّا يدره إِذا تمسح بِهِ: دهن بابونج وَحده وَمَعَ فلفل مسحوق ودهن(4/332)
الْغَار ودهن الفجل ودهن الشبث والبلسان والزراوندان إِذا ديفا فِي دهن بَان وسليخة ودارصيني ودهن سوسن. وَمِمَّا يتَّخذ لَهُ فيدره: فوذنج بري حب بِلِسَان وَعوده فنجنكشت مقل انجرة قردمانا بزر جرجير فجل سذاب حرف إِذا بخر بِهِ عرق.
روفس: الْعرق يُخَفف الثّقل والأمتلاء فِي جَمِيع الْبدن والحواس وينشط النَّفس وَيسْقط الْقُوَّة أَن أفرط وَيخرج فضول الهضم الثَّالِث ويدره: الكمون حب الْغَار انيسون فوذنج جعدة قشر)
الفجل قسط مر نمام قشور السليخة مشكرطرامشير. برنجاسف قردمانا طبيخ أصل اللفاح حلتيت كاشم بطراساليون شونيز فستق.
من تذكرة عَبدُوس: دَوَاء معرق: يدلك ببورق أرمني قد ديف فِي دهن بابونج أَو فلفل يداف فِيهِ وَلَا يمسح الْعرق فَأن بعضه يجلب بَعْضًا ويحلل الأمتلاء. ويدره قدر حمصة حلتيت إِذا شرب. وَلَا يَنْبَغِي أَن يحكم سحق البورق إِذا دلك بِهِ مَعَ الدّهن.
الْمَانِعَة من الْعرق د: دهن الآس وزيت الْإِنْفَاق والمصطكى وَشرب المَاء بدل الشَّرَاب. روفس: ابْن ماسويه: يقطعهُ دهن الْورْد والآس وكثيراء وعفص وعصارة الحصرم.
التَّذْكِرَة: إِذا خيف الغشي من كَثْرَة الْعرق فأدم مَسحه وأطل بالصندل وَمَاء ورد وكافور وكهرباء وَسَوِيق وخل وَمَاء حَيّ الْعَالم وآس وَخلاف وَيجْلس مَكَانا ريحًا جدا وَيدخل مَاء بَارِدًا جدا وَإِن أفراط الْأَمر وَلم تغن الْأَدْوِيَة فصب مَاء الثَّلج على الْأَطْرَاف. (البرَاز والقيء) (وصنوفهما وَمَا يدلا عَلَيْهِ) قَالَ ج: فِي الْمقَالة الأولى من البحران: قَالَ أبقراط: 3 (أفضل البرَاز) 3 (مَا كَانَ لينًا مُتَّصِلا يخرج فِي الْوَقْت الَّذِي جرت بِهِ الْعَادة فِي الصِّحَّة ومقداره مَا يتَنَاوَل) 3 (من الْغذَاء. فَجعل الأستدلال يُؤْخَذ من قوام البرَاز ومقداره وَخُرُوجه فِي وقته لِأَن) 3 (هَذَا البرَاز يدل على صِحَة الْبَطن الْأَسْفَل. قَالَ ج: يُرِيد بالبطن الْأَسْفَل الْمعدة وَمَا) 3 (يتَّصل بهَا وسماها بَطنا أَسْفَل ليفرق بَينهَا وَبَين تجويف الصَّدْر ولهذه الْعلَّة لم يذكر لون) 3 (البرَاز لِأَن لَونه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي تعرف حَال الْمعدة لِأَن كَون البرَاز لينًا مجتمعاً كَاف فِي) 3 (الأستدلال على حسن استمراء الطَّعَام وَألا يتَقَدَّم عَن وقته الطبيعي وَلَا يتَأَخَّر وَيكون) 3 (مِقْدَاره على قِيَاس مَا يتَنَاوَل فَمَتَى اجْتمعت هَذِه الْخِصَال فِي البرَاز وَجب أَن يكون) 3 (منهضماً نضيجاً وَلَيْسَ مَتى لم تُوجد وَاحِدَة من هَذِه الْخِصَال وَجب أَن يكون منهضماً) 3 (لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن تكون قُوَّة الْمعدة صَحِيحَة لكنه قد يعرض للشَّيْء أذا استحكم) 3 (انهضامه ونضجه أَن يجِف وتنشف رطوبته حرارة قَوِيَّة فِيمَا حول الْمعدة من الْأَعْضَاء) 3 (وَينزل البرَاز رَقِيقا لَا لِأَن الْمعدة لم تجود هضمه بل لضعف الْقُوَّة المؤدية للغذاء إِلَى) 3 (جَمِيع البد(4/333)
فَأَما الثفل اللين فَيدل بِنَفسِهِ على صِحَة الهضم وقوته وَيدل مَعَ ذَلِك على)
3 - (أَن نُفُوذ الْغذَاء قد كَانَ على مَا يجب وَيدل مَعَ هَذَا أَنه لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا يَلِي الْبَطن من)
3 - (الْأَعْضَاء حرارة مفرطة من ورم حَار وَلَا غَيره.) قَالَ: فَأن ظن ظان أَنه يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي هَذَا القَوْل أَن يكون البرَاز مستوياً فَأن ظَنّه فضل وَذَلِكَ أَن الْمُتَّصِل لَا يكون غير مستو لِأَن أجزاءه تتحد وتلتئم حَتَّى يصير كُله كَأَنَّهُ شَيْء وَاحِد فَأن كَانَ بعض أَجْزَائِهِ خشنة وَبَعضهَا رطبَة لم يكن أَن يتَّصل لَكِن يكون مُتَفَرقًا متميزاً بعضه من بعض فَأن كَانَ هَذَا هَكَذَا أَعنِي لينًا مُتَّصِلا دلّ على أَن الْمعدة صَحِيحَة وَدلّ أَيْضا على أَنه لَا عِلّة فِي شَيْء مِمَّا حول الْمعدة وعَلى أَن نُفُوذ الْغذَاء قد تمّ على مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لَو لم يكن نُفُوذه على مَا يجب من النفض وَلم يتم على مَا يَنْبَغِي لَكَانَ البرَاز رطبا وَإِذا كَانَ خُرُوج البرَاز فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ عِنْد الصِّحَّة فالهضم لم يبطىء وَلَا بِالْقُوَّةِ الممسكة وَلَا بالدافعة بلية لِأَن البرَاز إِذا تَأَخّر خُرُوجه دلّ على أبطاء الهضم أَو على مروره فِي الأمعاء وَإِذا تقدم عَن وقته دلّ على ضعف من الْقُوَّة الممسكة وَلَيْسَ يدل على فضل من قُوَّة الْقُوَّة الْمُغيرَة لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون الْمعدة فِي حَال الْمَرَض ولاسيما ومرضه حاد أقوى مِنْهَا وَهِي بِالْحَال الطبيعية ويبدو للْمَرِيض أَنَّهَا)
أَضْعَف كثيرا مِمَّا كَانَت وَهِي على الْحَال الطبيعية فَأن كَانَت سرعَة خُرُوج البرَاز مَعَ لذع فأنما كَانَت سرعَة خُرُوجه لتهيجه الدافعة فَلَيْسَ يدل هَذَا لَا على فضل قُوَّة مِنْهَا وَلَا على ضعف فَأَما البرَاز الْكَائِن خُرُوجه من غير لذع فأذا كَانَت سرعَة خُرُوجه من غير لذع وَلَا عرض آخر غَيره فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي فَيدل على أَن القوى الثَّلَاث فِي الْمعدة قَوِيَّة أَعنِي الْمُغيرَة والممسكة والدافعة وَإِذا كَانَ البرَاز أقل مِمَّا يجب بِحَسب مَا يتَنَاوَل من الْغذَاء دلّ على أَنه قد احْتبسَ مِنْهُ شَيْء فِي الْأَعْوَر أَو قولون أَو فِي بعض لفائف الأمعاء الدقاق وَذَلِكَ رَدِيء على أَي وَجه كَانَ إِذا كَانَ يدل على ضعف الدافعة وَلِأَنَّهُ لَا يبْقى شَيْء مِمَّا خُرُوجه أَجود دَاخِلا فَلذَلِك مَتى اجْتمعت هَذِه العلامات الَّتِي ذكرنَا أجمع دلّ على صِحَة الْمعدة من الْعلَّة وَمَتى كَانَ مِنْهَا شَيْء نَاقص فَرُبمَا دلّ على عِلّة فِي الْبَطن نَفسه وَرُبمَا دلّ على أَن نُفُوذ الْغذَاء نَاقص وَإِن كَانَ فِي الْأَعْضَاء الَّتِي حول الْمعدة عِلّة أَو أَن عرضا قد حدث فِي نُفُوذ البرَاز كلذع أَو نَحوه وَأما البرَاز الطبيعي على الْحَقِيقَة فَالَّذِي قد اجْتمع فِيهِ مَعَ جَمِيع مَا وَصفنَا أَمْرَانِ أَن يمِيل إِلَى الصُّفْرَة وَأَن يكون شَدِيد النتن إِلَّا أَنه أَن كَانَ أصفر مشبعاً صرفا أَو يكون لَونه لون الطَّعَام الَّذِي أَخذ دلّ أما على أَنه لم يَأْتِ الأمعاء شَيْء من المرار الْأَصْفَر أَو على أَنه قد انْدفع إِلَى الْبَطن مِنْهُ أَكثر مِمَّا يَنْبَغِي كاندفاع مرار كثير إِلَى الْبَطن فَأن كَانَ فِي أول الْمَرَض دلّ على أَن للمرار فِي ذَلِك الْمَرَض قُوَّة أَكثر مِمَّا يجب وَأَن كَانَ فِي انحطاط الْمَرَض دلّ على أَن الْبدن ينقى نقاءً مَحْمُودًا فَأَما البرَاز الَّذِي لم ينضج فَهُوَ خشن غير مسحوق ورقيق حَافظ لكيفية ذَلِك الطَّعَام الَّذِي هُوَ فضلته. وَمن البرَاز جنس ثَالِث تكون دلَالَته على انصاب الفضول إِلَى الْبَطن مثل المرار الْأَصْفَر الصّرْف فَأن هَذَا يكون إِذا انصب من الْمرة الصَّفْرَاء شَيْء كثير إِلَى الْبَطن فَأَما البرَاز الْأَخْضَر فَيدل على مرار زنجاري ق(4/334)
خالطه وَالْأسود يدل على مرّة سَوْدَاء أَو دم قد احْتَرَقَ هُنَاكَ فَأن كَانَ البرَاز يضْرب إِلَى الكمودة الرصاصية وَلم يكن الْمَرِيض أكل شَيْئا دسماً دلّ على ذوبان الْأَعْضَاء وَالْبرَاز اللزج أَيْضا يدل على ذوبان الْأَعْضَاء أَن لم يكن أكل شَيْئا لزجاً إِلَّا أَن البرَاز الدسم يكون إِذا ذاب الشَّحْم وللزج يكون إِذا ذَابَتْ الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة وَلذَلِك هُوَ أردأ من الأول كثيرا والمفرط النتن إِذا لم يكن نَتنه من الطَّعَام فَأَنَّهُ يدل على عفونة شَدِيدَة وَبِالْجُمْلَةِ انْظُر إِلَى كَيْفيَّة البرَاز مَتى لم يكن من قبل الطَّعَام فَأَما الْخَارِج مَعَ صَوت كالصرير وَالَّذِي فِيهِ زبد وَالَّذِي فِيهِ ألوان كَثِيرَة وَالَّذِي مَعَه صَوت كالصرير فَيدل على أَنه يخرج مِنْهُ ريح غَلِيظَة مَعَ رُطُوبَة)
رقيقَة والآلات الَّتِي يخرج مِنْهَا منهضمة قبل مصادمة ريح غَلِيظَة لرطوبة كَمَا أَن فِي هذَيْن الْوَجْهَيْنِ يكون الزّبد خَارِجا وَالْأول مِنْهُمَا يدل على حرارة مفرطة تذوب الْبدن وَالثَّانِي يتَوَلَّد عَن اضْطِرَاب وَأما اخْتِلَاف الألوان فَيدل على أَن فِي الكبد أخلاطاً مُخْتَلفَة وينذر بطول مرض إِلَّا أَن الأخلاط إِذا كثرت وتفشت احْتَاجَ إِلَى نضجها فِي زمَان أطول وَتَكون صعوبتها وخطرها على قدر كثرتها وقلتها وَذَلِكَ أَن الْمَرَض الْمُفْرد أسهل نضجاً وَأَقل خطراً من الْمركب من أَصْنَاف كَثِيرَة.
الأولى من الأخلاط: 3 (البرَاز الْيَابِس) 3 (يكون لحرارة نارية فِي الْبَطن أَو لطول لبثه فِي الأمعاء وتحلل رطوبته لذَلِك لِكَثْرَة المص) 3 (مِنْهُ وَإِذا كَانَ مَعَ البرَاز الصلب شَيْء قَلِيل رطب جدا فَأن ذَلِك يدل أَنه ينصب من) 3 (الكبد صديد لذاع فَلم تصبر عَلَيْهِ الأمعاء حَتَّى يخْتَلط بذلك البرَاز ويبتل وَلكنه يُبَادر) 3 (بِدَفْعِهِ البرَاز مَتى كَانَ بِحَال خَارج عَن الطَّبْع فَيَنْبَغِي أَن يقلب إِلَى ضد تِلْكَ الْحَال) 3 (وَأفضل البرَاز النضيج غير الرَّدِيء فَأَما فِي الْأَمْرَاض فقد يكون بعض أَنْوَاع البرَاز) الثَّانِيَة من تقدمة الْمعرفَة: فَأَما البرَاز فأحمده مَا كَانَ لينًا مجتمعاً وَكَانَ خُرُوجه فِي الصِّحَّة وَقِيَاسه بِمِقْدَار مَا يرد فِي الْبدن لِأَن البرَاز الَّذِي بِهَذِهِ الْحَال يدل على أَن نواحي الْبَطن السُّفْلى صَحِيحَة. وَالْبرَاز الطبيعي هُوَ الَّذِي لَا يبلغ يبسه أَن يصير كالبعر وَلَا لينًا يسيل وَيجْرِي لَكِن بِحَال يُمكن أَن يلبث مجتمعاً من غير أَن يجْرِي ويسيل وَيكون لَونه على مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَّة وَهُوَ يدل على صِحَة الْبَطن الْأَسْفَل فَأن لم يكن بِهَذِهِ الْحَال فَيدل أَن الْبَطن الْأَسْفَل مَرِيض لِأَنَّهُ مُمكن أَن يسيل إِلَيْهِ من الكبد وَالطحَال أَشْيَاء ردية تغير لون البرَاز الطبيعي وقوامه وريحه وَكَثِيرًا مَا يزِيد أَيْضا فِي كمية الرطوبات الَّتِي تنصب إِلَى الْمعدة فَلَا يكون وَقت خُرُوجه الْوَقْت الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك وَالْبرَاز الَّذِي هُوَ طبيعي لَيْسَ يدل على أَن الْبَطن الْأَسْفَل صَحِيح فَقَط بل وعَلى أَنه لَا ينصب إِلَيْهِ شَيْء من هَذِه الْأَعْضَاء وَالَّذِي لَا يشبه الطبيعي رُبمَا دلّ على أَن الْبَطن الْأَسْفَل عليل وَرُبمَا دلّ على أَنه ينصب إِلَى هَذِه الْمَوَاضِع شَيْء من الْأَعْضَاء وأصناف هَذِه الرطوبات الَّتِي تنصب كَثِيرَة فَأن كَانَ البرَاز رَقِيقا فأحمده أَلا يكون مَعَه صَوت وَلَا يكون خُرُوجه متواتراً قَلِيلا قَلِيلا لِأَنَّهُ إِذا كَانَ ذَلِك حدث للْمَرِيض أعياء من كَثْرَة الْقيام والسهر وَإِن)
كَانَ مَا يخرج مَعَ ذَلِك كثير الكمية لم يومن غشي.(4/335)
قَالَ ج: قد كَانَ يجب أَن يُقَال: يَنْبَغِي أَن يكون بِحَسب الْعَادة وَيَنْبَغِي أَن يكون البرَاز مائلاً إِلَى الصُّفْرَة وَلَا يكون شَدِيد النتن لِأَن اللَّوْن الطبيعي يضْرب إِلَى الصُّفْرَة لِأَن المرار المنحدر من الكبد يخالطه باعتدال فَأَما أَن خالطه بِلَا اعْتِدَال فَأَنَّهُ يكون شَدِيد الصُّفْرَة وَإِذا لم يخْتَلط بِهِ المرار الْبَتَّةَ فَأَنَّهُ يكون أَبيض كالحال فِي اليرقان ووينبغي أَن يضم إِلَى هَذِه الصّفة أَعنِي أَن يكون لَونه إِلَى الصُّفْرَة وَأَن لَا يكون لَهُ نَتن الْمِقْدَار الطبيعي أَعنِي الْمُجْتَمع اللين وَسَائِر صِفَاته تتمّ بذلك صِفَات البرَاز الطبيعي.
قَالَ: وَمن الْمَحْمُود أَيْضا أَن تخرج مَعَ البرَاز حيات إِذا أمعن الْمَرَض نَحْو البحران وَإِنَّمَا يحمد استفراغ الْحَيَّات إِذا كَانَت الطبيعة هِيَ الدافعة إِلَى أَسْفَل لَا إِذا خرجت من طَرِيق آخر من طرق الْأَعْرَاض.
قَالَ: وَأما 3 (البرَاز المائي الرَّقِيق) 3 (جدا والأبيض والأصفر الشَّديد الصُّفْرَة فَكلهَا ردية. قَالَ: البرَاز المائي يدل على) 3 (بطلَان النضج والأبيض يدل على أَن الْمرة لَا تنحدر والشديد الصُّفْرَة يدل على أَنه) 3 (ينحدر مِنْهَا شَيْء كثير والزبدي يدل إِمَّا على حرارة مفرطة أَو على ريح مُخَالطَة) 3 (لَهُ لِأَن الزّبد إِنَّمَا يحدث بِهَذَيْنِ السببين فَقَط وَشر البرَاز الْيَسِير الأملس الْأَبْيَض اللزج) 3 (مِنْهُ والأصفر. قَالَ: هَذَانِ جَمِيعًا يحدثان عَن ذوبان الْبدن والأبيض مِنْهُمَا اللزج) 3 (يحدث عَن ذوبان الشَّحْم وَالَّذِي يضْرب إِلَى الصُّفْرَة فإمَّا لِأَن الشَّحْم الَّذِي يذوب) 3 (أصفر وَإِمَّا لِأَن الْحَرَارَة أَشد أَو لِأَن الشَّحْم الَّذِي يذوب قد عفن بعض العفونة. وَأما) 3 (البرَاز الَّذِي يخالطه مرار زنجارى فحدوثه يكون عَن حر شَدِيد وَجَمِيع مَا يبرز من) 3 (الْبدن يكون شَدِيد الأستواء والملاسة لخلتين أما لقبوله النضج قبولاً تَاما على اسْتِوَاء) 3 (حَتَّى لَا يفوت الطبيعة شَيْء من أَجْزَائِهِ أَلا تحيله أَو لذوبان شَدِيد حَتَّى لَا يكون فِيهِ) 3 (جُزْء من أَجزَاء الْمَادَّة لم ينله ذَلِك الذوبان فَلذَلِك أفضل هَذَا إِذا كَانَ طبيعياً أَن يكون) 3 (مستوياً أملس وشره إِذا كَانَ غير طبيعي أَلا يكون أملس مستوياً. وَأما اللزوجة فقد) 3 (تكون من شدَّة حرارة أَو لكيفية الْأَطْعِمَة واذا كَانَت لكيفية الْأَطْعِمَة لم تكن كميتها)) 3 (يسيرَة. وَقد يكون من الذوبان الْقوي الشَّديد إسهال كثير الكمية إِلَّا أَنه يكون منتناً) 3 (فيفصل بَين هَذَا الإسهال وَبَين الْكَائِن من الْأَطْعِمَة لسوء الهضم أَو للأخلاط النِّيَّة إِن هَذِه) قَالَ: وأدل من هَذَا على الْمَوْت البرَاز الْأسود وَالدَّسم والأخضر والمنتن فَأَما الْأسود فَيكون من مُخَالطَة السَّوْدَاء لَهُ والأخضر من مرّة سَوْدَاء غير مَحْضَة يسيرَة الكمية وَالدَّسم من ذوبان الشَّحْم من حرارة نارية والمنتن من عفونة فِي الْبدن. وَأما البرَاز الْمُخْتَلف الألوان فَأَنَّهُ ينذر بطول الْمَرَض أَكثر مِمَّا تنذر تِلْكَ الْأَصْنَاف الْأُخَر وَلَيْسَ مَا يدل عَلَيْهِ من الْهَلَاك بِدُونِ مَا تدل عَلَيْهِ تِلْكَ وأعني بذلك مَا يكون من البرَاز يجمع أَن يكون فِيهِ خراطة ولون كراثى وأسود مختلطة مَعًا أَو وَاحِد فِي عقب الآخر. كَثْرَة الألوان فِي البرَاز دَال على كَثْرَة أخلاط مُخْتَلفَة فِي الْبدن وَلذَلِك تحْتَاج إِلَى مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى(4/336)
تنضج لِأَنَّهُ مُمكن أَن تكون فِيهِ أخلاط تحْتَاج إِلَى مُدَّة أطول وَإِن لم يكن فِيهَا أَيْضا مَا يحْتَاج فِي أنضاجه إِلَى مُدَّة طَوِيلَة فَأن الطبيعة لِأَنَّهَا تحْتَاج أَن يسْتَعْمل مَعَه تغير يطول مُدَّة نضجه فَيطول لذَلِك زمَان النضج وَلَا يُمكن أَن تخور الْقُوَّة قبل ذَلِك.
قَالَ: 3 (انفع الْقَيْء) 3 (مَا كَانَ فِيهِ بلغم مخالط للمرار جدا وَلَا يكون غليظاً جدا لِأَن الْقَيْء كلما قرب إِلَى أَن) 3 (يكون صرفا كَانَ أردأ لِأَن الْقَيْء وَالْبرَاز الصرفين إِذا كَانَا مراريين يدلان على غَلَبَة) 3 (المرار فِي الْغَايَة وَذَلِكَ رَدِيء وكل وَاحِد من الخلطين أَعنِي البلغم والمرة فَأَنَّهُ لغَلَبَة) 3 (الْحَرَارَة وهدر رطوبته وَإِذا امتزجا كَانَا أرق لِأَنَّهُمَا يعتدلان.) قَالَ: إِن كَانَ مَا يتقيأ كلون الكراث أَو أَخْضَر أَو كمداً أَو أسود فرديء فَأن تقيأ جَمِيع هَذِه فقتال جدا لِأَنَّهُ يدل على شدَّة حرارة وعفونة شَدِيدَة. جَمِيع الأراييج المنتنة العفنة ردية فِيمَا يتقيأ لِأَنَّهَا كلهَا عفنة وكل خلط تحدث فِيهِ عفونة تزداد رداءته وحرارته على مَا كَانَ قبل ذَلِك فِيهِ.
الثَّالِثَة من 3 (الْأَمْرَاض الحادة) البرَاز الشَّديد الصَّبْغ الزُّبْدِيُّ الدسم يدل على ذوبان الْبدن وَهَذَا البرَاز إِذا كَانَ شَدِيد الصَّبْغ صرف المرارية وأحدث قُرُوح الأمعاء والمعدة والتهاب مادون الشراسيف وقلقاً واضطراباً.
الثَّانِيَة من الْفُصُول: أذا كَانَ الْبَطن يستفرغ ضروباً من الأخلاط بدواء أَو بحران فَمَا كثر فَهُوَ أَجود لِأَنَّهُ يدل على أَن الْبدن ينقى من الأخلاط أَكثر إِلَّا أَن يكون مَا يستفرغ شَيْئا ردياً على الْبدن خُرُوجه كالخراطة الدَّالَّة على قرحَة وَالدَّسم الدَّال على ذوبان وَنَحْوه فَأن هَذَا مَا لم يخرج فَهُوَ خير لَهُ.
الرَّابِعَة: البرَاز الْأسود الشبيه بِالدَّمِ الْجَارِي من نَفسه مَعَ حمى كَانَ وَمَعَ غير حمى فَهُوَ أردأ العلامات وَكلما كَانَت الألوان فِي البرَاز أَكثر كَانَ أردأ فَأن كَانَ ذَلِك لشرب مسهل فَأَنَّهُ مَتى كثرت الألوان كَانَ أَحْمد. قَالَ ج: يَعْنِي بِهَذَا البرَاز الْكَائِن من الدردى الَّذِي لم يبلغ بعد أَن يصير سَوْدَاء مَحْضا. قَالَ: وَهَذَا البرَاز أَن خرج من دَوَاء مسهل للسوداء فَلَا خطر فِيهِ الْبَتَّةَ وَأَن خرج فِي آخر الْمَرَض وَبعد نضج دلّ على خير وتنقية للبدن وَأما فِي أول الْمَرَض فَلَا خير فِيهِ الْبَتَّةَ لِأَنَّهُ يدل إِمَّا على عِلّة ردية فِي الكبد وَإِمَّا على عفونة واحتراق شَدِيد فَيكون الْمَرَض لذَلِك خطراً ردياً. وَإِن كَانَ مَعَ هَذَا البرَاز الطحال عليلاً والحرارة لَيست كَثِيرَة فَتوهم أَن السَّبَب فِي ذَلِك عجز الطحال عَن جذب الْخَلْط الْأسود أَو ضعف الكبد فَبَقيَ ذَلِك الْخَلْط فِيهِ)
فَسَالَ مِنْهُ إِلَى الأمعاء وَإِذا لم يكن مَعَ ذَلِك الطحال عليلاً وَكَانَ مَعَ ذَلِك حرارة شَدِيدَة جدا ونتن فَتوهم أَن السَّبَب عفونة واحتراق.
قَالَ ج: الألوان الْكَثِيرَة إِذا خرجت من تِلْقَاء نَفسهَا ردية لِأَنَّهَا تدل على أَن فِي الْبدن أخلاطاً كَثِيرَة ردية وَإِن كَانَ لدواء مسهل فجيد لِأَنَّهَا تدل على أَن الْبدن ينقى من أخلاط كَثِيرَة ردية.
لي يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الْكَائِن من تِلْقَاء نَفسه إِذا كَانَ قبل النضج فَأَما بعد النضج فقد(4/337)
يُمكن أَن يكون الْبدن ينقى من أخلاط كَثِيرَة أَيْضا. أَي مرض خرجت فِي ابْتِدَائه الْمرة السَّوْدَاء إِمَّا من أَسْفَل وَإِمَّا من فَوق فَمن عَلَامَات الْمَوْت.
قَالَ ج: مَا دَامَ الْمَرَض فِي ابْتِدَائه فَلَيْسَ يُمكن أَن يكون مايبرز عَنهُ بِدفع الطبيعة لَهُ إِذا كَانَت الطبيعة فِي ذَلِك الْوَقْت مثقلة والأخلاط لم تنضج بعد وَأما بعد النضج فقد يكون مِنْهُ الأستفراغات الردية من أجل أَن الطبيعة تنقي الْبدن.
قَالَ ب: من نهكه مرض حاد أَو مزمن من سُقُوط قُوَّة ثمَّ خرجت مِنْهُ مرّة سَوْدَاء كَالدَّمِ الْأسود فَأَنَّهُ يَمُوت من غَد ذَلِك الْيَوْم لِأَن الْقُوَّة الساقطة لَا تفي بِأَن تبقى حَتَّى تنضج مثل هَذِه الأخلاط على رداءتها فَإِذا كَانَ الْبدن منهوكاً مهزولاً سَاقِط الْقُوَّة فخروج مثل هَذِه الأخلاط مِنْهُ يدل على شدَّة ضعف وَأَنه لَا شَيْء يمْسِكهَا وَلذَلِك لَا يتَأَخَّر الْمَوْت.
الْفُصُول السَّادِسَة: البرَاز الصّرْف الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من رُطُوبَة مائية وَإِنَّمَا يخرج مِنْهُ ذَلِك الْخَلْط الْغَالِب من جنس الصَّفْرَاء كَانَ ذَلِك أَو من جنس السَّوْدَاء أَو من جنس المرار الْأَخْضَر وكل هَذِه وَنَحْوهَا مَتى كَانَ صرفا دلّ على أَن الرُّطُوبَة الطبيعية كلهَا قد اجْتمعت من حرارة الْحمى.
قَالَ: الأختلاف الزبدى سَببه المولد لَهُ وَاحِد وأسبابه الْمُتَقَدّمَة كَثِيرَة لِأَنَّهُ قد يكون الشَّيْء الَّذِي يخْتَلف زبدياً إِذا كَانَ ينحدر من الرَّأْس إِلَى الْمعدة رُطُوبَة تخالطها ريح الْبدن وَيكون تولد هَذِه الرُّطُوبَة فِي الْمعدة والأمعاء وَكَيف كَانَ فَلَا يكون البرَاز زبدياً إِلَّا من ريح غَلِيظَة تتحرك فِي وَقت مخالطتها للرطوبة حَرَكَة شَدِيدَة حَتَّى تَنْقَطِع هِيَ وتنقسم وتقطع تِلْكَ البلغمية وتقسمها إِلَى أَجزَاء صغَار كَثِيرَة وَالسَّبَب فِي حَرَكَة هَذِه الرّيح إِمَّا حرارة كَثِيرَة وَإِمَّا أَن تكون فِي نَفسهَا متحركة.
قَالَ أبقراط: من كَانَ بِهِ اخْتِلَاف زبدى فَأن ذَلِك ينحدر من رَأسه.)
قَالَ جالينوس: قد يكون ذَلِك عَن الرَّأْس إِذا نزلت مِنْهُ نَوَازِل إِلَى الْمعدة وَيكون من غَيره على مَا ذكرنَا.
الأولى من الثَّانِيَة من أبيذيميا: الأختلاف الخراطى الزبدى يدل على أفراط الأستفراغ وَخُرُوج مَا فِي الأمعاء حَتَّى أَنَّهَا قد انجردت والأختلاف المنتن يدل على عفونة فِي الْبدن وَالصرْف الْمَحْض الَّذِي لَا يخالطه غَيره يدل على حرارة غالبة قَوِيَّة على الْبدن مفرطة والمرة السَّوْدَاء تدل على أَنهَاك الْقُوَّة.
الأولى من الثَّانِيَة: البرَاز الشبيه بالمحرق يدل على التهاب فِي الكبد.
الرَّابِعَة من الثَّالِثَة: الأختلاف الَّذِي عَلَيْهِ دسومة رَدِيء إِلَّا أَنه لَيْسَ بمهلك لَا محَالة لِأَنَّهُ مكن أَن يكون من اللَّحْم فأذا كَانَ عَلَيْهِ شبه صديد اللَّحْم ولون مشبع أصفر ونتن غَالب فَأَنَّهُ مهلك لَا محَالة لِأَن هَذَا من ذوبان اللَّحْم.(4/338)
الاولى من مسَائِل أبيذيميا: البرَاز الَّذِي يَدْعُو إِلَى قيام متواتر رَدِيء لِأَنَّهُ يسْقط الْقُوَّة. البرَاز الرَّقِيق رَدِيء لِأَنَّهُ غير نضيج وَيدل على عجز الطَّبْخ وَذَلِكَ من ضعف الْقُوَّة. وَالْبرَاز اللذاع رَدِيء لِأَنَّهُ من جنس المرار الصّرْف وَيدل على كَثْرَة السَّوْدَاء فِي الْبدن.
يُزَاد فِيهِ من بَاب تقدمة الْمعرفَة حَال البرَاز الْأسود.
روفس فِي الْمرة السَّوْدَاء: الْغذَاء يصير برازاً فِي قولون لِأَن ابْتِدَاء العفونة هُنَاكَ بَيِّنَة جدا.
الثَّالِثَة من الْأَمْرَاض الحادة: مَتى رَأَيْت مَرِيضا قد اخْتلف اخْتِلَافا ردياً الْغَالِب عَلَيْهِ المرار فحماه ذوبانية فَلَا تعطه أَشْيَاء حارة بل مَاء الشّعير وتفقد دَلِيلا وَاحِدًا وَلَو كَانَ وَاحِدًا وَلَو حسيساً من دَلَائِل النضج واسقه مَاء بَارِدًا فَأَنَّهُ ينْتَفع بِهِ.
روفس فِي البحران: يَنْبَغِي أَن يكون ثخن الرجيع كثخن الْعَسَل وَألا يلذع المقعدة وَيكون ملوناً بصفرة وَلَا يكون منتناً وَيكون بِمِقْدَار الْمَأْكُول.
من كتاب الدَّلَائِل: النتن يدل على حرارة مفرطة وإبطاء فِي الْمعدة والأمعاء وَالْخَارِج مَعَ الصَّوْت من الْمرة السَّوْدَاء لِجَالِينُوسَ: مَتى رَأَيْت برازاً أسود فَلَا تقض عَلَيْهِ بِسُرْعَة أَنه من سَوْدَاء لَكِن أَن كَانَ حامضاً عفصاً وَتبين ذَلِك فِي الشم وتغلى الأَرْض مِنْهُ فَأن السَّوْدَاء قد تبلغ من تَأَكد ذَلِك فِيهَا أَلا يخفى هَذَا مِنْهَا بالشم على من يقرب مِنْهَا وكل من يقيء السَّوْدَاء خَالِصَة وَيخْتَلف مِنْهَا فَأَنَّهُ يَمُوت لَا محَالة لِأَنَّهُ يدل على أَن الدَّم قد احْتَرَقَ غَايَة الأحتراق لِأَن هَذَا الْخَلْط يبلغ)
من كثرته أَن يظْهر لذَلِك.
السَّادِسَة من الْأَعْضَاء الألمة: رُبمَا خرج فِي علل الكبد الردية إِذا عولجت وصلحت الكبد وقوته برَاز رَدِيء جدا فِي اللَّوْن وَالرِّيح فيغلظ الْأَطِبَّاء ويظنون أَنه مهلك وَإِنَّمَا هُوَ نفض وبحران.
لي أعرف هَذَا كُله جملَة ان يُخَفف العليل مَعَه أَو يثقل الْأَمر عَلَيْهِ.
مَجْهُول: أجمع الْأَطِبَّاء على أَن الرجيع المنتفخ الَّذِي يشبه أخثاء الْبَقر يدل على الرّيح والرجيع الَّذِي اللَّوْن مِنْهُ يَجِيء أَبيض كالمدة يدل على انفجار دبيلة.
أبقراط: إِذا كَانَ البرَاز مثل قشور الترمس فِي جَمِيع الْأَمْرَاض فَهُوَ مميت والمنتن الَّذِي كرجيع الْأَطْفَال رَدِيء.(4/339)
روفس: إِذا قل الرجيع فِي مِقْدَار الطَّعَام هَاجَتْ الْحَرَارَة وَإِن كَانَ بالضد ضعف الْبَطن والرجيع اللذاع رَدِيء لِأَنَّهُ يدل على خلط لذاع واليابس رَدِيء لِأَنَّهُ يدل على شدَّة التهاب وَقلة بولس: البرَاز الشبيه بِالْأَكْلِ الخشن يدل على قلَّة الهضم والسدد والصفرة فِي اللَّوْن فِي أول الْمَرَض تدل على كَثْرَة المرار وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَقد نقه العليل فَيدل على أَنه يحْتَاج أَن يستفرغ صفراء.
البرَاز الْأَصْفَر يدل على فرط حرارة الكبد والأدكن على برودتها.(4/340)
(الْجُزْء الْخَامِس عشر) (الْحمى المطبقة والأمراض الحادة)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)(4/341)
(فارغة)(4/342)
(الْحمى المطبقة وَهِي الدموية) (والأمراض الحادة والحادثة عَن السدد القوية الَّتِي هِيَ من جنس حمى يَوْم وَلَا) (عفن مَعهَا وَسَقَى المَاء الْبَارِد وتقدمات الحميات الدائمة اسْتَعِنْ بالغب) (والمحرقة يَنْبَغِي أَن نرد تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة إِلَى هُنَا وَلَا نَتْرُك فِي بَاب الغب إِلَّا) (الغب الدائرة)
3 - (جَوَامِع البحران)
قَالَ: الغب اللَّازِمَة هِيَ المحرقة والمطبقة هِيَ حمى الدَّم وهما جَمِيعًا ينقضيان فِي الْأُسْبُوع الأول.
لى: ج يعد الْحمى المطبقة الْمُسَمَّاة سونوخس ضربا من ضروب حميات الصَّفْرَاء لِأَنَّهُ يرى أَن)
الدَّم إِذا عفن فَهُوَ صفراء. وَيجب فِي الْحق أَن يعدها نوعا على حِدته لِأَن بَين الدَّم إِذا عفن وَبَين الصَّفْرَاء إِذا عفنت بوناً بَعيدا وَقد نجد الحميات المحرقة أَشد حرارة وأيبس وأنشف من المطبقة كثيرا وَبَينهمَا أَيْضا من الْفرق أَن المحرقة لَهَا فترات مَا بعض الْأَوْقَات لَازِمَة للنوائب فَأَما المطبقة فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِك لَكِن إِمَّا أَن تبقى بِحَالِهَا إِلَى أَن تَنْقَضِي وَإِمَّا أَن تزداد شدَّة إِلَى شدتها دَائِما إِلَى أَن تَنْقَضِي وَإِمَّا أَن تزداد خفَّة إِلَى أَن تَنْقَضِي وَذَلِكَ الْوَاجِب لِأَن هَذِه الْحمى لما كَانَت من عفن الدَّم وَهُوَ على كثرته وغزارته وحصوله فِي جَوف العوق وَبعده من التَّحَلُّل وَجب أَولا أَن لَا تكون لَهَا فترات لِأَن الفترة إِمَّا أَن تكون إِذا ابتدأت مَادَّة الْحمى وَلَا تزَال مَوْجُودَة إِلَى أَن تعود فتجتمع الْمَادَّة أَيْضا ثَانِيَة وَكَثْرَة الدَّم وحصوله فِي جَوف الْعُرُوق يمنعان من ذَلِك ثمَّ تكون حَالهَا فِي اطباقها على قدر عفن الدَّم فَإِنَّهُ إِذا كَانَت العفونة فِيهِ قَوِيَّة حَتَّى أَنه لَا يفئ التنفس بهَا لم تزل تزداد وَإِن كَانَت العفونة يفئ بهَا التنفس لم تزل على حَال وَإِن كَانَت العفونة ضَعِيفَة لم تزل متناقصة وَهَذَا إِنَّمَا يكون بِحَسب العفن فِي الْأَبدَان.
3 - (سَبَب الحميات)
لي: الحميات المطبقة تكون من عفن الدَّم دَاخل الْعُرُوق وَمن عفن الصَّفْرَاء. وَقد قَالَ ج: فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب البحران: أَنه لَا يُمكن أَن يفرق بَينهمَا فِي الْيَوْم الأول وَلَا فِي الثَّانِي وَلَا فِي ذَلِك أَيْضا مَنْفَعَة لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحْتَاج أنم يعرف مِنْهَا أَنَّهَا من الحميات الحادة وَأَن بحرانها لَا يُجَاوز السَّابِع. وَج لَا يفرق بَين هَذِه والمحرقة بل يسميها محرقة.(4/343)
قَالَ: وَلَيْسَ لِأَن الْأَطِبَّاء سَموهَا سونوخس وَجب أَن لَا تكون من جنس الحميات المحرقة لِأَن الدَّم إِذا عفن فَهُوَ صفراء وَقد قُلْنَا أَن بَين الصَّفْرَاء إِذا عفنت وَبَين الدَّم إِذا عفن بوناً عَظِيما وَالَّذِي أرى أَنه يُمكن أَن يعلم أَنه من أول نوبَة نوع هَذِه الحميات وَذَلِكَ أَن الْبدن يكون فِيهَا ممتلئاً وَالْعُرُوق دارة وَالْعين حَمْرَاء وَالنَّفس ضيقا والحرارة كَثِيرَة بخارية.
من الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب البحران قَالَ: الحميات المطبقة مِنْهَا مَا لَا يكون لَهَا من حِين تبدأ إِلَى وَقت البحران تنقص وعودة وَمِنْهَا مَا تكون تشتد غبا إِلَّا أَنه لَا يكون لَهَا فِي الْأَيَّام الَّتِي فِي مَا بَين كل نوبتين من نَوَائِب الغب نوبَة أُخْرَى كالحمى الْمُسَمَّاة المطرطاوس وَهَاتَانِ جَمِيعًا من الحميات الحادة جدا الَّتِي يَأْتِي البحران فِيهَا فِي السَّابِع وَلَيْسَ هَذِه الْحمى الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي شطر الغب بِعَينهَا لَكِنَّهَا ضرب من المطبقة يشْتَد الْأَمر فِيهَا فِي الْأَيَّام الْأزْوَاج جدا.)
من الْمقَالة الأولى من أَصْنَاف الحميات قَالَ: يعرض فِي المطبقة وَهِي الْمُسَمَّاة سونوخس أَنه يلقى قَالَ: كثيرا مَا تورث هَذِه الحميات حميات دق ذبولية إِذا كَانَ صَاحبهَا مُحْتَاجا إِلَى شرب مَاء بَارِد فَمنع مِنْهُ وَلم يحتل لَهُ فِي تبريد بَطْنه بأضمدة بادرة تُوضَع على مَا دون الشراسيف والصدر فَإِن كَانَت هَذِه الْحمى من أورام الأحشاء وَوضع عَلَيْهَا الأضمدة المحللة فَإِنَّهُ يسْرع الْوُقُوع فِي الدق جدا.
لى: الحميات المطبقة تكون كثيرا من ورم الأحشاء إِذا ورمت ورماً حاراً.
3 - (أَصْنَاف الحميات)
من الْمقَالة الثَّانِيَة قَالَ: الحميات الدائمة مِنْهَا مَا يكون عَن الصَّفْرَاء وَهِي صنفان: إِحْدَاهمَا تفتر غبا وَهِي المحرقة وَالثَّانيَِة هِيَ الْمُسَمَّاة سونوخس وَهِي المطبقة أَي لَيْسَ لَهَا ابْتِدَاء وفترة من أَولهَا إِلَى آخرهَا وَمِنْهَا مَا يكون عَن السَّوْدَاء وَهِي نظيرة الغب اللَّازِمَة وَمِنْهَا عَن البلغم وَهِي نظيرة البلغمية اللَّازِمَة.
قَالَ: وأصناف الْحمى المطبقة ثَلَاث: الْبَاقِيَة بِحَال والمتزايدة والمتنقصة.
قَالَ جالينوس: وَمن الحميات الدائمة الَّتِي من الصَّفْرَاء مَا تنوب فِي الْيَوْم الثَّالِث دَائِما فَقَط وَمِنْهَا مَا تكون لَهَا فِي الْيَوْم الْمُتَوَسّط بَين كل نوبتين نوبَة وَلَيْسَ هَذِه الْحمى اسْم خَاص. وَهَذِه الحميات الَّتِي لَهَا نوبَة أُخْرَى فِيمَا بَين كل نوبتين مِنْهَا مَا يجْرِي أمره على شكل النائبة سَوَاء فَتكون كنوبتين متواليتين مِنْهَا متشابهتين وَمِنْهَا مَا تكون النوبتان غير متشابهتين بل تكون النّوبَة الثَّالِثَة مثل الأولى سَوَاء وَالرَّابِعَة مثل الثَّانِيَة فَيجْرِي أمرهَا على شكل حَنى غب وَهَذِه الْحمى خَاصَّة تكون من الْمرة الصَّفْرَاء فَأَما الَّتِي نوبتاها المتواليتان متساويتين فَإِنَّهَا تكون من خلط هُوَ إِلَى البلغم أميل.
قَالَ: وَأَنا أسمي هَذِه الحميات الشبيهة وَلَا أسمي وَاحِدَة من هَاتين شطر الغب.(4/344)
لى: تفقد فِي الحميات الدائمة أَولا يكون دوامها من أجل اتِّصَال النوائب وَيعرف ذَلِك من أدوار الحميات. وجودة الْمعرفَة بهَا تكون بِأَن تتفقد هَل ترى ابتداءها وانحطاطها محسوسا وَأَن تكون عَالما بِحَال ابْتِدَاء النوائب وانحطاطها فَإِذا حصلت ذَلِك فَإِن من الحميات الدائمة الصفراوية وَهِي المحرقة الْخَالِصَة وتنوب هَذِه وتفتر غبا وَمِنْهَا من الصَّفْرَاء الْغَيْر الْخَالِصَة حمى تنوب وَلَا تفتر غبا إِلَّا أَنه يكون بَين كل نوبتين إِلَى الْيَوْم الْمُتَوَسّط بَينهمَا نوبَة أُخْرَى. الْحمى الَّتِي تقع فِيهَا النوائب فِي الْوسط رُبمَا جرى أمرهَا على مِثَال حَال النائبة كل يَوْم حَتَّى يكون كل نوبتين)
متواليتين مِنْهَا متشابهتين وَهَذِه تكون من خلط هُوَ إِلَى البلغم أميل وَمِنْهَا مَا يكون النوبتان المتواليتان غير متشابهتين بل الَّتِي تجْرِي على حسب الغب متشابهة حَتَّى تكون الأولى مثل الثَّالِثَة وَالثَّانيَِة مثل الرَّابِعَة. وَهَذِه تكون من خلط هُوَ إِلَى الصَّفْرَاء أميل. وَحمى لَا تفتر وَلَا تغب من المطبقة وَقد شكّ فِيهَا فَزعم ج أَنَّهَا من الصَّفْرَاء لِأَن الدَّم إِذا عفن صَار صفراء وَقد قُلْنَا فِي ذَلِك أَن هَذِه ثَلَاثَة أَصْنَاف: متناقضة ومتزايدة وباقية بِحَال فَذَلِك جَمِيع الحميات الكائنة عَن الصَّفْرَاء.
وَالدَّم اللَّازِمَة سِتّ حميات فَأَما البلغمية والسوداوية فَمِنْهَا حميان لازمتان إِحْدَاهمَا تشتد ربعا وَقَالَ ج: إِنَّه قَلما تكون وَالْأُخْرَى تشتد كل يَوْم وَهِي البلغمية اللَّازِمَة وَالْغِب الْمُفَارقَة.
قَالَ: وَإِن فِي أَمر سونوخس لعجباً فَإِنَّهَا رُبمَا بقيت بِحَال وَاحِدَة سَبْعَة أَيَّام.
من جَوَامِع الحميات غير الْمُنْفَصِلَة: الحميات الْحَادِثَة عَن ورم الأحشاء كلهَا غير مُفَارقَة.
من الثَّالِثَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: تحدث حمى الكائنة عَن السدد إِذا كَانَت قَوِيَّة حمى دائمة مطبقة طبيعتها حمى يَوْم لِأَنَّهُ لَا عفن مَعهَا وَلَيْسَت ثَابِتَة فِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة.
قَالَ: وَلَا تفارق حمى يَوْم فِي الْحَقِيقَة والطبع بل فِي الِاسْم لِأَنَّهَا تبقى لابثة أَيَّامًا بِحَال لَا تنوب وَلَا تنحط.
قَالَ: وَقد سميت سونوخس إِلَّا أَن من الحميات المطبقة حمى أُخْرَى تسمى سونوخس الْفرق بَينهَا وَبَين هَذِه عَظِيم لِأَن تِلْكَ تكون عَلَامَات العفوية فِيهَا ظَاهِرَة وَتَكون عِنْد مَا تعفن الأخلاط فِي الْعُرُوق كلهَا على السوَاء وَأما هَذِه فَلَا علاما للعفوية مَعهَا الْبَتَّةَ بل هِيَ من جنس حمى يَوْم إِذا لم تتحلل الأخلاط الَّتِي ثارت لانسداد المجاري وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ مَا يتَحَلَّل من البخار من الْبدن قَلِيلا جدا بِالْإِضَافَة إِلَى مَا جرت بِهِ الْعَادة وَجب أَن يسخن وتجتمع فِيهِ أخلاط ويحم.
قَالَ: وَلَيْسَ من هَاتين الحميين تحدث فِي الْأَبدَان الْبَارِدَة القضيفة وَإِنَّمَا تحدث فِي الْأَبدَان الرّطبَة الْكَثِيرَة اللَّحْم وَالدَّم لِأَن السدد لَا تفي بتوليد الْحمى دون أَن يكون مَا يتَحَلَّل من الْبدن كثيرا غَايَة الْكَثْرَة وعفونة الأخلاط لَا يُمكن أَن تَنْتَشِر فِي الْأَبدَان الْبَارِدَة(4/345)
المزاج فِي جَمِيع الْعُرُوق الَّتِي فِيمَا الحالبين والإبطين انتشاراً سَوَاء سَرِيعا وكل شَيْء يعفن يحْتَاج أَن يكون حاراً رطبا وَأَن يَنْقَطِع عَنهُ التَّحَلُّل فَيبقى لَا يتنفس وَلذَلِك لَا تحدث المطبقة فِي الْأَسْنَان والأمزجة الْبَارِدَة طبيعياً كَانَ ذَلِك المزاج أَو مكتسباً وَكَذَا لَا تحدث هَذِه الحميات فِي الْأَبدَان القضيفة وَلَا فِي الْأَبدَان المتخلخلة)
لَكِن أَكثر مَا تحدث فِي الْأَبدَان الْكَثِيرَة الدَّم المتكاثفة أَو فِي الَّتِي هِيَ مَمْلُوءَة فضولاً حارة وَهِي متكاثفة.
قَالَ: وَكَذَا نبض من تصيبه هَذِه الْحمى الَّتِي هِيَ من جنس حمى يَوْم مستو عَظِيم جدا قوي لَا صلب وَلَا لين بل على الْحَال الطبيعية وَتَكون سرعته وتواتره بِقِيَاس عظم الْحمى فِي أحد الجنسين.
وَقَالَ: قد حم فَتى حمى مطبقة بِلَا عفن وَآخر حمى مطبقة مَعَ عفن فَأَما الَّذِي بِلَا عفن فَإِنَّهُ ابتدأت بِهِ السَّاعَة الثَّالِثَة من ذَلِك ورأيته فِي السَّاعَة الثَّالِثَة من النَّهَار فَوَجَدته محموماً حمى حارة غَايَة الْحَرَارَة إِلَّا أَن نبضه كَانَ مستوياً مسرعاً عَظِيما جدا متواتراً قَوِيا وَكَيْفِيَّة حرارة حماه كَذَلِك لَا تلذع الْبدن وَلَا تَأْكُله وَلَا تؤذيه بل كَانَت بخارية على أَنَّهَا كَانَت كَثِيرَة قَوِيَّة وَكَانَ بَوْله قَرِيبا من الْبَوْل الطبيعي وَعرفت أَنه كَانَ قطع الرياضة ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ ارتاض قبل يَوْم الْحمى بِيَوْم رياضة قَوِيَّة وَلم يستمرئ طَعَامه جيدا وحم وَكَانَ أَحْمَر اللَّوْن وَالْبدن كثير اللَّحْم وَكَانَ يَحْكِي عَن نَفسه أَنه يجد مس الامتلاء فأخرت فصده فِي وقتي ذَلِك لأنظر إِلَيْهِ بالْعَشي هَل تفارق الْحمى فَلَمَّا كَانَ بالْعَشي كَانَت بِحَالِهَا فحدست أَنَّهَا سونوخس حدثت من أجل عدم التَّحَلُّل لِكَثْرَة اللَّحْم وَكَثْرَة الدَّم وَمَكَثت الْحمى لَيْلَتهَا كَذَلِك وَلم تفصل من الْغَد من تواني الْأَطِبَّاء فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة الْيَوْم الثَّالِث والحمى بِحَالِهَا اشْتَدَّ قلقه فَبعث إِلَيّ فَوجدت الْحمى بِحَالِهَا والنبض كَمَا ذكرت وَلم أجد فِي النبض وَلَا فِي الْبَوْل وَلَا فِي كَيْفيَّة الْحَرَارَة شَيْئا يدل على عفن ففصدته وأخرجت الدَّم إِلَى أَن غشي عَلَيْهِ لِأَنِّي علمت قِيَاسا وتجربة أَن هَذَا أبلغ الْأَشْيَاء المطبقة مَتى كَانَت الْقُوَّة تحْتَمل وَأول منفعَته أَن الْبدن يَنْقَلِب إِلَى ضد المزاج الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لغَلَبَة الْبرد عَلَيْهِ فِي وَقت الغشي وَلَيْسَ يقدر على شَيْء أبلغ نفعا من هَذَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع ثمَّ لَا بُد أَن يتبع هَذَا الغشي فِي هَذِه الْأَبدَان لطلاق الطبيعة أَو قيء الصَّفْرَاء أَو تظهر بعد ذَلِك فِي الْبدن كُله ندواة وعرق على الْمَكَان وتطفأ الْحمى وتخمد وَكَذَا كَانَت فِي الْفَتى ثمَّ إِنِّي غذوته بعد الفصد بساعتين غذَاء يَسِيرا وألزمته السّكُون وعدت فِي السَّاعَة الْخَامِسَة من النَّهَار وَكَانَ يعرق فِي النّوم وَيمْسَح عرقه وَلَا يشْعر فَأمرت أَن لَا يتوانى فِي مسح عرقه وعدت بالْعَشي فَكَانَ على مِثَال ذَلِك فأنبهته وغذوته بِمَاء الشّعير وأدخلته الْحمام من غَد هَذَا الْيَوْم وغذوته.
قَالَ: والفتى الآخر تَعب نَهَاره كُله ثمَّ صب عَلَيْهِ مَاء وَتَنَاول شَيْئا يَسِيرا من طَعَام وحم بِاللَّيْلِ)
ورأيته فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَكَانَ فِي سَائِر حالاته كالمتقدم إِلَّا أَن العلامات الدَّالَّة على(4/346)
العفن كَانَت بَيِّنَة فِيهِ ففصدته وأخرجت دَمه إِلَى أَن غشي عَلَيْهِ ثمَّ انتظرت بِهِ وقتاُ صَالحا وغذوته فِي أول الْأَمر بِمَاء الْعَسَل ثمَّ بِمَاء الشّعير وَلما رَأَيْت الْحمى بعد الفصد ثَابِتَة على حَال حدست أَنَّهَا سونوخس عفونية إِلَّا أَنِّي أردْت أَن أحقق مَعْرفَتهَا هَل تنوب غبا فِي الْيَوْم الثَّالِث وَكَانَ الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي أَن تنوب فِيهِ السَّاعَة السَّابِعَة فَلم تزد لَكِن كَانَت منتقصة فِي الْيَوْم الثَّالِث بكرَة وَكَانَت فِي نصف هَذَا الْيَوْم أبين تنقصاً فَعلمت أَنه سونوخس منتقصة فغذوته فِي هَذَا الْوَقْت فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة الْخَامِس ظهر نقصانها جدا وبحسب نُقْصَان الْحمى كَانَ نضج الْبَوْل فحكمت أَنَّهَا تَنْقَضِي فِي السَّابِع فَكَانَ كَذَلِك.
قَالَ: وَقد رَأَيْت هَذِه الْحمى تتناقص مُنْذُ أَولهَا إِلَى آخرهَا مَرَّات ورأيتها تتزايد وَبَعضهَا بَاقِيَة بِحَال وَاحِدَة وَرَأَيْت بَعْضهَا تظهر مَعهَا عَلَامَات العفوية أول يَوْم وَبَعضهَا فِي الثَّالِث وَأكْثر ذَلِك فِي الرَّابِع إِذا لم يفصد الْمَرِيض عرق.
قَالَ: وَلَيْسَ أحد يحم من قبل سدة بِلَا عفوية فيتقدم فِي الفصد فتنقلب حماه إِلَى العفوية أصلا وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يخرج الدَّم إِلَى حُدُوث الغشي أَن ساعدت السن وَالْقُوَّة فَإِن لم تساعد إِحْدَاهمَا فَأخْرج أَولا مِقْدَار مَا تحمله واستدرك مَا ترَاهُ يحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه فَإِنَّهُ مَتى لم يفصد من تصيبه هَذِه الْحمى وَقع فِي غَايَة الْبلَاء وأشرف على الْخطر إِلَّا أَن يطْمع بِفضل من قوته فيتخلص برعاف قوي أَو عرق كثير.
قَالَ: فِي هَذِه الحميات إِذا حدثت خلوا من عفونة فَهِيَ على مثل مَا قُلْنَا من جنس حمى يَوْم وَمَتى كَانَت مَعهَا عفونة مُنْذُ أول أمرهَا أَو فِي آخِره فَإِنَّهُ إِن كَانَت العفونة حدثت فِي الْعُرُوق كلهَا وخاصة فِي كِبَارهَا حدثت عَنْهَا حمى مطبقة فَإِن كَانَت العفوية إِنَّمَا هِيَ فِي عُضْو وَاحِد حدثت بنوب وأدوار.
لى: انْظُر فِي هَذَا فَإِن هَذَا يدل على أَن الحميات الَّتِي من عفن أورام الأحشاء غير دائمة. وَقَالَ فِي كتاب البحران قولا كَأَنَّهُ يُنَاقض هَذَا بل اعْتمد على هَذَا القَوْل فَإِنَّهُ لَا تكون حمى مطبقة من ورم عُضْو مَا لَكِن إِذا كَانَت جَمِيع الأخلاط الَّتِي فِي الْعُرُوق قد سخنت بِالسَّوِيَّةِ وَلم يقل فِي كتاب البحران: إِنَّه يكون من ورم الأحشاء حمى مطبقة بل قَالَ: أَنه يكون من أورامها حميات محرقة هَذَا القَوْل يذهب على شدَّة حَرَارَتهَا لَا على دوامها.)
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن لَا تقتصر على ذكر النافع جدا مرّة أَو مرَّتَيْنِ.
أَقُول: إِن من حم من سدد فَأخْرج مِنْهُ بِقدر مَا تحْتَمل قوته لِأَن الْحَرَارَة قد كثرت واحتقنت فِيهِ. فَإِن لم تفعل فَإِنَّهَا ستختنق طَبِيعَته وَتصير إِلَى الغشي لَا محَالة إِلَّا أَن اتّفق لَهُ فضل قُوَّة فينجو من الْمَوْت بعرق أَو رُعَاف.
قَالَ: وَصَاحب هَذِه الْحَال تظهر فِيهِ عَلَامَات الامتلاء بِحَسب التجويف فيحمر لَونه وينتفخ بدنه.(4/347)
قَالَ: وَهَذَا الامتلاء يكون بِسَبَب صِحَة الْقُوَّة لِأَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَة الدَّم وَغَلَبَة الطبيعة قيام لطبيعة عَلَيْهِ وتنفيسها لَهُ لم يكن بُد من أَن يعفن وَلذَلِك صَار الْأَصْلَح أَن يقْصد إِلَى إِخْرَاج الدَّم لتنقى الطبيعة وَالْعُرُوق حافظة لمزاجها الطبيعي المعتدل بِبَقَاء التَّحَلُّل والتنفس لَهَا فتقوى على قهر بَاقِي الْخَلْط وإصلاحه وَالْقِيَام عَلَيْهِ لِئَلَّا يعفن كَمَا لم تزل تفعل ذَلِك.
قَالَ: فَهَذِهِ الْحمى إِن دبرهَا طَبِيب جَاهِل زَادهَا بِتَرْكِهِ استفراغ الدَّم لِأَنَّهُ إِن لم يستفرغ بَقِي عدم التَّحَلُّل والتنفس بِحَالهِ لِكَثْرَة الدَّم وَلم يعفن سَائِر أَبْوَاب العلاج شَيْئا لِأَنَّهُ إِن ذهب بِبرد ويطفئ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينفع قَلِيلا فِي أول الْأَمر إِن ذهب يحقن فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ ينفع قَلِيلا فِي أول الْأَمر فَإِنَّهُ بِبرْدِهِ يحقن وَيحبس الامتلاء فِي جَوف الْبدن لِأَن الْأَشْيَاء الَّتِي تستفرغ الامتلاء كلهَا حارة فَإِن أردْت إِن تحلل الامتلاء بهَا فِي حرارة الْحمى وَإِن اطفأت الْحمى حصرت الامتلاء وأوقفته.
قَالَ: فَلَا تدع الفصد وَلَا تنظر فِي الْأَيَّام لَكِن فِي الْقُوَّة فَإِذا كَانَت الْقُوَّة ثَابِتَة فافصد فِي السَّادِس وَالسَّابِع فَقَط بل وَسَائِر الْأَيَّام وَإِن اضطررت فِي وَقت مَا إِلَى علاج مَرِيض مُمْتَنع من الفصد بجهله وفزعه وَجَهل من الْأَطِبَّاء وَلم يكن لَك بُد من علاجه فاسقه المَاء الْبَارِد بعد أَن تستقصي النّظر وَتعلم هَل يضرّهُ أم لَا وَكم مِقْدَار ضَرَره فَإِن رَأَيْت مضرته يسيرَة فاسقه مَاء بَارِد بَالغ الْبرد ومكنه أَن يشرب مِنْهُ مَا أحب أَو أَزِيد من ذَلِك بعد أَن كَانَ مُعْتَادا لَهُ وَقت الصِّحَّة وَإِن رَأَيْت المَاء الْبَارِد يضرّهُ ضَرَرا عَظِيما فتوقه وَاسْتعْمل بدله أَشْيَاء تفتح السدد وتستفرغ الامتلاء وتطفئ حرارة الْحمى.
ومضار المَاء الْبَارِد إِذا شرب فِي غير وقته وبأكثر مِمَّا يَنْبَغِي أَنه يمْنَع الأخلاط اللزجة الغليظة الَّتِي قد أورثت السدد والورم الْحَار والحمرة أَو ورماً صلباً إِن كَانَ فِي الْبَطن مرار إِن ترق وتلطف وتتحلل فَيكون الشَّارِب لَهُ سَاعَة يشربه يجد لَهُ رَاحَة عَظِيمَة لتطفئه الْحمى لَكِن لِأَنَّهُ)
يبْقى السَّبَب قَائِما ثَابتا لَا بُد أَن يثبت حمى أُخْرَى وَرُبمَا كَانَت أصعب وَأَشد من الأولى من أجل مَا يحدثه المَاء الْبَارِد من التقبض والتكاثف فِي الْبدن وَهَذِه إِحْدَى مضاره وَهِي مضرَّة عَظِيمَة لَا يَنْبَغِي أَن يتهاون بهَا وَله مضرَّة أُخْرَى وَهِي أَنه إِن كَانَ فِي الْبدن عُضْو ضَعِيف من الأَصْل أَو لسَبَب عَارض ضره المَاء الْبَارِد فقد رَأَيْت من أضرّ بمريئه حَتَّى مَنعه الازدراد إِلَّا بكد. وَآخر أضرّ بمعدته أَو بكبده أَو بالقولون أَو برئته أَو بحجابه وأضرار بكلاه ومثانته فضعف الْعُضْو الَّذِي أضرّ بِهِ عَن فعله الْخَاص بِهِ وَقوم آخر لما شربوه فِي غير وقته وبأكثر من مِقْدَاره ضَاقَ نفسهم على الْمَكَان وتشنجوا ولحقتهم رعشة وَبِالْجُمْلَةِ فَيضر فِي جنس العصب كُله.
قَالَ: وَلَا تجبن لما قلته عَن سقيه فِي مَوْضِعه فقد رَأَيْتنِي وَأَنا اسقيه فانفع بِهِ وَلَا أضرّ بل إياك أَن تسقى من فِي أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَة ورم رخو أَو صلب وَلَا من فِي بدنه سدد وأخلاط غَلِيظَة. فَأَما مَتى رَأَيْت عَلَامَات النضج بَيِّنَة وَلم يكن ورم فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تتفقد وَاحِدَة وَهُوَ أَن لَا تكون وَلم يكن فِي الْبدن عُضْو شرِيف بَارِد المزاج يبلغ من برودته أَن يضر بِهِ المَاء الْبَارِد وَإِن كَانَ يخالطه ورم حَار فَلَا تسقه المَاء الْبَارِد حَتَّى تَنْتَهِي عَلَامَات النضج.(4/348)
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فالحميات المطبقة مِنْهَا نوع يتَوَلَّد عَن سدد مَعَ عفونة تكون فِي الْعُرُوق كلهَا فَمَتَى مَا ظَهرت فِي هَذِه عَلَامَات تدل على نضج الأخلاط فَاسق المَاء الْبَارِد بِثِقَة واتكال فَإِن طبيعة الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذا تقوت بِالْمَاءِ الْبَارِد قويت على نضج الأخلاط واجتذبت بَعْضهَا واغتذت بِهِ وَدفعت الْبَاقِي وأخرجته عَن الْبدن بالعرق أَو بإسهال أَو ببول أَو نَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ الْمَرِيض مُعْتَادا لشرب المَاء الْبَارِد فَذَلِك يزِيد فِي ثقتك لِأَنَّك قد علمت بالتجارب أَن أحشاؤه كلهَا مُحْتَملَة للْمَاء الْبَارِد لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِيهَا مَا ينكأه المَاء الْبَارِد لَكَانَ ذَلِك فِي حَال الصِّحَّة فَإِذا كَانَ فِي وَقت الصِّحَّة لم يضرّهُ فَفِي وَقت الْحمى لَا يضرّهُ. إِذا كَانَ كثير مِمَّن لم يعْتد شرب المَاء الْبَارِد ثمَّ اضْطر الْأَمر بِسَبَب حمى محرقة إِلَى شربه فشربه لم يضرّهُ ذَلِك فكم بالحرى لَا يضر من اعتاده لَا سِيمَا وَإِنَّمَا يشربه فِي وَقت هيجان حرارة كَثِيرَة تحول بَينه وَبَين الْأَعْضَاء عَن الضَّرَر لِأَن مَا فِي دَاخل الْأَعْضَاء وحولها قد التهب كُله فَيعْمل فِي المَاء الْبَارِد قبل لِقَائِه الْأَعْضَاء بل يلقاها وَهُوَ بَاقٍ على حَاله وَلذَلِك صَار المَاء الْبَارِد رديئاً للأبدان القليلة الدَّم وَاللَّحم لِأَن برودته تصل إِلَى الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة سَرِيعا وَلِهَذَا صَاحب حمى دق لَا يصلح لَهُ المَاء الْبَارِد الْبَالِغ الْبرد)
وَلَا بِمِقْدَار كثير وَأما صَاحب الْحمى المطبقة فأعظم علاجه الفصد وَالْمَاء الْبَارِد إِلَّا أَن الفصد ينفع فِي كل وَقت بعد مساعدة الْقُوَّة وَالْمَاء الْبَارِد لَا يصلح فِي كل وَقت لَكِن عِنْدَمَا يظْهر فِي النبض وَالْبَوْل عَلَامَات النضج بَيِّنَة قَوِيَّة وَتَكون الْحمى أعظم مِمَّا كَانَت قبل ذَلِك فَانْظُر قبل الفصد فِي الْأَشْيَاء الَّتِي مَضَت والأشياء الَّتِي لَا بُد ضَرُورَة أَن تتبع من ذَلِك أَنه إِن كَانَت تخمة قد تقدّمت فَلَا بُد أَن تُؤخر الفصد إِلَى أَن يستمرئ طَعَامه وَتخرج فضلته عَن الْبدن وَإِن كَانَ قد حدث شَيْء يستفرغ من الْبدن فَانْظُر فَإِن رَأَيْته كَافِيا تركت الفصد وَإِن كَانَ نَاقِصا أخرجت بِقدر مَا ينقص كَمَا يكون ذَلِك بالطمث والبواسير وتفقد الْهَوَاء وَسُرْعَة تحلل ذَلِك الْبدن وَغير ذَلِك فَإِن الْهَوَاء الْحَار وَالْبدن المتحلل يعين على كَثْرَة الاستفراغ من الْبدن وَهَذِه كلهَا تدل على أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يكثر خُرُوج الدَّم وَكَذَا من فَم معدته سريعة الْحس أَو ضيقَة أَو ضَعِيفَة أَو يتَوَلَّد فِيهَا مرار كثير فِي فمها.
قَالَ: وأضداد هَذِه توجب إِخْرَاج الدَّم الْكثير. فَهَذَا تَمام مَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي إِخْرَاج الدَّم وَسقي المَاء الْبَارِد.
لى: أَنا أرى أَن الحزم أَلا يخرج الدَّم الْكثير ضَرْبَة أَن يعرض الغشي لَكِن يخرج فِي الأولى بتوسط وَفِي الثَّانِيَة إِن رَأَيْت أَنه يحْتَاج إِلَى زِيَادَة وَلم تَرَ الْحمى انحطت وَلَا حدث برد الْبدن والعرق بعده وانطلاق الْبَطن أخرجت أَيْضا فَإِنَّهُ لَا يضر وَهُوَ أسلم وَالْوُقُوف على مِقْدَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ دفْعَة أَمر عسر.
قَالَ ج: الحميات الكائنة عَن السدد لِأَن الْقُوَّة فِيهَا على الْأَكْثَر قَوِيَّة والاستفراغ الْكثير فِيهَا مَأْمُون الْعَاقِبَة بعيدَة عَن الْخطر فَأَما حَيْثُ تكون الأخلاط قد فَسدتْ وامتنعت العفونة فَإِن استفراغ(4/349)
لى: لِأَن هَذِه تحْتَاج إِلَى أَن تنضج فِي زمَان طَوِيل وَيَنْبَغِي أَن تكون قوته بَاقِيَة ثمَّ قَالَ جالينوس بعد ذَلِك: أَنه مَتى كَانَت الْقُوَّة غير قَوِيَّة فَأخْرج الدَّم فِي مَرَّات وَمَتى كَانَت قَوِيَّة فَلَا تتَوَقَّف عَن إِخْرَاج مَا تحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه.
3 - (جَوَامِع الْعِلَل والأعراض)
الدَّم يعرض مِنْهُ حمى لَا إِذا حمى فَقَط بل وَإِذا عفن وكلتاهما مطبقة اسْتَعِنْ بالرابعة من تَدْبِير الأصحاء أَو بِبَاب الإعياء الورمي مِمَّا أخرجناه نَحْو ذكر الإعياء الورمي.
الْحَادِيَة عشرَة من حِيلَة الْبُرْء: إِذا كَانَت حمى مطبقة من عفن والهواء شَدِيد الْبرد وَالْمَرِيض لَا ينْتَفع بِهِ بل يَحْتَرِق جدا وَلَا يبلغ الْهَوَاء أَن يُطْفِئ عَنهُ فَلْيقل طمعك فِيهِ فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك لم تتبين عَلَامَات النضج وَالْقُوَّة ضَعِيفَة فَهُوَ ميت ضَرُورَة.
3 - (الْمقَالة الثَّانِيَة من الأخلاط قَالَ)
3 - (الغشي الْحَادِث من كَثْرَة استفراغ الْبدن) فِي الْحمى الكائنة من كَثْرَة الدَّم الملتهب إِذا كَانَت الْقُوَّة الحيوانية قُوَّة نَافِع جدا بتبريده للبدن وإطفائه الْحمى من سَاعَته.
قَالَ: وَيَنْبَغِي بعد أَن تبرد الْبدن وتطفئ حرارة الْحمى بعد الغشي أَن تغذوه بأغذية رطبَة بعد سُكُون الغشي مثل مَاء كشك الشّعير لِأَن جَمِيع التَّدْبِير المرطب يُوَافق المحمومين وَإِن احتجت أَن تصب على رَأسه دهناً استعملته بِلَا فصل قبل تنَاول الْغذَاء.
الْمقَالة الأولى من الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: مَتى لم يكن مَعَ الْحمى حَال يَضرهَا شرب المَاء الْبَارِد فاسقه لِأَنَّهُ يعظم نَفعه لَهُ وَيشْرب مِنْهُ دفْعَة مَا أمكن أَن تمده بِلَا أَن يقطع نَفسه ويشربه حَتَّى يحضرهُ. فَأَما السكنجبين الْمبرد فَإِنَّهُ يصلح أَيْضا وَلَو كَانَ هُنَاكَ ورم فِي الْبَطن لِأَنَّهُ لَا يسقى مِنْهُ شَيْء كثير جدا يسخن فِي الْمعدة قبل أَن يبلغ الْموضع الوارم فَإِن هُوَ بلغ الْموضع وَهُوَ بَارِد فحاله خلاف حَال المَاء لِأَنَّهُ يقطع ويلطف وَلَا يجمع ويكثف كَفعل المَاء.
الأولى من الْفُصُول: عد المحرقة واللثقة والطريطاوس فِي الحميات اللَّازِمَة.
قَالَ: كَانَ رجل من الفلاسفة وَقع فِي حمى يحْتَاج فِيهَا إِلَى شرب المَاء الْبَارِد فَامْتنعَ مِنْهُ وَزعم أَنه يعلم أَنه إِن شربه عرض لَهُ التشنج لِأَنَّهُ قد كَانَ رأى رجلا حَاله كحاله فِي المزاج والسحنة شربه فتشنج مِنْهُ وَكَانَ هَذَا الرجل غير مُعْتَاد لشرب المَاء وَكَانَ منهوك الْبدن وفم معدته ضَعِيفا حَتَّى أَنه إِن كَانَ حمل عَلَيْهَا فضلا قَلِيلا أَصَابَهُ لوقته فوَاق.
قَالَ جالينوس: وَقد أصَاب هَذَا الرجل فِي امْتِنَاعه من المَاء الْبَارِد وبرأ وَلَكِن وَإِن كَانَ هَذَا لم يحْتَمل شرب المَاء الْبَارِد لحَال عَادَته وطبيعته فَأَنا اسقي مَرِيضا آخر مَاء بَارِدًا فِي الْغَايَة على)
الثِّقَة والاتكال مَتى كَانَت حماه محرقة خَالِصَة وَلم يكن فِي أحشائه شَيْء من ورم.
لى: أَكثر مَا يَنْبَغِي أَن يتوقى فِي الأورام عِنْد سقِِي المَاء الْبَارِد ورم فَم الْمعدة أَو الْمعدة نَفسهَا أَو الكبد ثمَّ فِي غير هَذِه.(4/350)
قَالَ: وَكنت أَسْقِي إنْسَانا آخر مَاء بَارِد وَأَنا لست فِي غَايَة الثِّقَة بتخلصه إِلَّا أنني كنت أعلم أَنه إِن لم يشرب مَاء بَارِد مَاتَ لَا محَالة وَإِن شرب رَجَوْت لَهُ رَجَاء كثيرا أَن يسلم وَبِاللَّهِ مَا مَاتَ أحد مِمَّن رَجَوْت لَهُ السَّلامَة من هَؤُلَاءِ بل سلمُوا جَمِيعًا.
لى: هَؤُلَاءِ هم الَّذين بهم حمى محرقة خَالِصَة وَفِي أحشائهم ورم صَغِير وَضعف إِن لم تكن لَهُم فِي صحتهم عَادَة بِشرب المَاء الْبَارِد.
الثَّالِثَة من ابيذيميا قَالَ: الحميات الَّتِي لَا يكون فِيهَا اخْتِلَاف النّوبَة وَالْبرد بَين ظَاهر لَكِنَّهَا بِحَالِهَا إِلَى وَقت البحران أَو تزيد أَو تنقص فَهِيَ المطبقة على الْحَقِيقَة وَالَّتِي لَا تقلع حَتَّى ينقى الْبدن مِنْهَا وَلها مَعَ ذَلِك ابْتِدَاء نَوَائِب محسوسة وانحطاطات فَهِيَ المفترة وَهِي المتوسطة بَين تينك فَيُقَال بِالْقِيَاسِ إِلَى المطبقة مفترة وبالقياس إِلَى النائبة أَنَّهَا دائمة.
وَشطر الغب من القدماء من يعدها فِي المفترة وَمِنْهُم من يعدها فِي المطبقة والبلغمية. وَالَّتِي تنوب كل يَوْم أَكثر الحميات النائبة دُخُولا فِي النائبة لِأَنَّهُ ينقى الْبدن مِنْهَا. وَالرّبع أَكثر الحميات دُخُولا فِي نقاء الْبدن مِنْهَا وَلَا تكَاد تَجِد مِنْهَا وَلَا تكَاد تَجِد ربعا لَازِمَة لَا ينقى الْبدن مِنْهَا إِلَّا بأدوار وَالْغِب متوسطة بَين هَاتين.
قَالَ ج: قد قَالَ أبقراط: إِن شطر الغب حادة قتالة وَقد قَالَ: الحميات الَّتِي تقلع سليمَة فَكيف يجوز لقَائِل متتبع لبقراط أَن يَقُول إِن هَذِه الْمُفَارقَة وَشطر الغب فِي كَلَام جالينوس وَاحِدَة وَهِي الَّتِي تكون فِيهَا كزاز واقشعرار.
الْيَهُودِيّ: سونوخس بدن صَاحبهَا منتفخ أَحْمَر ممتلئ العوق ونبضه كنبض من استحم وتحمر أَعينهم وتصدع رؤوسهم ويعتريهم سبات ويثقل عَلَيْهِم الْكَلَام.
لى: إِذا فاتك الفصد فِي هَذِه الْحمى فَاسق حماض الأترج والحصرم وَتَمْرًا هندياً فَإِنَّهَا بعفن الدَّم قَالَ: إِذا كَانَت الْحمى دائمة كَانَ مَعهَا مَعَ ذَلِك أَعْرَاض المحرقة من شدَّة الْحَرَارَة واللهيب فَهَذِهِ هِيَ الْمُسَمَّاة شُعْبَة برسام وَهُوَ الْمَرَض الحاد فَانْظُر إِلَى الْقُوَّة والأعراض وَأَيَّام البحران والعلامات الجيدة والردية وعلامات الْمَوْت.)
قَالَ الْيَهُودِيّ فِي 3 (الحميات الحادة) عَلَيْك بِمَاء حماض الأترج لم يكن بِهِ سعال فَإِنَّهُ يَنُوب عَن العلاج الْقوي ويطفئ وَيبْطل أصل العفونة.
الطَّبَرِيّ: من(4/351)
فَإِذا ضربت بِيَدِك على بَطْنه سَمِعت كصوت الطبل وَإِن لَان بَطْنه وَلم تذْهب النفخة وَظهر بِهِ ورشكين فَلَا تعالجه واهرب من علاجه وَإِن كَانَت هَذِه الْحمى من ورم الأحشاء فاقصد ذَلِك الورم.
اهرن قَالَ: الحميات المطبقة الَّتِي تشتد مِنْهَا من حِين تَأْخُذ دَائِما هِيَ حمى سوء لَا محَالة محرقة وَالَّتِي تنتقص من حِين تَأْخُذ دَائِما هِيَ حمى سوء لَا محَالة محرقة وَالَّتِي تنتفض من حِين تَأْخُذ دَائِما سليمَة لِأَن هَذِه تدل على أَن التَّحَلُّل والنضج أَكثر من العفن وَبِالْعَكْسِ وَالَّتِي تبقى بِحَالَة وَاحِدَة متوسطة بَين ذَلِك وَهَذِه أَعنِي حمى الدَّم تعرض على الْأَكْثَر لأبناء أَربع سِنِين إِلَى عشر وللذين يكثرون الأغذية والأشربة وَالْبَوْل أَحْمَر غليظ والنبض لَيْسَ بالحاد كَمَا فِي الصَّفْرَاء وَلَيْسَ مَعَ هَذِه الْحمى من الكرب والحدة والتلهب مَا فِي الغب.
قَالَ: والحمى الكائنة من سخونة الدَّم دَاخِلَة فِي حمى يَوْم مَا لم تعفن وَلَا تعفن أَن تدوركت بالفصد وَسَقَى المَاء الْبَارِد بعد انهضامها.
لى: أَوْمَأ إِلَى أَن المَاء الْبَارِد إِنَّمَا يسْتَعْمل فِي هَذِه الحميات بعد الهضم وَيحْتَاج أَن يستقصي فِي)
ذَلِك.
علاج سونوخس قَالَ: علاجها قريب من علاج الغب ويفصد فِيهَا الْعُرُوق وَيخرج دم كثير ويسقى صَاحبهَا بعد ظُهُور النضج فِي المَاء من المَاء الْبَارِد أَكثر مِمَّا يسقى فِي الغب وَلَا تسقه قبل النضج لِأَن سقِِي المَاء الْبَارِد قبل النضج يُطِيل مُدَّة النضج ويعسر حل السدة الَّتِي فِي المجاري والمسام فَيكون العفن بذلك أقوى لِأَن العفن لَا يضعف إِلَّا بالتنفش وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن تعنى بتفتيح المسام والمجاري لتنفش العفونة وَيظْهر الهضم وَلذَلِك يسقى الْأَشْيَاء الملطفة الجلاءة إِذْ هِيَ لَطِيفَة لَا تورث سدداً كَمَاء كشك الشّعير وَمَاء القرع وَمَاء الْعَسَل وَمَاء الإجاص وَمَاء الرُّمَّان وَإِذا ولت هَذِه الْحمى وَبقيت مِنْهَا بَقِيَّة أخرجت بالأفسنتين والرازيانج وَمَاء الْعَسَل للْوَاحِد سَبْعَة بِقدر مَا يغذو ويلطف مَعَ ذَلِك وَيفتح السدد وَيَنْبَغِي إِن يسقى مَاء الْعَسَل من يجد فِي معدته حموضة وَلَا يسقى مَاء الشّعير. وَبِالْعَكْسِ من كَانَ حَار المزاج فِي الصِّحَّة يتجشأ جشاء دخانياً فاسقه مَاء الشّعير وَلَا تسق مَاء الْعَسَل وَلَا مَاء الشّعير فِي أَيَّام البحارين فَيكون البحران أسْرع وَيكون التَّدْبِير فِي غلظه ولطافته بِقدر قرب الْمُنْتَهى وَبعده.
لى: انْظُر فِي أَمر المَاء الْبَارِد وَمَا الْحَاجة إِلَيْهِ بعد النضج وَمَا الْخَوْف مِنْهُ قبله وَهُوَ لَيْسَ بغليظ وَلَا مولد للسدد فَإِنَّهُ يتَبَيَّن فِيهِ مَا ذكرنَا إِلَّا لَا يخْشَى مِنْهُ إِلَّا تضيق المجاري بالبرد فَقَط.
وَيَنْبَغِي أَن تنظر هَل سقيه أَشد ضَرَرا أم يكون من تَركه من شدَّة الالتهاب ويستقصي ذَلِك إِن شَاءَ الله.
أَبُو هِلَال الْحِمصِي قَالَ: حميات الدَّم خطرة جدا لِأَن العفن فِي خلط يضر وَيحْتَاج إِلَيْهِ ويضعف بنقصانه وفساده.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: الَّذِي يحْتَاج من المحمودين إِلَى الفصد من بَوْله غليظ أَحْمَر أَو أسود أَو دموي كريه الرّيح وعينه حَمْرَاء وعروقه دارة وتدبيره فِيمَا تقدم مولد للدم. قَالَ: وَمَتى لم يكن الفصد فَاسْتعْمل التطفئة وَإِذا لم يكن ورم الكبد وَلَا فِي الْحجاب والأمعاء فاسقه المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يطفئه ويطفئ الْحمى مَعَه.
قَالَ: وَمن الحميات الدائمة حمى شَدِيدَة الالتهاب وَمَعَهَا عَطش شَدِيد ويبس اللِّسَان وسواده وَمِنْهَا فاترة لَا عَطش فِيهَا وَلَا سَواد لِسَان وَهَذِه تكون من عفن البلغم المالح وَهِي ردية.)
وتحتاج إِلَى التَّدْبِير المعتدل فِي الْحر وَالْبرد.
مَجْهُول قرصة للحمى الدموية: يُؤْخَذ طباشير وصندل وَورد وعصارة السماق وعصارة عِنَب الثَّعْلَب مجففة وعصارة الخس وَورد وَلبن الخس أَجود يتَّخذ أقراصاً ويسقى بِرَبّ الحماض.(4/352)
(سونوخس)
3 - (عَلَامَات سونوخس)
حمرَة الْوَجْه وَالْعين وانتفاخهما ورطوبة الْجلد وسخونته وضربان الرَّأْس وَثقله وامتلاء النبض وَالْبَوْل الأرجواني.
قَالَ:
3 - (علاجها)
بالفصد والتبريد وخل خمر ودهن الْورْد على الرَّأْس إِن سهر والشبت الْمبرد فِي الْأَحَايِين بِالْمَاءِ وَنَحْو ذَلِك من التبيريد بِمَاء الشّعير وَنَحْوه. قَالَ فَإِن أَصَابَهُ فِي هَذِه الْحمى سبات وانتبه بِكَثْرَة تقلبه على الْفراش وانتفخ بَطْنه(4/353)
شَمْعُون قَالَ: إِذا فصدته فضع على رَأسه خل خمر وَمَاء ورد ودهن وضمد بَطْنه بأضمدة بَارِدَة.
من الاختصارات قَالَ:
3 - (العلامات الَّتِي تظهر مَعَ الدموية)
ورم الحنك واللوزتين وسيلان الدُّمُوع وَثقل الرَّأْس وَحُمرَة الْوَجْه وخاصة فِي الوجنتين وَظُهُور قَالَ: وَإِذا عَالَجت بِمَا يَنْبَغِي من فصد وإسهال فاسقه المطفئة مثل التَّمْر الْهِنْدِيّ وَنَحْوه واسقه الْأَشْيَاء المزة فَإِن الْأَشْيَاء المزة تُطْفِئ لَهب الدَّم بقمعها الصَّفْرَاء جدا. ً الْمقَالة الأولى من مسَائِل ابيذيميا قَالَ: وَكَانَت الْحَرَارَة دائمة لِأَنَّهُ لم يكن يتَحَلَّل من الْبدن شَيْء أَو قَلما كَانَ يتَحَلَّل.
لى: على مَا رَأَيْت بالتجربة: الْحمى من عفونة الدَّم وكثرته قد تنْتَقل إِلَى سرسام وليثرغس فَإِن رَأَيْت عَلَامَات الجدري فإليه تنْتَقل وَإِن رَأَيْت ثقلاً ووجعاً فِي الرَّأْس والرقبة ودام أَيَّامًا فستنتقل إِلَى السرسام الَّذِي تسميه الْعَامَّة برساماً.
من الْمقَالة الثَّانِيَة من مسَائِل ابيذيميا قَالَ: يدل على حَرَكَة المرار إِلَى فَوق انعقال الْبَطن.
لى: رَأَيْت ذَلِك صَحِيحا لِأَنَّهُ مَتى انعقلت الطبيعة مَعَ هَذِه العلامات حدث سرسام لَا محَالة وَبلغ من انعقاله أَنه يسخن بالأدوية فَلَا تسهل الطبيعة الْبَتَّةَ وَلَا أعرف دَوَاء أبلغ فِي الْمَنْع من السرسام من إسهال المرار بِقُوَّة فَإِن فِي ذَلِك مَنعه من الصعُود إِلَى الرَّأْس وجذبه إِلَى أَسْفَل. لى: يحول هَذَا إِلَى تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة.
3 - (جَوَامِع الْعِلَل والأعراض)
قَالَ: فِي الحميات المطبقة لِأَن الْمَادَّة محصورة فِي جَوف الْعُرُوق فَيَنْبَغِي أَن تفصد ليقل وَينْقص العفن وليخف على الطبيعة جلّ مَا يثقلها ويخف عَلَيْهَا أَيْضا إنضاج مَا بَقِي وإحالته إِلَى الْجَوْدَة وَالْمَنْفَعَة قَالَ: وَلَا تسقه إِذا كَانَت معدته أَو كبده ضَعِيفَة مَاء بَارِد جدا وَلَو كَانَت حماه محرقة جدا لِأَنَّهُ يخَاف أَن يبرد مزاجها أَيْضا فَيفْسد الهضم وَتسقط الْقُوَّة وتمتنعان من فعلهمَا لِأَن جَوْهَر القوى إِنَّمَا هُوَ الْحَرَارَة.
لى: رَأَيْت أَنه يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ إِذا كَانَ الْخطر عَظِيما فَإِن ذَلِك يُمكن أَن يتلاحق من كَانَت بِهِ حمى من عفونة دم بِمَاء بَارِد.
قَالَ: وَزعم ج: إِن علاج حميات الدَّم شَيْئَانِ: الفصد وَالْمَاء الْبَارِد.
وَقَالَ ابْن ماسويه: حميات الدَّم أقل الحميات وأسرعها فِي ذَلِك وعلامتها حمرَة الْوَجْه وَأَن تكون العينان ناتئتين حمراوين ظاهرتي الْعُرُوق والصدغ منتفخ وَالْبدن أَحْمَر ممتلئ واللمس حَار رطب شَبيه ببدن من استحم والنبض عَظِيم لين وَالْبَوْل أرجواني وَمن خَاصَّة هَذِه الْحمى أَن يُصِيب من تَأْخُذهُ الربو لِأَن الدَّم يرق فتمتلئ الْعُرُوق وَالْعُرُوق(4/354)
حول الْقلب كَثِيرَة فتسخن بِكَثْرَة سخونة الدَّم وتضيق بامتلائها فَتحدث تتَابع النَّفس وَهَذَا هُوَ الربو وَلذَلِك تسمى الربوة.
قَالَ ابْن ماسويه: لَا يَنْبَغِي أَن يخرج الدَّم فِي هَذِه الْحمى فِي الصعُود والانتهاء لِأَن خلقا مَاتُوا لذَلِك وَذَلِكَ أَن الْقُوَّة تكون حِينَئِذٍ ضَعِيفَة وَلَا فِي الِابْتِدَاء فضلا عَمَّا سواهُ إِذا كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة. قَالَ: وَإِذا لم يكن فِي هَذِه الْحمى فصد فَاسق المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يُطْفِئ لهيبها الْبَتَّةَ بعد أَن لَا يكون فِي شَيْء من الأحشاء ورم وَلَا فِي عُضْو شرِيف بَارِد المزاج من آلَات الْغذَاء فَإِن كَانَت الْعَادة قد جرت بِهِ فافعله بعد أَن تسهله قَلِيلا قَلِيلا بِمَاء الْفَوَاكِه.
قَالَ: وَبعد ذَلِك شَيْء كتبناه فِي الْأَمْرَاض الحادة. 3 (الحميات المذيبة للبدن) الْمقَالة الثَّانِيَة من الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: مَتى كَانَت الْحمى من الحميات المذيبة للبدن وَهِي الَّتِي يظْهر فِيهَا الْبَوْل الدهني وَالْبرَاز الزُّبْدِيُّ فَإِن ظهر دَلِيل وَاحِد وَلَو خسيساً من دَلَائِل النضج فاسقه المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يعظم نَفعه إِن شَاءَ الله.
الثَّانِيَة من كتاب الأخلاط فِي صب الدّهن على رَأس المحموم قَالَ: الْحمى المحرقة الَّتِي تحْتَاج فِيهَا إِلَى فصد إِلَى أَن يحدث الغشي افصده واغذه بِسُرْعَة اغذيه بِسُرْعَة أغذية رطبَة وَلَكِن بعد سُكُون الغشي وَإِن احْتَاجَ أَن تصب على رَأسه دهناً فافعل ذَلِك على الْمَكَان قبل تنَاول لى: على مَا رَأَيْت فِي كتاب تقدمة الْمعرفَة وحيلة الْبُرْء: المطبقة ضَرْبَان يكون فِيهَا الْوَجْه وَالْبدن قد انخرطا بِسُرْعَة أَو هَذَا يكون لرقة الْخَلْط وَضعف الْقُوَّة وتخلخل الْبدن فَلَا تفصد فِيهَا وَمن شَأْنهَا أَن يتقدمها أَسبَاب بادية توجب ذَلِك وَالضَّرْب الآخر يتقدمه التَّدْبِير الامتلائي وَيكون الْوَجْه فِيهِ منتفخاً محمراً سميناً غير منخرط وَهَذِه تكون من عفن الدَّم أَو من كثرته فافصد فِيهَا أَولا فَأَما الأولى فعلاجها التغذية والتبريد والترطيب.
لى: ملاك الْأَمر فِي شرب المَاء الْبَارِد على شدَّة الْقُوَّة وَأعظم ضَرَره عِنْد سُقُوط الْقُوَّة أَعنِي عِنْد ضعف الْحَرَارَة الغريزية لِأَنَّهُ إِن كَانَت الْحَرَارَة الغريزية ضَعِيفَة كالحال فِي المنهوكين فَرُبمَا أطفأها الْبَتَّةَ وَحدثت من سَاعَته قشعريرة ونافض لَا يسخن مَعَه أَو يسخن بكد ومضرته هَهُنَا أَشد مِنْهُ فِي الأورام لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ إِنَّمَا يبطئ بالنضج وَبِالْجُمْلَةِ لَا تسق رجلا منهوكاً نَاقص الْقُوَّة مَاء بَارِد فَإِنَّهُ أردأ مَا يكون فَإِن اضطررت للهيب شَدِيد فقليلاً قَلِيلا وَقد رَأَيْت امْرَأَة كَانَت قد ضعفت وَلَيْسَ بهَا حمى شَدِيدَة جدا فساعة تشرب مَاء بَارِد شَدِيد الْبرد تقشعر مِنْهُ ثمَّ تحم بعده حمى شَدِيدَة جدا وبمقدار سرعَة سُكُون النافض تكون قُوَّة الْحَرَارَة الغريزية وَإِن صادفت مَعَ سونوخس غثياناً ولذعاً فِي فَم الْمعدة فَلَا تفصد حَتَّى تصلح حَال فَم تخمة الْمعدة لِأَنَّك لَا تأمن أَن يقوى الغثي والهيضة بعد الفصد وَإِن صادفت تخمة فَلَا تفصد حَتَّى ينزل الطَّعَام لِأَنَّهُ يحدث اخلاطانية. وَيَتْلُو هَذَا فِي الرداءة أَن يسقى من كبده ضَعِيفَة فِي حَال صِحَّته وَوَجهه دَائِما يتهبج فَإِنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ الاسْتِسْقَاء. وَمن معدته بَارِدَة أَيْضا يضرّهُ لِأَنَّهُ يبردها جدا وَلَيْسَ يُمكن استدراكه.(4/355)
لى: رَأَيْت كثيرا مِمَّن يحم وَتظهر فِيهِ عَلَامَات الدَّم ثمَّ تَنْقَضِي فِي نوبَة وَاحِدَة فَلهَذَا لَا أسْرع إِلَى الفصد إِلَّا بعد أَن يَصح أَنَّهَا قد بقيت أَكثر مِمَّا يحم حمى يَوْم. وَمِمَّنْ كَانَ كَذَلِك)
أَحْمد بن سادان.
الثَّانِيَة من كتاب الْفُصُول: مَتى زَاد إِنْسَان فِي أكله وقلل من تَعبه ثمَّ حم حمى مَعَ حمرَة فِي لَونه وانتفاخ فِي بدنه وعروقه كَانَ حدسنا أَنَّهَا حمى امتلائية صَوَابا فَإِذا استفرغناه فقد صَحَّ حدسنا.
لى: هَذَا فِيهِ بَاب من 3 (الاحتراس فِي الحميات المطبقة) الَّتِي شفاؤها استفراغ الدَّم إِلَى أَن يعرض الغشي.
اغلوقن: المطبقة إِن لم يُجَاوز مُنْتَهَاهَا السَّابِع وَنَحْوه فلطف التَّدْبِير جدا وَمَا تجَاوز فغلظ تَدْبيره قَلِيلا ثمَّ لطفه نَحْو الْمُنْتَهى فَإِذا انحطت غلظه قَلِيلا ثمَّ لطف نَحْو الْمُنْتَهى وَليكن ذَلِك بتدرج وَأما إِخْرَاج الدَّم فَاسْتَعْملهُ مَتى كَانَت الْحمى عَظِيمَة وَرَأَيْت الْحمرَة فِي الْبدن أَزِيد مِمَّا كَانَت فِي الصِّحَّة وأحس فِي بدنه ثقلاً وكلالاً وعروقه دارة ممتلئة فَعِنْدَ ذَلِك فَأخْرج من الدَّم إِلَى أَن يمْنَع الْقُوَّة وَليكن تدبيرك بِمَا يرطب واغذه بِمَاء كشك الشّعير إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يحمض فِي معدته وبماء الْعَسَل إِلَّا من كَانَ يَسْتَحِيل إِلَى الصَّفْرَاء وبنقيع الْخبز وَإِن كَانَت شَدِيدَة اللهب والاحتراق فَأول مَا ترى فِيهَا عَلامَة النضج فثق واسق الْمَادَّة الْبَارِد.(4/356)
جَوَامِع اغلوقن قَالَ: لَيْسَ يكَاد يكون فِي المطبقة نافض يعْتد بِهِ وَلَا عرق فَإِن كَانَ مَعَه فِي بعض الْأَحَايِين ذَلِك فَذَلِك أَنه مركب مَعَ أُخْرَى تَدور. وَغَايَة مَا يكون فِي المطبقة تقبض وَبرد الْأَطْرَاف فِي الِابْتِدَاء قَلِيلا قَلِيلا. قَالَ: وَلِأَن الْخَلْط مَحْصُور فِي هَذِه الأجواف من الْعُرُوق فابدأ أَولا بالفصد ليخف عَن الطبيعة بعض الْخُف فتقدر على إِحَالَة الْبَاقِي ونضجه.
لى: الفصد وَاجِب فِي ابْتِدَاء جَمِيع الحميات المطبقة وَلَا يكون لَهَا نضج إِلَّا أَنه إِذا كَانَ مزاج الكبد والمعدة حاراً بالطبع ملتهباً فَلَا تتَوَقَّف عَن سقِِي المَاء الْبَارِد إِن لم يكن ورم وَإِذا كَانَا باردين فتوق ذَلِك غَايَة التوقى لنه يكسبهما بلية عَظِيمَة يضعف أَو يبطل بِهِ فعلهمَا الْبَتَّةَ.
جَوَامِع اغلوقن: الشُّرُوط الَّتِي تحْتَاج إِلَيْهَا فِي سقِِي المَاء الْبَارِد: الأول أَن يكون الْمَرَض قد نضج وَالثَّانِي أَن تكون الْعَادة فِي الصِّحَّة جرت بِهِ وَالثَّالِث أَلا يكون الْبدن ضَعِيفا قَلِيل الدَّم وَالرَّابِع أَن لَا يكون فِي عُضْو قريب من الْمعدة ورم يحْتَاج أَن ينضج وَالْخَامِس أَن لَا يكون شَيْء من هَذِه بَارِد المزاج.)
أَقْرَاص رَأَيْتهَا للعبادي كَانَ يُبرئ بهَا الحميات الحارة من يَوْمهَا: ورد أَحْمَر مطحون عشرَة شمام وصندل أصفر ثَلَاثَة بزر الخس وبزر الْخِيَار وطباشير من كل وَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم الشربة مثقالان بأوقية مَاء ورد مبرد.
جَوَامِع اغلوقن: الحميات المطبقة تعدم ثَلَاث خلال: نافض وعرق وإقلاع وَهَذَا الْفرق بَينهمَا وَبَين المفترة وَإِنَّمَا تكون كَذَلِك لِأَنَّهَا محصورة دَاخل الْعُرُوق وَأكْثر مَا يعرض فِيهَا برد الْأَطْرَاف وَظَاهر الْبدن فِي بعض الْأَوْقَات وَذَلِكَ يكون أَيْضا إِمَّا لِأَنَّهَا مركبة من مطبقة ودائمة أَو لِأَن فِي بعض الأحشاء ورماً فيميل الدَّم إِلَيْهِ.
لى: يَنْبَغِي أَن يسقى مَاء الشّعير وَقَبله باعتين هَذَا القرص وَهُوَ قرص مركب من طباشير وَورد وبزر خس وبزر خِيَار وبزر قرع معجونة بلعاب بزر قطونا. وَكَانَ رجل يسقى كافوراً وطباشير فِي هَذِه الحميات فَكَانَ عجيباً. وَمحل الكافور من الْبدن مَحل ريح الشمَال من الْعَالم وَهُوَ يبرد ويجفف بِقُوَّة وَلذَلِك يضاد العفن جدا فاعتمد عَلَيْهِ فِي هَذِه الحميات واسق طباشير درهما ودانقا مِنْهُ كل يَوْم قبل مَاء الشّعير بِوَقْت صَالح.
الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب البحران: أنزل أَن شَابًّا قَوِيا مرض مَرضا يَجِيء بحرانه فِي الْأَرْبَعَة الْأَيَّام الأول لَا يتَأَخَّر فامنعه من شرب مَاء الْعَسَل وكل شراب ومره يتحامى شرب المَاء مَا أمكن وَأنزل أَن بحران هَذَا الْمَرِيض يكون فِي السَّابِع فَعِنْدَ ذَلِك غلظ التَّدْبِير قَلِيلا واسقه مَاء الْعَسَل أَو نَحوه. وَأما غَيره من أشباهه مِمَّا يُوَافق طَبِيعَته وَيظْهر لَك من حالاته وبحسب سؤالك إِيَّاه عَن معدته أقوية تحْتَمل أَن تلبث طَويلا بِلَا غذَاء ويسرع إِلَيْهِ الضَّرَر عِنْد ذَلِك ويضعف بِسُرْعَة فتفقد مزاجه فَإِن من النَّاس من يتَحَلَّل بدنه سَرِيعا فَلَا يُمكنهُ أَن يلبث وقتا طَويلا بِلَا غذَاء وَإِن كَانَ قبل ذَلِك قَوِيا جلدا فَإِن علمت أَنه يعرض لَهُ فِي معدته ألم إِذا أمسك عَن الطَّعَام فأعطه مَاء الشّعير بعد أَن تسقيه كل يَوْم شَيْئا يَسِيرا بِقدر مَا لَا تَخْلُو أوعيته من الْغذَاء جدا فَإِذا جَاوز الْيَوْم السَّابِع فَلَا تغذه وَقبل السَّابِع فانقص من مِقْدَار مَا كنت تغذوه بِهِ وَإِن كنت تتَوَقَّع بحراناً فِي الثَّالِث أَو الرَّابِع فَلَا تخف من الضَّرَر الَّذِي يعرض لَهُ فِي معدته إِذا خلت وَلَا من لهيب بدنه بِسُرْعَة الاستفراغ فَإِن كَانَ الْمَرِيض مَعَ أَنه شَاب قوى مقرا بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يلبث وقتا طَويلا بِلَا غذَاء وَرَأَيْت بدنه لَيْسَ من الْأَبدَان الَّتِي تتحلل سَرِيعا وَلم يكن مَرضه مِمَّا يحْتَاج إِلَى سكنجبين وَمَاء الْعَسَل فامنعه من الْغذَاء إِلَى السَّابِع فَإِن توقعت البحران بعد السَّابِع إِلَى)
الْحَادِي عشر فَلَيْسَ يُمكن تَركه بِلَا غذَاء فغذه بشراب وَحده أَو بِغَيْرِهِ.
قَالَ: مَتى كَانَ مُنْتَهى الْمَرَض يتَأَخَّر إِلَى الرَّابِع عشر فَيجوز أَن تغذوه بصفرة بيض ويسير من فتات خبز نقي.
لى: على مَا رَأَيْت فِي الْعَاشِرَة من حِيلَة الْبُرْء: إِذا كَانَت معدته يتَوَلَّد فِيهَا مرار كثير ويصدع فاخلط فِي مَاء الشّعير مَاء حب الرُّمَّان الرطب أَو الْيَابِس فَإِنَّهُ يقمع المرار ويطيل لبث مَاء الشّعير فِي معدته من غير أَن يفْسد أَو يحمض فيتغذى بِهِ أَولا فأولاً وَلَا يطفو أَيْضا فِي فمها وَلَا يكربه الْبَتَّةَ.
الْمقَالة الأولى من كتاب الْأَمْرَاض الحادة قَالَ أبقراط: الْعَوام لَا تعرف فِي الْأَمْرَاض الحادة أفضل الْأَطِبَّاء من أخسهم لِأَن جَمِيعهم يصف مَاء الشّعير وَمَاء الْعَسَل(4/357)
وَالْفرق بَين من يضع هَذِه الْأَشْيَاء فِي موضعهَا وَفِي حَدهَا وَبَين غَيره كثير جدا.
قَالَ أبقراط: كشك الشّعير بِالصَّوَابِ اختره على جَمِيع الأغذية فِي الْأَمْرَاض الحادة وَأَنا أَحْمد من اخْتَارَهُ لِأَن فِيهِ لزوجة مَعهَا ملامسة واتصالاً وليناُ وزلقاً ورطوبة معتدلة وتسكيناً للعطش وَسُرْعَة انغسال وَلَيْسَ فِيهِ قبض وَلَا تهييج رَدِيء وَلَا ينْفخ الْبَطن لِأَنَّهُ قد انتفخ وَربا فِي الطَّبْخ غَايَة مَا يُمكن فِيهِ.
قَالَ ج: هِيَ الحميات الَّتِي هِيَ أَكثر الْأَمر دائمة وَتَكون حَرَارَتهَا نارية عَن عفن الأخلاط: وكشك الشّعير قد اجْتمع فِيهِ سَائِر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي هَذِه الْعلَّة لِأَنَّهُ يبرد ويرطب وَهَذَا هُوَ مُقَابلَة الْحمى بضدها وَهُوَ سريع الانحدار وَالدَّم الْمُتَوَلد مِنْهُ بَارِد رطب فَلذَلِك يُطْفِئ حِدة الْحمى ويستفرغ الفضول وَإِن كَانَت الكبد ضيقَة المجاري لم يسدها لَكِن نقاها ويغذى ويلين الصَّدْر وَلَا يلتزق بالمرئ كالأشياء اللزجة ويجلو البلغم من الْمعدة وَلَا يغثى وَلَا يُرْخِي الْمعدة وَفِيه مَعَ مَا فِيهِ من فَضَائِل الْأَشْيَاء المرطبة أَنه برِئ من الْآفَات الَّتِي تكون فِيهَا وَلِأَنَّهُ يسكن الْعَطش ويعظم نَفعه فِي الْأَمْرَاض المحرقة المجففة للبدن فَهُوَ فِي هَذَا الْموضع أَنْفَع من مَاء الْعَسَل وَإِن احْتَاجَ العليل إِلَى انطلاق الْبَطن فَإِنَّهُ يسهل بِهِ خُرُوجه وغسله عَن الأمعاء وَلَا يحدث فِي الْبَطن لذعاً وَلَا نفخة وَلَا يشد الْبَطن وَلَا الْبَوْل بل يدره وَيفتح مجاري الْعُرُوق وَلَا يُطلق الْبَطن بلذع مهيج رَدِيء لِأَنَّهُ لَو فعل ذَلِك لَكَانَ حاداً بل يفعل ذَلِك باعتدال وجلاء حسن متوسط وَمَتى أجيد طبخه لم)
ينْفخ الْبَتَّةَ.
قَالَ: الْأَطْعِمَة القابضة تضيق مجاري الْغذَاء والفضول وتمنع التَّحَلُّل الْخَفي وَلَيْسَ تحْتَاج فِي الْأَمْرَاض الحادة إِلَى ذَلِك بل إِلَى الضِّدّ أَعنِي أَن تكون مجاري الفضول والتحلل الْخَفي مَفْتُوحَة.
قَالَ: من أَصْحَاب الْأَمْرَاض الحادة من يحْتَاج أَن يسهل أَو يفصد أَو يسكن عَنهُ وجع بِهِ فَلَا تعطه من كشك الشّعير دون أَن تفعل بِهِ ذَلِك. وَمن بِهِ مرض حاد لَا يحْتَاج إِلَى فصد وَلَا إسهال وَلَا بِهِ عرض آخر يخَاف مِنْهُ الْأَلَم فأعطه كشك الشّعير وَأما من كَانَ يخَاف عَلَيْهِ أَنه يحْتَاج إِلَى إسهال أَو يهيج بِهِ شَيْء يؤلمه فأعطه كشك الشّعير لِأَنَّهُ سريع الانغسال وَمن لم يحْتَج إِلَى دَوَاء أَو حقنة أَو نَحْو ذَلِك فَإِن احْتَاجَ إِلَى كشك الشّعير مرَّتَيْنِ لحفظ قوته فِي الْيَوْم فأعطه فَأَنت مُصِيب فِي ذَلِك ولتكن كميته بِحَسب كمية الْبدن وَمن كَانَ مُعْتَادا أَن يَأْكُل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ فلست بمخطئ أَن تعطيه فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ. وَمن كَانَت عَادَته أَن يَأْكُل فِي الْيَوْم مرّة ثمَّ رَأَيْته يحْتَاج أَن يَأْخُذ مرّة أُخْرَى من مَاء الشّعير فدرجه إِلَيْهِ على هَذَا الْمِثَال: أعْطه مِنْهُ بالْعَشي قَلِيلا وزد فِيهِ قليلاُ قَلِيلا حَتَّى يُسَاوِي مَا تعطيه بِالْغَدَاةِ. وَإِنَّمَا يدبر بِهَذَا التَّدْبِير من كَانَ مَرضه هادئاً سَاكِنا.
لى: قد ذكرنَا كَيفَ يسقى أَصْحَاب الشوصة مَاء الشّعير فِي بَابه.(4/358)
قَالَ: من كَانَ من المرضى يَأْتِي بحرانه فِي السَّابِع إِلَى التَّاسِع فأعطه مَاء الشّعير وَبعد أَن يَجِيئهُ البحران فالأجود أَلا تغلظ التَّدْبِير يَوْمَيْنِ بعده لتأمن أَن يكون ذَلِك سَببا لاخْتِلَاف النّوبَة وَليكن تحذرك بِقدر الاستفراغ الَّذِي إِن كَانَ قَلِيلا فتحذر ولطف التَّدْبِير وبالضد. وَالتَّدْبِير الْمُتَوَسّط أَن يعْطى بعد البحران بِالْغَدَاةِ مَاء الشّعير وَفِي آخر النَّهَار الْأَطْعِمَة اللطيفة الْخَفِيفَة يَوْمَيْنِ بعد قَالَ: وَهَذِه الْأَطْعِمَة: السّمك الصخري وصفرة الْبيض النيمرشت والفراخ والفراريج وَخص الديوك وَنَحْوهَا.
قَالَ: فَمَتَى ابتدأت حمى العليل قريب الْعَهْد بِالطَّعَامِ وَلم ينحذر بَطْنه فَلَا تعطه كشك الشّعير قبل أَن ينحدر بَطْنه. اسْتَعِنْ بِبَاب ذَات الْجنب فَإِن فِيهِ أَمْثِلَة جياداً.
قَالَ: الْغذَاء إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض لبَقَاء الْقُوَّة الحيوانية بِحَالِهَا فَمَتَى اضطررت إِلَيْهِ فِي حفظ الْقُوَّة فقدمه لِأَنَّك إِن لم تفعل ذَلِك هلك العليل فَإِذا فعلت ذَلِك لم يضرّهُ طول الْمَرَض فَإِن أمكنك وساعدتك الْقُوَّة فَلَا تغذ العليل فَإِن الْغذَاء لَا ينْتَفع بِهِ فِي الْمَرَض إِلَّا أَن يكون غذَاء)
دوائياً مثل مَاء كشك الشّعير فَمَتَى احتملت الْقُوَّة إِلَى أَن تبقى إِلَى حُدُوث البحران فَلَا تسْتَعْمل الْأَشْرِبَة فَإِن من المرضى يُمكنهُ أَن يبْقى إِلَى الْخَامِس وَالسَّابِع بِلَا غذَاء سوى السكنجبين وَمَاء الْعَسَل وَأما أَصْحَاب الْأَبدَان القوية الَّتِي لَا يتَحَلَّل مِنْهَا شَيْء وسخنة أبدانهم صلبة وعروقهم وَاسِعَة وقوتهم الحيوانية قَوِيَّة فيمكنهم أَن يبقوا إِلَى السَّابِع بِلَا غذَاء وَأما الضعيفو الْقُوَّة كالمشايخ والكثيري التَّحَلُّل كالصبيان فَلَا يُمكنهُم أَن يمسكوا عَن الْغذَاء فَلذَلِك أحمل النَّاس على الْإِمْسَاك عَن الْغذَاء الكهول ثمَّ البالغون من الشَّبَاب إِذا كَانَت أبدانهم صلبة قَوِيَّة التَّحَلُّل وَاسِعَة الْعُرُوق والهواء بَارِد وَالتَّدْبِير قبل ذَلِك غليظ.
وَلَا تعط كشك الشّعير وَفِي الْبَطن أثقال محتبسة فَإِن كَانَت أثقال محتبسة وَعَهده بِالطَّعَامِ قريب فاحقنه إِن كَانَ قَوِيا أَو احمله شيافة حَتَّى تخرج الأثقال ثمَّ أعْطه بعد ذَلِك كشك الشّعير إِن احْتَاجَ إِلَى ذَلِك وَاجعَل وَقت إِعْطَاء الْغذَاء بَعيدا من النّوبَة مَا أمكن.
قَالَ أبقراط: إياك أَن تغذو وَالْقَدَمَانِ باردتان لَكِن غذه وهما حارتان وَهَذَا هُوَ وَقت الانحطاط. وَاسْتعْمل أَولا مَاء الكشك فَإِنَّهُ أخف على الطبيعة وأسهل عَلَيْهَا وَأكْثر ترطيباً حَتَّى إِذا قويت وَرَأَيْت أَن تنعش الْقُوَّة فَاسْتَعْملهُ أغْلظ ثمَّ اسْتعْمل الكشك نَفسه مطبوخاً وَكَذَا دَرَجه فِي كمية مَا تُعْطِي.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت الْمَرَض أخف فأعط قبل مَاء الشّعير مَاء الْعَسَل. وَاسْتدلَّ على يبس الْمَرَض الَّذِي فِي جَمِيع الْعُرُوق بيبس اللِّسَان وقحل الْجلد. وعَلى الَّذِي فِي الكبد بيبس الثّقل وَشدَّة الْعَطش. وعَلى الَّذِي فِي الرئة بثقل النَّفس وتأخره. فَفِي هَذَا أعْط مَاء الْعَسَل قبل مَاء الشّعير ليرطب يبس الْمَرَض ويوهن عاديته.(4/359)
قَالَ حنين: نَحن نعطي بِحَسب بِلَادنَا هَذِه الجلاآت فَاعْلَم أَن إِعْطَاء مَاء الشّعير أول الْأَمر خير من أَن تَحْمِي العليل من كل شَيْء حَتَّى أَنه إِذا كَانَ يَوْم الْخَامِس وَالرَّابِع وَبَان لَك أَن قوته لَا تبقى إِلَّا بغذاء أَعْطيته حِينَئِذٍ وَقد قرب بحرانه لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تكون قد أضعفت العليل وصميته حَيْثُ لم تحتج إِلَيْهِ واضطررت أَن تغذوه حِين يضرّهُ الْغذَاء وَيطول مَرضه وَذَلِكَ كُله يُؤْتى من الْجَهْل بمنتهى الْمَرَض فَانْظُر مَتى علمت أَنه يحْتَمل أَن يبْقى حَتَّى يَأْتِي الْمُنْتَهى فاحمه الْبَتَّةَ وَمَتى علمت أَن قوته تنْحَل أَن لم تعطه شَيْئا فأعطه بِقدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِحَسب الْقُوَّة وَطول الْمُنْتَهى وَأعْطِ بَعْضًا من أشربة وبعضاً من مَاء الشّعير وبعضاً من كشكة وَلَا تعط مَاء الشّعير وَلَا)
الْأَشْرِبَة إِلَّا بعد أَن تكون قد علمت بِمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَن احْتَاجَ حقنة أَو فَتِيلَة أَو تسكين وجع أَو نَحْو ذَلِك.
قَالَ: فَالَّذِينَ يحْمُونَ العليل فِي الْأَيَّام الأول ثمَّ يعطونه الأغذية والأشربة بعد ذَلِك يعظم خطاؤهم عَلَيْهِ وخاصة الَّذين يُعْطون بعد ذَلِك الأغذية مثل الكشك نَفسه فَأَما من يعْطى مَاء الشّعير فخطاؤه أقل وَكَذَا من يعْطى الْأَشْرِبَة خطاؤه أقل إِلَّا إِنَّهُم يلحون أَن لَا يُعْطوا الأغذية أَنْفسهَا إِذا رَأَوْا الْقُوَّة قد خارت وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا كَانَ تدبيرهم ونظرهم فِي مُنْتَهى الْمَرَض فأسقطوا الْقُوَّة مُنْذُ أول الْأَمر لاستعمالهم خلاء الْعُرُوق فَلَمَّا علمُوا أَن الْمَرِيض لَا يحْتَمل أَن يبْقى أَقبلُوا يغذونه الْآن فينقلونه ضَرْبَة من حمية تَامَّة إِلَى اسْتِعْمَال الأغذية وَهَذَا الِانْتِقَال يضر الأصحاء جدا فضلا عَن المرضى. وَلِهَذَا براهين ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْعَادَات وتدبير الأغذية.
قَالَ: فَلَيْسَ يَنْبَغِي إِذا أَن يسْتَعْمل خلاء الْعُرُوق بِغَيْر ترك الْغذَاء كثيرا فِي غير وقته وَلَا إِعْطَاء قَالَ: وَليكن إعطاؤك الْغذَاء بِحَسب الْحَال وَالْقُوَّة والمزاج وَالْوَقْت وبحسب خصب الْبدن أَيْضا واجمع من ذَلِك كُله شَيْئا يعْمل عَلَيْهِ وَقد بَينا ذَلِك.
قَالَ: فَأَما الْقُوَّة فَإِنَّهَا إِذا كَانَت ضَعِيفَة احْتَاجَت أَن تغذى قَلِيلا قَلِيلا مَرَّات كَثِيرَة وَيكون ذَلِك أوكد إِن كَانَ حَال الصِّحَّة مُعْتَادا لِأَن يتغذى مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم. فَأَما شدَّة الْقُوَّة فَيجوز مَعهَا أَن تثقل الْغذَاء وَأَن تَجْعَلهُ مرّة وخاصة إِن كَانَت الْعَادة جرت بِأَنَّهُ يَأْكُل مرّة فِي الْيَوْم وَكَذَا سرعَة الانحلال ورقة الأخلاط تدل على التغذية وبالضد.
قَالَ: وَإِذا لم تقف بِالْحَقِيقَةِ على مِقْدَار مَا تَقْتَضِي الْقُوَّة من الْغذَاء فَكُن إِلَى النُّقْصَان أميل مَا دَامَ الْمَرَض لم ينضج وَالْمَرِيض مُحْتَمل لِأَن الزِّيَادَة يحدث مِنْهَا ضَرَر لَا تلْحقهُ وَأما النُّقْصَان فَإِن رَأَيْت الْقُوَّة قد خارت وأمكنك أَن تغذي فغذه فَإِن كثيرا من المرضى يغذون يَوْم الْحمى وَمن غَد خبْزًا منقعاً فِي شراب وَمَاء أَو يحسون بعض الأحساء مِمَّن يُمكن فيهم أَن يبقوا بِلَا غذَاء إِلَى أَن يَجِيء البحران ثمَّ يمتنعون عَن الْغذَاء بعد وَهَؤُلَاء لَو لم يُعْطوا ذَلِك لَكَانَ خيرا لَهُم وَلَكِن هَذَا التَّدْبِير على حَال وَإِن لم يكن جيدا أَجود من أَن تجيعهم أَيَّامًا وتغذيهم بِقرب الْمُنْتَهى قبل النضج وَذَلِكَ إِن هَؤُلَاءِ يموتون على الْأَكْثَر إِلَّا أَن يكون(4/360)
الْمَرَض على غَايَة السَّلامَة فَأَما الْغَلَط الْكَائِن من الْغذَاء فِي الِابْتِدَاء فَإِنَّهُ أسهل خطراً. يحققه الْإِمْسَاك عَن الْغذَاء فَأَما هَهُنَا فَلَا يُمكن قَالَ: فَمن أعظم الْأَشْيَاء نفعا أَن لَا يمْنَع العليل مَاء الشّعير أَو بعض الأحساء فِي الْأَيَّام الأول من)
مَرضه وَأَنت مزمع بعد أَيَّام أَن لَا تعطيه مِنْهَا وَبِالْجُمْلَةِ انْظُر مِقْدَار الْقُوَّة فِي مَرضه وَاجعَل التَّدْبِير عِنْد الْمُنْتَهى.
قَالَ ابقراط: وَالَّذين يدبرهم الْأَطِبَّاء بِالْمَنْعِ من الْغذَاء فِي الْأَيَّام الأول وإعطائهم بعد فكثيراُ مَا يَجدونَ ينزل من الرَّأْس وَمن نواحي الصَّدْر أخلاط نِيَّة مرارية ويعرض لَهُم سهر يمْنَع الْمَرَض النضج ويشتد قلقهم ويتبرمون وتختلط عُقُولهمْ ويعرض لَهُم أَن يرَوا كاللمعان ويمتلئ السّمع أصواتاً وتبرد أَطْرَافهم وَتَكون أبوالهم غير نضيجة وبزاقهم رَقِيقا مالحاً يَسِيرا منصبغاً بلون خَالص ويعرض لَهُم عصر فِيمَا يَلِي الرَّقَبَة واضطراب وينجذب نفسهم إِلَى فَوق ويعظم وتلطأ أصداغهم وَرُبمَا حدث صغر نفس وَكَانَ أردأ ويطرحون ثِيَابهمْ عَن صُدُورهمْ ويرتعش أبدانهم وتختلج مِنْهُم الشّفة السُّفْلى فَكل هَذِه الْأَعْرَاض تعرض لمن دبره الْأَطِبَّاء تدبيراً ردياً مِمَّن يحمونه فِي الْأَيَّام الأول ثمَّ ينقلونه إِلَى تنَاول أَطْعِمَة بَغْتَة فِي الْيَوْم الثَّالِث أَو الرَّابِع أَو الْخَامِس أَو السَّادِس أَو قبل أَن يَنْتَهِي مَرضه.
قَالَ: فَيعرض من الِامْتِنَاع من الْغذَاء أَن تنصب إِلَى نواحي الصَّدْر أخلاط مرارية ويعرض سهر والسهر يمْنَع من النضج وَأما الخور فَيعرض من الْمَنْع من الْغذَاء أَو من تنَاول الْغذَاء بعد ذَلِك بِكَثْرَة لثقل الْمعدة بِهِ وَتعرض لَهُم مرَارَة الْفَم واختلاط الْعقل من الصَّفْرَاء واللمع لارْتِفَاع البخارات وَأما برد الْأَطْرَاف فَإِنَّهُ يعرض مَتى أصَاب الْمعدة كرب بِسَبَب انصباب المرار إِلَيْهَا بِسَبَب جوع طَوِيل.
قَالَ: والأطباء الَّذين يجوعون الْمَرِيض فِي الْأَيَّام الأول ثمَّ ينقلونه بعد ذَلِك بَغْتَة إِلَى الأغذية فِي وَقت يَنْبَغِي أَن يلطف تَدْبيره فَيمْنَع النضج لِأَن الْبَوْل فِي الْوَقْت الَّذِي يخف فِيهِ الْبدن إِذا لم يسق فِيهِ مَاء الشّعير أَو مَاء الْعَسَل أَو سكنجبينا يغلب عَلَيْهِ المرار كَأَنَّهُ لَا يمازجه شَيْء آخر وَلَا ينقي وَأما فِي الْوَقْت الَّذِي ينْقل فِيهِ الْمَرِيض فنقلته إِلَى اسْتِعْمَال الأغذية فَلِأَن الْمعدة تثقل فَتَصِير أَيْضا الْقُوَّة الحيوانية مُشَاركَة لفم الْمعدة فِيمَا يحل بهَا لهَذَا السَّبَب يصير البزاق رَقِيقا مالحاً يَسِيرا منصبغاً ويعرض لَهُم الْعرق نَحْو الصَّدْر ويصيبهم اضْطِرَاب وَسُوء نفس لِأَن الْمَرَض يلبث غير نضيج بِسَبَب الْأَمريْنِ جَمِيعًا: الْجُوع الطَّوِيل وَتَنَاول الأغذية فِي غير وقته وَيتبع عدم النضج الْعرق والبزاق الْمَوْصُوف هَذَا فِي ذَات الْجنب فَأَما سوء التنفس فَيعرض عِنْد تنَاول الْأَطْعِمَة والغذاء فِي غير وقته ويطرح عَنْهُم الثِّيَاب للكرب وَتعرض الرعشة لضعف الْقُوَّة واختلاج الشّفة السُّفْلى)
لشدَّة ألم فَم الْمعدة وَمَتى ظَهرت هَذِه العلامات قبل ظُهُور النضج فَإِنَّهَا تدل على اخْتِلَاط عقل شَدِيد وعَلى موت فِي اكثر الْأَمر وَمَتى ظَهرت بعد ذَلِك دَلَائِل النضج فَإِنَّهَا تدل على البحران.(4/361)
قَالَ: من بِهِ مرض حاد فَإِن كَانَ قد نضج مَرضه فليعط مَاء الشّعير فَإِن كَانَ لم ينضج فَلَا تعطه إِلَّا الْأَشْرِبَة إِلَّا أَن يعرض لَهُ بعض الْأَعْرَاض الدَّالَّة على سُقُوط الْقُوَّة قبل استفراغ الْبَطن المفرط أَو لذع فِي الأمعاء والمعدة وَنَحْو ذَلِك من سهر أَو غم أَو تحلل خَفِي وَبِالْجُمْلَةِ شَيْء يسْقط الْقُوَّة وَلَا سِيمَا إِذا كَانَت مَوَاضِع مَا دون الشراسيف مِنْهُ جافة يابسة مَهْزُولَة وَيَنْبَغِي أَن لَا تنسى وتغلطك أَمر الشراسيف فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ ورم فَوق يجذب الشراسيف إِلَى فَوق قريب مِنْهُ تمددها وانجذابها إِلَى فَوق وَبَين هَذَا وَبَين ذَلِك فرق وَذَلِكَ أَن هَذَا إِذا كَانَ من أجل ورم احْتَاجَ إِلَى تَدْبِير لطف وَإِذا كَانَ من أجل هزالها ونحافة الْجِسْم كُله وَكَثْرَة تحلله احْتَاجَ إِلَى تغذ بِمَاء الشّعير مرَارًا كَثِيرَة قَلِيلا قَلِيلا.
لى: الْفرق بَين هذَيْن أَلا يكون فِي الْبَطن ريح وَلَا حرارة وَلَا ورم وَلَا عَطش وَلَا التهاب وَأَن يكون جَمِيع الْبدن ضامراً ضئيلاً وتتقدم العلامات والأسباب الدَّالَّة على انحلال الْبدن فجملة تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة أَن تنظر فِي الْقُوَّة وَالْمَرَض فَمَا أمكن أَن يَنْتَهِي وَالْقُوَّة بَاقِيَة أخذت بِالْجُمْلَةِ فِي اسْتِعْمَال الحمية الصعبة وَمَا لم يُمكن أَن يبْقى أعطهم الأحساء والأغذية اللطيفة ثمَّ لطف التَّدْبِير نَحْو الْمُنْتَهى لِئَلَّا يمْنَع البحران وَمَا شَككت فِيهِ اسْتعْملت التَّوَسُّط وملت إِلَى تقليل الْغذَاء لِأَنَّهُ يمكنك أَن تلْحقهُ إِن حدث حَادث يدل على ذَلِك ويستدل مَعَ هَذَا كُله بالأسباب الملتئمة كالأمزجة وَالسّن وتخلخل الْبدن وَنَحْوه ولطف التَّدْبِير بعد البحران بيومين أَيْضا لتأمن العودة.
قَالَ: وَإِذا انْتَقَلت من حمية إِلَى اغتذاء أَو من اغتذاء إِلَى حمية فبتدرج فِي ذَلِك مَا أمكنك وساعدتك الْقُوَّة فَلَا تسْتَعْمل الأغذية والأحساء قبل النضج إِلَّا عِنْد ضَرُورَة سُقُوط الْقُوَّة. 3 (مَاء الْعَسَل) مَتى كَانَ بِإِنْسَان حمى حادة وقوته ومرضه يَنْتَهِي إِلَى الْخَامِس فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مَاء الْعَسَل وَهُوَ مُوَافق فِي هَذِه الْأَمْرَاض جدا وانتفاع أَصْحَاب هَذِه الأمزجة الحادة بِهِ أقل وَذَلِكَ أَنه يَسْتَحِيل فيهم إِلَى الصَّفْرَاء إِلَّا أَن يسْبق فَيخرج بالبراز وَالْبَوْل فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يجب أَلا يضرهم بل يَنْفَعهُمْ نفعا عَظِيما وَذَلِكَ أَنه يخرج مَعَه البرَاز وَهُوَ يبْقى فِي بطُون من بهم ورم فِي أحشائهم فَلَا يخرج مَعَه وَيزِيد فِي الورم وضرره لَهُم أعظم جدا. وَإِن أعْطى مِنْهُ أَصْحَاب الأمزجة الصفراوية وَهُوَ ممزوج حَتَّى صَار كَالْمَاءِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يهيج الْعَطش وَلَا يُولد المرار.
قَالَ: إِن المَاء يبطئ فِي مَا دون الشراسيف زَمَانا طَويلا فَيَنْبَغِي أَن يهرب من اسْتِعْمَاله خَاصَّة فِي الْأَمْرَاض الحادة وَالْعَسَل يَسْتَحِيل إِلَى المرار واسق شراب الْعَسَل الْكثير المَاء لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ مدراً للبول ومنفذاً للْمَاء لَا الْعَسَل فيعطش.
قَالَ: وَلَا تسْتَعْمل مَاء الْعَسَل فِي الحميات الذوبانية وَذَلِكَ أَنه من أعظم الْأَشْيَاء لَهُم مضرَّة وَهَذِه هِيَ الحميات الَّتِي يكون فِيهَا برازه زبدياً وشيئاً مرارياً لَكِن اسْتعْمل فِي هَذِه مَاء الشّعير إِلَى أَن تظهر وَلَو عَلامَة وَاحِدَة خسيسة فِي الْبَوْل تدل على نضج فَحِينَئِذٍ فاسقه المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ(4/362)
قَالَ: اسْتِعْمَال مَاء الْعَسَل فِي الْأَمْرَاض الحادة الَّتِي الْقُوَّة فِيهَا قَوِيَّة والانتهاء يَأْتِي قبل انحلالها وَلَيْسَ فِي الأحشاء ورم وَفِي ذَات الْجنب صَوَاب وَلَا يحدث عَنهُ كَبِير خطأ فَأَما مَاء الشّعير فَاسْتَعْملهُ فِي الْأَمْرَاض الَّتِي تذيب الْبدن فَقَط لِأَن فِي هَذِه لَا يحْتَمل العليل أَن يغذى بِمَاء الْعَسَل حَتَّى يَجِيء البحران وَأما فِي سَائِر الْأَمْرَاض فالأصلح أَن يدبر بِمَاء الْعَسَل فَقَط يَعْنِي بِسَائِر الْأَمْرَاض: الحميات الحادة الَّتِي يَجِيء بحرانها فِي الرَّابِع وَالْخَامِس فالقوة قَوِيَّة وَلَيْسَ فِي الطحال والكبد ورم حَار. وَإِنَّمَا يطعن من يطعن فِي مَاء الْعَسَل بِأَنَّهُ يسْقط الْقُوَّة وَهَذَا كذب لكنه لَيْسَ يزِيد فِيهَا كثير زِيَادَة لِأَنَّهُ مركب من مَاء كثير وَعسل يسير وَالْمَاء لَا يغذو الْبَتَّةَ وَلِهَذَا يسْتَعْمل حَيْثُ تكون الْقُوَّة قَوِيَّة على أَنه قد يغذو وَيُقَوِّي قَلِيلا وَذَلِكَ لَو أَن مَرِيضا كَانَ من شَأْنه أَن يَمُوت فِي الرَّابِع وَلَا يطعم شَيْئا الْبَتَّةَ اسْتعْمل مَاء الشّعير أَو مَاء الْعَسَل فقد يبْقى بِهِ إِلَى السَّادِس وَالسَّابِع إِلَى أَن يسهل مَاء الشّعير بَطْنه إسهالاً كثيرا فَإِنَّهُ تسْقط قوته وَمَا لَا يطْبخ جيدا يسهل أَكثر وَمَا أجيد طبخه يسهل أقل جدا ويغذو أَكثر.
قَالَ: وَإِن شرب مَاء الْعَسَل بعد مَاء الشّعير نفخ وآذى وَقل الِانْتِفَاع بِهِ وَإِن قدم مَاء الْعَسَل أَولا)
لم يضر بل رُبمَا نفع نفعا عَظِيما إِلَّا أَن مَاء الْعَسَل أسْرع اسْتِحَالَة ونفوذاً وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يقدم أَولا الأسرع اسْتِحَالَة. 3 (السكنجبين) الْقَلِيل الحموضة الْمَعْمُول من مَاء الْعَسَل وَقَلِيل من الْخلّ فيغذو وَيفْعل أَفعَال مَاء الْعَسَل وَلَا يهيج مرار وَلَا يضر الأحشاء.
قَالَ: وَاحْذَرْ السحج فِي جَمِيع الْأَمْرَاض الحادة لِأَنَّهُ إِن حدث سحج لم تبرز الفضول لشدَّة الوجع وعادت إِلَى أعالي الأمعاء وهاجت بخارات فِي الرَّأْس ردية ونفخاً فِي الشراسيف.
قَالَ: وَلِأَن مَعَ السحوج حِينَئِذٍ وجعاً شَدِيدا وقياماً متواتراً وَهَذَانِ يسقطان الْقُوَّة جدا والحذر مِنْهُ وَاجِب.
قَالَ: وَقد يحدث السحج عَن إكثار السكنجبين وَفِيه هَذِه الْمضرَّة فَقَط.
قَالَ: السكنجبين لَا يصلح لمن هُوَ فِي أمراض حادة وَإِنَّمَا يعْطى الْأَشْرِبَة فَقَط لِأَنَّهُ يسحج سَرِيعا لجلاء أمعائهم وَلَا يغذى إِلَّا يَسِيرا كَمَاء الْعَسَل وَلَا ينقص عَن تغذية مَاء الْعَسَل وَإِنَّمَا يصلح لمن يسْتَعْمل شَيْئا من كشك الشّعير وَلَا يَنْبَغِي أَن يعْطى مَعَ مَاء الشّعير لَكِن إِذا كَانَ بِالْغَدَاةِ يعْطى مَاء الشّعير بعده بساعتين فَإِنَّهُ فِي هَذِه الْمدَّة يبلغ من نَفعه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويسقى بالْعَشي بعد أَن يكون الحساء والكشك قد نفذا عَن الْبَطن لِأَن اجْتِمَاع مَاء الشّعير مَعَه يحدث قلقاً واضطراباً وَفَسَادًا. وَإِنَّمَا يحْتَاج إِلَى اسْتِعْمَال السكنجبين وَهُوَ: أخلاط خل قَلِيل بِمَاء الْعَسَل مَتى كَانَ الْعَسَل يعطش العليل ويسخنه ويهيج أحشاءه. قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يلقى على مَاء الْعَسَل خل يسير ويطبخ حِينَئِذٍ فَإِن ضَرَره إِذْ ذَاك يقل. قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فالخل يحِيل الصَّفْرَاء إِلَى طبيعة البلغم.
وَأما المَاء فَلَا يسْتَعْمل وَحده فِي الْأَمْرَاض(4/363)
الحادة لَكِن يسقى مَا بَين الْأَشْرِبَة إِذا أفرط على العليل الْعَطش فَإِنَّهُ فِي هَذَا الْوَجْه ينفع وَأما وَحده فَلَا لِأَنَّهُ ينْفخ ويعطش ويميل إِلَى الصَّفْرَاء إِذا كَانَت غالبة. وَقد ذكرنَا علله فِي بَاب المَاء يَنْبَغِي أَن يعلم إِن هَذَا فِي شرب المَاء الْقَلِيل لِأَن الَّذِي يسقى لينقل المزاج ضَرْبَة وَلِأَنَّهُ لَا يغذو الْبدن الْبَتَّةَ فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل السكنجبين وَمَاء الْعَسَل وَالْخمر الْأَبْيَض فِي الْأَمْرَاض الحادة وَلَا يسْتَعْمل المَاء وَحده لَكِن فِيمَا بَين الْأَشْرِبَة إِذا عرض للْمَرِيض عَطش.
قَالَ: وَإِذا خفت صداعاً واختلاطاً فتجنب الْخمر غير المائي الْبَتَّةَ وامزج قَلِيل الْخمر المائي)
بِكَثِير من المَاء بِمِقْدَار مَا ينفده وَلَا يكون مَاء صرفا.
قَالَ ابقراط: يعْطى 3 (كشك الشّعير) من مَرضه هادئ وَمن كَانَ مَرضه أخوف وحاله أردأ فتعطيه مَاء الشّعير بعد النضج وَكَذَا الْحمام.
الأولى من كتاب الفضول: التَّدْبِير الْبَالِغ فِي اللطافة رَدِيء فِي جَمِيع الْأَمْرَاض المزمنة وَالتَّدْبِير الَّذِي يبلغ الْغَايَة القصوى من اللطافة فِي جَمِيع الْأَمْرَاض الحادة رَدِيء إِذا لم يحْتَملهُ الْمَرِيض.
قَالَ ج: الْمَرَض الَّذِي فِي الْغَايَة القصوى من الحدة يحْتَاج إِلَى التَّدْبِير الَّذِي فِي الْغَايَة القصوى من التَّدْبِير واللطافة الَّذِي هُوَ الْغَايَة القصوى من الطافة هُوَ ترك الطَّعَام الْبَتَّةَ والاقتصار على مَاء الْعَسَل إِلَى أَن يَجِيء البحران وَالتَّدْبِير الَّذِي لَيْسَ فِي الْغَايَة تنَاول كشك الشّعير.
قَالَ: وعرضنا فِي التَّدْبِير فِي الْأَمْرَاض أَلا تنقص الْقُوَّة نُقْصَانا بَينا فادحاً ويحفظها بِحَالِهَا لَا أَكثر.
قَالَ: وَإِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَيَنْتَهِي الْمَرَض فِي الرَّابِع فامنعه الطَّعَام الْبَتَّةَ فَإِن هَذَا التَّدْبِير هُوَ الَّذِي فِي الْغَايَة من اللطافة وَإِذا كَانَت الْقُوَّة أَيْضا قَوِيَّة وَيَنْتَهِي فِي السَّابِع فاقتصر على مَاء الْعَسَل فَإِن هَذَا هُوَ التَّدْبِير اللَّطِيف إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي أقصاها فَأن لم تثق بِالْقُوَّةِ فَاسْتعْمل مَاء الشّعير فَأن هَذَا التَّدْبِير لَيْسَ فِي الْغَايَة من اللطافة. وَأما تنَاول كشك الشّعير فَلَيْسَ بلطيف على الْإِطْلَاق وَلَا هُوَ تَدْبِير غليظ أَيْضا كمن تنَاول الْبيض والسمك وَنَحْوه. فَأَما الْأَمْرَاض الَّتِي تَنْتَهِي سَرِيعا جدا فَاسْتعْمل فِيهَا التَّدْبِير اللَّطِيف جدا. قَالَ: وَأعظم الْخَطَأ يَقع على من يلطف التَّدْبِير لِأَن التَّدْبِير لَا يحْتَمل فِيهِ حُلُول الْخَطَأ وَإِن كَانَ قَلِيلا فَأَما التَّدْبِير الغليظ فَهُوَ أَكثر احْتِمَالا للغلط وأجود التَّدْبِير فِي الْأَمْرَاض الَّتِي فِي الْغَايَة القصوى من الحدة وَهِي الَّتِي تَنْتَهِي فِي الرَّابِع وَقَبله: التَّدْبِير الْبَالِغ فِي اللطافة وَهُوَ الِاقْتِصَار على مَاء الْعَسَل والقليل من مَاء الشّعير لِأَن مُنْتَهى هَذَا الْمَرَض يكون فِي هَذِه الْأَيَّام لحدتها وتلطيف الْغذَاء وَالتَّدْبِير عِنْد المنتهي أوجب وتوق تَغْلِيظ التَّدْبِير فِي المنتهي جدا لِأَن الحميات من الأورام الحارة حِينَئِذٍ فِي غَايَة الْعظم والجيد أَلا تشغل الطبيعة عَن انضاج الْعلَّة فِي ذَلِك الْوَقْت بانضاج الْغذَاء.(4/364)
وَأما الْمَرَض الَّذِي يتَأَخَّر منتهاه فَلَنْ يُمكن أَن تسْتَعْمل فِيهِ تلطيف التَّدْبِير فِي الْغَايَة لِأَنَّك إِذا)
فعلت ذَلِك قتلت العليل فَلهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون اغلظ بِقدر مَا انحط من الْمَرَض من الحدة. وَأما الْمَرَض الَّذِي يتَأَخَّر منتهاه فغلظ فِيهِ التَّدْبِير فِي أول الْأَمر بِحَسب ذَلِك فَإِذا قرب المنتهي فلطف التَّدْبِير وَإِنَّمَا يُمكن أَن تسْتَعْمل تلطيف التَّدْبِير بِحَسب الْقُوَّة لِأَن الْقُوَّة إِذا لم تساعد احتجنا أَن نغذي الْمَرِيض وَلَو فِي وَقت النّوبَة فضلا عَن غَيره.
قَالَ ج: الْغَرَض الَّذِي يقْصد فِي الْغذَاء أما فِي كُلية الْمَرَض فِي المنتهي وَالْقُوَّة فبحسب هذَيْن اجْعَل الْغذَاء وَأما فِي الْجُزْئِيَّة فَلَا تعط وَقت النّوبَة وَلَا بِالْقربِ مِنْهَا. وَفِي الدائمة تحر أخف الْأَوْقَات الْمقَالة الأولى من الْفُصُول قَالَ فِي خلال الْكَلَام: إِن الْعِلَل الحادة إِذا كَانَت فِي الصّبيان لم تحْتَمل من المدافعة بالغذاء مَا يحْتَملهُ غَيرهم وأحمل النَّاس للمدافعة بالغذاء الَّذين هم فِي ابْتِدَاء الشيخوخة وَأما الَّذين هم فِي غايتها فَلَا وبعدهم الكهول ثمَّ الشَّبَاب وَمن حرارته الغريزية كَثِيرَة فَهُوَ أقل احْتِمَالا لترك الْغذَاء فِي أَي شَيْء كَانَ فَيَنْبَغِي أَن يكْتَسب من هَذَا أَيْضا دَلِيل على غذَاء العليل والأغذية المرطبة توَافق جَمِيع المحمومين وخاصة الصّبيان لِأَن الْحمى مرض حاد يَابِس وَالشَّيْء الْخَارِج عَن الطَّبْع يَنْبَغِي أَن يُقَابل بالضد وَالصبيان إِلَى ذَلِك أحْوج لرطوبة أمزجتهم لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن يكون مَا يخلف عَلَيْهِم شَبيه مَا حللته الْحمى من أبدانهم ولكثرة مَا يتَحَلَّل مِنْهُم.
قَالَ: الدّلَالَة على مِقْدَار الْغذَاء وكمية مَا يعْطى مَرَّات يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ من الْقُوَّة وَحَال الْبدن ثمَّ يضم إِلَيْهِ حَال الزَّمَان وَالْعَادَة لِأَنَّهُ أَن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة والأخلاط فِي بدنه أما ردية وَإِمَّا نَاقِصَة فأغذه قَلِيلا فِي مَرَّات كَثِيرَة أما قلته فلضعف الْقُوَّة فَإِن الْقُوَّة الضعيفة لَا تحْتَمل طَعَاما كثيرا.
وَأما فِي مَرَّات كَثِيرَة فَلِأَن حَال الْبدن تحْتَاج إِلَى غذَاء كثير لِأَن رداءة الأخلاط تحْتَاج إِلَى تَبْدِيل مزاجها وقلتها تحْتَاج إِلَى الزِّيَادَة فِيهَا. وَإِن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة وَلَيْسَت الأخلاط نَاقِصَة وَلَا ردية الْكَيْفِيَّة فغذه قَلِيلا ومرات قَليلَة لِأَن الْقُوَّة ضَعِيفَة وَالْبدن لَا يحْتَاج ضَرُورَة إِلَى الزِّيَادَة وَأولى الْأَشْيَاء يَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل ذَلِك إِذا كَانَ الْبدن مَعَ ضعف الْقُوَّة ممتلئاً كثير الأخلاط فَإِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَحَال الْبدن حَال نقص فأعطه طَعَاما كثيرا فِي مَرَّات كَثِيرَة لِأَن حَال بدنه حَال تحْتَاج إِلَى كَثْرَة طَعَام وقوته تفي بإنضاج ذَلِك فَإِن منعتك نَوَائِب الْحمى فِي كَثْرَة الْأَوْقَات فأعط قدر مَا يتهيأ لَك من الْأَوْقَات. وَإِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَالْمَرَض من امتلاء فأعطه طَعَاما ومرات قَليلَة لِأَنَّهُ أَن كَانَ الشَّيْء الَّذِي ينضج قَوِيا فَإِن حَال الْبدن حَال لَا يحْتَاج إِلَى غذَاء. وَهَكَذَا)
خُذ الِاسْتِدْلَال من حَال الْمَرَض وَالسّن وَالْعَادَة وَالْوَقْت وَنَحْوهَا.
أما الصَّيف فَيجب بِحَسبِهِ أَن تُعْطى العليل مرَارًا كَثِيرَة قَلِيلا قَلِيلا لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى زِيَادَة فِي الْغذَاء لِكَثْرَة مَا يتَحَلَّل مِنْهُم فِي الصَّيف أَكثر والأصحاء فِي الشتَاء لِأَن قوتهم ضَعِيفَة. وَأما فِي الشتَاء فأعطه غذَاء كثيرا فِي مَرَّات قَليلَة أما كثيرا فَلِأَن الْقُوَّة فِيهِ تكون أقوى وَأما(4/365)
مَرَّات قَليلَة فَلِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى غذَاء لقلَّة التَّحَلُّل مِنْهُ. وَأما فِي وسط الرّبيع فَلْيَكُن الْغذَاء قَلِيلا لِأَن أَكثر الْأَمْرَاض فِي هَذَا الْوَقْت تحدث عَن امتلاء لِأَن الكيموسات الجامدة تنْحَل فِيهِ. وَأما الخريف فَأن حَاله كَحال من فِي بدنه أخلاط ردية وَلِهَذَا يحْتَاج أَن يغذي غذَاء كثيرا حميدا جيد الْخَلْط كثيرا إِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة وَإِن كَانَت الْقُوَّة ضَعِيفَة فأعطه مَرَّات كَثِيرَة مِقْدَار مَا يجْتَمع لَهُ مِنْهَا أَن يكون كثيراُ. وعَلى هَذَا فقس فِي سَائِر الْأَشْيَاء الملتئمة وَضم ذَلِك إِلَى العرضين الْأَوَّلين وَذَلِكَ إِن كل وَاحِد من هَذِه الْأَشْيَاء أما إِن يزِيد فِي الْقُوَّة أَو ينقص مِنْهَا أَو يزِيد فِي الكيموسات أَو ينقص مِنْهَا أَو يصيرها إِلَى حَالَة ردية.
قَالَ: أثقل مَا يكون الطَّعَام على الْأَبدَان فِي الصَّيف والخريف وأخفه فِي الشتَاء وَالربيع.
قَالَ ج: الرّبيع إِلَى الشتَاء فِي ذَلِك والخريف إِلَى الصَّيف فِي ثقل الطَّعَام على الْبدن بِحَسب ذَلِك قلل الْغذَاء للْمَرِيض فِي الصَّيف والخريف الَّذِي يغذي فِيهِ العليل وَإِذا كَانَ بخلط فَلَا يُمكن. لي قد يُمكن وَهُوَ أَن يغذي بعد انْقِضَاء النّوبَة بساعتين وَيتبع ذَلِك أَيْضا.
من مقَالَة جالينوس فِي الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: مَا كَانَ من الْأَمْرَاض يَأْتِي منتهاه قبل أَن ينهك الْقُوَّة فَإِن ابقراط لَا يغذوه الْبَتَّةَ حَتَّى يَأْتِي المنتهي إِلَّا أَن يعرض لَهُ عَارض من الْأَعْرَاض الَّتِي تهد الْقُوَّة فيغذي فَأَما الْأَمْرَاض الَّتِي لَا يَأْتِي مُنْتَهَاهَا إِلَّا بعد مُدَّة طَوِيلَة وَيعلم إِن الْمَرِيض لَا يتَحَمَّل الْجُوع إِلَى وَقت المنتهي فَإِن ابقراط يرى أَنه أَن لم يغذ فِي هَذِه الْأَمْرَاض قبل المنتهي سَقَطت قوته وَفِي هَذِه الْأَمْرَاض يَنْبَغِي أَن يفكر الطَّبِيب مُنْذُ أول الْمَرَض أينبغي أَن يقْتَصر على مَاء الشّعير أَو مَاء الْعَسَل أَو لَا يَكْتَفِي بذلك من أجل سُقُوط الْقُوَّة لطول وَقت المنتهي حَتَّى يحْتَاج أَن يخلط فِيهِ مثل مَاء كشك الشّعير.
قَالَ: فَإِن اسْتِعْمَال الْغذَاء فِي الْمَرَض الَّذِي لَا بُد من اسْتِعْمَاله قبل المنتهي فِي أول الْأَمر خير من قَالَ: وَقد يسْتَعْمل فِي هَذِه الْأَمْرَاض أَي هَذِه رَأَيْت اسْتِعْمَاله صَوَابا مُنْذُ أول الْمَرَض إِلَّا أَن يكون جَوْفه مملوءاً من الطَّعَام وَهُوَ يحْتَاج إِلَى فصد أَو إِلَى إسهال وحقنة فَإِنَّهُ إِذا كَانَ مُحْتَاجا)
إِلَى بعض هَذِه فَيَنْبَغِي أَن تفعل بِهِ ذَلِك أَولا ثمَّ يغذى وَإِن كَانَ فِي جَوْفه طَعَام فانتظر هضمه على الِاسْتِقْصَاء ثمَّ اغذه.
قَالَ: وَيَأْمُر بترك الْغذَاء فِي أَوْقَات النوائب وَهَذَا يَقُوله فِي الْأَمْرَاض الحادة.
قَالَ: وَأنزل إِن عليلاً سيأتيه البحران لَا محَالة فِي الرَّابِع أَو الْخَامِس وَمَعَهُ من الْقُوَّة مَا(4/366)
يحْتَمل أَن يبْقى بِلَا غذَاء خَمْسَة أَيَّام فَلَا تخور قوته جدا أَقُول: إِن ابقراط قَالَ: إِن لم يحدث على هَذَا الْمَرِيض حَادث يهد قوته من سهر شَدِيد أَو استطلاق بطن أَو غير ذَلِك لم تعطه مَاء الْعَسَل وَلَا سكنجبيا وَلَا مَاء الشّعير لَكِن تَدعه خاوياً إِلَى أَن يجوز مُنْتَهى مَرضه.
لى: يسقى مَاء قَلِيلا قَلِيلا إِن عَطش.
قَالَ: وَإِن كَانَت قوته فِيهَا بعض الضعْف فاسقه مَاء الْعَسَل. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَتى كَانَ يتَوَقَّع لَهُ بحران فِي السَّابِع وقوته قَوِيَّة تفي بِالْبَقَاءِ وَلَا تسْقط إِلَى السَّابِع فَإِن ابقراط يرى أَنه يَكْتَفِي بِمَاء الْعَسَل.
قَالَ: وَقد يسقى السكنجبين كثيرا على أَنه دَوَاء لَا لِأَنَّهُ غذَاء وَكَذَلِكَ قد يسقى مَاء الشّعير قَالَ: فبقراط كثيرا مَا يمْنَع الْمَرِيض مَاء الشّعير ويقتصر بِهِ على المَاء فَقَط إِلَى الْمُنْتَهى لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمُنْتَهى يَأْتِي فِي الرابوع الأول أَو بعده بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ فَأَما إِذا علم أَن منتهاه لَا يَأْتِي إِلَّا فِي السَّابِع أَو التَّاسِع أَو الْحَادِي عشر أَو الرَّابِع عشر فَإِنَّهُ يغذوه بِمَاء الشّعير وَأما بكشكة فيحسيه مِنْهُ كل يَوْم إِلَى الْيَوْم الَّذِي تكون فِيهِ نوبَة الْحمى أَو الْيَوْم الأول أَو الثَّانِي إِن كَانَ جَوْفه مملوءاً طَعَاما أَو ثقل طَعَام وَذَلِكَ أَنه مَتى كَانَ فِي جَوف العليل ثقل طَعَام فاستفرغ وَمَتى كَانَ فِي الْمعدة طَعَام فاترك حَتَّى ينحدر وَكَذَا إِن كَانَ يحْتَاج إِلَى أَن يفصد أَو يستفرغ بالإسهال فَلَا نغذه حَتَّى تسْتَعْمل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ. فَأنْزل أَن العليل الَّذِي يتَوَقَّع بحرانه فِي التَّاسِع أَو فِي الْحَادِي عشر أَو الرَّابِع عشر يحْتَاج إِلَى شَيْء من هَذِه. أَقُول: أَنا نغذوه مُنْذُ أول الْأَمر بكشك الشّعير بعد أَن نَنْظُر فِي قوته فَإِن كَانَت قَوِيَّة اقتصرنا بِهِ على مَائه وَإِلَّا أعطيناه ثقله أَيْضا مَعَ المَاء.
وَينْقص من الْغذَاء إِذا قرب الْمُنْتَهى وَلَا يغذى الْبَتَّةَ فِي يَوْم البحران إِلَّا يَوْم البحران إِلَّا أَن يرهق أَمر شَدِيد من غشي أَو سُقُوط قُوَّة وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: وأبقراط قد يمْنَع كثيرا من المرضى إِذا كَانَت قوتهم قَوِيَّة من الْغذَاء لَا إِلَى الرَّابِع وَلَكِن إِلَى السَّابِع إِذا علم أَن قواهم تفي بِأَن تبقى إِلَى أَن يَأْتِي الْمُنْتَهى وَأما أَنا فَأرى أَن تجويعه خَمْسَة أَيَّام)
تجويع كثير.
لى: جالينوس يرى أَن من لم يَأْته البحران إِلَى السَّابِع فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يغذى بِحَسب قوته وَأَن الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَن يعْطى إِلَّا المَاء فَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك إِلَى الرَّابِع وَأَكْثَره إِلَى الْخَامِس. هَذَا إِن كَانَت قوته قَوِيَّة.
لى: فَأنْزل أَن عليلاً يَأْتِي بحرانه فِي الرَّابِع عشر وَأَنه فِي الْيَوْم الأول فِي بَطْنه طَعَام فَيَنْبَغِي أَن لَا يعْطى شَيْئا الْبَتَّةَ حَتَّى ينزل مَا فِي بَطْنه مَعَ ذَلِك مُحْتَاجا إِلَى فصد أَو حقنة أَو تسكين وجع شَدِيد فَإِنَّهُ لَا يعْطى شَيْئا الْبَتَّةَ حَتَّى يعالج بِمَا يَنْبَغِي وَلَا يعْطى أَيْضا فِي أَيَّام نوبَة الْحمى إِن كَانَت عَظِيمَة شَيْئا وَيُعْطى فِي سَائِر الْأَيَّام كل يَوْم سكرجة مَاء الشّعير(4/367)
إِن كَانَت قَوِيَّة إِلَّا أَن يعلم أَنه إِن كَانَ يعْطى كشك الشّعير فَإِنَّهُ على حَال فِي تَدْبِير لطيف لَا يبلغ جملَة مَا ينَال فِي مَرضه كُله إِلَى أَن يَأْتِيهِ البحران مَا يُعْطِيهِ الْأَطِبَّاء الْآن فِي يَوْم وَاحِد وَذَلِكَ أَنا نجدهم كثيرا مَا يحسون العليل قدحاً ملأى من مَاء الشّعير ثمَّ الأحساء الْمُخْتَلفَة المتخذة من الْحِنْطَة وَنَحْوهَا ثمَّ خصى الديوك وأجنحتها والشفانين وفراخ الْحمام وَشَيْء من سمك.
قَالَ: فجملة مَا يُعْطِيهِ ابقراط فِي الْأَمْرَاض الحادة لَا يبلغ مَا يعطونه هَؤُلَاءِ فِي يَوْم وَاحِد فَإِن الَّذِي يُعْطِيهِ ابقراط الكشك كل يَوْم ثمَّ تذْهب لَهُ أَيَّام لَا يُعْطِيهِ مِنْهَا الْأَيَّام الأول وَإِن كَانَ فِي جَوْفه طَعَام أَو يحْتَاج إِلَى علاج وَمِنْهَا أَيَّام النوائب وَمِنْهَا الْأَيَّام الَّتِي تقرب من الْمُنْتَهى فَإِن ابقراط قد قَالَ: من كَانَ مُنْتَهى مَرضه مُتَقَدما فدبره باللطيف بدءاً وَمن مُنْتَهى مَرضه يتَأَخَّر فغلظ تَدْبيره مُنْذُ أول الْأَمر لتبقى قوته فَإِذا حضر الْمُنْتَهى أَو قبله بِقَلِيل فلطف تَدْبيره فأبقراط ينقص مَا يعْطى من مَاء كشك الشّعير مَتى قرب الْمُنْتَهى فَإِذا كَانَ الْمُنْتَهى وَنَحْوه يمْنَع مِنْهُ الْبَتَّةَ.
قَالَ: وَإِذا انحط الْمَرَض أعْط كشك الشّعير فَإِنَّهُ صَوَاب وَإِن كَانَ العليل قبل ذَلِك لَا يسقى وَلَا مَاء الشّعير.
قَالَ: وأبقراط يرى أَن أعظم الْأَشْيَاء خطأ مَعَ منع الْمَرِيض من الْغذَاء فِي أول مَرضه ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة ثمَّ غذاه بعد وَقد قرب من الْمُنْتَهى لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع من الْغذَاء من كَانَت قوته لَا تفي بِالْبَقَاءِ إِلَى الْمُنْتَهى وَمن تفي فَيَنْبَغِي أَن يمْنَع مِنْهُ إِلَى أَن ينضج مَرضه فِي الرَّابِع كَانَ أَو فِي الْخَامِس أَو السَّابِع فَهَذَا رأى أبقراط.
لى: لَا يمْنَع مَاء الْعَسَل وَالْمَاء وَنَحْوه وَرُبمَا منع من مَاء الشّعير على حسب الْقُوَّة.)
قَالَ وأبقراط قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يحذر قبل الْمُنْتَهى جَمِيع الأغذية خلا الكشك من الشّعير ويطرح كشك الشّعير أَيْضا عِنْد الْمُنْتَهى.
قَالَ: فجملة رأى أبقراط إِمَّا أَن يغذوه إِلَى أَن ينضج مَرضه أَو يغذوه من أول الْأَمر. وَأعظم الْخَطَأ عِنْده أَن يمْنَع العليل الْغذَاء فِي الْأَيَّام الأول حَتَّى إِذا قرب الْمُنْتَهى وقوته قد سَقَطت غذوه مِثَال: مَتى كَانَ الْمَرَض تَأتي نهايته فِي الْخَامِس فَمنع العليل من الْغذَاء إِلَى الثَّالِث ثمَّ غذى فِي الرَّابِع عظم ضَرَره.
قَالَ: وَالَّذِي يُرِيد أبقراط فِي هَذَا الْمَرَض أَنه إِذا كَانَ الْمَرِيض قَوِيا فَلَا تغذه الْبَتَّةَ حَتَّى يَنْتَهِي مَرضه وَإِن لم يكن اغتذى فِي الْيَوْم الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث بِمَاء الشّعير وقلل مِنْهُ فِي الرَّابِع وَأمْسك فِي الْخَامِس الْبَتَّةَ.
الْيَهُودِيّ: الْأَمْرَاض الحادة هِيَ الْحمى الدائمة الَّتِي أعراضها أَعْرَاض الصَّفْرَاء الصعبة من شدَّة التلهب والحرارة والعطش وَسَوَاد اللِّسَان.
وتدبيره هَؤُلَاءِ: الْجُلُوس فِي بَيت مُقَابل الشمَال(4/368)
وتنصب اجاجين المَاء وَالْخضر والرياحين المبردة ويلبس قَمِيصًا مصبوغاً بصندل وكافور وَمَاء ورد وَيجْعَل على معدته وجنبيه صندل وكافور وَمَاء ورد ويسقى غدْوَة مَاء الشّعير وَنصف النَّهَار مَاء القرع وبالعشي لعاب بزر قطونا وَإِن كَانَ صداع وسهر فانطل واسعط بدهن النيلوفر وَليكن سَائِر التَّدْبِير بِحَسب ذَلِك وتفقد علاماته الجيدة والردية والهضم فِي الْبَوْل.
الطَّبَرِيّ: ابتدئ فِي أول الْأَمر فِي الْأَمْرَاض الحادة بِإِخْرَاج الفضول لِأَنَّهُ إِن مَضَت أَيَّام لم يُمكن ذَلِك لضَعْفه ويفرش فِي الْبَيْت رياحين وأجاجين مَاء مبردة مَا أمكن.
لى: اجْتمعت الْكتب الحديثة أَن الْمَرَض الحاد هُوَ الغب الْمُسَمَّاة المحرقة إِذا بَقِي الْخَلْط خَالِصا وَقد ذكر صدر من علاجه فِي بَاب الغب فاقرأه من هُنَاكَ وَكَذَلِكَ فِي الحميات المطبقة.
اهرن: أَنا لَا نسقي مَاء الشّعير فِي الْأَمْرَاض الحادة من يحمض مَاء الشّعير فِي معدته.
لى: رَأَيْت بالتجربة أَكثر هَذِه الْعِلَل الَّتِي تسميها الْعَامَّة برساما ويسميها الْأَطِبَّاء سرساما تبتدئ بثقل الرَّأْس ووجعه بِشدَّة وكسل وفتور وتمط يَتلون فِي الْبدن كُله وَحُمرَة فِي الْوَجْه والعنق وَحمى لينَة وَيبقى كَذَلِك يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَة وَإِلَى خَمْسَة وَإِلَى سَبْعَة ثمَّ من ذَلِك يخْتَلط الْعقل وَيرى كَالسَّكْرَانِ ويسود لِسَانه وَلَا يطْلب مَأْكُولا وَلَا مشروبا مُدَّة مَا يقدر سرعَة دُخُوله فِيهِ وبطؤه)
وبقدر حِدة حماه وغلبتها. وَرَأَيْت أَجود مَا يمْنَع بِهِ هَذَا: إسهال الصَّفْرَاء بِقُوَّة. وَاعْلَم أَن الطبيعة يعسر انحلالها فِي هَذَا الْوَقْت أَكثر لِأَن حَرَكَة المرار فِيهِ إِلَى الرَّأْس فَيجب أَن يسقى فِيهِ خيارشنبر بِاللَّيْلِ وَيتبع سحرًا بطبيخ اهليلج وَلَا يُفَارق الرَّأْس خل خمر ودهن ورد وَمَاء ورد وَالْأنف الصندل والكافور. والفصد فِيهَا عَجِيب النَّفْع. والنطل على الرَّأْس. وَرَأَيْت أَن امتناعهم عَن المَاء مَعَ شدَّة الْحَرَارَة ويبس اللِّسَان إِنَّمَا يكون لاختلاطهم فَلهَذَا أرى أَن يوجروا كل سَاعَة مَاء بَارِد ويذكروا شربه لِئَلَّا تشتد حرافة المرار وخاصة فِي من كَانَ لِسَانه مِنْهُم أيبس وَدَلَائِل الْوَجْه عَلَيْهِ أغلب. فَإِن الصَّحِيح إِذا لم يشرب ثَلَاثَة أَيَّام حم واحتدت أخلاطه وزادت الْمقَالة الثَّانِيَة:
3 - (الْأَعْرَاض المقوية للسرسام)
اخْتِلَاط الْعقل الدَّائِم والحمى اللَّازِمَة.
السَّادِسَة قَالَ: ينفع فِي الْمَرَض الحاد إِذا كَانَ مَعَه ثقل فِي الرَّأْس عقر الْأنف لخرج مِنْهُ دم فَإِن كَانَ بِهِ طحال فاعقره فِي الْجَانِب الْأَيْسَر.
لى: يعقر الْأنف وتفصد الْجَبْهَة أَو الصدغان السرسام بعد الفصد من الْيَد.
السَّادِسَة: ينْتَفع بالرعاف الفرط من بِهِ ورم حَار فِي دماغه وَحمى محرقة.
لى: السرسام الْحَار هُوَ ورم حَار فِي الدِّمَاغ وَأَكْثَره دموي وَلَا يكون للنبض وَلَا للْمَاء فِيهِ تِلْكَ الْحَرَارَة وَمَعَهُ ذُهُول وسبات أشبه ليثرغس وَالْفرق بَينهمَا شدَّة الْحمى وَسَوَاد اللِّسَان وَمَا كَانَ مِنْهُ صفراوي فَيكون فِيهِ عَبث وسهر وهذيان. وَقد يكون الذهول والسبات فِيهِ أقل.
قَالَ: وَمن جَاوز الْخمسين فَلَا يكَاد يتَخَلَّص من السرسام الْحَار إِذا عرض لَهُ لِأَنَّهُ غَرِيب فِيهِ لَا يعرض إِلَّا من مَادَّة قَوِيَّة.(4/369)
من الْأَمْرَاض الحادة: يمسك فِي الْفَم لعاب بزر قطونا ولعاب سفرجل وكثيراء وَرب السوس ويدلك بِخرقَة كتَّان حَتَّى يتنفط ويدلك بِهَذِهِ الألعبة أَو يمسك فِي الْفَم البقلة الحمقاء وبزرها أَو يمسك نوى الإجاص أَو قضيب من قضبان الخس أَو حب رمان حامض أَو دقاق المشمش.
اغلوقن قَالَ: مِمَّا يَنْبَغِي أَن تهمل تغذية العليل لِأَن تغذيته تثبط النضج وتؤخره وتلطيفه يضر بِالْقُوَّةِ.
قَالَ: وَضبط الْأَمر يعسر شأوه لِأَن الحمية بِحَسب نَفعهَا فِي سرعَة النضج يكون مبلغ إضرارها)
بِالْقُوَّةِ بل رُبمَا كَانَ أَكثر. والغذاء بِحَسب زِيَادَته فِي قُوَّة الْمَرِيض يكون مبلغ تعويقه وتثبيطه للنضج.
لى: أَنا أرى للطبيب إِذا كَانَ مقصر الْعلم بِهَذَا أَو كَانَ الْأَمر غامضاً أَن يغذي العليل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَأَخّر النضج خطر فِي سُقُوط الْقُوَّة لِأَنَّهُ قد يُمكن مَعَ شدَّة الْقُوَّة أَن يتَأَخَّر النضج ويتحلل الْمَرَض.
قَالَ: فَأَما الحميات الدائمة لى: هَذِه هِيَ الْأَمْرَاض الحادة فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُجَاوز السَّابِع فلطف التَّدْبِير فِي الْغَايَة إِن كَانَت الْقُوَّة وَالسّن تحْتَمل ذَلِك وَمَا كَانَ يُجَاوز السَّابِع وَالْقُوَّة قَوِيَّة فدبره تدبيراً أغْلظ حَتَّى إِذا قرب الْمُنْتَهى لطف التَّدْبِير وَبعد ذَلِك دبره تدبيراً أغْلظ. فَأَما إِخْرَاج الدَّم فَاسْتَعْملهُ مَتى كَانَ الْمَرَض عَظِيما وَرَأَيْت الْحمى فِي الْبدن أَزِيد مِمَّا كَانَت فِي الطَّبْع وَكَانَ يحس العليل بثقل فِي بدنه وَالْعُرُوق دارة ممتلئة فاستفرغ الَّذين هم فِي هَذِه الْحَال إِلَّا أَن يعوق الْقُوَّة وَالسّن وَالزَّمَان فَأَما الأغذية المرطبة وَالتَّدْبِير المرطب فنافع لجَمِيع المحمومين. وخاصة الحميات الحادة فغذ أَصْحَاب هَذِه الْحمى بكشك الشّعير إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يحمض ذَلِك فِي معدته وبماء الْعَسَل إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يَسْتَحِيل فِيهِ إِلَى المرار وبالخبز المغسول أَو بالخبز المنقوع بِالْمَاءِ المصبوب عَنهُ المَاء ثَلَاث مَرَّات.
لى: هَذَا هُوَ المغسول.
قَالَ: وَمَتى كَانَت الْحمى شَدِيدَة الْحَرَارَة والتلهب فَأول مَا ترى فِيهِ علام النضج فاسقه المَاء الْبَارِد وَليكن ذَلِك بِحَسب الْقُوَّة وَالْوَقْت وَالْعَادَة وَالسّن فعلى هَذَا التَّدْبِير تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة الساذجة الَّتِي لَا أَعْرَاض مَعهَا فَأَما الَّتِي مَعهَا أَعْرَاض فَلْيَكُن استفراغك فِي تدبيرك بعد ذَلِك الْعرض لِأَنَّهُ لَا يُمكن الفصد لَو كَانَ الامتلاء ظَاهرا مَعَ الْحمى إِذا كَانَ هُنَاكَ عصر فِي فَم الْمعدة أَو تشنج أَو زمَان حَار أَو بَارِد كَمَا يُمكن ذَلِك لَو لم تكن هَذِه.
لى: انْظُر فِي بَاب الفصد.
فليغريوس: لَا شَيْء أصلح فِي الْأَمْرَاض الحادة من شراب الخشخاش وشراب الخشخاش يهيأ من خشخاش أسود.
الساهر قَالَ علاج الْأَمْرَاض الحادة: إِذا كَانَ الْمَرَض الحاد من عفن استفرغت الْبدن بالفصد وحفظت الْقُوَّة ثمَّ أسهل بالفواكه والبنفسج والترنجبين والخيارشنبر واسق مَاء الشّعير أَو مَاء)
الرُّمَّان والإجاص وَإِن كَانَ بهم عَطش شَدِيد واسق مَاء القرع وَمَاء الرُّمَّان يسقون مِنْهُ(4/370)
أَنْصَاف النَّهَار وَعند الْعَطش وينامون بِاللَّيْلِ على لعاب بزرقطونا والرجلة أَو بِمَاء الْجلاب أَو بِمَاء الرُّمَّان وسكر طبرزد فَإِن اخْتَلَط الْعقل فضع على الهامة خرقَة قد غمست فِي مياه الْبُقُول الْبَارِدَة مثل مَاء البقلة الحمقاء وَعصى الرَّاعِي وَالْخلاف والورد ونبرد بالثلج وتغمس فِيهَا خرق وتوضع على الهامة والجبهة ويضمد أَيْضا بثقلها بعد أَن يبرد الرَّأْس وَإِن سهر فاسعطه بدهن قرع وبنفسج وبابونج وَإِن عرض صداع فعالجه بِمَا تعالج بِهِ الصداع الْحَار وَاحْذَرْ صب الْمِيَاه على الرَّأْس مَتى كَانَت بِهِ نزلة أَو سعال أَو كَانَ فِي رَأسه ثقل وتمدد لِأَن ذَلِك يدل على كَثْرَة بخارات فِي رَأسه بل كَبه فِي هَذِه الْحَال على الْمِيَاه الَّتِي قد طبخ فِيهَا البابونج والبنفسج وَنَحْوهمَا فَإِن الانكباب على هَذِه يبلغ مَا تُرِيدُ من النطول ويحلل أَيْضا تِلْكَ البخارات. وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك فانطل على الرَّأْس وَإِن كَانَ الرَّأْس شَدِيدَة الْحَرَارَة فألق فِيمَا تنطل بِهِ قشور خشخاش وشعيراً مرضوضاً. وتوق حلب اللَّبن على الرَّأْس مَتى كَانَ ثقيلاً فَإِن خطأه لَا يتلافى لِأَنَّهُ قد يعرض من ذَلِك فِي الْأَكْثَر ورم وَيصير سَبَب الْمَوْت لِأَنَّهُ مَتى صَارَت مَادَّة كَثِيرَة فِي الرَّأْس ثبتها فِيهِ وثبطها وَلَا تدع الْبَطن يحتبس بالمأكولات والحقن والفتل وَإِن عرض قيء فأعطهم مَا ينفع الْقَيْء وضمد الْمعدة بأضمدة قَوِيَّة كاصنداين والورد وَالْعود ومياه الْفَوَاكِه والأطراف القابضة والباردة كالخلاف والآس وَإِن عرض ذرب فَاسق سويق الشّعير بالصمغ المقلو مِثْقَالا أَو مَاء الشّعير بالأقراص الحماضية وغذهم الكشك بِمَاء الرُّمَّان والسفرجل واطل الْبَطن باللخالخ وَإِن عرض خفقان الْفُؤَاد فبرد وَرطب وَأكْثر من سقِِي مَاء القرع والأضمدة المبردة الَّتِي فِيهَا كافور على الصَّدْر والمعدة والصلب وَبرد مَوضِع المضجع جهدك فِي هَذِه الْحَال أَكثر وَإِن بَقِي فِي عروقهم بعد الانحطاط شَيْء من عفن فَاسق مَاء الْبُقُول إِمَّا مَاء الْبُقُول وَإِمَّا مَاء الهندباء وَحده أَو مَاء رازيانج قَلِيل إِن احتجت إِلَيْهِ. أَو عِنَب الثَّعْلَب إِن كَانَت الْحَرَارَة زَائِدَة.
قَالَ أَيُّوب الأبرش فِي كِتَابه فِي الْبَوْل: إِذا دَامَ ضررها بالدماغ تعطلت الْأَفْعَال النفسية وَلذَلِك يعْدم النَّفس وَيَمُوت. وَرَأَيْت أَكثر المبرسمين إِنَّمَا يموتون من عدم النَّفس لِأَنَّهُ يصعب عَلَيْهِم كالحال فِي السكتة وَلذَلِك تراهم مستلقين وَترى حُلُوقهمْ تَجف وَذَلِكَ رَدِيء جدا لِأَنَّهُ يخنقهم وَيَنْبَغِي أَن تسقيهم سَاعَة سَاعَة وتقطر الرطوبات اللزجة قَلِيلا قَلِيلا فِي حُلُوقهمْ وتمرخ صُدُورهمْ وأعناقهم وأكتافهم ليسهل النَّفس لذَلِك مَا أمكن فِيهِ أَن يسهل.)
الْكَمَال والتمام: قَالَ: كنت لَا أسْقى مَاء الشّعير إِلَّا بعد تليين الْبَطن وَكنت إِذا رَأَيْت الْعَطش المنجح قَالَ: إِذا أردْت أَن تبطل نفخة مَاء الشّعير فألق فِيهِ شَيْئا من خل خمر وخاصة للحرور.(4/371)
أَبُو جريج الراهب قَالَ: لعاب بزرقطونا أَن سقى المبرسم سكن عطشه ولهبه ونفعه جدا.
روفس فس كتاب المالنخوليا: بِأَن من مُشَاركَة الرَّأْس للمعدة أَشْيَاء مِنْهَا أَن المرئ ينْبت من الرَّأْس وَمِنْهَا أَن عصباً يَجِيء إِلَى المرئ والمعدة لَهُ مِقْدَار وَمِنْهَا أَن فَم الْمعدة يتَّصل بالحجاب الْفَاصِل وَهَذَا الْحجاب كثير العصب وَأَن الضَّرْبَة على الرَّأْس تقيئ مِنْهَا المرار.
ثمَّ قَالَ: لَا شَيْء أصلح فِي علل الرَّأْس الَّتِي عَن الْمعدة من الْقَيْء والإسهال.
وَأَنا أَحسب السرسام إِنَّمَا يكون لِكَثْرَة المرار فِي الْمعدة وتأذي الدِّمَاغ بذلك حَتَّى أَنه يمْتَنع من أَفعاله لذَلِك وَإِنَّمَا يَمُوت المسرسم بالاختناق وَلَا أَدْرِي شَيْئا أفضل فِيهِ من الإسهال الذريع للمرار الْأَصْفَر فَإِنَّهُ يمْنَع من حُدُوثه. وَيَنْبَغِي أَن تبتدئ أول مَا ترى أعراضه فَإِنَّهُ فِيهِ من الفصد بل رُبمَا كَانَ الفصد فِيهِ ردياً لِأَنَّهُ يَجْعَل الْبدن أَشد يبساً وحرافة وأصعب.
الْإِسْكَنْدَر: اسْقِ فِي الْأَمْرَاض الحادة رب الخشخاش الْأسود فَإِنَّهُ ينيم ويطفئ ويبرد وَهُوَ مُوَافق جدا.
ابْن ماسويه قَالَ فِي الْأَمْرَاض الحادة أَعنِي الحميات اللَّازِمَة: أبدأ بالفصد مَا أمكنت الْقُوَّة وَفِيمَا لم تمكن أسهل بالفواكه ثمَّ أفرغ إِلَى المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يُطْفِئ لهيب الْحمى الْبَتَّةَ. واسقه كشك الشّعير إِن كَانَت الطبيعة لينَة بسكنجبين أَو بشراب الريباس أَو بحماض الأترج أَو مَاء الرُّمَّان المز. فَإِن الْأَشْيَاء الحامضة تُطْفِئ لهيب الْمعدة وَاجعَل الطَّعَام الماش والعدس والبقول. فَإِن كَانَت الطبيعة يابسة فاسقه مَاء الشّعير بحلاب وبنفسج. وَإِن كَانَت الْحَرَارَة كَثِيرَة لهبة فاسقه فِي الْيَوْم وَاحِدَة مَاء تمر هندي وَنَحْوه ولين الطَّبْع بشيافة أَو حقنة لينَة إِن دعت الْحَاجة إِلَيْهَا. إِن عرض صداع وَلم يكن سعال وَلَا تحلب من الرَّأْس إِلَى الصَّدْر فانطل الرَّأْس بطبيخ الْورْد الْيَابِس والبنفسج وَالشعِير المقشر وقشور الخشخاش وبزر الخس. وَإِن لم يكن صداع فاحلب عَلَيْهِ لبن ضَأْن.
قَالَ: وَإِن لم يكن السهر شَدِيدا فطبيخ الْورْد والبنفسج وَالشعِير يُجزئهُ إِن ينطل بِهِ الرَّأْس وَلَا يحْتَاج إِلَى غَيره فَإِن كَانَ عديماً للنوم فألق مَعَه قشور الخشخاش وبزر الخس وقشور اليبروج)
وَنَحْوهَا فَإِن النطول يجلب النّوم ويسكن الصداع فَإِن لم يسكن الصداع بالنطول فاحلب اللَّبن عَلَيْهِ. إِن كَانَ ضَعِيفا فلبن النِّسَاء وَإِن كَانَ قَوِيا فلبن الماعز أَولا ثمَّ انطل بعد ذَلِك واسعطه بدهن النيلوفر والبنفسج وخبص الرَّأْس بثقل النطول.
قَالَ: وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك إِذا كَانَ الصداع من بخار حريف يَابِس فَإِن كَانَ الرَّأْس مملوءاً بخاراً قَالَ: ويستدل على ذَلِك بالثقل فِي الرَّأْس والجبهة وبالخفة والطيران فَإِن الثّقل مَعَ الصداع يدل على كَثْرَة البخار الرطب والخفة والطيران بِلَا ثقل يدل على كَثْرَة البخار الرطب والخفة والطيران بِلَا ثقل يدل على قلَّة البخارات وَحِينَئِذٍ تشجع وَاسْتعْمل هَذِه الْأَشْيَاء من السعوط والتخبيص والنطول.
لى: النّوم أدل من هَذِه كلهَا ويبس الْعين والمنخر.(4/372)
قَالَ: وَإِذا كَانَ الصداع مَعَه بخارات كَثِيرَة فَلَا تسْتَعْمل ذَلِك لَكِن اسْتعْمل كب الرَّأْس على مياه حارة مطبوخة برياحين فَإِنَّهُ يحلل ذَلِك وَلَا تقرب الدّهن إِذا كَانَ فِي الرَّأْس ثقل أَو سبات وضع الْأَطْرَاف فِي المَاء الْحَار مُدَّة طَوِيلَة وادهن خرز الصلب فَإِن المرضى سيحسون بالحرارة تنزل فِي خرز الظّهْر ويسكن الصداع على الْمَكَان فَإِن لم يحسوا بذلك فَشد الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ حَتَّى توجعا. وَإِن اضطرك الْأَمر لصداع صَعب فَشد الخصيتين أَيْضا وضع فِي مبدأ الصداع خل خمر ودهن ورد وَمَاء ورد على الرَّأْس لِأَنَّهُ يُقَوي وَيمْنَع الْمَادَّة. فَإِن طَال الصداع وَأَرَدْت سكونه فَقَط لَا أَن تدفع عَن الرَّأْس شَيْئا فضع عَلَيْهِ مَاء البقلة الحمقاء والقرع ودهن النيلوفر وخبص الرَّأْس بورق الْخلاف والخطمى ولعاب بزرقطونا ودهن البنفسج. وَإِن كثر السهر فضمد الْجَبْهَة وأطعمه الخس المسلوق.
قَالَ: وليناموا على لعاب بزرقطونا وَإِن أَصَابَهُ خفقان وغم فضع على معدته ضماداً متخذاً من رماد وخل وخطمى وصندل وكافور وَمَاء ورد واسقه ربوباً بَارِدَة واحقنه بدهن ورد واسقه مَاء الْورْد وَمَاء بزرقطونا وَنَحْوه فَإِنَّهُ يسكن التهاب الْبَطن فَإِن كَانَ فِي اللِّسَان خشونة شَدِيدَة فادلكه بِخرقَة وألعقه اللعابات اللينة الْبَارِدَة وَمَاء الرُّمَّان الحلو وَإِن لم يُمكنهُ أَن يَأْكُل مزورة فأعطه سويق الشّعير ينقع فِي مَاء حَار وقتا طَويلا لِئَلَّا ينْفخ ثمَّ اسْقِهِ مَاء الثَّلج.
لى: الْخبز المغسول غَايَة الْغسْل جيد فِي هَذَا الْوَقْت. وَإِن كَانَت الْحَرَارَة شَدِيدَة وَهُوَ ضَعِيف فأعطه بدل الْغذَاء وَبدل مَاء الشّعير مَاء الرُّمَّان المز فَإِنَّهُ يقوم لَهُ مقَام الْغذَاء والدواء وَإِن كَانَ)
أقوى قَلِيلا فانقع خبْزًا فِي مَاء بَارِد ليغلظه واسقه هَذَا المَاء مَعَ مَاء الرُّمَّان فَإِنَّهُ يُطْفِئ وَيُقَوِّي الطبيعة جدا وَلَيْسَ لَهُ ثقل وَلَا غلظ الْبَتَّةَ.
قَالَ: وَإِذا كَانَ بِهِ سبات أَو استسقاء يحول بَينه وَبَين فتح عَيْنَيْهِ فَلَا تجْعَل حِينَئِذٍ على رَأسه دهناً وَلَا غَيره وَلَكِن أوجره فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ من مَاء الْخبز وَالرُّمَّان الَّذِي وصفت فَإِنَّهُ وصفت فَإِنَّهُ يُقَوي الطبيعة ويبرده.
لى: وَيَنْبَغِي فِي هَذَا الْوَقْت وَهُوَ أصعب الْأَوْقَات الَّذِي قد تَجِد فِيهِ الْمَرِيض كالميت أَن يتَعَاهَد بايجار المَاء فِي حلقه فَإِنَّهُ يعطش جدا وَلَا يُمكنهُ أَن يَسْتَسْقِي فَيكون ذَلِك سَببا لشدَّة هيجان الْحَرَارَة وَالْمَوْت ويقلب وَيُسَوِّي رَأسه بشكل يسهل تنفسه مَعَه ويتعاهد ذَلِك كُله كل سَاعَة وَيجْعَل شيافه ليخرج الثّقل إِن كَانَ محتبساً وتضمد كبده بِخرقَة منقوعة فِي صندل وَمَاء ورد وكافور ويتعاهد حلقه لِئَلَّا يجِف. وَإِن رَأَيْت حمرَة غالبة فِي الْعين وَالْوَجْه فَخدش أَنفه ليسيل الدَّم مِنْهُ فَإِنَّهُ جيد. وَرَأَيْت وضع الضماد على الكبد مبرداً ومغيراً للْمَاء وَقد كنت أَضَع مِنْهُ على كبد أبي حَازِم فَيُصْبِح المَاء أَبيض وعَلى كبد ابْن المنجم وَالْمَاء أَحْمَر فَيُصْبِح من الْغَد أَبيض وَهُوَ عَجِيب فِي ذَلِك. وَرَأَيْت المستعدين للمرض الحاد يتخلصون من الْوُقُوع فِيهِ بِأَن يباكروا شَيْئا من سويق الشّعير أَو مَاء الشّعير فِي(4/373)
الْأَزْمِنَة الحارة وَالْمَاء الْبَارِد على الرِّيق وَرب الريباس والحامض وَنَحْوه وإدمان تليين الطبيعة.
قَالَ: وَإِذا كَانَ العليل يَنْقَلِب إِلَى الجوانب وانتفخ بَطْنه حَتَّى صَار إِذا ضرب سمع مِنْهُ صَوت كصوت الطبل وَلَا يسكن هَذَا الانتفاخ بِحل الطبيعة فَإِنَّهُ ميت فاهرب من علاجه وخاصة إِن ظهر ورشكين كمد وَاسع يَأْخُذ الْبدن ويتسع وَقد تكون هَذِه الحميات مَعَ ورم فِي الْجوف وَمَعَ الجدري.
لى: اسْتَعِنْ بِالْكتاب.
قَالَ: وَإِذا خَرجُوا من الْعلَّة وَبقيت فِي الْبدن بقايا حرارة فأعطه هَذِه الأقراص: طباشير وَورد وبزر البقلة الحمقاء وبزر القثاء وبزر القرع الحلو وكثيراء وَرب السوس ونشا تجمع بلعاب بزرقطونا وتسقى بِالْمَاءِ الْبَارِد ممزوجاً بِمَاء الْخِيَار إِن كَانَت الْحَرَارَة كَثِيرَة. وَإِن كَانَت أقل فبماء الهندباء.
لى: إِن كَانَت الشَّهْوَة سَاقِطَة فأعط جوارش المحمومين الَّذِي فِي بَاب الْمعدة.)
قَالَ ج فِي الأولى من الْأَمْرَاض الحادة: اخص العلاجات بالحمى الحادة التيريد والترطيب وَإِن أمكنك فاستفرغ عفونة الأخلاط وأنضج مَا يُمكن فِيهَا النضج.
لى: يحْتَاج فِي هَذِه التطفئة وَهِي فِي هَذِه سليمَة والاستفراغ والتبريد والترطيب فِي الحادة جدا فَإِذا لم يُمكن الاستفراغ واستفرغت فأكب عَلَيْهَا بالتبريد والترطيب فَإِنِّي لم أر علاجاً أقوى مِنْهُ. وَأفضل مَا فِيهِ أَنَّك إِن أَخْطَأت كل الْخَطَأ فَإنَّك آمن من قتل العليل وَأعظم خطأه طول مَرضه وَأَن تجْعَل حماه طَوِيلَة إِلَّا أَنَّهَا سليمَة. وَأما تلطيف تَدْبيره فِي الْغَايَة فخطأه قتل العليل فَلذَلِك لَا شَيْء أصلح لمن لَا يعرف هَذَا أَن يكثر من التبريد والترطيب فَإِن الْحمى تنطفئ ضَرُورَة وأبلغ مَا يكون فِي ذَلِك أَن يسقى العليل بِالْغَدَاةِ مَاء الشّعير فَإِذا انهضم وفقد جشاؤه سقى أَيْضا ويسقى مَتى عَطش مَاء القرع أَو مَاء الْبِطِّيخ الْهِنْدِيّ أَو مَاء خِيَار وسكر وَإِن لم يحضر شَيْء من هَذِه فليتخذ فقاع من خبز سميذ ساذج ويحمض ويسقى مِنْهُ مَتى عَطش ويسقى مَاء الْفَوَاكِه ومياه الْبُقُول وَمَاء البقلة الحمقاء وَمَاء الخس فِي غَايَة النَّفْع والأفيون نَافِع أَيْضا فِي هَذِه الْعِلَل إِذا سقِِي مِنْهُ بِقدر لِأَنَّهُ يجمد الدَّم وينيم فتهدأ الْحَرَارَة الْبَتَّةَ وَلَا يُفَارق كبده لعاب ضماد الصندلين وَلَا مضجعه التبريد والترطيب والرياحين الْبَارِدَة ويسقى لعاب بزرقطونا بحلاب وَمَاء الرُّمَّان المنقوع فِيهِ خبز السميذ وَمَتى عَطش سقِِي فقاع الشّعير بِلَا ملح وَلَا ابزار حامض فَإِنَّهُ عَجِيب فِي التطفئة وَبِالْجُمْلَةِ اجْتهد أَن تغمر تِلْكَ الْحَرَارَة بالرطوبة. هَذَا فِي الْعِلَل المحرقة الشَّدِيدَة الحدة المختلطة الدَّلَائِل.
الْمقَالة الأولى من الْأَمْرَاض الحادة: مَتى كنت أزمعت على أَن تستفرغ العليل فَلَا تسْقط شَهْوَته وقوته بتلطيف التَّدْبِير.
وَقَالَ: الحميات المطبقة يسْتَدلّ على يبسها وحرها وحدتها بِمِقْدَار يبس اللِّسَان وقحل جَمِيع الْجلد.(4/374)
الثَّانِيَة: تمدد الشراسيف إِلَى فَوق يكون بِسَبَب ورم فِي الْبَطن ويبس فِي الْبدن مفرط والغلظ فِيهِ عَظِيم لِأَن الأول يحْتَاج أَن يلطف تَدْبيره وَالثَّانِي يحْتَاج إِلَى مَاء الشّعير مَرَّات كَثِيرَة فِي الْيَوْم قَلِيلا قَلِيلا. ج: مَتى احتجت أَن تَسْقِي العليل سكنجبينا وَمَاء الشّعير فابدأ بالسكنجبين ثمَّ بعد ساعتين لى: افصد فِي الْأَمْرَاض الحادة جَمِيع من رَأَيْت بَوْله أَحْمَر غليظاً وَلَا تفصد من رَأَيْت بَوْله أشقر)
نارياً فَإِن علته تزداد حِدة كالحال فِي الرجل الْبَغْدَادِيّ وَخلق كثير غَيره وتفقد النبض مَعَ ذَلِك وامتلاء الْبدن وَالتَّدْبِير وَإِذا كَانَت هُنَاكَ عفونة شَدِيدَة ملتهبة وامتلاء قَلِيل فَلَا تفصد وخاصة إِن كَانَت الْحمى قد التهبت فَأَما قبل الالتهاب فَهُوَ أقل ضَرَرا وَإِذا فصدت فزد بالعناية فِي التطفئة والتبريد لِأَنَّهُ إِن كَانَت حرارة شَدِيدَة تزيد بالفصد وَنَحْوه.
اربياسيوس: إِذا كَانَ من بِهِ مرض حاد ضَعِيف الْقُوَّة فَإِنَّهُ يقويه جدا أَن ينقع خبز السميذ وَفِيه حرارة فِي المَاء ويسقى من ذَلِك المَاء بعد أَن يبيض فَإِنَّهُ عَجِيب فِي التقوية.
من كتاب كرناهات ينْسب إِلَى ج قَالَ: من كَانَت بِهِ حمى حادة فأسهل بَطْنه وَمَعَ ذَلِك فَلَا تقطع الإسهال عَنهُ حَتَّى يضمر وَجهه قَلِيلا وتلين حماه وَتذهب خشونة لِسَانه ويسكن عطشه فَإِن سكن حِينَئِذٍ وَإِلَّا فاقطعه.
لى: قد جعل جالينوس مِقْدَار يبس الْبدن وَحَاجته إِلَى الترطيب لَازِما ليبس اللِّسَان فبقدر ذَلِك فَلْيَكُن تدبيرك فِي كَثْرَة ترطيب العليل فَإِن رَأَيْته مفرط اليبس فَعَلَيْك بِمَاء القرع وَالْخيَار والألعبة وَالْمَاء وترطيب الْبدن والمعدة وخاصة بِمَاء الشّعير والبقول والاغذية المرطبة فَإِذا كَانَ مَعَ حمرَة فِي اللِّسَان فَإِنَّهُ يدل على حرارة كَثِيرَة وَإِذا كَانَ مَعَ سَواد فعلى أَكثر وَإِذا كَانَ مَعَ بَيَاض الْمقَالة الأولى من الْأَمْرَاض الحادة: مَتى لم تكن مَعَ الْحمى حَال يضر من اجلها المَاء الْبَارِد مضرَّة عَظِيمَة فَشرب المَاء الْبَارِد يعظم نَفعه وَذَلِكَ أَنه يجمد الْحمى ضَرْبَة والمقدار الَّذِي يشرب مِنْهُ بِمِقْدَار مَا يُمكن العليل أَن يتجرعه من غير أَن يستنشق الْهَوَاء.
لى: وَالْأَحْوَال الْمُوجبَة أَلا يشرب المَاء هِيَ أورام دموية أَو بلغمية أَو سوداوية فِي الْجوف فَأَما الْحمرَة فَلَا بل شرب المَاء الْبَارِد دَوَاء أَو أخلاط فجة فِي الْعُرُوق أَو دبيلة أَو شَيْء ينْتَظر نضجه كَيفَ كَانَ أَو عضوا بَارِد المزاج لَهُ فعل عَظِيم فِي الْبدن فَإِن فِي هَذِه كلهَا يضر المَاء الْبَارِد أما فِي الَّذِي ينْتَظر النضج فيبطئ بِهِ أَو يُمكن أَن يكون قد بدا النضج فقصر بِهِ عَن تَمام الْفِعْل وَأما فِي الآخر فبأن ينشب الْعُضْو فِي أَفعاله وَرُبمَا قبل العلاج وَرُبمَا لم يقبل.
وَقَالَ: بعد ذَلِك أَن السكنجبين إِنَّمَا يسقى مِنْهُ الشَّيْء الْيَسِير وَمَا يشرب مِنْهُ فِي كل مرّة أَكثر شَيْء أَربع أولق. فَأَما المَاء الْبَارِد إِذا اسْتعْمل لتطفئة الْحمى فَلِأَنَّهُ يمْلَأ مِنْهُ الْمَرِيض دفْعَة.(4/375)
لى: يُمكن أَن يسقى ثَلَاثَة أَرْطَال فِي مرّة وَاحِدَة وَوجه منفعَته أَن يخصر الْمَرِيض ويبرد ويطفأ لهيبه فَإِنَّهُ يتبع ذَلِك جمود الْحمى وعرق سابغ وانطفاء الْحمى الْبَتَّةَ.)
لى: على مَا رَأَيْت لجورجس واستصوبته: بَارِد فِي ابْتِدَاء الْأَمْرَاض الحارة الحادة بالإسهال الْقوي قبل سُقُوط الْقُوَّة فَإنَّك تكسر عاديتها بذلك وتمنع حدتها وصولتها فَإِن تَأَخّر عَن ذَلِك الْوَقْت فَلَا يُرْجَى للعليل خلاص إِلَّا أَن يرطب ويبرد أَكثر ويفرط فِي المطفئات حَتَّى يغمر الْحمى بهَا ويبدل المزاج مَا أمكن.
وَالتَّدْبِير الَّذِي دبره جورجس هُوَ مَاء الشّعير وتليين الطبيعة بالترنجبين وَالْمَاء الْبَارِد وطبيخ الإجاص ويسقى مَاء القرع ولعاب بزرقطونا ولب الْخِيَار والأطلية الْبَارِدَة والنطولات وَالَّذِي أَمر أَن يقْتَصر بِهِ ماؤ الإهليليج الْأَصْفَر والسقمونيا والترنجبين.
من مسَائِل الْأَمْرَاض الحادة قَالَ: من كَانَت علته شَدِيدَة من يبس أعْطى قبل مَاء الشّعير شرابًا مرطباً وَهُوَ الْجلاب وَالْعلَّة الْيَابِسَة يسْتَدلّ عَلَيْهَا يبس اللِّسَان وقحل جَمِيع الْجلد.
أصلح الْأَوْقَات للغذاء الْوَقْت الَّذِي تكون فِيهِ نواحي الصَّدْر والبطن فِي غَايَة الهدوء والسكون وَقلة الْحَرَارَة وشرها بالضد. وَذَلِكَ يكون فِي وَقت النوائب فَأَما وَقت الانحطاط وَمَا بعده فالبطن فِيهِ غَايَة السّكُون.
الثَّانِيَة من تَفْسِير السَّادِسَة من ابيذيميا قَالَ: إِذا كَانَ بالعليل حمى محرقة وعطش شَدِيد وَهُوَ مُعْتَاد لشرب المَاء الْبَارِد فاسقه فِي وَقت الانحطاط وَوقت الْمُنْتَهى وامنعه فِي الِابْتِدَاء والتزيد.
لى: يَعْنِي الْجُزْئِيَّة.
الرَّابِعَة من تَفْسِير الثَّانِيَة أَخبث الْأَمْرَاض وشرها وأقتلها الحميات المطبقة الَّتِي لَا تفتر الْبَتَّةَ.
الثَّانِيَة من تَفْسِير الأولى: إِنَّمَا لم يكن سرسام فِي تِلْكَ الْحَال لِأَنَّهُ لم يعرض لأهل ذَلِك الْبَلَد إِن سخنت رؤوسهم وَقد بَينا أَن السرسام إِنَّمَا يكون إِذا سخنت الْمَوَاضِع الَّتِي فِي الدِّمَاغ. وَمَتى شخص المبرسم وتقيأ مرَارًا احمر فَإِنَّهُ إِن كَانَ ضَعِيفا مَاتَ من سَاعَته أَو يَوْمه وَإِن كَانَ قَوِيا مَاتَ بعد يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَإِنَّهُ مَتى كَانَ يُرِيد أَن يحدث بالمبرسم ذَلِك فَإِنَّهُ يَدُوم مَعَه وجع شَدِيد فِي الرَّأْس والرقبة مَعَ ثقل شَدِيد دَائِم.
الثَّالِثَة من تَفْسِير الثَّانِيَة: يبس الْبَطن مَعَ غَلَبَة المرار على الْبدن يدل على ميل المرار إِلَى فَوق.
لى: يدل على ميله إِلَى سطوح الْبدن وَإِلَى الْعُرُوق وينذر على إِلَّا أَكثر بسرسام وَقد رَأَيْته فِي غير مَا مَرِيض.
الْأَمْرَاض الحادة لج قَالَ: تَغْيِير التَّدْبِير إِنَّمَا يضر من لم ينحط مَرضه وَلم يَأْته البحران قبل تَغْيِير)
تَدْبيره فَأَما من انحط مَرضه وانتقص بِوَجْه من الْوُجُوه فاستعمال كشك(4/376)
الشّعير فِيهِ صَوَاب فضلا عَن مَاء الشّعير وَإِن كَانَ العليل قبل ذَلِك مُمْتَنعا من الْغذَاء صَار بعد الانحطاط يحْتَاج إِلَى تغذية وإنعاش فَأَما قبل فتحتاج أَن لَا تثقل الطبيعة.
من الْعَادَات: بِأَن من كَلَامه أَن سقِِي المَاء الْبَارِد فِي جَمِيع الأورام الَّتِي فِي الْجوف وَفِي جَمِيع الحميات قبل النضج خطأ وَلَو كَانَ العليل مُعْتَادا لَهُ وَكَذَلِكَ الاستحمام.
من مسَائِل الْأَمْرَاض الحادة: لَا تسْتَعْمل الْأَشْيَاء القابضة كالكمثرى والسفرجل فِي الْأَمْرَاض الحادة إِلَّا أَن يكون بالمريض غشي أَو ذرب لِأَن هَذِه تضيق منافذ الْغذَاء والمسام والأصلح فِي هَذِه الْأَمْرَاض أَن تكون هَذِه مفتحة.
من مسَائِل الْفُصُول الحميات الدائمة ثَلَاث: المحرقة وَهِي الَّتِي تشتد غبا وَلَا تفارق واللثقة وَهِي الَّتِي تشتد كل يَوْم وَلَا تفارق وَشطر الغب.
لى: فَأَما سونوخس فَأَنا نسميها مطبقة لَا دائمة. واللثقة مَعهَا رُطُوبَة كَثِيرَة جدا. والحمى الَّتِي تقلع على أَي حَال كَانَ فَإِن كَانَت تنوب بِشدَّة شَدِيدَة فَهِيَ أسلم من الَّتِي تطبق لَا تكون إِلَّا لورم عَظِيم جدا أَو عفونة كَثِيرَة فِي كل الْعُرُوق متمكنة كَثِيرَة. فَإِذا فَارَقت كَيفَ كَانَ فَلَيْسَ هَذَانِ الشيئان الراديان موجودين فِيهَا.
من كتاب العلامات: من أَكثر من شرب الْخمر أَو السهر أَو التَّعَرُّض لشمس حارة وَقع فِي السرسام سَرِيعا.
ابْن ماسويه فِي كتاب العلامات: عَلَامَات سونوخس حمرَة الْوَجْه وَالْعين ونتوءه وامتلاء الْعُرُوق مِنْهُ وامتلاء جَمِيع الْبدن حَتَّى كَأَنَّهُ قد خصب والكسل والصداع وَشدَّة اللهيب وَيكون ملمسه حاراً ندياً كملمس من خرج من الْحمام ونبض عريض لين.
لى: الملمس كملمس المستحمين خَاص بِهَذِهِ فافصد فِي هَذِه فَأَما المحرقة فَإِنَّهَا يابسة قشفة وَلَا تحْتَاج إِلَى فصد وخاصة فِي أول الْأَمر بل إِلَى تطفئة شَدِيدَة بَالِغَة ثمَّ تعله إِن احْتَاجَ إِلَيْهِ فَأَما فِي أول الْأَمر فَإِنَّهُم يلتهبون من الفصد.
تجارب المارستان: يطرحون بزرقطونا كثيرا فِي مَاء ويسقونه صَاحب الْعلَّة الحادة دَائِما إِذا لم يكن سهل الطبيعة وَإِذا رَأَوْا الْبَوْل بطيء النضج حافظاُ للحمرة ضمدوا الكبد بالصندلين لِأَنَّهَا شَدِيدَة الْحَرَارَة حِينَئِذٍ جدا وَاتَّقوا تضميدها وَفِي معدته شَيْء.)
لى: على مَا رَأَيْت فِي جَوَامِع الْعِلَل: أَصْحَاب السرسام والأمراض الحادة لَا يجوعون لبُطْلَان حس الْمعدة أَو ضعفها لسوء حَال الدِّمَاغ وَقد ينْحل من أبدانهم شَيْء كثير وَلذَلِك يجب أَن يغذوا وَإِن لم يشتهوا لِئَلَّا تسْقط قوتهم وخاصة من كَانَ التَّحَلُّل مِنْهُ اكثر لِأَن الْأَعْضَاء الْأُخَر مِنْهُم صَحِيحَة فَهِيَ دائمة الجذب من الكبد والكبد تجذب من الْمعدة والمعدة لَا تحس بذلك لفساد مزاج الدِّمَاغ لِأَن حسها إِنَّمَا هُوَ من العصب السَّادِس فَإِن لم تَجِد فِي الْمعدة مَا تجذبه تسْقط الْقُوَّة بدوام التَّحَلُّل وَقلة الِاخْتِلَاف.(4/377)
لى: إِذا رَأَيْت القحل واليبس شَدِيدا فِي الْأَمْرَاض الحادة فَاسق العليل قبل مَاء الشّعير الْجلاب وأكب عَلَيْهِ بِمَاء الْبِطِّيخ وَالْخيَار ولعاب بزرقطزنا وَمَاء البقلة الحمقاء فَإِنَّهَا عَجِيبَة جدا مَا لم لى: مَاء القرع إِذا طين وعصر وَشرب سكن الْعَطش والحرارة والسعال والحمى المحرقة ويلين الطبيعة.
بولس قَالَ: إِن بقيت الْحمى المطبقة إِلَى الثَّالِث وَلم يظْهر فِي الثَّالِث نضج مستحكم ورأيتها فِي عظمها بِحَالِهَا أَو أعظم فِي الثَّالِث فَلَيْسَ لَهَا بحران فِي السَّابِع. وَإِن كَانَ فِي الرَّابِع أَيْضا كَذَلِك وَلم ينخرط الْوَجْه فَهَذِهِ لَا تبحر وَلَا فِي الرَّابِع عشر فِي الْأَكْثَر.
فِي الْحمى المحرقة قَالَ: يتبع هَذِه أَن يكون اللِّسَان يَابسا غليظاً أسود وعطش شَدِيد ولهيب وسهر وصداع واختلاط حرارة نارية وَبَوْل مرى وعلاجها أَن يستفرغ المرار وتطفأ واستفرغه بالإسهال وتطفئه بِالْمَاءِ الْبَارِد كَمَا نعالج نَحن أبدا من بِهِ حمى محرقة بِالْمَاءِ الْبَارِد وتغذيه بِمَاء الشّعير وَالْحمام مُوَافق مَتى كَانَت بِهِ حمى محرقة بِلَا ورم حَار فِي بعض الْأَعْضَاء. وَإِذا لم يكن فِي الْوَجْه حمرَة فَقَط وَإِن ظَهرت عَلَامَات النضج كَانَت مُوَافَقَته اكثر.
من كتاب لروفس فِي علاج الحميات قَالَ: صَاحب حمى قوسوس لَا يحم بالحمام وَلَا يَتَحَرَّك إِلَّا للبول والخلاء وَلَا يطلع فِي مَوْضِعه شمس.
لى: إِن سقيت فِي حمى دَائِرَة مَاء بترداً فِي مثل الغب الشَّدِيدَة فَلَا تسق فِي الِابْتِدَاء الجزئي بل فِي الانحطاط وتصور هَذِه كَحال الورم فَإِن رَأَيْت دَلَائِل الدَّم ظَاهِرَة فَاعْلَم أَن مَا فِي الْعُرُوق من جنس الفلغموني فيفش ليقل مِقْدَار العفن وَيجوز أَن يكون التَّدْبِير بعد ذَلِك فِيهِ لطافة لِئَلَّا تمتلئ الْعُرُوق سَرِيعا سَرِيعا وَلِئَلَّا يتَأَخَّر النضج. فَإِذا رَأَيْت قحلاً ويبساً وحدة غالبة فَاعْلَم أَن مَا فِي الْعُرُوق من جنس الْحمرَة فَلَا تفصد لَكِن أقبل على الترطيب خَاصَّة والتبريد مَا أمكن وَلَا)
تنْتَظر فِي هَذِه نضجاً وتوق الترطيب فَإِن هَذِه لَيست من جنس مَا ينضج بل مَا فِي الْعُرُوق وَرطب بدنه فَبِهَذَا يكون الْخَلَاص.
لى: على مَا رَأَيْت فِي ابيذيميا: أَن سقِِي المحموم مَاء بَارِدًا فِي ابْتِدَاء النّوبَة وصعودها تطول وتخبث وَفِي الانحطاط لَا.
قَالَ ج فِي اخْتِصَار حِيلَة الْبُرْء: وَأَصْحَاب الْحمى المحرقة يسقون المَاء الْبَارِد شَيْئا كثيرا مِنْهُ تزيد علتهم. فَأَما أَصْحَاب الدق والمتهيئون لَهُ فيسقون مِنْهُ الْيَسِير بعد الطَّعَام.
لى: على مَا قَالَ ابْن ماسويه: إِذا رَأَيْت الثّقل فِي الرَّأْس والامتلاء كثيرا فَاسْتعْمل الإكباب على أبخرة الخشخاش وَإِيَّاك وصب المَاء حَيْثُ سبات وَثقل فِي الرَّأْس وَاحْذَرْ الدّهن غَايَة الحذر فِي هَذَا الْوَقْت وصب المَاء الْحَار على الْأَطْرَاف وَإِن أصَاب العليل فِي الْمَرَض الْحَار خفقان فضمد معدته بِمَاء الْورْد وخل وخطمى وكافور.(4/378)
لى: اسْتعْمل هَهُنَا الثَّلج شرابًا وضماداً ج: الْعنَّاب يُطْفِئ حِدة الدَّم الحريف العدس المقشر إِذا قسطا فِي كِتَابه فِي علل الدَّم: إِذا كَانَ الدَّم كثير الكمية فعالجه بالفصد أَولا والإقلال من الْغذَاء والرياضة المعتدلة وَليكن الفصد من امتلاء الْعُرُوق والحجامة للساقين والأخدعين وَقلة الْغذَاء تحد الدَّم على الاكثر فَلْيَكُن مَعَ قلته مَا يُطْفِئ ويبرد.
وعلاج الْحمى الدموية: الفصد أَو سقِِي المَاء الْبَارِد.
الْيَهُودِيّ: قد تسمى هَذِه الْحمى مسمنة لِأَن بدن صَاحبهَا يغلظ وعروقه تمتلئ وَالْبَوْل أَحْمَر غليظ كدر فَإِذا كَانَت مَعَ هَذِه أَعْرَاض الصَّفْرَاء قَوِيَّة ظَاهِرَة فَلْيَكُن إقدامك على الفصد أقل واسق رب الريباس وَنَحْوه بعد تليين الطبيعة وأقراص الكافور ونومه على لعاب بزرقطونا.(4/379)
(فِي حمى غب) (والمحرقة ولسونوخس فِيهَا ذكر ولدلائل السرسام. اقْرَأ من بَاب جمل) (الحميات حَال حمى البلغمية المضاهية للغب.) 3 (معرفَة حمى غب) قَالَ ج فِي الْمقَالة الثَّالِثَة من كتاب البحران: إِذا أردْت أَن تعرف الْحمى أَنَّهَا غب بِأَن تنظر هَل تنوب فِي الثَّالِث كثر خطأك لِأَنَّهُ مُمكن أَن تكون غبين فتنوب إِحْدَاهمَا كل يَوْم وَأَن تكون حميين فتنوب غبا.
قَالَ: مَتى حدثت حمى فِي صيف فِي بدن حَار المزاج وَالسّن وَالتَّدْبِير قَلِيل الطَّعَام كثير التَّعَب والسهر وَسَائِر مَا يُقَوي هَذَا فَإِنَّهُ يكَاد لَا يحصل لنا بعد أَنَّهَا غب إِذْ كَانَ تتولد فِي الصَّيف جميات دائمة ومحرقة وغب.
قَالَ: 3 (الْفرق بَين الغب والمحرقة) أَن الصَّفْرَاء تَنْتَشِر فِي الْبدن كُله وَلذَلِك يتقدمها نافض ويتبعها قيء صفراوي وَتَكون آثَار الصَّفْرَاء فِيهَا محصورة فِي الْبَوْل والعرق بَيِّنَة وَأما المحرقة الَّتِي لَا تفارق فَإِن الصَّفْرَاء فِيهَا محصورة فِي جَوف الْعُرُوق مَعَ الدَّم وَبِهَذَا تخَالف الغب وَإِن كَانَ الْخَلْط الْفَاعِل لَهما وَاحِدًا.
فَأَما حمى الغب فتتحرك الصَّفْرَاء فِيهَا حَرَكَة قَوِيَّة حَتَّى تَنْتَشِر وتنبث فِي جَمِيع الْأَعْضَاء وَلذَلِك تعين على نفضها بِقُوَّة حركتها وَشدَّة بردهَا وَهَذِه هِيَ الْعلَّة فِي سُكُون الْحمى وإقلاعها بعد الْعرق والقيء وَأما المحرقة فَكل وَاحِدَة من نَوَائِب الْحمى لَا تنقص حَتَّى تنقلع وتنقى نقاء تَامّ لِأَن الْخَلْط الَّذِي هُوَ سَبَب الْحمى لَيْسَ ينتقص وَيخرج عَن الْبدن إِلَّا أَن فِي هَذِه الحميات أَيْضا إِذا تحركت الصَّفْرَاء حَرَكَة أقوى حَتَّى كَأَنَّهَا تغلي وتفور وَكَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة بعض الْقُوَّة دفعتها فبرزت وانتشرت فِي الْبدن كُله ويتقدم نوبتها نافض ويتلوها انْقِضَاء الْحمى.
قَالَ: قد بيّنت أَن النافض يكون عَن السَّبَب الْحَار أَيْضا وَأما حمى الغب إِذا كَانَت مُتَوَلّدَة عَن الصَّفْرَاء إِذا تحركت وانتشرت فِي الْبدن فَوَاجِب أَن يَأْتِي فِي أَولهَا نافض قوي. وَبَين نافضها ونافض الرّبع من الْفرق أَن نافض الغب يحس فِيهِ كَأَن الْجلد يغرز بالإبر وينخس وَفِي الرّبع يحس فِيهِ بِبرد شَبيه بالبرد الْعَارِض فِي الشتَاء عِنْد برد الْهَوَاء.)
قَالَ: فحمى الغب لَا يُمكن أَن تكون إِلَّا وَمَعَهَا نافض قوي يحس الْإِنْسَان فِيهِ كَأَن لَحْمه ينخس بالإبر وَيكون النافض فِيهَا قَوِيا من أول الْأَمر بِخِلَاف نافض الرّبع الَّذِي إِنَّمَا يقوى أَولا أَولا مَتى امتدت أَيَّامهَا.(4/380)
لى: رَأَيْت أَن فِي أَكثر الْأَمر يقوى النافض فِي الغب فِي النّوبَة الْوَاحِدَة مشبهاً بِحَال كل مرض وَذَلِكَ أَن نافض كل غب يكون فِي أول أَيَّام الْحمى.
لى: رَأَيْت أَن فِي أَكثر الْأَمر يُقَوي النافض فِي الغب فِي النّوبَة الْوَاحِدَة مشبهاً بِحَال كل مرض وَذَلِكَ أَن نافض غب يكون فِي أول أَيَّام الْحمى أقوى وَكلما أمعنت نقص مِقْدَاره وَكَذَا فِي النّوبَة الْوَاحِدَة فَإِنَّهُ أول مَا يَبْتَدِئ يكون قَوِيا النافض فِي أول الْحمى غير قوي ثمَّ يُقَوي أَولا أَولا مَا امتدت الْأَيَّام كَذَا فِي النّوبَة الْوَاحِدَة يكون فِي أَولهَا قَلِيل الْقُوَّة ثمَّ يكون أقوى مَا يكون فِي آخرهَا حَيْثُ تُرِيدُ أَن تبتدئ الْحَرَارَة ونافض الغب بِالْعَكْسِ.
قَالَ: حمى الغب وَإِن كَانَت تجْعَل النبض فِي أول نوبتها يظْهر فِيهِ صغر وإبطاء وتفاوت فإبطاؤه وتفاوته نَاقص عَن الْكَائِن فِي الرّبع نُقْصَانا كثيرا جدا وَلَيْسَ يخرج عَن الْحَال الطبيعية فِي الصغر والإبطاء مستوياً منتظماً على الِاسْتِقْصَاء وَذَلِكَ أَنَّك لَا تَجِد فِيهِ اخْتِلَافا فِي نبضة وَاحِدَة وَلَا فِي نبضات كَثِيرَة على أَن هَذَا لَا يكَاد يُوجد فِي أول شَيْء من الحميات.
قَالَ: فَلَيْسَ تخفى هَذِه الْحمى حِين تبتدئ على من رَآهَا مَرَّات كَثِيرَة ثمَّ يتَبَيَّن أمرهَا جيدا فِي لى: ينظر فِي ذَلِك فِي نُسْخَة أُخْرَى وَأَنا أظنها مَقْطُوعَة وَتصير إِلَى الْعظم والشدة سَرِيعا وبحسب ذَلِك تغير وَلَيْسَ تُوجد فِيهِ العلامات الَّتِي تدل على الْمَرَض لى: أفهم الْحمى.
قَالَ: ويعرض فِي هَذِه الْحمى عَطش وَلَهَب وَلَا تلبث إِلَّا الْيَسِير حَتَّى يَنْتَهِي مُنْتَهَاهَا وتجد الْحَرَارَة منتشرة فِي الْبدن كُله بالسواء وَلَا تَجِد فِي الصَّدْر فضل حرارة على الْأَطْرَاف وَإِذا وضعت يدك على الْبدن كُله لقيتك أَولا حرارة كَثِيرَة كَأَنَّهَا ترْتَفع من بخار ثمَّ لَا تلبث أَن تخور فتقهرها يدك وَلَيْسَت كحرارة الْحمى المحرقة الخبيثة فَإِن فِي تِلْكَ إِذا وضعت يدك على الْبدن كلما لَبِثت عَلَيْهِ كَانَت أحر وَأَشد أَذَى لليد وأخبث.
قَالَ: ثمَّ إِن الْوَقْت الَّذِي يشرب فِيهِ الْمَرِيض المَاء فيحصر فتراه حِين يشربه يرْتَفع من بدنه بخار لَا يلبث ينفذ من الْجلد ينذر بعرق ويتقيأ مرَارًا أصفر وَرُبمَا اخْتلف اخْتِلَافا مرارياً وبال بولاً)
مرارياً فَفِي هَذَا الْوَقْت يعْذر الطَّبِيب فِي هَذَا الْعلم أَن يعرف هَذِه الْحمى أَعنِي الغب الْخَالِصَة وَذَلِكَ أَنه يَبْتَدِئ فِيهَا عرق كثير بخاري حَار كالعرق الَّذِي يعرقه الْإِنْسَان فِي الْحمام.
لى: ينظر فِي نُسْخَة أُخْرَى أَحْسبهُ يحْتَاج إِلَى الْحمام وَيكون ذَلِك الْعرق مستوياً فِي الْبدن كُله وَيصير النبض فِي مثل هَذِه الْحَال الَّتِي يكون عَلَيْهَا نبض الصَّحِيح فِي حَال الرياضة أَو فِي حَال لى: تحصل من هَذَا أَن يكون سَرِيعا عَظِيما مستوياً ثمَّ من بعد هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا يسكن تزيد النّوبَة الْوَاحِدَة وتقلع إقلاعاً تَاما وَلَيْسَ يجوز مِقْدَار طول نوبَة هَذِه الْحمى الْخَالِصَة الَّتِي كلامنا فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة فإمَّا فِي أَكثر الْحَالَات فَرُبمَا كَانَ مقدارها سبع سَاعَات فَقَط أَو أقل من هَذِه بِقَلِيل أَو أَكثر.(4/381)
قَالَ: فَإِن أَنْت لم تعلم مَعَ هَذِه العلامات وتعرف الغب بِأول نوبَة فَأَنت حمَار.
قَالَ: فَإِن رَأَيْت بَوْله يضْرب إِلَى الصُّفْرَة المشبعة والحمرة الناصعة وَرَأَيْت قوامه معتدلاً ثمَّ رَأَيْته لَا يلبث أَن تحدث فِيهِ غمامة طافية فَلم تعلم مَعَ هَذَا أَيْضا أَن هَذِه الْحمى غب خَالِصَة وَأَنَّهَا لَا تجَاوز الدّور الرَّابِع حَتَّى تَنْقَضِي فَأَنت صَخْرَة. فَإِن كَانَ الْبَوْل أَشد صفرَة وَلم يظْهر فِي الدّور الأول غمامة وَلَا فِي وسط المَاء وَلَا فِي أَعْلَاهُ فَهَذِهِ الغب تتطاول إِلَى أَن يَأْتِي عَلَيْهَا سَبْعَة أدوار ثمَّ تَنْقَضِي وأسهل مَا يكون من حمى الغب وأسلمه مَا اجْتمعت فِيهِ العلامات الَّتِي ذَكرنَاهَا وَرَأَيْت مَعَ ذَلِك فِي الْبَوْل ثقلاً راسباً أَبيض أملس مستوياً فِي أول نوبَة من الْحمى فَإِن الغب إِذا كَانَت على هَذِه الصّفة لَا تجَاوز الدّور الثَّالِث حَتَّى تَنْقَضِي.
قَالَ: وسأجمل عَلَامَات الغب فَأَقُول: إِنَّهَا تبتدئ بنافض وَتجْعَل النبض على مَا وصفت قبل إِلَّا أَنَّهَا لَا تلبث أَن تتزيد وَتصير إِلَى مُنْتَهَاهَا بِسُرْعَة فِي جَمِيع العلامات الَّتِي ذكرت ثمَّ تَنْقَضِي على النَّحْو الَّذِي ذكرت وتحتاج فِي تولدها إِلَى أَن يكون الزَّمَان حاراً يَابسا صيفاً وَالسّن والمزاج وَالتَّدْبِير مولداً للمرار وَيكون الْوَقْت الْحَاضِر قد جَاءَ فِيهِ حميات غب كَثِيرَة.
قَالَ: وَالله تَعَالَى الْمُسْتَعَان أَنا كُنَّا نحتاج لتعرف حميات الغب إِلَى عَلَامَات أَكثر من هَذِه.
قَالَ: فَبِهَذَا الطَّرِيق تعرف الْحمى اللَّازِمَة الْمُنَاسبَة لهَذِهِ وَهِي الَّتِي تشتد غبا وَلَا تقلع وَلَيْسَ يعسر تعرفها على من قد ارتاض فِي تعرف المقلعة رياضة جَيِّدَة فِي أول نوبَة فَأَما فِي النّوبَة الثَّانِيَة فَلَا يعسر على من لَيست لَهُ رياضة بَالِغَة.
قَالَ: وَذَلِكَ أَن المحرقة الْخَالِصَة وَهِي الغب اللَّازِمَة مَعهَا جَمِيع عَلَامَات الغب وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا)
أَنَّهَا لَا تبتدئ بنافض وَلَا تقلع إقلاعاً بَينا.
لى: فَإِن حَرَارَتهَا أَشد وَالْكرب والعطش فِيهَا أقوى وَلَيْسَ مَعهَا عرق وَالْبَوْل فِيهَا أَشد حِدة والنبض أسْرع وَهِي أسْرع حَرَكَة وَأَشد حِدة وَأعظم أعراضا.
قَالَ: وَلَا يكون فِي المحرقة نافض وَلَا عرق إِلَّا أَن يَأْتِي البحران.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن ترتاض أَولا فِي تعرف الحميات المفردة الْخَاصَّة ثمَّ تنظر فِي المركبة.
قَالَ: الْحمى الَّتِي تتولد من الصَّفْرَاء من غير آفَة تكون فِي شَيْء من الْأَجْسَام.
لى: يُرِيد ورماً فِي الْأَعْضَاء إِن كَانَت تتولد والمرة الصَّفْرَاء بَاقِيَة دَاخل الْعُرُوق فَهِيَ حمى قَالَ: لَا فرق بَين الغب اللَّازِمَة والدائرة إِذا كَانَتَا من خلط صفراوي خَالص إِلَّا أَن فِي الدائمة عفن الصَّفْرَاء فِيهَا دَاخل الْعُرُوق.
قَالَ: وَلَا يكون مَعَ الَّتِي العفن فِيهَا دَاخل الْعُرُوق الْقَيْء.(4/382)
قَالَ فِي قَول ج: لَا يُمكن أَن تتقدم فتعلم أَمر هَذِه الْحمى إِنَّمَا يُرِيد الْعرق أَنه لَا يُمكن أَن تعلم أَنَّهَا من عفن الدَّم أَو من عفن الصَّفْرَاء.
فِي قَول ج قَالَ: اللَّازِمَة مِنْهَا مَا يحس بانحطاط وفترة وَإِن كَانَ غير نقي وَلَا كَامِل وَمِنْهَا مَا لَا يحس مِنْهُ بذلك. قَالَ: وَهَذِه أَيْضا حمى محرقة إِنَّهَا أحد من الَّتِي يحس فِيهَا الفترة.
قَالَ: وَلَا يُمكن فِي الْيَوْم الأول وَلَا فِي الثَّانِي أَن تتقدم فتعلم أَمر هَذِه الْحمى وَلَا تنْتَفع بمعرفته لَو كَانَ إِلَيْهِ لَو كَانَ إِلَيْهِ سَبِيل وَيَكْفِيك أَن تعرف جنس هَذِه أَنَّهَا إِنَّمَا من الصَّفْرَاء وَأَنَّهَا محرقة ملهبة وَأَنَّهَا حارة جدا وَلَيْسَ لِأَن الْأَطِبَّاء سَموهَا سونوخس يجب أَن يكون جِنْسهَا غير جنس الحميات المحرقة وَهِي ثَلَاثَة أَصْنَاف: لابثة بِحَال فِي وَقت البحران ومتزيدة ومنتقصة.
قَالَ: وَهَذِه كلهَا يَأْتِي فِيهَا البحران فِي الْأُسْبُوع الأول وَالَّذِي يحْتَاج إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ أَن تعرف مِنْهُ وَإِن كَانَت الْحمى غبا خَالِصَة فَإِن انقضاءها وبحرانها لَا يُجَاوز سَبْعَة أدوار.
لى: تفقد هَذِه الْأَشْيَاء وَالْحَال فِي أَوْقَات النوائب فَإِن بَين الحميات فِيهَا فرقا كثيرا من ذَلِك أَن ابْتَدَأَ الغب لَا يشبه ابْتِدَاء الغب لَا يشبه ابْتِدَاء الرّبع فِي صغر النبض لِأَن النبض فِي ابْتِدَاء الغب عَظِيم سريع بِالْإِضَافَة إِلَى نبض الرّبع وتخالف البلغمية فِي الصعُود مُخَالفَة بَيِّنَة فَإِن الغب تبادر بالصعود والبلغمية يبطىء صعودها وفترات الغب نقية وفترات البلغمية غير نقية وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخص كل وَاحِدَة مِنْهَا فِي زمَان ليَكُون ذَلِك أعون على أَن لَا يفوتك تعرفها وَلَو اشتبهت عَلَيْك)
فِي بعض أَوْقَاتهَا وتفقد مَعَ ذَلِك زمَان النّوبَة كلهَا فَإِن الغب أقصرها والبلغمية أطولها وَالرّبع متوسطة فَإِنَّهُ على هَذِه الْجِهَة لَا يُمكن أَن يفوتك مَعْرفَتهَا من أول نوبَة.
قَالَ: أنزل أَنه ابتدأت نوبَة مَعهَا نافض ثمَّ التهبت حمى حادة محرقة فِيهَا كرب وعطش وَبَلغت مُنْتَهَاهَا بِسُرْعَة ثمَّ إِنَّهَا سكنت مَعَ قيء وعرق ونقي الْبدن مِنْهَا أَقُول: إِن هَذِه لَا يُمكن إِن تكون إِلَّا نوبَة غب.
قَالَ: أَكثر مَا يعرض من الحميات الكائنة من الصَّفْرَاء. قَالَ: وَأكْثر مَا يعرض من الحميات الحادة من العفن والأورام الحارة.
جَوَامِع البحران قَالَ: الغب تطول مُدَّة نوبتها وتقصر بِسَبَب مِقْدَار الْمرة الصَّفْرَاء وبسبب كيفيتها وبسبب حركتها أَيْضا وبحسب قُوَّة الْمَرِيض وَمِقْدَار حسه وسحنته فِي السخافة والكثافة.
لى: إِذا كَانَت الْمَادَّة أغْلظ كَانَت حركتها أَبْطَأَ وَإِذا كَانَت قُوَّة الْمَرِيض أَكثر وبدنه أقل حسا الْحمى الغب تعرف أما من الْأَسْبَاب الَّتِي تجمع مادتها أَو الْأَسْبَاب الَّتِي تثبت نوعها أما الْأَسْبَاب الَّتِي تجمع مادتها فزمان الصَّيف والبلد الْحَار والهواء والمزاج الْحَار وَالتَّدْبِير المولد للمرار وَنَحْو ذَلِك وَأما الْأَسْبَاب المثبتة لنوعها فالنافض فِي أَولهَا مَعَ نخس شَبيه بنخس الإبر والاستفراغ بعْدهَا بالقيء وَالِاخْتِلَاف والعرق وَقلة اخْتِلَاف الْعرق وعظمه(4/383)
وتواتره وقوته واستواؤه وَإنَّهُ وَإِن كَانَ يعرض صغر وَاخْتِلَاف فِي النبض فِي أول النّوبَة فَإِنَّهُ يذهب سَرِيعا جدا بِالْإِضَافَة إِلَى حمى الرّبع.
قَالَ: وتعرف الغب اللَّازِمَة أَن تَجِد الْأَسْبَاب الجامعة لمادتها المقومة لنوعها ثمَّ لَا تفتر وَلَا تبتدىء بنافض وَلَا تقلع باستفراغ محسوس.
من الْمقَالة الأولى من أَصْنَاف الحميات قَالَ الحميات مُفْردَة كَانَت أَو مَعَ ورم بعض الأحشاء إِذا لم تعالج على مَا يَنْبَغِي آلت إِلَى ذبول سريع وخاصة من يحْتَاج إِلَى شرب المَاء الْبَارِد فَمنع مِنْهُ وَلم يتلطف لَهُ مَعَ شَيْء آخر مِمَّا يوضع من المبردات على مَا دون الشراسيف والصدر فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك ضمد لعِلَّة فِي بَطْنه بالأضمدة المحللة أسْرع إِلَى الْوُقُوع فِي الذبول.
لى: الحميات المحرقة القوية الدائمة كثيرا مَا تحدث عَن ورم فِي الأحشاء.
الْمقَالة الثَّانِيَة نافض الغب ينبئك أَن السَّبَب الْفَاعِل لَهُ تلذيع ونخس الْأَعْضَاء الحساسة.
قَالَ: الْحمى الكائنة من الصَّفْرَاء إِذا تحركت وَجَرت فِي الْأَعْضَاء الحساسة يكون ابْتِدَاؤُهَا مَعَ)
نافض وَيكون فِيهَا التهاب واحتراق وانقضاؤها وانحطاطها يكون عَن خُرُوج مرّة صفراء من الْبدن إِمَّا بقيء أَو ببول أَو ببراز أَو بعرق أَو بهَا جَمِيعًا وأطول مَا تكون نوبتها اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة مستوية وَتسَمى غبا خَالِصَة ويعين على تولدها اجْتِمَاع جَمِيع الْأَسْبَاب المولدة للصفراء.
وَطول نوبتها فِي الْأَكْثَر أقل من هَذِه الْمدَّة. وتختلف بِقدر طول النّوبَة وقصرها فَإِن المرار إِذا كَانَ أَكثر كَانَت النّوبَة أطول وبالضد وَإِن كَانَ رَقِيقا كَانَت أقصر وبالضد. وَإِذا كَانَت قُوَّة الْبدن أقوى كَانَت النّوبَة أقصر وبالضد. وَالْبدن مَتى كَانَت سحنته سخيفاً كَانَت أقصر وبالضد مَتى كَانَ كثيفاً.
قَالَ: وفترات هَذِه الْحمى نقية لَا تتبين فِي الْعُرُوق. والعلامة الدَّالَّة على العفونة الْبَتَّةَ لَا فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار الَّذِي يَتْلُو النّوبَة ثمَّ أَن تِلْكَ الْعَلامَة أعنى عَلامَة العفن فِي الْعُرُوق تظهر ظهوراً أَكثر عِنْد آخر ذَلِك النَّهَار وَاللَّيْل ثمَّ تظهر أَكثر فِي النَّهَار وَاللَّيْل الَّذِي تكون فِيهِ النّوبَة تظهر عِنْد ابْتِدَاء النّوبَة وتتزيد ظهوراً مَعَ تزيد النّوبَة إِلَى أَن تبلغ مُنْتَهَاهَا ثمَّ وَقت المنتهي تصير أخف مِمَّا كَانَت عِنْد التزيد وَتصير أقل وأخف عِنْد الانحطاط وَهَذِه هِيَ الغب الْخَالِصَة.
قَالَ: وَالِاخْتِلَاف يَقع فِي طول نوبَة الحميات النائبة لكمية الْخَلْط وكيفيته وَحَال الْموضع الَّذِي تعفن فِيهِ وَطَرِيق حركته من ذَلِك أَن الحميات النائبة غبا مَا كَانَ مُدَّة(4/384)
نوبتها قَصِيرا وابتداؤه وانقضاؤه بعرق واستفراغ محسوس كَانَت غبا خَالِصا فَإِن نقصت خلة من ذَلِك فَلَيْسَتْ غبا خَالِصَة فَإِن كَانَت مَعَ ذَلِك أطول نوبَة مِمَّا ذكرنَا فَاعْلَم أَنه غب طَوِيلَة النّوبَة أولى الغب بِأَن تسمى عندنَا طَوِيل النّوبَة الْحمى الَّتِي تلبث نوائبها أَرْبعا وَعشْرين سَاعَة وَتسَمى زَائِدَة الطول جدا الَّتِي تنوب ثَلَاثِينَ سَاعَة وستاً وَثَلَاثِينَ سَاعَة وَأَرْبَعين وتقلع وَكَانَ ج يُسَمِّي مَا كَانَت تنوب مُدَّة وتقلع مثلهَا غبا.
من جَوَامِع الحميات: 3 (نوبَة الغب الْخَالِصَة) أطول مَا تكون اثْنَتَا عشرَة سَاعَة.
التَّاسِعَة من حِيلَة الْبُرْء: قد رَأينَا كثيرا مِمَّن شرب فِي حمى محرقة مَاء بَارِدًا كثيرا بعد نضج الأخلاط نضجاً معتدلاً فأقلعت عَنهُ الْحمى على الْمَكَان.
لى: انْظُر فِي بَاب الحميات المطبقة لتَمام معرفَة شرب المَاء الْبَارِد.
من الْعَاشِرَة: كَانَ فَتى يَابِس المزاج عضله حم فِي صميم الصَّيف حمى محرقة فَلَمَّا شرب فِي وَقت النّوبَة مَاء بَارِد قدر قوطولين تقيأ من سَاعَته مرَارًا أَحْمَر مشرقاً جدا بعد قَلِيل قَامَ مرَارًا وَلما شرب أَيْضا بعد طَعَامه مَاء بَارِد انصرفت الْحمى وَإِنَّمَا أثبتنا مِنْهَا هَذَا لتعلم أَن الْحمى المحرقة قد يسقى فِيهَا المَاء الْبَارِد.
الرَّابِعَة من الْعِلَل والأعراض: شرب رجل فِي وَقت تزيد الْحمى وَالْمَرَض من المَاء الْبَارِد مِقْدَارًا كثيرا فِي حمى محرقة فَلم يسكن عطشه إِلَى أَن مَاتَ.
الْخَامِسَة مِنْهُ: مَتى كَانَت الغب الْخَالِصَة كَانَ النافض فِيهَا أقوى والنافض فِي المحرقة دَلِيل على أَن المرار قد خرج من الْعُرُوق وانتشر فِي العضل. وَإِذا دَفعته الطبيعة هُنَاكَ فَلَيْسَ يُمكن أَن يبْقى فِي اللَّحْم لكنه يعرق بعده وتقلع الْحمى.
قَالَ: والحمى فِي ذَلِك الْيَوْم عِنْد كَون النافض تكون أَشد وَأقوى ثمَّ تنقص عِنْد الْعرق والقيء وَالْبرَاز المرى لِأَن الَّتِي خرجت تستفرغ الْبدن فَإِن كَانَ النافض فِي المحرقة وَالْقُوَّة ضَعِيفَة وَلم تنتقص بذلك الْحمى فَإِنَّهُ دلَالَة الْمَوْت لِأَن الطبيعة قد رامت دفع الْخَلْط فَلم تقو عَلَيْهِ وَمَتى كَانَ النافض كَانَت مدَّتهَا أقل.
3 - (جَوَامِع الْعِلَل والأعراض)
بحران الحميات المحرقة وَالْغِب يكون بالعرق مَتى كَانَ المرار رَقِيقا فِي الْغَايَة وبالاختلاف مَتى كَانَ فِي غَايَة الْغَلَط وبالقيء مَتى كَانَ متوسطاً بَينهمَا.
الْمقَالة الأولى من جَوَامِع البحران قَالَ: الحميات مِنْهَا عَظِيمَة جدا إِلَّا أَنَّهَا سليمَة بِمَنْزِلَة الغب.
الْمقَالة الثَّالِثَة: الغب يكون فِيهَا نافض كَأَنَّهُ ينفض الْبدن وينخسه وتلقحه حمى حادة تسرع الصعُود وقيء مرار واختلافه وعرق واللون الْأَصْفَر.
الثَّالِثَة من الْأَمْرَاض الحادة: الِانْتِفَاع بالحمام فِي من بِهِ حمى محرقة إِنَّمَا يكون إِذا لم(4/385)
يكن هُنَاكَ ورم حَار لَكِن مرار صرف يغلي فِي جَمِيع الْبدن وَكَانَت عَلامَة النضج قد ظَهرت فَإِن الِانْتِفَاع حِينَئِذٍ بالاستحمام يكون أَكثر كثيرا وَأما المحرقة الكائنة عَن بلغم عفن فالحمام مضاد لَهُ جدا لِأَن الْخَلْط البلغمي لَا ينْحل بالحمام كَمَا ينْحل المرار لغلظه ولزوجته وَيحْتَاج أَن ينضج فِي مُدَّة طَوِيلَة.
لى: هَذَا يُزَاد فِي البلغمية وَإِنَّمَا يَعْنِي بالمحرقة الَّتِي عَن البلغم المالح أَن من حميات البلغم حاراً جدا وَهُوَ الْكَائِن من بلغم مالح.
الأولى من الْفُصُول: الْمَشَايِخ لَا يكادون يحْمُونَ بحمى محرقة فَإِن حموا هَلَكُوا لِأَن ذَلِك فيهم لَا يكون إِلَّا من غَلَبَة الْعلَّة غَلَبَة قَوِيَّة جدا.
الرَّابِعَة من الْفُصُول: الحميات الحارة الردية تكون إِمَّا عِنْدَمَا تعفن الأخلاط فِي الْعُرُوق أَو تعفن فِي جَمِيع الْبدن.
قَالَ: الحميات الَّتِي تنوب غبا وينقي الْبدن مِنْهَا لَا خطر فِيهَا الْبَتَّةَ وَلَو كَانَت نوائبها فِي غَايَة الشدَّة والطول وَإِن كَانَت الغب مُدَّة نوائبها أقل من اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة فَلَيْسَ إِنَّمَا هِيَ سليمَة من الْخطر لَكِنَّهَا مَعَ ذَلِك سريعة الِانْقِضَاء وَإِن كَانَت مُدَّة نوائبها أطول من اثْنَتَيْ عشرَة فَهِيَ أطول من الْخَالِصَة بِحَسب فضل طول نوبتها على نَوَائِب الغب الْخَالِصَة وَبِالْجُمْلَةِ فالحميات الَّتِي تفارق حَتَّى ينقى مِنْهَا الْبدن تدل أَنَّهَا لَيست من الورم وَلَا من عفونة خبيثة فَهِيَ لذَلِك كَيفَ كَانَت سليمَة.
قَالَ: وَالْغِب المحرقة هِيَ أسخن الحميات سخونة.
قَالَ: وَإِذا كَانَ بِإِنْسَان حمى محرقة فَعرض لَهُ نافض انْحَلَّت بِهِ حماه.)
قَالَ ج: النافض يكون من صفراء تتحرك فِي أجسام حساسة متحركة سريعة وَمن أَصَابَهُ ذَلِك فِي حمى محرقة فَبين أَن بَطْنه سينطلق ويصيبه عرق وقيء مرار فَلِأَن المرارالذي هُوَ المولد للحمى يستفرغ وينقى الْبدن مِنْهُ بِأَن تِلْكَ الْحمى تنْحَل وتنقضي. وَمن أَصَابَهُ نافض فِي المحرقة مَرَّات كَثِيرَة فَلم تنْحَل بِهِ حماه وقوته ضَعِيفَة فَإِنَّهُ عَلامَة الْمَوْت. وَإِن كَانَت قوته قَوِيَّة فَإِنَّهُ عَلامَة لى: بِخِلَاف مَا فسر جالينوس هُوَ أولى بذلك لِأَن النافض فِي المحرقة إِنَّمَا يكون عِنْدَمَا ينتشر المرار وَيخرج من جَوف الْعُرُوق إِلَى اللَّحْم فَإِذا تبع ذَلِك إقلاع الْحمى دلّ على أَن الطبيعة قد دَفعته وأخرجته عَنْهَا ونقيت الْعُرُوق وَإِذا لم تقلع بِهِ الْحمى وَلم تخف لَكِنَّهَا بقيت بِحَالِهَا أَو ازدادت وخاصة إِن زَادَت فَيدل على أَن المرار لكثرته ورداءته قد انْتَشَر بِذَاتِهِ وفاض فِي الْبدن كُله فَإِذا كَانَ هَذَا مَعَ قُوَّة قَوِيَّة فَهُوَ مخوف لِأَنَّهُ مرض فِي غَايَة الْقُوَّة وَإِذا كَانَ مَعَ قُوَّة ضَعِيفَة فمهلك لِأَن الطبيعة لَا يُمكنهَا مقاومته لقُوته وغلبته وكثرته.(4/386)
قَالَ: المحرقة تكون إِذا غلبت الصَّفْرَاء وغلبت مَعَ الدَّم فِي جَوف الْعُرُوق وَأما الغب فَإِذا كَانَ فِي اللَّحْم.
قَالَ: وَالْغِب الْخَالِصَة هِيَ تكون الْغَالِب فِيهَا الصَّفْرَاء الْمَحْضَة ونوائبها لَا تجوز اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة وَيكون فِيهَا قيء مرار واختلافه وتنحط بعرق وتبتدئ هَذِه لَا محَالة بنافض وَهَذِه لَا تجَاوز الْبَتَّةَ أَرْبَعَة عشر يَوْمًا. وَإِن كَانَت أَكثر خلوصاً من هَذِه وَأَشد حِدة قصرت عَن هَذَا وَإِن كَانَت أقل خلوصاً وَأَشد إدماناً من الغب الْخَالِصَة جَاوَزت عَن ذَلِك بِمِقْدَار ذَلِك فِيهَا.
قَالَ: وَمن أَصَابَهُ قبل النّوبَة نافض نقي بدنه من تِلْكَ النّوبَة فَإِن كَانَ ذَلِك فِي كل يَوْم فَإِنَّهُ ينقى مِنْهَا فِي كل يَوْم وَإِن كَانَ ذَلِك فِي أَيَّام مَعْلُومَة فَإِنَّهُ ينقى فِي تِلْكَ الْأَيَّام لِأَن النافض يكون من الْمقَالة السَّادِسَة قَالَ: من عرضت لَهُ فِي الْحمى المحرقة رعشة فَإِن اخْتِلَاط الذِّهْن يحل الرعشة عَنهُ وَيَنْبَغِي أَن يجرب وَلم يرضه جالينوس.
السَّادِسَة من الْفُصُول: كَانَ يُصِيب رجلا فِي الصَّيف فِي كل سنة غب فَكنت استفرغه فِي الرّبيع صفراء فَكَانَ يسلم.
من الْمَوْت السَّرِيع قَالَ: الْعرق الْبَارِد مَعَ الْحمى الحادة دَلِيل على الْمَوْت وكل حمى مطبقة تشتد كل ثَلَاثَة أَيَّام فعظيمة الْخطر فَإِن أقلعت كَيفَ كَانَ فَهُوَ أسلم وَإِن عَادَتْ بِلَا عِلّة مَعْرُوفَة دلّت على شدَّة تكون.)
قَالَ: وَإِذا كَانَ بِإِنْسَان حمى مقلقة وانقلبت عينه أَو أَنفه أَو شفته أَو حاجباه أَو لم يبصر أَو لم يسمع فالموت مِنْهُ قريب وَإِذا عرض تشنج فِي الحميات المطبقة وَذهل الْعقل دلّ على الْمَوْت وَإِذا عرض نفس شَدِيد فِي الْأَمْرَاض الحادة دلّ على شدَّة تكون.
من كتاب العلامات قَالَ: عَلامَة الْحمى المحرقة الْمُسَمَّاة قرسيس أَن يكون ظَاهر الْبدن حاراً جدا وباطنه محترقاً غَايَة الاحتراق وَيكون النَّفس حاراً جدا وَالْبدن كُله وجعاً مسترخياً وَفِي الصدغ وَالرَّأْس ضَرْبَان وَالْوَجْه كُله أَحْمَر والأظفار حمر والعينان غائرتان ويشتاق إِلَى الْبَارِد وبصاقه زبدي ويجف لِسَانه وَيَأْخُذهُ رُعَاف ويستطلق بَطْنه صفراء مَحْضَة كَثِيرَة وسهر وَيكون اللِّسَان خشناً وَرُبمَا أسود وتمتد الشراسيف وَإِن أزمنت علته اسْتطْلقَ بَطْنه صفراء مَحْضَة وَجل مَا يعرض فِي الصَّيف وللصبيان عِنْد نَبَات الْأَسْنَان.
قَالَ: والعارض للصبيان يكون أقل يبساً وقحلاً من اجل رطوبتهم وَرُبمَا عرض مَعَه سبات إِلَّا أَن تنفسهم يكون أَشد الْحَرَارَة وَالْعين غائرة جدا ويكثرون التقلب وَإِن الزموا الثدي لم يرضعوا ويحمض البن فِي أَجْوَافهم وتستطلق بطونهم.(4/387)
الرَّابِعَة من طيماوس: حمى الغب مشبهة للمحرقة فِي كل أعراضها خلا أَن الصَّفْرَاء فِيهَا تستفرغ بعرق وَغَيره فِي انحطاط النوائب وَلَا يُوجد هَذَا فِي المحرقة.
لى: والمحرقة لَا نافض لَهَا وَلَا نوبَة وَهِي أَشد كَيْفيَّة حرارة وأعراضها أقوى من أَعْرَاض الغب وَإِن كَانَا من نوع وَاحِد.
الأولى من تَفْسِير الثَّانِيَة من ابيذيميا: قَالَ: فِي الْحمى المحرقة تكْثر الصَّفْرَاء فِي الْعُرُوق وخاصة فِي مَا يَلِي الكبد مِنْهَا وَفِي الْمعدة وَفِي الغب تكْثر فِي اللَّحْم الَّذِي فِي الْبدن كُله.
لى: فالإسهال إِذا فِي المحرقة بِمَا يخرج الصَّفْرَاء فِي غَايَة النَّفْع.
قَالَ: والحميات المحرقة لَا تكَاد تكون من احتقان الفضول الَّتِي من جنس المرار وَإِنَّمَا تكون من الْحَرَارَة الَّتِي فِي الأوعية والأحشاء إِذا احتدت والتهبت وَذَلِكَ يكون إِمَّا عِنْد التهاب الْهَوَاء وَشدَّة حرارته أَو عِنْد رياضة أَزِيد من الْمِقْدَار أَو هم شَدِيد أَو تردد فِي شمس مُدَّة طَوِيلَة أَو اسْتِعْمَال أَطْعِمَة حارة جدا أَو أدوية.
الثَّانِيَة من الثَّانِيَة قَالَ: الحميات المحرقة الْخَالِصَة يعرض فِي أَولهَا رُعَاف وَآخِرهَا نافض وعرق يكون بِهِ البحران.)
فِي الثَّالِثَة من ابيذيميا: كَلَام هَذَا محصوله أَن الغب والمحرقة المرار فيهمَا غَالب على الْبدن جدا. والمرار يلين الْبَطن إِن انصب إِلَيْهِ وَلَكِن إِنَّمَا تكون الطبيعة يابسة لِأَن حَرَكَة المرار إِمَّا إِلَى فَوق أَو إِلَى سطوح الْبدن وَفِي الْعُرُوق وَلَا ينصب إِلَى الْبَطن.
لى: فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يستفرغ بِمَا يسهل الصَّفْرَاء بِأَن تجْعَل حَرَكَة المرار فِي ضد الْجِهَة الَّتِي مَال إِلَيْهَا. يحول هَذَا الْبَاب إِلَى بَاب الإسهال فِي ابْتِدَاء الحميات.
قَالَ: وَجُمْلَة فَإِن اعتقال الْبَطن مَعَ غَلَبَة المرار يدل على ميل المرار عَن الْبَطن إِلَى أعالي الْبدن أَو سطوحه.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة من ابيذيميا: الْعَطش غير مفارق للحمى المحرقة إِلَّا أَن يكون مَعهَا سعال قَلِيل فَإِنَّهُ عِنْد ذَلِك يكون أسهل وأسكن إِلَّا أَن يكون لِلْعِلَّةِ الَّتِي قد ذكرت فِي كتاب الْفُصُول وَإِنَّمَا يسكن الْعَطش والسعال الْقَلِيل الْيَسِير الَّذِي يتَوَلَّد بَين مُدَّة طَوِيلَة لِأَنَّهُ يُحَرك أَعْضَاء الْحُلْقُوم حَرَكَة يسيرَة يجتذب إِلَيْهَا رطوبات فيقل جفاف الْفَم ونواحيه بِمَا يجتذب من اللَّحْم الرخو. وَأما السعال الْقوي فَإِنَّهُ يزِيد فِي الْعَطش لِأَنَّهُ يُحَرك حَرَكَة صعبة جدا فيسخن بذلك الصَّدْر والرئة إسخاناً شَدِيدا.
قَالَ: وَاعْلَم أَن هَذَا السعال الْكَائِن بِالْعرضِ لَا السعال الْخَبيث الرَّدِيء فَإِنَّهُ قد يكون من السل وَنَحْوه سعال خَفِيف إِلَّا أَنه رَدِيء فَافْهَم هَذَا السعال الْحَادِث بِعَارِض سهل الزَّوَال حدث فِي آلَات النَّفس.(4/388)
قَالَ: وَأكْثر مَا رَأَيْت هَذَا السعال يحدث فِي هَذِه الحميات إِذا كَانَ سَبَب الْحمى تعباً تَعبه الْمَرِيض فِي طَرِيق كثير الْغُبَار وَأما فِي الشتَاء فِي هَوَاء شَدِيد الْبرد وَذَلِكَ انه قد يحدث عَن هذَيْن للحلقوم خشونة.
لى: تفقد لون اللِّسَان فِي الحميات المحرقة وَذَلِكَ أَنه يدل على الْخَلْط المحصور فِي الْمعدة وَالْعُرُوق لِأَن بخارها يصْبغ اللِّسَان وبحسب لون اللِّسَان يكون الْخَلْط فَإِن كَانَ لم يزل عَن لَونه كَبِير زَوَال فَإِن الْحمى لينَة وَإِن كَانَ قد اسود ويبس جدا فَإِن ذَلِك من إبلاغ اليبس والحرارة فانياً من رطوبات الْبدن حَتَّى أَنه قد صعد مِنْهُ دُخان أسود.
وَشدَّة حمرَة اللِّسَان فِي الحميات المحرقة تدل على غَلَبَة الدَّم. وصفرته على الصَّفْرَاء وميله إِلَى الْيَهُودِيّ: الغب الْخَالِصَة تبتدئ باقشعرار أَو بنافض شَدِيد الْحَرَكَة كثير الرعدة قَلِيل الْبرد يَجِيء)
هَذَا الاقشعرار بَغْتَة وَيذْهب بَغْتَة لِأَن نافضها يدل على الْبرد وخلط رَقِيق.
علاج الغب: يجب أَن تقطع مَادَّة هَذِه الْحمى لِأَنَّهَا أسْرع شَيْء انتقالاً إِلَى الْأَمْرَاض الحادة فأسهل باهليلج أصفر وزن خَمْسَة دَرَاهِم وسقمونيا دانق.
الطَّبَرِيّ: إِذا أقلعت حميات الغب وقويت الشَّهْوَة واعتدل النّوم فأطعمه دَرَّاجًا وفروجاً.
اهرن: حمى غب لَازِمَة تشبه سونوخس إِلَّا أَنَّهَا أَشد حرارة وَأكْثر عطشاً وأحرق وَأحد وَلَيْسَ فِي سونوخس عَطش شَدِيد مثل مَا فِي هَذِه.
قَالَ: إِذا رَأَيْت النافض ملتهباً سَرِيعا وَيَجِيء بَغْتَة ويسكن بَغْتَة وَلَيْسَ ببارد وَلَكِن ناخس فَإِنَّهُ نافض الغب وَلَيْسَ لهَذَا النافض برد الرّبع والبلغمية وَقد يكون فِي صُعُوده عَطش وهذيان.
وَجَمَاعَة دَلَائِل الغب النافض الَّذِي ينخس الْمُبْتَدِئ بَغْتَة لَا قَلِيلا قَلِيلا وَسُرْعَة التلهب بعد ذَلِك وشدته وحدته والعطش والهذيان وَالْكرب وقيء الصَّفْرَاء واختلافها وتمكث فِي الْأَكْثَر أقل من اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة وَلَا تجَاوز اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة وتنحط بعرق وَالزَّمَان والمزاج وَالتَّدْبِير وَحَال الحميات الْحَادِثَة فِي ذَلِك الزَّمَان ونافض الغب قصير الْمدَّة بِالْإِضَافَة إِلَى نافض البلغمية وَالرّبع.
لى: اجْمَعُوا أَن نافض البلغم أبرد وأطول وأعسر سخونة ونافض الغب أقصر مُدَّة وَلَا برد مَعهَا قَالَ: عالج الغب اللَّازِمَة والنائبة فِي ابتدائها إِذا كَانَ الْمَرِيض قَوِيا بالإسهال فَإِنَّهُ لَا شَيْء خير للعفونة من أَن تخرج وتفتح السدد وَاجعَل نفضك للخلط بالأشياء الْبَارِدَة لِئَلَّا تزيد فِي حَرَارَتهَا فَخذ أَرْبَعَة مَثَاقِيل اهليلج أصفر مسحوق وسقمونيا دانق وَعشرَة دَرَاهِم سكر طبرزد فاسقه بِمَاء بَارِد فَإِنَّهُ يخرج فضل الْمرة وَمَا قد عفن مِنْهُ وَيمْنَع مَا بَقِي أَن يعفن الْبَتَّةَ وَإِن عفن عفناً يَسِيرا وَلَا تكَاد تشتد الْحمى بصاحبها بعد الإسهال فَإِن لم يقدر على الإسهال لعِلَّة مَا فأعطه مَاء الشّعير بكر وَإِن كَانَ بَطْنه يَابسا فأعطه ترنجبينا كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم بِمَاء بَارِد وأعطه نَقِيع الإجاص وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ وسكراً وترنجبينا كل يَوْم عشرَة دَرَاهِم(4/389)
مَتى اشتدت الطبيعة يَوْمَيْنِ فَلَا تدع أَن تسهله بِمَا وصفت من هَذِه فَأَنت تُعْطى مَاء الشّعير وَإِن لم تَجِيء الطبيعة بِهَذِهِ فاحقنه بحقنة ملينة ولطف أغذيته.
لى: والإسهال بالإهليلج مكرب فِي الِابْتِدَاء فِيمَا قَالَ فعد دوراً أَو دورين أَو صابر فِيهَا فِي اللَّازِمَة فغذا جَاوز ذَلِك فبالأشياء الْأُخَر إِلَّا أَن يكون قَوِيا وَبرد أمكنته ومضجعه بِقدر الحدة والحرارة والعطش وَأكْثر من المبردات والفواكه الْبَارِدَة والرياحين وَإِن اشْتَدَّ السهر فانطل على)
رَأسه واسعطه بالبنفسج ودهن القرع وَاللَّبن ولين خشونة لِسَانه بالألعبة وَإِن رَأَيْت الهذيان شَدِيدا فَأكْثر من حلب اللَّبن على الرَّأْس والنطول عَلَيْهِ والسعوط وأطعمه الخس واطل بِهِ الْجَبْهَة وَإِن كثر الْقَيْء وَالْمَشْي فِيهِ فأعطه أَقْرَاص طباشير ممسكة وشراب الرُّمَّان وَإِن كثرت الحدة وَالْكرب فِي الْمعدة فاطلها بأضمدة مبردة.
قَالَ: وَاعْلَم أَن كثيرا مَا تنْتَقل الغب بعد دورين أَو ثَلَاثَة وَتصير إِلَى الْمَرَض الحاد الَّذِي يُسمى السرسام.
لى: يَعْنِي تصير غبا لَازِمَة وَذَلِكَ يكون إِذا قصر فِي الاستفراغ والتطفئة وَكَانَ الْبدن مستعداً لذَلِك.
اهرن: فَلَا يُفَارق العليل الحمية والعلاج بالمبردات قبل أَن تجوز مُدَّة سَبْعَة أدوار وَإِن هِيَ تركته فَإِنَّهُ كثيرا مَا تخف أَو تذْهب فِي الرَّابِع فَأَما أَن تخف فَفِي الْأَكْثَر.
قَالَ: وَفِي يَوْم الدّور فَلَا تعالجه بِشَيْء أَكثر من أَن تسقيه مَاء الكشك أَو مَاء الكعك أَو مَاء الرُّمَّان وأشباهه وَلَا تلين الْبَطن يَوْم الدّور إِلَّا لضَرُورَة فَإِن فِي يَوْم الدّور التَّوَقُّف عَن العلاج أَحْمد. وَصَاحب حمى غب يجد قبل الدّور فِي ليلته شدَّة وأحلاماً ردية ويجد فِي يَوْم الرَّاحَة خفاً وراحة وَبعد الدّور السَّابِع بِثَلَاثَة أَيَّام أعْط الدراج ومح الْبيض والسمك الصغار فَإِن بَقِي بعد الدّور السَّابِع شَيْء من الْحمى فَاعْلَم أَن ذَلِك بقايا بلغمية وَتَكون لينَة قَليلَة الْحَرَارَة فأعطه مَاء الرازيانج والكرفس مغلي مصفى وشيئاً من عصير الغافث وعَلى هَذَا فعالج الغب اللَّازِمَة غير أَنه يَنْبَغِي أَن يكون التَّدْبِير فِيهَا ألطف وَاجعَل علاجك بالأدوية وَإِذا رَأَيْت الهضم فِي المَاء تَاما جيدا فَتقدم واسقه المَاء الْبَارِد مَا أَرَادَ وَلَا تجبن وأعطه مِنْهُ مَا أَرَادَ بِقدر مَا لَا يعطش فَإنَّك تُطْفِئ بذلك حرارة الْحمى والاحتراق الَّذِي دَاخل الْعُرُوق وَأما قبل أَن ترى النضج فِي الْبَوْل فاجتنب المَاء الْبَارِد وخاصة كثرته فَإِنَّهُ لَا يُؤمن من كثرته أَن يصير سدة وورماً فِي الكبد.
3 - (علاج الْحمى)
الْإِسْكَنْدَر: ينفع من الْحمى اللهيبة الْورْد وكل شَيْء يعْمل مِنْهُ فَإِنَّهُ ينخس الْحمى نخساً.
قَالَ: وَمَاء الشّعير نَافِع من الحميات خَاصَّة فِي اللهيبة فَإِن اشْتَدَّ اللهيب والسهر فاسقه شراب خشخاش لِأَنَّهُ يُطْفِئ الْحمى الْبَتَّةَ ويجلب النّوم.
شَمْعُون قَالَ: مَعَ الغب برد قَلِيل وحرارة كَثِيرَة وعطش والتهاب وضجر واستثقال الْكَلَام وَحب الْوحدَة ومرارة الْفَم وصداع وَرُبمَا برد الْأَطْرَاف مَعَه وَإِذا شرب المَاء ارْتَفع من جلده بخار كثير حَار وقيء وفواق قَلِيل ثمَّ تشتعل.(4/390)
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تستنظف مَا يسيل فِي هَذِه الْحمى مِمَّا يسيل وَتجْعَل أطعمتهم حامضة مطفئة.
الاختصارات: قوسيس الْمُسَمَّاة المحرقة وَالْغِب الدائمة وَإِن كَانَتَا من عفن الصَّفْرَاء دَاخل الْعُرُوق فالفصل بَينهمَا أَن الْحَرَارَة تكون فِي قوسيس أَكثر ذَلِك فِي الْأَعْضَاء الَّتِي حول الْقلب وَفِي الغب الدائمة تكون فِي جَمِيع الْبدن أَو بِالْقربِ من السوَاء وَأَصْحَاب الغب يحبونَ الْخلْوَة وَألا يتكلموا وتقل شهوتهم ويصيبهم سهر وَثقل فِي الرَّأْس وَرُبمَا بردت أَطْرَافهم فِي أَولهَا ويصغر النبض فِي المبدأ ويعظم جدا فِي الْمُنْتَهى.
قَالَ: احذر فِي مبدأها اسْتِعْمَال الْأَشْيَاء الحارة لِئَلَّا يحدث ورم فِي الكبد والباردة لِئَلَّا تطول مُدَّة هَذِه الْحمى.
لى: أَنا أَقُول: أَنه إِن كَانَ فِي الْحمى من الْعظم مَا لَا يُطَاق وَلَا تؤمن مضرتها فطول مُدَّة الْحمى بعد تطفئتها بِالْمَاءِ الْبَارِد أصلح من احْتِمَال عظمها وخطرها كَمَا قَالَ ب: كثيرا آمُر حِين أرى حمى عَظِيمَة جدا أَنه يطول مَرضه بِأَن يسقى المَاء الْبَارِد وَمِثَال حماه فَإِن ذَلِك أصلح وَأمكن استدراكاً من عظم تِلْكَ الْحمى فَكَأَنَّهُ انذر بِهِ لما سقَاهُ المَاء الْبَارِد وَسكن عظم الْحمى ومعرتها وَبقيت بقايا أخلاط مكتنزة تلافاها من بعد مَا تخشى من عظمها وخطرها أَكثر كثيرا من تلبدها بعد سقِِي المَاء الْبَارِد. 3 (الحميات المحرقة صنفان) إِحْدَاهمَا قَوِيَّة يكون الْعَطش فِيهَا غَالِبا والرعاف وعزوب الذِّهْن وَسُرْعَة الْإِتْلَاف وتتولد عَن اجْتِمَاع المرار الناصع الصّرْف فِي مَوَاضِع من الْمعدة وخاصة فِي مَا يَلِي فمها وَفِي جَانب الكبد المقعر وَالْأُخْرَى يكون الْعَطش والالتهاب والأعراض الْأُخْرَى فِيهَا أخف وَإِن كَانَت شدَّة الْعَطش لَازِمَة لكل حمى محرقة لِاجْتِمَاع المرار فِي الْمعدة.
قَالَ: وتولدها يكون من مرار يخالطه رُطُوبَة رقيقَة.
لى: من هَهُنَا تعلم انه لَا شَيْء أبلغ فِي علاج هَذِه الحميات من الْقَيْء والإسهال الصفراوي لتنقى مِنْهَا الكبد والجداول والمعدة.
قَالَ: تعرف صعوبة الْحمى المحرقة من الأرق والقلق وَذُهُول الذِّهْن.
قَالَ: توَافق المحرقة قرانيطس فِي الْمَادَّة الَّتِي مِنْهَا تكون وَهُوَ المرار الصّرْف الناصع الْأَحْمَر لَكِن فِي الحميات المحرقة يكون هَذَا المرار محصوراً فِي الْعُرُوق وخاصة الَّتِي فِي الْمعدة والكبد والرئة وَفِي السرسام يكون فِي الدِّمَاغ لابثاً ثَابتا فَأَما إِن لم يكن ثَابتا لَكِن جَارِيا فِي عروقه فَقَط فَإِن اخْتِلَاط الْعقل إِنَّمَا يكون فِي وَقت نِهَايَة النوائب.
لى: الْفُصُول المقومة للحمى المحرقة شدَّة الْعَطش ودوامه والحرارة واللهيب. وعَلى مَا رَأَيْت بالتجربة وَمَا رَأَيْت فِي هَذَا الْكتاب فِي الحميات الدائمة: إِذا دَامَ الثّقل والوجع فِي(4/391)
الرَّأْس والعنق يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة واكثر ويحيد الْبَصَر عَن الضَّوْء وتدر الدُّمُوع وَيكثر التثاؤب والتمطى والسهر الشَّديد ويجد مس الإعياء الشَّديد فَإِنَّهُ ينْتَقل العليل بعد ذَلِك إِلَى السرسام فَيقدر كَالسَّكْرَانِ وَلَا ينتبه لطعام وَلَا لشراب إِلَّا أَن يَجِيئهُ البحران فَإِن كَانَ الثّقل فِي الرَّأْس أَكثر من الوجع وَلم يكن سهر نوم وَكَانَت الْحَرَارَة اسكن والنبض عريض غير سريع انْتقل إِلَى ليثرغس فَمَتَى رَأَيْت هَذِه العلامات فافصد فَإِنِّي قد خلصت جمَاعَة بِهِ وَتركت مُتَعَمدا جمَاعَة أستبرئ بذلك رَأْيِي فسرسموا كلهم وَقد يكون هَذَا فِي الحميات الدموية فَإِذا رَأَيْت فِي الْحمى عَلَامَات الجدري فَاعْلَم أَنه تنْتَقل إِلَيْهِ وَإِن رَأَيْت هَذِه العلامات فإليه تنْتَقل.
لى: بالتجربة إِذا رَأَيْت الثّقل والوجع فِي الرَّأْس دَائِما فأيقن بحدوث السرسام.
3 - (الْمقَالة الثَّانِيَة من مسَائِل ابيذيميا قَالَ:)
3 - (الْأَعْرَاض المقومة للحمى المحرقة)
)
الْعَطش المتدارك وحس الْحَرَارَة المؤذية. والأعراض الَّتِي تكون فِي الْأَمْرَاض على الْأَكْثَر شَدِيدَة: الْعَطش وإفراطه وَشدَّة الْحَرَارَة وتعديها وَالْكرب. والأعراض الْحَادِثَة فِيهَا اخْتِلَاط الذِّهْن والسهر وَلَيْسَت أبدا وَلَا فِي الْأَكْثَر لَكِن إِذا كَانَت خبيثة.
الْمقَالة الرَّابِعَة من جَوَامِع الْعِلَل والأعراض: إِذا كَانَ سَبَب النافض حاراً كَانَ أَشد تحريكاً ونفضاً للبدن وَلذَلِك نافض الغب أَشد من نافض البلغمية.
لى: التحريك فِي الغب أَشد وَالْبرد فِي البلغمية أَكثر.
اربياسيوس: إِذا لم يكن فِي عُضْو من الْأَعْضَاء الرئيسية ورم حَار أَو ورم بَارِد صلب وَلَا كَانَ فِي الْبدن عُضْو رَئِيس بَارِد المزاج أَو ضَعِيف وَظَهَرت عَلَامَات النضج فثق بسقي المَاء الْبَارِد خَاصَّة إِن كَانَ مُعْتَادا لَهُ.
وَقَالَ: عَلَامَات الْحمى المحرقة اللَّازِمَة: خشونة اللِّسَان وسواده واللذع فِي الْبَطن والسواد والصفرة فِي البرَاز والعطش والسهر والاختلاط.
قَالَ: وَلَا يسلم من حمى قوسيس إِلَّا بِإِحْدَى خلتين إِمَّا بِأَن تخرج الصَّفْرَاء من الْبدن وَإِمَّا أَن تكسر حدتها بسقي المَاء الْبَارِد وَيكون غذاؤه مَاء الشّعير.
اغلوقن قَالَ: أول الْأَشْيَاء أَن تنظر فِي الغب من ابتدائها هَل هِيَ خَالِصَة أم غير خَالِصَة فَإِن الْخَالِصَة تَنْقَضِي أَكثر شَيْء فِي سَبْعَة أدوار وَأما المشوبة فقد رَأَيْت حمى نابت غبا من أول الخريف إِلَى الرّبيع وَلما طَالَتْ لم يحتم العليل فَعظم طحاله وترهل وَكَانَت سحنته وتدبيره بلغمياً وَكَانَت النّوبَة تقيم عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَة وَلم يكن يشبه نافضها نافض الغب لَكِن قشعريرة وَلم يكن فِيهَا عَطش وَلَا كرب وَلَا قيء مرار وَلَا عرق فَانْظُر وَيكون عَمَلك(4/392)
بِحَسب الدَّلَائِل وَيظْهر فِي الغب الْخَالِص فِي الثَّالِث أَو فِي الرَّابِع مَا يدل على النضج.
جَوَامِع اغلوقن: وَالْغِب غير الْخَالِصَة تبتدئ بنافض شَدِيد مرعد وَالرّبع والبلغمية لَا.
الساهر: أسهل فِي الطبيعة بِمَا يسهل الصَّفْرَاء وَلَا تسخن واسق مَاء الشّعير يَوْم الرَّاحَة وَيَوْم الدّور مَاء الرُّمَّان.
لى: إِن أمكنك أَن تَسْقِي مَاء الشّعير بالبعد عَن الدّور جَازَ فَإِن كنت بِالْقربِ من النّوبَة واحتجت أَن تَسْقِي شَيْئا فَذَلِك.
ابْن ماسويه فِي الحميات: أَصْحَاب الغب يضجرون من الْكَلَام إِذا كلموا ويسهرون ويحسون)
بغليان ونخس فِي أكبادهم.
وَقَالَ: احذر فِي هَذِه اسْتِعْمَال الْأَشْيَاء المسخنة لِئَلَّا تحدث ورماً.
لى: فِي الكبد فَيقْتل.
قَالَ: وَلَا تسرف فِي التبريد فتطفينها بل تعالج بحذر كثير ولين الْبَطن فِي الِابْتِدَاء بأَشْيَاء لينَة وَبعد النضج باهليلج وأفسنتين وَلَا تسهل الْبَطن يَوْم الدّور بل أرحه ذَلِك الْيَوْم واسقه مَاء الشّعير مَعَ الْأَشْيَاء المزة إِذا أمكن وَلَا تسق بِقرب الدّور لِأَنَّهُ يتقيأه العليل وَيزِيد فِي رداءة الْحمى لَكِن قبل الدّور أَو بعده على حسب مَا يُمكن من الْوَقْت.
قَالَ: وَإِن امْتنع العليل من أَخذ مَاء الشّعير فاسقه مَاء القرع يَنُوب عَن مَاء الشّعير وغذه بالبقول اللينة فَإِنَّهَا تلين الْبَطن وتقمع الصَّفْرَاء وَاجعَل بَين مَاء الشّعير والدور أَقَله ساعتان أَو ثَلَاث أَو أَربع فَإِن الأجود أَن تَجِيء الْخَلَاء اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يعرض فِي ابْتِدَاء النّوبَة غشي فَإِن ذَلِك فبادر قبل النّوبَة بِقَلِيل أَو وَقت النّوبَة قبل الْعشي فأعطه لباب خبز بِمَاء الرُّمَّان. فَإِذا حدث فِي هَذِه الْحمى يرقان فَاسق السكنجبين وَمَاء الشّعير وشيئاً من الْبُقُول اللينة وشيئاً مِمَّا يدر الْبَوْل وضمد الكبد أبدا بأَشْيَاء بَارِدَة وَإِن حدث بعد نضج الْحمى فَإِنَّهُ بحران فاسقه المدرة للبول وَلَا تخف واحمه وأطعمه سمكًا صخرياً وأكحله بِمَاء ورد وخل وبماء الكزبرة فَإِن لم ينفع فَعَلَيْك بِبَاب اليرقان فعلاجه هُنَاكَ.
تياذوق: ينفع من الْحمى اللهيبة طباشير نواة وكافور قِيرَاط يسقى بِمَاء الرُّمَّان المز فَإِنَّهُ جيد وللطباشير خاصية فِي تسكين الْحمى فاعتمد عَلَيْهِ فِيهَا وعَلى الكافور وَأكْثر مِنْهُ فِي الأقراص الوردية والطباشير. وضمد الْمعدة والكبد بالبقول والرياحين الْبَارِدَة. وَإِن صعد الْحر إِلَى الرَّأْس جَوَامِع اغلوقن: الْعَلامَة الدَّالَّة على أَن الغب تطول وَلَيْسَت خَالِصَة هُوَ أَن النافض يعسر التهابها وتلتهب قَلِيلا ثمَّ تبرد وتطول مُدَّة النافض وَإِذا التهبت أَيْضا لم تكن شَدِيدَة الْحَرَارَة وَقلة الْعَطش وَلَا يتَبَيَّن فِي الْبَوْل فِي الثَّالِث وَالرَّابِع نضج لِأَن الغب الْخَالِصَة لَا بُد أَن يكون فِي الرَّابِع فِيهَا أثر النضج وَأَن يكون الْوَجْه وَالْبدن غير منخرط.(4/393)
قَالَ: وَالْغِب الْخَالِصَة أطول نوبتها اثْنَتَا عشرَة سَاعَة وتنقضي فِي سَبْعَة أدوار فَإِن نقصت عَن اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة نقصت فِي أقل من سَبْعَة أدوار وَإِن زَاد فبقدر ذَلِك تَدور دوراً أَكثر حَتَّى أَن الَّتِي نوبتها أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة رُبمَا زَادَت أَرْبَعَة أشهر.)
لى: جربت فَرَأَيْت من أبلغ الْأَشْيَاء فِي الحميات الحادة إِذا كَانَت الحدة شَدِيدَة أَن يسقى العليل مَعَ الْفجْر مَاء اجاص وَتَمْرًا هندياً كل يَوْم ثمَّ يسقى بِالْغَدَاةِ مَاء الشّعير فَإِن كَانَت الطبيعة يابسة لم تخله حَتَّى ينَام على لب خِيَار شنبر تسقيه ثمَّ تبكر بِمَاء الشّعير وَإِن كَانَ بِهِ سعال وَلم يكن هذيان سقيت مَكَان مَاء الإجاص طبيخ سبستان وعناب وأصل السوس ثمَّ سقيت غدْوَة مَاء الشّعير فَإِنِّي رَأَيْت هَذَا أَجود تَدْبيره.
بولس: أَن النبض فِي سونوخس ألزم للنظام وَأعظم وَأَقل سرعَة وحرارتها أقرب إِلَى البخارية والعطش واللهيب فِيهَا أقل مِنْهُ فِي المحرقة.
لى: وَإِذا رَأَيْت حمى مطبقة يشبه حَالهَا حَال حمى يَوْم عِنْد صعُود النّوبَة فَتلك سونوخس فَاسْتَعِنْ بِالتَّدْبِيرِ والمزاج وَحَال الْوَجْه وَالْبدن وامتلاء الْعُرُوق.
قَالَ: وَأما المحرقة فالأعراض فِيهَا يبس اللِّسَان وسواده ولذع فِي الْبَطن وَشدَّة الْعَطش وبراز أصفر اللَّوْن وسهر واختلاط الْعقل.
لى: وَشدَّة اللهيب وَالتَّدْبِير والمزاج الصفراوي. وَمَتى رَأَيْت حمى مطبقة يشبه حَالهَا حَال نِهَايَة الغب فَتلك المحرقة.
3 - (العلاج لبولس وأربياسيوس)
أما سونوخس فالفصد إِلَى أَن يعرض الغشي فَإِن لم يفصد خيف هَلَاكه فَإِن لم يُمكن فالتطفئة إِن لم يكن ورم فِي عُضْو رَئِيس دموي أَو بلغمي أَو سقيروس. فَأَما الْحمرَة فَلَا تمنع فِيهَا من شرب المَاء الْبَارِد. فَأَما إِن كَانَ عُضْو رئيسي بَارِد المزاج أَو مستعداً للضعف أَو يبرد بِسُرْعَة فَلَا تسق المَاء الْبَارِد وَإِن كَانَ مُعْتَادا لَهُ فَأَما المحرقة فإمَّا أَن تسهل الصَّفْرَاء أَو تسْتَعْمل تطفئة قَوِيَّة وَذَلِكَ يكون بِالْمَاءِ الْبَارِد فَاسق المَاء الْبَارِد أبدا فِي المحرقة وغذاؤه مَاء الشّعير وَالْحمام يُوَافقهُ بعد النضج. وَأما المحرقة الَّتِي لورم فِي الْبَطن حَار أَعنِي الْحمرَة.
لى: المحرقة تكون عَن حمرَة وَأما إِذا كَانَ فلغمونيا فَإِنَّهُ تكون تِلْكَ الْحمى سونوخس.
قَالَ اسْتعْمل فِي هَؤُلَاءِ أضمدة بَارِدَة بِأَن تلقى عصير الحصرم والخس على البقلة الحمقاء ودقها واعصرها وبردها على الثَّلج واصبغ فِيهِ خرقَة كتَّان بطاقتين وَضعه على الْعُضْو وَمَتى فتر غَيره حَتَّى يحس بِبرْدِهِ فِي ذَلِك الْموضع من الْعُضْو وَلَا تفعل ذَلِك فِي الِابْتِدَاء لَكِن فِي الصعُود عِنْد التلهب والحرارة واجتنب الْحمام فَإِن رَأَيْت أَنه لَا يطفأ فَعَلَيْك بِالْمَاءِ الْبَارِد والأشياء الْبَارِدَة من أغذية وأدوية وهواء.(4/394)
لى: وَإِن كَانَ الورم فلغمونيا فافصده ثمَّ اسْقِهِ مَاء الشّعير وسكنجبينا ودع المَاء الْبَارِد حَتَّى يظْهر النضج وَهَذَانِ صنفان من الْحمى المطبقة يكونَانِ لورم يؤول إِلَى الدق سَرِيعا المحرقة مِنْهُمَا أَن تبالغ فِي تطفئتها وتبريدها.
جورجس: تحفظ فِي الغب واحرص أَلا تنْتَقل إِلَى حمى حادة فَإِن ذَلِك شَأْنهَا إِذا لم تطفأ وأجود علاجها إِذا كَانَ العليل قَوِيا أَن يسقى عشرَة دَرَاهِم من اهليلج أصفر مَعَ ثَلَاثَة دَرَاهِم ترنجبين وَثَلَاثَة طساسيج سقمونيا وَعشرَة دَرَاهِم سكر طبرزد فَإنَّك تقطع مَادَّة الْحمى وتأمن أَن تنْتَقل إِلَى الْمَرَض الحاد. فَإِن كَانَ ضَعِيفا أَو لم يُمكن هَذَا فَعَلَيْك بالإجاص والترنجبين يسقى بِمَاء بَارِد والحقن اللينة وَلَا تدع طَبِيعَته يابسة الْبَتَّةَ وبادر فِي الْمَرَض الحاد بالإسهال والفصد قبل سُقُوط الْقُوَّة وَإِن تَأَخّر عَن وَقت الِابْتِدَاء فَخذ حِينَئِذٍ فِي التطفئة والمداراة إِلَى أَن تَنْتَهِي إِن شَاءَ الله.
اغلوقن قَالَ فِي علاج حمى الغب: اجْتهد فِي هَذِه الْحمى فِي ترطيب الْبدن وتبريده مَا أمكن وتسهيل سبل الْبدن فِي استفراغها بالبول والإسهال والعرق وبالقيء إِن جَاءَ شَيْء إِلَى الْمعدة.)
لى: عَلامَة سيلانه إِلَى الْمعدة الغثي فَإِن غثي فليقيأ وَإِلَّا فَلَا لِأَن انجراره إِلَى الْمعدة لَيْسَ بجيد.
قَالَ: وَلَا تحمه حَتَّى ينضج واحمه بعد النضج فَإِنَّهُ يَنْفَعهُ جدا إِذا كَانَ مَاء عذباً وَليكن استفراغه بأَشْيَاء لينَة بَارِدَة فَإِذا ظهر النضج فأعط افسنتينا منقوعاً فِي مَاء الْعَسَل وَيحْتَاج من الْحمام إِلَى ترطيبه فَقَط وقلل من سخونته بِمِقْدَار مَا يسهل منافس الْبدن وَالشرَاب لَا تسقه حَتَّى تنضج ثمَّ اسْقِهِ المائي مِنْهُ وغذه الْبُقُول وأغذية مبردة مرطبة وغذ أَصْحَاب الغب الْخَالِصَة مِنْهَا أَكثر مَا يُمكنهُم استمراؤه وجنبهم التوابل والأشياء الحارة فالتدبير للمحرقة هُوَ أَن يقْتَصر فِي الْخَالِصَة مِنْهَا على مَاء كشك الشّعير إِلَى مَجِيء البحران فَأَما غير الْخَالِصَة فاصرف عنايتك كلهَا إِلَى معرفَة قدر قلَّة خلوصها لِئَلَّا تزيد فِي الْمَرَض بالغذاء وَلَا تقتل العليل بلطافة التَّدْبِير فَتسقط الْقُوَّة وَاجعَل فِي الأغذية مَا يلطف ويسخن بِقدر مَا يحْتَمل وأسهل بالمسهلات اللينة.
قَالَ بولس: وَإِن احتجت إِلَى الفصد فَلَا تدع وَاسْتعْمل الْقَيْء بعد الطَّعَام فَإِنِّي أعرف من حم من غب مِمَّا زجه لبلغم خرج مِنْهَا فِي مرّة وَاحِدَة بقيء بعد الطَّعَام.
قَالَ: وَمن أوفق مَا سقِِي هَؤُلَاءِ مَاء الشّعير قد طرح فِيهِ فلفل وسنبل الطّيب والسكنجبين نَافِع أَيْضا لَهُم وَمن تطاولت بِهِ فَلَا شَيْء أبلغ لَهُ من الْقَيْء بعد الطَّعَام.
الثَّالِثَة من تَفْسِير السَّادِسَة: تقرح الشفتين فِي الْحمى دَلِيل على أَنَّهَا حمى غب حارة محرقة وَلكنهَا مفترة.(4/395)
اغلوقن قَالَ: إِن كَانَ العليل من حم من غب يشتاق إِلَى الْحمام وَكَانَت عَادَته فِي صِحَّته قد جرت بِهِ فَأذن لَهُ فِيهِ يَوْم الرَّاحَة.
الأولى من ابيذيميا من تَفْسِير الأولى قَالَ جالينوس: المحرقة لَيست تكون عِنْد اجْتِمَاع المرار فِي أَي عُضْو كَانَ لَكِن عِنْد اجتماعه فِي الْمعدة وخاصة فِي فمها وَفِي الْموضع المقعر من الكبد.
الثَّانِيَة من تَفْسِير الأولى قَالَ: الحميات الَّتِي تنوب فِي الْيَوْم الثَّالِث جِنْسَانِ مِنْهَا مَا يقْلع حِين ينقى الْبدن مِنْهَا وَمِنْهَا مَا لَا يقْلع وَفِي كل وَاحِد مِنْهُمَا صنفان آخرَانِ وَمن الَّتِي تقلع وينقى الْبدن مِنْهَا مَا لَا تجَاوز نوبَته اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة وَتَكون فِي الْأَكْثَر أقل وَيكون فِيهَا قيء مرار وَفِي ابتدائها نافض.
لى هَذِه لَا تجَاوز سَبْعَة أدوار وَفِي الْأَكْثَر تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَة وَمِنْهَا مَا تمتد نوبَته أَكثر من اثْنَتَيْ)
عشرَة سَاعَة.
لى: على مَا بَان من كَلَامه: هَذِه تكون من مرار غليظ يبطئ نضجه وَرُبمَا امتدت وطالت أدواراً كَثِيرَة وَأما الَّتِي لَا تقلع وَلَا ينقى الْبدن مِنْهَا فَهِيَ حمى تَنْتَهِي بقشعريرة ثمَّ تسخن وَإِذا ظَنَنْت أَن الْحمى فِي تزيد عاودته بَغْتَة بنفض وقشعريرة وَرُبمَا كَانَ ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَتَكون النّوبَة من غَد أخف وَلَا يكون فِيهَا هَذَا الكرب والقشعريرة وَتَكون فِي الْيَوْم الثَّالِث على الْمِثَال فِي الْيَوْم الأول فِي عظم النّوبَة ومعاودة القشعريرات فَهَذِهِ المطريطاوس وَمِنْهَا حمى تنوب ثمَّ تكون فِي الْيَوْم الثَّانِي اخف وَالْبدن غير نقي مِنْهَا ثمَّ تنوب فِي الثَّالِث بِلَا قشعريرة وَلَا برد فَتكون بنوبة كالأولى.
قَالَ ج: وَهَذِه الْحمى من مرار تعسر حركته ويبطئ نضجه.
لى: وَفِي هَذَا نظر لِأَن هَذِه المحرقة اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون جِهَة نوبتها على هَذَا وَلَيْسَ لَهَا سخونة ذَات قدر يعْتد بهَا.
وَقَالَ ج: أَنا أسمي هَذِه الَّتِي تَنْقَضِي نوبتها فِي اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة فَمَا دون ذَلِك غبا خَالِصَة وَأما الَّتِي تفضل نوبتها على اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة إِلَّا أَنه على حَال وَقت نوبتها أقصر من وَقت مفارقتها الْبدن فَإِنِّي أسميها غبا مُطلقًا وَأما الَّتِي وَقت مفارقتها أقصر من وَقت أَخذهَا فَإِنِّي أسميها متطاولة وَأما الَّتِي تكون فِيهَا قشعريرة وكرات وعودات فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام وَتَكون فِي الثَّانِي نوبتها خَفِيفَة فشطر الغب والمجانية للغب وَأما الَّتِي لَا تقلع الْبَتَّةَ وتنوب غبا من غير أَن تكون فِيهَا هَذِه الكرات بِلَا قشعريرة فالشبيهة بالغب.
من فُصُول ايبيذيميا قَالَ: المحرقة المرار فِيهَا مُجْتَمع فِي الْعُرُوق الَّتِي فِي فَم الْمعدة وَفِي الْعُرُوق الَّتِي فِي تقعير الكبد وَفِي الرئة أَيْضا وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون أَكثر تبريدك لهَذِهِ الْمَوَاضِع.
من(4/396)
3 - (كتاب أزمان الْأَمْرَاض)
كل حمى كَانَ دورها فِي أَربع وَعشْرين فَهِيَ بلغمية وَمَا كَانَ فِي ثَمَان وَأَرْبَعين سَاعَة فغب وَمَا كَانَ فِي اثْنَتَيْنِ وَسبعين سَاعَة فربع.
لى: مَتى تمت نوبَة وابتدأت أُخْرَى فِي هَذِه الْمدَّة فَهِيَ من الْجِنْس الَّذِي ذكرنَا فَلذَلِك يُمكن أَن قَالَ: وَصَاحب الغب تبتدئ بِهِ السخونة وتتوقد دَاخل بدنه وَهُوَ بعد بَارِد الْأَطْرَاف.
ابْن ماسويه قَالَ: الغب الدائمة إِنَّمَا يبْقى مِنْهَا فِي الْيَوْم الَّذِي تنوب فِيهِ الْبدن بخارات كَثِيرَة لَا ينقى الْبدن والعرق من حرهَا وَأما أَن يكون شَيْئا يسْتَحق حمى فَلَا.
لى: كَذَا رَأَيْت هَذِه.
الْمقَالة من مسَائِل ابيذيميا قَالَ: إِنَّمَا يلْزم المحرقة الْعَطش بِكَثْرَة المرار الْمُجْتَمع فِي فَم الْمعدة وتقعير الكبد.
ابْن ماسويه قَالَ: أسهل فِي أَوَائِل هَذِه بِمَاء الْفَوَاكِه وَإِن كَانَ ضَعِيفا يغشى عَلَيْهِ أَو تشتد حرارته وهذيانه فاسقه فِي وَقت الدّور مَاء رمان مَعَ مَاء الشّعير لِئَلَّا يَسْتَحِيل بالسكر وَلَا تسقه مَاء الشّعير يَوْم الْحمى قبل الدّور إِلَّا أَن يكون فِي الْوَقْت طول لِئَلَّا يقذفه فَيكون سَببا لطول الْحمى وشدتها.(4/397)
(الحميات الَّتِي عَن الأورام) والقروح اسْتَعِنْ بِبَاب جمل الحميات وبباب الأورام الْبَاطِنَة وحول جملَة التَّدْبِير لحمى مَعَ ورم إِلَى هَهُنَا.
قَالَ ج فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب البحران: يَنْبَغِي إِذا أردْت أَن تقف على الحميات الَّتِي من الأورام المركبة أَن ترتاض فِي تعرف الْمُفْردَات مِنْهَا أَولا فَإِن للحادثة عَن ورم الدِّمَاغ صُورَة غير صُورَة الْحمى الَّتِي تحدث عَن ورم الرئة وكل وَاحِدَة من هَذِه لَهَا صُورَة غير صُورَة الْحمى الْحَادِثَة عَن ورم الكبد فَكَذَلِك الْحمى الْحَادِثَة عَن ورم صفراوي لَهُ صُورَة الورم الْحَادِث عَن الدَّم.
قَالَ: وَمن ذَلِك أَن الْحمى المحرقة الخبيثة تحدث عَن ورم صفراوي يكون فِي الرئة أَو فِي الكبد أَو فِي الْمعدة.
قَالَ: وتعرف هَذَا من الْكتب الْمَخْصُوصَة بتعرف علل الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وَنَحْوهَا فَإِن نقل جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته فِي هَذَا الْبَاب لَا يُمكن لطوله.
لى: نَحن نروم أَن ننقل دَلِيل الحميات فَقَط إِلَى هَذَا الْموضع.
لى: الحميات الَّتِي مَعَ الأورام إِمَّا أَن تحدث مَعَ ورم فِي غشاء الدِّمَاغ أَو فِي الدِّمَاغ نَفسه وصورتهما جَمِيعًا صُورَة وَاحِدَة ويلزمهما جَمِيعًا فَسَاد الْأَفْعَال النفسانية إِلَّا انه إِن كَانَ الورم حاراً كَانَ مَعَه سهر وصداع وهذيان واختلاط وقلق وَسَائِر عَلَامَات قرانيطس وَتَكون هَذِه الْحمى حادة قَوِيَّة وَالْعين وَالْوَجْه أحمرين وَهِي الَّتِي تسمى قرانيطس وَإِن كَانَ بلغمياً كَانَ مَعهَا سبات وَضعف فِي الحركات وتغميض الأجفان وَتَكون الْحمى هادئة لينَة كَأَنَّهَا مندفنة وَسَائِر عَلَامَات ليثرغس وَلَا يكون فِيهِ ورم سوداوي وَقد يغلب عَلَيْهِ سوء مزاج بَارِد يَابِس لَيْسَ مَعَه حمى وَهُوَ الْمُسَمّى الشخوص فَأَما أَسْفَل من هَذَا الْعُضْو فَلَا يكَاد يكون حاراً وَمَعَ هَذَا وجع فِي الْأذن شَدِيد وهذيان واختلاط فِي بعض الْأَحْوَال وَدون هَذَا الورم فِي النغانغ إِذا كَانَ حاراً ويعرض مَعهَا ضيق فِي(4/398)
المبلع وامتلاء فِي الْوَجْه وَلَا يخفى ذَلِك وَأما الورم الْحَار فِي المري فبحدث مِنْهُ وجع بَين الْكَتِفَيْنِ وألم عِنْد الْمبلغ والمري وَسَائِر العلامات وَأما الورم الْحَار فِي الْمعدة فليزمه الْعَطش وَفَسَاد الهضم ووجع فِي نواحي الْمعدة. قد يكون مَعَ حمى المري وفم الْمعدة هذيان وَأما ورم فِي الرئة فَيكون مِنْهُ حمرَة الوجنتين وضيق النَّفس وَحمى حادة وعطش)
شَدِيد وَحب الْبُرُودَة وَنَحْو ذَلِك فَهُوَ ذَات الْجنب وَأما الورم فِي الْحجاب فَهَذَا يعرض فِيهِ هذيان وضيق النَّفس وَهُوَ الَّذِي يُسمى سرساماً وَأما الورم فِي بعض نواحي الصَّدْر فكله ألم يضر النَّفس ويغيره ويصلب النبض لِأَنَّهَا أغشية وأعضاء عصبية وَكَذَلِكَ فَم الْمعدة والمري وَأما الورم فِي غلاف الْقلب ونواحيه فعلاماته عظم الْحمى والعطش المتدارك. فَإِن تبعه موت سريع فَإِنَّهُ فِي الْقلب وَإِلَّا فِي نواحيه. وَأما الورم فِي الكلى فَيكون مِنْهُ نافض على غير تَرْتِيب وحميات أَيْضا مختلطة ووجع فِي الْقطن ولهيب فِي الْبَوْل مَعَه وجع فِي الْأَكْثَر. وَأما الورم فِي المثانة فَيكون مَعَه اخْتِلَاط وهذيان شَدِيد وَحمى شَدِيدَة الْحَرَارَة جدا واحتباس الْبَوْل. وَإِمَّا أَن يكون فِي الرَّحِم فَيكون مَعَه كَمَا مَعَ المثانة هذيان وصلابة فِي النبض ووجع الْعَانَة والقطن وَفَسَاد الطمث وَأما الورم من حمرَة وَيكون فلغمونيا فعلى قدر قُوَّة أَعْرَاض الْحَرَارَة اعرف ذَلِك ويتبعه فِي الْأَكْثَر استسقاء وَيكون فِي ابْتِدَائه وجع تَحت الشراسيف فِي الْأَيْمن وسعلة خَفِيفَة وضيق وَنَحْو ذَلِك مَذْكُور فِي بَاب الكبد وَرُبمَا ظهر للحس وَأما من ورم الطحال فَيكون مَعَه وجع الطحال وتنوب أَكثر ذَلِك ربعا وَفَسَاد اللَّوْن قد يظْهر أَيْضا فِي الْأَكْثَر للحس وَتَكون هَذِه الأورام فِي الْأَكْثَر صلبة وَفِي الْأَقَل فلغمونيا. وَأما من ورم اللَّحْم الرخو فِي جَمِيع الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا غدد كالأربية والإبط والعنق وَنَحْوهَا فَهَذِهِ ظَاهِرَة. هَذِه جملَة يعْمل عَلَيْهَا ليتم بعد إِن شَاءَ الله. 3 (أَعْلَام الحميات) الحميات الَّتِي مَعَ أورام تَجِد فِيهَا أعلاماً تدلك على الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الورم وأعلامها تدلك على الْعلَّة الَّتِي مِنْهَا حدث ذَلِك الورم وتمثل الْجنب وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابه.
قَالَ: إِذا كَانَ الْخَلْط الَّذِي مِنْهُ يتَوَلَّد الورم تهيج عَنهُ الْحمى خلطاً مُفردا كَانَت صورته صُورَة وَاحِدَة من الحميات العفونية بل كَانَت أحد مِنْهَا فَأَشَارَ فِي هَذَا الْموضع إِلَى الْحمى الْحَادِثَة عَن الأورام دائمة أبدا حادة.
قَالَ: الْحمى المتولدة عَن فلغموني وَهُوَ ورم حَار كثير الْمِقْدَار حمى لينَة سليمَة وَهِي أشبه الحميات بحمى يَوْم الْعَارِضَة من ورم اللَّحْم الرخو الَّذِي فِي الحالب وَغَيره مِمَّا أشبهه فَإِن هَذَا الورم يكون من دم صَحِيح إِلَّا أَنه إِذا عفن مَال إِلَى الصَّفْرَاء لِأَن الدَّم إّن عفن فقد سخن سخونة مَال بهَا إِلَى الصَّفْرَاء.
قَالَ: كل حمى تكون من ورم عُضْو مَا فطبيعتها تدل على الحميات الثَّلَاث: الغب أَو الرّبع أَو البلغمية وأسقطنا الدَّم إِذا كَانَ عفن الدَّم هُوَ الصَّفْرَاء فَإِن كَانَت مُفْردَة لم تخف(4/399)
عَلَيْك وَإِن كَانَت مركبة لِأَن الورم الَّذِي حدثت عَنهُ الْحمى مركب فَإنَّك تعرفها من معرفَة مفرداتها.
جَوَامِع البحران قَالَ: الحميات الَّتِي من عِلّة عُضْو مَا تحدث مَعهَا ثَلَاثَة أَجنَاس من الْأَعْرَاض: أَعْرَاض الْعلَّة وأعراض الْعُضْو العليل وأعراض الْخَلْط الْفَاعِل لِلْعِلَّةِ نَحْو ذَات الْجنب فَإِنَّهُ يكون مَعهَا أَعْرَاض الْعلَّة وأعراض الْعلَّة هَهُنَا هُوَ أَن الْحمى تكون يَوْمًا وَيَوْما لَا وَتَكون حارة. وَمن أَعْرَاض الْخَلْط الْفَاعِل نوع مَا ينفث.
الأولى من أَصْنَاف الحميات قَالَ: الحميات الكائنة عَن أورام يصلب النبض فِيهَا وخاصة إِن كَانَت عَظِيمَة.
قَالَ: أَكثر مَا تحدث حميات الدق الذبولية من حميات الورم فِي الْمعدة أَو الكبد إِذا لم تعالج كَمَا يَنْبَغِي بالتبريد والأضمدة المبردة فَإِن ضمد بأضمدة اعْتَادَ الْجُهَّال اسْتِعْمَالهَا فِي هَذَا الْموضع كالضماد الْمُتَّخذ من الْخبز وَالْعَسَل فَهُوَ أَحْرَى أَن يَقع فِي الذبول سَرِيعا.
من الْجَوَامِع غير المفصلة قَالَ: الحميات الْحَادِثَة عَن ورم الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة كلهَا دائمة وَتَكون عَن)
تِلْكَ الأخلاط الَّتِي تحدث عَنْهَا سَائِر الحميات وَمَا كَانَ مِنْهَا عَن ورم صَغِير كَانَت أعراضه ضَعِيفَة وَمَا كَانَ مِنْهَا عَن ورم بِمَا يبرز من الْبدن كالحال فِي ذَات الْجنب.
من كتاب ج أَعنِي الْجَوَامِع المفصلة قَالَ: الحميات الَّتِي عَن الورم تَجِد مَعهَا الوجع فِي تِلْكَ الْأَعْضَاء والأعراض الدَّالَّة على عِلّة ذَلِك الْعُضْو الَّذِي فِيهِ الورم.
لى: انْظُر لم صَار الفلغموني الْحَادِث فِي الأربية إِذا كَانَ من سَبَب باد كَانَت حميات يومية وَهل الْكَائِن من ورم الكبد بِسَبَب باد كَانَت يومية أَيْضا أم لَا وَهل الْحَادِث من متقادم تتبعه حمى يومية أَيْضا أم لَا فَأَما صَاحب الْجَوَامِع فَقَالَ: الْحمى فَقَالَ: الْحمى الَّتِي تحدث عَن الورم إِنَّمَا تحدث من أجل عفونة الْخَلْط الَّذِي فِي الورم إِلَّا أَنه مَتى كَانَ مَا يتَأَدَّى من ذَلِك الْعُضْو إِلَى الْقلب إِنَّمَا هِيَ الْحَرَارَة المتولدة فِي الْعُضْو من العفونة لَا من شَيْء من العفن نَفسه فالحمى يومية.
وَإِن كَانَ مَا ينْتَقل إِلَى الْقلب لَيْسَ هُوَ حرارة فَقَط لَكِن عفونة لَكِن عفونة أَيْضا فالحمى عفنية.
الْعَاشِرَة من الْحِيلَة قَالَ: الحميات الَّتِي تكون عَن الأورام هِيَ من حميات العفن تشملها وَالَّتِي لَا ورم مَعهَا جنس وَاحِد وَهِي حمى عفن وَإِذا حدث فِي الْمعدة أَو الكبد أَو الرئة أَو جداول الْعُرُوق الَّتِي بَين الكبد والمعدة أَو فِي المعي أَو فِي الْأَرْحَام أَو فِي الكلى ورم حَار وَلم تستنتق الْحمى فَتقْتل بشدتها وعظمها لَكِن بقيت مُدَّة ثمَّ دقَّتْ ولزمت فَإِنَّهُ مِنْهَا دق وذبول بِأخرَة.
وَيكون عَنهُ دق لِأَن هَذِه الْحمى لعظمها تقتل قبل أَن تستحكم الدق وَيلْزم الحميات الْحَادِثَة عَن علل الْحجاب صلابة النبض وانجذاب المراق إِلَى فَوق انجذاباً كثيرا(4/400)
ويعرض لصَاحِبهَا ضَرَر مَعَ عسر نفس مختلط مشوش وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يتنفس مرّة تنفساً صَغِيرا متواتراً زَمَانا طَويلا وَرُبمَا يتنفس تنفساً بطيئاً جدا ثمَّ يعود فيتنفس دفْعَة نفسا شَبِيها بتنفس الصعداء ويستنشق الْهَوَاء فِي مرَّتَيْنِ متواليتين وَيخرج الْهَوَاء فِي مرَّتَيْنِ متواليتين وَخرج الْهَوَاء ويتنفس مرَارًا بصدره جملَة فتراه يشيل أكتافه شيلاً شَدِيدا يظْهر للحس وَرُبمَا تنفس فِي الندرة فِي غَايَة التنفس وَغَايَة الْعظم وَذَلِكَ عِنْد مَا يشْتَد بِهِ اخْتِلَاط الذِّهْن فلكثرة هَذِه العلامات يسهل تعرف هَذِه الْعلَّة.
لى: الحميات الْعَارِضَة من علل الْأَعْضَاء إِنَّمَا هِيَ أمراض تَابِعَة للمرض الَّذِي فِي ذَلِك الْعُضْو وَلَيْسَت بِنَفسِهَا أمراضاً فعلاجها علاج ذَلِك الْعُضْو لِأَن فِي قلع الْعرض قلع الْمَرَض التَّابِع لَهُ وَلذَلِك إِنَّمَا نذْكر هَهُنَا صُورَة هَذِه الحميات فَأَما علاجها فَلِكُل وَاحِدَة مِنْهَا بَاب على حِدة وَإِنَّمَا ذكرنَا صورها لتعرف هَذِه من غَيرهَا وَلَا تشتبه عَلَيْك فتظن بالحمى الَّتِي إِنَّمَا هِيَ عرض أَنَّهَا)
مرض وتقصد إِلَيْهَا نَفسهَا فَأَما الَّتِي هِيَ مرض فَإِنَّمَا تقصد إِلَى الشَّيْء الَّذِي يعرض عَنهُ.
نذكرها فِي أول الْبَاب ثمَّ نذْكر عَلَامَات نوع نوع من حميات الأورام يَنْبَغِي أَن تنظر فِي جمل الحميات فِي الْمَوَاضِع الَّتِي نذْكر الأورام مَعَ الحميات فَإِن هُنَاكَ خلتين نافعتين إِحْدَاهمَا أَن الحميات إِذا كَانَت مَعَ أورام وَكَانَت الْقُوَّة مَعهَا سَاقِطَة كَانَت مهلكة لِأَن سُقُوط الْقُوَّة توجب تغذيته فِي أَوْقَات النوائب والغذاء يزِيد فِي الورم فَإِن المَاء الْبَارِد يزِيد فِيهَا ويمنعها من النضج وَالثَّانيَِة أَن كثيرا من الْأَطِبَّاء يضعون على بطُون هَؤُلَاءِ أضمدة مرخية فتؤديهم إِلَى الدق والذبول وَأَنه يحْتَاج أَن تبرد هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ يضر بالورم إِذا خفت ذَلِك.
لى: ينظر فِي الْمقَالة الْحَادِيَة عشر فَإِن فِيهَا كلَاما فِي حميات الأورام جيدا انْظُر فِي جمل الحميات وموضعه حَيْثُ ابْتَدَأَ بقانون حميات العفن وَفَوق ذَلِك وأسفل حَيْثُ للأورام ذكر وتتفقد ذَلِك وَترد جملَته إِلَى هَهُنَا على مَا يجب.
3 - (سَبَب الحميات المحرقة)
الْمقَالة الْخَامِسَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: الحميات المحرقة أَشد مَا تكون بِسَبَب الْمعدة والكبد إِذا حدث فيهمَا أورام حارة من جنس الْحمرَة وَمن هذَيْن يعرض فِي الْأَكْثَر الْوُقُوع فِي الدق.
قَالَ: وَإِذا دَامَ اخْتِلَاف الدَّم الصديدي الَّذِي عَن ضعف الكبد تَبعته حميات العفن يستهين بهَا الْجُهَّال وَهِي حميات ردية.
قَالَ: فَأَما سوء المزاج الْحَار فِي الكبد الضعيفة فتتبعه حمى حادة قَوِيَّة وَذَهَاب الشَّهْوَة وعطش وقيء أخلاط ردية.
لى: يكون من الكبد ثَلَاث حميات: عَن الورم وَعَن سوء المزاج الْحَار وَعَن ضعف جوهرها عَن توليد الدَّم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يفْسد الدَّم الَّذِي فِي الكبد ويعفن.
قَالَ: وَيحدث عَن احتباس الطمث حميات محرقة وَمَعَهَا عَلَامَات قد ذكرت فِي بَاب احتباس الطمث فاعرفه فَإِذا رَأَيْت حمى محرقة وَالْبَوْل أسود أَحْمَر كَأَنَّهُ مخلوط بفحم فسل عَن الطمث فَإِنَّهُ يكون عَنهُ حميات محرقة وَرُبمَا كَانَ الْبَوْل مَعهَا كَذَلِك.(4/401)
الْمقَالة الأولى من تقدمة الْمعرفَة: مكث الْبَطن ونواحيه فِي وَقت: النّوبَة على حرارته والازدياد فِي ذَلِك وَبرد الْأَطْرَاف دَلِيل على عظم الورم الْحَار الَّذِي فِي الأحشاء لِأَن الدَّم ينجذب حِينَئِذٍ إِلَيْهِ لعظمه وحرارته فتبرد الْأَطْرَاف.)
الثَّانِيَة من تَدْبِير الْأَمْرَاض الحادة: الحميات لَا تكون عَن الأورام الرخوة والصلبة المتحجرة وَإِنَّمَا تكون عَن الفلغمونية والحمرة فِي الأحشاء خَالِصَة كَانَت أَو غير خَالِصَة على مِقْدَار ذَلِك.
الْمقَالة الأولى من الْفُصُول قَالَ: نَوَائِب الْحمى فِي ذَات الْجنب وَفِي قرانيطس فِي الْأَكْثَر غب وَفِي السل وَجَمِيع الخراجات الَّتِي فِيهَا مُدَّة فِي الْمعدة أَو الكبد فَفِي كل يَوْم وَلَا سِيمَا بِاللَّيْلِ وَفِي من بِهِ ورم فِي طحاله ربع.
الرَّابِعَة من الْفُصُول قَالَ: الحميات الَّتِي تفارق وينقى مِنْهَا الْبدن نقاء تَاما كَيفَ مَا تكون نوبتها فَإِنَّهَا لَيست من ورم عفونة خبيثة.
لى: هَذَا يدل على أَن الحميات الَّتِي من الأورام لاينقى الْبدن مِنْهَا نقاء تَاما.
قَالَ أبقراط: إِذا كَانَت حمى لَا تفارق وَظهر الْبدن بَارِد وباطنه يَحْتَرِق وَمَعَهُ عَطش فَذَلِك قَاتل لِأَن ذَلِك يدل على أَن ورماً عَظِيما جدا حاراً فِي الْبَطن فَمن كل هَذِه الشَّهَادَات يتَبَيَّن أَن حميات الأورام لَازِمَة.
الْمقَالة الرَّابِعَة فِي الْفَصْل الَّذِي أَوله التشنج والأوجاع الْعَارِضَة فِي الأحشاء فِي الثُّلُث الْأَخير من الْمقَالة الرَّابِعَة: إِذا كَانَت الْحمى عَن وجع عُضْو مَا أَو ورم فِيهِ فالحمى عرض لَازم لذَلِك الْمَرَض لَا مرض. 3 (الْحمى عرض لَا مرض) الْمقَالة السَّابِعَة قَالَ: القدماء كَانُوا يسمون الْحمى الَّتِي عَن ورم فِي ذَات الْجنب وَنَحْوه من الأورام عرضا لَا مَرضا وَكَانُوا ينسبون الْعلَّة إِلَى ذَلِك الْعُضْو لَا إِلَى الْحمى فَيَقُولُونَ ذَات الْجنب وقرانيطس وَلم يَكُونُوا يسمون محموماً إِلَّا من كَانَت علته الأولى هِيَ الْحمى كالعفن فِي دَاخل الْعُرُوق وخارجها وَمَا أشبههَا من الحميات الَّتِي لَيست أعراضاً عَن علل أُخْرَى.
قَالَ: وأصناف هَذِه الحميات الَّتِي هِيَ أمراض لَا أَعْرَاض: حميات يَوْم والحميات الَّتِي من عفن فِي دَاخل الْعُرُوق وخارجها أَو جَمِيع لحم الْبدن وَحمى انقياليس وَهِي الَّتِي يجْتَمع فِيهَا حس الْبرد وحس الْحر فِي موَاضعهَا بِأَعْيَانِهَا وأوريدوس وَهِي الَّتِي بَاطِن الْبدن فِيهَا حَار وَظَاهره بَارِد ولعرس وطيقورس: وَهِي الَّتِي مَعهَا رُطُوبَة كَثِيرَة ولومورس وَهِي الوبائية.
الْخَامِسَة عشرَة من النبض قَالَ: الحميات الكائنة عَن ورم دَاخِلَة فِي حميات العفن ونبضها نبض حمى العفن أَعنِي أَن يكون صَغِيرا فِي الِابْتِدَاء سريع الانقباض عِنْد الْمُنْتَهى وتخص هَذِه لى: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ الْمقَالة أَو بِبَاب النبض.
السَّادِسَة عشرَة قَالَ: مَتى حدث فِي الأربيتين ورم حَار تبعه حمى بِسوء قيء على(4/402)
الْمَكَان لِأَنَّهُ ينحدر إِلَيْهِمَا من نَاحيَة الكلى عرق ضَارب وعرق غير ضَارب لَهما مِقْدَار ويتغير النبض وَتصير صلباً لِأَن عَلَيْهِمَا غشاء وَهُوَ عصبي.
الأولى من السَّادِسَة من ابيذيميا قَالَ: يعرض من ورم الرَّحِم الفلغموني حميات حارة جدا حَتَّى يسود اللِّسَان فِيهَا كالفحم وَتَكون حميات مطبقة وَذَلِكَ أَن فِي الرَّحِم عروقاً كَثِيرَة عَظِيمَة جدا بِقِيَاس الْأَعْضَاء الَّتِي تجيئها الْعُرُوق فَمَتَى حدث فِيهَا فلغموني كَانَت حماه من عفن الدَّم وارتفع إِلَى الرَّأْس مِنْهَا بخار كثير وَكَانَ مِنْهُ ثقل وصداع فِي اليافوخ.
السَّابِعَة من السَّادِسَة: الحميات الَّتِي تكون بعد اخْتِلَاف الدَّم ردية لِأَنَّهَا تنذر بورم حَار عَظِيم فِي الأمعاء.
لى: أما حَار فللحمى وَأما عَظِيم فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ يَسِيرا لَكَانَ مَعَ الإسهال لَا تكون حمى الْبَتَّةَ للاستفراغ الدَّائِم فَأَما إِذا كَانَ فَلِأَن دَمًا كثيرا حاراً محتبساً فِي الورم.
الْخَامِسَة من السَّادِسَة: الحميات الَّتِي تكون عَن ورم حَار فِي الرَّحِم تكون محرقة قَوِيَّة جدا يسود مَعهَا اللِّسَان ويختلط مَعهَا الذِّهْن.) 3 (حمى ورم الْمعدة) تنوب كل يَوْم وتقلع.
الطَّبَرِيّ قَالَ: إِذا كَانَت سونوخس عَن ورم دموي فِي بعض الْأَمَاكِن فافصد للورم لمَنعه وإنضاجه فَإِن فِي سكونه سكونها.
اهرن: الأورام الَّتِي تعرض عَنْهَا الحميات أورام حارة فَانْظُر قدر الْحمى وَقدر الورم وطبيعة الْعُضْو واكتسب من ذَلِك كُله أَدِلَّة واعمل بِحَسب ذَلِك على مَا فِي بَاب كل عُضْو مِمَّا يعالج بِهِ وابدأ بالفصد وَبِمَا يذهب بالورم الَّذِي هُوَ سَبَب الْحمى فَإِن لم تقدر على ذَلِك فأطفئ الْحَرَارَة وأعراضها بالمطفئة وَغَيرهَا بِقدر مَا يجب.
قَالَ بولس: الحميات الْعَارِضَة عَن ورم الْأَرْحَام حميات حارة وَمَعَهَا وجع فِي الرَّأْس وَفِي عصب الْعُنُق وَثقل فِي الْعين واسترخاء فِي المعصمين والأصابع والعنق وَفَسَاد الْمعدة وانضمام فِي الرَّحِم وَصغر النبض متدارك.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: الَّذين بهم حمى عَن حمرَة فِي الْجوف والمعدة والأمعاء عطشهم كثير وحماهم شَدِيدَة وقواهم سَاقِطَة يَأْكُلُون كل ثَلَاثَة أَيَّام وَالَّذِي يخرج من بطونهم شَدِيد النتن.
الْمقَالة السَّادِسَة من مسَائِل ابيذيميا قَالَ: الْحمى الكائنة عَن فلغموني فِي الرَّحِم واحتباس الطمث سونوخس لِأَنَّهَا تكون لعفن الدَّم فِي عروق الرَّحِم وَيكون غَايَة الْقُوَّة والاحتراق.
وَقَالَ: رَأَيْت فَتى يحم حميات مُخْتَلفَة تنوب مرّة ربعا وَمرَّة سدساً وَمرَّة غبا وَمرَّة كل يَوْم مَعَ نافض وقشعريرة وَكَانَت حماه لينَة فَبَال بعد شهر مُدَّة وَكَانَ يشكو فِي قطنه وجعاً فِي تِلْكَ الحميات فَلذَلِك إِذا رَأَيْت حميات مختلطة فسل عَن وجع الْقطن فَإِن لم يكن وَإِلَّا كَانَ كَثْرَة بَوْل ودرور فَإِن ذَلِك على الْعَادة احتراق الأخلاط فتؤول إِلَى الرّبع وَإِن رَأَيْت ذَلِك وخاصة كَثْرَة(4/403)
الْبَوْل الْخَارِج عَن الْعَادة فَإِن ذَلِك الْفَتى كَانَ يشكو ذَلِك فَإِنَّهُ لخراج فِي الكلى.
انطيلس قَالَ: الحميات الْعَارِضَة عَن الدبيلان أَكْثَرهَا لينَة وَمَعَهَا نافض لَيْسَ ببارد وحميات مختلطة وخاصة إِن كَانَ الورم فِي العمق.
ابْن ماسويه: اجْعَل عنايتك فِي الحميات الورمية بذلك الْعُضْو لِأَن الْحمى عرض. قَالَ: والحمى الكبدية رُبمَا كَانَت لينَة إِذا كَانَ الورم بلغمياً وحادة إِذا كَانَ الورم حاراً. والطحالية لَيست بحارة. وَالَّتِي مَعَ ورم الكلى لينَة مَعَ قشعريرة مُخْتَلفَة مختلطة. والدماغية صعبة ملتهبة. وَالَّتِي)
مَعَ ورم الرئة بِقدر الورم إِن كَانَ حاراً فحار جدا وَإِن كَانَ ورماً بلغمياً فساكن. وَالَّتِي مَعَ ورم الْحجاب وَالْجنب صعبة.
لى: الحميات الكائنة عَن ورم الكلى مختلطة تشبه الَّتِي تؤول إِلَى الرّبع وَيفرق بَينهمَا بثقل الْقطن وخاصة إِذا انبطح وبكثرة الْبَوْل ووجع هُنَاكَ وَلَا تكون بعد حمى أُخْرَى وخاصة غب وَألا يصغر النبض فِي مبدأها جدا فَإِن تِلْكَ عَلَامَات تؤول إِلَى الرّبع وَلَيْسَت إِذا صلبت أَيْضا قَوِيَّة الْحَرَارَة جدا.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة من ابيذيميا قَالَ: الورم فِي الدِّمَاغ وَأمه والحنجرة والمري والصدر والرئة وَالْقلب قتال وَأما الْأَعْضَاء الَّتِي دون الكبد فَمَا أقل مَا تهْلك وخاصة إِن عولجت بِالصَّوَابِ.
وتقعير الكبد أقل خطراً فِي ذَلِك من حدبتها.
الْخَامِسَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: الْحمى الَّتِي عَن ورم المري إِن كَانَ الورم حمرَة أَو فلغمونياً فمعه عَطش شَدِيد وَلَيْسَت حرارة الْحمى بِقدر الْعَطش والوجع بل أقل كثيرا وتجد فِي ذَلِك الْموضع من المري أَو مَا يبلعه يقف عِنْده سَاعَة ثمَّ ينزل وَكَانَت الْحمى أَلين كثيرا.
قَالَ: ويصيبه نافض وحميات مختلطة وَقد كَانَ إِنْسَان يعسر عَلَيْهِ البلع وَيقف فِي مَوضِع من مرئيه مَعَ حمى مختلطة ونافض فحدست أَن فِي مرئيه خراجاً عسر النضج ثمَّ نضج وتقيأ مُدَّة.
بولس: قَالَ: الحميات الكائنة مَعَ ورم حَار فِي الْبَطن يعرف ذَلِك من شدَّة الوجع والحرارة فِي ذَلِك الْعُضْو مَعَ حمى وعطش وَدَلَائِل الْحمى المحرقة فتوق الْحمام فِي هَذِه الْبَتَّةَ وَاسْتعْمل مَاء بَارِدًا شَدِيدا لبرد فِي وَقت التزيد لَا فِي الِابْتِدَاء بل ضع على الْموضع أضمدة مبردة وَتُؤْخَذ إِذا افترت وَيُوضَع بدلهَا.
3 - (من كتاب الذبول)
إِذا كَانَ عُضْو مَا فِيهِ ورم حمرَة فأعطه أغذية بَارِدَة وضمد الْعُضْو بضمادات بَارِدَة بِالْقُوَّةِ مبردة بالثلج وَمَتى فترت غيرت حَتَّى يحس العليل بِبرد ذَلِك الْموضع شَدِيدا فِي الْعُضْو يسكن الْعَطش.(4/404)
لى: رَأَيْت مَعَ جَمِيع الخراجات الْعِظَام فِي بَاطِن الْبدن وَظَاهره حميات وَتَكون عظمها وإطباقها بِحَسب شدَّة حرارة الْخراج وَعظم مِقْدَاره وقربه من الْقلب فَإِذا عدمت هَذِه كَانَ مِنْهَا حميات مختلطة وقشعريرة على غير نظام.
لى: وَقد رَأَيْت خراجاً فِي السَّاق عَظِيما جدا أحدث حمى مطبقة بِحَال وَاحِدَة أَشد مَا يكون إحراقاً سِتَّة أَيَّام إِلَى أَن نضج ذَلِك الْخراج ثمَّ سكن.
جَوَامِع اغلوقن: الحميات الكائنة عَن ورم حَار فِي عُضْو مَا تكون دائمة إِلَّا انه تهيج وتفتر بنوائب إِمَّا بنوائب الغب أَو بنوائب الرّبع أَو بنوائب كل يَوْم.
فِي النبض الْكَبِير قَالَ الْأَعْضَاء الَّتِي فِيهَا عروق كبار ضوارب تحدث عَن أورام فِيهَا حمى حادة أسْرع مَا يكون فَأَما الَّتِي الْغَالِب عَلَيْهَا طبيعة العصب فَإِنَّهُ يحدث عَن ورمها تشنج وَنَحْوه لَا حميات.
لى: فَلم يحدث عَن ورم الدِّمَاغ والمثانة وَالرحم إِحْدَى الحميات.(4/405)
(الأهوية والبلدان) (والمجالس والوباء والموتان والأزمان وتدبير الْبدن بِحَسب الْأَزْمِنَة والملابس.) 3 (قَالَ جالينوس فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب أَيَّام البحران:) 3 (شُعَاع الْقَمَر يعفن الْأَبدَان الْميتَة) ويؤثر تَأْثِيرا فِي من أَطَالَ النّوم فِيهِ حَتَّى أَن ألوانهم تحول إِلَى الصُّفْرَة وتثقل رؤوسهم.
جَوَامِع الحميات: الْهَوَاء الْحَار إِذا استنشق اسخن الْقلب ثمَّ جَمِيع الْبدن. مزاج الْهَوَاء الْحَار يحدث فِي الْأَبدَان عفونة وخاصة فِي الرّطبَة.
الْأَبدَان الَّتِي تَتَغَيَّر عَن حُدُوث الوباء سَرِيعا هِيَ الملوءة أخلاطاً ردية وَالَّتِي لَا تنْحَل فضولها على مَا يَنْبَغِي لِكَثْرَة الرَّاحَة والدعة وَالَّتِي تسرف فِي الْجِمَاع وَفِي كَثْرَة دُخُول الْحمام وَمِنْهَا مَا يعسر تغيره وَهِي الَّتِي لَا فضول فِيهَا وَلَا سدد وتستعمل الرياضة وَالتَّدْبِير الْجيد أَن يفصد.
قَالَ: إِذا حدث فِيهَا وباء فالأبدان الرّطبَة تذعن لَهُ وتواتيه وتوافقه. وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن تَجف والباردة الْيَابِسَة تمانعه وتخالفه وَيَنْبَغِي أَن تحفظ على مَا هِيَ عَلَيْهِ. وَأما سَائِر الْأَبدَان فَمَا كَانَ مِنْهَا ممتلئاً فَيَنْبَغِي أَن تستفرغ بالفصد وَمَا كَانَ فِيهِ أخلاط ردية فبالإسهال وَمَا كَانَ فِيهِ سدد
3 - (جَوَامِع الْعِلَل والأعراض:)
3 - (الْهَوَاء الْحَار) 3 (يجتذب الدَّم إِلَى ظَاهر الْبدن) أَولا ويحمر اللَّوْن فَإِن أفرط حلل الْحَرَارَة الغزيرة وصفر اللَّوْن والهواء الْحَار يحقن الْحَرَارَة الغريزية فَإِن أفرط أطفأها.
الأولى من تَدْبِير الأصحاء: الْهَوَاء الْجيد صَالح مُوَافق لجَمِيع النَّاس.
لى: كَأَن قَوْله هَذَا يُنَاقض قَوْله فِي مَوَاضِع أخر وَذَلِكَ أَنه يَقُول بعد أَن الْأَبدَان المائلة عَن الِاعْتِدَال يُوَافِقهَا الْهَوَاء المضاد لَكِن يَنْبَغِي أَن يُزَاد فِي قَوْله جَمِيع النَّاس المعتدلين لِأَن المعتدلي الطَّبْع يوافقهم الْهَوَاء المعتدل وَيبقى لَهُم اعتدالهم لِأَن الْحَال الطبيعية تحفظ الشَّيْء الشبيه بهَا وَأما الْأَبدَان الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال فالهواء المشاكل لَهَا يحفظها على حَالهَا والمضاد ينقلها عَن حَالهَا.
لى: يَنْبَغِي أَن نتم النّظر فِيهِ.
قَالَ: الْهَوَاء الْجيد هُوَ الَّذِي فِي غَايَة الصفاء والنقاء وَإِنَّمَا يكون هَكَذَا إِذا لم يكدره(4/406)
بخار)
الآجام والبحيرات والخنادق وَنَحْوهَا الَّتِي يرْتَفع مِنْهَا بخار منتن وَلَا مجاري أقذار مَدِينَة عَظِيمَة وَلَا عفونة بقول أَو حبوب أَو جيف وَلَا يكون غائراً محتقناً بالجبال الَّتِي لَا تتحرك وَلَا تهب فِيهَا فَيكون كالمتقرح العفن وَأما اخْتِلَاف الْهَوَاء فِي الْحر وَالْبرد واليبس والرطوبة فَإِنَّهُ غير مُوَافق للنَّاس كلهم لِأَن الْأَبدَان المعتدلة يُوَافِقهَا الْهَوَاء المعتدل وَالَّتِي تفرط فِيهَا بعض الكيفيات فتنتفع بالهواء المضاد.
لى: كَأَن جالينوس يحْسب أَن الْهَوَاء الْجيد إِنَّمَا جيدا بِسَبَب غير الكيفيات وَكَذَا الرَّدِيء فَيكون ذَلِك الْهَوَاء الَّذِي هُوَ عِنْده جيد على مَا قَالَه مُوَافقا لجَمِيع النَّاس وبالضد وَفِي هَذَا نظر وَشك.
الثَّانِيَة من الأخلاط يَنْبَغِي للطبيب أَن يسْأَل أهل كل بلد عَن الْأَعْرَاض الَّتِي تعتادهم إِذا كَانَ مزاج الْبَلَد كمزاج فصل من فُصُول السّنة فَإِن الْأَمْرَاض الْخَاصَّة بذلك الْفَصْل خَاصَّة بذلك الْبَلَد وَإِذا كَانَ الْبَلَد يسخن ويبرد فِي يَوْم وَاحِد حدثت فِيهِ أمراض خريفية وَمَا كَانَ من الرِّيَاح يتَوَلَّد من لجج الْبَحْر فَهُوَ أَجودهَا كلهَا والمتولد من بخارات الْمَعَادِن وَالْآجَام والغياض ردية.
قَالَ: الْبلدَانِ الحارة الْيَابِسَة يضر بهَا الصَّيف وَكَذَا فِي جَمِيع الكيفيات الْأُخَر. وَأما أهل بلد قرانون فَإِن الحميات تكْثر فِيهَا فِي الخريف وَمن لم يحم مِنْهُم لَا بُد أَن يسترخي بدنه بِسَبَب عفونة آجام قريبَة مِنْهُم وتحدث بهم اليرقان والأطحلة من أمراض الخريف إِذا كَانَ الصَّيف ربيعياً لم تكن الحميات حارة جدا وَلَا يابسة وَلَا لَهَا خشونة على اللِّسَان بل تكون أحسن حَالا وَأكْثر عرقاً وَإِذا كَانَ الرّبيع شتوياً عرض السعال وَذَات الْجنب والخناق. إِذا تقدم الشتَاء فِي آخر الخريف حدثت الْأَمْرَاض الشتوية إِذا أفرط زمَان التَّقَدُّم فَإِنَّهُ يرجع بعد إِلَى حَاله فِي الْأَكْثَر وَتَكون الْأَمْرَاض مختلطة بِحَسب ذَلِك وَإِن صادفت برودة الزَّمَان بدناً بلغمياً كَانَ سَببا لحدوث الصرع والسكتة والفالج وَنَحْوه وَإِن صادفت الْحَرَارَة بدناً مرارياً أحدثت الْجُنُون والحمى المحرقة وَنَحْوه.
الْجنُوب تثقل السّمع وَالْبَصَر وَالرَّأْس وترخي وتكسل وتهيج القروح العفنة وتثير العفن.
قَالَ: وَمَتى هبت الشمَال فتوقع السعال ووجع الْحلق ويبس الطبيعة وعسر الْبَوْل.
قَالَ أبقراط: الحميات تتبع عدم الْمَطَر وكثرته. قَالَ ج: يَعْنِي أَن الحميات قد تكون عِنْد كَثْرَة الْمَطَر وَعند عَدمه أَيْضا وَأَنا أَحسب أَنه يُرِيد أَن الحميات تكون عِنْد كَثْرَة الْمَطَر وتقل عِنْد قلته.)
قَالَ ج: الْحمى تحدث فِي حَال الْهَوَاء الْحَاء وَالرّطب واليابس وَلَا تحدث فِي حَال الْهَوَاء الْبَارِد إِلَّا فِي الْأَقَل وَانْظُر حرارة الْهَوَاء وبرودته وَعدم الْمَطَر وَكَونه مَعَ الشمَال وَمَعَ الْجنُوب فَإِن ذَلِك أَمر عَظِيم.(4/407)
لى: مَا ذكره جالينوس فِي تَفْسِير هَذَا الْكَلَام فَبين وَالَّذِي يُرِيد بِهِ عِنْدِي أَن ضمك الِاسْتِدْلَال مِثَال ذَلِك: أَن الرّبيع إِذا كَانَ جنوبياً كَانَت الْأَمْرَاض الربيعية أَكثر وَأقوى وبالضد عِنْد انقلابات الزَّمَان بَعْضهَا إِلَى بعض قد تحدث الْأَمْرَاض وَعند تغير الْوَقْت عَن طَبِيعَته الْخَاص بِمِقْدَار عَظِيم يُغَيِّرهُ. وانقلاب الْأَزْمِنَة بَعْضهَا إِلَى بعض على تدريج طَوِيل وثيق جدير فِي الصِّحَّة.
وَالْبدن المعتدل بالهواء ينْتَفع بالهواء المعتدل وَالْخَارِج عَن الِاعْتِدَال ينْتَفع بالهواء المضاد ويعظم ضَرَره بالموافق.
والشتاء لما كَانَت الْأَبدَان فِيهِ لَا تتعب بِالْأَعْمَالِ وَلَا بالتردد فِي الشَّمْس وَلَا يَأْكُلُون الْفَوَاكِه بل الْأَطْعِمَة الجيدة النضيجة تحفظ الصِّحَّة والخريف لأَنهم يَتَرَدَّدُونَ فِيهِ فِي الشَّمْس ويأكلون الْفَوَاكِه تبرز فِي الْأَبدَان الجرب المتقشر والقوابي والسرطانات وأوجاع المفاصل والنقرس وَيحدث فِيهَا الحكاك عِنْد تغير الْهَوَاء من الْحَال الشمالية إِلَى الجنوبية وَذَلِكَ أَن الجنوبية ترطب هَذِه وَلَا تنشف مَا يتَحَلَّل مِنْهَا وَكَذَا فِي أَحْوَال الشمَال وتهيج أوجاع المثانة والجنبين والصدر والسعال وَمن بِهِ سعال من أجل قَصَبَة الرئة فَإِنَّهُ يحس بِتَغَيُّر الْهَوَاء إِلَى الشمَال سَرِيعا.
قَالُوا: وَتغَير الْهَوَاء رُبمَا كَانَ حَافِظًا لنوائب مَعْلُومَة فَيَنْبَغِي أَن تتفقد ذَلِك وَرُبمَا كَانَ هبوبه بأدوار فَإِذا تفقدت ذَلِك قدرت أَن تعرف كَيفَ يتَغَيَّر الْهَوَاء ويتغير الْأَبدَان بتغيره فيستدل مرّة من تغير الْأَبدَان على تغير الْهَوَاء وَمرَّة من تغير الْهَوَاء على تغير الْأَبدَان إِذا كَانَت السّنة رطبَة كلهَا أَو يابسة كلهَا أَو حارة أَو بَارِدَة فَإِن الْأَمْرَاض الكائنة فِيهَا تطول وتزمن وَتبقى قَوِيَّة لَازِمَة كَانَت كَثِيرَة أَو وَاحِدَة وَيَنْبَغِي أَن تنظر إِلَى الْأَمْرَاض من أَي الْمِيَاه أَو أَي الأهوية تحدث وتتفقد ذَلِك وَتَحفظه فتعلم من ذَلِك مَا يحدث بسهولة فِي كل وَقت وَاعْلَم من كل زمَان حَال الْأَزْمِنَة الَّتِي بعده بِأَن تتفقد ذَلِك.
لى: مِثَال ذَلِك: أَنَّك إِذا تفقدت صيفة بهَا حَال مَا فَوجدت الخريف بعْدهَا بِحَال مَا مَتى وجدت الصَّيف بِتِلْكَ الْحَال ظَنَنْت أَن الخريف بِتِلْكَ الْحَال.
من كتاب مَا بَال: اختناق الْهَوَاء وخثورته فِي الْبلدَانِ الْبَارِدَة فِي الشتَاء أَشد وَأكْثر مِنْهُ فِي)
الْبلدَانِ الحارة لِأَن هواءها لَا ييبس بالشمس كَمَا يجِف فِي الْبلدَانِ الحارة.
وَقَالَ: عِنْد الوباء يكثر الرسد.
قَالَ: إِذا كَانَ الصَّيف مطيراً جنوبياً كَانَ ردي الخريف والشتاء.
قَالَ: السّنة الْكَثِيرَة الأبخرة والرطوبات أَكثر أمراضاً إِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً وَالربيع(4/408)
شمالياً والصيف حاراً جدا. وَمَتى مَا كثرت الْمِيَاه كثر الموتان فِي الغلمان وهاجت قُرُوح فِي الأمعاء وَحمى مُثَلّثَة طَوِيلَة.
الأولى الْمَرَض الْوَافِد هُوَ الَّذِي يعرض فِي وَقت وَاحِد لناس كثير فِي بلد مَا فَإِن كَانَ غير قتال سمي مَرضا وَافد وَإِن كَانَ قتالاً سمي مَوتَانا.
لى: أول مَا يوضع فِي هَذَا الْبَاب تَدْبِير الْبدن المعتدل فِي الصَّيف والشتاء وَالربيع والخريف المعتدل ثمَّ الْخَارِج عَن الِاعْتِدَال فِي الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال كَمَا يَنْبَغِي من التَّقْسِيم وَهُوَ مقَالَة وَاحِدَة وَالثَّانيَِة فِي الوباء وَنَحْوه.
الأولى من الْفُصُول: الْأَبدَان فِي الصَّيف تحْتَاج الْغذَاء الْأَقَل وَفِي الشتَاء وَالربيع تحْتَاج إِلَى غذَاء أَكثر لِأَن الأجوف فِيهَا تكون أسخن لبرد الْهَوَاء وانضمام سطوح الْبدن ولطول النّوم.
قَالَ: والتجربة تشهد بِأَنا نحتاج إِلَى أَن نتناول فِي الشتَاء وَالربيع طَعَاما أَكثر لأَنا إِن تناولنا طَعَاما يَسِيرا غلب الْبرد على أبداننا ونالنا بِسَبَب ذَلِك ضَرَر فَإِن أكلنَا طَعَاما كثيرا لم يعرض لنا شَيْء من ذَلِك وَلَا عرض لنا امتلاء وَالسَّبَب أَن الْحَرَارَة الغزيرة فِي الشتَاء أَكثر فَلهَذَا يكون هضمه للغذاء وإخراجه للفضول فِي جَمِيع النَّافِذ أَجود لِأَن اندفاع الفضول يكون بِحَسب قُوَّة الْحَرَارَة الغريزية وتعمل أَيْضا لَحْمًا ودماً أَكثر فتحتاج لذَلِك إِلَى مَادَّة أَكثر وَأَنت ترى الْبَوْل فِي الشتَاء يكون الرسوب فِيهِ أَكثر وَمِقْدَار الْبَوْل والهضم فِي الْمعدة فِيهِ يزِيد زِيَادَة صَالِحَة على مَا فِي الصَّيف.
قَالَ: وَجُمْلَة فَإِن حَال الْبدن فِي الشتَاء على أفضل الْأَحْوَال والهضم فِي الْمعدة وَالْعُرُوق على أفضل مَا يكون فَإِذا لم يكن الْغذَاء فِي الشتَاء كثيرا برد الْبدن جدا وقهر الْهَوَاء الْبَارِد الَّذِي ينشفه وَإِذا كثر غذاؤه سخن ونمت حرارته وَلَا يضر فِيهِ امتلاء لبرد الزَّمَان فَإِذا جَاءَ الرّبيع احْتِيجَ إِلَى الفصد لِأَن الدَّم الَّذِي كَانَ متداخلاً لَا تسعه حِينَئِذٍ الْعُرُوق لِأَنَّهُ يرق فَتحدث)
ضَرُورَة الأورام والأمراض.
قَالَ: يَنْبَغِي أَن تجْعَل الْغذَاء فِي أول الرّبيع كالشتاء وَفِي آخِره كالصيف وتزيد فِي ذَلِك وتنقص بِحَسب ميل البيع فِي طبعه إِلَى الشتَاء والصيف.
لى: الشتَاء يفعل فِي أبداننا أفضل الهضم وَكَثْرَة اللَّحْم وَالدَّم وَجمع الدَّم وحصره حَتَّى لَا يتَأَذَّى بكثرته ويصلب أبداننا وَيُقَوِّي الْقُوَّة.
وَالربيع يحل الأخلاط قَلِيلا ويبسط الدَّم والأخلاط وينشرها فِي الْبدن. والصيف يحلل الأخلاط ردية ومراراً وَيجْعَل دماءنا ردية.
الثَّانِيَة من الْفُصُول: الصَّيف تنقص فِيهِ الْأَمْرَاض لِأَنَّهُ لَا تَخْلُو أَن تكون الْقُوَّة فِيهِ قَوِيَّة أَو ضَعِيفَة فَإِن كَانَت قَوِيَّة حلل الأخلاط فبرأ سَرِيعا وَإِن كَانَت ضَعِيفَة حلل مَعَ تَحْلِيل الأخلاط الْقُوَّة فَمَاتَ.
والشتاء لَا تنْحَل فِيهِ الْأَمْرَاض بِسُرْعَة لعدم التَّحَلُّل من خَارج والمرضى لَا يموتون فِيهِ لشدَّة الْقُوَّة فتطول الْأَمْرَاض.(4/409)
الثَّانِيَة: تغير أزمنة السّنة عَن طبائعها يزِيد الْأَمْرَاض وَالْوَقْت الْوَاحِد إِذا تغير تغيراً شَدِيدا أورث أمراضاً.
قَالَ: صَاحب المزاج الْحَار الرطب ينْتَفع بالصيف لرطوبته وَفِي الشتَاء لحرارته وَكَذَا فَافْهَم فِي سَائِر المزاجات.
لى: هَهُنَا يُوهم أَن جالينوس يُنَاقض وَذَلِكَ أَنه يَقُول: الأمزجة يَنْبَغِي أَن تحفظ صِحَّتهَا بأشباهها مِمَّا يحفظ عَلَيْهِم الطَّعَام الْيَابِس يحفظ الصِّحَّة على أهل المزاج الْيَابِس أَكثر مِمَّا يحفظ عَلَيْهِم الطَّعَام الرطب فِي حَال صحتهم وَإِذا كَانَ ذَلِك فَيجب أَن يكون الْهَوَاء الْحَار يحفظ الصِّحَّة مَتى تشبه بالمغتذى فَمَا كَانَ أقرب إِلَى طبع المغتذى كَانَ أسْرع تشبهاً بِهِ وأخف على الطبيعة وَأما الْهَوَاء فَإِنَّهُ كالدواء المضاد لِأَن الْهَوَاء إِنَّمَا يُطْفِئ فضول الْحَرَارَة الدخانية المكتنزة فِي الْقلب وَذَلِكَ هُوَ الْحَاجة إِلَى التنفس فينتفع إِذا بالمضادة لِأَن صَاحب المزاج الْحَار الْيَابِس إِذا استنشق هَوَاء حاراً يَابسا لم تنطفئ بِهِ عِنْدَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
قَالَ: والأمزجة والأسنان كل وَاحِد مِنْهُمَا بالهواء الْمُوَافق والأمراض تهيج عِنْد الْهَوَاء المضاد.
قَالَ: فحال الشَّيْخ فِي الصَّيف أَجود وَكَذَا فِي سَائِر الْأَسْنَان وَكَذَا الْحَال فِي الْبلدَانِ وَبِالْجُمْلَةِ)
صَاحب المزاج المعتدل يحْتَاج إِلَى الِاعْتِدَال من هَذِه وَأما سَائِر الأمزجة فالمزاج المضاد من الْوَقْت والبلد يَنْفَعهُ.
قَالَ أبقراط: إِذا كَانَ فِي يَوْم مرّة حر وَمرَّة برد فتوقع أمراضاً خريفية بِسَبَب اخْتِلَاف المزاج فَإِنَّهُ شَبيه باخْتلَاف مزاج الخريف وَلَيْسَت الْأَزْمِنَة عِلّة الإحداث بل الأمزجة.
الْجنُوب يحدث ثقل السّمع وغشاوة الْبَصَر وَثقل الرَّأْس وكسلاً واسترخاء فَعِنْدَ قُوَّة هَذِه الرّيح ودوامها تعرض هَذِه. وَالشمَال يحدث سعالاً وجنوناً وبطوناً يابسة وعسر بَوْل واقشعرار ووجع الأضلاع ووجع الصَّدْر. وَعند دوَام هَذِه الرّيح تحدث هَذِه للمرضى أَكثر وللأصحاء دون ذَلِك إِلَّا من كَانَ مستعداً وَإِنَّمَا يكون ذَلِك من الْجنُوب لرطوبته وحره وَإِنَّمَا يمْلَأ الرَّأْس ويرخي الأعصاب لذَلِك. فَأَما الشمَال فَإِنَّهُ يخشن آلَات النَّفس والبطن لِأَنَّهُ يجفف الْبدن كُله ويضر بالمثانة بِبرْدِهِ فتضعف فَيحدث لذَلِك عسر الْبَوْل.
قَالَ: إِذا كَانَ الصَّيف كالربيع فِي الحميات عرقاً كثيرا لِأَن الْعرق لَا يكون إِلَّا أَن يكون الْهَوَاء حاراً رطبا فَإِن كَانَ يَابسا قلله فَإِذا اجْتمع الْبدن وَلِأَن الْهَوَاء لَيْسَ بيابس لَا ينشفه سَرِيعا أَولا فيكثر الْعرق.
الحميات فِي الْهَوَاء الْحَار الْيَابِس أقل مِنْهَا فِي الْهَوَاء الرطب إِلَّا أَنَّهَا أحد لِأَن الْهَوَاء الْحَار الْيَابِس يحلل الأخلاط فتقل وَمَا يبْقى يمِيل إِلَى المرار وَحَيْثُ الْكَيْفِيَّة. فَأَما فِي حَال الْهَوَاء(4/410)
الرطب لِأَن الأخلاط لَا تنْحَل فتطول الْأَمْرَاض إِلَّا أَنَّهَا تكون أقل حِدة لِأَنَّهَا تميل إِلَى البلغمية. فَلذَلِك الحميات فِي الصَّيف العديم الْمَطَر أقل لَكِنَّهَا أحد وَأَقل عرقاً وأسرع انْقِضَاء وَفِي الْمَطَر أَكثر وأطول إِلَّا أَنَّهَا أقل حِدة وَأسلم.
3 - (أزمان السّنة والحمى)
إِذا كَانَت أزمان السّنة حافظة لطبائعها حَسَنَة النظام كَانَت أمراضها لَازِمَة للنظام والبحران وبالضد.
الخريف أَكثر الْأَزْمِنَة أمراضاً وأمراضه قاتلة فِي الْأَكْثَر. وَالربيع أصح الْأَوْقَات وَأقله موتا.
قَالَ ج: إِذا كَانَت الْأَزْمِنَة بَاقِيَة على مَا يَخُصهَا فِي طبائعها فالربيع أعدلها بِقِيَاس سَائِر الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ فِي غَايَة الِاعْتِدَال إِذا. فَأَما الخريف فقد اجْتمعت فِيهِ خلال ردية لِأَنَّهُ يكون فِي يَوْم وَاحِد حر وَبرد لِأَنَّهُ يَتْلُو الصَّيف فَيلقى الْأَجْسَام وَقد احترقت وَكثر المرار فِيهَا وضعفت مَعَ ذَلِك بِكَثْرَة التَّحَلُّل وحارت قواها ويوافيها الخريف مَعَ ذَلِك فيحصر بِبرْدِهِ الكيموسات الردية أَن تتحلل كَمَا كَانَت تتحلل فِي الصَّيف وَهَذِه كلهَا أَسبَاب الْأَمْرَاض الردية ويعين على ذَلِك أكل النَّاس الْفَوَاكِه.
قَالَ: الخريف ضار لأَصْحَاب قرحَة الرئة وَأَصْحَاب الدق جَمِيعًا جدا مَتى كَانَ الشتَاء قَلِيل الْمَطَر شمالياً وَالربيع مطيراً جنوبياً حدث فِي الصَّيف ضَرُورَة حميات حارة ورمد وَاخْتِلَاف دم. وَأكْثر مَا يعرض اخْتِلَاف الدَّم للنِّسَاء ولأصحاب الطبائع الرّطبَة.
قَالَ: وَقد يَكْتَفِي فِي الْأَمْرَاض العفن بالرطوبة فَإِن ساعدتها مَعَ ذَلِك الْحَرَارَة أفرطت وأسرعت الْأَمْرَاض الْحَادِثَة عَن كَثْرَة الْمَطَر فِي الْأَكْثَر إِلَى حميات طَوِيلَة واستطلاق الْبَطن وعفونات وخاصة إِن ساعدتها حرارة وَبِالْجُمْلَةِ فاحتباس الْمَطَر أصح وَأَقل موتا من كثرته.
وَمَتى كَانَ الشتَاء جنوبياً دفيئاً وَالربيع شمالياً قَلِيل الْمَطَر فَإِن النِّسَاء اللواتي يلدن يتَّفق ولادهن فِي الرّبيع يسقطن من أدنى سَبَب واللواتي يلدن أَطْفَال ضعافاً مسقامين إِمَّا أَن يلدوا سَرِيعا وَإِن بقوا كَانُوا مسقامين عمرهم. وَأما سَائِر النَّاس فَيعرض لَهُم اخْتِلَاف دم ورمد يَابِس ويعرض للكهول نزلات مهلكة.
لى: وَقد تركنَا أَيْضا الْعِلَل الَّتِي أوردهَا جالينوس فِي ذَلِك لأَنا نحتاج أَن نوسع هَهُنَا بإحكام فِيهَا إِذا كُنَّا على أَن نؤلف كتابا فِي الأهوية والبلدان قانونياً على مَا أَشَارَ بِهِ وفننه جالينوس لِأَنَّهُ لم يَقع إِلَيْنَا على هَذَا الْكتاب ولعلنا نؤلفه وَنحن نَفْعل ذَلِك.
قَالَ: فَإِن كَانَ الصَّيف قَلِيل الْمَطَر شمالياً والخريف مطيراً جنوبياً عرض فِي الشتَاء صداع شَدِيد وسعال وبحوحة وزكام وَعرض لبَعض النَّاس السل. وَلم نذْكر أَيْضا مَا ذكر فِي عِلّة هَذَا)
وَسَببه.(4/411)
قَالَ أبقراط: فَإِن كَانَ الخريف شمالياً يَابسا بعد الصَّيف الْقَلِيل الْمَطَر الشمالي كَانَ مُوَافقا لمن طَبِيعَته رطبَة وللنساء. وَأما سَائِر النَّاس فَيعرض لَهُم رمد وحميات حادة وزكام مزمن وَمِنْهُم من يعرض لَهُم وسواس سوداوي وَإِنَّمَا تعرض فِي الخريف أَكثر أمراض الصَّيف لِأَنَّهُ إِذا جَاءَ الخريف بعد الصَّيف بقيت الصَّفْرَاء الَّتِي تولدت فِي الصَّيف فِي الْبدن لَا تتحلل لَيْسَ كالصيف الجاءي بعقب الرّبيع الَّذِي يحلل لِأَن الخريف أبرد من الصَّيف فَيبقى فِي الخريف أَكثر أمراض الْمرة وَهِي الصيفية وتزيد لِأَنَّهُ يدْفع الأخلاط الَّتِي كَانَت تتحلل فِي الصَّيف بِبرْدِهِ إِلَى بَاطِن الْبدن وَلذَلِك تعرض فِيهِ حميات الصَّيف كلهَا وحميات ربع لِأَن الصَّفْرَاء الَّتِي تحترق فِي الصَّيف تصير سَوْدَاء فِي الخريف وحميات مختلطة لاخْتِلَاف مزاج الْوَقْت ويعظم الطحال من أجل السَّوْدَاء وَالِاسْتِسْقَاء من أجل الطحال وَمن يخَاف عَلَيْهِ السل وَأمره بعد مختل فَإِنَّهُ ينْكَشف أمره فِي الخريف خَاصَّة ليبس ذَلِك الْوَقْت وبرده وَاخْتِلَاف مزاجه وتقطير الْبَوْل لِأَن المثانة تبرد مرّة وتسخن أُخْرَى فينصب إِلَيْهَا من الْبدن أخلاط أحد وأردى وَلَا سِيمَا أَن عرض برد كثير.
وزلق الأمعاء يكون لاندفاع الفضول الحارة إِلَى دَاخل الْبدن وَكَذَا عرق النسا. والذبحة الْعَارِضَة فِي الخريف مرارية والربيعية بلغمية. وَكَذَا إيلاوس يكون من امْتنَاع نُفُوذ الفضول إِلَى أَسْفَل فَذَلِك وَاجِب فِي الْوَقْت الْبَارِد الْيَابِس الْمُخْتَلف المزاج لِأَن الأخلاط فِي الصَّيف رقيقَة سريعة الجرية والخريف يغلظها ويميلها إِلَى بَاطِن الْبدن والصرع يعرض لاخْتِلَاف الْحر وَالْبرد فَلَا شَيْء أعون على حُدُوث نَوَائِب الصرع لمن كَانَ متهيئاً لَهُ من اخْتِلَاف الْهَوَاء فِي الْحر وَالْبرد فِي الخريف مر فِي أَنْصَاف النَّهَار وَبرد فِي أَطْرَافه. وَالْجُنُون يعرض لرداءة الأخلاط المرارية. قَالَ: وَأما الشتَاء فَيعرض فِيهِ ذَات الْجنب وَذَات الرئة والزكام والبحوحة وأوجاع الْجنب وَالظّهْر والسدد والسكات والصرع.
قَالَ ج: افهم هَهُنَا أَن أول الشتَاء يُشْرك آخر الخريف فِي أمراضه أما مرض آلَات النَّفس فَمن أجل الْبرد الَّذِي ينالها وَكَذَلِكَ الزُّكَام والبحوحة من أجل الْبدن لِأَنَّهُ لَا يمكننا أَن نمتنع من اخْتِلَاف الْهَوَاء الْبَارِد فِي النَّفس ويعرض وجع الظّهْر وَنَحْوه من أجل وجع العصب من الْبرد والسكات والتمدد من امتلاء الدِّمَاغ من البلغم. وَإِذا كَانَ فصل مَا خَارِجا عَن طَبِيعَته إِلَّا أَنه مضاد للَّذي تقدم وَهُوَ أَيْضا خَارج عَن طَبِيعَته فَإِنَّهُ لَا يحدث ضَرَرا بل ينفع ويعدل مَا كَسبه)
الْفَصْل الْمُتَقَدّم.
مِثَال ذَلِك: أَنه إِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً وَالربيع شمالياً فَإِنَّهُ لَا يحدث أمراضاً بل يعدل مَا رطب الشتَاء وَإِذا كَانَ الشتَاء بَارِدًا يَابسا وَالربيع مفرط الرُّطُوبَة لم تهج أمراض رطبَة مثل مَا لَو كَانَ الشتَاء أَيْضا بَارِدًا لِأَن الْأَبدَان تحْتَاج أَن تعتدل أَولا ثمَّ تخرج عَن الِاعْتِدَال فقس أبدا(4/412)
حَال زمانين وَثَلَاثَة ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة فَإِنَّهُ مَتى اتّفقت أزمنة أَكثر على طَبِيعَته كَانَ ذَلِك أقوى وأغلب.
السَّادِسَة من الفضول قَالَ: الرّبيع فِيهِ أمراض مزمنة لِأَن الأخلاط تذوب وتتسع فِيهِ وتندفع إِلَى الْأَعْضَاء الضعيفة. وَأما الخريف فتهيج فِيهِ الْعِلَل لرداءة الأخلاط ولسوء التَّدْبِير فِي الصَّيف وَأكل الْفَوَاكِه.
الْمقَالة الأولى من طبيعة الْإِنْسَان: الشتَاء يكون فِيهِ البلغم وَيعلم ذَلِك من أَن النَّاس يستبرؤن ويتقيؤن أَشْيَاء بلغمية وألوان الأورام خَاصَّة فِي هَذَا الْوَقْت إِلَى الْبيَاض والأورام الْحَادِثَة فِيهِ بلغمية.
وَأما الرّبيع فتتقوى فِيهِ القوى وَيكثر فِيهِ الدَّم لِأَن الْبرد يسكن والأمطار تتواتر وَكَثْرَة الدَّم عَن الأمطار وحر النَّهَار.
قَالَ: وَذَلِكَ شَيْء يكون فِي الرّبيع وَالدَّلِيل على كَثْرَة الدَّم فِي الرّبيع أَن النَّاس يعرض لَهُم فِي الرّبيع والصيف اخْتِلَاف الدَّم والرعاف وأبدانهم تكون شَدِيدَة الْحَرَارَة والحمرة وَأما الصَّيف فيسخن فِيهِ الدَّم ويقوى فِيهِ المرار ويمتد ذَلِك إِلَى الخريف فَإِذا كَانَ الخريف قل الدَّم لِأَن طبيعة هَذَا الْوَقْت مضادة للدم بالطبع وَأما المرار فيغلب فِي الْبدن فِي الصَّيف والخريف وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن النَّاس قد يتقيؤن حِينَئِذٍ فِي هَذَا الْوَقْت المرار من أنفسهم والأدوية المسهلة تستفرغه وَأما البلغم فيوجد فِي الصَّيف فِي غَايَة الضعْف.
قَالَ: والسوداء تكْثر فِي الخريف وتقوى فِي الْغَايَة وَفِي الشتَاء لِكَثْرَة الأمطار ولطول اللَّيْل وَقلة حر النَّهَار ولكثرة برد النَّهَار يكثر البلغم.
الثَّانِيَة: إِذا فسد الْهَوَاء فَاجْعَلْ الْمَكَان الْمُحِيط بِهِ مضاداً فِي كيفيته إِمَّا بالأسخان أَو بالتبريد أَو بالترطيب. قَالَ: وَتقدم إِلَى النَّاس إِلَّا يُغيرُوا تدبيرهم إِذا كَانَ لم يحدث ذَلِك عَلَيْهِم لتدبيرهم بل للهواء وتغيره فَانْظُر أَلا تقضف الْأَبدَان وتضعفها جدا لَكِن انقص من الْغذَاء قَلِيلا قَلِيلا وَاجعَل مَا يدْخل الْبدن من الْهَوَاء فِيهِ أقل مَا يكون وَذَلِكَ يكون بترك الْأَشْيَاء الَّتِي تحوج إِلَى الِاسْتِنْشَاق)
وبنقصان الْغذَاء قَلِيلا قَلِيلا.
الثَّانِيَة من طبيعة الْإِنْسَان: اسْتعْمل الْأَطْعِمَة فِي الشتَاء أَكثر من سَائِر أَوْقَات السّنة وَأما الشَّرَاب فَلْيَكُن صرفا قَلِيل المَاء وَقَلِيل الْمِقْدَار فِي نَفسه أَيْضا وَاجعَل الْأدم شواء وقلايا وَأَشْيَاء مجففة لِأَن هَذَا التَّدْبِير يَجْعَل مزاج الْبدن يَابسا فِي الْغَايَة فغذا جَاءَ الرّبيع فزد فِي كمية الشَّرَاب وكمية المزاج بِالْمَاءِ وانقص من الطَّعَام قَلِيلا وَاجعَل أَيْضا مَا هُوَ غذَاء أرطب وانتقل من الشواء إِلَى الطبيخ والبقول إِلَى أَن يَجِيء الصَّيف فَاسْتعْمل حِينَئِذٍ الْأَطْعِمَة الرّطبَة والبقول السليقة وَيكثر الشَّرَاب والمزاج وَتجْعَل الأغذية قَليلَة الْغذَاء وينتقل(4/413)
ودبر الْأَبدَان الرّطبَة تدبيراً أجف فِي سَائِر أَوْقَات السّنة وَكَذَا فَافْهَم فِي الكيفيات الْأُخَر.
قَالَ بواس: وَيسْتَعْمل الأصحاء فِي السّنة فِي الْأَشْهر الشتوية الْقَيْء لِأَن البلغم حِينَئِذٍ أَكثر مِنْهُ فِي الصَّيف والأمراض الْعَارِضَة فِيهِ تحدث فِي نواحي الرَّأْس والمواضع الَّتِي فَوق الْحجاب فَأَما فِي الصَّيف فأسهل لِأَن الْغَالِب على الْبدن حِينَئِذٍ المرار وَيحدث فِيهِ ثقل فِي الْبَطن والركبتين والمغص فَيجب أَن يبرد الْبدن ويحط مَا يرْتَفع مِنْهُ إِلَى أَسْفَل.
قَالَ ج: إِذا أردْت أَن تستفرغ الْبدن كُله فافعل ذَلِك فِي الصَّيف من فَوق وَفِي الشتَاء من أَسْفَل كَمَا قيل فِي الْفُصُول.
وَإِذا أردْت أَن تمنع الْفضل من الرئة فاستفرغ من ضد الْجِهَة فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تستفرغ المرار فِي الصَّيف بالإسهال ليمنع من طفوه فِي الْمعدة والبلغم فِي الشتَاء من فَوق ليمنع أَن يبْقى فِي الأمعاء مِنْهُ شَيْء.
بونيوس فِي العلاج: الْمَوَاضِع الْقَرِيبَة من حر الْبَحْر أصح من غَيرهَا فِي الْأَكْثَر وَكَذَا الَّتِي فِي الْجبَال والمائلة إِلَى الْجنُوب وَإِلَى الْمغرب فَإِنَّهَا وبئية والمواضع الجبلية الْعَالِيَة أصح من غَيرهَا وَاجعَل أَبْوَاب المساكن وكواها شرقية لِأَن الرِّيَاح الَّتِي تهب من الشرق أصح من غَيرهَا وحرارة الشَّمْس تلطف الْهَوَاء الغليظ الكدر وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تعنى ببسط ضوء الشَّمْس فِي الْمسكن كُله فَإِنَّهُ يلطف هواءها الغليظ وَتَكون مُرْتَفعَة وَلَا يكون الْمسكن مُقَابل الْجنُوب لِأَنَّهَا ريح حارة رطبَة مُخْتَلفَة الطَّبْع تهيج أمراضاً كَثِيرَة وَيَنْبَغِي أَن تعنى فِي الصَّيف بِأَن يكون بِقرب الْمنَازل مَاء عذب نظيف كثير فَإِن البخار الْكثير العذب الرطب المتصاعد مِنْهُ الْكثير يطفىء حرارة الصَّيف ويرطب اليبس ويضاد النارية مضادة كَافِيَة.)
قَالَ: وَلَا يكون قيام هَذَا المَاء فِي مَكَان فِيهِ قذر وَبَوْل بل يكون مَاء نظيفاً كثيرا.
لى: هَذَا مُمكن إِن يكون أَيْضا برك فِي الْبَيْت فَأَما هُوَ فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ النقائع الْكِبَار.
الِانْتِقَال من مَكَان جيد إِلَى مَكَان رَدِيء يمرض سَرِيعا ولانتقال من رَدِيء إِلَى جيد لَا يمرض.
الْمَوْت السَّرِيع: قد يعرض فِي السنين الْكَثِيرَة الرُّطُوبَة حمى وحرارة مزمنة واستطلاق ونزف دم الْحيض والقروح والعفن والصرع والقلاع وَفِي السنين الْيَابِسَة أوجاع الرجلَيْن والمفاصل والسل وعسر النَّفس وأوجاع الأمعاء.
وَأما فِي أول الصَّيف فَأن الصّبيان يصحون وَيصِح الشُّيُوخ فِي القيظ والخريف. والشباب فِي الشتَاء وَقد تكْثر الْأَمْرَاض خَاصَّة فِي نيسان فَأَنَّهُ رُبمَا عرضت أمراض مُخْتَلفَة شَدِيدَة.
قَالَ: وَأما الرِّجَال وَالصبيان فَإِذا غلت دِمَاؤُهُمْ لى: يعْنى رقت وانبسطت كالحال فِي(4/414)
الرّبيع اعتراهم فِي الْمرة استطلاق والقروح الردية والحمرية والتنفط والسعال وتقشر الْجلد والقوابي والتشنج والجرب والعطش فَهَذِهِ الْأَعْرَاض الْعَارِضَة فِي نيسان.
قَالَ: وَأما القيظ فتعرض فِيهِ حمى غب ومطبقة ويبس الْجلد والرمد وأوجاع الْأذن والقيء وَمَشى الْمرة فَأَما فِي الخريف فتعرض الرّبع والسعال والأطحلة وَالِاسْتِسْقَاء وزلق الأمعاء وعسر الْبَوْل ووجع الْوَرِكَيْنِ والسدد والخوانيق وَذَات الْجنب وَذَات الرئة وإيلاوس والسكتة والصرع فَأَما الشتَاء فَيعرض ذَات الْجنب وَذَات الرئة والسعال ووجع الظّهْر والبهر وعرق النسا وَحمى البلغم والفالج والسكتة.
من كتاب العلامات: الصَّيف تكون الأخلاط فِيهِ ردية مرارية وخاصة فِي آخر الصَّيف وَابْتِدَاء الخريف وَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يحسن التَّدْبِير فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ.
الْخَامِسَة عشرَة من النبض: فِي الوباء الْمُفْسد للقلب يلْزم حمى كالدق لَا يحسها أَصْحَابهَا ونبضهم لَيْسَ بِبَعِيد عَن الطبيعي أَو هُوَ كَمَا هُوَ وَلَيْسَ بطبيعي على الْحَقِيقَة لَكِن قد اتّفق فِي الْقلب سوء مزاج مُخْتَلف يجْتَمع فِي جملَته إِن يكون النبض بِتِلْكَ الْحَال وحالهم مَعَ هَذَا ردية ويموتون وهم بِهَذِهِ الْحَال وتنفسهم رُبمَا كَانَ منتنا وَيَمُوت أَكثر من تنفسه منتن لِأَن ذَلِك دَلِيل على عفن فِي الْقلب وَمِنْهُم من يحس بحماه وَلَكِن لَا تثبت فِي جرم الْقلب بل فِي بَطْنه.
لى: أَي يثبت فِي الْهَوَاء الَّذِي هُنَاكَ وَلم يصر جرم الْقلب إِلَى سوء مزاج بعد وَحَال هَذَا كَحال حمى يَوْم عِنْد حمى دق.)
وَقَالَ: الحميات الوبئية تحير الْأَطِبَّاء لِأَن العليل لَا يحس فِيهَا بحرارة وَلَا فِي نبضه وَلَا فِي مَائه مَا يدل على خُرُوج عَن الطبيعة وَإِن وجد شَيْئا من الإعياء وَالْكرب ذهب عَنهُ بالحمام وهم مَعَ ذَلِك يموتون سَرِيعا فَلهَذَا تحير الْأَطِبَّاء فِيهَا إِلَّا أَن الْعَامَّة قد يعلمُونَ بالتجربة أَن ينْظرُوا إِلَى النَّفس فَإِن كَانَ منتنا علمُوا أَن الْحَال ردية ويتفقدون مَعَ ذَلِك لون الرِّيق فَإِن كَانَ لَونه بلون مَا يدل على الْفساد قضوا أَن حَاله هَذِه من وباء وَيَنْبَغِي للطبيب أَن يتفقد فِي أَفْوَاههم فَأَنَّهُ يرى فِي أَفْوَاه بَعضهم شَيْئا كلون الورم الْمَعْرُوف بالحمرة والورم الْمَعْرُوف بالنملة وتراه متشققاً قطعا قطعا فِي أول مرضهم وصدورهم إِذا لمست حارة وأبوالهم كَثِيرَة خاثرة وَقد تكون أَيْضا رقيقَة مائية وَفِي الْأَكْثَر تكون على الْحَال الطبيعة فَإِن رَأَيْت فِي بعض أبوالهم تعلقاً أَو رسوباً ردياً أَو سوداوياً أَو باذنجانياً أَو متشوشاً ملقى بعضه على بعض كالدقيق الَّذِي ينصب على الطابق فَإِن ذَلِك كُله رَدِيء.
قَالَ: فبهذه يَنْبَغِي أَن تعرف وَتعلم هَل فِي بدن الْمَرِيض اخْتِلَاف مَا فَقَط أم ابْتِدَاء مرض بِهِ وتأتى مَعَه حمى دقيقة وَمَعَ هَذِه العلامات فقد يفرق بَين هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ.
لى: يعْنى بَين من بِهِ فَسَاد وبئى وَبَين من بِهِ سوء مزاج يحدث بِهِ حمى دقيقة أَو بِهِ دق خَالِصَة بِلَا وباء.(4/415)
قَالَ: وَرُبمَا عرض للعليل فِي عقب الاستحمام فِي الْحمام وَذَلِكَ أَن أَصْحَاب هَذِه الْعلَّة يصيبهم بعد ذهَاب الشَّهْوَة وعطش شَدِيد وشوق إِلَى المَاء الْبَارِد وَتصير أَعينهم حارة ملتهبة وَرُبمَا بقيت هَذِه الْآثَار بعد الْحمام فِي أَعينهم فَإِذا رَأَيْت ذَلِك فَاعْلَم علما يَقِينا أَنه قد أَصَابَهُ وباء.
الأولى من ابيذيميا: الْأَحْوَال الْأَرْبَع الَّتِي وصفهَا أبقراط من أَحْوَال الْهَوَاء هِيَ الَّتِي تعرض أَكثر مِمَّا يعرض سَائِر أَصْنَاف الوباء وفيهَا كِفَايَة لمن أَرَادَ أَن يَجْعَلهَا مِثَالا.
وَقَالَ: يَنْبَغِي مَتى حدث فِي الْهَوَاء حَال مَا إِن تنظر فِي أَمر الْبَلَد والمزاج فَإِنَّهَا تعين إِذا اتّفقت مَعَ الْهَوَاء الْحَادِث وتضاده إِذا خَالَفت الْبلدَانِ الْمُسْتَقْبلَة المستترة عَن الشمَال وَمُدَّة عقبه وبالضد.
قَالَ: وَانْظُر فِي كل حَادث للهواء فِي حَال الْأَبدَان ثمَّ ضاده بالغداء وَالتَّدْبِير والرياضة.
قَالَ: والأبدان الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال يمرضها الْهَوَاء الشبيه بِهِ اسرح وَأما المصاد لَهَا فَإِنَّهُ كادواء لَهَا وَأما الْأَبدَان المعتدلة فحالات الْهَوَاء الْخَارِجَة عَن الِاعْتِدَال يضر بالأبدان المعتدلة مضرَّة عَظِيمَة كَمَا يضر الْأَبدَان الْمُوَافقَة لَهَا الْغَيْر المعتدلة كَمَا أَنه لَيْسَ الْبَتَّةَ حَال خَارِجَة عَن الِاعْتِدَال)
فَإِنَّهُ يَضرهَا غَايَة الْمضرَّة وَذَلِكَ أَن هَذِه الْأَبدَان من ذَاتهَا مشرفة على الْوُقُوع فِي مرض من جنس سوء المزاج الَّذِي بهَا فَإِذا أعانها على ذَلِك سوء مزاج الْهَوَاء استولى عَلَيْهَا سَرِيعا فَأَما الْأَبدَان الَّتِي مزاجها ضد مزاج الْهَوَاء الْحَادِث فَإِنَّهَا تصير إِلَى حَال أَجود لِأَنَّهَا تمنعها مِمَّا هِيَ مشرفة على الأولى من الثَّانِيَة من ابيذيميا: الصَّيف المطير الجنوبي الدَّائِم يحدث القروح الْمُسَمَّاة حمرَة والصيف الْحَار العديم الرّيح الرّطبَة يحدث حمرَة.
قَالَ أبقراط: أحد مَا تكون من الْأَمْرَاض وأقتلها فِي الخريف وَذَلِكَ أَن مُنْتَهى هيجانها بالْعَشي فِي أَكثر الْأَمر لِأَن مَحل الْعشي من الْيَوْم كالخريف من السّنة وَفِي الخريف تتكون وتهيج الديدان فِي الْبَطن ووجع الْفُؤَاد.
الأولى من الثَّالِثَة: الْهَوَاء الْمُحِيط بالمواضع الَّتِي فِيهَا كرنب كثير وَجوز وسواخط وشمشار يفْسد.
لى: تفقد ذَلِك فِي سَائِر الْأَشْجَار كالأبهل وَنَحْوه.
الثَّالِثَة من الثَّانِيَة: الِاخْتِلَاف الَّذِي فِيهِ أَشْيَاء من جنس وَاحِد يذوب مشبه أَن يكون غير مفارق للحمى الوبئية فَإِن جَمِيع من حم فِي الْبَاء كَانُوا يَخْتَلِفُونَ شَيْئا من(4/416)
جنس مَا يذوب والامتناع من الطَّعَام أَيْضا كثيرا مَا يعرض لَهُم وَمن لم يَأْكُل هلك وَمن قهر نَفسه وَأكل سلم.
الأولى من السَّادِسَة: حميات الوباء خَارج الْبدن لَيْسَ بِهِ كثير حرارة والعليل يَحْتَرِق احتراقاً حَتَّى كَأَنَّهُ فِي اللهيب وَلَا يقدر أَن يلقِي عَلَيْهِ ثوب رَقِيق وَإِذا لمسته وجدته لَيْسَ بحار.
الْخَامِسَة من السَّادِسَة: الْهَوَاء الْبَارِد يشد الْبَطن لِأَنَّهُ يكثر الْحَرَارَة الغريزية فِي الْبَطن فيجود تَنْفِيذ الْغذَاء ودرور الْبَوْل وَلِأَنَّهُ يشد عضل المقعدة وينفض الثفل إِلَى فَوق ويجعله بطيء الْقبُول لما ينحدر.
السَّادِسَة من السَّابِعَة: إِذا تحركت الشمَال بعد الْجنُوب كثرت النزلات من الرَّأْس وَكَثُرت علل الْحلق والصدر وَسَائِر مَا يحدث عَن نَوَازِل الرَّأْس لِأَن الْجنُوب تملأ الرَّأْس وتسخنه فَإِذا جَاءَت الشمَال بعقبة وصل الْبرد إِلَى مسامه وعصره وتسيل مِنْهُ مواد إِلَى مَا تَحْتَهُ من الْأَعْضَاء.
قَالَ: الْهَوَاء الَّذِي فِي الْبيُوت أَشد غلظاً وَأَشد جمعا وأرخى للبدن وَأكْثر عفونة من الْهَوَاء المكشوف للسماء وخاصة مَا كَانَ مِنْهُ أَعلَى موضعا وَأكْثر هبوباً للرياح.
قَالَ: الْهَوَاء الغليظ لَا ترى الْكَوَاكِب الصغار فِيهِ ويغلظ الْهَوَاء من أَنه لَا يَتَحَرَّك وَمن أَن بخارات)
غَلِيظَة تختلط بِهِ وَلَيْسَ الْهَوَاء الغليظ هُوَ الْهَوَاء الرطب يكون غير متشابه الْأَجْزَاء فَيكون مِنْهُ شَيْء رَقِيق بَاقٍ بِحَالهِ وَشَيْء قد ساخ فِيهِ بخار رطب وَأما الْهَوَاء الغليظ فقد خالط ذَلِك الغلظ كُله باستواء.
قَالَ: أبقراط يَأْمر أَن يتفقد الْهَوَاء دَائِما وَينظر مَا يحدث عَنهُ من الرِّيَاح والسكون والرمد وَالْحر وَالْبرد والرطوبة واليبس.
قَالَ: إكثار أكل الكراث والثوم والأطعمة الحريفة يُورث فِي الصَّيف مغصاً لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل إِلَى المرار وَالْبدن يغلب عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْت المرار. وَأما الشتَاء فَلِأَن البلغم هُوَ الْغَالِب فِيهِ على الْبدن فَإِن هَذِه الْأَطْعِمَة مَعَ أَنَّهَا لَا تحدث مغصاً قد تكون سَببا لنفع عَظِيم ينَال الْبدن مِنْهُ فِي ذَلِك الْوَقْت لِأَنَّهَا تسخن الأخلاط الغليظة اللزجة الَّتِي تكْثر فِي الشتَاء وتغلب على الْأَبدَان.
قَالَ ج فِي بعض كتبه: يَنْبَغِي للطبيب أَن يتفقد تغير الْهَوَاء وهبوب الرِّيَاح دَائِما.
الأولى من الأهوية والبلدان: يَنْبَغِي أَن تعلم الأَرْض أجرداء هِيَ أم عديمة المَاء أم شعراء أم غائرة حارة شامخة بَارِدَة ثمَّ تنظر بعد هَذَا فِي غذَاء أهل ذَلِك الْبَلَد والأشياء الَّتِي يعمهم تدبيرها والأمراض الَّتِي تعتريهم وَهِي الْمُسَمَّاة البلدية والرياح الْبَارِدَة الَّتِي تهيج عَن بطيحة أَو عَن مَوضِع بِتِلْكَ الْبِلَاد فتهيج مِنْهُ الرِّيَاح والبحار وَالْجِبَال والمعادن مِنْهُ.
قَالَ: وتتفقد من الْبِلَاد هَل أَهلهَا يكثرون الْأكل ويكثرون الشَّرَاب وَكَيف حَالهم فِي الدعة والكبد وعاداتهم وأمورهم أَيْضا قَالَ(4/417)
ج: الفحص عَن أغذيتهم من أوفق شَيْء يسْتَدلّ بِهِ.
قَالَ: فَإِن الطَّبِيب إِذا تفقد هَذِه الْأَحْوَال من الْبَلَد الَّذِي يدْخلهُ لم يخف عَلَيْهِ مَا يحدث على أَهلهَا من الْأَمْرَاض إِذا كَانَت الْمَدِينَة بارزة للجنوب مستورة عَن الرِّيَاح الْبَارِدَة وَهِي الشمالية كَانَت أمياهها حارة مالحة ورؤوس سكانها رطبَة بلغمية وبطونهم كَثِيرَة الِاخْتِلَاف دائمة.
قَالَ ج: ذَلِك لِأَن الْجنُوب تملأ الرَّأْس ويسيل مِنْهُ إِلَى معدهم فينقص هضمهم وتختلف بطونهم وأبدانهم تضعف لِأَن دوَام الرِّيَاح الجنوبية يُرْخِي ويضعف ويغشى الْبَصَر ويثقل السّمع ويكسل ويرهل وَلَيْسَ شهوتهم للطعام وَلَا هضمهم لَهُ يجيد لِكَثْرَة مَا يسيل من البلغم إِلَى معدهم وَلَا للشراب وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَيْضا أَن يكثروا من الشَّرَاب لِأَن الْخمار شَدِيد الْأَذَى لَهُم لضعف رؤوسهم لِأَن الْخمار إِلَى الرؤوس الضعيفة أسْرع وَأوحى لِأَن من كَانَ رَأسه ضَعِيفا رطبا لَا يتَمَكَّن من كَثْرَة الشَّرَاب لِأَن ذَلِك يزِيد الدِّمَاغ ضعفا فَلَا يقدر على التملؤ مِنْهُ وأعمارهم)
قَصِيرَة وأخلاقهم سَيِّئَة والقروح الْعَارِضَة لَهُم عسرة بطيئة الْبُرْء رطبَة رهلة ويعرض للنِّسَاء النزف بهَا أَعنِي كَثْرَة الْحيض ويكن مسقامات أبدا وَلَا يحملن إِلَّا بعسر فَإِن حبلن اسقطن فِي الْأَكْثَر وَلَيْسَ ذَلِك من قبل طبيعتهم لَكِن من كَثْرَة أمراضهم واما الرِّجَال فَيعرض لَهُم اخْتِلَاف دم وبواسير ورمد رطب وَهُوَ البُخَارِيّ الدخاني الْقصير الْمدَّة ويعرض لمن جَاوز الْخمسين الفالج كثيرا.
قَالَ ج: أَكثر مَا ينحدر بطُون هَؤُلَاءِ النِّسَاء يمر من الْبَطن إِلَى جَمِيع الْبدن فِي الْعُرُوق فَإِن أَكثر مَا فِي الْعُرُوق يصير إِلَى الْأَرْحَام لِأَن الدَّم ينتقص مِنْهَا فِي كل شهر.
قَالَ: والربو يكثر فِي هَذِه الْمَدِينَة وَفِي صبيانهم خَاصَّة وَكَذَا الصرع والكزاز وَذَلِكَ كُله لِكَثْرَة البلغم فِي الرَّأْس لِأَنَّهُ إِن نزل إِلَى الرئة كَانَ مِنْهُ ربو وَإِن بَقِي كَانَ مِنْهُ صرع ويعرض لرجال هَذِه الْمَدِينَة لين الْبَطن وَاخْتِلَاف الدَّم والحمى الَّتِي فِيهَا برد وحر فِي حَال وَحمى طَوِيلَة شتوية وَحمى ليلية وبواسير وَاخْتِلَاف الدَّم إِذا كَانَ البلغم النَّازِل من الرَّأْس مالحاً.
سكان الْمَدِينَة الْمَوْضُوعَة قبالة الْجنُوب يعرض لَهُم لين الْبَطن وَاخْتِلَاف الدَّم والحمى الَّتِي يعرض فِيهَا حر وَبرد مَعًا وَحمى شتوية طَوِيلَة وَحمى لَيْلَة وبواسير.
قَالَ: الذرب يحدث لَهُم إِذا لم يكن البلغم النَّازِل من رؤوسهم لذاعاً وَيحدث لَهُم اخْتِلَاف دم إِذا كَانَ مالحاً وانتياليس إِنَّمَا يعرض لَهُم لِأَن البلغم الَّذِي قد عفن يحدث مَعَه سخونة وَالَّذِي لم يعفن يحدث مَعَه برودة فَيكون فِي حَال حر وَبرد.
قَالَ ب: وَلَا يعرض لهَؤُلَاء ذَات الْجنب وَلَا ذَات الرئة وَلَا حميات محرقة وَلَا شَيْء من الْأَمْرَاض الحارة للين بطونهم.(4/418)
قَالَ ج: لِأَن فضول أبدانهم تستفرغ كل يَوْم وَقد يعرض لَهُم رمد غير شَدِيد وَلَا طَوِيل أما الرمد فبسبب رُطُوبَة رؤوسهم وَأما غير شَدِيد وَلَا طَوِيل فبسبب تحلل عيونهم وَسَائِر أبدانهم وتحلل الفضول مِنْهَا سَرِيعا قَالَ: إِلَّا أَن يكون مَعَ هبوب الْجنُوب يتَغَيَّر الْهَوَاء مَعَه إِلَى الْبرد فيحتقن كثيرا من ذَلِك وَيطول ذَلِك الرمد.
قَالَ: وَإِذا أَتَى على هَؤُلَاءِ خَمْسُونَ سنة عرضت لَهُم نَوَازِل كَثِيرَة من الدِّمَاغ فيفشو فيهم الفالج وَمن عرض لَهُ ذَلِك مِنْهُم كَانَ الفالج فِي جَمِيع بدنه وَلَا سِيمَا إِذا أَصَابَت رؤوسهم حرارة بَغْتَة أَو برودة شَدِيدَة. وَالْمَدينَة الْمَوْضُوعَة قبالة الرّيح الْبَارِدَة أَعنِي الشمالية المستورة عَن غَيرهَا)
من الرِّيَاح الحارة تكون رياحها البلدية أبدا هَذِه حَالهَا وعرضها شمَالي كثير وَهَذِه ضد تِلْكَ الْمَدِينَة الأولى لِأَن تِلْكَ جنوبية.
لى: التَّغَيُّر الأول يعرض للبلد من الْعرض فَيكون لذَلِك شمالياً أَو جنوبياً والشمالية بَعْضهَا شمَالي بِالْإِضَافَة إِلَى بعض الْهَوَاء يكون شمالياً أَو جنوبياً أَولا بِالْعرضِ وَالثَّانِي بالاستتار عَن الْجنُوب أَو عَن الشمَال.
قَالَ: 3 (سكان الْمَدِينَة الشمالية) أقوياء وسوقهم دقيقة اضطراراً.
قَالَ ج: أما سكان الْمَدِينَة الجنوبية فَإِن أبدانهم إِلَى الضعْف والتخلخل مَا هِيَ والسكان فِي الشمالية بالضد لأَنهم أصحاء أشداء وسوقهم دقيقة نحيفة وصدورهم عريضة لِأَن بطونهم حارة لتكاثف الْحَرَارَة لبرد ظَاهر أبدانهم فَلذَلِك تتوسع الصَّدْر وينحف مَا بعد عَن الْقلب لى: لِأَن الْحَرَارَة فِي هَؤُلَاءِ لَا تنبسط فِي الْأَطْرَاف لَكِن تتعقد فِي وسط الْبدن وبطونهم السُّفْلى يابسة جاسئة والعالية لينَة لِأَن أهل الْبَلَد الجنوبي أَصْحَاب بلغم فطبائعهم تلين وَهَؤُلَاء بطونهم الْعَالِيَة لينَة لِأَن فِي معدهم صفراء كَثِيرَة.
قَالَ: ورؤوسهم صَحِيحَة صلبة شَدِيدَة اليبس لقلَّة الفضول فِيهَا وَيكون الفتق فيهم كثيرا وَكَذَلِكَ انْشِقَاق الْعُرُوق لِأَن أبدانهم صلبة فَإِذا وَثبُوا وحملوا شَيْئا كثيرا ثقيلاً ينشق مِنْهُم الصفاق وَالْعُرُوق لِأَن صفاقاتها لَيست هوائية لينَة ويصيبهم ذَات الْجنب والأمراض الحادة كثيرا ليبس بطونهم.
قَالَ: ويعرض لَهُم النفخ فِي كل عِلّة وَسبب هَذَا صلابة أبدانهم وتمددها فلتمددها تَنْقَطِع مِنْهُم الْعُرُوق والعضلات ولكثافة سطوح أبدانهم لَا تتحلل وتنفش تِلْكَ الرطوبات فتتنفخ وخاصة إِن كَانَ ذَلِك فِي نواحي صُدُورهمْ وتنقطع عروقهم بِسَبَب برد مَائِهِمْ لِأَن المَاء الْبَارِد يمدد جدا ويكثرون الْأكل وَلَا يكثرون الشَّرَاب.(4/419)
لى: أَنه لم يُعْط الْعلَّة فكأنهم لم يَأْكُلُون كثيرا.
وَقَالَ: أَنهم يشربون قَلِيلا لِأَن أكلهم كثيرا وقلما يجْتَمع أَن يَأْكُل الْإِنْسَان وَيشْرب كثيرا وَالْعلَّة عِنْدِي فِي كَثْرَة الْأكل برد الْبَلَد وَفِي قلَّة الشّرْب تنشقهم الْهَوَاء الْبَارِد وَقلة الْعرق كالحال فِي)
قَالَ: وَلَا يعرض لَهُم الرمد سَرِيعا فَإِن عرض تصدعت أَعينهم لِأَن الرمد إِنَّمَا يقل فيهم لبرد بِلَادهمْ كَمَا أَنه يكثر فِي أُولَئِكَ لحر بِلَادهمْ وكما أَن أُولَئِكَ أَعنِي أَصْحَاب الْبِلَاد الجنوبية يسلمُونَ مِنْهُ لسخافة أَعينهم ولين بطونهم.
قَالَ: فَكَمَا أَنه لَا يعرض الرمد فِي الشتَاء إِلَّا للقليل من النَّاس فَإِن كَانَ شَدِيدا مؤلماً وَذَلِكَ يكون لضيق مسام صفاق الْعين وكثافتها من شدَّة الْبرد فَلَا تخرج مِنْهَا الفضول حَتَّى أَنَّهَا رُبمَا تصدعت لِكَثْرَة احتقان الرطوبات فِيهَا ولجسأ الطَّبَقَات لشدَّة الْبرد فَأَما الْأَبدَان اللينة فعلى خلاف ذَلِك لِأَن مسامها وَاسِعَة وطبقاتها مواتئة للامتداد.
لى: فَهِيَ بعيدَة من جِهَتَيْنِ أَن الامتلاء لَا يجْتَمع فِيهَا شَدِيدا لسعة المسام وَأَنه إِن اجْتمع فَإِن الطَّبَقَات مواتئة للامتداد. وبالضد فِي الْبلدَانِ والأزمان الْبَارِدَة.
قَالَ: ويعرض للشباب فِي الصَّيف رُعَاف شَدِيد كثير لِأَن الدِّمَاء فِي أبدانهم كَثِيرَة لبرد الْبَلَد فَإِذا جَاءَ الصَّيف تحللت وصعدت نَحْو الرَّأْس وفجرت الْعُرُوق.
قَالَ: وَلَا يعرض لَهُم الصرع فَإِن عرض كَانَ قَوِيا شَدِيدا لِأَن هَؤُلَاءِ أصحاء الرؤوس يابسها والفضول فِيهَا قَليلَة وَيكون الصرع فِيهَا دَلِيلا على عِلّة فِي غَايَة الْقُوَّة حَتَّى أمكنه إِن ظهر أَن يقهر مثل هَذِه الرؤوس.
قَالَ: وأعمارهم أطول. قَالَ ج: لقُوَّة أبدانهم وصحتها وَلَا سِيمَا الرَّأْس والبطن لِأَنَّهُ أَكثر مَا تعرض لَهُم الْأَمْرَاض الحادة والأمراض الحادة تعرض للأبدان القوية والقروح فِي أبدانهم سريعة الْبُرْء غير مؤلمة لِأَنَّهَا لَيست رطبَة وليبس أبدانهم لَا ينصب إِلَيْهَا شَيْء لصلابة أبدانهم وأخلاقهم خبيثة سبعية لأَنهم أَصْحَاب مرّة صفراء وأبدانهم قحلة وبلادهم بَارِدَة.
قَالَ: فَهَذِهِ الْأَمْرَاض تعرض فِي رِجَالهمْ وَهِي أمراضهم البلدية لِأَن أبدانهم لَا تنقى من الفضول وَالنِّسَاء أَيْضا لَا ينقين بالطمث وَالنِّسَاء عواق لِأَن برد هَذِه الْمَدِينَة وتنفسه يمْنَع الطمث من أَن يجْرِي مجْرَاه فَلَا ينقى النِّسَاء على مَا يَنْبَغِي وَلِأَن المَاء الْبَارِد فِي الْأَكْثَر بطيء النضج والبطيء النضج هُوَ الَّذِي لَا يسخن سَرِيعا وَلَا يبرد سَرِيعا فَيفْسد الطمث.
قَالَ: وَمن اشْتَمَلت من هَؤُلَاءِ عسر ولادها ليبس بدنهَا وصلابته وَلَا يعرض لَهُم إِسْقَاط إِلَّا قَلِيلا لِأَن أرحامهن جافة قَليلَة البلغم ولقوة أبدانهن وَرُبمَا أسقطن من شدَّة برد المَاء للذعه الْجَنِين ويقل لبنهن ويغلظ للبرد. وَقد يعرض لَهُنَّ كزاز وَأكْثر مَا يعرض لَهُنَّ(4/420)
السل بعقب الْولادَة)
لِأَنَّهُ من شدَّة الْأَمر عَلَيْهِنَّ فِيهِ وصلابة أبدانهن وعروقهن وَقلة مواتاتهن للامتداد تَنْقَطِع فِي صدورهن عروق وَرُبمَا انْقَطَعت عروق الْأَرْحَام وَرُبمَا انْقَطع شَيْء من العصب فَيعرض كزاز.
قَالَ: ويعرض لصبيان هَذِه الْمَدِينَة لذكورهم المَاء فِي الْخصي وَيذْهب عَنْهُم إِذا كبروا وَكَذَا يعرض للجواري المَاء فِي بطونهم وَيذْهب إِذا كبرن.
قَالَ: وَالِاسْتِسْقَاء يعرض فِي الْبلدَانِ الرّطبَة كثيرا وَأما هَذَا الْبَلَد فيابس لَكِن الصّبيان مزاجهم فِيهِ رطب ومياههم تجَاوز الِاعْتِدَال فَلذَلِك يصيبهم ذَلِك فَإِذا شبوا قويت حرارتهم وانفشت هَذِه الرطوبات.
لى: لما كَانَ ماؤهم شَدِيد الْبرد لم تنفش مِنْهُم رطوبات.
قَالَ: ويبطئ إِدْرَاك فتيانهم لبرد الْبَلَد وهبوب الرّيح الْبَارِدَة.
قَالَ: وَهَكَذَا حَال الْبلدَانِ الْمَوْضُوعَة على سمت الفرقدين والموضوعة على سمت القطب الجنوبي الَّتِي تهب فِيهَا الرِّيَاح الَّتِي فِي الْغَايَة من الْبرد واليبس وَهِي الشمالية وَالَّتِي فِي الْغَايَة من الْحر والرطوبة وَهِي الجنوبية.
لى: أوضاع المدن الَّتِي اخْتِلَاف مَا بَينهَا كثير جدا من المضاد أَربع: الْمَوْضُوعَة قبالة القطب الجنوبي على سمت القطب أَو مَا يَلِي إِلَى نَاحيَة الْمشرق الشتوي وَإِلَى أول حد الْمشرق الشتوي وَهُوَ حَيْثُ مطلع الجدي وَأما إِلَى نَاحيَة الْمغرب وَإِلَى حَيْثُ يغرب الجدي وَهَذَا الْحَد كُله هُوَ من سمت القطب الجنوبي وَإِلَى مدَار الجدي كُله فَهَذِهِ المدن المكشوفة لهَذِهِ الْجِهَة المستترة عَن سواهَا تهب عَلَيْهَا الرِّيَاح الجنوبية الْخَالِصَة وَغير الْخَالِصَة. فَأَما الْخَالِصَة فَمَا هَب مِنْهَا من سمت القطب نَفسه وَغير الْخَالِصَة فَمَا مَال عَن القطب نَحْو الْمشرق أَو الْمغرب الشتوي وَهَذِه هِيَ المدن الَّتِي ذَكرنَاهَا أَولا وبقدر ميلها عَن مُقَابلَة القطب الجنوبي يكون نقصانها عَن ذَلِك ودخولها فِي المدن الْأُخَر الَّتِي نذْكر.
وَالْمَدينَة الْمَوْضُوعَة سمت القطب الشمالي إِلَى أَوَاخِر المطلع وَالْمغْرب الصيفي وَهُوَ مدَار السرطان وَهَذِه الْمَدِينَة الثَّانِيَة وتطلع عَلَيْهَا ثَلَاث ريَاح: شمالية خَالِصَة وَهِي الَّتِي تطلع من سمت القطب نَفسه والأخريان المائلتان إِمَّا نَحْو الْمشرق وَإِمَّا نَحْو الْمغرب وتختلف هَذِه الْبلدَانِ من ميلها نَحْو الْمشرق وَالْمغْرب وَهُوَ الْبَلَد الثَّانِي. والبلدان الْمَوْضُوعَة قبالة مشرق الشَّمْس هِيَ)
من حد مغرب الْمِيزَان إِلَى حد مغرب الجدي والسرطان.
فَأَصْدقهَا طبعا وأعدلها هَوَاء الْمَوْضُوع على سمت مطلع الْحمل وَمَا مَال مِنْهَا إِلَى نَاحيَة السرطان أَو الجدي فَيدْخل بِقدر ذَلِك فِي طبائع تِلْكَ الْبلدَانِ فالموضوعة سمت مشرق الشَّمْس هُوَ الْمَوْضُوعَة هَذَا الْحَد إِلَّا أَنَّهَا مكشوفة للمشرق مستورة عَن الْمغرب وَهِي(4/421)
ضد المغربية والبلدان الْمَوْضُوعَة قبالة مغرب الشَّمْس وَهُوَ منحد مطلع الْحمل إِلَى حد مطلع الجدي والسرطان وَأصْدقهَا طبعا وأعدلها فِي هَذَا الْموضع على سمت الْمِيزَان وَإِنَّمَا نقُول هَذَا وَمَا مَال مِنْهَا إِلَى نَاحيَة السرطان والجدي فَيدْخل بِقدر ذَلِك فِي طبائع تِلْكَ الْبلدَانِ فالموضوعة سمت مغرب الشَّمْس هِيَ مَوْضُوعَة على هَذَا الْحَد إِلَّا أَنَّهَا مكشوفة للمغرب مستورة من الْمشرق وَهِي ضد المشرقية والشمالية ضد الجنوبية فَأَما المشرقية فتوافق الشمالية فِي أَشْيَاء والجنوبية فِي أَشْيَاء لِأَنَّهَا بَينهمَا وَكَذَا المغربية وتخصها فِي نَفسهَا أَشْيَاء أُخْرَى والمشرقية هِيَ الْمَدِينَة الثَّالِثَة فَهَذَا أصل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
فَأَما أبقراط فَيَضَع ذَلِك بِحَسب الْفلك الْخَارِج المركز للشمس فالمدينة الأولى المسامتة لخط الاسْتوَاء وَالثَّانيَِة المسامتة لما تسامت اخْتِلَافا فِي الطَّبْع وَذَلِكَ أَن الْبلدَانِ تخْتَلف طبائعها من أجل الْعرض اخْتِلَافا كثيرا جدا حَتَّى تتضاد وَلَا تخْتَلف من أجل الطول الْبَتَّةَ فالأجود أَن تفهم أَولا مَا قلت أَولا بِالْكُلِّيَّةِ ثمَّ مَا قَالَ.
قَالَ أبقراط: كل مَدِينَة مَوْضُوعَة بِإِزَاءِ مشرق الشَّمْس فَإِنَّهَا أصح لِأَن الْحَرَارَة والبرودة فِيهَا أقل.
لى: افهم هَهُنَا على قَوْله لِأَن الْبلدَانِ الَّتِي تَحت خطّ الاسْتوَاء شَدِيدَة الْحَرَارَة فَيجْعَل حد غَايَة الْحر فِيهَا من القطب الجنوبي. وَأما حد غَايَة الْبرد فَإلَى حَيْثُ يكثر عرضهَا فِي الشمَال مَا أمكن وَالَّذِي بَين هَذِه فِي الْوسط إِذا كَانُوا مكشوفين للمشرق وهم أهل الْبَلَد وَالَّذِي نريده الْآن وَلَيْسَ وَاعْلَم أَن الْحر وَالْبرد علته الأولى اخْتِلَاف الْعرض وَأما الْأُخْرَى فالارتفاع والانخفاض أقواها ثمَّ الاستتار والانكشاف وَالْجِبَال المحرقة يشْتَد حماها بالشمس أَو مَوَاضِع ثلوج كَثِيرَة تهب عَلَيْهَا دَائِما ريَاح تَجِيء إِلَى بلد فَإِنَّهَا تبرده أَو ريَاح أضداده هَذِه وَسَائِر ذَلِك مِمَّا سَنذكرُهُ.
قَالَ أبقراط: أمراضهم تكون أقل وأضعف ومياههم نميرة لَطِيفَة صَافِيَة وَذَلِكَ أَن انكشافهم لمشرق الشَّمْس مِمَّا لَا يدع الْهَوَاء أَن يغلظ وَذَلِكَ لسرعة مبادرة الطُّلُوع عَلَيْهِم فَإِن الْهَوَاء إِنَّمَا)
يغلظ فِي الأسحار لفقد الْحَرَارَة: فَإِذا أسْرع طُلُوع الشَّمْس على الْبلدَانِ فرق ذَلِك الْهَوَاء قبل أَن يتلبد ويمازج المَاء وَغَيره وبالضد.
قَالَ: وكل مَدِينَة على سمت الْمغرب تكون رُطُوبَة هوائها بَاقِيَة فِيهَا كثيرا.
قَالَ: وبشرة وُجُوه هَؤُلَاءِ حَسَنَة لينَة وألوانهم نيرة مضيئة إِن لم يعرض دونه عَارض وأصوات رِجَالهمْ صَافِيَة حَدِيدَة وَلَا يصلعون سَرِيعا وَلَا يحتدبون وَهِي أصح المدن مَاء وهواء والعشب والنبات فِي هَذِه أصح من غَيرهَا وَأَهْلهَا أفضل أبداناً وأنفساً.
قَالَ: وَهَذِه الْمَدِينَة فِي خاصتها تشبه فصل الرّبيع فِي اعتداله.(4/422)
قَالَ: وَكَذَا أَمر كل مَدِينَة مَوْضُوعَة فِي سمت الرِّيَاح الْيَسِيرَة الْحَرَارَة.
قَالَ: وَنسَاء هَذِه الْمَدِينَة يعلقن كثيرا مشقة لاعتدال حالهن.
الرَّابِعَة: كل مَدِينَة مَوْضُوعَة سمت الْمغرب الشتوي فَهِيَ مستترة من الرِّيَاح الشرقية وتهب عَلَيْهَا الرِّيَاح الحارة الْوَارِدَة من نَاحيَة الفرقدين من نَاحيَة الاسْتوَاء.
قَالَ: فَتكون هَذِه الْمَدِينَة كَثِيرَة الْأَمْرَاض لَا محَالة وَهِي شَرّ المدن لاخْتِلَاف هوائها وتشبه الخريف.
لى: تفقد أبدا كل مَدِينَة مستورة عَن أَي الرِّيَاح ومكشوفة بهَا.
قَالَ: مياه هَذِه الْمَدِينَة غير صَافِيَة لِأَن أشجارها تطول جدا فيخالط الْهَوَاء الغليظ المَاء فيكدره ويفسده وَلَا تشرق الشَّمْس فِي هَذِه الْمَدِينَة فِي أول طُلُوعهَا حَتَّى ترْتَفع وَتَعْلُو فيمكث هواؤها زَمَانا طَويلا كدراً وتهب فِيهَا فِي أَيَّام الصَّيف عِنْد الأسحار ريَاح بَارِدَة وتبرد صدر نهارهم فَإِذا كَانَ آخر نهارهم أسخنت الشَّمْس أَهلهَا اسخاناً شَدِيدا لِأَنَّهَا يطول زمَان طُلُوعهَا عَلَيْهِم حَتَّى تغرب وَيكون رِجَالهمْ صفراً ويمرضون ضروب الْأَمْرَاض وَلَا يسلمُونَ مِنْهَا وأصواتهم ثَقيلَة إِلَى البحوحة من أجل غلظ الْهَوَاء ورطوبته وكدرته لِأَن الرُّطُوبَة تبح الصَّوْت ونهارهم مُخْتَلف رَدِيء وخاصة فِي زمَان الخريف بِكَثْرَة اخْتِلَاف تغير الْهَوَاء مَا بَين السحر إِلَى نصف النَّهَار.
الثَّانِيَة من الأهوية والبلدان قَالَ: إِذا غلب على مزاج الْبدن الْحَرَارَة والرطوبة عرض عفن كثير وَلَا سِيمَا إِذا لم تهب ريح تحسن لَكِن يكون الْهَوَاء حِينَئِذٍ جنوبياً سَاكِنا وعلامته الغلظ والكدرة مَعَ الْحَرَارَة.)
إِذا كَانَت الْمِيَاه فِي الخريف يسيرَة وَفِي الشتَاء كَثِيرَة فَلَا يكون الصحو كثيرا وَلَا الْبرد فَوق الْمِقْدَار فِي الشتَاء وَكَانَت فِي الرّبيع الْمِيَاه معتدلة وَفِي الصَّيف أَيْضا كَانَت السّنة صَحِيحَة سليمَة جدا اضطراراً.
قَالَ: إِذا كَانَ الشتَاء يَابسا شمالياً وَالربيع كثير الأمطار جنوبياً عرض فِي الصَّيف الْحمى والرمد وَاخْتِلَاف الْأَعْرَاض اضطراراً لِأَنَّهُ إِذا دخل الْحر بَغْتَة وَالْأَرْض ندية من كَثْرَة أمطار الرّبيع والهواء جنوبي قد امْتَلَأت الرؤوس وَيكون الْبَطن لينًا ويهيج العفن والحميات بِمن كَانَ مرطوباً.
فَأَما النِّسَاء وَمن هُوَ فِي مزاجه رطب فَيعرض اخْتِلَاف الْأَعْرَاض.
قَالَ: الضّر فِي هَذَا الْحَال يَقع على أَصْحَاب الطبائع البلغمية لِأَن أَصْحَابهَا لَا يصبرون على هَذِه الْأَزْمَان الردية الرّطبَة الحارة فَأَما الَّذين مزاجهم يَابِس فَلَا يدْخل عَلَيْهِم من هَذِه الأمزجة ضَرَر لكِنهمْ يَنْتَفِعُونَ بهَا لأَنهم يرطبون ويرجعون إِلَى الْحَرَارَة والرطوبة الطبيعية وَأَصْحَاب الأمزجة الرّطبَة جدا يعرض لَهُم فِي الْأَزْمِنَة الحارة الرّطبَة اخْتِلَاف الْأَعْرَاض أَكثر مِمَّا يعرض لجَمِيع النَّاس.(4/423)
فَإِن جَاءَ فِي هَذِه السّنة فِي وَقت طُلُوع الْكَوَاكِب مطر وشمال كثير رُجي أَن تنْحَل الْأَمْرَاض وَيكون الخريف صَحِيحا وَإِلَّا فَشَا الْمَوْت فِي الصّبيان وَفِي النِّسَاء ضَرُورَة وَيكون فِي الْمَشَايِخ أقل لِأَن الصّبيان وَالنِّسَاء مزاجهم رطب وَيَنْبَغِي لمن خيف عَلَيْهِ الْمَرَض فِي ذَلِك الْوَقْت أَن يبرد بدنه وَيحسن تَدْبيره.
قَالَ: وَمن ينج من الْمَوْت من النِّسَاء وَالصبيان يَقع فِي حمى الرّبع وَمن الرّبع فِي جمع المَاء الْأَصْفَر لِأَن الحميات تحرق فيهم فَتَصِير سَوْدَاء والحمى الرّبع إِذا تطاولت آلت لي المَاء الْأَصْفَر.
فَإِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً مطيراً دفيئاً وَالربيع شمالياً بَارِدًا فالحوامل يسقطن فِي الرّبيع واللواتي يلدن مِنْهُنَّ يلدن أطفالاً ضعافاً. فإمَّا أَن يموتوا وَإِمَّا أَن يعيشوا مسقامين لعلل قد فسرت فِي كتاب الْفُصُول.
قَالَ: وَأما سَائِر النَّاس فَيعرض لَهُم فِي هَذَا التَّغَيُّر اخْتِلَاف الْأَعْرَاض ورمد يَابِس ونوازل من الرَّأْس إِلَى الرئة فَأَما النِّسَاء وَأَصْحَاب الأمزجة الرّطبَة فَيعرض لَهُم اخْتِلَاف الْأَعْرَاض لِأَن البلغم الْمُجْتَمع فِي رؤوسهم قي الشتَاء ينزل إِلَى بطونهم. وَأما أَصْحَاب الصَّفْرَاء فَيعرض لَهُم رمد. وَأما الشُّيُوخ فتعرض لَهُم نَوَازِل فِي عصبهم فَرُبمَا مَاتُوا فَجْأَة وَرُبمَا جف مِنْهُم الْجَانِب الْأَيْمن لِأَن الشتَاء الجنوبي لايصلب الْأَبدَان فَيدْخل الرّبيع بِبرد فيحفظ مَا فِي الرؤوس وَلَا يحلله فَإِذا جَاءَ)
الصَّيف عظم التَّغَيُّر فَلذَلِك يعرض مَا ذكرنَا.
وَمَا كَانَ من الْبلدَانِ تجاه الْمشرق ورياحه سليمَة ومياهه عذبة فَإِن الْمَدِينَة قَلما يَضرهَا تغير الْهَوَاء لجودة هوائها واعتدال سكانها.
كل مَدِينَة لَيست تجاه الْمشرق وَيشْرب أَهلهَا مَاء مالحاً وبطائحها ورياحها غير سليمَة فَإِن تغير الْهَوَاء يعظم ضَرَره فِيهَا لِأَن أبدانهم تسرع إِلَى قبُول الْآفَات.
إِذا كَانَ الصَّيف يَابسا شَدِيد الْحر ذهبت الْأَمْرَاض سَرِيعا فَإِن كَانَ كثير الأمطار طَالَتْ الْأَمْرَاض آلت القروح فِيهِ إِلَى الآكلة كثيرا لِأَن أخلاط الْبدن تكون قد عفنت جدا ويعرض زلق الأمعاء ولين الْبَطن وَالْمَاء الْأَصْفَر وَذَلِكَ يكون لِأَن الْبَطن يكون سهلاً جدا وَلَا يجِف ويدوم فَإِذا كثر الِاخْتِلَاف برد الْبدن كُله واستسقاء وزلق الأمعاء ولين الْبَطن تعرض من دوَام سيلان الرطوبات من الرَّأْس.
إِذا كَانَ الصَّيف كثير الأمطار جنوبياً والخريف كَمثل مَا كَانَ الشتَاء ضَرُورَة سقيماً تعرض للمبلغمين والشيوخ وَأَبْنَاء أَرْبَعِينَ سنة حمى لهبة محرقة ويعرض لأَصْحَاب الصَّفْرَاء ذَات الْجنب ووجع الرئة.
قَالَ ج: هَذَا الْكَلَام مضاد للعيان وَلما يظْهر دَائِما وَلقَوْله فِي كتاب الْفُصُول وَذَلِكَ لِأَن فِي الْأَزْمِنَة الحارة الرّطبَة تعفن الأخلاط فَإِذا كَانَ الصَّيف والخريف حارين رطبين ثمَّ(4/424)
دخل الشتَاء فَيجب أَن يعرض للنَّاس وجع الرَّأْس وَمرض الدِّمَاغ الْمُسَمّى سقاقلوس وسعال ونوازل وسل وزكام وَهَذَا القَوْل كذب على أبقراط.
قَالَ: إِذا كَانَ الصَّيف يَابسا جنوبياً والخريف كثير الأمطار شمالياً عرض للنَّاس فِي الشتَاء وجع الرَّأْس وسقاقلوس فِي الدِّمَاغ وسعال ونوازل وبحوحة وزكام والسل أَيْضا لبَعْضهِم.
قَالَ: الصَّيف الْيَابِس الجنوبي يكون إِذا لم يكن مطر وَلم تهب مَعَ ذَلِك ريَاح والرؤوس فِي ذَلِك حارة غير رطبَة فَإِذا كَانَ الخريف بعد ذَلِك بَارِدًا رطبا بِقدر انْتفع بِهِ بعض النَّاس لِأَنَّهُ يرد مزاج الدِّمَاغ إِلَى الِاعْتِدَال وَإِن كَانَ مفرطاً فِي الْبرد والرطوبة أضرّ بِبَعْض النَّاس لِأَن الرؤوس تكون سخيفة من الصَّيف الجنوبي فَإِذا أقبل الشتَاء أَصَابَهُم فِيهِ علل بَارِدَة وَمَا ذكر كُله وَأما سقاقلوس فِي الدِّمَاغ فَإِنَّهُ لإفراط العفونات فِي الدِّمَاغ يخرج عَن الِاعْتِدَال خُرُوجًا كثيرا.
وَإِذا كَانَ الصَّيف شمالياً يَابسا صَحَّ أَصْحَاب البلغم وَالنِّسَاء وَعرض لأَصْحَاب الصَّفْرَاء رمد)
يَابِس وحميات حارة مزمنة وَمرَّة سَوْدَاء لِأَن صفراءهم تحترق وَكَذَا دِمَاؤُهُمْ.
الصَّيف أَكثر أمراضاً من الشتَاء والخريف من الرّبيع وَذَلِكَ أَنه يكون يكثر فِيهِ المرار وتضعف الْأَبدَان بِكَثْرَة مَا ينفش مِنْهَا وَيكثر النَّاس أكل الْفَوَاكِه وَشرب المَاء.
قَالَ: ودع الكلى والبط والإسهال والقيء فِي تغاير الْفُصُول القوية.
قَالَ: كل مَدِينَة فَإِنَّهَا تهب عَلَيْهَا الرِّيَاح الْمُقَابلَة لَهَا فَإِن المدن الجبلية تَتَغَيَّر من أجل الْجبَال وَلَو لم يكن بَينهَا إِلَّا غلوة وَاحِدَة لِأَن الْجَبَل رُبمَا يستر بعض النواحي عَن قَرْيَة وينكشف عَن مَدِينَة فتخالف الْقرْيَة الْمَدِينَة.
قَالَ: وَالِاخْتِلَاف الْعَظِيم يكون للعرض كالحال فِي بِلَاد التّرْك والنوبة.
الثَّالِثَة: المدن المعتدلة فِي الْحر وَالْبرد يكثر فِيهَا الْحَيَوَان والنسل ويزكو النَّبَات وَتَكون شَهْوَة الباه فيهم غالبة وتعظم جثث الْحَيَوَان وَتَكون حَسَنَة.
لى: إِذا كَانَت الْبِلَاد مستوية لَيست كَثِيرَة الانخفاض وَلَا الِارْتفَاع كَانَ تغاير الْفُصُول فِيهَا يَسِيرا وبالضد فَإِن الْمَوَاضِع الشامخة يشْتَد فِيهَا الْبرد فِي الشتَاء والغائرة تكون كنينة. فَأَما فِي الصَّيف فالغائرة تكون رمدة والمرتفعة طيبَة لِكَثْرَة هبوب الرِّيَاح.
والبلدان الرّطبَة الْبَارِدَة المزاج تصير أبدان أَهلهَا عَظِيمَة شحمية لَا يتَبَيَّن لَهُم عرق وَلَا مفصل.
الْبلدَانِ الواغلة فِي الشمَال لَا تكَاد تبلغ إِلَيْهَا الرِّيَاح الجنوبية إِلَّا وَقد ضعفت وبالضد. الْبلدَانِ الْبَارِدَة تجْعَل أَهلهَا أَشْجَع اضطراراً والبلدان المعتدلة تجعلهم أهل توان وكسل وَخَوف.
أهل الْبلدَانِ الشامخة الجبلية أحسن وَأقوى من أهل الْبلدَانِ الغائرة لأَنهم يشربون مياهاً طيبَة صَحِيحَة ويتنسمون هَوَاء صافياً نقياً وتهب عَلَيْهِم ريَاح كَثِيرَة وَالشَّجر النَّابِت فِيهَا أقوى وَأَصَح وَسكن الأغوار تهب عَلَيْهِم ريَاح حارة مَا لَا تهب الْبَارِدَة(4/425)
وَيَشْرَبُونَ مياهاً فاترة وأجسامهم صغَار ضِعَاف فَإِن كَانَت مِيَاههمْ مَعَ ذَلِك قَائِمَة كَانَ أشر وَإِن كَانَت لَهُم أَنهَار جَارِيَة فَهُوَ أَجود. فَأَما أَن يشْربُوا من النقائع والبطائح والسباخ فَإِنَّهُم يكونُونَ صفراً مطحولين عِظَام الْبُطُون. 3 (تغير الْهَوَاء فِي الْبلدَانِ الشاهقة) عِنْد الْفُصُول تكون أظهر وَأقوى وَفِي الْبلدَانِ الغائرة أَضْعَف ومياه الْبلدَانِ الغائرة أردأ.
من سكن أَرضًا مَهْزُولَة نحيفة قَليلَة الْمِيَاه كَانَت طبائعهم وأمزاجهم يابسة وَحَيْثُ أَرض سَمِينَة لينَة كَثِيرَة الْمِيَاه مُرْتَفعَة يكون هواؤها فِي الصَّيف حاراً وَفِي الشتَاء بَارِدًا وَتَكون الْأَزْمِنَة فِيهَا مُوَافقَة صَالِحَة وَيكون أَهلهَا سماناً وضعافاً.
من الْمسَائِل: الرِّيَاح تَتَغَيَّر إِمَّا للجهة كالشمال فَإِنَّهَا بَارِدَة والجنوب حارة وَأما الشرقية والغربية فمعتدلتان وَإِمَّا للمواضع الَّتِي تمر بهَا وَالَّتِي تنشأ مِنْهَا فَإِنَّهَا بِحَسب طبائع تِلْكَ الْأَمْكِنَة تكتسب طبائعها.
المدن تخْتَلف إِمَّا لمقابلتها الْجِهَات كمقابلتها للمشرق أَو الْمغرب أَو الْجنُوب أَو الشمَال أَو بِسَبَب مقابلتها لريح من الرِّيَاح.
الأرضون يخْتَلف فعلهَا فِي الْأَبدَان لثلاث: لكمية الْأَشْجَار وللارتفاع والانخفاض ولكمية الْمِيَاه. فالأرض الْكَثِيرَة الْمِيَاه ترطب وبالضد والكثيرة الْأَشْجَار أسخن وأرطب لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الستْرَة والمكشوفة بالضد والعالية بَارِدَة والمنخفضة حارة.
لى: وتختلف الأَرْض أَولا من أجل الْعرُوض ثمَّ من أجل الرِّيَاح ثمَّ من أجل التربة أَن تكون صخرية أَو طينية أَو معدنية ثمَّ بِسَبَب وضع الْبحار وَالْجِبَال وَنَحْو ذَلِك.(4/426)
وَالْمَدينَة الْمَوْضُوعَة قبالة القطب الجنوبي المستورة عَن سَائِر الْجِهَات مزاجها حَار لِأَنَّهُ تهب فِيهَا ثَلَاث ريَاح جنوبية: الهابة من المحور الجنوبي وَهِي الْجنُوب الْخَالِصَة وَالْأُخْرَى تهب مائلاً عَن القطب إِلَى نَاحيَة الْمشرق قَلِيلا وَتسَمى النعامى وَالثَّالِثَة المائلة عَن القطب إِلَى الْمغرب قَلِيلا وَتسَمى الهيرة وَكلهَا حارة رطبَة وَلذَلِك صَار مزاج الْمَدِينَة حاراً رطبا.
لى: يَعْنِي أَن هَذِه هِيَ أحر وأرطب من سَائِر المدن المساوية لَهَا فِي الْعرض وَسَائِر الْحَالَات ثمَّ هبوب الرِّيَاح.
الْمَدِينَة الْمَوْضُوعَة تِلْقَاء القطب الشمالي المستترة من سَائِر النواحي مزاجها بَارِد يَابِس ويهب فِيهِ ثَلَاث ريَاح: شمالية الهابة من المحور الشمالي وَهِي الشمالية الْخَالِصَة والمائلة عَن القطب إِلَى نَاحيَة الْمشرق وَهِي القشع والمائلة إِلَى نَاحيَة المغربوهي الجريباء حُدُود الشمَال من الْمشرق الصيفي الْمغرب الصيفي.) 3 (سكان الْمَدِينَة الشمالية) يغلب عَلَيْهِم اليبس وطبائعهم يابسة عسرة الانحلال. حُدُود الْمشرق فِي مَا بَين الْمشرق الصيفي إِلَى الْمشرق الشتوي.
الْمَدِينَة الْمَوْضُوعَة قبالة الْمشرق تهب فِيهَا ثَلَاث ريَاح: الهابة من الْمشرق الصيفي وَتسَمى السفع والهابة من الْمشرق الشتوي وَهِي الأزيب والهابة من الْموضع الْمُتَوَسّط من هَذِه وَهِي الصِّبَا معتدلة وأكثرها اعتدالاً الصِّبَا وَهَذِه الثَّلَاث الرِّيَاح معتدلة وأكثرها اعتدالاً الصِّبَا والهابة من الْمشرق الصيفي لِأَنَّهَا تميل إِلَى الشمَال فَهِيَ مائلة إِلَى الْبرد واليبس عَن الِاعْتِدَال بِقدر ميلها لِأَنَّهَا نَحْو الْمغرب وَهَذِه الْمَدِينَة معتدلة إِلَّا أَنَّهَا أميل إِلَى الْحَرَارَة مائلة قَلِيلا وماؤها جيد وهواؤها لطيف.
الرِّيَاح الَّتِي تهب فِي الْمَدِينَة الَّتِي قبالة الْمغرب ثَلَاث: الهابة من الْمغرب الصيفي وَتسَمى محوة والهابة من الْمغرب الشتوي وَتسَمى حيزبون والهابة الْوُسْطَى وَهِي الدبور وَهَذِه الرِّيَاح معتدلة وأعدلها الدبور وأيبسها محوة وأبردها الحيزبون لِأَنَّهَا مائلة إِلَى الشمَال.
الرِّيَاح المشرقية والمغربية وَإِن كَانَت معتدلة فالمشرقية أميل إِلَى الْحَرَارَة واليبس والمغربية إِلَى الْبرد والرطوبة.
لى: لِأَن هَذَا مشرق صَاف قَلِيل الرُّطُوبَة بِسُرْعَة إشراق الشَّمْس عَلَيْهِ وإذهابها لغلظ هَوَاء الأسحار وبالضد والرياح المشرقية والمغربية وَإِن كَانَت على طول وَاحِد فَإِنَّهَا يلْزمهَا مَا ذكرنَا لِأَن الرّيح المشرقية تَجِيء من هَوَاء قد لطفته الشَّمْس إِلَى هَوَاء لم تلطفه بعد والمغربية بالضد.
إِذا كَانَ الْبَلَد جبال ثلجية هبت ريَاح بَارِدَة فِي الشتَاء مَا دَامَ الثَّلج بَاقِيا فَإِذا ذهب الثَّلج لم تهب فِيهِ ريَاح وَصَارَ رمداً كبلاد طرسوس.
لى: هَذَا لم تكن لَهُ ريَاح أُخْرَى تهب.
الْبلدَانِ المشرفة جدا والغائرة جدا يكون تغاير الْأَزْمِنَة فِيهَا عَظِيمَة قَوِيَّة وَكَذَا فِي الْبلدَانِ الْمُخْتَلفَة الْحَالة الَّتِي بَعْضهَا عَال وَبَعضهَا منخفض وَلها جبال مُخْتَلفَة الْوَضع.
والبلدان الْيَابِسَة أَهلهَا أَكثر فهما وَأكْثر جلدا وبالضد.
اسْتَعِنْ بالمقالة الثَّامِنَة من هَذِه الْمسَائِل.
من الأولى من الأغذية قَالَ: اجْعَل الأغذية بِحَسب مزاج الْبِلَاد والأوقات وَاحْذَرْ فِي الخريف)
الْأَطْعِمَة الَّتِي تولد دَمًا سوداوياً وَالَّتِي تجفف وتستعمل فِي الشتَاء بِثِقَة واتكال وَكَذَا فَاسْتعْمل فِي الصَّيف الْأَطْعِمَة المبردة. وَأما الرّبيع فَاسْتعْمل فِيهِ الأغذية المعتدلة.
الأولى من المزاج قَالَ: شَرّ حالات الْهَوَاء الْحَار الرطب وَبِه يكون الوباء أَكثر كَمَا ذكر أبقراط: أَنه جَاءَ مطر جود ودام فِي الصَّيف كُله.
قَالَ: وَلَيْسَ شَيْء من أَوْقَات السّنة الطبيعية حاراً رطبا وَلَا الرّبيع لِأَن الرّبيع معتدل وَالْوَقْت الْحَار الرطب إِنَّمَا هُوَ الَّذِي تغلب عَلَيْهِ الْحَرَارَة مَعَ الرُّطُوبَة كالحال الَّتِي وصفهَا أبقراط.(4/427)
قَالَ: جَاءَ مطر جود فِي وَقت حر شَدِيد.
قَالَ: وَمَتى كَانَ تغير الزَّمَان فِي فصل وَاحِد كَانَت بلية الوباء أقل وَمَتى كَانَ فِي أزمنة كَثِيرَة كَانَت البلية فِي الْغَايَة إِلَّا أَن يكون تغيرها إِلَى الضِّدّ.
قَالَ: فَفِي حالات الْهَوَاء الْحَار الرطب تكون العفونات على أعظم مَا تكون وَفِي الْحَالَات الْبَارِدَة الْيَابِسَة لَا تكون عفونته فَلذَلِك الشمَال تبقى الْأَجْسَام سليمَة من العفن والجنوب تعفن سَرِيعا.
قَالَ: وَجَمِيع مَا يقْصد بِهِ النَّاس لِئَلَّا يعفن إِنَّمَا يبردونه ويحفظونه كَمَا يفعل باللحموم بالخل وَالْملح والوضع فِي الْهَوَاء الْبَارِد.
الثَّانِيَة من المزاج قَالَ: الْحَرَارَة الغريزية فِي الشتَاء كَثِيرَة والحرارة الغربية كَثِيرَة فِي الصَّيف وَمن الغربية تكون العفونات وَمن الغريزية الهضم.
الْيَهُودِيّ قَالَ: إِذا كثر الْمَطَر فِي القيظ هاج الجدري والحصبة وَإِذا ظهر نَاحيَة بَنَات نعش مثل الْبَرْق كَانَت السّنة وبئية.
قَالَ: وَقت الوباء دع الْأَطْعِمَة الرّطبَة وافصد وَاحْذَرْ الامتلاء وَالشرب وَكَثْرَة الْجِمَاع وَكَثْرَة النّوم وأسهل بالمطبوخ وكل الْأَطْعِمَة السريعة الهضم اللطيفة وَالْجُلُوس فِي الْحمام وتعاهد السكنجبين والجلاب والطين الأرمني بِالْمَاءِ والخل ومص الرُّمَّان والإجاص وَمر أَن يرش فِي الْبَيْت خل وحلتيت وَاجعَل طَعَامك عدساً وقرعاً وماشاً وَنَحْوه فَإِن هَذَا أَمَان من الطَّاعُون.
قَالَ ج: أَنه لما حدث الوباء لم يتَخَلَّص أحد إِلَّا أَصْحَاب الصَّيْد لإدمانهم الرياضة.
الطَّبَرِيّ: إِذا حدث فِي أيلول نيران فِي السَّمَاء فاجتنب حِينَئِذٍ الْأَطْعِمَة والأشربة الغليظة والرطبة قَالَ الْجِمَاع وإدمان التَّعَب واشرب مسهلاً وَأكْثر دُخُول الْحمام وأطل فِيهِ واشرب الشَّرَاب الريحاني وشم أَنْوَاع الطّيب فَإِن ذَلِك يدْفع الْفساد إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَالضَّرَر عَن الدِّمَاغ وَالْقلب.)
وَحكى عَن بعض كتب الْهِنْد انه يَنْبَغِي أَن يجْتَنب فِي الصَّيف المالح والخريف وَيتْرك الرياضة ويؤكل الشَّيْء الْخَفِيف الحلو الدسم وَيجْعَل مَسْكَنه بَارِدًا وَيكسر شرابه بِمَاء كثير ويغتسل بِمَاء بَارِد لِأَن الْبدن فِي هَذَا الْفَصْل ضَعِيف ونار الْمعدة قَليلَة.
لى: ينظر فِي الحلو والحامض وَالدَّسم.
وَقَالَ: الأَرْض القاع القليلة النَّبَات وَالْمَاء صَحِيحَة والكثيرة النَّبَات وَالْمَاء والأمطار أَرض موت ووباء وأمراض والمتوسطة بَين ذَلِك متوسطة فِي ذَلِك.
أَبُو هِلَال الْحِمصِي قَالَ: المرضى من الوباء يَنْبَغِي أَن يقلل طعامهم وشرابهم لِأَن ذَلِك الطَّعَام(4/428)
قَالَ ابْن ماسويه: مِمَّا يصلح الْهَوَاء الرَّدِيء وهواء الْبَيْت الَّذِي يصطلى فِيهِ وَيكسر عَادِية الوباء الدُّخان. وَيذْهب رداءته الْعود الْهِنْدِيّ وَحده والعنبر والمسك والصندل والقسط الحلو والميعة والكندر فَإِن هَذِه تصلح الْهَوَاء الغليظ. وَمِمَّا يذهب رداءة الْوقُود أَن يطْرَح على النَّار الْجَمْر قطع سفرجل طري وَيتْرك حَتَّى يَحْتَرِق.
لى: واطرح على الْجَمْر قشور رمان وآس ورش عَلَيْهِ الْخلّ وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: ولتكن المساكن الصيفية أَبْوَابهَا أبدا قبالة الشمَال والشتوية قبالة الْمشرق والبلدان الْبَارِدَة لتكن أَبْوَابهَا أبدا قبالة الْمشرق وَأما الْبلدَانِ الحارة فقبالة الشمَال.
شَمْعُون: قَالَ: إِذا كَانَ الوباء فاكنس الْبَيْت كل يَوْم وليرتش بخل وحلتيت ويؤكل كل يَوْم خبز بخل وحلتيت.
من اختيارات حنين قَالَ: شرب المَاء الْبَارِد ضَرْبَة الْكثير مِنْهُ يُطْفِئ الْحَرَارَة الْحَادِثَة من الوباء وَإِن شرب قَلِيلا قَلِيلا لم ينفع بل أهاج الْحَرَارَة.
قَالَ روفس: لم أر أحد شرب هَذَا الدَّوَاء إِلَّا وَسلم من الوباء وَهُوَ: أَن يُؤْخَذ من الصَّبْر جزءان وَمن المر جُزْء وَمن الزَّعْفَرَان جُزْء يسحق وَيُؤْخَذ مِنْهُ كل يَوْم قَلِيل بأوقيتين من شراب ريحاني.
السَّادِسَة من مسَائِل ابيذيميا قَالَ: يكون الْهَوَاء المكشوف أفضل إِذا كَانَ سَاكِنا ومداً لَا يَتَحَرَّك فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ الْمَوَاضِع الْعَالِيَة أفضل لِأَنَّهُ على حَال تقع فِيهَا حَرَكَة.
من كتاب ارخيجانس قَالَ اسقلبياذس: إِن أهل النّوبَة يهرمون فِي ثَلَاثِينَ سنة لِأَن أبدانهم تَجف من شدَّة حرارة الشَّمْس وحرارتهم تنفش وَأهل الْبلدَانِ الْبَارِدَة لَا يهرمون فِي مائَة سنة لِأَنَّهُ لَا)
تَجف أبدانهم وحرارتهم لَا تنفش لَكِن تبقى دَاخِلا قَوِيَّة كامنة فِي أبدانهم مكتنزة.
من كتاب روفس فِي التَّدْبِير قَالَ: الموتان يَنْبَغِي أَن يبرد الْبدن فِي المَاء الْبَارِد وتترك الْأَعْمَال والتعب وَكَثْرَة الْأكل وَالشرب.
قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي أَن يكن فِي الْمَدِينَة الضيقة الْأَسْوَاق والمغمة بل ينْتَقل عَنْهَا. من كِتَابه فِي المالنخوليا قَالَ: الرّبيع يثور فِيهِ الدَّم ويتعكر لِأَن مَا فِيهِ من الْأَنْفَال تهيج مَعَه كَمَا تثور مياه الْعُيُون فِي ذَلِك الْوَقْت وَلذَلِك يُبَادر فِيهِ بالفصد لِأَنَّهُ يخرج دَمًا ردياً يثور ويومن بِهِ من هيجان الْعِلَل ويهيج فِيهِ المالنخوليا وَإِن كَانَ الدَّم سوداوياً لِأَنَّهُ يصعد إِلَى الدِّمَاغ والبثور والدماميل والأورام والخراجات والصداع وَالْعُرُوق الَّتِي فِي الصَّدْر وَنَفث الدَّم ويهيج فِيهِ السعال وتسوء فِيهِ حَال أَصْحَاب السل ويموتون فِيهِ كثيرا ويعرض فِيهِ الفالج والسكتة كثيرا ووجع المفاصل والخوانيق تكون فِي هَذَا الْفَصْل قاتلة(4/429)
سَرِيعا تبادر القروح إِلَى العفن. وَأكْثر مَا تعرض هَذِه الْأَعْرَاض لمن يكْتَسب فِي شتوته دَمًا ردياً كثير الفضول فَيظْهر فعل تِلْكَ الفضول فِي الرّبيع حَتَّى يسخن الدَّم وينتشر.
لى: وَقد يعرض مثل هَذِه الْأَعْرَاض فِي الرّبيع لمن يشْتَد حزنه أَو يحتد مزاجه لعَارض من عوارض النَّفس لِأَن دَمه يهتاج ويزداد تثوراً ورداءة.
قَالَ: الخريف مُفسد للهضم.
قَالَ: وَالربيع فصل صَحِيح وَلَكِن هَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا تعرض فِيهِ لسخونة الدَّم لمن دَمه رَدِيء.
من مسَائِل ابْن ماسويه قَالَ: السّنة الَّتِي تكون فِيهَا الضفادع أَكثر تكْثر فِيهِ الْأَمْرَاض لِأَنَّهَا تكون سنة رطبَة وَإِذا كَانَ الصَّيف والخريف كثيري الجنائب والأمطار كَانَ الشتَاء ممرضاً لَا يقتل والأبدان فِيهَا فضل كثير وَإِذا كَانَ الشتَاء جنوبياً وَالربيع شمالياً حدثت فِيهِ أمراض وَإِذا كَانَ الشتَاء شمالياً وَالربيع جنوبياً كَانَ فِي الصَّيف حميات ورمد. إِذا كَانَ الصَّيف يَابسا جدا والخريف مطيراً حدث فِي الشتَاء صداع وبحة وسعال.
من آخر الْمقَالة الأولى من طبيعة الْإِنْسَان جملَة مَا قَالَه فِي عِلّة تولد الأخلاط فِي الْأَزْمِنَة قَالَ: الشتَاء لطول اللَّيْل وَقصر النَّهَار وَضعف سُلْطَان الشَّمْس تضعف فِي الْمرة.
قَالَ: وَإِن كَانَ الهضم فِي الشتَاء جيدا فخارج الْأَبدَان يبرد وخاصة إِذا لم يكن متدثراً وَكَانَت نواحي الْبَطن مكشوفة. فَأَما الرّبيع فيكثر فِيهِ الدَّم لِأَن الرُّطُوبَة غريزة يسخن بِالزَّمَانِ وَالدَّم)
يكثر مَعَ كَثْرَة الْمَطَر وحر النَّهَار. وَأما الصَّيف فلطول النَّهَار يكثر الْحر ويشتد وَيكثر المرار وَأما الخريف فيوافق برده احتراق الصَّيف فَيصير مَا احترقت بَارِدَة وَقد كَانَت يابسة وَلذَلِك يقل الدَّم فِيهِ ويضعف.
3 - (جَوَامِع الحميات الْمفصل)
قَالَ: يعسر فعل الوباء فِي الْأَبدَان الَّتِي لَا فضول فِيهَا وَفِي المستعملة الرياضة ويسرع فِي الْأَبدَان الرّطبَة والممتلئة والرديئة الأخلاط.
قَالَ: الْبدن الْحَار الرطب يؤاتي الوباء جدا فَيَنْبَغِي أَن تخففها جهدك وَالْبدن الْبَارِد الْيَابِس يمانع الوباء فاحفظه فِي تِلْكَ الْحَال على مزاجه وَأما الممتلئ فافصده والرديء الأخلاط أسهله وألزمه غذَاء يُولد ضد تِلْكَ الأخلاط ليتخلص من الوباء.
لى: حر الْبَلَد وبرده مَعْرُوف حسا ورطوبته ويبسه يعرف من قرب نبع المَاء وَبعده وَمن طبيعة الأَرْض أحجرية هِيَ أم طينية وَمن كَثْرَة الْأَنْهَار والبحيرات والنقائع الجنائب والأمطار وَالْبرد يعين الرُّطُوبَة وَالْحر يعين اليبس وَأما وَمد الْمَدِينَة وصحتها فتعرفان من ارتفاعها وانخفاضها وَمن انكشافها واستتارها وَمن كَثْرَة هبوب الرّيح وقلته وَأما جودة أبحرها وأرضها وردائتهما فَيعرف من طبائع الأَرْض أمعدنية هِيَ أم لَا وَمن النقائع الْكَثِيرَة أَيْضا هَذَا كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا أردْت أَن تعرف حَال الْمَدِينَة من الْجبَال فتحر فِي الْمَدِينَة أَعلَى(4/430)
مَكَان ثمَّ اصعده وتفقد مَا الجوانب الَّتِي تستتر عَنْهَا وَمِقْدَار مَا تظن أَنه يَمْتَد ظلّ تِلْكَ الْجبَال.
بولس وأريباسيوس قَالَا: الْأَمْرَاض الْمُشْتَركَة تكون إِمَّا لهواء رَدِيء مُشْتَرك أَو لأغذية ردية أَو لخصب كثير يتوسع فِيهِ الْأكل أَو لجرب أَو لسفر وتعب يعم جمعا من النَّاس أَو مَا يشربونه فَإِن التَّعَب المفرط إِذا أستريح مِنْهُ يمرض.
لى: رَأَيْت نَاسا سافروا سفرا متعباً فِي صيف فحين رجعُوا مرضوا كلهم أمراضاً حارة إِلَّا من كَانَ مِنْهُم مبلغماً مرطوباً.
قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ يَنْبَغِي أَن تضَاد الْحَال الْحَادِثَة فِي الْهَوَاء فَمَا كَانَ من الْأَبدَان مزاجه يضاد ذَلِك الْحَادِث فَإِنَّهَا لَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك فَإِذا اشْتَدَّ حر الْهَوَاء فبرد الْأَبدَان وخاصة الحارة بالمسكن والغذاء وَترك التَّعَب وبالنوم وَإِذا يبس فرطبها بِالْمَاءِ وَالشرَاب وَكَذَا فِي الكيفيات الْأُخْرَى قَالَ: يعرض مَعَ الطَّاعُون الوبائي اخْتِلَاط الْعقل وَبرد الْأَطْرَاف وَاخْتِلَاف المرار ونزفه ووجع الْبَطن)
وتمدده وبراز مري وَنفخ وأبوال مائية رقيقَة ومرارية وسدد ورعاف وحرارة فِي الصَّدْر وكرب وَسَوَاد اللِّسَان وعطش وَسُقُوط الشَّهْوَة وَأَشْيَاء أُخْرَى رَدِيئَة فَيَنْبَغِي إِذا تغير مزاج الْوَقْت أَن يُقَاوم وتضاد فَالْزَمْ الْأَبدَان المفرطة الرُّطُوبَة فِي حَال الْهَوَاء الرطب الْقَيْء والفصد الرياضة وإدرار الْبَوْل والإسهال وَإِذا كَانَ بالبطن الْأَعْلَى كرب وحرارة شَدِيدَة فِي الصَّدْر فضمده بالمبردات وَشرب المَاء الْبَارِد مِقْدَارًا كثيرا ضَرْبَة لتسكن الْحَرَارَة وَلَا يشرب مِنْهُ قَلِيلا قَلِيلا لِأَنَّهُ يهيج الْحَرَارَة أَكثر وَإِن بردت الْأَعْضَاء فَاسْتعْمل الدثار والدلك عَلَيْهَا لينجر الدَّم إِلَيْهَا.
قَالَ: وَيُؤْخَذ من الصَّبْر جزءان وَمر جُزْء وزعفران جُزْء ويسحق وَيُعْطى كل يَوْم مَعَ شراب ريحاني.
فَزعم روفس: أَنه لم ير أحدا شرب هَذَا الدَّوَاء فَمَاتَ فِي الوباء وَأما جالينوس فَذكر أَن شرب الطين الأرمني وَشرب ترياق الأفاعي ينفع من العفونات الوبئية نفعا عَظِيما وَإِن لم ينْتَفع بِهِ هلك.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة من ابيذيميا قَالَ: فِي حَال الْهَوَاء الوبائي احذر الْإِكْثَار من الطَّعَام وَلَا تحْتَمل الْعَطش وَلَا تتعب.
من فُصُول ابيذيميا بِحَسب مَا يكون عَلَيْهِ حَال الْهَوَاء الْمُحِيط بِنَا يكون تغير الأخلاط والأرواح الَّتِي فِينَا فَمَتَى كَانَ الْهَوَاء نيراً صافياً كَانَت صَافِيَة وَمَتى كَانَ كدراً ضبابياً كَانَت كَذَلِك.
لى: قد تفقدت ذَلِك فَوجدت الخريف الْيَابِس يُولد جدرياً وحميات حارة إِذا كَانَ مزاج الْهَوَاء الْمُحِيط بِنَا رطبا منع الْأَبدَان أَن تتحلل من مسَائِل الْفُصُول قَالَ: الْبَلَد الْقَرِيب من الْبَحْر يعتدل مزاجه أَكثر مِمَّا يبعد مِنْهُ لِأَن الْقَرِيبَة من البحران كَانَت شمالية(4/431)
بَارِدَة كَانَ مَا يَلِي الْبَحْر مِنْهَا أعدل لِأَنَّهُ يكون منخفضاً متطامناً فَيصير لذَلِك أسخن. فَإِن كَانَ من الْبلدَانِ الحارة مثل مصر والنوبة فَإِن الَّذِي يَلِي من الْبَحْر يكون أبرد لِأَنَّهُ فِي الصَّيف تبرده الرِّيَاح الشمالية الَّتِي تهب إِلَيْهِ من الْبَحْر فَيكون لذَلِك أبرد فَقرب الْبَحْر من الْبَلَد يَجعله أعدل من تِلْكَ مُسَاوِيا لَهُ فِي سَائِر الْأَحْوَال خلا الْقرب من الْبَحْر. وَمن مزاجه حَار رطب فَقل مَا تضره الْجنُوب.
لى: يتَبَيَّن من الْفَصْل الَّذِي أَوله الأجواف فِي الشتَاء وَالربيع أسخن مَا تكون إِن اسْتِدَامَة الصِّحَّة فِي فصل الخريف يكون بترطيب الْبدن مَا أمكن وَأَن أمراضه خريفية لَا امتلائية وَذَلِكَ أَن جالينوس قَالَ هُنَاكَ: أَن الدَّم فِي الخريف فِي الْبدن أقل مَا يكون. وَأما أمراض الرّبيع فبالضد)
أَكْثَرهَا امتلائية لِأَن الدَّم فِي الشتَاء أَكثر مَا يكون فِي الْبدن لكنه متداخل فَإِذا سخن فِي الرّبيع ثار وهاجت لذَلِك أمراض. ج: الطين اللاني جيد للوباء يسقى بشراب رَقِيق ممزوج إِذا لم تكن حمى فَلَا يشربه أحد إِلَّا تخلص.
بولس عَن روفس قَالَ: إِذا تَغَيَّرت أزمنة السّنة وحدست أَن يكون وباء فتفقد حَال الْأَبدَان فِي مزاجها وَفِي تدبيرها وانح نَحْو مضادة الْهَوَاء الَّذِي تغير فَإِن رطب الْهَوَاء فِي الْوَقْت الَّذِي يكون فِيهِ يَابسا يجفف الْأَبدَان بإسهال الْبَطن وإدرار الْبَوْل والفصد والقيء وَإِذا كَانَ فِي الوباء تَجِد للإعياء لهباً وكرباً وحرارة يسيرَة فِي الصَّدْر فَاجْعَلْ على الصَّدْر أَشْيَاء تبرده وَيشْرب دفْعَة مَاء بَارِد كثيرا ليطفئ بذلك الالتهاب وَلَا يتجرعه قَلِيلا قَلِيلا فَإِنَّهُ يهيج الْحَرَارَة وَإِن بردت الْأَطْرَاف وَظَاهر الْبدن فادلك الْبدن ودثره ليجذب الْحَرَارَة إِلَى خَارج. ج قَالَ: وَهَذَا الدَّوَاء ينفع من الوباء مَا شِئْت صَبر مر زعفران جُزْء جُزْء يسحق وَيُعْطِي كل لوم أُوقِيَّة مَعَ اوقية شراب ريحاني. قَالَ روفس: لم يمت أحد شربه. وَأما جالينوس فَذكر هَذَا الذّكر بِعَيْنِه فِي الطين الأرمني. وَشرب الترياق الْكَبِير عَظِيم النَّفْع من عفونات الوباء جدا.
لى: يَنْبَغِي أَن تعلم هَذِه الْأَدْوِيَة وَلَا يَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل فِي كل حَال يحدث.
الأولى من جَوَامِع الحميات: الْأَبدَان صنفان مِنْهَا مَا يَسْتَحِيل عِنْد الوباء سَرِيعا وَهِي المملوءة أخلاطاً ردية والعادمة للتحلل الْكَثِيرَة الرَّاحَة والبطالة المسرفة فِي الْجِمَاع وَالْحمام وَمِنْهَا مَا يعسر تغيره واستحالته وَهِي النقية من الفضول المستعملة للرياضة الَّتِي تنْحَل فضولها ومجاريها مفتحة. فالهواء يمرض الْبدن: إِمَّا أَن يبرده أَو يسخنه أَو يرطبه أَو(4/432)
يجففه أَو يعفنه فأسرع الْأَبدَان إِجَابَة للهواء الحارة الرّطبَة وأعسرها إِجَابَة الْبَارِدَة الْيَابِسَة ولتحفظ حِينَئِذٍ هَذِه بِحَالِهَا فتجفف الأولى مَا أمكن وَأما الْأَبدَان الممتلئة فالتستفرغ بالفصد والرديئة الأخلاط بالإسهال والمسددة بتفتيح السدد.
مسَائِل السَّادِسَة من ابيذيميا قَالَ فِي حَال الموتان الَّتِي تسْقط فِيهَا الشَّهْوَة جدا جدا يبقون يَأْكُلُون وَمن تشجع وَحمل نَفسه مِنْهُم واجتهد فِي ذَلِك تخلص وَنَجَا وَمن فشل وَلم يجْتَهد نَفسه على أكل هلك.
مسَائِل السَّابِعَة من السَّادِسَة: إِذا قل الْمَطَر احتد الدَّم جدا حَتَّى أَنه يفتح الْعُرُوق ويجلو الرمد)
الْيَابِس.
لى: كَانَ عندنَا فِي سنة خريف وَكَانَ شَدِيد الْحر يابسه ودام على ذَلِك فَمَا يبْقى صبى إِلَّا جدر الرِّجَال. وَيَنْبَغِي أَن تعلم أَن الزِّيَادَة فِي طبيعة الْفَصْل الممرضة وباء وبالضد والممرضة الصَّيف والخريف وَمَتى زَاد برد الخريف وَكَانَ مطره أسْرع فَهُوَ أقل ضَرَرا لتسكينه حِدة المرار وبالضد وَمَتى امْتَدَّ طيب الرّبيع وبرده ورطوبته أَيَّامًا كَثِيرَة كَانَ أقل الْأَمْرَاض الصيفية أَعنِي الحميات والحدة وَمَتى امْتَدَّ الشتَاء كَانَ أَجود وَأما الصَّيف والخريف فَمَتَى امْتَدَّ اعني رادت طبيعتها هَاجَتْ الْأَمْرَاض.
الثَّالِثَة من الأخلاط قَالَ: يتَوَلَّد فِي الْبدن من رَوَائِح الحمئة حَال عفونة وَمن هَوَاء الآجام فَرُبمَا تولدت عفونة ويتولد مِنْهَا دَائِما ضَرُورَة غلظ الرّوح وَيتبع ذَلِك غلظ الأخلاط.
الحميات تحدث فِي حَال الْهَوَاء الْبَارِد أقل مِنْهَا فِي سَائِر الْأَحْوَال فَأكْثر مَا تحدث فِي حَال الْهَوَاء الْحَار الْيَابِس ثمَّ فِي الْحَار الرطب وَيكون مَا يحدث فِي حَال الْهَوَاء رطبَة لينَة هادئة كَثِيرَة الْعرق والعارض فِي حَال الْهَوَاء الْبَارِد: الفالج والسكتة والسعال وأوجاع المفاصل والمثانة وَلَا يعرض فِيهِ حمى إِلَّا أقل من ذَلِك.
بولس: إِذا سخن الْهَوَاء ويبس فَاتخذ مسَاكِن يجْرِي فِيهَا المَاء واترك الْحَرَكَة وأطل الرَّاحَة وَأَقل الطَّعَام وَأكْثر الشّرْب من المَاء الْبَارِد وَإِذا برد فَأوقد نيراناً قرب المساكن كَمَا فعل أهرن.
الْخَامِسَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: أبدان من مرض من وباء تكون كَأَنَّهَا قد يَبِسَتْ.
لى: حُدُوث الوباء فِي الخريف على الْأَكْثَر يدل على أَنه إِنَّمَا يحدث من يبس وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إِنَّمَا يحدث فِي الْأَكْثَر إِذا كَانَ الخريف حاراً أَو تَأَخّر الْمَطَر فَلهَذَا أرى ترطيب الْأَبدَان فِي الخريف لِأَنَّهُ بذلك تنكسر حِدة المرار.
شرك الْهِنْدِيّ قَالَ: الْبرد يُقَوي الْبدن ويشد ويصحح الذِّهْن ويطيب النَّفس.
الْبيُوت المصهرجة الطرية وريح الدهم وَنَحْوهَا مِمَّا يقتل.(4/433)
الْكِنْدِيّ فِي الأبخرة الْمصلحَة للهواء: كَمَا أَن ثبات الْأَبدَان بِحَالِهَا غير متعفنة يكون بالأدوية الفاعلة لذَلِك كالترياق والمثروديطوس وَنَحْوهَا من المقوية لآلات الْحَيَاة ويبادر النَّاس فِي الوباء إِلَى أَخذهَا فتصلح أبدانهم كَذَلِك يصلح الْهَوَاء بالأبخرة المضادة للعفن الَّذِي فِيهِ العطرية الدهنية لِأَن العفن للمائية والحرارة الضعيفة فالحرارة القوية والقابضة مَانِعَة من العفن مِنْهَا: عنبر لبان ميعة)
سندروس كندر مصطلى علك القرنفل البطم لاذن عسل راتينج عود صندل أصفر قسط سك زعفران آبنوس عرعر سَاج تنكار طرفاء غَار أشنة اذخر سعدى أبهل وزنجبيل راسن شابابك بنك. فبعض هَذِه مسخنة للجو وَبَعضهَا يُولد فِيهِ قبضا وَبَعضهَا برودة وَكلهَا تمنع العفن وَالَّذِي ينفع الْهَوَاء الْحَار الْيَابِس الأبخرة الدهينة كاللبان والميعة والسندروس والكندر والمر والمصطلى وَالصَّبْر وعلك القرنفل والراتينج فَهَذِهِ كلهَا يصلح هَوَاء القشف الْحَار والطيوب تصلح العفن المنتن والقابضة تصلح الشَّديد الرُّطُوبَة كالطرفاء والسعدى والحارة اللطيفة تصلح الغليظ كالزنجبيل وَيَنْبَغِي أَن تتحرى فِي طُلُوع الشَّمْس وانتصاف النَّهَار وغروبها وَنصف اللَّيْل لِأَن فِي هَذِه الْأَوْقَات يسيل الْهَوَاء وَقد يضاد الْهَوَاء المفرط الرُّطُوبَة بالنيران الْكَثِيرَة واليابس بالمياه وكل كَيْفيَّة بضدها. وَزَعَمت الْهِنْد أَن الكور يمْنَع من العفن فِي الْهَوَاء وَإِن شرب منع من العفن دخنة جَيِّدَة يبخر بهَا مرَّتَيْنِ بهَا مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم تصلح الْهَوَاء: كافور صَاف وحرف أَبيض وصمغ الخضراء وأصطرك وأظفار وأسارون ولبان وعود هندي وزعفران بِالسَّوِيَّةِ يتَّخذ بَنَادِق ويبخر بهَا. وَيُزَاد حرد بودار.
التَّذْكِرَة: إِذا قل الْعرق فِي إبانه فاستفرغه.
ارخيجانس: أهل النّوبَة يهرمون فِي ثَلَاثِينَ سنة وَأَرْبَعين سنة لِأَن أبدانهم يابسة من شدَّة حر الشَّمْس ببلدهم. وَأهل جرمانيا تَأتي عَلَيْهِم مائَة سنة لِأَن حرارتهم كامنة فِي أبدانهم لبرد بلدهم وكثافة أبدانهم.
اراساليون وبولس عَن ج: لبس الثَّوْب الَّذِي يحمى يكرب فِي الصَّيف وَالَّذِي لَا يدفأ فِي الشتَاء يضر الْبدن لِأَنَّهُ يعاون الْحر وَالْبرد.
جورجس إِذا هبت الصِّبَا فِي كانون أَيَّامًا كَثِيرَة وتكدر الْهَوَاء وَكلما ظَنَنْت أَنه يكون مطر يَتَنَاثَر من السَّمَاء كالغبار فقد فسد مزاج الْهَوَاء فِي الشتَاء وَإِن كَانَ الرّبيع قَلِيل الْمَطَر شَدِيد الْبرد وهبت جنوب أَيَّامًا ثمَّ صفا بعد ذَلِك الْهَوَاء نَحْو عشرَة أَيَّام وَكَانَ بِاللَّيْلِ برد شَدِيد وبالنهار حر وَفِي الْهَوَاء غمَّة وحرارة فقد بَدَت العفونات والجدري وَإِذا كثر فِي الصَّيف الْمَطَر وكدر الجو واغبرت الْأَشْجَار وَلَا يكون حاراً كَمَا يَنْبَغِي وَترى فِي نصف الخريف نيران فِي السَّمَاء من الْمغرب فَإِنَّهَا عَلَامَات وباء عَظِيم فَإِذا تغير الْهَوَاء فِي الْيَوْم مَرَّات إِلَى الْحر(4/434)
وَالْبرد وطلعت الشَّمْس صَافِيَة يَوْمًا بشمال وَبرد وكدرة وَيَوْما بجنوب وحر فَإِنَّهَا عَلَامَات الوباء فَيَنْبَغِي أَن)
يجْتَنب الامتلاء وَالشرَاب الْكثير والتعب الْكثير والباه وافصد وأسهل المرطوب ويتعرق فِي الْحمام ويشتم الشَّرَاب الريحاني وَيُعْطى من يحم جلاب وكشك الشّعير وَيشْرب الطين الأرمني. (الْجُزْء السَّادِس عشر)
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)(4/435)
(فارغة)(4/436)
(فِي حميات الدق والذبول والنافض والحميات الَّتِي لَا تسخن غَيرهَا)(4/437)
(فارغة)(4/438)
(فِي حميات الدق والذبول) (والحميات الَّتِي تذيب الْبدن وَجَمِيع أَصْنَاف الذبول) (حميات الدق) لي أَن هَذِه الحميات لَا تبتدئ ابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا تسخن الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة ابْتِدَاء بل لَا بُد من أَن يتقدمها حميات إِمَّا يومية إِذا كَانَ الْبدن مستعداً لَان يسخن مِنْهَا سخونة تكتسب أعضاؤه الْأَصْلِيَّة مِنْهَا سوء مزاج وَهَذِه الْأَبدَان هِيَ المرارية أَو من حميات عفن أَو من حميات الورم فِي بعض الأحشاء فَإِن هَذِه يُمكن أَن تكتسب مِنْهَا الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة حمى دق أَو من تَدْبِير لطيف جدا كَمَا يعرض لمن نصب وتعب بالسهر فِي الْعُلُوم وَكَانَ بدنه مستعداً لذَلِك وَلِصَاحِب السهر وَقلة الْغذَاء وَأخذ الْأَدْوِيَة الحارة وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ مُمكن أَن تكتسب الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة من هَذِه الْأَسْبَاب سوء مزاج فَإِن لم تكن حمى حَتَّى تكون إِذا ابتدأت بِهِ الْحمى كَانَت قريبَة من الدق وانتقلت إِلَيْهِ سَرِيعا.
3 - (الْمقَالة الأولى من أَصْنَاف الحميات)
3 - (حمى دق تكون من سخونة جرم الْقلب) لي اكْتُبْ جرم الْقلب سوء مزاج حَار وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ينتشر مِنْهُ الْحَرَارَة فِي الْبدن.
قَالَ ج: الدق لَا تبتدئ ابْتِدَاء بل يتقدمها حميات غَيرهَا. النبض الصلب بحمى دق أَكثر مِنْهُ فِي غَيرهَا من الحميات.
قَالَ: وتتولد حمى دق على وَجْهَيْن: فِي الْأَكْثَر يكون بعقب حميات عفنة محرقة طَال لبثها حَتَّى أفنت على طول الْمدَّة رُطُوبَة جرم الْقلب أَو بعقب سهر أَو غم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يجفف تجفيفاً قَوِيا. وَالْأولَى من هَاتين لَيست من حميات الدق فَقَط لَكِنَّهَا مَعَ ذَلِك من جنس الذبول. فَأَما الثَّانِيَة الَّتِي يبْقى مَعهَا من رُطُوبَة جرم الْقلب بَقِيَّة صَالِحَة قَالَ: وَهَذِه الَّتِي تبتدئ ابْتِدَاء من غير أَن تتقدمها حمى أُخْرَى وَيكون ابْتِدَاء حدوثها ابْتِدَاء حمى يَوْم أما بعقب غم أَو سهر أَو)
غضب أَو إعياء شَدِيد أَو حر شَدِيد ألف فَلَيْسَ مِمَّا يعسر علاجها مَا دَامَ لم تصر إِلَى حد الذبول وَمَا صَار إِلَى حد الذبول لقلَّة معرفَة الْأَطِبَّاء فَلَا يُمكن مداواته فضلا عَن أَن يسهل إِذا كَانَ قد صَار إِلَى حد الذبول على الْحَقِيقَة والكمال. وَلَيْسَ هُوَ بعد فِي أوائلها لِأَن الذبول ينَال الْقلب فِيهِ مَا ينَال فَتِيلَة السراج إِذا احترقت احتراقاً شَدِيدا فَإِنَّهَا تتفتت وَيذْهب اتصالها وَلَا يُمكن ردهَا إِلَى حَالهَا بالزيت إِذا صب عَلَيْهَا فَهَذَا حَال الذبول الْعَارِض عَن الحميات. فَأَما الْعَارِض بِسَبَب خمود الْحَرَارَة الغريزية كالعارض للشَّيْخ الفاني من غير حمى وَقد يحدث أَيْضا للصبيان وَغَيرهم فضلا عَن الكهول فَإِنَّهُ من يرد ويبس وَبِغير(4/439)
حمى. والذبول الْكَائِن عَن حميات لَيْسَ الْعَارِض فِيهِ يبس فَقَط بل يبس مَعَ حرارة وَهَذِه الْحَرَارَة أَيْضا تنطفئ بِفنَاء الرطوبات وَيرجع الْبدن إِلَى جفاف وَبرد.
قَالَ: وتعرف حمى الدق الَّتِي يعرض فِيهَا ذبول كامن من أسهل الْأَشْيَاء لثباتها وَذَلِكَ أَنَّك ترى الْعَينَيْنِ غائرتين جدا كَأَنَّهُمَا فِي حفرتين لِأَن رطوبتهما قد فنيت حَتَّى ترى الْعِظَام الَّتِي تتصل بهَا الجفنان ناتئة وَترى فِي الْعين رمصاً يَابسا وحالات من اليبس كَحال من سَار فِي غُبَار نَهَاره كُله فِي شمس حارة وَتذهب عَن الْوَجْه والعينين نضارة الْحَيَاة وَترى جلدَة الْوَجْه يابسة مفرط وخاصة جلدَة الْجَبْهَة حَتَّى تُوجد ليبسها صلبة ممتدة وَلَا يكَاد يقدر أَن يشيل جفْنه على مَا يَنْبَغِي لَكِن ترَاهُ كالناعس وعَلى الْأَكْبَر يرى مغمض الْعين كَأَنَّهُ نَائِم وَلَيْسَ مَا يعرض لَهُ من ذَلِك بنوم بل عجز وَضعف عَن الانتباه ويجف لحم صدغيه ويلطأ ويغور وَلَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا الْجلد والعظم وَإِن عري توهمت أَنه لم يبْق من أمعائه وَلَا من احشائه شَيْء وَترى مَا دون الشراسيف منجذباً إِلَى نَاحيَة الصَّدْر انجذاباً شَدِيدا وَإِن لمسته وجدت الْجلد قحلاً جدا فَإِن مددت مِنْهُ موضعا وجدته كالجلد المدبوغ ونبضه متواتر دَقِيق ضَعِيف صلب وحرارته أول وضعك يدك عَلَيْهِ ضَعِيفَة ثمَّ تتبين بعد ذَلِك حدتها وخاصة أَن أطلت وضع يدك عَلَيْهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهَا من الْبَيَان بِحَال لَا تخفى فَأَما الذبول الَّذِي هُوَ بعد فِي ابْتِدَائه فَهُوَ الَّذِي قد نفدت مَعَه الرُّطُوبَة ألف المبثوثة كالظل وَهِي الرُّطُوبَة فِي خلل الْأَجْزَاء وَقد أشرفت على النفاد والرطوبة الماسكة للأجزاء بَاقِيَة فَإِن الْحمى الَّتِي مَعَ هَذِه متوسطة بَين الَّتِي مَعَ الذبول الصَّحِيح وَبَين الَّتِي إِنَّمَا بدا فِيهَا الذبول ابْتِدَاء وَهِي ابْتِدَاء حميات الدق وَهِي أسهلها علاجاً لِأَنَّهُ إِذا لم تفن الرطوبات الَّتِي فِي خلل الْأَجْزَاء مبثوثة كالظل فَإِن الْحمى دق لم يحدث مَعهَا ذبول فَإِذا شارفت هَذِه)
الرطوبات الفناء فقد قاربت الْحَال الذبول الصَّحِيح فَإِذا فنيت وَأَقْبَلت الْحَرَارَة تفنى الرطوبات الماسكة للأجزاء فَهَذَا الذبول.
قَالَ: وَالْأَمر فِي حميات الدق كلهَا إِذا جَازَت ابتداءه صَعب.
قَالَ: وَلَا يجب أَن تتعرف ابتداءها الْأَيَّام بل بكيفية الْحَال وَهُوَ أَلا تكون الرُّطُوبَة قد نفدت وَلَا الْقُوَّة ضعفت وَفِي هَذَا الْوَقْت تكون هَذِه الْحمى سهلة العلاج وَتَكون سهولته بِحَسب قربهَا من الْحَال الطبيعية وعسره بِحَسب قربهَا من حَال الذبول الصَّحِيح وَهَذِه الْحمى سريعة الْبُرْء إِلَّا أَن يُخطئ الطَّبِيب. 3 (مَرَاتِب حمى دق) لي قد بَان من كَلَام جالينوس أَن حمى دق لَهَا ثَلَاث مَرَاتِب أولاها مَا دَامَت مبتدئة وَهِي أَن تكون الرطوبات وَالْقُوَّة بَاقِيَة وَهِي سهلة العلاج. وَالثَّانيَِة أَن تكون الرطوبات وَالْقُوَّة قد فنى مِنْهَا شَيْء وَلم تنفذ كلهَا وَهَذِه بِحَسب قربهَا وَبعدهَا من الطَّرفَيْنِ تكون سلامتها ورداءتها. وَالثَّالِثَة أَن تكون الرُّطُوبَة كلهَا فنيت وَالْقُوَّة قد بطلت وَظَهَرت عَلَامَات الذبول.(4/440)
قَالَ: وَأَنا أصف دَلَائِل الدق المبتدئة السهلة الْبُرْء.
قَالَ: وَهَذِه الْحمى إِذا كَانَت وَحدهَا سهل تعرفها وَإِن كَانَت مَعَ حمى عفن عسر الْوُقُوف عَلَيْهَا. فضع أَنَّهَا بَدَت مُفْردَة مَعَ بعض الْأَسْبَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا يَعْنِي سهراً أَو جوعا أَو تعباً أَو حمى يَوْم وَأَنه ظهر فِي أول يَوْم من الْحمى جَمِيع الدَّلَائِل الدَّالَّة على حمى يَوْم فَإِذا كَانَ ذَلِك وَرَأَيْت الْحمى. قد دَامَت إِلَى الْيَوْم الثَّانِي لَا تسكن وَلَا تقلع وَلَا تشتد وتقوى وَرَأَيْت الْبدن أَزِيد يبساً وجفوفاً وَقد أَقبلت إِلَى الدق فَإِن بقيت كَذَلِك إِلَى الْيَوْم الثَّالِث لم تزيد الْحمى وَلم تنقص تزيداً أَو تنقصاً ذَا قدر لَكِن رَأَيْت بقايا تِلْكَ الْحمى اليومية امتدت ودامت مَعَ يبس وجفوف وَوجدت الْحَرَارَة فِي أول اللَّمْس هادئة لينَة وَإِذا طَال لبث كفك على الْبدن احتدت ألف هـ ولذعت وَوجدت يبساً فالحمى دق وَأقوى العلامات وأبعدها من الشَّك هُوَ أَنه بعد أَن تنَاول العليل الْغذَاء العليل بساعة أَو ساعتين يتَوَهَّم عَلَيْهِ جَمِيع من مَسّه أَنه قد حدث فِي حماه تزيد حَتَّى يكون من أناله ذَلِك الْغذَاء غير بعيد من أَن يلام على أَنه غذاؤه فِي وَقت النّوبَة وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لَكِن هَذَا غير مفارق لجَمِيع من بِهِ الدق أَن يكون إِذا تنَاول الْغذَاء تلتهب الْحَرَارَة وتقوى وتتزيد نبضه عظما وَسُرْعَة حَتَّى يظنّ بِهِ من رَآهُ أَنه قد حدث لَهُ نوبَة من غير)
تضاغط أعنى بِقَوْلِي تضاغط إِذا لم يكن مَعَ النّوبَة اقشعرار وَلَا برد فِي الْأَطْرَاف وَلَا حَال تشبه بالميل إِلَى النّوم وَلَا كسل وَلَا اخْتِلَاف أصلا فِي الْحَرَارَة والنبض وَلَا ضعف وَلَا شَيْء من أشباه هَذِه الْأَعْرَاض لَكِن يصير النبض سَرِيعا أسْرع وَأعظم مِمَّا كَانَ يصير فِي غير من هَذِه حَالَة إِذا إغتذى.
وَقد يكون فِي بعض الْحَالَات حمى غير دق وتزيد الْحَرَارَة من غير تضاغط وَالْفرق بَينهَا وَبني الدق أَن تِلْكَ تعرض فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَهَذِه إِنَّمَا تعرض بعقب وَقت الْغذَاء وَلَيْسَ لحمى الدق فِي وَقت من الْأَوْقَات نوبَة لَكِنَّهَا دائمة مُتَّصِلَة كسونوخس إِلَّا أَنَّهَا وَإِن كَانَت دائمة مطبقة فَإِنَّهَا تنفصل من سونوخس(4/441)
بالحرارة وَذَلِكَ أَن الْحَرَارَة فِي سونوخس كلهيب النَّار والنبض أعظم مَا يكون وأسرعه وأشده تواتراً فَأَما الدق فَلَا تلقى الْيَد مِنْهَا حرارة كَثِيرَة وَيكون النبض اصغر وَأَشد تَفَاوتا من نبض سونوخس بِحَسب نُقْصَان حرهَا عَنْهَا ويعم جَمِيع أَصْنَاف حمى الدق أَن تكون ضَعِيفَة وَتبقى مستوية دَائِما مُنْذُ أَولهَا إِلَى آخرهَا بِحَال وَاحِدَة.
قَالَ: ويخص مَا يكون من حميات الدق الَّتِي مَعهَا ذبول أَن تكون يابسة فَإِنَّهُ قد تكون حميات من الدق لَا يبس مَعهَا وَلَا تنْتَقل إِلَى الذبول.
لي هَذَا القَوْل بِالْإِضَافَة إِلَى الَّتِي مَعهَا ذبول فَأَما جَمِيع أَصْنَاف الدق فمعها يبس وتنتقل إِلَى الذبول إِن دَامَت.
قَالَ: فحميات الدق تخَالف الحميات المطبقة لما وَصفنَا وَأُمِّيًّا الحميات الَّتِي يكون فِي ابتدائها تضاغط فَأن بهيج ذَلِك بأصحاب الدق بعقب الْغذَاء ولهؤلاء بِخِلَاف ذَلِك وَالْأَمر يزْدَاد عِنْد أَخذه الْغذَاء ثَانِيَة. عنْدك بَيَانا إِذا تفقدت كم يَدُوم التَّغْيِير الْحَادِث بعد الْغذَاء من الْحَرَارَة وَذَلِكَ أَن تِلْكَ الْحَرَارَة إِنَّمَا تدوم بدوام ذَلِك الْغذَاء من الْحَرَارَة وَذَلِكَ أَن تِلْكَ الْحَرَارَة إِنَّمَا تدوم بدوام ذَلِك الْغذَاء واتصال بِالْقَلْبِ وترطيبه إِيَّاه من يبسه ثمَّ أَن الْحَال بعد ذَلِك تعود إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ أَولا قبل تنَاول الْغذَاء فَإِن غذوته فِي غير ألف هـ الْوَقْت الَّذِي غذوته فِي الْيَوْم الْمَاضِي رَأَيْت هَذَا الشَّيْء يكون بعقب الْغذَاء أَيْضا.
قَالَ: وَيُشبه أَن تكون الْعلَّة فِي هَذَا السَّبَب كالعلة فِي سخونة حِجَارَة النورة وَالْحِجَارَة المحماة فَإِنَّهَا تسخن عِنْد مَا يصب عَلَيْهَا المَاء وَذَلِكَ يكون فِي مَا يسْبق إِلَى الْوَهم لِأَن الْحَرَارَة الَّتِي فِيهَا حرارة مَعَ يبس فَإِن أَصَابَت جوهراً رطبا اغتذت مِنْهُ.)
قَالَ: وَهَذَا بحث طبيعي وَيدل على أَن حمى الدق الَّتِي مَعَ الذبول مَعهَا يبس شَدِيد أَنَّهَا لَا تكَاد تعرض لمن بدنه رطب لَكِن لمن بدنه يَابِس وخاصة إِن كَانَ مَعَ ذَلِك حر أَو تَعب أَو سهر أَو اهتم وقلل الْغذَاء فَإِن هَؤُلَاءِ يعرض لَهُم دق من أدنى غضب أَو هم وخاصة فِي الصَّيف.
قَالَ: فَأول ابْتِدَاء حمى دق الْوَقْت الَّذِي تنحط فِيهِ حمى يَوْم وتقلع ثمَّ لَا تنحط الْحمى انحطاطاً كَامِلا ويتزيد مَعَ ذَلِك اليبس تزيداً بَينا فَذَلِك أول وَقت تَزُول فِيهِ الْحمى عِنْد حد حمى يَوْم وَتدْخل حمى دق وتتبين وحد هَذِه الْحمى واستحكامها فِي الثَّالِث إِذا لم تحدث لَهُ فِي هَذِه الْمدَّة نوبَة أُخْرَى وَلَا أقلعت الْحمى واليبس بتزيد فمعلوم أَنَّهَا حمى دق وَأَنَّهَا ستؤول إِلَى ذبول سَرِيعا أَن لم تعالج. وحد انقلاب هَذِه الْحمى إِلَى الذبول هُوَ أول مَا يصير النبض صلبا ضَعِيفا وَقد كَانَ صَغِيرا متواتراً لِأَن الضعْف والصلابة فِي النبض من طبع هَذِه الْحمى لِأَن ضعفه من سوء المزاج الْحَادِث بِالْقَلْبِ وصلابته من اليبس وَمَتى كَانَ هَذَانِ العارضان قد عرضا للقلب وَجب أَن تكون الْحمى حمى ذبول وَيَقَع فِيهَا بعقب حميات محرقة وَأكْثر من يوقهم فِيهَا الْأَطِبَّاء لخطائهم فِي علاجهم وخاصة أَن احتاجوا إِلَى شرب مَاء بَارِد فمنعوا وَلم يتلطفوا فِي غَيره من الْأَشْيَاء المبردة الَّتِي تُوضَع على الصَّدْر وَمَا دون الشراسيف وَإِن كَانَ مَعَ أَنه لم يضمده بأضمدة بَارِدَة ضمده بآضمدة حارة محللة كالمتخذة من خبز وَعسل وَأَنه أَحْرَى بِأَن يصير إِلَى الذبول سَرِيعا مُفْردَة كَانَت حماه أَو من ورم حدث فِي الْمعدة أَو الكبد فَإِن الذبول أَكثر مَا يحدث إِنَّمَا يحدث عَن أورام هَذِه الْأَعْضَاء إِذا لم تعالج بصواب حَتَّى أَن قوما ظنُّوا أَنه لَا يُمكن أَن يكون الذبول إِلَّا من قبل الأورام وَلم يعلمُوا أَنه لن يحدث ذبول وَلَا دق عَن ورم عُضْو من الْأَعْضَاء أصلا دون أَن تنَال الْقلب آفَة وَهَذِه الآفة رُبمَا كَانَت من الْقلب نَفسه كالعارض من غضب وهم قوى دَائِم تطول مدَّته وَرُبمَا عرضت من الحميات المحرقة المفردة أَو الَّتِي مَعَ ورم الرئة والصدر وخاصة عِنْد تولد مُدَّة بَين الرئة والصدر وقرحة فِي الرئة وَبِالْجُمْلَةِ من كل ورم فِي عُضْو خطير يطول لبثه مَعَ يبس الْبدن وخاصة فِي الْقلب وَقد يحدث ذبول من ورم قولون وَمن ورم المريء وورم الكلى. وَرَأَيْت ذَلِك أَيْضا بِقوم كَانَ بهم اخْتِلَاف الدَّم من روم كَانَ بهم فِي أمعائهم وَمن زلق الأمعاء وَمن الذرب المزمن إِذا عرض لَهُم من أول الْأَمر وَمن بعد أَن تتمادى بهم الْعلَّة حمى رقيقَة ضَعِيفَة وَبِالْجُمْلَةِ فَمَتَى كَانَ جرم الْقلب ليسبق إِلَيْهِ يبس ثمَّ قبل حرارة الْحمى قبولاً(4/442)
يعسر مَعَه انحلالها وَلِهَذَا صَار من أعظم عَلَامَات الدق أَن تُوجد)
الشرايين اسخن من الْمَوَاضِع الَّتِي حولهَا من الْبدن وَلَيْسَ يعرض ذَلِك فِي سَائِر الحميات وَهَذَا الْعَارِض يتَبَيَّن جدا عِنْد دُخُول الْحمام وتخلخل بدنه وتسخيفه بِأَيّ تسخيف كَانَ حَتَّى يندى بدنه ويتحلل بعض حرارته فَأَنَّهُ بعد ذَلِك تُوجد الْحَرَارَة فِي مَوَاضِع الْبدن كلهَا معتدلة خلى الشرايين فَإِن الْحَرَارَة فِيهَا لَا تُوجد فِي تِلْكَ الْحَال نقصت شَيْئا عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَتَكون لذَلِك الْحَرَارَة أَجود عِنْد انبساط الْعُرُوق والانبساط أَيْضا لَا يتَغَيَّر عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قبل التَّحْلِيل لَكِن يبْقى بِحَالهِ. فحمى الدق مَتى كَانَت مُفْردَة ذبولية كَانَت أَو غَيرهَا فتعرفها سهل فَإِن تركبت مَعَ حمى أُخْرَى صَعب ذَلِك وَيجب أَن يعول فِي مَعْرفَتهَا على جودة الْمعرفَة بِصُورَة الدق المفردة وَصُورَة سَائِر الحميات فَإِنَّهَا لَا تخفى عَلَيْك من بعد ذَلِك.
ثمَّ تمثل بمثال الْمَرْأَة الَّتِي كَانَت بهَا حمى الدق وَحمى تنوب مرَّتَيْنِ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الحميات المركبة.
لَا تكون فِي الدق ابْتِدَاء نوبَة بعد الأولى وَلَا تزيد وَلَا نِهَايَة وَلَا انحطاط.
قَالَ: حمى دق تحدث بعقب حميات العفن أَو غَيرهَا إِذا طَالَتْ وَإِذا كَانَت سخنة جدا وتحدث بعقب الطَّوِيلَة وخاصة إِن كَانَت سخنة جدا الذبولية فَأَما مَا يحدث بعقب الحميات الَّتِي لم تطل مدَّتهَا أَو لم تكن شَدِيدَة الاحتراق فالدق الْمُبْتَدِئ فَإِن تزيد صَار بعد إِلَى الذبول.
من جَوَامِع أَصْنَاف الحميات: الدق تحدث بعقب حميات محرقة حدثت مَعَ أورام أَو بِغَيْر أورام أَو بعقب حمى يَوْم حدثت عَن سهر أَو نَحوه مِمَّا يجفف المزاج وَلها ثَلَاث مَرَاتِب: مبتدئة وَهِي دق مُرْسلَة وَحدهَا مَا لم يكن غور الرطوبات غورا بَينا. والذبولية ألف هـ وَحدهَا ظُهُور عَلَامَات الذبول لَيْسَ كلهَا وَلَا فِي الْغَايَة من الْقُوَّة. ومفتتة وَهِي ظُهُور عَلَامَات الذبول قَوِيَّة مجتمعة.
والذبول إِمَّا أَن يكون مَعَ حرارة فَتكون مَعَه الْحمى الْمَعْرُوفَة بالذبولية وَهِي الصِّنْف الثَّانِي من حميات الدق أَو مَعَ برودة فَيكون إِمَّا طبيعياً كَمَا يحدث للشيوخ على طول الزَّمَان أَو يحدث
3 - (عَلَامَات حمى الدق)
أَن تكون من سَبَب باد وَأَن تبقى مُقِيمَة لَا تقلع وَلَا تزيد وَأَن يكون الْبدن جافاً والحرارة فِيهَا حِدة وتتزيد بعد الطَّعَام وَيكون الشرايين أحر من سَائِر الْبدن.
لي هَذَا الدق الْكَائِن من حمى يَوْم فَأَما الكائنة عَن المحرقات فَلَيْسَتْ بِسَبَب باد.
ويعم حمى الدق أَن الْحَرَارَة فِيهَا رقيقَة لَازِمَة مُتَسَاوِيَة أبدا. ويخص الذبول مَعَ ذَلِك جفوف الْبدن فِي الْغَايَة وصلابة النبض وَضَعفه.(4/443)
عَلَامَات وُقُوع حمى يَوْم إِلَى حمى دق أَن تكون بعد اثْنَتَيْ سَاعَة صعوبة وَشدَّة فِي الانحطاط وَلَا يستفرغ شَيْء من الْبدن وَلَا يندى فضاً عَن الْعرق وتدوم الْحمى وَلَا تتزيد وَلَا تنقص فَهَذَا ابْتِدَاء الدق فَإِذا بقيت كَذَلِك إِلَى الْيَوْم الثَّالِث وَظهر جفاف فِي الْبدن فَذَلِك تزيد الدق. فَإِذا ظَهرت صلابة النبض مَعَ ضعفه وجفاف فِي الْبدن فِي الْغَايَة فَهُوَ الذبول.
التَّاسِعَة فِي حِيلَة الْبُرْء قَالَ: أَصْحَاب الدق لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى شرب المَاء الْبَالِغ الْبرد وَلَا إِلَى مِقْدَار كثير مِنْهُ لِأَنَّهُ يضر بأعضائهم الْأَصْلِيَّة لنحافتهم وَقلة مُهِمّ ودمهم.
الْعَاشِرَة قَالَ: حمت امْرَأَة بِسَبَب سهر وغم وطالب بهَا الْحمى وانتقلت إِلَى الدق مركبة مَعَ حمى عفن فَلم تكن مداواتها إِلَّا أَن تسقى مَاء بَارِدًا بِمِقْدَار معتدل فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي لِأَنَّهَا كَانَت مُعْتَادَة لَهُ فِي الصِّحَّة.
قَالَ: وَآخر كَانَت هَذِه حَالَة كنت اسقيه مَاء الْعُيُون بَارِدًا فِي غَايَة الْبرد قوانوسين وَمرَّة قوانوساً لِأَن هَؤُلَاءِ لَا يحْتَملُونَ أَن يشْربُوا مَاء بَارِدًا فِي غَايَة الْبرد دفْعَة وَاحِدَة إِلَّا أَنه ينْتَفع بِهِ بِهَذَا الْقدر لِأَن الْبدن لم يبس غَايَة اليبس.
قَالَ: والجهال من الْأَطِبَّاء يَدْعُو سقِِي المَاء الْبَارِد فِي حِينه فَإِذا ذبل الْبدن أَو وَقع فِي الدق الْخَالِص سقوه حَيْثُ لَا ينْتَفع بِهِ. 3 (التحفظ من الدق) ويستعان بِبَاب التحفظ فِي بَاب جمل الحميات.
ألف هـ الْأَبدَان المرارية النحيفة الْيَابِسَة مستعدة للوقوع فِي الحميات مَتى امسكت عَن الطَّعَام وَالْحمام وأسرفت من الرياضة والسهر وَنَحْو ذَلِك فَإِن هِيَ حمت وَأَمْسَكت عَن الطَّعَام لتأنى جهال الْأَطِبَّاء إِذا وَقعت فِي الدق وخاصة إِن كَانَت قبل أَن تحم قد جَفتْ ويبست يبساً شَدِيدا لأسباب تعرض لَهُم من ذَلِك أَو إمْسَاك عَن الْغذَاء وَأَشد من ذَلِك أَن ضمد جهال الْأَطِبَّاء بطونهم بالأضمدة المحللة المتخذة من الدَّقِيق وَالْمَاء وَالزَّيْت لورم يحسونه هُنَاكَ وَقد قُلْنَا فِي ذَلِك مَا يجب أَن يُقَال حَيْثُ ذكرنَا الاختراس من هَذِه الحميات فِي بَاب جمل الحميات فَمَتَى رَأَيْت بدنا مزاجه هَذَا طبعا أَو اكتساباً أغْنى أَن يسخن ويبيس جدا ويضعف ويذبل ويحم حمى حادة حارة قَوِيَّة وَرَأَيْت قوته ضَعِيفَة وَجَسَده ذابلاً فاسقة مَاء الشّعير ثمَّ أعْطه خبْزًا مبلولاً بشراب أَبيض مائي ممزوج بمزاج معتدل وَإِن كَانَ مَاء الشّعير يطفو فِي فَم الْمعدة ويحمض فاخلط فِيهِ مَاء حب الرُّمَّان أَو اجْعَلْهُ حساء إِن كره مَاء الشّعير وَإِن كَانَ قد بلغ الْأَمر بِهِ إِلَى الغشي فَإِنَّهُ كثير مَا يكون ذَلِك إِذا أَمْسكُوا عَن الطَّعَام مُدَّة طَوِيلَة فَلَا تهب وأوجره مَاء الشّعير ثمَّ شرابًا أَبيض بِمَاء ممزوج بِهِ مزاجاً معتدلاً وغذه كل يَوْم مرّة أَو مرَّتَيْنِ على مَا ترى من قوته وَلَا تنظر إِلَى النّوبَة بل إِن احتجت فاغذه وَلَو فِي انْتِهَاء النّوبَة فضلا عَن مبدأها(4/444)
وانحطاطها وَإِنَّمَا يضْطَر إِلَى ذَلِك إِن كَانَ العليل يغشى عَلَيْهِ إِن لم يغذ فَإِن لم يغش عَلَيْهِ وَلم يطرك شَيْء إِلَى تغذيته فتغذ إِذا انحطت حماه وَلَا تنْتَظر تَمام انحطاطها لِأَن الْأَبدَان المرارية لَا تنقى من الْحمى ليبسها واشتعالها وَإِن كَانَ الْمَرِيض فِي وَقت ابْتِدَاء النّوبَة يشْتَد عَلَيْهِ الْأَمر ويضعف ويذبل فغذه قبل ابْتِدَاء النّوبَة أَو حِين يَبْتَدِئ الدّور وَرُبمَا احتجت أَن تغذي العليل فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ قبل الدّور بساعتين وَبعده أَيْضا كَذَلِك فَلْيَكُن الْهَوَاء الْمُحِيط بِهِ بَارِدًا واسقه مَاء بَارِدًا قَلِيلا من غير اسراف فِي كيفته وَلَا فِي كميته وضع على بطونهم الأضمدة المبردة حَيْثُ ترى الْحَرَارَة أَكثر فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك احتملوا الْحمى بسهولة وقورا عَلَيْهِم ثمَّ لم تلبث ألف هـ حماهم فيحتملون فضل الْغذَاء والاستحمام وتدبير النَّاقة ويبرأون فَهَذِهِ جملَة تَدْبِير جالينوس لهَذِهِ الحميات وَهَذَا أوجه الاحتراس من الْوُقُوع فِي هَذِه الحميات الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الحميات المحرقة الْمُخْتَلفَة أَو الدق فلتضع الْآن أَن بَعضهم وَقع فِي حمى دق.)
الْهَوَاء الْبَارِد قَالَ ج: أول مَا يسْتَعْمل الْهَوَاء الْبَارِد لتبريد الْقلب وَيَنْبَغِي أَلا تدفئ الْبدن وَلَا تدثر وَإِن كَانَ شتاء وَيتْرك يتنفس من هَوَاء بَارِد فَإِنَّهُ ملاكه.
قَالَ: فالدق الَّذِي تكون الآفة فِيهِ إِنَّمَا نَالَتْ الْقلب تَنْشَق الْهَوَاء الْبَارِد وَهُوَ أَجود أدويته لِأَنَّهُ يصل إِلَيْهِ بِسُرْعَة ويبرده كَمَا أَن الدق الَّذِي ابتداؤه من الْمعدة إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يقْصد فِيهِ لما يرطب ويبرد الْمعدة بالأطعمة والأشربة لِأَن الطَّعَام وَالشرَاب يلقى الْمعدة وقوته بَاقِيَة بِحَالِهَا وَالْقلب لَا يلقاه الطَّعَام وَهُوَ بَاقٍ بِحَالهِ بل يلقى الْهَوَاء وَهُوَ حَافظ لأكْثر أَحْوَاله.
قَالَ: وَأما الكبد فانتفاعها بِالطَّعَامِ وَالشرَاب انْتِفَاع لَيْسَ بالدون.
قَالَ: ويعم جَمِيع أَصْنَاف الدق من أَيْن كَانَ ابتداؤه مداواته بِمَا يبرد ويرطب مِمَّا يُؤْكَل وَيُوضَع خَارِجا.
قَالَ: وَأكْثر مَا تكون حميات الدق وحميات الذبول عِنْد الْحر واليبس فِي الْقلب أَو فِي الْمعدة أَو الكبد وَكَثِيرًا مَا تكون تَابعا لسوء مزاج يَابِس من الرئة غير أَن الرئة عُضْو لَيْسَ بمستعد لِأَن يكون مِنْهُ أَمْثَال هَذِه الحميات لِأَنَّهُ عُضْو رخو رطب. وَقد تكون هَذِه الحميات تَابِعَة لآفة تنزل فِي الصَّدْر لي إِلَّا أَنه ورم حَار أَو لسوء مزاج حَار يَابِس أَو لجداول الْعُرُوق المنتسجة بَين الكبد والمعي أَو بالمعي الصَّائِم أَو يَقُولُونَ أَو بالأرحام أَو بالكلى أما الآفة تنزل بالحجاب فَلَا أعلم أَنِّي رَأَيْت حمى ذبول تتبعها وَأما الدق فقد رَأَيْتهَا مرّة وَاحِدَة تبعه آفَة نَالَتْ الْحجاب وتمت واستحكمت. وَرَأَيْت مرَارًا شَتَّى الآفة النَّازِلَة بالحجاب قَلِيلا مَا يُمكن مَعهَا أَن يستحكم الدق لِأَن أَمْثَال هَذِه الْعِلَل يتبعهَا عسر تنفس واختلاط عقل فَيَمُوت الْمَرِيض فِي الْأَكْثَر بِسَبَب مَا يعرض لَهُ من ذَلِك.
قَالَ: قد وصفت أَمر الْهَوَاء الْحَار والبارد وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَاب جمل الحميات عِنْد تَدْبِير الْأَبدَان المرارية وَقد وصفت هُنَاكَ كَيفَ يَنْبَغِي أَن يكون الْبَيْت الَّذِي تأويه فَخذه من هُنَاكَ.(4/445)
ألف هـ قَالَ: والهواء أَكثر مَا ينفع بِهِ فِي الدق وَمَتى كَانَت هَذِه الْحمى حَادِثَة عَن آفَة نزلت بِالْقَلْبِ نزلُوا أولياً وَقد ينْتَفع بِهِ مَنْفَعَة لَيست يسيرَة فِي سَائِر الحميات الدقيقة. لِأَن الْقلب فِي هَذِه الحميات أَيْضا يعرض لَهُ سوء مزاج شَبيه بِسوء مزاجه إِذا حلت بِهِ الآفة أَولا وَلَا يُمكن أَن يعرض لَهُ شَيْء من الحميات الْأُخَر فصلا عَن حمى الدق والذبول دون أَن يعرض للقلب سوء)
مزاج. فَأَما إِذا كَانَت الآفة عَن الرئة فَإِنَّهَا أحْوج إِلَى الْهَوَاء الْبَارِد من سَائِر الْأَعْضَاء. وَقد حصل أَن الْهَوَاء الْبَارِد نَافِع فِي جَمِيع الدق.
قَالَ: وَهَؤُلَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى أدوية تُوضَع من خَارج الْبدن وَأَن تكون مبردة بِلَا قبض شَدِيد لِأَن القابضة لَا تعرض بتبريدها إِلَى عمق الْبدن لِأَنَّهَا تقبض ظَاهر الْجلد وَلَا تصل إِلَى عمقه والأجود أَن يكون مبرداً لطيفاً جدا وَلَكِن هَذَا الدَّوَاء عسر لِأَن جوهراً بَارِدًا جدا يكون فِي غَايَة اللطافة مُتَعَذر الْوُجُود.
لي كَأَن جاليوس هَهُنَا لم يعرف الكافور.
قَالَ: الْخلّ هُوَ من جَمِيع المبردات الَّتِي يعرفهَا النَّاس وَقد يخالطه شَيْء من حرارة وَلَيْسَ هُوَ بصادق الْبرد وَهُوَ يجفف مَعَ هَذَا وَأرى أَن جالينوس لم يذكر الكافور إِمَّا لِأَنَّهُ لم يكن يعرفهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يجفف بِقُوَّة قَوِيَّة وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل وَحده حَيْثُ يحْتَاج إِلَى تبريد وترطيب بل يخلط مَعَه المَاء الْبَارِد حَتَّى يصير فِي حد مَا يُمكن شربه وَلَكِن إِذا كَانَ لَا يُمكن أَن يُوجد شَيْء مِمَّا يداوى بِهِ فِي الْغَايَة من اللطافة مَعَ الْبُرُودَة فقد يَنْبَغِي على حَال أَن يحتال لتركيب أدوية صَالِحَة لهَذَا الشَّأْن مثل القيروطي المتخذة بالشمع الْمُصَفّى وزيت الأنفاق الْمشْربَة بِالْمَاءِ.
لي هَذَا القيروطي أَن اتَّخذت بدهن بنفسج أَو دهن خلاف أَو دهن نيلوفر فقريب أَن يكون مِمَّا يطْلب وخاصة دهن النيلوفر فَإِنَّهُ بَارِد لطيف جدا فليستعمل.
قَالَ: وَلَا تتْرك هَذَا الضماد على الْبدن إِلَى أَن يسخن سخونة ظَاهِرَة لَكِن يبرد ويبدل تبديلاً متواتراً.
ضماد آخر: يُؤْخَذ
دَقِيق الشّعير فيخلط بعصارة الحماض ثمَّ تبل فِيهِ خرقَة بطاقتين وتوضع على الْبَطن وَهِي مبردة غَايَة التبريد وتبدل مَتى فترت. وَإِن شربت القيروطى خلا وَمَاء وَنَحْوه كَانَ أبرد.
لي احسب أَن هَذَا يبلغ حَيْثُ تُرِيدُ وَأَن شِئْت شربت لعاب برز قطوناً أَو مَاء ألف هـ عِنَب الثَّعْلَب وَنَحْوه وبرده على الثَّلج وَضعه وارفعه وَبدل خرقه دَائِما فَإِن شِئْت فضع عَلَيْهِ قَالَ: وضع هَذِه الْأَدْوِيَة على الْموضع الَّذِي هُوَ أول عُضْو نزلت بِهِ الآفة والموضع الَّذِي ترى الْحَرَارَة فِيهِ أَزِيد لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن لَا يبرد الْعُضْو الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى تبريده مَعَ الْعُضْو الَّذِي يحْتَاج إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ إِذا لم تحرز ذَلِك لم تأمن أَن ترفع الضماد الْمبرد قبل أَن يعْمل عمله(4/446)
خوفًا من أَن تكون قد بردت مَعَ الْعُضْو الَّذِي تُرِيدُ عضوا آخر تخَاف مضرته وبالضد تبرد عضوا لَا تحْتَاج إِلَى تبريده وَأَنت لَا تَدْرِي. وَإِنِّي لأعرف من عولج بدواء مبرد وضع على مَا دون الشراسيف مِنْهُ فَأَصَابَهُ من سَاعَته ضيق النَّفس وَكَذَلِكَ قوم وضع على صُدُورهمْ هاج بهم السعال فَلَمَّا قلع الضماد عَادوا إِلَى الْحَال الطبيعية فاستقص على أَي مَوضِع تضع فَإِن أردْت أَن لَا تبرد كثيرا فَاجْعَلْ أدويتك أقل تبريداً. 3 (الْحمام اللمسلولين) قَالَ: إِن الْأَشْيَاء المبردة بَعْضهَا يفعل ذَلِك بجوهرها وَبَعضهَا بِالْعرضِ كالحمام وَالْحمام أَحدهَا إِذا اسْتعْمل كَمَا يَنْبَغِي برد هَؤُلَاءِ بِالْعرضِ ورطبهم بالجوهر وَعظم نَفعه لَهُم.
قَالَ: فالنافع لهَؤُلَاء من الْحمام أَن يدخلُوا فِي مَاء بَارِد فَقَط وَلَكِن لِأَن أبدانهم نحيفة ضَعِيفَة لَا يَنْبَغِي أَن يدخلُوا المَاء الْبَارِد فَقَط إِلَّا بعد أَن تسخن أعضاؤهم سخونة معتدلة لِأَن لَا يُؤمن من دُخُولهمْ المَاء الْبَارِد أَن تنْقَلب طبائعهم دفْعَة إِلَى الْبرد وَلَكِن إِذا كَانَ لَا طَرِيق لَهُم سواهُ وَكَانَ مَا يخْشَى من هَذَا أقل مِمَّا يخْشَى من وقوعهم فِي الذبول الَّذِي لَا خلاص مِنْهُ لِأَن الذبول المستحكم كالهرم الَّذِي لَا يُمكن دَفعه.
وَمن بردت أعضاؤه الْأَصْلِيَّة من اسْتِعْمَال المَاء الْبَارِد أَو أحشاؤه فممكن أَن يتلافى بالعلاج وَقد قُلْنَا أَن الذبول المستحكم لَا حِيلَة فِي برئه وَإنَّهُ لَو أمكننا أَن نبرئه لأمكن أَن ندفع الْهَرم فَأَما من دَافع بأصحاب الدق وَلم يعالجهم بالحمام وَلَا بِسَائِر مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فقد أسلمهم إِلَى الْهَلَاك وَقطع رجاءهم.
3 - (علاج الذبول)
مَا عولج بِهِ فَإِن عيشه يكون كعيش الشُّيُوخ لِأَن الذبول الْكَائِن مَعَ حمى رُبمَا انْتقل بالعلاج إِلَى ألف هـ الذبول الْمُسَمّى شيخوخة.
لي هَذَا الذبول الثَّانِي يكون عِنْد انطفاء الْحَرَارَة الْبَتَّةَ وَحُصُول سوء مزاج بَارِد يَابِس فَأَما الأول فَإِن مَعَه حرارة إِلَّا أَنه سريع الذّهاب والانتقال إِلَى النَّوْع الثَّانِي.
قَالَ: فَإِن دَبرته أمكن أَن يعِيش شهوراً كَثِيرَة قَالَ: وَقد دبرت مَتى كَانَت هَذِه حَاله بتدبير النافهين فحفظته سِنِين كَثِيرَة.
قَالَ: وَقد ذكرت تَدْبِير الَّذِي يحْتَاج هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ بِالْقُوَّةِ حَيْثُ ذكرت تَدْبِير سوء المزاج الْعَارِض فِي الْمعدة وَفِي كتاب تَدْبِير الأصحاء حَيْثُ ذكرت تَدْبِير الْمَشَايِخ فاعرفها هُنَاكَ.
3 - (علاج حميات الدق)
قَالَ: قد علمتك أَشْيَاء كَثِيرَة من علاج الدق مِمَّا قد جربتها وَأَنا أعلمك هُنَا حَال الْحمام: إِن أَصْحَاب الدق لَيْسَ انتفاعهم من الْحمام بِالْمَاءِ الْحَار بل بالبارد وَبعد أَن يكون(4/447)
الْحمام قد هيأ أبدانهم وعدها لقبُول الِانْتِفَاع بِالْمَاءِ الْبَارِد حَتَّى تصير أبدانهم بِهَذِهِ السخونة فِي حد أبدان الأصحاء المخلصين للاستحمام بِالْمَاءِ الْبَارِد.
قَالَ: وَأما فلَان الطّيب فَإِنَّمَا يجزع من اسْتِعْمَال الْحمام فِي الدق لِأَنَّهُ يرى أَن الْحَرَارَة ضارة لَهُم وَأَنه يَنْبَغِي أَلا يغمس أحد منهوك الْبدن فِي مَاء بَارِد فَيسْقط الْحمام إِذن عِنْده وَلم يعلم أَن الْحمام يَجْعَل الْبدن المنهوك مُحْتملا للْمَاء الْبَارِد إِذا غمس فِيهِ بعد أَن يكون قد سخن سخونة تَجْعَلهُ فِي حد الْأَبدَان الخصبة الصَّحِيحَة المحتملة لذَلِك فَإِنَّهُ يقوى بهَا وَلَو احتملت المَاء الْبَارِد لنفعها.
وعساه أَيْضا رأى حمى بِوَاحِد واثنين مِمَّن بِهِ حمى دق وَحمى عفونة وَهُوَ لَا يعلم أَن حماه مركبة فَلَمَّا رأى الْحمام قد ضرهم ذمه.
قَالَ: وَأما أَنا فَأَقُول: إِن جَمِيع من تصيبه حمى دق وخاصة من وَقع مِنْهُم فِي ابْتِدَاء الذبول إِذا كَانَت حماهم بسطة غير مركبة مَعَ شَيْء من حميات العفن أَو حميات الورم فأدخلهم الْحمام بِثِقَة وَلَكِن يكون بِلَا تَعب ينالهم كَمَا وصفت فِي تَدْبِير من يغلب على معدته سوء مزاج يَابِس فَيحمل الْمَرِيض إِلَى الْحمام وَهُوَ مِنْهُ على فرَاشه فَإِذا صَار إِلَى الْبَيْت فليلق هُنَاكَ على مقرمة مهيأة مسخنة بعد نزع ثِيَابه وَيحمل بَين أَرْبَعَة فَإِن كَانَ هَذَا الْبَيْت الأول صَالح الْحَرَارَة فلتنزع ثِيَابه هُنَاكَ وَإِلَّا فَفِي ألف هـ الْأَوْسَط وَليكن الْأَوْسَط معتدلاً ويسكب على الْبدن فِي الْبَيْت الْأَوْسَط دهن وَهُوَ مفتر سَاعَة يدْخل وَهُوَ على مقرمة مَحْمُول ويسوى على بدنه بالدلك الْيَسِير فَإِذا فعل ذَلِك بِهِ مضى بِهِ إِلَى الْبَيْت الْحَار ليَكُون لبثه فِي كل بَيت وليلبث فِي الْبَيْت الأول بِقدر مَا يقلب على الْفراش إِلَى المقرمة وَأما فِي الثَّانِي فَيقدر مَا يخلع ثِيَابه ويمرخ بالدهن وَفِي الثَّالِث بِقدر مَا يمْكث فِي الأبزن وَهُوَ على المقرمة وَذَلِكَ بِأَن يرخى جوانبها فِي الآبزن مِقْدَارًا معتدلاً وَلَا يصب عَلَيْهِ المَاء وَلَا على رَأسه لَكِن يغمس رَأسه وبدنه فِيهِ مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وترخى المقرمة حَتَّى تنغمس فِيهِ وَيصب فِي بيُوت الْحمام كلهَا مَاء حَار متوسط صبا كثيرا لتَكون كلهَا مرطبة غير مجففة فَإِذا خرج من آبزن المَاء الْحَار غمس فِي المَاء الْبَارِد دفْعَة بِسُرْعَة لَا فِي وَقت طَوِيل ويلقى عَلَيْهِ سَاعَة خُرُوجه من المَاء الْبَارِد منديل ثمَّ يلقى عَلَيْهِ آخر ويسار بِهِ إِلَى فرَاش)
فَيلقى عَلَيْهِ وينشف عرقه بمناديل لينَة بِلَا شدّ الْيَد عَلَيْهِ ثمَّ يمسح بدنه بدهن ويلبس ثِيَابه وَيحمل على سَرِيره وفراشه إِلَى بَيته ويغذى وَيُدبر مَعَ هَذَا تَدْبِير علاج من أَصَابَهُ سوء مزاج بَارِد يَابِس لي غذاؤهم يَنْبَغِي أَن يكون بَارِدًا رطبا مثل كشك الشّعير يسقاه مبرد وخبز مبلول بِمَاء بَارِد وَلَا تكون هَذِه الْأَطْعِمَة صَادِقَة الْبُرُودَة بِالْفِعْلِ كبرودة مَاء الثَّلج وَمَا يشرب لِأَن الطَّعَام الْبَارِد يبْقى فِي الْمعدة زَمَانا طَويلا بَارِدًا. فَأَما مَا يشرب فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ بَارِدًا يصلح وَينفذ أَيْضا عَن الْمعدة سَرِيعا وَالطَّعَام الْبَارِد يُطِيل البث فِي الْمعدة فَإِن كَانَت الْحمى قد طَالَتْ وأزمنت فاسقه لبن الأتن وَاحْذَرْ أَن يتجبن فِي معدته.
قَالَ وَذَلِكَ رُبمَا خبرك بِهِ عَن نَفسه إِن كَانَ عَارِفًا بطبيعته وَرُبمَا احتجت أَن تتعرف(4/448)
ذَلِك أَنْت مِنْهُ وَذَلِكَ إِن تتوقى تجبنه بِأَن تستعمله قَلِيلا بعد قَلِيل. وممكن أَن تدفع هَذَا الْعَارِض بِأَن تجْعَل مَعَه عسلاً أَو مَاء الْعَسَل قَلِيلا لِأَن الْعَسَل وماءه يَسْتَحِيل إِلَى المرار سَرِيعا وَيجْعَل الْحمى ألف هـ أَشد يبساً وحدة فاحذره مَا أمكن. وَالْملح الْمَأْكُول يمْنَع أَيْضا تجبنه أَن طرح فِيهِ قَلِيلا.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تعطيه مَا يمْنَع التجبن مِمَّا لَا يسخن وتسقه ذَلِك قَلِيلا قَلِيلا فَإِنَّهُ أَحْمد الْأَشْيَاء.
قَالَ: وَأدْخل الأتان عَلَيْهِ واسقه سَاعَة يحلب وتفقد النبض بعد سَاعَة فَإِن فسد وجدت النبض كنبض من عرض لَهُ ضغط فِي معدته لي احسبه يُرِيد هَهُنَا تجبناً قَالَ: وَإِن انهضم نعما وجدت النبض أعظم وَأقوى فيمكنك عِنْد ذَلِك أَن تزيد فِي السقية الثَّانِيَة فِي الْمِقْدَار نصف قوانوس ثمَّ تزيد أَيْضا نصفا آخر حَتَّى يصير إِلَى الْمِقْدَار المعتدل على مَا أعلمتك فِي مداواة سوء المزاج الْيَابِس فِي الْمعدة فَعَلَيْك بِقِرَاءَة ذَلِك الْموضع فَإِن العلاج مُشْتَرك لَهما وَلَكِن بِحَسب حرارة الدق صرنا فِي علاجه نحتاج إِلَى أَشْيَاء أبرد إِلَى اسْتِقْصَائِهِ كَيْلا ينَال الْبدن مضرَّة من مداواته بأَشْيَاء قَوِيَّة.
فَمن وَقع من أَصْحَاب الدق فِي ذبول فَلْيَكُن استحمامه على مَا وصفت وَأما من بِهِ دق وَلم يلْحقهُ ذبول فعلاجه بِمَا أَقُول يُمكن: أَن يدْخل الْحمام من غير حمل على مقرمة بل على محفة ثمَّ يمشي إِلَى المَاء الْحَار ويطيل فِيهِ الْمكْث وَمن كَانَ مِنْهُم شَدِيد الضعْف فَلَا يدْخل حَوْض المَاء الْبَارِد بل يصب عَلَيْهِ مِنْهُ خَارِجا بعد صب مَاء فاتر وَليكن قدر برودته كبرودة مَاء المصانع)
أَعنِي فِيمَا بَين الْبُرُودَة الْمُؤَلّفَة والفتورة المرخية وَلَا يكون كأحدهما فَإِن فعلت هَذِه الْأَشْيَاء بِصَاحِب الدق نجته وَإِن وَقع فِي شَيْء مِنْهَا خطأ فسد ذَلِك كُله وَلَو كَانَ الْخَطَأ قَلِيلا وَمن برأَ من أَصْحَاب الذبول بِمَا ذكرنَا برأَ برءاً تَاما فَإِنَّمَا يبرأ من الذبول فِي لَحْمه فَقَط وَأما من يَبِسَتْ أعضاؤه الْأَصْلِيَّة فَغير مُمكن أَن يبرأ تَاما وَهَذَا لَا بُد أَن يَمُوت أَو يَقع فِي الذبول الْبَارِد لِأَن الْحمى تفنى أَولا الرُّطُوبَة الخاصية بالأعضاء المشاكلة لَهَا الَّتِي تغتذي مِنْهَا فتنتقل من هَذِه الرُّطُوبَة الَّتِي فِي اللَّحْم الْمُحِيط بِلِيفٍ الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة وَبِمَا فِيهَا من جنس الأغشية ثمَّ تَأْخُذ بعد ذَلِك فِي نفس الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة.
قَالَ: تحلل الْبدن بالذوب إِلَى بَاطِنه وبالتحلل الْخَفي فَمَتَى كَانَ الْبدن رطبا كَانَ مَا يذيبه مِنْهُ إِلَى بَاطِنه ظَاهرا للحس كثيرا وبالضد أَن كَانَ الْبدن عضلانياً يَابسا عديم الشَّحْم على مَا تَجدهُ يكون فِي اللَّحْم ألف هـ الَّذِي يلبث فَإِن الرُّخص يسيل مَه شَيْء كثير واليابس يتَحَلَّل مِنْهُ أَكثر مِمَّا يسيل.
قَالَ: وَمن أعظم الدَّلَائِل على أَخذ الحميات الدق الحادة فِي إذابة الْأَعْضَاء مَا يسيل فِي البرَاز من الدهنية وَالدَّسم وَهَؤُلَاء إِن لم يُبَادر بالعلاج وَقَعُوا فِي الذبول وَحِينَئِذٍ لَا يسيل مِنْهُم شَيْء لِأَن مَا كَانَ يذوب قد ذاب وَخرج وَلَيْسَ يذوب من جور العضل والليف شَيْء.(4/449)
وعلاج الْحمى الَّتِي تذيب الْبدن هَذَا التَّدْبِير: يسقى المَاء الْبَارِد والأغذية المبردة المرطبة وَمَاء الْعَسَل أرداً مَا يكون لَهُم.
الثَّالِثَة من الْأَمْرَاض الحادة قَالَ ج:
شرب مَاء الْعَسَل فِي غَايَة المضادة لأَصْحَاب الحميات الَّتِي يذوب فِيهَا الْبدن وَأما شرب المَاء الْبَارِد فعلى ضد ذَلِك وَذَلِكَ أَنه ينفع غَايَة النَّفْع لَهُم وَهَذِه الحميات يحدث عَنْهَا برَاز زبدي دهني دسم.
وَقَالَ: إِذا رَأَيْته قد اخْتلف برازاً زبدياً الْغَالِب عَلَيْهِ المرار فحماه ذوبانية فاحذر مَاء الْعَسَل واسقه مَاء الشّعير وارصد أَن ترى ظُهُور دَلِيل وَاحِد وَلَو خسيس يظْهر فِي الْبَوْل يدل على النضج فالماء الْبَارِد يَنْفَعهُ فِي ذَلِك الْوَقْت.
من كتاب الذبول قَالَ: حميات الدق البسيطة أَي الَّتِي بِلَا حمى عفن فالحمام نَافِع لَهُم جدا فِي جَمِيع الْأَوْقَات فَإِن كَانَ مَعهَا حمى عفن فَإِنَّهُ يضرّهُ قبل أَن تنضج العفونة فَإِذا نَضِجَتْ فَلَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ شرب المَاء الْبَارِد مَعَ العفن بلية عَظِيمَة.
قَالَ: وَالْحمام لَا خطر فِيهِ إِذا اسْتعْمل على مَا ذكرنَا فِي هَذِه الحميات إِلَّا أَن يتخوف فِي وَقت مَا من ضعف القوى بلية تحدث.
قَالَ: وَقد قلت فِي كتاب أَصْنَاف الحميات: إِن بَعْضهَا أَعنِي حمى يَوْم تشارك حَتَّى دق فِي الْجِنْس وَإنَّهُ لَا يُمكن الِاسْتِدْلَال عَلَيْهَا فِي أول حدوثها على الْحَقِيقَة لَكِن إِنَّمَا يسْتَدلّ عَلَيْهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو الثَّالِث لَا محَالة فساعة تعرف يَنْبَغِي أَن يسقى صَاحبهَا مَاء بَارِد وَذَلِكَ أَن شرب المَاء الْبَارِد فِي هَذَا الْوَقْت لَا خطر فِيهِ. لِأَن الْقُوَّة حِينَئِذٍ قَوِيَّة وَالدَّم غزير فِي الْبدن بل إِذا طَالَتْ ضعفت الْقُوَّة وَقل الدَّم فالماء الْبَارِد حِينَئِذٍ ضار لَهُم يقرع الْعُضْو الَّذِي مِنْهُ ابتدأت الْحمى فَإِن كَانَ ذَلِك الْعُضْو هُوَ الْقلب فَرده إِذا عرض سَرِيعا مَا يسْقط الْقُوَّة هَذَا إِذا كَانَت رطوبته بعد بَاقِيَة. وَإِن كَانَ اليبس قد غلب عَلَيْهِ جدا فقد تحولت الْعلَّة إِلَى الذبول الْبَارِد وَهُوَ الشيخوخة.
ألف هـ قَالَ: وَكَذَا
الأضمدة المبردة يجب أَن تُوضَع سَاعَة تتبين أَن الْحمى حمى دق على الْعُضْو الَّذِي يظنّ أَنه مِنْهُ الْحمى الدق الْقلب كَانَ أَو الكبد أَو غَيرهمَا ولتكن مبردة بالثلج وتبدل مَتى سخنت ليحس العليل بِبرْدِهِ وأصلاً إِلَى العمق ويسكن عَنهُ اللهيب والعطش. وَرُبمَا كَانَ الْحمام أَنْفَع من اسْتِعْمَال الْأَدْوِيَة المبردة لِأَنَّهُ ي رطب إِذا كَانَ يبس الْحمى غَالِبا أما على جَمِيع الْبدن أَو على الْعُضْو الَّذِي هُوَ أصل الْحمى.(4/450)
قَالَ: وَأولى الْأَعْضَاء بِأَن تحدث عَنهُ حمى الدق إِذا سخن مزاجه الْقلب وَالثَّانِي بعده الكبد وَلَيْسَ يكون الدق من الكبد نَفسهَا لَكِن لِأَن الْقلب يُشَارِكهُ ثمَّ الْمعدة ثمَّ جَمِيع الْأَعْضَاء الَّتِي يُمكن الْقلب أَن يسخن عَنْهَا.
قَالَ: وَأولى الْأَعْضَاء بَان يسخن الْقلب عَنهُ الرئة إِلَّا أَنا لَا نجد ذَلِك يعرض عَنهُ كَمَا يعرض عَن سَائِر الْأَعْضَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك رُطُوبَة الرئة وبرودتها بِالنَّفسِ فَلهَذَا لَا يسهل أَن يصير منزلَة المستوقد للحمى.
قَالَ: وَمن شَأْن الدق أَن يحدث على الْأَمر الْأَكْثَر بِسَبَب الأحشاء إِذا لحج فِيهَا مرَارًا اصفر وورم حَار فطالت لذَلِك الحميات فَإِنَّهَا لم تطل لم يكْتَسب الْقلب سوء مزاج حَار.
قَالَ: وَالْحمام نَافِع فِي الدق فِي جَمِيع الْأَوْقَات إِذا كَانَ مُفردا بسيطاً فَإِن كَانَ مَعَ الورم الْمُسَمّى حمرَة فَإِنَّهُ يحْتَاج أَن يبرد الْبدن أَولا بالأغذية والأشربة والضمادات.
قَالَ: فَإِذا لم يكن مَعَ الدق عِلّة أُخْرَى سوى اليبس فَإِن الْحمام ينفع مَعَ حرارة كَانَ أول مَعَ برودة. وَأما إِن كَانَت مركبة مَعهَا الْحمرَة أَو الفلغموني أَو كَانَت فِي الْبدن أخلاط عفنة لم تنضج فَصَارَ الْحمام ضاراً. وَالضَّرَر الْحَادِث عَنهُ إِنَّمَا هُوَ لهَذِهِ الْعِلَل لَا يسبب الدق لِأَن الْحمى من طَرِيق مَا هِيَ حمى تطفأ فِي جَمِيع الْأَوْقَات بِشرب المَاء الْبَارِد وَينْتَفع فِيهَا بِهِ فَاسْتعْمل الْحمام إِذا كَانَت الدق مُفْردَة فَإِن كَانَت مَعهَا أورام أَو حمى عفن فدع الْحمام وَاسْتعْمل المَاء الْبَارِد جدا فِي وَقت مُنْتَهى الْمَرَض وَاسْتَعْملهُ فِي وَقت وَاحِد بَغْتَة وَهُوَ بَارِد جدا فَأَما فِي ابْتِدَاء الْمَرَض فَلَا تسْتَعْمل ذَلِك إِلَّا إِن تضطرك إِلَيْهِ عَادَة الْمَرَض فِي وَقت صِحَّته وَكَانَ لَا يحْتَملهُ احْتِمَال الْعَطش وَقد تعود الْبَارِد. وضمده من خَارج بالأشياء المبردة بدل المَاء الْبَارِد فَإِن لم ينْتَفع بالضماد فاسقه حِينَئِذٍ المَاء الْبَارِد.)
لي لَيْسَ كَمَا يسقى عِنْد مَا يُرِيد التطفئة بل قَلِيلا قَلِيلا بِقدر مَا لَا بُد مِنْهُ فَأَما ذَلِك الْكثير بَغْتَة فَفِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي ذكر فَقَط.
قَالَ: وأطعمه حساء طرياً مغسولاً بِمَاء بَارِد وضع عَلَيْهِ من خَارج ألف هـ عصارة الخس والهندباء وأجود مَا تَفْعَلهُ لذَلِك أَن تعصر الحصرم وتصب مَاؤُهُ على البقلة الحمقاء وتدقها وتعصرها ثمَّ تبرد المَاء بثلج ثمَّ تخلط بِهِ شَيْئا من مَاء الشّعير وتنقع فِيهِ خرقَة وتضمد بِهِ الْموضع وَإِذا فترت رفعت وبدلت هَكَذَا دَائِما حَتَّى يحس الْمَرِيض بالبرد فِي بَاطِن يَده ويسكن عطشه.
وَكَثِيرًا مَا يخلط بِهِ دهن ورد وَيفْعل ذَلِك خَاصَّة إِذا علمنَا أَن فِي مَا دون الشراسيف ورما حاراً.
قَالَ: وَإِذا كَانَ فِي بدنه مثل هَذِه الْحَرَارَة الشَّدِيدَة أَو ورم فَلَيْسَتْ حماه دقا خَالِصَة لِأَن الْخَالِصَة لَا يحدث فِيهَا ابْتِدَاء نوبَة وَلَا تزيد وَلَا مُنْتَهى وَلَا انحطاط فَإِن وجدت فِي الدق فِي بعض الْأَوْقَات تزيداً أَو ابْتِدَاء نوبَة فابحث فَإِن كَانَ فِي الْبدن أخلاط تعفن أَو مَوضِع فِيهِ ورم فَلَيْسَتْ بدق خَالِصَة فَلْيَكُن علاجه بِحَسبِهِ. وَأما الذبول المخشف فَلِأَن حُدُوثه عَن حميات محرقة فَإِن مَنعه أَن يحدث يكون بالعلاجات المبردة المستعملة من خَارج الْعُضْو العليل وبالتي تتَنَاوَل عَن دَاخل. فَأَما الشيخوخة الْحَادِثَة عَن الْمَرَض فَإِن كَانَ ذَلِك قد استحكم فَلَا برْء لَهُ وَإِن كَانَ فِي الْحُدُوث بعد فَاسْتعْمل فِيهِ تَدْبِير النَّاقة من تغذية الْبدن وَغير ذَلِك مِمَّا قد ذَكرْنَاهُ فِي حِيلَة الْبُرْء فَأَما هَهُنَا فَأَقُول: إِن علاج الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذا جَفتْ(4/451)
بتغذية الْبدن فَإِن الْغذَاء ينفذ إِلَى الْأَعْضَاء الَّتِي هُوَ أحْوج أَكثر. والعضو الْيَابِس مَا دَامَت فِيهِ حرارة فَإِنَّهُ يجذب فَإِذا برد لم يجذب وَصَارَ كالميت.
قَالَ: فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الْغذَاء الَّذِي يتغذى بِهِ صَاحب الذبول سهل الانجذاب ليتم بِهِ تَقْصِير جذب الْأَعْضَاء والغذاء الَّذِي هُوَ كَذَلِك اللَّطِيف الْحَار وَهَذِه الأغذية أَكْثَرهَا قَليلَة الْغذَاء وَهَؤُلَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى مَا يغذى غذَاء كثيرا إِلَّا أَن هَذِه لزجة غَلِيظَة بطيئة النّفُوذ وَلَا يُوجد غذَاء يَفِي بالغرضين. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن تروم وجود مَا شَأْنه أَن يفعل هذَيْن بِمِقْدَار الطَّاقَة بِأَن تركب. وَأفضل الأغذية فِي هَذِه الْعلَّة اللَّبن وخاصة أَن امتص من ثدي امْرَأَة وَإِلَّا فلبن الأتن وَهُوَ حَار. وَلَيْسَ ينفع هَذَا نفس الذبول الْبَارِد فَقَط لَكِن ولانجمادى والمخشف وَفِي هذَيْن)
الصِّنْفَيْنِ اسْتعْمل من الأغذية الْبَارِدَة فِي الذبول ألف هـ الْبَارِد مَا كَانَت لَهُ حرارة وَأما الْعَسَل فَمن انفع الْأَشْيَاء فِي الذبول الْبَارِد وأضره فِي الْحَار وَمن يتخوف عَلَيْهِ أَن يَقع فِي الذبول الْبَارِد فَإِنَّهُ انفع الْأَشْيَاء لَهُ. وَأما من يتخوف عَلَيْهِ أَن يَقع فِي الذبول الْحَار الخشف فَمن أضرّ الْأَشْيَاء فَأَما أَصْحَاب الذبول الانجمادي فأعطهم الْعَسَل إِذا لم تمنع من ذَلِك حَال الْمعدة بعد أَن تغليه من سَائِر الأغذية أَو وَحده. وَأما الْحمام فنافع على مَا وَصفنَا وَاسْتَعْملهُ فِي أوقاته فِي إِنْفَاذ الْغذَاء وترطيب الْبدن وَلَا تستعمله سَاعَة يَأْكُل لِأَنَّهُ يمْلَأ الْبدن خلطانياً وَلَا بعد الهضم بِمدَّة طَوِيلَة لِأَن حِينَئِذٍ تسْقط الْقُوَّة وَاسْتَعْملهُ فيهم بعد الهضم.
فَأَما الشَّرَاب فينفع فِي الذبول الْبَارِد جدا وَأما فِي الْحَار فاهرب مِنْهُ. وَأما فِي الأنجمادي فمتوسط لِأَن هَذِه الْعلَّة متوسطة مركبة فَمرَّة يغلب فِيهَا على الْبدن الْبرد وَبطلَان النبض وَبِالْجُمْلَةِ خَواص الغشي وَمرَّة يغلب فِيهَا الْحَرَارَة والنبض الشبيه بنبض أَصْحَاب الذبول المخشف فَيَنْبَغِي أَن يكون تغيرك لعلاجها بِمَنْزِلَة تغيرها فَإِذا حدث الغشي سقيته الْخمر وأعطيته أغذية سريعة الهضم وكثفت بدنه وَجمعته وَإِذا زَالَ ذَلِك كُله وَرجعت عَلَامَات الذبول المخشف فعلت ضد ذَلِك فبردته ورطبته.
من كتاب سوء المزاج الْمُخْتَلف قَالَ: حمى دق لَا يحسها صَاحبهَا لِأَن المزاج الرَّدِيء فِيهِ قد استولى على الْبدن كُله واستوى فِيهِ والحس إِنَّمَا يكون بالتغاير.
الْخَامِسَة عشرَة من النبض قَالَ: مَا يخص الدق أَلا يتَبَيَّن للحمى ابْتِدَاء وَلَا صعُود وَلَا انحطاط لَكِن يكون أبدا بِحَال وَاحِدَة وَألا يحس أَصْحَابهَا بِأَنَّهُم محمومون ونبضهم وَإِن لم يبْق لَهُم فِيهِ عظم فَإِنَّهُ يكون فِيهِ سرعَة لِأَن سرعَة النبض خَاص لجَمِيع الحميات.
الأولى من السَّادِسَة: الحميات المحرقة الَّتِي يغلب فِيهَا على الثّقل مرّة صفراء أَو دسومة فَإِن لم تدركها بغاية الترطيب والتبريد أوقعت إِنْسَان فِي الدق.
الْيَهُودِيّ قَالَ: كل حمى تبقى أسبوعاً خُفْيَة فاترة لَازِمَة شَيْئا وَاحِدًا لَا تزيد وَلَا تنقص فَهِيَ دق فَإِن تمت أسبوعين فقد تشبثت وَإِن بقيت ثَلَاثَة أسابيع بِهَذِهِ الْحَال فقد رسخت وتمكنت.(4/452)
قَالَ: رطبهم بِكُل حَال وانطل على رؤوسهم واجتهد أَن يَنَامُوا بعد الْغذَاء واسعط بدهن بنفسخ وقرع.)
وَقَالَ: كل حمى تبقى عشْرين يَوْمًا لَا تفترا فَإِنَّهَا تبقى سنة.
قَالَ: جهال الْأَطِبَّاء ألف هـ إِذا رَأَوْا هَؤُلَاءِ تهيج بهم حرارة إِذا أكلُوا حسبوا أَن الْأكل يفعل ذَلِك فيمنعونهم الْأكل فيهلكونهم.
قَالَ: وَهَؤُلَاء يحْمُونَ من الطَّعَام وَلَا يحْمُونَ من المَاء.
الطَّبَرِيّ: عَلامَة الدق أَن تبقى الْحمى بِحَالِهَا ويهيج مَعهَا سعال فَإِذا غارت الْعين أَو تفتحت عِنْد النّوم واخضر اللَّوْن مَعَ غَيره ولطئ الصدغ جدا وامتدت جلدَة الْجَبْهَة وَثقل الجفن وخلت عروقه من الدقم فاهرب من علاجه.
وينفع حمى الدق إِذا لم يكن هُنَاكَ شَيْء آخر من عفن اللَّبن الرائب الْمُصَفّى من الزّبد لبن الْبَقر عشرَة دَرَاهِم وزد حَتَّى يبلغ ثَلَاثِينَ درهما مَعَ أَقْرَاص الطباشير وَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك فِي الْبدن عفونة فاسقة مَاء الشّعير مَعَ السراطين ويغتذي بالبقول ويستنقع فِي آبزن مَاء عذب قد طبخ فِيهِ خس وقرع ويمرخ بدنه بقيروطي بعد ذَلِك وبدهن بنفسخ وَيُعْطى تيناً وَعِنَبًا أَبيض وَيلْزم الدعة.
اهرن: هَذِه الْحمى لَا تحْتَاج إِلَى نفض كَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ الحميات وَلَا إِلَى مَا يلطف وَيفتح السد كَمَا يحْتَاج فِي بعض حمى يَوْم لَكِن إِلَى مَا يبرد حرهَا ويرطب يبسها لِأَنَّهَا سوء مزاج حَار يَابِس بِلَا مَادَّة وَأما المرطبات كَمَاء الشّعير وَلبن الآتن والفواكه الْبَارِدَة الرّطبَة وَالْغسْل الدَّائِم بِالْمَاءِ العذب الفاتر والمرخ بالدهن والأغذية الرّطبَة السريعة الهضم فَإِنَّهَا إِن كَانَت مبتدئة بَرِئت سَرِيعا وَإِن كَانَت بَالِغَة احتجت أَن تديم ذَلِك وتصبر عَلَيْهِ حَتَّى تَبرأ وَلَا تمل وَلَا تضجر من طول العلاج وَأعظم علاجه أَن يكون الْهَوَاء الْمُحِيط بِهِ طيبا وَتجْعَل حوله المَاء والرياحين الْبَارِدَة.
الْإِسْكَنْدَر: من كَانَ بِهِ دق بِلَا ورم أَو ورم حَار فاسقه المَاء الْبَارِد فِي الْغَايَة وَمن كَانَت بِهِ عفونة حميات بلغمية أَو ورم بَارِد فَلَا تسقه مَاء بَارِدًا لَكِن دبره تدبيراً معتدلاً. وَإِذا كَانَت الْقُوَّة جَيِّدَة والهضم كَذَلِك وَالْبدن لحمى والدق ملتهبة جدا بِقدر مَا يُمكن فِيهَا وتولدت عَن حميات وَأَسْبَاب جَارة فَلَا تعطه مَاء بَارِدًا كثيرا لِأَنَّهُ يُطْفِئ الْحَرَارَة الغريزية وَيصير الْمَرِيض إِلَى الذبول فَإِن كَانَت حرارته غير ملتهبة فاسقه بِرِفْق قَلِيلا قَلِيلا.
قَالَ: وَمن لم تستطع أَن تسقيه مَاء بَارِدًا وحرارته شَدِيدَة فضمده بقيروطى دهن ورد مشوبة بِمَاء الشّعير أَو بِبَعْض مَا ألف هـ أشبهه أَو مَاء بَارِد وَلَا تَدعه يطول مكثه عَلَيْهِ حَتَّى يسخن كثيرا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يرخى الْمعدة ويضعف الْقُوَّة لَكِن بدله أَو برده وأعده فَإِنَّهُ عَجِيب فِي)
إطفاء الْحَرَارَة وَالْمَنْع من الذبول وَلَا تسرع إِلَى تضميد الصَّدْر حَتَّى ترى الْحَرَارَة غَالِيَة جدا فَحِينَئِذٍ ضمده وامسح عَنهُ إِذا اسْتَغْنَيْت قَلِيلا قَلِيلا وتفقد لِأَنَّهُ يضر بِالنَّفسِ إِذا برد الصَّدْر جدا.(4/453)
الاختصارات قَالَ: اسْقِهِ لبن الآتن مَا دَامَ لَا يَسْتَحِيل إِلَى عفن فَإِن اسْتَحَالَ فأسهله ثمَّ اسْقِهِ والضعفاء اِسْقِهِمْ مَا يمْنَع الاستطلاق فَإِن منع وَإِلَّا فَاسق مَعَ هَذَا قرص طباشير وَورد وبرز حماض مقشر وبلوط مشوى وَحب الآس يَجْعَل أقراصاً ويعطون مِنْهُ مَتى سهلت الطبيعة وَمَتى لم تسهل فأعطهم مَعَه أقراصاً مبردة فِيهَا لب خِيَار شنبر ولعاب بزر قطونا.
ابْن ماسوية: الدق قد يحدث عَن الْهم والسهر والحميات المزمنة إِذا أفنت الرطوبات تطاولها وَمن التَّعَب المفرط والأطعمة الحارة وَبِالْجُمْلَةِ جَمِيع مَا يسخن الْبدن ويجففه والمعتدل الْبدن النحيف والحار المزاج الَّذِي بِهِ سعال يَابِس مزمن.
وعلاج الدق قَالَ: إِذا لم تكن مَعَ حمى أُخْرَى أَعنِي حمى عفن فَكَانَ الْبدن نقياً لَا حمى بِهِ حارة قَوِيَّة فَاسق لبن الآتن ولتكن فتية شهباء واعلفها العشب كورق الأسفيوس ولسان الْحمل والكزبرة والهندباء وَالشعِير الْأَبْيَض وتسقى المَاء المبارد العذب فَإِن ذَلِك ينفع جدا وأطعمه الْبُقُول الْبَارِدَة وَالشرَاب من الرُّمَّان المر وَأَجْلسهُ فِي آبزن قد طبخت فِيهِ بقول ورياحين بَارِدَة ويمرخ بدهن نيلوفر وَخلاف وبنفسج بعد الْخُرُوج من المَاء لتحفظ فِي الْبدن رُطُوبَة المَاء وَإِن كَانَت قوته قَوِيَّة فاحلب اللَّبن على بدنه فاخلط فِي هَذَا الآبزن اللَّبن مَتى كَانَت قوته لَيست بقوية قبل دُخُول الآبزن أَو لبن الْمعز وَلَا تطل لبثه فِيهِ فَإِنَّهُ يضعف بل يدْخل فِيهِ وَيخرج وَلَا تسْتَعْمل الدّهن قبل الآبزن وَمَا أمكن أَن تسقيه اللَّبن وتجلسه فِي الآبزن فافعل وَإِن كَانَت مَعَ حرارة وعفن فَاسق بدل اللَّبن مخيضاً قد استقصى نزع زبده جدا وَإِن كَانَت اشد فرائب الْبَقر ويسقى أَولا عشرَة دَرَاهِم إِلَى أَن يبلغ ثَلَاثِينَ درهما ويسقى مَعَه أَقْرَاص طباشير الْكثير البزور الْبَارِدَة مثل هَذَا: طباشير وَورد وبزر القرع وبزر الْخِيَار وبزر البقلة الحمقاء وبزر الخس يعجن بلعاب بزر قطونا فَإِن كَانَت هُنَاكَ حرارة ألف هـ فدع اللَّبن وَخذ فِي مَاء الشّعير وَإِن كَانَ مَعَ سعال ويبس فِي الرئة فاسقه سرطانات وَخذ سرطانات نهرية تقطع أيديها وأرجلها وتغسل بِمَاء بَارِد ورماد وملح قَلِيل خمس مَرَّات حَتَّى تذْهب عَنْهَا الزهومة ثمَّ تغسل بِمَاء بَارِد وَحده ثمَّ ترض وتطبخ مَعَ مَاء الشّعير وَإِن حدث سعال فَاتخذ أَقْرَاص طباشير وَورد وبزر قرع حُلْو وبزر)
القثاء وبزر البقلة الحمقاء ونشا وَرب السوس ولعاب حب السفرجل ويعجن بلعاب بزر قطونا.
ويبرد مَضْجَع العليل ويلبس ثوبا مصندلاً ويرش المَاء فِي الْبَيْت ويفرش بالأوراق الْبَارِدَة وَإِن حدث غشى فالطخه بِمَاء الْورْد والصندل والتفاح والكافور واسقه إِن اضطررت مَاء لحم مَعْمُول من لحم الجدي وَمَاء التفاح وشراب التفاح وشراب يسير فَإِن هَذَا يُقَوي المرضى جدا إِذا سَقَطت قوتهم من الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام.
قَالَ: وَمن رَأَيْته من المسلولين قد ضعفت قوته الْبَتَّةَ وأعضاؤهم قد ذبلت وبليت حَتَّى أَن الْعُرُوق تظهر ظهوراً بَينا وَترى خَالِيَة من الدَّم وَعِظَام ساعديه قد رقت وبليت فاجتنب علاجه وَإِن لم يكن قد بلغ ذَلِك فعالجه واجتهد أَلا تنْحَل طَبِيعَته فَإِن انْحَلَّت فاسقه مَاء الشّعير وصمغاً وَهَذِه الأقراص: طين ارمني وشاه بلوط وطباشير وبزر حماض مقشر وَورد(4/454)
وأمير باريس يجمع بِمَاء السفرجل ويسقى بِمَاء الرُّمَّان الحامض ويبيت بالْعَشي على بزر قطونا مقلوا زنة دِرْهَم واسقه سوبق مَاء التفاح والسفرجل فِي شرابه وأطعمهم العدس المقشر بِمَاء السماق والسفرجل واسقهم سويق الغبراء وَحب الرُّمَّان وَإِن الجئت فاسقهم الْقرظ والطراثيث والسماق والسفرجل إِن لم يكن سعال فَإِن كَانَ سعال فالقابضات الأول بِلَا عفوصة وَلَا حموضة وأعطه رب السوس فَإِنَّهُ لَا يضر السعال.
3 - (علاج الدق الَّذِي لَا حرارة مَعَه)
بَوْل هَؤُلَاءِ أَبيض وأمارات الْبرد ظَاهِرَة ويحتاجون أَن ترطب أبدانهم وتسخن لَكِن يَنْبَغِي أَن تبدأ بالمعتدلة مِنْهَا أَولا وَلَا تبادر أَولا بالقوية الْحَرَارَة فَيهْلك العليل بتغيير المزاج ضَرْبَة فاسقه أَولا عسل الأترج المربى وَعسل الشقاقل ثمَّ عسل الزنجبيل وإسفيذباجا بِلَحْم الضَّأْن وبشراب معتدل لِئَلَّا يصيبهم صداع ويقعدون فِي آبزن قد طبخ فِيهِ مرز نجوش وورق الأتراج وبخره بِالْعودِ النى فَإِذا قووا قَلِيلا فأعطهم الترياق والمثرود يطوس ودواء الْمسك وَلَا يقربون الْحمام فَإِذا قووا فأدخلهم الْحمام وأطعمهم اسفيذباجاً مطيباً بسنبل وزنجبيل واسقهم الرَّأْس والأكارع والبزور والحمص وَالْحِنْطَة وَسمن الْبَقر فِي كل أُسْبُوع يحقن بِهِ عِنْد النّوم وَإِذا حقن ذَلِك الْبدن بدهن سوسن مَعَ شمع أَو دهن نرجس أَو دهن خيرى وليبكر بِالْغَدَاةِ على بيض نيمبرشت وَقَلِيل من خبز وشراب وينتظر قَلِيلا وَيدخل الْحمام وينام ثمَّ يَأْكُل.
لي النّوم بعد الْحمام يهزل الْجِسْم وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يَأْكُل بعقب الْحمام ثمَّ يَأْكُل اسفينباجا من لحم حمل وَيشْرب شرابًا بِمَاء مسخن فَهَذَا تَدْبيره إِلَى أَن يسمن وَيرجع إِلَى صِحَّته.
الْإِسْكَنْدَر من الكناش الصَّغِيرَة قَالَ: يَنْبَغِي أَن نجيد الْفرق بَين المبتدئة والذبول لِئَلَّا تمسك عَن قَالَ: وَمَا لَا يبرأ هُوَ أَن تتَعَلَّق الْحمى برطوبات الْعِظَام وتدق فَهَذِهِ لَا تَبرأ الْبَتَّةَ.
تياذوق: يحْتَاج المسلول إِلَى الجوارشات المعمولة من طباشير وَورد وسفرجل ومصطكي وكروياً وقرنفل وصندل وكافور ويطلى عِنْد النّوم بأطلية وَيقْعد فِي لبن الْغنم أَو يلقى زعفران عشرَة دَرَاهِم فِي المَاء ويصفى وَيجْلس فِيهِ.
لي رَأَيْت عددا رقت عظامهم فَلم يبرأ وَاحِد مِنْهُم.
إِذا صَار الْبدن كالخرقة ومشط الْكَفّ ظَهرت عِظَامه بقيت الْعُرُوق خَالِيَة من اللَّحْم حواليها حَتَّى كَأَن الْجلد قد جف عَلَيْهَا ولطأت الأصداغ وَغَارَتْ الْعين جدا فَلَا تعالجه فَإِن اضطرت فاحذر أَن تنْحَل طباعهم وقوهم بالمرق الْمُتَّخذ من لحم جدي أَحْمَر وَمَاء التفاح وشراب وخبز سميذ لِأَنَّهُ يُقَوي جدا وأطل الْبدن كُله بالطيب.
بولس وأريباسيوس: إِذا رَأَيْت فِي الْحمى يخرج من برازه كالمرة الصَّفْرَاء إِلَّا أَن لَهُ(4/455)
ثخناً ولزوجة دهنية وَمَعَهُ نَتن وَرُبمَا كَانَ أَشد حمرَة وَاللَّحم والشحم يذوبان مَا دَامَ ذَلِك فَهَذِهِ الْحمى ردية جدا وَتسَمى المذيبة وَعَلَيْك بسقى المَاء الْبَارِد غير المفرط الْبرد وَاعْتمد حِينَئِذٍ على المَاء)
الْبَارِد والأضمدة المبردة على الصَّدْر والبطن كُله والأغذية المبردة وَاسْتعْمل غَايَة التبريد والتقوية.
من مقَالَة جالينوس فِي الذبول قَالَ: الذبول فَسَاد الْحَيَوَان من قبل اليبس وَيكون مَعَ حرارة وَمَعَ برودة وَهُوَ حِينَئِذٍ مركب من يبس وحر أَو يبس وَبرد فَأَما الذبول الْيَابِس الْبَسِيط فَإِنَّهُ يكون من عدم الْغذَاء والمركب مَعَ برد فَكَمَا يعرض للشيوخ والحادث ألف هـ مَعَ حرارة فكالحادث مَعَ الحميات الحارة والذبول غير مفارق للشيخوخة والشيخوخة إِنَّمَا هِيَ غَلَبَة اليبس وَأما حفظ الْبدن من الشيخوخة فممتنع والبرهان أوردهُ فِي الْمقَالة وَلم استحسنه أَنا.
قَالَ: ومقاومة الْبدن كَيْلا ييبس سَرِيعا وتمتد بِهِ الرُّطُوبَة مُدَّة طَوِيلَة فممكن وَهَذَا الْجُزْء من الطِّبّ هُوَ الْمُسَمّى تَدْبِير الشيخوخة.
وَالْغَرَض فِيهِ مدواة جرم الْقلب لِئَلَّا يجِف سَرِيعا والشيوخ يَنْبَغِي لَهُم إِذا استحموا وأكلوا أَن يَنَامُوا على فرش لينَة فَإِن هَذَا التَّدْبِير أصوب من تَدْبِير الْمَشَايِخ لِأَن الاستحمام وَالنَّوْم على الْفرش اللينة من الْأَشْيَاء المرطبة وخاصة هِيَ بالغذاء أَكثر ترطيباً من ترطيب جَمِيع الْأَشْيَاء وَذَلِكَ أَن الْغذَاء من بَين جَمِيع التَّدْبِير المرطب يبين لَك ترطيبه للبدن من يَوْمه وترطيبه لَهُ بِأَن يرطب نفس جَوْهَر الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة وَيزِيد فِي الرُّطُوبَة الَّتِي بهَا التحام أَجْزَائِهَا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل إِلَى جَوْهَر هَذِه الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة أَعنِي الْقلب والكبد وَنَحْوهمَا. فَأَما سَائِر التَّدْبِير المرطب كالحمام وَنَحْوه فَإِنَّمَا يودع الرُّطُوبَة إِلَى الْخلَل الَّذِي بَين الْأَجْزَاء ويرطب الْبدن بالرطوبة المنبئة فِي لي وَإِن قصر عَن هَذَا فَيَنْبَغِي أَن تَجف هَذِه الرُّطُوبَة أَو تبطل وممكن فِي وَقت من الْأَوْقَات أَن يكون تزيد الرُّطُوبَة المبثوقة فِي خلل الْأَعْضَاء تترطب مِنْهَا الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة كَمَا أَنه قد تَجف عَن ذهَاب هَذِه الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة.
قَالَ: والكبد وَالْقلب لَا يعدمان الرُّطُوبَة إِلَّا أَن ينقص الدَّم فِي الْبدن نُقْصَانا مفرطاً جدا وَهِي إبطاء الْأَعْضَاء جفافاً فَأَما الكبد فَلِأَنَّهَا مبدأ الدَّم وَأما الْقلب فلقوته الجاذبة لَا يُمكن أَن يعْدم الْغذَاء إِلَّا وَقد عَدمه جَمِيع الْبدن فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن يظنّ أَن حَال الْقلب والكبد فِي الْأَبدَان الَّتِي قد نحلت وقصفت لَيست مُتَسَاوِيَة بِحَال الْأَعْضَاء بل تعلم أَنَّهَا اخصب أبدا وأرطب من سَائِر الْأَعْضَاء وَلَو أَنَّك قتلت حَيَوَانا جوعا وشرحته لوجدت قلبه وكبده قريبتين من الْحَال الطبيعية فِي الرُّطُوبَة وَسَائِر أَعْضَائِهِ جافة يابسة صلبة.)
قَالَ: والذبول الَّذِي يكون الْقلب فِيهِ بَارِدًا لَا حمى مَعَه وَيدل على ذَلِك صغر النبض وتفاوته وَكَذَلِكَ النَّفس فَإِنَّهُ صَغِير متفاوت وَلَا يخرج حاراً كالحال الطبيعية وَلَا فِي نواحي الصَّدْر والمجسة حرارة فبذلك ألف هـ يعلم أَنه لَا حمى بهم.
قَالَ: وَإِنَّمَا فيهم من دَلَائِل الحميات صلابة النبض وصلابة النبض فِي هَؤُلَاءِ عَن شدَّة(4/456)
اليبس وَلَيْسَ مَعَه تَوَاتر. فَأَما فِي الذبول المخشف الَّذِي يحدث عَن الحميات المحرقة فَإِن الْهَوَاء الْخَارِج بِالنَّفسِ يكون حاراً ويستند العليل خُرُوجه وَأكْثر مَا يُصِيبهُ ذَلِك الْأَبدَان الحارة الْيَابِسَة والنبض مِنْهُم صلب متواتر صَغِير. وَأما الذبول الْحَادِث عَن الْحمى الإغمائية فَإِنَّهُ يحدث إِذا عرض غشى فيخلص من الْخطر اللَّاحِق بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ بقيت مِنْهُ بَقِيَّة.
لي احسب أَنه يتَخَلَّص من الغشي بشراب قوي يسقى ثمَّ تبقى بِهِ من الْحَرَارَة بَقِيَّة أَو يكون يُرِيد أَنه يبْقى مِنْهُ الْحَال الغشية حَتَّى تصيبه الْحمى فِي الْأَحَايِين. وَأما الذبول الْبَارِد الَّذِي حَاله حَال الشيخوخة فَيعرض عَن الحميات الَّتِي يبرد فِيهَا الْبدن على غير مَا يَنْبَغِي بالأشربة والأضمدة الَّتِي تُوضَع على مَا دون الشراسيف لبرد الْقلب إِذا اسْتعْمل بِشدَّة الْبرد أَو فِي غير الْوَقْت الَّذِي يجب.
قَالَ: وَمن توهم أَنه يُبرئ الذبول الْبَارِد وَقد كَانَ فَإِنَّهُ جَاهِل بِنَوْع هَذِه الْعلَّة.
الْبدن إِنَّمَا يقصب ويهزل إِمَّا لقلَّة رطوبته الَّتِي هِيَ الأخلاط أَو لذوبان الْأَعْضَاء الْقَرِيبَة الْعَهْد بالجمود كالشحم وَاللَّحم الرخو أَو ليبس الرُّطُوبَة المبثوثة فِي خلل الْأَعْضَاء أَو لفقد الرُّطُوبَة الَّتِي بهَا التحام أَجزَاء الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة فَلَا برْء لهَذَا. وَأما الصِّنْف الأول فعلاجه سهل وَلَا خطر فِيهِ. وَالثَّانِي علاجه اعسر والخطر فِيهِ اشد وَهِي وَيبرأ بِالسَّبَبِ المضاد وَهُوَ الترطيب. والذبول الَّذِي مَعَ برد يحْتَاج إِلَى إسخان والأغمائي إِلَى تبريد. وَإِنَّمَا يعالج الذبول قبل أَن يستحكم.
لي يحْتَاج أَن يعرف الْفرق بَين الذبول المستحكم الَّذِي لَا يبرأ وَغَيره فاطلب ذَلِك من الحميات والمعدة وَنَحْوهَا ورده إِلَى هُنَا بشرح ثمَّ نَنْظُر نَحن فِيهِ ونشرحه بِمَا عندنَا.
وَالْحمام ينفع الذبول مَعَ حركان أَو مَعَ برد إِذا كَانَ بسيطاً وَلم يكن مَعَ حميات عفن وَلَا ورم وَإِذا كَانَ مَعَهُمَا فقد قُلْنَا فِي بَاب الدق فَأَما اليبس الْعَارِض للبدن فالحمام انفع لِأَشْيَاء لَهُ.
الْخَامِسَة من الْفُصُول قَالَ: اللَّبن جيد للدق والسل اعني بالدق مَا يذوب بِلَا قرحَة الرئة.
قَالَ: فليسقوا إِن تكن حماهم شَدِيدَة أَو مَا دون شراسيفهم منتفخ أَو بهم عَطش شَدِيد أَو)
أبدانهم مرارية وَمَا يبرز مِنْهُم بالبراز وَالْبَوْل ألف هـ يشْهد بذلك.
من
3 - (الْمقَالة فِي الذبول)
يسْتَدلّ على الذبول الدَّائِم الَّذِي يكون من الْقلب بصغر النبض وتفاوته وَكَذَلِكَ بصغر النَّفس وتفاوته وبخروجه من الْفَم غير حَار فَهَذِهِ عَلَامَات الذبول بِلَا حمى وَلَيْسَ ملمس صُدُورهمْ بحار ونبضهم صلب.
لي يَنْبَغِي أَن يحذر من تبريد الْقلب بأضمدة وَكَذَلِكَ بالأغذية الْبَارِدَة والهواء فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى
3 - (جَوَامِع الحميات غير المفصلة)
لَا تطلب زِيَادَة السخونة فِي الدق فِي حَال الْغذَاء(4/457)
كَمَا يَأْكُل العليل من ساعتك لَكِن بعد قَلِيل حَتَّى يَأْخُذ الْغذَاء ويصل إِلَيْهِ فَإِنَّهُ فِي ذَلِك الْوَقْت تكون السخونة.
قَالَ ج فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَفِي التَّاسِعَة من عمل التشريح: أَن الْحَيَوَان الْقَرِيب الْعَهْد بالولاد تَجِد قحفه مملوءاً من الدِّمَاغ والهرم أَو المهلوس قحفه شَيْئا كثيرا فَارغًا. وَله كَلَام يُوهم أَن الذبول والشيخوخة يبس الدِّمَاغ والأعصاب وَيقدر ذَلِك يكون بطؤه وتأخره فَلْتنْظرْ فِي ذَلِك وتتفقد فِي تَدْبِير الْمَشَايِخ.
لي للدق مَرَاتِب أولاها أَن تَجِد حمى يَوْم لَا تقلع لَكِن تخف حَرَارَتهَا وَتبقى على ذَلِك ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَيظْهر على الْبدن جفاف وتدوم الْحمى دقيقة لينَة وَهَذَا يحدث ابْتِدَاء بالذين مزاجهم حَار يَابِس من سَبَب باد وَإِن كَانَت الْحَرَارَة تهيج إِذا اغتذوا فقد صَار أبين وعلاجها أسهل بالترطيب والغذاء والضماد والهواء مَا أمكن فَإِن امتدت أَيَّامًا كَثِيرَة أَكثر من هَذِه وَعلمت أَنَّهَا دق بِأَن تهيج الْحَرَارَة بعد الْغذَاء فَإِنَّهَا فِي هَذَا الْحر مَا دَامَ النبض لم يضعف ويصلب ويدق فَإِذا كَانَ كَذَلِك وَظَهَرت اليبوسة والضعف على الْبدن أَكثر كثيرا فَذَلِك هُوَ ابْتِدَاء الذبول ويعالج فِي هَذَا الْوَقْت ويكب على العلاج فَإِنَّهُ يبرأ فَإِن كَانَت هَذِه الْحَال الَّتِي يصير النبض كوتر الْعود فِي الدقة والصلابة وتغور الْعين وَيذْهب اللَّحْم فَهُوَ ابْتِدَاء الذبول. وَإِذا دق الْعظم ولصق الْجلد بالعظم وَصَارَ الْبَطن خَالِيا لاصقاً بِالظّهْرِ فَلَا تعالجه الْبَتَّةَ.
التَّاسِعَة من حِيلَة الْبُرْء: إِنَّمَا يعرض للأبدان القليلة الدَّم القضيفة.
لي أرَاهُ إِنَّمَا يَعْنِي:)
الْأَبدَان القضيفة الواسعة الْعُرُوق وَلَا تقع فِي الدق وَإِن الْوَاقِعَة فِي الدق القضيفة القليلة الدَّم. ج: البقلة الحمقاء تبرد فِي الثَّالِثَة وترطب فِي الثَّانِيَة فَلهَذَا لَا مثل لَهَا فِي النَّفْع ألف هـ حَيْثُ تَجِد لهيباً وتوقداً مَتى وضعت على فَم الْمعدة وعَلى الشراسيف.
لي اعْتمد من الأضمدة عَلَيْهَا واعتصرها ولتكن عصارتها معدة عنْدك واخلطها بلعاب بزر قطونا وضمد بهَا.
بولس: من نوع يدل على ذوبان الْبدن فتفقد فِي الحميات المحرقة وَفِي الدق فَإِن رَأَيْت برازاً لَيْسَ من جنس مَا يُؤْكَل وَيشْرب لكنه اخْتِلَاف يشبه الصَّفْرَاء إِلَّا أَنه منتن وَهُوَ أَشد حمرَة من الصَّفْرَاء وَله ثخن ولزوجة وَرُبمَا كَانَ فِيهِ دسم فَاعْلَم أَن الْأَعْضَاء والشحم تذوب وَتخرج وَإِن توانيت عَنهُ أدّى إِلَى ذبول سَرِيعا فَإِن خرج فِي البرَاز قطع من الْأَعْضَاء فَتَدَاركهُ بِأَن تسقيه مَاء الثَّلج وتضمد صَدره وشراسيفه بأضمدة بَارِدَة وغذه بأغذية بَارِدَة.
لي رَأَيْت الحذاق إِذا لم يُمكنهُم سقى اللَّبن واحتاجوا إِلَى غذَاء لَهُ لزوجة وتماسك قَلِيل والتزاق بالأعضاء الْأَصْلِيَّة وَزِيَادَة فِيهَا طبخوا فِي مَاء الشّعير سرطانات وأعصاب الأكارع والسرطانات عَجِيبَة فِي الترطيب ويطعمون السراطين والسمك كباباً(4/458)
فَإِنَّهُ يغذوهم غذَاء فِيهِ رُطُوبَة ولزوجة بَاقِيَة وأطراف الجداء والجداء اسفيذباج والأدمغة والأعضاء العضلية.
الأولى من أَصْنَاف الحميات قَالَ: إِذا حدثت دق بعد حميات قَوِيَّة جدا طَوِيلَة الْمدَّة فَإِنَّهَا دق مبتدئة غير مستحكمة فَإِن لم تعالج صَارَت إِلَى الذبول من تَفْسِير يحيى لطونون: الذبول ثَلَاثَة أَصْنَاف: من حميات حادة دَامَت وأورام جَاوَرت الْقلب حَتَّى جففته على طول الْمدَّة ثمَّ ينْتَقل اليبس مِنْهُ إِلَى جَمِيع الْأَعْضَاء. وَالثَّانِي: أَن يكون محموماً يلْزمه غشي فيضطر الطَّبِيب إِلَى أَن يسْقِيه الْخمر فيفلت من الْمَوْت السَّرِيع بِإِذن الله وَيبقى بِهِ يبس بِالْقَلْبِ. وَالثَّالِث: إِذا أفرط فِي تَدْبِير عليل كَانَ بِهِ سوء مزاج حَار فِي حمى أَو غَيرهَا يسقى مَاء بَارِدًا وَأَشْيَاء مبردة فيتخلص من الْحَرَارَة وَيبقى اليبس فَيصير بِهِ سوء مزاج يَابِس كمزاج الشُّيُوخ.)(4/459)
(الْحمى البلغمية والنائبة) (كل يَوْم والمضاهية) للبلغمية وَهِي الغشية وعلاج البلغمية من الثَّانِيَة من كتاب البحران قَالَ: قد بيّنت فِي غير هَذَا الْكتاب أَن النائبة فِي كل يَوْم إِنَّمَا تكون من بلغم يكثر ويغلب على الْبدن فَأَما البلغمية فَلَا يتقدمها نافض لَا فِي أول أَيَّامهَا وَلَا إِذا تمادت ألف هـ لكنه إِنَّمَا يعرض لصَاحِبهَا أَن تبرد أَطْرَافه وَظَاهر بدنه وَأما النائبة كل يَوْم فَالْفرق بَينهَا وَبَين الغب سهل لِأَن هَذِه لَيْسَ تبتدئ من أول يَوْم بنافض فَإِذا تمادت بهَا الْأَيَّام عرض لَهَا فِي أول نوبتها برد فِي ظَاهر الْبدن وأطرافه لَا نافض صَحِيح.
لي يَقُول انه لَا يعرض فِي الْأَيَّام من هَذِه الْحمى نافض وَلَا برد فِي الْأَطْرَاف وَيُوجد فِي النبض اخْتِلَاف وَيفْسد نظامه فِي أَوَائِل نوبَة هَذِه وَلَا يُوجد فِي تزيدها فِي السرعة والعظم وَالْقُوَّة مَا يُوجد فِي الغب وَلَا قَرِيبا مِنْهُ وَلَا يحس العليل فِيهَا بتلهب شَدِيد وَلَا يضْطَر إِلَى أَن ينْكَشف ويلقى عَنهُ ثِيَابه وَلَا تنفس تنفساً عَظِيما متواتراً وَلَا ينْفخ فَيخرج مِنْهُ هَوَاء حَار كتلهب النَّار وَلَا يكثر بِطَلَب الْبَارِد لَكِن الْعَطش فِي هَذِه الْحمى أقل مِنْهُ فِي جَمِيع الحميات وَالْبَوْل فِي أول يَوْم مِنْهَا مثل مَا يكون فِي الرّبع وَلَا تكَاد تعرف فِي الْأَيَّام الْأَوَائِل إِذا طَالَتْ الْأَيَّام وَلَيْسَ يشكل تَفْصِيل البلغمية من الغب لقلَّة تشابههما بل هَذِه إِلَى الرّبع أقرب إِلَّا أَن بَينهَا أَيْضا فرقا وأكبر الْفرق بَينهمَا فِي النبض وَإِنَّمَا يقف عَلَيْهِ الطَّبِيب وقوفاً صَحِيحا فِيمَن قد عرف نبضه قبل ذَلِك وَبَينهمَا أَيْضا فرق فِي النافض فِي الْأَسْبَاب الْخَارِجَة الَّتِي عَنْهَا تحدث وَذَلِكَ أَن البلغمية تحْتَاج من الْغذَاء وَلِهَذَا أَكثر مَا تعرض البلغمية للصبيان وَلَا تكَاد تكون هَذِه الْحمى إِلَّا وَمَعَهَا ألم فِي فَم الْمعدة والكبد ويتقدمها تخم كَثِيرَة وبطء هضم وجشاء حامض وَإِذا تقدّمت الْحمى فَلَا بُد من أَن ينتفخ ويعظم مَا دون الشراسيف أَكثر مِمَّا كَانَ فِي وَقت الصِّحَّة وَكَثِيرًا مَا تَجدهُ قد رق وتمدد وَترى لون الْمَرِيض بَين الصُّفْرَة وَالْبَيَاض وَإِن كَانَت النّوبَة فِي حَال الِانْتِهَاء.
لي قَوْله وَإِن كَانَت فِي حَال الِانْتِهَاء لِأَن فِي هَذَا الْوَقْت يكون اللَّوْن فِي الحميات أَحْمَر ويعين على حدوثها الشتَاء والبلد والمزاج الرطب فَبِهَذَا يفرق بَين النائبة وَغَيرهَا وَأما الدائمة فَلَيْسَ يتَعَذَّر مَعْرفَتهَا فِي أول يَوْم على من يرتاض فِي تعرف النائبة رياضة جَيِّدَة وَأما فِي الْيَوْم الثَّانِي فَهُوَ يعرفهَا ويميزها وَإِن لم يرتض فِي ذَلِك. والحمى الدائمة الْمُنَاسبَة لَهَا هِيَ الَّتِي تنوب كل يَوْم وَلَا)
تقلع.
قَالَ: إِذا رَأَيْت جَمِيع عَلَامَات ألف هـ النائبة فِي كل يَوْم مَوْجُودَة وَلم تقلع فيهي بلغمية(4/460)
قَالَ: وَإِذا كَانَت لَا تقلع هَذِه الْحمى فَإِن البلغم فِيهَا مَحْصُور فِي الْعُرُوق وَلَا فرق بَينهَا وَبَين النائبة إِلَّا فِي هَذِه.
لي على مَا ذكر جالينوس: 3 (تفقد أَوْقَات النّوبَة) والفترة فَإِن كل وَاحِدَة مِنْهَا مُخَالفَة فِي ذَلِك الْوَقْت لِلْأُخْرَى فَإِن البلغمية تخَالف الغب وَالرّبع وَذَلِكَ أَن أزمان فتراتها لَيست بنقية فِي صعودها فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شدَّة عظم الْحَرَارَة واللهيب وَإِن تخَالف الغب فِي أَن صعودها يبطئ جدا وبكد مَا يبلغ مُنْتَهَاهَا بِخِلَاف الغب وَمَا أشبه ذَلِك فتفقد هَذَا ليَكُون أَن خَفِي عَلَيْك الْأَمر فِي وَقت استدركته فِي الْوَقْت الثَّانِي وتفقد طول أزمان النوائب فَإِن البلغمية أطولها وَالْغِب أقصرها وَالرّبع متوسطة بَينهمَا فَإِنَّهَا كَذَلِك لَا تكَاد تفوتك الْمعرفَة بهَا مُنْذُ أول نوبَة.
فليغريوس: فِي رسَالَته فِي النقرس: لَا تكْثر من الطَّعَام فتكثر فِيك الرطوبات ويجتذبها الرَّأْس ثمَّ ينزل مِنْهُ إِلَى الْمعدة بلغم عفن وَيبقى فِيهَا فيورثك أقصار سوس.
لي جملَة سَبَب هَذِه الْحمى عَن الْمعدة وَجل أضرارها بهَا وأجود علاجها تقويتها وتنقيتها من جوامح البحران: 3 (الْحمى البلغمية النائبة) كل يَوْم تعرف من الْأَسْبَاب الجامعة لمادتها وَمن الْأَسْبَاب المقوية لنوعها والجامعة لمادتها: الشتَاء والبلد وَالسّن والمزاج وَالتَّدْبِير المولد للبلغم كالنهم وَكَثْرَة الْحمام بعد الطَّعَام وَسن الصّبيان وَضعف فَم الْمعدة. والمقوية لنوعها فالبرد والقشعريرة قبلهَا وَاخْتِلَاف النبض وَخُرُوجه عَن النظام وانتفاخ الجنبين واللون الْحَائِل إِلَى الصُّفْرَة وَالْبَيَاض وَابْتِدَاء النّوبَة بالغشي.
قَالَ: وتعرف البلغمية اللَّازِمَة أَنَّك تَجِد المقوية لنوعها والجامعة لمادتها ثمَّ تجدها لَا تفتر وَلَا تبتدئ نوبتها بِبرد وَلَا تقلع باستفراغ محسوس.
من الْمقَالة الثَّالِثَة من أَصْنَاف الحميات قَالَ: لَا يكون فِي الْحمى النائبة كل يَوْم قيء وَلَا بَوْل مراري كَمَا يكون فِي الغب لي إِذا كَانَت خَالِصَة.
قَالَ: 3 (من الحميات الْخَالِصَة المفردة) حمى تكون من بلغم قد عفن تَدْفَعهُ الطبيعة فتجريه فِي أَعْضَاء حساسة وَابْتِدَاء هَذِه الْحمى يكون مَعَ برد فِي الْأَطْرَاف وَشَيْء هُوَ بالاقشعرار أشبه مِنْهُ بالنافض ويعسر اسْتِيلَاء الْحَرَارَة بعد الْبُرُودَة فتطول مُدَّة ألف هـ تزيد نوبَة الْحمى إِلَى أَن تبلغ مُنْتَهَاهَا وَذَلِكَ أَن الْخَلْط الَّذِي يتَوَلَّد مِنْهُ هَذِه الْحمى هُوَ فِي مزاجه بَارِد رطب وَفِي قوامه لزج. فَلذَلِك هُوَ بطيء الِاشْتِغَال بطيء الْحَرَكَة وَيمْتَنع من النّفُوذ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة من المجاري فيضغط ويثقل الْقُوَّة أَحْيَانًا فَيجْعَل النبض مُخْتَلفا وَتَكون النبضات الصغار الضعيفة مِنْهُ أَكثر وَذَلِكَ يكون فِي ابْتِدَاء النّوبَة وَأول تزيدها. وَلَيْسَت حَرَارَتهَا كحرارة الغب الَّتِي كَأَنَّهَا نَار نقية لَا تخالطها كدورة دخانية كَأَنَّهَا نَار مشتعلة فِي حطب رطب دخاني(4/461)
ضبابي وَلذَلِك يكون الاستفراغ فِيهَا يَسِيرا وَطول النّوبَة أطول من الغب وفترتها غير نقية وَلَكِن تبقى فِيهَا العلامات الدَّالَّة على العفن فِي حرارة الْبدن وَفِي النبض وعلامة العفونة فِي الْعُرُوق فِي ابْتِدَاء نوائبها وتزيدها على أبين مَا يكون. إِلَّا أَنه وَإِن كَانَ كَذَلِك فَإِنَّهُ على حَال مَتى كَانَت هَذِه الْحمى خَالِصَة فَإِن فترتها عِنْد كثير من النَّاس تكون نقية يَعْنِي مِمَّن لَا يحسن يستقصي جس الْعُرُوق وتعرف الْحمى.
قَالَ: وَنحن أَيْضا نقُول: أَن نوبتها نقية إِذا لم يحْتَج إِلَى استقصاء الْكَلَام وَتعين على تولد هَذِه الْأَسْبَاب الجامعة للبلغم.)
قَالَ: إِذا أَنْت وضعت يدك على من بِهِ حمى بلغمية أحسست أَولا بحرارة هِيَ إِلَى البخار أقرب لَا حِدة مَعهَا فَإِذا كال لبث كفك وجدت اللذع يتزيد قَلِيلا قَلِيلا وفيهَا مَعَ ذَلِك اخْتِلَاف حَتَّى أَنه يخيل إِلَيْك كَأَنَّهَا تنفذ بالمصفاة أَو بالمنخل وَأَقل الْأَسْبَاب بِهَذَا أَن الْخَلْط لغلظه ولزوجته لَا يلطف ويرق على اسْتِوَاء بل يعرض فِيهِ كَمَا يعرض فِي الرطوبات اللزجة إِذا طبخت من النفاخات فَإِذا تفطرت تِلْكَ النفاخات ارْتَفع مِنْهَا البخار فَلَا يكون من ذَلِك مُتَسَاوِيا فِي كل مَوضِع.
جوامح البحران قَالَ: الحميات مِنْهَا يسيرَة الْمِقْدَار إِلَّا أَنَّهَا خبيثة ردية كميات البلغم.
الثَّالِثَة من الأخلاط قَالَ: الْحمى البلغمية النائبة كل يَوْم لَا تكون قَوِيَّة وَلَا تبتدئ بنافض ذِي قُوَّة وَيكون صعودها نَحْو الْمُنْتَهى بطيئاً والقيء وَالْبرَاز فِيهَا بلغمي واللون أَبيض رهل.
لي رَأَيْت الْعِمَاد فِي هَذِه الحميات على مَا يَدُور الْبَوْل الغليظ الْكثير إِذا أمكن فِيهَا ذَلِك وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الحميات المزمنة كالأنيسون والنانخواة والكندر والأشق والشاهترج والغافث والشكاعي والباداورد والرازبانج يخْتَار مِنْهَا بِحَسب ألف هـ احْتِمَال الْحمى.
من أزمان الْأَمْرَاض قَالَ: الْحمى النائبة فِي كل يَوْم رُبمَا ابتدأت من غير أَن يكون مَعهَا برد بَين وَرُبمَا ابتدأت مَعَ برد محسوس وتنتهي فِي مُدَّة أطول من مُدَّة الغب لي وَمن مُدَّة المطيريطس.
قَالَ: وَفِي هَذِه الحميات شَيْء يُوجد فِي تِلْكَ يَعْنِي فِي المطيرايطس وَيظْهر فِي هَذِه كثيرا وَهُوَ أَنَّهَا فِي صعودها تقف مُدَّة بِحَالِهَا لَا تزيد ثمَّ تبتدئ بعد ذَلِك بالتزيد وَكَذَلِكَ انحطاطها فَإِنَّهَا رُبمَا تقف فِيهِ فِي بعض النَّاس سَاعَة وَفِي بَعضهم ساعتين ثمَّ تنقص.
ابْن ماسوية: اسْتعْمل فِي هَذِه الْقَيْء وَقت الدّور بسكنجبين وَمَاء حَار وَلَا تسْتَعْمل فِيهَا الدّهن الْبَتَّةَ إِلَّا أَن يكون صداع شَدِيد واختلاط واسقه عِنْد شدَّة النافض مَاء الأنيسون حاراً وَاجعَل تَحْتَهُ طستاً فِيهِ طبيخ الشيح والفودنج.
الأولى من ابيذيميا قَالَ ج: الحميات النائبة كل يَوْم أَو كل لَيْلَة بلغمية.(4/462)
الرَّابِعَة من الثَّالِثَة: الحميات الليلية والنهارية هِيَ من جنس النائبة كل يَوْم يَعْنِي بالليلية الَّتِي تنوب كل لَيْلَة والنهارية الَّتِي تنوب كل يَوْم وَلَا تنوب إِلَّا بِالنَّهَارِ.
الأول من السَّادِسَة من ابيذيميا: قَالَ جالينوس: النافض الْقوي الشَّديد الْبرد يعرض من البلغم الْقوي الشَّديد الْبرد الْمُسَمّى الزجاجي وَمن الْخَلْط السوداوي.)
قَالَ: إِلَّا أَن النافض البكائن عَن الزجاجي والخلط السوداوي تعسر سخونة الْبدن مَعَه.
قَالَ: ونوائب الْحمى الكائنة عَنهُ تكون فِي كل يَوْم.
لي قد اتّفقت الْكتب على أَن البلغمية لَيْسَ لَهَا نافض وجالينوس يَقُول هَهُنَا هَذَا القَوْل وَقد قَالَ فِي كتاب الحميات مَا قد كتبناه عَنهُ فَلَيْسَ الْوَجْه إِلَّا أَن الحميات البلغمية وَإِن كَانَ يجمعها أَن تنوب فِي كل يَوْم فَإِن مِنْهَا مَا لَا يكون من بلغم مائي وَمن بلغم حُلْو قريب من الدَّم وَمن بلغم مالح وَيُمكن أَن يكون النافض لَيْسَ فِي ذَلِك فَأَما فِي الْكَائِن الزجاجي فَالْقَوْل فِيهِ مَا قَالَ جالينوس.
الْيَهُودِيّ: البلغمية أبدا صَاحبهَا مصفار مخضار وتبدأ بِبرد شَدِيد كثير الرعدة لَا يدْفع صَاحبهَا ويظن أَنه جَالس فِي ثلج وَأَن الثِّيَاب الَّتِي عَلَيْهِ مبلولة وتصطك أَسْنَانه ويصفر ويخضر لَونه: وَلَا يفهم كَلَامه من شدَّة النفض والرعدة وَالْمَاء يرى يَوْمًا أَبيض وَمن غَد أَحْمَر ألف هـ غليظاً كثير الثفل. وإقلاعها فِي الْأَكْثَر ألف هـ مِنْهَا لَازِمَة فعالجه بِهَذَا العلاج بِعَيْنِه إِلَّا أَنَّك تَجْعَلهُ أَشد اعتدالاً فَمن ذَلِك السكنجبين وَمَاء الْعَسَل وَمَاء الرازيانج وأعطه خبْزًا أَحْيَانًا بِعَسَل وَأَحْيَانا بسكنجبين وبكامخ الشبث وَفِي الأحيان بمرقة فِيهَا صعتر وأنجدان وَإِن ضعف فأعطه لحم الفراريخ والدراج.
لي يكون فِي ابْتِدَاء هَذِه الْحمى ثقلة ونعاس وَذَلِكَ خَاص بِهَذِهِ الْحمى.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: يَنْبَغِي أَن تنْتَظر بِهَذِهِ الْحمى نضج البلغم ثمَّ تستفرغ بالإسهال فَإِن كَانَ كثير فاستفرغ مِنْهُ شَيْئا ثمَّ انضج الْبَاقِي فَإِن الطبيعة تقوى بعد ذَلِك على الْبَاقِي فَإِن لم تقو فأسهل أَيْضا قَلِيلا وَلَا تسرف فِي الإسهال وخاصة قبل النضج الْبَالِغ لِأَنَّهُ يضر العليل لَكِن قَلِيلا قَلِيلا قَالَ: وأسهل من بِهِ هَذِه بالمسهل الْمُتَّخذ من غاريقون وسقمونيا وعصارة الْورْد وَالْعَسَل فَإِنَّهُ يخرج البلغم وَلَا يسخن.
من كتاب شرك قَالَ:
3 - (علاج الْحمى البلغمية بالقيء)
فَإِنَّهُ أفضل علاجها.
قَالَ: وَلَا تقيئه فِي عنفوان حماه فَإِنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ أَن ترم معدته لَكِن بعد السَّابِع.
لي إِذا لم يجِئ المحموم الْقَيْء بسهولة فَلَا يتَكَلَّف بالعنف فَإِن يخَاف من ذَلِك بلَاء وَأما إِن جَاءَ بسهولة أَو جَاءَ من نَفسه فَلَا خوف فِيهِ الْبَتَّةَ.
شَمْعُون: البلغمية تشتد على الْأَيَّام وينتفخ فِي ابتدائها الْبَطن وتبرد الْأَطْرَاف وَمَعَهَا برد بطئ لَا يكَاد يسخن وَلَا يحس. برعدة شَدِيدَة بل بِبرد طَوِيل ويتهيج الْوَجْه وتوجع الْمعدة وَلَا يعرق ويهذي ويعتريه السعال وَيَنْبَغِي أَن ينفض عَنهُ البلغ ثمَّ يسقى المدرة للبول.
قرص جيد لَهَا: أنيسون واسارون وافسنتين وبزر فكرس وسنبل وغافت دِرْهَم دِرْهَم صَبر دِرْهَم وَنصف الشربة دِرْهَم بِمَاء الجلنجبين فاتراً.
من الاختصارات قَالَ: يكون مَعَ هَذِه وجع الْمعدة والقيء البلغمي وتهيج الْوَجْه وَرُبمَا غلظ مَعهَا الطحال وَلَيْسَت فترتها نقية وأفواهم لثقة سهكة وَالْبَوْل يكون فِي الِابْتِدَاء أَبيض لطيفاً وَمَعَهَا وجع الْمعدة واللون الْأَصْفَر وأبداً بعلاجها بإسهال الْبَطن بِنصْف رَطْل من مَاء لبلاب مَعَ عشرَة دَرَاهِم من فانيذ وَخَمْسَة دَرَاهِم من سِتِّينَ يَوْمًا وَفِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي أَكثر.
قَالَ: وأسهلهم بحب الصَّبْر وشحم الحنظل مَرَّات ثمَّ أعطهم أَقْرَاص الأفسنتين وأقراص السنبل.
الطَّبَرِيّ قَالَ: يحدث فِي أول مَا تَأْخُذ حمى البلغم برد لِأَن البلغم لم يعفن بعد وبأخرة يحدث برد دون ذَلِك لِأَن البلغم قد عفن وَيكون صعُود الْحَرَارَة فِيهَا بطيئة وينفع فِيهَا القي قبل سَاعَة النّوبَة بطبيخ الحبق وبزر الكرفس وَلَا تسْتَعْمل فِيهِ الدّهن لِأَنَّهُ يسد المنافس وَيمْنَع البلغم من التَّحَلُّل وينفع مِنْهَا طبيخ النانخواة والصعتر وَالزَّبِيب يسقى بِهِ قدر حمصة من الترياق وَيدخل الْحمام ويتوقى الْأَشْيَاء الغليظة وينفع فِيهَا الْحمام وَشرب الْخمر.
لي
3 - (عَلَامَات البلغمية)
النفاض الشَّديد الْبرد حَتَّى يظنّ أَنه جَالس فِي ثلج وتبطئ السخونة وَيطول وَقتهَا وَإِذا سخن لم تكون سخونته شَدِيدَة وَلَا عطشه والنبض صَغِير فِي ابتدائها ويوافق مزاجها فِي الْأَكْثَر الْبَلَد والمزاج وَالتَّدْبِير وَحَال الحميات الْوَارِدَة فِي ذَلِك الْوَقْت وَضعف فَم الْمعدة.
اهرن قَالَ: يكون فِي البلغمية نافض حَتَّى كَأَنَّهُ جَالس فِي ثلج وَعند الانحطاط يكون عرق يسير بِالْإِضَافَة إِلَى عرق الغب وينفث بلغماً ويبيض الْوَجْه والشفة.
3 - (علاجها)
لَا يلطف تدبيرها فِي أول الْأَمر إِلَّا أَنه يكون ألطف من تَدْبِير الرّبع وأسهله فِي(4/463)
الِابْتِدَاء بحب الصَّبْر والمصطي مرَّتَيْنِ فِي الْجُمُعَة وَبِمَا يدر الْبَوْل ليخرج البلغم فِي الْبَوْل وَالْبرَاز واحقنه بِمَاء الشبث والبابونج والتين وَالْعَسَل وَالْملح والدهن وَإِذا ظهر الهضم فِي الْبَوْل فأعطه جلنجبينا كالجوزة بِمَاء الْأُصُول قدر خَمْسَة أساتير وبالسكنجبين إِن كَانَ أَحْمَر قَلِيلا ومرخ ظَهره وَرَأس معدته بدهن الناردين أَو دهن بابونج أَو دهن الرازقى أَو بِبَعْض الأدهان الحارة وخاصة فَم الْمعدة إِن كَانَ يجد طعماً رديئاً فِي فِيهِ وثقلاً فِي معدته وَفِي فِيهِ وأعطه أَقْرَاص الأفسنتين فَإِذا ظهر النضج حسنا فاسقه دَوَاء الكبريت والترياق وَسَائِر مَا يسقى لحمى الرّبع وتفقد فِي هَذِه الْحمى حَال الْمعدة والكبد وأصلحهما وقوهما جهدك فَإِنَّهُمَا تفسدان فِيهِ وتضعفان وَمَا كَانَ (سقط: بَاقِي الصفحة) لب القرطم لِأَن شَأْنه إسهال البلغم. فَإِن دعت الْحَاجة لحدة فِيهَا إِلَى مَاء الشّعير فَاجْعَلْ مَعَه سكنجبينا عسلياً أَو طبيخ ألف هـ الرازبانج والكرفس وَإِن حمض مَاء الشّعير فِي معدته فَلَا تسقه وَلَا تسقه فِي هَذِه الْحمى الْأَشْيَاء الحامضة كالتمر الْهِنْدِيّ والإجاص وَنَحْوه وَلَا تسعطه بدهن وَلَا تحلب على رَأس إِلَّا من ضَرُورَة شَدِيدَة وَيكون غذاؤه أضلاع السلق وَمَاء الحمص وقلله وَإِن اشْتَدَّ الْبرد عَلَيْهِ فاسقه مَاء سخناً قد طبخ فِيهِ انيسون وفودنج وبزر الكرفس ومصطكى فَإِنَّهُ يمْنَع النافض فِي هَذِه وَفِي الرّبع وأكبه على طبيخ الْإِذْخر والنمام والشبث والمرزنجوش والعاقر قرحاً فَإِنَّهُ يمْنَع النافض وَعَلَيْك بالسكنجبين وَاحْذَرْ المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يغلظ الأخلاط وَيمْنَع النضج وَيطول الْحمى واسقه المَاء الْحَار دَائِما فَإِنَّهُ نَافِع جدا وَذَلِكَ أَنه يسيل مَا فِي الْمعدة من البلغم وينضج الَّتِي مِنْهُ وَيقطع عطشه لإذابته الرطوبات الجامدة الَّتِي فِي معدته فَإِن لم يجِئ الْقَيْء من نَفسه فاسقه نَقِيع الفجل والشبث واللوبيا فعلى هَذَا دبرهم إِلَى)(4/464)
(سقط: من بداية الصفحة)
أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَإِن جَاوَزت فَاسق طبيخ الرازيانج والكرفس وأقراص الْورْد وَإِن طَالَتْ فزد فِيهِ الغافث والشكاعى والباداورد وأسهلهم بحب الصَّبْر والمصطكي وَالْملح الْهِنْدِيّ وَيكون الصَّبْر مغسولاً وَإِن عرض تهيج فِي الْوَجْه وورم فِي الْأَطْرَاف فَاسق دَوَاء الكركم ودواء الْقسْط وَلَا تعط فروجاً وَلَا غَيره إِلَّا أَن تَجِد ضعفا ودبر بِالتَّدْبِيرِ اللَّطِيف إِلَى سَبْعَة أَيَّام فَإِن رَأَيْت أَن الْحمى لَيست تنقص فغلظ قَلِيلا إِلَى أَرْبَعَة عشر لتحفظ الْقُوَّة وَاعْتمد فِيهَا بعد النضج والنفض على هَذِه الأقراص انيسون صَبر أَرْبَعَة أَرْبَعَة اسارون ساذج افسنتين سنبل لوز مر مقشر بزر كرفس من كل وَاحِد دِرْهَم عصارة غافث ومصطكي ثَلَاثَة ثَلَاثَة يقرص وَيُعْطى درهما بسكنجبين عَسَلِي فَإِن لم تكن خَالِصَة وخالطها شَيْء من هَذَا فبحسب ذَلِك اجْعَل تدبيرك واخلط فِيهِ سكنجبيناً سكرياً وَمَاء الهندباء وَمَاء الرازيانج وأقراص الطباشير وَإِن كَانَ مَا يخالطها سَوْدَاء فزد فِي المسخنات الملطفات واسق أَقْرَاص الأفسنتين بطبيخ الْأُصُول ودواء الكبريت والكمون وَنَحْوه.
الْمقَالة الأولى من مسَائِل ابيذيمياً: النائبة كل يَوْم طَوِيلَة قتالة والنهارية اخبث من الليلية لِأَنَّهَا تريح الْبدن ومادتها لَا تنْحَل سَرِيعا ألف هـ فيجتمع على الطبيعة الدَّوَام وَطول الْمدَّة وَإِذا كَانَت بِالنَّهَارِ دلّ على غلبتها إِذا كَانَت فِي وَقت تحلل الْبدن وَيصير فِي غذَاء الْمَرِيض بِاللَّيْلِ فَيصير أردأ.
اريباسيوس قَالَ: يكون فِي انتهائها برد أَكثر من النفض وتعسر سخونته وصعودها وتطول مُدَّة صعودها وَلَا يكون مَعهَا لهيب شَدِيد وَلَا نفس متواتر وَالْبَزَّاز بلغمي يطول صعودها أَيْضا بضد حمى الصَّفْرَاء وَكَذَلِكَ الْقَيْء ولون الْوَجْه أَبيض أصفر فيرهل وَلَا يعرق فِي الْأَيَّام الأول إِلَّا الْأَقَل مِنْهُم وَأَقل من ذَلِك الْعرق وَلَا يبْقى انحطاطها وَالْبَوْل أما رَقِيق أَبيض أَو غليظ أَحْمَر وعلاجها إسهال البلغم بِرِفْق والقيء والتقطيع بسكنجبين وتلطيف التَّدْبِير. 3 (من جَوَامِع اغلوقن) تحْتَاج هَذِه الْحمى والمطرطيوس أَن تسْتَعْمل فِيهِ السّكُون(4/465)
وخاصة قرب الْمُنْتَهى لتنضج الْخَلْط وَلَا ينتشر وَمن أردأ الْأَشْيَاء الْأَطْعِمَة الغليظة لِأَنَّهُ لَا يهضمها وَتصير بلغماً وتطول الْحمى واعن باستفراغ البلغم فِي هَذِه الْحمى.
الساهر قَالَ: لين الْبَطن فِي هَذِه بِمَاء اللبلاب وَالسكر أَو بأوقية جلنجبين وَثَلَاث وراق من الترنجبين تمرس فِي نصف رَطْل من المَاء الْحَار ويسقى وَيُعْطى بالغدوات جلنجبين بِمَاء حَار فَإِن كَانَ فِي مَائه انصباغ فاسقه جلنجبينا سكرياً وَبعد ذَلِك بساعتين مَاء الشّعير وَاحْذَرْ المَاء الْبَارِد فِي هَذِه الْعلَّة لِأَنَّهُ يغلظ الْمَادَّة وَيزِيد فِي كميتها وَاسْتعْمل المَاء الْحَار لِأَنَّهُ يلطف الْمَادَّة ويذيبها وأكبه فِي وَقت النافض على بخار طبيخ المرزنجوش والفودنج والنمام والعاقر قرحا وَبعد أَرْبَعَة عشر يَوْمًا اسْتعْمل مَاء الرازيانج وكرفساً إِن احتجت إِلَيْهِ وَهَذَا إِذا لم تكن حِدة وَكَانَت مَادَّة كَثِيرَة وَإِن لم تحتج فاقتصر على جلنجبين وقرص ورد واستفرغ الْبدن بعد الْعشْرين بدواء الْقَيْء الْقوي وَمَتى رَأَيْت المَاء فِيهَا قد احتد وانصبغ فافصد.
لي غَرَض هَذِه الْحمى استفراغ البلغم بالقيء والإسهال وإنضاج مَا تَقِيّ مِنْهُ بِالتَّدْبِيرِ اللَّطِيف وتنقيه مَا فِي الْعُرُوق مِنْهَا بالبول فَإِنَّهُ لَا شَيْء أَجود للبلغم من كَثْرَة درور الْبَوْل إِلَّا أَنه يجب أَن يتوقى ذَلِك إِذا كَانَ مَعَ حرارة وحدة. 3 (حميات ابْن ماسوية) قَالَ: إِنَّه يحدث فِي أَولهَا برد ثمَّ تبطئ السخونة ألف هـ وَإِذا لمسه لامس احس بحرارة رطبَة لذيذة سَاكِنة وَإِذا أطلت اللَّمْس أحسست بحرارة رَدِيئَة وَيحدث مَعهَا وجع الْمعدة والغشي كثيرا واللون الْأَبْيَض الْأَصْفَر والرجيع الرَّقِيق البلغمي ولثق الْفَم وسهوكته وَقلة الْعَطش وَالْبَوْل فِي أَولهَا أَبيض رَقِيق فَإِذا نَضِجَتْ صَار أَحْمَر غليظاً ونوبتها فِي الْأَكْثَر بالعشيات وبالصبيان والشيوخ وَالنِّسَاء وَأَصْحَاب كَثْرَة الشَّرَاب والفواكه.
علاجها يسقى نصف رَطْل من مَاء اللبلاب وَخَمْسَة دَرَاهِم من لب القرطم وَعشرَة دَرَاهِم من فانيذ وَإِن شِئْت فأسهله بأوقيتين من جلنجبين ثَلَاث أَوَاقٍ من ترنجبين وَإِن اضطررت فِي هَذِه الْحمى إِلَى مَاء الشّعير لحدة فِيهَا فَاجْعَلْ فِيهَا طبيخ الكرفس أَو الرازيانج أَو سكنجبينا معسلاً وَإِن حمض مَاء الشّعير فِي معدته فاسقه مَاء الْعَسَل وَلَا تمنع الْقَيْء فِي هَذِه الْحمى فَإِنَّهُ جيد إِلَّا أَن يسرف وَاجعَل غذاءه مَا يدر الْبَوْل والعرق وَإِن هاج صداع فأكبه على طبيخ المحللات وَلَا تنطله وَلَا تدهنه وَإِذا ابتدأت النّوبَة اسْقِهِ مَاء حاراً قد طبخ فِيهِ انيسون وفودنج وبزر كرفس ومصطكي وأكبه على مَاء مغلي بِمَاء اذخر وبابونج وفودنج ومرزنجوش ونمام وشبث وعاقر قرحا فَإِنَّهُ يمْنَع النافض ويسرع الصعُود وأفعل هَذَا فِي الرَّابِع وَاحْذَرْ فِيهَا المَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يطول الْحمى إِن لم يكن البلغم غليظاً فالسكنجبين جيد لَهُ لِأَنَّهُ يخرج البلغم إِلَّا فَعَلَيْك بِمَا ينضج كالنوم وَترك الْغذَاء ثمَّ السكنجبين واسق فِيهَا المَاء الْحَار فَإِنَّهُ يجلو البلغم وَيقطع الْعَطش الْمُتَوَلد فِي هَذِه الْحمى واحتل الْقَيْء فَإِن لم يجِئ من نَفسه فاجعله بالمقطعات وتؤخر الْغذَاء عَن وَقت الدّور واسق سكنجبينا فَإِن جَاوز الْأَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَاسق حِينَئِذٍ مَاء الرازيانج والكرفس وأقراص الْورْد والجلنجبين مَعهَا فَإِن(4/466)
طَال أَيْضا فَاسق مَا هُوَ أقوى وَهُوَ: عنصلان عشرَة عشرَة سنبل أَرْبَعَة دَرَاهِم انيسون مصطكي أَرْبَعَة أَرْبَعَة غافث خَمْسَة دَرَاهِم بإداورد خَمْسَة شكاعي أَرْبَعَة تطبخ بِثَلَاثَة أَرْطَال مَاء ويصفى إِذا بلغ رطلا ويمرس فِيهِ خَمْسَة دَرَاهِم من جلنجبين ويسقى فِي ثَلَاثَة أَيَّام كل يَوْم بِخَمْسَة دَرَاهِم من جلنجبين وَإِن طَال أَيْضا فانقض الطبيعة بحب يتَّخذ من أيارج وعصارة غافث وملح هندي وَتَربد واسق من طبيخ النانخواة والغافث وبزر الرازيانج وبزر كرفس وَورد.)
طبيخ نَافِع للحمى المزمنة وَالْبرد الصعب: صعتر نانخواة كزبرة يابسة ألف هـ فودنج زنجبيل تين زبيب منزوع الْعَجم منقى ثلث رَطْل وَقد يسكن الْحمى مَاء الجرجير إِذا شرب مِنْهُ ثَلَاث أَوَاقٍ والعاقر قرحا إِذا طبخ فِي الدّهن ومرخ بِهِ وَإِن كَانَت الْقُوَّة مُمكنَة وَالشرَاب بِمَاء مغلي وَالْحمام جيد فِي هَذِه الْحمى وَلَا تعطه فروجاً حَتَّى تنحط الْحمى إِلَّا أَن ترَاهُ قد ضعف فَإِن طَال الْأَمر فَاسق الأقراص والمعجونات الَّتِي تسقى فِي الاسْتِسْقَاء مثل دَوَاء الْملك ودواء الْقسْط وأدهن الإسهال بِالصبرِ والإيارج والمدرة للبول.
وَهَذِه قرصة جَيِّدَة صفتهَا: انيسون ساذج اسارون افسنتين لوز مر غافث يقرص بِمَاء كرفس ويسقى بِمَاء طبيخ الْأُصُول وتستعمل هَذِه بِقدر السخونة وانحراف عَنْهَا بِقدر الْحَرَارَة فِيهَا وَقلة خلوصها فَإِن كَانَت مختلطة بالصفراء فمل إِلَى السكنجبين وَمَاء الشّعير وأقراص الْورْد والجلنجبين: إِن اخْتلطت بِالسَّوْدَاءِ فَحِينَئِذٍ تشجع وَأعْطِ دَوَاء الكبريت والترياق والفلافل والكموني وطبيخ النانخواة والفودنج وَمَا أشبه ذَلِك.
تياذوق قَالَ: حمى البلغم تكون بِبرد شَدِيد حَتَّى يخيل إِلَيْهِ أَنه جَالس فِي ثلج وَيطول ذَلِك وَلَا لي حمى البلغم كَمَا ذكر فَلذَلِك تصطك الْأَسْنَان وَإِذا أزمنت وَأَقْبل الْوَجْه والأطراف مَعهَا تهبج فَعَلَيْك بأدوية حارة مقطعَة كاميروسيا ودواء اللك واللوز والمر وَنَحْوه.
ابْن سرابيون: أَن أسرف الْقَيْء فِيهَا واحتجت تسكينة فسكنه بالمصطكي وَالْعود والقرنفل وَنَحْوهَا وَلَا تسق فِيهَا مَاء الْفَوَاكِه الْبَارِدَة وَإِن ترهل الْوَجْه والأطراف فَاسق مَدَرَة للبول مَعَ غافث وأفسنتين فَإِن اضطررت فدواء الكركم ودواء اللك والأميروسيا وأنفع مِنْهَا لذَلِك هَذَا القرص: صفة أَقْرَاص تصلح لحمى بلغمية مزمنة تحدث مَعَ نفضة شدية وتهيج الْوَجْه والأطراف: يُؤْخَذ انيسون أَرْبَعَة ساذج افسنتين سنبل لوز مر مقشر ثَلَاثَة ثَلَاثَة صَبر أَرْبَعَة عصارة غافث ثَلَاثَة بزر كرفس دِرْهَم يعجن بِمَاء الكرفس ويسقى بِمَاء الرازيانج والكرفس أَو بطبيخ بزريهما أَو بسكنجبين.(4/467)
لي على مَا رَأَيْت: لَا شَيْء أبلغ فِي قلع البلغمية من الْقَيْء لكنه يضعف ألف هـ الْمعدة)
جدا والمعدة تضعف فِي هَذِه الْحمى. والإسهال وَإِن كَانَ نَافِعًا فِي هَذِه الْحمى فَلَيْسَ بالبالغ فَلَا شَيْء أصلح من الْجُوع الطَّوِيل وَالنَّوْم عَلَيْهِ والرياضة وإدرار الْبَوْل لِأَن بِهَذِهِ ينضج بعض البلغم ويستفرغ بعضه.
من الرَّابِعَة من الْعِلَل والأعراض: لست أسمي النافض حس الْبرد الشَّديد فِي الْبدن بل أسمي بِهِ مَا يحدث النفضة والرعدة.
لي فَلذَلِك نقُول أَنه لَيست مَعَ حمى بلغمية نافض وَمَعَ الصَّفْرَاء ذَلِك لِأَنَّهُ قد صَحَّ بالتجربة أَن الْحس بالبرد واصطكاك الْأَسْنَان يكون فِي جَمِيع حميات البلغم وَإِن كَانَ برده فِي أَوَائِل الحميات لَا يبلغ هَذَا فَلَيْسَتْ عِلّة بلغمية قَوِيَّة.
من جَوَامِع الحميات: الْحَادِثَة عَن عفونة بلغم مِنْهَا مَا يكون من بلغم زجاجي ويتقدمها أبدا نافض وَمِنْهَا مَا يكون من بلغم مالح ويتقدمها اقشعرار وَمِنْهَا مَا يكون من بلغم حامض ويتقدمها برد وَمِنْهَا مَا يكون من بلغم حُلْو وَلَيْسَ يتقدمها من هَذِه شَيْء.
جَوَامِع اغلوقن: يفرق بَين البلغمية وَالرّبع بِأَنَّهُ لَا يكون فِي انحطاط البلغمية عرق وَلَا ينقى الْعرق فِي حَال الفترة وَلَا تحْتَاج إِلَى دَلِيل لَازم للبلغمية أخص من فقد الْعرق.
قَالَ: وَهَذِه الْحمى لِأَنَّهَا لَازِمَة أَكثر الْأَوْقَات وَلِأَن فَم الْمعدة يضعف مَعهَا وَيحدث غشي وَقلة شَهْوَة واستمراء فَتسقط الْقُوَّة وخلطها غليظ لَا ينضج سَرِيعا وَتسقط الْقُوَّة قبل ذَلِك.
جورجس: إِذا صاعدت الْقُوَّة فِي ابْتِدَاء البلغمية فَخذ صبرا عشرَة مَثَاقِيل ومصطكي مِثْقَالا وإهليلجا أصفر أَرْبَعَة مَثَاقِيل وتربداً مِثْقَالا واجعله حبا واسقه مِنْهُ مثقالين. وَإِن شِئْت فاسقه نَقِيع الصَّبْر بنقيع الشاهترج والباداورد ثمَّ إِذا نفضته فألزمه أَقْرَاص الْورْد وَبعدهَا إِن طَالَتْ فأسهل أَيْضا واسق أَقْرَاص الغافث وقو الْمعدة مَا أمكن.
اغلوقن قَالَ: اسْقِ فِيهَا سكنجبينا فِي الْأَيَّام الأولى وَمَا يدر الْبَوْل باعتدال وَاجعَل جملَة تَدْبيره بِمَا فِيهِ فضل لطافة وَعند المنتهبى فأدم الْعِنَايَة بِفَم الْمعدة فَإِذا انْتَهَت فالقيء بالفجل بعد التملؤ من الطَّعَام والإسهال بِمَا يخرج البلغم وواتر ذَلِك.
جَوَامِع اغلوقن قَالَ: فِي أول البلغمية إِلَى أَن يجوز ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَيَّام لَا يسقى سكنجبينا وَلَا يسقى شَيْئا يُطْفِئ شَدِيدا ليذوب البلغم بحرارة الْحمى فَإِن الْحمى إِذا واظبت كل يَوْم إذابته ثمَّ أعْط سكنجبينا وَنَحْوه ولتعن بالمعدة وَبعد الِانْتِهَاء اسهل البلغم وقيء مَرَّات ألف هـ)
متتابعة.
3 - (جَوَامِع الحميات غير المفصلة)
لَا يَخْلُو صَاحب البلغمية من ألم فِي الْمعدة والكبد.
ابْن ماسوية قَالَ: فِي حمى البلغم لطف التَّدْبِير إِلَى السَّابِع إِن نقصت نُقْصَانا كثيرا فَمر على ذَلِك وَإِن لم تناقص فغلظ التَّدْبِير بِحَسب مَا ترى لِأَنَّهَا مزمنة وَلَا يَنْبَغِي أَن تسْقط الْقُوَّة.(4/468)
لي 3 (فِي المارستان) يسْتَدلّ على البلغمية بالنافض الَّذِي تصطك فِيهِ الْأَسْنَان وَالَّذِي يَقُول جالينوس فِي النافض أَنَّهَا فِي البلغمية وَالرّبع ضَعِيفَة يَعْنِي الارتعاد. فَأَما الْبرد فَهُوَ فِيهَا قوي.
لي إِذا رَأَيْت بلغمية نقية الفترات فثق بِأَنَّهَا قَصِيرَة الأمد لِأَن هَذِه تكون لقلَّة البلغم ورقته وسخافة الْبدن فَإِن رَأَيْت مَعَ ذَلِك عرقاً فثق بذلك أَكثر.
الأولى من اغلوقن: نافض البلغمية ابرد من كل نافض والنبض فِيهَا أَبْطَأَ مِنْهُ فِي جَمِيع الحميات ويبلغ من نفع الْقَيْء الَّذِي بعد التملؤ فِيهَا أَن خلقا برؤوا مِنْهَا باستعمالهم ذَلِك مرّة وَاحِدَة فَقَط وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الغب غير الْخَالِصَة بِالِانْتِفَاعِ بالقيء. الكبريت ينفع من الْحمى البلغمية الْخَالِصَة.
ابْن ماسوية: الْخَرْدَل نَافِع مِنْهَا إِذا كَانَت مزمنة وَمن جَمِيع الْأَمْرَاض المزمنة البلغمية والخل يضاد البلغم.
روفس: أَقْرَاص الغافث نافعة من الْحمى المزمنة.
ابْن ماسوية: أَقْرَاص الْورْد ثَلَاثَة دَرَاهِم عصارة الغافث دِرْهَمَانِ ورق افسنتين رومي دِرْهَم وَنصف وشكاعي دِرْهَم باداورد دِرْهَمَانِ إهليلج أصفر بِلَا نوى أَرْبَعَة أسود ثَلَاثَة كشوث أَرْبَعَة تَرَبد عشرَة غاريقون ثَمَانِيَة يعجن بِمَاء الرازيانج أَو بِمَاء الهندباء ويسقى بِأحد هذَيْن الماءين بِقدر مَا ترى فِي كل خَمْسَة أَيَّام دِرْهَمَانِ وَنصف حَتَّى تنقلع.
إِسْحَاق: هَذِه طَوِيلَة غير سليمَة تتولد عَن عفن البلغم وَإِذا تمادت أَيَّامهَا فَاسْتعْمل سكنجبينا والأضمدة المقوية لفم الْمعدة كاللاذن وَالسكر وقصب الذريرة والزعفران والورد بِمَاء الآس والنمام وَرُبمَا خلط مَعهَا النضوح الْمُعْتق أَو ميسوسن على قدر احْتِمَاله للحرارة وتبل بهَا قطنة وَتجْعَل على فَم الْمعدة ويقياً بالفجل وسكنجبين فينفع مِنْهُ ويستفرغ بالتبريد وَالْملح الْهِنْدِيّ والبورق)
الأرمني ولباب القرطم.
من تذكرة عَبدُوس لنافض ألف هـ البلغمية: ايرسا مِثْقَال يشرب بِمَاء حَار أَو مِثْقَال من الْقسْط أَو غاريقون أَو يدهن الْبدن بدهن الْقسْط أَو دهن السوسن أَو دهن المر أَو دهن القيصوم.
قَالَ ج فِي حِيلَة الْبُرْء: قد تبتدئ الْحمى فِي الْبدن عَن بلغم خام كثير جدا وَفِي معدهم ضعف قد ضرتهم التخم وَغَيرهَا وَمن هَذَا حَاله فَإِن بَطْنه منتفخ وبدنه ولونه يتَغَيَّر مرّة إِلَى بَيَاض وَمرَّة إِلَى كمودة رصاصية ونبضه صَغِير مُخْتَلف وَيحْتَاج إِلَى استفراغ إِلَّا أَنه لَيْسَ يُمكن فصده وَلَا إسهاله لِأَنَّهُ من غير أَن يفعل بِهِ ذَلِك يعرض لَهُ غشي وخمول فَلهَذَا علاجه عسر لِأَنَّهُ مَعَ الْحَاجة إِلَى الاستفراغ لَا يُمكن استفراغه فَأَما أَنا فَلم أقدر لَهُم على شَيْء من الإستفراغ خلا الدَّلْك فنبتدئ من أول الْمَرَض بدلك الفخذين والساقين وَيكون الدَّلْك من فَوق إِلَى أَسْفَل بمنديل خشن ليخشن الْجلد ويتحلل مَا فِيهِ ثمَّ أدلك الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ من فَوق إِلَى أَسْفَل وابدأ من الْمَنْكِبَيْنِ فَإِذا رَأَيْت الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَقد سخنت(4/469)
سخونة شَدِيدَة وَخفت أَن يُصِيبهُ مثل مَا يُصِيب صَاحب الإعياء من مس التقرح الْعَارِض فِي الإعياء أقصد إِلَى ذَلِك الصلب وَإِذا سخن أَيْضا فادلك بدهن على الْعُضْو بمبلغ مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من السخونة بذلك الدّهن ثمَّ ابتدئ آخر فامرخه بدهن لَا قبض فِيهِ أَو بدهن البابونج إِن كَانَ شتاء فَإِن لم يحضر فاغل الدّهن فَإِنَّهُ يكْشف ويؤذي ثمَّ أدلكه أَيْضا يَابسا حَتَّى يحدد مس الإعياء ثمَّ عد إِلَى الدّهن على مَا فعلت سَوَاء لَا تخَالف افْعَل ذَلِك نهارك كُله فِي بَيت مضيء صافي الْهَوَاء لَيْسَ بندى وَلَا مفرط فِي الْحر وأنفع الْأَدْوِيَة لَهُ مَاء الْعَسَل الْمَطْبُوخ فِيهِ زوفا وَلَا تعطهم طَعَاما وَلَا يكثرون من الشَّرَاب وَاقْتصر بهم فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة الأول على مَاء الشّعير وَحده ويدلكون دَائِما وَلَا يقطع عَنْهُم الدَّلْك إِلَّا فِي الْوَقْت الَّذِي يَأْخُذهُمْ فِيهِ النّوم فَإِن الدَّلْك الْكثير يجلب النّوم وَلَا تَأذن لَهُم فِي النّوم الطَّوِيل لَكِن تَجْعَلهُ معادلاً لليقظة لأَنهم يَحْتَاجُونَ إِلَى النّوم بِقدر حَاجَة إِلَى الْيَقَظَة لِأَنَّهُ فِي النّوم الطَّوِيل تنضج تِلْكَ الأخلاط وَفِي الْيَقَظَة تتحلل وَمن مَرضه من خلط خام فَهُوَ يحْتَاج إِلَى ذَلِك فَإِن لَهما إِذا تداولا ألف هـ الْمَرِيض بمقادير مُتَسَاوِيَة نفعا عَظِيما ونبض هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ فِي الْغَايَة من الصفر والضعف وَكَانَ مَعَ هَذَا شَدِيد الِاخْتِلَاف فالبنية عَظِيمَة جدا وَيَنْبَغِي أَن تفعل مَا قلته فَقَط وَإِن كَانَ فِي النبض قُوَّة وَعظم يسير وجدته لَا ضغط فِيهِ وَلَا اخْتِلَاف فتفقد مَا فِي)
الْبَطن من الْفضل ثمَّ احقن مَعَه مَتى كَانَ الْفضل لَيْسَ يخرج من نَفسه خُرُوجًا جيدا وَهَذَا الْفضل يكون فِي الْعُرُوق الأول من عروق الكبد إِلَى أَن تنحدر من الكبد إِلَى الأمعاء وَمَاء الْعَسَل يستفرغ هَذِه الفضول جدا فَإِن رَأَيْت الإستفراغ جيدا فَوق مَا يَنْبَغِي فاطبخ مَاء الْعَسَل أَكثر فَإِنَّهُ إِذا طبخ أَكثر كَانَ إسهاله أقل وغذاؤه أَكثر وَإِن كَانَ ينحدر أَكثر فَلَا تسق مَاء الْعَسَل لَكِن مَاء الشّعير فَإِن دَامَ الانحدار فاقطع مَاء الشّعير واغذه بحساء متخذ من الخندروس لِأَنَّك إِن لم تفعل ذَلِك تبعه غشي وتفقد النبض دَائِما فَإِنَّهُ رُبمَا اسْتَحَالَ بَغْتَة إِلَى ضعف أَو إِلَى اخْتِلَاف أَو إِلَى صغر فَإِن رَأَيْت ذَلِك فغذه على الْمَكَان خبْزًا مبلولاً بشراب ممزوج بعد أَلا يكون فِي الْبَطن ورم وَلَا فِي الكبد فَإِنَّهُ إِن كَانَ فِي الْمعدة أَو الكبد ورم وَالْبدن مَمْلُوء من مثل هَذِه الأخلاط فَلَيْسَ فِي العليل رَجَاء بعد أَن يكون نبضه قد تغير هَذَا التَّغْيِير فَتقدم وعرفهم أَنه يَمُوت فَأَما من يطْمع فِي برئه وهم من تصيبه هَذِه الْعلَّة من غير أَن يكون بهم ورم فَإِن استنكفت مداواته من أول يَوْم فقبيح أَن يغشي عَلَيْهِ وَأَنت تتولى تدبره مُنْذُ أول أمره وَلم تنذر بِهِ أَو تأهبت لمَنعه من الْحُدُوث فَإِن عالجته فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة الأول بِمَا وَصفنَا وَلم يعرض لَهُ مَكْرُوه فتمم التَّدْبِير على ذَلِك إِلَى السَّابِع لَا تزد على مَاء الْعَسَل وَحده مطبوخاً فِيهِ زوفا فَإِن من بِهِ هَذِه الْعلَّة يصبر على الْإِمْسَاك عَن الطَّعَام زَمَانا طَويلا لِأَن بدنه يغتذي بِتِلْكَ الأخلاط الخامة المجتمعة إِذا نَضِجَتْ فَإِن تهَيَّأ أَن تكون تِلْكَ الأخلاط الخامة مَعَ تهولها فَاسِدَة فَسَادًا لَا يُمكن مَعَه أَن تنضج فَلَيْسَ يُرْجَى الْمَرِيض أَيْضا فَأَما من يُرْجَى فاغذه إِلَى التَّاسِع بِمَاء الْعَسَل وَإِن(4/470)
اضطررت على مَا قُلْنَا فماء الشّعير فَإِن أَبَت نَفسه مَاء الشّعير فحسو خدوس مَعَ خل فَإِن الْخلّ لَا يضر من علته هَذِه الْعلَّة.
فَإِن أحسست فِي وَقت مَا أَن الأخلاط الخامة عَظِيمَة جدا فاسقه مَكَان مَاء الْعَسَل سكنجبينا دَائِما وَإِن كرهه. وَأكْثر مَا ألف يدلك على برد الأخلاط ويهولها النبض الصَّغِير المتفاوت البطيء وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَإِن لون الْبدن يتَغَيَّر مَعَه على الْمَكَان إِلَى مَا وَصفنَا قبل ذَلِك وَعَسَى أَن يظنّ أَنه لَا يُمكن أَن يكون فِي الْحمى نبض متفاوت بطيء وَكَونه من صَحِيح مَوْجُود بالحس. وَإِن كَانَ الْوَقْت صيفاً وَالْمَرِيض مُعْتَادا لشرب المَاء الْبَارِد فَمن الْوَاجِب إِن كَانَ الصَّيف شَدِيد الْحَرَارَة وَكَانَ مُعْتَادا لشرب المَاء الْبَارِد كَمَا ذكرنَا أَن تسقيه سكنجبينا بِمَاء بَارِد وَإِن كَانَ شتاء فاسقه بِمَاء حَار من كَانَ مُعْتَادا للْمَاء الْحَار أَو الْبَارِد وَكَذَلِكَ أَيْضا إِن)
كَانَ حر الصَّيف مفرطاً فاسقه بِالْمَاءِ الْبَارِد بعد أَلا يكون فِي أحشائه ورم أَو شَيْء مستعد لقبُول الآفة سَرِيعا. وأمام الْحمام فَفِي غَايَة المضادة لَهُم وَكَذَلِكَ الْهَوَاء الْحَار غَايَة الْحَرَارَة والبارد غَايَة الْبُرُودَة وَلِهَذَا لَيْسَ يَنْبَغِي أَن تدخله الْحمام وَاجعَل فرَاشه فِي الصَّيف فِي مَوضِع ريح طيب وَفِي الشتَاء فِي مَوضِع دفئ فَإِن الْأَمريْنِ إِذا فرطا ضاران لَهُ لِأَن الْحمام والهواء الْحَار إِذا فرطا ذَابَتْ الأخلاط المجتمعة فيهم وانصبت فِي الْبدن كُله فَلَا يُؤمن أَن يصير إِلَى الرئة وَالْقلب وَأَن يرْتَفع فِي بعض الْأَوْقَات إِلَى الدِّمَاغ والأجود والأصلح أَن تبقى هَذِه الأخلاط لابثة فِي الكبد أَو فِي عروقها الأول. فَأَما الْهَوَاء الْبَارِد فَإِنَّهُ يَجْعَل أخلاطه عسرة النضج. وَإِن كَانَ فِي الكبد سدة يسيرَة زَاد فِيهَا وَإِن لم يكن وَلَدهَا إِذا غلظ الأخلاط وَمنع النّفُوذ ولحج بِسَبَب غلظه.
فَهَذَا تدبيرهم إِذا توليت أَمرهم مُنْذُ أول يَوْم فَإِن لم تحضرهم إِلَّا بعد أَن يغشى عَلَيْهِم فَانْظُر فَإِن لم يكن فِي شئ من الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرتها لَك ورم فأطعمه خبْزًا يَسِيرا مَعَ نوع من أَنْوَاع الشَّرَاب الَّذِي ينفذ سَرِيعا ثمَّ ادلكه بِسُرْعَة على مَا وصفت قبل فَإِن كَانَ الزَّمَان حاراً فاسقه فِي الْمرة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة وَهُوَ حَار فَإِن شرب الْحَار أفضل من الْبَارِد فِي جَمِيع المداواة الَّتِي تسْتَعْمل فِيهَا الدَّلْك لِأَن الْحَار يعين على نضج الأخلاط الخامة وَيَنْبَغِي أَن تلطف تَدْبيره مَا أمكن كفعلك فِي المحموم بِمَا يلطف من غير أَن يسخن وَالشرَاب المائي نَافِع لهواء مُنْذُ أول الْأَمر وَإِن كَانَت حماهم قَوِيَّة وَمَا أقل مَا تعرض القوية فِي هَذَا الْموضع. فَإِن اتّفق أَن يَكُونُوا شُيُوخًا فَهُوَ أُخْرَى أَن يَنْفَعهُمْ فَإِن الشَّيْخ إِذا أَصَابَته هَذِه الْعلَّة فاسقة بعد الطَّعَام شرابًا وخاصة إِن كَانَ الْوَقْت فِيمَا بَين نَوَائِب الْحمى معتدلاً.
الحميات الْحَادِثَة عَن مثل هَذِه الأخلاط تنوب كل يَوْم ألف هـ وخاصة نَحْو الْمسَاء وبالليل وَلَا تنوب بِالْغَدَاةِ نصف النَّهَار. الْعِلَل والأغراض قَالَ: إِذا عفن البلغم الزجاجي كُله تبع نافضة فِي كل يَوْم حمى.
قَالَ فِي كتاب أَصْنَاف الحميات: النائبة كل يَوْم تحدث فِي الأمزجة البلغمية وَالزَّمَان(4/471)
وَالْمَكَان والأسنان الرّطبَة الْبَارِدَة كالنساء والمشايخ وَالصبيان وَمَعَ إكثار الْأَطْعِمَة والخفض والدعة وَلَا يقيء مرَارًا وَلَا يخرج مِنْهُ بالبراز مرار وتتولد من البلغم إِذا عفن.
قَالَ: وَهَذِه الْحمى تكون إِذا كَانَت خَالِصَة من بلغم تَدْفَعهُ الطبيعة فتجريه فِي الْأَعْضَاء)
الحساسة. وابتداؤها يكون من برد فِي الْأَطْرَاف هُوَ بالإقشعرار أشبه مِنْهُ بالنفض ويعسر اسْتِيلَاء الْحَرَارَة بعد الْبرد فَيطول مِنْهُ تزيد نوبَة الْحمى إِلَى أَن تبلغ مُنْتَهَاهَا لبرودة الْخَلْط ولزوجته فَلذَلِك تبطئ الاشتعال وَالْحَرَكَة وَيمْتَنع من النّفُوذ فِي مجاري كَثِيرَة فيضغط بلضيقة الصغار فِيهِ أَكثر وَذَلِكَ فِي أول النّوبَة.
(عِلّة فترات الْحمى البلغمية الْغَيْر نقية)
الَّتِي تكون من أجلهَا فترات الْحمى البلغمية غير نقية ونوبتها كل يَوْم قَالَ: والحمى الكائنة فِي بلغم لَا يستفرغ مِنْهَا الْبدن لغلظة وبرده وَصَارَ يبْقى مِنْهَا فِي الْبدن بقايا كَثِيرَة فتسرع كدور النّوبَة النائبة لِأَن العفونة بَاقِيَة كَثِيرَة.
قَالَ: وَهَذِه الْحمى طَوِيلَة الْمدَّة وَلَيْسَ مَتى كثر البلغم فِي الْبدن تتبعه هَذِه الْحمى لَكِن إِذا عفن.
قَالَ: وَإِذا كَانَ البلغم العفن هُوَ البلغم المالح فصاحبه لَا يُصِيبهُ نافض بل يقشعر قبل حماه.
قَالَ: إِذا عفن البلغم الحلو فَإِنَّهُ لَا يكون مِنْهُ نافض الْبَتَّةَ والنافض إِنَّمَا يكون إِذا عفن البلغم الحامض أَو الزجاجي وَيكون فِي الزجاجي الْبرد أَشد لِأَنَّهُ أبرد.
لي هَذَا ينْتَفع بِهِ إِذا رَأَيْت النّوبَة نوبَة البلغم والنافض مُخْتَلف فَلَا تتوهم أَنه مركب لَكِن تعلم أَنه قد يكون من هَذِه مُفْردَة مثل هَذِه الحميات.
قَالَ ج: قد يتَوَهَّم فِي هَذِه الحميات أَنَّهَا مركبة لِأَن النافض فِي حمى البلغمية سَببه غير السَّبَب الَّذِي يكون بِهِ الْحمى الحادة لِأَن نافضة مِمَّا لم يعفن من البلغم وصالبه مِمَّا قد يغفن فِي الغب فالصفراء هِيَ سَبَب النافض والصالب.
الِاخْتِلَاف فِي النبض فِي هَذِه الْحمى يبْقى مُدَّة طَوِيلَة وَيكون فِي الْأَسْنَان والأمزجة والأوقات البلغمية وَالتَّدْبِير الرطب وَكَثْرَة الْحمام وَالْأكل وَضعف فِي الْمعدة وانتفاخ الجنبين واللون الْأَصْفَر الْأَبْيَض وَابْتِدَاء النّوبَة بالغشي. البلغمية الدائمة تكون من عفن ألف هـ البلغم دَاخل الْعُرُوق وَهِي تخف فِي أَوْقَات. فترات الْمُفَارقَة طَوِيلَة الْمدَّة. هَذِه الْحمى تَنْقَضِي إِمَّا بإسهال أَو بقيء أَو بعرق. حمى بلغم وَإِن كَانَت يسيرَة الْمِقْدَار فِي كَيْفيَّة الْحَرَارَة فَإِنَّهَا ذَات خطر الِابْتِدَاء والانتهاء والانحطاط الجزئي يطول فِي البلغمية بِالْإِضَافَة إِلَى أجمعها. البلغمية لَا يعرف آخر مُنْتَهَاهَا مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ.
جَوَامِع البحران غير الْمفصل: البلغم العفن لَا يلذع الْأَعْضَاء الحساسة فضل لذع(4/472)
فَلذَلِك لَا)
يحدث مَعَه نافض لَكِن برد فِي ظَاهر الْبدن وأطرافه فَأَما إِن كَانَ ينتفض نفضاً شَدِيدا كَمَا يحدث عَن المرار فَلَا لِأَن المرار شَدِيد اللذع للأعضاء الحساسة. خَاصَّة نافض البلغمية أَن برد ظَاهر الْبدن والأطراف وَلَا يرعد وتعسر سخونته وَيطول مكثه وزمان تزيده.
ابْن ماسويه: يرد هَذِه يكون بِلَا نخس بل كَأَنَّهُ قَائِم فِي ثلج.
3 - (دَلَائِل البلغمية)
يكون فِي ابتدائها برد وتبطء سخونتها وصعودها فَإِذا صعدت كَانَت مؤدية لِأَن الطبيعة تقَابل الْبرد بِمَا تقابله من الْحر وَصغر النبض وبطئه واختلافاً مَعَ سَعَة فِيهِ تزيد فِي عرض وَيكون مَعهَا غثى إِذا أمعنت ووجع الْمعدة ولون أصفر أَبيض وتهيج وَعظم طحال ودورها فِي الْأَكْثَر عشَاء ويخالط رجيعهم بلغم وخاصة إِن لم يكن حَار المزاج وَلَا تنقى فتراتها وآخذها ثَمَان عشرَة سَاعَة وفترتها سِتّ سَاعَات وَلَيْسَت نقية وقيء بلغم وأفواههم رطبَة والعطش قَلِيل والنضج عديم وتصحح أمرهَا عنْدك السن والمزاج وَالْوَقْت وَالتَّدْبِير البلغمي وَكَثْرَة دُخُول الْحمام بعد الطَّعَام.
قَالَ: وَيكون من البلغمية محرقة والمحرقة مَا كَانَ لهيبها حول الْقلب أَكثر مِنْهُ فِي جَمِيع الْبدن.
قَالَ: وَيكون ذَلِك من بلغم عفن مالح.
قَالَ: أبدأ فِيهَا إِذا كَانَت الْقُوَّة بتليين الْبَطن بِنصْف رَطْل من مَاء اللّبَاب وَخَمْسَة دَرَاهِم من لب القرطم وَعشرَة من الفانيذ وَإِن اضطررت إِلَى مَاء الشّعير فاسقه مَعَ السكنجبين العسلى وطبيخ الكرفس والرازيانج وَأَن كَانَ مَاء الشّعير يحمض فِي معدته فاسقه بدله مَاء الْعَسَل وَلَا تمنع الْقَيْء فِي هَذِه الْحمى وخاصة فِي المبدأ فَإِن الْحمى إِنَّمَا تنقص وتنقضي بذلك فَإِن كثر حَتَّى يضعف فاسقه بالميبة وَرب الرُّمَّان بالنعنع وَلَا تعالجه بالعلاج الرطب لِأَنَّهُ يطول الْحمى إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَلَا تدهن رَأسه وَلَا تنطل عَلَيْهِ وَلَو لحقه صداع إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وأكب رَأسه حِينَئِذٍ على طبيخ مرزنجوش ألف هـ ونمام وَطَعَامه فَلْيَكُن سلق مَعَ زَيْت وَحب الرُّمَّان وَلَا يكثر الطَّعَام فتطول الْحمى وَلَا يلطغه جدا لِأَنَّهَا طَوِيلَة وَإِن صَعب الْبرد فاطلبه فِي بَاب النافض فَإِن لم تكن الْمَادَّة كَثِيرَة الغلظ فالسكنجبين نَافِع وَإِن كَانَت غَلِيظَة فضار وَاحْذَرْ المَاء الْبَارِد لِأَنَّهُ يغلظ الْمَادَّة فَيطول الْحمى وَالْمَاء الْحَار نَافِع جدا ويسكن الْعَطش فِيهَا فَإِن لكم يجِئ الْقَيْء فاستدعه بالعجل والشبث والسكنجبين وَبعد الْقَيْء أعْطه طبيخ الأنيسون)
ومصطكي ونعناً وصير طَعَامه فِي وَقت سُكُون الْحمى ولتكن معدته خَالِيَة فِي وَقت النّوبَة وَيكون بَين الطَّعَام والدور مَا أمكن من الطول وَغير مَاءَهُ بسكنجبين على قدر الْحَاجة إِلَى أَرْبَعَة عشر يَوْمًا فَإِن جَاوَزت فَاسق مَاء الرازيانج والكرفس وأقراص الْورْد والجلنجبين وطبيخ الغافث وَالْأُصُول والبزور وَإِن أزمنت فطبيخ الصعتر والزنجبيل والفوذنج والورد نَافِع. وَالْحمام نَافِع فِي هَذِه الْعلَّة إِذا كَانَت الْقُوَّة مُمكنَة وَشرب بِمَاء حَار وَلَا(4/473)
يطعم فروجاً حَتَّى تَنْتَهِي الْحمى إِلَى أَن تضعف جدا ولطف التَّدْبِير إِلَى السَّابِع أَو إِلَى الرَّابِع عشر فَإِن لم تنقص فغلظ التَّدْبِير لتبقى الْقُوَّة وَإِن ظهر فِي الْوَجْه تهبج فأعطه دَوَاء الْقسْط. وَهَذِه قرصة نافعة: أنيسون ساذج اسارون افسنتين سنبل دِرْهَم دِرْهَم صَبر أَرْبَعَة غافث ثَلَاثَة بزر كرفس دِرْهَم عصارة أفسنتين دِرْهَم يتَّخذ قرصاً بِمَاء الكرفس ويسقى بِمَاء الرازيانج والكرفس وَجُمْلَة الملطفة إِلَّا أَن الْحَرَارَة كَثِيرَة فَعِنْدَ لَك اسْتعْمل من الملطفة مَا لَا يسخن كالسكنجبين وَنَحْوه. وَإِذا كَانَت بَارِدَة خَالِصَة فأقدم على الدَّوَاء الكبريت والترياق والفلافلى والكمونى والنانخواة وَحده والفودنج والأنيسون.
قَالَ فِي أزمان الْأَمْرَاض: هَذِه رُبمَا ابتدأت مَعَ برد وَرُبمَا ابتدأت بِلَا برد محسوس وصعودها أطول من صعُود الغب وَيكون فِي الغب وَقت التزيد وَقْفَة على حَال وَاحِدَة ثمَّ تتزيد حَتَّى تبلغ نهايتها وَكَذَلِكَ يكون لَهَا فِي التنقص وَقْفَة ثمَّ تَأْخُذ فِي التنقص حَتَّى يَنْتَهِي تنقصاً. الْيَهُودِيّ قَالَ: صَاحب هَذِه أبدأ مصفار مخضار لِأَنَّهُ لَا ينقى مِنْهَا ومبدأها بِبرد كثير الرَّعْد لَا يدفأ بدثار وَلَا غَيره ويظن أَنه جَالس فِي ثلج لشدَّة الْبرد وَكَأن ثِيَابه مبلولة وتصطك أَسْنَانه حَتَّى لَا يفهم كَلَامه من النافض والرعدة وَيطول مكث الْبرد والرعد وَيبدأ يسخن بعد كد رويداً ألف هـ رويداً ثمَّ يطول لبث حرهَا وَمَعَهَا غثى شَدِيد وقيء وَيكثر النّوم وتعتريه شَهْوَة الطَّعَام عِنْد ترك الْحمى وَالْبَوْل أَبيض رَقِيق وَمن غَد أَحْمَر غليظ كثير الثفل وَجُمْلَة يَتلون مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا.
واللازمة يعرض لصَاحِبهَا مَعَ شدَّة الْحَرَارَة أَن يكون مجسته ندية وَيكثر بصاقه ويعتريه نِسْيَان وسبات وَلَا يعطش الْبَتَّةَ وبوله خاثر أَحْمَر.
علاجهم قَالَ: اِسْقِهِمْ على نَحْو مَا ترى مَاء الشّعير مَعَ فلفل أَيَّامًا ثمَّ أسهلهم بعد أَيَّام بحب الصَّبْر وشحم الحنظل وعلك الرّوم والخربق واسقه بِالْغَدَاةِ قرصين من أَقْرَاص الأفسنتين بِمَاء الكرفس وبالليل قرصين من أَقْرَاص السنبل إِذا طَالَتْ فألزمهم الْقَيْء بِالْغَدَاةِ وَلَا تطعمهم حَنى تَنْقَضِي الْحمى ويسقى فِي وَقت النافض مَاء حاراً ويتعرقون بِمَاء التِّين الْمَطْبُوخ فَإِذا نقص النافض)
تقيأوا ذَلِك المَاء وَلَا ينَام فِي وَقت النافض.
ابيذيميا: الحميات الَّتِي تنوب فِي كل دور من أدوار الْفلك مرّة بِاللَّيْلِ نَائِب أَو بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا بلغمية.
من كناش غَرِيب تَدْبِير للحمى الكائنة من بلغم غليظ لزج مزمنة: عصارة غافث ثَلَاثَة دَرَاهِم راوئد صيني مِثْقَال زراوند طَوِيل أنيسون بزر رازيانج بزر كرفس دِرْهَم من كل وَاحِد سنبل الطّيب مصطكي لَك مغسول من كل وَاحِد دِرْهَم وَنصف ورد منزوع الأقماق جنطيانا رومي من كل وَاحِد ثَلَاثَة دَرَاهِم يقرص ويسقى مِنْهُ دِرْهَم بِهَذَا الطبيخ: أصُول أذخر سَبْعَة دَرَاهِم قشور أصل الكرفس أنيسون والرازيانج والكرفس عشرُون أفسنتين أَرْبَعَة حشيش غافث أَرْبَعَة بزر الرازيانج بزر الكرفس أنيسون بزر الكشوث من كل وَاحِد مِثْقَال(4/474)
مصطكي سنبل الطّيب من كل وَاحِد دِرْهَم زَيْنَب منزوع الْعَجم ثَلَاثُونَ درهما يطْبخ بِخَمْسَة أَرْطَال مَاء حَتَّى يبْقى رَطْل وَربع ويسقى مِنْهُ قرصة بِعشْرين درهما من هَذَا المَاء وادلك فقار الظّهْر والموضع الَّذِي يبرد بِأَن تُؤْخَذ ميعة سَائِلَة خَمْسَة دَرَاهِم قسط مر دِرْهَم تذاب الميعة مَعَ عشرَة دَرَاهِم من دهن زنبق ويلقى عَلَيْهِ قسط مر ويدهن بِهِ.
لي هَذَا الْقَرْض جيد إِذا أزمنت الْحمى وغلظت الأحشاء وَمَتى غلبت الْبُرُودَة فَاسق الْحمى الْأُصُول والبزور وَإِن كَانَ مَعَ حر فماء الهندباء.
جورجس: إِن كَانَت الْقُوَّة فِي هَذَا مُحْتَملَة فاقطع السَّبَب المهيج للحمى وعلاجه الفاخر حب الصَّبْر ومصطكي وتريد إهليلج يسهل بهَا ونقيع الصَّبْر وَنَحْو ذَلِك ثمَّ بأقراص الغافث ألف هـ وأقراص الْورْد وقوّ الْمعدة بدهن ناردين وَغَيره.
البحران: 3 (الْفرق بَين البلغمية وَالْغِب) سهل لِأَن هَذِه لَا تبتدئ نوائبها بنافض فَإِذا تمادت بهَا الْأَيَّام عرض فِي بعض نوبتها برد فِي ظَاهر الْبدن وأطرافه لَا نافض صَحِيح وَاخْتِلَاف النبض شَدِيد وَيفْسد نظامه فِي وَأول النّوبَة وَيبقى من ذَلِك اخْتِلَاف صدراُ فِي التزيد أَيْضا وَلَا يُوجد فِي النبض سرعَة وَعظم وَلَا الْقُوَّة الْمَوْجُودَة فِي الغب وَلَا الالتهاب وَلَا الْعَطش وَلَا طرح الثِّيَاب وتواتر النَّفس والنفخة الحارة وَطلب الْبَارِد لَكِن الْعَطش فِيهِ أقل مِنْهُ فِي جَمِيع الحميات وَالْبَوْل فِيهِ مُنْذُ أول يَوْم كبول الرَّابِع وَلَا يكَاد الْمَرِيض يعرق فِي الْأَيَّام الأول فَإِذا تطاولت الْأَيَّام فقد يكون ذَلِك وَهِي إِلَى الرّبع أقرب وَالْفرق بَينهمَا أَكْثَره فِي النبض وَإِنَّمَا يُوقف عَلَيْهِ وقوفاً صَحِيحا من معرفَة النبض فِي الصِّحَّة وَبَينهمَا فرق فِي النابض وَفِي الْأَسْبَاب الَّتِي من خَارج وَذَلِكَ إِن فِي هَذِه يكون المزاج رطبا وَالتَّدْبِير فيهم وَأكْثر من تعرض لَهُم الصّبيان وَلَا يكَاد يتَّفق إِلَّا مَعَ ألم فِي الْمعدة أَو فِي الكبد وتتقدمه تخم كَثِيرَة وإبطاء فِي الهضم وجشاء حامض وَإِذا ابتدأت هَذِه الْحمى فَلَا بُد أَن ينتفخ ويعظم مَا دون الشراسيف أَكثر مِمَّا كَانَ فِي الصِّحَّة وَكَثِيرًا مِمَّا كَانَ فِي الصِّحَّة وَكَثِيرًا مَا ترفق وتتمدد. وَيكون لون الْمَرِيض بَين الصُّفْرَة وَالْبَيَاض ويعين على حدوثها الْوَقْت والبلد الرطب.
لي لم يذكر غير هَذَا وَيَنْبَغِي أَن نتممه نَحن بِأَحْسَن مَا يكون: البلغمية الدائمة مُنَاسبَة للفترة إِلَّا أَنَّهَا لَا يتَقَدَّم نوائبها برد كَمَا يتَقَدَّم فِي المقلعة وَلَا يعقبها عرق وَلَا قيء والخلط الْفَاعِل لَهما وَاحِد إِلَّا أَنه فِي الْمُفَارقَة منتشر فِي الْبدن كُله وَفِي الدائمة هُوَ مَحْصُور فِي جَوف الْعُرُوق وكلتاهما طويلتان.
قَالَ: وَمن البلغم الزجاجي الشَّديد الْبرد تكون النّوبَة إِذا عفن كل يَوْم ونافض البلغمية إنمايكون بَارِدًا لَا مرعداً وطويلاً وتعسر سخونة الْبدن مَعَه.
فليغريوس فِي شِفَاء الأسقام: انفض فِي البلغمية بحب القوقايا ثمَّ عَلَيْك فِيهَا وَفِي مَا طَال من الحميات بدواء الفودنج فَإِنَّهُ يسخف الْبدن كُله ويطرد الْحمى الْبَتَّةَ بعد الِانْتِهَاء.(4/475)
أطهور سفس: إِذا شَرط إِذن حمَار وَشرب من الدَّم الَّذِي يسيل ثَلَاث قطرات أَو أَربع بآوقيتين من مَاء نفع من حمى البلغم ألف هـ وَذَلِكَ قبل وَقتهَا بساعة.
جَوَامِع اغلوقن: نافض الْحمى البلغمية يكون تَارَة كبرودة الثَّلج غير مفتر كَمَا يكون نافض الغب ونافض الغب لَا يحس بالبرد مَعَه وَإِنَّمَا هُوَ لذع فَقَط يُوجد على الْأَكْثَر فِي الْحمى)
البلغمية فَم الْمعدة يعتل لِأَن البلغم هُوَ فضل الطَّعَام الَّذِي يستمرثه الْمعدة والبلغمية لَيْسَ فِي انحطاطها عرق للزَّوْجَة البلغم وغلظه ويستدل عَلَيْهَا من السن والمزاج وَالْوَقْت والبلد والشدة الْمُتَقَدّم والراحة والتخم وَالْحمام الْكثير بعقب الطَّعَام وتوجع الْمعدة وَقلة الْعَطش ورطوبة اللِّسَان وَالْبدن كُله وفترتها لَا تنقى وحرارتها رطبَة وَمَعَ رطوبتها حرارة بِسَبَب اللعفونة وحرارتها تتبين بعد مُدَّة طَوِيلَة بالملمس والنبض أَصْغَر كثيرا من النبض الرَّابِع وَلكنه أَشد تواتراً وتواتره إِنَّمَا أَتَى من كَثْرَة صغره وصغره إِنَّمَا أَتَى من ثقله على الْقُوَّة لِكَثْرَة مِقْدَاره وَذَلِكَ أَن الَّذِي يفوت النبض من كبره لَا بُد أَن يسترجع بالتواتر وَالْبَوْل فِيهَا مرّة أَبيض رَقِيق وَمرَّة أَحْمَر غليظ كدر وفيهَا قيء بلغمي دَائِم وَلَا تكون فتراتها بعرق وَلِهَذَا لَا يَنْفِي الْبدن فتراتها كَمَا يَنْفِي فِي الغب وَالرّبع وَتعرض كثيرا للشيوخ وَالصبيان لِكَثْرَة الرُّطُوبَة فيمَ إِمَّا للشيوخ فلقلة هضمهم وللصبيان لنهمهم وتضعف مَعهَا الْمعدة لِأَن الْمعدة تضعف لغَلَبَة البلغم وَهَذِه الْحمى تكون عَن كَثْرَة البلغم وَلَا تكَاد تكون فتراتها نقية وَرُبمَا كَانَت فِي الندرة نقية وَذَلِكَ إِذا كَانَ قَلِيلا رَقِيقا وَالْبدن مَعَ ذَلِك متخلخل والنبض فِيهَا أَصْغَر مِنْهُ وَالْغِب كثيرا جدا إِلَّا أَنه أَشد تواتراً مِمَّا فِي الغب لما ذكرنَا وَأما فِي الإبطاء فنبض البلغمية كنبض الرّبع وَلَا يعطش فِيهَا كثير الْعَطش أَو لَا يكَاد يعرض لِأَنَّهُ لَا حر فِيهَا وَلَا يبس مثل الغب وَلَا يبس كالربع بل مَعهَا ضد ذَلِك أَعنِي الْبُرُودَة والرطوبة لِأَن لَهَا بردا وَالْبَوْل مرّة رَقِيق أَبيض وَمرَّة ثخين أَحْمَر كدر ورقته بِسَبَب السدد وبياضه لغَلَبَة البلغم وَضعف الهضم وثخونته وغلظه فِي وَقت آخر فَلِأَن الطبيعة إِذا دفعت تِلْكَ السدد خرج ذَلِك المحتبس وَيكون قد عفن بطول مقَامه وللطبخ فاكتسب حرارة توجب حمرَة وَهَذِه الْحمى خطرة لطولها غير مريحة وَلِأَنَّهَا تضعف فَم الْمعدة فَيحدث لذَلِك غثي وَسُوء هضم وَقلة شَهْوَة وَفَسَاد الاستمراء فَكل هَذِه يضر بِالْقُوَّةِ وَمِقْدَار مَا يرى من حَرَكَة الْحمى فِيهَا كَذَا يكون قصر مدَّتهَا وبالضد. وَلَا يُطلق ألف هـ فِيهَا الْحمام قبل النضج لِأَنَّهُ يحل الْمَادَّة وَلَا تنْحَل عَن الْبدن فَتحدث سدة وتفسد أَيْضا الأخلاط غير الْفَاسِدَة فَإِذا نضجن فَاسْتعْمل الْحمام وَالشرَاب بعد النضج ينْتَفع بِهِ فِي هَذِه الْعلَّة من وُجُوه: فِي النائبة كل يَوْم بعد أَن تجوز ثَلَاثَة أَيَّام أَو أَرْبَعَة أَو أَكثر فابدأ بسقي مَا يلطف الْمَادَّة ويخرجها وَلَا تسقه من أول يَوْم لِأَن الحمي إِذا واظبت أَيَّامًا كَانَ الإستفراغ بعد ذَلِك أسهل لِأَن الْخَلْط يرق أَكثر مِنْهُ فِي الِابْتِدَاء واستفرغ الأخلاط فِيهَا بسكنجبين وبالمدرة للبول فَإِذا بلغت هَذِه مُنْتَهَاهَا فاعتن بالمعدة وخاصة بفمها)
وَليكن ذَلِك بِكَثْرَة الاستفراغ للبلغم وتقطيعه وبأضمدة تقوى الْمعدة وَيَنْبَغِي أَن تضعها موضعهَا وَإِلَّا ضرت.(4/476)
الطيرى: هَذِه تهبج الْوَجْه وتنفخ الطحال وَلَا يقرب فِيهَا دهن فَإِنَّهُ يفْسد تحليلها بل المَاء الْحَار يحللها.
ابْن سرابيون: لَا يسْقِي فِيهَا مَاء بارداَ فَإِنَّهُ يطولها بل اسْقِ مَاء حاراً فَإِنَّهُ ينقص مدَّتهَا ويسكن الْعَطش وَلَيْسَ مَعهَا فِي الِابْتِدَاء عرق لغلظ البلغم فَإِذا ظهر عرق فقد قرب انتضاؤها وَاسْتعْمل فِيهَا المسخنة بِحَسب مَا ترى.
قَالَ: واستفرغهم بحب الصَّبْر وقيئهم واسقهم مَاء الْأُصُول وَغلظ التَّدْبِير إِلَى الْمُنْتَهى فَإِنَّهَا طَوِيلَة ثمَّ لطفه عِنْد الْمُنْتَهى فَإِن حدث فِي الْوَجْه ترهل فاسقه أقراصاً معمولة من البزور الَّتِي تسقى لوجع الكبد والفوة واللك وودواء الكركم فَإِن طَالَتْ بِأخرَة فَاسق طبيخ البزور الحارة وأعطه الكموني والترياق وَإِن زكنت إِن هَذِه الْحمى عَن احتراق دم فافصده وَإِن كَانَ أسود فَأخْرجهُ بِلَا زحمة وَإِن كَانَ أَحْمَر رَقِيقا فاحبسه لِئَلَّا تضعف الْقُوَّة وَلَا ينْتَفع العليل بِهِ وَإِذا ظهر النضج فأسهل بخربق أسود وأسطو خودوس وَالْحجر الأرمني والبسبايج والأفيثمون وَقبل ذَلِك فَاجْعَلْ الأغذية ملطفة قَلِيلا محللة للنفخ وَإِن لم تلين الْبَطن تَلْيِينًا معتدلاً بالأغذية فلينها بالشيافات والحقن اللينة وَلَا يستحم البته قبل النضج وَيسْتَعْمل الدَّلْك والقيء وَعند الْمُنْتَهى فلطف التَّدْبِير وَاسْتعْمل السّكُون فَإِذا انحط فأعط دَوَاء الحلتيت واعتن فِي آخرهَا بالطحال والكبد بأقراص مُوَافقَة لَهَا وبدواء الكركم وَإِن طَالَتْ جدا وَظهر أَنَّهَا ممازجة للبلغم فَاسق هَذَا الْمَطْبُوخ بعد النضج بِزَمَان طَوِيل: ناتخواة زنجبيل كرفس أنيسون سنبل يطْبخ ويسقى مَاؤُهُ.
الخوز قَالَت: أَجود مَا يَقع فِي ألف هـ مَاء الْأُصُول للحميات الْإِذْخر لِأَنَّهُ يُقَوي الْمعدة والأفسنتين.
بختيشوع: 3 (أَجود الأغذية للبلغمية) مَاء حمص بكمون وزيت وشبث. قسطاً من كِتَابه فِي البلغم قَالَ: شرب المَاء الْحَار وَحده فِي ابتدائها خير من أَن ينضج بسكنجبين وَيَنْبَغِي أَن يشرب السكنجبين بِمَاء حَار غدْوَة فَإِذا بَدَت النّوبَة وأحس بهَا فليشرب مَاء حاراً وَحده فَإِذا نقص البد وسخن الْبدن وَجَاء الكرب شررب السكنجبين بِمَاء بَارِد ويغذى ببوارد متخذة من سلق ومرى وخل وزيت مغسول وَبعد النضج يسقى أَقْرَاص الْورْد مَعَ السكنجبين ويسقى شرابًا ريحانياً بعد الطَّعَام بمزاج للْوَاحِد خَمْسَة دَرَاهِم وتلين طَبِيعَته إِن احْتَاجَ بأيارج وأغاريقون ويخص فِي هَذِه الْحمى الكرفس المربى والكشوث والهندباء والرازيانج.(4/477)
(الرّبع وَالْخمس) (وَالسُّدُس والسبع والحميات الْمُخْتَلفَة اسْتَعِنْ بَابا النافض) الثَّانِيَة من بالبحران: قد بيّنت فِي كتاب غير هَذَا أَن الرّبع يكون إِذا كثرت السَّوْدَاء وغلبت فِي الْبدن ونافض الرّبع يحس فِيهِ بِبرد قوي كبرد الشتَاء وَلَيْسَ تبتدئ من أول يَوْم بنافض قوى لكنه يُقَوي ويتزيد بِحَسب تزيدها على الْأَيَّام وَلَيْسَ يُوجد فِي نافضها الْبدن يحس بنخس لَكِن بِشَيْء كبرد ورض يصل مِنْهُ ألم إِلَى الْعِظَام فقد سمع أَصْحَاب هَذِه الْحمى يَشكونَ الوهن فِي عظامهم والرض فِي لحومهم والنبض فِي أول نوائبها ذُو صغر ضعف والإبطاء والتفاوت فِي حَال عَظمَة وَلَا تُوجد فِي غَيرهَا من الحميات حَتَّى أَنه يخيل إِلَيْك أَن الْعرق مشدود يجذب إِلَى دَاخل وَيمْنَع أَن يرْتَفع وَيبعد فِي هَذِه الْحَال عَن الْحَال الطبيعية بعدا أَكثر حَتَّى أَنه يَجْعَل نبض الشَّبَاب كنبض الشَّيْخ الْكَبِير جدا.
وَقَالَ: قد قلت أَنه لَيْسَ يشبه شَيْء من هَذِه الْحمى فِي ابتدائها ابْتِدَاء الغب لَا نافضها وَلَا نبضها والآن كنت عرفت نبض الْمَرِيض فِي صِحَّته فَلَيْسَ يحْتَاج فِي الدّلَالَة على الرّبع إِلَى عَلامَة أخري الْبَتَّةَ لِأَن انقلاب النبض فِي ابْتِدَاء هَذِه الْحمى إِلَى التَّفَاوُت والإبطاء يكون مفرطاً جدا.
وَقد حضرت قوما كنت أعرف نبضهم فِي حَال الصِّحَّة حموا حمى ربع فَقضيت عِنْدَمَا جستت الْعرق على الْمَكَان أَنه لَا يُمكن أَن يكون هَذَا الِابْتِدَاء لغير الرّبع وَكَانَ كَذَلِك فَأَما أَنْت فَإِن خالطك ألف هـ شكّ فَاسْتَعِنْ بالأشياء الْأُخَر وبالنظر فِي الْوَقْت فَإِن الخريف الْبَالِغ فِي الْبرد واليبس الْمُخْتَلف المزاج يعين على هَذِه والمختلف المزاج هُوَ أَن يكون اللَّيْل فِيهِ شَدِيد الْبرد)
وَالنَّهَار شَدِيد الْحر وبالنظر فِي الْبَلَد وَالتَّدْبِير والحميات المارضة وَانْظُر هَل فِي الطحال غلظ وَهل كَانَت عرضت لَهُ قبل ذَلِك حميات مختلطة وَهل الْحَال فِي تزيد حماه وبلوغه مُنْتَهَاهَا بضد الْحَال فِي الغب فِي حَرَكَة الْحَرَارَة الغريزية ضد مَا يجْرِي عَلَيْهِ الْأَمر فِي الغب وَمن لم يفرق بَين الغب وَبَين الرّبع فِي أول يَوْم فَلَيْسَ من الطِّبّ فِي شَيْء.
قَالَ: فَبِهَذَا الطَّرِيق تعرف الرّبع الْخَالِصَة الدائرة فَأَما اللَّازِمَة الْمُنَاسبَة لَهَا أَعنِي الَّتِي تشتد ربعا وَلَا تقلع فَإِنَّهُ لن يعسر تعرفها من أول نوبَة على من ارتاض فِي تعرف الدائرة رياضة جَيِّدَة فَأَما فِي النّوبَة الثَّانِيَة فَلَيْسَ يعسر ذَلِك على من لَيست لَهُ رياضة محكمَة فضلا عَن غَيره.(4/478)
قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّك إِذا رَأَيْت عَلَامَات الرّبع وَلم تقلع علمت أَنَّهَا لَازِمَة وَذَلِكَ أَنَّك تَجِد جَمِيع علاماتها ثَابِتَة خلا أَنه لَا نافض فِيهَا وَلَا يعقبها عرق قَالَ: مَتى كَانَت الْحمى تتولد من السَّوْدَاء ثمَّ كَانَت تِلْكَ السَّوْدَاء متحركة فِي جَمِيع الْبدن فالحمى ربع خَالِصَة دَائِرَة إِن كَانَت محصورة فِي جَوف الْعُرُوق فَهِيَ ربع لَازِمَة وَلَا فرق بَينهَا وَبَين الدائرة إِلَّا فِي هَذِه الْحَالة.
لي وتفقد أزمان النوائب فَإِن بَينهَا فِي ذَلِك الْوَقْت فرقا كَبِيرا من ذَلِك أَن ابْتِدَاء الغب يُخَالف ابْتِدَاء الرّبع فِي النبض جدا وتخالف البلغمية فِي الصعُود وَذَلِكَ أَن صعودها أقصر وقتا من وَقت صعُود البلغمية وَنَحْو ذَلِك وَمَا يخص حماه فِي كل وَقت ينْقل إِلَى هَذَا الْموضع وتفقد جملَة زمَان النّوبَة فَإِن الغب أقصرها وَالرّبع أطولها والبلغمية فِيمَا بَينهمَا فعلى هَذَا لَا يفوتك مَعْرفَتهَا فِي أول يَوْم.
3 - (جَوَامِع البحران)
تعرف حمى ربع من الْأَسْبَاب الَّتِي تجمع مادتها وَمن الْأَشْيَاء الَّتِي تثبت نوعها أما من الجامعة مادتها فالبلد الْبَارِد الْيَابِس ورقت الخريف وَسن الكهول وَالتَّدْبِير ألف هـ المولد للسوداء والمزاج السوداوي وَضعف الطحال وَأما المقومة لنوعها فالنافض مَعَ التكسير الشَّديد الَّذِي كَأَنَّهُ يرض الْعِظَام والنبض المتفاوت وَالصَّغِير البطيء جدا الْبَاقِي على ذَلِك مُدَّة طَوِيلَة فِي الِابْتِدَاء وَعظم الطحال والحميات المختلطة.
لي من هَهُنَا تعلم أَن الرّبع طَوِيلَة الِابْتِدَاء بِالْإِضَافَة إِلَى الغب لِأَن هَذَا النبض إِنَّمَا يكون فِي الِابْتِدَاء.
قَالَ: تعرف 3 (الرّبع اللَّازِمَة) من دُخُول الْأَشْيَاء الجامعة لمادتها والأسباب الجامعة لمادتها الْأَسْبَاب المقومة لنوعها ثمَّ لَا تفتر وَلَا تبتدئ بنافض وَلَا تقلع باستفراغ محسوس.
من الثَّانِيَة من الحميات: نافض الرّبع كَأَنَّهُ ينفض الْأَعْضَاء.
لي يُرِيد أَن نافض الرّبع يبرد الْأَعْضَاء بِخِلَاف الغب الَّتِي تنخس وَلَا تبرد وَلَا فترات الرّبع يكون فِيهَا الْبدن نقيا كَالصَّحِيحِ والنافض يعرض مَعَه شَبيه بِمَا: يعرض لمن أَصَابَهُ برد شَدِيد من برد الْهَوَاء لَا يشبه بِمَا يعرض إِذا وضع على القرحة دَوَاء حَار وكما يعرض فِي حر الشَّمْس وَيجب ضَرُورَة أَن تتقدم الرّبع مَا يجمع السَّوْدَاء.
قَالَ: وَقد تطول نوبَة الغب شَبِيها بطول نوبَة الرّبع وَرُبمَا كَانَت أطول مِنْهَا وَهِي بعد ربع خَالِصَة.
قَالَ: وتقصر الرّبع بعد وتطول بِحَسب حَال الْخَلْط فِي الرقة والغلظ وَالْكَثْرَة والقلة وَحَال الْبدن فِي السخافة والكثافة وَالْقُوَّة والضعف.
قَالَ: والخلط السوداوي إِن لم يعفن ويتحرك حَرَكَة شَدِيدَة حَتَّى يمر بالعضل المكلبس على الْبدن لم يحدث دور ربع(4/479)
لي على مَا رَأَيْت فِي الثَّالِثَة من تقدمة الْمعرفَة: إِذا رَأَيْت بعض الحميات النائبة قد خلطت فِي نوائبها وخشيت أَن تنْتَقل إِلَى ربع فانفض الْبدن بِمَا يستفرغ سَوْدَاء مَرَّات ولطف بِمَا لَا يسخن)
كالسكنجبين الْمَعْمُول بالبسبايج والأفيثمون والخربق الْأسود وَالْحجر الأرمني.
من أزمان الْأَمْرَاض: الرّبع قَلما تكون مطبقة وَفِي الْأَكْثَر تكون نائبة وفتراتها نقية.
لي من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة قَالَ: لما حم اوديمس وَلم اكن أعرف نبضة حدست من نبضه أَن حماه ربع وَلَو كنت قد عرفت مِقْدَاره فِي حَال الصِّحَّة لأثبت الْقَضَاء عَلَيْهِ لكنه عل حَال بِأَن فِي الْحس شَيْئا ألْقى فِي نفس أَنَّهَا حمى ربع وَكَانَ كَذَلِك وَاتفقَ الْأَطِبَّاء على أَن يَأْخُذ ألف هـ الترياق سحرًا فِي الْيَوْم الَّذِي يتَوَقَّع لَهُ النّوبَة وَكَانَت تَجِيء فِي السَّاعَة فَقلت أَن الترياق بِضعْف حماه لِأَن مَرضه لم ينضج وَإِن اسْتعْمل الترياق وَنَحْوه فِيمَن فِي بدنه اخْتِلَاط رَدِيئَة غير نضيجة وخاصة فِي ابْتِدَاء الشتَاء أمكنه أَن يشوش تِلْكَ الأخلاط وَلم يُمكنهُ أَن ينضجها ويفشيها فَسَقَاهُ الْأَطِبَّاء مِنْهُ مَرَّات فأفسدت حماه ونابت أُخْرَى أَيْضا ربع الرَّابِعَة من طيماوس: حمى ربع تكون من سَوْدَاء وَلذَلِك تحْتَاج إِلَى مُدَّة من الزَّمَان طَوِيلَة حَتَّى تنضج فَإِن حرك قبل النضج بالأدوية المحركة نَحْو دَوَاء الحلتيت وَنَحْوه تحريكاً صَار أَشد أردأ مِمَّا كَانَ فَإِن أحسن التَّدْبِير حَتَّى ينضج نضج على طول الْمدَّة وتدبيره إِن يَعْنِي بِالْمَشْيِ المعتدل وَالرُّكُوب والاستحمام والأغذية السريعة الهضم الجيدة الْخَلْط وَاحْذَرْ أَن يُصِيبهُ حر أَو سهر وَأَشد مِنْهَا التخم وَفَسَاد الهضم وَالْجِمَاع فدبره هَكَذَا إِلَى أَن ينضج.
لي قد ذكرت مَا يَعْنِي بالدواء المحرك فِي الإسهال فِي ابْتِدَاء الحميات وَهِي الْأَدْوِيَة المضادة للسوداء بالطبع لَا مِمَّا يسخن بِقُوَّة وكد كالحلتيت وَنَحْوه فَإِن هَذَا مَتى استعملته قبل النضج جعلت الْحمى مضاعفة.
الأول من السَّادِسَة من أبيذيميا: حميات الرّبع إِذا ابتدأت ولزمت نظامها فَإِنَّهَا تحدث حميات مختلطة.
السَّادِسَة من السَّادِسَة من أبيذيميا قَالَ: مت لم يكن خطأ من الْمَرِيض وَلَا من الطبي وَلَا من خَارج فَلَا يطول الرّبع أَكثر من سنة.
من الثَّانِيَة من المجونات: مر أَرْبَعَة فلفل أَبيض دَار فلفل اثْنَان اثْنَان أفيون جندبادستر قردمانا أَرْبَعَة أَرْبَعَة سكبينج دِرْهَم يقرص ويسقى قرص فِيهِ أَبُو لوسين ويسقى للحميات الطَّوِيلَة وَالرّبع آخر: حلتيت وفلفل وَمر وورق الذاب بِالسَّوِيَّةِ يعجن وَيسْتَعْمل كَالَّذي قبله.
الْيَهُودِيّ: الرّبع تبتدئ بِبرد شَدِيد وبطؤ السخونة ثقيل على الْبدن وَالْعِظَام قوى التمطئ)
والتثاؤب فالعرق فِيهَا قَلِيل.(4/480)
قَالَ: احمه قبل النّوبَة بساعتين ثمَّ أطْعمهُ إِن شَاءَ طَعَاما يَسِيرا ثمَّ أعْطه الدَّوَاء فَإِنَّهُ يعرقه عرقاً كثيرا فتقلع حماه.
الطبرى: مَا كَانَ مِنْهَا بعقب غب فَهُوَ من احتراق صفراوي وبعقب بلغم قعن احتراقه. وَقد يكون عَن احتراق دم غليظ وبعقب امتلاء فَيخرج الدَّم من الدموية وَيسْتَعْمل الإسهال فِي الصفراوية وَيسْتَعْمل الحتيت والفلفل فِي البلغمية.
من بعض كتب الْهِنْد: ينفع الرّبع أَن يبخر بِجُزْء السنانير وَأَن يهجم عَلَيْهِ قوم بسيوف وَترسل حيات منزوعة الأنياب ويتملؤ من الطَّعَام ويتقيأ.
ألف هـ لي جَمِيع عَلَامَات الرّبع تقدم الحميات المختلطة والأمراض السوجاوية وَالزَّمَان والمزاج وَالتَّدْبِير المشاكل لذَلِك وَحَال الحميات الْوَارِدَة فِي ذَلِك الْوَقْت والنافض البطيء السخونة والثقيل المكثر للطعام الثقيل النافض وَأَن يسخن بكد طَوِيل فَإِذا سخنت امتدت السخونة وَشدَّة أهرن: هَذِه طَوِيلَة فأعطه أَولا فِيهَا أغذية فِيهَا الغلظ كَاللَّحْمِ خلا الغليظ مِنْهُ وَجَمِيع الْأَطْعِمَة الغليظة فَلَا تعطه مِنْهَا شَيْئا بل المتوسطة فَإِذا رَأَيْت النضج بَدَأَ فِي الْبَوْل فلطف التَّدْبِير قَلِيلا قَلِيلا وَلَا تعالجه بالأدوية الحارة فِي الِابْتِدَاء طَمَعا فِي أَن تفتح السدد فَإنَّك لَا تفتحها وتشتد الْحمى بذلك فَإِذا انهضم نعما فأعطه الترياق والفلافلى والسجرتيا وجوارش الكموني والأنجدان ودواء الكبريت.
وَإِن رَأَيْت أَن السَّوْدَاء الَّتِي عَنْهَا الْحمى كَانَت عَن احتراق دم فافصد فِي أوائلها الباسليق أَولا من الْيَد الْيُسْرَى وَكَذَلِكَ من كَانَت بِهِ من احتراق صفراء.
لي هَؤُلَاءِ يجب أَن يسهلوا بِمَا يخرج الصَّفْرَاء الْمُحْتَرِقَة والسوداء.
قَالَ: وَقد يكون ذَلِك الْفضل الْأسود من احتراق بلغم.
قَالَ: ويعالج من بِهِ ربع مُلَازمَة بالأدوية المعتدلة فِي الْحر وَالْبرد الملطفة كالسكنجبين والجلنجبين وَمَاء الرازيانج والكرفس وَمَاء الْأُصُول والأغذية المعتدلة الَّتِي فِيهَا برد لِأَن مَعَ هَذِه الْحمى حرارة أَكثر لِأَنَّهَا دَاخل الْعُرُوق وخاصة إِن أعَان على ذَلِك الزَّمَان والمزاج وَأما المفترة وَهِي مَا كَانَ مِنْهَا خَارج الْعُرُوق فامرخ صَاحبهَا بعد الهضم بآدهان حارة ملطفة فَإِن اسْتَطَعْت أَن لَا تُؤْكَل صَاحبهَا يَوْم النّوبَة شَيْئا فافعل وَمَعَ ذَلِك فقيئة أَحْيَانًا قبل الطَّعَام بفجل وسكنجبين وَنَحْوه)
وَأَحْيَانا بعد الطَّعَام. وَإِن رَأَيْت فِي الْبَوْل هضماً تَاما فَعَلَيْك بأدوية حارة إِلَّا أَن يكون الزَّمَان والمزاج حارين جدا وعالج النائبة فِي كل خمس بعلاج حمى الرّبع فَإِنَّهَا من جِنْسهَا وعلاجهما وَاحِد وألح عَلَيْهِ بِمَا يدر الْعرق كالحمام وَلَا يكثر صب المَاء بل يتعرق ومرخه بأدهان حارة لَطِيفَة وعالج المختلطة الَّتِي لَا يعرف لَهَا وَقت نوبَة وَلَا تلْزم بعلاج الرّبع وبالفصد خَاصَّة إِن ساعدت الْقُوَّة.
لي رَأَيْت ألف هـ عُمُوم ربع لَا تنفض البته بل تبتدئ بحرارة شَدِيدَة فَقَط وأحسب أَن هَذِه ربع لَازِمَة.(4/481)
الْإِسْكَنْدَر: الرّبع تكون من صفراء محترقة وَمن بلغم مالح يَابِس وَمن سَوْدَاء خَالِصَة وَمن عكر الدَّم وَمن ورم الطحال.
قَالَ: فعالج الرّبع التيى من احتراق صفراء بِمَاء يبرد ويرطب وخاصة إِن شهِدت لَك الْأَسْبَاب الملتهبة وأعطه بطيخاً وخوخاً وهندباء وخساً وَجُمْلَة فعالجه بعلاج الغب.
وَقَالَ: وَقد أَخطَأ جالينوس إِذْ عالجها كلهَا بِمَا يسخن.
قَالَ: وَالرّبع الَّتِي من برودة فابدأ قبل وَقت النافض بِمَا يدْفع النافض ويعرق فَإنَّك توهن النافض والصالب يضعف إِذا ضعف النافض وأسهله وَأعْطِ الَّذِي من احتراق صفراء شراب الْورْد وبفلفل وبسقمونيا على مَا فِي الصّفة وَهُوَ أَن تطبخ عصارة الْورْد الْعَسَل والأغاريقون مِقْدَار أوقيتين برطل ثمَّ يداف فِيهِ نصف أوقيه من سقمونيا وَمثله من الفلفل وَيُؤْخَذ من دِرْهَمَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة فَإِنَّهُ يتقيأ نعما وَلَا حرارة شَدِيدَة لَهُ.
قَالَ: وَإِن اسْتعْمل فِي الرّبع فِي وَقت النافض مَا يقيئ بِقُوَّة أوهن النافض والصالب وَأَبْرَأ العليل وأعطه مَا يقيئه فِي ذَلِك فَإِنَّهُ يسهل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ينصب إِلَى الْمعدة فِي الْوَقْت أخلاط كَثِيرَة.
شربة جَيِّدَة تسقى للربع الْبَارِدَة وللحمى البلغمية قبل أَن يَجِيء بساعة وينام فيعرق وَتذهب الْحمى بِإِذن الله تَعَالَى: أفيون عَتيق سَبْعَة زعفران خَالص حَدِيث أَرْبَعَة قنة وَمر من كل وَاحِد أَرْبَعَة سليخة الطّيب وحلتيت من كل وَاحِد اثْنَان جندبادستر وسنبل من كل وَاحِد سَبْعَة قسط ثَلَاثَة فلفل أَرْبَعَة عشر عسل بِقدر مَا تعجن بِهِ وَيُعْطى مِنْهُ كالباقلى الْعَظِيمَة بِمَاء فاتر فَإِنَّهُ عَجِيب.)
قَالَ: وَهَذِه تريح مِنْهَا فِي شربتين أَو ثَلَاث أَو أَربع.
قَالَ: وَالْحِجَارَة الأرمنية تَنْفَع نفعا عَظِيما فِي ذَلِك وَإِن غسلت وأسهلت وَإِلَّا فتت ويخلط بقرنفل وبسقمونيا والشربة من الْجَمِيع اثْنَا عشر قراطاً.
شَمْعُون قَالَ: انفض عَنْهُم السَّوْدَاء بالإسهال مَرَّات وافصد البالسليق من الْيُسْرَى وَإِن كَانَ الدَّم أسود فأكثره ثمَّ استفرغ بعد بِمَا يسهل وَلَا يَأْكُل يَوْم الْحمى شَيْئا.
الاختصارات: ألف هـ هَذِه الْحمى يتقدمها على الْأَكْثَر حميات أخر ثمَّ مختلطة وَذَلِكَ أَنَّهَا تكون من احتاق الأخلاط الثَّلَاثَة أَعنِي من نشيط الدَّم أَو بلغم أَو صفراء فَأَما الطبيعة فَلَيْسَ تكَاد تعفن وَمَتى تقدم الرّبع حمى دموية وَكَانَ مزاجه دموياً والنبض والعرق يَشْهَدَانِ بذلك فَإِن الرّبع من احتراق الدَّم وَإِن تقدمته الغب وَشهِدت سَائِر العلامات وَكَانَ مَعهَا عَطش ونبض أسْرع وَبَوْل لطيف أشقر فالربع من احتراق الصَّفْرَاء وَإِن كَانَت تقدّمت حميات بلغمية وَشهِدت الْأَشْيَاء الْأُخَر من التَّدْبِير الآخر وَنَحْوه وَكَانَ الْبَوْل كدراً أَبيض والعطش قَلِيلا فالربع من البلغمية فاقصد الْخَلْط الَّذِي بِأَن لَك أَن الرّبع تولدت عَنهُ من بسيطة فَإِن كَانَ الدَّم(4/482)
فافصده واسقه سكنجبينا وَإِن كَانَت بلغمية فأسهله بلغماً ولطف التَّدْبِير وصومه يَوْم الْحمى وَبعد النضج اسْتعْمل أدوية حارة كدواء الحتيت وينفعه الْقَيْء.
قَالَ: صفة الرع مجربة إِذا طَالَتْ: نانخواة وستبل الطّيب وجبق جبلى من كل وَاحِد عشرَة أنيسون كرويا من كل وَاحِد سَبْعَة دَار فلفل ثَلَاثَة زنجبيل أَرْبَعَة حلتيت مَا هِيَ زهرَة خَمْسَة سليخة ثَمَانِيَة يعجن بِعَسَل الشربة مِثْقَال بِمَاء الكرفس والرازيانج.
قَالَ: وأسهله فِي كل خمس لَيَال مرّة بِهَذَا الْحبّ: أفيثمون تَرَبد من كل وَاحِد عشرَة كرويا أنيسون من كل وَاحِد سَبْعَة نانخواة أغاريقون أَبيض من كل وَاحِد ثَمَانِيَة بزر كرفس رازيانج من كل وَاحِد ثَلَاثَة بسبايج سِتَّة ملح هندي خَمْسَة أيارج فيقرا خَمْسَة عشرَة درهما يتَّخذ حبا بِمَا النعنع ويحبب الشربة دِرْهَم وَنصف بِمَاء فاتر من أول اللَّيْل.
قالي يحيى بن عبد الله: جربت تَعْلِيق عظم الْخِنْزِير فِي عنق من بِهِ الرّبع فابرأه.
من اختيارات حنين: صَاحب الرّبع لَا يستفرغ استفرغاً قَوِيا ضَرْبَة والحتليت من أَجود شَيْء فِي هَذِه الْعلَّة ولتكن طبيهته أبدا لينَة وَإِن أَعْطَيْت فلفلاً كل يَوْم كَانَ صَوَابا أغلوقن: إِذا فصدت فِي الرّبع فَوجدت الدَّم أَحْمَر رَقِيقا فاحبسه من ساعتك وَإِن كَانَ أسود)
غليظاً فَأكْثر من إِخْرَاجه وَأعْطِ دَوَاء الحتليت وَنَحْوه بعد إسهال السَّوْدَاء مَرَّات.
جَوَامِع أغلوقن: الرّبع لَا تكَاد تحدث ابْتِدَاء إِلَّا إِذا كَانَ طحال ألف هـ عَظِيم أَو يغذي بأغذية تولد أخلاطا سوداوية كَثِيرَة يعجن الطحال عَن جذبها واشتداد النافض فِيهَا ينذر بِخَير لِأَنَّهُ يدل عل أَن الْخَلْط قد نضج لِأَنَّهُ من أول الْأَمر لَا يكون شَدِيدا إِلَّا أَن الْخَلْط بعد لَا يكون قد نضج فَلَا يبرز مِنْهُ شَيْء إِلَى العضل فَإِذا نضج برز مِنْهُ شَيْء كثير فَاشْتَدَّ النافض واستفرغ مِنْهُ شَيْء كثير كل نوبَة.
الساهر قَالَ: اصرف عنايتك فِي الرّبع إِلَى الكبد وَالطحَال لِئَلَّا يصلبا وَلَا تعطهم زهومة ثَلَاثَة أسابيع لتقصر مُدَّة الْحمى وَبعد ذَلِك أطْعمهُم فروجاً وَبعد الْأَرْبَعين أطْعمهُم لَحْمًا وَيَوْم الدّور يَصُوم وَيدخل الْحمام من غَد ويقيأ فِي هَذَا الْيَوْم فَإِن طَال فاسقه مَا يعرق وَمَا يدر الْبَوْل.
ابْن ماسويه فِي الْحمر الربه: إِذا سخنت فحرارتها شَدِيدَة وَلَا يكون فِيهَا عرق غزير.
قَالَ: قَالَ: انْظُر أَيَّة حمى تقدّمت الرّبع وَأي الدَّلَائِل ظَاهِرَة فِي اللَّوْن وَالْبَوْل ثمَّ افصد إِلَى استفراغ ذَلِك الْخَلْط فَإِن كَانَ الدَّم فافصد الباسليق واسق رب الريباس وَنَحْوه وَكَذَا فافعل بالباقية وصومه يَوْم الدّور وَإِن كَانَت عَن احتراق صفراء فأسها باهليلج واسقه مَاء الشّعير وسكنجبيناً ورمانا وقيئة فِي النّوبَة بسكنجبين وبالماء الْحَار واعتن بالكبد وَالطحَال لِئَلَّا(4/483)
يحدث بهما ورم وَإِذا طَال ذَلِك فالأقراص الجيدة والأضمدة من الأقراص الَّتِي هَذَا مثالها: عصارة الغافث سقولوقندريون لَك زراوند طباشير بزر خِيَار بقلة حمقاء هندباء كرفس قشور كبر ويسقى سكنجبينا وَإِن كَانَت من احتراق بلغم فاسقه الأطبخة الحارة المدرة للبول المتخذة من الأنيسون ونانخواة وفودنج وَيسْتَعْمل الْقَيْء قبل النّوبَة وَفِي وَقتهَا ثمَّ يَصُوم بَقِيَّة يَوْمه.
دَوَاء نَافِع من الرّبع بعد النضج: نانخواة فودنج سنبل من كل وَاحِد عشرَة فلفل ثَلَاثَة زنجبيل أَرْبَعَة حلتيت خَمْسَة أنيسَة سَبْعَة يسقى مِثْقَالا بِمَاء الْأُصُول.
حب آخر يسقى بِاللَّيْلِ فيسهل وَيبْطل اتلحمى: أفيثمون وبسبايج وأيارج فيقرا من كل وَاحِد عشرَة أغاريقون ثَمَانِيَة ملح هندى خَمْسَة نانخواة ثَلَاثَة الشربة دِرْهَمَانِ قبل الْيَوْم.
معجون للربع والبلغمية إِذا طالتا: مر سَبْعَة عشر سنبل ثَلَاثَة عشر ألف هـ أنيسون فلفل نانخواة أفيثمون من كل وَاحِد عشرَة بطراساليون خَمْسَة عشر فقاح الْإِذْخر ميعة حلتيت قسط أغاريقون عَاقِر قرحا من كل وَاحِد خَمْسَة يعجن بِعَسَل عَتيق أَو بِعَسَل الرنجبيل وَيُؤْخَذ)
مِنْهُ كالجوزة.
مَا بَال قَالَ: دع يَوْم النّوبَة الرّبع النّوم الْأكل وَعَلَيْكُم بالرياضة وَالْحَرَكَة وادخله الْحمام إِذا انْقَضتْ النّوبَة فَإِن هَذَا يعين على سرعَة تحلل الفضول.
ابْن سرابيون: إِذا ظهر غَلَبَة الدَّم فافصد الباسليق فَإِن كَانَ الدَّم أَحْمَر فاحبسه من ساعتك لِئَلَّا تسْقط الْقُوَّة والحمى طَوِيلَة وَلَيْسَ بسوداوي فَلَا ينْتَفع بِخُرُوجِهِ.
جَوَامِع اغلوقن: شدَّة النافض فِي الرّبع إِذا لم يكن فِي الِابْتِدَاء فَإِنَّهُ ينذر بِأَنَّهُ كُله قد نضج فِي أول الْأَمر دلّ على كَثْرَة الْخَلْط وَإِحْدَى العلامات الَّتِي تكون فِي انحطاط الرّبع وَلَا تكون فِي انحطاط البلغمية وخاصة فِي الِابْتِدَاء وَتَكون فِي الغب أَكثر وأغزرها فِي الرّبع ونقاء الْعُرُوق فِي الانحطاط فرق بَينهَا وَبَين البلغمية.
جورجس: فِي ابْتِدَاء هَذِه أسهل السَّوْدَاء بِقُوَّة ثمَّ الزمه أَقْرَاص الحلتيت ثمَّ عاود الإسهال والأقراص إِلَى أَن يبرأ.
لي وَإِن كَانَت تقلب من الغب فأسهل بِحَسب ذَلِك وَجُمْلَة فَإِن علاج الْحمى الْقَبْض المتدارك والأدوية المبدلة للمزاج فِي خلال ذَلِك.
اغلوقن: الرّبع لَيست تحدث ابْتِدَاء لَكِن تحدث على الْأَكْثَر عَن نقلة حميات أخر يتقدمها وَلَا أعلم أَنِّي رَأَيْتهَا ابتدأت بنافض شَدِيد لَكِن يشْتَد النافض فِيهَا ويضعف على طول الْأَيَّام إِنَّمَا ينضج الرّبع بعد أَن ترى النافض قد لِأَن بعد الشدَّة وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن صغر النافض فِي أول الْأَمر إِنَّمَا يكون لقلَّة مَا يَجِيء إِلَى العضل من الْفضل الَّذِي مِنْهُ الْحمى ثمَّ(4/484)
يكثر مَجِيئه الْبَتَّةَ حَتَّى يمعن الْحمى لِأَنَّهُ يرق ويتعود النّفُوذ وَالْقَبُول فيكثر ويعظم النافض فَإِذا لِأَن النافض بعد فَإِنَّهُ يدل على أَن الْفضل قد قل فَلَيْسَ ينصب مِنْهُ إِلَّا قَلِيل فِي العضل.
قَالَ: عالج هَؤُلَاءِ فِي أول الْأَمر بالرفق وَلَا تسق شَيْئا من الْأَدْوِيَة القوية لي يَعْنِي الحارة وَلَا ترم الاستفراغ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن ترى الدَّم كثيرا غَالِبا جدا فافصد الباسليق من الْيُسْرَى فَإِن لم يكن فالأكحل فَإِن رَأَيْته أسود ألف هـ غليظاً وَأكْثر مَا تَجِد هَذَا فِي أَصْحَاب الأطحلة فَأخْرج مِنْهُ شَيْئا كثيرا وَإِن كَانَ رَقِيقا صَالحا ناصعاً فتوقف واغذه بِمَا لَا ينضج بل بِمَا يحلل النضج ولين الْبَطن بأغذية وأدوية لينَة وامنع من الْأَطْعِمَة الْكَثِيرَة الأغذاء وَالشرَاب الْأَبْيَض الرَّقِيق وَيسْتَعْمل السّمك المالح والخردل وليأخذ فِي الْأَيَّام الأول الفلافلى والكموني أَو فلفلاً بِمَاء الْعَسَل)
وَلَا تلطف تدبيرهم فَإِن رَأَيْت الِانْتِهَاء فلطف تَدْبيره وَاسْتعْمل بعد ذَلِك مَا يدر الْبَوْل بِقُوَّة فَإِذا ظَهرت عَلَامَات النضج فاستفرغ بِمَا يخرج الْخَلْط الْأسود بِقُوَّة مَرَّات مُتَوَالِيَة وقيئهم على التملؤ وَأَرْدَفَ ذَلِك بالخربق المغرز فِي الفجل وأطعمه الفجل: فَمن لم يُمكنهُ الْقَيْء فإسهاله أبلغ وَأكْثر وَبعد ذَلِك أعْطه ترياقاً ودواء الحلتيت وَلَا تعط هَذَا قبل الِانْتِهَاء فَإِنَّهَا تشدد الْحمى وتجعلها مضاعفة.
لي صديقان أخبراني أَن رجلَيْنِ ابتدأت بهما حمى الرّبع دون تتقدمها حمى أُخْرَى.
من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة: لما سقى أوذيمش الشَّاعِر ترياقاً فِي أول حماه صَارَت الرّبع الَّتِي كَانَت بِهِ ثَلَاث حميات ربع والأدوية الحارة تفعل هَذَا إِذا أخذت فِي أول أدوار الْحمى.
جَوَامِع اغلوقن: الْغذَاء فِي الرّبع يكون ندبا مرطباً ليعلو ويقهر يبس ذَلِك الْخَلْط وَأَن يحل النفخ أَو مَا لَا ينْفخ لِأَنَّهُ تتولد عَن الْخَلْط الْأسود ريَاح فِي الْمعدة وَتَحْت الطحال فَإِن انضمت هَذِه إِلَى تِلْكَ الْحَال زَادَت جدا وتلين الْبَطن باعتدال ولتخرج الْفضل دَائِما وَيسْتَعْمل المعجونات وَلَا تدمنها فتزيد فِي الْحَرَارَة وتحلل لطيف الْخَلْط وتفشه وتنزل غليظه وَيسْتَعْمل الْمَشْي والدلك بالأدهان المرخية لتتوسع مسامه وَلَا تسْتَعْمل الْحمام أصلا إِن أمكن ويقل مِنْهُ لي خَاصَّة من هوائه الْحَار وَذَلِكَ أَنه يذيب هَذَا الْخَلْط وَلَا يبلغ إِلَى أَن يحلله وَبعد النضج واتر الإسهال للسوداء لِأَنَّهُ قد تهَيَّأ لِلْخُرُوجِ ويسقى الحلتيت والترياق ليلطف ويحلل. لي وَيَنْبَغِي أَن تعتمد فِي الرّبع على إِخْرَاج السَّوْدَاء وترطيب الْبدن بعد ذَلِك وعد فِي ذَلِك مَرَّات فَإِنَّهُ ملاكه.
الثَّانِيَة من المعجونات قَالَ: وعد تُرِيدُ سقيه المعجونات الحارة النافعة من حمى الرّبع فَاحم الشَّارِب لَهُ قبل نوبَة الْحمى بساعتين ويتناول طَعَاما وشرباً قَلِيلا ألف هـ وَيَأْخُذ الدَّوَاء وينام فَإِنَّهُ يعرق عرقاً كثيرا وتقلع حماه.
لي وينفع مِنْهُ فِي هَذَا الْوَقْت النّوم وَالشرَاب. وَفِي الرّبع لَا يكَاد يكون عرق كثير لِأَن(4/485)
الْخَلْط قَلما يصير إِلَى العضل وَلذَلِك نافضها أَيْضا يكون فِي عضل العليل بِخِلَاف نافض الغب فَإِنَّمَا يكون مائلة إِلَى خَارج وناحية الْجلد وَلذَلِك يكثر فِيهَا الْعرق أَيْضا.
ابْن ماسويه: إِن طَالَتْ الرّبع فصومه يَوْم الدّور فَأَما مَا لم تطل فَلَا لِأَنَّهُ يزيدها حراقة وقيئه بعد نَزعهَا كل يَوْم بسكنجبين واعتن بالكبد لِأَنَّهُ سَبَب الاحتراق وبالطحال لِأَنَّهُ الْقَابِل واسقه مَا يستفرغ السَّوْدَاء: إهليلج أسود أفيثمون بسياج سنا أفسنتين حجر اللازورد ملح هندي)
أغاريقون شَحم حنظل.
مسيح: اسْقِ فِي هَذِه دَوَاء الحلتيت وَنَحْوه ظُهُور الانحطاط وتوقه قبل ذَلِك وعالج الْخمس وَمَا فَوْقه بعلاج الرّبع وزد فِي التقطيع والإسخان فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون من ماد أغْلظ.
يختيشوع: إِذا طَالَتْ الرّبع فاحجم أخدعيه وبخره بالذريرة وحسه المَاء الْحَار مَتى اقشعر وعرقه وألزمه الْحمام واسقه أفيثمونا ويتمرخبزنبق أَو خيرى.
لي وبدهن بابونج وَسَائِر مَا يسخن جيد للنافض والمتطاولة وألزمه حلتيتاً درهما مَعَ خَمْسَة دَرَاهِم سكرا كل يَوْم نوبَة أبقراط فِي تَدْبِير الْأَمْرَاض دَوَاء جيد للربع: بزر بنج وشيرج قِيرَاط قِيرَاط حلتيت مثل نصف الباقلى واسقه بشراب صرف وينفع أَن يَأْكُل ثوماً وَعَسَلًا وَيشْرب سكنجبيناً عسلياً طَعَاما ويقيأ ويستحم وَيَأْكُل فِي الْعشَاء شَيْئا يَسِيرا ويستحم من غَد بِمَا كثير عذب حَار ويتعرق بعد ذَلِك بالثياب وَيَأْخُذ مثل لوزة بشراب فَإِن غثت نَفسه تقيأ فَإِن عاود فليعاود هَذَا التَّدْبِير وَيشْرب الدَّوَاء الأول على الرِّيق.
قسطاً فِي الْمرة السَّوْدَاء: من الرّبع ضرب يُسمى المنعكسة وَهِي الَّتِي تنوب يَوْمَيْنِ وتريح يَوْمًا.
وَرُبمَا نابت ثَلَاثَة مُتَوَالِيَة وَعند ذَلِك يتَّصل.
قَالَ: أول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من تَدْبِير الرّبع تلطيف التَّدْبِير فِي يَوْم النّوبَة وَلَا يَأْكُل حَتَّى تمْضِي النّوبَة وَفِي الْيَوْم الثَّانِي دُخُول الْحمام وَفِي الثَّالِث الْقَيْء وَذَلِكَ أَن يَوْم ألف هـ النّوبَة ينصب إِلَى الْمعدة من خلط الْحمى فَلَا يَنْبَغِي أَن تشاغل الطبيعة بالغذاء عَن مقاومة ذَلِك وَالْيَوْم الثَّانِي يحْتَاج إِن تصلح تَعب النّوبَة بالحمام لتريح الْبدن وتنشطه وَلما كَانَ الْحمام يصب الفضول إِلَى الْمعدة ويرقق الأخلاط وَجب الْقَيْء فِي الْيَوْم الثَّالِث. والأدوية الحارة مثل دَوَاء الكبريت والترياق الحلتيتي عَظِيمَة الْخَطَأ فِي أول الْأَمر فَإِذا رَأَيْت الْحمى قد تضاعفت فنابت يَوْمًا آخر بعقب هَذِه الْأَدْوِيَة فَذَلِك مُنْتَهى وَيَنْبَغِي أَن تسْتَعْمل إِذا طَالَتْ وبع ظُهُور دَلَائِل النضج.
قَالَ: سَمِعت أَنَّهَا أَقَامَت اثْنَي عشرَة سنة وَرَأَيْت من أَقَامَت عَلَيْهِ أَربع سِنِين وَهَؤُلَاء هم الَّذين المرار الْأسود فيهم فِي غَايَة الغلظ فليبدأوا هُنَاكَ فِي أَخذ اللحلتيت وَأَقل مَا يُؤْخَذ مِنْهُ نصف دِرْهَم ثمَّ يُزَاد قَلِيلا قَلِيلا وجوارش الفلافلى أَحْمد مَا يعالج بِهِ فِي هَذَا الْموضع وَشرب المَاء الْحَار بسكنجبين وفصد الْعرق مرّة بعد مرّة إِذا كَانَ المحموم شَابًّا وبدنه ممتلئاً فَإِنَّهُ رُبمَا اكْتفى بِهِ وَحده وَقد أقلعت بِهِ الْحمى المضاعفة غير مرّة. فَأَما الكهول وَنَحْوهم فالإسهال أوفق)
لَهُم والحقنة اللينة إِن شَاءَ الله عز وَجل.(4/486)
3 - (فِي الرّبع وَمَا ينفع من السَّوْدَاء) أفاريقون إِن شرب بزره بِالشرابِ ذهب بِالربعِ. ومرق اليوك الهرمة مَعَ بسبايج وقرطم على مَا د: الكبريت نَافِع من الرّبع.
ابْن ماساويه قَالَ د: زعم قوم أَنه إِن شرب أَرْبَعَة أصُول من لِسَان الْحمل بِأَرْبَع أَوَاقٍ وَنصف من شراب ممزوج نفع من الرّبع. د: الْحَيَوَان الْمُسَمّى فسافس إِن أَخذ مِنْهُ سَبْعَة أعداد وَجعلت فِي باقلاة وشربت قبل أَخذ الرّبع قلعتها. د: الشونيز تَنْفَع مِنْهَا.
ابْن ماسويه:
الجاوشير ينفع من البلغمية. والخردل ينفع من حمى الرّبع.
إِسْحَاق: لَا تحرّك الْبدن فِي ابْتِدَاء هَذِه بالأدوية القوية وَلَا تستفرغه استفراغاً قَوِيا إِلَّا إِن تحْتَاج إِلَى استفراغ دم فأقصده وَأخرجه على قدر الْقُوَّة وَلَا تغذه الأغذية المنفحة كالحبوب والمولدة للكيموس الغليظ كلحم الْبَقر والجبن والميبسة كالكواميخ والشواريز وَاقْتصر بِهِ على مَا خف من اللحوم وَلم يكن لَهُ غلظ وَلَا لزوجة وَاجعَل الطبيعة دَائِما لينَة بالأغذية والأدوية القليلة الْقُوَّة كالزبيب والشاهترج والتين وَنَحْو ذَلِك ألف هـ وَلَا تمنعهم الْمَشْي وامنعهم الْحمام فِي المبدأ وَلَا تلطف غذاءهم فِي أول الْأَمر لِأَنَّهَا من الْعِلَل المزمنة الطَّوِيلَة الْمدَّة فَمَتَى لطفت الْغذَاء لم تبلغ الْمُنْتَهى إِلَّا وَقد خارت قوته وَإِذا شارفت مُنْتَهَاهَا فَلَا تحرّك الْبدن بالإسهال وَلَا غَيره.
وَاسْتعْمل إدرار الْبَوْل فَإِذا انحطت فَاسْتعْمل مَا يسهل السَّوْدَاء وأعطهم بعد هَذَا المعجون فِي الْوَقْت بعد الْوَقْت وَهُوَ: حلتيت مر فلفل ورق السذاب بِالسَّوِيَّةِ يعجن بِعَسَل منزوع الرغوة والشربة دانقان بسكنجبين وأعطه فِي آخر الْعلَّة ترياقاً وَاحْذَرْ هَذِه الْأَدْوِيَة وَنَحْوهَا فِي الصَّيف وَفِي الْبَلَد الْحَار. وَفِي الشتَاء إِذا كَانَ النافض فِي هَذِه الْحمى قد تناهى فاطبخ جلابا بفودنج نهري واسقه مِنْهُ فِي حمى ربع.
من الْكَمَال والتمام عصارة ورق البنطافلن مَعَ شراب الْعَسَل وفلفل تَنْفَع إِذا شربت. من أَصْنَاف الحميات قَالَ تتولد الرّبع من عفن السَّوْدَاء وَكَذَلِكَ تتولد فِي سنّ الكهول والخريف وَمَا شَاءَ كل ذَلِك من الْأَطْعِمَة وَالتَّدْبِير والنافض الْمُتَقَدّم فِي الرّبع يحس بِهِ كَأَنَّهُ يبرد الْأَعْضَاء.
فِي الْعلَّة فِي نقاء فترات الرّبع قَالَ: اشتعال هَذِه لغلظها وبردها ويبسها يبطئ كَمَا تبطئ حمى الْحِجَارَة فَإِذا اشتعل وَحمى اشتعاله لم يبْق مِنْهُ شَيْء لِأَنَّهُ يكون قد عملت فِيهِ الْحَرَارَة وَلذَلِك يكون الاستفراغ مِنْهُ أَكثر مِمَّا يكون من البلغمي وفترته تكون بَان تبقى بَقَاء(4/487)
صَحِيحا وَكَذَلِكَ أَيْضا نافضها شَبيه بِمَا يعرض لمن أَصَابَهُ برد شَدِيد ويتقدم هَذِه الْحمى تَدْبِير سوداوي وَطول نوبتها كطول نوبَة الغب وَرُبمَا كَانَت أطول وَهِي ربع خَالِصَة. لي يُرِيد أَن طول نوبتها لَا يَنْبَغِي أَن توهمك أَنَّهَا مركبة. قَالَ: وَذَلِكَ يكون إِذا كَانَت من الْخَلْط أبرد وَالْحَال فِي طول النّوبَة وقصرها على قِيَاس مَا ذكرت فِي الغب وَلَيْسَ تحدث هَذِه الْحمى من هَذِه الأخلاط دون أَن تعفن.
من جَوَامِع البحران: نافض الرّبع لَهُ ثقل وتكسر الْبدن كالرض. وَالرّبع تعرض فِي الخريف والبلد)
والهواء والمزاج وَالسّن السوداوي وَمَعَ ضعف الطحال ونافضها مَعَ رَضِي الله عَنْهُم قوي ونبضه متفاوت جدا وفتراته طَوِيلَة وَله استفراغ فِي الانحطاط بَين. وَرُبمَا تبعه عظم الطحال وَبعد حميات مُخْتَلفَة والنبض فِي الرّبع صَغِير ألف هـ بطيء متفاوت وَضَعِيف مُخْتَلف فِي ابْتِدَاء النّوبَة وَيبقى كَذَلِك مُدَّة طَوِيلَة. الرّبع الدائمة تكون من عفن السَّوْدَاء دَاخل الْعُرُوق وتخف فِي أَوْقَات فترات الْمُفَارقَة وَالرّبع اللَّازِمَة مِنْهَا والمفارقة طَوِيلَة الْمدَّة. وَهَذِه تَنْقَضِي مَعَ من جَوَامِع الحميات: البحران الْمفصل النافض فِي الرّبع لَا يكون فِي الْأَيَّام الأول من أَخذهَا قَوِيا لَكِن مَتى امتدت الْأَيَّام تتزيد وَلَا يكون لنافضها نخس شَبيه بنخس الإبر وَيكون مَعَه غَلَبَة من برد تبلغ الْعِظَام حَتَّى يخيل إِلَيْهِم أَنَّهَا ترض.
لي خَاصَّة نافض الرّبع أَن يكون ضَعِيفا فِي الْأَيَّام الأول وَيكون مَعَ برد غائض ثقيل.
ابْن ماسويه: برد السَّوْدَاء يخيل إِلَى صَاحبهَا أَنه قَائِم فِي الثَّلج. عَلَامَات الرّبع: لَا تكَاد تعرض ابْتِدَاء ويتقدمها حميات مختلطة ويبطئ صعودها فَإِذا صعدت كَانَت شَدِيدَة الْحَرَارَة وبطيئة الْبرد ونوبتها أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة وَإِن اخْتَلَط بهَا البلغم طول دورها وَإِن اخْتلطت بهَا الصَّفْرَاء قصرته وَاسْتدلَّ بِسَائِر الْأَشْيَاء إِذا عرضت فِي الْأَزْمِنَة الْبَارِدَة طَالَتْ وينقى الْعرق مِنْهَا جيدا وَالْبَوْل إِن كَانَ تقدمها غب وَكَانَ المزاج إِنَّمَا يتَوَلَّد سَوْدَاء لاحتراق صفراء فعلى حسب ذَلِك وبالضد ويعظم مِنْهُ الطحال ويكمد اللَّوْن ويقحل الْجلد ويستدل عَلَيْهِ بِالسِّنِّ وَالتَّدْبِير والأطعمة الْمُوجبَة لذَلِك نافض الرّبع يتعب جدا لِأَنَّهُ بكد مَا يسخن فَإِذا سخنت كَانَت شَدِيدَة الْحر.
قَالَ: اسْتدلَّ قبل من أَي ضرب هَذِه الْحمى فَإِنَّهَا إِن كَانَت من سَوْدَاء عَن احتراق الدَّم ويستدل على ذَلِك بِالزَّمَانِ والمزاج ويتقدمها حمى سونوخس وَنَحْو ذَلِك وَحُمرَة اللَّوْن وَالْبَوْل مَعَ غلظ وَظُهُور الدَّم فَعِنْدَ ذَلِك فاحكم بذلك وعالج بِحَسبِهِ وَإِن تقدم غب والمزاج وَالْوَقْت صفراوي وَالْبَوْل أصفر رَقِيق وَفِي الْفَم طعم مر وَمَعَهُ لهيب وعطش وَبَوْل رَقِيق فَهُوَ من احتراق الدَّم أَو صفراء وَكَذَا فاستدل على البلغم.
فَإِن كَانَت من احتراق الدَّم وَرَأَيْت الدَّم ظَاهرا فاقصد الباسليق واسقه طبيخ الْعنَّاب(4/488)
وَالْخيَار شنبر فَإِن طَالَتْ الْحمى فصومه يَوْم الدّور ومره بالقيء فِي ذَلِك الْوَقْت بسكنجبين. وَإِن كَانَت من احتراق صفراء فاقصد ألف هـ أَيْضا واسق طبيخ الإهليلج وَمَاء الإجاص)
وَالتَّمْر الْهِنْدِيّ وألن الطبيعة بالدواء واحقن واعتن بالكبد وَالطحَال بسكنجبين ولطف التَّدْبِير ثَلَاثَة أسابيع فَإِنَّهَا رُبمَا قلعت بذلك وَبعد الْأَرْبَعين أطْعمهُ لَحْمًا وَلَا تسْتَعْمل الأقراص فِي أول الحميات تكثف الْموَاد بل بعد الاستفراغ.
وَإِن كَانَت من احتراق بلغم فأعطه جلنجبينا مَعَ مَاء الكرفس وَمَاء الرازيانج مغلي بزوفا واسقه إِن كَانَ الْبَطن يَابسا مَعَ لب القرطم وَالسكر وَاسْتعْمل طبيخ الصعتر والنانخواة والفودنج والكرفس والأنيسون وأسهله مَرَّات بِمَا يخرج السَّوْدَاء بعد النضج وَلها فِي الْخَواص أَشْيَاء تَنْفَع مِنْهَا من الْمُقَابلَة للأدواء يسقى فِي الرّبع قبل الدّور بساعتين قرصة من هَذَا بعد دُخُول الْحمام.
وَإِن أحب أَن يكون قد أَخذ قبل الدّور بِعشر سَاعَات طَعَاما معتدلاً وَشَرَابًا جيدا وَقَبله بِخمْس سَاعَات فَإنَّك إِذا سقيته أنامه نوماً مُسْتَغْرقا وعرقه كثيرا وأبرأه: فودنج بستاني أَربع درخميات بزر الأنجرة عشرُون درخمياً فلفل عشرُون حَبَّة مر مِثْقَال أفيون درخمي يتَّخذ أقراصاً بِخَمْر. كل قرص من أَربع أَبُو لسات والشربة وَاحِدَة.
الْيَهُودِيّ: تبدأ هَذِه بِبرد شَدِيد وإبطاء حَرَكَة وإبطاء سخونة مَعَ تمط كثير ثقيل وتثاؤب شَدِيد الْقَبْض على اللَّحْم والعظم وَلَا يكون الْبَتَّةَ فِي ابْتِدَاء هَذِه الْحمى نافض شَدِيد الرعدة وتصعد سخونتها قَلِيلا قَلِيلا وَلَا يكَاد يتبعهَا عرق.
قَالَ: عالج هَؤُلَاءِ بسقي هَذَا الطبيخ: يُؤْخَذ عشرَة مَثَاقِيل أهليلج أسود وَعشرَة أفيثمون وَعشرَة زبيب منزوع الْعَجم خربق أسود وسنا دِرْهَمَانِ من كل وَاحِد يغلى بأَرْبعَة أَرْطَال مَاء حَتَّى يصير رطلا ويصفى ويداف أغاريقون دِرْهَم وَنصف ويسقى وصومه يَوْم الْحمى وَإِن أكل فقيئه وَإِذا تَمَادى الزَّمَان فأعطه شَيْئا من حلتيت بِاللَّيْلِ قدر حمصة واجهد أَن يعرق بعد أَخذه بِأَن تكبه على طبيخ الفودنج ثمَّ يلتف وينام ألف هـ وَقد يسهلون بحب شَحم الحنظل والخربق الْأسود واحمه الْأَطْعِمَة النافخة وانطه مِنْهَا مَا يسهل وَفِيه كَيْفيَّة دوائية لَا غَلِيظَة وَلَا مائية.
فَأَما المطبقة فافصده واسقه بعد الإسهال والقيء كل يَوْم درهما من قرص الغافث والأفسنتين من نَوَادِر تقدمة الْمعرفَة: لما دارت المحرقة على أوديمس أَرْبَعَة أدوار وَصَحَّ عِنْده أَنَّهَا ربع أُشير عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ فِي يَوْم النّوبَة سحرًا ترياقاً فعرفته أَن الترياق يُضَاعف حماه لِأَن أخلاطه لم تنضج وَأَنه فِي الشتَاء وَلَيْسَ يُمكن الترياق فِي مثل هَذَا الْوَقْت من أَوْقَات الْحمى وَمثل هَذَا)
الزَّمَان أَن تنضج الأخلاط لَكِن يُمكن أَن تسوسها وَشرب الترياق فتقدمت النّوبَة(4/489)
واشتدت وطالت وَلما أعَاد شربه مَرَّات ابتدأت بِهِ حمى أُخْرَى من حميات الرّبع أَيْضا ثمَّ أُخْرَى فَحصل عَلَيْهِ ثَلَاث حميات ربع.
لي المبدلة للمزاج إِنَّمَا تحْتَاج اسْتِعْمَالهَا بعد أَن يكون مَا تُرِيدُ أَن تبدل مزاجه قد قلت كميته لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يقوى على تَبْدِيل ذَلِك المزاج فَأَما إِن حاولت أَن تبدل مزاجاً كثيرا فِي الْغَايَة لم تقو على تَبْدِيل ذَلِك من مزاجه وَإِن كَانَت هَذِه الْحمى الْفَاعِل لَهَا الْحَرَارَة والهيولى سَوْدَاء فَمَتَى كَانَت الهيولى متمكنة كَثِيرَة وَكَانَ الْحر أقوى أمكن أَن يعْمل مِنْهَا أَكثر لِأَنَّهُ لَا يفقد وجود الْفَاعِل والمنفعل وَضعف الْمَادَّة يكون على ضَرْبَيْنِ: أما أَن يستفرغ وَإِمَّا أَن تحللها الْحَرَارَة فَلذَلِك صَارَت هَذِه الْأَدْوِيَة تسقى فِي آخر الْأَمر لِأَن الْمَادَّة حِينَئِذٍ قَليلَة فتقوى هَذِه على تَبْدِيل المزاج إِلَّا أَنه لَيْسَ من الرَّأْي أَن تدع الاستفراغ إِذا أمكن وتسلم التَّحْلِيل لِأَن الْمدَّة تطول بِهِ وَلَو أَن إنْسَانا استفرغ السَّوْدَاء مَرَّات إِذا صَحَّ عِنْده حمى ربع ثمَّ أَخذ الْأَشْيَاء المبدلة للمزاج لَكَانَ قد اقتصد فِي الطَّرِيق أَكثر مِمَّا ينْتَظر فِيهَا أَن تَجف الْمَادَّة بالنضج وَفِي الْأَكْثَر تَنْقَطِع الْحمى الْبَتَّةَ من غير أَن تحْتَاج إِلَى المبدلة للمزاج بالاستفراغ فَقَط وَقد رَأَيْت من سقى مسهلاً أَقَامَهُ خَمْسَة عشر مَجْلِسا فَلم تنب حماه بعد ذَلِك وَكَانَت ربعا.
قَالَ ج فِي الترياق إِلَى قَيْصر: قد أبرأت خلقا بِأَن أسهلتهم أَولا ثمَّ سقيتهم عصارة الأفسنتين ثمَّ سقيتهم ألف هـ الترياق قبل الدّور بساعتين فبرؤا فِي شربتين أَو ثَلَاث.
قَالَ ج فِي الأهوية والبلدان: الرّبع إِن تطاولت وَآل الْأَمر إِلَى الاسْتِسْقَاء وَذَلِكَ يكون إِذا كَانَت الرّبع إِنَّمَا حدثت عَن طحال عَظِيم أَو عملت طحالاً ثمَّ دَامَت مَعَ ذَلِك فَأَما من حَيْثُ هِيَ ربع فَهِيَ أسلم الحميات وأخفها على الْبدن لِأَنَّهَا تريحه طَويلا وَيكون بهَا التَّخَلُّص مَرَّات من الصرع والوسواس وَغير ذَلِك من أَمْثَالهَا.
جورجس قَالَ: الرّبع لَا تبتدئ بنافض شَدِيد الْبَتَّةَ.
قَالَ: وَبعد الِانْتِهَاء اسْقِ تريلقاً عزْرَة ودواء الكبريت والفلافلي والكموني والحلتيتي فَإِن هَذِه نافعة بعد الِانْتِهَاء.
قَالَ: وَإِن رَأَيْت قوته قَوِيَّة فاستفرغه بالحبوب بعد الِانْتِهَاء والقيء بعد الطَّعَام نَافِع.
البحران قَالَ: كَيفَ تعرف الرّبع من أول نوبَة وَقد قلت فِي ذكر الغب إِن الغب والنافض فِي هَذِه)
لَا تشبه الغب فَأَقُول: إِن كنت عرفت نبضه فِي صِحَّته جسسته قبل أَن تبتدئ النّوبَة لم تحتج إِلَى عَلامَة أُخْرَى غير النبض حَتَّى نقضي بِأَنَّهَا ربع وَذَلِكَ أَن انقلاب النبض فِي هَذِه دفْعَة إِلَى التَّفَاوُت مَعَ ابْتِدَاء النّوبَة وَفِي انتهائها والإبطاء يكون مفرطاً جدا.
وَقد حضرت أَقْوَامًا كنت أعرف نبضهم فِي حَال صحتهم ابتدأت بهم نوبَة ربع فَقضيت أَنَّهَا ربع وَلم أخطئ فِي ذَلِك فَإِن كنت غير حَافظ من أَمر النبض بِهَذِهِ الْمقَالة فاستدل بِالزَّمَانِ والمزاج وَمَا تقدم من التَّدْبِير وَعظم الطحال وبالحميات المختلطة وَهل تَنْقَضِي فِي(4/490)
زمَان طَوِيل وَهل الْبَوْل أَبيض رَقِيق مائي فَهَذِهِ تكون فِي هَذِه الْحمى على الْأَكْثَر.
قَالَ: وَمن لم يقدر أَن يفرق بَين الغب وَالرّبع من أول نوبَة فَلَيْسَ من الطِّبّ فِي شَيْء.
قَالَ: وَالرّبع الدائمة من جنس الْمُفَارقَة وأعراضها إِلَّا أَنه لَا يتقدمها نافض وَلَا يتلوها عرق والخلط الْفَاعِل لَهما وَاحِد إِلَّا أَن فِي المقلعة يكون منتشراً متحركاً فِي الْبدن كُله خَارِجا عَن الْعُرُوق وَفِي الدائمة تكون ثَابِتَة مُخَالطَة للدم وكلتاهما طويلتان ونافض الرّبع يجمع الْأَمريْنِ كثيرا شَدِيد الْبرد طَوِيلَة وعسرة السخونة وَالرّبع مَا لم يَقع فِيهَا خطأ من الطَّبِيب وَالْمَرِيض لَا تجَاوز سنة.
قَالَ فِي تقدمة الْمعرفَة ألف هـ: نِسْبَة الدّور الرَّابِع من الرّبع إِلَى الدّور السَّابِع كنسبة الْيَوْم لي على هَذَا الْقيَاس أَعنِي قِيَاس البحران يَنْبَغِي أَن تنذر فِي حمى الرّبع.
قَالَ: بحران الرّبع يكون فِي الأدوار لَا فِي الْأَيَّام وَالرّبع يكون كثيرا بعقب الحميات المختلطة لِأَنَّهُ يبْقى من الحميات الْمُتَقَدّمَة أَو اللَّازِمَة أَو المحرقة بقايا محترقة فَإِن لم تنفضها الطبيعة أَو الطَّبِيب عَن الْبدن كُله عفن فَكَانَت مِنْهُ حمى وانحل بعضه بالعرق وَبَقِي بعضه لِأَن هَذَا الْخَلْط لَيْسَ هُوَ مستوياً فِي جَمِيع الْبدن لكنه بقايا فِي مَوَاضِع دون مَوَاضِع تكون مِنْهُ حميات لَا نظام لَهَا حَتَّى إِذا دارت أدواراً كَانَ ذَلِك سَببا لِاجْتِمَاع تِلْكَ الفضول واستوائها فَعِنْدَ ذَلِك يحدث ربع مستوية كنظامها.
الْفُصُول: الرّبع الصيفية اقصر والخريفية أطول وخاصة إِن اتَّصَلت بالشتاء وَلَيْسَ الرّبع فَقَط لَكِن جَمِيع الحميات تقصر فِي الصَّيف لِأَن الأخلاط تكون منحلة منتشرة.
اختيارات حنين: صَاحب الرّبع لَا يستفرغ استفراغاً شَدِيدا إِلَّا أَن تكون للدم كَثْرَة مفرطة.
فَحِينَئِذٍ فاقصده وَدبره بِمَا لَا ينفع بل بِمَا يلين باعتدال فَإِن لم ينجح فيستعمل الحقن بأَشْيَاء)
حريقة والسمك المالح والخردل وَالشرَاب الْأَبْيَض فِي كل ثَلَاثَة أَيَّام وَاحْذَرْ دَوَاء الفلافلي والكموني وَإِن أَخذ فِي كل يَوْم فلفلاً وَحده فصواب والحلتيت أَجود مَا اسْتعْمل فِي هَذِه الْعلَّة.
الْمسَائِل الطبية: تسْتَعْمل فِي الرّبع الرياضة وَترك النّوم يَوْمهَا وتستعمل دُخُول الْحمام لِأَنَّهُ يسخن ظَاهر الْبدن فينقل قوتها فِي الْبَاطِن وَوضع الْأَطْرَاف فِي المَاء الْحَار فِيهَا وَجَمِيع الحميات جيد لِأَنَّهُ يعين على تَحْلِيل بَقِيَّة الْمَادَّة فِي آخر النّوبَة.
فليغريوس فِي شِفَاء الْأَمْرَاض: انفض الرّبع بالأفيثمون.
اطهورسفس: عظم الْإِنْسَان بعلق على صَاحب الرّبع فينفع.
فِي مداواة الأسقام: لَا تقرب فِي الرّبع الْحمام وَلَا تسهله بدواء إِلَّا بعد الِانْتِهَاء وَخذ قبل ذَلِك أغذية ملينة ومدرة للبول ويستحم وأدوية حارة بعد ذَلِك وَأما فِي أول الْأَمر فَلَا.(4/491)
جَوَامِع اغلوقن: نافض الرّبع لَا غرزان مَعَه لَكِن مَعَه فِي الْعِظَام كالثقل والوجع ويشتد نافضها مَا امتدت بهَا الْأَيَّام لِأَنَّهُ لم يرق الْخَلْط السوداوي بعد فَإِذا مرت بهَا الْأَيَّام رق فانصب ألف هـ مِنْهُ على الْأَعْضَاء الْكَثِيرَة الْحس شَيْء كثير فَاشْتَدَّ النافض وَهُوَ عَلامَة جَيِّدَة فِي هَذِه الْحمى لِأَنَّهُ ينذر بالنضج وحميات الرّبع تحدث بعقب الحميات المختلطة. لِأَن الْخَلْط الْأسود يكون من احتراق الدَّم وَإِذا احْتَرَقَ الدَّم صَارَت طَائِفَة مِنْهُ صفراء وَيكون مِنْهَا غب وَمَا لم يستحكم حرقه فحمى دم سخن وَمَا استحكم حرقه حمى ربع فَيكون من هَذِه الْجِهَة حميات مختلطة لَا يُوقف عَلَيْهَا. وَرُبمَا ابتدأت ابْتِدَاء وَذَلِكَ يكون عِنْد ضعف الطحال عَن جذب السَّوْدَاء لعِلَّة تخصه وَلِأَنَّهُ يغتذى أطْعمهُ مولدة للسوداء بِأَكْثَرَ مِمَّا يقدر الطحال على جذبه. الدَّالَّة على الرّبع مِنْهَا مَا هُوَ فِي الطَّبْع كالسن والمزاج وَالْوَقْت الْبَارِد وَمِنْهَا مَا هِيَ خَارِجَة عَن الطَّبْع وَهَذِه إِنَّمَا هِيَ من الْمُتَقَدّمَة للحمى كالتدبير المولد للسوداء والحميات المختلطة وصلابة الطحال وَأما الْحَاضِرَة مَعَه فكالنافض الَّذِي مَعَه تكسر وَثقل ونبض بطيء جدا وتفاوت وَاخْتِلَاف فِي ابتدائها وَأما فِي صعودها وانتهائها فحرارة غير كَثِيرَة كحرارة الغب وَلَا ضَعِيفَة كثيفة كحرارة البلغمية والنبض فِي مُنْتَهى هَذِه إِذا قيس إِلَى نبض الغب كَانَ بطيئاً متفاوتاً صَغِيرا وَالْبَوْل منتن غير نضيج وَمَعَهُ عَطش أقل مِمَّا فِي الغب وَأكْثر مِنْهُ فِي البلغمية وَذَلِكَ أَن الْعَطش فِي هَذِه إِنَّمَا يحدث عَن اليبس فَقَط وَأما فِي وَقت الانحطاط فالعرق الْكثير وَهَذِه العلامات أَيْضا تفرق بَين هَذِه وَبَين البلغمية لِأَن البلغمية لَا يكون فِيهَا عرق والعرق فِي هَذِه أقل مِنْهُ فِي الغب وَالْبَوْل فِيهَا فِي)
وَقت دون وَقت بِحَال دون حَال إِلَّا أَنه كَيفَ كَانَت فَهُوَ غير نضيج لِأَن الْخَلْط السوداوي لَا يَحْنَث من أول الْأَمر إِلَى النضج لِأَنَّهُ غليظ عسر الاستحالة وَالْبَوْل فِيهَا كثير التَّغْيِير غير نضيج فِيهَا أجمع.
الرّبع بِقدر مَا ترى من حَرَكَة الْحَرَارَة فِيهَا يكون قصر مدَّتهَا وبالضد مَتى رَأَيْتهَا قَليلَة الْحَرَارَة سَاكِنة فَهِيَ طَوِيلَة الْمدَّة وَإِذا رَأَيْتهَا كَثِيرَة الْحَرَارَة شَدِيدَة النافض وغزارة الْعرق وَقصر النّوبَة فِيهَا ينذر بِنَقص مدَّتهَا فاستخرج بِهَذَا الْبَاب أزمان الحميات.
قَالَ: إِذا كَانَ الدَّم فِيهَا غَالِبا ظَاهرا فافصد الباسليق من الْيُسْرَى وَإِن ألف هـ كَانَ أسود فَأكْثر مِنْهُ وَإِن كَانَ أَحْمَر فاقطع وَلَا تسهله حَتَّى ينضج فَإِنَّهُ لَا يخرج الْخَلْط السوداوي من غير نضج لغلظه فَإِذا نضج فَاسق خربقاً أسود وأفيثموناً.
غذ صَاحب الرّبع بِمَا يُولد دَمًا رَقِيقا رطبا وَيحل النفخ وَيُطلق الْبَطن لِأَن رقة الْخَلْط ورطوبته يقهر غلظ السَّوْدَاء ويعدله وَلِأَن الْخَلْط السوداوي مَعَه ريَاح فِي الْبَطن والأمعاء. وَأما تليين الْبَطن فليدفع الفضول أَولا فأولاً وَإِن لم تلين الأغذية طَبِيعَته فالشياف والحقن الليلية واستفرغ بِمَا يلين من طَعَام وَنَحْوه مُنْذُ أول الْأَمر وَإِذا نضج فأعطه المالح ودواء(4/492)
الحلتيت والترياق وأسهل بالأدوية القوية والحقن القوية لِأَن الْخَلْط غليظ لَا يُجيب إِلَّا بِالْقُوَّةِ واترك الْحمام أصلا أَو قلله لِأَنَّهُ ينشر الأخلاط وَلَا يقوى على استفراغها لغلظها وَلَا بعد النضج فيتولد من ذَلِك سدد ورداءة أخلاط. د: دبر حمى ربع بتدبير فِيهِ غلظ فَإِذا شارفت الْمُنْتَهى فلطف التَّدْبِير وَاسْتعْمل السّكُون لِئَلَّا تتعوق الطبيعة عَن عَملهَا لِأَن الْحَرَكَة والغذاء يعوقها عَن ذَلِك وَاسْتعْمل المسهلة للسوداء ويواظب على ذَلِك لِأَن الْخَلْط قد تهَيَّأ لِلْخُرُوجِ.
يُؤْخَذ جندبادستر حاتيت طيب قرنفل دَار صيني شونيز مر ثَلَاثَة من كل وَاحِد عسل اللبني من كل وَاحِد ثَلَاثَة أفيون سذاب يَابِس فلفل من كل وَاحِد دِرْهَم عسل النَّحْل مَا يجمعها الشربة نصف مِثْقَال. لم يشربه أحد ثَلَاث مَرَّات وعاودته الْحمى الرّبع.
لي اسْقِ إِذا بَدَت هَذِه مطبوخاً يخرج السَّوْدَاء وَهُوَ: إهليلج أسود خَمْسَة عشر درهما تَرَبد بسبايج من كل وَاحِد أَرْبَعَة خربق أسود دِرْهَمَانِ يطْبخ بأَرْبعَة أَرْطَال مَاء بعد أَن ينقع لَيْلَة حَتَّى يبْقى رَطْل ويلقى فِيهِ كَمَا ينزل عَن النَّار خَمْسَة دَرَاهِم أفيثمون أقريطي ويمرس فِيهِ)
ويصفى وَيجْعَل فِيهِ من أغاريقون مِثْقَال يسقى هَذَا مَرَّات فَإِنَّهُ يخرج السَّوْدَاء وَلَا تطول الْحمى الْبَتَّةَ وَإِن احْتَاجَ إِلَى الفصد فأبدأ بِهِ وَإِن سخنه هَذَا الإسهال فَكف أَيَّامًا وعاوده وَقد سقى فِي الرّبع بحضرتي اصطماخيقون وَكَانَت قد دارت دورات قَليلَة فأسهل خَمْسَة عشر مَجْلِسا فَلم تعاوده الْبَتَّةَ وَمَا للحميات أفضل من الاستفراغ لِأَنَّهَا نَار ملتهبة من فضل فَإِن لم تَجِد فضلا انصرفت وَإِلَّا مكثت مُتَعَلقَة بِالْفَضْلِ حَتَّى ينْحل قَلِيلا وَفِي ذَلِك مَا ألف هـ يوهن الْقُوَّة وينهكه فَيقْتل.
لي رَأَيْت فِي مَوَاضِع أَنه يَنْبَغِي أَن يسهل صَاحب الرّبع بمرق الديك الْهَرم والبسبايج وبفروج والبسبايج واسقه البسبايج بِاللَّيْلِ وَاجعَل لَهُ جوارشاً فِيهِ بسبايج وَذَلِكَ بِأَن إسهالك إِيَّاه قَلِيلا(4/493)
النافض والحميات الَّتِي لَا تسخن وَفِي الإقشعرار وَمَا يدل عَلَيْهِ وَفِي الَّتِي يسخن فِيهَا بَاطِن الْبدن ويبرد ظَاهره وبالضد وَفِي الَّتِي تجمع فِيهَا السخونة والبرودة فِي حَال وَاحِدَة وَفِي الحميات المجهولات اسْتَعِنْ بالبلغمية.
قَالَ ج فِي الثَّانِيَة من البحران: لَيْسَ السَّبَب الْبَارِد يحدث نافضاً فَقَط بل الْحَار والحاد فَإِن من وضع على قرحَة دَوَاء حاراً حاداً لذعه جدا وينتفض صَاحبهَا ويرتعد وَمن بدنه مَمْلُوء فضولاً دخانية وَدخل الْحمام يقشعر بدنه ويرتعد وَكَذَا يجد المحموم والمتخم تخمة قَوِيَّة وكل من بدنه مَمْلُوء وسخاً حاراً أَن دخل الْحمام أَو سخنته الشَّمْس إسخاناً قَوِيا أَو تحرّك حَرَكَة مَا فِيهَا أدنى قُوَّة يقشعر وَكَذَا من نضج على بدنه مَاء حَار يقشعر فَإِن لبث بعد ذَلِك فِي ذَلِك الْموضع أَو فِي تِلْكَ الْحَال صَار إِلَى نافض ورعدة لِأَن الفضول الَّتِي كَانَت سَاكِنة تتحرك حَرَكَة أقوى فِي الْحمام وَعند الْحَرَكَة القوية فَإِذا تحركت ونفذت فِي الْأَعْضَاء الحساسة قسراً غرزتها ونخستها وأحدثت بذلك نافضاً ورعدة.
الثَّانِيَة من الحميات قَالَ: قد رَأينَا مرّة حدث عَن البلغم نافض لَا تعقبه حمى ورأينا ذَلِك كَانَ مرّة وَاحِدَة ثمَّ انْقَضى ورأينا مرّة أُخْرَى دَار أدواراً كَثِيرَة وَكَانَ دَائِما أَيَّامًا كَثِيرَة وَلم يكن شَدِيد الْقُوَّة. قَالَ: وَذَلِكَ يكون إِذا كَانَ فِي الْبدن كُله فضول بلغم وَلم تكن عفنت بعد فَإِنَّهُ إِذا عفن فَلَا بُد أَن يحدث مَعَ النافض حمى. والحميات الْحَادِثَة عَن هَذِه الْحَال طَوِيلَة شكلها شكل حمى يَوْم.
انقياليس وَمن هَذَا الْجِنْس انقياليس وَهُوَ أَن يحس الْإِنْسَان فِي حَال وَاحِدَة بَحر وَبرد وشبيه بلغم حامض أَو زجاجي يشوبه شَيْء من عفن وَأما من يُصِيبهُ حمى من بلغم مالح فَإِنَّهُ لَا يُصِيبهُ نافض. لَكِن يقشعر فَقَط فِي أول النّوبَة فَأَما الزجاجي والحامض فَإِنَّهُمَا يتحركان ويجريان فِي الْأَعْضَاء الحساسة.
لي أَي يجريان ألف هـ فِي العضل الملبس على الْبدن وَذَلِكَ يكون بِدفع الطبيعة لَهُ كَمَا تقذف سَائِر(4/494)
الفضول وَقد ذكرنَا هَذَا فِي غير مَوضِع. من ذَلِك قَوْله: المرتان تحدثان النافض الَّذِي لَا حمى مَعَه فَإِن كَانَ لَهما عفن يسير أحدثتا الْحمى الَّتِي يحس صَاحبهَا بنافض وصالب مَعهَا فَإِن كَانَت العفونة كَثِيرَة أعقب النافض صالباً وَلَا يكَاد يكون من البلغم الحلو إِذا عفن نافض قبل الْحمى.
قَالَ: وَلَيْسَ بِبَعِيد أَن يتَوَهَّم متوهم أَن هَذِه الحميات مركبة لِأَن الشَّيْء الَّذِي يعْمل النافض فِيهَا غير الشَّيْء الَّذِي يحدث الْحمى إِلَّا أَن الْكَلَام فِي ذَلِك بحث طبيعي زعم. اسْتَعِنْ لتعرف سَبَب النافض فِيهَا من الْأَسْبَاب الحارة بالخامسة من الْعِلَل والأعراض وجوامع ذَلِك لِأَن الفضلات الحارة تلدغ العضل إِذا مرت بِهِ وَيكون ذَلِك بِحَسب حدتها وَحسب سرعَة حركتها وَحسب كَثْرَة حس الْبدن.
الْخَامِسَة من الْعِلَل: النافض يكون من حرارة أَو برودة. وَالَّذِي من حرارة إِن كَانَ من جنس الْهَوَاء فَإِن التبريد دواؤه وَإِن كَانَ هَذَا الْحَار رطبا تبعه حمى ودواؤه الاستفراغ وَالَّذِي من برد فَإِنَّهُ إِن كَانَ من جنس الْهَوَاء فدواؤه الإسخان فَقَط وَإِن كَانَ رطبا فَمرَّة يَكْفِيهِ النضج وَحده أَو مَعَ استفراغ أُخْرَى وَمرَّة بهما جَمِيعًا.
وَقَول من قَالَ: إِن النافض لابد أَن يتبعهُ حمى بَاطِل والنافض بِلَا حمى يتبعهُ حمى لَيْسَ قوته كقوة النافض الْمُتَقَدّم حميات الغب وَالرّبع والكائن بِهِ بحران المحرقة. وَمن شَأْن هَذَا النافض أَن يكون عِنْد التملؤ من طَعَام وشراب وَلَا يرتاض ويستحم كثيرا بعد الطَّعَام وَأَن يكون طَعَامه أبرد فِي كيفيته. فَإِن حُدُوث النافض الَّذِي لَا يسخن بِهِ أسهل وأهون وأسرع.
قَالَ: وَمُدَّة النافض تكون بِحَسب قوته فَمَتَى كَانَ أقوى كَانَت مدَّته أقل.
جَوَامِع الْعِلَل: الشَّيْء الْكَائِن مِنْهُ نافض قد يكون خلطاً رطبا وَيكون خلطاً هوائياً وَهَذَانِ)
الخلطان يكونَانِ إِمَّا حارين وَإِمَّا باردين فَإِن كَانَ هوائياً وَكَانَ حاراً كهواء الْحمام وَالشَّمْس الْمُحدثين للنافض فشفاؤه التبريد. وَإِن كَانَ بَارِدًا كريح الشمَال فشفاؤه الإسخان وَإِن كَانَ خلطاً رطبا حاراً فشفاؤه الاستفراغ وَإِن كَانَ بَارِدًا فشفاؤه الإسخان وَإِن كَانَ قَلِيل الإنضاج وَكَانَ كثيرا فاستفرغ أَكْثَره ثمَّ انضج مَا بَقِي.
قَالَ: والنافض إِذا كَانَ من سَبَب حَار كالمرة ألف هـ الصَّفْرَاء تَبعته حمى وَإِن كَانَ من سَبَب بَارِد كالكائن من سَوْدَاء تَبعته حمى والكائن من بلغم إِن عفن كُله كَانَ مَعَه حمى كل يَوْم وَإِن عفن بعضه وَبَعضه لَا كَانَ عَنهُ انقياليس وَهِي الَّتِي تَجْتَمِع فِيهَا حرارة وبرودة فِي حَال فَإِن لم يعفن الْبَتَّةَ لم تكن تلْحقهُ حمى.
قَالَ: من النافض صنف يتبعهُ الْمَوْت وَهُوَ الَّذِي من ضعف الْقُوَّة. والنافض مركب من شَيْئَيْنِ: من الانتفاض والرعدة والرعدة تكون من شدَّة الْقُوَّة الدافعة الَّتِي فِي العضل وَلذَلِك مَتى كَانَ سَبَب النافض حاراً كَانَت الرعدة أَشد لِأَن السَّبَب الْحَار أَكثر حَرَكَة وَلذَلِك هُوَ أَزِيد أَذَى وَالدَّم يرجع إِلَى قَعْر الْبدن فِي النافض.(4/495)
من الرَّابِعَة من حفظ الصِّحَّة: الفضول المائلة إِلَى الْحر العفنة والمالحة إِذا تحركت حَرَكَة ضَعِيفَة أحدثت إعياء وَإِن كَانَت كَثِيرَة أحدثت نافضاً بِلَا حمى تتبعه. وعلاج هَذِه الفضول إِن تحيلها وتفرغها إِلَّا أَنه لَيْسَ يُمكن فِي كل فضلَة أَن تستحيل إِلَى الشَّيْء الْجيد أَعنِي الدَّم وَهَذِه يَنْبَغِي أَن تستفرغ فَمَتَى كَانَت الفضلة بعيدَة من طبيعة الْبدن فِي الْغَايَة فَلَا يُمكن أَن يَسْتَحِيل بل يجب أَن يستفرغ بِسُرْعَة وَمَتى كَانَت قريبَة من الطبيعة فأنضجها.
لي إنضاج هَذِه الْحمى يكون على مَا وَصفه ج فِي بَاب الْحمى العتيقة الَّتِي من بلغم وَهُوَ بِالنَّوْمِ الزَّائِد وتقليل الْغذَاء وَاسْتِعْمَال الرياضة والدلك حَتَّى يتفرغ مِنْهَا أَيْضا شَيْء وينضج الْبَاقِي وَأما استفراغها فَيكون بالقيء والإسهال وإدرار الْبَوْل والرياضة والدلك بعده وَلَا تمنع من تُرِيدُ إنضاج الكيموسات من الشَّرَاب لِأَنَّهُ أبلغ فِي إنضاجها وَهُوَ يدر الْبَوْل مَعَ ذَلِك والعرق وبجلب النّوم وَذَلِكَ يحْتَاج إِلَيْهِ ليستفرغ جله وينضج الْبَاقِي بِالسُّكُونِ وَالنَّوْم واستعن بِبَاب الإعياء حَيْثُ عَلَيْهِ هَذِه الْعَلامَة وبباب الغشية الَّتِي من البلغم فِي بَاب جمل الحميات واستعن بالرابعة من تَدْبِير الأصحاء وَمن حَيْثُ على الْحَاشِيَة تَدْبِير الأخلاط الخامة وَعَلِيهِ هَذِه العلامات ... أَو بالمقابلة الرَّابِعَة من تَدْبِير الأصحاء نَحْو نصفهَا.)
لي رَأَيْت الْعِمَاد فِي قلع النافض الَّذِي لَا يسخن على الْأَدْوِيَة ألف هـ الَّتِي تدر الْبَوْل الغليظ الْكثير وَالتَّدْبِير اللَّطِيف نَحْو الأنيسون والنانخواه والمر والأشق والأبهل والوج والبطراس اليون.
الرَّابِعَة من الْفُصُول: لنفرياس من الحميات المحرقة الخبيثة الرَّديئَة. والنافض يحل الْحمى المحرقة وَإِن لم يحلهَا أنذر بِالْمَوْتِ. وَمن أَصَابَهُ نافض فِي كل يَوْم من أَيَّام حماه فَإِن حماه تَنْقَضِي فِي كل يَوْم. لِأَن النافض إِنَّمَا يكون عِنْدَمَا ينبث المرار وينتشر فِي الْبدن كُله وَلذَلِك يستفرغ وينتقص عَن الْبدن فبالواجب صَارَت الحميات الَّتِي يتقدمها نافض ينقى الْبدن مِنْهَا وَإِن كَانَ النافض يعرض غبا أَو ربعا فَإِن الْحمى تَنْقَضِي فِي ذَلِك الْيَوْم.
الْخَامِس من الْفُصُول: النافض أَكثر مَا يَبْتَدِئ من الظّهْر من أَسْفَله ويرتقي إِلَى الرَّأْس لِأَن هَذَا الْموضع أبرد مزاجاً وَأكْثر عصباً وَأَقل دَمًا وَأَشد تكاثفاً ومقدم الْبدن أَكثر عروقاً ودماً وَأَشد تخلخلاً فَلذَلِك يَبْتَدِئ النافض من الظّهْر أَكثر وخاصة فِي النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ أبرد.
لي لَيْسَ لنفورياس وَهِي الَّتِي يحس فِيهَا بَحر وَبرد مَعًا هِيَ من الحميات المحرقة لَكِن من المحرقة القتالة نوع حَالهَا هَذِه الْحَال وَهُوَ أَنه يحس فِيهَا بَاطِن الْبدن يَحْتَرِق وَظَاهره بَارِد فَإِن ذَلِك فِي كتاب سوء المزاج الْمُخْتَلف.(4/496)
قَالَ: النافض قَلما يكون أَلا تتبعه حمى وَقد يكون أَلا تتبعه حمى فِي الْأَقَل للمدمن الْخَفْض والدعة والسكون والأطعمة المولدة للبلغم الغليظ.
من كتاب العلامات: حمى لوناس تكون مَعَ سبات شَدِيد ويبرد الْجَبْهَة والساق وَالْيَد وَالرجل ويسخن الْبَطن والصدر ويشتهي الْهَوَاء الْبَارِد وتحتبس بطونهم ويبولون بولاً لطيفاً.
وَحمى تسمى اريطاروس وَسمي بِهَذَا الِاسْم لِأَن أَصْحَابهَا يشبه ألوانهم ألوان من بِهِ يرقان ويعرض فِيهَا عرق كثير غليظ أصفر ويجف اللِّسَان ويسود ويشتد الْعَطش ويثقل الرَّأْس وينحف الْبدن وَهِي من جنس المحرقة. وَمن انعقل بَطْنه مِنْهُم اشْتَدَّ وَجَعه حَتَّى أَنه لَا يقدر أَن يضطجع على جنبه لَكِن يضطجع على قَفاهُ ويجد وجعاً فِي عُنُقه وضيق نفس وَإِن اسْتطْلقَ بَطْنه خرجت مِنْهُ فضول غَلِيظَة لزجة كالمخاط. وَمن الْأَطِبَّاء من قَالَ اساليوس قَلما يكون من تخم وتبدأ بِبرد ويعرض مِنْهَا أورام فِي الأرية ويعرض للنِّسَاء من وجع الرَّحِم وَقد يكون حمى أُخْرَى تسمى مرموس يعرض لَهَا برد كالثلج وَأُخْرَى ألف هـ تسمى ليفورس يعرض مِنْهَا أَن)
يتنفط الْبدن من شدَّة الْحمى وَأُخْرَى تسمى البطروس يعرض مِنْهَا وجع فِي المفاصل وَالْعِظَام جدا.
الثَّالِثَة من أبيذيميا: مَا يدل عَلَيْهِ النافض فِي الِابْتِدَاء غير مَا يدل فِي الِانْتِهَاء وَمَتى بَقِي الْبرد مَعَ النّوبَة من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَإِنَّهُ دَلِيل رَدِيء وَكَذَا مَتى كَانَ ظَاهر الْبدن بَارِدًا وباطنه محترقاً.
لي وَكَذَا كَونه قبل النضج مُنْذُ أول الْأَمر فِي الحميات الْمُحْتَرِقَة فَأَما كَونه فِيهَا بعد النضج فيذر ببحران وعرق.
السَّادِسَة من السَّادِسَة: النافض الْقوي الشَّديد يتبعهُ خُرُوج الفضول عَن الْبدن إِمَّا بعرق وَذَلِكَ اهرن: علاج صَاحب الْحمى الَّذِي يجد حرا فِي جَوْفه وبرداً فِي ظَاهر بدنه بِمَا ذكرت لَك من علاج حمى بلغمية.
لي وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَابه غير أَنه يكثر لَهُ من المروخ والإسخان والتعريق واسقه الأقراص وَمَا يدر الْبَوْل.
لي وعلاج هَذِه الْأَدْوِيَة اللطيفة الحارة كالفودنج والفلافلي وبالقيء والإسهال وَمسح الْجِسْم بأذهان لَطِيفَة وَقد كَانَ يَجِيء صَبيا نافض فيتقيأ إِذا جَاءَهُ مَا فِي جَوْفه ويشتد عَلَيْهِ وجع بَطْنه وظهره فسقيته مَاء حاراً شَدِيدا جرعاً جرعاً فسكن عَنهُ وجع بَطْنه وظهره واعتراه النّوم وسخنت حماه بسهولة وعرق وَيَنْبَغِي أَن يسقى فِي النافض الشَّديد المَاء الْحَار ويكبه على بخاره فَإِن ذَلِك يسهل سخونته وخاصة إِن شكا عِنْد النافض وجع الْجوف فَلَا تغفل عَن المَاء الْحَار.
الْإِسْكَنْدَر حب يسقى قبل النافض: ميعة مر أفيون جاوشير فلفل بِالسَّوِيَّةِ يعجن بِعَسَل وَيُعْطى مِنْهُ قدر باقلاة قبل السَّاعَة الَّتِي تعلم أَن النافض تَجِيء فِيهَا وَلَا يسقى حَتَّى يرقد على(4/497)
سَرِيره وَيجْعَل حوله نَار أَو دثرة فَإِنَّهُ ينيمه ويعرقه فَإِنَّهُ تخف لذَلِك الحميات الطَّوِيلَة البلغمية وينقضي أمرهَا. آخر مثل ذَلِك: أغاريقون جُزْء أفيون ثلث جُزْء اسْقِهِ بِعَسَل وَمَاء فاتر سَاعَة آخر: أفيون جاوشير جندبادستر دوقو حلتيت اسحقه بِعَسَل وأعطه مِنْهُ فِي الرّبع والبلغمية قبل وَقت النافض فَإِنَّهُ ينيم ويحرك الْعرق.
لي يعْطى ترياق الْأَرْبَعَة وترياق العقارب المعمولة بمر وميعة وحلتيت وجندبادستر وأفيون.
قَالَ والأدهان فلتكن قوتها بِقدر قُوَّة العليل فَإِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة ألف هـ والنافض)
شَدِيدا فادهنه بأدهان شَدِيدَة الْحَرَارَة الَّتِي يُمكن أَن تحيل تِلْكَ الْبُرُودَة إِلَى الْحَرَارَة وَإِن رَأَيْته ضَعِيفا والنافض خَفِيفا فاطله بالخفيفة والقوية وَهِي عَاقِر قرحاً ونطرون وفلفل وفودنج بِالسَّوِيَّةِ يطْبخ بالزيت ويدهن بِهِ الْأَطْرَاف وَالظّهْر فَإِنَّهُ دهن ينفع لمن بِهِ نافض شَدِيد وَبرد عَظِيم دَائِم لِأَنَّهُ يحيله إِلَى الْحَرَارَة ودفء عشر حبات من فلفل وَدِرْهَم لبان بأوقية دهن وَاسْتَعْملهُ وَهُوَ دون ذَلِك وَله فِي الْخَواص أَمْثِلَة. والقيء جيد فِي وَقت النافض لِأَنَّهُ ينقي الْمعدة مِمَّا ينصب إِلَيْهَا فِي ذَلِك الْوَقْت ويوهن الْمَادَّة ويقللها فينتفض النافض والحمى مَعًا فتستدعيه بِالْغسْلِ وَالْمَاء فِي وَقت النافض فَإِنَّهُ نَافِع.
شَمْعُون: عَلَيْك فِي هَذَا بِمَا ينْقض البلغم وَبِمَا يدر الْبَوْل بِقُوَّة كحب الصَّبْر ونقيعه وأعطه أَحْيَانًا جوارش الكمون.
حب ينفع من الْحمى البلغمية والنافض الَّذِي لَا يسخن: برز كرفس ثَمَانِيَة دَرَاهِم فلفل سَبْعَة أنيسون أَرْبَعَة جندبادستر مر أفيون جُزْء من كل وَاحِد والجزء دِرْهَم وبحسب الشربة نصف دِرْهَم قبل وَقت الْحمى واسقه طبيخ الزوفا أَيَّامًا فَإِنَّهُ عَجِيب. ويسقى للنافض الدَّائِم وَمَا من جنسه من الحميات العتيقة دَوَاء الكبريت وشخزنايا.
السَّادِسَة من السَّادِسَة: النافض مِنْهُ شَدِيد يسخن بِسُرْعَة وَمِنْه شَدِيد يسخن بإبطاء وَمِنْه يسير سريع السخونة وَمِنْه يسير بطيء السخونة وَالْأول يكون من السَّوْدَاء. وَالثَّانِي من بلغم زجاجي. وَالثَّالِث من بلغم مالح. وَالرَّابِع من بلغم غليظ غير شَدِيد الْبرد.
الرَّابِعَة من جَوَامِع الْعِلَل: إِذا كَانَ سَبَب النافض حاراً فالانتفاض يكون أَشد وَلِهَذَا نافض الغب أَشد من نافض البلغمية. والنافض مركب من رعدة وَمن حس الْبرد فالرعدة تشتد بِسَبَب المحرك وَالْبرد بِسَبَب الْخَلْط وَلذَلِك نافض الغب أَشد من نافض البلغمية.
أوريباسيوس الْجُلُوس فِي الزَّيْت المسخن جيد للنافض الَّتِي لَا سخونة مَعهَا والنافض(4/498)
الَّذِي لَا يسخن يكون من البلغم الزجاجي ويعالج بالمسخن والمقطع والفلافلي والفودنج ودواء الحلتيت.
الساهر علاج انقياليس: هَذِه تحدث من بلغم زجاجي وعلاجها بالقيء بفجل ولوبيا وشبث وفودنج وَمَا أشبه ذَلِك ألف هـ وَبِالْجُمْلَةِ وكل مَا يجلو البلغم عَن الْمعدة ويدر الْبَوْل مثل مَاء الرازيانج والكرفس والسكنجبين والسنبل والأنيسون ويسقي نَقِيع الصَّبْر والإيارج فيقرا وعلاج ليفوريا قَالَ: هَذِه الْحمى يكون من صفراء غير خَالِصَة فليعالج فِي الِابْتِدَاء بسكنجبين)
وجلنجبين ونقيع الصَّبْر وَلَا تسْتَعْمل الْأَشْيَاء الْبَالِغَة الْحر وتوقها لِئَلَّا تصير مَعهَا حمى أُخْرَى.
من الْكَمَال والتمام للبرد الشَّديد فِي ابْتِدَاء الحميات: يُؤْخَذ دهن شبث ويداف فِيهِ مر وفلفل وعاقر قرحاً وَيمْسَح بِهِ الْبدن.
قَالَ ابْن ماسويه فِي الحميات: النافض الْكَائِن فِي الغب بوخز ونخس بِلَا برد شَدِيد وَأما فِي حميات البلغم والسوداء فيحس فِيهَا بِبرد دَاخل وَبرد ظَاهر صَادِق كَأَنَّهُ برد الثَّلج حَتَّى كَأَنَّهُ جَالس فِي ثلج.
ابْن ماسويه قَالَ: اقياليس هِيَ الَّتِي فِيهَا حر دَاخل وَبرد ظَاهر وَتَكون من بلغم زجاجي وبولهم أَكثر بَيَاضًا من بَوْل أَصْحَاب النائبة كل يَوْم وَأَغْلظ من ذَلِك ونبضهم أَبْطَأَ وَأعْرض وَرُبمَا نابت هَذِه كل يَوْم وَرُبمَا نابت غبا وَرُبمَا نابت ربعا فَلَا تلْتَفت إِلَى أدوارها وتختلف أَيْضا بطول نوبتها فَمن أَربع سَاعَات إِلَى أَربع وَعشْرين سَاعَة وطولها عشرُون يَوْمًا وَفِي الْأَكْثَر أقل من ذَلِك لِأَنَّهَا تنضج سَرِيعا وَجَمِيع الحميات الَّتِي تنوب خمْسا وسدساً وَمَا وَرَاء ذَلِك فَتكون من البلغم الغليظ. فَأَما ليفوريا فيبرد فِيهَا بَاطِن الْبدن ويسخن ظَاهره وتحدث عَن الصَّفْرَاء غير الْخَالِصَة واعتن فِي انقياليس بالمعدة بالقيء وأعطه الْجلاب وَمَا يدر الْبَوْل كالسكنجبين وَمَاء الرازيانج والسنبل والأنيسون والقيء بالشبث والفوتنج وَنَحْوه ويسقى نَقِيع الصَّبْر والفيقرا والكمون وَحب الأيارج ويحقن بِمَا يحدر البلغم وَالطَّعَام مَاء الحمص والمري والكمون وأصول السلق وَحب الأرياج والهليون وَبِالْجُمْلَةِ اسْتِعْمَال الجلاءة للمعدة المدرة للبول المسهلة للبطن.
وعلاج ليفوريا فِي المبدأ بسكنجبين وجلنجبين وبآخرة بسكنجبين مَعَ نَقِيع الصَّبْر بِمَاء الرازيانج والكرفس والمصطكى وَاسْتعْمل المسخنة فِي هَذِه أقل من انقياليس.
قَالَ ج فِي آخر الرَّابِعَة من الْعِلَل والأعراض: أَنا نسمي النافض لَيْسَ الْحس بالبرد الشَّديد بل مَا يحدث فِي الْبدن من الرعدة والنفضة.
بولس قَالَ: الْبرد والنافض الْعسر السخونة أَو الَّذِي لَا يسخن يكون من بلغم بَارِد(4/499)
كثير فاربط أَولا الْأَطْرَاف ألف هـ فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ثمَّ ادهن بدهن البابونج أَو الْحِنَّاء أَو السوسن فَإِن كفى وَإِلَّا فاخلط بهَا فلفلاً وقسطاً أَو عَاقِر قرحاً أَو فوذنجاً أَو بورقاً أَو قافلو أَو جندبادستر واخلط بِهِ شَيْئا من شمع لِئَلَّا يسيل بسهولة عَن الْبدن وَإِن كَانَ الْأَمر أَشد حَتَّى لَا يسخن بِهَذِهِ)
أَو حدث لَك فِي عُضْو وَاحِد فضع عَلَيْهِ ضماد الْخَرْدَل والزفت وأعطه دَوَاء الحلتيت أَو من الحلتيت نَفسه قدر بندقة بشراب الْعَسَل أَو بصمغ المحروث وَإِن دهنت الْبدن قبل الدوز بِبَعْض هَذِه الأدهان فَأَما إِن يذهب الْبرد الْبَتَّةَ أَو يوهنه والنافض الْكَائِن للبحران المزمع فَلَا تقاومه والكائن من عرق تقدم فَإِنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَى علاج لِأَنَّهُ لَا يبطئ بل يسكن سَرِيعا. والأدهان الَّتِي ذكر دهن قد فتق فِيهِ عَاقِر قرحاً وقسط.
لي من مسَائِل أبيذيميا: إِن النافض الشَّديد ثَلَاثَة أَنْوَاع وفسرها ثمَّ قَالَ: إِن النافض الغب لَيست فِي نَحْو هَذِه الْبَتَّةَ وَلَيْسَ فِيهَا برد وَلَا تصطك مِنْهَا الْأَسْنَان وَإِنَّمَا هِيَ رعدة فَقَط عديمة الْبرد الشَّديد.
من سوء المزاج الْمُخْتَلف: النافض الَّتِي لَا تلحقها الْحمى إِنَّمَا يعرض للأبدان الَّتِي قد تقدم تدبيرها بالخفض والدعة والاستكثار من الأغذية البلغمية حَتَّى يتَوَلَّد فِيهَا الْخَلْط الزجاجي وَأما انقياليس فَإِنَّهَا مركبة من هَذِه الْحمى وَمن الَّتِي يلْحق نافضها سخونة.
مُفْرَدَات ج: إِنِّي سحقت قيصوماً وانقعته فِي زَيْت وطبخته قَلِيلا ودهنت بِهِ بدن صَاحب النافض قبل الْوَقْت الَّذِي يَبْتَدِئ بِهِ النافض خفت حَتَّى لَا يقشعر إِلَّا قَلِيلا جدا والفودنج النَّهْرِي إِن طبخ بِزَيْت وَذَلِكَ الْبدن بذلك الزَّيْت دلكا شَدِيدا قبل وَقت النافض أبْطلهُ وَكَذَلِكَ إِن شربت مِنْهُ يَابسا بِمَاء الْعَسَل.
لي إِذا كَانَ الْبرد فِي حمى قَوِيا فَإِنَّهُ يدل على أَن خلطها غليظ بَارِد جدا وَلِهَذَا يحْتَاج إِلَى أدوية ملطفة مسخنة كالحلتيت والمر والسذاب والفودنج والثوم والفلف وَالشرَاب الْعَتِيق فَإِنَّهَا تلهب الْبدن حرارة لَطِيفَة وتلطف ذَلِك الْخَلْط ويسرع إقلاع الْحمى بهَا. الْقسْط يدلك بِهِ بدهن من يَأْخُذهُ النافض قبل وَقت النّوبَة. والعاقر قرحاً إِن دلك بِهِ الْبدن بِزَيْت قبل النافض أبْطلهُ. د دهن بِلِسَان يبطل النافض إِن مرخ بِهِ قبل وقته. المر ألف هـ إِن شرب مِنْهُ كالنبقة قبل النافض بساعتين أبْطلهُ الفلفل إِن سحق ومرخ بدهن قبل النافض أبْطلهُ. أغاريقون إِن شرب قبل النافض أبْطلهُ. زراوند مدحرج يبطل النافض إِن شرب والفودنج أَيْضا القلهمان قَالَ: السكبينج الْأَصْبَهَانِيّ ينفع من النافض. الفلاحة: بزر الفجل ينفع من النافض جدا وَحمى الرّبع.)
الْعَاشِرَة من حِيلَة الْبُرْء قَالَ: النافض يكون عِنْد مَا تتحرك الأخلاط اللذاعة نَحْو العضل الملبس على الْبدن. وبقدر كثرتها أَو بردهَا أَو رداءتها أَو سرعَة حركتها وَضعف الْقُوَّة يكون النافض. وأضداد هَذِه تخفف فَأَما القشعريرة فَإِنَّهَا تكون عِنْدَمَا تضعف كَيْفيَّة الفضول وتقل كميتها أَو تسكن مُدَّة حركتها وخاصة إِن كَانَت الْقُوَّة مَعَ ذَلِك قَوِيَّة فَإِن ازدادت هَذِه قلَّة أَو قلَّة رداءة كيفيته أَو بطء حَرَكَة وَالْقُوَّة قَوِيَّة لم تكن قشعريرة لَكِن تكسر فَقَط.(4/500)
لي أعرف فضل النافض على القشعريرة فِي هَذِه ليَكُون دَلِيلا لَك على حَال الأخلاط المولدة للحمى.
الْإِسْكَنْدَر من كتاب الْمعدة: القشعريرة والنافض يكونَانِ من خلط ني أَو من يبس أَو من قلَّة غذَاء أَو من غَلَبَة مرار أَو من ورم فِي الْبَطن.
لي وَمن مُدَّة وَمن خلط لذاع ينخس شَيْئا بِسُرْعَة وَيَنْبَغِي أَن يحذر هَذَا كُله.
مسيح إِذا عفن البلغم الزجاجي كُله وَلَا يكَاد يكون ذَلِك إِلَّا فِي الندرة كَانَ النافض مَعَ برد مفرط بِمرَّة وَأكْثر مَا يعفن بعضه ويتولد عَنهُ حر وَبرد فِي حَال وَاحِدَة وعلاجها علاج البلغمية إِلَّا أَنه يجب أَن يكون بأَشْيَاء أقوى تقطيعاً وتلطيفاً.
لي بِحَسب شدَّة برد النافض مل إِلَى التقطيع والإسخان. وَلَقَد حَدثنِي أَبُو الْحسن أَنه كَانَ بِرَجُل نافض شَدِيد يكَاد أَن تَنْقَطِع أوصاله ويصيح وَسَأَلَ أَن يمسك عُنُقه ومفاصله. وَلَا يكون بعقبه حمى وَأَنه خرج مِنْهَا فِي مَرَّات.
قسطا فِي كِتَابه فِي البلغم يعالج النافض الْعَارِض من حر وَبرد مَعًا وَيكون من البلغم عفن وَغير عفن فَلذَلِك يحْتَاج إِلَى تبريد وتلطيف كالسكنجبين بِمَاء الرُّمَّان ويحذر الأغذية اللزجة فِي هَذِه الْعلَّة كل الحذر ويغذى بخل وزيت وخبز مغسول بسكنجبين وجلاب ومص الْبُقُول كالهندباء والكرفس. والنافض الَّذِي لَا يسخن يعالج بالسفرجل المسهل والتمري ثمَّ بالكموني وَالشرَاب الصّرْف المسخن أَو الممزوج بِمَاء حَار. والأغذية الحارة الجلاءة كالعسل والفانيز ألف هـ وَالزَّبِيب والتين واللوز والجوز والفستق.
فِي الْحمى الَّتِي يعرض فِيهَا حر وَبرد مَعًا انقياليس وليفوريا وطيفورس وَالَّتِي ظَاهر الْبدن بَارِد وباطنه حَار وَالَّتِي لَهَا أدوار غَرِيبَة.
ورق البنج إِذا شرب مِنْهُ أَو من الأقراص المعمولة مِنْهُ بِمَاء الْعَسَل نفع من الْحمى الَّتِي يعرض فِيهَا)
حر وَبرد مَعًا.
سيساليوس جيد للحمى الَّتِي يعرض فِيهَا حر وَبرد مَعًا.
قَالَ ج فِي الْعِلَل والأعراض: إِن البلغم(4/501)
الزجاجي إِذا عفن بعضه وَبَقِي بعضه لم يعفن حدثت عَنهُ الْحمى الْمُسَمَّاة انقياليس.
من أَصْنَاف الحميات: هَذِه الْحمى من شكل الْحمى الَّتِي يكون فِيهَا بلغم بعضه قد عفن وَبَعضه لم يعفن.
وَقَالَ إِذا جرى الصِّنْف الحامض والزجاجي من البلغم فِي الْأَعْضَاء الحساسة كَانَ مِنْهُ النافض لَا تلْحقهُ حمى فَإِن شَأْنهمَا شَيْء من عفن كَانَ مِنْهُ انقياليس وَإِن كَانَ عفنه أَكثر تَبعته حمى ابْن ماسويه فِي الحميات: الْحمى الَّتِي يعرض فِيهَا حر وَبرد مَعًا تكون من البلغم الزجاجي إِذا عفن بعضه وَالْبَوْل فِي هَذِه الخمى إِلَى الْبرد أميل مِنْهُ فِي البلغمية الْخَالِصَة بِسَبَب فضل برد هَذَا الصِّنْف من البلغم على ذَلِك وَكَذَلِكَ النبض فَإِنَّهُ أَبْطَأَ وَأعْرض. وأدوار هَذِه الحميات تخْتَلف وَرُبمَا كَانَت غبا وَرُبمَا كَانَت كل يَوْم وكل ثَلَاثَة أَيَّام. وبقاؤها عشرُون يَوْمًا أَو زِيَادَة قَليلَة. وَفِي الْأَكْثَر تَنْقَضِي قبل الْعشْرين لِأَن الطبيعة تنضجه سَرِيعا ونوبتها من أَربع سَاعَات إِلَى أَربع عشرَة سَاعَة وَرُبمَا زَاد وَرُبمَا نقص.
والحميات الَّتِي تَدور فِي سبع وَخمْس وَغير ذَلِك فَهِيَ من بلغم غليظ وسوداء وَيخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف الْخَلْط. وَأما ليفوريا فتبرد فِيهَا الْأَطْرَاف وَظَاهر الْبدن ويحترق الْجوف مَعَ عَطش شَدِيد وخشونة اللِّسَان وَصغر النبض وَهِي ضد انقياليس لِأَن فِي هَذِه يلتهب الْخَارِج ويبرد الدَّاخِل والحرارة فِي هَذِه مائلة إِلَى ظَاهر الْبدن. فَأَما الَّتِي يَحْتَرِق بَاطِن الْبدن ويبرد ظَاهره فَإلَى دَاخل ميل الْحَرَارَة فِيهَا وَيكون من الصَّفْرَاء الغليظة غير الْخَالِصَة. فِي انقياليس اعتن بالمعدة بالقيء وَبِمَا يجلوها وبإدرار الْبَوْل كالسكنجبين والسنبل والأنيسون والكرفس وَنَحْوه ويقيأ بعد الطَّعَام بفجل وَنَحْوه ألف هـ ويسقى من بعده نَقِيع الصَّبْر وجوارش الكموني وَحب الإيارج نَافِع جدا فِي هَذِه. والحقن الَّتِي بشبث وقنطوريون ولب القرطم وَالطَّعَام مَاء حمص ومرى وكمون وأصول السلق وهليون وَجُمْلَة تسْتَعْمل المدرة للبول والمسهلة باعتدال والجلاءة الْمُقطعَة. وَأما ليفوريا فعالج فِي الِابْتِدَاء بسكنجبين وجلنجبين وبآخرة نَقِيع الصَّبْر ونقيع الإيارج والمدرة للبول وَيكون مَا تستعمله فِيهَا أقل حرارة مِنْهَا فِي انقياليس.)
أبيذيميا قَالَ: والحميات المختلطة تكون عَن الأخلاط الْمُخْتَلفَة.
جورجس الخمسية تكون من خلط سوداوي أبرد قَلِيلا وعلاجها كالربع بِالصَّوْمِ والقيء بعد الطَّعَام والترياق الْكَبِير نَافِع وَالْحمام لَا تسْتَعْمل فِيهِ المَاء لَكِن حرارة فَقَط وتدبير الرّبع تَدْبيره.
جَوَامِع اغلوقن: طيقورش وَهِي الَّتِي تلتهب الدَّاخِل وَالْخَارِج بَارِد وَهِي أطول مُدَّة من شطر الغب.
ابْن سراييون فِي انقيالوس: ألزمهُ الْقَيْء وإدرار الْبَوْل بالكرفس وأعطه جلنجبينا وسكنجبينا ونقيع الصَّبْر وإيارج فيقرا فِي الأحيان وَحب الصَّبْر وَحب الْغَار واحقن بِمَاء فِيهِ حِدة لينحل ذَلِك البلغم عَن الْمعدة.
وَأما ليفوريا فأعط فِي الِابْتِدَاء جلنجبينا وسكنجبينا وبآخره نَقِيع الصَّبْر وإيارجا وَمَاء الرازيانج والهندباء والكرفس وأقراص ورد وكل مَا انْقَضتْ حرارته فَاسْتعْمل أَشْيَاء أسخن وَمُدَّة نوبَة هَذِه من أَربع سَاعَات إِلَى عشْرين وتلبث من عشْرين إِلَى أَرْبَعِينَ وَقد تطول أَيْضا وَهِي من بلغم زجاجي إِذا عفن وَأما النافض بِلَا حمى فَإِنَّهُ من بلغم زجاجي غير عفن وَقد كثر فِي الْبدن.(4/502)
قَالَ ديسقوريدوس: شراب الْعَسَل يذهب النافض المزمن دهن البلسان إِذا دهن بِهِ أبطل النافض. د: الجاوشير إِذا سقِِي بِمَاء الْعَسَل يُوَافق النافض والحميات الدائرة الزراوند المدحرج ينفع من النافض والحميات الدائرة. دهن القيصوم يسكن النافض المر إِن شرب مِنْهُ مِقْدَار باقلاة بِقَلِيل مَاء قبل وَقت النافض بساغتين سكنها الإيرسا ينفع من الْبرد والنافض طبيخ السذاب الرطب والشبث ينفع من النافض إِذا شرب.
ديسقوريدس: العاقر قرحاً إِن جعل فِي زَيْت وتمسح بِهِ قبل وَقت النافض نفع من النافض والقشعريرة الكائنة ألف هـ بأدوار.
جالينوس: الفلفل إِن جعل فِي دهن وتمسح بِهِ نفع من النافض. طبيخ الفودنج ينفع مِنْهُ إِذا شرب. د الفودنج النَّهْرِي يسخن ويجفف جَمِيع الْبدن وَكَذَلِكَ يسْتَعْمل للنافض بِأَن يسقى مِنْهُ بِمَاء)
قَالَ جالينوس: الْقسْط إِن لطخ بِهِ مَعَ زَيْت قبل النافض أبْطلهُ. د: القيصوم يعْمل مِنْهُ مَعَ زَيْت مسوح جيد للنافض.
وَقَالَ ج: أَطْرَافه إِن طبخت ودهن بِهِ فِي زَيْت أَو أنقعت فِيهِ ودلكت بِهِ قبل النافض خفف النافض حَتَّى لَا يقشعر إِلَّا يَسِيرا جمة الشبث وبزره إِذا طبخا وشربا سكنا النافض ودهن الشبث يُوَافق النافض بحرارته. د: الزَّيْت الَّذِي يطْبخ فِيهِ فودنج يُخَفف النافض.
بولش لبن التِّين الْمُسَمّى بالجميز مَتى تمسح بِهِ نفع من النافض دهن الْغَار ينفع من الاقشعرار جدا الأغاريقون إِذا شرب قبل الدّور أبطل النافض. أغاريقون يبطل النافض الَّذِي يكون بأدوار.
لي مِمَّا يبطل النافض أَو يخففه: إِن نكب فِي وقته على مَاء حَار ويطرح عَلَيْهِ كسَاء ليعرق الْعرق لِكَثْرَة البخار طول ذَلِك الْوَقْت. د وَج النافض الْكَائِن بأدوار إِنَّمَا يكون من أخلاط غَلِيظَة لزجة.
ابْن ماسويه الْأَدْوِيَة الَّتِي تَنْفَع من برد الحميات البلغمية: إِن يسْقِي فِي وَقت الْبرد مِثْقَال ايرسا مسحوق مَعَ مَاء حَار وَكَذَلِكَ الْقسْط مِثْقَال أَو يدهن بدهنه. وعيدان بِلِسَان وَحب بِلِسَان إِذا شربا ولطخا بدهن سوسن أَو بدهن الْحل ودهن بِهِ الْبدن. والمر إِذا شرب مِنْهُ مِثْقَال بِمَاء الْعَسَل سكن النافض ودهن القيصوم إِذا دهن بِهِ الْبدن والجاوشير إِذا شرب أَو دهن بدهنه للنافض والحاشا مَتى شرب مِنْهُ دِرْهَمَانِ أبطل النافض.(4/503)
من التَّذْكِرَة: للنافض ترْبط الْأَطْرَاف فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وتدهن بدهن البابونج ودهن الْحِنَّاء ودهن الإيرسا فَإِن أردته أقوى فَاجْعَلْ فِيهِ فلفلاً وجندبادستر وقاقلة.
وازفى مَجْهُول قَالَ: اسْقِ للنافض حب المنتن مثقالين فَإِنَّهُ يذهب بِهِ الْبَتَّةَ. أَو هَذَا: سكبينج جاوشير أنجدان كرماني بزر كرفس فلفل مِثْقَال من كل وَاحِد بزر بنج زراوند زعفران جندبادستر مر فربيون زنجبيل نانخواه من كل وَاحِد دانقان بزر حرمل عَاقِر قرحاً مِثْقَال مِثْقَال يدق ويعجن بالعسل الشربة مثل البعرة بِمَاء سخن ينفع من النافض وَالرِّيح.
مطبوخ للحميات العتيقة خَاصَّة للبرد الصعب: كسبرة ورد مر من كل وَاحِد دِرْهَمَانِ بزر كرفس صعتر فَارسي من كل وَاحِد ثَلَاثَة ينفع ألف هـ من النافض برطل مَاء حَار يَوْمًا)
وَلَيْلَة وَيشْرب غدْوَة ثَلَاث أَوَاقٍ وتعاد الْأَدْوِيَة فِي كل يَوْمَيْنِ فَإِذا أحس بِبرد الْحمى فيشرب طبيخ الشبث حاراً وَالْملح والسكنجبين ويتقيأ للبرد الشَّديد الْحَادِث فِي الحميات أَو يُؤْخَذ شبث مر فلفل عَاقِر قرحاً يطْبخ بدهن الْحل وَيمْسَح بِهِ الْبدن.
الْعِلَل والأعراض: الْأَسْبَاب المعنية على حُدُوث النافض والقشعريرة خَمْسَة أَسبَاب: كَثْرَة الأخلاط الرَّديئَة فِي الْبدن وَالثَّانِي حدتها وَالثَّالِث سرعَة حركتها وَالرَّابِع سرعَة قبُول الْبدن للآفات وَالْخَامِس كَثْرَة حسه وكل سَبَب يحدث عَنهُ أَذَى فقد يجوز أَن يحدث عَنهُ نافض لَا يَخْلُو أَن يكون إِمَّا حاراً وَإِمَّا بَارِدًا فَإِن كَانَ بِلَا مَادَّة وَذَلِكَ أَنه يعرض من المَاء الْبَارِد إِذا رش على الْبدن نافض ويعرض من شرار النَّار إِذا وَقعت على الْبدن انتفاض والصفراء قد تحدث النافض والأخلاط الردية إِذا كَانَت فِي الْبدن وَكَانَت قَليلَة أحدثت التمطى وَإِن كَانَت كَثِيرَة أحدثت إعياء وَإِن كَانَت أَكثر أحدثت قشعريرة وَإِن كَانَت أَكثر أحدثت نافضاً والنافض إِمَّا أَن يكون من سَبَب حَار وَإِمَّا من سَبَب بَارِد وَالسَّبَب الْحَار إِمَّا أَن يكون بِلَا مَادَّة كالنافض الْحَادِث من الشَّمْس وَالْحمام وَقد قُلْنَا إِذا هَذَا يكون إِذا كَانَ فِي الْبدن أخلاط ردية وشفاء هَذَا النافض يكون بالتبريد وَإِمَّا أَن يكون مَعَ مَادَّة كالنافض الْحَادِث عَن الصَّفْرَاء فشفاؤه الاستفراغ. والكائن عَن برد إِن كَانَ بِلَا مَادَّة كَالرِّيحِ الشمَال وَالْمَاء الْبَارِد فشفاؤه الإسخان وَإِن كَانَ مَعَ مَادَّة كالكائن فِي حمى بلغم فشفاؤه إِن كَانَ قَلِيلا الإنضاج وَإِن كَانَ كثيرا الاستفراغ وَرُبمَا احْتَاجَ إِلَى الاستفراغ ثمَّ إِلَى إنضاج مَا بَقِي. والنافض يكون إِمَّا من سَبَب حَار وَيلْحق ذَلِك لَا محَالة حمى أَو من سَبَب بَارِد فَذَلِك السَّبَب يكون إِمَّا من مرّة سَوْدَاء أَو من بلغم زجاجي وَإِذا كَانَ من مرّة سَوْدَاء فَإِنَّهُ يلْحقهَا لَا محَالة حمى ربع وَإِذا كَانَت من بلغم زجاجي فَإِنَّهُ إِن كَانَ قد عفن كُله حدث بعد النافض حمى كل يَوْم وَإِن كَانَ لم يعفن مِنْهُ شَيْء لم يتبع نافضها حمى وَإِن كَانَ بعضه عفن وَبَعضه لم يعفن حدثت انقيالوس.
وأجناس النافض ثَلَاثَة: الَّذِي تتبعه حمى وَالَّذِي لَا تتبعه حمى وَالَّذِي يتبعهُ الْمَوْت. وَالَّذِي يتبعهُ الْمَوْت يكون من سُقُوط الْقُوَّة الطبيعية وَالْقُوَّة إِذا قهرت النافض حللته وأخرجته(4/504)
بالعرق فَإِن قهر النافض الطبيعة كَانَ مهْلكا لضعف الْحَرَارَة الغريزية. إِذا كَانَ سَبَب النافض حاراً كَانَت الرعدة أَشد لِأَن السَّبَب الْحَار أَكثر حَرَكَة. وَالسَّبَب المؤذي إِذا كَانَ متحركاً كَانَ أَدَاة أَشد وأزيد وَإِذا كَانَ السَّبَب بَارِدًا كَانَ الانتفاض أقل لضد تِلْكَ الْعِلَل. وَالْبرد مَعَ النفض يعرض فِي)
الرّبع والبلغمي وَفِي كل نافض يهرب الْحَرَارَة الغريزية إِلَى قَعْر الْبدن وَلذَلِك يقل الدَّم فِي ظَاهر الْبدن.
ألف هـ ابْن ماسويه: إِذا كَانَ البلغم غير عفن سابحاً فِي الْبدن كُله حدث النافض بِلَا حمى.
قَالَ: إِذا صَعب برد البلغم فِي الرّبع وَغَيره من نَحوه فاسقه مَاء سخناً قد طبخ فِيهِ أنيسون وفوذنج ومصطكى وَأدْخل تَحْتَهُ مَاء مغلي فِيهِ فوذنج وإذخر وَمر زنجوش وشبث وَتَمام أَو مَاء دَوَاء للنافض والحمى المزمنة: صعتر نانخواه كزبرة ورد فوذنج زنجبيل زبيب منزوع الْعَجم يطْبخ من كل وَاحِد خَمْسَة مَثَاقِيل برطلين من مَاء حَتَّى يصير رطلا ويسقى ثلث رَطْل. ويسكن النافض إِن شرب مَاء الجرجير ثَلَاث أَوَاقٍ وَإِن دهن بدهن قد طبخ فِيهِ عَاقِر قرحاً فِي وَقت الْبرد فَإِنَّهُ يسكنهُ وَلَا ينَام عِنْد النافض فَإِنَّهُ يزِيد بل يَتَحَرَّك وَيذْهب وَيَجِيء.
فِي كتاب ج فِي أزمان الْأَمْرَاض: إِنَّه مَعَ برد الْبدن يَبْتَدِئ النبض يصغر وينتفض إِلَى دَاخل وَذَلِكَ أَن الدَّم يغور نَحْو العمق.
قَالَ الْكِنْدِيّ: الْمَشَايِخ لَا يكون لَهُم حمى صالب لقلَّة أكلهم وبردهم وَضعف حرارتهم.
قَالَ ج فِي سوء المزاج الْمُخْتَلف: النافض بِلَا حمى لَا بُد من أَن يكون قد تقدمه التَّدْبِير المفرط فِي الْخَفْض والسدد حَتَّى اجْتمع فِيهِ بلغم زجاجي وَلذَلِك زعم الْأَطِبَّاء القدماء: أَنه لَا يكون نافض لَا يلْحقهَا حمى لِأَن النَّاس فِي ذَلِك الزَّمَان لم يَكُونُوا مفرطين فِي التَّدْبِير هَذَا الإفراط.
ابيذيميا مَتى بَقِي الْبرد فِي الْحمى من أَولهَا إِلَى آخرهَا فَإِنَّهُ دَلِيل رَدِيء وَكَذَا مَتى كَانَ الْبَاطِن يَحْتَرِق وَالظَّاهِر شَدِيد الْبرد فرديء.
دهن للنافض: يذاب خَمْسَة دَرَاهِم ميعة فِي عشرَة دَرَاهِم زنبق قد ألقِي مِنْهُ فِي الرطل أُوقِيَّة قسط مر يسحق كالغبار ثمَّ يمرخ بِهِ فقار الظّهْر والموضع الَّذِي يحس فِيهَا بِبرد كَثِيرَة.
البحران: النافض يكون عَن سَبَب حَار. من ذَلِك أَن من وضع على مَوضِع قرحَة دَوَاء حاراً لذع لذعاً شَدِيدا ينتفض ويرتعد. وَمن بدنه مَمْلُوء أخلاطاً دخانية وَدخل الْحمام أَو سخنته الشَّمْس يقشعر ويرتعد وَكَذَا المحموم والمتخم تخمة قَوِيَّة. وكل من بدنه مَمْلُوء أخلاطاً حارة إِن دخل الْحمام أَو سخنته الشَّمْس إسخاناً قَوِيا أَو تحرّك حَرَكَة قَوِيَّة يقشعر. فَإِن لبث مُدَّة انتفض وارتعد لِأَن الفضول الَّتِي كَانَت سَاكِنة تتحرك حَرَكَة أقوى فَإِذا تحركت ونفذت فِي)
الْأَعْضَاء الحساسة فيتيسر غورها ونخستها فأحدثت بذلك ألف هـ نافضاً ورعدة وَكَذَا من ينضح على(4/505)
بدنه مَاء حاراً يجد أَولا كالنخس من الإبر ثمَّ يرتعد لشدَّة ذَلِك النخس فَأَما الآخر فَإِنَّهُ يجد بردا صَادِقا وَلَا يحس بِقَبض الْجلد كَالْبردِ الَّذِي يجده فِي الشتَاء عِنْد شدَّة الْبرد.
من الحميات: قد رَأينَا نافضاً بِلَا حمى يَدُور على نَوَائِب لَازِمَة للنظام وَغير لَازِمَة للنظام وَإِذا دَامَت هَذِه أحدثت حمى لَا محَالة لِأَن النافض من بلغم لم يعفن وَإِذا عفن تَبعته حمى من جنس النائبة كل يَوْم وَكَانَت طَوِيلَة مزمنة وَقَالَ: إِذا جرى الصِّنْف الحامض والزجاجي من البلغم فِي الْأَعْضَاء الحساسة كَانَ مِنْهُ نافض لَا يلْحقهُ حمى وَإِن شابه شَيْء من عفن كَانَ مِنْهُ انقيالوس وَإِن عفن أَكثر تَبعته حمى حارة.
من جَوَامِع البحران: النافض يكون من سَبَب حَار كالصفراء من دَاخل وَالْمَاء الْحَار من خَارج وَمن سَبَب بَارِد كبرد الْهَوَاء من خَارج والخلط البلغمي من دَاخل.
من جَوَامِع الحميات الْغَيْر المفصلة: النافض يكون عَن الأخلاط بِسَبَب الْحَرَارَة لَيست وَاحِدَة لِأَنَّهُ يعرض مِنْهَا إِن تلذع الْأَعْضَاء الحساسة وتؤذيها فتغور لذَلِك الْحَرَارَة الغريزية إِلَى دَاخل فَلذَلِك يعقب اللذع والنخس برد لِأَن الْحَرَارَة إِذا غارت إِلَى دَاخل بردت الظَّاهِر وَدَلِيل ذَلِك أَن النَّاس يَحْتَاجُونَ فِي وَقت النافض إِلَى دثار أَكثر لِأَن الْحَرَارَة تغور إِلَى دَاخل وَلذَلِك يتزيد النافض إِذا نَام صَاحبه وينفع إِن يغطى عِنْد النافض فَإِنَّهُ يخففها. والنافض عَن الْحَرَارَة إِنَّمَا يكون بِالْعرضِ لِأَنَّهُ ينخس الْأَعْضَاء ويؤذيها فتغور الْحَرَارَة ويبرد لذَلِك ظَاهر الْبدن جدا. وَأما الْخَلْط الْبَارِد فَإِنَّهُ يبرد بِالْعرضِ والجوهر وَإِنَّمَا يبرد الْأَطْرَاف أسْرع لبعدها من الْقلب.
ابيذيميا: النافض أَكثر مَا يَبْتَدِئ فِي الشتَاء من أَسْفَل الصلب ثمَّ يترقى فِي الظّهْر إِلَى الرَّأْس والنافض إِلَى النِّسَاء أسْرع مِنْهُ إِلَى الرجل لبردهن ويبتدئ من الظّهْر أَكثر لِأَنَّهُ أبرد من الْبَطن وَيكون من جَمِيع ظَاهر الْأَعْضَاء إِلَى الْأَطْرَاف أسْرع بِحَسب مَا هِيَ أبعد من الْقلب. الْحمى ينفع من النافض الَّذِي لَيْسَ مَعَه حمى وَلَا ورم فِي الْبدن.
قَالَ: النافض الشَّديد الَّذِي يكون بِسُرْعَة خير من الْكَائِن بِشدَّة وَيطول مقَامه فِي النّوبَة ألف هـ قَالَ: النافض الْقوي الشَّديد يكون عَن البلغم الْقوي الْبرد وَهُوَ من الزجاجي أَو عَن مرّة سَوْدَاء.)
لي وَيكون مَعَ هَذَا الْبرد الشَّديد الصعب فَأَما فِي الغب فالارتعاد من غير برد شَدِيد.
قَالَ: وَقد يعرض النافض إِذا تفتحت الْجِرَاحَات وَعند الكي والبط وَعند وضع دَوَاء حَار على القرحة وَعند الحميات وَعند البحران وَفِي الْحمام وَالشَّمْس.
النافض الَّذِي لَا يكون من أجل سَبَب خَارج يَبْتَدِئ كُله من الْقطن وَالظّهْر.
ابيذيميا: النافض الشَّديد يخرج من الفضول عَن الْبدن والنافض أَكثر مَا يَبْتَدِئ فِي النِّسَاء من أَسْفَل الصلب ثمَّ يترقى من الظّهْر إِلَى الرَّأْس وَهِي أَيْضا فِي الرِّجَال يَبْتَدِئ من(4/506)
خلف أَكثر مِمَّا يَبْتَدِئ من قُدَّام مثل مَا يَبْتَدِئ من الصاعدين إِلَى الفخذين وَالْجَلد أَيْضا فِي مقدم الْبدن متخلخل وَيدل على ذَلِك الشّعْر.
قَالَ جالينوس: كل نافض فَإِنَّهُ يَبْتَدِئ مَعَ برد محسوس وَالْبرد إِلَى مَا يَلِي الظّهْر أسْرع وَتلك النواحي أَيْضا مَعَ ذَلِك إِلَى أَن يحس بِمَا يعرض لَهَا من الْبرد أسْرع فبالواجب يَبْتَدِئ النافض من الظّهْر وَهُوَ إِلَى النِّسَاء أسْرع لبردهن ثمَّ إِن النافض إِذا ابْتَدَأَ من تِلْكَ النواحي يترقى إِلَى أصل العصب ويتصل بعد بِجَمِيعِ الْبدن لمواصلته النخاع وَأما مقدم الْبدن فَلَيْسَ يَبْتَدِئ مِنْهُ القشعريرة شرب الشَّرَاب بِمثلِهِ مَاء يذهب بالقشعريرة لِأَنَّهُ يعدل الأخلاط ويجودها.
جَوَامِع اعلوقن: النافض إِن كَانَ مَعَه مس برد فَهِيَ نافض بلغم وَإِن كَانَ مَعَه مس تكسر الْعِظَام فنافض ربع وَإِن كَانَ مَعَه غرزان ووخز فنافض غب.
من الْعِلَل والأعراض: النافض الَّذِي لَا يلْحقهُ حمى لَا يكون أبدا فِي الْقُوَّة مثل نافض الغب وَالرّبع وَالَّذِي بِهِ تتحلل الْحمى المحرقة.
قَالَ: وَمن شَأْن هَذَا النافض الَّذِي تتبعه حمى أَن يحدث عَن التملؤ والاستحمام بعد الْأكل وَتقدم أَطْعِمَة بلغمية وَلَا يرتاض وَالَّذِي يرعد من نافض ويهز ويحرك فَلَيْسَ أصلا من خلط بَارِد وَكلما كَانَ النافض أقوى كَانَت مُدَّة بَقَائِهِ أقل. وَإِنَّمَا يعرض برد ظَاهر الْبدن عِنْد النافض لِأَن الدَّم وَالروح يميلان إِلَى دَاخل وَكَذَلِكَ أَيْضا يكون الْبُرُودَة فِي الْأَطْرَاف أَكثر.
الطَّبَرِيّ: نافض البلغمية وَالرّبع يزْدَاد مَتى أمعن لِأَن الْخَلْط لَا يكون فِي أول الْأَمر قد استحكم عفنه فَإِذا أمعن استحكم عفنه وَصَارَت ألف هـ كيفيته لذاعة مؤذية.
لي فِي هَذَا الْكَلَام إصْلَاح وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ معنى فَقَط.
من أقرابادين ابْن سرابيون: للنافض والحمى مَعَ برد وعرق كثير فِي أَوَاخِر الحميات: أُوقِيَّة)
فوذنج يطْرَح فِي قدر بِثُلثي رَطْل مَاء ويغلى حَتَّى يبْقى أوقيتان ويسقى أَيَّامًا فَإِنَّهُ عَجِيب (الْحمى الوبئية) (أولويوس وَهِي الوبئية اسْتَعِنْ بِبَاب الوباء ورده إِلَى هَهُنَا وَفِيه شَيْء من) (الْخَامِسَة عشرَة من النبض) قَالَ فِي الْمقَالة الأولى من أَصْنَاف الحميات: الْحمى الوبئية كلهَا تكون من العفونة.
من كتاب العلامات: 3 (الْحمى الوبئية أردى الحميات) كلهَا عَامَّة وَهِي قَوِيَّة يعرض مَعهَا تنفس عَال شَدِيد وإعياء وَغشيَ واسترخاء الْبدن وسعال يَابِس وبثر أشقر وأحمر وقيء السَّوْدَاء واختلافها وَاخْتِلَاف زبدي كثير وَهِي تقتل سَرِيعا وَهِي قَوِيَّة من أول أمرهَا وَمَعَهَا(4/507)
ضيق نفس ونبض صَغِير كثيف مُخْتَلف ويتقلب صَاحبهَا تقلباً شَدِيدا ويرتعد فِي الرَّابِع وَتظهر بِهِ بثور شقر وحمر ثمَّ تغيب سَرِيعا وَتذهب ويعرض فِيهَا سعال يَابِس ووجع فِي الشراسيف وقيء صفراء وَرُبمَا تقيأ سَوْدَاء وَرُبمَا اخْتلف.
وَحمى لوموروس رُبمَا تشتد بِاللَّيْلِ ويعرض مَعهَا سهر وَسُقُوط الشَّهْوَة ووجع الْقلب وَبرد الْأَطْرَاف وَبَوْل قَلِيل أَحْمَر منتن وقلاع فِي الْفَم وقروح وَعظم الطحال ويزمن وَيطول وَيصير كَأَنَّهُ(4/508)
(الحميات المركبة) 3 (والمطريطاوس والليلية والنهارية وَشطر الغب اسْتَعِنْ بِبَاب الغب بِمَا قَالَ اغلوقن فِي) 3 (الغب الْغَيْر الْخَالِصَة) قَالَ ج فِي الْمقَالة الثَّانِيَة من كتاب البحران: مَتى كَانَ الْمَرَض مُفردا وَلم يعرفهُ الطَّبِيب مُنْذُ أول يَوْم فقبيح جدا رَدِيء بل إِن كَانَ مركبا من مرضين أَو ثَلَاثَة فَلَيْسَ يقبح بالطبيب وَلَا يضرّهُ أَن يحْتَاج لتعرف الْمَرَض الْمركب فِي الْيَوْم الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث.
لي أفهم من قَوْله الْمَرَض أَي حمى يَنْبَغِي أَن تروض نَفسك أَولا فِي تعرف الْأَمْرَاض المفردة من نفس طبيعة الْأَمْرَاض لَا من الْأَشْيَاء الَّتِي تتفق من خَارج ثمَّ تنظر فِي مَا يحدث فِيهَا كثيرا فمثال ذَلِك إِن نظرت لتعرف الغب إِلَى أَن تنوب فِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِنَّهُ إِن كَانَ بالعليل حمى غب فَإِنَّهُ يكون لَهَا كل يَوْم نوبَة فَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن تقتصر على ذَلِك دون النّظر ألف هـ فِي نفس طبائع الْحمى فَإِن أَصْنَاف الْحمى لَا تتشابه إِلَّا فِي ابْتِدَاء نوبتها وَلَا فِي تزيدها وَلَا فِي مُنْتَهَاهَا وَلَا فِي انحطاطها وَلَا فِي الْأَعْرَاض الَّتِي تلحقها. وَلَو كَانَت الغب والبلغمية لَا توجدان مفردتين فِي حَال لما كَانَ إِلَى التَّفْرِقَة بَينهمَا سَبِيل لكنه لما كَانَ كل وَاحِد من الغب والبلغمية تُوجد خَالِصَة لم يعسر إِذا عرف طبعها مُفْردَة إِن يفرق بَينهمَا وَذَلِكَ أَن البلغمية تنوب كل يَوْم والغبان اللَّتَان يَنُوب كل وَاحِد مِنْهُمَا كل يَوْم تشتبهان.
قَالَ: 3 (جَمِيع الحميات المفردة فِي ثَلَاثَة أَجنَاس) كل جنس مِنْهَا يَنْقَسِم لنوعين وَذَلِكَ إِنَّهَا إِمَّا أَن تكون دائمة مطبقة وَإِمَّا دَائِرَة وَكَذَلِكَ كل الحميات الدائمة والمفارقة فِي أول النّوبَة لِأَن بَعْضهَا يعرف فِي أول النّوبَة وَبَعضهَا فِي أول التزيد وَبَعضهَا فِي الْمُنْتَهى وَبَعضهَا فِي الانحطاط أَو فِي وَقت الفترة. وَمَتى كَانَ الْمَرَض مركبا فَلَيْسَ بسهولة مَعْرفَته كسهولة معرفَة المفردة لكنه يحْتَاج إِلَى فطنة ورياضة وَأَنا أصف لَك أبلغ الطّرق فِي رياضتها يَنْبَغِي أَن ترتاض فِي تعرف الْمُفْردَات حَتَّى تعرفها بسهولة وَسُرْعَة ثمَّ تديم النّظر فِي المركبة.
قَالَ: والحميات المركبة قِسْمَانِ إِمَّا أَن تتركب فِيهَا الْأَصْنَاف الَّتِي ذَكرنَاهَا يتركب بَعْضهَا مَعَ بعض أَعنِي الرّبع وَالْغِب والنائبة كل يَوْم من غير أَن يكون فِي الْبدن ألم يَعْنِي ورماً حاراً أَو نَحوه مِمَّا يُولد حمى أَو يكون عُضْو حدث فِيهِ ورم فتتولد عَنهُ حمى وكل وَاحِد من هذَيْن الْقسمَيْنِ يحْتَمل أَن يَنْقَسِم قسْمَة أُخْرَى وَذَلِكَ أَن جِهَة تركيبها لم تخل أَن تكون على الْمُجَاورَة أَو الممازجة فرض نَفسك فِي معرفَة التَّرْكِيب على جِهَة الْمُجَاورَة ثمَّ رضها فِي تركيب الممازجة.(4/509)
لي قد أغفل جالينوس هَهُنَا ذكر حمى الدق وَقد ذكر فِي مَوَاضِع أَنه قد تتركب حميات الدق فعلى حسب هَذَا يجب أَن تكون الْقِسْمَة للحميات إِمَّا مَعَ ورم وَنَحْوه أَو بِلَا ورم وَقد تتركب الحميات الَّتِي لَا ورم مَعهَا فضروب تركيب الحميات ثَلَاثَة وكل وَاحِدَة من هَذِه إِمَّا أَن يكون تركيبها على الممازجة أَو الْمُجَاورَة.
قَالَ: فَأَقُول أَن الحميات الَّتِي تتركب على الْمُجَاورَة رُبمَا كَانَت من نوع وَاحِد وَرُبمَا كَانَت مُخْتَلفَة وَذَلِكَ أَنه قد تتركب غب وَربع أَو غب وبلغمية أَو ربع وبلغمية وَقد تتركب ربعان مَعًا أَو غبان مَعًا أَو بلغميتان وَرُبمَا تركبت ألف هـ الحميات الدائرة مَعَ اللَّازِمَة الَّتِي من جِنْسهَا ونوعها وَالَّتِي لَيست من جِنْسهَا وتعرف تركيب الدائرة مَعَ اللَّازِمَة عسر جدا. 3 (الحميات الَّتِي عَن الأورام) تتركب غير هَذَا التَّرْكِيب وَذَلِكَ أَنه قد يحدث الورم فِي عضوين كالطحال والكبد وَيحدث كل وَاحِد مِنْهُمَا حمى غير الَّتِي يحدثها الْأُخْرَى وَرُبمَا حدث فِي الْعُضْو الوتحد ورم مركب كالحمرة والفلغموني أَو فلغموني وأوذيما أَو فلغموني وسقيروس وَيَنْبَغِي أَن تروض نَفسك فِي تعرف المفردة من الحميات الْحَادِثَة عَن الأورام وسأعطيك قانوناً فِي تعرف هَذِه أَيْضا إِن الْحمى المركبة المخالطة غَيرهَا الْمُخْتَلفَة الْأَمر فِي جَمِيع الْوُجُوه قد يعسر تعرفها فِي أول مَا تحدث وَلَيْسَ هُوَ وَإِن كَانَ عسراً غير مُمكن وأكثرها تعرف فِي الْيَوْم الثَّانِي أَو فِي الثَّالِث وأقصاه الرَّابِع.
أَقُول: إِن حمى ابتدأت وَمَعَهَا اقشعرار وَهِي مَعَ ذَلِك مُخْتَلفَة الْأَمر فِي جَمِيع الْوُجُوه أَعنِي فِي النبض وَفِي الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْبدن كُله حَتَّى توهم أَنَّهَا قد قربت من منهاها وَأَنَّهَا قد توسطت فِي التزيد ثمَّ يعود فِيهَا القشعريرة وَيعود النبض فَيصير أَصْغَر مِمَّا كَانَ وأضعف وَأَبْطَأ وَأَشد تَفَاوتا وتجد الْحَرَارَة تفارق الْأَطْرَاف وتكثر فِي الْبَطن والصدر.
أَقُول: إِن هَذِه دَلَائِل الْحمى المركبة من النائبة كل يَوْم وَالْغِب الْمُفَارقَة وتركيبها على الممازجة وَهِي الْمَطَر يطاوس وَالْجُمْهُور يعرفهَا فِي يَوْم الثَّالِث وَهَذِه الْحمى يكون تركيبها باختلاط حمى الغب الدائرة بالبلغمية اللَّازِمَة.
وَأما تركيب الغب والبلغمية على الْمُجَاورَة فعلى أَرْبَعَة أنحاء وَذَلِكَ أَنه إِمَّا أَن تتركب الغب الدائرة مَعَ البلغمية الدائرة أَو غب لَازِمَة مَعَ بلغمية لَازِمَة أَو غب لَازِمَة مَعَ بلغمية دَائِرَة أَو غب دَائِرَة مَعَ بلغمية لَازِمَة.
لي وَكَذَلِكَ التَّرْكِيب بالممازجة يركب الْأَرْبَعَة التركيبات قَالَ جالينوس: وَلَا يُمكن أَن يعرف على استقصاء وَاحِد مِنْهَا فِي أول يَوْم وَلَيْسَ يعسر تعرفها فِي الْيَوْم الثَّانِي ومعرفتها فِي الثَّالِث أَكثر كثيرا وأؤكد حَتَّى أَنه لَا يحْتَاج إِلَى انْتِظَار الرَّابِع.
وضع أَن نوبَة ابتدأت فِي الْيَوْم الأول مَعَ نافض ثمَّ التهبت حمى حادة محرقة فِيهَا كرب وعطش وَبَلغت منهاها بِسُرْعَة والنبض مستو عَظِيم سريع قوى ألف هـ متواتر والحرارة مستوية فِي جَمِيع حالاتها ثمَّ سكنت بقيء ويعرق وأقلعت إقلاعاً تَاما أَقُول إِن هَذِه النّوبَة لَا يُمكن أَن(4/510)
تكون إِلَّا لغب. وَأَقُول إِنَّه إِن كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي نوبَة حمى بلغم وَقد وَصفنَا علاماتها فَيَنْبَغِي أَن تنظر فِي أَوْقَات النوبتين لتتقدم فتعلم كَيفَ تكون الْحَال فِي الْيَوْم الثَّالِث لِأَنَّك إِن قدرت أَن نوبَة)
الغب تَأتي فِي أول سَاعَة من الْيَوْم الثَّالِث وَأَن نوبَة البلغمية تَأتي فِي الْحَادِيَة عشرَة علمت أَن ابْتِدَاء كل وَاحِدَة مِنْهُمَا يكون أبين وَإِن قدرت إِن ابْتِدَاء النوبتين يكون جَمِيعًا فِي وَقت وَاحِد علمت أَنه لَا بُد أَن تكون النّوبَة مختلطة وَمن أحسن أَن يُمَيّز فَهُوَ يرى شَيْئا كَأَنَّهُ ممزوج من دور غب وَمن حمى بلغم تنوب كل يَوْم ثمَّ يَصح لَك تمييزها فِي الْيَوْم الرَّابِع على أَن أمرهَا قد كَانَ مَعْرُوفا بَينا فِي الْيَوْم الثَّانِي عِنْد من لَهُ دربة وَمَتى كَانَ التَّرْكِيب من دَائِرَة ولازمة كَانَ الْوُقُوف عَلَيْهِ أصعب وَمن هَذَا ظن قوم أَنه لَا يكون هَذَا لَا يكون هَذَا التَّرْكِيب لأَنهم ظنُّوا أَنه يلْزم من قَالَ بِهَذَا التَّرْكِيب أَن يَقُول أَن الْإِنْسَان مَحْمُوم فِي حَال وَاحِدَة إِن من يعرف طبائع الْحمى بِالْحَقِيقَةِ يعلم أَن هَذَا التَّرْكِيب يكون. فَإِنِّي قد رَأَيْت امْرَأَة تأخذها فِي الْأَيَّام الْأزْوَاج نوبَة وقشعريرة مَعهَا جَمِيع المارات الَّتِي لأنطرطاوس وتأخذها فِي الْأَيَّام الْأَفْرَاد أما فِي أول النَّهَار فحمى أَضْعَف كثيرا من الْحمى الَّتِي كَانَت قبلهَا فِي الْيَوْم الزَّوْج حَتَّى توهم المتوهم أَن هَذِه الْحمى الكائنة فِي أول النَّهَار فِي الْيَوْم الْفَرد إِنَّمَا هِيَ الْحمى المركبة الكائنة فِي الْيَوْم الزَّوْج كرت فِي الْيَوْم الْفَرد كَمَا من عَادَتهَا أَن تكر وَأما نَحْو السَّاعَة الثَّامِنَة من النَّهَار فَكَانَت تأخذها حمى مَعهَا نافض قوي وَجَمِيع إمارات الغب ثمَّ كَانَت صولة هَذِه الْحمى تنكسر نَحْو السَّاعَة الثَّالِثَة من اللَّيْل بعرق وقيء مراري صفراوي ويمتد بقاياها إِلَى السَّاعَة الثَّانِيَة من النَّهَار من الْيَوْم الزَّوْج فَإِذا شارفت هَذِه النّوبَة الإقلاع تبعها أَيْضا من الرَّأْس النّوبَة الْأُخْرَى الَّتِي مَعهَا قشعريرة وَاخْتِلَاف الَّتِي قلت أَنَّهَا كَانَت تَأتي فِي الْأزْوَاج كَانَت تلبث هَذِه الْحمى النَّهَار كُله من حَيْثُ تحفز مرّة وتبطئ مرّة وتكر مرّة وَتظهر ثمَّ تكر مَا كَانَت تَنْتَهِي منهاها فِي وَقت غرُوب الشَّمْس ثمَّ كَانَت تبتدئ تنحط نَحْو السَّاعَة الرَّابِعَة من اللَّيْل ثمَّ مَعَ الصُّبْح أَيْضا وَقد بقيت من الْحمى الْمُتَقَدّمَة بَقِيَّة كَثِيرَة تتزيد الْحمى زِيَادَة لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف وتتصل تِلْكَ الْحَرَارَة ألف هـ وتزيد إِلَى تِلْكَ السَّاعَة الثَّانِيَة فَإِذا ظَنَنْت أَنَّهَا قد بلغت منهاها وَتبين ذَلِك تبِعت هَذِه الْحمى نوبَة أُخْرَى هِيَ بِالصِّحَّةِ نوبَة غب فَلَمَّا تفقدت أَمر هَذِه الْمَرْأَة فِي الْيَوْم الأول وَالثَّانِي سنح لي فِي الْيَوْم الثَّانِي أَن حماها مركبة من الأنطريطاوس وَمن غب ثمَّ صحت عِنْدِي مَعْرفَتهَا أَكثر مِمَّا كَانَت كَثِيرَة فِي الْيَوْم الثَّالِث ورجوت أَن تَنْقَضِي أدوار إِحْدَى الحميين وَهِي الغب سَرِيعا وتطول المركبة فَكَانَ كَذَلِك وَتبين عِنْد انْقِضَاء الغب الْخَالِصَة أَن الَّذِي بَقِي من حماها الأنطريطاوس وَكَانَ ابْتِدَاء دورها فِي الزَّوْج وتكر فِي الْفَرد كراً قَلِيلا لَكِن هَذَا التَّرْكِيب وأشباهه لَا يصل إِلَيْهِ)
الْيَسِير من الْعلم. فَأَما من رأى فِي الْيَوْم الأول نوبَة غب خَالِصَة ثمَّ رأى فِي الْيَوْم الثَّانِي مثل الأول علم أَنَّهُمَا غبان وعَلى هَذَا الْمِثَال قد تكون ثَلَاث حميات غب وبلغمية وَربع وَلَيْسَ أَخذهَا كل يَوْم بمغلط لمن عرف طبعها وَقد يُمكن أَلا يَخْلُو بدن مَرِيض من الْحمى فِي حَال وَتَكون حماه حميات كَثِيرَة مقلقة كلهَا لَكِن نوائبها تسبق قبل انحطاط الَّتِي تنحط وَأكْثر مَا(4/511)
يعرض هَذَا فِي الحميات الطَّوِيلَة النّوبَة لِأَن الْحمى إِذا كَانَ قدر النّوبَة فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة سَاعَة فَلَا بُد أَن تكون مركبة من جميات كَثِيرَة وَإِلَّا لم تتصل وَلم تدم.
قَالَ وَرَأَيْت فَتى ابتدأت بِهِ حمى فِي آخر الخريف نَحْو السَّاعَة الْخَامِسَة ثمَّ عرق عِنْد الْعشَاء الْآخِرَة عرقاً يَسِيرا ثمَّ ابتدأت بِهِ نَحْو السَّاعَة السَّابِعَة من اللَّيْل قبل أَن تقلع عَنهُ الْحمى إقلاعاً تَاما ابتدأت تَأْخُذهُ حمى أُخْرَى بنافض يسير وعرق فِي الْيَوْم الثَّانِي قَلِيل وعاودته الْحمى أَيْضا نَحْو السَّاعَة الْعَاشِرَة ثمَّ عرق أَيْضا فِي اللَّيْل على مِثَال مَا كَانَ عرق ثمَّ فِي الْيَوْم الثَّالِث ابتدأت تَأْخُذهُ نَحْو السَّاعَة الثَّانِيَة حمى مَعهَا نافض قبل أَن تقلع بقايا الْحمى الَّتِي كَانَت قبلهَا تفقدت جَمِيع شَوَاهِد هَذِه الْحمى فسنح لي أَنَّهَا مركبة من ثَلَاث حميات كلهَا غب. وَذَلِكَ أَن الْحمى ابتدأت فِي أول يَوْم فِي السَّاعَة الْخَامِسَة وَالَّتِي ابتدأت بعْدهَا فِي السَّاعَة السَّابِعَة من اللَّيْل وَالَّتِي ابتدأت فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من الْيَوْم الثَّانِي كَانَت فِي النبض وحرارة الْحمى مثل حمى الغب وَكَانَ فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نافض وعرق لكنه لم تقلع وَاحِدَة مِنْهُمَا من قبل أَن النّوبَة الثَّالِثَة لَهَا كَانَت تَأتي قبل إقلاعها وَلَو تَأَخَّرت نوبَة الْحمى الثَّانِيَة نَحْو ثَلَاث سَاعَات أخر أَو أَربع لكَانَتْ الْحمى ستقلع ألف هـ حَتَّى يَخْلُو مِنْهَا الْبدن فَتبين لي فِي أَمر هَذِه الْحمى أما فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِنَّهَا مركبة من حميات تقلع وَأَنَّهَا غب وَفِي الْيَوْم الثَّالِث يتَبَيَّن لي أَن نوائبها كَانَت تتقدم وَذَلِكَ أَن نوبَة الْحمى فِي الْيَوْم الثَّالِث ابتدأت فِي السَّاعَة الثَّانِيَة لَا فِي الْخَامِسَة كَمَا ابتدأت فِي أول يَوْم وَكَانَت عَلَامَات الغب كلهَا فِي هَذَا الْيَوْم الثَّانِي أبين مِمَّا كَانَت فِي الْيَوْم الأول ثمَّ تفقدت سَائِر النوائب فَوَجَدتهَا جَمِيعهَا تتقدم بساعتين أَو ثَلَاث سَاعَات حَتَّى أَن النّوبَة الْمُنَاسبَة للنوبة الأولى دارت فابتدأت فِي الْيَوْم الْخَامِس مَعَ طُلُوع الشَّمْس وَفِي الْيَوْم السَّابِع قبل ذَلِك الْوَقْت بِمِقْدَار صَالح نَحْو السَّاعَة التَّاسِعَة من اللَّيْل فَرَأَيْت أَن النّوبَة الَّتِي بعْدهَا ابتدأت فِي السَّاعَة الْخَامِسَة ثمَّ فِي السَّاعَة السَّابِعَة ثمَّ ابتدأت النّوبَة الْعَاشِرَة من أول مرض فِي السَّاعَة الثَّامِنَة وعَلى هَذَا قِيَاس نَوَائِب هَذِه الْحمى فَإِن نَوَائِب الحميين الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضا من بعد الدّور السَّابِع كفت عَن)
التَّقَدُّم وَجعلت تتأخر. وَعند ذَلِك ظهر عِنْد من ظن أَن حمى هَذِه انطريطاوس أَنه قد غلط وَذَلِكَ أَن طول النوائب تنقصت حَتَّى صَار مقدارها ثَمَان سَاعَات وَكَانَت النوائب أَيْضا لَا تبتدئ كَمَا كَانَت تبتدئ على طَرِيق التَّقَدُّم. لَكِنَّهَا تتأخر بساعتين فَجعلت النوائب تنقلع إقلاعاً تَاما ثمَّ أَن طول نوائبها أَيْضا تنقص قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى انتقصت كل وَاحِدَة من الحميات الثَّلَاث وَكَانَت أول حمى انقصت مِنْهَا أقلهَا ثمَّ انْقَضتْ مُنْذُ أول الْأَمر ثَلَاث حميات كلهَا غب.
قَالَ: وَجُمْلَة أَقُول: أَنَّك إِن رضت نَفسك فِي تعرف الحميات المفردة على الِاسْتِقْصَاء حَتَّى تعرفها مُنْذُ حدثت بسهولة وَسُرْعَة مُنْذُ أول الْأَمر فِي الْيَوْم الأول فَإِنَّهَا مَتى تركبت عرفتها مُنْذُ أول يَوْم أَو فِي الثَّانِي أَو فِي الثَّالِث وأقصاه الرَّابِع وَأَنا لم أصل إِلَى معرفَة هَذِه الثَّلَاث الحميات إِلَّا لمعرفتي بطبيعة الغب لِأَن الَّذِي يعرض فِي تعرف الحميات كَمَا(4/512)
يعرض فِي تعرف النَّاس فَأَنا لَا نكاد ننكر من اعتدنا وأطلنا مَعْرفَته مَعَ أول يَوْم وُقُوع بصرنا عَلَيْهِ. فَأَما من رَأَيْنَاهُ مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَأَنا رُبمَا شككنا فِي أمره وَأما تركيب الغب والبلغمية فَرُبمَا شككنا فِي أمره.
الَّتِي بِلَا ورم ثَلَاثَة: الغب والبلغمية وَالرّبع وَإِن أَنْت رضيت نَفسك فِي تعرفها مُفْردَة لم يعسر عَلَيْك مَعْرفَتهَا مركبة.
والحميات الْحَادِثَة مَعَ ورم هِيَ من الحميات المركبة ألف هـ وَذَلِكَ أَنَّك تَجِد فِيهَا أعلاماً تدلك على الْموضع الَّذِي فِيهِ الورم وإعلاماً تدلك على الْعلَّة الَّتِي حدث مِنْهَا ذَلِك الورم وَقد أفردنا فِي الحميات الَّتِي مَعَ الورم بَابا.
قَالَ: 3 (تركيب الحميات) 3 (تكون على ثَلَاث: مجاورة ومشاركة وممازجة.) لي الممازجة إِن يتداخل وَقت النوبتين بعضه فِي بعض والمجاورة أَن يكون بَين أَوْقَات النوبتين زمَان بَين نَحْو سَاعَة وَأكْثر والمشاركة أَن يتقارب زَمَانا حَتَّى يتماسا مثلا.
الْمقَالة الأولى من الحميات قَالَ: كَانَت امْرَأَة بهَا حمى دق وَحمى أُخْرَى تنوب عَلَيْهَا فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة مرَّتَيْنِ فَعمى ذَلِك على الْأَطِبَّاء لأَنهم علمُوا أَنه لَا يكون فِي الدق ابْتِدَاء نوبَة محسوساً وَلَا تزيد وَلَا مُنْتَهى وَلَا انحطاط كَأَنَّهُ لَا يُمكن أَن تتركب دق مَعَ حمى أُخْرَى. فَأَما أَنا فَإِنِّي عرفتها مُنْذُ الْيَوْم الأول من علتها لِأَنِّي وجدت بَين النوبتين أَعنِي الَّتِي كَانَت تكون بِالنَّهَارِ وَالَّتِي كَانَت تكون بِاللَّيْلِ أجزاءها قَصِيرَة الْمدَّة وَكَثِيرًا مَا كنت أَجدهَا تنْحَل وتنقضي مَعَ مَا فِي الْبدن بخار تحلل انْقِضَاء بَيْننَا حَتَّى كَانَ الْبدن إِذا لمس وجد معتدل الْحَرَارَة. فَأَما الدَّلَائِل الَّتِي كَانَت تظهر فِي الشرايين فقد وصفتها فِي بَاب الدق فَإِنَّهَا كَانَت تبقي وتدوم فَلَا يبرد الْعرق كَمَا تبرد سَائِر الْأَعْضَاء وَلَا تنتقص بِسُرْعَة حركتها وتواترها. فَلذَلِك أَنا أَقُول أَنه لَا يَنْبَغِي أَن تعتمد على النّظر فِي الأدوار وتناسب النوائب لَكِن فِي نفس طبيعة الْحمى حَتَّى تكون مَعْرفَتهَا بالحمى من نَفسهَا كَمَا يعرف النَّاس بصورهم.
الثَّانِيَة من الحميات: لي على مَا رَأَيْت هُنَاكَ من الحميات اللَّازِمَة الَّتِي لَا تقلع إقلاعاً تَاما وَتَكون فِي الْيَوْم الثَّالِث فِيمَا بَين كل نوبتين مِنْهَا نوبَة وَهِي متشابهة الأدوار وَغير متشابهة وَهِي من الحميات الحارة. وَقد وَصفنَا أمرهَا فِي بَاب الحميات المركبة وَهِي عِنْدِي من الحميات المركبة لَا البسيطة.
لي قد قَالَ فِي آخرهَا أَنَّهَا تكون من خلط هُوَ إِلَى البلغم أميل.
قَالَ فِي انقياليس: والحميات البلغمية الْقَرِيبَة مِنْهَا: أَنَّهَا لَيست ببعيدة أَن تكون مركبات لَا مُفْرَدَات لِأَن السَّبَب الْفَاعِل لَهَا للنافض غير الَّذِي يُولد النافض لِأَن المولدة هُوَ مَا لم يعفن قَالَ: وَالْكَلَام فِي هَذَا بحث طبيعي لي يَنْبَغِي أَن تعلم أَن بَين هَذِه وَبَين النائبة كل(4/513)
يَوْم فرقا وَهُوَ على مَا حدست على جالينوس إِن فِي الْبدن فِي هَذِه بلغماً عفناً وبلغماً ألف هـ غير عفن فَأَما فِي تِلْكَ فَإِن البلغم كُله عفن أَعنِي فِي النائبة كل يَوْم. وَيَنْبَغِي أَن نعد هَذِه نَحن حَيْثُ شِئْنَا فِي المفردة أَو فِي المركبة ويخبر بالقصة فِيهِ.)
قَالَ: مَتى خالط البلغم العفن الصَّفْرَاء أحدثا حمى يكون مِنْهَا فِي أحد الْيَوْمَيْنِ نوبتان إِلَّا أَن يكون ابْتِدَاء النوبتين متضامتين فتمتزجان ويتولد مِنْهُمَا حمى لَا تحفظ طبيعة الغب الْخَالِصَة وَلَا البلغمية الْخَالِصَة.
قَالَ: والحادث من تركيبها أَربع حميات: حمى غب دائمة مَعَ حمى بلغمية دائمة وَحمى غب دَائِرَة مَعَ بلغمية دَائِرَة وغب دَائِرَة مَعَ بلغمية دائمة وَحمى غب دائمة مَعَ بلغمية دَائِرَة. وَهَذِه التركيبات الْأَرْبَع صنفان: أما أَن تنضم النوبتان فيعسر تعرفها أَو تكون بَين ابتدائها نوبَة فيسهل تعرفها إِلَّا أَنه قد يفوت كثيرا ذَلِك لِأَن البلغمية وَإِن كَانَت مُفَارقَة لَا ينقي الْبدن مِنْهَا فَلذَلِك يَنْبَغِي أَن تعتمد فِي التعرف على طبيعة الْحمى كَمَا وَصفنَا فِي كتاب البحران.
لي يَنْبَغِي أَن ينظر فِي أدوار الحميات لَعَلَّه قد يتَّفق أَن تكون من بعض هَذِه التركيبات حمى مطبقة.
ثمَّ تمثل جالينوس أَمْثِلَة محصولها هَذِه الْجمل: إِذا رَأَيْت حمى فِي انتهائها وَفِي انحطاطها قشعريرة حدثت أَو نافض أَو ضغط وتقبض وَصغر النبض وَسَائِر ذَلِك مِمَّا يدل على ابْتِدَاء الحميات فَاعْلَم أَنه قد ابتدأت نوبَة ثَانِيَة وتفقد وَقت الِابْتِدَاء فِي النّوبَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة لتعلم أمتقدم هُوَ أم مُتَأَخّر أم هُوَ بِحَال أم هُوَ يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر أم على تشبه أم على غير تشبه وَحَال النوائب وَمَا يظْهر من النضج لتعلم من ذَلِك أَي الحميين قد تنقضت وأيها لم تَنْتَهِ وَمَتى تَنْتَهِي وَمَتى تفارق الْبَتَّةَ بِمَا يظْهر لَك من عَلَامَات النضج.
البحران انطريطاوس قَالَ: رُبمَا كَانَت الصَّفْرَاء فِي هَذِه أغلب فَتكون لذَلِك أَعْرَاض الغب أقوى وَرُبمَا كَانَ البلغم أغلب فَتكون أعراضها أقوى وَرُبمَا كَانَت متساويتين وَهِي فِي الْخَالِصَة مِنْهَا وَإِذا كَانَت فِي الغب كَانَ الإقشعرار غَالِبا حَتَّى يكَاد يكون فِيهَا نافض وَتَكون النّوبَة أسخن وَأَشد تلهباً وإحراقاً وأسرع انْتِهَاء وَيظْهر فِيهَا قيء مرار وَاخْتِلَاف أَو عرق. وَإِذا كَانَت البلغمية أغلب كَانَ الإقشعرار أقل والتضاغط فِي النبض أَكثر وأطول مُدَّة والانتهاء أَبْطَأَ والعطش واللهيب أقل وَلَا يكون قيء وَلَا اخْتِلَاف مرار وَلَا رشح عرق وَإِذا كَانَت متكافيتين وَهِي الْخَالِصَة كَانَ الِابْتِدَاء بالاقشعرار لِأَن الإقشعرار ألف هـ هُوَ متوسط بَين النافض الَّذِي يكون من الغب وَبرد الْأَطْرَاف الْكَائِن من البلغمية وَيكون التزيد بِسَبَب الصَّفْرَاء من أجل أَنَّهَا تحرّك وتحث سرعَة السخونة والانتهاء وَسبب البلغم يمْتَنع ويتبين مرّة بعد مرّة كَأَن بَين)
الْأَعْرَاض مجاذبة فَفِي هَذِه المجاذبة رُبمَا بردت الْأَطْرَاف حَتَّى توهم أَنه قد حدثت نوبَة أُخْرَى وَرُبمَا يسخن الْبدن دفْعَة حَتَّى تظن أَن الْحمى قد بلغت النِّهَايَة ثمَّ لَا يلبث أَن يعود الإقشعرار وَلَا يزَال كَذَلِك إِلَى أَن تبلغ الْحمى منهاها وَيكون الْوَقْت للمنتهي أقل من البلغمية وَأَبْطَأ من الغب.(4/514)
قَالَ: فَأَما التَّرْكِيب الَّذِي يتركب من غب لَازِمَة وبلغمية دَائِرَة فَإِنَّهُ تكون إمارات الصَّفْرَاء ظَاهِرَة فِي الْوَقْت الأطول فَأَما الْقُوَّة فعلى حسب الْخَلْط وَأما تركيب الغب الْمُفَارقَة مَعَ البلغمية الْمُفَارقَة فَإِن الْبدن ينقى مِنْهَا فِي يَوْم نوبَة الغب وتبتدئ نوبَة البلغمية بقشعريرة أَكثر لِأَنَّهَا مُفَارقَة.
لي جالينوس إِنَّمَا ذكر مَا ذكر من هَذِه التراكيب ليثبت بِهِ حجَّته على أَن أنظم اسيطاوس يَعْنِي شطر الغب هِيَ الَّتِي تكون من البلغمية اللَّازِمَة وَالْغِب الدائرة وَأَنَّهَا حمى دائمة وَأَنَّهَا لَا تَجْتَمِع الَّتِي وصف أبقراط إِلَّا بِهَذَا التَّرْكِيب أَعنِي تركيب البلغمية الدائمة مَعَ الغب الدائرة.
وَإِذا تركبت الغب الْمُفَارقَة مَعَ البلغمية الْمُفَارقَة نقي الْبدن مِنْهَا وابتدأت نوبَة النافض ونوبة بقشعريرة وَكَانَ الْأَمر فِيهَا وَاضحا وَإِذا تركبت غب وبلغمية لازمتان لم يكن لَهَا اقشعرار الْبَتَّةَ لِأَن الحميات الدائمة لَا نافض مَعهَا وَلَا قشعريرة.
قَالَ: وَذكر هَذَا التَّرْكِيب بأدوار الحميات أولى وَلَا يعسر على من أَرَادَ أَن يسْتَخْرج ذَلِك من الأنطريطاوس قَالَ فِي الْجَوَامِع الْغَيْر المفصلة: إِن هَذِه تكون إِذا تركبت البلغمية اللَّازِمَة بالغب الدائرة تركيباً على المخالطة لَا على الْمُجَاوزَة بِأَن يخالط المرار البلغم وَلذَلِك يكون فِي ابْتِدَاء هَذِه الْحمى اضْطِرَاب شَدِيد فِي وُجُوه شَتَّى وَاخْتِلَاف فِي النبض وقشعريرة وَاخْتِلَاف فِي الْحَرَارَة حَتَّى تفارق الْأَطْرَاف الْبَتَّةَ وتكثر فِي الْبَطن والصدر وَاخْتِلَاف فِيهَا أَيْضا فِي الْوَقْت حَتَّى إِنَّهَا رُبمَا ظننا أَنَّهَا قد انْتَهَت ثمَّ إِن القشعريرة وَصغر النبض ألف هـ وإبطاؤه وتفاوته وَضَعفه يعود.
من أزمان الْأَمْرَاض قَالَ: ابْتِدَاء النّوبَة فِي هَذِه الحميات يكون كثيرا مَعَ قشعريرة وَتظهر فِيهِ جَمِيع الدَّلَائِل الَّتِي تخص ابْتِدَاء الحميات.
لي حَرَكَة النبض إِلَى دَاخل أَي سرعَة الانقباض وميلان الدَّم إِلَى بَاطِن الْبَطن.
قَالَ: خلا النافض فَقَط وَرُبمَا توهمنا أَن فِيهَا نافضاً وَذَلِكَ أَن الإقشعرار الشَّديد يُمكن أَن يتَوَهَّم أَنه نافض يسير. فَأَما أَن يكنْ فِيهَا نافض خَالص كالحادث فِي الغب وَالرّبع فَلَيْسَ تَجدهُ يحدث فِي هَذِه الْحمى وَلذَلِك سمينا مَا يحدث مِنْهُ فِي هَذِه قشعريرة. وَإِذا سكن الإقشعرار)
وَبَان الِاضْطِرَاب أَعنِي اخْتِلَاط الْحَرَارَة بالبرودة وسخونة الْبدن رجعت من الرَّأْس القشعريرة. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك مرَّتَيْنِ وَفِي بعض النَّاس ثَلَاث مَرَّات. ثمَّ انبساط الْحَرَارَة مِنْهَا فِي جملَة الْبدن يعسر وَيطول وَقتهَا وَلَا ينقي الْبدن مِنْهَا عِنْد الانحطاط وَلَا يكون انحطاطها مَعَ عرق محسوس وَتركهَا مَعَ عرق بعيد جدا وانحطاطها طَوِيل مثل صعودها فَإِنَّهُ يكون قَلِيلا قَلِيلا. وَرُبمَا وقفت فِي الانحطاط وقتا بعد وَقت فَتثبت بِحَالِهَا سَاعَة ثمَّ أَقبلت تنحط كالحال عِنْد الصعُود. وَذَلِكَ أَن صعودها أَيْضا بِهَذَا النَّوْع يكون أَعنِي أَنَّهَا رُبمَا بقيت فِي الْوَقْت بعد الْوَقْت بِحَالِهَا لَا تزيد سَاعَة ثمَّ تَأْخُذ أَيْضا تتزيد وَلَيْسَت أَنَّهَا(4/515)
تبقى بِحَالِهَا لَا تتزيد لَكِن تحدث فِيهَا أَحْوَال الِابْتِدَاء مثل عود الإقشعرار وَالِاضْطِرَاب.
قَالَ: فَهَذِهِ حَالهَا فِي الْيَوْم الأول. فَأَما فِي الْيَوْم الثَّانِي فَإِنَّهُ تكون نوبَة مَعَ قشعريرة بِمَنْزِلَة الأول إِلَّا أَنَّهَا لَا تعود عودات بِمَنْزِلَة مَا فعلت فِي الْيَوْم الأول. فَإِن عرض ذَلِك وَكَانَ بِالْقربِ من هَذَا الْيَوْم فَكَانَ مرّة وَاحِدَة فَقَط لَا مَرَّات وَكَانَ مَعَ ذَلِك يَسِيرا قصير الْمدَّة وَتَكون مُدَّة الصعُود أيسر وأقصر من الْيَوْم الأول ثمَّ يكون فِي الْيَوْم الثَّالِث حَالهَا شَبيهَة بِحَال الْيَوْم الأول وَفِي الْيَوْم الرَّابِع كالثاني وعَلى هَذَا يكون فِي جَمِيع أَيَّامهَا الْأُخَر.
الثَّانِيَة من السَّادِسَة من أبيذيميا قَالَ: شطر الغب من الحميات اللَّازِمَة بِكَلَام أَكثر مِمَّا تقدم فِي ذَلِك مِنْهَا.
أهرن قَالَ: وَقد تتركب الحميات الَّتِي من الصَّفْرَاء دَاخل الْعُرُوق بالحميات الَّتِي من العفن خَارج ألف هـ الْعُرُوق فَيَجِيء مِنْهَا ضروب مُخْتَلفَة يعسر تعرفها وَيحْتَاج أَن يسْتَدلّ عَلَيْهَا بِحسن الْمعرفَة بالمفردة.
قَالَ: وَأكْثر مَا يعرض من المركبات شطر الغب.
قَالَ: وَإِذا كَانَت البلغمية فِي هَذِه أغلب طَالَتْ مُدَّة النافض وَظَهَرت أَعْلَام البلغمية أَكثر فَكَانَ تَركهَا وصعودها أَبْطَأَ وَإِذا غلبت الْمرة كَانَ نافضها أقل مِنْهُ فِي هَذِه بردا وَأكْثر مُدَّة وَأَشد والعرق فِيهَا أَكثر وَكَذَلِكَ الْعَطش وأعراض الغب.
الْإِسْكَنْدَر قَالَ: عجبا لِجَالِينُوسَ كَيفَ سقى مَاء الشّعير وفلفلاً فِي هَذِه الْحمى لِأَن هَذَا خطأ بَين لِأَن الفلفل يلهب الْحمى وَمَاء الشّعير يُولد البلغم أَكثر.
لي يَنْبَغِي أَن يعالج بالأشياء الملطفة غير المسخنة بعده كالكرفس والشبث وَنَحْو هَذَا.)
قَالَ شَمْعُون: الأنطريطاوس ينقع فِيهَا السّكُون والتكميد على المراق والحقن اللينة وَمَا يسهل الْبَطن إسهالاً لينًا وَمن الْأَدْوِيَة مَا يقطع وَيفتح ويدر الْبَوْل والقيء بعد الطَّعَام.
الْمقَالة الأولى من مسَائِل أبيذيميا قَالَ: الْأَعْرَاض الْخَاصَّة بانطريطاوس إِنَّهَا دائمة وتتزيد وَفِي هَذَا الْيَوْم تطول مُدَّة قشعريرة فِيهَا وتتكرر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَيكون تزيدها مُخْتَلفا حَتَّى يسخن مَوَاضِع الْبدن والاقشعرار لابث فِي أَمَاكِن وَأما فِي الْيَوْم الآخر فَتكون حمى يسيرَة وَلَا يكون فِيهَا اقشعرار لَكِن لَا يكَاد يسخن وَلَا يبلغ منهاها إِلَّا بكد وَمِمَّا يَخُصهَا أَيْضا أَن نوائبها تزداد حِدة مَتى انْتَهَت إِلَى منهاها.
قَالَ: شطر الغب قتالة جدا أَكثر من سَائِر الحميات لِأَنَّهُ قد اجْتمع لَهَا أَنَّهَا حادة وَأَنَّهَا طَوِيلَة وَأَنَّهَا دائمة.
الثَّالِثَة قَالَ: شطر الغب الَّتِي البلغم غَالب عَلَيْهَا أردأ حميات شطر الغب وأقتلها وأطولها.
قَالَ: وَتعلم أَن البلغم فِي هَذِه الْحمى أغلب إِذا كَانَ شدتها تكون فِي الْأَيَّام الْأزْوَاج.(4/516)
لي هَذَا صَحِيح لِأَنَّهُ إِذا كَانَت فِي الْأزْوَاج شدَّة والأزواج شَدِيدَة لِأَنَّهَا تقع فِي يَوْم تفارق الغب فِيهِ يدل على قُوَّة البلغمية.
الساهر قَالَ: هَذِه الْحمى تشتد يَوْمًا وتخف يَوْمًا فَعَلَيْك بالإسهال والقيء بِمَا يخرج الْمرة والبلغم وَليكن ذَلِك بِحَسب ألف هـ حَال الْحمى فِي ذَلِك فَإِذا مضى لَهَا أسبوعان فأسهل بالإهليلج وَاسْتعْمل الأقراص بعد عشْرين يَوْمًا وَاسْتعْمل الْحُبُوب إِذا مضى لَهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا.
لي هَذِه الْحُبُوب القوية الْحَرَارَة المتخذة من النانخواه والكندر والساذج والرازيانج وبزر الكرفس والفوة أَو نَحْوهَا.
ابْن ماسويه قَالَ: هَذِه من البلغمية الدائمة وَالْغِب الدائرة فَلذَلِك تشتد يَوْمًا وتجف آخر فَهَذِهِ الْخَالِصَة وَغير الْخَالِصَة مِنْهَا كل مَا يُمكن أَن يكون تركيب الغب والبلغم اللَّازِم فِي الدائرة. وعلاجها بِقدر غَلبه الْخَلْط وَفِي آخر الْأَمر يحْتَاج فِي قلعه إِلَى المدرة للبول وَيكون أَيْضا بِحَسب الْخَلْط الْغَالِب.
لي على مَا فِي كتاب الحميات: أَجود طَرِيق تعرف بِهِ الدق المركبة مَعَ حمى أُخْرَى أَن تَجِد العليل قد لَزِمته حرارة شَدِيدَة وَلَا تنحط وتجد فِي بعض الْأَحَايِين يلْزمه التضاغط الْخَاص بابتداء النوائب وَإِن لم يكن هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ يكون أبدا تجيئه حرارة أَزِيد من مِقْدَار تِلْكَ اللَّازِمَة بِمِقْدَار)
بَين من غير أَن يكون بعقب غذَاء ثمَّ تَنْقَضِي هَذِه الْحَرَارَة الثَّانِيَة بعرق أَو بِغَيْر عرق فَتبقى تِلْكَ الأولى بِحَالِهَا. وَإِن أردْت أَن تستظهر أَيْضا فِي ذَلِك تفقدته فِي وَقت انصراف تِلْكَ الْحَرَارَة فَإِن سخن فالحمى دق. ونبضها أَيْضا يبرد وَلَا ينحط فَإِن كَانَ الْعرق نَفسه أسخن من سَائِر جسده فالحمى دق لَا محَالة وَمَعَهَا حمى تنوب. وَيَنْبَغِي أَن تنظر هَل يتركب الدق مَعَ الحميات المركبة فَإِن الْأَمر فِي تعرفها حِينَئِذٍ أعْسر. وَلم يذكر جالينوس ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن تبحث عَنهُ وتحرره وتكتبه فِي الْجَامِع مَعَ البلغمية الدائرة.
الثَّانِيَة من الأولى من أبيذيميا قَالَ: شَرّ الحميات الأنطريطاوس وأجلبها للأمراض الطَّوِيلَة والسل وَنَحْوهَا من الْأَمْرَاض المزمنة.
الثَّالِثَة من الأولى: الْحمى الَّتِي تَأْخُذ فِي النَّهَار زَائِدا وتفتر بِاللَّيْلِ تسمى نهارية وَالَّتِي بالضد تسمى ليلية.
قَالَ ج: إِنَّهَا لَيست قتالة جدا لَكِنَّهَا لَيست بهَا مُؤنَة خطيرة. والنهارية أطول من الليلية وَرُبمَا مَالَتْ إِلَى السل وَهِي شَرّ من الليلية لِأَنَّهُ يضْطَر أَن يَجْعَل تَدْبِير العليل فِي غذائه وَغير ذَلِك بِاللَّيْلِ وَلِأَنَّهُ بِالنَّهَارِ الَّذِي هُوَ ضِدّه يتَحَلَّل الْبدن بانبساطه وَيكون بدنه من أجل النّوبَة منقبضاً متكافئاً وعيشه نكراً ردياً.
من فُصُول أبيذيميا عمل حنين: شطر الغب أما فِي يَوْم استصعابها فَلَا يزَال مَعهَا اقشعرار مُدَّة طَوِيلَة من وَقت ألف هـ ابتدائها وَرُبمَا(4/517)
كَانَ الإقشعرار فِيهَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَرُبمَا كَانَ الإقشعرار فِيهَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا وَرُبمَا كَانَ الْبدن مُخْتَلفا بنافض يعرض فِيهِ بَين مدد قصار كَثِيرَة وَأما فِي يَوْم هدوءها فَتكون الْحمى فِيهَا أنقص وَلَا يكون فِيهَا نافض وَلَا تكسر إِلَّا أَن الْحمى لَا تكَاد تصير إِلَى حد الصالب وَلَا يَنْتَهِي منهاها إِلَّا بعد كد وَكلما تمادت توائبها تزيدت حدتها إِلَى بُلُوغ الْمَرَض منتهاه.
مَجْهُول: صَاحب شطر الغب يقيء بعد الطَّعَام فِي يَوْم لَا يحم أَو بعد الْحمى ويسقى مَاء الشّعير إِن كَانَت حِدة فِي غير يَوْم حماه مَعَ سكنجبين عَسَلِي فَإِن احْتمل فطبيخ الفوذنج مَعَ السكنجبين والأفستين ويسقى بعد أسبوعين مَاء الْأُصُول مَعَ جلنجبين عَسَلِي وَإِن كَانَت حِدة فماء الرازيانج والهندباء مَعَ جلنجبين سكري وأقراص الْورْد.
جَوَامِع أغلوقن قَالَ: الأفسنتين جيد لهَؤُلَاء لِأَنَّهُ يدر الْبَوْل وَيُقَوِّي الْمعدة وَلَا يسقوه قبل السَّابِع)
وَبِالْجُمْلَةِ قبل النضج لِأَنَّهُ يخوف أَلا يسهل بل يبلد الأخلاط بِقَبْضِهِ ويجففها بمرارته لَكِن أسهلهم باللبلاب والبسبايج وَشَيْء من سقمونيا وقيئهم بعد الْأكل لِأَنَّهُ أصلح لَهُم وأسهل. وَإِن كَانَ الدَّم أغلب فاقصد وَإِن غلب البلغم فَأَقل الْغذَاء وأكب على الْقَيْء وإدرار الْبَوْل والإسهال وَإِن كَانَت الصَّفْرَاء أغلب فمل إِلَى التطفئة وَلَا تدخل الْحمام قبل النضج وَإِن كَانَت قَوِيَّة فاغذه يَوْمًا وَيَوْما لَا وكمد مراقه بِمَا ينضج ويرخي وفم معدته بِمَا يقوى والغذاء نظيف مقطع وَاعْتمد على مَا يدر الْبَوْل وَلَا يسخن.(4/518)
(أَمْثِلَة من قصَص المرضى وحكايات لنا نَوَادِر) يرد إِلَى هَهُنَا مَا فِي مسَائِل أبيذيميا وَمَا فِي أبيذيميا وَإِيَّاك والتواني فِي ذَلِك فَإِن فِيهَا نفعا عَظِيما جدا وخاصة من الْمسَائِل فَإنَّا قد جَمعنَا هَذِه الْأَمْثِلَة هَهُنَا وأردنا أَن نجمع مسَائِل أبيذيميا إِلَيْهَا ثمَّ نقيس عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله عز وَجل.
كَانَ بِأبي عبد الله بن سوَادَة حميات مختلطة تنوب مرّة فِي سِتَّة أَيَّام وَمرَّة غبا وَمرَّة ربعا وَمرَّة كل يَوْم ويتقدمها ألف هـ نافض يسير وَكَانَ يَبُول مَرَّات كَثِيرَة فحكمت أَنه لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون هَذِه الحميات تُرِيدُ أَن تنْقَلب ربعا وَإِمَّا أَن يكون بِهِ خراج فِي كلاه فَلم يلبث إِلَّا مديدة حَتَّى بَال مُدَّة فأعلته أَنه لَا تعاوده هَذِه الحميات وَكَانَ كَذَلِك وَإِنَّمَا أضلني فِي أول الْأَمر غَرِيب القَوْل بِأَن بِهِ خراجاً فِي كلاه أَنه كَانَ يحم قبل ذَلِك حمى غب وحميات أخر فَكَانَ الظَّن بِأَن تِلْكَ الْحمى الْمُحْتَرِقَة من احتراقات تُرِيدُ أَن تصير ربعا مَوضِع قوي وَلم يشك أَن فِي قطنه الْبَتَّةَ ثقلاً يقلق مِنْهُ إِذا نَام وأغفلت أَيْضا أَن أسأله عَن ذَلِك وَقد كَانَ كَثْرَة الْبَوْل يُقَوي ظَنِّي بالخراج فِي الكلى إِلَّا أَنِّي كنت لَا أحكم أَن أَبَاهُ كَانَ ضَعِيف المثانة يَعْتَرِيه هَذَا الدَّاء وَهُوَ أَيْضا قد كَانَ يَعْتَرِيه هَذَا الدَّاء فِي صِحَّته فَيَنْبَغِي لنا أَن لَا نغفل بعد ذَلِك بغاية التَّقَصِّي وَلما بَال الْمدَّة أكببت عَلَيْهِ بِمَا يدر الْبَوْل حَتَّى صفا الْبَوْل من الْمدَّة ثمَّ سقيته بعد ذَلِك الطين الْمَخْتُوم والكندر وَدم الْأَخَوَيْنِ فتخلص من علته وبرأ برءاً تَاما سَرِيعا فِي نَحْو شَهْرَيْن وَكَانَ الْخراج صَغِيرا ودلني على ذَلِك أَنه لم يشك إليَّ فِي الِابْتِدَاء بثقلفي قطنه لَكِن بعد أَن بَال مُدَّة فَقلت لَهُ: هَل كنت تَجِد ذَلِك قَالَ: نعم فَلَو كَانَ كثيرا لقد كَانَ يشكو ذَلِك وَأَن الْمدَّة فنيت سَرِيعا فَدلَّ ذَلِك على صغر الْخراج فَأَما غَيْرِي من الْأَطِبَّاء فَإِنَّهُم كَانُوا بعد أَن بَال مُدَّة أَيْضا لَا يعلمُونَ حَاله الْبَتَّةَ. 3 (قصَّة علك الحاسب) جَاءَنِي علك الحاسب فَشَكا إِلَى أَن بِهِ قولنجا وَلم يفصح الْوَصْف فأشرت عَلَيْهِ بالمري فَأَخذه فَكُن عَنهُ ثمَّ أَنه عَاد إِلَيْهِ الوجع فِي بَطْنه أَيَّامًا مَعَ احتباس الطبيعة ثمَّ أَصَابَهُ بعقبه سحج سوداوي مَاتَ مِنْهُ وَهُوَ غَائِب عني فَيَنْبَغِي أَن تعلم أَنه قد يهيج بِقوم وجع فِي بطونهم شَدِيد من مدَار رَدِيء تنصب إِلَى معاهم فَيعرض مِنْهُ مثل القولنج وَلَيْسَ بِهِ فَيُصِيبهُ بعقبه سحج شَدِيد رَدِيء وخاصة أَصْحَاب الطبائع السوداوية وَكَذَلِكَ كَانَ علك الحاسب فَهَؤُلَاءِ أسهلهم بدواء لين ثمَّ اِسْقِهِمْ واحقنهم بالمغريات إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 3 (قصَّة ابْن عمرويه) كَانَ هَذَا رجلا مستعداً للسرسام جدا وَكَانَ قد أَصَابَهُ قبل قدومي سرسام فتخلص مِنْهُ بِأَن مَال ألف هـ الْفضل إِلَى أُذُنه فتولدت فِيهَا نواصير وَكَانَ فصد فِي ابْتِدَاء هَذِه(4/519)
الْعلَّة فأزمنت هَذِه الْمدَّة فِي أُذُنه بِسوء علاج الْأَطِبَّاء فَلَمَّا انْعَقَدت الْمدَّة بَعْضهَا على بعض فِي سماخه حدث لذَلِك خراج فِي أصل أُذُنه كَمَا نفعله نَحن بالفصد ليخرج الْخراج فِي أصل الْأذن إِذا أزمنت قرحَة الْأذن فَخرج الْخراج فِي أصل أُذُنه وقاح فصلحت أُذُنه بعلاج فِي آخر الْأَمر ثمَّ أَنه ترك فِيهِ بقايا من الْخَلْط الرَّدِيء الَّذِي لم ينق من مَرضه الأول باستفراغ قوي لكَي يمِيل الْمَادَّة إِلَى الْأذن فَقَط فَأكل رؤوساً فأفرط وأفرط فِي التَّعَب فهاجت بِهِ حمى لَازِمَة وغثى وكرب ويبس الطبيعة فسقى الْفَوَاكِه والأشياء اللينة فتقيأها وسرت إِلَيْهِ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِذا قد هاج بِهِ صداع شَدِيد وانحراف عَن الضَّوْء ودموع كَثِيرَة وَحُمرَة فِي الْعين ففصدته وَلم أخرج كثيرا من الدَّم للتوقف وَسبب الْعَامَّة وعزمت على أَن أَلين الطبيعة من غَد فخف أَكثر مَا بِهِ يَوْمه ذَلِك ولاحت أَعْرَاض سرسام وَكنت أَخَاف أَن يسرسم ثمَّ إِنِّي سقيته دَوَاء قَوِيا يسهله ليوقف أَيْضا لَا لغيره وسبقته الخيارشنبر وَنَحْوه فَلم يغنه الْبَتَّةَ. وَأمرت أَن يحقن وَأخر ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام وَلم أره فِي هَذِه الْأَيَّام فَرَجَعت وَقد غلظت علته جدا وخلط وَكَانَ المَاء أشقر وَالْوَجْه منتفخاً فَأَرَدْت أَن أفجر دَمًا من أَنفه فتوقفت أَيْضا من أجل الْعَامَّة والرعاع لِأَنَّهُ لم يكن قبلي طَبِيب يرجع إِلَيْهِ الْبَتَّةَ فَلم يكن عِنْدِي فِيهِ إِلَّا مَاء الشّعير فسقيته ذَلِك طَمَعا فِي أَن تلين الطبيعة فَلم تلن وأمرته أَن يسقى مَاء القرع ولعاب بزر قطوناً فقصر فِي ذَلِك كُله فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الرَّابِع من هَذَا الْيَوْم غلظ أمره وَظَهَرت العلامات الرَّديئَة وصغرت إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَكَانَ لِسَانه شَدِيد السوَاد والخشونة وَمَات يَوْمه)
ذَلِك فِي الْوَقْت الَّذِي أنذرت بِمَوْتِهِ. وَكَانَ الْجُهَّال من الْأَطِبَّاء يتوهمون أَنه حدثت بِهِ لقُوَّة من رُطُوبَة لشدَّة صغر الْعين الْيُمْنَى وتشنج هَذِه النَّاحِيَة.
جَاءَنِي رجل يشكو إِلَى خفقان فُؤَاده فَوضع يَدي على يَده الْيُسْرَى فأحسست شريانه ألف هـ الْأَعْظَم ينبض نبضاً لم أر مثله قطّ عظما وَهولا ثمَّ مد يَده الْيُسْرَى ليريني باسليقه فَإِذا شريانه ينبض فِي مأبض الْعَضُد نبضاً أعظم مَا يكون ظَاهرا للحس جدا جدا يشيل اللَّحْم حَتَّى يَعْلُو وينخفض دَائِما شيلاً قَوِيا ظَاهرا وَزعم أَنه فصد الباسليق فَلم ينْتَفع وَأَنه إِذا أكل أَشْيَاء حارة نفعته فتحيرت فِي أمره مُدَّة ثمَّ أَشرت عَلَيْهِ بعد أَن بَان لي بدواء الْمسك وقدرت فِي هَذَا الرجل أَن حَاله فِي النبض حَال أَصْحَاب الربو فِي النَّفس فَإِن هَؤُلَاءِ على عظم انبساط صُدُورهمْ مَا يدخلهَا من الْهَوَاء إِلَّا قَلِيل.
حدث لمُحَمد بن الْحسن حكة وبثور ثمَّ خرجت بثور فِي أحليله خَارِجا عَن الكمرة فَخفت أَن يحدث ذَلِك بِهِ دَاخِلا فَكَانَ على مَا ظَنَنْت حدث بِهِ ذَلِك وَخرجت قبل بَوْله مُدَّة.
قَالَ: كَانَ بالقطان الطَّوِيل الْعَظِيم اللِّحْيَة وجع فِي معدته مزمن فأشرت عَلَيْهِ بشراب قوي صرف فَلَمَّا شربه انحط ذَلِك الوجع إِلَى سرته وَاحْتبسَ بَوْله ومثانته مَمْلُوءَة فبوله بعض المبولين وَأَنا لَا أعلم فأسرف فِي ذَلِك مرّة بعد مرّة أَعنِي إِدْخَال المبولة فَجعلت مثانته بِحَالَة حَتَّى كَانَ بَوْله يخرج بِلَا إِرَادَة وَكَانَ فِيمَا يخرج خلط أَبيض خام فقدرت أَنه ذَلِك الَّذِي نزل وَكَانَ سَببا لحقن الْبَوْل ثمَّ أَصَابَهُ استرخاء فِي رجلَيْهِ جَمِيعًا فَلَمَّا بعث إليَّ جِئْته والأطباء يدهنون رجلَيْهِ جَمِيعًا(4/520)