شرطهما جميعًا، وهما سنتان مسنونتان، وقال الترمذي: وخرجه من حديث
سفيان عن عون: هذا حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أهل العلم، يستحبون أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان، وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا يدخل أصبعيه في أذنيه، وهو قول الأوزاعي عن عون عن أبيه قالَ:) رأيت بلالا يؤذن وقد جعل أصبعيه في أذنيه،. قال: باب إدخال الإصبعين في الأذنين عند الأذان: إن صح الخبر فإن هذه اللفظة لست أحفظهما ألا عن حجاج بن أرطأة، ولست أفهم اسمع الحجاج هذا الخبر من عون أم لا! فأنا أشك في صحة هذا الخبر لهذه العلة، ورواه أبو عوانة الإسفراييني عن عمر بن شيبة ثنا عمر بن علي بن مقدم عن الحجاج بن أرطأة عن عون، وكذا أخرجه أبو بكر البزار في مسنده من حديث أبي عوانة عن حجاج، ورواه الطوسي من حديث الدرقي ثنا هشيم عن حجاج بن أرطأة عن عون وقال: يقال حديث أبي جحيفة حسن صحيح. انتهى ليس هذا منه تصحيحا لحديث (1) حجاج وإنّما أراد تصحيح حديث أبي جحيفة في نفس الأمر، وكذلك هو صحيح الأصل، وخرجه ابن ماجه عن أيوب بن محمد ثنا عبد الواحد بن زياد عن حجاج، وقال البيهقي في الكبير: الاستدارة ليست في حديث أبي جحيفة/من الطرق الصحيحة، وسفيان الثوري إنّما روى الاستدارة في هذا الحديث عن رجل عن عون، ونحن نتوهمه سمعه من الحجاج عن عون، والحجاج غير محتج به، ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن عون مدرجا، وعبد الرزاق وهم في إدراجه ثم من جهة عبد الله بن محمد بن الوليد عن سفيان حدّثني عون عن أبيه، فذكره من غير ذكر الاستدارة ثم قال: عقبة، وبالإِسناد ثنا سفيان حدثني من سمعه من عون: أنه كان يدور ويضع يديه في أذنيه، قال العدني يعني بلالا قال البيهقي: وهذه رواية ابن أرطأة عن عون قال وقد روينا من حديث قيس بن الربيع عن عون: الاستدارة، ووضع الإِصبعين في الأذان، ورواه حماد بن سلمي عن عون مرسلا لم يذكر أباه. انتهى، ولقائل أن يقول: أنها ليست في الطرق الصحيحة فليس
__________
(1) قوله: "حديث" غير واضحة "بالأصل"، وكذا أثبتناه.(1/1116)
صحيحا لما أسلفناه من عند الحاكم والترمذي وغيرهما، ولأن أبا نعيم رواه في مستخرجه عن أبي أحمد ثنا المطرز ثنا بندار ويعقوب ثنا ابن مهدى يا سفيان عن عون، فذكر استدارته وجعل الإصبعين في أذنيه، ورواه أبو عوانة في صحيحه عن يوسف القاضي عن محمد بن أبي بكر ثنا مؤمل عن سفيان عن عون به، وفي هذا ردّ لما قاله البيهقي أيضا: وهم عبد الرزاق في إدراجه لمتابعة مؤمل وابن مهدى (1) ، فلو كان اعترض معترض: ما رواه أبو عوانة أيضا، نا أبو أمية ثنا القواريري عن ابن مهدي، فلم يذكر هذه الزيادة، قلنا له: بندار لا يقاس بغيره، لا سيما وقد تابعه يعقوب كما قدّمناه، وقد وجدنا لسفيان/متابعا مق طريق حسنة عند الطبراني، رواها عن الحسن بن العباس الرازي عن محمد بن نوح الرازي عن زياد بن عبد الله عن إدريس الأودي عن عون عن أبيه، فذكره، ورواه أبو الشيخ أيضا عن الصوفي ثنا علي بن الجعد ثنا حماد بن سلمة ح وأنبأ أبو يعلى ثنا إبراهيم بن الحجاج ثنا كامل ثنا حماد ح وثنا ابن ناجية نا الربيع بن ثعلب ثنا هشيم جميعا عن عون به، وشاهدا لجعل الإصبعين في الأذنين رواه أبو الشيخ عن محمد بن عمرو بن شهاب يا أبي ثنا إسماعيل بن عمرو ثنا المفضَّل بن صدقة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد، فذكر حديثا روياه، وفيه: جعل إصبعيه في أذنيه ونادى، وقد روى ذلك أيضا في حديث أبي محذورة. قاله ابن المنذر في كتاب الأشراف، وزاد صاحب الغاية في شرح الهداية: أنه ضمّ أصابعه الأربع وجعلها على أذنيه، وفي سنن الدارقطني من حديث نائل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: أمن أبو محذورة ان يستدير في أذانه- نعني هذا كما ترى- ردّ لما قاله ابن خزيمة لا تحفظ هذه اللفظة إلا عن حجاج، ولما نزعه الشّافعيون (2) وغيرهم أنّ الاستدارة لا تجوز، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: " إذا أذن المؤذن استقبل القبلة ووضع إصبعيه في أذنيه" وثنا أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين أنه كان إذا أذن استقبل وأرسل يديه، فإذا بلغ: حي على
__________
(1) قوله: "مهدى" غير واضحة و"بالأصل"، وكذا أثبتناه.
(2) قوله: (الشافعيون، غير واضحة "بالأصل"، وكذا أثبتناه.(1/1117)
الصلاة والفلاح أدخل إصبعيه في أذنيه، وفي كتاب البيهقي: وروينا عن ابن سيرين: " أن بلالا جعل إصبعيه في أذنيه في بعض آذانه وفي الإِقامة"/وفي المستدرك عن ابن المبارك أنه كان إذا رأى المؤذن لا يدخل إصبعيه في أذنيه
يصيح به، وفي كتاب أبي نعيم الفضل: ثنا سفيان بن أبي سنان عن سهل
أبي أسد قال: من السنة أن تدخل إصبعيك في أذنيك، ونا حسن بن صالح
عن أبي سعد قال: رأيت سويد بن غفلة يدخل إصبعيه في أذنيه، وثنا حبان
عن مجالد عن الشعبي قال: قلت: أضع إصبعي في أذني إذا أردت؟ قال:
نعم، كليهما أو أحدهما يجزئك، وثنا مندل عن جعفر بن أبي المغيرة قال:
كان سعيد بن جبير إذا أذن يجعل إصبعيه في أذنيه - أو على - أذنيه قال:
وسمعت شريكَا قيل له: يجعل المؤذن إصبعيه في أذنيه، قال: نعم، وفي
كتاب الأشراف. وبه قال الحسن وأحمد وإسحاق والنعمان ومحمد بن
الحسن، وقال مالك: ذلك واسع، حدثنا محمد بن المصفي الحمصي ثنا بقية عن مروان بن سالم عن عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين: صلاتهم وصيامهم " (1) هذا حديث في إسناده مروان بن سالم، وهو ضعيف متروك الحديث ماله عند أحد من الأئمة، وفي كتاب المعرفة من حديث ابن المديني:
نا محمد بن أبي عدي عن يونس عن الحسن قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " المؤذنون أمناء الناس على صلاتهم وحاجتهم - أو حاجاتهم - " (2) وفي السن للبيهقي: عن أبي محذورة، قال عليه السلام: " أمناء المسلمين على صلاتهم وسجودهم المؤذنون " (3) في سنده يحيى بن عبد الحميد، وفيه كلام، وفي صحيح أبي حاتم البستي من حديث نافع بن سليمان: عن/محمد بن أبي
__________
(1) موضوع. رواه ابن ماجه (ح/712) والمشكاة (688) وتلخيص (11/83) والكنز (20909) والخطيب (11/337) والحلية (8/198) .
وقال الشيخ الألباني موضوع. انظر: ضعيف ابن ماجه (ح/712) والضعيفة (ح/905) .
(2) صحيح. رواه الشافعي (33) وتلخيص (1/183) .
(3) ضعيف. رواه البيهقي (1/426) والجوامع (4479) والكنز (20896) والإرواء (1/239)(1/1118)
صالح عن أبيه أنه سمع عائشة تقول: قال عليه الصلاة والسلام: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " (1) ثم قال: سمع هذا الخبر أبو صالح عن عائشة على حسب ما ذكرناه، وسمعه من أبي هريرة مرفوعا، فمرة حدّث به عن عائشة، وأخرى عن أبي هريرة، وتارة وقفه عليها، ولم يرفعه، فأما الأعمش فأنه سمعه من أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا، وسمعه من سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، وقد وهم من أدخل بين سهيل وأبيه فيه الأعمش لأن الأعمش سمعه من سهيل لا أنّ سهيلا سمعه من الأعمش، لذا حكم بصحّة هذين الحديثين، وقد خالفه في ذلك غير واحد منهم أبو عيسى، فقوله: ورواه الثوري وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وروى أسباط عن الأعمش قال: حديث عن أبي صالح عن أبي هريرة، وروى نافع بن سليمان عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النبي - عليه السلام - هذا الحديث، وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة، وسمعت محمدا يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح، وقال ابن المديني: لم يثبت حديث أبي صالح عن أبى صالح عن أبي هريرة، ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا. انتهى السبب الموجب لضعف حديث الأعمش عن أبي صالح هو انقطاع ما بينهما، وإن كان قد سمع منه أحاديث ودلس عنه أشياء. ذكره الكرابيسي
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/517) والترمذي (ح/207) وأحمد (2/232، 284، 382، 419، 424، 461، 472، 5/260، 6/65) وشهاب (234) وعبد الرزاق (1838) وابن خزيمة (1528) والطبراني فيه الكبير، (8/343) وفي " الصغير " (1/107، 214، 2/13) وشرح السنة (2/279) والمشكاة (663) والخطيب (3/242، 4/388، 6/167، 9/413) وابن حبان (363،362) ومشكل (3/52، 53، 56) والحلية (8/118) والترغيب (1/176) .
وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/231) . قال الخطابي في المعالم (1/156) : " قال أهل اللغة: الضامن في كلام العرب معناه الراعي، والضمان معناه الرعاية.. والإمام ضامن: بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل: معناه ضامن الدعاء بعضهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء. وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال، وكذلك يتحمل القيام أيضا إذا أدركه راكعا ".(1/1119)
في كتاب المدلسين، وحتى قال أحمد فيما حكاه عنه الميموني: الأعمش عن أبي صالح منقطع، وهذا ينبغي أن يأؤل على حديث خاص سئل عنه أحمد/، فيوضح ذلك قول عباس عن ابن معين: قال سفيان الثوري لم يسمع هذا الحديث إّلا عن ابن أبي صالح، وفي كتاب أبي داود: ثنا أحمد نا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح، وثنا الحسن بن علي ثنا ابن نمير عن الأعمش قال: نبئت عن أبي صالح، ولا أراني إّلا قد سمعته منه، وذكر البلخي عن محمد بن الصباح أنه لم يسمعه من أبي صالح، ولما ذكر ابن حبان في صحيحه خبر الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد: " يجاء بالموت كأنه كبش أملح " قال فبكيناه لأنه ليس متصل، قال شجاع بن الوليد عن الأعمش: سمعتهم يذكرون عن أبي صالح، فهذا كما ترى مدلس صرّح بالانقطاع، ودخول الواسطة، فلا يقبل خبره إجماعًا إلا على رأي من يرى قول ابن حبان سمع حسبت مقدم على من بقى، وقال البيهقي: لم يسمعه من أبي صالح بيقين إنّما سمعه من رجل عنه، وقد رواه عن أبي صالح أيضًا عن محمد بن حجارة، قال ابن عدي: وهذا لا يرويه عن ابن حجارة غير الحسن بن أبي صالح، وهو متروك، ورواه أحمد في مسنده عن قتيبة عن الدراوردي عن سهيل عن أبيه به، وهو إسناد على شرط مسلم، ولا نعلمه ما رواه الطبراني عن فضيل بن محمد المغطى عن موسى بن داود الطيبى عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة عن عائشة به، لضعف هذا الإسناد، وأما سبب تضعيف حديث عائشة، فلأن محمد بن أبي صالح غير معروف، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: لا أعلم لسهيل وعباد بن أبي صالح إلا ما رواه حيوة بن شريج عن نافع عن محمد بن أبي صالح فذكر الحديث، قال والأعمش رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره/قلت: فأيهما أصح؟ قال: حديث الأعمش، ونافع ليس بقوى قلت محمد هو أخو عبّاد؟ قال: كذا يروونه، وذكر ابن عدي عن ابن معين أنه قال محمد هذا لا أعرفه، قال أبو أحمد: هذا الذي قال فيه ابن معين: لا أعرفه، فإن كان صاحب حديث " الإمام ضامن " فأنه يرويه عن أبيه عن عائشة، فإن عمل معلل هذا الحديث فأنه لا يصح، لأن أهل مصر رووه عن(1/1120)
محمد عن أبيه عن عائشة، ورواه سهيل عن الأعمش عن أبي صالح، فالذي يصححه يقول: قد اتفق محمد وسهيل جميعا عن أبيهما، وقال سهيل عن أبي هريرة: وهو الصحيح، وقال محمد عن عائشة: ومن جعل محمدا أخا لسهيل فقد وهم، وليس في ولد أبي صالح من اسمه محمد، إنّما هم: سهيل وعباد وعبد الله ويحيى وصالح، وليس فيهم محمد - والله تعالى أعلم -، ولقائل أن يقول: هذه شهادة على النفي فلا تقبل، فتحتاج إلى ترجيح من خارج، فنظرنا وإذا نحن قد وجدنا راويًا عن محمد غير نافع، وهو هشيم بن بشير، فأنه لما روى عنه نسبه كما نسبه نافع، وهما عدلان حافظان والنسبة غيرهما، وقد ترجم أبو حاتم الرازي باسمه في كتاب الجرح والتعديل مفردًا، ونسبه إلى أبيه من غير تردد (1) ، وكذلك ابن حبان في كتاب الثقات بعد وصفة إيَّاه بالخطأ، وفي تاريخ البخاري الكبير: محمد بن ذكوان وهو محمد بن أبي صالح السمان أخو سهيل مولى جويرية بنت الأحمس العطفاني، حدّث فيه عن أبي مريم نا موسى بن يعقوب نا عباد، ابن أبي صالح، وكذا ذكره الحافظ أبو بكر بن مردويه في كتاب أسماء أولاد المحدثين تأليفه ونسبه مدنيًا، ولما ذكره الفسوي في تاريخه عرفه بآخر وسهيل وعباد. قرأت على/المعمر شرف الدين أبي زكريا المقدسي - رحمه الله - عن العلامة بهاء الدين المصري عن الحافظ ابن طاهر التعري قال: أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار في صفر سنة ست وثمانين وأربع مائة أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد القبيقي قراءة عليه أنبأ أبو بكر محمد بن عدي بن علي بن عدي ثنا علي بن عدي بن زجر ثنا أبو عبيد الآجري في شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين نا أبو داود بجميع كتاب الإخوة الذين يروى عنهم الحديث، فذكر جماعة، ثم قال: سهيل بن أبي صالح وصالح بن أبي صالح ومحمد بن أبي صالح وعباد، ويقال عبد الله بن أبي صالح، وكذا ذكره الحافظ عبد الغنى بن سعيد في كتاب " كنى الأباء والأجداد الغالبة على الأسماء "، وأبو زرعة الدمشقي في كتاب " الإخوة " من تأليفه ذكره كذلك فيتبين لك بمجموع ما
__________
(1) قوله: " تردد " وردت " بالأصل " " فترى "، وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/1121)
سلف صحة هذين الحديثين، ولا علة ما وجه فيهما - والله تعالى أعلم -، وحديث عبد الله بن عمر - رضى الله تعالى عنهما - مرفوعا: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " (1) الحديث ذكره ابن عدى في الكامل من حديث الكرسي عن أزهر عن ابن عون عن نافع عنه، وحديث أنس بن مالك مرفوعاً: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " ذكره أيضا من حديث بقية عن ثور بن - يزيد عن أبان عنه، وقال: لم يجوز إسناده غير ابن مصفي عن بقية عن ثور، ورأيت غير ابن مصفي رواه عن بقية عمن حدّثه عن النبي، مرسل الحسن أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " الإِمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " الحديث ذكره البيهقي من حديث ابن أبي عدى أنبأنا يونس عنه وفي لفظ: " المؤذنون أمناء الناس على صلاتهم وحاجتهم " (2) /أو قال " حاجاتهم " قال: وقد روى ذلك عن يونس عن الحسن عن جابر، وليس بمحفوظ، وروى في ذلك عن
أبي أمامة، يعني ما رواه هو من حديث ابن المديني ثنا روح بن عبادة نا حماد بن سلمة أنبأ أبو محمد بن غالب سمعت أبا أمامة فذكره بزيادة:
" والأذان أحب إلي من الإِمامة "، وحديث أبي محذورة: قال رسول الله
صلي الله عليه وسلم: " أمناء الناس على صلاتهم وسجودهم المؤذنون " (3) رواه أيضا من حديث الجياني عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه، وحديث ابن عمر يرفعه: " من أمّ قومَا فليتق الله، وليعلم أنه ضامن مسئول لما ضمن إن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينتقص من أجورهم شيئَا " (4) وما كان من نقص فهو عليه، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن أبي الحوراء إلا أبو الفضل يحي، ولا عنه
__________
(1) تقدم ص 1119 الحاشية رقم (1) .
(2) صحيح. رواه الشافعي (33) وتلخيص (1/183) .
(3) صحيح. رواه البيهقي (1/426) والجوامع (4479) والكنز (20896) والإرواء (1/239) . قلت: والحديث الأول شاهد للثاني.
(4) ضعيف الترغيب (1/310) والكنز (20402) وإتحاف (3/173) والمجمع (2/69) وعزاه إلى الطبراني فيه الأوسط، وفيه معارك بن عباد، ضعفه أحمد والبخاري وأبو زرعة والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات.(1/1122)
ألا المعارك بن عباد، تفرد به يوسف بن الحجاج، وحديث جابر يرفعه: الإِمام ضامن فما صنع فاصنعوا (1) ذكره أيضا وقال: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد. تفرد به الحميدي، يعني عن موسى بن شيبة من ولد كعب بن مالك عن محمد بن كليب عنه. حدثنا محمد بن مثنى نا أبو داود نا شريك عن سماك عن جابر بن سمرة قال: " كان بلال لا يؤخّر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإِقامة شيئا (2) . هذا حديث لما رواه أبو عيسى في جامعه عن أحمد بن منيع عن شريح بن النعمان عن حماد بن سلمة عن سماك فيما ذكره ابن عساكر والمزي، ولم أره في المكان الذي أشار أبيه لم يتبعه كلامًا وهو سند صحيح على رسم مسلم، ولفظه في المستدرك، وخرجه/من حديث إسرائيل عن سماك كان بلال يؤذن ثم يمهل فإذا رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد خرج أقام الصلاة، وقال: صحيح (3) على شرط مسلم، ولم يخرجاه إنما ذكر مسلم حديث زهير عن سماك: كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس، ولا يقيم حتى يخرج، فإذا خرج قام حتى يراه (4) ولفظ أبي الشيخ ورواه من حديث شريك: " كان بلال يؤذن للظهر إذا دحضت الشمس، ورَّبما أخَّر الإِقامة ولا يؤخر الأذان عن الوقت وشاهده حديث علي بن أبي طالب: " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يكون في المسجد حين تقام الصلاة فإذا رآهم قليلا جلس ثم صلى، وإذا رآهم جماعة صلى " خرجه الحاكم من حديث داود بن رويشد عن الوليد بن مسلم ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن مسعود - يعني ابن الحكم الزرمي- عنه
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عساكر في (التاريخ ((6/363) والخطيب (8/332) والمتناهية (1/439) والمجمع (2/66) وعزاه إلى الطبراني في (الأوسط، وفيه موسى بن شيبة من ولد كعب بن مالك، ضعفه أحمد، ووثقه أبو حاتم في الثقات.
(2) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/713) . وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/243) .
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/537) .
(4) صحيح. رواه مسلم " في المساجد "، (ح/160) وأحمد (5/106،91) .
(5) رواه الحاكم: (1/202) .(1/1123)
قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وفي كتاب البيهقي من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز وعاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم أبي الثغر مرسلا وإسناده جيّد، وحديث جابر ابن عبد الله أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال لبلال: (إذا أذّنت فترسل في أذانك، وإذا أقمت فاحذر واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الأكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته) رواه الحاكم (1) أيضا عن أبي بكر بن إسحاق أنبأ على بن عبد العزيز نا على بن حماد بن أبي طالب ثنا عبد المنعم بن نعيم الرماحي ثنا عمر بن فايد الأسواري نا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عنه، وقال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فايد والباقون شيوخ البصرة/وهذه سنَّة غريبة لا أعرف لها إسناداً غير هذا ولم يخرجاه، وقال أبو عيسى: حديث جابر هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهول، وبمثله قاله أبو علي الطوسي في أحكامه، وقال البغوي: هذا حديث ضعيف الإِسناد وهو في أدب الأذان حسن، وقال البيهقي في الكبير: في إسناده نظر انتهى، وفي كلام الحاكم: نظر في موضعين: الأول: قوله ليس في إسناده مطعون فيه، وعبد المنعم بن نعيم طعن فيه أبو حاتم الرازي بقوله منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًا لا يجوز الاحتجاج به، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث، وذكره أبو جعفر في كتاب الضعفاء، وقال الساجي: كان ضعيفا وإن كان ابن سعد قال: هو. ثقة - إن شاء الله تعالى -، وقال أبو الحسن: كان بصريًا تقه، وأمّا يحيى بن مسلم أبو مسلم البكاء البصري وإن كان ابن سعد قال: هو ثقة- إن شاء الله تعالى-، وقال أبو الحسن: كان بصريا ثقة، فأنه لما سئل عنه أبو زرعة قال: ليس بقوى، وقال أبو حاتم: شيخ قيل له أيهما أحب أليك هو أو أبو حباب قال: لا هذا ولا هذا، قيل له: إذا
__________
(1) ضعيفة: رواه الحاكم (1/204) والترمذي (ح/195) . وقال: حديث جابر هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم، وهو إسناد مجهول. والمشكاة (647) ونصب الراية (1/275) وتلخيص (1/200) والميزان (9878) وتذكرة (35) وجرجان (154)(1/1124)
لم يكن في الباب غيرهما عن أيهما يكتب قال: لا يكتب عنه شيء وقال القواريري: لم يكن يحيى يرضاه ابن معين وليس بذاك، وفي رواية البرقي: ضعيف، وفي رواية عباس بشر بن حرب: أحبّ ألي من مائة مثل البكاء وذكره العقيلي في الضعفاء، وكذلك يعقوب بن سفيان وأثنى عليه لثناء أبو القاسم البلخي، وذكر عن محمد بن واسع أنه عص منه وقال أبو عبد الرحمن النسائي والأزدي: متروك الحديث، وقال علي بن الجنيد: هو مختلط، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروى/المعضلات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن السمعاني: كان يروى المعضلات والمناكير، وذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء وأبا عمر بن فايد فرماه جماعة بالوضع منهم علي بن المديني، ولما رواه أبو القاسم في الأوسط خرج فيه عن عبد المنعم بن نعيم الرماحي قال ثنا يحيى فإن صحت هذه اللفظة يكون سمعه منه، وعنه- والله تعالى أعلم- الثاني: استغرابه حديث السُنَّة، وقد رواها علي بن أبي طالب عند الدارقطني من طريق عمرو بن سمر قال: " كان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يأمرنا أن نرسل الأذان ونحدر الإقامة " (1) ولما ذكره في الأوسط قال: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن شمر إلا أبو معاوية، ولا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم نا مرحوم بن عبد العزيز عن أبيه عن أبَي الزبير مؤذن بيت المقدس قال: جاءنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقال: " إذا أذنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحدر " (2) . رواه الثوري وشعبة عن مرحوم، وثنا ابن أبي زرعة عن ابن أبي
__________
(1) رواه الدارقطني (1/238) والإرواء (1/245) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (ح/195) . وقال: حديث جابر هذا حديث لا نعرفه ألا من هذا الوجه. والبيهقي (1/428) والحاكم (1/204) من طريق عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر، فذكره، وقال: هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد، والباقون شيوخ البصرة، وهذه سنة غريبة، لا أعرف لها إسناد غير هذا، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: (قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك،. والمشكاة (647) ونصب الراية (1/275) وتلخيص (1/200) والميزان (9878) وتذكرة (35) وجرجان (154) .
غريبة: قوله: " فاحدر"، بإسكان الحاء وضم الدال المهملتين، أمر من الفعل الثلاثي، يقال:(1/1125)
جعفر عن ابن عمر أنه كان يرتل في أذانه ويحدر الإِقامة وثنا مسعر عن عائشة أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: (كان إذا أقام المؤذن وهو يأكل لم يقم حتى يفرغ من طعامه) . (1) رواه أبو القاسم في الأوسط عن أحمد بن محمد بن صدقة ثنا أحمد بن سليمان الرحاوي ثنا معاوية بن هشام، نا سفيان عن هشام عن أبيه عنها وقال لم يروه عن سفيان إّلا معاوية، وحديث أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسَا قدر ما يفرغ الأكل من طعامه على مهل، ويقضى المعتصر حاجته في مهل " (2) سأل/أبو طالب أبا عبد الله عنه وأنكره إنكارا شديدا، وقال معارك وبن عباد العبدي: يعني رواية عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة: لا أعرفه، وعبد الله بن سعيد أبو عباد منكر الحديث متروك الحديث، وقال البيهقي: وقد روى عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وليس بمحفوظ، وفي زيادات عبد الله في المسند أخبرنا حفص بن عمر الرماني نا محمد بن راشد الضرير ثنا معارك بن عباد عن يحيى الباهلي عن ابن بنت أبي الجوزاء عن أبى بن كعب قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- لبلال:) اجعل بين آذانك وإقامتك قدر ما يقضى المعتصر حاجته ويفرغ الأكل من طعامه ((3) ، وحديث سلمان أن النبي- صلي الله عليه وسلم - قال لبلال: " اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا حتى يقضى المتوضئ حاجته في مهل أو يفرغ الأكل من طعامه في مهل " (4) ذكره أبو الشيخ من حديث المعارك ابن
__________
= حدر يحدر حدورَا، أي أسرع، من باب (نصر) قال القاضي أبو بكر بن العربي: " يسرع في الإِقامة لأنها افتتاح الصلاة وتقدمتها، لأِعلام من حضر في المصلى، فلذلك قال: فاحذر، يعني أسرع.
(1) بنحوه. رواه البخاري (7/107) والطبراني في الأوسط (2/84، 90) والكنز (20055) وابن كثير (8/455) ومشكل (2/402) والمسير (9/167) وحبيب (1/51) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد (2/4) من حديث أبي بن كعب، وعزاه إلى عبد الله بن أحمد من زيادته من رواية أبي الجوزاء عن أبي وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي
(3) انظر: الحاشية رقم (1) قبل السابقة، والسابقة.
(4) صحيح. المغني عن حمل الأسفار (1/175) وعبد الله بن أحمد في " زيادات المسند "(1/1126)
عن يحيى بن أبي الفضل أحسبه عن سلمان، وفي السنن الكبير للبيهقي من حديث أبي النضر نحوه، وحكم عليه بأن سنده جيد. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال: " كان آخر ما عهد إلى رسول الله " أن لا أتخذ مؤذنًا يأخذ على الأذان أجرًا " (1) . هذا حديث قال فيه الترمذي حسن، وخرجه الحاكم من جهة حماد بن سلمة عن الحريري عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد الله عنه أنه قال: " يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال: أنت إمامهم واقتدى بأضعفهم واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على الأذان أجرًا " (2) ثم قال هذا حديث صحيح على
__________
= (5/143) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (2/141) وصححه الشيخ الألباني راجع الصحيحة (ح/887) . غريبة: قوله: " المعتصر، هنا هو الذي يحتاج إلى الغائط ليتأهّب للصلاة وهو من العصر، أو العصر هو الملجأ "
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/209) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (ح/714) والنسائي (1/109) إسناده صحيح. ورواه أحمد (4/217،21) كلّهم من طريق حماد بن سلمة عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص.
وصححه الشيخ الألباني.
(2) رواه الحاكم (1/99، 201) بأسانيد من طريق حماد بن سلمة وصححه. ووافقه الذهبي. ورواه ابن ماجه نحو هذا أيضا من طريق ابن إسحاق عن سعيد بن أبي هند عن مطرف عن عثمان بن أبي العاص. وهذه الروايات تؤيّد رواية الأشعث عن الحسن عن عثمان. ورواه أبو داود (ح/531) .
قال الشافعي في الأم (1/72) :) وأحب أن يكون المؤذنون متطوعين، وليس للإِمام أن يرزقهم ولا واحدا منهم وهو يجد من يؤذن له متطوعا، ممن له أمانة، إّلا أن يرزقهم من ماله. ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوذه أن يجد مؤذنا أمينا لازما يؤذّن متطوعا، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا، ولا يرزقه ألا من خمس الخمس: سهم النبي- صلي الله عليه وسلم -، ولا يجوز له أن يرزقه من غيره من الفيء، لأن لكله مالكا موصوفا. قال الشافعي: ولا يجوز له أن يرزقه من الصدقات شيئا، ويحل للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت أن يرزق، ولا يحل له أخذه من غيره بأنه رزق.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة (2/12 - 13) وأكثر علمائنا على جواز الإجارة على الأذان، وكرهها الشافعي وأبو حنيفة. وقال الأوزاعي: يجاعل عليه ولا يؤاجر، َ كأنه ألحقه بأجر المجهول. والصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله، وينيب في كل واحد منها، فيأخذ(1/1127)
شرط مسلم، ولم يخرجاه/ (إنما خرج مسلم) (1) حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن المسيب عن عثمان أن النبي- عليه السلام- قال:" إذا أممت قومَا فخفف بهم الصلاة " الحديث، وسكت عنه الأشبيلي مصححا له وثبته ابن المنذر، ولفظ فضيل بن عياض عن أشعث بن سوار عن أبي الشيخ: " أخر ما عهد إلى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن قال: صلى بأصحابك صلاة أضعفهم فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة " (2) الحديث ولما ذكره الحميدي وابن أبي عمر العدني في مسندهما عن فضيل لم ينسباه، ولما صححه ابن حزم نسب أشعث أبي حمران وكأنه أشبه لضعف الأول وثقة هذا قال أبو الشيخ ثنا البغوي نا شيبان ثنا سلام بن مسكين عن يحيى البكاء قال سمعت رجلا قال لابن عمر: " إنى لأحبك في الله فقال له ابن عمر إنى لأبغضك في الله فقال سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله. قال: نعم إنك لتسأل على أذانك أجرا " (3) زاد أبو نعيم وكان مؤذنا من مؤذني الكعبة، وفي كتاب الصحابة لأبي نعيم من طريق الليثي عن الحسن قال حدثنى خمسون صحابيًا أن النبي- عليه السلام- نهى عن الإِقامة والأذان بأجر قال ابن حزم: وروينا عن وكيع نا المسعودي عن القاسم أن ابن مسعود
قال: (أربع لا يؤخذ عليهن أجر القرآن والأذان والقضاء والمقاسم) وقد جاء في حديث أنس عن النبي- عليه السلام-: " أجر المعلمين والمؤذنين والأئمة حرام " (4) وفي حديث ابن عمر: نهى عليه السلام عن التعليم والأذان
__________
= النائب أجره، كما يأخذ المستنيب. والأصل في ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم: " ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة،. قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/44) : " فقاس المؤذن على العامل، وهو قياس على مصادمة النص ".
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/187) وابن ماجه (ح/988) وأحمد (4/22) والبيهقي (3/116) والمشكاة (1134) ونصب الراية (2/29) والكنز (20415) والحلية (100) والمنحة (627) .
(2) لم أقف عليه.
(3) قوله: (أجرا) وردت (بالأصل) (جزءاً) ، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(4) موضوع. الموضوعات (1/229) والفوائد (277) .(1/1128)
والأجرة فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (1) . ولكنهما غير صحيحين حتى أن ابن الجوزي/بالغ حتى ذكرهما في كتاب الموضوعات. قال أبو محمد بن حزم قال تعالى: {لا تأكلوا أموَالَكم بينَكُم بِالبَاطِلِ إلا أن تكُونَ تجَارةً عن تَرَاض منكُم} (2) . وقال- عليه السلام-: " إنَّ دماءكم وأموالكم عَليكم حرام " (3) فحرم تعالى أكل الأموال إلا بتجارة فكل مال حرام إلا ما أباحه نص أو إجماع متيقن، فلو لم يأت النهى عن أخذ الأجر على الأذان لكان حرامَا بهذه الجملة، ولا يعرف لابن عمر في هذه القصة مخالف، قال أكثر العلماء: وجاز أن يعطى على سبيل البر وهو قول أبي حنيفة وغيره، وقال مالك: لا بأس بذلك قال ابن المنذر، وقال الأوزاعي: ذلك مكروه. ولا بأس بأخذ الرزق على ذلك من بيت المال، وقال الشافعي: لا يرزق المؤذن إلا من خمس الخمس سهم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال أبو بكر ويقول أبي حنيفة: أقول، وفي كتاب الخطابي: أخذ الأجرة على الأذان مكروه في مذاهب أكثر العلماء ومنع منه ابن راهوية. وقال الحسن: أخشى أن لا تكون صلاته خالصة لله تعالى، وفي مشكل أبي جعفر الطحاوي قد قال قائل في هذا الحديث يعني حديث عثمان ما يدل على جواز أخذ الأجر على الأذان. فكان جوابَا أنه قدر الأجرة، وقد تكون بالإجارات المعقودات قبل الوجوب التي تستلزم المستأجر والأجير، وقد تكوَن على المثوبات والتنويلات عليها لفاعلها، وقد جاء القرآن العزيز بالمعنيين جميعا فقال في الإجارات المعقودات قوله تعالى: {فإنْ أرضَعنَ لكُم فآتوهُن أُجُورهُن وأتمرُوا بَينَكُم بمَعرُوفٍ} (4) والائتمار لا يكون إلا عند الاختلاف فيما يقعد الإِجارات عليه، وأمَّا ما جاء بالأجر فيما سوى ذلك فقوله عز وجلّ: {قُلْ
__________
(1) موضوع: الموضوعات، مصدر سابق.
(2) سورة النساء آية: 29.
(3) صحيح. رواه أحمد (3/313، 485، 4/86، 306، 5/30، 37، 412) والبيهقي (3/215، 5/8، 274) والطبراني (5/316، 716) وابن خزيمة (2809) والمجمع (3/271، 7،272/295) والحلية (4/343) . وصححه الشيخ الألباني.
(4) سورة الطلاق آية: 6.(1/1129)
ما أسألُكُم عَلَيِه مِن أَجْر وَمَا أَنَا مِنَ المتُكَلفِينَ} (1) . وقوله تعالى: (قل ما
سألتكم من أجر/فهو لكم} (2) . فكان ذلك على المثوبات على الأفعال لا على عقود إجارات كانت قبلها فكان قوله- عليه السلام- لعثمان ما قد
ذكرناه عنه في هذا الحديث قد يكون على الأجر الذي يجعل ثوابا، وهو بلا كما يفعل الناس بمن يفعل الأفعال الذي يحمدونه عليها من التأذين في مساجدهم وعمرانها، واللزوم لها فينسلوهم على ذلك ما ينال أمثالهم ليدونوا وتكون قوة لهم عليه لا بإجارات متقدِّمات على ذلك فيكون ذلك محمودا من فاعله، ويكون من لا يقبل ذلك بهم بعلمهم بالنسب الذي قصد من أجله بذلك أليم أفضل من فعله بأمر النبي- عليه الصلاة والسلام- عثمان- رضي الله عنه- أن تتخذ مؤذنا أفضل المؤذنين، وأعلاهم رتبة في الثواب على الأذان، وترك التعوض عليه شيئا من الدنيا، والقياس أيضا فيمنع من استحقاق الأجر بالإجارات على الأذان، وذلك أنا وجدنا الإِجارات يملك بها المستأجر المنافع التي بذل الأجرة عليها للأجير ملكا تبيّن به عن دونه، وكان الأذان وما أشبهه من هذه الأشياء غير مقدور على ذلك ألا يجور الإِجارات عليها- والله تعالى أعلم-. وتبع ذلك أن أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد بقوله هذا الذي قاله الطحاوي: قياس غير صحيح إذ ليس من شرط صحة الإِجارة، وجوازها اًن يملك المستأجر منافع الأجير التي استأجره عليها أصل ذلك إجماعهم على جواز الاستئجار على بناء المسجد، والإِجارة على الأذان جائزة
بظاهر قوله- صلي الله عليه وسلم -:) من استأجر أجيرا فليأجره بأجر معلوم ((3) ولم يخص أذانا من غيره. حدثنا أبو بكر/ابن أبي شيبة ثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن أبي إسرائيل عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال:) أمرني رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن أثوِّب في الفجر، ونهاني أن أثوِّب في العشاء ((4) هذا حديث قال فيه البزار: لا نعلمه رواه عن
__________
(1) سورة ص آية: 86. (2) سورة سبأ آية: 47.
(3) رواه البيهقي (6/120) ونصب الراية (4/1431) وإتحاف (5/459) .
(4) بنحوه. رواه الترمذي (ح/198) من حديث بلال وقال: حديث بلال لا نعرفه الا من حديث أبي إسرائيل الملائي. وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة، قال:(1/1130)
الحكم إلا أبو إسرائيل، وقال البيهقي في المعرفة: حديث بلال منقطع، وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم يقال إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم وأبو إسرائيل ليس بذاك القوى، وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه انتهى كلامهما. وفيه نظر من وجهين الأول: أبو إسرائيل المعصوب برأسه الجنابة، قال فيه الإِمام أحمد: يكتب حديثه، وقال ابن معين: صالح الحديث، وفي كتاب التاريخ للبصري عنه: لا بأس به، وفي كتاب الكني للدولابي عنه: ثقة، وفي سؤالات الأثرم قلت لأبي عبد الله أبو إسرائيل: يكتب حديثه، قال: نعم، وأمسك قال: قلت: روي عن الحكم عن ابن أبي ليلى هذا الحديث يعني التثويب قال: نعم، قلت لأبي عبد الله عن بهز: أنه حمل عليه، وزعم أنه تكلّم في عثمان فقال أبو عبد الله: الكوفيون، الآن ثم سكت، وقال أبو حاتم: حسن الحديث جيّد اللقاء، وقال أبو زرعة الرازي: كوفي صدوق، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: أبو إسرائيل لم يكن يكذب، وحديثه ليس مثل حديث الشيعة، وليس فيه نكارة وحدّث عنه الثوري بحديث باليمن، وقال عمرو بن علي: ليس من أهل الكذب، ورواه
البزار بسند لا بأس به يصلح أن يكون شاهدا لحديث أبي إسرائيل بل هو أمتن منه وأسلم منه من الانقطاع، ومن ابن عمارة عن علي بن حرب الموصلي ثنا أبو مسعود/عبد الرحمن بن الحسن الزجاج ثنا أبو سعد عن ابن أبي ليلى عن بلال وقال: هذا الحديث لا نعلمه رواه عن أبي سعد إّلا أبو مسعود يعني الراوي عنه يحيى بن آدم ويحيى بن عبد الحميد الحمان وعبد الله بن عمر عن أبان وأبو هاشم محمد بن علي وإسحاق بن عبد الواحد ومحمد بن عبد الله بن عمار وابن راهويه ومحمد بن أسباط وغيرهم، وفيما ذكره أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس القاسم الأجدى في طبقات أهل الموصل، ولما ذكره الخالديان في تاريخهما أحسنا عليه الثناء، وقول أبي حاتم الرازي فيه: يكتب حديثه، ولا يحتج به ليس تصريحَا بضعفه، وأبو سعد البقال وثقة: أبو أسامة،
__________
- إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة. قلت: وعلى هذا فالحديث ضعيفة.(1/1131)
وقال أبو زرعة: صدوق، والثاني: انقطاع ما بين عبد الرحمن وبلال نص على ذلك: ابن أبي حاتم عن أبيه، وأبيه أشار أيضًا البزار في مسنده، وقال البيهقي: هذا حديث مرسل ابن أبي ليلى لم يلق بلالا وأتبعه برواية يحيى بن جعفر عن علي بن عاصم أنبأ عطاء بن السائب ابن أبي ليلى عن بلال، وفي سؤالات مهتأ سألت يحيى وأبا خثيمة فقلت: ثنا أحمد ثنا علي بن عاصم فذكره فقالا ليس بصحيح، وقالا: ما روى هذا ثقة فقلت: قال لي أحمد هذا من السماع الدارشي على مضحكًا، وسألت أحمد عنه فقال: منكر، وفي سؤالات الميموني ثنا أحمد ثنا أبو قطن قال: ذكر لشعبة الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال الحديث فقال شعبة: لا والله ما ذكر أنّ ابن أبي ليلى ولا إسنادًا ضعيفًا قال أظن شعبة قال كنت أراه رواه عن عمران بن مسلم، وأما حديث سعيد بن المسيب عن بلال المذكور عند ابن ماجة بعد فمنقطع فيما بين سعيد وعنه، وقد وقع لهذا الحديث شواهد/غير ما أسلفناه، من ذلك: ما أنبأ به المسند المعمر أبو زكريا يحيى بن يوسف المقدسي- رحمه الله- أنبأكم العلامة بهاء الدين المصري عن الحافظ الثغري أنبأ أبو رجاء الحلقاني أنبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي علي بن الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ثنا بن صبيح ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمى ثنا أبي عن ابن إسحاق، قال: ذكر الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد قال: جاء بلال ذات غداة إلى صلاة الفجر فقيل له: أنّ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- نام فصرخ بأعلى صوته: " الصلاة خير من النوم" قال سعيد: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر، قال أبو الشيخ: وثنا عبدان نا محمد بن موسى الجرشي ثنا خلف الحراز يعني البكاء قال: قال ابن عمر: جاء بلال إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤذنه بصلاة الصبح ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- قد أغفا فجاء بلال فقال: الصلاة خير من النوم فانتبه رسول الله صلي الله عليه وسلم:"أجعله في أذانك إذا أذنت لصلاة الصبح" (1) وثنا إبراهيم بن علي الهاشمي ثنا الزبير بن بكار ثنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/716) . في الزوائد: إسناده ثقات. ألا أن فيه انقطاعا.(1/1132)
عبد الله بن نافع عن معمر بن عبد الرحمن مولى قسيط عن ابن قسيط عن أبي هريرة أن النبي- صلي الله عليه وسلم -: " أمر بلالا أن يجعل في أذانه في الصبح الصلاة خير من النوم". وفي لفظ:) مروا أبا بكر يصلى بالناس ((1) . يعني في مرض موته- عليه الصلاة والسلام- ولما خرجه الطبراني في الأوسط من حديث مروان بن ثوبان قاضى حمص ثنا النعمان بن المنذر عن الزهري عن سعيد عنه، قال: لم يروه عن الزهري عن سعيد عنه قال لم يروه/عن الزهري إلا النعمان، تفرد به مروان، قال أبو الشيخ: وثنا عامر بن إبراهيم بن عامر ثنا عمّى عن جدي ثنا عمرو بن صالح ثنا صالح بن أبي الأحضر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " جاء بلال إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤذِّنه بصلاة الصبح فوجده نائما. فقال: "الصلاة خير من النوم فأقرت في صلاة الصبح " وفي كتاب الصحيح لابن خزيمة من حديث أبي أسامة عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: " من السنة إذا أذن المؤذِّن في أذان الفجر قال: "الصلاة خير من النوم" 2) ولما ذكره البيهقي في الكبير 3) قال: هذا إسناد صحيح، ولفظ الدارقطني: " الصلاة خير من النوم مرتين " (4) ، وفي كتاب أبي نعيم الفضل بن دكن ثنا جعفر عن أشعث عن الحسن وهشام عن أبيه قال: جاء بلال إلى النبي- عليه السلام- ليؤذِّنه
__________
سعيد بن المسيب لم يسمع من بلال. وصححه الشيخ الألباني
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري
ومسلم في (الصلاة، ح/94، 95، 101) والترمذي) خ/3676) وصححه والنسائي (2/99) وابن ماجة (ح/1232، 1234، 1235) وأحمد (2/1314،44، 0/6،96،270136،229،2) والدارمي (1/39) والبيهقي وابن حبان (2174،367) وعبد الرزاق (9754) وابن خزيمة (1616) وابن أبي شيبة (330،2/329) وتغليق (10521) وأبو عوانة
(2) بنحوه. رواة ابن ماجْة (ح/718) . ولفظه:) إذا أذن المؤذن فقولوا مثل قوله (.
(3) إسناده صحيح. رواه البيهقي: (1/422) .
(4) رواه أحمد (3/408، 409) والمجمع (1/303) والكنز (20957، 23149) وشرح السنة (2/262) والتاريخ الكبير (1/194) وأسرار (231) .(1/1133)
بالصلاة فوجده نائما فقال: "الصلاة خير من النوم فنزلت في صلاة الفجر" وثنا قيس عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال:) كان بلال يثوب في الفجر ((1) وثنا شريك عن عمران بن مسلم عن سويديه، وفي سنن البيهقي الكبير من حديث نعيم بن النخام: ينادي منادي رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "الصلاة خير من النوم" وفي كتاب المعرفة من حديث حفص بن عمر بن سعيد القرط: أنه سمع من أهله أن بلالا نادى: "الصلاة خير من النوم فأقرت في تأذين الفجر" لم يزل الأمر على ذلك قال أبو بكر: هذا مرسل، والطريق إليه صحيحه، وفي ابن أبي ليلى قال ما أحدثوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة انتهى، ولئن صحَّ هذا عن ابن أبي ليلى أشكل على الحديث الأوَّل/لأنه هنا سمّاه بدعة، وهناك رواه حديثا وهما لا يجتمعان اللهم إلا أن يزيد بالتثويب ما ذكره أبو علي الطوسي عن إسحاق ابن راهوية: التثويب شيء أحدثه الناس بعد النبي- عليه الصلاة والسلام- إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال: "بين الأذان والإقامة قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح"، قال ابن المنذر وهو قول النعمان، وقال محمد بن الحسن: كان التثويب الأوَّل بعد الأذان:) الصلاة خير من النوم (فأحدث النَّاس هذا التثويب، وهو اختيار علماء الكوفة، وهو حسن، ويوضحه ما ذكره أبو نعيم ثنا إسرائيل عن حكيم بن جبير عن عمران بن أبي الجعد قال سمع الأسود مؤذنا يقول: الصلاة خير من النوم بعدما أتمَّ فقال ويحك لا تزيدون في أذان الله شيئا، قال: إنى سمعت الناس يقولون: قال: فلا تقول، وفي قول ابن المنذر: وهو قول النعمان نظرة لما حكاه قاضى خان عن ابن شجاع عنه: التثويب الأول في نص الأذان، وهو: "الصلاة خير من النوم" مرتين، والثاني فيما بين الأذان والإقامة، وفي المحيط: محله في أذان الفجر بعد الفلاح، قال الطحاوي: وهو قول الَثلاثة وفي المحلي، وقال حسن بن جنى يثوب في العتمة ولا يقول به لأنه لم يأت في سنة.
__________
(1) رواه الترمذي (ح/198) وتقدم من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال الترمذي: حديث بلال لا نعرفه ألا من حديث أبي إسرائيل الملائي. والتثويب: أن يقول المؤذن الصلاة خير من النوم.(1/1134)
انتهى. قد قدمنا أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وفي كتاب أبي الشيخ من حديث الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال، قال عليه السلام: "لا تثويب في شيء من الصلوات إلا الفجر " (1) وفي حديث يعقوب بن حميد ثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن عن عبد الله بن محمد بن عمار وعمار وعمر بن سعد بن عمر بن سعد عن أبي إبراهيم عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال: " أنه كان ينادى بالصبح فيقول: حي/على خير العمل فأمر رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجعل مكانها: الصلاة خير من النوم، وترك حي على خير العمل (2) ، قال البيهقي: وهذا اللفظ لم يثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما علم بلالا وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه، وقال ابن حزم: وقد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنهم كانوا يقولون في أذانهم: حي على خير العمل، ولا يقول به لأنه لا يصح عن النبي- عليه السلام- انتهى، الشارع صلى الله عليه وآله وسلم بيّن في نفس الحديث نسخة، فلا حاجة بنا إذًا إلى النظر في صحته، ولا ضعفه- والله تعالى أعلم- وفِي كتاب البيهقي: كان علي بن الحسين يقول ذلك في آذانه ويقول: هو الأذان الأوَّل، وزعم الشيرازي في مهذبه أن الشّافعي في الجديد كره التثويب قال: لأن أبا محذورة لم يحكه. انتهى، وهو مردود بما قدمناه صحيحًا من حديث أبي محذورة. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يعلى بن عبيد ثنا الإفريقي عن زياد بن نعيم عن زياد بن الحارث الصدائي قال: كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في سفر فأمرني فأذّنت، فأراد بلال أن يقيم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إنّ أخا صدّاء أذّن ومن أذن هو يقيم " (3) هذا
__________
(1) تقدم. رواه الترمذي (ح/198) والمشكاة (646) وشرح السنة (2/264) والإرواء (1/252) . (2) 1 لكنز: (23174) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/514) والترمذي (ح/199) وقال: وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي. والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، قال أحمد: لا أكتب حديث الأفريقي. قال: ورأيت محمد بن إسماعيل يُقوى أمره، ويقول: هو مُقارب الحديث. وابن ماجه (ح/717) وتلخيص (1/209) والقرطبي. وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه 152، والإرواء237(1/1135)
حديث قال فيه أبو عيسى: إنما نعرفه من حديث الإفريقي والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث، ضعيف عند أهل الحديث، وضعَّفه القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديثه، ورأيت محمد بن إسماعيل يُقوِّي أمره ويقول: هو مقارب الحديث، وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي في أحكامه، ولما ذكر أبو حاتم ابن حبان زياداً في كتاب الصحابة، وصفه بالمتابعة، ثم قال: إلا أنَّ الإفريقي في إسناد خبره، وقال الحافظ أبو العرب في كتاب الطبقات/إن سفيان الثوري قال: لم يرفع هذا الحديث أحد غير ابن زياد، وذكره عبد الرازق عن زياد، وفيه: "فأذّنت على راحلتي " قال: وفيه أيضَا الإفريقي، ولما ذكره أبو عمر بن عبد البرّ في الاستذكار قال هذا حديث تفرد به الإفريقي، وليس بحجة عندهم وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد الكوفي في كتاب التفرد: إنّ أهل مصر تفردوا به، وكذا ذكره أبو داود في كتاب التفرد، وقال الخزرجي في كتابه تقريب المدارك وذكره في إسناد الإفريقي وهو ضعيف متفق على ضعفه وأشار البيهقي في المعرفة إلى عدم ثبوته، وقال أبو محمد بن حزم: وجائز أن يقيم غير الذي أذّن لأنه لم يأت عن ذلك نهى يصح، والأثر المروي:) من أذّن يقيم (إنّما جاء من طريق الإفريقي وهو هالك انتهى. أما من زعم أنه حديث تفرّد به الإفريقي، فيشبه أن يكون وهما، وكذا قال: تفرد به أهل مصر، كما ذكره الحافظ أبو منصور، ومحمد بن سعد بن محمد بن سعد البارودي في كتاب الصحابة- تأليفه- حدثنى إبراهيم بن ميمون بن إبراهيم بن أبي داود، ثنا محمد بن عيسى بن جابر الرشيدي قال وحديث في كتاب أبي بخط يده عن عبد الله بن سليمان عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم الحضري عن زياد الصدائي، فذكره مطوَّلا، ولما ذكره العسكري في كتاب الصحابة: ثنا علي بن الحسين ثنا علي بن عبيد العسكري ثنا أيوب بن سليمان ثنا مبارك بن فضالة عن عبد الغفار بن ميسرة عن رجل عن زياد الصدائي، فذكره مختصرَا: " إنّما يقيم من أذن" (1) وفي قول ابن حبان إّلا أن في إسناد خبره- يعني خبر
__________
والمشكاة 648، والضعيفة 35، وضعيف أبي داود 82.
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/399) وابن أبي شيبة (1/116) والطبراني (12/435)(1/1136)
صحبة الإفريقي- نظر لما أسلفناه، ولما ذكره أيضا الحافظ أبو نعيم في كتاب الصحابة: ثنا محمد/ابن علي بن حبيش ثنا محمد بن القاسم بن هاشم ثنا أبي ثنا قريش بن عطاء ثنا سفيان الثوري عن أبيه عن جدّه عن زياد بن الحارث الصدائي قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "من طلب العلم تكفّل الله برزقه" (1) وأما قول ابن الحصَّار، وهو يعني الإفريقي: متَّفق على ضعفه، ففيه نظر، لما أسلفناه قبل من تقوية البخاري أمره، ومن السيب الموجب للكلام فيه وبيان فساده، وأنه صادق فيما أدّعاه من روايته عن مسلم بن بشار، وقال أبو الحسن بن القطان: ومن الناس من يوثّقه ويرمى به عن حضيض ردّ الرواية، وقال الخليل في الإِرشاد: منهم من يضعّفه، ومنهم من يليّنه وذكر الحافظ أبو عمر المنتجيلي في تاريخه: أنّ ابن معين قال: لا بأس به، وذكر أحمد بن محمد بن متم في كتاب طبقات أهل إفريقية أنَّ سحنون وثّقه، وكذلك قال أحمد بن صالح العجلي الحافظ في تاريخه، وزاد: وينكر على من تكلَّم فيه، وأما قول الحازمي هذا حديث حسن- يعني حديث الصدائي هذا- فعمدته تخريج أبي داود له من غير أن يتبعه كلاما، وخرجه
الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن قديد في كتاب الصحابة مطولا، وفيه:
"تفجَّر الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وآله وسلم" (2) وقال المقدسي: هو خبر مشهور، وفي الباب غير ما حديث، خلافا لقول أبي عيسى، وفي الباب حديث ابن عمر، يعني بذلك ما رواه أبو الشيخ عن إبراهيم ثنا علي العمري، ثنا معلي بن مهدي. ثنا سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:"إنما يقيم من يؤذن " (3) قال مهنأ: سألت أبا عبد الله عنه فقال: ليس
بصحيح" قلت: لم قال من سعيد بن راشد وضعف حديثه، وفي كتاب العلل للخلال/أنَّ ابن معين قال: سعيد السماك الذي يروي: "من أذَّن فهو يقيم "
__________
والمجمع (2/3) وعزاه إليه في "الكبير" وفيه سعيد بن راشد السماك، وهو ضعيف.
(1) ضعيف. إتحاف (1/78) والمنثور (3/313) والكنز (28701) وآمالي الشجري (1/60)
والخطيب في تاريخه، (3/180) . (2) الحاشية قبل السابقة.
(3) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، ح/4، 5) والنسائي في "الطهارة" باب (6) والدارمي في (المقدمة، باب (5) ومالك في "الطهارة" (ح/32) وأحمد (3/132) .(1/1137)
ليس بشيء، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: هذا حديث منكر، وسعيد متروك الحديث، وبنحوه قاله ابن عدى في كامله، وقال البيهقي في الكبير: تفرد به سعيد، وهو ضعيف، وقال في موضع آخر: وذكر حديث الصدائي وله شاهد من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعف، وحديث عبد الله بن عباس قال: عليه الصلاة والسلام: "من أذّن فهو الذي يقيم " رواه أبو أحمد في كامله (1) من حديث محمد بن الفضل بن عطية عن مقاتل بن حبان عن عطاء عنه وقال هذا من هذه الطريق برواية محمد بن الفضل، وهو متروك الحديث، وحديث حيان بن بح ذكر أبو سعيد بن يونس في تاريخه أنه مثل حديث زياد بن الحارث، وقال البيهقي وله شاهد بسند صحيح عن عبد العزيز بن رفيع قال: رأيت أبا محذورة جاء وقد أذّن اثنان قبله، فأذّن ثم أقام، وقد ورد حديث يعارض هذا، ذكره أبو داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة ثنا حماد بن خالد ثنا محمد بن عمرو عن محمد بن عبد الله، عن عمه عبد الله بن زيد، فذكر حديث رؤيا الأذان، وفيه قال عبد: أنا رأيته وأنا كنت أريده قال فقال له النبي صلي الله عليه وسلم: (فأقم أنت) (2) ، وثنا عبد الله بن عمر القواريري ثنا بن مهدى ثنا محمد بن عمرو سمعت عبد الله بن محمد شيخ من أهل المدينة قال: " كان جدي عبد الله بن زيد بهذا الخبر، قال: فأقام جدي، قال ابن عبد البر هذا أحسن إسنادًا من حديث الإفريقي، ومن جهة النظر ليست الإِقامة مضمنة بالأذان فجائز أن يتولاها غير متولى الأذان، وقد أسلفنا/حديث عبد الله بن زيد أخي عبد الله أول من عند أبي موسى، ولما ذكره البيهقي في كتاب المعرفة قال: في إسناده ومتنه اختلاف وأنه كان في أول ما شرع الأذان، وحديث الصدائي بعد، وقال في الكبير: إن البخاري قال: فيه نظر، قال: وكان أميركم أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه يضعف هذا الحديث، قال البيهقي: ولو صحّ هذا وحديث الصدائي كان الحكم بحديث الصدائي لكونه بعد هذا- والله تعالى أعلم-، وقال الحازمي: هذا
__________
(1) ضعيف جدا. رواه ابن عدي في " الكامل" (6/2173) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 2- "كتاب الصلاة" 29- باب في الرجل يُؤذن ويقيم (ح/512) .(1/1138)
حديث حسن، وفي إسناده مقال، وحديث الصدائي أقوم إسنادَا منه، وقال أبو محمد عبد الحق: إقامة عبد الله بن زيد ليست تجيء من وجه قوى فيما أعلم، قال أبو الحسن بن القطان: علّة هذا الخبر ضعف محمد بن عمرو الواقفي، وأنه لا يساوى شيئًا، وعبد الله بن محمد الذي اضطرب فيه. فقيل: محمد بن عبد الله: وكلاهما لا يعرف حاله. انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه: الأول: عبد الله بن محمد غير مجهول لرواية أبي العميس عتبة بن عبد الله ومحمد ابن سيرين ومحمد بن عمرو الأنصاري عنه، ولذكر ابن حبّان له في كتاب الثقات، الثَّاني تفسيره محمد بن عمرو الراوي عنه بالوافقي وهو بصري، وزعم غير واحد منهم ابن سرور بأنّ الراوي لهذا الحديث شيخ مدني، يدلّ أنه غير الواقفي، الثالث: إعراضه عن علّة في هذا الحديث قادحة، وهي انقطاع ما بين عبد الله بن محمد وبين جدّه فإنّ ابن حبّان وأبا حاتم الرازي وصفاه بالرواية عن أبيه عن جدّه، ولم يتعرّض أحد لسماعه من جدّه فيما أعلم فصار الحديث لهذا منقطعًا، وذكره أبو الشيخ من حديث محمد بن عبيد الله عن الحكم عن مقسم عن ابن/عباس: " أوَّل من أذّن في الإِسلام بلال، وأوَّل من أقام عبد الله بن زيد" الحديث، وأمّا قول الحارثي فتناقضه ظاهر- والله تعالى أعلم- وفي حديث شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة: قال عليه السلام: (المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإِقامة) (1) وبنحوه حديث المعارك بن عباد عن يحيى بن أبي الَفضل عن أبي الجوزاء عن ابن عمر، ذكرها أبو الشيخ، وقال البيهقي حديث أبي هريرة ليس بمحفوظ، وفيهما ترجيح لحديث عبد الله بن زيد، وفي صحيح ابن خزيمة (2) من حديث ابن عمر أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (إن بلالا يؤذِّن بليل فكلوا)
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (2/2) من حديث أبي أمامة وعزاه إلى أحمد، والطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة (403،401، 424) والبخاري ومسلم في (الصيام) (ح/36-38) والترمذي (203) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (2/10) وأحمد والبيهقي (1/380، 427،382، 429) والطبراني (5/135، 102، 277، 370) الحميدي (611) وابن أبي شيبة (3/9، 11) والشافعي (20) ، وصححه الشيخ الألباني.(1/1139)
"واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" وفي حديث ابن مسعود عنده: قال عليه السلام: "الا يمنعن أحد منكم أذان بلال عن سحوره، فأنه يؤذن- أو ينادى- ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم" (1) وفي حديث عائشة أن النبي- عليه السلام- قال: (إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابن أم مكتوم) (2) ولم يكن بينهما إلا قدر ما يرقى هذا وينزل هذا، وفي حديث أنيسة بنت حبيب: قال عليه السلام: (إذا أذّن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا، فإن كانت المرأة منَّا ليبقى عليها شيء من سحورها فتقول لبلال أمهل حتى أفرغ من سحوري" (3) . قال الإِمام أبو بكر هذا خبر اختلف فيه حبيب بن عبد الرحمن، رواه شعبة عنه عن عمَّته أنيسة، فقال: "إنّ ابن أم مكتوم أو بلال ينادى بليل " فخبر أنيسة فقال: "أن ابن أم مكتوم- أو بلال- ينادى بليل" فخبر أنيسة قد اختلفوا فيه في هذه اللفظة، ولكن قد روى الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة مثل/خبر منصور بن زادان في هذه اللفظة: "إن ابن أم مكتوم ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن بلال" وكان بلال لا يؤذِّن حتى يرى الفجر، وروى شبيها بهذا المعنى أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة قال: قلت لها أي ساعة توترين قالت: ما أوتر حتى يؤذنوا، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قال عليه السلام:) إذا أذَّن عمرو فكلوا اشربوا، فإذا أذَّن بلال فارفعوا أيديكم، فإن بلال لا يؤذِّن حتى يصبح" (4) ، قال: ولكن خبر أبي إسحاق فيه نظر لأني لا أقف على سماع أبي إسحاق هذا الخبر من الأسود فأما خبر هشام بن عروة
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/160، 7/67، 9/107) وأبو داود (2347) وابن ماجه
(1691) وأحمد والبيهقي (4/218) وابن أبي شيبة (3/9) وابن خزيمة
(402) وأبو عوانة (1/373) .
(2) تقدم الحاشية السابقة.
(3) صحيح. رواه النسائي (2/11) وأحمد (6/433) وابن خزيمة (404) ونصب الراية (1/209) وابن حبان (7 ول) والكنز (23987) والمجمع (3/154) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير" ورجاله رجال الصحيح. قلت: وبعض هذه الروايات وردت مختصرة إلى قوله: "فلا تأكلوا ولا تشربوا".
(4) رواه أحمد (6/158، 186) وابن خزيمة (407) .(1/1140)
فصحيح من جهة النقل، وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر، وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن النبي- عليه السلام- قد كان جعل الأذان بالليل نوبتين بين بلال وبن ابن أم مكتوم فأمر بلالا أن يؤذن أولا بالليل، فإذا نزل بلال صعد عمرو فأذن بعده بالنَّهار، فإذا جاءت نوبة عمرو بدأ ابن أم مكتوم فأذَّن بالليل، فإذا نزل صعد بلال بعده بالنهار، وكان يقال للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: إن بلال يؤذن بليل في الوقت الذي كانت النوبة لبلال في الأذان بالليل، فقال عليه السلام: (إنّ ابن أم مكتوم يؤذن بليل ما وفي الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أم مكتوم فكان عليه الصلاة والسلام يعلم الثاني في كلا الوقتين أن أذان الأوّل منهما هو أذان بليل لا بنهار وان أذان الثاني بالنهار لا بالليل فأقر خبر الأسود عن عائشة: " وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، فإن له معنيين أحدهما: لا يؤذن جميعهم حتى يطلع الفجر لا أنه لا يؤذن أحد منهم لا تراه قد قال في الخبر:) إذا أذّن عمرو فكلوا واشربوا فلو كان/عمرو لا يؤذن حتى يطلع الفجر لكان الأكل والشرب على الصائم بعد أذان عمرو محرمين والمعنى الثاني: أن تكون عائشة أرادت حتى يطلع الفجر الأوّل فيؤذَّن الثاني منهم بعد طلوع الفجر الأوّل لا قبله، وهو الوقت الذي يحل فيه الطعم والشرب- والله تعالى أعلم- وفي كتاب البيهقي عن أبي عبد الله أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال: فإن صحت رواية أنيسة فقد يجوز أن يكون الأذان نوبا بينهما، وهذا حديث صحيح وإن لم يصح فقد صحّ خبر ابن عمر وابن مسعود وسمرة وعائشة: (أنَّ بلالا كان يؤذِّن بليل) وصحح ابن حبان الحديثين، وقال: " رسول الله صلي الله عليه وسلم قد جعل الأذان بينهما نوبا إلى آخره واستدرك ذلك عليه الحافظ ضياء الدين في كتاب العلل بأنّ ابن خزيمة شيخه إنّما قال هذا من باب الجواز لا النقل، ولقائل أن يقول لعلّ (1) ابن حبّان ظفر في هذا ينقل ما يظفر به غيره، فلا يحسن ألا يراد عليه- والله تعالى أعلم- اللهم إلا لو عزى ذلك لابن خزيمة فحسن، وسيأتي هذا- إن شاء الله تعالى- بمزيد بيان في كتاب
__________
(1) قوله:"لعل" وردت "بالأصل" "أن" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/1141)
الصوم، وقد ذهب أبو حنيفة أنه لا يؤذِّن لصلاة قبل دخول وقتها، وتعاد في الوقت مستدلا بحديث حمد بن سلمة من عند أبي داود عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: (أن بلالا أذّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- اًن يرجع فينادى ألا إن العبد نام فرجع فنادى: إن العبد نام) (1)
قال أبو داود: ولم يروه عن أيوب إّلا عمار، وذكر أبو حاتم الرازي لأنه خطاً، وذكر المروزي أنه قال في الدنيا: أحد روى هذا الحديث، وكان يذكر غلط حماد هذا ويضعفه، وقال الدارقطني: أخطأ فيه حمَّاد وتابعه سعيد بن يزيد (2) ، وهو/ضعيف، والصحيح: أيوب عن ابن سيرين وحميد بن هلال أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لبلال هذا الكلام، وذكر الترمذي عن علي بن المديني أنه قال: حديث حماد بن سلمة- يعني هذا- غير محفوظ، وأخطأ فيه. انتهى، وبيان خطئه من وجوه الأوّل: رواية أبي داود عن أيوب بن منصور ثنا شيب بن حرب عن عبد العزير بن أبي داود أنبأ رافع عن مؤذِّن لعمر يقال له مشروح: أنه أذن قبل الصبح فأمره عمر ... فذكره، قال الزبيدي: وهذا لا يصح لأنه منقطع فيما بين نافع وعمر، قال أبو داود: ورواه حماد بن زيد عن
عبد الله بن عمر عن نافع- أوغيره- أن مؤذّنا لعمر ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن يقال له مسعود، وهذا أصح من ذلك ولذا قاله الرازي في كتاب العلل، الثاني: المعارضة التي أشار إليها أبو عيسى بقوله: الصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر اًن النبيء صلي الله عليه وسلم قال: " إن بلالا يؤذِّن بالليل " قال: ولو كان حديث حماد بن سلمة صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى، إذ قال عليه السلام: إن بلالا يؤذن بليل " وإنّما أمرهم فيما يستقبل فقال: إن بلالا يؤذِّن بليل، ولو أمره بإعادة الأذان حين أذّن حين طلوع الفجر لم يقل: إنّ بلالا يؤذّن بليل، وذكره ان بو حاتم الرازي بنحوه، وقال الأثرم:
خلط حيث جاء فإنه خطأ به، وإنما أصل الحديث عن نافع عن ابن عمر: أنَّ
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود في: الصلاة (ح/532) . قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب ألا حماد بن سلمة.
(2) قوله: 5 نريد، غير واضحة بالأصل، وكذا أثبتناه.(1/1142)
مؤذنا لعمر أذّن بليل، وفي الخلافيات: لما طعن حماد بن سلمة في السن ساء حفظه. فلذلك ترك البخاري الاحتجاج بحديثه، وأمّا مسلم ذاته اجتهد وأخرج من أحاديثه/عن ثابت ما سمع منه قبل بغيره، وما سوى حديثه عن غير ثابت لا يبلغ أكثر من اثنى عشر حديثا أخرجها في الشواهد، وإذا كان الأمر على هذا الاحتياط، لمن راقب الله تعالى أن لا يحتج بما يجد في حديثه ما يخالف الثقات، وهذا من جملتها. انتهى، وقد روى الدارقطني في سننه ما يصلح أن يكون شاهدا لحديث حماد وفيه ضعف من حديث أبي يوسف القاضي عن ابن أبي رؤبة عن قتادة عن أنس: أن بّلال أذّن قبل الفجر، فذكره، قال أبو الحسن: أرسله غير أبي يوسف عن سعيد عن قتادة، والمرسل أصح، وما رواه محمد بن القاسم الأسدي أنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس قال: أذَّن بلال فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يعيد، وقال محمد بن القاسم: ضعيف جدا، وما
رواه أبو داود (1) من حديث ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن امرأة النجار قالت: " كان بيتي من أطول البيوت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطّى ثم قال: اللهم إنى أحمدك، قال ابن القطان أثره الصحيح الذي لا اختلاف فيه أن بلال يؤذن بالليل، وصحح ابن القطان هذا الحديث، قال: ولا تعارض بينهما إّلا بتقدير أن يكون قوله:"إنّ بلالا يؤذن بالليل في سائر العام" وليس كذلك، أّنما كان في وقتين، يؤيّده في الحديث: " فكلوا واشربوا" (2) والذي يقال في هذا الخبر: أنه حسن، وما رواه الزهري عند الدارقطني عن عبد الرزاق عن عمر عن أيوب قال:"أذنّ بلال مرة بالليل " ثم ما رواه عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر. " أنّ بلالا أذن قبل الفجر فغضب النبي صلي الله عليه وسلم" الحديث، قال أبو الحسن/: وهم فيه عامر بن مدرك عن عبد العزيز، والصواب: عن شعيب بن حرب بن عبد العزيز عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: الصلاة، (ح/519) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: الصلاة، (ح/532) .
قال أبو داود: وهذا الحديث لم يروه عن أيوب ألا حماد بن سلمي.(1/1143)
نافع عن مؤذِّن عمر من قوله، وما رواه عن جهة حميد بن هلال مرسلا بسند صحيح ان بلالا أذن ليلة بسحر وقال البيهقي في الخلافيات: رواه إسماعيل بن مسلم عن حميد عن أبي قتادة، وحميد لم يلق أبا قتادة فهو مرسل بكل حال، وما رواه أبو داود من حديث جعفر بن ثوبان عن شدّاد مولى عياض بن عامر بن بلال عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " لا تؤذِّن حتى يستبين لك الفجر" (1) رواه الثوري عن جعفر، ومن جهة أخرجه ابن منده، ورواه سفيان عن وكيع عن أبيه جعفر، واعترض الأثرم بأن إسناده مجهول منقطع، يعني ابن شداد لم يدرك بلالا فيما قاله أبو داود، وما رواه البيهقي من طريق الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن سويد بن غفلة عن بلال قال: "أمرني النبي- عليه السلام- ألا أؤذِّن حتى يطلع الفجر" (2) وابن عمارة متروك، وما رواه ابن هارون وابن حجاج عن عطاء عن أبي محذورة أنه: (كان لا يؤذن للنبي صلي الله عليه وسلم حتى يطلع الفجر " قال الأثرم حديث ضعيف، وما رواه البيهقي من جهة أبي بكر النيسابوري: نا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن ابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر أن بلالا قال له النبي صلي الله عليه وسلم "ما حملك على ذلك، قال: استيقظت وظننت أن الفجر طلع " (3) ، ولما ذكر أبو حاتم هذا في علله لم يقل إثره ألا: ابن أبي محذورة شيخ، وما رواه الطحاوي من حديث محمد بن بشر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس يرفعه: "لا يغرنكم أذان بلال/فإن في بصره شيئًا" (4) قال الطحاوي فأخبر في هذا الإِسناد أنه كان يؤذن بطلوع ما يرى أنه الفجر، وليس في الحقيقة بفجر، قال وقد روينا عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن بلالا يؤذِّن بليل، وقد روى عن السلف ما يوافق هذا، والله- سبحانه وتعالى- أعلم.
__________
(1) ضعيف.. رواه أبو داود (ح/534) وتلخيص (1/179) والكنز (20975) ، إسناده منقطع. (2) ضعيف. رواه البيهقي (1/384) والطبراني (1/352) وابن سلط شيبة (1/214) والكنز (23175) . (3) نصب الراية (1/289) .
(4) نصب الراية (1/284، 288) والطبراني في " الكبير" (7/285) .(1/1144)
115- باب ما يقال إذا أذّن المؤذن
حدثنا أبو إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس ثنا عبد الله بن
رجاء المكي عن عبد الرحمن بن إسحاق ن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم -:) إذا أذن المؤذن فقولوا مثل قوله ((1) هذا حديث قال فيه الآجري: سمعت أبا داود يقول: سأل أحمد بن صالح عنه فقال: الحديث حديث عطاء عن أبي سعيد، ولما ذكره الترمذي قال: ورواه مالك عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد، وقال البزار: هو الصواب، وزعم أبو أحمد بن عدي ان عبد الرحمن بن إسحاق لم يضبط، وقال بن عساكر: رواه غير عبد الرحمن عن الزهري عن عطاء وهو المحفوظ، ولما سئل أبو حاتم عنه قال: قد اتفق ثقتان على عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه وهو أشبه، وقال أبو علي الطوسي: روى عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري
هذا الحديث عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-، ورواية مالك أصح يعنون بذلك عصب الجناية برأس ابن إسحاق المعروف بعباد القرشي العامري/مولى ابن عامر بن لؤي المدني، ويقال: الثقفي نزيل البصرة الراوي عنه جماعة منهم ابن علية، وبشر بن المفضل، ويزيد بن زريع، وحماد بن سلمة وخالد البطحان، ومسلم بن خالد، وابن طهمان، وهو وإن كان أحمد بن حنبل قد قال فيه: يروى عن أبي الزناد أحاديث منكرة ليس به بأس، قال أبو طالب: فقلت له: أنَّ يحيى بن سعيد قال: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه فسكت، وقال العجلي: يكتب حديثه، وليس بالقوي، وفي كتاب العقيلي: كان القطّان لا يستمرؤه، وقال ابن عدي: في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع عليه، والأَكثر عنه صحاح وهو صالح الحديث، فقد قال فيه ابن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/718) . في الزوائد: إسناد أبي هريرة معلوم ومحفوظ عن الزهرية عن عطاء عن أي سعيد. كما أخرجه الأئمة الستة في كتبهم. ورواه أحمد في مسنده من حديث علي وألا رافع. والبحار في مسنده من حدث أنس
وصححه الشيخ الألبان.(1/1145)
سعد: هو أثبت من عبد الرحمن أبي شيبة في الحديث، وقال المروزي: قلت لأبي عبد الله: يا عبد الرحمن بن إسحاق كيف هو؟ قال: أمّا ما كتبنا من حديثه فصحيح، وفي رواية الميموني عنه: صالح، وفي رواية ابن زنجويه: مقبول، وفي كتاب العقيلي: ليس به بأس، وفي كتاب الألقاب للشيرازي، قال أبو عبد الله بن حفص بن عمرو الدارمي: عبّاد حسن الحديث، وقال البخاري: هو مقارب الحديث، وقال يزيد بن زريع: ما جاء من المدينة احفظ منه، وقال يحيى بن معين: صالح الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: ليس به بأس، وقال ابن خزيمة: لا بأس به، وخرج أبو الحسين حديثه: في صحيحه على سبيل الاحتجاج نص على ذلك عبد الغنى وغير ذلك في الطب والألكائي والحبال خلافاً لقول الحاكم لم يحتجا ولا واحد منهما به، ثم خرج حديثه وصححه، وقال في المدخل خرجا له في الشواهد وهو شيء لم أره لغيره، وقال/الساجي: هو مدني صدوق، وذكره البستي في كتاب الثقات، وقال أبو الفرح البغدادي: رواياته لا بأس بها، وصحّح له أبو عيسى غير ما حديث ثم أنا أردنا أن نعرّف السبب الموجب لعدم حمد أهل المدينة له فوجدناه مُتهمًا بالقدر من غير دعاء إليه، قال علي بن المديني فيما حكاه اللالكائي: سمعت ابن عيينة يسأل عن عباد بن إسحاق فقال: كان قدريًا فنفاه أهل المدينة، فحدّثنا مهنأ مقتل الوليد فلم يجالسه، وقالوا: أنه قد سمع الحديث فلما وقفنا على السبب وجدناه غير مؤثر في العدالة لاسيّما ما ذكرناه ولا أنه لم يذم بقادح
ولا معضل، وأن غاية من تكلم فيه جاء عنه خلاف ذلك، إمّا في رواية
أخرى أو في نفس الكلام، وأنه ممن يحتمل التفرد لحفظه وإتقانه، وقد وجدنا لحديثه شاهد ذكره البستي من حديث بكير بن الأشج عن علي بن خالد الذهلي عن النصر بن سفيان الدوقي سمع أبا هريرة يقول: كنّا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقام بلال ينادى فلما سكت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من قال مثل هذا يقينًا، دخل الجنة" (1) وخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (2/24) والحاكم (1/204) وقال: صحيح الإِسناد ولم-(1/1146)
هكذا، وفي كتاب الدعاء للطبراني (1) من حديث ابن أبي فديك عن هارون عن الأعرج عنه قال- عليه السلام-: "من الجفاء أن يسمع المؤذِّن ولا يقول مثل ما يقول" وفي كتاب أبي الشيخ عن إبراهيم بن محمد بن الحسن عن أحمد بن الوليد عن ابن أبي فديك عن هارون بن أبي هارون التيمي عن الأعرج عنه مرفوعا:) أربع من الجفاء أن يبول الرجل قائمًا أو يكثر فتح/جنبيه قبل أن يفرغ من صلاته أو يسمع المؤذن يؤذن فلا يقول مثل ما يقول أو يصلى ليستقبل من يقطع صلاته" (2) . يعني الطريق، ومن حديث محمد بن عون الحمصي وعصام بن خالد نا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عطاء بن مرة عن عبد الله بن حمزة عن أبي هريرة قال: كان مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- رجلين أحدهما لا يكاد يفارقه ولا يعرف له كثير عمل فيه، وأما الآخر فمات فقال- عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: (هل علمتم أن الله تعالى أدخل فلانا الجنة، قال: فعجب القوم لأنه كان لا يكاد يرى فقام بعضهم إلى امرأته فسألها عن عمله فقالت: ما كان في ليل ولا نهار يسمع المؤذِّن يقول أشهد أن لا إله إلا الله إلا قال مثل قوله ثم قال: أقرّ بها واكفر من أبي، وإذا قال أشهد أن محمدًا رسول الله قال مثل هذا فقال الرجل بهذا دخل الجنة) (3) وفي كتاب الفضائل لابن زنجويه من حديث الأفريقي عن سلمان الشعباني عن عثمان الأصبحي أنه قال: للمؤذن على من حضر معه الصلاة بأذانه عشرون ومائة حسنة، فإن أقام فأربعون غالب، الأمر قال مثل ما يقول: حدثنا شجاع بن مخلد أبو الفضل ثنا هشيم أنبأ ابن بشر عن أبي مليح بن أسامة عن عبد الله ابن عتبة بن أبي سفيان حدثتني عمتي أم حبيبة
__________
يخرجاه والمشكاة (676) والكنز (1007، 23266) والتاريخ الكبير (8/87) والترغيب (1/180) .
(1) انظر: كتاب الدعاء للطبراني.
(2) رواه البيهقي (2/86) والتاريخ الكبير (3/496) وابن عدي في الكامل، (7/2586) والكنز (43971) .
(3) الكنز (23267) والحلية (10/28) .(1/1147)
أنها سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "إذا كان عندها في يومها وليلتها فسمع المؤذن فقال كما يقول المؤذن" هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ: (كان يقول كما يقول المؤذن حين يسكت) (1) وقال فيه أبو عبد الله بن البيع: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه/وله شاهد بإسناد صحيح، وفي كلامه نظر من حيث (2) أن عبد الله بن عتبة لم يخرجاه له ولا واحد منهما، ولا يعرف له راويَا غير أبي المليح ورواه النسائي، وابن أبي شيبة في مسنده من حديث أبي المليح عنها بغير واسطة، والأول الصواب، وفي مسند السراج كما يقول المؤذِّن ثم يسكت وفي كتاب أبي الشيخ ابن حبان حتى يفرغ المؤذِّن. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ثنا زيد بن الحباب عن مالك بن أنس عن الزهري عن عطاء ابن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" (3) هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم من حديث مالك، وفي كتاب الذخيرة أنّ المغيرة بن تغلاب رواه عن مالك وزاد في إسناده سعيد بن المسيب مقرونَا بعطاء قال ابن عدي وذكر سعيد مْي هذا الإِسناد غريب لا أعلم يرويه مالك غير مغيرة وهو ضعيف، وفي التمهيد ورواه مسدّد عن يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد عن النبي صلي الله عليه وسلم قال أبو عمرو: ذلك خطأ من كل من رواه بهذا الإِسناد عن مسدد أو غيره، وفي كتاب الأطراف لأبي العباس أحمد بن محمد بن عيسى الداني الحافظ ورواه عمرو بن مرزوق عن مالك عن الزهري عن أنس وذلك وهم، وذكر الدارقطني في كتاب الموطأ: أنّ لفظ عبد الرزاق عن مالك فقولوا مثل ما يقول
__________
(1) انظر فتح الباري. قلت: وهذا حديث صحيح الإسناد.
(2) قوله: "حيث" وردت "بالأصل" حديث، وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/159) ومسلم (الصلاة، ح/10) وأبو داود (ح/522، 523) والترمذي صح/208) والنسائي (2/23) وأحمد (3/6، 78) والبيهقي (1/408) وعبد الرزاق (1842) وشرح السنة (2/283) والموطأ (67) والتاريخ الكبير (1/294) والحلية (3/378) والتمهيد (10/134) .(1/1148)
المنادى وقال ابن مهدى وابن المبارك: كما يقول المؤذن، وقال عثمان بن عمر: مثل ما يقول المنادى، وقال محمد بن مصعب: من سمع المؤذِّن أو المنادى فليقل مثل ما قال: واغفل/رحمه الله لفظ ابن ماجة من طريق زيد بن حباب ولفظ خالد بن مخلد القطراني عند الطوسي: "إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول" (1) خرجه أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في مسنده من حديث عثمان ابن عمرو ابن مهدي ويحيى بن سعيد وروح بن عبادة عن مالك بلفظ: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" ورأيت حاشية بخط بعض الفضلاء على كتاب التقصي عن ابن وضاح ذكر المؤذن هنا ليس من كلام النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-. حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن سعد عن الحكم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالإِسلام دينا وبمحمد نبيا غفر له ذنبه " (2) وقال الترمذي: صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن الحكم، وفي ذلك نظر لأن الطحاوي رواه عن روح بن الفرح عن سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن المغيرة عن الحكم به، وزاد من قال حين يسمع المؤذّن بيشهد، وبنحوه ذكره أبو حاتم الرازي في كتاب العلل، وأما تخريج الحاكم له في كتابه فلا يصلح لكونه في مسلم كما بيّناه ولفظ ابن خزيمة (3) : "من سمع المؤذن يشهد فالتفت في وجهه، فقال: أشهد أن لا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/11) وأبو داود (ح/523) والترمذي صح/3614) والنسائي (2/25) وابن خزيمة (418) وشرح السنة (2/284) والمشكاة (657) والمغنى عن حمل الأسفار (1/312) وابن عساكر فيه التاريخ (6/414) والكنز (20998، 21006) والكلم (70) وابن السني (88، 91) وتلخيص (1/211) وابن كثير (14/16) والترغيب (1/83) وإتحاف (3/61) . (2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/13) والترمذي (ح/210) والنسائي (2/26) وأحمد (1/181) والحاكم (1/203) وأبو داود (ح/525) ومعاني (1/145) وابن خزيمة (421) والترغيب (1/185) وابن السني (95) .
(3) المصدر السابق.(1/1149)
إله إلا الله وفي آخره غفر له ما تقدم من ذنبه". حدثنا محمد بن يحيى والعباس بن الوليد الدمشقي ومحمد بن أبي الحسن قالوا ثنا علي بن عباس الألهاني ثنا شعيب ابن حمزة عن محمد/بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء اللَّهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته بها حلت له الشفاعة يوم القيامة" هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه (1) بلفظ: (أحلت له شفاعتي) وقال الترمذي فيه: حسن غريب من حديث ابن المنكدر لا نعلم أحدًا رواه غير شعيب، وقال أبو القاسم في الصغير: لم يروه عن ابن المنكدر إلا شعيب تفرد به علي بن عياش، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد، وفيه نظر، من حيث أنه ذكره من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عنه في الكتاب الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي الزبير ألا ابن لهيعة، ولا يعرف إلا بهذا الإِسناد، ولفظ أحمد (2) في مسنده: "اللهم رب هذه الدعوة التامة الصلاة القائمة صل على محمد وارض عنى رضًا لا تسخط بعده" من قاله استجاب له ولفظه في كتاب الألقاب للشيرازي: "أسألك أن تعطى محمدًا الوسيلة وأن تبعثه المقام المحمود الذي وعدته"، وفي الباب غير ما حديث من ذلك حديث معاوية بن أبي سفيان- رضى الله تعالى- عنه سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: وإن أتم سكت " (3) رواه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراييني في صحيحه عن الربيع بن سليمان عن الشافعي
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/159، 08/16) والوسائط (2/27) وأحمد (3/354) والبيهقي (1/410) والطبراني في " الصغير" (1/240) والترغيب (1/185) وشرح السنة (2/284) والمشكاة (659) والإتحاف (3/6، 5/50) والكنز (20986) وتلخيص (1/210) والمنثور (4/198) والقرطبي (10/310) وابن كثير (3/97، 5/102) وأذكار (38) وابن السني (93) . (2) صحيح. رواه أحمد: (3/302، 354) .
(3) صحيح. رواه الشافعي في مسنده: (33) .(1/1150)
عن ابن عيينة عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة وهو عمه عنه قال: وثنا محمد بن/عبد الحكم عن أبي زرعة وهب الله بن راشد عن حيوة عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن معاوية: " أن المنادى نادى بالصلاة فقال: الله أكبر الله أكبر فقال معاوية: الله أكبر الله أكبر فقال المنادي: أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية: وأنا فقال المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله فقال معاوية: وأنا هكذا سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا سمع المنادى لم (1) ، وفي كتاب الطحاوي من حديث هشام عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عيسى به: زاد حتى بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال يحيى: وحدثني رجل أنَّ معاوية لما قال: ذلك قال: هكذا سمعت نبيكم- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول، وفي كتاب الإِسماعيلي الصحيح وخرجه من حديث ابن ماجه عن الحسن بن حماد ويعقوب عن ابن علية عن هشام فلما قال: "حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: هكذا سمعت نبيكم يقول" وكذا هو في كتاب النسائي عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى من غير ذكر واسطة، وكذا خرجه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب الدورقي أنا ابن علية عن هشام وثنا عبد الجبار بن العلاء ثنا حاملة يعني ابن عبد العزيز حدثنى أبي عن ومحمد بن يوسف مولى عثمان عن معاوية مرفوعًا، وثنا بندار ثنا يحيى بن سعيد نا محمد بن عمرو حدثني أبي عن جدّي: كنت عند معاوية فذكره مرفوعًا، وخرجه البخاري في صحيحه إثر حديث أبي سعيد عن معاذ بن فضالة ثني هشام عن يحي عن محمد حدَّثني عيسى سمع معاوية يومًا فقال، مثل قوله إلى قوله/وأشهد أن محمدًا رسول الله قال: وثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا وهب بن جرير ثنا هشام عن يحيى مثله، وقال يحيى: وحدثني بعض إخواننا قال: لما قال حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله،
__________
(1) رواه أبو عوانة: (1/333) .(1/1151)
وقال: هكذا سمعنا نبيكم- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول انتهى.
ورواه عن معاوية جماعة غير من قدّمنا ذكرهم: بينوا رفع هذه اللفظة منهم، ابن هبيرة أنه كان يكلّم معاوية وأذّن المؤذن فأمره أن ينصب، ثم كبّر كما كبر ثم قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله فقال ونحن نشهد أن لا إله إلا الله فقال المؤذّن: أشهد أن محمدًا رسول الله فقال ابن هبيرة: فقلت له أي رأيته أم سمعته من النبي قال بل سمعته من النبي- صلي الله عليه وسلم - رواه الطبراني في معجمه عن عمارة بن وتيرة المصري. ثنا إسحاق ابن إبراهيم بن زريق (1) ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزهري ثنا الحسن بن سالم عنه وعلقمة بن وقاص قال: أتى عند معاوية فذكره مرفوعَا، ورواه النسائي عن مجاهد بن موسى وإبراهيم بن الحسن عن حجاج عن ابن جريج عن عمرو بن يحي أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة عنه، وقال ابن عساكر: ورواه عبد الرحمن بن داود المكي عن عمرو بن يحي عن عبد الله بن القمة فلم يذكر عيسى، وأورد له سندَا من طريق ابن جواص عن يونس بن عبد الأعلى عن عبيد الله بن وهب قال: وحدثني أيضًا يعني داود بن عبد الرحمن الحديث، وفي علل أبي الحسن ورواه عمر بن علقمة عن أنه وابن يسار قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية منه أنه سمع معاوية سمع النبي- عليه السلام- يقول: "إذا/سمعتم المؤذِّن يؤذِّن فقولوا مثل ما يقول" (2) فقال أنكرت مثل هذا الحديث إذ كان عمارة عن ابن يساف، ولا أدرى من ابن يساف هذا فتفكَّرت فيه، فإذا إسماعيل بن إسماعيل بن جعفر قد روى هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن حبيب وهو ابن يساف عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه عن جدّه عمر
__________
(1) قوله: زريق وردت وبالأصل، "زيدين" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه. (2) صحيح. رواه مسلم في والصلاة، ح/11) ، وأبو داود (ح/523) ، والترمذي (3614) ، والنسائي (2/25) ، وابن خزيمة (418) ، وشرح السنة (2/284) ، والمشكاة (657) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/312) ، وابن عساكر فيه التاريخ، (414) ، والكلم (70) وابن السني (88، 91) ، وتلخيص (1/211) ، وابن كثير (6/114) ، والترغيب (1/83) .(1/1152)
عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سمعتم المؤذن " لما قال أبي أما ابن يسار فأرى أنه حبيب بن عبد الرحمن بن يساف نسبه إلى جدّه ولم يسمع حبيب من معاوية شيئًا فيحتمل أن يكون قد دخل لابن عياش حديث في حديث، ومحمد بن إبراهيم قال: سمعت معاوية فذكره، قال أبو حاتم في العلل: سقط رجل، ومحمد التيمي لم يسمع من معاوية، وأبو أسامة وسعد بن سهل بن حنيف سمع معاوية وهو جالس على المنبر أذّن المؤذن فذكره مطولاً ثم قال: يأيها الناس أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم على هذا المنبر حين أذّن يقول: ما سمعتم من مقالتي. ذكره البخاري في صحيحه ونهشل التيمي سمع معاوية فذكره بكماله مرفوعاً ورواه ابن مطر عن أبي غسان أحمد بن سهل الأهوازي، نا خالد بن يوسف السمكي نا أبي عن ابن سنان عنه، ومحمود بن على القرظي رواه أيضًا من حديث ابن لهيعة عنه، وقال: لم يروه عن محمود الا ابن لهيعة وأبو صالح فذكره مرفوعًا، ورواه أيضًا عن علي عن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن حماد بن سلمي عن عاصم بن بهدلة عن محمد بن
يحيى عن موسى بن إسماعيل عن أبان بن يزيد عن عاصم عنه، ورواه أبو الشيخ عن ابن منيع عن بن عائشة ثنا حماد بن سلمي عن عاصم بن/نميرة عن القاسم بن معن لنا المسعودي، وحديث أبي أمامة أو عن بعض أصحاب- رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: أنَّ بلالا أخذ في الإِقامة فلما قال: قد قامت الصلاة قال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: "أقامها وأدامها" (1) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان رواه أبو داود من حديث رجل من أهل اَلشام عن شهر عنه، قال البيهقي في الكبير: وهذا إن صحّ كان شاهدًا لما استحَّبه الشَّافعي من قوله: اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من صالح أهلها عملا، وهذا منه- رحمه الله- ذهول عما رواه أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن الحسن ثنا هارون بن إسحاق ثنا وكيع عن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/528) ، والبيهقي (1/411) ، والحلية (7/81) ، وتلخيص (1/211) وشرح السنة (2/288) ، والمشكاة (670) ، والإتحاف (6) ، وابن السني (103) . وعلته: شهر بن حوشب الأشعري، تابعوا مشهور، وثقة ابن معين وأحمد بن حنبل، وقال أبو حاتم: ما هو بدون أبي الزبير، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي.(1/1153)
محمد بن ثابت عن رجل من أهل الشام عن أبي أمامة في كتاب الدعاء للطبراني من حديث الوليد بن مسلم عن عفير بن مهدان عن سليم بن عامر عنه عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " من نزل به كرب أو شدّة فليتحيّن المنادي فان ذا كبر كبر، وإذا تشهّد تشهّد، وإذا قال: حي على الصلاة قال: حي على الصلاة وإذا قال: حي على الفلاح، قال: حي على الفلاح، ثم ليقل: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والحق المستجاب له دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليها وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها محيانا ومماتنا ثم يسأل الله تعالى حاجته " (1) ، ولما خرجه الحاكم في مستدركه صحح إسناده مع ثبوت عفير فيه، وحديث عائشة- رضى الله تعالى- عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم: وكان إذا سمع المؤذِّن قال: وأنا وأنا أخرجه أبو عبد الله من حديث حفص ابن غياب عن هشام عن أبيه عنها، وقال: سنده صحيح، وزعم أبو الحسن في علله/أن الحضرمي رواه عن هشام عن أبيه مرسلا وهو الصحيح، وفي الاستذكار: "وأنا أشهد، وأنا أشهد " وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن هشام إلا حفص، وعلي بن شهر تفرّد به عن حفص بن سهل بن عثمان، وحديث أبي عيسى الأسواري قال: كان ابن عمر إذا سمع الأذان قال: فاللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة الحق وكلمة التقوى توفني عليها وأحيني عليها واجعلني من صالح أهلها عملا يوم القيامة " (2) رواه البيهقي من حديث عبد الوهاب بن عطاء أنبأ شعبة عن عاصم الأحول عنه، وقال الدارقطني: ورواه محبوب بن الجهم الكوفي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال والصحيح موقوف، وأبو عيسى مذكور فيمن لا يعرف اسمه، قال أبو عمر في كتاب
__________
(1) صحيح وإسناده ضعيف، وهو صحيح. الوليد بن مسلم صدوق يدلس وقد عنعنه. ابن السنة (ح/98) . ورواه الحاكم (547،1/546) والأصبهاني في الترغيب (273) كلاهما في طريق الوليد بن مسلم. وصححه الألباني في صحيح الجامع.
(2) رواه ابن السني (ح/98) أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحكم بن موسى حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عائذ حدثني سليم بن عامر عن أميمة- رضى الله عنه- قال: فذكره،. راجع الحاشية السابقة.(1/1154)
الاستغناء عن أحمد: لا أعلم أحدًا روى عنه غير نفاذة انتهى. قد أسلفنا حديث عاصم عنه أيضا، وحديث ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال: وكان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا أذّن فقال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يسكت (1) ذكره أبو بكر الأثرم من حدثنا الحكم بن ظهير عن عاصم عن زرعة، قال: حديث الحكم واهي، وذكره الطحاوي: مستدلا به على عدم وجوب الإِجابة بلفظ: لما قال المؤذِّن الله أكبر قال- عليه السلام- على الفطرة فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: حرم من النار (2) الحديث، وحديث أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم:"كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول وكان/يقول: إذا بلغ حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" (3) رواه أبو الشيخ من حديث حفص بن محمد عن مبارك بن فضالة عن الحسن عنه، وخرجه مسلم (4) بلفظ فسمع رجلا يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال- عليه السلام-: "على الفطرة" ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: "خرجت من النار فنظروا فإذا هو راعى مضري" وفي كتاب الترمذي من حديث زيد العمى عن معاوية بن قرة عنه مرفوعا: والدعاء لا يردّ بين الأذان والإِقامة. قالوا فما نقول قال: سلو الله العافية في الدنيا
__________
(1) ضعيف. الكنز (23272) وعبد الرزاق (1846) وابن أبي شيبة (1/227) والمجمع (1/ (2) صحيح. رواه مسلم في الصلاة (ح/9) والترمذي (ح/1618) وأحمد (3،1/229/407،132، 253،241، 270، 5/248) والطبراني (11/150) وابن خزيمة (399، 400) وعبد الرزاق (1866) والطبراني في "الصغير" (2/3) والمنثور (1/35) والكنز (23285، 23296) ومعاني والخطيب (8/220) والمجمع (1/334، 363، 36 سهم.
(3) إسناده ضعيف، وهو صحيح. رواه النسائي في اليوم والليلة ح/41، 42) وعن عمر بن الخطاب أو معاوية أخرجه مسلم في والصلاة، ح/12) وأبو داود (ح/527) والنسائي في السنن (2/25) وأحمد (6/9، 391) والبغوي في شرح السنن (287،2/285) وابن خزيمة (417) وابن حبان وصححه (98،3/97 الإِحسان (ضمن الحديث.
(4) تقدم في الحاشية رقم (2) .(1/1155)
والآخرة (1) وحسنه، ورواه النسائي من حديث زيد ابن أبي مريم عن أنس، ورواه أبو الشيخ في فوائد الأصبهانين عن إسحاق بن محمد نا أبو مسعود نا الفرياني نا الثوري عن أبي إسحاق عن يزيد عنه يرفعه هذا قال: "اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدَا سؤله، نالته، شفاعة محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- " (2) ، وفي شعب الإِيمان للبيهقي أنبأ عبد الله بن يوسف سمعت عبد الله بن محمد بن أحمد بن روزية سمعت أبا جعفر عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن عيسى بن لؤية الهاشمي نا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن يوسف قال: كان لي صديق بمصر وكان مخلطَا فإني رأيته في المنام فقلت ما فعل الله بك قال عزني قلت: مع ما أعلم قال مع ما تعلم قلت بأي شيء قال: كنت إذا سمعت المؤذِّن قلت كما يقول فعزَّني وقال لي: لو قلت في آخر الأذان: لا أله ألا الله الملك الحق المبين ما حاسبتك. وحديث أبي الدرداء قال: صلي الله عليه وسلم من هذا سمع النداء قال: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صلى على محمد عبدك/ورسولك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة لم قال أبو الجرداء: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " من قال هذا عند النداء جعله الله في شفاعتي يوم القيامة يا (3) ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث محمد بن أبي السري ثنا عمرو بن أبي سلمي عن صدقة بن عبد الله عن سليمان بن أبي كريمة عن أبي قرّة عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال سمعت أبا الدرداء، وقال:
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (4/62، 05/19) وأبو داود في والجهاد، باب 975،) والترمذي (ح/3594) وصححه. وأحمد (1/3 كهف) والبيهقي (9/153،76) والطبراني (17، 246) وا بن أبي شيبة (21/050،1/2962) وإتحاف (7/9/481،151) والترغيب (4/272،1/190) والبلوى (3/39) والمنثور (08/2722،3/189،1، 351) وأذكار (350) ومسند أبي بكر
(1164) والكنز (4923) والقرطبي (3/233) وابن عساكر في والتاريخ، (3/
وصححه الشيخ الألباني.
(2) بنحوه. الحاشية رقم (3) السابقة.
(3) ضعيف. أورده الهيتمي في ومجمع الزوائد، (1/333) وعزاه إلى الطبراني فيه "الأوسط" وفيه صدقة بن عبد الله السمين ضعفه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري.(1/1156)
لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإِسناد تفرّد به عمرو بن أبي سلمي، وحديث ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا سمع الأذان قال: " اللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق، وكلمة التقوى أحيني عليها، وتوفني عليها، واجعلني من صالحي أهلها عملا " (1) ذكره ابن الجوزي في علله (2) وقال: الصحيح موقوف، وحديث المغيرة بن شعبة سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: " من قال حين يؤذن مثل قوله غفر له " (3) رواه أيضا من حديث سليمان بن داود ثنا أبو محمد الحسن البجلي عن عبد الله بن أبي الخالد عن ورواد عنه، وحديث عبد الله بن سلام قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلي الله عليه وسلم سمع رجلا في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدَا رسول الله فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "وأنا أشهد لا يشهد بها أحد إلا برئ من النفاق" (4) رواه أيضا من حديث أحمد بن عبد المؤمن المصري عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنّ يحيى بن عبد الرحمن حدّثه عن عون بن عبد الله/عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه، ورواه النسائي في كتاب اليوم والليلة عن عمرو بن منصور بن أصبغ أخبرني ابن وهب بلفظ: " ألا يرى من الشرك " وحديث أبي رافع: " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله " (5) رواه النسائي في اليوم والليلة عن علي بن حجر عن شريك، وعبد الرحمن بن سليمان عن أبي نعيم عن شريك عن عاصم بن
__________
(1) تقدم في ص 1145 حاشية رقم (1) .
21) قوله: 1 " علله "، غير واضحة" وبالأصل" وكذا أثبتناه.
31) بنحوه. رواه ابن ماجة (ح/718) . في الزوائد: إسناده صحيح. وعبد الله بن عتبة روى له النسائي، وأخرج أنه ابن خزيمة في صحيحه. فهو عنده ثقة. وباقي رجاله ثقات.
4) جامع المسانيد (: 2/434) . وفيه: " لا يشهد بها أحد إلا أن صح من النار".
5) ضعيف. أورده الهيثمي في، مجمع الزوائد (1/331) وعزاه إلى أحمد في " مسنده " و" البزار، والطبراني في " الكبير " فيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا ان مالكا روى عنه.(1/1157)
عبيد الله عن علي بن حسين عنه، وقال خالفه سفيان فرواه عن عاصم عن ابن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال: " كان النبي صلي الله عليه وسلم " إذا سمع المؤذن بنحوه " قال ابن عساكر ورواه عمرو بن العباس عن ابن مهدي عن سفيان عن عاصم عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث عن أبيه، وكذلك قال محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان وقال وكيع عن سفيان بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث، وكذلك رواه أحمد بن عبد الله الميموني عن ابن مهدى وحديث عبد الله بن ربيعة: أن رسول صلي الله عليه وسلم سمع صوت رجل يؤذن في سفر فقال: " الله أكبر الله أكبر فقال النبي صلي الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: أشهد أن محمدَا
رسول الله قال: أشهد أن محمدَا رسول الله " (1) رواه النسائي وإسناد صحيح
عن إسحاق بن منصور عن ابن مهدى عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى
عنه، وحديث معاذ بن أنس قال رسول صلي الله عليه وسلم: " إذا سمعتم/المؤذِّن يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول " (2) رواه أبو الشيخ من حديث رشدين بن
فايد عن سهل بن معاذ عن أبيه، ومن حديث ابن لهيعة عن زبان بلفظ:
" إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول " (3) ولما ذكره أبو أحمد في كامله ردّه برشدين، وحديث عبد الله بن الحارث تقدّم في حديث أبي رافع، وحديث
ابن عباس أن النبي قال: " من سمع النداء فقال: أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله أبلغه الدرجة، والوسيلة
__________
(1) إسناده صحيح. رواه) النسائي في اليوم والليلة، (ح/41، 42) وابن السني (ح/91) ومسلم في (والصلاة ح/12) وأبو داود (ح/527) والنسائي في (السنن: 2/25) وأحمد (6/391،9) والبغوي في شرح السنة (2/285، 287) وابن خزيمة (417) وابن حبان في صحيحه (3/97، 98 الإحسان) ضمن حديث. وأورده الهيثمي في " المجمع " (1/335) وعزاه إلى " أحمد "، والطبراني في " الكبير " وزاد فيه، ورجاله رجال الصحيح.
(2) ضعيف. الكنز (2099) وابن عدي (3/1011) . في إسناده رشدين.
(3) صحيح. رواه مسلم في والصلاة (ح/11) وأبو داود (ح/523) والترمذي (ح/3614) والنسائي (2/25) وابن خزيمة (418) وشرح السنة (2/284) والمشكاة (657) والمغني عن حمل الأسفار (1/312) وابن عساكر في " التاريخ " (6/414) والكنز (20998،21006) والكلم (70) وابن السني (88، 91) وتلخيص (1/211) والترغيب (1/183) وإتحاف (3/61، 5/49) .(1/1158)
عندك، واجعلنا في شفاعته يوم القيامة، ألا وجبت له الشفاعة (1) رواه أبو الشيخ من حديث إسحاق بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عنه، وحديث صفوان بن عسال عنه قال: " بينا نحن نسير مع النبي صلي الله عليه وسلم إذا نحن بصوت يقول: " الله أكبر الله أكبر " فقال عليه السلام: وعلى الفطرة " فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: " برئ من الشرك " قال: أشهد أن محمدًا رسول الله قال: " خرج من النار " قال: حي على الصلاة، قال: أنه لراعى غنم أو مبتدى بأهله قال: فابتدره القوم فإذا هو رجل مبتدى بأهله، (2) رواه أيضا من حديث يزيد بن أبي زياد عن زرعة، ومرسل عمر بن سعد: " أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: هبط من مدراح اليمن بين مكة والمدينة فعرس وأذّن بلال. فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: من قال مثل ما قال بلال من نفسه حرم الله عليه النار " (3) رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن عمر بن ذر عن أبو بكر بن حفص عنه وموقوف عثمان: " أنه كان إذا قال المؤذن حي على الفلاح قال: مرحبًا بالقائلين/عدلًا بالصلاة مرحبًا وأهلًا " رواه أحمد بن منيع في مسنده من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وفيه كلام عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن علم عنه، وموقوف بلال المؤذن أنه قدم الشام: " وكان إذا أتى المسجد فجلس فيه فسمع المؤذِّن قال حوله ليس هؤلاء والمؤذن بالحق من هؤلاء الكلمات منكم فقولوا مثل ما يقول " (4) رواه الطبراني في كتاب الدعاء من حديث بقية عن محمد بن زياد الألهاني عن بعض مشايخه عنه، ومرسل حفص بن عاصم: " سمع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤذن المغرب فقال:- عليه السلام- مثل ما قال: فأنهى النبي صلي الله عليه وسلم وقد قال: قد قامت الصلاة فقال
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني في " الكبير " (12/85) وأورده الهيثمي فيه " مجمع الزوائد " (1/333) وعزاه إليه، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان ليته الحاكم وضعفه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. (2) ضعيف جدا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/336) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفي عطاء بن عجلان وهو متهم بالكذب.
(3) بنحوه. رواه أحمد (2/352) والترغيب (1/186) .
(4) انظر: كتاب الدعاء للطبراني.(1/1159)
صلي الله عليه وسلم: انزلوا فصلوا المغرب بإقامة ذلك العبد الأسود لما " رواه البيهقي (1) في
الكبير من حدها عمارة بن غزية عن حبيب بن عبد الرحمن عنه وخبر زيد بن
مرثد عن نضلة وأذّن بحلوان في سفح جبل فقال الله أكبر الله أكبر فأجابه
مجيب من الجبل كبرت يا نضلة كبيرًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال:
كلمة الإخلاص، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: بعث النبي- عليه السلام- قال: حي على الصلاة، قال: البقاء لأمة محمد، قال: حظي على
الفلاح، قال: كلمة مقبولة قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: كبرت كبيرًا قال: لا إله إلا الله، قال: كلمة حق حرمت بها علي النار، فذكر حديثًا طويلًا ذكره
ابن أبي الدنيا في كتاب هواتف الجان من حديث ابن لهيعة عن مالك بن
الأزهر عن نافع عن ابن عمر، قال الخطيب: ذكره في تاريخه من حديث
عبد الرحمن بن إبراهيم الراسبي أنبأ مالك عن نافع عن ابن عمر تابع أبو
موسى إبراهيم بن رجاء الراسبي على روايته عن مالك وليس بثابت/من حديثه.
وقال الدارقطني في الغرائب من حديث مالك: هذا الحديث لا يثبت عن مالك ولا عن نافع. وحديث عمرو بن العاص، ذكره ابن قدامه في كتابه المغنى، وحديث عبد الرحمن بن عمرو، ذكره الطوسي في كتاب الأحكام. وأخبرني والدي- رحمه الله تعالى- أنه قال: لماَّ سافر الملك الظاهر قاصدًا قيسارته كنت في صحبه فعبرت إلى البيت المقدس زائرا فرأيت بها سادا يسمى أبا إسحاق إبراهيم بن علي الحنبلي الواسطي يقول: بلغني أنّ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ومن قال " حين يسمع الأذان مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة أهلًا وسهلًا بَعَّد الله وجهه عن النَّار يوم القيامة " (2) قوله: فقولوا ... ذكر ابن قدامة أن ذلك مستحب لا أعلم فيه خلافا بين أهل العلم، وفي قوله نظر، لما قاله أبو جعفر الطحاوي من أن الناس اختلفوا هل هو واجب أو مندوب، قال: والصحيح الذي عليه الجمهور: أنه مندوب
__________
(1) مرسل رواه البيهقي (1/408) ، والشفع (164) .
(2) الكنز (21023، 23258) ، وتذكرة (35) .(1/1160)
وخالف ذلك صاحب المحيط والبدائع، فأوجباه، ومثله في المفيد والتحفة والسنة، وزعم شمس الأئمة السرخسي في الذخيرة أن بعضهم قال: إن الإجابة بالقدم لا باللسان وهو المشي إلى المسجد حتى لو كان حاضرًا في المسجد فسمع الأذان فليس عليه إجابة فإن قال مثل ما يقول نال الثواب وإن لم يقل فلا إثم عليه، ولا يكره له ذلك، وفي الذخيرة: فإذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان، وفي المحيط يقول: مكان قوله حي على الصلاة: لا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم، ومكان الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وعند قوله الصلاة خير من النوم صدقت وبررت، وفي كتاب ابن حزم: يقول/السامع كما يقول المؤذن سواء من أوّل الأذان إلى آخره، وسواء كان في صلاة فرض أو نافلة جاءني قوله حي على الصلاة والفلاح فأنه لا يقولهما، وإن قال مكانهما لا حول ولا قوة فحسن، وفي كتاب الغاية شرح الهداية: يستحب الإِجابة لكلّ من سمعته من متطهِّر ومحدث وجنب وحائض وكبير وصغير وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة من أسباب المنع إما أن يكون في الخلاء أو جماع أو غيرهما، قال الماوَردي: فإن كان في الصلاة لم يوافقه سواء أكان نفلًا أو فرضًا، فلو فعله ففيه قولان للشافعي أظهرهما: يكره، لأنه إعراض عن الصلاة ولكن لا تبطل، لأنه ذِكْر، فلو قال الحي على أو التثويب بطلت إن كان عالماً لأنه كلام آدمي، وعن مالك ثلاثة أقوال: يجيب لعموم الحديث لا يجيب لأنّ في الصلاة شغلاً لقول التكبير والتشهد في النافلة لا الفريضة، وفي كتاب الطحاوي: المنع من ذلك فيهما، وكذا قاله أحمد فيما حكاه ابن قدمه قال: وإن قال الحي على بطلت الصلاة، قال صاحب المحيط لا ينبغي للسامع أن يتكلم في حال الأذان والإقامة ولا يشتغل بقراءة القرآن، وفي المرغيناني: لا يقطع إن كان في المسجَد ويقطع فيما سواه، ولا يرد السلام، وفي المحيط: يرد سرًا، وكذا جواب العطاس، قال الطحاوي: واختلفوا هل يقول ذلك عند سماع كل مؤذن أو يجيب أوّل مؤذن فقط، واختلف قول مالك هل يتابع المؤذن أو يقوله مسرعًا قبل فراغه من التأذين، وأما الوسيلة فهي القُربة، قال أبو عبيد: يقال توسلت أبيه أي تقربت، وفي الصحيح: أنها(1/1161)
منزلة في الجنة، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: هي القرب من الله تعالى، وقوله حلت له الشفاعة/قال عياض: "معناه غشية، وقيل: حلت عليه، وقيل: بمعنى وجبت له قال تعالى: {فيحل عليكم غضبي} (1) "
وقيل: حلت له بمعنى عليه قال: يخرون للأذقان سجداً ويخرون للأذقان سجدَا} (2) يعني على الأذقان.
__________
(1) صورة طه آية: 81. (2) صورة الإسراء آية 107.(1/1162)
116- فضل الآذان وثواب المؤذِّنين
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عبد الرحمن
ابن أبي صعصعة عن أبيه- وكان أبوه في حجر أبي سعيد- قال لي أبو سعيد: "إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالأذان، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: " يسمعه جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ألا شهد له" هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه (1) عن عبد الجبار بن العلاء نا سفيان قال: حدثني عبد الله به، وفي لفظ: وكانت أمه عند أبي سعيد، وفيه: "شجر ولا مدر" خرجه البخاري (2) في صحيحه من حديث مالك بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة بزيادة: " إني أراك تحت الغنم والبادية" وقال: "ولا أنس ولا شيء"، ولما رواه الشافعي- رضي الله تعالى عنه- عن سفيان قال إثرها: ويشبه أن يكون مالك أصاب اسم الرجل، قال البيهقي: هو كما قال الشافعي- رحمه الله تعالى-، وذكر الدارقطني ان مالكًا لم يختلف عليه في اسمه، وكذا هو في كتاب النسائي، وعند الشّافعي وأحمد والأوسط وأحمد بن منيع وغيرهم، ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن عبد العزيز بن الماجشون كرواية مالك سواء وفي كتاب أبي الشيخ من حديث القطان عن مالك كرواية سفيان، فإن صح كان ردا لما قاله الدارقطني- والله تعالى أعلم-، ويوضحه قول ابن سعد عبد الله بن عبد الرحمن بن/الحارث بن أبي صعصعة: روى عن أبي سعيد، وأدركه مالك وروى عنه، وروى أيضَا عن ابنيه محمد وعبد الرحمن أبنى عبد الله، وروى البحار حديث سفيان بسند آخر فقال ثنا إسحاق بن محلول، ومحمد بن مسكين قالا لنا سعيد بن منصور ثنا ابن عيينة عن صفوان بن سليم عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (389) ، والترغيب (1/174) .
(2) صحيح. رواه البخاري (1/158) ، وتلخيص (1/208) ، والكلم (68) ، والأذكار (35)(1/1163)
عطاء بن يسار عن أبي سعيد، قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "يغفر للمؤذن مد صوته، ويصدقه ما سمعه من رطب ويابس" (1) ، وقال: لا نعلم أحداً أسنده عن ابن عيينة إّلا سعيد بن منصور، ولم يتابع عليه. حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان عن أبي يحيى عن أبي هريرة قال: سمعت من في- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-: "المؤذن يغفر له مد صوته، ويستغفر له كل رطب ويابس، وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون حسنة، ويكفر عنها ما بينها" (2) هذا حديث قال فيه المنذري- رحمه الله تعالى-: أبو يحيى لم ينسب فيعرف حاله، وما أدرى أنّ حاله معروفة وأنه منسوب مسمّى، وأنه حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن بندار وعبد الرحمن عن شعبة، وقال: يريد ما بين الصلاتين، وخرجه البستي في صحيحه أيضَا عن أبي خليفة ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة ثم قال: أبو يحيى هذا اسمه سمعان مولى أسلم من أهل البصرة والدأنيس، ومحمد بن أبي يحيى من جلّة التابعين، وموسى بن عثمان من سادات أهل الكوفة وعبّادهم، واسم أبيه: عمران، ولفظ أحمد بن حنبل:. (مدى صوته، ويصدقه كل رطب ويابس سمعه، وللشاهد عليه خمس وعشرون درجة) ورواه البيهقي في/السنن الكبرى من حديث عمرو بن عبد الغفار: ثنا الأعمش عن مجاهد عن أبي هريرة به، قال: ورواه حفص بن غياب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا أيضَا ولفظهما: (ويشهد له كلّ رطب ويابس سمعه) وفي كتاب أبي الشيخ من حديث أبي العنبر عن أبيه: (كلّ مدرة وصخرة سمعت صوته) . حدثنا محمد بن
__________
1) ضعيف. رواه البيهقي (1/431) ، والكنز (20927، 2092) ، واللآلىء (2/7) ، وأصفهان (2/301) .
(2) صحيح. رواه أبو داود فيه الصلاة، باب (31) وابن ماجه (ح/724) ، وأحمد (2/458،429) ، والطبراني (12/398) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1164)
بشّار وإسحاق بن منصور قالا: ثني أبو عامر ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة قال سمعت معاوية بن أبي سفيان عن طلحة بن يحيى عن عيسى بن طلحة قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة " هذا حديث خرجه مسلم (1) في صحيحه من حديث عبد بن سليمان، وسفيان عن طلحة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة لنا حسين بن عيسى- أخو سليم القارئ - عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم" (2) هذا حديث إسناده صحيح على شرط الحافظين ابن خزيمة والبستي لذكر ابن حبان حسينًا والحكم في كتاب الثقات، ولرواية ابن خزيمة عنهما في صحيحه، ولئن كان، فقد قيل فيه: هو حديث رواه الحسين الحنفي، وهو منكر الحديث فيما ذكره عبد الحق، وأمّا البخاري فقال: حسين مجهول وحديثه: "يؤمكم قراؤكم " منكر، وأنه مما تفرد به الحسين عن الحكم فيما ذكره الدارقطني معترضًا، وأمّا قول أبي أحمد في الكامل: لعلّ البلاء فيه من الحكم لأنه ضعيف، وليس من الحسين الحنفي، ففيه نظرة لأنّ الحكم لا يقاس/بالحسين، فالبحتري ألا يفضل عليه. لأنه ممن قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي، يروى عن الحكم أحاديث منكرة، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال ابن عدي نفسه. له حديث
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في "الصلاة" (ح/14) والبيهقي (1/433) وابن حبان (293) وابن أبي شيبة (1/225) وعبد الرزاق (1861) والمجمع (9،327،1/300/326) ومشكل (1/81) والمنثور (5/364) ومطالب (234) والمشكاة (654) والكنز (20895) والقرطبي (6/231) والأذكار (35) وابن عساكر في "التاريخ" (313، 10، 29) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود في "الصلاة" باب "6" وابن ماجه (ح/726) والبيهقي (1/426) والطبراني (1/2370) والمشكاة (1119) وشرح السنة (3/399) والكنز (20969) وابن عدي في الكامل، (2/766) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/154) وضعيف أبي داود (ح/91) .(1/1165)
قليل، وعامة حديثه غرائب، وفي بعض حديثه مناكير، وأمّا الحكم فإن ابن عيينة قال: سألت يوسف بن يعقوب: كيف كان الحكم بن أبان؟ فقال: ذاك سيد، وقال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو زرعة: صالح الحديث وقال العجلي: ثقة صاحب سنة، كان إذا اهدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله تعالى حتى يصبح، قال: فذكر مع حيتان البحر ودوابه وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقال: رّبما أخطأ، وإنما وقعت المناكير في رواية من رواية ابنه إبراهيم بن الحكم عنه، وإبراهيم ضعيف، وقال ابن عيينة: أتيت عدن فقلت: إمَّا أن يكون القوم علماء كلّهم، وإمَّا أن يكون كلّهم جهّالا، فلم أر مثل الحكم بن أبان، فقد ظهر لك الفرق ما بين الرجلين من غير تعصّب، وأنّ الحكم ابن أبان، خير من حسين بزيادة، ورواه ابن عدي بلفظ: قال عليه السلام: "لا يؤذن غلام حتى يحتلم، وليؤذن لكم خياركم " (1) من حديث إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. حدثنا أبو كريب ثنا مختار بن غسان ثنا حفص بن عمرو الأزرق البرجمي عن جابر بن عكرمة، وثنا روح بن الفرح ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا أبو حمزة عن جابر عن عكرمة عن ابن
عباس، قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " من أذّن محتسبا سبع سنين كتب له براءة من النار" (2) هذا حديث قال فيه أبو علي الطوسي في كتاب الأحكام: غريب. انتهى. وإسناده ضعيف لمكان جابر الجعفي المذكور قبل، ورواه أبو ثميلة عن أبي حمزة/فأبدل عكرمة بمجاهد، فيما ذكره أبو عيسى، وقال: هو غريب، وضعفه بجابر أيضَا. حدّثنا محمد بن يحيى والحسن بن علي الخلال قالا: ثنا عبد الله بن صالح نا يحي بن أيوب عن ابن جرير عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله علي قال: " من أذّن ثنتا عشرة
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عدي في "الكامل": (1/225) .
(2) إسناده ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/727) . والترغيب (1/183) والقرطبي (6/231) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/155) والضعيفة (ح/850) .(1/1166)
سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه كلّ يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة" هذا حديث خرجه الحاكم (1) من حديث عبد الله بن صالح، وقال: هذا صحيح على شوط البخاري، وله شاهد من حديث عبد الله بن لهيعة، وقد استشهد به مسلم. ثناه محمد بن صالح بن هانىء ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران ثنا أبو الطاهر وأبو الربيع ثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر عن نافع به، وعليه فيه مأخذان الأوّل: أبو صالح عبد الله بن صالح، ليس من شرط البخاري في الأصول، إنّما روى عنه في الشواهد والمتابعات، قال عقب حديث في الزكاة: وزاد عبد الله: حدثني الليث. قاله مخير واحد منهم ابن سرور، وكذا يحيى بن أيوب فيما ذكره الكلاباذي، ومن عادة الحاكم إذا كان الرجل عندهما بهذه المتابعة عليه يسوغ لنفسه مقصد، ويتأتى له فيه ما اعتمده، وههنا أغفله، فطولت ما أهمله الثاني: ألا يخدش في صحَّته مطلقا انقطاعه، ورواه ابن المتوكل عن ابن جريج عمن حدّثه عن نافع، قال البخاري فيما ذكره البيهقي: وهذا أشبه، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه لابن صالح عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر، وقال ابن عدي: لا أعلم أحدا رواه عن ابن/جريج غير يحيى، ولا عنه إّلا أبو صالح، ورواه حمزة الخرزي- وهو كذاب- عن نافع عن ابن عمر بلفظ: " من أذّن سبع سنين احتسابا كتب له براءة من النار" (2) ولما سأل ابن أبي حاتم عنه أباه قال: هذا حديث منكر
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/205) . وقال: صحيح على شرط مسلم. وابن ماجه (1/728) والبيهقي (1/433) وتلخيص (8/201) وا الدارقطني (1/240) والمشكاة (678) والإتحاف (13/73) والترغيب (1/182) وشرح السنة (2/282) والقرطبي (6/231) والكنز (20905) والبخاري فيه "الكبير" (8/306) .
وصححه الشيخ الألباني والصحيحة: ح/425) .
(2) منكر. العلل المتناهية:. (1/398) .(1/1167)
جدًا، وذكره أبو الفرح من طريق محمد بن الفضل، وردّه بأنه اختلط، ورواه قيس بن الربيع عند الطبراني في الأوسط: بلفظ آخر عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عنه يرفعه: "المؤذن المحتسب كالشهيد كالمتشحط في دمه، يتمنى على الله ما يشتهى بين الأذان والإِقامة" (1) ، وقال: لم يروه عن سالم إلا قيس. تفرد به إبراهيم بن رستم، وفي كتاب أبي الشيخ زيادة من حديث قيس عن سالم الأفطس عن مجاهد عنه مرفوعًا: "إذا مات لم يدوّد في قبره"، قال ابن الجوزي: وروى عن ابن عمر مرفوعا ومرسلا، ولا يصح مسندًا، وفي كتاب ابن زنجويه عن أبي معشر قال: بلغني أنه: "من أذّن سبع سنين عتق من النار" (2) وفي الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث أبي هريرة: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "من أذن خمس صلوات إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " (3) أنبأ به المسند المعمر بقية المشايخ أبو زكريا يحيى بن يوسف المقدسي- رحمه الله تعالى- عن العلامة بهاء الدين الشّافعي عن الحافظ أبي طاهر- رحمهما الله تعالى- قال أنبأ أبو رجاء بندار عن محمد بن أحمد بن جعفر الحلقاني قراءة عليه بأصبهان من أصل سماعه أنبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن أبي علي الهمداني قراءة عليه أنبأ أبو محمد عبد الله بن جعفر الأصبهاني الحافظ ثنا عبد الله بن مسند، وثنا إسماعيل/ابن يزيد لنا إبراهيم بن رستم ثنا حماد بن
__________
(1) ضعيف. الترغيب (1/181) والطبراني في "الأوسط" (2/25) مجمع البحرين في زوائد المعجمين عن إبراهيم بن رستم عن قيس بن الربيع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عمر مرفوعا، ومن هذا الوجه رواه أبو بكر المطرز في الأمالي القديمة. (1/1/172) ورواه أبو نعيم في لأخبار أصفهان (2/113) 1. وضعفه الشيخ الألباني. والضعيفة: (ح/852، 853) .
(2) انظر: الضعيفة: (2/243) .
(3) ضعيف. رواه البيهقي (1/433) والكنز (20906) والخطيب (6/73) ورزق الله التميمي الحنبلي في جزء من "أحاديثه" (1/2) والأصبهاني فيه الترغيب (1/40) الجملة الأولى فقط. وضعفه الشيخ الألباني: الضعيفة (خ/851) .(1/1168)
سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه، وقال البيهقي في الكبير لا أعرفه إلا من حديث ابن رستم عن حماد، وفي الفضائل لابن شاهين عنه مرفوعا من حديث موسى الطويل: "من أذّن سُنَّة نبيه صادقة ما يطلب أجرًا دعى يوم القيامة فيوقف على باب الجنة، وقيل له: اشفع لمن شئت" (1) زاد الحافظ أبو أحمد حميد بن مخلد بن زنجويه في كتاب فضائل الأعمال من حديث سلام بن سلم ثنا سليمان بن عامر عن أبي معاذ عن أبي عثمان عنه: "وكتب له عند أذانه أربعون ومائة حسنة، وعند الإِقامة عشرون ومائة حسنة " وعن محمد بن الحنفية: "المؤذن المحتسب كشاهر سيفه في سبيل الله تعالى " وعن الحسن: "أول من يكسا من كسوة الجنة: المؤذنون المحتسبون" (2) ولفظ عبد الله بن سعيد عنه عند أبي الشيخ: "للإمام والمؤذِّن مثل أجر من صلى معهما"، وحديث بن عباس موقوفا: (من أذن تسع سنين غفر له ما تقدم من ذنبه) (3) قال الدارقطني في الإِفراد: غريب من حديث الشعبي عنه، ما كتبه إّلا عن يعقوب بن عبد الرحمن عن روح الفرح البزار عن علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة عن جابر عنه، والمحفوظ: عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس، وقيل: عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس، وخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي حمزة عن جابر بلفظ: "سبع سنين " (4)
__________
(1) موضوع. رواه ابن شاهين فيه رباعيته (1/176) وتمام (11/47) وابن عساكر (2/2/5) عن محمد بن مسلمه الواسطي. وتنزيه الشريعة (1/256) .
قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، فيه موسى الطويل كذاب، قال ابن حبان: زعم أنه رأي أنساً وروى عنه أشياء موضوعة، ومحمد بن مسلمة غاية في الكذب. وضعفه الشيخ الألباني. (ح/848) .
(2) بنحوه. رواه ابن عساكر في وتاريخه،: (3/312) ولفظه: "أوّل من يكسى من المؤذنين بلال".
(3) انظر: كلام المصنف عقبه.
(4) تقدم، وهو ضعيف جدا. رواه الترمذي (1/267، 206) وابن ماجه (ح/727) والطبراني(1/1169)
وقال ابن أبى مسلم: بلغني أن المؤذن من حين أذانه إلى إقامته كالشهيد المتشحّط في دمه وحديث كثير بن مرّة الحضرمي، وهو مذكور في كتاب الصحابة لأبي موسى المديني قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يبعث هذا/يعني بلالا- يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة، ينادى على ظهرها بالأذان محضًا- أو قال حقًا- فإذا سمعت الأنبياء، عليهم السلام وأهمهم: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله} نظروا كلهم إلى بلال، قالوا: ونحن نشهد على ذلك قبل ذلك ممن قيل منه قبل ذلك، وردّ من ردّ، فإذا بلال في الجنة استقبل بحلة فلبسها، وأوَّل من يكسا من مطل الجنة بعد النبيين والشهداء بلال، وصالح المؤذنين "، وحديث ثوبان: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " من حافظ على النداء بالأذان سنة أوجب الجنة" (1) ذكره أبو بكر البيهقي في الشعب من حديث أبي معاوية عن أبي قيس السكري الدمشقي عن عبادة بن نسى عن أبي مريم السلواني عنه، وحديث بلال: قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "يا بلال ليس عمل أفضل من عملك إّلا الجهاد" رواه أيضا من حديث الحفص- رجل من الأنصار- عن أبيه عن جدّه عنه، وحديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا سمعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " ثلاثة يوم القيامة على كثيب من
__________
= (9/13، 2) وابن السماك في " التاسع من الفوائد" (1/3) وابن بشران فيه الأمالي الفوائد، (1،2/125) والخطيب في " تلي يده" (1/247) من طريقين عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا، وقال الترمذي: حديث غريب،- يعني ضعيف- وقال العقيلي في الضعفاء،: نص 155) : وفي إسناده لين،. وقال البغوي في وشرح السنة، (1/58/ان: إسناده ضعيف. وأشار المنذري في " الترغيب، (1/111) لتضعيفه.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/155) .
(1) موضوع. رواه الخطيب في " الموضحة (2/186) وابن عدي فيه الكامل، ترجمة: محمد بن سعيد بن أي قيس المصلوب) ق 1/291) بسنده عنه عن عبادة بن نسجي به، وقال: عامة ما يرويه لا يتابع عليه،. وابن عساكر في تاريخه، (1/15/286) عن أبي مريم. وقال الشيخ الألباني. وموضوع،. ضعيف الجامع (ح/849) .(1/1170)
مسك أسود، لا يهولهم فزع ولا ينالهم حيك، حتى يفرغ فيما بين الناس" (1) فذكره قال: " ورجل أذّن ودعا إلى الله- عز وجل- ابتغاء وجه الله تعالى لما. ذكره الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد الجوزي في كتاب الترغيب والترهيب من طريق أبي عمر زاذان الكندي عنهما، وذكره البيهقي في الشعب من حديث عبد الواحد بن غياث نا الفضل بن ميمون السلمي نا منصور بن زاذان أنه سمعهما في كتاب ابن زنجويه نا محمد بن عبيد نا إسماعيل عن الصيرفي قال:" ثلاثة على كثبان المسك/رجل قرأ كتاب الله فأم قومَا وهم به راضون، ورجل دعا إلى هذه الصلوات الخمس في الليل والنهار لا يريد بها إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة" الحديث، وفي حدثنا عمر عند الترمذي (2) مرفوعَا: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة" الحديث وحديث أنس بن مالك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يد الله- تبارك وتعالى- على رأس المؤذن حتى يفرغ من أذانه، وأنه ليغفر له مد صوته وأين بلغ" ذكره أبو أحمد بن عدي من حديث عمر بن حفص العبدي وهو متروك الحديث عن ثابت عنه، ورواه أبو الشيخ من حديث العمى بزيادة: (فإذا فرغ قال الرب تعالى صدقت عبدي وشهدت شهادة الحق فأبشر) ولفظ أبي الفرح في علله: "يحشر المؤذنون على نوق من نوق الجنة، يخاف الناس ولا يخافون، ويحزن الناس ولا يحزنون" (3) وردّه بداود بن الزبرقان،
__________
(1) إتحاف (4/465) والكنز (43309) .
(2) حسن. رواه الترمذي (ح/2566) . وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه ألا من حديث سفيان الثوري. وأحمد (2/26) إتحاف (3/5) والحلية (3/318) والمنثور (4/340) والكنز (43240، 43241) والترغيب (1/179، 3/26، 376، 377، 695) .
(3) موضوع. رواه الخطيب (38113) وعنه ابن عساكر (3/232/1-2) عن موسى بن إبراهيم المروزي: حدثنا داود بن الزبرقان عن محمد بن جحادة عن أنس مرفوعاً وآفته: إما داود، وأما موسى المروزي، وكلاهما كذاب، والكذب في الثاني أكثر. قال الشيخ الألباني: موضوع. الضعيفة (ح/774) .(1/1171)
وموسى بن إبراهيم المروزي، وحديث عمر أنَ النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أنها لحوم محرمة على النار- لحوم المؤذنين ودماؤهم- وما من رجل يؤذن تسع سنين يصدق في ذلك نيتهُ إَلا عتق من النّار " (1) ذكره أبو الشيخ من طريق هارون بن المغيرة عن الرصافي عن زياد بن كليب عنه، وفي كتاب البيهقي بسند صحيح عن عمر: "لو كنت أطيق الأذان مع الخليعي لأذّنت" (2) وفي لفظ: "قدمنا على عمر فقال: من مؤذنوكم؟ فقلنا: عبيدنا وموالينا، فقال بيده: هكذا يقلبها: عبيدنا وموالينا إن ذلكم بكم لنقص شديد"، وفي كتاب الفضل بن دكن ثنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عنه: "لولا أنَى أخاف أن تكون سنة/ما تركت الأذان"، وفي كتاب ابن زنجويه ثنا يعلى بن عبيد ثنا عبد الله بن الوليد الرصافي عن أبي معشر قال: إنّ عمر بن الخطاب قال: "لو كنت مؤذّنًا ما باليت أن لا أحج ولا أعتمر إلا حجة الإِسلام، ولو كانت الملائكة نزولا ما غلبهم أحد على الأذان" (3) ، وفي حدثنا الرصافي عند أبي الشيخ: "ما باليت إلا النصب لقام نهار وليل أمري، وسمعت النبي- عليه السلام- يقول: فاللهم اغفر للمؤذنين، فقلت: تركتنا يا رسول الله ونحن نحتال على الأذان بالسيوف، قال: مهلا يا عمر، أنه يأتي على الناس زمان يتركون الأذان على ضعفائهم" (4) الحديث. قال: وقالت عائشة: ولهم هذه الآية: "ومن أحسن قولا ومنْ دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين") (الآية قالت: فهو المؤذن، إذا قال: حي
__________
(1) الكنز (13262) وابن عدي في " الكامل، (5/1884) .
(2) قوله: " وفي، سقط من " الأصل، وكذا أثبتناه.
(3) قلت: وهذا حديث ضعيف، وعفته أبي معشر. انظر: المغنى في الضعفاء: (2/809) . (4) الكنز (23158، 23165) لاتحاد (3/174) والخفاء (1/212، 2/130) والجوامع (9885)
(5) صورة فصلت آية: 33(1/1172)
على الصلاة فقد دعا إلى الله تعالى، فإذا صلى قد عمل صالحاً، وإذا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله فهو من المسلمين " وفي كتاب أبي نعيم: ثنا الرصافي ثنا محمد بن نافع قالت عائشة: "نزلت هذه الآية في المؤذنين" (1) وحديث أبي موسى، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "يبعث الله الأيام على هيئتها ويبعث يوم الجمعة زاهرا منارا، وأهل الجنة محفوفون بها كالعروس تهدى إلى بيت زوجها، تضيء لهم، يمشون في ضوئها أنوارهم كالثلج، ورائحتهم تسطع كالمسك، يخوضون في الكافور، لا يخالطهم إّلا المؤذنون المحتسبون" (2) ذكره ابن حبان في كتاب الأذان من حديث الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان عن طاوس عنه، وخرجه القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العيسوي من ولد عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس في فوائده بسند صحيح، وحديث جابر بن عبد الله/قيل: يا رسول الله: من أوَّل الناس في دخولا الجنة؟ قال: " الأنبياء، ثم الشهداء، ثم مؤذنوا الكعبة، ثم مؤذنوا بيت المقدس، ثم مؤذنوا مسجدي هذا، ثم سائر المؤذنين على قدر أعمالهم" (3) رواه أبو الشيخ من حديث الحسن الحلواني ثنا عبد الصمد نا عبد الله بن ذكوان عن ابن المنكدر عنه، ولفظ خلف بن الوليد: عن سلام، وحديث أبى بن كعب: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " دخلت الجنة فرأيت فيها جنانا من لؤلؤ رائحتها المسك، قلت: لمن هذا يا جبريل؟ قال: للمؤذنين، والأئمة من أمتك يا محمد" (4) ، رواه أيضا من
__________
(1) المسير: (7/256) .
(2) إسناده صحيح. الكنز: (20939) . وذكره ابن حبان في كتاب الأذان من حديث الهيثم بن حميد عن حفص بن غيلان عن طاوس.
(3) موضوع. الكنز (23178) والميزان (8032) والمجروحين (2/257) ولسان الميزان (5/1102) ترجمة: محمد بن عيسى بن كيسان الهلالي العبدي. قال البخاري والفلاس: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: لا ينبغي أن يحدث عنه، وقال ابن حبان: يأتي عن ابن المنكدر بحقائب.
(4) منكر. رواه ابن عدى في " الكامل،: (6/2275) .(1/1173)
حديث محمد بن إبراهيم الشامي وهو متهم بالوضع. قاله ابن حبان، قال البيهقي في الشعب وذكره: وهو منكر الحديث، ورواه أيضًا من حديث إسحاق بن عمر بن سليط عن محمد بن عيسى الفرى ثنا محمد بن العلاء الأبلي عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس عنه، وقال الرازي في علله: هذا حديث منكر طويل، وهو متهم بالكذب عن عباد بن كثير عن أبتِ الزبير عنه مرفوعًا: "إن المؤذن والملبين يخرجون من قبورهم يوم القيامة، يلبى الملبي ويؤذن المؤذن، ويغفر للمؤذن مد صوته، ويشهد له كل شيء سمع صوته من شجرة أو مدرة أو رطب أو يابس ويكتب للمؤذِّن بكل إنسان صلى معه في ذلك المجلس مثل حسناتهم، ولا ينقص من حسناتهم شيء، ويعطيه الله ما بين الأذان والإِقامة كل شيء يسأل ربه إما أن يعجل له في دنياه أو يصرف عنه السوء أو يؤجل في الآخرة وهو ما بين الأذان والإِقامة كالمتشحط في دمه في سبيل الله عزّ وجل، ويكتب له بكلّ يوم يؤذنون فيه مثل أجر خمسين ومائة/شهيد" (1) الحديث بطوله، قال ابن الجوزي: العمل فيه على محمد بن عيسى العبدي المنفرد به عن ابن المنكدر. انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه من عدم تفرّده به، وفي كتاب الطبراني الأوسط: "إن المؤذن والملبين يخرجون من قبورهم، يلبى الملبي ويؤذن المؤذن " (2) وقال: لم يروه عن أبي الزبير إلا أبو بكر الهذلي، ولا عن أبي بكر إلا أبو الوليد الضبي العباس بن بكار، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد، وحديث البراء بن عازب: أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" (3) ، ورواه
__________
(1) رواه ابن الجوزي في: "الموضوعات" (2/88) .
وقال ابن الجوزي: وموضوع،. وفي هذا الحديث عبَاد بن كثير، كان شعبة يقول: احذروا حديثه. وقال أحمد بن حنبل: روى أحاديث كذب لم يسمعها، تركوه.
(2) الترغيب (1/178) وأسرار (330) وتنزيه (2/77) واللآلىء (2/7) والجوامع (5827) والمجمع (1/327) وعزاه إلى الطبراني فيه الأوسط،، وفيه مجاهيل لم أجد من ذكرهم. (3) صحيح. رواه مسلم في "الصلاة" (ح/14) وابن ماجه (725) والبيهقي (1/433) -(1/1174)
أيضا من حديث يزيد بن هارون عن أبي أمية شيخ من أهل البصرة ثنا القاسم بن عوف الشيباني عنه، وخرجه النسائي (1) من حديث أبي إسحاق عنه بلفظ: " الملائكة يصلون على الصف المقدّم، والمؤذن يغفر له مد صوته ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، له مثل أجر من صلى معه"، وفي مسند السراج: "من صلى خلفه" وحديث أبي هريرة: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "يحشر المؤذنون أطول أعناقًا لقولهم: لا اله الا الله" (2) رواه السراج من حديث عمر بن عمر بن عبد الرحمن ابن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال ثنا محمد بن عمار المؤذن عنه، وفي حديث صالح بن سيار عند أبي الشيخ عن مسلم بن إبراهيم نا فرقد بن الحجاج القرشي ثنا عقبة عنه يحيى: " المؤذنون أطول الناس أعناقا، يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة" (3) وخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث منصور عن عباد بن محمد بن أنيس عنه مرفوعا: " المؤذِّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" (4) . ثم قال: العرب/تصف بأذل الشيء الكبير بطول اليد، وسائل الشيء الكبير يطول بطول النطق كما قال عليه السلام: "أسرعكنّ لحوقا بي أطولكن يدا" (5) وكانت سودة أول نسائه لحقت به وكانت أكثرهن صدقة،
__________
- وابن حبان (293) وابن أبي شيبة (1/225) وعبد الرزاق (1861) والمجمع (327،1/326، 9/300) ومشكل (1/81) وا لمنثور (5/364) ومطالب (234) والمشكاة (654) والكنز (20895) والقرطبي (6/231) وأذكار (35) وابن عساكر في "التاريخ" (3/313، 10/329) .
(1) صحيح. رواه النسائي) الإِمامة، باب (25) والأذان، باب " (14) والدارمي في والصلاة، باب (193) واحمد (4/269، 284) وعبد الرزاق (2450) والجوي مع (03،515091) وابن عدي في (الكامل) (6/2426) والكنز (20550، 20639) .
(2) الكنز (20940) وابن عساكر في والتاريخ " (10/330) واللآلىء (2/238) .
(3) بنحوه. رواه أحمد: (3/169، 264) .
(4) صحيح. رواه ابن حبان: (3/89، 90) .
(5) صحيح. رواه مسلم في والفضائل، (ح/101) والحاكم (4/25) والمجمع (8/289، 9/248) ومشكل (1/82) والكنز (15952) الإتحاف (7/185، 18/47) والنبوة (6/374) .(1/1175)
وفي قوله: أطول، أي: من أطول الناس. انتهى كلامه، وفيه نظرة لأن الذي في الصحيح أنها زينب بنت جحش، وقد قال هو في كتاب الصحابة أن سودة توفّيت سنة خمس وخمسين، وأن زينب توفيت سنة عشرين بالمدينة، هذا تناقض ظاهر- والله تعالى أعلم-، ويحتمل أن يكون هذا تصحف على الكاتب، وقد استظهرت نتيجة أخرى، ويؤيّده ما ذكره الحافظ النيسابوري في كتاب شرف المصطفي الكبير من أنّ سودة هي صاحبة القصة أيضًا- والله تعالى أعلم-، وحديث عقبة بن عامر يرفعه: "المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" (1) رواه أبو القاسم في الكبير من حديث ابن لهيعة عن ابن أبي حبيب عن أبي الخير عنه، وحديث زيد بن أرقم يرفعه: "نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة، والمؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة" (2) رواه أبو القاسم الطبراني في الأوسط من حديث قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عنه، وقال: لم يروه عن قتادة إلا حسام بن مصك، وفي كتاب ابن زنجويه من حديث عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون ولا يدودون في قبورهم) (3) . وحديث بلال أنه قال: يا رسول الله الناس يتجرون ويبتاعون معايشه ويمكثون في بيوتهم، ولا أستطيع أن أفعل ذلك فقال: " ألا ترضى يا بلال/أن المؤذن أطول الناس أعناقاً" (4) ورواه البيهقي في الشعب من حديث محمد بن الوليد بن
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (1/326) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(2) ضعيف. رواه الحاكم (3/285) والحلية (11/47) وابن عدي في " الكامل} (0/842) وابن عساكر في " التاريخ، (3/313، 1/3290) والطبراني في (الكبير، (5/238) والمجمع (1/326) وفيه حسام بن مصك وهو ضعيف.
(3) رواه أحمد (3/169، 264) وعبد الرزاق (1862) والمجمع (1/326) والخلفاء (1/26) والكنز (25894) .
(4) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد، (1/326) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير" =(1/1176)
عامر ثنا أبو عمر أن محمد بن أبي سفيان الثقفي أنّ قبيصة بن ذؤيب حدثه عن بلال، وحديث ابن الزبير قال: وددت أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:) أعطانا الله فقلت: لم ذلك؟ قال: أنهم أطول أهل الجنة أعناقا يوم القيامة " قال في الأوسط (1) : لم يروه عن هشام عن أبيه إلا عبد الله بن محمد بن يحيى. تفرد به إبراهيم بن المنذر، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإِسناد، وحديث أنس بن مالك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لو أقسمت لبررت، إن أحبّ عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر، يعني المؤذنين، لأنهم ليعرفون يوم القيامة بأعناقهم" رواه أبو القاسم في الأوسط (2) عن عبيد الله بن عبد الله بن جحش ثنا جنادة بن مروان الأزدي الحمصي ثنا الحارث بن النعمان عنه، وحديث عطاء بن عبد الله قال عليه السلام: "المؤذن فيما بين أذانه وإقامته كالمتشحط في دمه في سبيل الله عز وجل" (3) ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث أبي كامل عن أيوب بن واقد ثنا عبد الله بن عطاء عن أبيه، فذكر حديث أبي الوقاص صاحب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "شهادة المؤذنين عند الله عز وجل يوم القيامة كسهام المجاهدين، وهم فيما بين الأذان والإقامة كالمتشحط في دمه في سبيل الله تعالى " (4) الحديث، رواه أيضا من حديث عتاب بن عبد الحميد عن مطر عن
__________
= "والبزار"، بنحوه، ورجاله موثقون.
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد، (1/326) وعزاه إلى الطبراني في الكبير، والأوسط، وفيه عبد الله بن محمد بن يحي بن عروقه وهو متروك الحديث. (2) ضعيفة جدًا. أورده الهيثمي في "بمجمع الزوائد" (1/326) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسطي وفيه جنادة بن مروان، قال الذهبي: اتهمه أبو حاتم.
(3) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد، (1/327) من حديث ابن عمر، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن رستم، ضعفه ابن عدي، وقال أبو حاتم ليس بذاك ومحلّه الصدق ووثقه ابن معين.
(4) لم أقف عليه.(1/1177)
الحسن عنه، وحديث الضحاك بن مزاحم عن الحارث عن علي قال: " ندمت أن لا أكون طلبت إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فيجعل الحسن والحسن مؤذن " (1) قال الطبراني لم يروه عنه إّلا عامر بن إبراهيم، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إّلا أن يستهموا عليه لاستهموا " خرجاه في الصحيح (2) ، وعن عقبة بن عامر سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: " يعجب ربك من راعى غنم في رأس شظية بجبل، يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله- عز وجلّ-: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة " خرجه أبو داود (3) بسند صحيح عن هارون بن معروف عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حي بن يونس حدّثه عن عقبة به، وعن ابن أبي أوفي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر وإلا ظّلة لذكر الله عز وجل " (4)
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد، (1/326) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه الحارث، وهو ضعيف.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (59/671،3/2381،1) ومسلم في (الصلاة، باب " 28، رقم (129) وأحمد (303،278،2/236) والنسائي (1/269، 2/23) والبيهقي (1/248، 1/2880) وابن خزيمة (1554) وعبد الرزاق (2007) وإتحاف (263،3/257) والمشكاة (628) وأبو عوانة (1/333، 2/37) وتلخيص (9/201) وشرح السنة (2/230) والترغيب (1/174) وتجريد (165) ومشكل (1/438) وا لقرطبي (4/87، 5/224، 10/20، 20 يهـ 13) والأذكار (35) والخطيب (4/425) والكلم (66) والموطأ (68، 131) .
غريبة: قوله: " يستهموا عليه "، الاستهام هو الاقتراع، ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظم جزائه، ثم لم يجدوا طريقَا يحصلونه به، لضيق الوقت، عن أذان بعد أذان، أو كونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد، لاقترعوا في تحصيله. ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة، نحو ما سبق، وجاءوا أبيه دفعة واحدة، وضاق عنهم، ثم لم يسمح بعضهم لبعض به، لاقترعوا عليه.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/1203) وأحمد (157،4/145) والطبراني (17/310) والبيهقي (1/405) والترغيب (1/182) والمشكاة (665) والنسائي (2/20) .
وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/230) .
(4) ضعيف رواه البيهقي (1/379) والحاكم (1/51) وتلخيص (8/201) -(1/1178)
ذكره ابن شاهين من حديث إبراهيم السكسكي عنه، وقال: هو حديث غريب صحيح، وعن سلمان: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: لا إذا كان الرجل بأرض فيء فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذّن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه " (1) ذكره عبد الرزاق ابن همام في كتاب الصلاة عن ابن التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه، وذكره في الشعب من حديث عبد الوهاب بن عطاء وثنا سليمان التيمي به وعن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: " ما من عبد أذّن في أرض في قفر فلا تبقى شجرة ولا مدرة ولا تراب ولا شيء إلا استخلا البكاء لقلة ذاكري الله في/ذلك المكان " (2) ذكره الإِمام أبو بشر إسماعيل بن عبد الله سموية الأصبهاني في فوائده، وعن ابن عمر قال عليه السلام: " تفتح أبواب السماء الخمس للأذان وقراءة القرآن الحديث ذكره في " الأوسط " (3) وقال أبو بردة عن عبد العزيز بن رفيع الأحفص ثني سليمان نرد به عمر بن عون، وعن أنس: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " إذا أذّن في قرية أمّنّها الله تعالى من عذابه ذلك اليوم (4) أنبأ به المسند المعمر تقى الدين محمد بن عبد الحميد قراءه عليه وأنا ًلا أسمع أنبأ إسماعيل بن عبد الله بن أبي الغراء أنبأ فاطمة بنت سعد الخير أنبأ فاطمة الجوزدانية أنبأ ابن زيد أنبأ أبو
__________
والمنثور (3/34) والكنز (1899، 25902) والخفاء (1/461) والمجمع (1/327) وعزاه
إلى الطبراني في" الكبير" البزار، ورجاله موثقون لكنه معلول.
(1) رواه الطبراني (6/305) والترغيب (1/183، 266) والكنز (20931) وتلخيص (1/194) . (2) الموضح (1/121) والكنز (20929) والحلية (3/133) .
(3) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/329) وعزاه إلى الطبراني في " الأًوسط "، وفيه طلحة بن زيد، ونسب إلى الوضع.
(4) ضعيف. أورده الهيثمي في بمجمع الزوائد، (1/328) وعزاه إلى الطبراني في (الثلاثة،، وفيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار، ضعفه ابن معين.(1/1179)
القاسم ثنا صالح بن سعد أبو شعيب الزاهد ثنا بكر بن محمد القرشي ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذن عن صفوان بن سليم عنه، قال في الأوسط: لم يروه عن صفوان إلا عبد الرحمن بن سعد. تفرد به بكر، ورواه معن من حديث ثابت عنه بلفظ: " يد الله فوق رأس المؤذن، وأنه ليغفر له مد صوته أين بلغ " (1) وقال: لم يروه عن ثابت إّلا عمر بن حفص، وعن أبي هريرة: أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " إذا نودي للصلاة
أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا
ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه
يقول: أذكركه الماء لم يكن يذكر حتى يضلّ الرجّل لا يدر كم صلى لما
خرجاه في الصحيح (2) ولفظ أبي القاسم في الأوسط:" إذا تغوّلت لكم
الغول فنادوا بالأذان فأنه الشيطان" (3) الحديث، وقال لم يروه عن سهيل إلا
عدي بن الفضل. تفرد به أبو عامر العقدي، وعن جابر قال: سمعت النبي-
النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- يقول:" إنَّ الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء، قال سليمان: قلت عن الروحاء " فقالوا: هي
من المدينة ستة وثلاثون ميلَا. رواه مسلم (4) ، وعن زيد بن خالد: قال رسول
__________
(1) موضوع. أورده ابن القيسراني في " الموضوعات "،: (خ/1046،295) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (11/4/58،2/87،151) ومسلم في (الصلاة، ح/
19، 20) والنسائي (3/31) وأحمد (2/460) وشرح السنة (2/273) والموطأ (69) والمشكاة
(655) وحبيب (1/51) والبداية (1/63) .
(3) ضعيف جذا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد، (10/134) من حديث سعد، وعزاه إلى " البزار "
ورجاله ثقات إلا أن الحسن البصري لم يسمع من سعد، ورواه أحمد (3/382) والميزان (6404) وعبد
الرزاق (9352) وفي الميزان ترجمة: عمرو بن عبيد بن باب، ان بو عثمان البصري المعتزلي القدري مع زُهده
وتألهه، تال ابن معين: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أيوب ويونس: يكذب،
وقال حميد: كان يكذب على الحسن، وقال ابن حبان: كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما
أحدث، واعتزل مجلس الحسن هو وجماعة معه فسموا المعتزلة، تال: وكان يشتم الصحابة، ويكذب في
الحديث وهما لا تعمدا، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف.
(4) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/15) .(1/1180)
الله- صلى الله عليه وآله وسلم -: " لا تسبوا الديك فأنه يدعو إلى الصلاة " (1) وفي رواية:" يؤذن بالصلاة " رواه أبو داود (2) بسند صحيح عن قتيبة عن الدراوردي عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن عتبة عنه، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: " ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا يقام فيهم الصلاة ألا استحوذ عليهم الشيطان " رواه النسائي (3) بسند صحيح عن سويد عن ابن المبارك عن زائدة عن السائب بن حبيش، وهو ممن وثقة العجلي وغيره عن معدان بن أبي طلحة، وعن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: " يغفر للمؤذن مذ صوته، ويشهد له كل رطب ويابس يسمع صوته " رواه أحمد (4) في مسنده، ورواه السراج بسند صحيح عن محمد بن عقيل ثني حفص بن عبد الله نا ابن طهمان عن الأعمش عن مجاهد موقوفا، وبهذا الإِسناد مرفوعا: " الإِمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين " (5) وفي شحب البيهقي من حديث سفيان عن أبي اليقطان عن زاذان عنه مرفوعا:
__________
(1) صحيح رواه أحمد (15/93) والحميدي (814) والكنز (35287) وابن حبان (1990) وابن عدي في (الكامل، (4/1646) .
(2) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/5101) والترغيب (3/474) والمشكاة (4136) والكنز (35271) وأذكار (324) وشرح السنة (430) وأسرار (430) وفيه يوقظ مكان " يؤذن ".
(3) إسناده صحيح رواه النسائي (06/12) وأبو داود (547) وشرح السنة (3/347) والمنثور (6/186) والترغيب (1/272) والمشكاة (1067) وتمام لفظه: " ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تُقام فيهم الصلاة ألا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية "
(4) صحيح. رواه أحمد (2/136، 461) والبيهقي في الشعب (1864) والكنز (1864) وأصفهان (2/301) وابن عدي في " الكامل " (2/791) .
(5) صحيح. رواه أبو داود (ح/517) والترمذي (ح/207) وصححه، وابن ماجة (ح/981) وب-. (2/232، 284، 382، 419، 424، 461، 472) وشهاب (234) وعبد الرزاق (1838) وابن خزيمة (1528) والطرافة (8/343) وشرح السنة (2/279) والمشكاة (663) والخطيب (3/242، 4/من 6/67،9/33،111،64/301) وابن حبان (363،362) ومشكل (56،53،3/52) =(1/1181)
" ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة: إمام قوم يبتغى به رحمة الله تعالى،
وهم به راضون، ورجل أذن خمس ساعات يبتغى به رحمة الله تعالى 000" (1) الحديث مرسل صفوان بن سليم أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " خطمة من الأنصار بابن خطمة، اجعلوا مؤذنكم/أفضل في أنفسكم " (2) رواه البيهقي في الكبير من حديث فخر بن نصر عن ابن وهب أنبأ حيوة عن بكر بن عمرو عنه، وعن معقل بن يسار أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " إنَّ الله تعالى لا يأذن لشيء إذنه للأذان، والصوت الحسن بالقرآن " (3) ذكره الخطيب في تاريخه، وردَه بسلام الطويل وزيد العمى، وفي البيهقي من حديث أبي عبيد: ثني هشيم ثنا ابن شبرمة قال: " تشاح النّاس في الأذان بالقادسية، فاختصموا إلى سعد، فأقرع بينهما وفي كتاب الطبراني " لما رجعوا من فتح القادسية، وقد جاءت الظهر وأجيب المؤذن فتشاح النّاس في الأذان، حتى كادوا يتجلدون بالسيوف " وعن عائشة في قوله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (4) قالت: هم المؤذنون. ذكره الكجي في سننه من حديث النعمان بن عبد السلام: أثنا عبيد الله بن الوضاح عن عبيد الله بن عبيد بن عمير عنها، وعن جرير بن عبد الله، عن النبي- صلى الله عليه وآله
__________
= والحلية (8/118) والترغيب (1/176) .
وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/231) .
(1) رواه الطبراني في " الصغير "، (4/122) والترغيب (0/69581،777،376،3/26،1)
والكنز (43310) والحلية (9/320) وأصفهان (2/335) . وقد رووا منه طرفا قوله:" ثلاثة
لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة ".
(2) لم نقف عليه.
(3) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " وعزاه إلى الطبراني في
" الكبيرة 0 "، وفيه سلام الطويل، وهو متروك.
(4) سورة فصلت آية: 33.(1/1182)
وسلم- سمع رجلا يقول: الله أكبر فقال: " علي الفطرة " فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: " خرجت من النار " وكان يغير عند صلاة الفجر فيستمع، فإن سمع أذانًا وإّلا أغار " (1) ، رواه أيضا من حديث الحجاج عن رجل عن زاذان عنه، ومن هذا الباب الدعاء بين الأذان والإِقامة، روى أنس بن مالك أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:" الدعاء لا يرد بين الأذان والإِقامة " (2) رواه أبو عيسى، وحسنه، وفي كتاب ابن زنجويه: " إذا أذّن الأذان فتحت أبواب السماء، واستجيب الدعاء " (3) وفي حديث الرقاشي عنه مرفوعاً: " إذا نادى المنادى فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة، واستجيب الدعاء " (4) ولما ذكر ابن/عدي هذه الرواية منعها زيد، وذكره أيضًا في ترجمة سلام أبي المنذر، وهو ضعيف، عن ثابت عن "، وأورده في ترجمة الفضل بن مختار عن حميد عنه، وقال: لم يتابع عليه، وأورده في ترجمة أسيد الجمال عن ابن المبارك عن سليمان التيمي عن قتادة عنه، وقال: لم يروه عن ابن المبارك غير أسيد، وروى سهل بن سعد أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وكلّ عما يرد على داع: دعوته عند حضور النداء، والصف في سبيل الله تعالى "، (5) رواه
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/9) والترمذي (ح/1618) وأحمد (3،1/132/407، 229، 253،241، 270، 5/248) والطبراني (11/150) وابن خزيمة (399، 400) وعبد
الرزاق (1866) والمنثور (1/35) والكنز (23285، 23296) ومعاني (1/146) والخطيب (8/
220) والمجمع (36،363،1/334)
(2) حسن. رواه الترمذي (ح/3594، 3595) وأحمد (13/19) والترغيب (4/272) والمغني عن حمل الأسفار (1/306) وابن عدي في " الكامل "، (9/1152) والإرواء (1/262) .
(3) الحلية: (6/308) 0 إسناده ضعيف، وهو صحيح.
(4) ضعيف. رواه الحاكم (1/547) وشرح السنة (2/291) والحلية (1/2130) وابن السني (خ/96) والكنز (0،20923342) .- (5) صحيح. رواه مالك في (النداء، ح/7) . قال ابن عبد البر: هذا الحديث موقوف عند جماعة من رواه الموطأ، ومثله لا يقال بالرأي. وروى من طرق متعددة، عن أبي حازم-(1/1183)
أبو داود من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن رزق- أو رزي- بن
سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم عنه، قال البيهقي: رفعه الزمعي، ووقفه مالك بن أنس الإِمام، وفي حديث ليث عن ابن سابط، قال: " تفتح أبواب السماء لخمس: لقراءة القرآن، ونزول الغيث، والسعي للزحف، وعند الدعاء والأذان " (1) وفي حديث طلحة عن عطاء قال: " كان أبو هريرة يقول: إنّ أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة المكتوبة فاغتنموا الدعاء ". وأما قوله- عليه الصلاة والسلام-: " المؤذنون أطول الناس أعناقا " (2) . فذكر ابن أبي داود إيّاه قال: ليس أنّ أعناقهم تطول وذلك أنّ الناس يعطشون يوم القيامة، وإذا عطش الإِنسان انطوت عنقه، والمؤذنون لا يعطشون فأعناقهم قائمة، وفي محكم ابن سيدة قال ثعلب: هو من قولهم: له عنق في الخير أي: سابقة، وقيل: يغفر له مد صوته وقيل: يزادون على الناس، وفي كتاب الهروي قال ابن الأعرابي: معناه أكثر النّاس أعمالا، وقال غيره هو من طول الأعناق لأن/النُّاس في الكرب يومئذ وهم في أروح مربيون لأن يؤذّن لهم في دخول الجنة وقيل: أنهم يكونون رؤوسا حومئذ والعرب تصف السادة بطول الأعناق، قال الشاعر:
يشبهون ملوكا في تحليهم ... وطول الضبة الأعناق واللسم
قال: ورواه بعضهم أعناقا أي: إسراعَا إلى الجنة، وكذا ذكره أيضا الخطابي، وقال القاضي أبو الفضل أبي حصبي: هو على وجهه، وإنَّ الناس في
__________
- عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكره. وتلخيص (4/94) وإتحاف (5/33) وابن حبان (298) والترغيب (2/295) والتجريد (138) .
(1) الكنز (3333) والطبراني في لا الصغير، (11/69) والمجمع (1/328) وعزاه أبيه، وفيه حفص بن سليمان الأسدي ضعفه البخاري ومسلم وابن معين والنسائي وابن المديني، ووثقه أحمد وابن حبان وَلا أنه قال: الأزدي وكان الأسدي.
(2) تقدم في أكثر من موضع في هذا الباب ص 1177.(1/1184)
عرق العرق وهم ناجون منه انتهى، ويؤيّد هذا ما أسلفناه في الحديث "
ذلك سيماهم، وقول ابن الزبير: هم أطول الناس أعناقا في الجنة، ولعلّ هذا هو الأرجح لكونه هو الظاهر مع معاضدة الحديث، وقال المازري: يقال هو إشارة إلى قرب المنزلة من كرامة الله تعالى، وفي المشكل معناه: أنّ الناس يرثون ثواب أعمالهم فتتطاول إلى ذلك أعناقهم ويتفاضلون في ذلك فيكون المؤذنون أطولهم أعناقا لكثرة ما يرجونه من الثواب، وزعم ابن رشد: أنّ الأحسن في تأويل ذلك على المجاز. بمعنى أنهم مشهورون بذلك يوم القيامة عند الناس لشهرة عملهم في الدنيا كما يقول في وقت يستريب النّاس فيه بالخوف على أنفسهم بمطالبة طالب لهم ليس يأمن على أنفسهم منهم، فلأن يمشى بين النّاس طويل العنق، ويندرج في هذا ما ينبغي أن يكون المؤذّن عليه، ففي حديث الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " لا يؤذن إلا متوضئ " (1) . وعنه قال: قال أبو هريرة: " لا ينادى بالصلاة إّلا متوضئ " (2) . رواهما الترمذي وقال: هذا أصح من الأوّل، وحديث أبي هريرة لم يرفعه ابن وهب والزهري لم يسمع من أبي هريرة، وعن عبد الجبار بن وائل عن أبيه/قال: حقّ وسنّة إلا يؤذِّن إلا وهو قائم، ولا يؤذن إلا وهو طاهر، ذكره البيهقي وردّه بالانقطاع فيما بين عبد الجبار وأبيه، وعن ابن عباس قال: كان لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- مؤذن يطرب فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سمحاَ سهلاً الا فلا تؤذن ". رواه الدارقطني (3) من حديث إسحاق بن
__________
(1، 2) رواهما الترمذي: (ح/200، 201) .
قال الترمذي: " وهذا أصح من الحديث الأوَل ". ورواه البيهقي (1/397) من طريق هشام بن عمَار عن الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ثم قال البيهقي: " هكذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف، والصحيح رواية يونس بن يزيد الأيلي، وغيره عن الزهري قال: قال أبو هريرة: لا ينادى بالصلاة ألا متوضئ ". وهو حديث ضعيف على كل حال، للانقطاع بين الزهري وأبي هريرة، ورواية معاوية بن يحي التي هنا ضعيفة بذلك ويضعف راويها، ورواية البيهقي صحيفة بمعاوية هذا أيضا.
(3) موضوع. رواه الدارقطني (1/239) والموضوعات (2/87) والفوائد (16) وتنزيه=(1/1185)
أبي يحيى الكعبي عن ابن جريح عن عطاء عنه، وإسحاق هذا قائل فيه ابن حبان: لا يحلّ الاحتجاج به، هو الذي روى عن ابن جريج يذكر هذا الحديث، وفي حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء " (1) قال الدارقطني: هذا حديث منكر، وإّنما مر الأعمش برجل يؤذن ويدغم الهاء فقال: وعلي بن جميل يعني الذي رفعه ضعيف، وروى مجاشع عن هارون بن محمد عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يؤذن لكم إلا صالح " (2) ذكره أبو أحمد بن عدي، وقال هارون لا يعرف، وفي حديث جابر قال: " نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يكون الإِمام مؤذنًا " (3) ذكره ابن عدى من حديث إسماعيل بن عمرو البجلي وردّ به، وقال: لم يتابع إسماعيل عليه، ورواه أبو الشيخ بسند آخر ترجمة ذكر خبر روي في أن يكون المؤذِّن إمامًا إن صحّ ذلك. ثنا ابن الطهراني ثنا أبو أنس كثير بن محمد التميمي ثنا إسحاق بن إبراهيم الجعفي الصيفي ثنا معلى عن محمد بن سوقة عن ابن المنكدر عن جابر به، وذكر أبو أحمد أيضا من حديث زيد العمّى عن قتادة عن أنس يرفعه: " يكره للمؤذن أن يكون إماما " (4) ويعارضه حديث عبد الله.
__________
= (2/98) واللآليء المصنوعة (2/7) وابن القيسراني (300) .
قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: ليس لهذا الحديث أصل عن رسول صلي الله عليه وسلم وإسحاق لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. (1) موضوع. رواه ابن القيسراني (1006) والموضوعات (2/87) . قال ابن الجوزي: قال أبو بكر بن أبي داود: هذا حديث منكر، وإنما مر الأعمش برجل يؤذن ويدغم الهاء. قال ابن الجوزي: والمتهم بهذا الحديث علي بن جميل. قال ابن عدي: حدث بالبواطيل عن ثقات الناس. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، لا تحل الرواية عنه بحال.
(2) موضوع: (2/7) .
(3) ضعيف جذا. رواه البيهقي (1/433) والمتناهية (1/400) وابن عدي في " الكامل " (1/317) .
(4) العلل المتناهية (1/400) وابن عدي في " الكامل " (3/1056) .(1/1186)
/حدثنا (1) عبد الله بن الجراح أنبأ المعتمرين سليمان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال: " التمسوا شيئًا يؤذِّنون به علمًا للصلاة فأمر بلال أن يشفع ويوتر الإقامة ". حدثنا نصر بن علي ثنا عمر بن علي عن خالد به هذا حديث خرجاه في صحيحهما زاد البخاري قال إسماعيل فذكرت لأيوب فقال إلا الإِقامة، وعاب الإسماعيلي ذلك أذكر هذه اللفظة من قول أيوب، وقال: وترك حديث سماك بن عطية وهو متصل بقوله ويوتر الإِقامة إّلا الإِقامة وهو ما صححه عن حماد عن سماك عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس، وفي صحيح ابن مندة هذه اللفظة من قول أيوب هكذا رواه ابن المديني عن ابن عليّة فأدرجها سليمان عن حمّاد ورواه غير واحد عن حماد وليذكروا هذه اللفظة، وفي مسند السراج عن محمد بن رافع وإسحاق بن إبراهيم والحسن بن أبي الربيع عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: " كان بلال يشفع الأذان ويوتر الإِقامة " (3) إلا قوله قد قامت الصلاة زاد ابن خزيمة: " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة "، وفي سنن البيهقي (4) من حديث هارون بن سليمان الأصبهاني عن ابن مهدى عن أبان بن يزيد عن قتادة عن أنس: " أن بلالا كان أذانه مثنى مثنى وإقامته مرة مرة " ورواه المالك (5) الحدي عن شعبة عن قتادة عن أنس عن بلال وهو خطأ، إنما هو شعبة عن خالد عن أبي قلابة قاله بن أبو حاتم الرازي فيما حكاه عنه أنه في العلل، وأمّا اعتراض بعض العلماء بأنّ هذا الحديث غير مرفوع قال: ويحتمل أن يكون الأمر غير النبي-
__________
(1) سقط في " الأصل ".
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/607،606) ومسلم في (الصلاة، باب (2،، ح/378) وأبو داود (ح/509) والترمذي (ح/193) والدرامي (ح/1194) وأحمد (3/189،103) .
قوله:} " يشفع " أي يأتي بكلماته مثنى مثني.
(3) الكنز: (23286،23235) .
(4) رواه البيهقي: (1/411) .
(5) كذا ورد هذا السياق " بالأصل".(1/1187)
صلى الله عليه وآله وسلم- فمردود من وجوه: الأول: أكثر أهل العلم/من المحدثين والأصوليين من أن قول الصحابي أمرنا بكذا أو نُهينا عن كذا سند مرفوع لا الظاهر ينصرف إلى من له الأمر والنهى وهو النبي صلي الله عليه وسلم سواء أضافه إلى زمنه عليه السلام أو لم يضفه، لاسيما وقد قال في نفس الحديث عند البيهقي ذكروا الصلاة عند النبي عليه السلام فقالوا يزيد أم رأى من يرانا قوسا فأمر بلال " فهذا نص على من في الباب بأنّ الأمر لكن لا غيره والله تعالى أعلم، وفي لفظ آخر أتاه ابن زيد الرؤيا: " أمر بلال أن يؤذن مثنى مثنى ويقيم فرادى "، رواه من حديث العباس بن الوليد عن محمد بن شعيب بن شابور ثنا حميد بن عبيد بن هلال عن أنس الثاني: لو رجّح قول من خالف ما أسلفناه بقوله قد رأينا جماعة من الصحابة قالوا ذلك، وفتشنا عنه فوجدنا الأمر غير النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أجيب بأنه لو سلمنا لكم ما قلتم، فإن هذا لا يتأتى في هذا مطلقا، لأن بلال- رضى الله تعالى عنه- لم يؤذن لأحد بعد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- إلا مرّة واحدة لعمر وهذا هو المشهور فصحّ أنّ الأمر له هو النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-، الثالث: ولئن سلمنا أنّ الأمر هنا يحتمل أن يكون غير النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يجاب بأنا وجدناه صحيحا مسندا يبيّن فيه من الأمر إثباته الإمام المسند المعمر يحمل عبد الله بن شبل أنبأ الإِمام المسند أبو محمد شاكرَ الله أنبأ الإِمام عبد العزيز به أنبأ أبو زرعة أنبأ أبو محمد بن أحمد أنبأ القاضي أحمد بن حسين أنبأ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق أنبأ أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب أنبأ قتيبة بن سعيد ثني عبد الوهاب عن أيوب/عن أبي قلابة عن أنس: " أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة "وخرجه ابن حبان في صحيحه (1) عن محمد بن عبد الله بن الجنَيد لنا قتيبة حنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي قلابة فذكره، وخرجه أبو قرّة موسى بن طارق السكسكي في سننه، ذكره سفيان عن خالد الحذَّاء وخرجه أبو عبد الله في مستدركه عن أبي العباس ثنا العباس بن محمد ثنا يحيى بن معين ثني عبد الوهاب الثقفي فذكره ثم قال:
__________
(1) رواه ابن حبان: (3/92) .(1/1188)
هذا حديث أسنده إمام أهل الحديث مزكى الرواة بلا مدافعة، وقد تابعه عليه الثقة المأمون قتيبة بن سعيد وهو صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة، ورواه البيهقي في الخلافيات عن علي بن نهر عن الحسن عن رشيق عن أحمد بن داود الحراني عن العباس بن الوليد المرسى عن وهيب بن خالد عن أيوب وفي آخره وزاد أيوب يفرد الإِقامة، ورواه أبو الشيخ عن أبي يعلى ثنا سفيان بن وكيع ثنا عبد الوهاب به، وأنبأ أبو يعلى ثنا مخلد بن محمد ثنا كثير بن سفيان عن أنس أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمر بلال به، قال: ورواه سلمة عن عبد الرزاق عن معمر، ورواه عثمان بن صالح المصري عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن أنس به، وزعم أبو زرعة حين سؤاله عن هذا السند: هذا حديث منكر ذكره ابن أبي حاتم عنه، وذكره أيضا من حديث محمد بن منصور الجواز عن عبد الملك الجدّى عن سعيد عن قتادة عن أنس، وذكر عن أبيه أنه خطأ إنّما هو سعيد عن خالد عن أبي قلابة، ورواه البيهقي في السن الكبير من حديث/يعلي بن عبيد عن محمد بن إسحاق عن أيوب، ورواه الدارقطني عن عمر بن محمد المروزي حدثنا محمد بن الليث العزال ثنا عبدان ثنا خارجة عن أيوب به، ومن حديث الحسن بن حماد بن كسيب ثنا ابن علية عن خالد به، ولما رواه أبو عمر في الأوسط مطولَا ثم قال: يروه بهذا التمام عن خالد الحذاء إلا رواح بن عطاء بن أبي ميمونة تفرد به محمد بن يحيى القطعي، ووجدنا أيضَا غير شاهد يؤكّد صحته، فمن ذلك حديث ابن عمر قال: " كان الأذان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم مرتين والإِقامة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا بذلك توضأنا ثم خرجنا " (1) خرجه ابن خزيمة في صحيحه عن بندار. حدّثنا ابن جعفر ثنا شعبة قال سمعت أبا جعفر يحدّث عن مسلم بن المثنى عنه، قال شعبه لم أسمع من أبي جعفر عند هذا
الحديث، وقال الحاكم: صحيح الإِسناد، وخرجه ابن حبان في صحيحه،
وسكت عنه عبد الحق مصححا له، ولفظ أبي عوانة في صحيحه " كان
__________
(1) صحيح الإسناد. المشكاة (643) وشرح السنة (2/255) .(1/1189)
الأذان على عهد النبي صلي الله عليه وسلم مرتين ومرتين والإِقامة مرة " (1) وقال الحافظ الجوزقاني هذا حديث صحيح، وأبو جعفر محمد بن مهران المؤذن: كوفي ثقة، وأبو المثنى: ثقة، وخرجه أبو عوانة أيضا من حديث عيسى بن يونس عن عبد الله عن نافع عنه ولفظه:" الأذان مثنى مثنى والإِقامة مرّة " (2) ، وحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه رواه البيهقي في الكبير من حديث ابن المبارك عن يونس ابنا الزهري أخبرني سعيد عنه بلفظ: " حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر " (3) وفي لفظ: " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة "./وحديث أبي محذورة مثله ذكره أيضا، وحديث سلمة بن الأكوع قال " كان الأذان على عهد رسول الله- صلي الله عليه وسلم - مثنى، والإقامة مفردة " (4) ذكره ابن أبي حاتم في علله، وحديث أبي جحيفة:" كان الأذان على عهد النبي صلي الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة مرة واحدة " رواه البيهقي من حديث أبي إسحاق به عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، وحديث أبي هريرة قال ابن أبو محذورة:" أن يشفّع الأذان ويوتر الإِقامة " (6) ، ورواه الدارقطني من حديث عبد الصمد بن الفضل ثني خالد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا كامل بن العلاء عن أبي صالح عنه، وسيأتي عن ابن ماجة حديثان شاهدان له أيضا والله تعالى أعلم، وفي البيهقي بسند صحيح أنَّ مكحول، والزهري إنما قالا مضت السنة أن الأذان مثنى، والإقامة واحدة إلا قول: قد قامت الصلاة فأنها مرتين، قال وروى نحوه عن الحسَن حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن عمار بن سعد مؤذِّن رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثني أبيه عن جدّه: " أن أذان بلال كان مثنى مثنى وإقامة مفردة " (7) هذا حديث
__________
(1) المصدر السابق.
(2) صحيح. رواه النسائي (2/3، 21) والمجمع (1/331) وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" إسناده حسن. (3) رواه مسلم) ص 287) والكنز (23054) . (4) انظر: الحاشية رقم " 2 " السابقة.
(5) الحاشية السابقة.
(6) صحيح. الكنز: (23286،23235) . له شاهدان عند ابن ماجه.
(7) انظر: الحاشية رقم "1، 2 " السابقة.(1/1190)
سبق الكلام على صحة إسناده في باب السنة في الأذان، وزاد أبو أحمد: " وقد قامت الصلاة مرّة واحدة "، حديث أبو زيد عباد بن الوليد حدثني معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع مولى النبي صلي الله عليه وسلم قال: حدثني أبو محمد بن عبد الله عن أبيه عبيد الله عن أبي رافع قال: " رأيت بلالا يؤذن بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم مثنى مثنى ويقيم واحدة " (1) هذا حديث سبق التنبيه على ضعفه/في كتاب الطهارة، وقد وردت أحاديث تعارض ما أسلفناه، من ذلك حديث أبي محذورة من عند أبي خزيمة وعلّه يعني النبي صلي الله عليه وسلم الإقامة مثنى مثنى: " الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إلَه إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " (2) رواه عن يعقوب الدورقي حدثنا روح ثنا ابن صريح أنبأ عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة عنه وثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق أنبأ ابن جريج حدثني عثمان عن أبيه السائب وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة إنَّما سمعا ذلك من أبي محذورة وثنا يزيد بن سنان ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج حدثني عثمان بن السائب أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة، وهذا حديث الدورقي، وقال في آخره قال يزيد بن سنان: الإِقامة كذكر الدورقي سواء، قال ابن رافع: إذا أقمت نقلها مرتين، وقد تقدّم عند ابن ماجة عنه صحيحا أيضًا، والإِقامة سبع عشرة كلمة، وخرجه ابن الجارود ثنا نحوه، وفي كتاب الترمذي وقال فيه حسن صحيح، الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة، وكذا هو في صحيح السن، وقد تقدّم طرف منه منفصلًا قيَل:- والله تعالى أعلم- وحديث عبد الله بن زياد الأنصاري قال: " لما رأى الأذان أتى النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره فقال: " علّمه بلال " فقام بلال فأذًن مثني مثنى وقعد قعدة. قاله ابن خزيمة (3) في/صحيحه، وأما ما روى
__________
(1) ضعيف، وتقدم في كناب الطهارة.
(2) انظر: مقدمة الأذان.
(3) رواه ابن خزيمة (379) والمعاني (11/32، 134) .(1/1191)
العراقيون عن ابن زيد في تنبيه الإقامة فغير ثابت من جهة النقل، وقد خلطوا في أسانيدهم التي رووها فرواه الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم أن عبد الله ابن زيد ثناه سلم بن جنادة ثنا وكيع عنه، ورواه ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرّة عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد، ورواه المسعودي عن عمرو عن ابن أبي ليلى عن معاذ، وكذا رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عمرو، ورواه حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا لم يقل عن ابن زيد، ولا عن معاذ، ولا ذكر أحدا من الصحابة، وكذا رواه شعبة عن عمرو عن ابن أبي ليلى، وسمعت محمد بن يحيى يقول: ابن أبي ليلى لم يدرك عبد الله بن زيد، قال أبو بكر: فهذا خبر العراقيين الذي احتجوا به عن أبي زيد في تثنية الأذان والإِقامة، وفي أسانيدهم من التخليط ما يثبت، وأنّ ابن ألي ليلى لم يسمع من معاذ ولا من ابن زيد فغير جائز أن يحتج غير ثابت على أخبار ثابتة انتهى كلامه، وفيه نظر من وجوه الأول: حديث ابن أبي ليلى الذي سقته أنت بلفظ: حدثنا أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم متصل صحيح، إذ من المعلوم في الاصطلاح الحديثى أن جهالة اسم الضحاك الذي شهد له التابعي المشهور بما لا نص إجماعا، ولهذا قال ابن حزم وهذا إسناد في غاية الصحة، الثاني: ما ذكره من التخليط غير ضارٍ، إذ الاختلاف الضار لابد أن يكون عن ضعف متن، كذلك فغلط الغالط، ورواية الضعيف لا تكون سببا لضعف رواية الحافظ/ولا تناقض بين قوله لنا أصحاب محمدا وأصحابنا، وكذلك لا يعارضه أن يرسله مرّة أو يذكره عن معاذ مرّة، لاسيما وذلك لم يتأت هذا إلا بين الأخذ عنه لا منه، الثالث: مجيئه صحيحا من غير رواية ابن أبي ليلى وهو ما ذكره البيهقي في الخلافيات من حديث أبي العميس قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد يحدّث عن أبيه عن جدّه أنه رأى الأذان مثنى مثنى، والإِقامة مثنى مثنى وأتيت النبي فأخبرته فقال: " علمهن بلال " (1) . عبد الله بن محمد، وثَّقه البستي. ومحمد أبوه: صحح حديثه ابن خزيمة. وكذا إسماعه
__________
(1) الحاشية السابقة.(1/1192)
من أبيه فيما أسلفناه، وفي صحيح أبي عوانة الاستقراء من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث ثني شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن عبد الله بن زيد قال سمعت أذان رسول الله صلي الله عليه وسلم فكان أذانه وإقامته مثنى مثنى، وأمّا ما ذكره البيهقي من أنَّ عبد الله بن زيد استشهد يوم أحد فالروايات كلّها عنه واهية فغير صواب لأمرين، الأول: يناقضه هو في هذا بقوله ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان أصح من هذا، يعني خبر محمد بن عبد الله بن زيد، قال: لأنّ محمدا سمع من أبيه، ومحمد لم يذكره في الصحابة أحد فيما علمت، الثَّاني: قوله: أنه استشهد بأحد، واستدلَّ على ذلك برواية إبراهيم بن حمرّة ثنا عبد العزيز عن عبيد الله بن عمر قال دخلت ابنة عبد الله بن زيد بن عبد ربه على عمر بن عبد العزيز فقالت: أنا ابنة عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان وشهد بدرا وقتل يوم أحد، فقال عمر تلك المكارم لا يعبان من لين/شيئا بماء فعاد أبعد إلَّا قال الحاكم: فهذه الرواية الصحيحة تصرّح بأنّ أحدَا من هؤلاء لم يكن عبد الله بن زيد انتهى كلام الحاكم.، وفيه نظر من وجوه: الأول: قوله هذه الرواية الصحيحة، وليست كذلك لانقطاع ما بين عبيد الله بن عمرو عمر بن عبد العزيز لكونه ليس في طبقة من يشابه عمر بالرواية، ولا رأيت من نص عليه. الثَّاني: فردّ له هو عن هذه الحكاية الصحيحة على زعمه: فلم يذكر عبد الله بن زيد في المستشهدين، بأحد في سائر الروايات التي ساقها في كتاب الإِكليل، والمستدرك الثالث: إجماع الرواة على أنه كان في الفتح معه راية بنى الحارث حتى قال ابن سعد وابن عقبة: والأقوى أبو معشر وغيرهم، وشهد أحدَا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسم-، ذكر ابن سعد عن أبيه محمد ابن عبد الله: أنه توفي سنة اثنتين وثلاثين بالمدينة وهو ابن أربع وستين سنة وصلى عليه عثمان بن عفان. الرابع: المحفوظ، والذي عليه المؤرخون أنّ عمر بن عبد العزيز قال: هذا ما ردّ عليه عاصم بن قتادة الفقيه فسأله عمر عن نسبه فقال: أنا ابن الذي سألت على الخد عنه فردت بكفِّ المصطفي، وقد جاء ذلك أيضا من طرق عن بلال أنه أذَّن كذلك من ذلك رواية البكائي عن إدريس الأودي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه، ورواها الدارقطني بسند(1/1193)
صحيح عن محمد بن مخلد ثنا إبراهيم بن محمد من أصل العقيق ثنا إبراهيم بن دينار قال: وثنا ابن مخلد ثنا ابن عون محمد بن عمرو بن عون ومحمد بن عيسى الواسطيان قالا:/ثنا زكريا بن يحيى قالوا: ثنا زياد بن إبراهيم بن محمد وثقة الحاكم في تاريخه، وابن دينار وثقة أبو زرعة وغيره، وقال في الأوسط: لم يروه عن إدريس إّلا زياد، وروى عمر عن حماد عن إبراهيم عن الأسود مثل ذلك، وكذلك رواه النخعي قال البيهقي: هما منقطعان وروى سويد بن غفلة:" أن بلالا كان يثنى الأذان والإقامة " (1) ، قال الحاكم سويد بن غفلة لم يدرك بلالا وإقامة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم أبي بكر فإرسال الخبر بذلك ظاهر انتهى كلامه، وفيه نظرة من حيث أن الطحاوي لما ذكره في شرحه مصرّح بقول سويد سمعت بلالا يؤذن مثنى ويقيم مثنى، وفي الأسرار لأبي زيد الدنوس رآه يؤذِّن ببطحاء مكة فعلى هذا يكون متصلا به دخل المدينة كثيرا مسلما يوم دفن النبي صلي الله عليه وسلم، فبالضرورة سمع أذان بلال لأن المشهور أنّ بلالا رحل إلى الشام في خلافة أبي بكر قدمناه، وقيل في أيام عمر وأيامًا كان فقد سمع بلالا يؤذِّن بذلك يوم الرضا، وقبل الاجتماع على أبي بكر حتى لا يقول قائل لعل أبا بكر أو غيره أمر بذلك، وفي الخلافيات من حديث الحجاج بن أرطأة عن حماد بن إبراهيم عن ثوبان قال: كان يؤذن يعني بلالا مثنى مثنى ويقيم قال، وهذا لا يثبت من أوجه أحدها: أنّ إبراهيم لم يلق ثوبان، الثاني: حماد بن أبي سليمان غيره فاحتج به، الثالث: الحجاج. ضعيف وروى أبو جحيفة ما يعضده قال أذّن بلال النبي صلي الله عليه وسلم مثني مثنى وأقام مثل ذلك ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء، ويرده بزياد البكائي فقط، وزياد:/لا يصلح أن يكون علة لحديث لاسيما وله فيه غير متابع. وموقوف عليه بن أبي طالب أنه قال: " الأذان مثنى مثني وأنه سمع مؤذنه يقيم مرّة فقال: اجعلها مثنى " (2) ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في (مجمع الزوائًد، (1/331) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات.
(2) بنحوه. مسند ابن حبيب: (ا/37) " المجروحين" 1/263) وابن القيسراني (365) =(1/1194)
هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن الهجنع بن قيس عنه، وعن أبي هريرة قال:" كان بلال إذا أراد أن يقيم قال: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته الصلاة " روى في الأوسط (1) من حديث كامل أبي العلاء عن أبي صالح عنه، وقال لم يروه عن كامل إلا عبد الله محمد بن المغيرة، وعن وكيع عن إسماعيل بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة عن الأكوع أن سلمة كان يثنى الإِقامة، وثنا عفان ثني عبيد الواحد بن زياد ثنا حجاج ابن أرطأة ثنا ابن إسحاق كان أصحاب علي، وأصحاب عبد الله يثنين الأذان والإِقامة، وفي كتاب الطحاوي ثنا من حديث مطر بن خليفة عن مجاهد: في الإِقامة مرّة مرّة إنما هو شيء استخفه الأمراء. وفي لفظ: قلت لمجاهد: الأمراء يقيمون مرة مرة، قال: إنّما ذلك شيء استخفه الأمراء للإِقامة مرتان، وفي الأسرار لأبي زيد: أوّل من أفرد الإقامة معاوية، وعن عون ابن أبي جحيفة
__________
والميزان (2338) ولسان (2/1946) .
(1) موضوع. رواه الطبراني في " الأوسط " (1/1/27- مجمع " البحرين": حدثنا مقدام بن داود: ثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة: ثنا كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة به. وقال: لم يروه عن كامل ألا عبد الله،. وهذا الحديث موضوع، آفته ابن المغيرة، فقد ساق الذهبي له أحاديث وقال: " هذه موضوعات. وفي مجمع الزوائد} (2/75) : (رواه الطبراني في (الأوسط} ، وفيه عبد الله بن محمد بن المغيرة، وهو ضعيف} .
تنبيه: إنّ العلماء هذا أنكروا مثل هذه البدعة، فلا يتبادرن إلى ذهن أحد أنهم ينكرون أصل مشروعية الصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم بل إنما ينكرون وضعهما في مكان لم يضعها رسول الله صلي الله عليه وسلم فيه، أو أن تقترن بصفات وهيئات لم يشرعها الله على لسان نبئه، كما صحّ عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا عطس فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم وكذا علّمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم قل: الحمد لله رب العالمين أو قال: على كل حال. فانظر كيف أنكر ابن عمر رضى الله عنه وضع الصلاة بجانب الحمد بحجة أله صلى الله عليه وسلم لم يصنع في ذلك، مع تصريحه بأنه يصلى على النبي صلي الله عليه وسلم دفعا لما عسى أن يرد على خاطر أحد أنه أنكر الصلاة عليه جملة كما يتوهم ذلك بعض الجهلة حينما يرون أنصار السنة ينكرون هذه البدعة وأمثالها، فيرمونهم بأنهم ينكرون الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم، هداهم الله تعالى إلى اتباع السنة.(1/1195)
نحوه، وفي الخلافيات من جهة حمَّاد عن إبراهيم أول من نقص التكبير في الصلاة، وخطب قبل الصلاة في العيدين، وجلس على المنبر، ونقص الإِقامة معاوية ابن أبي سفيان، قال الحاكم: هذا دليل على إفراد الإِقامة فأنه قال: نقض بالضاد المعجمة، ونقض الإِقامة تثنيتها لا إفرادها انتهى كلامه، وفيه نظر لما رواه يحيى بن أبي طالب فتبين أن النقض هناك بالضاد المهملة الذي هو ضد الزيادة، فقال:/ثنا عبد الوهاب عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم: "كان أذان بلال وإقامته مثنى مثنى حتى كان هؤلاء الملوك فجعلوها واحدة " (1) وأما قوله عن معاوية: أنه أول من قدَّم الخطبة على الصلاة فمردودة بما في الصحيح على ان معاوية أمر مروان بفعل ذلك أن يبعد في العادة استقلال مروان بذلك من غير مواجهة أمامه، وحديث ابن عباس قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "من أفرد الإِقامة فليس منِّى " (2)
ذكره الجوزقاني في كتابه وقال: هذا حديث باطل، وفي إسناده من المجهولين غير واحد، اختلف الناس في إفراد الإِقامة وتثنيتها، وحكى البيهقي عن الشافعي أنه قال سمعت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يقيم فيقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، قال الشافعي: وحسبني سمعته يحكى الإقامة خبراً كما يحكى الأذان، قال البيهقي: وروينا عن عبد الله بن الزبير الحميدي عن إبراهيم بن عبد العزيز قال: أدركت جدي وأبي وأهلي يقيمون فيقولون: فذكر هذه الإِقامة، ثناه أبو سعيد الاسفراينى ثنا أبو بحر البر هادى ثنا بشر بن موسى هنا الحميدي فذكره، أما أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ثنا أبو زرعة أن محمد بن المسيب بن إسحاق أخبرهم ثني محمد بن
__________
(1) ضعيف جدا. رواه أبو عوانة: (1/31) .
(2) موضوع. اللآليء المصنوعة (2/8) وتذكرة الموضوعات (35 والفوائد (18) وتنزيه الشريعة (2/79) والخفاء (2/318) وأسرار (329، 330) والموضوعات لابن الجوزي (2/92) قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: هذا حديث باطل. وزياد فاحش الخطأ، لا يجوز الاحتجاج بما ينفرد به.(1/1196)
إسماعيل البخاري بخسر وجود ثنا عبد الله بن عبد الوهاب أخبرني إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وأولاده على إفراد الإِقامة دلالة ظاهرة/على وهم وقع فيما روى في حديث أبي محذورة من تثنية الإِقامة، وأن الحديث في كلمة التكبير، وكلمة الإِقامة فقط فحملها بعض الرواة على جميع كلماتها، وفي رواية حجاج بن محمد، وعبد الرزاق عن ابن جريج، يعني ما أسلفناه من حديثه عن عثمان بن السائب، أخبرني أبي وأم عبد الملك عن أبي محذورة قال: "وعلمني الإِقامة مرتين الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة"، أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله " (1) على ذلك، وإن كانت محفوظة في جميع كلماته ففيما ذكرنا دلالة على أنّ الأمر صار بعد ذلك إلى إفراد الإقامة، ولولا ذلك لم يقروا عليه في حرم الله عز وجل، ثم (2) أن أولا وسعد القمرط في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك " قال الشافعي: فإن جاز أن يكون ذلك غلطًا من جماعتهم، والناس يحضرهم، ويأتينا من طرف الأرض من يعلمنا جاز له أن يسألنا عن عرفة وعن مثنى ثم يخالفنا ولو خالفنا في المواقيت كان أجوز له في خلافه من هذا الأمر الظاهر المعمول به، وفي السنن الكبير عن ابن خزيمة الترجيح في الأذان مع تثنية الإقامة من جنس الاختلاف المباح إذ قد صح كلام الأمرين، فأما تثنية الأذان واَلإقامة فَلِمَ ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم الأمر بما قال البيهقي، وفي صحة التثنية في كلَمات الإقامة سوى التكبير، وكلمتي الإقامة نظر، وفي اختلاف الروايات ما يوهم. أنَ يكون الأمر/بالتثنية عائد إلَى كلمتي الإِقامة، وفي دوام أبي محذورة وأولاده وسعد وأولاده ما يوجب ضعف رواية من روى تثنيتها أو يقتضى أنّ الأمر صار إلى ما بقى عليه سواء أولاده في الحرمين إلى أن وقع البعير في أيام المصريين، وزعم الحازمي أنهم قالوا حديث خالد الحذاء ظاهر في النسخ لأن بلالا أمر بالإفراد أوّل ما شرع الأذان، وأما حديث أبي محذورة: فكان عام حنين وبين الوقعتين مرة مرّة، وخالفهم في ذلك أكثر أهل
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/502) . وتقدم.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل،.(1/1197)
العلم فرأوا الإِقامة فرادى، والى هذا المذهب: ذهب ابن المسيب وعروة والزهري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه، وإليه: ذهب عمر بن عبد العزيز، ومكحول والأوزاعي، وأهل الشام والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأحمد بن حنبل، ومن تبعهم من العراقيين ويحيى بن يحيى وابن راهوية، ومن تبعهم من الخراسانيين، وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس، وقالوا: أما حديث أبي محذورة فالجواب عنه من وجوه منها: أنّ من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قررناه في مقدمة الكتاب، وغير مخفي على أن الحديث من صناعة، أنّ حديث أبي محذورة لا يوازى حديث أنس في جهة واحدة في الترجيح، فضلا عن الجهات كلها، ومنها أنّ جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أنّ هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، وأنّ الحديث ثابت وكانت منسوخة بدليل ما ذكره الأَثرم قيل لأبي عبد الله أليس حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي صلي الله عليه وسلم/إلى المدينة وأقر بلالا على أذان بن زيد؟! وفي لفظ: ولكن أذان بلال هو آخر الأذانين انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث أنه قال: من شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوم إلى آخره، لاعينه ليس من شرط الناسخ ما ذكر بل يكفي أن يكون صحيحًا متأخرَا معارضًا غير ممكن الجمع بينه وبن معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة ووجد ما ذكرناه من الشروط ثبت النسخ، وأما أن يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نسلم، نعم لو كان دونه في الصحة لكان فيه نظر، وهذا الذي ذكرته هو الذي مثنى عليه في كتابه من ذلك ما ذكره منسوخًا من عند البخاري: أكان النبي صلي الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم بحديث حسنه هو إلى غير ذلك من الأحاديث، وكذا فعله ابن شاهين، وقبله الأثرم، وتبعهم على ذلك الغرفي والله تعالى أعلم، وأمّا قوله فحملها بعض الرواة على جميع كلماتها فهو ظنّ، والظن لا يغنى من الحق شيء، وأّمما يقوى احتماله إذا نظر
إلى لفظ عام أو مطلق في ألفاظ الإِقامة لفظة لفظة لتبعه هذا الظن، قال أبو عمرو: كقول أبي حنيفة بقول الثوري والحسن بن حيي وعبيد الله بن الحسن، وجماعة من التابعين والفقهاء بالعراق متوارث عندهم بالعمل قرنان بعد قرن،(1/1198)
وقال الأثرم عن أحمد: من أدم مثنى مثنى لم أعتقه وليس به بأس، وكذلك قاله إسحاق الحنظلي وداود ومحمد بن حزم قالوا: لأنه قد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه - رضى الله تعالى عنهم-، ومن هذا الباب إذا كان مسار أهل له الاقتصار على الإِقامة/أم لا فروى عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان لا يؤذن في شيء من الصلوات في السفر، ولا يقيم إلا الصبح فأنه كان يؤذن ويقيم " (1) خرجه أبو عبد الله من حديث نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن عمر عن نافع عنه، وقال: صحيح الإِسناد، فقد احتج مسلم بن عبد العزيز ومحمد بنعيم وهو المشهور عن ابن عمرو، وفي سنن البيهقي الكبير (2) : عن أبي الزبير قال: سألت ابن عمر أؤذن في السفر؟ قال: من تؤذن للنساء. قال الشيخ: هذا الذي ذهب إليه ابن عمر محتمل لولا حديث أبي سعيد في الأذان بالبادية (3) انتهى، وكذا حديث مالك بن الحويرث مثله، وأمّا الأذان والإقامة للمرأة، فروى الحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن ليَث عن عطاء عن عائشة: "أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء" (4) من حديث عبد الله بن داود الحرثي ثني الوليد بن جميع عن ليلى بنت مالك وعبد الرحمن بن خالد الأنصاري عن أم ورقة الأنصارية أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا منا إلى الشهيدة فيزورها وأمر أن يؤذن لها ويقام ويؤم أهل دارها في الفرائض " (5) قال أبو عبيد الله: قد احتج مسلم بالوليد بن جميع،
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/334) من حديث جبير بن مطعم، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير، وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف.
(2) رواه البيهقي: (1/411) .
(3) صحيح. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/335) وعزاه إلى البزار، ورجاله ثقات.
(4) رواه البيهقي: (3/131) .
(5) حسن. رواه أبو داود صح/592) .(1/1199)
وهذه سنة غريبة لا أعرف في الباب حديثًا مسندًا غير هذا، أو رواه ابن الجارود في منتقاه، ولما ذكره الحافظ ضياء الدين رجّح صحته، وقال أبو موسى في كتاب الصحابة: رواه الحديث عن عبد العزيز عن الوليد عن عبد الرحمن عن أبيه عن أم ورقة أنها استأذنت، ورواه وكيع عن الوليد عن جدّته وعبد الرحمن عن أم ورقة، ورواه جماعة/عن الوليد عن جدّته لم يذكروا عبد الرحمن، قال البيهقي: وفي حديث ابن ثوبان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " كنا نصلى بغير إقامة" قال أبو بكر: وهذا إن صح مع حديث ليث، فلا يتنافيان لجواز فعلها هذا مرة وذاك أخرى، ويذكر عن جابر أنه قيل له: أتقيم المرأة؟ قال: نعم، ومن حديث نافع عن ابن عمر: ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال جمعة، قال البيهقي: رواه الحكم بن عبد الله الأصيلي وهو ضعيف، وروينا في الأذان والإِقامة عن أنس بن مالك موقوفًا ومرفوعًا ورفعه ضعيف، وهو قول الحسن بن المسبب والنخعي وابن سيرين.
* * *(1/1200)
117- باب إذا أذّن وأنت في المسجد فلا تخرج
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن أبي
الشعثاء قال:"كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة فأذّن المؤذن فقام رجل
من المسجد. فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم- صلى الله عليه
وآله وسلم-"هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (1) من حديث ابن
مهاجر، وفيه كلام يقتضى أن يذكر له متابعًا، وهو رواية له أيضا عن ابن أبي
عمر حدثنا سفيان عن عمر بن سعيد عن أشعث عن أبيه بن وقال فيه أبو
عيسى حسن صحيح، ورواه أبو عبد الرحمن عن أحمد بن عثمان بن حكيم
عن جعفر بن عون عن أبي عيسى عن أبي صخرة جامع بن شدّاد عن أبي
الشعثاء، وزعم بعض العلماء انه موقوف وخالف ذلك ابن عبد البر فقال: هو
مسند عندهم لا يختلفون في هذا أو ذاك/. إنما مسندان مرفوعان يعني هذا.
وقول أبي هريرة: ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله انتهى كلامه.
وقد وقع لنا هذا الحديث مرفوعًا من غير ما طريق بسند جيد من ذلك ما رواه
أبو الشيخ- رحمه الله تعالى- عن نوح بن منصور ثنا عبد الله بن أيوب
الخزومي ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن أشعث بن سليم عن أبيه: أنه رأى
رجلا خارجًا من المسجد وقد نودي بالأذان فقال:"عصى هذا أبا القاسم
أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا نودي بالأذان أن لا نخرج
من المسجد" (2) . وثنا ابن أبي حاتم ثنا أحمد بن محمد الاطرابلسي ثنا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/259،258) وأبو داود في (الصلاة، باب
"42") والترمذي (ح/204) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (الأذان، باب
". 4") وابن ماجة (ح/733) والدارمي (ح/1205) وأحمد (2/
410، 416، 471، 506، 537) .
(2) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/5) من حديث أبي هريرة، وعزاه إلى
أحمد في "مسنده"، ورجاله رجال الصحيح.(1/1201)
موسى بن داود ثنا شريك عن أشعث عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال:"إذا
أقيمت الصلاة واحدكم في المسجد فلا يخرج حتى يصلى فإن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بذلك" (1) . وثنا يوسف بن محمد المؤذِّن ثنا محمد بن
الحارث المخزومي ثنا أبو مصعب ثنا عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي
وصفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج- إلّا لحاجة- ثم لا يرجع إِلا
منافق- وقال أبو القاسم في الأوسط (2) : لم يروه موصولًا عن أبي هريرة عن
صفوان وأبي حازم إلا أنّ أبا حازم تفرد به مصعب، قال أبو الشيخ: وثنا
عبد الله بن أحمد بن سعيد الجصّاص ثنا نهشل بن كثير النهشلي بصرى ثقة
ثنا ابن أبي فديك عن أبي حرملة عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا يخرج من المسجد بعد النداء إلّا منافق-/إلا أحد أخرجه حاجة- وهو
يريد الرجعة إلى الصلاة" (3) . وثنا الوليد بن أبان قرئ على يحيى بن عبدان
وأنا حاضر ثنا أحمد بن أبي يزيد القطان بالري ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن
لهيعة عن عبد الرحمن بن حرملة عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- مثله، حدثنا حرملة بن يحيى أنبأ ابن وهب أنبأ
عبد الجبار ابن عمر عن ابن أبي فروة عن محمد بن يوسف مولى عثمان بن
عفان عن عثمان قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من أدركه الأذان في المسجد ثم
خرج لم يخرج لحاجة- وهو لا يريد الرجعة فهو منافق" (4) هذا حديث
إسناده معلل بأمرين: الأول: ضعّف أبي سليمان إسحاق بنْ عبد الله بن أبي
__________
(1) السابق بنحوه.
(2) أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/5) وعزله إلى الطبراني في "الأوسط" ورجاله
رجال الصحيح.
(3) نصب الراية (2/55) والترغيب (1/190) وابن المبارك في"الزهد" (6) وعبد الرزاق
(1946) والكنز (21027) والخفاء (2/513) .
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/734) . في الزوائد: إسناده ضعيف. فيه ابن أبي فروة.
واسمه إسحاق بن عبد الله. ضعفوه. وكذلك عبد الجبار بن عمر.(1/1202)
فروة عبد الرحمن بن الأسود بن سوادة، ويقال: الأسود بن عمرو بن رياش
ويقال: كيسان القرشي الأموي المدني أخي إسماعيل وصالح وعبد الأعلى
وعبد الحكم وعمار ويونس، فإن أبا عيسى قال: تركه بعض أهل العلم، منهم
أحمد بن حنبل، وقال الجوزجاني: سمعت أحمد يقول: لا تحل الرواية عنه
فقلت يا أبا عبد الله لا تحل قال: عندي، وفي رواية: ما هو بأهل أن يحمل
عنه ولا يروى عنه، وقال أيضًا: لا أكتب حديث أربعة منهم: إسحاق، وفي
الإِرشاد للخليلي: وذكره وضعّفوه جدًا، وتكلّم فيه مالك والشّافعي وتركاه،
وقال الزهري له يومًا: يا إسحاق تجئ بأحاديث ليست لها لزمه ولا قيمة (1) ،
إذا حدّثت فأسند، وقال مسلم في الكنى: مدني ضعيف الحديث، وفي كتاب
الكنى لأبي بشر: ليس بذاك، وقال محمد بن عبد الله"بن عمار: ضعيف
ذاهب، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث، وقال أبو بكر بن خزيمة: لا/
أحتج بحديثه، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: هو كذاب، وذكره
أبو القاسم الباجي في الضعفاء، وقال ابن طاهر: ضعفه غير واحد، وقال أبو
الفرج بن الجوزي في كتاب التحقيق: هو هالك، وبالمرة قاله أبو بكر في
الخلافيات، وقال أبو حاتم والفلاس والنسائي وابن الجنيد والدارقطني: متروك،
وزاد النسائي: ولا يكتب حديثه، وذكره أيضًا في الطبقة العاشرة من أصحاب
نافع المتروك حديثهم، وقال البخاري: تركوه، وقال أبو زرعة: ذاهب الحديث
متروك الحديث، وقال يحيى: ليس بشي ولا يكتب حديثه، وفي رواية ليس
بشيء كذاب، وفي رواية: ليس بثقة، وسئل سعدونة عن حديث يعلى بن
ثابت عن الوادع بن نافع، فقال: لا يروى الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
مثل الوادع. وسئل عن حديث إسحاق بن أبي فروة؟ فقال: شراً ممّا قال في
الوادع، وقال ابن المديني: هو منكر الحديث، وقال ابن غسان: جاءني على
قليب عنى عن عبد السلام أحاديث ابن أبي فروة، فقلت: الشيء يصنع بها
قال: أعرفها لا لقلب، وفي رواية قال علي: لم يدخل ذلك في كتبه ابن أبي
__________
(1) قوله:"قيمة" وردت "بالأصل" "خطم"وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/1203)
فروة فيما ذكره ابن عساكر في تاريخه، وقال ابن سعد: كان ليّن الحديث
يروى أحاديث منكرة ولا يحتجون بحديثه وكان يرى رأي الخوارج، وقال
الساجي: ضعيف الحديث ليس بحجة، وذكر البرقي في كتاب الطبقات: بان
من ترك حديثه واتهم في رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وذكره أبو
العرب فقال: هو ممن ترك حديثه، قال أبو العرب: وعن محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم قال: سمعت محمد بن عاصم، وكان من أهل الصدق قال:
قدمت المدينة ومالك بن/أنس حي فلم أر أهل المدينة يشكون أن إسحاق بن
أبي فروة متهم على الدين. وفي تاريخ يعقوب بن سفيان النسوي: وآل أبي
فروة كل من حدّث عنه ثقة إلا إسحاق فلا يكتب حديثه، وقال الحافظ أبو
بكر البزار في سننه: كان ضعيفا، وقال في مسنده: متروك الحديث. الثّاني:
عبد الجبار بن عمر أبو عمر الأيلي الأموي القرشي؛ وإن وثّقه ابن سعد فقد
قال فيه أبو زرعة: واهي الحديث، وقال أبو حاتم: سألت أبي عنه فقال: منكر
الحديث ضعيف الكذب ليس محله الكذب، وسمعت أبا زرعة يقول: هو
ضعيف الحديث ليس بقوى، وقرأ علينا حديثه بشيء، ولا يكتب حديثه في
رواية ابن الجنيد، وفي كتاب عباس ليس حديثه بشيء، وقال مرة: ضعيف،
وكذلك قاله السعدي والساج في كتاب الضعفاء، وقال في كتاب الكنى:
ليس بثقة، وقال البخاري ليس بالقوي عندهم؛ عنده مناكير، وقال ابن عدى
علّة ما يرويه يخالف فيه، والضعف بين على رواياته، وقال الحربي في كتاب
العلل: عبد الجبار بن عمر رجل من أهل أيلة، سنّه قريب من سن يزيد بن أبي
سمية شيخه، وإّنما روى عنه لفضله، وعبد الجبار رجل يتفقه، وغيره أثبت منه،
وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ضعيف، وذكره يعقوب في باب: من
يرغب عن الرواية عنهم، وقال الساجي: هو ضعيف، وقال العقيلي: ليس
بالقوى عندهم عنده مناكير، وقال ابن سعيد بن يونس: منكر الحديث، وفي
كتاب الكنى لأبي أحمد الحاكم ليس بالقوي عندهم، وقد روينا في كتاب
الصلاة للفضل ما يسند هذا عن مسعد عن أبي عون عن شريح رجل من(1/1204)
عمران عن سعد بن أبيِ وقاص- رضي الله تعالى عنه- قال:"إذا كنت
في المسجد فنودي الأذان/فلا تخرج". قال وحدثني سفْيان عن ابن حرملة
عن سعيد بن المسيب قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من سمع المنادى فخرج فهو
منافق- إلا رجل خرج في حاجة- ثم رجع" (1) وثنا سفيان عن مغيرة عن
إبراهيم قال:"إذا سمعت الإِقامة فلا تخرج" (2) . وفي كتاب أبي علي
الطوسي عن إبراهيم: يخرج - ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة-، قال أبو علي:
وهذا عندنا لمن له عذر في الخروج منه، والذي عليه أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلّا من عذرٍ، ويكون على غير وضوء،
وقال ابن حزم: ومن كان في المسجد فاندفع المؤذِّن في الأذان لم يحل له
الخروج من المسجد إلا لضرورة والله تعالى أعلم.
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد " (2/5) من حديث أبي هريرة. وعزاه إلى
الطبراني في"الأوسط" ورجاله رجال الصحيح.
(2) بنحوه. رواه عبد الرزاق (3406) والكنز (2704) ولفظه:"إذا سمعت الإِقامة فامش".(1/1205)
118- أبواب المساجد والجماعات
ومن بني لله عز وجل مسجدًا
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يونس بن محمد، ثنا الليث بن سعد،،
وثنا أبو بكر، ثنا داود بن عبد الله الجعفري، ثنا عبد العزيز بن محمد جميعا،
عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن الوليد بن أني الوليد عن عثمان بن
عبد الله بن سراقة العدوي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"من بني لله مسجدا يذكر فيه اسم الله بني الله له بيتا في الجنة " (1) .
هذا حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان، ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، ورواه ابن لهيعة عن الوليد بن أبي الوليد فقال: عن
أيوب بن خالد عن عمر بن الخطاب، وقال- عليه السلام-:"من بني
مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعه بني الله الكريم/له في الجنة" (2) . ذكر ذلك
الحافظ أبو نعيم في كتاب المساجد، عن أبي بكر الأجري، ثنا جعفر الفريابي
ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة به، قال: ورواه يحيى بن بكير عن ابن لهيعة،
وقال: ويذكر اسم الله عليه، قال: ورواه يحيى بن أيوب عن الوليد عن
عثمان، وقال عبد الله بن صالح عن الليث:"يذكر اسم الله تعالى فيه" (3) .
حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الجعفي ثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه
عن محمود بن لبيد عن عثمان ابن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"من بني لله مسجدا بني الله له مثله في الجنة" (4) . هذا حديث خرجاه في
__________
(1) صحيح. رواه ابن حبان: (3/68) .
(2) ضعيف. الترغيب (1/195) ، وإتحاف (3/28) ، والمنثور (3/217) . في إسناده ابن لهيعة.
(3) مرسل. رواه ابن ماجة (ح/735) . في الزوائد: حديث عمر مرسل. فإنْ عثمان بن
عبد الله بن سراقة روى عن عمر بن الخطاب، وهو جده لأمه، ولم يسمع منه، قاله المزي:
في التهذيب. ورشاه ابن حبان في صحيحه بهذا الإسناد. ورواه أحمد (1/53) ، وابن أبي
شيبة (1/310) ، والفتح (1/545) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/122) ، والفتح (1/544) ، ومسلم في(1/1206)
صحيحيهما. حدثنا العباس بن غياث الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم عن ابن
لهيعة أنه قال حدثني أبو الأسود عن عروة عن علي بن أبي طالب قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا من بني مسجدا من ماله بني له بيتا في الجنة" (1) . هذا حديث
ضعيف معلل بأمرين الأول قال فيه القاسم في الأوسط: لا يروى عن علي إلا
بهذا الإِسناد تفرد به بن لهيعة ومع ذلك فهو ابن لهيعة، وقد سبق ذكره.
الثاني: انقطاع ما بين عروة وعلي وإن كان مولده سنة ثلاث وعشرين، وسنّه
يوم الحمل ثلاث عشرة سنة فردّ لاستصغارهم إيّاه، وقيل: كان مولده بست
سنين خلت من خلافة عثمان- رضي الله تعالى عنه- فقد نصّ أبو حاتم على
أنه لم يسمع من علي فيما حكاه عنه ابنه في كتاب المراسيل، ويزيد وضوحا
أنّ النسائي في مسند علي ادخل بينه وببن المقداد، ومحمد بن سنجر
وأحمد بن سنان القطان في مسندهما، ادخلا بينهما عبد الله بن جعفر،
ورواه صفوان/بن صالح عن الوليد بن مسلم بلفظ:"من بني لله مسجدا
بني الله له بيتا في الجنة" (2) ، رواه أبو نعيم في كتاب المساجد عن أبي
عمرو بن عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان عنه وكذا رواه عبد الله بن
يوسف، وابن المبارك، وابن وهب عن ابن لهيعة قال ولفظهم سواء نظر من
هذا أن زيادة "من ماله" تفرد بها عباس بن عثمان، وليس بقريب من
أولئك- والله تعالى أعلم-، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا عبد الله بن
وهب عن إبراهيم بن نشيط عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين
النوفلي عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(الزهد، ح/43، 44) ، والترغيب (1/193) ، وإتحاف (3/27) والمغني عن حمل الأسفار
(1/151) ، وابن عساكر فما"التاريخ" (1/215) ، وابن كثير (6/66) والقرطبي (2/84) (1) ضعيف. رواه القرطبي: (12/266) وابن ماجة (ح/737) ، في الزوائد: إسناد ضعيف
علي ضعيف. والوليد بن مسلم مدلس، وقد رواه بالعنعنة، وشيخه ابن لهيعة ضعيف،
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف عند ابن ماجة (ح/156) .
(2) ضعيف الإسناد. رواه أحمد (1/20) وابن خزيمة (1291) والطبراني (8/268) وابن
عسا كر فما"التاريخ" (7/273، 10/89) ومشكل (1/486) والمشكاة (697) والكنز
(20728،640،140) .(1/1207)
"من بني مسجدًا كمفحص قطاة أو أصغر بني الله له بيتا في الجنة" (1) .
هذا حديث خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن يونس وعيسى بن
إبراهيم الغافقي، ثنا ابن وهب بلفظ:"من حفر ماء لم يشرب منه كبد
حرى من جن ولا إنس ولا ظاهر إلا أجره الله يوم القيامة، ومن بني مسجدًا
كمفحص قطاة أو أصغر بني الله له مسجدا في الجنة" (2) قال يونس:"من
سبع ولا طاهر"، وقال:"كمفحص"قطاة، وقال الدارقطني في الإفراد: تفرد
ابن وهب بسنده، وفي الباب غير ما حديث؛ من ذلك حديث أبي ذر
الغفاري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من بني لله مسجدًا، ولو كمفحص قطاة
بني الله له بيتا في الجنة" (3) . رواه أبو نعيم الحافظ عن محمد بن حميد، ثنا
محمد بن جرير، ثنا الحسن بن خلف، ثنا إسحاق الأزرق عن الثوري عن
الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عنه، وثنا أبو بكر الطلحي، ثنا أبو حصين
القاضي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش، ورواه
يحيى بن آدم عن قطبة/بن عبد العزيز عن الأعمش مثله، وثنا محمد بن
محمد بن أحمد المقبري، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا سلم بن جنادة،
ثنا وكيع في الدار عن سفيان عن الأعمش، وهذا سند لعمر ظاهره الصحة
لولا ما ذكره أبو نعيم من قوله: أنبأ أبو بكر بن مالك، ثنا جعفر الفريابي، ثنا
علي بن المديني قال: قال لي يحيى بن سعيد: قال لي سفيان- أو شعبة-: لم
يسمع الأعمش هذا الحديث من إبراهيم التيمي يعني حديث:"من بني لله
مسجدًا ... "، وزعم الكرابيسي في كتاب المدلسين: أنه كان يعني الأعمش
يدّلس على إبراهيم كثيرا، وذكر البيهقي في السن الكبير علّة أخرى؛ وهي
أن الدوري حكى عن أحمد بن يونس انه قال: قيل لابن عباس: أنُّ الناس
يخالفونك في هذا الحديث لا يرفعونه، فقال أبو بكر: سمعنا هذا من
__________
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة (ح/1292) ، والكنز (43189) والبخاري في"الكبير" (1/
332)
(3) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/7) ، وعزاه إلى "البزار" والطبراني في
"الصغير"ورجاله ثقات.
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/8) . وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"،(1/1208)
الأعمش وهو شاب، قال البيهقي: وكذلك روى عن شريك وجرير بن عبد
الحميد عن الأعمش مرفوعا، وروى عن الحكم عن يزيد بن شريك عن أبي
ذرّ مرفوعاً، ورواه أبو نعيم مرفوعًا، ورواه أبو نعيم أيضاً من حديث عيسى بن
يونس، عن الأعمش مرفوعًا، ومن حديث محمد بن عبيد عن أخيه يعلى عنه
كذلك، وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: رواه عدّة من أصحاب شريك فلم
يرفعوه، والصحيح عن أبي ذر من حديث موقوف، قال أبو حاتم: ورواه أبو
بكر بن عياش عن الأعمش ورفعه، ونفس الحديث موقوف وهو أصح، وقال
ابن مهدي: هذا الحديث ليس من صحيح حديث الأعمش، وحديث أبي بكر
الصديق- رضي لله تعالى عنه- قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني مسجدا لله
ولو مثل مفحص قطاة بني الله له بيتًا في الجنة" (1) ./رواه أبو نعيم عن
الآجري، والحسن بن علي الوراق، حدثنا جعفر الفريابي ثنا سليمان بن
عبد الله الدمشقي، ثنا الحكم بن يعلى بن عطاء السخاوي، ثنا محمد بن
طلحة الإِمامي عن أبي معمر عنه، وثنا أبو بكر الطلحي، ثنا أحمد بن
حماد بن سفيان، ثنا إسحاق بن محلول، حدثني مخبر بن عبد الرحمن
القرشي عن محمد بن طلحة بن مصرف عن أبيه مثله، وثنا سليمان بن
أحمد ثنا محمد بن نوح العسكري، ثنا وهب بن حفص الحراني، ثنا حبيب بن
فروخ، ثنا ابن طلحة بن مصرف عن أبيه عن مرة الطيب عن أبي بكر به، ثم
قال: كذا قال حبيب عن مرّة الطيب، وقال أبو حاتم الرازي في علله: هذا
حديث منكر، وحديث عبد الله بن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني مسجلًا بني الله له بيتا في الجنة" (2) . رواه أبو
الحسن الدارقطني في كتاب الغرائب والإفراد من حديث عمران بن عبيد الله
البصري عن الحكم بن إبان عن عكرمة عنه، وزعم أن عمران تفرد به. انتهى
__________
وفيه وهيب بن حفص وهو ضعيف.
غريبه: قوله:"مفحص القطاة"موضعها الذي تجثم فيه وتبيض. والقطاة: طائر مشهور.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/7) ، وعزاه إلى أحمد في"مسنده"،
و"البزار"وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف.(1/1209)
كلامه، وهو محتمل الأمرين الأول: أن يريد التفرد بهذا السند، الثاني: تفرده
بالحديث حمله، وأيّاما كان فهو مردود؛ بما ذكره الحافظ أبو نعيم من حديث
يحيى بن عبد الحميد، ثنا شريك عن عمار الدعني عن سعيد بن جبير عنه،
وعن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا ضرار بن صرد، ثنا علي بن هاشم
عن حماد بن زريق عن الدهني مثله، وعن أبي مسلم، ثنا عمرو بن مرزوق،
ثنا شعبة قال: لقن جابر عن عمار الدهني بلفظ:"من بني مسجدًا ولو
كمفحص قطاة ... " (1) الحديث، وحديث عمرو بن شعيب/عن أبيه عن جده
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني لله مسجدا ولو كمفحص قطاة ... " (2)
الحديث، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من بني لله مسجدا يذكر الله فيه بني الله له بيتا في الجنة" (3) . رواه أيضاً
من حديث حجاج بن أرطأة عنه، وحديث ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من بني مسجدًا بني الله له بيتا في الجنة" (4) . رواه البزار عن إسحاق بن
شاهين، ثنا الحكم بن ظهير، ثنا ابن أبي ليلى عن نافع عنه، وقال: هذا
الحديث لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه- بهذا الإسناد،
والحكم لين الحديث، وقد روى عنه جماعة كثيرة، واحتملوا حديثه، وقال أبو
نعيم الحافظ: رواه عن إسحاق أحمد بن كعب الواسطي، وزاد فيه:"ولو
كمفحص قطاة". وحديث أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من بني لله
مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بني الله له بيتا في الجنة" (5) . رواه أبو عيسى من
حديث نوح بن قيس عن عبد الرحمن مولى قيس عن زياد النميري عنه،
__________
(1) الحاشية قبل السابقة.
(2) المصدر السابق.
(3) صحيح. رواة ابن حبان (1654) . وللترغيب (1/194) . وموضح (1/180) .
(4) ضعيف جدا. أورده للهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/7) ، وعزاه إلى"البزار". والطبراني في
"الأوسط"- إلا انه قال فيه:"ولو كمفحص قطاة"-، وفيه الحكم بن ظهير وهو متروك.
(5) إسناده ضعيف. رواة الترمذي (ح/319) . ونوح بن قيس ثقة، وعبد الرحمن مولى قيس
مجهول، كما في التقريب والخلاصة، لم يرو عنه غير نوح، وزياد بن عبد الله النميري
البصري صدوق، ضعفه بعضهم، وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال:"منكر الحديث،
يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديث الثقات، تركه ابن معين". وذكره أيضا في الثقات(1/1210)
وخرجه أبو نعيم من حديث أحمد بن علي الخزاعي، ثنا قرّة بن حبيب، ثنا
عبد الحكم عنه بلفظ:"من بني لله مسجدا في الدنيا يريد به وجه الله.
ومن حديث إبراهيم بن مهدى المصيصي، ثنا عمرو بن ردع عن ثابت عنه،
وفي لفظ قالوا:"إذا يكثر برسول الله قال الله أكبر". ورواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، ثنا شريك عن الأعمش عنه
بلفظ:"كمفحص قطاة"، وقال: لم يروه عن الأعمش إلا شريك. تفرد به
إسحاق، ومن حديث حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة/عن أبان عنه،
ومن حديث يحيى بن أبان عن الثوري عن ابن عمارة عنه بلفظ:"كل بناء
وبال على صاحبه يوم القيامة إلا مسجدا فإن له به قصرًا في الجنة من لؤلؤة.
وحديث أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني بيتا يعبد الله فيه حلالًا
بني الله له بيتا في الجنة من الدر والياقوت". رواه البيهقي (1) في شعب الإِيمان
تأليفه من حديث بشر بن الوليد، وسعيد بن سليمان عن سليمان بن داود، ثنا
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه، رواه أبو القاسم في الأوسط (2) ، من
حديث محمد بن سليمان بن عبد الله الكوفي، ثنا أبي عن المثنى بن الصباح
عن عطاء بن أبي رباح عن المحرز عن أبيه، وقال: لم يروه عن المحرز إّلا
عطاء ورواه أيضا من حديث سليمان بن داود اليماني، ثنا ابن أبي كثير عن
أبي سلمة عنه قال عليه السلام:"من بني لله بيتا يعبد الله فيه من مال
حلال بني الله له بيتا في الجنة من در وياقوت" (3) . قال: لم يروه عن يحيى
إلا سليمان. تفرد به سعيد بن سليمان، ولا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا
__________
وقال."يخطئ، وكان من العباد". وقال ابن عدى:"عندي إذا روى عنه ثقة فلا
بحديثه". وذكر له أحاديث، وفال:"البلاء فيها من الرواة عنه، لا منه". وليس له ولا
لعبد الرحمن مولى قيس في الكتب الستة غير هذا الحديث.
(1، 2) ضعيف، رواه البيهقي في الكبرى: (6/167) . وأورده الهيثمي في"مجمع الزوائد"
(2/8) ، وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"، والبزار خلا قوله"من در وياقوت"، وفيه
سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف.
(3) ضعيف. رواه ابن عدي في"الكامل" (3/1125) ، وابن القيسراني في"الموضوعات"
(767) ، والموضح (1/119) .(1/1211)
الإِسناد، وقال أبو زرعة: هذا الحديث من حديث أبي هريرة: وهم، قال ابن
محمد: قلت: ولم يشبع الجواب يبنى علة الحديث (1) ، والذي عندي أن
الصحيح على ما رواه أبان العطار عن يحيى عن محمد بن عمرو عن أسماء
بنت يزيد بن السكن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن يحيى عن محمود بن عمرو عن
أبي هريرة موقوفا، وسمعت أبي يقول: هو محمد بن عمرو بن يزيد بن
السكن- والله تعالى أعلم-. ولما ذكر أبو القاسم حديث أسماء بنت يزيد
مرفوعا قال: لم يروه عن كثير إلا أبان. تفرد به موسى بن إسماعيل، ولا
يروى عن أسماء إلّا بهذا الإسناد تفرد به المثنى عن عطاء/. انتهى كلامه، وفيه
نظر لما أسلفناه من عنده، قيل: وحديث معاذ بن جبل قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من بني لله مسجدا بني الله له بيتا في الجنة" (2) . رواه أبو نعيم من حديث
عمر بن صبيح، ثنا عاصم بن سليمان عن بريد عن مكحول عن الوليد بن
العباس عنه، وذكره ابن الجوزي في العلل بزيادة:"ومن علّق فيه قنديلا
صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفي ذلك القنديل، ومن بسط فيه حصيرا
صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينقطع ذلك الحصير، ومن أخرج منه مداد
كان له كفلان من الأجر". ثم ردّه بعاصم، وحديث أبي سعيد الخدري قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني لله مس جدا بني الله له بيتا في الجنة" (3) . رواه
الطبراني في الكبير، من حديث سهل بن تمام بن بريع ثنا عبد الحكم التيمي
عن أبي المتوكل عنه، وحديث واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"من بني لله مسجدا يصلى فيه بني الله له بيتا في الجنة أفضل
منه" (4) . رواه أيضا من حديث هشام بن عمار، ثنا الحسن بن يحيى عن
بشر بن حبان عنه، وحديث عمرو بن عنبسة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من
__________
(1) كذا ورد هذا السياق"بالأصل".
(2) ضعيف. رواه أحمد (1/20) ، وابن خزيمة (1291) ، وإتحاف (3/31) ، والطبراني (8/
268) ، وابن عساكر في"التاريخ" (8/273) ، ومشكل (1/486) ، والمشكاة (697) ، والكنز
(20728،640،140) .
(3) رواه الطبراني: (8/268) .
(4) رواه ابن عساكر في"التاريخ": (10/88، 89) .(1/1212)
بني لله مسجدا دخل الجنة" (1) . أنبأ به المسند أبو بكر الحميدي أنبأ أبو
الطاهر بن عبد القوي عن فاطمة أنبأ ابن زيدة أنبأ أبو القاسم، ثنا محمد بن
النصر الأزدي، ثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني، ثنا بقية عن يحيى
عن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عنه، ورواه النسائي عن
عمرو بن عثمان عن بقية، فوقع لنا موافقة غالبة ولله الحمد. ولفظ ابن أبيِ
حاتم الرازي في كتاب ثواب الأعمال:"من بني مسجدًا لله ذكر الله فيه
بني له بيت/في الجنة" (2) . وحديث أبي إمامة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"لا يبنى
أحدا مسجدا لله إلا بني الله له بيتا في الجنة أوسع منه" (3) . رواه أبو نعيم من
حديث صدقة بن خالد عن عثمان بن أبي العائلة عن علي بن يزيد عنه،
وحديث عائشة أنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني لله مسجدا بني
الله له بيتا في الجنة قلت: يا رسول الله وهذه المساجد التي في طريق مكة،
قال: وتلك" (4) . رواه مسندًا بن مسرهة في مسنده عن أبي داود عن كثير بن
عبد الرحمن الطحان عن عطاء عنهما، وفي لفظ الطبراني من حديث
المثنى بن الصباح عن عطاء:"من بني مسجدا لا يريد به رياء ولا
سمعة" (5) . وفي لفظ من حديث كثير بن عبد الله المؤذن عن عطاء:"ولو
قدر مفحص قطاة "، وقال: لم يروه عن المثنى إلا محمد بن عيسى بن سميع
تفرد به هشام بن عمار، ولم يروه عن عطاء عنها إلا كثير بن عبد الرحمن
الكوفي، والمثنى بن الصباح، وحديث أبي فرحانة، سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:"ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها؛ فمن بني لله مسجدًا بني الله له
__________
(1) السابق بنحوه.
(2) رواه ابن حبان (300) ، والموضح (1/180) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/8) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"،
وفيه علي بن يزيد وهو ضعيف.
(4) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/8) ، وعزاه إلى"البزار"والطبراني في
" الأوسط"باختصار، وفيه كثير بن عبد الرحمن ضعفه العقيلي وذكره ابن حبان في الثقات.
(5) ضعيف. المصدر السابق، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"، وفيه المثنى بن الصباح
ضعفه يحيى القطان وجماعة، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى.(1/1213)
بيتًا في الجنة"، فقال رجل: يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في
الطريق"، قال: نعم، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين" (1) ، وفي لفظ:
"ولو مفحص قطاة". رواه أبو القاسم من حديث زياد بن يسار عن عزة بنت
عياض عن جدها أبي قرصافة، وحديث عمر بن مالك الأنصاري: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني مس جدا بني الله تعالى له بيتا في الجنة" (2) . وذكره أبو
موسى في كتاب الصحابة من حديث نصر عن علي بن زيد عن زرارة بن
أوفى عنه، ثم قال: رواه/سفيان عن علي بن عمرو بن مالك، وقال حماد
عن مالك القشيري، وقال قتادة: عن زرارة بن مالك، وهذا غير الأول،
وحديث نبيط عن شريك قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- يقول:"من بني لله مسجدا بني الله له بيتا في الجنة" (3) . رواه في
الأوسط من حديث إسحاق بن إبراهيم عن أبيه عن نبيط، وقال: لا يروى
عن نبيط إلا بهذا الإسناد، تفرد به ولده عنه، وحديث قرّة بن خالد عن
الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس يرفعه:"يذهب الأرضون كلّها يوم القيامة
إلا المساجد فإنها تنضم بعضها إلى بعض". قال أبو القاسم (4) : لم يروه عن
قرة إلا أصرم بن حوشب، وحديث أم حبيبة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"من
بني لله بيتا بني الله له بيتا في الجنًة" (5) . رواه أيضا من حديث شهر بن
حوشب، وسليمان بن قيس عن عنبسة بن أبي سفيان، ومن حديث شعيب بن
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني (3/4) ، واللآلىء (4/240) ، والخفاء (1/24) ، والمنثور (3/217) ،
وللكنز (20766) ، وابن عساكر في"التاريخ" (1/421) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 9 ح/53) ، وانظر الضعيفة: (ح/1675) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/24) ، وأحمد (1/61، 70) ، والبيهقي (2/
437، 6/167، 9/172) ، والتاريخ الكبير (5/330) ، وجرجان (131) .
(3) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/8) . وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"،
و"الصغير"، وشيخ الطبراني: أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط كذبه صاحب الميزان.
(4) موضوع. تذكرة (37) وتنزيه (2/79) ، والكنز (20745) ، والفوائد (23) ، واللآلىء (2/
10) ، والمجمع (2/6) ، وعزاه إلى الطبراني في"الأوسط"، وأًصرم بن حوشب كذاب.
أنظر: (الضعيفة: ح/765) .
(5) ضعيف الإسناد. رواه أبو عوانة (1/391) ، والفتح (1/545) . في إسناده شهر بن حوشب.(1/1214)
سنان، ثنا أبو طلال عن أنس عنهما، ذكره أبو القاسم بن مطير في معجمه
الكبير، وحديث أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من بني لله
مسجدا بني الله له بيتا في الجنة أوسع منه" (1) . رواه أيضا من حديث أبان بن
يزيد عن يحيى بن أبي كثير النجار وهو منقطع، ورواه أبو نعيم الحافظ
فوصله من حديث موسى بن إسماعيل ثنا أبان عن يحيى عن محمود بن
عمرو عنهما. غريبه: قال ابن سيده: المسجِد والمسجد الموضع الذي يسجد
فيه، وقد كان حكمه إلا يحيى على مفعل؛ لأن حق اسم المكان والمصدر من
فعل يفعل أنّ يجئ على مفعل؛ لعلّه اسما في المخصص، ولكنه أخذ الحروف
التي شذّت فجار على يفعل قال/سيبويه: وأما المسجد فإنهم جعلوه أسماء
للبيت، ولم يأت على فعل يفعل كما قالوا في المزق: أنه اسم للجلود يعني أنه
ليس على الفعل لقيل مدق؛ لأنه إله واللات تجيء على مفعل لمخرز ومكنس
ومكسح، وفي الصحاح: المسجد واحد المساجد، قال الفراء: كلما كان على
فعل يفعل مثل دخل يدخل؛ فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا، ولا يقع
فيه الفرق مثل دخل مدخلا، وهذا مدخله إلّا أحرفا من الأسماء لزموها وكسر
العين من ذلك المسجد والمطلع، وذكر حروفا ثم قال: فجعلوا الكسر علامة
للاسم، وربما فتح بعض العرب في الاسم، وسمعنا المسجِد والمسجد والمطلع
والمطلِع، قال: والفتح في كله جائز وإن لم تسمعه، وما كان من باب فعل
يفعل مثل جلس يجلس فالموضع بالكسر والمصدر بالفتح للفرق بينهما، لقول
نزل منزلا بفتح الزاي تريد نزولا، وهذا منزله فنكس؛ لأنك تعني الدار، وفي
الجامع للفراء: المسجد- بفتح الجيم- هو موضع السجود، المسجد-
بكسرها- هو البيت الذي يصلي فيه، وحق الاسم والمصدر أن يكونا في
مكان على يفعل مضموم العين وعلى يفعل بفتحها، وإنما قالوا: مسجد
__________
(1) صحيح. الترغيب (1/195) ، والبيهقي (2/437، 6/167) ، والمنثور (3/218217) ، والمطالب
(353) ، والعقيلي (2/126) ، والمجمع (2/7، 8) ، وعزاه إلي أحمد والطبراني في "الكبير" و" الأوسط"
واللفظ له. وقال:"فإنْ الله يبنى له بيتا أوسع منه في الجنة". ورجاله موثقون.
قلت: للحديث شواهد ومتابعات صحيحة.(1/1215)
بالكسر ليفرقوا بين موضع السجود وبين ثبوت الصلاة، ومن العرب من يفتح
فيقول: مسجد في كلى الوجهين ويلتزم القياس وفي جمهرة بن دريد
والمساجد إلا رات (1) ، وقد فسر قوله تعالى: {وأن المساجد لله} وقال
الزجّاج: كل موضع يتعبّد فيه فهو مسجد، والقطاة: قال سيده: وهو طائر
معروف، والجمع قطوات وقطبات، وقد كان بالمدينة مساجد ذكرها أبو داود
في كتاب المراسيل عن بكير بن الأشج قال: كان بالمدينة تسعة/مساجد مع
مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع أهلها، قال ابن بلال: فيصلون في مساجدهم أقربها
مسجد ابن عمرو بن مندول ومحمد بن ساعدة ومحمد بن عبيد ومحمد بن
سلمة ومحمد بن زامح من بني عبد الأشهل ومحمد بن زريق ومحمد عفار
ومحمد أسلم ومحمد جهينية وشك في التاسع. انتهى. وقد وقع لنا غير ما
ذكر من المساجد التي صلى فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرها أبو زيد عمر بن شيبة في
أخبار المدينة رافع بن حديج" صلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في
المسجد الصغير الذي يأخذ في شعب الجراد على يمينك لازق بالجبل"، وعن
السيد بن أبي أسيد عن أشياخهم:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا على الجبل الذي عليه
مسجد الفتح، وصلى في المسجد الصغير الذي بأصل الجبل على الطريق حتى
تصعد الجبل"، وعن عمارة بن أبي اليسر"صلى النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- في المسجد الأسفل"، وعن جابر قال:"دعا النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم- في المسجد المرتفع ورفع يديه، وعن عمرو بن بشر هبيل:"أن
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- صلى في مسجد بني حدارة"، وعن
عمر بن قتادة:"أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- صلى في مسجد لهم
في بني أمية من الأنصار، وكان في موضع القربين اللتين عند منالة نهيك"،
وعن الأعرج:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى على ذباب" (2) ، وفي لفظ: كان
__________
(1) كذا ورد هذا السياق "بالأصل".
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع للزوائد" (4/14) . قال الطبراني:"بلغني إن
ذباب جبل بالحجاز". وقوله:"صلى" أبط بارك عليه. قال ابن الأثير: أنه جبل بالمدينة.
وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل: وهو ضعيف.(1/1216)
ضرب قتيبة يوم الخندق عليه، وعن جابر بن أسامة قال: " حط النبي- صلى
الله عايه وآله وسلم- مسجد جهينة ليلا"، وفي لفظ:"وصلى فيه"، وعن
سعد بن إسحاق:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/صلى في مسجد بني ساعدة الخارج من
بيوت المدينة، وفي مسجد بني بياضة، ومسجد بني الحبلى ومسجد ابن
عصبة"، وعن العبّاس بن سهل: " أن الناس رأوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مسجد
بني ساعدة في جون المدينة "، وعن يحيى بن سعد قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يختلف أبي مسجد، وأبي يعضل فيه غير مرة ولا مرتين"، وقال: " لولا أن
يميل الناس إليه لأكثرت الصلاة فيه"، وعن يحيى بن نصر أن النبي- صلى
الله عليه وآله وسلم- صلى في مسجد أبي بن كعب في بني حرملة، ومسجد
بني عمرو بن مندول، ومسجد بني دسر، ومسجد دار النابغة ومسجد بني
عدى، وجلس في كهور سلع، وعن هشام بن عروة أن النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم- صلى في مسجد ملحوث بن الخزرج، ومسجد السبح، وبنى
حطمة ومسجد الفضيح، وفي صدقة الزبير، وفي بني محمد، وفي بيت
صدرمة وفي بني عدى وفي بيت عتبان، وعن الحارث بن سعيد أن النبي
إلا صلى في مسجد بني حارثة وبنى طعر وبنى عبد الأشهل، وعن
إسماعيل بن أبي حبيبة أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- صلى في
مسجد واقم، وعن ابن عمير أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مسجد بني معاوية،
وعن كعب بن عجرة أن النبي- صلى ألله عليه وآله وسلم- أول جمعة (1)
جمعها حين قدم المدينة في بني سالم فْي مسجد عاتكة، وعن جابر أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مسجد الحزبة، ومسجد القبلتين، ومسجد ابن حرام الذي
بالقاع، وعن محمد بن عتبة بن أبي لم مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في صدقة،
وعن يحيى بن إبراهيم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في متربة أم إبراهيم، وعن خالد بن
رباح أن النبي- عليه السلام- صلى في مسجد راتح، وعن زيد بن سعد أن
النبي- عليه السلام- صلى في حائط أبي الهيثمي، وعن جابر أن النبي- عليه
السلام- صلى الظهر يوم أحد في عينين، وعن على بن رافع أن النبي- عليه
السلام- صلى في بيت امرأة بني الخضر فأدخل ذلك البيت في مسجد بني
__________
(1) فوله:"جمعة"سقطت من "الأصل" وكذا أثبتناه.(1/1217)
قريظة، وعن سلمة الحطمي أن النبي- عليه السلام- صلى في بيت المقعدة
عند مسجد بني وائل في مسجد العجوز، وعن أبي هريرة أن النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- عرض المسلمين بالسقيا التي بالحرة متوجِّهًا إلى
بدر، وصلى بها، وعن المطلب أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- صلى
في مسجد بني ساعدة وصلى في المسجد الذي عند الشيخين، بات (1) فيه،
وهو الذي عند البدائع، وعن هشام أن النبي عليه السلام صلى في مسجد
الشجرة بالمعرس، وعن ابن عمر أن النبي- عليه السلام- صلى بالبطحاء
الذي بذي حليفة وعن أبيِ هريرة اًن النبي- عليه السلام- صلى في مسجد
الشجرة، وعن ربيعة بن عثمان أن النبي- عليه السلام- صلى في بيت أبي
حبيب مسجد بني حذرة قال أبو غسان: قال لي غير واحد من أهل العلم: إن
كل مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبنى بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد
صلى فيه النبي- عليه السلام-، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حن بني
مسجد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- سأل، والناس يومئذ متوافرون عن
المساجد التي صلى فيها النبي- عليه السلام- ثم بناها بالحجارة المطابقة،
وعن ابن/أبي خيثمة أن النبي- عليه السلام- صلى في دار الشفا على يمن
من دخل الدار، وصلى في دار بسرة بنت صفوان، وفي دار عمرو بن أمية
الضمري، ومنزل ابن أبي عمارة، قال أبو زيد: وأما المساجد التي يقال اًنه
صلى فيها، ويقال اًنه لم يصل فيها فهي دار سعد بني خيثمة بقيا ومسجد بني
زريق، ومسجد بنط مارن، ومسجد بني سالم الأكبر، والمسجد الذي بغار
أحد، ومسجد بني حرام الأكبر، وسقيفة بني ساعدة القصوى، والمسجد الذي
ببطن الروحاء عند عرف الطبة، وذكر الأرق في مكة شرفها الله تعالى
مساجد منها مسجد منى وهو مسجد الخيف، ومسجد مزدلفة، ومسجد عرفة
ومسجد المولد، ومسجد خديجة، ومسجد الأرقم، ومسجد عند الروم،
ومسجد الجن، ومسجد الشجرة، ومسجد السرور، ومسجد عن يمين الموقف
بعرفة، ومسجد الكبش، ومسجد باحباد، ومسجد إبراهيم، ومسجد بجوار
__________
(1) جملة هذه الأحاديث من"معجم الفراء"، وراجع كتب المساجد.(1/1218)
مسجد ثبور، ومسجد عند سوق الغنم، ومسجد بذي طوي، ومسجد
بالجعرانة، والمسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى، ومسجد
التنعيم، والمسجد الذي عند حتيمة جمانة.(1/1219)
119- باب تشييد المساجد
حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي
قلابة عن أنس بن مالك، قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-:"لا
تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". هذا حديث أخرجه بن
خزيمة (1) في صحيحه عن محمد بن رافع، ثنا الموصل بن إسماعيل، ثنا حماد
بلفظ:"إن من أشراط الساعة". وثنا/محمد بن يحيى، ثنا محمد بن عبد
الله الخزاعي، ثنا حماد عن قتادة، وأيوب عن أبي قلابة عن أنس، قال أبو
نعيم: تفرد الخزاعي بذكر قتادة، وقال ابن معين في الأوسط: لم يروه عن
قتادة إلا حماد وقال ابن خزيمة: ثنا عمرو بن العباس، ثنا سعيد بن عامر عن
أبي عامر الحزار قال: قال أبو قلابة: انطلقنا مع أنس نريد الزوائد يعني قصر
أنس، فمررنا بمسجد، فحضرت صلاة الصبح، فقال أنس: لو صلينا في هذا
المسجد، فقال بعض القوم: نأتي المسجد الأخر، قالوا: أي مسجد؟! قال:
فذكر مسجدًا، فقال أنس: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"يأتي على الناس زمان
يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا- أو قال: يعمرونها قليلًا-" (2) .
وفي كتاب أبي نعيم من حديث محمد بن مصعب العرنساني عن حماد:
"يتباهى الناس ببناء المساجد". وفي حديث على بن جرير الخزار:"يتباهون
بكثرة المساجد". حدثنا جبارة بن المغلس ثنا عبد الكريم بن عبد الرحمن
البجلي عن ليث عن عكرمة عن ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه
وآله وسلم-:"ستشرفون مساجدكم كما شرفت اليهود كنائسها، وكما
شرفت النصارى بيعها" (3) . هذا حديث لما ذكره الحافظ ضياء الدين: رده
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (1323) ، ورواه أبو داود (ح/449) ، وابن ماجة (ح/739) ،
وأحمد (3/152،145،134، 283،230) ، وابن حبان (308) ، والطبراني في"الصغير" (2/
1114) ، وشرح السنة (2/350) ، والمنثور (6/51) والفتح (1/539) ، والكنز (38484)
وصححه الشيخ الألباني.
(2) المصدر السابق.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/740) . في الزوائد: إسناده ضعيف. فيه جبارة بن المغلس،=(1/1220)
بليث المذكور، قيل: واغفل كونه من رواية أبي محمد جبارة بن المغلِّس الحافي
الكوفي، فإن عبد الله بن أحمد عرض على أبيه شيئا من حديثه فأنكرها،
وقال في بعضها: سمعت هذه موضوعة أو هي كذب، وقال ابن معين: هو
كذاب، وكان أبو زرعة حدّث عنه، ثم ترك حديثه بعد ذلك، وقال: قال لي
أبي نمير: ما هو عندي ممن يكذب، كان يوضع له الحديث فيحدّث به، وما
كان عندي/ممن يتعمد الكذب، وذكر ابن عقدة عن محمد بن عبد الله بن
سليمان الحضرمي: سألت ابن نمير فقال: صدوق، وقال أبو حاتم: هو مثل
القاسم بن أبي شيبة، وقال ابن عدي: في بعض حديثه مالا يتابعه أحد عليه،
غير أنه كان لا يتعمّد الكذب، وحديثه مضطرب، كما ذكره البخاري، وقال
ابن حبان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، وقال محمد بن سعد:
يضعف، وذكره أبو جعفر العقيلي والبلخي في كتاب الضعفاء، ويعقوب في
باب: من يرغب عن الرواية عنهم، وقال البزار: كان رجلًا كثير الخطأ، ليس
يحدّث عنه رجل من أهل العلم، إنّما يحدّث عنه قوم فأتتهم أحاديث كانت
عندم أو رجل عنى وأغفل كونه أيضا من رواية عبد الكريم المجهول العين
والمنفرد عنه بالرواية جبارة، وقد وجدنا لهذا الحديث شاهدًا رواه أبو داود
بسند، صححه ابن حزم عن محمد بن الصباح، ثنا سفيان بن عيينة عن
سفيان عن أبي فروة عن أبي يزيد بن الأصم عن ابن عباس: فال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ما أمرت بتشييد المساجد". قال ابن عباس: لزخرفها كما زخرفت
اليهود والنصارى (1) . ورواه أبو نعيم من حديث عبد الأعلى بن حماد، ثنا
معتمر سمعت بشار يحدّث عن أبي فزارة به. حدثنا جبارة ثنا عبد الكريم بن
عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم" (2) . هذا
__________
وهو كذاب. وقد أخرجه أبو داود بسنده بدون هذا السياق. انظر: صحيح أبي داود تحت: (ح/
474) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/157) ، الضعيفة (ح/2733) .
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/448) ، وعبد الرزاق (5127) ، وشرح السنة (2/348) ، وتغليق
(236، 237) ، والكنز (20827) ، والمنثور (3/217) ، والمشكاة (718) ، والحلية (7/313) .
(2) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة (ح/741) . في الزوائد: في إسناده أبو إسحاق، كان(1/1221)
حديث تقدم الكلام على سنده، وقد وردت أحاديث من هذا الباب غير ما
تقدم من/ذلك حديث ليث عن أيوب عن أنس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابنوا
المساجد واتخذوها جما" (1) . وفي لفظ:"أمرت بالمساجد جما" (2) . ذكره
ابن أبي شيبة فيِ مصنفه عن مالك بن إسماعيل، ثنا هريم عنه، ولما سأل
الترمذي محمدا عنه قال: إنما يروى أيوب عن عبد الله بن شقيق قوله، وقال
أبو الحسن: وسئل عنه ولم يتابع ليث عليه، وغيره يرويه عن أيوب عن ابن
شقيق قوله، وحديث مجاهد عن ابن عمر قال:"نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
نصلى في مسجد مشرف" (3) . رواه الدارقطني، وقال: رواه إسحاق بن
منصور وابن غسان عن هريم عن ليث عنه، ورواه عبد الحميد بن صالح عن
هريم عن ليث عن نافع عن ابن عمر، وحديث ابن عباس- رضي الله تعالى
عنه- قال:"أمرنا أن نبني المساجد جما" (4) . ذكره عبد الغافر الفارسي في
كتابه مجمع الغرائب، قال: ومعناه التي أشرنا لها، وفي كتاب غريب الحديث
لأبي عبيد القاسم بن سلام زيادة: والمدائن شرفا، وحديث علي بن أبي طالب
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"ابنوا المساجد". رواه أبو نعيم الحافظ من
حديث محمد بن شعيب، ثنا مبشر بن عبيد عن الحكم عن يحيى بن البزار
عنه، وحديث جابر بن عبد الله: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من زوق بيته أو
مسجده لم يمت حتى تصيبه قارعة" (5) . رواه أيضا من حديث موسى بن
محمد صاحب القديدي، ثنا المنكدر بن محمد المنكدر عن أبيه عنه، ورواه
__________
يدلس. وجبارة كذاب.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/157) ، وانظر: (الضعيفة: ح/447) .
(1) رواه البيهقي (2/439) ، والحلية (3/12) ، والترغيب (1/197) ، والمجمع (2/9) .
(2) رواه ابن عدي في"الكامل" (6/2107) ، والكنز (20771) ، والجوامع (4420) .
(3) رواه الدارقطني (1/275) ، والطبراني (12/407) .
(4) انظر: الحاشية رقم "2" السابقة.
(5) قلت: وهذا حديث معلل رواه ابن الجوزي في علله. وعلته: أبو البختري وهب بن
وهب، القاضي، عن هشام بن وهب، كذبه أحمد وغيره. (المغني في الضعفاء: 2/727
1222(1/1222)
ابن الجوزي في علله من حديث أبي البختري وهب بن وهب/، ورده به،
وفي كتاب أبي نعيم بن دكن، ثنا سفيان عن أيوب عن عبد الله بن شقيق
العقيلي قال:"كانت المساجد تبنى جمار المدائن تشرف". ثنا سفيان عن أبي
فزارة عن مسلم المستبطني (1) قال: كان علي بن أبي طالب إذا مر بمسجد
النيم وهو مشرف قال: هذه بيعة النيم عن بيته. الشرفة: ما يوضع على أعالي
القصور والمدن، وشرف الحائط: جعل له شرفه. ذكره ابن سيده، وفي الجامع:
وقولهم قصر مشرف: إنّما معناه طويل، وإذا أرادوا له شرف قالوا: قصر
مشرف، والبيعة: كنيسة النصارى، وقيل كنيسة اليهود، كما ذكره في
المحكم، وفي الجامع: البيعة: بكسر الباء: صومعة الراهب، وقيل. كنيسة
النصارى، والجمع بيع، وقال عياض: البيعة: كنيسة أهل الكتاب. والصلوات
للصابئين، كالمساجد للمسلمين، وفي كتاب الجواليقي: البيعة، والكنيسة:
جعلهما بعض العلماء، فارسيين معربين، وأما البناء المشيد: فهو المعمول
بالتشيد، وكلّ ما أحكم من البناء، فقد شيّد، قال أبو عبيد: البناء المشيّد
المطول، وقال الكسائي: التشييد للواحد، والمشيّدة للجميع، حكاه أبو عبيد
عنه والكسائي: يحل عن هذا. قاله ابن سيده، وفي الجامع: أشدت الحائط
وشيّدته: فهو مشاد، ومشيد إذا طولته، وقيل: لا يكون مشيدا حتى يجصّص
ويطول، والزخرف: الذهب هذا الأصل، ثم سمّى كل زينة زخرفا، وزخرف
البيت: زينه وأكمله، وكلّ ما ذوق وزيّن، فقد زخرف، والتزخرف، والتزين،
والزخارف: ما زين من السفن، والزخرف: زينة النبات. ذكره ابن سيده، وفي
الجامع: كل نفيس يسمّى زخرفا، وقال الهروي: هو كمال/حسن الشيء،
وقال عياض. هو التزويق بالنقش والتلوين. قال الخطابي: المعنى أن اليهود،
والنصارى؛ إنما زخرفوا المساجد عند ما حرفوا وتركوا العمل بما في كتبهم،
نقول: فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم؛ إذا طلبتم الدنيا بالدين وتركتم الإخلاص
في العمل، وصار أمركم إلى المراياه بالمساجد والمباهاة بتشييدها وزينتها، وفيه
دليل على أن الصلاة لا تجز بالمال كما يجز الصوم وغيره وأمّا قول من قال:
__________
(1) قوله:"المستبطفي"غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.(1/1223)
أراد بالتباهي في المساجد والتفاخر بالأنساب والأحساب وشيمه فمردود بقوله:
ببناء المساجد وبكثرة المساجد.
* * *(1/1224)
120- باب أين يجوز بناء المساجد؟
حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبي التياح
الضبعي، عن أنس بن مالك قال:"كان موضع مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبنى
النجار وكان فيه نخل ومقابر للمشركين، فقال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثامنوني به
قالوا: لا نأخذ به ثمنا أبدا، قال: فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبنيه، وهم يناولونه والنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"ألا ان العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة"قال: وكان
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي قبل أن يبنى المسجد حيث أدركته الصلاة" (1) . هذا
حديث خرجاه في الصحيح من حديث أبي التياح مطولا:"قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عون، فأقام عليه
السلام/فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاعوا متقلِّدين
السيوف، فكأني أنظر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلة، وأبو بكر ردفه، وملأ بني
النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يصلى في مرابض الغنم، وفيه
فأمر لقبور المشرفي، فنبشت ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا
النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادته الحجارة وفيه لا خير إلا خير إلا
الأخرة". وأما قول خلف رواه مسلم (2) أيضا في الهجرة عن إسحاق بن
منصور عن عبد الصمد عن أبيه عن أبي التياح، فيشبه أن يكون وحماد ذلك
أن مسلما ليس عنده كتاب هجرة، وكتاب الهجرة إنما هو عند البخاري،
وكذا ذكره الطرقي وابن أبي أحد عشر في جمعه، ورواه الحاكم في دلائل
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/117، 3/26، 83، 4/14،16، 5/86) ، وأبو داود (ح/454) ،
وابن ماجة (ح/742) ، وأحمد (3/118، 244) ، والتمهيد (5/231) ، والنبوة (2/540) ، وابن
أبي شيبة (3/388) . غريبه: قوله:"ثامنوني" أي خذوا منى الثمن في مقابلته وأعطوني به.
(2) صحيح. رواه مسلم في: المساجد (ح/9) .
غريبه: قوله:"خرب"قال النووي: هكذا ضبطناه بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء. قال
القاضي: رويناه هكذا. ورويناه بكسر الخاء وفتح الراء، وكلاهما صحيح. وهو ما تخرب
من البناء.(1/1225)
النبوة من حديث موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي التياح
بزيادة: وكان المهاجرون والأنصار ينقلون اللين أو التراب لبناء المسجد وهم
يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بعثنا أبدا
فأجابهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
اللهم إنّ الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة (1)
وفي حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ينقل التراب معنا، وقد وارى الغبار بياض أبطبه"وهو يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا/
فانزلنْ سكينة علينا إن الأُلى لقد بغوا علينا
وإن أرادوا فتنة أبيتا (2)
ومدّ بها صوته- صلى الله عليه وآله وسلم-، وفي حديث حشرج بن
نباته عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال:"لما بني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد جاء
أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر
فوضعه، فقال هؤلاء: وُلاة الأمر من بعدي" (3) . وفي كتاب موسى بن عقبة
عن ابن شهاب: كان المسجد مربد التمر لغلا من سهل وسهيل بن عمرو بن
حجر أسعد، قال ابن شهاب: وزعموا أله كان رجال من المسلمين يصلون في
المربد قبل قدوم النبي- عليه السلام- المدينة، فأعطاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمنه
ويقال: عرض عليها أسعد نخلا له في متى (4) بياضه ثوابًا من مربدهما فقالا:
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (4/30، 5/137، 9/96) ومسلم) ص/1432)
وأحمد (3/170، 187، 244، 278، 288، 6/289، 315) والبيهقي (7/43) والمنثور (3/279)
والفتح (13/142) والكنز (30098) وابن سعد (1/2/50، 51) والخصائص (75) .
(2) صحيح. رواه البخاري (4/78، 5/140) وأحمد (4/282، 291، 302) والدارمي (2/220)
ومشكل (4/299) والخطيب (11/289) والقرطبي (14/130) والفتح (7/400، 10/541، 13/
223) وتغليق (966) وأذكار (190) والكنز (30079) وابن أني شيبة (8/527) .
(3) صحيح. رواه ابن عدي: (2/846) .
(4) كذا ورد هذا السياق"بالأصل"0(1/1226)
بل تعطيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: بل اشتراه النبي- عليه السلام- منهما،
فبناه مسجدا، فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن، وهم يقولون: هذا الحمال إلا
حمال خير هذا أبرر بنا وأطهر، فأجابهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اللهم إنّ الخير خير
الآخرة" (1) . قال ابن شهاب: فتمثّل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعر رجل من المسلمين
لم يسم لي ولم يبلغني في الأحاديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمثل بشعر قط غير هذه
الأبيات، أنبأ المشايخ المعمر بقية السلف عبد القادر بن عبد العزيز بن أيوب،
وأبو بكر عبد الله بن علي بن عمرو، وأبو عبد الله محمد بن عبد الحميد/بن
محمد- رحمهم الله تعالى- قراءة عليهم، وأنا أسمع قال الأول: أنبأ الصالح
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد بن أبي الفتح أنبأ القاضي ضيعة
الملك أبو محمد بقية الله بن يحيى بن على بن حيدر، أنبأ الشيخ أبو محمد
عبد الله بن رفاعة أنبأ أبو الحسن الخلعي، وقال الآخران: أنبأ الشريف تاج
الشرف بن السيد أبي القاسم عبد الرحمن بن علي الحسين أنبأ أبو الطاهر
محمد بن محمد بنان، أنبأ والدي، أنبأ أبو إسحاق الحبال، قال هو والخلعي:
أنبأ أبو محمد عبد الرحمن بن عمر البزار أبو محمد عبد الله بن جعفر بن أني
الورد، أنبأ أبو سعد عبد الرحيم بن عبد الله البرقي أنبأ أبو محمد عبد الملك
ابن هشام، ثنا زياد قال: قال محمد بن إسحاق:"فقال أسعد بن زرارة: يا
رسول الله إنِي مرضيهما منه فابنه مسجدا، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببناء المسجد
فأصيب سعد والمسجد يبنى إصابة الذبحة أو الشهقة". وفي كتاب سعد:
جعل قبلته للقدس، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخرة، وباب يقال له:
باب الرحمة، والباب الذي يدخل منه، وفي الأكليل من حديث عبد الله بن
عمر عن نافع عن مولاه: أنّه أخبره أنّ المسجد كان على عهده- صلى الله
عليه وآله وسلم- مبنيا باللبن، وسقفه بالجريد، وعمده خشب النّخل، فلم يزد
فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال:
لولا أنى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إني أريد أن أزيد في قبلتنا " (2) ما
__________
(1) تقدم ص 1225.
(2) ضعيف. إتحاف (4/417) ، والمطالب (497) ، والكنز (23080) ، وأورده الهيثمي في"مجمع
الزوائد" (2/11) ، وعزاه إلى "البزار"- ألا أنه قال:" أنا نريد أن نزيد في فبلتكم"- وفيه عبد الله(1/1227)
زدت، فزاد ما بين المنبر إلى موضع المقصورة، ثم غيره عثمان، وزاد فيه زيادة
كبيرة، وبني/جدره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده حجارة منقوشة،
وسقفه بالساج، وفي حديث مالك بن معول عن رجاء قال: كتب الوليد بن
عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز؛ أن يكسر مسجد النبي عليه السلام
وحجراته، وكان قد اشتراها من أهلها، وأرغبهم في ثمنها، وأن يدخلها في
مسجد النبي- عليه السلام- فجاء عمر، فقعد ناحية، وقعدت معه، ثم أمر
بهدم الحجرات، فما رأيت باكيًا ولا باكية أكثر من يومئذ خرعا، حيث
كسرت، ثم بناه، كلما أراد أن يبنى البيت على القبر، وكسر البيت الأول،
الذي كان عليه فطرت القبور الثلاثة، وكان الرجل الذي كان عليها قد انهار
عنها فأراد عمر فليسوها ثم يصفون البناء. قال رجاء: فقلت: إن قمت، قام
الناس معك، فوطئوا القبور فلو أمرت رجلاً أنْ يصلحها، ورجوت أن يأمرني
بذلك، فقال: يا مزاحم قم، فأصلحها، قال رجاء: فأكرمه الله بها، وفي
حديث يزيد بن رومان قام معاوية على منبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فجعله ست درجات،
وحوله عن مكانه، وانكشفت الشمس يومئذ. قال أبو عبد الله وقد أحرق المنبر
الذي أحدثه معاوية، وردّ منبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكانه، وفي حديث علي بن
زيد عن أنس عند أبي نعيم الحافظ: لما بني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد جعل سقفه
جريدا، وكان إذا بسط يده لحقت السقف، وفي كتاب الزواجر لأبي زيد:
كان مربد، والتيمي في حجر معاذ بن عفراء عن الشِّفاء بنت عبد الرحمن أنها
قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤمه جبريل إلى الكعبة،
ويقيم/له القبلة، وكانت من اللبن، وقيل: بل من حجارة منقوشة بعضها على
بعض، ثم إن المهدى بناه ووسعه وزاد فيه، وذلك في: سنة ستة ومائة، ثم زاد
فيه المأمون في سنة: ثنتين وثمانين وأتقن بنيانه، ثم لم يبلغنا أنّ أحدا غير منه
شيئا، ولا أحدث فيه عملا، وفي كتاب أخبار المدينة لأبي زيد بن أبي شيبة:
أن العباس قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله ألا أبني لك مقصورة حجابا يكلمك
الناس من ورائه، يكف عنك طغاطهم وأخاهم فال:"لا بل اصبر لهم
__________
العمري وثقة أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به وإسناد أحمد منقطع بين نافع وعمر.(1/1228)
فضول قدمي وبناني حتى يريحني الله منهم" (1) . قال ابن شهاب: فكان أول
من عمل المقصورة معاوية، فأما التي في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم؛ فإن عمر بن
عبد العزيز عملها حين بناء المسجد بأمر الوليد، وكان حين عملها مرتفعة عن
الأرض ذراعين فخفضها المهدي فهي على حالها إلى اليوم. وفي لفظ: أول
من أحدث المقصورة مروان في عمل معاوية بحجارة منقوشة، وجعل فيها
كوى. وفي لفظ: أول من عمل مقصورة بلبن: عثمان بن عفان، وكانت فيها
كوى ينظر الناس فيها إلى الإمام، وأنّ عمر بن عبد العزيز عملها بالساج، قال:
والذي بلط حوالي المسجد بالحجارة: معاوية أمر بذلك مروان، وعمل له أسرابا
ثلاثة تصد فيها مياه المطر، وأراد أن يبلط بقيع الزبير، فحال ابن الزبير بينه وبين
ذلك، وكان بين يدي المنبر مرمر، فطرح فيه طنفسة لعبد الله بن حسن، فلما
ولى حسن بن زيد المدينة في رمضان سنة خمسين ومائة؛ غير ذلك المرمر سعة
من جرانية/كلّها حتى ألحقه بالسواري على ما هو عليه اليوم، فلما قدم
المهدي قال لمالك: إني أريد أن أعيد منبر النبي- عليه السلام- إلى حاله التي
كان عليها، فقال مالك: إنّه من طرقا، وقد سمّر أبي هذه العيدان وشد فحتى
بزعته خفت أن يهار ويحملك فلا أرى أن تغيره، قال أبو زيد: فانصرف رأي
المهدي عن تغييره والله تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو همام الدلال، ثنا سعيد بن السائب عن،
محمد بن عبد الله بن عياض عن عثمان بن أبي العياض: "أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كان طاغيتهم" (2) . هذا حديث
إسناده صحيح لتوثيق البستي محمد بن عياض، وباقي من في الإسناد لا يسأل
عن حالهم، ولفظ أبي داود:"طواغيتم". حدثنا محمد بن يحيى، ثنا
عمرو بن عثمان، ثنا موسى بن علي، ثنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن
عمر:"وسئل عن الحيطان يلقى فيها الغدرات فقال: إذا سقيت مرارا فصلوا
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) إسناده صحيح. أواه أبو داود في (الصلاة، باب"12" (وابن ماجة (ح/743) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/1229)
فيما يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) ". هذا حديث إسناده صحيح، عمرو بن عثمان بن
سنان العلائي مذكور في ثقات ابن حبان، ورجاله الباقون حديثهم في
الصحيح، وفي الباب حديث طلق بن علي قال:"خرجنا ونبأنا بالنبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- فبايعناه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستف عيناه
من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض، ثم صبه في أراوة، وأمرنا إذا
أتيتم أرضكم، فاكسروا بيعتكم، وألقوا مكانها بهذا الماء، واتّخذوه مسجدًا".
رواه النسائي (2) من حديث ملازم بن عمرو عن عبد الله/بن بدر عن قيس بن
طلق عنه، وسكت عنه عبد الحق لما ذكره، وخطئ في ذلك، وحديث
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان يصلى في المواضع
التي يبول فيه الحسن والحسين ويقول: إنّ العبد إذا سجد لله سجدة طهر الله
موضع سجوده". رواه أبو القاسم في الأوسط (3) ، وقال: لم يروه عن هشام
إلا بزيغ أبو الخليل يعني المتكلم فيه بكلام فيه أقداح. قوله: ثامنوني أي:
قدروا ثمنه لأشتريه منكم فأبوا، وفي كتاب ابن سعد: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشتراه
منهما بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر- رضي الله عنه-، فيحتمل على تقدير
الصحّة انه أعطاهما ذلك ثواب هبتهما إياه فاعتقد رأى ذلك أنه ثمنه، وهذا
هو الأليق بحاله صلى الله عليه وآله وسلم وبيّنه ما تقدم من قول ابن شهاب
وأمّا ارتجازه صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ابن التِّين: أنّ الرجز مختلف فيه
هل هو شعر، أم لا، قال: وقالوا: إنّما هو كالكلام المسجع، وهى دائرة المشتبه
سمى بذلك؛ لأنه يقع فيه ما يكون على ثلاثة: أجراً مأخوذ من البعير إذا
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/744) . في الزوائد: إِسناده ضعيف. فيه محمد بن
إسحاق. كان يدلس. وقد رواه بالعنعنة.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/160) .
(2) صحيح. رواه النسائي في (المساجد، 11- باب اتخاذ البيع مساجد: 2/38) . وأورده
الهيثمي في"مجمع الزوائد" (12/12) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"، و"الأوسط"،
وعمرو بن شقيق ذكره هو وأبوه ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيهما جرحا ولا غيره.
(3) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/6-7) . وعزاه إلى الطبراني في
"الأوسط"وبزيغ: متهم بالوضع.(1/1230)
شدّت إحدى يديه فبقى على ثلاث قوائم، ويقال: بل هو مأخوذ من قولهم
ناقة، وجزاء: إذا ارتعشت عند قيامها لضعف يلحقها، أو دار في الروض
يحتمل أن يكون من رجزت الجمل: إذا عدلته، قال ابن حبان: وهو شيء
يعدل رجز جمل، وفي المحكم الرجز: اضطرب رجل البعير؛ إذا أراد القيام
ساعة ثم تنبط، وقال أبو إسحاق: سُمى بذلك؛ لأنه يتوالى في أوّله حركة
وسكون، وقيل: لاضطراب أجزائه وتقاربها، وقيل: هو صدور/للإِعجاز، فلما
كان هذا الوزن فيه اضطراب سمى رجزا تشبيها بذلك، وفي الحديث: لما
اجتمعت قريش في أمره عليه السلام، وقالوا: نقول هو شاعر، فقال بعضهم:
قد عرفّنا الشعر كلّه مقبوضه ومبسوطه وزجره؛ فذكروا الرجز من جملة أنواع
الشعر، وقد تقدّم أيضا قول الزهري في ذلك، ولعلِّ الملجئ له إلى ذلك؛
هروبه من إنشاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا منه قابل فلو كان شعرا لما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قال تعالى: {وما علمناه الشعر} (1) . وما علم أن من أنشد القليل من
الشِّعر متمثلا على جهة الله، ولم يستحق اسم شاعر، ولا يقال فيه أنه تعلم
الشِّعر ولا ينسب إليه، ولو كان كذلك للزم أن يقال كل النّاس شعراء؛ لأن
كل فرد لابد أن يتمثّل بشعر أو يتكلم به من غير قصد إذا الشّعر لا يكون إّلا
عن قصد، والذي قال: الخليل هو الكلام الصحيح؛ لأنّ المهزل عنده ليس
بشعر وهو الذي جرى على لسانه عليه السلام. وأمّا الطاغية؛ فذكر أبو موسى
المديني أنه ليس من الطواغيت يشبه أن يريد به من طغى في الكفر وجاز القدر
في الشرّ أي: عظاهم، ويجوز أن يريد به الأديان، وأما من رواه الطواغيت
فزعم ابن سيده: أنّ- الطاغوت عبد من دون الله تعالى، وقيل: هي الأصنام،
وقيل: الشيطان، وقيل: الكهنة، وقيل: مودة أهل الكتاب، وقوله تعالى:
{يؤمنون بالجبت والطاغوت} (2) قال أبو إسحاق: قيل ها هنا حي بن
أخطب وكعب بن الأشرف، وقوله تعالى: {يُريدُون أن يتحاكمُوا إلى
الطّاغُوتِ} (3) يعني: إلى الكاهن أو الشيطان، وهو يقع/على الواحد
والجميع، والمذكر المؤنث ووزنه ملفوت؛ لأنه من طغوت، وإنّما أُقِرت طوغوتا
__________
(1) سورة يس آية: 69.
(2) سورة النساء آية: 51.
(2) سورة النساء آية: 60.(1/1231)
في التقدير على طغوت؛ لأن قلب الواو عن موضعها أكثر من قلب الباء في
كلامهم، نحو شجر شاك ولاث وهاد، قد يكسر على طواغيت، وطواغ
الأخير عن اللحياني، وفي الجامع: العرب تسمى الكاهن والكاهنة طاغوتًا، وفي
كتاب أبي موسى المديني: هو ما زُيِّن لهم الشيطان أن يعبدوه، وفي الصحاح:
هو كل رأس في الضلال، ومعنى قوله: سقيت أي: صُب عليها الماء مرة بعد
أخرى كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:"صبوا عليه سجلا من ماء" (1) .
والله تعالى أعلم.
***
__________
(1) تقدم في كتاب الطهارة، وانظر سنن أبط داود) الطهارة، باب 137) والبيهقي في:
"الكبرى" (2/428) .(1/1232)
121- باب المواضع التي يكره فيها الصلاة
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا يزيد بن هارون، ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى
عن أبيه وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"الأرض كلها مسجد إّلا المقبرة والحمام (1) . هذا
حديث خرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث عبد الواحد بن زياد، ثنا
عمرو، وقال: تابعه عبد العزيز بن محمد بن عمرو وقال: وتابع عمارة بن
عربة بن يحيى على روايته عن أبيه يحيى بن عمارة، ثم قال: هذه الأسانيد
كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، وخرجه ابن حبان في
صحيحه عن عمران بن موسى، ثنا أبو كامل، ثنا عبد الواحد به، ولما خرجه
الدارمي في مسنده الذي زعم أنه صحيح ذكر آخره، قيل لأبي محمد تجرى
الصلاة/في المقبرة، قال: إذا لم يكن على القبر فتقم، قال: والحديث أكثرهم
أرسله، وذكره ابن حزم مصححا له، ثم قال: وقال بعض من لا يبقى عاقبة
كلامه في الدين: هذا حديث أرسله الثوري، وشكّ في إسناده موسى بن
إسماعيل عن حماد مكان ما دار يتم، يقولون: إن المسند كالمرسل، ولا فرق
ثم أي منفعة لهم في شك موسى، ولم يشك حجاج، وإن لم يكن فوق
موسى فليس دونه في إرسال سفيان، وقد أسند حماد وأبو طوالة وعبد الواحد
وابن إسحاق وكلهم عدل، وفي كتاب المعرفة، قال الشّافعي: وحدّث هذا
الحديث في كتابي في موضعين: أحدهما: منقطع، قال أبو عبد الله: وبه يقول
ومفعول أنه كما جاء الحديث ولو لم يتنبه؛ لأنه ليس لأحد أن يصلي على
أرض نجسة، وقال أبو عيسى: حديث أبي سعيد قد روى عن عبد العزيز بن
محمد ورواه منهم من ذكره عن أبي سعيد، ومنهم سن لم يذكره وهذا
حديث فيه اضطراب، روى سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/317) ، وقال: هذا حديث فيه اضطراب. وابن ماجة (ح/745) وأحمد
(3/83) والحاكم (1/251) ، وعبد الرزاق (1582) ، وابن خزيمة (791) ، وشرح السنة (2/409) ،
والمشكاة (737) ، ونصب للراية (2/324) ، وابن حبان (338) ، وابن أبي شيبة (2/379) ، والفتح (1/
529) ، والشافعي (20) ، والكنز (19187) . وصححه الشيخ الألبانْي.(1/1233)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا، ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي
سعيد عن النبي- عليه السلام- مسدا، ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن
يحيى عن أبيه، قال: كان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم- ولم يذكر فيه أبا سعيد، وكانت رواية الثوري عن عمرو عن
أبيه عن النبي- عليه السلام- أصح وأثبت، وقال في العلل: كان الدراوردي
أحيانا يذكر فيه أبا سعيد ورعا، لم يذكره، والصحيح: رواية الثوري وغيره عن
عمرو عن أبيه مرسل، وبنحوه. قاله أبو علي/الطوسي في أحكامه. وفي ما
قالاه نظر: من حيث؛ أن ابن ماجة ساق رواية الثوري بسنده قيل، والله تعالى
أعلم. وقال البيهقي: حديث الثوري مرسل، وقد روى موصولا، وليس بشيء.
انتهى كلامه وهو غريب وصوابه ة لما قدّمناه مسندا صحيحا، وفي قول
الترمذي أنّ ابن إسحاق لم يسنده نظر؛ لما تقدّم من عند ابن حزم، ولما يأتي
من عند البزار، ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، ثنا مسدد،
ثنا عبد الواحد عن عمرو عن أبيه عن أبي سعيد، قال موسى في حديثه: فيما
يحسب عمرو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكره أبو الحسن بن القطان، فقد أخبر
حماد في رواية: أن عمرا شكّ في ذكر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-،
ومنتهى الذين رووه مرفوعا إلى عمرو، وأنّ الحديث حديثه، وعليه بدر (1)
رضوا شك أولا ثم تيقن، ثم شكّ فإنه لو تعين الواقع منهما أنه الشكّ بعد أن
حدث به متيقِّنا للرفع؛ لكان يختلف فيه، فمن يرى لسان الحديث قادحا لا
يقبله، ومن يراه غير صائر يقبله، وإن قدّرنا حديثه شاكا، ثم تيقّن فهاهنا
يحتمل أن يقال غير بعد الشك على سبب من أسباب اليقين، مثل أن يراه في
مسموعاته أو مكتوباته فيرتفع شكّه فلا يبالى ما تقدم من تشككه، ومع هذا
فلا ينبغي للمحدّث أن يترك بمثل هذا في نقله؛ فإنه إذا فعل فقد أراد مِنّا قبول
رأيه في رواية، وهذا كلّه إنّما يكون إذا سلم أنّ الدراوردي وعبد الواحد
الرافعين له سمعاه منه غير مشكوك فيه، فإنّه من المحتمل أن لا يكون الأمر
كذلك بأن سمعاه مشكوكا فيه؛ كما سمعه/حمّاد، ولكنهما حدثا به، ولم
__________
(1) كذا ورد هذا السياق"بالأصل"، وفيه اضطراب.(1/1234)
يذكر ذلك اكتفاء بحسبانه، وعلى هذا تكون علْة الخبر فاعلم ذلك. انتهى
كلامه. وفيه نطر؛ من حيث قوله عن عمر، والحديث حديثه؛ لما أسلفناه
صحيحا من عند الحاكم من أنّ عمارة بن غزية رواه عن يحيى كرواية ابنه
عمر، ورواه البزار من حديث زياد، ثنا أبو طوالة عن عمرو مرفوعًا، وقال:
رواه جماعة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- ولم يقولوا عن أبي سعيد، ورواه عبد الواحد وعبد الله بن
عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق مرفوعا، وقد أسلفناه عن ابن حزم أن
حجّاجًا رواه عن حماد بغير شكّ وكذلك يزيد بن هارون المذكور عندنا
رباح، وهو ردّ؛ لما ذكره ابن القطان أيضًا، وأما تعداد الرواة الذين أسندوه عن
البزار؛ فقد أغفل ما ذكره أبو القاسم؛ إذ رواه من حديث حجاج بن منهال بن
خارجة بن مصعب عن عمرو مسندًا، وأما قول أبي الخطاب بن دحية في
كتابه المولد: حديث أبي سعيد يعني هذا لا يصح من طريق من الطرق بين
ذلك أهل التعديل والتجريح فغير صحيح؛ لما قدّمناه لتصحيحه في الترجيح
الذي سلم به الحديث من التجريح.
حدثنا محمد بن إبراهيم الدمشقي، ثنا عبد الله بن يزيد عن يحيى بن
أيوب عن زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر قال:
"نهى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن يصلى في سبع مواطن:
في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإِبل، وفوق
الكعبة" (1) . هذا حديث لما رواه أبو عيسى قال: حديث ابن عمر/إسناده
__________
(1) تقدّم في كتاب الطهارة وهو ضعيف وراجع تخريجه.
ورواه ابن ماجة (ح/746) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/746) .
مفردات الحديث:
المقبرة: بضم للباء، وتفتح. موضع دفن الموتى.
المزبلة: موضع يطرح فيه الزبل.
المجزرة: الموضع الذي ينحر فيه الإِبل، ويذبح فيه البقر والشاة.
قارعة الطريق: للوضع الذي يقرع بالأقدام من للطريق.
معاطنْ مبارك الإِبل عند منامها، وشرابها.(1/1235)
ليس بذلك القوى، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه، وقد روى
الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن
عمر عن عمر عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-، وحديث ابن عمر
عن النبي- عليه السلام- اسمه واضح من حديث الليث، وعبد الله بن عمر
العمري: ضعفه بعض اً هل الحديث من قبل حفظه. قال أبو عيسى: وزيد بن
جبيرة الكوفي أثبت من هذا، وأقدم فقد سمع من ابن عمر، وقال أبو محمد
الأشبيلي: غير أبي عيسى يقول في هذا الإِسناد أكثر من هذا، وقال أبو علي
الطوسي في كتاب الأحكام: حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوى،
وأشبه، وأصح من حديث الليث، وقال أبو الفرح في العلل المتناهية: هذا خبر
لا يصح، وقال أبو الخطاب بن دحية: هذا حديث باطل عندهم أنكروه على
ابن سيده، ولا يعرف مسندًا إّلا برواية يحيى بن أيوب عنه، ولا يجوز اًن
يحتج عند أهل العلم بمثله، وقال أبو زكريا الساجي: زيد بن جبيرة الأنصاري
الذي يُحدِّث عن داود بن حصين ثقة إلا أنه أتى بمنكر في هذا الحديث-
يعني: حديث ابن عمر- وقال أبو جعفر العقيلي: زيد بن جبيرة منكر
الحديث، من حديثه ما ثناه عبد الله بن أحمد بن أبي ميسرة، ثنا المقري، ثنا
يحيى عن أيوب عن زيد عن داود يذكره، وثنا يحيى بن عثمان، ثنا عبد
الله بن صالح، حدثني الليث عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن
النبي- عليه السلام- نحوه، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا يحيى بن علي، ثنا
ابن أبي بريم، ثنا الليث بن سعد قال: هذه النسخة/رسالة من عبد الله بن
نافع مولى ابن عمر إلى الليث بن سعد. أمّا بعد: فإن نافعًا كان يحدّث عن
ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه:"نهى أن يصلى في سبع مواطن: مواطن
الإِبل والمجزرة، والمزبلة، وفي مصلى قبلة إلى مرحاض، وقارعة الطريق، والمقبرة،
وظهر بيت الله العتيق" (1) . قال: ولا أعلم الذي حدث بهذا عن نافع إّلا قد
قال عليه الباطل؛ فأما ما ذكرت من مصلى قبلته إلى مرحاض، فإنّما جعلت
السترة لتستر من المرحاض وغيره، وقد حدثني نافع إن أراد ابن عمر التي هي
__________
(1) الحاشية السابقة.(1/1236)
وراء جدار قبلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مربد الأرواح التي يدهن فيه ثم ابتاعته
حفصة- رضي الله تعالى عنها- منهن فاتحذته دارا، وأمّا ما ذكرت من
مواطن الإبل: فقد بلغنا أنّ ذلك يكسر ما وقد كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى على
راحلة، وقد كان ابن عمر، ومن أدركنا من خيار أهل أرضنا يعرض أحدهم
ناقة بيته وبن القبلة فيصلِّى إليها وهي تبعر وتبول: وأمّا ما ذكرت من الصلاة
في المقبرة؛ فإنّ أبي حدثني أنّ عبد الله بن عمر صلى على رافع بن خديج في
المقبرة، وهو إمام الناس يومئذ، وذكر الفضل بن طاهر في كتاب التذكرة،
ورده يزيد أبو أحمد في كامله في باب ما أنكر على زيد بن جبيرة- يعني أبا
جبيرة الأنصاري- القائل فيه يحيى بن معين: لا شيء، وقال أبو حاتم: منكر
الحديث جدا متروك، وقال الأزدي: متروك الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف
الحديث، وقال ابن حبان: يروى المناكير عن المشاهير فاستحق السلب عن
رواية، وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه/ليس بالقائم، وقال أبو عمر في
الاستفتاء: وأجمعوا على أنه ضعيف الحديث. انتهى. وفيه نظر؛ لما تقدم من
عند الساجي وغيره، ولما ذكر له الحاكم حديثا في مستدركه صحح إسناده،
وأما يحمى بن أيوب أبو زكريا البغدادي الزاهد المقابري وداود بن الحصين وإن
كان فيهما كلام فحديثهما في الصحيح.
حدثنا علي بن داود ومحمد بن أبي الحسين قالا: ثنا أبو صالح، حدثني
الليث عن عبد الله بن عمر، حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"سبع مواطن لا يجوز فيها الصلاة، طاهر بيت الله،
والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق" (1) . هذا
حديث سبق الكلام عليه وردّ 5 أبو علي الطوسي بعلي بن داود أيضا، والله
أعلم. وقال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر عن عمر إلّا من هذا الوجه،
ولا نعلم حدّثه به عن عبد الله عمر إلا الليث بن سعد، وفي الباب حديث
عائشة، وذكر عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبه بالحديث فقال:"أولئك قوم إذا مات
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/747) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/
162) 0 أنظر: الإرواء: (287) ، والشكاة: (738) .(1/1237)
فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة أولئك
شرار الخلق عند الله عز وجل" (1) . وحديث ابن عباس قال عليه السلام:
"لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما
صنعو" (2) . وحديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قاتل الله اليهود
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (3) . خرجاه في صحيحهما، وحديث جندب
سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/قبل أن يموت بخمس وهو يقول:" إني أبرأ إلى الله أن
يكون لي منكم خليل ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم
وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذ القبور مساجد" (4) . وحديث أبي مرثد
الغنوى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها".
رواهما مسلم، وحديث ابن عمر؛ قال عليه السلام: "اجعلوا في بيوتكم
من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا" (6) . ذكره البخاري، قال الإسماعيلي: إنّ
هذا الحديث يدلُّ على النهي عن الصلاة في القبر لا في المقابر، وفي كتاب
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/118) ، والفتح (1/531) ، ورواه ابن سعد (2/2/34) ، وأبو
عوانة (1/400) ، والتمهيد (1/168، 5/46) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/119، 4،206،6/14،7/109) ، ومسلم في
) المساجد، باب"3"، ح/22) ، والنسائي (2/40) ، وأحمد (6/275، 299) ، والنبوة (7/
203) ، وأبو عوانة (1/399، 400) ، والبداية (5/238) .
(3) حسن. رواه الترمذي (ح/813) ، وأحمد (2/285، 454، 518) ، والبيهقي (6/135، 9/
208) ، والنبوة (7/204) ، والموطأ (892) ، والمنثور (3/227) ، وابن سعد (2/2/44)
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/20) ، ومسلم في (المساجد، ح/23) ، وابن أبي
شيبة (2/376) ، والمشكاة (713) .
والخليل: هو المنقطع إليه، إليه: أي النبي ينهى عن ذلك ويكره.
(5) صحيح. رواه مسلم في (الجنائز، باب"33"، ح/97) ، وأبو داود (ح/3229) ،
والترمذي (ح/1050،1051) ، وصححه. وأحمد (4/135) ، والبيهقي (2/435، 4/79) ،
والحاكم (3/220، 221) ، وأبو عوانة (1/398) ، والمشكاة (1618) ، والطبراني في"الصغير"
(1/252) ، والكنز (42574) ، وشرح السنة (5/410) ، والحلية (9/38) .
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/118، 441، 2/76) ، ومسلم في (المسافرين،
ح/777) ، وأبو داود (1043) ، والترمذي (415) ، وصححه. وابن ماجة (1377) ، والنسائي
(3/197) ، وشرح السنة (4/132) ، وابن السني (411) ، والمشكاة (714) .(1/1238)
ابن المنذر هذا يدل على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة، وللعلماء في معنى
هذا الحديث قولان: أحدهما: أنه ورد في صلاة النافلة، وهو الظاهر، الثاني:
في الفريضة، يعني بذلك: من لا يقدر على الخروج، وفيه بعد في كتاب ابن
التين؛ فأوّل البخاري هذا مع الصلاة في المقابر وأخذ عليه، وذلك أن جماعة
أولوه على أنه عليه السلام ندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون
في قبورهم، فقال: " لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم"، وهي
القبور، وأمّا جواز الصلاة في المقابر أو المنع فليس في الحديث ما يوجد منه
ذلك، وحديث علي- رضي الله تعالى عنه- أنه هو يقاتل وهو يسير، فجاء
المؤذن، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام، فلما فرغ قال:"إنّ حبيبي عليه
السلام نهاني أن أصلى في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل، فإنها
ملعونة". ذكره أبو داود (1) من حديث الحجاج بن شداد عن أبي صالح
الغفاري سعيد بن عبد الرحمن عنه، وذكره أبو عبد الله/الجعفي في صحيحه
بلفظ: ويذكر عن علي أنه كره الصلاة بخسف بابل، وذكر ابن يونس أبا
صالح هذا؛ فقال: روى عن علي، وما أظنه سمع به، وقال الأشبيلي: هذا
حديث واهي، وزعم ابن القطان: أنّ فيه رجالا لا نعرف حالهم، وقال
البيهقي في المعرفة: إسناده غير قوي، وقال الخطابي: إسناد هذا الحديث فيه
مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حزم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما
هو منه وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا" (2) . ويشبهه أن يثبت الحديث أن يكون نهاه أن يتّخذها وطنا ودارا
للإِقامة، فتكون صلاته فيها يوما إذا كانت إقامته بها، ويخرج النهى فيه على
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/490) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/119،91) ، ومسلم في (المساجد، ح/5) ، وأبو
داود (489، 3613، 3614) ، والمجمع (3615) ، والترمذي (317) ، والنسائي (2/26) ، وابن
ماجة (567) ، وأحمد (1/250، 2/240، 250، 412، 442، 501، 5/145) ، والبيهقي (2/
433، 434) ، والطبراني (11/61، 73) ، والإرواء (1/315) .(1/1239)
الخصوص ألا ترى إلى قوله نهاني حبيبي، أو يحتمل أن يكون أمره ما يلقى
من المحنة بالكوفة وهى هن أرض بابل، والله تعالى أعلم.
وفي السن الكبير البيهقي (1) : وروينا عن عبد الله بن أبي محل العامري
قال:"كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل فلم يصل حتى أجازه".
وعن حجر بن عدي الحضرمي عن علي قال:"ما كنت لأصلى في أرض
خسف الله بها ثلاث مرات" (2) . قال أبو بكر: وهذا النهي إن ثبت مرفوعًا
ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة فلو صلى فيها لم يعد؛ وإنما هو كما جاء في
حديث الحجر، وحديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام:"لا تدخلوا
على هؤلاء المعذّبين إلا أن يكونوا باكين، فإن لم يكونوا باكين فلا تدخلوا
عليهم لا يصيبكم ما أصابهم" (3) . أدخله البخاري في باب الصلاة، في
موضع الخسف والعذاب، وفي كتاب البيهقي: وروينا عن ابن عمرو بن
العاص/أنه: كان يكره أن يصلي الرجل في الحمام، وروينا عن ابن عباس
أنه: كره أن يصلى إلى حش أو حمام أو قبر، ورأى عمر إنسان يصلى وبن
يديه قير لا يشعر به فناداه: القبر القبر، وحديث أبي سعيد مولى المهدى قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا تتخذوا بيوتكم قبورا" (4) . أنبأ به المسند الجودري عن
أبي الحسن المحمودي أنبأ الحافظ أبو طاهر، أنبأ أبو مسعود محمد بن عبد
الله بن أحمد السودجاني، أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حمدان
الخيال، قال السلفي: وأنبأ أبو القاسم الفضل بن علي السكري أنبأ أبو بكر
محمد بن أحمد الدكراني قالا: أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم،
__________
(1) صحيح. رواه البيهقي: (2/451) . وله شاهد بإسناد حسن. رواه أبو داود في الحاشية
رقم"1" السابقة.
(2) لم نقف عليه.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (6/9) ، ومسلم (2285) ، وعبد الرزاق (1625) ،
والترغيب (4/360) ، وتجريد (876) ، والتمهيد (5/212) ، والكنز (35163) ، وأذكار
(153) ، والطبراني (12/457) ، وبداية (1/138) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1377) ، وأحمد (4/114، 116) ، وعبد الرزاق
(6726،4839) ، والكنز (41510) ، وابن حبان (635) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1240)
ثنا جدي أبو موسى عن عيسى بن إبراهيم، ثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني
بجميع كتاب الثواب تأليفه، ثنا حبان عن محمد بن عجلان عنه، وحديث
الحسن قال: حدثني سبعة رهط من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم: أبو هريرة أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"نهى عن الصلاة في المسجد تجاه حش، أو حمام، أو
مقبرة" (1) . ذكره أبو أحمد من حديث عبادة بن كثير الثقفي عن عثمان
الأعرج عنه، وردّه بضعف عباد، وزاد ابن القطان علّة أخرى؛ وهى الجهالة
بحال عثمان؛ فإنّها لا تعرف، وفي كتاب البزار من حديث الأشعث عنه عن
أنس:"نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة بين القبور" (2) . وسنده صحيح. قاله عبد
الحق في الكبرى، وحديث أبي هريرة يرفعه:"لا تجعلوا بيوتكم مقابر" (3) .
رواه مسلم، وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان عند حديث عمر إن شاء الله تعالى
غريبه/: قال ابن سيده: القبر مدفن الإنسان، وجمعه: قبور، والمقبرة: موضع
القبور، قال سيبويه: المقبرة ليس على الفعل، ولكنه اسم، وفي الصحاح: وقد
جاء في الشّعر المقبرة قال الشاعر:
لكل أناس مقبر نعتا بهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
وهو المقبِري والمقبري، قال ابن مري: وقول ابن نصر أن المقبر- بفتح
الباء- قد جاء في الشعر، يقتضى أنه من الشاذ وليس كذلك؛ بل هو قياس
مطرد في أسم المكان من قبر يقبر المقبر، ومن خرج يخرج المخرج، ومن دخل
يدخل المدخل، وهو قياس مطرد لم يشذ منه غير الألفاظ المعروفة، مثل
المنبت، والمسقط، والمطلع، والمشرق، والمغرب، ونحوها، قال ابن سيّده:
__________
(1) ضعيف. وعفته عثمان الأعرج، عن الحسن، وعنه عياد بن كثير، لا يعرف. (المغني
في الضعفاء: 2/430/4076) .
(2) إسناده صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع للزوائد" (2/27) ، وعزاه إلى البزار ورجاله
رجال الصحيح. ورواه ابن أبي شيبة: (14/240) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (صلاة المسافرين، باب"29"، ح/212) ، والترمذي (ح/
2877) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود في (المناسك، باب"99" (، وأحمد
(2/378،337،284،288) ، والمشكاة (2119) ، وشرح السنة (4/456) ، والكنز (41511)
والترغيب (2/369) .(1/1241)
والحمام: الديماس مشتق من الحميم مذكر وهو أحد ما جاء من الأسماء على
فعال نحو: اقتران والحمام، والجمع حمامات، قال سيبويه: جمعوه بالألف
والتاء، وإن كان مذكرًا حي لم يكسر، جعلوا ذلك عوضا من التكسير، وفي
الصحاح: الحمام مشدد واحد الحمامات المبنية، وفي الأوائل: أؤل من اتُّخذ له
الحمام، سليمان، قالوا: أراد أن يتذكر به الآخرة فلما دخلها قال: آه من عذاب
الله تعالى، وأما المجزرة فزعم الجوهري: أن المجزر بكسر الراء موضع جزر
الجزور ويقال: جزرت الجزور أجزرها بالضم، واجتزرتها إذا نحرتها وجلدتها،
وفي الحديث عن عمر:"إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة
الخمر" (1) . قال الأصمعي: يعني ندى القوم؛ لأن الجزور إنما تذبح عند جمع
الناس، قال: والمزبلة: بالضم أيضًا، موضع الزبل وهو السرجين، قال أبو
محمد ابن حزم: ولا تحل الصلاة في حمام سواء مبد أما به إلى/منتهى جميع
حدوده، ولا على سطحه وسقف موقده وأعالي حيطانه خربا كان أو قائما،
فإن سقط من بنيانه شيء يسقط عنه اسم حمام، جازت الصلاة في أرضه
حينئذ، ولا في مقبرة لمسلم كانت أو لكافر، فإن ثبت وأخرج ما فيها من
الموتى جازت الصلاة فيها، ولا إلى قبر ولا عليه ولعانه قبر نبي، وبهذا تقول:
طوائف صن السلف روينا عن نافع بن جبير أنه قال:"كان ينهى أن يصلى
وسط القبر والحمام والحشان". وعن ابن عباس قال:"لا تصلين إلى حش،
ولا حمام، ولا في مقبرة". قال أبو محمد: ولا نعلم لابن عباس في هذا
مخالفا من الصحابة، وعن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاثة أبيات
قبلة: الحمام، والحش، والمقبرة، وعن العلاء بن زياد عن أبيه وخيثمة بن عبد
الرحمن أنهما قالا:"لا تصلي إلى حمام، ولا إلى حش، ولا وسط مقبرة"
وقال أحمد: من صلى في حمام أو مقبرة أو إلى مقبرة أعاد أبدًا، وعن علي:
__________
(1) بنحوه. رواه مالك في: صفة النبط صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (ح/36) . ولفظه:"إياكم واللحم؛ فإن له
ضراوة كضراوة الخمر".
غريبه: قوله:"ضراوة" أي: عادة يدعو إليها ويشق تركها لمن ألفها، فلا يصبر عنه من
اعتاده.(1/1242)
من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد، وعن ابن عباس رفعه:"لا تصلوا
على قبر، ولا إلى قبر" (1) . قال ابن جريج:"قلت لعطاء أيكره أن يصلى إلى
قبر أو وسط القبور؟! قال: نعم، كان ينهى عن ذلك، فإن كان بينك وببن
القبر سترة ذراع فصلّ"، وعن عمرو بن دينار نحوه، وكان طاوس يكره
الصلاة وسط القبور كراهية شديدة، قال أبو محمد: فهؤلاء الصحابة لا نعلم
لهم من الصحابة أيضا مخالفا، وكره الصلاة على القبر وإلى القبر، وفي
المقبرة: أبو حنيفة، والأوزاعي، وسفيان، ولم يرى مالك بذلك النهى عن
الصلاة على ظهر الكعبة فسيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، والله أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه الطبراني في"الكبير" (3/2/145) ، عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة
عن ابن عباس مرفوعا. وكيسان هذا هو: أبو مجاهد المروزي صدوق يخطيء كثيرا كما قال
الحافظ في"التقريب"، وبقية رجاله ثقات.
ثم رواه (1/1/150) عن رشدين بن كُريب عن أبيه عن ابن عباس رفعه. ورشدينن ضعيف
كما في"التقريب"، وبقية رجاله ثقات، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وللحديث
شاهدان من حديث أبط سعيد الخدري وأنس، وهما مخرجان في كتاب"تحذير المساجد"
) ص 31-32) ، وعلى هذا فيكون الحديث صحيح.(1/1243)
122-باب ما يكره في المساجد
حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، ثنا محمد
ابن حمير، ثنا زيد بن جبيرة الأنصاري عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن
عمرو عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"خصال لا ينبغي في المسجد، لا تتخذ
طريقا، ولا يشهر فيه سلاحا، ولا يبيض فيه نفوس، ولا ينثر فيه نبلا، ولا يمر
فيه بلحم نيىء ولا يضرب فيه حدًا، ولا يقتص فيه من أحد، ولا يتخذ
سوقاً" (1) . هذا حديث لما ذكره أبو أحمد بن عدي وأبو الفضل في كتاب
التذكرة ضعّفاه بزيد، وقال أبو الفرح في العلل المتناهية: هذا خبر لا يصح،
ورواه أبو نعيم من حديث يحيى بن صالح أبو حاطي ثنا علي بن حوشب عن
أبي قبيل حيي بن هانئ عن سالم عنه بلفظ:"لا تتخذوا المساجد طرقا إّلا
لذكر أو صلاة" (2) . ثم قال: تفرد به أبو قبيل عن سالم. حدثنا عبد الله ابن
سعيد الكندي، ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جدّه قال:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البيع والابتياع، وعن تناشد
الأشعار في المساجد" (3) . ثم كرر ذكره في باب إنشاد الضوال، وهو حديث
خرجه ابن خزيمة، في صحيحه عن عبد الله بن سعيد، ثنا أبو خالد ولفظه:
"عن البيع والابتياع وأن ينشد الضوال وعن تناشد الأشعار، وعن التحلق
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/748) . في الزوائد: إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف
زيد بن جبيرة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف. والفتح (13/157) ، ونصب
الراية (2/493) ، والكنز (20820) ، وابن القيسراني في"الموضوعات" (434) ، والعلل
المتناهية (1/403) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/163) ، والتعليق الرغيب (1/124) ، والضعيفة
(1497) ، وصحت منه الخصلة الأولى- الصحيحة (1001) .
(2) صحيح. رواه الطبراني في"الكبير" (3/2/194) ، وفي "الأوسط" (2/20) من
' مجمع البحرين". وعنه ابن عساكر في"تاريخ دمشق" (12/2/39) من طريق أخرى عن
يحيى بن صالح الوحاظي به. لإسناده حسن.
وأورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/24) . ورجاله موثقون.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/749) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1244)
للحديث يوم الجمعة قبل الصلاة- يعني في المسجد-". ولما رواه أبو عيسى
عن قتيبة، ثنا الليث عن ابن عجلان قال فيه: حديث حسن والالتفات إلى
قول ابن حزم هذا: خبر لا/يصح؛ لأنه من طريق عمرو عن أبيه عن جده
وهي ضعيفة أو من طريق هي أسقط منها، زاد أحمد: وأن لا يشترى فيه،
وعند البيهقي: وعن تعريف الضالة: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا
مسلم بن إبراهيم، ثنا الحرث بن نبهان، ثنا عتبة بن يقظان عن أبي سعيد عن
مكحول عن واثلة بن الأسقع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"جنبوا مساجدكم
صبيانكم، ومجانينكم، وشرائكم، وبيعكم، ومصوماتكم، ورفع أصواتكم،
وإقامة حدودكم، وسل سيوفكم، واتخذوا على وسل سيوفكم أبوابها المطاهر
وجمروها في الجمع" (1) . هذا الحديث معلل بأمور منها: الحارث بن نبهان
الجرمي القائل فيه أحمد: هو رجل صالح، لم يكن يعرف الحديث ولا يحفظه
وهو منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه ليس بشيء، وفي رواية:
كثير الغلط، وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف الحديث منكره، وقال أبو
زرعة: ضعيف الحديث في حديثه وهن، وعجب من قول ابن معين ليس
بشيء، وقال البخاري: منكر، وفي علل أبي عيسى عنه: ولا يبالي ما حدث
وضعّفه جدا، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: خرج عن حد
الاحتجاج به، وقال الدارقطني: ليس بالقوى، وفي تاريخ محمد بن أبي شيبة
سألت ابن المديني عن ابن نبهان فقال: كان ضعيفًا ضعيفًا، وقال الآجري:
سألت أبا داود عن ابن نبهان فقال: ليس بشيء، وقال الساجي: عنده مناكير
وذكر أبو جعفر العقيلي: أنه منكر الحديث، وفي كتاب أبي العرب قال: أبو
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (750) . في الزوائد: إسناده ضعيف؛ فإن الحارث بن نبهان
متفق على ضعفه. والمجمع (2/25-26) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"وهو فيه (8/
156) ، وفيه العلاء بن كثير الليثي الشامط وهو ضعيف. ونصب الراية (2/491) والفتح (13/
157) والمطالب (357) ، وابن كثير (6/68) ، والقرطبي (12/270) ، والترغيب (1/199) ،
والمنثور (5/51) ، وتذكرة (37) ، والخفاء (1/400) ، وأسرار (172) ، وا لمتناهية (1/404) ،
والعقيلي (3/348) . وضعفه الشيخ الألباني: ضعيف ابن ماجة (ح/164) ، والتعليق الرغيب
(1/120- 121) ، والأجوبة النافعة (55) ، والإرواء (7/36) .(1/1245)
الحسن بن نبهان ضعيف الحديث، قال أبو العرب: كان الحديث قدم إلينا من
إفريقية فسمع منه البهلول بن راشد، وكان/الحديث، فزاد ذكره الدولابي في
كناه، ووصفه بلا شيء، وقال أبو إسحاق الحربي: غيره أوثق منه، وذكر ابن
لعطة: أنه منكر الحديث. الثّاني: عتبة بن يقظان وإن ذكره ابن حبان في
كتاب الثقات، فقد قال النسائي: كان غير ثقة، وقال علي بن الحسن بن
الجنيد: لا يساوي شيئا فيما ذكره ابن أبي حاتم. الثالث: أبو سعيد لا يعرف
حاله، ولم نر له راوياً غير عتبة. الرابع: مكحول، وإن كان البخاري في
تاريخه الأوسط زعم أنه سمع من واثلة، وكذلك البزار، والجوزقاني؛ فقد ذكره
أبو مسهر، وقيل له: هل سمع مكحول من أحد من الصحابة، فقال: ما صح
عندنا إلّا أنمر، قلت: فواثلة فأنكره، قال عبد الرحمن: سألت أبي عن
مكحول عن واثلة، فقال: مكحول لم يسمع من واثلة؛ إّنما دخل عليه، وروينا
عن أبي عبد الله بن البيع في كتاب معرفة علوم الحديث حديث مكحول عن
الصحابة حوالة، ورواه أبو أحمد بن عدى في كامله من حديث
عبد الرحمن بن هانئ وهو متهم بالكذب عن العلاء وهو ضعيف عن مكحول
عن واثلة وأبي الدرداء وأبي أمامة قال: سمعنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " جنبوا
مساجدكم ... "فذكره بزيادة:"واجعلوا على أبوابها المطاهر". وغير ذلك،
ثم رواه أبو العلاء، وكذلك أبو الفضل بن طاهر وأبو محمد الأشبيلي، وأمّا
أبو الحسن بن القطان وصاحب العلل المتناهية؛ فرواه بها، وأما إغفال ابن
عساكر ومن بعده حديث ابن ماجة هذا فغير صواب، وقد استدركناه في
كتابنا المسمّى بالأطراف بتهذيب الأطراف، وفي الباب غير حديث؛ من ذلك
حديث حكيم بن حزام قال:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/أن يستقاد في المسجد،
وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود". خرجه أبو داود (1) من حديث
صدقه بن خالد عن محمد بن عبد الله الشعيثي عن زفر بن وثيمة عنه وزعم
أبو محمد الأشبيلي أنه حديث ضعيف، وقال ابن القطان: لم يثنى أبو محمد
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/4490) ، والدارقطني (3/85، 86) ، والبيهقي (8/328، 10/
103) ، والمتناهية (1/403) .(1/1246)
من أمره شيئا وعليه الجهل بحال زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس بن الحدثان؛
فإنه لا يعرف بأكثر من رواية محمد بن عبد الله بن المهاجر الشعيثي عنه،
وروايته هو عن حكيم. انتهى كلامه. وفيه نطر من حيث؛ نظر في غير موضع
النظر، وذلك أنّ من لا يصلح أن يكون علّة لحديث فإنه ممن سأل عثمان بن
سعيد الدارمي أبا زكريا يحيى بن معين؛ فقال: ثقة، وذكره أبو حاتم البستي
في كتاب الثقات، وروى له الحاكم في مستدركه حديثا صح إسناده، وروى
عن المغيرة بن شعبة، وروى عنه أيضا محمد بن عبد النضري فيما ذكره أبو
نعيم في كتاب المساجد، وأظنهما واحدا، وعلى كل حال زالت العلّة التي
عصب بها ابن القطان رأس زفر، وأمّا الشعيثي الذي أبرزه أبو محمد عبد
الحق؛ فهو ثقة عند جماعة: منهم: دحيم، والمفضل بن غسان فصح على هذا
إذا الحديث، ولقائل أن يقول: ليس الأمر على ما ذكرت، وذلك أنه حديث
منقطع، والمنقطع لا يكون صحيحا، وبيانه عدم اتصال ما بين زفر وحكيم
الذي أشار إليه ابن حبان بقوله: روى عن حكيم، إن كان سمع منه، وهذا
وإن كان ظنا لا يقينا فإنّه يخدش في الاتصال؛ لكوننا لم نعرف مولده ليتّضح
سماعه منه أو عدمه، ولانا لم نره صرح بسماعه منه، وإن لم يتّهم بتدليس/
فغير كان حداثنا رواية عنه مع هذا الخدش. والله تعالى أعلم، وقد وجدنا
دحيما لما ذكره وأوضح ما استبهم علينا من حاله بهذا أنه لم يكن حكيما،
وأما ما كرهه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر؛ من أن وكيع بن الجراح رواه عن
الشعبي، عن عبد الرحمن المزني عن حكيم، وكذا ذكره الدارقطني رواه عن
حكيم العباس بن عبد الكريم، فغير محمد، لعدم ذكر هذين في شيء من
التواريخ جملة فيما أمر حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"جنبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" (1) . رواه البزار وقال: ليس لهذا الحديث
أصل من حديث عبد الله، وفي كتاب أبي نعيم من حديث الحكم بن عبد
الملك عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عنه مرفوعا:"من أشراط الساعة أن يمُر
الرجل في المسجد لا يصلي فيه". وفي المستدرك (2) من حديث خارجة بن
__________
(1) موضوع المجمع (2/26- 27) ، والعقيلي (3/348) ، والمتناهية (1/404) ، والحفاء (1/400) .
(2) رواه الحاكم في"المستدرك": (4/446) ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.(1/1247)
الظت البرجمش"قال: دخلت مع عبد الله، فإذا القوم ركوع فركع فمر
رجل فسلّم عليه، فقال عبد الله: صدق الله ورسوله أنه كان يقول: " لا تقام
الساعة حتى تتخذ المساجد طرقا ... " (1) الحديث، وقال فيه: صحيح الإسناد
ولم يخرجاه، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه ومن رفعه مطولا، وحديث
مكحول رفعه إلى معاذ بن جبل رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا جنِّبوا
مساجدكم صبيانكم، وخصوماتكم، وشراءكم، وبيعكم، وجمروها يوم
جمعكم، واجعلوا على أبوابها مطاهر". رواه أبو نعيم في كتاب المساجد من
حديث محمد بن مسلم الطائفي/عن عبد ربه بن عبد الله الشامي عن
يحيى بن العلاء عنه، وفي التفسير المنسوب للضحاك من حديث برد عن
مكحول عنه مرفوعا بلفظ:"ينهون صبيانكم عن اللعب في المساجد
ويهودكم ونصاراكم أن يدخلوا المسجد، أو ليمسخنّكم الله قردة وخنازير ركعا
وسجدا" يرد عن مكحول فال عليه السلام: " لا تفرد أهل الكفر بالله أن
يدخلوا مساجدكم لما هم فيه من النجاسة لمه. يرد عن مكحول قال عليه
السلام: " جنبوا مساجدكم مجانينكم، وصبيانكم، ورفع أصواتكم، وبيعكم
وشراءكم، وسلاحكم، وجمروها بين كل سبعة أيام، وصفوا الطاهر أبوابها
وأفنيتها لمه (2) . وحديث محمد بن محبر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه
عن علي قال: صليت العصر مع عثمان فرأى خياطا في ناحية المسجد، فأمر
بإخراجه فقيل له: يا أمير المؤمنين أنه يكنس المسجد، ويغلق أبوابه، ويرش أحيانا
فقال عثمان: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا جنبوا صناعكم
مساجدكم " (3) . ذكره أبو أحمد وقال: هذا حديث غير محفوظ، ورواه أبو
الفرح يكذب محمد بن محيرز أبي حمام الثقفي البصري الصانع الدلال
الرازي عن جعفر والثوري، كذا ذكره ابن الجوزي في كتاب الضعفاء
__________
) * (هكذا ذكرت بالأصل
(1) تقدم ص 1244.
(2) رواه عبد الرزاق (1726) ، والكنز (20835) ، وابن عدي في"الكامل" (4/1454)
والدرر (68) ، وأسرار (172) .
(3) ضعيف. رواه ابن عدي في "الكامل" (6/2266) ، والكنز (2083) والقرطبي (12/
270) ، والمتناهية (1/404) .(1/1248)
والمتروكين. وفيه نظر في ثلاثة مواضع: الأول: تركيبها من ترجمتي الدلال
والثقفي. الثاني: فإن الثقفي؛ إنما حدّث أبو همام عن الثوري وهشام بن سعد
وغيرهما. الثالث: أن الضعيف الثقفي، لا الدلال ذكرهما كذلك ابن أبي
حاتم، والمنجيلي، وغيرهما، أوضحنا ذلك في كتابنا الاكتفاء بفتح كتاب
الضعفاء/. وحديث أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا رأيتم الرجل يبيع
ويشترى في المسجد فقولوا: لا أرع الله تجارتك". خرجه ابق حبان في
صحيحه (1) ، وحديث جابر بن عبد الله قال:"نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسل
السيف في المسجد" (2) . قال عبد الحق: رواه عمر بن هارون عن ابن جريج
أخبرني أبو الزبير سمع جابرًا يذكره وعمر ضعيف، والصحيح حديث عبد
الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
مرسل، قال ابن القطان: لم يعز أبو محمد حديث جابر ولا أعرف له إّلا
موقعًا. انتهى. وفيه نطر؛ من حيث أعنى على كلام أبي محمد في عمر بأنه
ضعيف وهو لير بهذه المنزلة عند العلماء، قال ابن معين: هو كذاب
الحديث، وتركه أحمد وابن مهدي والنسائي، وقال ابن حبان: يروى عن
الثقات المعضلات، ويدعى شيوخًا لم يرهم، فقد رأينا لهذا الحديث موقعا،
وهو ما رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح من حديث عمرو بن دينار
عنه مرفوعا:"إذا دخلتم بالسهام المساجد فامسكوا بنصالها لا تجرحوا أحدًا
من المسلمين" (3) . وقال: تفرد به سهل بق زنجويه عن وكيع يعني عن
الأعمش عن ابن عتبة عنه، وحديث ابن عباس: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا
يقتل الوالد بالولد، ولا تقام الحدود في المساجد " (4) . رواه أبو أحمد من
__________
(1) صحيح. رواه ابن حبان: (313) .
(2) قلت: وهذا الحديث طرف من أحاديث هذا الباب. فارجع إليه في سنن ابن ماجة (ح/
750) وهو حديث ضعيف.
(3) ضعيف. انظر: المجمع: (2/26) وقد عزاه بنحوه الطبراني في "الأوسط" وفيه أبو
البلاد ضعفه أبو حاتم.
(4) ضعيف. رواه الترمذي (ح/1401) وقال: هذا حديث لا نعرفه بهذا الإسناد مرفوعا ألا من حديث
إسماعيل بن مسلم، وإسماعيل بن مسلم المكي: قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. ورواه
الدارقطني (3/141) ، وابن أبي شيبة (9/410) ، وتلخيص (4/16) ، والكنز (20829، 39813) .(1/1249)
حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن عمرو بن دينار عن طاوس عنه، وقال
إسماعيل: ضعيف، وله أحاديث غير محفوظة هذا منها، وأشار أبو نعيم إلى
تفرد به عن عمرو، ولفظه في التفسير المنسوب للضحاك رواية جرهم عنه عن/
ابن عباس مرفوعا، وهو في المساجد: " ولا تتخذوها طرقا، ولا تمر فيه
حائض، ولا يقعد فيه جنب إلا عابري سبيل، ولا ينفر فيه نبل، ولا يسل فيه
سيف، ولا يضرب فيه حد، ولا يتخذ فيه مجلس للقضاء، ولا ينشد فيه شعر
فإن أنشد فقل بغّض الله، قال: ولا يبتاع، ولا يشتري، فإن باع فيه أو اشترى
فقل: لا أرع الله تجارتك، ولا ينشد فيه ضالة فإن أنشدها فقل: لا ردّها الله
عليك، ولا تزيّن بالقوارير، ولا يصور بالتصاوير، ولا ينفخ فيه بالمزامير، ولا
يضرب فيه بالدفوف فإنما شيدت بالأمانة ورفعت بالكرامة" (1) . وحديث
جبير بن مطعم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا تقام الحدود في المساجد"، ولا
ينشد فيها الإشعار ولا يستفاد فيها، ولا يرفع فيها الأصوات " (2) . رواه أبو
نعيم من حديث بقية، قال: حدثني مقاتل عن عمرو عن نافع بن جبير بن
مطعم عن أبيه، ورواه أيضا مختصرا من حديث سلمة عن ابن إسحاق،
وحدّثني أبي عن جبير به ورواه عمرو بن دينار عن نافع عن أبيه بلفظ:"لا
تسل السيوف ولا تنشر النبل في المساجد، ولا يحلف بالله في المسجد، ولا
يبيع القابلة في المسجد مقيما ولا ضيفا، ولا يبنى التصاوير، ولا تزين بالقوارير
فإنما بنيت بالأمانة وشرفت بالكرامة" (3) . وحديث ابن عباس وابن عمر عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أنه نهى أن تتخذ المساجد طرقا، أو. تقام فيها الحدود، أو تنشر
فيها الأشعار، أو يرفع فيها الصوت" (4) . ذكره أبو أحمد من حديث فرات بن
__________
(1) تقدّم. وقد أورده الهيثمي مختصرا في "مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في
"الكبير/من رواية عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه ولم أجد من ترجمه. قلت: وعلى قول
الهيثمي فالحديث ضعيف.
(2) تقدْم ص 1246.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"
وفيه بشر بن جبلة وهو ضعيف.
(4) تقدم ص 1246.(1/1250)
السائب وهو منكر الحديث عن ميمون بن مهران عنهما، وحديث أسيد بن
عبد الرحمن:/أن شاعراً جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد فقال:"أنشدك
يا رسول الله قال: لا، قال: بلى فأذن إلي فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فاخرج من
المسجد فخرج فأنشد فأعطاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثوبًا وقال: هذا بدل ما مدحت به
ربك". رواه عبد الرزاق (1) في مصنفه عن إبراهيم بن أبي يحيى شيخ
الشافعي عن ابن المنكدر عنه، وحديث أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال:" من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قبلًا، فيقال الليلتين، وأن تتّخذ
المساجد طرقًا، وأن يطهر موت الفجأة" (2) . ذكره ابن بنت منيع في معجم
الصحابة عن شريك، ثنا ابن العباس بن زريح عن الشعبي عنه، وسئل عنه
الدارقطني فقال: رواه عبد الكريم بن المعاني عن شريك مرفوعًا، وغيره يرويه
عن الشعبي مرسلا، وفي كتاب أبي نعيم من حديث عبد الله بن ضرار بن
عمرو الملطي عن أبيه عن قتادة عنه مرفوعا:"جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم ورفع أصواتكم" (3) . وحديث أبو موسى الأشعري: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مرّ أحدكم في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل، فليمسك عن
نصالها بكفه لا يصيب أحدًا من المسلمين منها" (4) . خرجاه في الصحيح،
وكذا حديث جابر قال: مر رجل في المسجد ومعه سهام فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"امسك نصالها ". وحديث محمد بن عبد الله قال: كنا عند أبي سعيد
الخدري فقلب رجل نبلا فقال أبو سعيد: أما كان هذا يعلم: أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تقليب السلاح وسلّه. رواه أبو القاسم في الأوسط (5) عن
__________
(1) رواه عبد الرزاق: (1717) .
(2) تقدّم الطرف الأخير من هذا الحديث في هذا الباب مرتين ص 1246، ص 1247.
(3) تقدم ص 1247
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (9/62) ومسلم في (البر والصلة، ح/123) ، وأبو
" داود (2587) ، وابن ماجة (3778) ، والبيهقي (8/23) ، وابن خزيمة (1318) ، والمشكاة
(3517) ، وا لكنز (10840) ، ومعاني (4/280) .
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/26) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط"
وفيه أبو البلاد ضعفه أبو حاتم.(1/1251)
علي بن سعيد الرازي/ثنا إسحاق بن خلف الأعم، ثنا مروان بن معاوية، ثنا
أبو البلاد عنه، ورواه أبو نعيم من حديث خالد بن إلياس، ثنا يحيى بن عبد
الرحمن عنه بلفظ: قال عليه السلام:"طيبوا مساجدكم وجمّروها، فإن
المساجد بيوت الله في الأرض ومجالس المؤمن، وجنبوها مجانينكم،
وصبيانكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم" (1) . وسيأتي ذكره فيما بعد،
وحديث السائب بن يزيد قال:"كنت نائمًا في المسجد فصحبني رجل
فنظرت فإذا عمر فقال: اذهب فأنني بهذين فجئته بهما فقال: من أنتما أو
من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف فقال لو كنتما من أهل البلاد
لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". رواه (2) البخاري،
وقد وردت أحاديث تعارض هذه منها: حديث أبي واقد عند البخاري (3) :
"بينما في المسجد فأقبل ثلاثة نفر فأما أحدهما: فرأى فرجة فجلس في
الحلقة". وكذا حديث كعب بن مالك:"أنه تعاطى ابن أبي حدرد دينًا
كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (4) . وحديث أبي قتادة:"بينما نحن جلوس في المسجد خرج علينا
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمل أمامة على عاتقه" (5) . وحديث يريدة:"خطبنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأقبل الحسن والحسين فأخذهما فأقعدهما". رواه أبو داود (6) بسند صحيح،
وحديث عائشة عند مسلم (7) قالت:"رأيت الحبشة يلعبون بحرابهم في
__________
(1) يأتي كما ذكر المصنف.
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/471) .
(3) صحيح. رواه البخاري (ح/474) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/2288،2287، 2400) ، ومسلم في (المساقاة،
باب"7"، ح/1564) ، وأبو داود (ح/1308) ، والنسائي في (البيوع، باب 100 ص 316
ج 7) ، وابن ماجه (ح/2403) ، ومالك في (البيوع، جامع الدين، ح/84) والدارمي (ح/
2587) ، وأحمد (2/260،254،245،71) .
(5) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/516) ومسلم في (المساجد، باب"9"، ح/543) ، وأبو
داود (ح/917- 920) ، والنسائي في (السهو، باب حمل الصبايا في الصلاة ووضعهّن في الصلاة 3/
10) ، ومالك في (قصر الصلاة، باب"24"، ح/81) ، والداري (ح/1359) .
(6) لم نقف عليه.
(7) صحيح. رواه مسلم في (العيدين، ح/18) .(1/1252)
مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يسترني بردائه لكي انظر إلى لعبهم"، وكذا حديث
حسان، وقوله لعمر:"كنت أنشد فيه الشعر، وفيه من هو خير منك" (1) .
وحديث سهل بن سعد في التلاعن:"وأنهما تلاعنا/في المسجد" (2) إلى
غير ذلك". من الأحاديث المبيحة لما حظر ولا فحملها بعضهم على الإباحة
وإلا منع، وأنّ الأولى تنزيه المساجد، وأن لا يجعل ذلك ألا ديدنا فيها، ودفعها
بعضهم جملة، لكونها معلولة، وزق ابن خزيمة في صحيحه: من إنشاد الشعر
الجائز إنشاده وبين الممنوع من إنشاده. غريبه: انبض القوس: مثل: انفيها
جذبت وترها التصوت، وانبض بالوتر كذلك، وانبض الوتر أيضا: جذبه بغير
سهم، ثم أرسله، عن يعقوب. قال اللحباني: الإنباض أن تمد الوتر ثم ترسله
فيسمع له صوت، وفي المثل: لا تعجّل بالإنباض قبل التوتير، مثل في
استعجال الأمر قبل بلوغ أناه، وقال أبو حنيفة: انبض في قوسه، ونبض
أصابها، وأنشد:
لئن نصبت لي الروقين معترضا ... لأرمينك رميا غير تنبيض
أي: لا يكون نزعي تنبيضا وتنقيرًا، يعني: لا يكون توعدا بلا بقاعا. ذكره
ابن سيده، وأنشد بعضهم شاهدا عليه قول مهلهل:
انبضوا معجن القسي وأثر فينا ... كما توعد الفحول الفحولا
وهو بيت مصنوع. حكاه الأخفش في أماليه عن الأصمعي.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (فضائل الصحابة، ح/151) وأحمد (5/222) .
(2) صحيح. رواه البخاري في: الأحكام، (ح/1765) ، ولفظ:"شهدت المتلاعنين وأنا ابن
خمس عشرة سنة، وفُرق بينهما".(1/1253)
123- باب النوم في المسجد
حدثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الله بن غير، أنبأ عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر قال:"كنا ننام في المسجد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
هذا حديث خرجاه في الصحيح (1) ، وفي الباب أحاديث، منها: حديث
سهل بن سعد: جاء إلى بنت فاطمة فقال: اين ابن عمك؟ فقالت:"كان
بيني وبيته شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي فقال النبي لإنسان: انظر أين
هو فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد/فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب" (2) . الحديث روياه أيضا،
وحديث أبي هريرة قال:"لقد رأيت سبعين من أهل الصفة في المسجد ما
منهم رجل عليه رداء"رواه البخاري (3) ، وحديث عائشة:"ضرب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد خيمة في المسجد يعوده من قريب فلم يدعهم في المسجد إلّا
والدم يسيل". رواه في الصحيح (4) ، وحديث المرأة التي كان لها خفش في
المسجد، وحديث ربطه يمامة بن أسال في المسجد، وهما في الصحيح،
وحديث عثمان بن أبي العاص:"أن وفد ثقيف أمر لهم النبط صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد
ليكون أرق لقلوبهم". رواه أبو داود (5) ، وحديث عبد الله بن زيد:"أنه
رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستلقيا في المسجد". عند البخاري (6) ، وفيه عن سعيد قال:
كان عمر، وعثمان يفعلان ذلك، والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه للبخاري (ح/440) ، وللترمذي (ح/321) ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح. وابن ماجة (ح/75) ، وأحمد (2/12) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/120،8/77) ، ومسلم في (فضائل الصحابة،
ح/38) ، والبيهقي (2/446) .
(3) صحيح. رواه البخاري (ح/442) .
(4) صحيح. رواه البخاري (ح/463) .
(5) حسن. رواه أبو داود (ح/1393) .
(6) صحيح. رواه البخاري (ح/475) .(1/1254)
124- باب أي مسجد وضع أول؟
حدثنا علي بن ميمون الرقط، ثنا محمد بن عبيد وثنا علي بن محمد، ثنا
أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر، قال: قلت
يا رسول الله أي مسجد وضع أوّل؟ قال:"المسجد الحرام"قلت: ثم أي؟
قال:"ثم المسجد الأقصى"قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون عاما، ثم
الأرض لك مُصفى فصل حيث أدركتك الصلاة". هذا حديث خرجاه في
الصحيح (1) ، وفي صحيح ابن خزيمة (2) ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير عن
الأعمش عن إبراهيم التيمي قال:"كنت أنا وأبي نجلس في الطريق فيعرض
علي القرآن وأعرض. قال: فتمر السجدة/فيسجد فقلت له: أتسجد في
الطريق؟ قال: نعم سمعت أبا ذر يذكره". وفي حديث عبد الأعلى عن
إبراهيم عند أبي نعيم الحافظ قلت كم بينهما؟ قال: أربعون سنة قلت: ثم
أي؟ قال:"أينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد" (3) . وقال ابن حبان
في صحيحه: ذكر الخبر المرخص قول من زعم أنّ بين إسماعيل وداود ألف
سنة، فذكر حديث أبي ذر وتتبع ذلك عليه الحافظ ضياء الدين المقدسي في
كتابه المسمى: علل التقاسم، والأنواع بقوله: طن أبو حاتم وتوهم أنّ أول
وضع البيت لما بناه إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، وقد روى أنّ آدم-
عليه السلام- حجّ البيت فقالت له الملائكة: قد حججنا هذا البيت قبلك
بألفي سنة، أو ما هذا معناه ثم إن بين إسماعيل، وداود- عليهما السلام-
من القرون ما لا يخفي على المميز وذلك أكثر من أربعين سنة، فإن داود كان
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/197،177) ، ومسلم في (المساجد، ح 1، 2)
وابن ماجة (ح/753) ، والنسائي (2/32) ، وابن أني شيبة (16/114) ، وعبد الرزاق (1578) ،
وأبو عوانة (1/392) ، والتمهيد (10/34) ، والبيهقي (2/433) .
(2) رواه ابن خزيمة: (787) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/177) ، ومسلم في (المساجد، ح 1) وأحمد (5/
160) ، والبيهقي (2/433) ، وابن أبي شيبة (2/204) ، ومشكل (1/32) ، والقرطبي (5/
233) ، وأبو عوانة (1/392) .(1/1255)
بعد موسى- عليه السلام، ووجه الحديث أن هذين المسجدين وضعا قديما ثم
خربا ثم بنيا، والله تعالى أعلم. وزعم القرطبي أنّ بين إبراهيم، وسليمان-
عليهما السلام- أيام طويلة قال أهل التاريخ: أكثر من ألف سنة، قال: ويرتفع
الإشكال؛ بأن يقال: أن الآية والحديث لابد أن على إبراهيم وسليمان ابتداء
وضعهما بعد ذلك تجديدا أما كان أسسه غيرهما، وقد روى أنّ أوّل من بني
البيت آدم، عليه السلام، وعلى هذا فيجوز أن يكون غيره من ولده وضع بيت
المقدس بعده بأربعين سنة، وبنحوه قاله ابن الجوزي في مشكله. انتهى
كلامهم- وفيه نظر؛ من حيث أنّ ابن هشام في كتاب البخاري أن آدم-
عليه السلام- لما بني البيت أمره جبريل بالمسير إلى بيت المقدس/، وأمره بأن
يبنيه فبناه ونسك فيه. انتهى. وقد ورد عن علي- رضى الله تعالى عنه- ما
يبين هذا الإشكال، ويوضِّحه إيضاحًا لا حاجة لنا معه إلى هذا التحرص
والحسبان أنبأ به المسند المعمر بدر الدين يوسف بن عمر التركي- رحمه الله-
قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم الأرناحي قراءة
عليه عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي أنبأ أبو الحسن عبيد الله بن
محمد بن أحمد أنبأ الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي أنبأ أبو عبد الله
الحافظ ثنا بكر بن محمد القتيمة في نمرة، ثنا أحمد بن حبان بن ملاعب ثنا
عبيد الله بن موسى ومحمد بن سابق قالا: ثنا إسرائيل ثنا سماك بن حرب عن
خالد بن عرعرة قال: سئل علبا- عليه السلام- عن أول بيت بني في
الأرض قال:"لا كان نوح قبل، وكان في البيوت، وكان إبراهيم قبله،
وكان في البيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس فيه البركة والهدى، ومقام
إبراهيم، ومن دخله كان آمنا ... ". الحديث فهذا علي- رضى الله تعالى
عنه- بيّن أن المراد بالوضع غير البناء، وإذا كان هكذا فلا إشكال، إذ مفهوم
حديثه يقتضى وضع ذلك فيه من الله تعالى قبل أن يضع مثله في مكان
المسجد الأقصى، وسياق الآية الكريمة يدل عليه أيضا فيزيد وضوحا بما ذكره
في تاريخ بيت المقدس تأليف محمد بن محمد بن عبدك الكنجي، ومن خطّه
نقلت: أنّ أبا عمرو الشيباني قال: قال علي بن أبي طالب: كانت الأرض
ماء فبعث الله ريحًا فمسحت الأرض مسحًا فطهرت على الأرض زبدة(1/1256)
فقسمها الله أربع قطع فخلق من قطعة مكة، ومن الثانية المدينة، ومن الثالثة
بيت المقدس/، ومن الرابعة مسجد الكوفة وعن كعب قال: بني سليمان بيت
المقدس أسسه سام بن نوح، عليه السلام، وأماما ورد أيضا، قال ابن حبان:
بأنّ آدم عليه السلام حج البيت وليس فيه تصريح بكونه مبنيًا يومئذ لاسيما
على رواية من روى، أنه كان إذ ذاك الوقت خيمة أو ياقوتة. انتهى. من وجه
الدلالة من هذا أن الأنام التي خلقت فيها السموات والموجودات كل سهم
منها ألف سنة على ما رجحه أبي جرير واحتج له فيحتمل أن يكون خلق
البيت قبل خلق المسجد الأقصى بهذا المقدار من سني الدنيا، والله تعالى أعلم.
* * *(1/1257)
125- باب المساجد في الدور
حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري:"وكان جعل مجة مجّها رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من دلو في بئر لهم" (1) . عن عتبان بن مالك السالمى وكان إمام قومه
بني سالم، وكان شهد بدرًا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"جئت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله إنى قد أنكرت من بصري، وأن السيل يأتيني
فيحول بيني وبين مسجد قومي، ويشق علي اجتيازه فإن رأيت أن يأتيني
فيصلى في بيتي مكانا اتخذ مصلى فافعل؟ قال: افعل، فعدا على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بعد ما أشهد النهار، فاستأذن فأذنت له فلم يجلس حتى قال:
أين تحب أن أصلى لك من بيتك؟ فأشرت له إلى المكان الذي أحبّ أن أصلّى
فيه/فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلّى بنا ركعتين ثم احتبسه على خزير يصنع لهم"
هذا حديث خرجاه مطولا في الصحيح (2) ، ورواه أبو الشيخ من حديث
النّضر بن أنس عن أبيه قال: لما أصيب عتبان فجعله من مسند أنس. حدثنا
يحيى بن الفضل المقري، ثنا أبو عامر، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي
صالح عن أبي هريرة:"أن رجلا من الأنصار أرسل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يقال فخطّ لي مسجدا في دارى أصلى فيه، وذلك بعدما عمى فجاء
ففعل" (3) . هذا حديث إسناده صحيح، وكأنه اختصار من الحديث الأول،
والله تعالى أعلم. حدثنا يحيى بن حكيم، ثنا بن عدي عن ابن عون عن
أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن أبي الجارود عن أنس بن مالك
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (ح/6354) ، وأحمد (5/321) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/115، 116، 170، 175، 213، 2/75، 7/94) ،
ومسلم في (المساجد، ح/263) ، والنسائي (3/65) ، والبيهقي (3/53، 87،71، 96، 10/
124) ، وابن خزيمة (1709،1673،1653) ، وشرح السنة (2/395) ، والتمهيد (10/158) ،
وأبو عوانة (1/11، 2/12) ، وابن المبارك فما"الزهد" (323) ، وابن عساكر في"التاريخ"
(7/55) .
(3) قلت: إسناده صحيح كما ذكر المصنف، وهو اختصار للحديث الأول.(1/1258)
قال:"صنع بعض عمومتي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعامًا فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنى أحب
أن جمل في بيتي وتصلى فيه. قال: فأتاه في البيت فحلّ من هذه الفحول
فأمر بناحية منه فكنس ورشق فصلى وصلينا معه، قال ابن ماجة: الفحل الحصير
الذي قد اسود" (1) . هذا حديث إسناده صحيح، وقد تقدم في كتاب
الطهارة صلاته عليه السلام في بيت أم سليم، وفي كتاب الصلاة صلاته عليه
السلام في الأماكن التي اتخذت مساجد. غريبة: الدار مؤنثة، وإنّما قال الله
تعالى:"ولنعم دار المتقين" (2) فذكر على معنى المثوى، والموضع كما قال:
"نعم الثواب وحسنت مرتفقا" (3) فأنث على المعنى واد في العدد أدر،
والكثير ديار مثل جبل وجبيل/وجبال، ودور أيضًا مثل: أسد وأسيد ذكره
الجوهري، وفي الجامع: الدار: الأرض، والدور القبائل، وفي الحديث:"ما
بقيت دار إلا بني فيها مسجد" (4) ، وفيه قوله عليه السلام:"ألا أنبئكم بخير
دور الأنصار، والخزيرة اللحم يقطع صغارًا ثم ينطبخ بالماء والملح، فإذا انتهيت
طبخًا درّ عليه الدقيق فقصر به ثم أدم بأي أدام شيء، ولا يكون الخزيرة إلا
وفيها لحم" (5) . وقيل: الخزيرة: مرقة، وهو أن تصفي بلالة النخالة ثم تطبخ،
وقيل: الخزيرة: الحساء من الدسم والدقيق، قال: فتدخل في حناجر أقنعت
لعاوتها من الخزير المعرف. ذكره ابن سيده. وفي الصحاح: الخزير والخزيرة أن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/756) في الزوائد: إسناده حسن، وله أصل في الصحيح.
وصححه الشيخ الألباني.
قال أبو عبد الله بن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد اسود.
(2) سورة للنحل آية: 30.
(3) سورة الكهف آية: 31.
(4) بنحوه. رواه أبو داود في: الصلاة، باب"46". والنسائي في: الإِمامة، باب"50".
(5) صحيح. رواه البخاري (ح/541) .
غريبة: قوله:"الخزيرة"، بخاء معجمة مفتوحة ثم زاي مكسورة وبعد التحتانية الساكنة راء
هي ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة لكنه أرق منها. قاله الطبري. وقال ابن فارس:
دقيق يخلط بشحم، وقال القتبي وتبعه الجوهري: الخزيرة: أن يؤخذ اللحم فيقطع صغارا،
ويصب عليه ماء كثير فإذا نضج در عليه للدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، وقيل
مرق يصفي من بلالة النخالة ثم يطبخ، وقيل حساء من دقيق ودسم.(1/1259)
ينصب القدر بلحم يقطع صغارا فإذا طبخ درّ عليه الدقيق وإن لم يكن فيها
لحم فهي عصيدة، وفي غريب ابن قتيبة: وقيل: وهي حساء من دقيق ودسم،
وفي البخاري عن النضر، والتهذيب للأزهري، عن أبي الهيثم: إذا كان من
دقيق فهي خزيرة، وإذا كان من نخالة فهي خزيرة، وقال ابن سيده: وقيل
الجريرة: هي الدقيق الذي يطبخ بلبن، والفحل: حصير ينسج من فحال
النخل- يعني: ذكره- والجمع فحول، وزعم أبو حنيفة: أن أبا عمرو
الشيباني قال: لا يقال فحل إّلا في ذي الزوج، وكذلك قاله أبو نصر، قال أبو
حنيفة: والناس على خلاف هذا، وقال أبو عبيد: هو الحصير المعمول من
سعف النخل، وقال سمر: قيل له ذلك؛ لأنه مستوى من الفحل من النخيل
فتكلّم به على التجّوز كما قالوا يلبس الصوف، والقطن، وإنّما بني بباب بقول
منها، وأما منزل غسّان فكان في بني سالم بن عوف، وفي كتاب الطبراني
من حديث ابن أي أويس عن أبيه عن ابن شهاب عن محمود عنه:"أنّ
النبي- صلى الله عليه وآله/وسلم- أتاه يوم السبت، ومعه أبو بكر وعمر" (1) .
وفي رواية:"فأتاني ومن شاء من أصحابه". وأما ما ورد في بعض الطرق أنه
لقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له" إنى أحبّ أن تأتيني"، وفي بعضها:"بعث إليه"؛
فيحتمل أنه أرسل إليه أولا ثم مشى إليه بعد قوله:"أنكرت من بصري"،
وفي رواية:"أنا خزير البصر"، وفي رواية:"أعمى"، وفي رواية:"أصابني
في بصرى بعض الشيء" يحتمل أن يريد ما نكرت، وأصابني في بصري
بعض الشيء ذهاب البصر كلّه، ويحتمل أنه ذهب بعظمه، وسمّاه عمى لقربه
منه، ومشاركة إيّاه في فوات بعض ما كان حاصلا في حال السلامة، وأمّا
قوله: السيل يحول بيتي وبن مسجد قومي: حمله بعضهم على جواز الصلاة
في المساجد التي حول المدينة زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي كتاب الطبراني ما يدفع
هذا التأويل، وإن كان الأوّل جائزا لكن من غير هذا الحديث يؤخذ، وهو
ما رواه من طريق أبي بكر بن أنس بن مالك فلا أستطيع أن أُصلِّى بعدك في
مسجدك، وفي قوله اتّخذه يصلي: إباحة له في أن يُصلِّي في بيته لعذره،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/11) بنحوه من حديث جابر، وعزاه
إلى"أحمد" وفي الصحيح طرف منه.(1/1260)
وفي تعيينه عليه السلام موضعا للصلاة إشعار بأن قوله: ولا يوطن الرجل
موضعا في المسجد، محمول على من فعل ذلك رياء وسمعة، والله تعالى
أعلم.
* * *(1/1261)
126- باب تطهير المساجد، وتطييبها
حدثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون، ثنا
محمد بن صالح المدني، ثنا مسلم بن أبي مريم عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من أخرج أذى من المسجد بني الله له بيتا في
الجنة" (1) هذا حديث/إسناده صحيح، وقد تقدم لفظه من كتاب أبي نعيم
مطولا من حديث عبد الله بن محمد بن وهب، ثنا عبد الله بن مصعب
الزبيري، ثنا عيسى بن المغيرة، ثنا خالد بن إلياس، حدثني يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه، حدثنا عبد الرحمن بن
بشر بن الحكم، وأحمد بن الأزهر، ثنا مالك بن سعيد، ثنا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة:"أن رسول الله أمر بالمساجد أن تبني في الدور، وأن
تطهر" (2) . وثنا رزق الله، ثنا يعقوب الحضرمي، ثنا زائدة عن هشام به مرفوعا
هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الرحمن بن بشر بلفظ:"أمر
ببناء المساجد في الدور" (3) . وعن أحمد بن الأزهر بزيادة:"وأن تطهر
وتطيب". فهذا ابن ماجة كما ترى أدرج لفظ أحد شيخيه عن لفظ الآخر
داخل بلفظ أحدهما مع ذلك، ورواه ابن حبان في صحيحه (4) عن الحسن بن
سفيان، ثنا أبو كريب، ثنا الحسين بن علي عن زائدة عن هشام بلفظ:"وأن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/757) . في الزوائد: إسناده فيه انقطاع، ولين. فإن فيه
سلمان بن يسار، وهو ابن أبي مريم، لم يسمع من أبي سعيد. ومحمد بن صالح فيه لي.
والترغيب (1/198) والكنز (20726) والقرطبي (12/266) وابن القيسراني في"الموضوعات"
وضعْفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة: (ح/166) والتعليق الرغيب (1/119) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/759) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/455) والترمذي (ح/594) وابن عدي في"الكامل" (5/
1738) . والعقيلي (3/309) .
قلت: والحديث رواه ابن ماجة وأبو داود وابن حبان هو موصولا في صحيحه.
(4) صحيح. رواه ابن حبان: (3/76) من حديث عائشة.(1/1262)
تطيب وتنطف"وذكر5 ابن حزم محتجًا به، وقال أبو الحسن بن القطان:
لاشكّ في صحة رفعه، وأبي ذلك جماعة، منهم ابن أبي حاتم، إذ سأل أباه
عنه فقال: إّنما يروى عن عروة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، ولما رواه أبو عيسى عن
محمد بن حاتم عن عامر بن صالح عن هشام مرفوعا اتبعه، ثنا هناد، ووكيع،
وابن أبي عمر كلهم عن سفيان عن هشام عن أبيه: أن النبي ... فذكره،
وقال: هذا أصح من الأوّل، قرأت على المسند بقية السلف أبي العباس أحمد
الخطوي، أنبأ به عبد اللطيف بن عبد المنعم عن يوسف بن المبارك/قال: أنبأ
سعد الخير قراءة عليه وأنا سمع في شوال سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، أنبأ
الإمام أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد العزيز الأبحري، أنبأ الشيخان أبو بكر
محمد ابن الحاجب، وأبو حفص عمر بن حمارة عن أبي سعيد القيم بن
علقمة قال: سمعه الخير أنبأ أيضًا أبو المحاسن عبد المحسن بن عبد العزيز بن
عبد السلام الأبحري، أنبأ أبو حفص، أنبأ أبو سعيد بن علقمة، أنبأ الحافظ أبو
الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي، قال: وقد روى عامر الزبيري
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره مرفوعا قال:
وروى وكيع، وعبدة جميعًا عن هشام عن أبيه مرسلا هذا أصح من حديث
الزبيري، وقال عبد الحق: إسناده مشهور وإن كان قد روى مرسلا، وهذا
العمري أوّل إذا حقق لم يحقق؛ لأنّ هذا الحديث أسنده جماعة من أصحاب
هشام، منهم سفيان بن سعيد الثوري من رواية علي بن الحسن بن أبي عيسى،
ثنا عبد الله بن الوليد عنه، ويحيى بن هاشم من رواية أبي بكر عن خلاد عن
الحارث بن أبي أسامة عنه فيما ذكره أبو نعيم الحافظ، وقال الفضل بن دكين:
ثنا سفيان عن هشام فذكره مرفوعاً، وزعم أبو الحسن علي بن عمر أنّ عبد
الله بن المبارك، وابن عيينة، وعبد الله بن عروة، ويونس وحبان بن علي رووه
عن هشام عن أبيه عن عائشة، والصحيح عن جميع من ذكرناه عن غيرهم
عن هشام مرسلًا. انتهى كلامه. ولو رأى حديث الثوري سفيان لأذعن له
كل الإذعان؛ لأنه مسند كالشمس مرية في صحته، ولا لبس ولقائل أن
يقول: هب أنّ سائر المخلوقين خالفهم ولم يتابعه/أحد له عارفه فكان ماذا
أليس قوله أولى بالصواب؟ وإليه في الحفظ والإتقان: المرجع، والمآب لا سيما،(1/1263)
ولم يرد خلاف قوله إلا عن ابن عيينة، وقد تقدّم الخلاف عليه في ذلك،
وهذه مسألة اختلف فيها: هل الحكم للمسند أو المرسل؟ وهل يعتبر فيهما
الأحفظ أو الأكثر؟ وهل الحكم للزائد أو للناقص؟ وهل إذا تساويا يكون علّة
مؤثرة أم لا؟ وههنا يترجح الأخلف في هذا الحديث؛ لأنّ الذين أسندوه كثر
وأحفظ من الذين أرسلوه، ولأنّ الزيادة من الثقة الحافظ مقبولة إجماعا، والله
تعالى أعلم.
وقد روى أبو داود في سننه حديثا شاهدا له من حديث سمرة بن جندب،
وكنب إلى بنيه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في
ديارنا، ونصلح صفتها، ونطهّرها" (1) . ولفظ أحمد (2) في مسنده:"وأمرنا
أن ننظفها ". وما ذكره أبو محمد الأشبيلي بعد حديث عروة قال: الأول
أشهر إسنادا، قال ابن القطان: يقتضى ظاهر كلامه أن حديث عائشة وهذا لا
شيء؛ لأنه إسناد مجهول النية فيه جعفر بن سعد بن سمرة وحبيب بن
سليمان، وما من هؤلاء من يعرف له حاله، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم،
وهو إسناد يرى به جملة أخبار ذكر البزار منها نحو المائة، ولما ذكر عبد الحق
حديث سمرة بهذا الإسناد فيمن نسى صلاة أو نام عنها كذا قال: في هؤلاء
ولم ينتهي كلامه، وفيه نظر؛ من حيث أنّ هؤلاء ليسوا كما قال؛ بل حالهم
معروفة لا مجهولة، أنبأ جعفر، فروى عنه جماعة منهم: سليمان بن موسى
ومحمد بن إبراهيم بن حبيب وعبد الجبار بن العباس الشامي، وصالح بن أبي
عتيقة الكاهلي/، وسليمان بن سمرة روى عنه ابنه حبيب وعلي بن ربيعة
الوالي، وحبيب بن سليمان ذكرهم ابن حبان البستي في الثقات، وروى أبو
بكر الإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير عن القاسم المطر، وثنا
العلاء بن سالم، ثنا حفص بن عمر، ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي الزبير عن جابر:"كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأمر باتخاذ المساجد في
الدور " (3) . رواه أبو نعيم عن عمر بن أحمد القاضي، ثنا العباس بن علي، ثنا
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/11) وعزاه إلى "أحمد " وإسناده صحيح.
(2) إسناده صحيح. رواه أحمد: (5/371) .
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/456) والطبراني: (6/303) .(1/1264)
العلاء بن سالم فذكره، وفي علل الدار قطي: روى قران بن تمام عن هشام بن
عروة عن أبيه عن الفرائضة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أنه أمر ببناء المساجد في الدور
وأن تطبّب" (1) ، ولا يصح، وقد قدمنا ذكر المساجد التي كانت في الدور،
حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية عن خالد بن إياس عن بحر بن عبد
الرحمن بن حاطب عن أبي سعيد الخدري قال:"أو نتخذ سرج في
المساجد" (2) . تميم الداري هذا: أثر إسناده ضعيف؛ لضعف رواية أبي الهيثم
خالد بن إياس بن صخر العدوي القرشي، ويقال: الأسلمي، وقال مسلمة بن
قاسم في كتاب الصلة: كان مدنيًا روى عنه العقيلي، وفي قوله نظر إن أراد
أبا جعفر الحافظ؛ لتأخره عن إدراكه وأظنه يريد غيره، والله تعالى أعلم. قال
فيه الإمام أحمد: هو منكر الحديث، وقال عباس عن يحيى: ليس بشيء، ولا
يكتب حديثه، وفي كتاب ابن البرقي عنه: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه،
وقال أبو حاتم الرازي: هو ضعيف الحديث منكر الحديث، وقال عبد الرحمن:
فقلت يكتب حديثه فقال: رحنا، وسئل عنه أبو زرعة فقال: ليس بقوى
سمعت أبا نعيم يقول: لا يسوى حديثه وسلب، وذكر بعد لا يسوى حديثه
فليستبين، وقال/النسائي متروك الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها
غرائب إفرار عمن يحدّث عنهم، ومع ضعفه يكتب حديثه، وقال البخاري:
ليس بشيء، وقال الساجي: منكر الحديث، وذكره العقيلي، وأبو العرب في
كتاب الضعفاء، وقال الحافظ ابن سعيد محمد بن علي بن عمر بن مهدى
النقاش في كتاب الضعفاء تأليفه: روى عن ابن المنكدر، وغيره أحاديث
موضوعة، وفي كتاب الصحابة للمديني من حديث محمد بن الحسن: هو
ابن قتيبة، ثنا سعيد بن زياد بن فايد عن أبيه عن جدّه عن أبي هند قال:
حمل تميم الداري معه من الشام إلى المدينة زيتًا، وقناديل، ومعطا، فلما انتهى
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) إسناده صحيح ورواه أبو داود في سننه: 2- كتاب الصلاة، 13- باب في السرج في
المسجد، (ح/457) .
ولفظه:"عن ميمونة مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس،
فقال"ائتوه فصفوا فيه- وكانت البلاد إذ ذاك حربا- فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت
يسرج في قناديله".(1/1265)
إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة، فأمر غلاما يقال له: أبو البراد فقام فشدّ
المعطُ، وعلّق القناديل، وصب فيها الماء، والزيت، وجعل فيها الفتيل، وأمر أبا
البراد فأسرجها، فقال: من فعل هذا؟ "قالوا: تميم يا رسول الله قال:"نوّرت
الإسلام نوّر الله عليك في الدنيا والآخرة أما أله لو كانت لي ابنة لزوجتها"،
فقال نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: لي ابنة يا رسول الله تسمى أم المغيرة،
فافعل فيها ما أردت، فأنكحه إياها على المكان. حدثنا إسماعيل بن عبد الله
الرفي، ثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن زياد عن أخيه عثمان بن أبي
سودة عن ميمونة مولاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: يا رسول الله ائتنا في بيت
المقدس فقال:"ائتوه فصلوا فيه، وكانت البلاد إذ ذاك حربًا، فإن لم تأتوه
وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله " (1) . هذا حديث إسناده صحيح
عثمان روى عنه جماعة منهم: الأوزاعي، وزيد بن واقد الدمشقي، وأبو سنان
عيسى بن سنان/، وحماد بن واقد، وشبيب بن شيبة،
وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ورجاء بن أبي سلمة، وعبيد الله بن حبان،
وشعيب بن رزين الطائفي، وأخوه زياد، قال صاحب تاريخ بيت المقدس:
روى عنه: سعيد بن عبد العزيز، ومعاوية بن صالح، زاد ابن حبان: وزيد بن
واقد، وأهل الشام حين ذكره، وأخاه في كتاب الثقات، وصحح ابن البيع
حديثا روياه، وقال أبو زرعة البصري في تاريخه: حدثني هشام، ثنا مغيرة عن
رجاء بن أبي سلمة عن عطاء الخراساني قال: كان إذا ذكر ابن محيرز،
وها نيء بن كلثوم، ورجاء بن حيوة، وابن الديلمي، وابن أبي سودة يقول: قد
كان في هؤلاء من هو أشد اجتهادا من هانىء، ولكنه كان يفضلهم بحسن
الخلق، وثنا محمد بن المبارك، ثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد قال: قال
زياد بن أبي سودة: كانت أمي مولاة لعبادة بن الصامت، وأبي مولى
لعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنبأ هشام، ثنا يحيى بن حمزة قال: قال
الأوزاعي: عثمان قد أدرك عبادة وكان مولاه، ثنا محمود بن خالد سمعت
مروان بن محمد يقول: عثمان بن أبي سودة، وزياد من أهل بيت المقدس
ثقتان ثبتان، وأبنا محمود بن خالد قال: سمعت أبا مسهر يقول: عثمان أبي
__________
(1) الحاشية السابقة.(1/1266)
سودة أسنّ من زياد، وقد أدرك عثمان عبادة، ولفظ أحمد بن حنبل في
مسنده: يا رسول الله ائتنا في بيت المقدس، قال:"أرض المحشر، والمنشر
ائتوا فصلوا فيه؛ فإن الصلاة فيه كألف صلاة في غيره"قالت: أرأيت إن لم
نطق أن نتحمل إليه؟ قال: " فليهدله زيت يسرج فيه فإن من أهدى له كمن
صلى فيه" (1) . ولفظ ابن أبي خيثمة في تاريخه الأوسط:"ائتوه فصلوا فيه
قلت: كيف؟ وبيننا وبينه الدوم/"، وفي آخره قال الأوزاعي: أوحى الله تعالى
إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن أمر بني إسرائيل أن يكثروا في مساجدهم
النور قال: فطنوا أنه أّمما يراد به المصابيح فأكثروها، وإنما يراد به العمل
الصالح، ولا التفات إلى قول عبد الحق في الوسطى، وذكره من عند أبي
داود من حديث عثمان بن أبي سودة عنها ليس بهذا الحديث بقوي؛ فإنه وهم
من وجوه:
الأول: جعله إياه عن عثمان، فإن الحديث عند أبي داود الذي من عنده
نقله هكذا: ثنا النفلي، ثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن ابن أبي سودة
عن ميمونة كذا الصفة في رواية اللؤلوي، وابن العبد، وابن داسة الرملي،
وكذا ذكره عنه أيضا أصحاب الأطراف.
الثاني: نقضه هذا القول بغيره وهو أنه سمّاه في الأحكام الكبرى زيادا،
وكذلك لما ذكره من عند أبي داود بسنده إلى ابن أبي سودة، قال ابن أبي
سودة: هذا هو زياد أخو عثمان بن أبي سودة، وهذا وإن كان أيضا خطأ فهو
إلى الصواب أقرب؛ لأن سعيدا إنّما عهدناه يحدّث عن عثمان بوساطة زياد
أخيه لو ذكره ابن أبي خيثمة، وأبو علي بن السكن، والإمام أحمد، والطبراني،
وغيرهم، وأمّا زياد: فإنّ حديثه عن ميمونة لا يتصل إّلا بوساطة أخيه عثمان
كما جوده ابن ماجة، وأبو علي بن السكن من حديث ثور بن يزيد عن زياد
عن أخيه عثمان، ولما عرف أبو حاتم الرازي، وغيره زياد: أوصفوه بالرواية عن
أخيه، فإن قلت: لعل الإشبيلي قد علم أنه إنّما رواه عن ميمونة عثمان لا زياد
تفرد به، فالجواب أنه إنما نسب الحديث إلى أبي داود، ولم يقع عنده إلّا
مبهما، فإن كان علمه عن عثمان فليس له/أن يعزوه كذلك إلى أبي داود،
__________
(1) تقدْم في ص 1265.(1/1267)
ولئن أغصنا عما قاله فليس يقل بتفسيره إياه بزيادة بعد، وهو تناقض طاهر لا
شك فيه، والله تعالى أعلم.
الثالث: قوله ليس بقوي، وقد بينا قوته، وأمّا قول ابن القطان هو خبر غير
صحيح؛ للجهل بحال زياد، وأخيه كذلك أيضا، وتفْسير الأوزاعي يردّ عليه
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يزيت يسرج في قناديله"ويزيده وضوحا ما رواه أبو نعيم الحافظ
عن أبي بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، أنبأ إسحاق بن بشر
الكاهلي، ثنا مهاجر بن كثير عن الحكم بن مسقلة العبدي عن أنس بن مالك:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل
الملائكة، وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من ذلك
السراج" (1) .
***
__________
(1) ضعيف. المنثور (3/217) والقرطبي (12/275) والخفاء (2/313) وأحاديث القصاص
(74) والفوائد (26) .(1/1268)
127- باب كراهية النخامة في المسجد
حدثنا محمد بن عثمان العثماني أبو مروان، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عون عن أبي هريرة، وأبي سعيد
الخدري أنهما أخبراه:"أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نخامة في جدار المسجد
فتناول حصاة فحكها، ثم قال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه، ولا
عن يمينه، وليبزق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى" (1) . هذا حديث اتفقا
على تخريجه، زاد أبو داود (2) من حديث أبي سعيد بعد:"فحكها بحصاة
ثم أقبل على الناس مفضيا فقال: أيحب أحدكم أن يبصق في وجهه؟ إنّ
أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربّه، والملك عن يمينه فلا يستقبل عن
يمينه"، وفيه:"فإن عجل به أمره فليفعل هكذا يعني: يتفل/في ثوبه". وفي
لفظ البخاري (3) من حديث أبي هريرة:"إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا
يبصق أمامه فإنما يناجى الله تعالى مادام في صلاته ولا عن يمينه فإن عن يمِينه
ملكا". وفي لفظ لمسلم (4) :"ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه فيتنخّم أمامه،
أيحبّ أن يستقبل فيتنخّم في وجهه، فإذا تنخّم أحدكم فليتنخم عن يساره أو
تحت قدمه؛ فإن لم يجد فليفعل هكذا: يعني: يتفل في ثوبه ثم يِمسح بعضه
على بعض". قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرد ثوبه بعضه
على بعض، ولفظ الكجي من حديث سليمان بن حرب، ثنا شعبة عن
القاسم بن مهران عن أبي رافع عنه."أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نخامة في قبلة
المسجد فأمرني فحتها، وقال مرة فقمت فحتها، وفي آخره: فإن لم يستطع
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب"4"،، والأذان، باب"94"،،
والأدب، باب"75" (ومسلم في:) المساجد، ح/53) وابن ماجة: (ح/761) وأحمد (2/
44،34،29،6) .
(2) رواه أبو داود: (ح/480) .
(3) صحيح. رواه البخاري: (1/113) والفتح: (1/5/12) والمشكاة (710) .
(4) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب"13"، ح/53) ، وأحمد (2/250) ، وابن أبي
شيبة: (2/364) والترغيب: (1/200) ، والكنز (19945) ، والإرواء (1/198) .(1/1269)
ففي ثوبه" (1) . وفي صحيح أبي بكر بن خزيمة (2) :"من دخل هذا المسجد
فبزق فيه أو تنخم فيه فليحصر فيه فليبعد فليدفنه، فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه
لم يخرج به"، وعند أبي نعيم:"ثم ليخرج به". رواه سليمان بن حرب عن
شعبة عن القاسم بن مهران عن رافع عنه بلفظ:"فلا يبزق عن يمينه، ولا
عن يساره، ولا بين يديه، ولكن تحت قدمه اليسرى"قال أبو زرعة: ما روى
بأن يبزق عن يساره أصح من هذا، وقال أبو حاتم: أخطأ فيه سليمان بن
حرب، وفي رواية عند أبي نعيم:" البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها
دفنها" (3) .
حدثنا محمد بن طريف، ثنا عابد بن حبيب عن حبيب عن أنس أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"رأى نخامة في قبلة المسجد فغضب حتى احمر وجهه فجاءته امرأة
من الأنصار فحكتها/وجعلت مكانها خلوقاً فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أحسن
هذا". هذا حديث اتفقا عليه وللبخاري (4) :"فقام يحكه بيده، وقال: إن
أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجى ربه أو إن ربه بينه وبن القبلة فلا يبزقن
أحدكم قبل القبلة، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه
فبصق فيه ثم ردّ بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا"، وفي لفظ
عندهما (5) :"فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت
قدمه"، وفي لفظ:"البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" (6) ، وعند
__________
(1) لم نقف على هذا اللفظ.
(2) صحيح، رواه ابن خزيمة: (1310) ، والكنز (20815) ، وأحمد (2/324) .
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/113) ، ومسلم في (المساجد، ح/55) ،
والترمذي (ح/572) ، وصححه. وأحمد (3/232، 274، 277) ، والبيهقي (2/291) ، والمجمع
(2/18) ، وأبو عوانة (1/405) ، والمنثور (5/51) ، والمنحة (350) ، والقرطبي: (12/278) ،
والمشكاة (708) ، وابن خزيمة (1309) ، وللكنز (20805، 20816) والجوامع (10304)
والطبراني (8/341) وشرح السنة (2/380) وابن عساكر في"التاريخ" (6/124) وصفة
(433) الخطيب في "التاريخ" (2/85، 9/396) .
(4) صحيح. رواه البخاري (ح/405)
(5) المصدر السابق للبخاري، ورواه مسلم في (المساجد، ح/54) .
(6) الحاشية رقم (2) للسابقة.(1/1270)
النسائي (1) :"بزق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوبه، وحك بعضه ببعض"، وعند أبي
خزيمة (2) :"عرضت علي أجور أُئتي حتى القذاة يخرجها الرجل من
المسجد"، وفي لفظ: التفل في المسجد ما ذكره الترمذي استغربه، وفي
كتاب أبي نعيم من حديث عبد الله بن جرار بن عمرو عن أبيه عن قتادة عن
أنس يرفعه:"من ابتلع أربعة أعظاما للمسجد ولم يمح اسمًا من أسماء الله
تعالى ببزاق كان من ضنا بين عبد الله تعالى"، وفي لفظ:"النخامة كفارتها
أن تواريها" (3) ، وفي لفظ:"فاٍن أخرجه من المسجد كتب له حسنة".
حدثنا محمد بن رمح المصري، ثنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن
عمر قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي بين يدي
الناس فحتها، ثم قال حين انصرف من الصلاة:"إن أحدكم إذا كان في
الصلاة فاٍن الله قبل وجهه فلا يتخمن أحد قبل وجهه في الصلاة" (4) . هذا
حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ:"رأى بصاقًا في جدار القبلة فحكه،
ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلي/فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن
الله عز وجل قبل وجهه إذا صلى". ورواه جويرية ابن أسماء بنت نافع عن
ابن عمر عند أبي نعيم بلفظ:"بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بأصحابه فرأى نخامة
في قبلة المسجد فحكها بيده، فلما قضى صلاته ... " (5) . قال: الحديث ففي
هذا أنّ الحك كان وهو يصلي، وتعلّق بعضهم باْن هذا ليس عملا كثيرًا
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في: المساجد، باب"31"النهى عن أن يتنخم الرجل في قبلة للمسجد (51
(2) حسن. رواه ابن خزيمة (1297) ، وأبو داود (461) ، والترمذي (2916) ، وقال: غريب
لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والطبراني في"الصغير" (1/189) ، وعبد الرزاق (5977) ،
والمشكاة (720) ، والترغيب (1/197، 2/359) والأذكار (99) ، وأصفهان (2/12) .
(3) رواه أحمد (3/109، 209، 277) وعبد للرزاق (1697) ، وأصفهان (1/981) ، بلفظ:
"النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها".
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/112) ، ومسلم في (المساجد، ح/50) ،
والنسائي (2/51) ، والبيهقي (2/293) ، وشرح السنة (2/284) ، وإتحاف (3/310) ، والموطأ
(194) ، وتجريد (517) ، والكنز (19949) .
(5) الحاشية السابقة.(1/1271)
يفسد الصلاة، فأردنا أن نعرف حقيقة ذلك، فوجدنا أبا داود بين أنه كان
يخطب وأن البزاق أثناء الخطبة، فهذا إذا قلنا إنها واقعة واحدة، ولفظه:
"بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يومًا إذ رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ على
الناس، ثم حكها، وقال عز وجل أن الله تعالى قال واحسبه" (1) . قال: فدهن
يزعفران فتحته به قيل وجهه، وقال:"إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه" (2) .
وفي مسند الدارمي (3) :"فتغيظ على أهل المسجد فعال لا تنخمن، ثم أمر
بها فحك مكانها، وأمر بها فلطخت"، قال حماد بن زيد: لا أعلم أيوب إلا
قال: بزعفران، وفي صحيح ابن خزيمة من حديث عاصم بن عمر عن ابن
سوقة عن نافع عنه قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"ولم يرفعه إلا من تنخم في قبلة
السجد بعث وهو في وجهه"ثنا الزعفراني، ثنا شبابة، ثنا عاصم بن محمد
عن ابن سوقة عن نافع عنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يبعث صاحب النخاعة في القبلة يوم
القيامة وهي في وجهه" (4) ، قال أبو بكر: الأول: عاصم بن عمرو، وهو
عندي أخو عبد الله، وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمرو. الثاني:
عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلما تدمّرت فإذا
عاصم بن محمد غير عاصم بن عمر على ما بينت/من نسبتهما، وقال
البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلّا عن ابن سوقة، وعند ابن
خزيمة: فجاء الرجل الذي نخع فحكمنا ثم طلى مكانها بالزعفران، وفي لفظ:
فحكّها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وعند أبي نعيم من حديث مسعود بن سعد عن ابن
إسحاق عن نافع عنه: فأخذ حصاة فقام فحتها ثم قال:"إذا قام أحدكم
__________
(1) كذا كلام المصنف، والسياق صحيح.
(6) صحيح رواه النسائي (1/163) ، وأبو داود (ح/478) ، والبيهقي (2/291) ، والكنز
(3) صحيح، متفق عليه. رواه الدرامي (ح/1397) ، والبخاري (ح/406) ، ومسلم في
(المساجد، ح/547) ، وأبو داود (ح/479) ، والنسائي في (المساجد، باب النهي على أن
يتنخم الرجل في قبلة المسجد، ح/4) ، وابن ماجة (ح/763) .
(4) ضعيف. رواه ابن خزيمة (1313) ، والترغيب (1/201) ، وأورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/
19) وعزاه إلى"البزار"وفيه عاصم بن عمر ضعفه البخاري وجماعة وذكر5 ابن حبان في الثقات.(1/1272)
يصلى فإنما يناجى ربه" (1) ، وفي لفظ:"من تنخم في قبلة المسجد جاء يوم
القيامة وهى في جبينه معلّقة" (2) ، وعند البيهقي قال أبو الوليد: قلت لابن
عمر:"ما كان بدّ وهذا الزعفران في المسجد فقال: خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى
نخامة ... لما الحديث، وفيه"وطلى بزعفران"، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"هذا أحسن
من الأول" (3) ، فصنعه الناس، وحدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة:"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكّ بزاقا في قبلة المسجد". هذا
حديث خرجاه في الصحيح (4) بلفظ:"رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا
أو نخامة فحكّه"، وفي الباب حديث أبي ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"عرضت
علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن
الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن"،
رواه مسلم (5) ، وكذا حديث عبد الله بن السحر وصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"تنخع فدلكها بنعله اليسرى"، وعند النسائي:"برجله اليسرى"، وحديث
سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"إذا تنخم أحدكم في
المسجد فليغب نخامة أن يصيب جلد مؤمن/أو ثوبه فتؤذيه لما (6) . رواه ابن
خزيمة في صحيحه، وحديث جابر بن عبد الله قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفْي يده عرجون
أبي طالب، فنطر فرأى في قبلة المسجد نخامة فأقبل عليها بالعرجون، ثم قال:
"أيكم يحب أن يعرض الله عنه إن أحدكم إذا قام يصلى بوجهه فإن الله
تعالي قبل وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره،
تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادره فليتفل بثوبه هكذا، ووضعه على
فيه، ثم قال: أروني عبيرا، فقام فتى من الحي يشتدْ إلى أهله، فجاء بخلوق في
__________
(1) تقدم ص 1270.
(2) العلل المتناهية: (1/417) .
(3) رواه البيهقي: (2/440) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في "الصلاة"، باب"33"،، والأذان، باب (94") ، ومسلم في
(المساجد، ح/50) ، والنسائي في المساجد، باب "31" (، وأحمد! 2/66، 3/65، 6/148)
(5) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/57) .
(6) صحيح. رواه ابن خزيمة (1311) ، والمجمع (8/114) ، وعزاه إلى البزار ورجاله ثقات.
ورواه أحمد: (3/88) .(1/1273)
راحته فاً خذه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر
النخامة، قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم". رواه
مسلم (1) ، وحديث طارق بن عبد الله المخاربي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا
قام الرجل إلى الصلاة، أو إذا صلى أحدكم، فلا يبزق أمامه ولا يمينه، ولكن
عن تلقاء يساره إن كان فارغا، أو تحت قدمه اليسرى ثم ليتفل به" (2) ، قال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحديث أبي سهلة السائب بن خلاد،
وله صحبة أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر فقال
رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغ:"لا يصلي لكم"، فأراد بعد ذلك أن يصلى
لهم فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:"نعم وحسبت أنه قال:
إنك آذيت الله ورسوله". رواه أبو داود (3) بسند صحيح عن أحمد بن صالح،
ثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن بكر بن سوادة الجذامي عن صالح بن خيوان
عنه، صالح هذا وثقة أبو حاتم ابن حبان، وذكر أبو الحسن بن القطان/: أن
العجلي أيضًا وثقة، ولم أره في نسختي فالله أعلم. وزعم ابن ماكولا في
باب المختلف فيه: أن أبا صالح قال فيه ابن يونس: بالحاء المبهمة وقاله البخاري
كذلك، ولكنه وهم، كذا ذكره عن ابن يونس، وليس هو بأبي عذرة هذا
القول بل تبعه على ذلك الدارقطني، ويشبه أن يكون وهمًا؛ لأن ابن يونس
لم يقل شيئا من ذلك، ونص ما عنده ذكره من اسمه صالح، فذكر صالح بن
أصرم ثم قال: صالح بن خيوان الشيباني يروى عن ابن عمرو بن السائب بن
خلاد، وعقبة بن عامر روى عنه بكر بن سوادة اللهم إلا لو نقل كلام أبي
داود هو بالحاء المهملة، ومن قاله بالحاء المنقوطة، فقد أخطأ لكان صوابا، وأما
ابن أبي حاتم فذكر بالحاء المنقوطة، ويشبه أن يكون سبب الخلاف في هذا ما
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: (الزهد، ح/74) ، وأبو داود (ح/485) .
غريبة: قوله:"عرجون علي بن أبي طالب " قال العيني: العرجون هو العود الذي فيه
الشماريخ إذا يبس وأعوج، وابن طاب: رجل من أهل المدينة ينسب إليه نوع من تمرها.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/113) والفتح (1/512) والمشكاة (710) والترمذي (ح/
571) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(3) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/481) .(1/1274)
ذكره أبو الوليد بن القرضي قال سعيد بن كثير بن عفير: من نسبه إلى حولان
قاله بالخاء المعجمة، ومن قاله الساجي فبالحاء- يعني: المهملة، وأما قول عبد
الحق في الكبرى: صالح لا أعلمه روى عنه إلّا ابن سوادة فصحيح، وأمّا قوله
في الوسطى: صالح هذا لا يحتج به فيشبه أن يكون قاله من قبله، ولا أعلم له
فيه سلفا، وأما قول ابن القطان: وزعم ابن يونس أله ليس له إلّا هذا الحديث
فيما أعلم، ويأتي ذلك عليه أنّ البخاري قال: أله روى أيضا عن ابن عمر،
يشبه أن يكون وهما؛ لأن ابن يونس لم يقل شيئا سوى ما أسلفناه فْبل،
والله تعالى أعلم. وحديث ابن عمرو بن العاص قال: أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رجلا يصلى بالناس صلاة الطهر فتفل في القبلة وهو يصلى فلما كان صلاة
العصر أرسل إلى آخر فأشفق الأوّل فجاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال يا/رسول الله
أنزل في؟ قال:"لا، ولكنّك تفلت بين يديك، وأنت تؤمّ الناس فآذيت الله
ورسوله" (1) . ذكره ابن القطان، ثنا هارون بن سعيد، ثنا ابن وهب قال:
حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن عنه وصححه، وحديث أبي
سعيد قال:"رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق في البوادي ثم
مسحه برجله فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يفعله". خرجه أبو داود (2) من حديث فرج بن فضالة عنه، قال الأشبيلي:
وهو ضعيف، وأيضا لم يكن في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصر، والصحيح أنه
عليه الصلاة والسلام إّنما بصق على الأرض ودلكه بنعله اليسرى، ولعل واثلة
إنّما أراد هذا فحمل الحصير عليه، قال ابن القطان: وبقى عليه أن ينبه على أبي
سعيد فإنه لا يعرف من هو، ووقع في رواية لابن الأعرابي أبو سعيد،
والصواب سعد، وهو شامي مجهول الحال، وتعليل الحديث به أدنى من تحليله
بفرج، فإنه- وإن كان ضعيفا- معروف في أهل العلم، أخذ الناس عنه، وقد
روى عنه شعبة وهو من هو، وقال يزيد بن هارون: رأيت شعبة يسأله عن
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/20) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"،
ورجاله ثقات.
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/484) .(1/1275)
حديث من حديث ابن عباس، وهو صدوق، وإنّما أنكروا عليه أحاديث رواها
عن يحمى بن سعيد الأنصاري معلومة، وقال أبو حاتم: وهو في غيره أحسن
حالا وهو بالجملة ضعيف، ورواه الساجي فلم يذكر الثوري مؤيّدًا لما أوّله أبو
محمد فقال: حدثنا محمد بن عبد الله فيما كتب أبي، ثنا الحماني، ثنا فرج
بلفظ: رأيت واثلة بزق ودلك برجله، وحديث أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من تنخم في المسجد فلم يدفنه فسيئة، ومن دفنه/فحسنة" (1) . رواه أبو
نعيم من حديث أبي نميلة عن الحسن بن واقد، ثنا أبو غالب عنه، وذكر أبو
عبيد بن سلام في غريبه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إن المسجد يروى من النجاسة
كما يروى الجلد على النار"، قال ابن سيده: النخاعة ما تفله الإِنسان
كالنخامة تنخع الرجل، وفي نخامته قال: نخم الرجل نخما، وتنخم وقع
بشيء من صدره أو أنفه، واسم ذلك الشيء النخامة، وقال الجوهري: النخامة
بالفم، وفى الجامع تنخم الرجل إذا تنخع، وقال عياض: النخامة من الصدر
وهو البلغم اللزج، وقال أبو موسى المديني: مخرجها من الخيشوم، وقال ابن
الأثير: يخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء المعجمة، وقيل التي بالعين من
الصدور والتي بالميم من الرأس، وأما البزاق فحكوا فيه الصاد والسين، وهو
لغة ردية، قال عياض: البزاق في المسجد ليس بخطيئة إلا في حقّ من لم
يدفنه، وأما من أراد دفنه فليمر بخطيئة، واختلف العلماء في كيفية الدفن،
فالجمهور على دفنها في أرض المسجد، وإن كان ممكنا، وحكى الروياني: أنّ
المراد إخراجها مطلقا، ويشهد له ما أسلفناه من عند ابن خزيمة وغيره، قال
القرطبي: فيه دليل يعني قوله:"أيحب أحدكم أن يبصق في وجهه" (2) ؟
على تحريم البصاق في القبلة، وإن الدفن لا يكفره، ويؤيّده ما أسلفنا من
الأحاديث، والله تعالى أعلم. وسمعت شيخنا قاضى القضاة بدر الدين بن
جماعة- تغمّده الله تعالى برحمته- يسأل يوما في منزله عن البزاق في شباك
المسجد إن كان له فقال: لا يجوز؛ لأنه يجر في المسجد، قال: اللهم إلّا أن
__________
(1) أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/8) وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"، ورجاله موثقون.
(2) مسند الحميدي: (729، 1219) .(1/1276)
يخرج رأسه منه فلا حرج إذاً، والله تعالى أعلم. وفي قوله: وليبصق عن/
يساره: دليل على أن المصلى لا يكون عن يساره ملك لا يجد ما يكتب
لكونه في طاعة الله تعالى؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علل منع البصاق على
اليمنى لكون الملك هناك وإباحته على اليسار، ومن المعلوم أن هناك ملكا،
وأمّا حديث:"الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء والجماع" (1) .
ضعيف لا يخدش في هذا الدليل، والله تعالى أعلم.
__________
(1) ذكر المصنف ضعفه(1/1277)
128- باب النهى عن إنشاد الضوال في المسجد
حدثنا علي بن محمد، ثنا وكيع عن أبي سنان سعيد بن سنان عن
علقمة بن مرثد عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: من دعا إلى
الجمل الأحمر فقال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-:" لا وجدته إنما
بنيت المساجد لما بنيت له". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (1) ،
وحديث عمرو بن شعيب تقدّم ذكره، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب،
أنبأ عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح عن محمد بن عبد الرحمن
الأسدي أبي الأسود عن أبي عبد الله مولى شدّاد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة
يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"من سمع رجلًا ينشد ضالة في
المسجد فليقل لا رد الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا". هذا حديث
خرجه مسلم في صحيحه (2) أيضا، وزاد الترمذي:"إذا رأيتم من يبيع أو
يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك" (3) . وفي الباب حديث جابر
قال: جاء رجل ينشد ضالة/في المسجد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا
وجدت"، رواه النسائي (4) عن محمد بن وهب، ثنا محمد بن سلمة عن أبي
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/80، 81) ، وابن ماجة (ح/765) ، وأحمد (5/
361) ، والترغيب (1/203) ، وإتحاف (5/92) ، وابن أبي شيبة (2/419) ، والبيهقي (2/
447، 6/196، 10/103) ، والكنز (20819) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/79) ، وأحمد (2/349) ، والبيهقي (2/447، 6/
196، 10/102) ، وشرح السنة (2/374) ، وإتحاف (5/92) ، والترغيب (1/202) ، وأذكار
(34) ، وابن ماجة (767) .
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/1321) وقال: هذا حديث حسن غريب. وروى مسلم السطر الثانى منه
في (المساجد، ح/79) . والنسائي في (عمل اليوم والليلة، باب ما يقول لمن يبيع أو يبتاع في المسجد،
(ح/176) ، والدارمي (ح/1401) ، وابن حبان في"موارد الظمآن" (ح/313) ، والحاكم (2/56)
وقال: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. والطبراني في"الكبير" (ح/1454) . وانظر الدراية (1/
289) . وصححه الشيخ الألباني. صحيح الجامع (1/217) .
(4) صحيح. رواه النسائي (2/48) ، وأحمد (5/361) ، والبيهقي (2/196؛ 447؛10/103)(1/1278)
عبد الرحيم، حدثني زيد عن أبي الزبير عنه، وحديث جبير بن مطعم قال:
"نهى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- أن ينشد في المسجد
الضالة" (1) . رواه أبو نعيم من حديث سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
قال: حدّثنى أبي عنه وحديث ابن مسعود:"وسمع رجلًا ينشد ضالة في
المسجد فغضب وسبه فقال رجل: ما كنت فحاشًا قال: إنا كنا نؤمر
بذلك" (2) . رواه ابن خزيمة، وصحيحه في حديث عاصم عن أني عثمان عنه،
وحديث أنس بن مالك أنّ رجلا دخل المسجد ينشد ضالة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا وجدت" (3) . رواه أبو قرّة موسى بن طارق السلمي في سننه عن
موسى بن عقبة عن عمرو بن أبي عمرو وعنه يقال: نشده الضالة إذا طلبتها
وأنشدتها إذا عرفتها هذا هو الفصيح، وحكى اللحياني في نوادره نشدت
الضالة نشدة ونشدة وينشد أنا أي: طلبتها، وأنشدتها، ونشدتها إذا عرفتها،
وقال الأصمعي: في كل شيء رفعت به صوتك فقد أنشدت به ضالة كانت
أو غيرها، وفي المجراد: الكراع نشدت الضالة طلبتها، وأنشدتها بالألف عرفتها
لا غير، وكذا قال أبو عبيد في الغريب المصنف وأنشد بيت ألي داود، ويصح
أحيانًا كما أسمع المضل لصوت ناشد، كذا ذكره، ولم أجده في نسختي من
شعر أبي داود التي هي بخط ابن الطبال، قال الأصمعي: يقال في الناشد هنا
أنه المعرف، ويقال ابن الطبال؛ لأنّ المضل يشتهى أن يجد/مضلًا مثله ليتعزى
به، وفي المحكم أنشدها اضطر شدّ عنها زاد القاضي أن نشدتها نشدا، وأنا
__________
وابن أبي شيبة (2/419) ، والمجمع (2/24) وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" ورجاله
ثقات، ورواه البزار بإسناد ضعيف. وإتحاف (5/93،92) ، والبخاري في"التاريخ الكبير"
(1/112) ، وأبو حنيفة (442،438،1) .
(1) ضعيف. بنحوه. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في
"الكبير"من حديث ابن مسعود، وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (2/25) ، وعزاه إلى الطبراني في"الكبير"
وابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود.
(3) تقدم الحاشية رقم (4) السابقة.(1/1279)
ناشد، واًنشدتها إنشادا، وأنا منشد، وأما من قال في بيت أبي داود أنه
العرف، فليس كذلك؛ وإنما هو الطالب، واستدل قوم على أن المنشد الطبال
بقوله عليه السلام وذكر مكة شرّفها الله تعالى، ولا تحل لقصتها إلّا المنشد،
قالوا: معتاد لا تحل لقطتها إّلا لطالبها وهو ربها وهؤلاء يصح الأعلى ما
ذكرنا؛ لأنّ الطالب إنما يقال له ناشد، ولا يقال له ينشد فدل على ذلك قوله
عليه السلام، وسمع رجلا ينشد ضالة في المسجد أيّها المسجد غيرك الواجد،
ومعنى الأول عند بعض اللغويين: أن لقطة مكة لا تحل أبدا، فكان قوله لا تحل
لقطتها يريد ألبتة فلقن إلّا المنشد وهو يريد المعنى الأول، ومثل هذا يقول
الرجل: والله لا أكلمك فيقول الآخر: إن شاء الله تعالى، فيقول ذلك وهو لا
يريد فينفسخ يمينه، ولكن لقِّن شيئا فلقّنه، ومعناه: لا تحل للملتقط منها إلّا
إنشادها، وذكر بعضهم أنّ معناه لا تحل إلّا لعرف بها، وهذا لا فضل فيه لمكة
إذ كلّ لقطة لا تحل حتى يعرف بها، والأول أحسن، وأمره عليه الصلاة
والسلام بأن يقال: ثنا ذلك عقوبة له على مخالفته، وعصيانه، وفعله بما نهى
عنه من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.(1/1280)
129- باب الصلاة في أعطان الإِبل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، وثنا أبو بشر بكر، ثنا
يزيد/بن زريع قالا: ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إن لم تجد إلّا مرابض الغنم، وأعطان الإِبل" (1) ،
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وخرجه ابن حبان (2) في
صحيحه عن أبي يعلي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا ابن زريع، وثنا
إسحاق، ثنا يزيد بن نصر، أنبأ عبد الله بن المبارك عن هشام عن ابن سيرين
عنه زاد أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث أبي حيان عن أبي
زرعة عنه مرفوعا: " الغنم من دواب الجنة فامسحوا رعاتها وصلّوا في
مرابضها " (3) ، وفي كتاب البزار:"أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى فإنّها
من دواب الجنة"، قال البيهقي: روى عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا وهو
أصح.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن عبد
الله بن معقل المزني: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"صلّوا في مرابض الغنم، ولا
تصلوا في أعطان الإِبل فإنها خلقت من الشياطين" (4) . هذا حديث إسناده
صحيح متصل، قال البيهقي: كذا رواه جماعة عن يونس بن عبيد، وقال
يزيد بن زريع عن يونس: كذا روى، ولم يذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه النسائي
عن عمرو عن يحيي عن أشعث عن الحسن مرفوعا، وفي حديث ابنه كرير
__________
(1) رواه الترمذي: (ح/348) وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
(2) روا. ابن حبان: (335) .
(3) الكنز (35229) ، والخطيب في"تاريخه" (7/432) ، والعلل (380) .
(4) صحيح. رواه الترمذي (ح/348) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (ح/
769) ، في الزوائد: إسناد المصنف فيه مقال، وأصل الحديث رواه النسائي مقتصرا على النهي
عن أعطان الإِبل. وأحمد (2/509، 4/86، 150، 352،5/57،55) ، والطبراني 1/176،17
340) ، وللشكاة (739) ، وابن أبي شيبة (1/384) ، وأبو عوانة (2/401) ، والتمهيد (5/
303) ، والكنز (19172، 19174) ، والمعاني (1/384، 14/149) .(1/1281)
عن الحسن عند البيهقي مرفوعا:"إذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإِبل
فاخرجوا منها فإنها جنّ من جنّ خلقت ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تمسح
بأنفها؟ " (1) ، ورواه أبو نعيم الفضل بن المبارك بن فضالة عن الحسن مرفوعا،
وفي مسند ابن وهب مسند منقطع:"نهى أن/يصلى في معاطن الإِبل" (2)
زاد"كان يصلى في مراح البقر والغنم" (3) .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا عبد الملك بن الربيع بن
سبرة بن معبد الجهني قال: أخبرني أبي عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"لا
يصلى في أعطان الإِبل، ويصلى في مراح الغنم" (4) . هذا حديث إسناده
صحيح، على ابن سير مسلم وقد تقدّم في كتاب الطهارة جملة من معنى هذا
الحديث، وكذا حديث أنس في بنيان المسجد، وفيه:"كان يصلى في
مرابض الغنم" (5) في كتاب الصلاة، وحديث عقبة بن عامر يرفعه:"صلوا
في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل"، قال أبو القاسم: لا يروى عن
عقبة إلّا بهذا الإِسناد، تفرد به ابن وهب، يعني: عن عاصم بن حكم عن إلي
عمرو الشيباني عن أبيه عنه، وحديث ابن عمر ويرفعه:"لا تصلوا في
أعطان الإبل وصلوا في مراح الغنم" (6) ، وقال: لم يروه عن هشام بن عروة-
يعني: عن أبيه- إلّا يونس بن بكير، قال الشّافعي- رحمه الله تعالى-: تجوز
__________
(1) رواه البيهقي: (2/449) .
(2) رواه أحمد (3/405) ، والدارقطني (1/267،265، 275، 276) ، وابن عدي في"الكامل"
(3) صحيح. رواه البيهقي (2/449) ، والكنز (19176) ، وصححه الشيخ الألباني.
الصحيحة: ح/1128) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/770) ، وابن أبي شيبة (14/150) ، والكنز (19171) ،
وعبد الرزاق (1595) . وصححه للشيخ الألباني.
(5) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/117) ، ومسلم في (المساجد، باب"1"رقم
"10" (، والترمذي (ح/350) ، وصححه. وأحمد (2/178، 3/131) ، والبيهقي (2/438)
والمجمع (2/26) ، وأبو عوانة (1/396) ، وابن أبي شيبة (1/385) .
(6) رواه الطبراني: (7/136) .(1/1282)
الصلاة في الموضع الذي يقع عليه اسم مراحها الذي لا بعد فيه ولا بول
وأكره له الصلاة في أعطان الإِبل، وإن لم يكن فيها قدر فإن صلّى أجزاه كان
النبي- عليه الصلاة والسلام- يُصلِّي فمر به شيطان فخنقه حتى وجد برد
لسانه على يده، ولم يفسد ذلك صلاته، وقد صلى النبي- عليه السلام-
إلى بعير، وهذا وإن لم يكن صلاة في موضع الإِبل فهي صلاة تقرب الإِبل،
وكانت جائزة بطهارة المكان كما كره الصلاة قرب الشيطان في موضع ومر
به الشيطان في حين آخر فلم يفسد صلاته، وزعم القرطبي: أنّ الصلاة
كرهت في المعاطن، وهي موضع إقامتها/عند الماء واستيطانها تفردها وبيتها
أولا فإنهم كانوا يختلفون بينها مستترين بها أو لخوف نفارها فيذهب خشوع
المصلي، وزعم ابن حزم: أن الصلاة في المعاطن لا تحل، فإن كان لرأس أو
الرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنّما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، قال ابن
سيده: والعطن للإبل كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض،
والجمع أعطان، وعطنت، ويعطن عطونا فهي عواطن وعطون، ولا يقال إبل
عطان وأعطنها جلسها عند الماء فبركت بعد الورد، قال لبيد: عافتا الماء فلم
يعطها، إنّما يعطن أصحاب العلل، والاسم: العطنة، وأعطن القوم عطت إبلهم،
وقوم عطان، وعطون، وعطنة نزلوا في أعطان الإبل، وقول أبي محمد
الحديلي: وعطن الدبان في قمقامها لم يفسده ثعلب، وقد يجوز أن يكون
عطن اتخذ عطنا كقولك عشعش الطائر إذا اتّخذ عشا، وفي الجامع قال
الخليل: العطن ما حول البئر والحوض من مبارك الإبل ومناخ القوم، وقالوا:
كل للمبارك ماء، وقال: لا تكون الأعطان إلّا على الماء، وفي غيره المأوى
والمراح.(1/1283)
130- الدعاء عند دخول المسجد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم وأبو معاوية عن ليث
عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد قال:"بسم الله والسلام على رسول الله
اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك"/وإذا خرج قال:"بسم
الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" (1) .
هذا حديث لما رواه أبو عيسى عن علي بن حجر عن إسماعيل بلفظ: إذا
دخل المسجد صلى الله عليه وآله وسلم- قال ابن حجر: قال إسماعيل:
فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة فسألته عن هذا الحديث فحدثني به فقال:
كان إذا دخل قال:"رب افتح لي باب رحمتك، وإذا خرج قال: رب افتح
لي باب فضلك" (2) ، قال: وحديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده
بمتصل وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنّما عاشت فاطمة بعد
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أشهرًا، وذكر الإسماعيلي في كتاب
مسند فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أنّ سعيد بن الحسن رواه عن عبد
الله بن الحسن بلفظ:"إذا دخل المسجد حمد الله وسمى"، وقال:
"الحمد لله". قال: ورواه عنه أيضًا قيس بن الربيع، وعاصم بن سليمان
بلفظ: إذا دخل المسجد قال:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج قال:"السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رزقك" (3) ،
ورواه الدراوردي فأرسله عن فاطمة بنت حسن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لابنته
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/771) ، وأحمد (6/282) ، وإتحاف (5/91) ، وابن السني
(85) ، والكنز (17962،23109) ، وابن أبي شيبة (10/406) . ورواه الترمذي (ح/
314) . وصححه للشيخ الألباني.
(2) حسن. رواه للترمذي (ح/315) ، وأحمد (6/283) .
(3) الحاشية قبل السابقة.(1/1284)
فاطمة:"إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله اللهم اغفر لي ذنوبي وسهّل
لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت فقولي: بسم الله الحمد لله اللهم اغفر لي
ذنوبي، وافتح لي/أبواب رزقك " (1) . قال الإسماعيلي: قال شيخنا المنسي:
رواه صالح بن موسى الطلحي عن عبد الله بن حسن عن أمّه قاطمة عن ابنها
كن علي، ورواه روح بن القاسم عن عبد الرحمن بن الحسن عن أمه فاطمة
مرسلا، وفي كتاب العلل عن أحمد، قال عبد الله: حديث أبي بحديث
حسان بن إبراهيم الكرماني عن عاصم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة
بنت حسين بن علي عن أمها قاطمة الحديث فقال أبي: ليس هذا من حديث
عاصم هذا من حديث ليث، وقال الدارقطني في كتاب العلل: وحدّثنا به ابن
صاعد، ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا سعيد بن الحمصي عن عبد الله بن
الحسن فذكره. حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي،
وعبد الوهاب بن الضّحاك قالا: ثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن سويد الأنصاري عن
أبي حميد الساعدي: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا دخل أحدكم المسجد
فليسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إنِّي
أسألك من فضلك" (2) . هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف ابن عياش، وهو
في صحيح مسلم (3) عن يحيى بن يحيى، ثنا سليمان عن ربيعة عن عبد
الملك بن سعيد عن أبي حميد- أو عن أبي أسيد- إلا أنه لم يقل فليسلم،
وعن حامد بن عمر عن بشر بن المفضل، ثنا عمارة فذكر فيه الشكر والسلام،
ورواه الدراوردي عن أبي داود عن ربيعة عن عبد الملك قال: سمعت أبا
__________
(1) تقدم بنحوه الحاشية رقم (1) السابقة.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/772) .
وصححه الشيخ الألباني. قلت وقد ذكر المصنف ضعفه؛ لضعف ابن عياش، عالم أهل حمص
صدوق في حديث أهل الشام، مضطرب جدا في حديث أهل الحجاز. قال أحمد: ما روى
عن الشاميين صحيح، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيح، وقال ابن حبان: لا يحتج
بحديثه، وضعفه النسائي. ووثقه ابن معين. (الضعفاء الكبير للذهبي: 1/85/697) .
(3) صحيح. رواه مسلم في:) المسافرين، ح/68) ، وأحمد (5/425) ، والنسائي (2/23) ،
والدارمي (2/293) ، وابن كثير (4/275، 6/70) ، وإتحاف (5/90) ، والكنز
(20784، 20788) .(1/1285)
حميد أو أبا أسيد لما سئل أبو زرعة عنه/قال: اختلف على ربيعة؛ فروى
بشر بن المفضل عن عمارة عن غزية عن أبي حميد عن أبي أسيد عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي
حميد، وأبي أسيد عن النبي، كلاهما أصح، قال ابن أبي حاتم: لم يكن
اخرج أبو زرعة من حالف بشرًا عن عمارة، وأجر أنه لم يكن وقع عنده، أنبأ
يونس قراءة عليه عن ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمارة عن
ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد، وأبي أسيد، كما رواه سليمان
فدلّ أنّ الخطأ من بشر بن المفضل، والله تعالى أعلم. ويشبه أن يكون المجيء
لابن ماجة أن يرويه عن إسماعيل سلامة رواية من الشك، والله تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، حدثني
سعيد المقبري عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"إذا دخل أحدكم
المسجد فليسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا
خرج فليسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليقل: اللهم أعصمني من الشيطان الرجيم" (1) .
هذا حديث خرجه الحافظان ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، زاد البزار
في آخره:"وليقل: اللهم اعصمني من السوء"، ولفظ الحاكم:"اللهم
أجرني من الشيطان"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه، وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:"إذا
دخل أحدكم المسجد فليتعوذ بالله العظيم وبوجهه/الكريم وسلطانه القديم من
الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ منى سائر اليوم.
رواه أبو داود بسند صحيح عن إسماعيل بن بشر، ثنا ابن مهدى عن ابن
المبارك عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عنه، وفي كتاب الفضل بن
دكين، ثنا زهير عن أبي إسحاق عن سعيد بن ذي حذان قال: قلت لعلقمة:
ما يقول الرجل إذا دخل المسجد قال: يقول: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته صلى الله وملائكته على محمد.
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود "ح/465) ، وابن ماجة (ح/737،772) ، في الزوائد: إسناده
صحيح، ورجاله ثقات. والدارمي (1/324) وابن خزيمة (425، 2706) ، والحاكم (1/
207) ، والبيهقي (2/442،441) .(1/1286)
131- باب المشي إلى الصلاة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم أتى
المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله
بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان
في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه" (1) ، هذا حديث رواه مسلم (2) في
صحيحه بلفظ:"من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضى
فريضة من فرائض الله عز وجل كانت خطوتاه إحداهما تخط خطيئة والأخرى
ترفع درجة"، وعند الشيخين (3) عنه مرفوعا:"من غدا إلى المسجد أو راح
أعد الله له نزلًا كلما غدا أو راح"، وفي لفظ:"صلاة الرجل في جماعة
تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقة خمسا وعشرين درجة، وذلك أنّ
أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وأتى المسجد لا/يريد إلا الصلاة"، وفي
آخره:"والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه
يقولون اللهم أغفر له اللهم أرحمه بت عليه ما لم يؤد فيه ما لم يحدث
فيه" (4) ، وعند النسائي بسند جيد من حديث محصن بن علي الفهري عن
عون بن الحارث عنه:"ثم خرج عائدا إلى المسجد فوجد النّاس قد صلوا
كتب الله له مثل أجر من قد حضرها، ولا تنقص ذلك من أجورهم شيئا"،
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة: (ح/774) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/282) والبيهقي (3/62) وأبو عوانة (1/390)
والكنز (18960) والقرطبي: (12/276) ، والخفاء: (2/36) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/168) ، ومسلم في: (المساجد، ح/285) ،
والترغيب: (1/212) ، وابن خزيمة: (1496) ، والمشكاة: (698) ، والقرطبي: (12/276) ،
والحلبة: (3/229) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه للبخاري (1/166) ، ومسلم في: (المساجد، باب"49"، ح/
272) ، وأبو داود في: (الصلاة، باب"49") ، وابن ماجة: (ح/786، ول 7، 790) ،
والدارمي: (1/292) ، والطبراني: (8/41) ، وابن حبان: (431) ، وإتحاف: (3/14) ، والكنز:
(20217،20219، 20222) وابن كثير: (6/69) ، والقرطبي: (1/250) .(1/1287)
وفي كتاب الأحكام للحافظ ابن علي الطوسي وحسنه:"من حين يخرج
أحدكم من بيته إلى مسجده فرجل تكتب درجة وأخرى تمحو سيئة"، ولما
سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث أبي معشر عن سهيل عن أبي هريرة-
يعني: هذا الحديث- فقال: هذا خطأ ليس هو عن سهيل، وفي كتاب
الثواب لآدم حتى يدخل المسجد، وفي لفظ:"فرجل تكتب حسناته ورجل
تمحو سيئاته"، وفي كتاب ابن زنجويه من حديث الحارث بن عبد الرحمن بن
زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا:"ما من أحد يغد
ويروح إلى المسجد ويؤثره على ما سواه إلّا وله عند الله نزل يعده له في الجنة
كلما غدا أو راح" (1) كما لو أنّ أحدكم زار من يجيب زيارته إلّا اجتهد له
في كرامة بين حديث سهيل عن أبيه عنه:"إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم
فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة لينتظر إليها بعينه مع الماء أو مع
آخر قطر الماء أو نحو هذا، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة
بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب " (2)
وبين حديث العلاء عن أبيه:"ألا أخبركم بما/يمحو الله به الخطايا، ويرفع به
الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطأ إلى المساجد" (3) .
حدثنا أبو مروان الهمداني محمد بن عثمان، ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة عن أبي هريرة. قال رسول الله
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/29) من حديث عتبة بن عبد، وعزاه
إلى أحمد، والطبراني في"الكبير"، وفيه يزيد بن زيد الجرجافي لم يرو عنه غير محمد بن
زياد، وبقية رجاله موثقون.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/32) ، وأحمد (3/302) ، والترمذي (32) ،
والبيهقي (1/81) ، وابن خزيمة (4) ، وشرح السنة (1/322) ، والموطأ (32) ، وابن كثير (3/
56) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/135) ، وللترغيب (1/151) ، والكنز (26823) ، وإتحاف
(2/375) ، والعقيلي (3/134) ، والتمهيد (4/30، 31) .
(3) صحيح. رواه النسائي في (الطهارة، باب "106") ، وأحمد (2/303) والبيهقي (1/
82) ، والتجريد (348) ، والمنثور (2/114) ، وابن كثير (2/170) ، وشرح للسنة (1/320) ،
والبغوي (1/472) ، وللسير (1/533) ، وإتحاف (2/374) ، وحبيب (1/24) ، وأبو عوانة (1/
231) .(1/1288)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون،
وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" (1) . هذا حديث
خرجه الأئمة الستة في كتبهم، وفي لفظ عندهما:"وعليكم السكينة
والوقار ولا تسرعوا"، وفي لفظ لمسلم (2) :"صل ما أدركت واقض ما
سبقك"، ورواه أحمد (3) عن ابن عينية عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي
هريرة بلفظ:"وما فاتكم فاقضوا"، ورواه مسلم عن ابن أبي شيبة، وزهير
عن ابن عيينة:"يدرجا فيما قبله"على لفظ يونس بن يزيد عن الزهري،
ولم يذكر لفظه:"واقضوا"، ورواه أبو داود (4) من طريق سعد بن إبراهيم
عن أبي سلمة " فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم "، قال أبو داود: كذا
قال ابن سيرين عن أبي هريرة:"وليقض"، وكذا قال أبو رافع عنه، وأبو
ذر روى عنه: "فأتمُّوا واقضوا" (5) اختلف عنه، قال الدارقطني: وهم محمد بن
مصعب فيه فرواه عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس، ورواه أبو ثور عن
زكريا بن عدى عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي
هريرة، ولم يتابع عليه، ورواه خلاد بن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن
سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه عن أبي هريرة قال: وذكر
الأعمش فيه وهم، ويشبه أن يكون سعد بن إبراهيم حفظه/عن أبي سلمة
وعن عمر أبيه، ولفظ شعبة عند البيهقي عن سعد عن أبي سلمة:"واقضوا
ما سبقكم"، قال: ورواية ابنه عنه سمع بمتابعة الزهري إياه أصح، وكذلك
رواه محمد بن عمر عن أبي سلمة، وقال ابن الجوزي: فأتموا، كذا رواه
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (2/9) ومسلم في (المساجد، ح/151) وأبو داود
(ح/572) ، والترمذي (327) ، وابن ماجة (775) ، وأحمد (2/270، 452) ، والبيهقي (2/
297، 4/228) ، وعبد الرزاق (3102، 3404) وابن خزيمة (1772،1505) ، وشرح السنة
(2/316) والمشكاة (686) ، ونصب الراية (2/200) ، والكنز (20017) ، وابن كثير (8/
146) ، وتلخيص (2/28) ، ومعاني (1/396) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/154) ، والبيهقي (2/298) ، والمجمع (2/76) ،
وأبو عوانة (2/84) ، والفتح (2/118، 268، 269) .
(3) صحيح. رواه أحمد (2/270، 452) ، والتمهيد (7/71) ، والحميدي (935) .
(4) صحيح. رواه أبو داود: (ح/573) .
(5) المصدر السابق.(1/1289)
الزبيري، وإبراهيم، وابن أبي ذئب، وسر عن الزهري، وأما شعيب عنه ففي
رواية كما سبق، وفي أخرى:"فاقضوا"، وكذلك رواه ابن سيرين، وأبو رافع
عن أبي هريرة، وقال أبن عينية عن الزهري:"فاقضوا"، قال: وقال محمد بن
عمرو عن أبي سلمة، وجعفر بن ربيعة عن الأعرج:"فأتموا"، وابن مسعود،
وأبو قتادة عن أنس عن النبي- عليه السلام- كلهم قالوا:"فأتموا"، وفي
كتاب التمييز لمسلم: أخطاْ في هذه اللفظة، وكذا ذكره عنه البيهقي، وفيه
نظر؛ من حيث أن مسلما خرج في صحيحه:"واقض ما سبقك"، وقد
وجدنا لابن عينية عن الزهري متابعا على هذه اللفظة أيضا، وهو ما رواه أبو
نعيم عن عبد الله بن جعفر، ثنا يونس، ثنا أبو داود، ثنا ابن أبي ذئب عن
الزهري ولفظه:"فاقضوا"، وفي مسند أبي قرأ ذكر ابن جريح أخبرت عن
الزهري عن أبي سلمة عنه بلفظ:"وما فاتكم فاقضوا"، قال: وذكر سفيان
عن سعد بن إيراهيم، حدثني عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة عنه، ولفظه:
"وليقض ما سبقه"، ورواه ابن عينية عند الدارمي وغيره:"فأتموا"فخرج
بهذا من أن يغلط.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زهير بن محمد بن
عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري: أله
سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:"ألا أدلكم على ما يكفِّر الله/به الخطايا، ويزيد
في الحسنات قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره،
وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة" (1) ، هذا حديث في
إسناده ضعف؛ للاختلاف في حال ابن عقيل، ولفظ ابن عدي في كامله:
__________
(1) صحيح رواه بن ماجة (ح/776) ، والكنز (44262) وابن المبارك في الزهد (138) وإتحاف
(10/23) ، وابن خزيمة (177) وان كثير في "التفسير" (2/171)
والترغيب (1/
198،211،284،284،285) ومطالب (83) وأحمد (2/235) وصححه الشيخ الألباني
(2) حسن رواه أبو داود (ح/561) والترمذي (ح/223) وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه مرفوع هو مسند وموقوف إلى أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسند إلى(1/1290)
وقال محمد هذا ضعيف، وذكره أيضا في ترجمة عبد الحكم بن عبد الله
القسلمي عن الباجي، وزعم أن عبد الحكم منكر الحديث، ولفظ أبي يعلي
عنه: " بالنُّور التام يوم القيامة ". حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر،
ثنا شعبة عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: " من سره
أن يلقى الله عز وجل مسلمَا فليحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادي بهن
فإنهنّ من سنن الهدى، وأن الله شرع لنبيكم- صلى الله عليه وآله وسلم-
سنن الهدى، ولعمري وأنّ ذلكم صلّى في بيته لتركتكم سنة نبيكم ولو تركتم
سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأينا وما نتخلف عنها إلّا منافق معلوم النفاق، ولقد
رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يدخل في الصف، وما من رجل يتطهَّر
فيحسن الطهور فيعمد إلى المسجد فيصلى فيه فما يخطو خطوة إلّا رفعه الله
بها درجة أو حط بها خطيئة " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف رواية
أبي إسحاق إبراهيم بن مسلم العبدي الكوفي، ثم الهجري نسبة إلى أبي هجر،
ومعناها البهرية القرية، والقصور الملتفة، وهى قرية مأرب القديمة. كذا ذكره
ابن أبي المدينة، وقال اليعقوبي: حي مدينة/البحرين وقال القالي وقال بعضهم:
الهاجري نسبة إلى هجر بالألف واللام، قال الرشاقي: وليس هذا القوي
بمرضي، قال البكري: سميت بهجر بيت مكتف من العماليق، وقال الزجاجي
في مختصر الكتاب الزاهد: وكانت سها، وفي كتاب البلدان للكلبي: كانت
هجر من العرب المتعرة وهي زوج محكم بن عبد الله صاحب النهر الذي
بالبحرين الذي يقال له: نهر محكم، وقال الحازمي: هي قصة بلاد البحرين
بينها وبن بئرين سبعة أيام، وقال ياقوت: هجر اسم ليمثل جميع نواحي
البحرين كما يقال: الشّام والعراق، وهى أيضَا قرية كانت قرب المدينة، وهي
__________
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وابن ماجة (ح/781) ، والترغيب (1/212) ، وشرح السنة (2/358) ،
والمجمع (2/30) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه العباس بن عامر للضبي ولم أجد من
ترجمه، وبقية رجاله ثقات. وعبد الرزاق (5999) ، والكنز (2860284،28702،202) .
(1) إسناده ضعيف. رواه النسائي (08/12) ، والترغيب (1/260) ، والمجمع (2/39) ، وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط " من طريق رحلة مولاه عبد الملك عن ابن عمر، ولم أجد من
ترجمها. والكنز (20275) ، وتنزيه (2/207) ، والفوائد (123) ، والإرواء (2/255) .(1/1291)
أيضا قرية باليمن بينها وبين عمر يوم وليلة، وفي كتاب البلدان للزمخشري:
هجر من البحرين بغير ألف وتصدن ولا تصدن، والهجر أيضا موضع بالألف
واللام، وفي كتاب ابن سيده هجر مدينة تصرف ولا تصرف، قال سيبوية:
سمعنا من العرب من يقول: مخالب الممرات هجر، والنسب إليه هجري على
القياس، وهاجري على غير قياس، قال: قرئت غارة أو صنعت فيما كسح
الهاجري حريم نمر، وفي الصحاح هجر اسم بلد مذكر مصروف، والنسبة إليه
هاجري على غير قياس، وفيه قيل: هاجري، وقال القزاز: هو معرفة لا تدخله
الألف واللام، وإياه أراد الشاعر مثل: القيامة هذا حوق قد بلغت نجران أو
بلغت سوائهم هجر فإنّه وإن كان الحاكم قد قال لم يسقم عليه بحجة، وليس
بالمتروك إلا أن الشيخين لم يحتجا به، وقال الأزدي: كان صدوقا، ولكنه
وقّاع كثير الوهم، وقال ابن عدي: وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن، وإنما أنكروا
عليه كثرة روايته عن/أبي الأحوص عن عبد الله، وهو عندي ممن يكتب
حديثه وخرج الحافظ أبو بكر بن خزيمة حديثه في صحيحه فقد قال فيه
النسائي: ضعيف، وقال يحيى بن معين: ضعيف ليس بشيء، وفي كتاب ابن
أبي خيثمة: ليس حديثه بشيء، وقال ابن المديني عن أبيه: قال سفيان: كان
الهجري يحفظ حديثين ما هو فيه، قال: وسمعت أبي يقول: لا أُحدث عن
الهجري بشيء كان رفاعا وضعفه، وقال مرة عن ابن عيينة: كان الهجري
ليسوق الحديث بسياقه جيدة على ما فيه، وقال الرمادي عنه: رأيه، وقد
أقاموه في الشّمس يستخرج منه شيء وكان يلعب بالشطرنج، وقال المزي: عنه
كان إبراهيم ضعيفا وقال عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عنه: أتيته فدفع إلي
عامة كتبه ترجمت الشيخ فأصلحت له كتابه قلت هذا عن عبد الله، وهذا
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا عن عمرو، وقال أبو حاتم الرازي: لين الحديث ليس
بقوي، وقال أبو بكر الرازي: رفع أحاديث أوقفها غيره، وقال أبو أحمد
الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال أبو موسى: ما سمعت يحيى يحدث عن
سفيان عن الهجري، وكان عبد الرحمن يحدث عن سفيان عنه، وقال ابن
سعد: كان ضعيفا في الحديث، وقال الحربي في علله: فيه ضعف وأستغفر الله
تعالى من ذلك، وقال علي بن الجنيد: متروك، وذكره أبو عبد الله الجعفي في(1/1292)
كتاب الضعفاء تأليفه، وكذلك العقيلي، وسئل عنه أحمد، وهو يحدث عه
فقال: قد روى عنه شعبة، وقال البرقي في كتاب الطبقات: كان ضعيفا، ولما
ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء قال: قال أبو الحسن: هو كوفي يكتب
حديثه وفيه ضعف، وفي موضع آخر هو ضعيف،/وقال أبو داود: قال
يحيى بن سعيد: كان الهجري ليسوق الحديث سياقة جيّدة، وذكره يعقوب
في جملة من يرغب الرواية عنهم، وردّ به البيهقي وأبو عمرو بن حزم،
والحافظ ضياء الدين المقدسي، وابن طاهر في التذكرة، وأبو الفرح في التحقيق،
وأبو محمد الإشبيلي، وأبو الحسن بن القطان غير حديث، وقد وقع لنا هذا
الحديث من طرق صحيحة سالمة من الضعف رواها مسلم في صحيحه عن
أبي بكر.
حدّثنا محمد بن بشر، ثنا زكريا بن أبي زائدة عن عبد الملك بن عمير عن
أبي الأحوص، وعن أبي بكر، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو العميس عن علي بن الأقمر
عن أبي الأحوص بزيادة: " ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا
المتخلِّف في بيته لتركتم سنة نبيكم، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علّمنا سنن الهدى،
وإنّ من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذِّن فيه "، وعند أبي داود (1) :
" ما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته "، وفيه: " ولو تركتم سنة نبيكم
لكفرتم "، وفي كتاب النسائي (2) : " وأنى لا أحب منكم أحد إلّا وله مسجد
يصلى فيه في بيته " وفيه: " ولقد رأينا نقارب بين الخطأ "، وفيه: " ويرفع له
بها درجة من غير شك "، والله تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم الشقري، ثنا الفضل بن الموفق
أبو الجهم، ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري. قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم أني أسألك بحق
السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا
رياء، ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني/
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/550) .
(2) رواه النسائي في: (1 لإِمامة: باب " 50 ") .(1/1293)
من النار، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل الله عليه
بوجهه، واستغفر له سبعون ألف ملك " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف؛
لضعف رواية أبي الحسن عطية بن سعد عن جنادة الحدني للقيسيي الكوفي
العوني، وإن كان المزي حسّن له أحاديث، وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء
الله تعالى، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، فقد قال فيه
الإمام أحمد: ضعيف والخدري بلغني أَفه كان يأتي الكلبي ويسأله التفسير
وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يتكتم فيه وقال
أبو زرعة: ليّن، وقال أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه، وقال ابن عدي: وهو
مع ضعفه يكتب حديثه، وكان سعد من شرحه أهل الكوفة، وقال السعدي:
كان مائلَا، وضعّفه الثوري، وقال الكوفي: تابعي وليس بالقوي، ولما ذكره
الأصمعي في حكايات المجموعة عنه قال: هو من عدوان بن قيس غيلان بن
مضر كان يتشيع، ومات زمن الحجاج، وخالف ذلك المستملي؛ فذكر أنه توفي
سنة إحدى عشرة ومائة، وقال النسائي: هو ضعيف، وقال ابن حبان: سمع
من الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي فإذا قال الكلبي: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حفظ ذلك ورواه عنه، وكنّاه أبا سعيد فيظن أنه أراد الخدري
وإنما أراد الكلبي لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب، وقال يحيى بن
سعيد: هو وأبوهما هارون وبشر بن حرب عندي سواما وقال أبو خالد
الأحمر: قال لي الكلبي: قال لي عطية: لينبئك أبا سعيد فأنا أقول/ثنا أبو
سعيد، وقال البزار: كان يغلو في التشيع، روى عه جلّ الناس نحو من أربعين
رجلَا فيهم نحو ثلاثين جليل، وقال الحربي: غيره أرمق منه، وقال الساجي:
ليس حديثه بحجة، كان مقدم عليا على الكل، وقال العقيلي: كان ضعيفَا،
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ج/778) في للزوائد: هذا إسناده مسلسل بالضعفاء. عطية
وهو العوفي، وفضيل بن مرزوق، وللفضل بن الموفق كلهم ضعفاء. لكنه رواه لبن خزيمة في
صحيحه من طرق فضيل بن مرزوق، فهو صحيح عنده. وأحمد (3/21) ، والكنز (4977) ،
وإتحاف (5/89، 90) ، واين السني (83) ، والميزان (4384) ، والمنثور (2/36) ، والمغني عن
حمل الأسفار (1/326) ، والترغيب (2/458) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/168) ، والضعيفة (24) ، والتعليق الترغيب (1/131)(1/1294)
وقال ابن معين: هو ضعيف، وإنما الفضل بن الموفق فهو، وإن كان الرازي قال
فيه: كان شيخًا صالحَا ضعيف الحديث، فقد وثقة البستي، ورواه أبو نعيم
الفضل في كتاب الصلاة عن فضل بن مرزوق عن عطية قال: حدثني أبو
سعيد الخدري فذكره موقوفًا، وذكره أبو الفرح في علله من حديث عبد الحكم
السدوسي عن أبي الصديق عنه، وضعفه بالسدوسي.
حدثنا راشد بن سعيد بن راشد الرملي، ثنا الوليد بن مسلم عن أبي رافع
إسماعيل بن رافع عن سمى مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المشاؤون إلى المساجد في الظلم أولئك الخواضون في
رحمة الله تعالى " (1) . هذا حديث ضعيف الإسناد، لضعف أبي رافع
الأنصاري القاس المزني البصري، فانه وإن قال فيه البخاري: ثقة مقارب
الحديث، وقال عبد الله بن المبارك فيما حكاه عنه سفيان بن عبد الملك: ليس
به بأس، ولكنه وإبراهيم بن عيينة يحمل عن هذا، وعن هذا ويقول: بلغني
نحو ذلك، وصحح الحاكم حديثه، وقال الساجي: صدوق لين في الحديث
يهم، فقد قال أبو طالب: سألت الإمام أحمد عنه فقال: ضعيف الحديث،
وفي رواية حنبل عنه: منكر الحديث في حديثه ضعف، لم أسمع يحيى ولا
عبد للرحمن حدثنا عنه بشيء قط، وقال/الترمذي: ضعفه بعض أهل العلم،
وقال الفلاس: منكر الحديث، وفي موضع آخر في حديثه، وقال النسائي:
متروك الحديث، وفي موضع آخر: ضعيف، وفي آخر: ليس بثقة، وفي آخر:
ليس بشيء، قال ابن خراش والدارقطني: متروك، وقال يحيى بن معين في
رواية عباس: ليس بشيء، وفي رواية ابن الجنيد، ومعاوية بن صالح،
وإسحاق بن منصور: ضعيف، وقال ابن عدي: أحاديثه كفها فيها نظر إلا أنه
يكتب حديثه في جملة الضعفاء، وذكره الفسوي في باب من يرغب عن
__________
(1) ضعيف. رواه. ابن ماجة (ح/709) والترغيب (1/213) ، ورواه ابن عدى في " للكامل "
(1/279) ، والعلل المتناهية (9/401) ، والكنز (20236) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف لبن ماجة (ج/169) ، والتعليق الترغيب (03/11) ، والضعيفة
(2059) ، وضعيف الجامع (5936) .(1/1295)
الرواية عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم بإسماعيل بن رافع، وابن أبي
الأحصر، وطلحة بن عمر وليسوا بمتروكين، ولا يقوم حديثهم مقام الحجة،
وقال ابن سعد: مات بالمدينة قديمَا، وكان كثير الحديث ضعيفا، وهو الذي
روى حديث الصور، وقال علي بن الجنيد: متروك الحديث، وقال العقيلي:
ليس بشيء قال أبو حاتم الرازي: هو منكر الحديث، وفي موضع آخر:
ضعيف، وقال أبو عمر في كتاب الاستغناء: هو ضعيف عندهم جدَا منكر
الحديث ليس بشيء، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء ذكر أن أبا
الحسن قال فيه: ضعيف الحديث، وقال الحربي: غيره أوثق منه، وقال
الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ليس بشيء قال أبو داود: سمع من
الزهري فذهبت كتبه، فكان إذا روى كتابَا قال: هذا قد سمعه، وقال أبو
محمد بن حزم: لا يحتج به، وقال أبو أحمد الحاكم في كتاب الكنى: ليس
بالقوي عندهم، وقال محمد بن أحمد بن محمد المقدمي فيما حكاه ابن
عساكر أبو رافع ليس بالقوي، وقال أبو بكر الخطيب: كان ضعيفا، وقال
البزار: لم يكن ثقة ولا حجة، وقال ابن القطان: تركه/جماعة من أهل العلم.
حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي، ثنا يحيى بن الحارث الشيرازي، ثنا زهير بن
محمد التميمي عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بنور تام يوم القيامة " (1) ، هذا
حديث إسناده صحيح، وخرجه الحاكم في مستدركه ولم يحكم عليه بشيء
ولا التفات إلى قول ابن الجوزي إذ رده بزهير المخرَج حديثه عند الشيخين
إبراهيم، فوثقه ابن حبان ويحيى، قال الحاكم: كان ثقة، وكان عبد الله بن
داود يثنى عليه، والباقون فلا تسأل عنهم. حدثنا مجزأة بن سفيان بن أسيد
مولى ثابت البناني، ثنا سليمان بن داود الطائفي عن ثابت البناني عن أنس بن
مالك: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم
القيامة " (2) . هذا حديث لا بأس بسنده، وذكره ابن الجوزي في علله من
__________
(1) تقدم ص 1290.
(2) تقدم ص 1290.(1/1296)
حديث مجزأة بن سفيان، وسليمان بن داود الصابع قال: وهما مجهولان،
وذكره آدم عن روح عن أبان بن أبي عباس عنه بلفظ: " من مشا إلى
المسجد كان له لكل خطوة عشر حسنات " (1) ، وفي الباب أحاديث منها
حديث بريدة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد
بالنور التام يوم القيامة ". رواه الترمذي (2) فقال: حديث غريب من هذا الوجه
مرفوع صحيح، وموقوف إلى أصحاب النبي ولم يسم النبي- عليه السلام-
وقال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان الضبي الكحال عن عبد الله بن
أوس، وكذا قاله الطبراني، وقال ابن الجوزي: فيه مجاهيل، وصححه
الأشبيلي/لسكوته عنه، واعترض عليه ابن القطان بأن في سنده عبد الله بن
أوس، وهو مجهول لا يعرف روى عنه غير الكحال، ولا يعرف له رواية عن
غير بريدة هذا الحديث خاصة، وحديث عمر بن الخطاب قال: أن النبي-
عليه السلام- قال: " اقصروا خطاكم، واقصروا من أقدامكم، والذي نفسي
بيده لا يتوضأ عبد فيحسن الوضوء، ثم خرج يريد ما بعث الله تعالى في
كتابه إلا كتب الله له بكل خطوة حسنة، ومحي عنه بكل خطوة سيئة، ورفع
له بكل خطوة درجة " (3) ، ذكره آدم بن أبي إياس العسقلاني في كتاب
الثواب من تأليفه عن بكر بن عبد الله عن مكحول عنه، وحديث أنس بن
مالك مرفوعا: " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم
القيامة " (4) . قال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن ثابت البناني إلا داود بن
سليمان تفرد به ابنه سليمان مؤذن مسجد ثابت، وحديث حطيم الحراني قال
عليه السلام: " بشر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم
القيامة " (5) ، ذكره أبو موسى من حديث خالد بن يزيد الهداري، ثنا أشعث
__________
(1) الكنز: (29332) .
(2) تقدم ص 1290.
(3) بنحوه. أورد. للهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/29) من حديث أبي هريرة، وعزاه إلى
" أبو يعلى " وفيه عبد الأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف.
(4) تقدم ص 1290.
(5) تقدم ص 1290.(1/1297)
الحراني عنه وقال: ذكره ابن أبي علي في الحاء، وأورده غيره في الخاء
المعجمة، وحديث أبي أمامة يرفعه: " ليبشر المدلجون في الظلم إلى المساجد
بمنابر من نور يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزعون " (1) ، سأل ابن أبي حاتم أباه
عنه فقال: إنما هو سلمة القيسي عمن حدثه عن أبي أمامة، وبعضهم يقول:
عن رجال من أهل بيته عن أبي أمامة، ورواه ابن زنجويه من حديث مسلم
الثعلبي قلت: يا أبا أمامة لقيت رجلًا فحدثني عنك إنك حدثته أن نبي الله-
صلى الله عليه/وآله وسلم- قال: " ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم
يمشى إلى صلاة جماعة إلا غفر الله له ذلك اليوم، ما مشت رجلاه وقبضت
عليه يداه، واستمعت إليه أذناه، ونظرت إليه عيناه، ونطق به لسانه، وحدث به
نفسه من السوء أنت " سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فحلف بالله
الذي لا إله إلا هو لقد سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أحصيه " (2) رواه ابن
زنجويه عن أبي نعيم، ثنا أبان بن عبد الله عنه، وعن أبي داود من حديث
الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث الدريادي عن القاسم بن أبي أماه
مرفوعا: " من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج
المحرم " (3) ، وحديث علي يرفعه: " إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال
الإِقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا " (4) .
خرجه ابن زنجويه من حديث الحارث بن عبد الرحمن عن أبي العباس عن ابن
المسيب عنه، وحديث سليمان بن أحمد الواسطي عن الوليد بن مسلم عن
ابن نفيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه يرفعه: " بشر
__________
(1) العلل: (543) .
(2) بنحوه. رواه الحاكم (2/399) والترغيب (1/157) والكنز (0293،218981) .
(3) صحيح. الترغيب (1/213، 465) ، والكنز (18961) ، والبيهقي (3/63) ، والقرطبي
(12/276) .
(4) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع للزوائد " (2/36) ، وعزله إلى أبو يعلى، والبزار،
ورجاله رجال الصحيح، وزاد البزار في أوله: " ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا "،
وزاد في أحد طريقيه رجلا وهو أبو العباس غير مسمى، وقال: إنه مجهول، قلت: أبو العباس
بالياء المثناة آخر الحروف وللسين المهملة.(1/1298)
المشائين في الظلم إلى المساجد ... " الحديث، قال ابن عدي: لم أسمع أحد
يذكره عن سليمان غير عبدان، وقال البخاري: في سليمان نظر، وحديث
سليمان يرفعه من هذا إلى صلاة الصبح أعطي ربع الإِيمان- سأل عبد الله أباه
عنه فقال: هذا حديث منكر، وقال الدارقطني: رواه عنبس، وهو متروك
ذاهب الحديث، وحديث عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/
يقول: " من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع
الإمام، غفر له ذنبه " (1) . رواه ابن زنجويه من حديث ابن لهيعة عن ابن أبي
حبيب عن نافع بن جبير بن مطعم، وعبد الله بن أبي سلمة عن معاذ بن عبد
الرحمن التيمي عن حمران عنه، وحديث عقبة بن عامر: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا تطفر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه
أو كاتباه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد مبرعَا
الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلِّين من حين يخرج من بيته حتى يرجع " (2) .
قال الحاكم عند تخريجه: صحيح على شرط مسلم، وخرجه الخلال في علله
من حديث ابن لهيعة عن أبي قبيل عنه يرفعه: " هلاك أمتي في اللين " قيل:
يا رسول الله، وما اللين؟ قال " يحبون اللين، ويدعون الجماعات والجمع،
ويندون " (3) . قال أبو وائل: لم أسمع من عقبة إلا هذا الحديث، قال أبو
عبد الرحمن: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة
بمثله، وحديث معاذ مرفوعا: " ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامنا
على الله عز وجل " (4) ، قال الحاكم بعد تخريجه: هذا حديث رواية بصريون
ثقات ولم يخرجاه، وحديث عائشة مرفوعا: " بشر المشائين إلى المساجد في
الظلم بالنور التام " (5) رواه أبو القاسم في الأوسط، وقال: لم يروه عن عطاء
__________
(1) ضعيف. رواه أحمد (1/ 67، 71) والترغيب: (07/21) . في إسناده ابن لهيعة.
(2) صحيح. رواه الحاكم (1/211) ، والبيهقي (3/63) ، والكنز (18954) ، وأحمد (4/
157) ، وابن حبان (421) ، والمجمع (2/29) ، وعزاه لدى أحمد، والطبراني في " الكبير "،
و" الأوسط "، وفي بعض طرقه ابن لهيعة، وبعضها صحيح، وصححه الحاكم.
(3) ضعيف. جامع المسانيد: (2/ 568) .
(4) له كثر من موضع فيما سبق.
(5) ضعيف. رواه أبو داود (ح /563) .(1/1299)
عن عائشة إلا الحسن بن علي السروري تفرد به قتادة بن الفضل بن قتادة،
وحديث سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " من توضأ / في بيته فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد يصلى في
جماعة المسلمين لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب الله له بها حسنة، ولم يضع
رجله الشمال إلا حط الله عنه ما خطيئة فليقرب أو ليبعد، وإذا صلى بصلاة
الإمام انصرف وقد غفر له، فإن أدرك بعضًا وفاته بعض كان كذلك، وإن
أدرَك الصلاة، وقد صليت فأتمّ صلاته ركوعها وسجودها كان كذلك ". رواه
أبو داود (1) من حديث معبد بن هرمز، وهو مجهول الحال لم يرو عنه غير
يعلى بن عطاء فيما رأيت. انتهى. رويناه في كتاب الثواب لأدم موصولًا من
حديثه عن روح، ثنا أبان بن أبي عباس عنه، ولفظ: " من مشى إلى المسجد
كان له بكل خطوة عشر حسنات " (2) ، وحديث عمر بن الخطاب قال:
" جاء جبرائيل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: بشِّر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بنور
تام يوم القيامة " (3) . ذكره عبدان من حديث علي بن ثابت عن الوزاع بن
نافع وهما ضعيفان، وحديث أبي الدرداء عن النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- أنه قال: " من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد أتاه الله نورًا يوم
القيامة " (4) . ذكره أبو عبد الله في تاريخ نيسابور من حديث زيد بن أبي
أنيسة، وهو ضعيف، قال أبو القاسم في الأوسط: تفرد به زيد. انتهى كلامه،
وفيه نظر؛ لما ذكره هو بعد.
حدّثنا أبو زرعة؛ ثنا عبد الله بن جعفر الرمي، ثنا عبيد الله بن عمرو عن
جنادة بن أبي خالد عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء
قال- عليه السلام-: " من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد أتاه الله تعالى
__________
(1) ضعيف. الكنز: (29332) . في إسناده الوازع بن نافع.
(2) له كثر من موضع سابق انظر ص 1282.
(3) ضعيف. رواه ابن حبان (423) والمنثور (3/217) والكنز (20288) والحلية (2/12)
والمتناهية (1/410) والمجمع (2/30) وعزا هـ إلى الطبراني، وفيه جنادة بن أبي خالد ولم أجد
من ترجمه، وبقية رجاله ثقات.
(4) المصدر للسابق.(1/1300)
نورًا يوم القيامة " (1) . ومن حديث إسماعيل بن أبي خالد/عن قيس بن أبي
حازم قال: سمعت أبا الدرداء: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من يكن
المسجد بيته ضمن الله له الروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة " (2) ،
وقال: لم يروه عن إسماعيل إلا عمرو بن جرير، ورواه أبو نعيم في كتاب
المساجد من حديث إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن ابن واسع عن ابن أبي
الدرداء عنه، قال: واسم أبيه بلال، وروى قتادة وإسماعيل عن رجل عن أبي
الدرداء راوي كتاب النوائب لآدم، ثنا أبو بكر عن أبي حفص عن سعيد بن
عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عنه موقوفا: " من لم يغد الغدو والرواح إلى
المساجد في سبيل الله فقد قبل عمله " (3) ، وفي العلل المتناهية: " المساجد
بيوت الله في الأرض ... " الحديث (4) ، وقال: المحفوظ مرسل، وحديث أبي
أمامة الباهلي يرفعه: " من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر فأجره كأجر
الحاج المحرم، ومن مشى إلى تسبيح الضحى كأجر المعتمر رجلاه على إثر
رجلاه لأبقو بينهما كتاب في عليين " (5) . قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه
الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحرث عن القاسم عنه لم يروه عن يحيى
مسند التمام إلا الهيثم، وذكره ابن زنجويه في كتابه موقوفا بلفظ: " أقسمت
لكم بالله أنّ من خير أعمالكم الغدو والرواح إلى المساجد ". وحديث زيد بن
ثابت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يقارب بين الخطى إلى المساجد "، وقال:
" إنما فعلته ليكثر خطاي " (6) ، قال الرازي في علله: رواه جماعة عن ثابت
__________
(1) العلل المتناهية: (1/411) .
(2) لم نقف عليه.
(3) صحيح. الكنز (20346، 20347، 20584) ، والمتناهية (1/411) ، والمجمع (2/7) ،
بلفظ: " المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل
الأرض "، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، ورجاله موثقون.
(4) رواه الطبراني (07/28) وشرح السنة (2/357) والحاوي (1/67) .
(5) ضعيف جدا. رواه الطبراني (5/126) ، والمطالب (489) ، والكنز (21629) ، والميزان
(3945) ، ترجمة: الضحاك بن نبراس، بصري، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي:
متروك، وقال الدارقطني وغيره: ضعيف. وخرج له البخاري في كتاب الأدب.
(6) الكنز: (29332) .(1/1301)
عن أنس عن زيد فلم يوصله أحد إلى الضحاك، وهو لين الحديث، وتابعه
محمد بن ثابت العبدي/وليس بقوي، والصحيح موقوف. انتهى، ورويناه في
كتاب الثواب لآدم موصولا من حديثه عن روح، ثنا أبان بن أبي عباس عنه،
ولفظه: " من مشى إلى المسجد كان له بكل خطوة عشر حسنات ". قال
أبو عيسى: اختلف الناس في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا
خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم انه كان يهرول إلىَ الصلاة،
ومنهم من كره الإسراع، وبه قال أحمد وإسحاق، قال إسحاق: إن خاف
فوت التكبيرة الأولىَ فلا بأس أن يسرع في المشي.(1/1302)
132- باب الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن عبد
الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي هريرة، قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرًا " (1) . هذا حديث خرجه أيضا
عبد الله من حديث يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ثم قال: صحيح، رواته
مدنيون ويحيى هو الإمام في انتقاد الرجال، ولم يخرجاه إذ لم يرضاه بغير هذا
الإسناد، ورواه أحمدَ في مسنده، وشرطه معروف، وفي البخاري تعليقاً، وقال
أبو هريرة: " إن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قيل: يا أبا هريرة، لِمَ؟ قال:
لأجل كثرة الخطا ". حدثنا أحمد بن عبيدة، ثنا عباد بن عباد المهلي، ثنا
عاصم الاً حول عن أبي عثمان النهدي عن أبى بن كعب قال: " كان رجل
من الاً نصار بيته أقصى بيت في المدينة وكان لا تحطهً الصلاة مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فتوجعت له فقلت: يا فلان لو أنك/اشتريت حماراً تتقيك
الرمضاء، ويرفعك في الوقع، ويقبل هوام الاً رض فقال: والله ما أحب أن بيتي
يطنب بيت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال فحملت به حملًا حتى أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فذكرت ذلك له، فدعاه فسأله، فذكر له مثل ذلك، وذكر أنه يرجو في أبرد
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن لك ما احتسبت " (2) ، هذا حديث خرجه مسلم
بلفظ: إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى
أهلي فقال- عليه السلام-: " قد جمع الله لك ذلك كله أجمع " (3) . حدثنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة: (ح/782) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. روا هـ ابن ماجة (ح/783) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه مسلم: (278) ، وأحمد: (5/133) ، وابن خزيمة: (450، 1500) ، والكنز:
(22813،5285) .
غريبه: قوله: " توجعت " أي: أطهرت أَله يصيبني الألم مما يلحقه من المشقة ببعد الدر،
و" الرمض ": الاحتراق بالرمضاء. و" الوَقَع " في النهاية- هو بالتحريك- أي تصيب-(1/1303)
أبو موسى محمد المثنى، ثنا خالد بن الحرث، ثنا حميد عن أنس بن مالك
قال: أرادت بنو سلمة أن تتحول من ديارهم إلى قرب المسجد، فكره رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعدوا المدينة فقال: " يابني سلمة ألا تحتسبون آثاركم قط؟
فأقاموا " (1) . هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه، وفي لفظ عند
الرازي: " يعدوا المسجد "، وضعفه، وقال: الصواب المدينة. حدثنا علي بن
محمد، ثنا وكيع وإسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا أن يقتربوا، فنزلت:
(نكتب ما قدّموا وآثارهم) قال:. فثبتوا " (2) ، هذا حديث مسند في
الاصطلاح الحديثي، وسنده صحيح، وزاد عبد بن حميد في تفسيره: " فقالوا:
بل نثبت مكاننا "، وقد رواه أيضًا أبو سعيد الخدري بلفظ: " شكت بنو
سلمة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى: (ونكتب ما
قدموا) " فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " منازلكم فإنّما تكتب آثاركم " (3) ، أخيرنا/به
المسند الفقيه فتح الدين الحوري- رحمه الله- عن أبي الحسن بن أبي عبد
الله بن أبي الحسن- رحمه الله- قال: أنبأنا أبو الفضل المنهي عن أبي الحسن
علي بن أحمد المفسر أنبأ الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين
الطبري أنبأ جدي أنبأ عبد الله بن محمد بن الشرقي، ثنا عبد الرحمن بن
بشر، ثنا عبد الرزاق أنبأ الثوري عن طريق ابن شهاب عن أبي نضرة عنه،
وقال أبو عيسى: ورواه عن محمد بن وريس عن إسحاق الأزرق عن الثوري،
__________
الحجارة القدم فتوهنها. و" هوام الاً رض ": ما فيه من ذوات السموم. و" يطنب ":
الطنب- بضمتين- واحد أطناب الخيمة أي: ما أحب أن يكون بيتي مربوطا مشدودا بطنب
بيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد يستعار الطب للناحية، وهو كناية عن القرب.
(1) صحيح. رواه البخاري (3/29،1/167) ، وابن ماجة (ح/784) ، وأحمد (3/
106، 263) ، والبيهقي (3/64) ، والبغوي (3/6) ، والكنز (20247) ، وشرح السنة (2/353) ،
وابن أبي شيبة (2/207) .
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/785) . في الزوائد: هذا موقوف. فيه سماك- وهو ابن
حرب- وإن وثقة ابن معين وأبو حاتم فقد قال أحمد: مضطرب الحديث. وقال يعقوب بن
شيبة: روايته عن عكرمة- خاصة- مضطربة، وروا يته عن غيره صالحة.
(3) حسن. جامع المسانيد: (2/653) . وقال الترمذي: حسن غريب.(1/1304)
وهذا حديث حسن غريب، ورواه الكشي في تفسيره فقال: عانين فيه ضعف
طريق وإن لم يضبط. ثنا قبيصة عن سفيان عن طريف عن أبيِ نضرة عن أبي
سعيد (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدّموا وآثارهم) قال: الخطا
وآثارهم. فلو كان أبو سعيد رواه عن النبي لما وسعه خلافه، والله أعلم. ولفظ
البزار: فقال لهم النبي " احسبه " قال: " منازلكم منها تكتب آثاركم " (1) .
رواه عن ابن وزير الترمذي، وفي البخاري عن أبي موسى قال- عليه
السلام-: " أعظم الناس أجراَ في الصلاة أبعدهم ممشا " (2) ، وفي الأوسط
عن ابن عمر: " قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن ميسرة المسجد قد عُطِّلت فقال: " من
عمر ميسرة المسجد كان له كفلاة من الأجرة " (3) ، وقال: لم يروه عن نافع
إلا ليث بن أبي سليم، ولا عن ليث إلا عبيد الله بن عمرو. تفرد به عمرو بن
عثمان. وفي كتاب الثواب لآدم عن الحسن قال: أرادت بنو سلمة أن يعلمهم
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الحديث مرسل، رواه ابن المبارك بن فضالة عنه، وثنا المسعودي
عن عون بن عبد الله قال- عليه السلام-: " قد كنت هممت أن أحول
رجالا ممن يلي المسجد/ممن لا يشهد الصلاة، ثم نظرت في ذلك إلى ديار
قوم أبعد منهم ممن لا يشهد الصلاة، فرأيت الأبعد فالأبعد أعظمهم أجرأ
فتركتهم " (4) ، وفي صحيح مسلم أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب
آثاركم " (5) ، وفي لفظ: قال جابر: كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن
__________
(1) رواه أحمد (5/76، 6/65) ، وجامع المسانيد (2/653) .
(2) صحيح. رواه البخاري (1/166) ، والبغوي (4/6) ، وشرح السنة (2/353) ، والمشكاة
(699) ، والكنز (20227) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1007) ، في الزوائد: في إسناده ليث بن أبي سليم،
ضعيف. والترغيب (1/323) ، وإتحاف (3/328) ، والكنز (20589) ، والمغني عن حمل
الأسفار (1/192) ، ومسند بن عمر (48) ، والموضوعات لابن القيسراني (755) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/210) ، والتعليق الرغيب (1/175) ، وضعيف
الجامع الصغير (5709) .
(4) لم نقف على هذا اللفظ.
(5) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/280- 281) ، وأحمد (3/333) ، والمشكاة-(1/1305)
نبيع بيوتنا فتقرب من المسجد، فنهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: " إنّ لكم بكل
خطوة درجة غريبة الوقع " (1) ، قال الهروي: هو أن تصيب الحجارة القدم
فتوهنها، يقال: دفعت أوقع وقعًا، وفي المثل: كل الحيدي الجبدى الحافي
الواقع، وفي المحكم: وقع الرجل والفرس وقعًا فهو وقع حين من الحجارة أو
الشوك، وقد وقعه الحجر، وحافر وقع وقعة الحجارة فقصت منه، وقدم موقعة
غليظة شديدة، وطريق موقع فذلك، ورجل موقع قد أصابه البلايا، وفي
الصحاح: الوقع بالتسكين: المكان المرتفع من الجبل. عن أبي عمرو، والوقع
بالتحريك: الحجارة واحدتها وقعة، والوقع أيضَا الهبط، وفي الجامع: حفي من
مشيه على الحجارة، وقيل: هو أن يشتكي لحم رجليه من الحفا، والطنب حبل
الخيار، والجمع الطناب يقال حبل مطنب، ورواق مطب أي مشدّد بالأطناب،
قال أبو نصر في المحكم: هو حبل طويل يشد به البيت والسرادق بين الأرض
والطرائق، وقيل: هو الوتد (2) ، والجمع طنبة، قال القواريري: أحب أن يكون
شيء مشدودَا قريبا من بيته قال: والطنب طنب الخيار غيره، وهو الحبل يُشدّ/
إلي وتد، وسلمه واحدة السلم وهى شجر العضاة، قال أبو حنيفة: هو سلب
العبدان طولا يشبه القضبان، ليس له خشب وإن عظم، وله شوك دقاق طوال
خيار إذا أصاب رجل الإِنسان وله برمة أي زهرة صفراء، وكلّ شيء منها مر
وورقها مرّة يدبغ بها، وفي السلم قرب هذا المثل: " لأعضينكم عضب
السلمة "، وليس في العضاة أصلب عيدانا منها ومنه يقتطعون العصي، والغبط،
والأوتاد، والمبارم، وهو معزل ضخم، وقال غير أبي زياد: السلمة أطيب
العضاة ريحَا، وقال أعرابي: ليس شجرة أدرى من سلمة قال: ولم يوجد في
دبري سلمة مرد قط، ويجمع أيضًا أسلامَا، قال دوية كأنما حين أطلقا من
ذات إسلام عصيا سقفا، وقال بعض الرواة: أرض مسلمو: ما إذا كانت كبيرة
السلم، وفي كتاب اقتباس الأنوار: سلمة من السلام وهي الحجارة، وفي
__________
(700) ، والكنز (20248) ، والمنثور (5/260) ، والطبري (22/100) ، وابن كثير (6/
552) والقرطبي (15/22) .
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/279) ، والفتح (2/140) ، والكنز (20245) .
(2) قوله: " الوتد " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1306)
كتاب الصحاح، وسلمة بكسر اللام رجل بنى سلمة: بطن من الأنصار،
وليس في العرب سلمة غيرهم. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره ابن حبيب
في كتابه: " المؤتلف والمختلف "، والوزير أبو القاسم المغربي، وابن ماكولا سلمة
في الأنصار، وسلمة بن عمرو بن ذهل بن مرداس جعفي، وسلمة بن نصر بن
غطفان بن قيس بن جهينة، كل سلماتهم بالكسر، وفي كتاب النوادر لأبي
علي هارون بن زكريا الهجري من فضائل عميرة بن غطفان بن امرؤِ القيس بن
بهيشة بن سليم سلمة بكسر اللام مثل الذي في الأنصار، ولا يزيدون على
أربعة وعشرين رجلا، وسلمة في محلة من كهلان. ذكره أبو عبد الله الأزدي
في كتاب الترقيص عن الكلبي بكسر اللام، وسلمة في كيدة وهو ابن
الحارث، قال الأزدي: ذكر الباهلي: أنّه سمع أبا عبيدة يقول في هذا: سلمة
بكسر/اللام قال القرطبي: وهذه الأحاديث تدل على أن البعد من المسجد
أفضل، فلو كان بجوار المسجد هل له أن يجاوزه للأبعد؟ اختلف فيه، فذكر
عن الحسن: أنه كرهه قال: وهو مذهبنا، وفي يخطىء مسجده إلى المسجد
الأعظم قولان، وقال أبو عبد الله بن ليانة: لا يدع مسجده، وإنّما فضله
الجامع في صلاة الجمعة فقط، وذكر عن ابن وهب أنه يمضي إلى الجامع وإن
بطل موضعه، وروى عن أنس أنه كان يتجاوز المساجد المحدثة إلى القديمة،
وفعله مجاهد، وأبو وائل، ويرد هذا ما ذكر5 أبو القاسم من حديث عبادة ابن
زياد الأسدي، ثنا زهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال- عليه السلام-: " ليصل أحدكم في مسجده ولا يتبع المساجد " (1) .
وقال: لم يروه عن زهير إلا عبادة، وذكره أبو أحمد من حديث مجاشع بن
عمرو عن عبيد الله، وقال: كذا رواه كثير بن عبيد، وابن مصفي عن بقية
عن مجاشع عن عبيد الله، وغيرهما جعل ابن مجاشع، وعبيد الله منصور بن
أبيِ الأسود، ومجاشع صالح الحديث.
__________
(1) ضعيف. رواه العقيلي: (3/432) ، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/23- 24) ،
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، ورجاله موثقون إلا شيخ الطبراني محمد بن
أحمد بن النضر الترمذي ولم لجد من ترجمه. قلت: ذكر ابن حبان في الثقات في الطبقة
الرابعة محمد بن أحمد بن النضر بن ابنة معاوية بن عمرو فلا أدرى هو هذا أم لا؟(1/1307)
133- باب فضل الصلاة في الجماعة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته
في بيته، وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة " (1) . ومن حديث ابن
المسيب عنه أخرجه أيضا: " تفضل الصلاة في الجمع على صلاة أحدكم
وحده خمسا وعشرين جزءًا " (2) ، هذا حديث قال فيه أبو عيسى إذ رواه عن
مسدّد عن/ابن معاوية: حسن صحيح، ولفظ الشيخين (3) : " صلاة الرجل
في جماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفاً،
وذلك أف إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلّا
الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه ما خطيئة، فإذا
صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه مادام في صلاه ما لم يحدث: اللهم صل
عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة ". وفي لفظ للسراج
" بخمس وعشرين درجة " (4) ، وفي لفظ: " تعدل خمسة وعشرين صلاة
الفرد " (5) ، وفي لفظ: " تزيد على صلاة الفذ خمسًا وعشرين درجة " (5) ،
وفي لفظ: " بضعة وعشرين جزءا " (6) ، وفي لفظ: " خير من صلاة الفذ
بخمس وعشرين درجة "، وفي لفظ: " صلاة مع الإمام أفضل من خمس
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/166) ، ومسلم في (المساجد، باب " 49 "، ح/272) ، وأبو
داود في (الصلاة، باب " 49 ") ، وابن ماجة (ح/788،786، 790) ، والدارمي (1/192) ، والطبراني
(8/41) ، وابن حبان (431) ، وإتحاف (3/14) ، والكنز (20217، 20219، 20222، 20259،
20260) ، وابن كثير (6/69) ، والقرطبي (1/12/276،250) .
(2) صحيح. رواه للترمذي (ح/215) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومسلم (450) ،
وللنسائي في (الصلاة، باب " 21 ") ، والبيهقي (1/3،60/359) ، ونصب الراية (2/23) .
(3) تقدم الحاشية رقم (1) .
(4) بنحوه. رواه أبو داود (ح/559) ، وأبو عوانة (2/3) ، وابن أبي شيبة (2/480) .
(5) بنحوه رواه الطبراني: (10/128) .
(6) رواه أبو عوانة: (2/4) .(1/1308)
وعشرين يصليها وحده " (1) وفي كتاب ابن حزم روى عن عمر وأبو هريرة
وكلاهما عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد
سبعا وعشرين درجة " (2) ، وهما صحيحان. قال الدارقطني: ورواه يزيد بن
ذريع وعبد الأعلى وأشعث ويزيد بن هارون عن داود عن سعيد موقوفا. وقال
الربيع: عن حماد عن داود عن سعيد، والشعبي، ويحيى بن أبي زائدة،
وشعيب، وداود بن الزبرقان: عن داود بن أبي هند عن سعيد عن أبي هريرة
مرفوعا، وقال حماد بن زيد: وكذا قاله خالد الواسطي، ورواه بشر بن
المفضل عن داود عن الشعبي عن أبي هريرة موقوفا، وقال حماد بن زيد: عن
داود عن سعيد والشعبي موقوفا، وقال أبو الربيع: عن حماد بن زيد عن
سعيد، والشعبي أو أحدهما موقوفا: وقال سليمان/بن حرب: عن حماد عن
داود عن سعيد موقوفا، وروى ابن سمية من رواية الثوري مثل قول سليمان بن
حرب، وقال حجاج بن منهال: عن حماد عن داود عن سعيد عن النبي
مرسلا. والصحيح قول يزيد بن ذريع، ومن تابعه. وفي كتاب الكني: ثنا
حجاج، ثنا حماد عن محمد عن أبي سلمة عنه بلفظ: " صلاة الجماعة
أفضل على صلاة الفذ " (3) ، ولفظ أبي مرة في سننه: " صلاة مع الإمام
أفضل من خمسين وعشرين صلاة يصليها وحده " (4) . حدثنا أبو كريب، ثنا أبو
معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري فال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، " 42 " رقم 248) ، وأحمد (2/273، 529) ، وأبو
عوانة (2/3) ، والكنز (20220) ، وعبد الرزاق (2000) .
(2) صحيح. رواه البخاري (1/129) ، والنسائي (2/103) ، والفتح (1/564) .
(3) صحيح. رواه البخاري (1/166) ، والنسائي (03/12) ، وأحمد (3/55) ، والبيهقي (3/
60) ، وشفع (355) ، ومشكل (2/29) ، والمشكاة (1052) ، وتلخيص (2/25) ، والموطأ
(129) ، والتمهيد (4/219) ، وإتحاف (3/14) ، وتجريد (563) ، وشرح للسنة (3/341) ،
والكنز (20257،20215،20214) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/148) .
(4) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب " 42 " رنم 248) ، وأحمد (2/273، 529) ،
وأبو عوانة (2/3) ، والكنز (20220) ، وعبد للرزاق (2000) .(1/1309)
خمسَا وعشرين درجة " (1) ، هذا حديث خرجه البخاري من حديث يزيد بن
الهاد عن عبد الله بن حباب عنه بلفظ: " صلاة الجماعة تفضل على صلاة
الفذ بخمس وعشرين درجة " (2) ، وخرجه الحافظ أبو حاتم في صحيحه عن
أبي يعلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، ثنا هلال بلفظ: " يزيد
على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة فإن صلَّاها بأرض فيء فأتمَّ
وضوءها وركوعها وسجودها يكتب صلاته بخمسين درجة " (3) ، ولفظ أبي
داود: " الصلاة في جماعة تعدل خمسَا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة
فأتمَ ركوعها، وسجودها بلغت خمسين صلاة " (4) ، وقال: قال عبد الواحد بن
زياد في هذا الحديث: " صلاة الرجل في الفلاة مضاعف على صلاته في
الجماعة ... " الحديث. انتهى كلامه وفيه نظر؛ من حيث إن حديث عبد
الواحد لم أر/أحدَا ذكره في طرق حديث أبي سعيد فيما علمت، إنما رأيته
مذكورَا عند البخاري: ثنا موسى ثنا عبد الواحد الأعمش سمعت أبا صالح
عن أبا هريرة يقول: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل في جماعة تزيد ... " (5)
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/166) ، ومسلم في (المساجد، باب " 49 "، رقم " 272 ") ،
وأبو داود في (الصلاة، باب " 49 ") ، وابن ماجة (ح/786، 788، 790) ، والدارمي (1/192) ،
والطبراني (8/41) ، وابن حبان (431) ، وإتحاف (3/14) ، والكنز (20260، 20217، 20219،
20222، 20259) ، وابن كثير (6/69) ، والقرطبي (1/250، 12/276) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب " 42 " رقم " 245 ") ، والترمذي (ح/215) ،
والنسائي (03/12) ، وأحمد (2/486) ، والبيهقي (3/59، 60) ، وأبو عوانة (2/2) ، والتمهيد
(6/316، 317) ، وشفع (356) ، والبغوي (4/156) ، والمنثور (5/299) ، ومشكل (2/29) ،
والترغيب (1/260) ، والشافعي (52) ، والحلية (6/351، 9/156) ، والقرطبي (1/
348، 349، 1/2430) ، والموطأ (129) ، وشرح السنة (3/339، 341) ، والكنز (20221) .
(3) المصدر السابق.
(4) ضعيف. رواه أبو داود (ح/560) ، والحاكم (1/208) ، والترغيب (1/265) ، والكنز
قلت: وفي سنده هلال بن ميمون. هو ابن أبي سويد أو ابن سويد، أبو ظلال القِسملي،
عن أنس. قال ابن عدى: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال اين حجر: ضعيف، مشهور
بكنيته، من الخامسة. روى له البخاري في التاريخ والترمذي.
(5) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/787) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1310)
الحديث، ورواه البزار عن أبي كرسا وعمرو بن علي: ثنا أبو معاوية، ثنا
هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد، وقال: لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إّلا
بهذا الإسناد، وهلال بن ميمون فلسطيني روى عنه مروان، وأبو معاوية، وفيه
نظر؛ لمَا قدّمناه قبل من عند البخاري، وخرجه البخاري من عند أبي بكر
الفقيه، ثنا إسماعيل بن قتيبة، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا أبو معاوية بلفظ أبي
داود، وقال: صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال
بن أبي هلال، ويقال ابن أبي ميمون، ويقال: ابن أسامة وكلّه واحد. انتهى
كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أنّ هلال بن أبي ميمون ليس هو المذكور في متن
هذا الحديث، إنّما هو ابن ميمون كما في نفس المتن، وعند أبي داود، وكنية
أبو المغيرة الرملي الفلسطيني. قال ابن أبي حاتم: روى عن ابن المسيب،
وعطاء بن يزيد الليثي، ويعلى بن شدّاد بن أوس، روى عنه مروان بن معاوية،
وأبو معاوية، ووكيع، سمعت أبي يقول ذلك، وفرق بينه وبين ابن أبي ميمونة
المدني قال: ويقال ابن علي ويقال ابن أسامة، روى عن عطاء بن يسار، وأبي
ميمونة روى عنه يحيى بن أبي كثير، وزياد بن سعد ومالك وأسامة بن زيد
ومحمد بن حمران، سمعت أبي يقول ذلك. وقال البخاري في تاريخه
الكبير: ابن أبي ميمونة، وهو ابن علي، وقال مالك ابن أنس: هو أبو أسامة
إنّما/سمع عطاء بن يسار النسائي، ولما ذكر ابن ميمونة كناه أبا المغيرة ونسبه
جهميا، رمليا، وقال: روى عن عطاء بن يزيد، روى عنه مروان، وفي كتاب
الثقات لأبي حاتم البستي في الطبقة الثالثة هلال بن ميمون أبو المغيرة الجهني،
وقد قيل: كنيته أبو علي من أهل الرملة، يروى عن عطاء بن يزيد، وابن
المسيب، ويعلى روى عنه مروان وأبو معاوية، وقال: في الطبقة الثانية هلال بن
أبي ميمونة، واسم أبي ميمونة أسامة الفهري، وهو الذي يقال له ابن علي
العامري، يروى عن أنس بن مالك، وكان راوياً لعطاء بن يسار، روى عنه
يحيى بن أبي كثير، وفليح مات في آخر ولاية هشام بن عبد الملك، وكذا
نقله ابن سرور، والصيرفي ومن بعدهما، وزعموا أن أبا ميمونة حديثه عند
الجماعة، وابن ميمون عند أبي داود وابن ماجة فتبين لك هذا أن المذكور في
المتن ليس كما قاله الحاكم، وأنّ ابن أبي ميمونة غير ابن ميمون، وأن ابن(1/1311)
ميمون الذي روى عن عطاء بن يزيد المذكور في نفس الحديث غير ابن أبي
ميمونة الراوي عن عطاء بن يسار، ويؤيّد ما قلناه ما ذكره أبو محمد
الإشبيلي إثر تخريجه له من عند أبي داود: هلال بن ميمون ضعفه أبو حاتم،
ووثقه ابن معين، ولما ذكره الحافظ ضياء الدين في أحكامه قال: قال ابن
عدي: هلال بن ميمون، عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، فقال الحافظ
المنذري إثره في إسناده هلال بن ميمون الجهني الرملي كنيته أبو المغيرة، قال
ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بقوى يكتب حديثه، فإذا كان كذلك
فقد تداخل على الحاكم يرحمه/في أخرى؛ فلقائل أن يقول: فإذا ثبتت التفرقة
فما حال الحديث؟ قلنا: صحيح كما أسلفناه من عند أبي حاتم، ولأن ابن
ميمون لم يتكلّم فيه بقادح يرد به رواية؛ بل بكلام موكل مع ما تقدّم من
الثناء عليه. حدثنا عبد الرحمن بن عمرو، ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله بن
عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الرجل في جماعة
تفضل على صلاة الرجل وحده سبع وعشرين درجة " (1) . هذا حديث خرجاه
في الصحيح بلفظ: " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين
درجة " (2) ، وقال أبو عيسى: هكذا روى نافع عن مولاه: " بسبع وعشرين
درجة "، وعامة من روى عن النبي- عليه السلام- إما قالوا: " خمسا
وعشرين ". انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث أبي هريرة من عند
ابن حزم: " سبعا وعشرين درجة "؛ ولما جاء في حديث ابن مسعود ولما
ذكره أبو نعيم: ثنا سعيد بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن سيرين أنّ زيد بن
ثابت صلى وحده فقال: قد صليت وحدي وقد علمت أن الجماعة تفضل
على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة "، وقد وجدنا نافعا رواه عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة: (2/480) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/166) ، ومسلم في (المساجد، ح/249) ،
والنسائي (03/12) ، وأحمد (3/55) ، والبيهقي (3/60) ، وشفع (355) ، ومشكل (2/29) ،
والمشكاة (1052) ، وتلخيص (2/25) ، والموطأ (129) ، وتمهيد (4/219) ، وإتحاف (3/14) ،
وتجريد (563) ، وشرح السنة (3/341) ، والكنز (20214، 20215، 20257) ، والمغني عن
حمل الأسفار (1/148) .(1/1312)
مولاه. كدْا رواه الجماعة، لكنه شك. قال أبو نعيم، ثنا العبدي عن دْل فع
ولفظه: " بسبعهْ وعشرين، أو خمسة وعشرين "، ووجدنا له أيضًا متابعا عند
أبي القاسم؛ رواه عن محمد بن أحمد بن روح: ثنا أحمد بن عبد الصمد
الأنصاري ثنا أبو سعد الأشهيلي ثنا محمد بن عجلان عن نعيم المجرى عن
ابن عمر برفعه: " فضل الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " (1) .
وقال: لم يروه/عن ابن عجلان إلا أبو سعد محمد بن سعد حدّثنا محمد بن
معمر ثنا أبو بكر الحنفي ثنا يونس عن أبي إسحاق عن أبيه عن عبد الله بن
أبي نصير عن أبيه عن أبي بن كعب قال: قال رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه
وآله وسلم-: " صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعة
وعشرون، أو خمسة وعشرون درجة " (2) . هذا حديث أخرجه ابن حبان من
حديث شعبة عن أبي إسحاق عن عبد اللَّه بن أبي بصير عن أبي بلفظ: صلى
بنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يوما الصبح. فقال: " أشاهد
فلان " قالوا: لا. قال: " أشاهد فلان كنفر من المنافقين " قالوا: لا. قال:
" إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما
لأتيتموهما ولو حبوا على الركب- يعني صلاة العشاء والصبح- وإنّ الصف
الأوّل على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضله لابتدرتموه، فإن صلاة
الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من
صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين وما كثر
فهو أحبّ إلى اللَّه، عز وجل " (3) . وكذا خرجه الحاكم في مستدركه، وقال:
هكذا رواه الطبقة الأولى من أصحاب شعبة؛ يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة: (ح/789) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن حبان: (431) ، وابن ماجة: (ح/790) .
صحيح دون فوله: " أربعا وعشريين " صحيح أبي داود: (563) ، والتعليق الرغيب: (1/152) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح /544) ، والمنثور (1/299) ، ورواه أحمد (5/155، 180) ،
والبيهقي (1/212) ، وللجوامع (5676) ، وابن حبان (196) ، وعبد الرزاق (913) ، والمشكاة
(530) ، وشرح السنة (2/111) ، قلت: وعلته ابن جريج.(1/1313)
وابن مهدي ومحمد ابن جعفر وسعيد بن عامر ومحمد بن كثير وعبد الله بن
رجاء وأقوالهم، وكذا رواه سفيان بن سعيد، وكذا رواه زهير بن معاوية
وغيرهم عن أبي إسحاق. زاد ابن عساكر في كتابه الأطراف: وأبو بكر ابن
عياش وجرير بن حازم. قال الحاكم: ورواه ابن المبارك عن شعبة عن أبي
إسحاق-/عن أبي بصير عن أبي، وكذا قال إسرائيل، وأبو حمزة السكري،
وعبد الرحمن المسعود، وجرير بن حازم عن أبي إسحاق عن أبي بصير عن
أبي، وقيل: عن الثوري عن أبي إسحاق عن العيزاري ابن حريث عن أبي
بصير، قال أبي: وكذا قاله أبو الأحوص عن أبي إسحاق، واختلفوا في هذا
على أبي إسحاق من أربعة أوجه، والرواية فيها عن أبي بصير، وابنه عبد اللَّه
كلها صحيحة، والدليل على دون روا ية خالد بن الحرث، ومعاذ بن معاذ
العنبري، ويحيى بن سعيد عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي
بصير عن أبيه قال: سمعته، قال أبو إسحاق: وقد سمعته منه وعن أبيه عن
أبي بن كعب، وقد حكم أئمة الحديث: يحيى بن معين، وابن المديني،
ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهم لهذا الحديث بالصحة سمعت أبا العباس
محمد بن يعقوب يقول: سمعت ابن معين يقول: حديث أبي إسحاق عن أبي
بصير عن أبي هكذا يقوله زهير وشعبة يقول: عن أبي إسحاق عن عبد اللَّه بن
أبي بصير عن أبيه عن أبي، ورواه أبو إسحاق عن شيخ لم يسمع منه غير
هذا، وهو عبد اللَّه، وقال شعبة عن أبي إسحاق: إنّه سمع من أبيه، وفيه قال
أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن العنبري: وما أرى الحديث إلا صحيحًا،
سمعت أبا بكر الفقيه، سمعت المزني سمعت ابن المديني يقول: قد سمع أبو
إسحاق من ابن أبي نصير وأبيه، ثنا أبو بكر بن إسحاق سمعت عبد اللَّه بن
محمد المديني سمعت محمد بن يحيى يقول: رواية يحيى بن سعيد، وخالد
بن الحرث عن شعبة، وقول أبي الأحوص عن العيزاري كلّها محفوظة، فقد
ظهر بأقاويل أئمة الحديث صحته، وأما الشيخان/فلم يخرجاه لهذا الخلاف.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لأن البيهقي ذكر عن محمد بن يحيى هذه الروايات
كلّها محفوظة خلا حديث أبي الأحوص، لا أدرى كيف هو، ولفظ الطبراني
في الأوسط: " والصف المقدم ". وقال: لم يروه عن أيوب السختياني عن(1/1314)
شعبة إلّا وهيب ابن خالد، ولا عن وهيب بن خالد إلّا سعيد بن واصل. تفرد
به محمد بن سفيان عن الرزاد الآملي، ورواه في موضع آخر من حديث ابن
جريج عن قيس عن أبي إسحاق، أخبرني عبد اللَّه بن أبي سفيان، عن أبي
سفيان كذا ذكره، وقال: لم يروه عن ابن جريج إّلا أبو قرة، وقليس هو ابن
الربيع، وفي موضع آخر:/يروه عن خالد بن ميمون إلّا سعيد بن أبي عروبةْ
تفرد به عبد الأعلى وابن سؤدب عن سعيد، وفي علل أبي بكر أحمد بن
محمد بن هارون الخلال: أنبأ الدوري سمعت يحيى يقول: القول قول شعبة:
عن أثبت عن زهير، قال أبو بكر: ورواه عثمان بن أبي شيبة، ووكيع عن
الثوري عن أبي إسحاق عن ابن أبي بصير عن أبيه، ورواه أبو إسحاق الفزاري
عن الثوري عن أبي إسحاق عن العيزار، ورواه معمر الرقي عن حجاج عن أبي
إسحاق عن عاصم عن أبي ضمرة عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه، وقال
الحافظ أبو بكر البيهقي: أقام إسناده شعبة، والثوري، وإسرائيل في آخرين،
وذكره الحافظ بن عبد الواحد في الأحاديث المختارة، وذكره الحافظ أبو محمد
عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده الصحيح من حديث شعبة،
وزهير، وخالد بن ميمون بن أبي إسحاق، وقال: قال ابن أبي بصير: حدثني
أبي عن أبّي، وسمعه من أبي بن كعب، وخالف ذلك/أبو عمر بن عبد البر
فقال: هذا حديث ليس بالقوي، ولا يحتج بمثله، وفي موضع آخر: وقد
رويت أثارًا محفوظة مرفوعة منها حديث أبي، وغيره: أنّ صلاة الرجل مع
الرجلين أفضل من صلاته وحده، وهي آثار كلّها ليست في القوة والثبوت
والصحة كآثار هذا الباب يعني " حديث صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ،
ولفظ أبي قرّة: " ولو تنحيا عليكم بالصفّ الأوّل، ولما ذكره أبو محمد عبد
الحق في أحكامه الكبرى من عند أبي داود قال: عبد الله بن أبي بصير: لا
أعلم روى عنه إّلا أبو إسحاق، وهذا منه- رحمه الله تعالى- الضعيف
للحديث على قاعدته؛ لأن الإِنسان إذا لم يوثق ولم يرو غير واحد عنه فهو
مجهول العين والحال، ولو رأى ما أسلفناه من توثيقه عن أبي حاتم البستي،
وقول العجلي فيه وذكره ابن خليفة، وفي الباب مع إخراج حديثه في
الصحيح لما اتجه له ذكر هذا التخريج مع ما تقدّم من رواية أبي ضمرة عنه من(1/1315)
عند الخلال، ورواية العيزاري مع أن حكاية التفرد ليس هو بأبي العيزار، قد
سبق إلى ذلك غير واحد من الأعلام فذهبت عنه الجهالة والسلام. وفي الباب
أحاديث منها حديث ابن مسعود أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة الجمع تفضل
على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين ضعفا؛ كلها مثل صلاته " (1) ،
خرجه أحمد في مسنده بسند جيّد، وخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عن
محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عنه بلفظ: " تفضل
صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده بضع وعشرون درجة " (2) ، ورواه
السراج في مسنده من/حديث همام ثنا قتادة عن مورق عن أبي الأحوص
بلفظ: " تفضل على صلاة الرجل وحده بخصر وعشرين صلاة " (3) ، وفي
لفظ: " تزيد خمسًا وعشرين " (4) ، وخرجه في الأوسط من حديث أبي
الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه بلفظ: " خمسة وعشرين "
أو سبعة وعشرين "، ولفظ أبي القاسم في الأوسط: " بضع وعشرين "،
وقال: لم يروه عن أبي حصين- يعني- عن أبي الأحوص- إلّا قيس بن
الربيع، ولا عن قيس إّلا محمد بن الصلت. تفرد به أحمد بن الحجاج بن
الصلت. وقال الرازي: رواه القطان عن شعبة عن قتادة عن عقبة بن وساج
عن أبي الأحوص، ورواه سعيد بن بشير، وغيره عن قتادة عن مورق عن أبي
الأحوص، وشعبة أحفظ، قال: ورواه أبان بن قتادة عن مورق عن أبي
الأحوص، وحديث غياث بن قاسم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " صلاة رجلين
يؤم أحدهما صاحبة أزكى عند الله من أربعة سترى، وصلاة أربعة يؤمهم
__________
(1) إسناده صحيح. رواه أحمد (1/376) ، والمجمع (2/38، 39) ، وعزاه إلى " أحمد " و" أبو
يعلى " و" البزار " والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " - وهو الذي قال في بيته في الكبير
ورجال أحمد ثقات.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/246) ، والمسير (5/74) ، وفيه: " خمسا
وعشرين درجة ".
(3) المصدر للسابق.
(4) صحيح. أورده للهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/38) ، وعزا هـ إلى " البزار " والطبراني في
" الأوسط "، ورجال البزار ثقات.(1/1316)
أحدهم أزكى عند الله من صلاة ثمانية سترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم
أزكى عند الله من صلاة مائة سترى " (1) رواه البخاري في التاريخ، فقال: قال
عبد الله بن يوسف:، حدثني الوليد بن مسلم أخبرني ثور عن يونس بن سيف
عن عبد الرحمن بن زياد عنه، وحديث أنس قال- عليه السلام-: " الاثنان
جماعة والثلاثة جماعة " (2) الحديث، ذكره أبو أحمد من حديث سعيد بن
رزقي وهو ضعيف، ورواه السراج عن جعفر الصانع، ثنا عبيد الله بن
محمد بن حفص، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أنس موقوف: " تفضل
صلاة الجميع على صلاة/الرجل بضعا وعشرين صلاة " (3) ، ورواه الكشني
عن حجاج عن حماد عن عاصم عن أنس مرفوعا: " تفضل صلاة الجميع "،
وثنا حجاج، وثنا حماد عن أبان عنه مرفوعا: " تفضل صلاة الجمع على
صلاة الرجل وحده بأربع وعشرين صلاة، وهى الخامسة " (4) ، وحديث عائشة
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمسة وعشرين " (5) ،
رواه النسائي بسند صحيح، ولفظ السراج: " تفضل على صلاته وحده
خمسا وعشرين درجة " رويا من حديث يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن
عمار عن القاسم عنهما، وفي لفظ: " صلاة الرجل في الجميع " (6) ،
وحديث زيد بن ثابت: قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث عن حجاج
__________
(1) صحيح. رواه للبخاري في " التاريخ " (1/4/132- 193) ، والبزار (رقم- 461) ، وابن
سعد (7/411) ، والديلمي (2/243- 244) ، عن أبي خالد ثور بن يزيد. ورواه ابن أبي شيبة
(1/1/131) ، وأبو داود والنسائي وغيرهم وصححه الحاكم وغيره.
وصححه الشيخ الألباني. صحيح أبي داود (ح/563) .
(2) ضعيف. رواه البيهقي (3/69) والكنز (20274) . (3) تقدم.
(4) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/246) ، والمسير (5/74) ، والترمذي (ح/215) ،
والبيهقي (1/359، 3/60) ، ونصب الراية (2/23) .
(5) سنده صحيح رواه النسائي في: الصلاة، باب " 21 ".
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/648) ، ومسلم في (المساجد، ح/649) ، ورواه
الدارمي (1/292) ، وعبد الرزاق (2002) ، وابن خزيمة (1470- 1472) ، وابن ماجة (ح/
787) ، ومالك في الصلاة، ح/2، (وأحمد (485،2/475، 501. 5250.52) .(1/1317)
عن ثابت بن عبيد قال: دخلنا على زيد وهو يصلي على حصير ليسجد عليه
فقال: قال عليه السلام: " فضل صلاة الجماعة على صلاة الوحدة خمس
وعشرين درجة " (1) . قال: وأما أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن
عكرمة عن ابن عباس نحوه. قال: فان كانوا أكثر فصلى عدد من في
المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة الآلف قال: نعم، وإن كانوا أربعين ألفا.
وحديث معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " فضل صلاة الجميع على
صلاة الرجل وحده خصر وعشرين " (2) . رواه أبو القاسم في المعجم الكبير
عن محمد بن عبدوس السراج، ثنا محمد بن بكار ثنا عبد الحكيم بن منصور
عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه. وحديث عبد
الله بن زيد مرفوعًا: " ما بين الفذ والجماعة خمس وعشرين درجة " (3) . رواه
أيضا من حديث مؤمن بن عبيدة عن أبي بكر بن حزم عن عباد بن تميم/عنه،
وقال: لا يروى هذا الحديث عن ابن زيد إلا هذا الإسناد. تفرد به محمد بن
الزبير، فإنه يعني عن موسى. وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام: " صلاة
الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمر وعشرين صلاة،
وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة " (4) . الحديث رواه ابن
زنجويه من حديث أبي الخطاب الدمشقي عن زريق أبي عبد الله الألهاني عنه،
قال ابن الأثير: إنما قال درجة ولم يقل خيرًا ولا نصيبان ولا خطًا ولا شيئًا من
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في " الكبير " (8/293) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/39) ، وعزا هـ إلى البزار والطبراني في
" الكبير " وفيه عبد الحكيم بن منصور، وهو ضعيف.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/38) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير "، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1413) . في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لأن أبا الخطاب الدمشقي لا
يُعرف حاله، وزريق فيه مقال. حكى عن أبي زرعة أنه قال: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات
والضعفاء، وقال: ينفرد بالأشياء، لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به، والترغيب (2/
215) ، والمشكاة (752) ، وإتحاف (4/284) ، والمنثور (2/53) ، والكنز (20223) ، والقرطبي (15/
13) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/434،1/198) ، والمتناهية (2/86) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/299) ،.(1/1318)
أمثال ذلك؛ لأنّه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع، وإن تكن فوق هذه
بكذا أو كذا درجة ة لأن الدرجات إلى جهة فوق، وقد اختلف العلماء في
الجمع بين سبع وعشرين درجة، وبين قوله خمس وعشرين درجة، أو جزعَا أو
ضعفَا فقيل: إن الدرجة أصغر من الجزإ فكان الخمسة والعشرين إذا جزئت
درجات كان سبع وعشرين درجة، وردَّ هذا بما أسلفناه في الصحيح سبعَا
وعشرين درجة. وقيل: السبع متأخرة عن الخمس فكأنّ الله تعالى أخبره
بخمس، ثم زاد بعد ورود هذا بتعذّر التاريخ، وردّ هذا القول الأخر بأن
الفضائل لا تنسخ، وهذه فضيلة لمحمد- صلى الله عليه واله وسلم- فلا
يطرأ عليها النسخ. وقيل: إن صلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ
في المسجد بخمس وعشرين درجة، وصلاة الجماعة في المسجد أفضل من
صلاة الفذ في بيته بسبع وعشرين درجة، وردّ بقوله: " وصلاة الرجل في
جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه بخمس وعشرين ضعفَا " (1)
وقيل: إن الصلاة التي لم تكن فيها فضيلة الخطا إلى/الصلاة ولا فضيلة
انتظارها نفضل بخمس، والتي فيها ذلك تفضل بسبع، وقيل: إن ذلك
يختلف باختلاف المصلين والصلاة، فمن كملها وحافظ عليها فوق من أخذ
بشيء من ذلك. وقيل: إنّ الزيادة لصلاتي العشاء والصبح لاجتماع ملائكة
النهار والليل فيهما، يؤيّده حديث أبي هريرة المتقدّم: " تفضل صلاة الجماعة
صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا وتجتمع ملائكة الليل وملائكة
النهار في صلاة الفجر "، فذكر اجتماع الملائكة لواو فاصل وبين الكلام
وقطعه من الجملة المتقدّمة. وقال بعضهم: لا منافاة بين الحديثين؛ لأنه ذكر
القليل ولأنّ الكثير مفهوم العدد باطل عند جمهور الأصوليين، واستدل بعض
المالكية بهذه الأحاديث على أن صلاة الجماعة لا تفضل بعضها على بعض
بكثرة الجماعة؛ لأنه لم يذكر جماعة كثيرة دون جماعة قليلة، ورد بما تقدّم
في حديث فتات وغيره من أن الكثرة مطلوبة فرغب فيها كما ذهب إليه
الشافعي وابن حبيب من المالكية. وأنبأنا غير واحد من شيوخنا عن الإِمام
العلامة أبو بكر بن أحمد بن القسطلاني- رحمه الله- أنه قال: يحتمل أن
__________
(1) تقدم ص 1308.(1/1319)
تكون الدرجة في الجنة، والجزاء في الدنيا، واستدلّ بن الحصار لمذهبه ولأبي
حنيفة بأنه لا يجوز أن يصلّى تنفّل بمعترض، قال: لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعلمنا أن
للجماعة أن تنجمع على صلاة واحدة، فيجب لها التضعيف لذلك فلا يخلو
أن يكون التضعيف للإِمام أو المأموم، فإن كانت المضاعفة صلاة المأمومين فلا
يصح؛ لأنهم لا إمام لهم/فيها، فهم كالمنفردين، وإن كانت المضاعفة له فلا
يصح، لأن عشر حكمه حكم المنفرد، وإنّما يقع لجماعتهم إذا كانوا في صلاة
واحدة، وهو معنى قوله: صلاة الجماعة، فذكر صلاة واحدة مضافة إليهم
جميعا، ولم يقل صلاة الجميع، ورد بما أسلفناه من عند السراج وغيره: صلاة
الجميع، وأمّا تخصيص العود فقد استخرجه شيخنا قاضى القضاة بدر الدين بن
جماعة فيما أذن له أن نرويه عنه، وإن كان العلامة أبو الفرح بن الجوزي ذكر
أنّ جماعة تكلّفت تعليل ذلك، وما جاءوا بطائل فقال: الأوّل: قصد إقامة
الصلاة في جماعة، الثاني: إجابة الداعي، الثالث: ظهور السقاية، إلى الرابع:
متابعة السنة بحضورها، الخامس: إحياء السنة بدوام إقامة السنن، السادس:
زيارة بيت الله تعالى، السابع: عمارة المساجد، الثامن: نشاط المتكاسل على
الجماعة، التاسع: السلام على الإخوان، العاشر: التعاون على الطاعة، الحمادي
عشر: إظهار تالف القلوب، الثاني عشر: الاجتماع بأهل الخير من الملائكة
وغيرهم، الثالث عشر: الاعتكاف، إلى الرابع عشر: الاجتماع على الذكر،
الخامس عشر: فراغ القلب للذكر، السادس عشر: الاهتمام بإيقاع الصلاة
أوّل الوقت، السابع عشر: المسير إلى الجماعة بالمسجد، الثامن عشر: إيقاع
العبادة في ذلك المكان، التاسع عشر: التحرز بالصلاة في جماعة من مطرد
سهو وتسلط شيطان، العشرون: إقامة الصفوف وتسويتها في الصلاة، الحادي
والعشرون: متابعة الإمام في أفعاله، الثاني والعشرون: التحرز من إساءة الظن
به بترك الصلاة، الثالث والعشرون: الدعاء عند الدخول إلى المسجد وعند
الخروج، الرابع والعشرون، والخامس/والعشرون: سماع قراءة الإِمام والتأمين
إذا جهر، السادس والعشرون: مصاحبة الملائكة- عليهم السلام- وموافقتهم
في الصلاة والتأمين، السابع والعشرون: انتظار الصلاة قبل إقامتها وذلك
عبادة، قال: فيجوز أدْ تكون الدرجات بسبب هذه القربات، وقد ذكر ابن(1/1320)
المثنى وابن بطال مناسبات هذه أجمع- والله أعلم- وإذا قوله: أشاهد فلان؟
فيريد ابن أبي المنافق وأشياعه.
***(1/1321)
134- باب التغليظ في التخلّف من الجماعة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر
رجلًا فيصلى بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا
يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " (1) . هذا حديث خرجه في
الصحيح. زاد البخاري: " والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا
سمينًا أو مرقًا بين حسنتين ليشهد العشاء "، وفي لفظ: " إنّ أثقل الصلاة
على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو
حبوا " (2) ، وفي لفظ للإمام أحمد بن حنبل: " لولا ما في البيوت من
النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت
بالنار " (3) . وعند أبي داود: " ثم آتى قوما ما يصلون في بيوتهم ليست بهم
علّة وأحرقتها عليهم ". قال يزيد بن جابر: قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عون
الجمعة عيناً أو غيرها فقال: فسمعت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة ما
ذكر جمعة ولا غيرها، وفي مسند السراج/ " أمر أنس إذا سمعوا الإقامة، من
تخلف أن يحرقوا عليهم إنكم لو تعلمون ما فيهما لأتيموهما ولو حبوا " وفي
لفظ آخر: " صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العشاء حتى تحققوا الليل، وذهب ثلثه-
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (3/161) ، ومسلم في (المساجد، باب " 42 ") ،
وأبو داود (ح/548) ، وابن ماجة (ح/791) ، وأحمد (2/539) ، والبيهقي (3/55) ، والطبراني
في " الصغير " (2/57) ، والحاوي (1/179) ، والمنثور (1/299) ، والترغيب (1/268) ، وابن
كثير في " التفسير " (2/390) ، الخطيب (7/103) ، والحلية (9/319) .
(2) صحيح. رواه مسلم (ص 451) ،، وأحمد (2/466، 472، 531. 5/140) ، والبيهقي
(3/55) ، والحاوي (1/179) ، وعبد للرزاق (2004) ، وابن خزيمة (1476، 1484) ،
والترغيب (1/267) ، وشرح السنة (346،3/343) ، والخطيب (3/25، 03/17) ، والكنز
(19493، 22817،19494) ، وابن عساكر في " التاريخ " (2/333) ، والجوامع
(79078،606) ، وابن أبي شيبة (1/332) ،.
(3) ضعيف. فتح الباري (2/126) ، والترغيب (1/268) ، والمشكاة (1073) ، وأحمد (2/
367) ، والمجمع (2/42) من حديث أبي هريرة، وعزاه إليه، وفيه أبو معشر، وهو ضعيف.(1/1322)
أو نحوه- ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس عشرون، وإذا هم قليل، فغضب
غضبا شديدًا لا أعلم أنِّي رأيته غضب غضبا أشدّ منه، ثم قال: لقد هممت
أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أتتبع هذه الدور التي تخلَّف أهلوها عن هذه
الصلاة؛ فأحرقها عليهم بالنيران " (1) ، ولفظ الطوسي: " ثم آتى قوما ما
يتخلفون عن هذه الصلاة، فأحرق عليهم، يعمْي صلاة العشاء " وصححه.
وفي كتاب ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن عجلان عنه: " لينتهين رجال
من حول المسجد لا يشهدون العشاء، ولأحرقنَّ بيوتهم " (2) . وفي كتاب
زنجويه: " آمر رجالا في أيديهم حزم حطب لا يأتوا رجلًا في بيته سمع
الإقامة، لم يشهد الصلاة، إلَّا أضرم عليه بيته ". وفي كتاب أبي القاسم
الأَوسط (3) : " آمر رجالا إذا أقيمت الصلاة أن يتخلَّفوا دون من لا يشهد،
فيضرم عليهم بيوتهم ". قال: " ولو أنَّ رجلًا أذَّن النَّاس إلى طعام لإثرة،
والصلاة ينادى ما فلا يأتوها " (4) . وقال: لم يروه عن الأعمش عن عاصم بن
أبي النجود عن أبي صالح ألا سليم بن أبي داود، وتفرد به محمد بن
سليمان بن أبي داود، ورواه من حديث عاصم عن أبي رزين عن أبي هريرة
وقال: لم يروه عن عاصم عن أبي رزين ألا عمرو بن قيس. تفرد به الحكم بن
بشير ورواه الناس عن عاصم عن أبي صالح، وروى عن عاصم عن زر عن
عبيد الله، وفي الصغير: " ثم أنظر فمن لم يشهد المسجد فأحرق عليه بيته ".
وأشار إلى أن علي بن بكار/تفرَد به عن أبي إسحاق الرازي عن سعيد بن
شريح عن ابن أبي ليلى عنه، وثنا زياد بن أيوب ثنا محمد بن عبيد ثنْا
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد سئل محمد الحديث،
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد ". وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " ورجاله
موثقون.
(2) صحيح. رواه أحمد: (2/292) .
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/43) ، وعزاه إلى الطبراني في " الاً وسط "،
ورجاله موثقون.
(4) ودليل ذلك. الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: " لا صلاة بحضرة طعام ".
المساجد: باب " 16 "، (ح/67) .(1/1323)
وفي كتاب الترغيب لأبي موسى المديني: " تهور الليل، فذهب ثلثه- أو
قرابه- ثم قال: لو أن رجلًا نادى الناس إلى عرق، أو مرماتين أتوا لذلك،
وهم يتخلفون عن هذه الصلاة ... " (1) الحديث، وفي مسنده: " لو كان
عرقًا (2) سمينًا، أو معرفتين يشهدوهما ". وفي مصنف عبد الرزاق بسند
صحيح: أنبأ معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد الأصم عن أبي هريرة أن
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " لقد هممت أن آمر فتياني أن
يجمعوا إلى حزمًا من حطب؛ ثم انطلق وأحرق على قوم بيوتهم، يشهدون
الجمعة " (3) . ولما رواه البيهقي في الكبير عن أبي محمد عبد الله بن يحيى بن
عبد الجبار: أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار أنبأ أحمد بن منصور الرماد ثنا عبد
الرزاق قال: كذا قال الجمعة، وكذلك روى عن أبي الأحوص عن ابن
مسعود، والذي يدلّ عليه سائر الروايات أنه عم بالجمعة على الجماعة. انتهى
كلامه. ويزيده وضوحًا ما ذكره أبو القاسم في معجمه الأوسط: ثنا أحمد بن
محمد بن صدقة ثنا مفتر بن محمد ثنا عمى القاسم عن أبي حمزة عن
إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود يرفعه: " لقد هممت أن آمر بلالًا فيقيم
الصلاة، ثم أنصرف إلى قوم سمعوا النداء فلم يجيبوا، فأحرق عليهم
بيوتهم " (4) . وقال: لم يروه عن أبي ضمرة إلا القاسم. تفرد به مقدم، وفي
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/43) ،، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
ورجاله موثقون.
غريبه: قوله " المرماة " ظلف الشاة أو ما بين ظلفيها، يريد الشيء الحقير.
(2) قوله: " العرق " بفتح فسكون: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم.
(3) صحيح. رواه عبد الرزاق (1995، 1998) ، ومسلم في (المساجد، باب " 42 "، ح/
253) ، وأبو داود (ح/459) ، والترمذي (ح/217) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأحمد (1/450، 2/376، 472) ، والدارس (1/292) ، والبيهقي (3/55، 56) ، وابن خزيمة
(1481) ، والترغيب (1/274) ، والكنز (20356، 21140) ، وأبو عوانة (2/5) ، وصفة
(321) ، والقرطبي (1/350) ،.
(4) صحيح. أورده لله الهيثمي في " مجمع للزوائد " (2/43) ، وعزله الطبراني في " الأوسط "،
ورجاله رجال الصحيح، وهو عند مسلم بلفظ: " لقد همت أن آمر رجلًا يصلي بالناس، ثم
أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ".(1/1324)
كتاب السراج: ما يروه وهو ما رواه عن أبي يحيى وغيره عن الأشدّ ثنا زهير
ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/قال لقوم يتخلفون عن
الجمعة: " لقد هممت أن آمر رجلًا يصلى بالناس، ثم أحرق على رجال
يتخلَّفون عن الجمعة بيوتهم " (1) ، ولما رواه في مستدركه من حديث عمرو بن
خالد الحراني: ثنا زهير عن أبي إسحاق قال: هكذا رواه أبو داود الطيالسي
عن زهير، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، هكذا خرجاه بذكر
القيمة، وسائر الصلوات. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن زائدة
عن عاصم عن رزين عن ابن أم مكتوم، قال: قلت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّى كبير
ضرير شاسع الدار؟ وليس لي قائد بلازمني، فهل تجد لي من رخصة أن أصلِّي
في بيتي. قال: تسمع النداء؟ قلت: نعم. قال: مالك رخصة " (2) . هذا
حديث إسناده صحيح على رسم مسلم، وخرجه أبو عبد الله شاهدًا، ولم
يحكم عليه - يعني لحديث سفيان - عن عبد الرحمن عن ابن عباس عن ابن
أم مكتوم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المدينة كثيرة الهوام، والسباع، قال:
تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم. قال: فهي فحي هلا " (3)
وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إن كان ابن عباس سمع من ابن أم مكتوم،
وله شاهد بإسناد صحيح فذكر حديث أبي جعفر الرازي عن حصين بن عبد
الرحمن عن عبد الله بن شدّاد عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استقبل الناس في صلاة
العشاء فقال: " لقد همت أن آتى هؤلاء الذين يتخلفون عن هذه الصلاة؛
فأحرَّق عليهم ". قال: فقلت: يا رسول الله، لقد علمت ما في الحديث (4) .
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب " 42 "، ح/251، 254) ، وأحمد (1/
402، 422، 449، 461، 2/416، 479) ، البيهقي (3/56، 172) ، والحاكم (1/291) ،
والمجمع (2/43) ، وابن أبي شيبة (2/155) ، والطبراني في " الصغير " (1/172) ، والحاوي
(1/181) ، وإتحاف (3/14) ، والمشكاة (1378) ، والترغيب (1/268، 508) ، والكنز
(20365، 21131) ، والخطيب في " التاريخ " (5/433) ، والمغنى عن حمل الأسفار (1/
148) ، ومعاني (1/168) ، والقرطبي (3/311) .
(2) إسناده صحيح. رواه البيهقي (3/58) ، وابن خزيمة (1480) .
(3) إسناده صحيح. رواه البيهقي (3/58) ، وابن خزيمة (1478) ، ونصب الراية (2/22) .
(4) صحيح. رواه الحاكم (1/247) ، وابن خزيمة (1479) ، والكنز (20368) ،(1/1325)
وخرجه البيهقي في الكبير من حديث سليمان بن حرب ثنا حماد/بن زيد
عن عاصم بن أبي رزين أن ابن أم مكتوم سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ورواه ابن
سنان عن عمرو بن مرّة عن أبي رزين عن أبي هريرة، وفي كتاب المغازي من
حديث سعيد بن سليمان: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن أبي سنان عن
عمرو بن مرّة آخر ابن أبي رزين عن ابن أم مكتوم فذكره، ولفظ الإمام
أحمد في مسنده عنه: أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أتى المسجد،
فوجد في القوم رقّة فقال: " إنِّي لأهم أن أجعل للناس إمامًا، ثم أخرج، فلا
أقدر على إنسان يتخلّف عن الصلاة في بيته إلا أحرقه عليه ". فقال ابن أم
مكتوم: يا رسول الله إنّ بيني وبين المسجد نخلًا وشجرًا، ولا أقدر على قائد
كل ساعة، أيسعني أن أصلى في بيتي؟ قال: أتسمع الإِقامة؟ قال: نعم. قال:
" فأتها " (1) . وعاب ابن القطان سكوت أبي محمد عنه، إذ أورده عنه من
حديث أبي رزين وابن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم، وابن أم مكتوم، قال:
وكلتا الروايتين مشكوك في إيصالهما؛ لأنّ أبا رزين أهلًا له الرواية عن علي
ويقال: إنّه حضر معه صفين، وابن أم مكتوم قتل بالقادسية أيّام عمر، وانقطاع
ما بينهما إن لم يكن معلومًا، قالا: نعرف سنه فإن اتصال ما بينهما ليس
معلومًا أيضًا، فهو مشكوك فيه، وأمّا ابن أبي ليلى قوله: ولست بقين من خلافة
عمر فسنهْ لا يقتضى له السماع. انتهى كلامه. وفيه نظر في مواضع: الأول:
قوله أمّا سنه فإنّا لا نعرفه فليس بشيء، لأنّ ابن حبان وغيرها يصف على أنّه
كان أكبر من أبي وائل شقيق، وشقيق ممن قيل له: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلى هذا
لا تنكر روايته عن ابن أم مكتوم، الثاني:/قوله: وأعلى ماله الرواية عن على
مردود بقول ابن سعد: روى عن ابن مسعود، الثالث: قوله: أن ابن أم مكتوم
قتل بالقادسية مردود، ويقول ابن حبان وغيره: شهد القادسية ثم رجع إلى
المدينة فمات بها في خلافة عمر، ولفظ ابن سعد: شهد القادسية ثم رجع
إلى المدينة ولم يسمع له بذكر بعد عمر، الرابع: قوله. إن سنّ ابن أبي ليلى لا
__________
والفتح (2/128) ، وجرجان (427) .
(1) رواه الدارقطني (1/381) ، وأحمد (3/423) ، والمجمع (2/42) ، وعزاه إليه، ورجاله رجال
الصحيح، وفي أبي داود طرف.(1/1326)
يقتضى له السماع من عمر مردود بقول أبي حاتم الرازي، وسأله أنه هل
سمع منه؟ فقال بلال: خرج إلى الشَّام قديمًا في خلافة عمر فإن كان رآه
صغير. فهذا أبو حاتم لم ينكر سماعه من بلال المتوفى سنة عشرين، ويقال:
سبع عشرة أو ثمان عشرة، ويقال: سنة إحدى وعشرون بل جوَّزه، وفي
كتاب البيهقي من حديث ابن شهاب الحناط عن العلاء بن المسيب عن ابن أم
مكتوم قلت: يا رسول الله إن لي قائدًا لا يلازمني في هاتين الصلاتين. فقال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم القاعدون عنهما ما فْيهما، لأتوهما ولو حبوا " (1) ،
ولفظ أبي القاسم في الأوسط عن ماهان عن البراء بن عازب أن ابن أم مكتوم
أتى النبي- عليه السلام- يشتكي إليه رسالة أن يرخص له في العشاء والفجر،
وقال: إن بيني وبينك أسيب، فقال عليه السلام: " هل تسمع الأذان؟ قال:
نعم- مرة أو مرتين- فلم يرخص له في ذلك " (2) . وقال: لم يروه عن
ماهان- وهو أبو صالح- إلا زهير الأعزب بن الأعمر الذي روى عنه عمرو بن
مرة، ولا رواه عن زهير إلا عزب بن الحرث. تفرد به العوام بق حوشب، وفيه
أيضا من حديث عدي بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن
عجرة قال: جاء رجل ضرير إلى النبي- عليه السلام- فقال: إني أسمع
النداء، فلعلي لا أجد قائدا أو يشق علي،/أفأتخذ مسجدا في بيتي؟ فقال
عليه السلام: " أيبلغك النداء "؟ قال: نعم. قال: " فإذا سمعت،
فأجب " (3) . وقال: لم يروه عن عدي إلا زيد بن أبي أنيسة، وقال الرازي:
هذا حديث منكر، وقال- البيهقي: خالفه أبو عبد الرحمن فرواه عن ابن أبي
أنيسة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن مغفل، وفي صحيح مسلم عن أبي
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/43) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وفيه علي بن يزيد الألهاني عن القاسم، وقد ضعفهما الجمهور، وأختلف في الاحتجاج بهما.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/255) ، وأبو داود (ح/552) ، وابن ماجة (ح/792) ،
والحاكم (1/247، 3/635) ، وعبد الرزاق (1913) ، وابن سعد في " الطبقات " (3/2/97) ، وصححه
الشيخ الألباني. " الإرواء: 2/246 ". وانظر: أيضا صحيح ابن ماجة، وأبي داود.
(3) ضعيف. رواه الطبراني (19/139) ، والمجمع (2/42) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير ". وفي رواية له: " فأجب داعي الله "، وفيه يزيد ابن سنان، ضعفه أحمد. وقال
أبو حاتم: محله الصدق. وقال البخاري: مقارب الحديث.(1/1327)
هريرة، قال: " أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي
قائد يقودني إلى المسجد، فسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرخص له فيصلي في بيته،
فرخص له، فلما ولى دعاها فقال: " هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم.
قال فأجب " (1) . وخرجه السراج في مسنده من حديث زيد بن أنيسة، عن
عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: أتى ابن أم مكتوم الأعمى النبي،
فقال ... الحديث. حدثنا عبد الحميد بن بنان الواسطي ثنا هشام عن شعبة عن
عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من
سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة إلا من عذر " (2) . هذا حديث خرجه البستي
في صحيحه عن الحسن بن سفيان ثنا زكريا بن يحيى وعبد الحميد بن
السكري بلفظ: " يسمع النداء فلم يجب "، وخرجه أبو داود من حديث
أبي الحباب عن معمر عن عدي بلفظ: " قالوا: وما العذر؟ قال: حزن أو
مرض، لم تقبل منه الصلاة التي صلى "، ورواه في الأوسط ثم قال: لم يروه
عن معمر إلا أبو حباب، ولا عن أبي حباب، إلّا حريز. تفرد به معمر، وفيه
نظر؛ لما نذكره بعد، ورواه أبو عبد الله من حديث عبد الرحمن بن غزوان
وهشيم بن شعبة ثم قل: هذا حديث قد أوقفه غندر/وأكثر أصحاب شعبة،
وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم وفراد أبو نوح لغسان،
فإذا وصلا فالقول فيه قولهما، وله غير شاهد فذكر حديث سعيد بن عامر
وأبي سليمان داود بن الحكم عن شعبة مرفوعًا، قال: ولشعبة متابعان مفسران:
العبد عن عدي بلفظ: " قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض "، وأبو حباب
من حديث سليمان بن قرم بلفظ: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سمع النداء ينادي
صحيحًا فلم يأته من غير عذر لم يقبل الله صلاة غيرها. قيل: وما العذر؟
قال: المرض والخوف " (3) . وفي كتاب العلل للخلال: ثنا محمد بن الحسين
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/255) ، وأبو داود (ح/552) ، والبيهقي (3/
57، 66) ، وابن ماجة (792) ، والفتح (1/440) ، والمشكاة (1054) ،.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/793) ، والطبراني (11/446) " ونصب الراية (2/23) ،
والكنز (20993) ، وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. الترغيب (1/272) ، ونصب الراية (2/23) ، والقرطبي (1/349) ،(1/1328)
ثنا الفضل قال: قلت لأحمد: شعبهْ عن عدى فذكره قال: أخطأ فيه هشيم
مرّة فرفعه وهذا موقوف. قلت: كيف؟ قال: غْندر وغيره لا يرفعه، وقال أبو
الحسن الدارقطني: تابع هشيمّا على رفعه، فراد: ورواه جرير عن أبي حباب.
رفعه ووقفه يوسف القطّان عن جرير، ورواه ابن قرم عن أبي حباب عن معراء
عن عدي مرفوعا، وقال أبو أحمد: ورواه جرير. تفرد به عن أبي حباب عن
معراء، وقال ابن حزم: عن أبي حباب عن عدي وكأنه اختلط على الناسخ لا
على أبي أحمد، وقال الإشبيلي حين ذكره من عند أبي داود، وهذا يرد به
معراء العبدي، وقد روى عنه وأبو إسحاق، والصحيح: موقوف على ابن
عباس، وتبع ابن القطان عليه أمرين: الأول: إعلاله إيّاه بمعراء بن المخارق، قال:
وليس صواب؛ لأنه روى عن جماعة، وذكر أبو العرب عن الكوفي وليس في
كتابه أنه لا بأس به. الثاني: قوله على أنّ قاسما ذكره في كتابه عن إسماعيل:
ثنا سليمان بن حرب/ثنا شعبة عن حبيبْ بن أبي ثابت عن سعيد عن ابن
عباس، قال عليه السلام: " من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إّلا من
عذر " (1) . قال أبو محمد: وحسبك هذا الإسناد صحة، قال أبو الحسن لي
في كتاب قاسم: " إلّا من عذر " في الحديث المرفوع إنّما هو في الموقوف، فلم
يثبت أبو محمد فأورده هكذا، وإنّما نقله من كتاب بواسطة ابن حزم وغيره،
وهذا ما نقله من عند ابن حزم وهو جاء به مفسرا بزيادة: " إلّا من عذر " في
المرفوع؛ فتبين أنّ الصواب فيه بإيراد الواقع في كتاب قاسم بنصّه، قال قاسم:
ومن كتابه نقلت. حدّثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا جعفر بن عمرو سليمان
حرب وعمرو بن مرزوق عن عدي بن ثابت وسعيد بن جبير عن ابن عباس،
قال: " من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر " (2) . قال
إسماعيل: وبهذا الإسناد روى الناس عن شعبة بإسناد آخر: ثنا سليمان ثنا
شعبة عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له " (3) . ثنا بهذا سليمان مرفوعَا، وثنا
__________
واللآلىء (2/12) ، والإرواء (2/336) . قلت: لهذا الحديث شواهد صحيحة.
(1) المصدر السابق.
(2) ، (3) الحاشية السابقة.(1/1329)
بالأول موقوفًا على ابن عباس، هذا نص ما عنده، فالمرفوع عنده إنما هو من
رواية شعبة عن حبيب لا عن عدي، وليس فيه زيادة إلّا من رواية شعبة عن
حبيب، لا عن عدي وليس فيه زيادة إلا من عذر "، وإنما تكون هذه الزيادة
في حديث عدي إلّا أنه عند قاسم موقوف فحمل المرفوع على الموقوف في
هذه الزيادة فيه، ونسب ذلك إلى أبي قاسم خطأ، نعم هي في الحديث
المرفوع من رواية عدي، لكن عند غير قاسم، رواه هشيم عن شعبة عند
معن بن مخلد وأبي القاسم/ابن بنت منيع وابن المنذر والدارقطني. انتهى
كلامه. وفيه نظر من حيث قال: إن أبا محمد أعلّه بمعراء، وأبو محمد لم يعله
به؛ إنما قال ما أسلفناه عنه وذلك لا يقتضى إعلالًا؛ بل ترجيحَا لكونه ذكر له
روايتين مخرجين له عن الجهالة، ولم يسبق له فيه كلام، أحال عليه. حدثنا
علي بن أحمد ثنا أبو أسامة عن هشام الدستوائي عن يحيى ابن أبي كثير عن
الحكم بن مينا، قال: أخبرني ابن عباس وابن عمر أنهما سمعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول على أعواده: " لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات، أو ليختمن الله على
قلوبهم ليكونن من الغافلين " (1) . هذا حديث في سنده انقطاع فيما بين
يحيى والحكم، وإن كان قد سمع منه، فقد ورد هذا الحديث مبينا فيه عدم
سماعه منه بين ذلك أبو عبد الرحمن إذ رواه في سننه عن محمد بن معمر
عن حبان بن هلال عن أبان عن يحيى عن الحضرمي بن لاحق عن رزين بن
سلام عن أبي سلام عن الحكم بلفظ: " ودعهم الجماعات ". قال: وأنبا
إبراهيم بن يعقوب ثنا سعيد بن الربيع ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن زيد
عن أبي سلام عن الحكم عن ابن عمر وابن عباس قال علي ثم كتبه به أبي
عن ابن عمر وأبي هريرة فذكره. وذكره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في
مجموع حديثه من حديث هشام بن عمار: ثنا الوليد ثنا معاوية بن سلام سمع
يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني الحكم بن مينا يقول: سمعت ابن عمر وأبي
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الجمعة، باب " 12 "، ح/40) ، وابن ماجة (ح/794) ، والنسائي (3/88) ،
وأحمد (1/239، 254، 335، 2/84) ، والبيهقي (3/171) ، وابن حبان (550) ، وابن أبي شيبة (2/
154) ، والترغيب (1/508) ، والمشكاة (1370) ، وشرح السنة (4/215) ، ومشكل (4/231) ،
والكنز (21134، 21141) ، والفتح (10/455) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/412) .(1/1330)
هريرة يقولان: سمعنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منبره، وهو يقول: " لينتهين أقوام
عن تركهم الجماعات ... " (1) الحديث/ومن حديث حماد بن زيد عن أيوب
عن يحيى يروه إلى ابن عمر وابن عباس ولفظه: " الجماعات "، ومن حديث
زياد بن أيوب: ثنا ابن علية عن أيوب عن يحيى عمن حدثه عنهما، وفي
كتاب الثواب لأدم بن أبي إياس: ثنا بكير بن حسين عن يحيى بن عبيد الله
عن أبيه عن أبي هريرة، قال: " نودي " (2) أهل حضرة المسجد، وأهل العوالي
من الأنصار؛ فقال أهل حضرة المسجد: نحن أعظم أجرًا منكم، لقربنا من
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يفوتنا معه صلاة، ونحن محدثوه، وقالت الأنصار من أهل
العوالي: نحن أعظم أجرًا منكم لبعدنا من المسجد، ولا يرغبنا إليه إلا حب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصلاة معه ". وحديثه: " فأتيته في البحر والبر فبينما هم
يتدارون اطلع عليهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلم عليهم فقصوا عليه القصة، فقال:
الأبعد فالأبعد أعظم أجرأ، وذلك أن الرجل إذا توضأ في بيته وأحسن الوضوء
وأكمله ثم خرج إلى المسجد لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة،
ومحا عنه سيئة، وإذا دخل المسجد لم يزل في صلاة حتى يخرج أو
يحدث " (3) . أنبأ به الشيخ المسند الفقيه أبو الثور بن عبد القوي قال: أنبأ أبو
الحسن علي بن المحمودي أنبأ الحافظ أبو طاهر البغوي قراءة عليه أنبأ أبو
مسعود محمد بن عبد الله السودرجاني أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن
محمد الجبال أنبأ أبو محمد عبيد الله بن محمد بن إبراهيم قراءة عليه أنبأ أبو
موسى عيسى بن إبراهيم أنبأ آدم، وحديث ابن عمر يرفعه: " لأنا على أمتي
في غير الخمر أخوف عليهم من الخمر، سكن البادية، وترك المساجد،
والذكر ". ذكره ابن يونس في تاريخه/عن عاصم بن رواح ثنا زكريا بن
__________
(1) المصدر السابق.
(2) قوله: " نودي " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/556) ، وابن ماجة (ح/782) ، وأحمد (2/428) ، والبيهقي
(3/65) ، والحاكم (1/ 208) ، وابن أبي شيبة (2/206) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " (5/
352) ، والمنثور: (5/260) ، والخطيب: (11/32) ، والكنز: (20246، 20741) . وصححه
الشيخ الألباني.(1/1331)
يحيى بن أبان ثنا مسكين بن عبد الرحمن وخالد بن حميد عن أبي مالك
يحيى عن واهب بن عبيد الله المعافري عنه، قال: ورواه محمد بن المغيرة عن
واهب موقوفًا على ابن عمر، ورواه مسلم في صحيحه عن الحلواني عن أبي
برمة ثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد سمع أبا سلام حدثنى الحكم بن مينا
أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدّثاه ... فذكره بلفظ: " الجماعات ". قال
البيهقي: ورواه أبان عن يحيى عن زيد بن سلام عن الحضرمي عن الحكم
وخالفه الدستوائي فرواه عن يحيى أن أبا سلامة حدّثه عن الحكم أنه حدثه،
قال: ورواية معاوية عن أخيه زيد أولى أن تكون محفوظة. انتهى كلامه.
ويفهم منه أن أبان بن يزيد رواه بلفظ: " الجماعات " بالإسناد المذكور عنده،
وليس كذلك لا.
ذكره أبو بكر الإسماعيلي أنبأ الفرياني أنبأ عمران بن موسى ثنا عثمان بن
أبي شيبة ثنا عفان وأنبأ أبو يعلى ثنا أبو خيثمة ثنا يحيى بن إسحاق البجلي ثنا
عمرو بن محمد ثنا عفان قال: أنبأ أبان بن يزيد العطار لفظ العرياني ثنا يحيى
عن زيد عن أبي سلام عن الحكم عنهما عن ابن عمر وابن عباس بلفظ:
" الجماعات "، قال الشيخ: لم يكن في حديث عمرو في الرفع عن أبي سلام
ولم تكن قوته صح، وقال أبو حاتم في علله: والحضرمي رجل من أهل المدينة
وليس لرواية أبي سلام عنه معنى، وإنما يشبه أن يكون يحيى لم يسمعه من
زيد فرواه عن الحضرمي عن زيد، فوهم الذي حدث به حدثنا عثمان بن
إسماعيل الهذلي الدمشقي ثنا أبو لبيد بن مسلم عن أبي ذئب عن/الزبرقان بن
عمرو الضمري عن أسامة بن زيد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لينتهين رجال عن
ترك الجماعات، أولا حرقن بيوتهم " (1) . هذا حديث إسناده منقطع فيما بين
أسامة والزبرقان. قاله أبو القاسم بن عساكر والشيخ ضياء الدين في أحكامه،
__________
(1) صحيح المتن، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة: (ح/795) . في الزوائد: في إسناده
الوليد بن مسلم للدمشقي؛ مدلس، وعثمان لا يعرف حاله، والمعنى ثابت في الصحيحين
وغيرهما. والحاوي (1/181) ، والكنز (20353) ، والترغيب (1/278) ، والفتح (2/126) .
قلت: بل صححه الشيخ الألباني. لما رأينا له من شواهد صحيحة عند الشيخين وغيرهما.(1/1332)
ويوضحه لي في تاريخ البخاري الكبير زبرقان بن عمرو بن أمية الضمري،
روى عنه ابن أبي ذئب، قال جعفر بن ربيعة: الزبرقان بن عبد الله بن
عمرو بن أمية عن أبيه، وقال لي إسحاق: أنبأ عبد الصمد ثنا شعبة عن عمرو
سمع الزبرقان سمع عروة عن زيد بن ثابت، وعن أبي داود عن ابن أبي ذئب
عن زبرقان عن زهرة كنّا عند زيد فقال: هي الظهر- يعني الصلاة الوسطى-
فأرسلوني إلى أسامة بن زيد فقال: حي الظهر. وقال هشيم: حدّثنا صدقة عن
ابن أبي ذئب عن الزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري عن زيد بن ثابت
وأسامة نحوه، وقال آدم: ثنا ابن أبي ذئب ثنا زبرقان الضمري نحوه وروى
يحيى بن أبي بكير عن ابن أبي ذئب نحوه وفي الباب حديث أنس بن مالك
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أن رجلًا لو دعى النّاس إلى عرق أو مرماتين لأجابوه،
وهم يدعون هذه الصلاة في جماعة، فلا يأتوها، لقد هممت أن آمر رجلًا
يصلى بالناس في جماعة فأضرمها عليهم نارًا، فإنه لا يختلف عنها إلا
منافق " (1) . قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه عن إبراهيم بن حاتم ثنا
جويرة بن أشرس ثنا حماد عن ثابت عنه ولم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا
حماد بن سلمة، وحديث أبي الدرداء من عند أبي داود مرفوعًا: " ما من
ثلاثة في قرية ولا بدو ولا تقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ/عليهم الشيطان،
فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية " (2) . وحديث ابن عمر
يرفعه: " الجماعة على من سمع الأذان " (3) . ذكره ابن عدي من حديث
محمد بن سعيد المصلوب، وهو متروك، وفي كتاب البيهقي من حديث أبي
إسحاق عن الحرب عن علي: " من سمع النداء من جيران المسجد وهو
صحيح من غير عذر فلم يجب، فلا صلاة له " (4) . قال البيهقي: وقد روى
__________
(1) صحيح. الكنز (20369) ، والعلل (529) ، وأحمد (2/537) ، والمجمع (2/43) ، وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط "، ورجاله موثقون.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/547) ،. قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في
الجماعة. والنسائي (2 لم 106) ، وشرح السنة (3 لم 347) ، والمنثور (6 لم 186) ، والترغيب (ا /
272) ، والمشكاة (1067) .
(3) بنحوه. رواه الدارقطني: (2 / 6) ،.
(4) بنحوه. رواه ابن ماجة (ح / 793) ، والطبراني (11 / 446) ، ونصب الراية (2 / 23) ،-(1/1333)
من وجه آخر مرفوعًا وهو ضعيف، وحديث أبي موسى قال- عليه السلام-:
" من سمع النداء فلم يجب من غير عذر، فلا صلاة له " (1) . رواه أبو نعيم
عن يحيى بن عبد الحميد ثنا قيس عن أبي حصين عن أبي بردة عنه خرجه
الحاكم (2) مصححًا له. وحديث عمر بن الخطاب وأبي بن كعب مرفوعا:
" إن الله تعالى يتعجب من الصلاة في الجميع " (3) . ذكره ابن عدي، وضعفه
بحماد بن قيراط وغيره. وحديث حارثة بن النعمان من عند الكشي من
طريق مولى عفرة يرفعه: " يخرج الرجل في عتمة فلا يشهد الصلاة حتى
يطبع على قلبه " (4) ، وذكر حديثَا طويلا. وحديث أبي زرارة الأنصاري أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من سمع النداء ثلاثَا فلم يجب كتب من المنافقين " (5) .
ذكره أبو يعلى عن أبي خيثمة ثنا يحيى بن إسحاق ثنا أبان عن يحيى بن أبي
ذئب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه، وحديث أبي الزبير عن جابر
قال عليه السلام: " لولا شيء لأمر رجلَا يصلى بالنّاس لحرقت بيوتا على ما
فيها " (6) . ذكره أبو جعفر الطحاوي في شرح المشكل. وحديث أبي هريرة
يرفعه: " من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر " (7) . ذكره
الحافظ أبو أحمد في كامله / من حديث سليمان بن داود قال: وليس بشيء
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي مسلمة عنه، قال أبو سليمان الخطابي: قوله:
__________
والكنز (20993) ، والإرواء (2 / 337) .
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 42) ، وعزاه إلى الطبراني فما " الكبير "،
وفيه بن الربيع وثقة شعبة وسفيان الثوري وضعفه جماعة.
(2) صحيح. رواه الحاكم: (1/245) ،. وصححه.
(3) ضعيف. وعلته حماد بن قيراط النيسابوري المذكور في سنده، وهاه ابن حبان. (المغني
في الضعفاء: 1 / 190 / 1723) ،.
(4) لم نقف عليه.
(5) بنحوه. أورده الهيثمي في: " مجمع الزوائد " (2/43) ،.
(6) شرح معاني الآثار: (1 لم 169) ،.
(7) تقدم. وراجع طرقه في: " الارواء " (2 / 337) ،.(1/1334)
" بلا ومنى " هكذا يروى في الحديث والصواب: " لا يلائمني " أي: لا
يوافقني ولا يساعدني على حضور الجماعة، قال أبو ذؤيب:
أبا الحسك لا يلائم مضجعا ... إلا أقص عليك ذاك المضجع
فأمّا الملاومة فإنها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه قال الله تعالى.
(فأقبل بعضهم ملى بعض يتلاومون) (1) . وقال أبو موسى: أصله الهمز لا
يلائمني، وقال السكري: يلائم يوافق وبلا رق يقال التأم الجرح، ويقال: التأم
أمر بنى فلان، قال الحطيئة:
وهم جبروني بعد فقر وغيره كما لأم العظم الكسير جبائر
وفي الصحاح: لا يقال: يلائمني. والرخصة والرخصة لغتان حكاهما ابن
سيده في معجمه، فال: رخّص له في الأمر أذن له فيه بعد النهي عنه، ولما
شرح كتاب الإصلاح لأبي يوسف بن السكيت حكى عن صاحب العين:
الرخصة: ترخيص الله للعباد أي: لتسهيله في أشياء خفَّقها عليهم يقول:
رخصت له في كذا، أي أذنت له فيه بعد تهيي إيّاه عنه، قال: والودع الترك،
وقد ودعه وادعة، وقال شمر: زعمت الغوية أنّ العرب أماتوا مصدر وماضيه،
قال الهروي: والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفصح، قال أبو محمد ابن حزم: ولا يجزئ صلاة
فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إّلا في المسجد
مع الإمام، فإن لعمّد ترك ذلك بلا عذر بطلت صلواته، وإن كان بحيث لا
يسمع الأذان فعرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد فصاعد / ولابد فإن
لم يفعل فلا صلاة له، إّلا أن لا يجد أحدا يصليها معه فتجزئه حينئذ إّلا من
له عذر. وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم عن أبي موسى. " من سمع النداء
فلم يجب فارغا صحيحا فلا صلاة له) (2) . وعن ابن مسعود أنه كان يقول:
جار المسجد إذا سمع وليس له علة، ثم لم يجب فلا صلاة له، وعن عائشة.
من سمع المنادي ثم لم يجبه، فلم يرد خيرا أو لم يرد به، وفي كتاب ابن
__________
(1) سورة القلم آية: 30.
(2) رواه البيهقي (3/174) ، والترغيب (1/278) ، وتلخيص (2/30) ، والكنز (20539) ،
والخفاء (2/59) ، والمجمع (1/333) ،.(1/1335)
زنجوية عن معاذ: لإِن أصلّي في جماعة أحبّ إلي من أن أصلّي الدّهر
وحدي، وذكر صاحب التحفة الحنفي عن محمد بن الحسن: الجماعة واجبة،
وقد سمّاها بعض أصحابنا سنة مؤكّدة؛ وهما سواء، وفي المقيد: هي واجبة،
وتسميتها سنة لوجوبها بالسنة، وفي البدائع: يجب على الرجال البالغين،
العقلاء، الأحرار، القادرين عليها من غير حرج فإذا فاتته لا يجب عليه الطلب
في مسجد آخر بلا خلاف بين أصحابنا؛ لكن إن أتى مسجدًا يرجو أدراكها
فيه فحسن، وإن صلّى في مسجد حيّه فحسن، وذكر سرف الأئمة إن تركها
بغير عذر يوجب التعذير ويأثم الجيران بسكوتهم عنه، زاد شمس الأئمة
السرخسي ولا تقبل شهادته وإنّ اشتغل بتكرار اللغة، حتى فاتته لا بعذر
وبتكرار الفقه ومطالعة كتبه بعذر، ولا أكثر أنها سنة مؤكدة ولو تركها أهل
ناحية أثموا ووجب قتالهم بالسلاح وفي شرح خواهر زاده: هي سنة مؤكدة
غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وبه قال الطحاوي والكرخي وغيرهما،
وقال الإِمام أحمد: هي واجبة وليست بشرط، وفي كتاب الجواهر عن مالك:
هي سنة مؤكّدة وليست بواجبة إّلا في الجمعة، وحكى القاضيان أبو الوليد
وأبو بكر عن بعض شيوخهم أنّها فرض/كفاية، وحكى الإِمام الشافعي في
كتاب الأم أنها فرض كفاية، وحكى الرافعي أنها فرض عين ليست شرطًا
لصحّة الفرض، وبه قال ابن خزيمة وأبو بكر بن المنذر، قال النووي رحمه
الله: وقيل أنه قول الشّافعي، وهو الصحيح من قول أحمد، وقول الآخر: لا
تصح الصلاة بتركها فإن ذكر حديث: يفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذّ،
وصيغة " أفضل " تقتضى الاشتراك في الفضل وترجيح أحد الجانبين، ومالا
يصح فلا فضل فيه ولا يجوز أن يقال: قد يستعمل بمعنى الفاضل لما عرف في
كتب النحو أن ذلك على سبيل البذور عند الإطلاق لا عند التفاضل بزيادة
عدد، ويؤيّده ما في بعض طرقه: " يزيد أو يضاعف على صلاته وحده " فإنّ
ذلك محمول على صلاة المعذور الفذّ؛ لأنه ذكر الفذّ بالألف واللام المفيدة
للعموم، فيدخل تحته كل فذّ من معذور وغيرها يؤيّده قوله: " أو في سوقه "؛ إذ
العليل لا يكون في السوق غالبا، وعلى تقدير ذلك فصلاة المعذور أجرها
كصلاة الصحيح قال عليه السلام: " إذا كان العبد يعمل عملًا ثم مرض أمر(1/1336)
اللًه ملائكته أن تكتب له أجر عمله " (1) في ذكر البخاري: أجيب بأن
المفاضلة لا تمنع أن تقع في الواجبات أنفسها؛ أي أنّ صلاة الجماعة في حق
من فرضه صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد في من سقط عنه وجوب صلاة
الجماعة لكان العذر بتلك الدرجات المذكورة، وهذا الجواب سبق ردّه ولله
الحمد، وزعم المهلب أن التحريق أريد به المنافقين، وإليهم يوجّه الوعيد محتجا
بقوله: " لو يعلم أحدهم أنّه يجد عرقًا، قال. وليس هذا من صفات المؤمن،
وبنحوه/قاله البيهقي عن الشافعي. رأى ذلك ابق حزم وابن بطال، واستدل
بعضهم به على أنّ الجماعة ليست فرض عين، ولو كانت فرضًا لما تركهم،
وزعم بعضهم أنّ هذا كان أوّل الإِسلام حيث كانت العقوبة في المال،
وأجمع العلماء على نفي عقوبة التحريق في غير المتخلف عن الصلاة والعمال
في العتيمة جواز، وبه أخد أهل الجرائم على أنّ فيه دليل على أنّ تارك
الصلاة متهاونًا، يقتل على قول من يقول: إنَّ الخطاب للمؤمن، وأمّا حديث
ابن أم مكتوم فزعم بعضهم أنه مؤذنا ومستخلفَا على غير ما عزوه، ولأنه
رخّص لغيره ولم يرخّص له؛ قلنا قد تأوّله أبو بكر بن خزيمة والحاكم والبيهقي
وأبو بكر بن إسحاق الفقيه وأبو سليمان- رحمهم الله تعالى- على أنه لا
رخصة لك إن طلبت فضل الجماعة وإنك لا تحوز أجرها مع التخلف عنها
بحال، وقال ابن المنذر: يحتمل أنه كان في الجمعة لا في الجماعة، وقيل:
كان ذلك أول الإسلام حين أتى غيب في الجماعة وسد الباب على المنافقين
في ترك حضورها، وقيل: لعلّه كان بمن يتصرف في أمر دنياه دون قائد
ككثير من العميان. انتهى. أمّا قوله في الجمعة فغير ذلك؛ لأن من قدر على
الجماعة (2) بطريق الأولى، وأما قوله: لعله ممن كان يتصرف في أمر دنياه
فكذلك أيضًا؛ لأنّ من استطاع المجيء في الليل قبل الناس ليؤذِّن دليل على
كثرة تصرفه، والذي يظهر من هذا أنه رجل من المهاجرين الفقراء الذين لم
يألفوا المدينة ولا أملتها فيوهم أن ذلك يكون عذرًا له في التخلّف عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود: (ح/3091) ،.
(2) اضطراب في سياق المتن.(1/1337)
الجماعة، فلما استقر قراره وألِف أمكنتها صار متصرفا بنفسه ومؤذنَا لا/
يحتاج إلى تأيد ولا غيره، وأمّا ترخصيه لعتبان فظاهره أنّه بعد هذا وأنّ له
أعذار منها السمن المفرط والسيل والريح الذي قال بنحوه ابن أم مكتوم غير
ملتبس ما- والله تعالى أعلم- وفي المشكل للطحاوي: اختلف أهل العلم؛
فقالت طائفة منهم بوجوب حضور الجماعة على الضرير كوجوبها على
الصحيح، وجعلوه لمن لا يعرف الطريق فلم يعذر بجميل، وعذره آخرون،
وقد روى القولان جميعَا عن أبي حنيفة؛ غير أنّ الصحيح عندنا عنه هو
وجوب حضورها عليه وإلى ذلك كان يذهب محمد، ولا يحكى فيه خلافَا
بينه وبين أحد من أصحابه.
***(1/1338)
135- باب صلاة العشاء والفجر في جماعة
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي
كثير حدثتني عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم الناس ما في
صلاة العشاء، وصلاة الفجر، لأتوهما ولو حبواً " (1) . هذا حديث إسناده
صحيح على شرط الشيخين، وإن كان ابن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا
زرعة عن حديث رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم
عن عيسى بن طلحة عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم المتخلفون ... "
الحديث، قال أبي: ورواه أبان وشيبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن
عيسى عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو زرعة: أشبه عندي عن نحيس،
وأخاف أنّ عيسى إنما صحّف فيه وأراد نحيس يكتب لأبي زرعة أنّ مسلم ابن
إبراهيم روى/عن أبان عن يحيى عن محمد عن عيسى قال: أخاف أن يكون
غلط مسلم ثنا أبو مسلمة عن أبان عن يحيى عن محمد عن نحيس وهذا
أصح من حديث مسلم. انتهى. إذا سلم لم يقوله فغير ضار؛ لأنّ نحيس بن
أبي موسى المدني الداخل بيتهما يخرج مسلم حديثه في صحيحه فلا ضرر في
دخوله وإبداله بعيسى لكونهما تعيين، فأمّا ما كان صحّ نفاه الحديث لكنّه
يتعرضه علّة أخرى؛ وهي ما ذكره أبو زرعة الدمشقي في تاريخه عن
الأوزاعي، قال: رفع أبو يحيى بن أبي كثير صحيفة وقال: أروها عني بنظر.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء
وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " (2) . هذا حديث
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/796) ، والمنثور (1/299) ، والكنز (19470) ، والخطيب (3/
101) ، والخفاء (2/246) ،. وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم (ص 451) ، وأحمد (2/466، 472، 531، 5/140) ، والبيهقي (3/55) ،
والحاوي (1/179) ، وعبد الرزاق (2004) ، وابن خزيمة (1476، 1484) ، والترغيب (1/276) ،
وشرح السنة (3/343، 346) ، الخطيب (03/7،13/25) ، والكنز (19493، 19494) ، وابن
عساكر في " التاريخ " (2/333) ، والجوامع (6078، 6079) ، وابن أبي شيبة (1/332) .(1/1339)
خرجاه في صحيحه. حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن عياش عن
عمارة بن غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي- صلى الله
عليه وآله وسلم- أنه كان يقول: " من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة،
لا تفونه الركعة الأولى من صلاة العشاء، كتب الله له عتقًا من النّار " (1) . هذا
حديث في سنده ضعف؛ لمكان ابن عياش؛ ولأن شيخه هنا ليس ثابتَا، ومن
طريقه رواه سعيد بن منصور، وفي سننه قال أيضَا: غير أنّ النسخة التي عندنا
الظهر، وفي كتاب العلل لأبي الحسن: " من صلى في مسجدي جماعة
أربعين يومًا لا تفوته الركعة الأولى من صلاة الصبح " (2) . قال أبو الحسن
وعمارة: لا يعلم له متابعًا من أنس، وتابع ابن عياش محمد بن إسحاق،
ورواه يحيى بن أيوب عن عمارة عن رجل عن/أنس، وفي الأوسط من
حديث الحكم بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي الرجال عن نبيط بن عمر
عن أنس بلفظ: " من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتب
له براءة من النار ونجاة من العذاب " (3) . وقال: لم يروه عن أنس إلا نبيط.
تفرد به ابن أبي الرجال. انتهى كلامه. وفيه نظر إن أراد أصل الحديث؛ لما
ذكرناه ولما يأتي بعد، وإن أراد أصل الحديث اللفظ فقريب وفي كتاب
المروزي: ألقيت على أبي عبد الله يعلى عن سفيان عن عاصم عن أنس
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/798) ،. في الزوائد: فيه إرسال وضعف. قال الترمذي
والدارقطني: لم يدرك عمارة أنسا ولم يلقه، وإسماعيل كان يدلس. والترغيب (1/363) ،
وإتحاف (3/16) ، والكنز (19471، 278.2) ، وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن
ماجة (ح/798) ، قلت: والحديث " حسن ". دون قوله: " لا تفوته الركعة الأولى من
العشاء ": الصحيحة (ح/262) ، شلشلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة تحت (ح/364) .
(2) ضعيف. رواه أحمد (3/155) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 125 /2) ، من
" زوائد المعجمين " من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن نبيط. ونبيط هذا لا يعرف إلا
في هذا الحديث، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " على قاعدته في توثيق المجهولين. وضعفه
الشيخ للألباني.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4/8) ، وعزاه لدى أحمد والطبراني في
" الأوسط "، ورجاله ثقات.
انظر: مسند أحمد (3/155) ، والطبراني في " الأوسط " (2/1/125) ،. راجع كلامنا عن
نبيط في الحاشية السابقة.(1/1340)
مرفوعا: " من صلى أربعين صلاة مكتوبة يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام كتب
له براءة من الشرك وبراءة من النار " (1) ، فأنكره وقال هذا من قبل يعلى، ما
أكثر ما كان يغلظ على سفيان، ولما ذكره الحافظ أبو سعيد محمد بن علي
بن مهدي النّعاس في كتاب الموضوعات من حديث إسحاق بن يزيد القرشي
عن سفيان عن خالد بن عمير عن أنس بلفظ. " من لم تفته الركعة الأولى
من صلاة الغداة أربعين ليلة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة "، قال:
إسحاق بن يزيد مجهول لا أدري أهو رفعه أم غيره، وزعم الدارقطني أن أبا
العلاء خالد بن طهمان الكوفي رواه عن حبيب بن أبي عميرة الإسكافْي عن
أنس، واختلف عن أبي العلاء؛ فقيل: عنه عن حبيب بن أبي ثابت ومن قال
ذلك عنه فقد وهم. كذا قاله قيس بن الربيع وعطاء بن مسلم وهما في نسب
حبيب، وفي سؤالات عبد الله: سألت أبي عن حديث حدّثنا خلف بن هشام
البزار، ثنا عيسى بن ميمون عن عون بن أبي شدّاد عن أبي عثمان النهدي
عن سلمان الفارسي قال: سمعت النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول:
" من غدا إلى صلاة/الصبح أعطى ربع الإيمان ... " (2) . الحديث، فقال: هذا
حديث منكر، وفي كتاب ابن زنجوية: ثنا الخضر بن محمد حدثني هشيم أنبأ
بشر حدثنى أبو عمير بن أنس قال: حدثنى عمومة لي من الأنصار من
أصحاب النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- أن رسول الله صلى اللَه عليه
وسلم- كان يقول: " ما شاهدهما منافق " يعني: العشاء والفجر، وقْي
صحيح مسلم عن جندب يرفعه: " من صلى الصبح فهو في ذمة اللَّه " (3) .
فانظر يا ابن آدم لا يطالبنك اللَّه عن ذمة بشيء، وفي كتاب السنن للبيهقي
عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- قال:
__________
(1) موضوع. أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/136) ،. وقال: إسحاق مجهول وقد
اتهموه بوضعه.
(2) منكر. رواه الطبراني (6/314) ، والكنز (19300، 19313) ، والمشكاة (640) ،
والترغيب (1/270) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/261) ، والترغيب (1/240) ، وأبو عوانة (2/
11) ، والحلية (3/96) ، والطبراني (2/169) .(1/1341)
" بيننا وبن المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونها " (1) ، وعن ابن
عمر قال: " كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء والفجر أسأنا به الظن " (2) ،
وعن عائشة قالت: قال رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله وسلم-: " لو يعلم
الناس ما في شهود العتمة ليلة الأربعاء لأتوها ولو حبوا " (3) . رواه في
الأوسط، وقال: لم يروه عن هشام إلا زكريا بن منظور. تفرد به عتيق بن
يعقوب الزبيري، وعن أبي الدرداء مرفوعًا: " من استطاع منكم ليشهد
الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل " (4) . رواه أبو القاسم في الكبير من
حديث رجل من النخع عنه.
***
__________
(1) مرسل. رواه البيهقي (3/59) ، والتجريد (324) ، والموطأ (130) . قال في التمهيد: هذا
الحديث مرسل في الموطأ. لا يحفظ عن النبي- صلى الله عليه وسلَم- مسندا. ومعناه
محفوظ من وجوه ثابتة، والشافعي (52) ، والكنز (360، 868) ، والقرطبي (1/349) .
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/40) ، وعزا هـ إلى " البزار "، ورجاله
ثقات.
(3) ضيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/40) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "،
وفيه زكريا بن منظور، وهو ضعيف.
(4) ضعيف. للترغيب (1/269) ، والمنثور (1/299) ، والمجمع (2 / 40) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير "، وللرجل الذي من النخع لم أجد من ذكره وسماه جابرا.(1/1342)
136- (باب لزوم الجماعة وانتظار الصلاة)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَه عليه وآله وسلّم-: " إن أحدكم
إذا دخل المسجد، كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة تصلي
على أحدكم/ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له،
اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يحدث فيه ما لم يؤذ فيه " (1) . هذا
حديث اتفقا على تخريجه، وفي لفظ لمسلم: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به
الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى
المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط " (2) . وفي
لفظ: " لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، حتى
ينصرف أو يحدث " (3) . وفي لفظ للسراج: " ما لم يحدث أو يخرج من
المسجد ". وفي لفظ: " من انتظر صلاة فهو في صلاة حتى يصليها " (4) .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شبابة بن أبي ذئب عن المقبري عن سعيد
ابن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال:
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/799) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/41) ، والترمذي (ح/51) ، والبيهقي (3/62) ،
وابن حبان (161) ، وابن خزيمة (5) ، وإتحاف (2/374، 10/23) ، والكنز (43323،
43324) ، والمشكاة (282) ، والمجمع (2/37) ، والمنثور (2/114) ، وموضح (1/
224، 225) ، والطبراني (4/148) ، والقرطبي (4/323) ، وابن كثير (2/170، 171) ،
والترغيب (1/158، 283) ، والحلية (8/248) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/55) ، ومسلم في (المساجد: باب " 49 " رقم
" 274 ") ، وأبو داود في (الصلاة: باب، " 20 ") ، وابن خزيمة (360) ، وأحمد (2/
415، 3/95، 5/453) ، والترغيب (1/181) ، وابن سعد (6/121) ، وأبو عوانة (2/
23) ، الخطيب في " تاريخه " (9/431) .
(4) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (02/41) ، وابن حبان (423) ، وإتحاف (3/282) ، والكنز
(9075، 19076) ، وأحمد (5/451) ، والمجمع (2/167) ، وعزاه إلى أحمد والبزار
بنحوه، ورجالهما رجال الصحيح.(1/1343)
" ما يوظن رجل يسلم المساجد للصلاة والذكر، إلا يتبشبش اللَّه إليه كما
يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم " (1) . هذا حديث أخرجه أبو حاتم
البستي في صحيحه عن عبيد الله بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ عثمان
ابن عمر ثنا ابن أبي ذئب وقال يزيد: نظر اللَّه إليه بالرأفة والمحبة لذلك
الفعل "، وصححه أيضًا أبو محمد الإشبيلي وأخرجه أبو داود الطيالسي في
مسنده عن ابن أبي ذئب بلفظ: " لا يوظن عند المسجد للصلاة والذكر إلا
يبشبش اللَّه به إذا خرج من أهله " (2) ، ولفظ أبي بكر بن أبي شيبة في
مسنده: " ما يوظى رجل " بالياء كذا رأيته في غير ما نسخه، ورواه
الحاكم (3) . في مستدركه عن عبدان، ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا أدم بن أبي
إياس ثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن ابن يسار وقال: صحيح على/شرط
الشيخين ولم يخرجاه، وقد خالف الليث بن سعد ابن أبي ذئب؛ فرواه عن
المقبري عن سعيد بن يسار بلفظ: " لا يتوضأ فيحسن وضوءه ويسبغه " (4) .
حدثنا أحمد بن سعيد الدارني ثنا النضر بن شميل ثنا حماد عن ثابت عن
أبي أيوب عن عبد اللَه بن عمرو قال: " صلينا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه
عليه وآله وسلّم- المغرب فرجع من رجع، وعقبه من عقب، فجاء رسول
الله- صلّى الله عليه وآله وسلّم- مسرعا قد حفزه الناس وقد حسر عن
ركبتيه فقال: " أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهى بكم
الملائكة يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " (5) .
هذا حديث إسناده صحيح على رسم الصحابة. حدثنا أبو كريب ثنا رشدين
بن سعد عن عمرو بن الحرث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن
رسول اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: " إذا رأيتم الرجل يعتاد
__________
(1) فصحيح. رواه ابن حبان: (309) .
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة: (1503)
(3) صحيح. رواه الحاكم: (1/213) . وصححه.
(4) صحيح. رواه أحمد (2/340) ، وابن خزيمة (1491) ، والترغيب (1/208) .
(5) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/801) ، في الزوائد: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات.
والترغيب (1/282) ، والكنز (18966) ، والصحيحة (661) .(1/1344)
المساجد، فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل: (إنما يعمر مساجد
الله ... ) الآية " (1) . هذا حديث ضعيف الإسناد برواية رشدين المذكور،
وقيل: وبه رواه أبو أحمد ابن عدي لما ذكره في كامله، ورواه البغوي في
مسنده بسند ضعيف أخرج به رشدين بن سعد منه، وأخرجه أبو يعلي
الموصلي في مسنده عن أبي خيثمة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن علي بن
زيد عن مطرف بن عبد الله أن يوفَا وعبيد الله بن عمرو ذكر كلمة سقط
فقال يوف: " أجد في التوراة: لو أن السموات والأرض وما فيهن وما معهن/
في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في كفة أخرى لرجحت من، ولو أن
السموات والأرضين السبع وما فيهن كن في طبق من حديد، وقال عبد: لا
إله إلا الله فيهن حتى يصير إلى اللَّه تعالى ". فقال ابن عمرو: أنا أحدّثك عن
النبي- عليه السلام-: صلينا معه ذات ليلة المغرب، فرجع من رجع وعقب
من عقب، قبل أن يؤوب الناس لصلاة العشاء الأخرة، وقد حضره النعس، وقد
عقد تسعَا وعشرين وأشار بأصبعه السبابة إلى السماء وهو يقول: " أبشروا يا
معشر المسلمين، هذا ربكم فتح بابا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة،
يقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي هؤلاء " (2) ، الحديث. ولفظ الطبراني في
الأوسط وخرجه من حديث ابن لهيعة عن دراج قال عليه السلام: " من ألف
المسجد ألفه اللَّه تعالى " (3) ، وقال: لم يروهـ عن دراج إلّا ابن لهيعة. تفرد به
عمرو بن خالد الحراني. وخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن
مسعود عن محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن ابن لهيعة عن دراج
به. ورواه الترمذي عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن ابن وهب عن عمرو
بن الحرث عن دراج، وقال: حديث حسن غريب. كذا قاله، والمعهود منه
تصحيح هذا الإسناد؛ فإنّه لما ذكر حديث وهم فيها كاسحون من حديث
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/802) ، وضعيف ابن ماجة (ح/172) ، والمشكاة (723) ،
والضعيفة (505) ، والتعليق الرغيب (1/131- 132) .
(2) المصدر السابق.
(3) ضعيف. المجمع (2/23) ، والمنثور (3/217) ، وإتحاف (3/28) ، وابن عدي في " الكامل "
(6/368) ،. قلت: وعلته ابن لهيعة.(1/1345)
سويد بن المبارك عن سعيد بن يزيد عن دراج عن أبي الهيثم قال: حسن
صحيح غريب. وممن يصحح هذا السند ابن معين وابن خزيمة، وأمّا ابن خزيمة
فإنه خرجه في صحيحه عن عبد الله بن محمد بن سالم ثنا حرملة بن يحيى
عن ابن وهب، وخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي العباس محمد بن
يعقوب/ثنا بحر بن نصر عن علي بن وهب أخبرك عمرو به وفال: هذه
ترجمة المصريين، لم يختلفوا في صحتها، وصدقوا في روايتها؛ غير أن شيخي
الصحيح لم يخرّجاه، وقد سمعت القول في صحته فيما بعد. ولفظ الإمام
أحمد وخرجه عن شريح أنبأ ابن وهب عن عمرو: " فاشهدوا عليه الإيمان ".
وفي الباب حديث أنس من عند البخاري: " أقبل النبي- عليه السلام-
بوجهه بعدما صلى فقال: " لم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها " (1) .
وعند البيهقي من حديث صالح المزي عن ثابت عن أنس مرفوعَا: " إنّ
عمار بيوت اللَّه هم أهل اللَّه " (2) . وحديث طارق بن شهاب يرفعه: " وأما
الكفارات فإسباغ الوضوء في السيرات، ونقل الأقدام إلى الجمعات، وانتظار
الصلاة بعد الصلوات ". رواه في الأوسط، وقال: لم يروه عن أبي سعد
النقال- يعني عن قيس بن مسلم- عنه إلّا القاسم بن مالك المزي. تفرد به.
فرواه ابن أبي المعراء. وحديث أبي موسى مرفوعَا من عند مسلم: " والذي
ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام في جماعة أعظم أجرَا من الذي يصليها
ثم ينام " (3) . وحديث علي- بن أبي طالب قال- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-:
" إسباغ الوضوء على المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/168) ، ومسلم في (المساجد، باب " 39 "،
ح/22) ، والبيهقي (2/188) ، وابن سعد (1/2/162) .
(2) ضعيف. رواه البيهقي (3/66) ، والترغيب (1/219) ، والمنثور (3/216) ، والكنز
(11792، 20742) ، والمجمع (2/23) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " و" أبو يعلى "
و" البزار "، وفيه صالح المزي، وهو ضعيف.
(3) لم نقف عليه.(1/1346)
الصلاة تغسل الخطايا غسلَا " (1) . رواه ابن زنجويه من حديث الحرث بن عبد
الرحمن بن أبي ذئب عن أبي العباس عن ابن المسيب عنه، وقال الدارقطني:
ورواه عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن ابن المسيب فأسنده عن أبي سعيد
الخدري، وكلاهما ضعيفان، وقال البزار: هكذا رواه صفوان عن الحرث عن
أبي العباس عن سعيد، وقال أنس بن عياض وغيره / عن الحرث عن أبي
العباس عن سعيد، وأبو العباس مجهول. وحديث عبد اللَّه بن حبيب: حدّثنى
من سمع النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: " لا يزال العبد في صلاة
ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، تقول الملائكة: اللهم اغفر له اللهم
أرحمه " (2) . رواه ابن زنجوية بسند صحيح من حديث ابن السائب عنه،
وحديث عبد الله بن عمر مرفوعَا من جملة حديث طويل: " فأمّا الكفّارات
فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السيرات ونقل الأقدام إلى
الجمعات ". قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن سعيد بن جبير إلّا عطاء
بن دينار، ولا عن عطاء الّا ابن لهيعة. تفرد به الوليد بن عبد الواحد التميمي،
ولا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. وحديث المنكدر قال: " أَخر النبي-
صلّى الله عليه وآله وسلّم- صلاة العشاء الأخرة هنيهة ثم خرج علينا فقال:
" ما تنتظرون " قالوا: الصلاة، قال: " أما إنكم لن تزالوا فيها ما
__________
(1) بنحوه. رواه ابن ماجة (ح/776) ،. في الزوائد: حديث أبي سعيد رواه ابن خزيمة وابن حيان في
صحيحه. وله شاهد في صحيح مسلم وغيره. والكنز (44262) ، وابن المبارك في " الزهد " (138) .
وبلفظة: أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/36) ،. وعزاه إلى أبي يعلى والبزار، ورجاله
رجال الصحيح. وزاد البزر في أؤله: " ألا أدلكم على ما يكفر به الخطايا ". وزاد في أحد
طريقيه رجلا وهو أبو العباس غير مسمى، وقال إنه مجهول، قلت: " أبو العباس بالياء المثناة
آخر الحروف والسين المهملة ".
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/274) ، وأبو داود (ح/471) ، وأحمد (2/
415، 9513، 5/453) ، والترغيب (1/181) ، وابن سعد في " الطبقات " (6/121) ،
وأبو عوانة (2/23) ، الخطيب في " التاريخ " (9/431) .(1/1347)
انتظرتموها " (1) . رواه أبو القاسم في الصغير من حديث القاسم بن الحكم
العدني عن عبد الله بن عمرو بن مرّة عن محمد بن سودة عن محمد بن
المنكدر عنه، وقال: لم يروه عن ابن سودة إلا عبد الله بن عمرو وتفرد به
القاسم بن الحكم، وحديث قوله " ابنه " فهذا زوج حمزة بن عبد المطلب،
قال- عليه السلام-: " ألا أنبئكم بكفارات الخطايا "؟ فقلت: بلى، قال:
" إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد
الصلاة " (2) . ذكر المديني في كتاب الصحابة من حديث ابن لهيعة عن بكبر
بن الأشج عن الضحاك بن عبد الله القرشي عن محمود بن لبيد عنها. وفي
كتاب الجامع لمعمر عن عطاء الخراساني رفع/الحديث أن للمساجد عمارا
جلساؤهم الملائكة ليتفقدونهم فإن كانوا في حاجة أعانوهم، وإن مرضوا
عادوهم، وإن غابوا افتقدوهم، وإن حضروا قالوا: ذكر الله تعالى ". وحديث
عقبة بن عامر الجهني قال- صلّى الله عليه وآله وسلّم-: " القاعد في المسجد
يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى
يرجع إليه " (3) . رواه البستي في صحيحه عن عبد الله ابن سلم ثنا حرملة،
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني في " الصغير " (2/73) ، والكنز (1841، 21845) ، والمنثور
(2/65) ، وابن أبي شيبة (02/41) ، والمعارف (1/175) .
(2) رواه أحمد (2/301، 4303، 5/270) ، وابن ماجة (ح/270) ،. في الزوائد:
حديث أبي سعيد رواه ابن حبان في صحيحه. وله شاهد في صحيح مسلم وغيره. وابن
خزيمة (5) ، وابن كثير (2/170) ، والبغوي (1/472) ، والمجمع (2/36) ، وعزاه إلى الطبراني
والبزار بنحوه، وشيخ البزار خالد بن يوسف السمتي عن أبيه، وهما ضعيفان، وإسحاق لم يدرك
عبادة.
(3) رواه ابن حبان (418) ، والكنز (18936) ، والترغيب (1/287) ، والجمع (2 / 29) ، وعزاه
إلى أحمد وأبو يعلى والطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، وفي بعض طرقه ابن لهيعة،
وبعضها صحيح، وصححه الحاكم.(1/1348)
وفي لفظ: " إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه- أو
كاتباه- بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات " (1) .
وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى عن عقبة إلا بهذا الإسناد. تفرد به
عمرو بن الحرث؛ رواه عن رعية ثنا ابن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب عنه، وفيه
لما أسلفناه، ولما في كتاب الثواب لأدم ثنا عياش ثنا ابن وهب، وحديث ابن
مسعود يرفعه: " من أتى السجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة ما لم
يحدث " (2) . خرجه أبو نعيم الحافظ في كتاب المساجد من حديث أبي
إسحاق عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عنه، وقال أبو حاتم في العلل:
الصحيح عندي عن عمرو، قوله: وعجب ممن أدخل فيه عبد الله، وحديث
سهل بن سعد يرفعه: " من كان في مسجد ينتظر الصلاة فهو في
الصلاة " (3) . رواه أبو القاسم محمد بن إسحاق السراج في مسنده عن قتيبة
وابن حبان عن أبي الحنفية عن قتيبة عنه. حدثنا بكر بن مضر عن عباس بن
عقبة أن يحيى بن ميمون حدّثه عنه، وحديث عبد الله بن سلام يرفعه: " من
جلس مجلسَا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلى " (4) . رواه مسلم.
وحديث عثمان / بن مظعون قال: سألت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-
فقلت: إنّى أردت أن أترهب، قال: " لا تفعل فإن ترهب أمتي القعود في
المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة " (5) . ذكره أبو سعيد النقال في كتابه
وقال: لا أعرف في إسناده واحدَا منهم، وحديث أبي سعيد مرفوعَا: " ألا
أدلكم على شيء يكفر الخطايا، ويزيد في الحسنات: إسباغ الوضوء عنى
__________
(1) المجمع مصدر سابق، وعزاه إلى أحمد وأبو يعلما والطبراني في " للكبير " و" الأوسط "،
وفي بعض طرفه ابن لهيعة، وبعضها صحيح، وصححه الحاكم.
(2) ضعيف. رواه الطبراني: (1/2730) ،.-:
(3) صحيح. رواه النسائي (2/56) ، والطبراني (6/250) ، والكنز (20228، 20735) ،
وابن حبان (424) .
(4) صحيح. رواه أبو داود في (الجمعة، باب " ا ") ، والترمذي (ح/491) ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والبيهقي (3/251) ، وإتحاف (3/282) ، والكنز (425) ، والموطأ (109) .
(5) تقدم ص 1347.(1/1349)
المكاره ... " (1) . الحديث، قال عبد الله عن أبيه في كتاب العلل: هذا باطل،
يعني من حديث عبد اللَّه عن أبيه من حديث عبد الله بن أبي بكر عن ابن
المسيب عنه إنما هو من حديث عقيل، وأنكره أيضَا أشد الإنكار وقال: ليس
بشيء- يعني ابن عقيل- وقال ابن سيده: البش: اللطف في المسألة والإقبال
على الرجل، وقيل: هو أن يضحك إليه ويلقاه لقاءَ جميلَا، والمعنيان معربان،
ورجل باش وبش، وقد بششت به بششَا وبشاشة قال:
لا تقدم السائل منه وفرَا وقبله بشاشة وبشرَا
وروى بيت ذى الرمة: ألم تعلمي أَنانبش إذا ذئب بأهلك مناطيه وحلول،
بكسر الباء فأمّا أن يكون بششت مقبولة، وإمّا أن يكون مما جاء على فعل
يفعل، والبشبش كالبشاشة قال رؤبة قارى ومسنده البشيش وبشمش به
ويبشبش منكول من يبشبش، وقال أبو نصر: البشاشة: طلاقة الوجه، وقال
يعقوب: لقيه فتبشبش به وأصلها يبشبش فأبدلوا من الشين الوسطى، فكما
قالوا بحفحف، وقال الفراء: بش الرجل بصاحبه بشا وبشاشة إذا ضحك إليه
واستبشر به ولقيه بأحسن أخلاقه، وبشّ الرجل يبش إذا مرق، والبشاشة
النصرة ومنه قول الشاعر:/
ذهبت بشاشة وأصبح واضحَا ... برق المفارق كالبراء الأعفر
وقال آخر:
ورأت بأنّ الشيب جانبه
البشاشة والبشارة، وقال ابن طريق، وابن العطويه: بششت باش أقبلت عليه
وضحكت إليه، وكل هذا متعذّر في حقّ الباري- عز وجل- وقد أحسن
الهروي إذ قال هذا مثل ضربه ليلتقيه أباه ببره وإكرامه وتقريبه، وقال ابن
الأعرابي: البش فرح الصديق بالصديق، وقال ابن الأنباري: البشيش من الله
الرضى، يقال: تبشبش فلان بفلان إذا وانته، وقال ابن بطال: معنى قوله، ما
لم يحدث دليل على أنّ الحدث في المسجد خطيئة يحرم به استغفار الملائكة
__________
(1) تقدم فما أكثر من موضع من هذا الباب انظر ص 1343.(1/1350)
ودعاؤهم له، قيل: ومن أراد أن يحط الله عنه ذنوبه فليلازم مصلاه بعد
الصلاة ليستكثر من استغفارهم له، وشبه عليه السلام المنتظر للصلاة بالزائد.
وقد فسّر أبو هريرة الحدث بأنه فساء أو ضراط، وذكر ابن حبيب النخعي
عن عبد الله بن أبي أوفى أنّه قال: هو حدث الإثم، وكان أبو الدرداء وعلي
ابن أبي طالب والنخعي وعطاء وسعيد بن جبير: يجوزون للمحدث الجلوس
في المسجد وكرهه الحسن وابن المسيب، وقال الداودي: عن رواية التخفيف
دل على جواز الحدث في المسجد، ومن رواه بالتشديد أراد الحدث بغير
ذكر اللَّه تعالى، قال ابن التين: لم يذكر أحد التشديد وقد جاء حديث
صححه الحاكم فظاهره بعارض الايطان، وهو نهيه- عليه السلام- عن إيطان
المساجد كما يوطنه البعيد، وليس كذلك؛ لاعينه محمول على تحجير مكان/في
المسجد أن يصلي غيره كما يفعله كثير ممن يدّعى الرياسة، وأمَّا من صلى في
المسجد وأنبأ أي فرحه أو أي مكان صلى فيه فذاك هو التبشبش به، والله-
سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب.
***(1/1351)
137- باب إقامة الصلاة والسنة فيها افتتاح الصلاة
حدثنا علي بن محمد الطنافسي ثنا أبو أسامة حدثنى عبد الحميد بن جعفر
ثنا محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي يقول: " كان
رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- إذا أقام إلى الصلاة، تقبل القبلة،
ورفع يديه، وقال: اللَّه أكبر " (1) .
هذا حديث أخرجه ابن ماجة في مواضع من كتاب الصلاة أتمها عن ابن
بشار ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد بن جعفر ثنا محمد بن عمرو بن
عطاء عن أبي حميد قال: سمعه وهو في عشرة من أصحاب رسول الله-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- أحدهم أبو قتادة بن ربعي قال: " أنا أعلمكم
بصلاة رسول اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان- عليه السلام- إذا قام
في الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يحاذي هما متكبيه ثم قال: الله
أكبر، وإذا أراد ان يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا قال: سمع
اللَّه لمن حمده رفع يديه اعتدل، فإذا أقام من الثنتين كبّر ورفع يديه حتى
يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة " (2) .
ثنا ابن بشار أبو عامر ثنا فليح ثنا عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد الساعدي
وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن سلمة فذكروا صلاة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه
وآله وسلّم- قال أبوْ حميد الساعدي:/وأبو أسيد وسهل بن سعد: " أنا أعلمكم
بصلاة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- أن النبي عليه السلام قام فكبّر، ورفع
يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه واستوى، حتى رجع كل عظم إلى
موضعه " (3) .
وأخرجه أبو حاتم البستي في صحيحه عن رواية عمرو بن علي عن يحيى
__________
(1) الحاشية القادمة.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة مختصرا: (ح/803) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) المصدر السابق.(1/1352)
ابن سعيد عن عبد الحميد مطولَا، ورواه ابن خزيمة أيضَا من حديث سهل بن
سعد وأبي حميد وأبي أسيد الساعدي، ومن حديث عبد الحميد، وفيه أبو
قتادة وذكر ابن عساكر في كتاب كرسا المقبري حدّثني الشيخ أبو عبد الله
طرخان بن ماضي المقبري الفقيه أنه رأى النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-
في المنام، وشأنه عن حديث أبي حميد في كيفية الصلاة فقال: صدق أبو
حميد، وأثنى عليه.
ورواه أبو داود (1) من حديث عبد الحميد بلفظ: قال أبو حميد: أنا
أعلمكم بصلاة النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- قالوا: فلم؟ فواللُّه ما
كنت بأكثرنا له، ولا أقدم منَّا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فأعرض، قال:
كان إذا قام إلى الصلاة، برفع يديه حتى يحاذي هما منكبيه، ثم كبر حتى
يقر كلّ عظم في موضعه معتدلا، ثم يقرأ: ثم يكبّر فيرفع يديه حتى يحاذي
هما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل فلا يصيب رأسه
ولا يقنع، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم برفع يديه حتى يحاذي
منكبيه معتدلَا ثم يقول: اللَّه أكبر، ثم يهوي إلى الأرض فيجافي يديه عن
جنبيه ثم برفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتح أصابع رجليه إذا
سجد ثم يسجد ثم يقول: الله أكبر، ويرفع ويثني رجله اليسرى/فيقعد عليها
حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الأخرى مثل ذلك، ثم إذا
قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي هما منكبيه كما كبّر عند افتتاح
الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها
التسليم أخر رجله اليسرى وقعد متورّكَا على شقّه الأيسر، قالوا: صدقت
هكذا كان يصلي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ". وفي حديث ابن لهيعة عن
يزيد بن حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو
العامري: " فإذا ركع أمكن كتفيه من ركبتيه وفرج بين أصابعه، ثم هصر ظهره
غير مقنع رأسه ولا صافح فخذه، وقال وإذا قعد الركعتين قعد على بطن قدمه
اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/963) .(1/1353)
وأخرج قدميه من ناحية واحدة. وفي حديث ليث عن يزيد: " فإذا سجد
وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة ". وفي
حديث عباس بن سهل: " ثم رفع رأسه- يعني من الركوع- فقال: سمع
اللَّه لمن حمده، ربنا لك الحمد، ورفع يديه ثم قال: اللَّه أكبر، فسجد فانقلب
على كفيه وركبتيه وصدور قدميه، وهو ساجد ثم كبّر فجلس فتورك ونصب
قدمه الأخرى، ثم كبّر فسجد ثم كبّر، فقام ولم يتورك. قال: ثم جلس بعد
الركعتين، حتى إذا هو أراد أن ينخفض للقيام قام بتكبيرة ثم ركع الركعتين
الأخرتين، ولم يذكر التورك في التشهد "، وفي لفظ: " ثم ركع فوضع يديه
على ركبتيه كانه قابض عليه وتريديه فيجافي عن جنبيه ووضع كفيه حذو
منكبيه، ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته/ويحايد به عن جنبيه، ووضع يديه حذو
منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كلّ عظم في موضعه حتى فرغ، ثم جلس
فافترش رجله- يعني اليسرى- فأقبل بصدر اليمنى وكفّه اليسرى على ركبته
اليسرى وأشار بإصبعه ". قال أبو داود: روى هذا الحديث عنه ابن أبي حكيم
عن عبد الله بن عيسى عن العباس به سهل فلم يذكر التورك، وذكر حديث
فليح، وذكر الحسن بن الحر نحو جلسة حديث فليح وعتبة قال: " إذا سجد
فرَج بين فخديه عن حامل بطنه على شيء من فخذيه ".
وزعم الدارقطني في كتاب الأفراد والغرائب أنّ زهير بن معاوية تفرد به
عن الحسن، ولم أره إلّا عند أبي بدر شجاع بن الوليد، وهو في صحيح
البخاري من حديث الليث عن خالد بن سعيد عن محمد بن عمرو عن عطاء
ح، وحدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد ابن
عمرو أنه كان جالسًا مع نفر من الصحابة فذكرنا صلاة رسول الله- صلّى
الله عليه وآله وسلّم- فقال أبو حميد بلفظ: " وأنه إذا كبّر جعل يديه حذو
منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى
حتى يعود كلّ فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما
واستقبل بأطراف رجله القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله
اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الأخرى قدّم رجله اليسرى،
ونصب الأخرى وقعد على مقعديه ... " الحديث.(1/1354)
قال: وقال أبو صالح عن الليث: " فقار ظهره "، وقال ابن المبارك عن
يحيى ابن أيوب أن محمدًا بن عمرو بن حلحلة قال: " كلّ فقار "، ولما ذكر
ابن حبان في صحيحه حديث / سهل بن سعد عن أحمد بن يحيى، ثنا ابن
بشار عن العقدي ثنا فليح بلفظ: " ثم عاد من الركعة الأخيرة، وكبر لذلك،
ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام كبر، ثم ركع
الركعتين الأخيرتين، فلمّا سلّم على يمينه: السلام عليكم ورحمة الله ". قال:
سمع هذا الخبر محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد، وسمعه من عباس
بن سهل عن أبيه، قيل: فالطريق أنّهما جميعًا محفوظان، ومتناهما متباينان،
وقد يتوهّم المتبحر في صناعة الحديث أنّ خبر أبي حميد معلول وليس
كذلك، وعاب ابن القطان على أبي محمد إيراده حديث محمد بن عمرو في
عشرة من الصحابة فيهم أبو قتادة، وهذا يجب فيه التثبّت، فإن أبا قتادة توفي
زمن علي بن أبي طالب، وهو صلى عليه، وكان قد قتل معه، وسنُّ محمد
بن عمرو مقصرة عن إدراك ذلك، وقد قيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك: من
أنه توفي سنة أربع وخمسين، وليس ذلك بصحيح، بل هو الصحيح ما
ذكرناه، وفيل: على سنة أربعين، وقد ذكر هذا الذي قلناه الطحاوي. قال:
والذي زاده محمد بن عمرو غير معروف ولا متصل؛ لأن في حديثه أنه
حصن أبا حميد وأبا قتادة، ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل؛ لأنه قتل
زمن علي فأين سن محمد من هذا، ويزيد هذا المعنى تأكيدا أن عطاف بن
خالد روى هذا الحديث فقال: حدثنى محمد بن عمرو بن عطاء قال:
حدثنى رجل انه وجد عشرة من الصحابة جلوسا فذكر نحو حديث أبي
عاصم، وعطاف بن خالد أبو صفوان القرني مدتي ليس بدون عبد الحميد،
وإن كان البخاري / حكى: أدن مالكًا لم يحمده، فإن ذلك لم يضره إذا لم
يكن ذلك من مالك بأمر مفسد يجب لأجله ترك روايته، وقد اعترض مالكًا
في ذلك الطبري بما ذكرناه من عدم تفسيره، وبأمر آخر لا نراه صوابًا؛ وهو أن
قال: وحتى لو كان مالكًا قد فسّر لم يجب أن يترك تجريحه رواية عطاف
حتى يكون معه فخرج أخر، وقال: وإنّما لم نر هذا صوابا لوجهين:
أحدهما: أنّ هذا الحديث ليس بصحيح؛ بل إذا جرح واحد بما هو جرحه قبل.(1/1355)
الثاني: هو أن غير مالك قد وجد عنه أيضا مثل ما ذهب إليه مالك، وهو
ابن مهدي؛ فانّه ذهب إليه فلم يرضه، وغير هذين يوثقه، وقول أبي حاتم فيه:
ليس بذاك يعني: ليس على ما يكون، قال ابن القطان: ولعلّه أحسن حالا من
عبد الحميد بن جعفر وهو قد بيّن أنّ بين ابن عمرو وبين أولئك الصحابة
رجلًا، وقد تقدم عدمه لعامر بن عمرو وأبي قتادة، وجاءت رواية عطاف عائدة
لما قد صحّ وفرغ منه. وقد رواه يحيى بن عبد الله بن مالك الداري عن
محمد بن عمرو عن عياش أو عباس بن سهل، وعيسى حاله مجهول. انتهى
كلامه. وفيه نظر من وجوه:
الأول: ليست حال عيسى مجهولة، وإن كان ابن المديني قال: لم يرو
عنه إلا ابن إسحاق فهو مجهول، قال البيهقي في المعرفة: ليس مشهورا، وقد
اختلف في اسمه فقيل: عيسى بن عبد اللَّه، وقيل: ابن عبد الرحيم، وقيل:
عبد الله بن عيسى فغير صواب؛ لأنه ممن روى عنه ابن لهيعة والحسن بن
الحرّ، ووثقه ابن حبان وخرّج حديثه في صحيحه.
الثانى: تصحيحه وفاة أبي قتادة زمن علي،/وتضعيف غيره وليس هو بأبي
عذرة ذلك؛ لتقدّم أبي عمر به في موضع، وقال في كتاب الاستغناء بمعرفة
الكنى: مات سنة أربع وخمسين، نقل في خلافة علي جعله قولًا مرجّحًا، وهو
الصواب لما ذكره البخاري: من أنّ مروان بن الحكم لما كان على المدينة أرسل
أبي قتادة ليريه مواقف النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- وأصحابه، الحديث
ذكره في تاريخه الكبير تعليقَا، وقال في الأوسط: وذكره في فصل من مات
بعد الخمسين إلى الستين. حدثنى إبراهيم بن حمزة، ثنا موسى بن شيبة من
ولد كعب بن مالك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن
مالك بن مروان الحديث، وثنا أحمد بن أبيِ بكر عن موسى بن شيبة عن
عمرو بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبيه عن جدّنه خالدة بنت عبد اللَّه
بن أنيس أنَّ أباها توفي بعد أبي قتادة بنصف شهر. انتهى.
ومروان إنّما كان على المدينة في أيام معاوية بعد قتل علي بدهر، وإلى هذا
القول قال يحيى بن بكير: فقال: توفي سنة أربع وخمسين، وكذا فاله أيضَا(1/1356)
خليفة بن حياط المعروف لسان في تاريخه الكبير، ويعقوب بن سفيان النسوي،
وابن نمير، والبارودي، في كتاب الصحابة تأليفه، وابن حبان والحاكم وأبو
أحمد وأبو عبد الله مرّة، وأبو عيسى الترمذي، وأبو جعفر الطبري في مزيله،
وأحمد بن عمر وابن أبي عاصم النبيل وأبو يعقوب وإسحاق بن إبراهيم
العراب، وقال ابن سعد في الطبقات: الكثير بن محمد بن عمر، حدثني يحيى
بن عبد اللَّه بن أبي قتادة قال: توفي أبو قتادة بالمدينة سنة أربع وخمسين وهو
ابن سفيان سنته، قال محمد بن عمرو: ولم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد
عندنا/اختلافًا أنّ أبا قتادة توفي بالمدينة، وروى أهل الكوفة: أنّه توفي
بالكوفة، وصلّى عليه علي، واللَّه أعلم.
وجزم أبو القاسم بن منيع: بصحة هذه الرواية دومًا غيرها، وكذا قاله أيضًا
عبد الغنى بن سرور المقدسي البيهقي في المعرفة، واستشهاد أبي جعفر انقطاع
الحديث توفي أبو قتادة قبله خطأ، فإنّه إنّما رواه موسى بن عبد اللَّه بن يزيد
بأنَ عليًا صلى على أبي قتادة وكان بدريًا، ورواه أيضًا الشعبي منقطعًا، وهو
غلط لإجماع أهل التواريخ على أنَّه بقى إلى سنة أربع وخمسين، وقيل:
بعدها، والذي يدلّ على هذا: أنّ أبا سلمة بن عبد الرحمن وعبد اللَّه بن
قتادة وعمرو بن سليم الرزقي وعبد الله بن رباح الأنصاري سمعوا عن أبي
قتادة، وإنّما حملوا العلم بعد أيّام علي، ولم يثبت لهم عن أحد ممن توفي أيام
على سماع.
وروينا عن ابن عقيل: أنَّ معاوية لما قدم المدينة في خلافته تلقته الأنصار
وتخلّف أبو قتادة، وروينا من طريق صحيحه أنَّ أم كلثوم ابنة على امرأة عمر
ابن الخطاب لماَّ توفيت هي وأمها، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس
يومئذ أبو هريرة وأبو قتادة وابن عباس، وعلى تقدير صحَّة دعوى أبي جعفر،
فالحجة قائمة بروايته عن أبي حميد التي لا شك فيها، وقد وافق ابن حلحلة
عبد الحميد مذهب الشّافعي متابعة السنة إذا ثبتت، وقد قال في حديث أبي
حميد: وبهذا يقول، وقال ابن حزم في محلاه: من زعم أنّ أبا قتادة توفي
زمن علي وهم، وأنّ ذلك قول الرافضة، والقصاص، ومن لا يعتمد عليه.(1/1357)
الثالث: ما ذكر من انقطاع ما بين محمد بن عمرو وأبي قتادة مردود بما
أسلفناه، وبتصريحه هو بسماعه منه / عند أبي حاتم بن حبان في صحيحه
الذي زعم أنه لا يخرج فيه إلّا حديثا متصلا، إذ رواه عن محمد بن إسحاق
مولى ثقيف. حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا أبو عاصم ثنا عبد الحميد ثنا
محمد ابن عمرو قال: سمعت أبا حميد في عشرة من أصحاب النبي- صلّى
الله عليه وآله وسلّم- أحدهم: أبو قتادة، وثنا أحمد بن يحيى بن زهير
الحافظ مستر وكان أسود من رأيت، ثنا ابن بشار ثنا أبو عاصم ثنا عبد الحميد
بن جعفر فذكره، ثم قال عبد الحميد: هذا أحد الثقات المتقّين قد فرّب أخباره
فلم أره تفرد بحديث منكر لم يشارك فيه، وقد وثّق فليح وعيسى بن عبد اللَّه
عن محمد بن عمرو عبد الحميد في هذا الحديث، وعند الحافظ بن خزيمة في
صحيحه عن بندار: ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبد الحميد، حدّثنى محمد بن
عمرو عن أبي حميد الساعدي قال: سمعه في عشرة من الصحابة أحدهم:
أبو قتادة قال: " كان عليه السلام إذا كانت الركعة التي مقتضى فيها الصلاة
أخَّر رجّله اليسرى، وقعد على شقّه متوركا، ثم سلّم "، وفي خبر أبي عاصم:
" أخّر رجله اليسرى وجلس على شقّه الأيسر متورّكا ".
وقال البزار: ثنا يحيى بن حكيم ثنا القطان ثنا عبد الحميد ثنا محمد بن
عمرو عن أبي حميد قال: سمعه يقول: وهو في عشرة من الصحابة أحدهم
أبو قتادة فذكره، قال: وثنا محمد بن مثنى، ثنا أبو عامر، ثنا فليح ثنا العباس
عن أبي حميد بأحسن من هذين الإسنادين، وخرّجه الدارمي في مسنده عن
أبي عاصم، وقد خرج البخاري في تاريخه بسماعه من أبي قتادة وغيره، وقال
البيهقي: ما ذكره الطحاوي من عذر سماعه منه ليس بذلك / ولما ذكره ابن
سرور: جزم بسماعه منه ولم يعهد من محمد تدليس، ولو صحَّ عنه لدفع
بتصريحه بالسّماع على لسان ثقة، ولم أر أحدا أنكر سماعه منه إلا الطحاوي
بما استدلّ به، وقد بينا عدم صوابه.
الرابع: الإسناد الموصل إلى عطاف لم يذكره حتى يعرف صحة الطريق
إليه أو عدمها، ولا أعرف موضعه الآن إلّا قول البيهقي، وأمّا إدخال من أدخل
من محمد وأبي حميد رجلا فإنّه لا يوهنه؛ لأنّ الذي فعل ذلك رجلان(1/1358)
أحدهما: عطاف، وكان مالك لا يحمده، والثاني: عيسى بن عبد الله،
فروى عن الحسن أنّ الخبر عن عيسى عن محمد بن عمر وعن عياش- أو
عباس- بن سهل عن أبي حميد. انتهى كلامه، وليس فيه ما يتعرّف به
طريقها على أنّ ما أسلفناه من عند أبي داود هذا، والله أعلم.
الخامس: قوله: وغير مالك وابن مهدى يوثقّه غير صواب؛ لقول أبي حاتم
ابن حبان فيه يروى عن الثقات ما لا يشبه حديثهم لا يجوز الاحتجاج به إلّا
فيما يوافق الثقات، وفي مكان آخر كان منكر الحديث، روى عن نافع عن
ابن عمر ما ليس من حديثهما، وقال البزار: حدّث عن نافع بأحاديث لم يتابع
عليها، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء حكى عن ابن عبد الرحيم أنه
قال: عطاف بن خالد ليس بالقوى.
السادس: قوله: أنّ مالكًا لم يخرجه لجرح مفسّر مردود؛ بما ذكره الحافظ
ابن تميم مؤرّخ القيروان عن عباس بن محمد، حدثني من سمع عمر بن
سليمان يحدّث عبد اللَّه بن شرويه قال: سمعت مطرف بن عبد الله يقول:
سمعت مالكًا يقول: ويكتب عن مثل عطاف، لقد أدركت في هذا البلد
سبعين شيخًا كلّهم خير من/عطاف ما كتبت عنهم، وإنما نكتب العلم عن
قوم جرى فيهم العلم مثل عبيد الله بن عمر، وقال عبد الله بن عمرو: قال
عبد الملك: حدّث عطاف، قال: أوقد فعل ليس هو من إبل القباية، وقال
محمد بن سليمان عن مطرق قال: قال مالك: عطاف يحدّث؟ قلت: نعم،
قال: فأعظم ذلك إعظاما شديدا.
السابع: قوله في عطاف: ولعلّه أحسن حالة من عبد الحميد غير صحيح؛
لأنّ عبد الحميد خرج حديثه الشيخان في صحيحيهما على سبيل الاحتجاج،
وعطاف لم يخرّج له أحدًا ستلم صحة فيما رأيت واللَّه أعلم. ولما سأل ابن
أبي حاتم أباه عن حديث عبد الحميد هذا، قال: أصله صحيح، ورواية العباس
ابن سهل عن أبي حميد مرسله، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا زيد ابن
الحباب، حدثنى جعفر بن سليمان الضبعي حدثنى علي بن علي الرفاعي عن
أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله- صلّى الله عليه وآله(1/1359)
وسلّم- ليستفتح صلواته بقوله: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
وتعالى جدّك ولا إله غيرك ". هذا حديث رواه أبو عيسى بلفظ: " كان
النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبّر، ثم يقول
في آخره: الله أكبر كبيرًا، ثم يقول: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان
الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " (1) .
ثم قال: قد يتكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد
يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وكذا ذكره
السعدي عن أحمد وفيه نظر؛ لأنه مخرّج في مسنده، وهو لا يخرج غير
صحيح عنده كما أسلفناه من كلام أبي موسى، فقال: حدّثنا/ابن أنس عن
جعفر بزيادة: " ويقول: لا إله إلا اللَّه ثلاثًا بعد الله أكبر ثلاثًا ويقول: أعوذ
بالله السميع العليم "؛ ولأنّ ابنه عبد اللَّه، والمروزي لما سأله عن هذا الحديث
أجاب بغير ما ذكره لفظًا ومعنى، الترمذي تبيّن ذلك ما يراد كلامهما، قال
عبد اللَّه بن أحمد: سألت أبي عن حديث أبي سعيد حديث علي بن علي؟
فلم يحمد أبي إسناده، قال: عبد اللَّه لم يروه عنه إلا جعفر بن سليمان، وفي
سؤالات المروزي: سألت أبا عبد اللُّه عن استفتاح الصلاة؟ فقال: تذهب فيه
إلى حديث عمر.
وقد روى فيه من وجوه ليست بذاك كحديث حارثة، وحديث أبي سعيد،
وحديث علي بن علي. ذكر له حديث جبير بن مطعم، فقال: ما أدفع من
هذا شيئًا، وسأل حرب الكرماني أحمد: عن علي بن علي؟ فقال: لم يكن به
بأس، ويثبت في كلام الترمذي أيضًا في قوله: أنّ يحيى بن سعيد كان يتكلّم
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/775، 776) ، والترمذي (ح/142، 243) ، وقال الترمذي:
وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب. وأخذ قوم من أهل العلم هذا الحديث.
وابن ماجة (ح/804، 806) ، والنسائي في (الافتتاح، باب " 18 ") ، واحمد (3/50،
69) ، والدارمي (1/282) ، والبيهقي (2/34، 35) ، والطبراني (10/2133، 184،
12/354) ، والحاكم (1/235) ، وإتحاف (3/46) ، والمشكاة (815، 816) ، والدارقطني
(1/298) ، وعبد الرزاق (2554) ، والمنثور (4/130) ، (6/254) ، وابن أبي شيبة (1/
232) .(1/1360)
في علي، فإنى لم أره عند غيره، وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة ووكيع
والنسائي ومحمد بن عمار، وأثنى عليه شعبة وأبو داود وأبو نعيم وعفّان،
وقال ابن خزيمة: ألا تعلم في هذا خبرا ثابتا عن النبي عند أهل المعرفة؟
بالحديث وأحسن إسناد يعلم روى في هذا خبر أبي المتوكل عن سنيد، ثم جاء
ذكره بلفظ: كبر ثلاثا ولا إله إلا الله ثلاثا، قال: وليا يسمع عالماً في الدنيا
في قديم الدهر، وحديثه استعمله على وجهه، ولا حكى لنا عمن لم يشاهده،
وقال أبو علي الطوسي الحافظ: حديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب،
ورواه الدارقطني في سننه بما بيّن: أنّ علّته ليست من علي بن علي أعانة
انقطاع، فقال حدّثنا إسماعيل (1) . حدّثنا سليمان الضبعي ثنا علي بن علي/
الرفاعي: قال: ثنا إسحاق وكان يشبه بالنبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم-
عن أبي المتوكل عن أبي سعيد به، كذا هو في نسختي التي بخط المبارك بن
كامل الحقاق الحافظ، وأصل سماعه واستظهرت بنسختين صحيحتين فقط،
والمعروف أنّ عليًا هو المشبه بالنبي فلعلّ إسحاق بن أبي إسرائيل هو القائل قي
علي ذلك، وكتبتها في هذه الأحوال ثنا إسحاق كما بينته لك، واللَّه أعلم.
وذكر أبو داود: علّة تأتيه أن يخرجه إيّاه بزيادة قوله: بعد ولا إله غيرك، ثم
يقول: لا إله إلّا الله ثلاثا، وفي آخره ثم يقرأ: يقولون: هو عن علي بن علي
عن الحسين، والوهم من جعفر، وقال أبو محمد الأشبيلي: هذا أشهر حديث
في هذا الباب على أنهم يرسلونه عن علي عن أبي المتوكل والبزار عن النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم-، قال أبو الحسن بن القطان: هذا خطأ من القول
ولا يعرف هكذا، وإنّما هو إمَّا مسند عن أبي سعيد، وإمَّا مرسل كما قاله أبو
داود، وأما عن المتوكل فلا أعلمه، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى
عن ابن سعيد إلا من هذا الوجه هذا الإسناد، ولا رواه عن أبي المتوكل إلّا
علي بن علي، وهو بصري ليس به بأس، روى عنه غير واحد، ولما ذكره ابن
طاهر في كتاب التذكرة: رواه بأنّ عليا كان ينفرد عن الإثبات؛ بما لا يشبه أن
يكون مراد أحمد من قوله: لا يصح يعني الزيادة التي فيه تدلّ على قول
__________
(1) بياض " بالأصل ".(1/1361)
الترمذي، وأمّا كثر أهل العلم فقالوا: إنّما روى عن النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم-: " أنه كان يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى
جدك " (1) . حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد بن فضيل عن عبادة
ابن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة: " كان رسول اللُّه-/صلى اللَّه عليه
وآله وسلم- إذا كبر سكت من التكبيرة والقراءة قال: فقلت: بأبي أنت
وأمي، أرأبت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: " اللهم
باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من
الخطايا كالثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج
والبرد " (2)
هذا حديث اتفقا على تخريجه، وفي كتاب الميموني عن أحمد وسأله عن
حديث أبي هريرة في الاستفتاح قال: إسناده جيد، وما أحسن حديث أبي
هريرة في الاستفتاح إلّا أنّ عليها يحكى عن النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- في الاستفتاح شيئا حسنا بإسناد حسن. حدّثنا علي بن محمد
وعبد اللَّه بن أبي معاوية، ثنا حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة: " أن
النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك
اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " (3) .
هذا حديث قال فيه الإمام أحمد: وشأنه عنه أبو طالب حارثة وضعيف
ليس نشئ، وقال الشافعي: إنّ أول ما يبدأ بقوله وفعله ما كان في كتاب الله
تعالى وسنة رسول اللَّه عليه السلام، قال: قد رويت هذا القول عن النبي من
حديث بعض أهل مدينتكم، قلنا له: ولبعض من حضره أحافظ من رويت عنه
__________
(1) الحاشية فبل السابقة ص 1360.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/189) ، ومسلم في (المساجد، ح/147) ،
والنسائي في (الطهارة، باب " 48 "،، والافتتاح، باب " 15 ") ، وأبو داود في (الافتتاح،
باب " 8") ، وابن ماجة (ح/805) ، وأحمد (2/231، 494) ، والبيهقي (2/195) ،
والدارمي (1/284) ، والقرطبي (1/117) ، والكنز (3803) ، والمجمع (2/106) ، والكلم
781) ، والدارقطني (1/336) ، وابن خزيمة (465، 1630) .
(3) الحاشية قبل السابقة في ص 1360.(1/1362)
هذا القول، ويحتج بحديثه؟ فقال عامّة من حضره: لا، ليس بحافظ، قال:
فقلت: كيف يجوز أن يعارض برواية من لا يحفظ ولا يقبل حديث مثله
على نفسه، أو برواية من يحفظ ويثبت حديثه، قال البيهقي في المعرفة: إّنما
أراد أبو عبد اللَّه حديث حارثة عن عائشة، وقال الحافظ لم أبو علي الطوسي
في أحكامه وأبو عيسى: لا يصرفه، قد تكلّم فيه من قبل حفظه. انتهى
كلامهما، وفيه نظر؛ لما ذكره أبو الحسن، ثنا ابن صاعد ثنا أبو الأزهر ثنا سهل
ابن عامر أبو عامر البلخي ثنا مالك بن مغول عن عطاء- قال: دخلت أنا وعبيد
ابن عمير على عائشة، فسألتها عن افتتاح صلاة النبي- صلى اللَّه عليه وآله
وسلم- فذكره، وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي إلّا من
هذا الوجه بهذا الإسناد، وفيه أيضًا نظر؛ لما تقدّم من عند ابن ماجة، ولما
ذكره أبو داود عن حسين عن عيسى ثنا طلق بن غنام ثنا عبد السلام بن
حرب عن هذيل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة به، ثم قال: هذا
الحديث ليس بالمشهور عنه عليه السلام لم يروه إلا طلق.
وقد روى قصة الصلاة جماعة عن بديل، ولم يذكروا فيه شيئَا من هذا،
كذا هو في رواية اللؤلؤي وابن العبد وابن داسة جماعة غير واحد، وذكر
الدارقطني عنه زيادة، وليس هذا الحديث بقوي، وقال البيهقي في المعرفة: ليس
بمحفوظ، وخالف ذلك الحاكم، فقال: على شرط الشيخِين ولم يخرجاه، وله
شاهد صحيح الإسناد فذكر حديث حارثة وقال: إن لم يكن مالك يرضاه،
فقد رضيه أقر به أقرانه من الأئمة، ولا أحفظ في قوله: سبحانك اللهم
وبحمدك أصح من هذين الحديثين، وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد
الواحد المقدسي: رواية ما علمت فيهم مجروحًا، وقال العلامة مجد الدين بن
تيمية: طلق بن غنام خرج له البخاري، والثقة تقبل زيادته وما ينفرد به. انتهى
كلامه.
وفيه نظر؛ لخفْاء علّة / الحقيقة عليهما، وهى انقطاع ما بين أبي الجوزاء أوس
بان عبد الله وعائشة، فإنّه لم يسمع منها شيئَا، نص على ذلك أبو عمر بن
عبد البرّ في كتاب التمهيد والإنصاف، وسيأتي لذلك زيادة تعتمد، وفي
كتاب الكشي: عن حجاج ثنا همام عن أبان بن أبي عباس ثنا أبو الجوزاء(1/1363)
بلفظ: وأدخل في الصلاة قال: اللَّه أكبر، قال: ونحن نقول الله أكبر
سبحانك اللهم وبحمدك فذكره، وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك
آمنت وعليك توكلت وإذا قام قال: سمع اللَّه لمن حمده قال: اللهم ربنا لك
الحمد ملأ السموات وملأ الأرض ... فذكر حديثا طويلا نذكره في موضعه إن
شاء الله تعالى.
وفي كتاب أبي الحسن: ثنا محمد بن عمرو بن البختري ثنا سعدان بن
نصر ثنا أبو معاوية عن حارثة بزيادة: ورفع يديه حذو منكبيه، ثم قال
الحديث، وفي الباب غير ما حديث من ذلك، حديث جابر بن عبد الله أنّ
رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: " كان إذا استفتح الصلّاة كبر ثم
قال: " إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للَّه رب العالمين لا شريك له،
وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أهدني لأحسن الأخلاق وأحسن
الأعمال لا يهدى لأحسنها إلّا أنت، وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق لا
يقي سيئها إلّا أنت " (1) .
رواه أبو عبد الرحمن بإسناد صحيح عن عمرو بن عثمان، ثنا شريح بن
يزيد الحضرمي- يعني الموثق عند ابن حبان- أخبرتي شعيب، حدّثنا بن
المنكدر عنه، ثم قال أبو عبد الرحمن: هو حديث حمصي رجع إلى المدينة ثم
إلى مكة، وفي السنن البيهقي: ورواه عبد اللَّه بن عامر الأسلمي وهو ليس
بشيء عن ابن المنكدر عن جابر/عن عبد اللَّه، وكذا ذكره أبو الفضل ابن
طاهر في كتاب التذكرة تأليفه، ولعلّه أشبه مما قاله البيهقي، وفي كتاب
الدارقطني من حديث يزيد بن عبد ربه عن شريح " ومحياي ومماتي " وقال:
" وأنا أوّل المسلمين ". قال شعيب: قال لي ابن المنكدر وغيره من فقهاء أهل
المدينة: إن قلت أنت هذا فعل وأنا من المسلمين به، وحديث أبي أمامة:
" كان نبي الله- صلّى الله عليه وآله وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (1/139) ، وأحمد (3/375) ، والطبراني (12/354، 19/
231) ، وإتحاف (3/43) .(1/1364)
مرّات ثم قال: لا إله إلا اللَّه ثلاث مرات وسبحان الله وبحمده ثلاث مرات
ثم قال: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " (1) .
رواه أحمد في مسنده من حديث يعلي بن عطاء عن رجل، وفي رواية:
عن شيخ من أهل دمشق أنه سمع أبا أمامة، ورواه أبو نعيم عن شريك عن
يعلي، حدثنى شيخ بالمزاملة عنه، وحديث أنس: " كان رسول اللَّه- صلّى الله
عليه وآله وسلم- إذا افتتح الصلاة كبّر، ثم رفع يديه حتى يحاذى بابهماميه
أذنيه ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله
غيرك " (2) .
رواه الدارقطني بإسناد صحيح عن ابن صاعد، ثنا الحسين بن علي بن
الأسود العجلي ثنا محمد بن الصلت ثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عنه،
وقال ابن الجوزي: رجال إسناده كلّهم ثقات، وكذلك قاله الشيخ موفق الدين
ابن قدامة، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عنه قال: هذا حديث كذب لا أصل
له ومحمد بن الصلت لا بأس به، لست عنه: وحديث عمر بن الخطاب:
" كان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم - إذا كبّر للصلاة قال: سبحانك
اللهم وبحمدك وتبارك/اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك فإذا تعوذ قال:
أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه " (3) .
رواه الدارقطني عن عثمان بن جعفر بن محمد الأحول، ثنا محمد بن
نصر المروزي ثنا عبد اللُّه بن شبيب ثنا إسحاق بن محمد عن عبد الرحمن
ابن عمرو بن شيبة عن أبيه عن نافع، والمحفوظ عن عمر من قوله: يعني
المخرج عند مسلم من حديث عبدة عنه وهو منقطع؛ لأنّ عبدة لم يسمع من
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (3/50. 5/26) ، والبيهقي (2/34) ، وابن كثير فما " تفسيره "
(5/585) ، ونصب الراية (1/321) ، والفتح (8/478) ، وإتحاف (3/46، 145، 5/132) ،
وابن السني (47) ، والكنز (3491، 3578، 3597) ، والمتناهية (1/420) ، وبداية (1/
(2) تقدم. رواه الدارقطني: (1/298) في ص 1360.
(3) المصدر السابق.(1/1365)
عمر فيما قاله أبو علي الجبائي، وقال الحاكم: صح عن عمر، وقد أسند، ولا
يصح، وقال الدارقطني: كذلك رواه إبراهيم عن علقمة، والأسود عن عمر،
وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمرو بن شيبة عن نافع عن ابن عمر عن
عمر عن قوله وهو الصواب، كذا هو في سننه، وفي العلل ذكر أنّ إسماعيل
ابن عياش رواه عن عبد الملك بن حميد عن ابن عيينة عن أبي إسحاق
السبيعي عن الأسود عن عمر مرفوعًا، ولقائل أن يقول: الذي رفعه ثقة،
والزيادة من الثقة مقبولة؛ لإله ممن خرج حديثه أبو عبد اللَّه البخاري في
صحيحه فيما ذكره أبو الفرج بن الجوزي، ويؤيده قول المروزي: سالت أبا
عبد اللَّه عن استفتاح الصلاة، فقال: إن يذهب فيه إلى حديث عمر فهذا
ترجيح من أحمد له، إذ الحديث عرفًا لا ينطلق غالبَا إلّا على مرفوع، ورواية
ابن عباس عن شيخه، وليس مدنيَا يصلح أن يكون شاهدَا واللَّه أعلم، ويؤيده
ما ذكره في الأوسط حدّثنا أحمد بن داود ثنا ثوبان بن سعيد بن عروة
البصري ثنا علي بن عياش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود
قال: " كان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يعلمنا إذا استفتحنا الصلاة/
أن نقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله
غيرك " (1) . وكان عمر بن الخطاب يفعل ذلك، وكان عمر يعلمنا ويقول:
كان النبي عليه السلام يقول: لم يروه عن أبي إسحاق إلّا علي بن عياش، ولا
يروى عن عمر إلّا بهذا السند، ولا يعرض بما ذكره الشّافعي، وقال من
خالفنا: افتتح " بسبحانك اللهم وبحمدك "، ورواه عن بعض الصحابة، وأصل
ما نذهب نحن إليه: ما كان في كتاب اللُّه أو سنة رسوله؛ لأنه واللَّه أعلم لم
يبلغه رفعه، ولا رفع هذه اللفظة إلّا على لسان ضعيف، ولو بلغه ما تقدّم لم
يقل هذا، والله تعالى أعلم، وكذا قول البيهقي في الكبير، وأصحّ ما روى فيه
الأثر الموقوف على عمر سمّاه الشري وقول ابن خزيمة، وصحّ عن عمر لا عن
النبي عليه السلام، وحديث حبيب ابن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده أن
رسول الله- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- كان يقول لنا: " إذا صلى أحدكم
فليقل: اللهم باعد بيني وبن خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم
__________
(1) تقدم ص 1360.(1/1366)
إنى أعوذ بك أن تصدّ عنى وجهك يوم القيامة، اللهم نقّنى من الخطايا كما
نقّيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مسلمًا وأمتني مسلمًا " (1) .
ذكره البزار في مسنده، وقد سبق توثيق حبيب وأبيه وقال الإشبيلي:
الصحيح في هذا فعل النبي- صلّى الله عليه وآله وسلم- لا أمره، قال أبو
الحسن: لم يبيّن أبو الحسن علّة هذا الحديث، وهى الجهل بحال حبيب، والله
تعالى أعلم.
وضعف حبيب عنه، وحديث أنس المذكور عند مسلم: أيضًا أن رجلًا
جاء إلى الصلاة، وقد حضره النّاس، فقال: اللَّه أكبر، الحمد لله حمدًا كثيرًا
طيبا مباركًا فيه، فلما قضى النبي- صلّى الله عليه وآله وسلم- الصلاة قال:/
" أيكم المتكلم بالكلمات؟ فإنه لم يقل بأسا "، فقال الرجل: أنا. فقال: " لقد
رأيت اثنى عشر ملكًا يبتدرونها أيّهم يرفعها " (2) ، وهو غير حديث رفاعة
المذكور عند البخاري؛ لأن ذاك إنّما قال هذا لما رفع رأسه من الركوع، وفيه:
" رأيت بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول " (3) .
وحديث ابن مسعود: " كان عليه السلام يفتتح الصلاة بسبحانك اللهم
وبحمدك " (4) . ذكره البيهقي من حديث عن أبي عبيدة عنه، وقال: ليس
بالقوى، وذكره من حديث خصيف عن أبي عبيدة عنه، وقال: ليس
بالقوى، وذكره في الأوسط من حديث خصيف عن أبي عبيدة وقال: لم
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/106) ، وعزاه إلى " البزار " والطبراني
في " الكبير " وإسناده ضعيف.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/149) ، وأبو داود في (استفتاح الصلاة، باب
" 6 ") ، والنسائي (4/133) ، وأحمد (3/106، 168، 188، 252) ، والبيهقي (3/
لمه 2) ، وابن خزيمة (466) ، والكنز (2210) ، والفتح (2/287، 10/600) ، والمجمع
(2/107) ، وأبو عوانة (2/99) ، وشرح السنة (3/116) ، والحبائك (35) ، والحلية (1/180) ،
والمغني عن حمل الأسفار (2/205) ،.
(3) صحيح. رواه البخاري (1/202) ، والفتح (2/284) ، والمشكاة (877) ، والترغيب (1/
(4) بنحوه. رواه ابن أبي شيبة: (1/229، 410) ،.(1/1367)
يروه عن خصيف إلّا عتاب بن بشير، تفرد به يوسف بن يونس الأفطس
وحديث محمد بن سلمة أنّ النبي- عليه السلام-: " كان إذا قام إلى
الصلاة، قال: اللَّه أكبر، وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... " إلى
آخر الآية، قال أبو حاتم: هذا من حديث إسحاق بن أبي فروة ذكره في
العلل، وحديث حذيفة أن رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلم-: " كان
إذا صلى من الليل وكبّر، فقال: " الله أكبر ذا الملك والملكوت والجبروت
والكبرياء والعظمة ".
رواه (1) الكجي في سننه من حديث رجل من عبس، وذكره أبو نعيم في
كتاب الصلاة بسند صحيح على شرط البخاري عن إبراهيم عن العلاء بن
المسيب عن طلحة بن يزيد الأنصاري عن حذيفة: وحديث ابن عمر المذكور
في مسند السراج بسند صحيح قال: كنا نصلي مع النبي- صلّى اللَّه عليه
وآله وسلم- فجاء رجل، فدخل في الصلاة فقال: اللَّه أكبر كبيرَا والحمد للَّه
كثيرَا وسبحان الله بكرة وأصيلا، فلما قضى/النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلم- الصلاة قال: " من صاحب كلام كذا وكذا "، فقال الرجل: أنا
فقال: " عجبت لها فتحت لها أبواب السموات ". قال ابن عمر: فما تركتهن
منذ سمعت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يقول ذلك (2) ، زاد أبو نعيم
في كتاب الصلاة بسند صحيح على وهم البستي عن أبي الأحوص عن أبي
إسحاق عن الهيثم بن حبيش عنه موقوفَا " اللهم أجعلك ".
ولما ذكر الحاكم في العلوم حديث ابن عمر من طريق المنذر بن عبد اللَّه
الخزامي عن عبد العزيز بن أبي سلمة بن عبد الله بن دينار عنه قال: لهذا
الحديث علّة صحيحة، والمنذر أحد طريق المجرّة فيه، وذكر عن مالك أبي
غسان عن عبد العزيز، ثنا عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد اللَّه بن
__________
(1) قوله: " رواه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/150) ، والنسائي (2/125) ، وأحمد (2/14،
5/173) ، والبيهقي (2/16) ، والمجمع (10/352) ، وأبو عوانة (2/11) ، والترغيب (1/
332) ، والحلية (4/265) .(1/1368)
أبي رافع عن علي قال: وهذا مخرّج في مسلم ومرسل قال: كان رسول
اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- إذا افتتح الصلاة قال: " سبحانك اللهم
وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك " (1) .
رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن أبي الأحوص عن أحسن بن عبد
الملك عنه، ومرسل محمد بن المنكدر قال: كان عليه السلام إذا قام إلى
الصلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله
غيرك، لا حول ولا قوة إلّا بك، إنِّي وجَّهت وجهي للذي فطر السموات
والأرض حنيفًا وما أنا من المشرفي، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب العالمية لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين " (2) .
رواه أيضًا عن عبد الله بن عامر عنه، ومرسل موسى ابن عائشة قال: كان
عليه السلام/إذا افتتح الصلاة قال: " الله كبر ذا الملكوت والجبروت والكبرياء
والعظمة " (3) .
رواه عن حسن بن صالح عنه، وحديث الحكم بن عمير قال: كان رسول
اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلم- يعلمنا: " إذا قمتم إلى الصلاة فكبّروا،
وارفعوا أيديكم لا تجاوزوا أذانكم، وقولوا: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك
اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك " (4) .
ذكره البارودي في كتاب الصحابة من حديث يحيى بن يعلي الأسلمي
عن موسى بن أبي حبيب عنه يحيى، وثقة ابن معين، وموسى روى عنه
جماعة وحديث عيينة النبوي أنله صلى فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد
__________
(1) له أكثر من موضع سابق انظر ص 136.
(2) تقدم. رواه أحمد (3/375) ، والطبراني (1/293) ، والمجمع (07/12) ، والمشكاة
(1461) ، وإتحاف (4/398) ، والكنز (12268) ،.
(3) صحيح رواه النسائي (2/231) ، وأحمد (5/398) ، وهامش المواهب (144) ، وابن المبارك
في " الزهد " (34) ، وأخلاق (180) ، ومشكل (1/308) ، وابن كثير (6/583) ، وابن أبي
شيبة (1/231) ، وشرح السنة (4/20) ، والمحنة.
41) الكنز: (22048) .(1/1369)
أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، عملت سوء، ظلمت نفسي فاغفر لي
وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم، فقال عليه السلام: " ما خرج
آخرها من فيك، حتى نظرت إلى اثنى عشر ملكًا يبتدرونها " (1) .
ذكره أبو موسى في الصحابة من حديث يزيد بن محمد حدثنى أبي عن
أبيه عن الأوزاعي، حدّثني حماد بن أبي سليمان أنّ الحسن حدّثه ابن لأبي
ثعلبة: أنّ أباه أخبره به، وحديث أبى سعيد الآتي بعد: " كان النبي-
صلّى الله عليه وآله وسلم- إذا قام من الليل كبر، ثم يقول: سبحانك اللهم
وبحمدك ... " (2) ، الحديث.
وحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلي ونحن في الصلاة،
فدخل في الصف، فقال: الله أكبر كبيرًا والحمد لفه كثيرًا وسبحان الله بكرة
وأصيلًا، ورفع المسلمون رؤوسهم واستنكروا الرجل، وقالوا: من هذا الذي رفع
صوته فوق صوت النبي؟ فلما انصرف النبي قال: " من هذا العالي الصوت؟
فقيل: هو هذا، فقال النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " والله لقد رأيت كلامه يصعد في
السماء حتى فتح/بابًا منها فدخل أظنّه فيها " (3) .
رواه أبو نعيم أيضًا بسند صحيح على رسم ابن حبان عن عبيد الله بن إياد
ابن لقيط عن عبد الله بن سعيد عنه، وموقوف أبيِ بكر الصديق، قال ابن أبي
شيبة: حدّثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان قال: بلغني عن أبي بكر أنه
كان يستفتح ب " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله
غيرك ". وبنحوه ذكره سعيد بن منصور في سننه وموقوف عمر، ذكره
الدارقطني بسند صحيح: أنله كان إذا افتتح الصلاة قال: فذكره وفي آخره
يسمعنا ذلك، وقال الضحاك في تفسير قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك حين
تقوم) قال: حين تقوم الصلاة، فيقول: سبحانك اللهم وبحمدك ... آخره،
__________
(1) انظر: كتاب الصحابة لأبي موسى.
(2) الموضوعات لابن القيسراني: (578) .
(3) صحيح. رواه أحمد (4/355، 356) ، والمجمع (06/12) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني
في " الكبير " ورجاله ثقات.(1/1370)
قال أبو عيسى: وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقال
عبد الله عن أبيه أحمد الذي يعلمنا حديث عمرو: قال ابن قدامة: وهو قول
أكثر أهل العلم، وقال الشيخ المجدّ: هذا اختيار الجمهور، كان أبو يوسف
يجمع بين قوله سبحانك اللهم وبحمدك، وبين قوله: " وجّهت وجهي " وهو
قول أبي إسحاق المروزي وأبي حامد الشافعي، واستحب الشّافعي حديث علي
الآتي بعد، وفي كتاب القواعد لابن رشد: ذهب قوم إلى أنّ التوحيد مستحب
لا واجب، قال البغوي في أحاديث الاستفتاح: بأنه استفتح بها، وحصل له
سنة الاستفتاح، قال: والأفضل عند الشافعي حديث علي، فإن كان إماما لم
يزد عليه، وفي المصنف عن ابن مسعود: " أحب الكلام إلى اللَّه تعالى ما قاله
أبونا حين اقترب: سبحانك اللهم وبحمدك ... " (1) ، إلى آخره.
وفي لفظ: " أحب الكلام إلى اللَّه/تعالى أن يقول الرجل ذلك "، وفيه
زيادة: " ربّ إنّى ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت " (2) .
وقوله: إسكاته زنة " أفعاله " من السكوت، قال ابن التين معناه: سكوت
يقتضي بعده كلامًا، أو قراءة مع قصر المدة وهي مكروهة عند مالك؛ لأن
النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- لما علّم الأعرابي قال: " كبّر ثم اقرأ، ثم
اركع "، وقال أنس: كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله (3) .
وذكر القاضي أبو بكر بن الغزالي عن مالك: أنّه كان يقول كلمات عمر
بعد التكبير، ومعنى قوله: بالماء والثلج والبرد أنها أمثال، ولم يرو أعيان هذه
__________
(1) بنحوه. رواه مسلم في (الذكر والدعاء، ح/48) ، والبخاري في " الأدب المفرد "
(638) ، والكنز (2022) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/211، 8/89، 9/144) ، ومسلم (2078) ،
والنسائي في (السهو، باب " 59 " (، والترمذي (ح/3531) ، وصححه. وابن ماجة
(3835) ، والبيهقي (2/154) ، وأحمد (1/4، 7) ، والمنثور (5/17) ، والكلم (101) ،
والكنز (12359، 37309) ، والجوامع (9812) ، وابن خزيمة (846) ، وإتحاف (3/75،
83) 5/67، 75) ، وابن السني (156) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (706) ، وصفة
(3) الفتح: (1/227) .(1/1371)
المسميات، وإنّما أراد التأكيد في التطهير، ويستدلّ به لمن ذهب إلى المنع من
الماء المستعمل؛ لأنه يقول: إنّ منزلة الخطايا المغسولة بالماء بمنزلة الأوصار الحالة
في الماء، والمغسولات المانعة من التطهير. ذكره الخطابي، وفي حديث أبي
حميد: ولما قاله ابن حزم من أنه لم يرد لفظة. اللَّه أكبر عن النبي- عليه
السلام- يعني صحيحة؛ لأنه قد صحح هذا الإسناد فيلزمه العمل به، وفيه
أيضًا دلالة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، قال ابن المنذر. وهو
إجماع، ونقل العبدري عن الزيدية أنه لا يرفع ولا يعيد بخلافهم.
ونقل المتولي عن بعض العلماء: وجوبه، وفي فتاوى القفال عن أبي الحسن
أحمد بن بشار المروزي مثله، وقال ابن حزم: ونقل إيجابه عن الأوزاعي، وفي
القواعد: ومنهم من أوجبه عند الاستفتاح وعند الركوع وعند الارتفاع، ومنهم
من أوجب ذلك في هذين الموضوعين وعند السجود بحسب اختلافهم في
المواضع التي يرفع فيهما، قال الطحاوي: يرفع ناشرا أصابعه / مستقبلًا بباطن
كفيه القبلة مستدلًا بما رواه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن
حرب، ثنا عمر بن عمدان عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر يرفعه: " إذا
استفتح أحدكم، فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة كأنّ اللَّه تعالى
أمامه " (1) .
وفي الحاوي للماوردي: يجعل بطن كلّ كف إلى الأخرى، وعن سحنون:
ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض، وقال القالي: يقيما محنيين سيئًا
يسيرًا، وفي المهذب: يستحب تفريق الأصابع ونقله المحاملي، وقال الغزالي: لا
يتكلف فيهما ولا يقاتل بتركها، وقال الرافعي: يفرق تفريقًا وسطًا، وقال أبا
قدامة: يستحب أن يمد أصابعه ويضم بعضها إلى بعض، وفي كتاب
الذخيرة: يرفع ثم يكبّر، قال في المبسوط: عليه أكثر مشايخنا، وقال خواهر
زاده: يرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد وهو المشهور من مذهب مالك،
وقال النووي: الصحيح أن يكون ابتداء الرافع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي (2/27) ، والكنز (3235، 19638) ، والمجمع (2/102) ، وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه عمير بن عمران وهو ضعيف.(1/1372)
انتهائه وهو المنصوص، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال
اليدين، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يكبّر ثم يرسلهما بعد فراغ التكبير، وهذا
مصحح عند البغوي، وقيل: يبتدئ بهما معًا، وينتهى التكبير مع انتهاء
الإرسال، وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير، ولا استحباب في الانتهاء،
وهذا مصحح عند الرافعي.
وزعم ابن بطال: رفعهما، وقيل: إشارة إلى التوحيد، وقيل. حكمته أن
يرى الأصم دخوله في الصلاة، والتكبير أن يسمعه الأعمى/فيعلم بالدخول في
الصلاة، وقيل: الفساد، وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بالكلية إلى
الصلاة، ويكبّر من واحدة، وقالت الرافضة: ثلاًثا، واختلف في المكان الذي
يصلى فيه يرفع يديه، فذكر ابن عبد البر اختلف عق النبي- صلّى الله عليه
وآله وسلم- وعن أصحابه في كيفية الرفع، فروى عنه الرفع مدًا فوق الأذنين
مع الرأس، وروى أنه كان يرفع يديه حذاء أذنيه، وروى أنه كان يرفعهما
حذو منكبيه، وروى أنله كان يرفعهما إلى صدره، وكلها آثار محفوظة
مشهورة، وفي هذا دلالة على التوسعة.
وقال صاحب المحيط: حذاء أذنيه حتى يحاذى بإمهاميه شحمتيها،
وبرؤوس أصابعه فروع أذنيه، وقال الشافعي والإمام أحمد، ومالك، وإسحاق:
حذو منكبيه، وقال النووي: يريد يحاذى راحتاه منكبيه، وهكذا قاله المنوفي
والبغوي وغيرهما، وأمّا قول الغزالي قْيه: ثلاثة أقوال: فلا يعرف لغيره، ونقل
إمام الحرمين قولن آخرين:
الأول: يرفع يديه حذو المنكبين.
والثاني: حذو الأذنين وفيه غرابة، وقال ابق قدامة: هو يخيّر في رفعهما
إلى فروع أذلْيه أو حذو منكبيه، وفي كتاب أبي داود بسند ضعيف عن
طاوس: كان يرفع يديه حتى يجاورْ بهما رأسه، وقال. رأيت ابن عباس يصنعه
ولا أعلم أنّه قال: كان عليه السلام يصنعه. قوله: ولا يقنع أي: ولا يرفع
رأسه حتى تكون أعلا من ظهره، وقد أقنعه يقنعه إقناعًا، وفيه قوله تعالى:(1/1373)
(مقنعي رءوسهم) (1) ، أي: رافعي رؤوسهم، وقال نفطويه: يقال: أقنع
برأسه إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالًا، وجعل طرفه مواريا لما بين/يديه،
وقوله: أقنخ بالخاء المعجمة أي: ينصبها، ولعمر موضع المفاصل منها وبيتها إلى
باطن الرجل فيوجهها نحو القبلة.
وقال الأصمعي: أصل الفتح اللين، ومنه قيل للعقاب: فخا؛ لأنها إذا
انحطت كسرت جناحيها، وقال أبو العباس: فتح أصابعه أي ثنّاها، وقوله:
هصر ظهره، أي: ثنّاه وعطفه للركوع، وأصل الهصر أن يأخذ برأس العود
فيثنيه لليد ويعطفه، وقوله صالح نحوه أي: غير مبرز صفحه حدّه ولا مائل
في أحد الشقين.
__________
(1) سورة إبراهيم آية:43(1/1374)
138- باب الاستعاذة في الصلاة
حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة
عن عاصم العنزي عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " رأيت رسول الله-
صلى اللَّه عليه وآله وسلم- حين دخل في الصلاة قال: " اللَّه أكبر كبيرًا
ثلاثا، الحمد للَّه كثيرًا، سبحان اللَّه بكرة وأصيلًا ثلاث مرات: اللهم إنّى أعوذ
بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ". قال عمرو: همزه الموتة
ونفخه الكبر ونفثه الشعر " (1) ،
هذا حديث أخرجه أبو داود عن ابن جبير بلفظ قال عمر: ولا أدرى أي
صلاة هي، وفي رواية مسعد عن رجل عن نافع بن جبير عن أبيه، قال:
سمعت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول في التطوع نحوه، كذا هو
في رواية اللؤلؤي وابن داسة وابن العبد، وذكره ابن عساكر في كتاب
الإشراف في ترجمة محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، وليس الحديث عند
غير من ذكرناه إنما هو عند أبي داود وابن ماجة/، وليس فيهما إلّا ما ذكر
آنفا، وكذا ذكره أحمد في مسنده كذا رواه عن يحيى بن سعيد عن مسعر،
حدثنى عمرو عن رجل عن نافع عن أبيه وعن وكيع ثنا مسعر عن عمرو عن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/807، 808) ،. في الزوائد: في إسناده مقال؛ فإن
عطاء بن السائب اختلط بآخر عمره، وسمع منه محمد بن فضيل بعد الاختلاط، وفي سماع
أبي عبد الرحمن السلمي من ابن مسعود كلام، قال شعبة: لم يسمع، وقال أحمد: أرى فول
شعبة وهماَ، وقال أبو عمر والداني: أخذ أبو عبد الرحمن القراءة عرضا من عثمان وعلي وابن
مسعود. والحديث قد رواه أبو داود والترمذيّ والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري. ورواه
ابن حبان في صحيحه من حديث جبير بن مطعم. وأحمد (1/404، 80، 83، 85،
5/240، 253، 353، 6/156) ، والبيهقي (2/36) ، والحاكم (07/21) ، وابن خزيمة
(472) ، والكنز (3766، 23439) ، وعبد الرزاق (2572، 2580) ، ونصب الراية (2/
123) ، والترغيب (3/451) ، والطبراني (2/140) ، والجوامع (9865) ، والقرطبي (10/
175) ، والمنثور (3/154) ، والمجمع (2/165، 18810) ، والفتح (1/4670) ، وابن أبي
شيبة (1/231، 238، 10/186، 112) ، والمشكاة (817) ،. وضعفه الشيخ الألباني.
الإرواء (2/54) ، وضعيف ابن ماجة (ح/173) ، وضعيف أبي داود (ح/130) .(1/1375)
رجل من غيره عن نافع بن جبير فذكره، ولما ذكره البزار في كتاب السن
تأليفه عن ابن مثنى وعمرو بن علي، ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو
عن عاصم العنزي عن ابن جبير، وثنا علي بن المنذر ثنا محمد بن فضيل ثنا
حصين عن عمرو عن عباد بن عاصم العنزي عن ابن جبير بن مطعم، قال:
وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- إلّا
جبير بن مطعم،. ولا نعلم له طريق إلّا هذا الطريق.
وقد اختلفوا في اسم العنزي الذي رواه عن نافع فقال شعبة: عن عمرو
عن عباد بن عاصم، وقال زائدة: عن حصين عن عمرو عن عمار بن عاصم،
والرجل ليس بمعروف، وإنما ذكرناه؛ لأنه لا يروى هذا الكلام غيره عن نافع
ابن جبير عن أبيه ولا عن غيره يروى أيضًا عن النبي، عليه السلام، وقال
البغوي: ثنا يزيد أنبأ شعبة عن عمرو عن عاصم عن نافع بن جبير به، وثنا
يعقوب عن إبرا هيم ثنا حصين بن عبد الرحمن عن عمار بن عاصم عن نافع
عن أبيه، قال: سمعت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- حين افتتح صلاة
الصبح قال: الحديث، وكذا ذكره البيهقي وأبو القاسم الطبراني وغيرهم، ولو
قدرنا أن واحدَا من الأئمة ذكره في ترجمة محمد لما كان مخلصًا له؛ لأنه لا
يذكر شيئًا من خارج إلّا أن يكون مستدركًا فنبيّنه، والله أعلم.
وذكره أبو محمد في كتابه المخلي/مصححًا من حديث نافع عن أبيه،
وذكره أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه عن عمر بن محمد الهمداني،
ثنا ابن بشار بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو عن عاصم العنزي عن ابن جبير،
وفرق في كتاب الثقات عن عاصم بن عمير العنزي الراوي عن أنس، والراوي
عنه محمد بن أبي إسماعيل وعمرو بن مرّة، وبن عاصم العنزي المذكور في
الطبقة الثانية الراوي عن نافع بن جبير، فقال ابن مطعم عن أبيه: " كان
النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- إذا دخل في الصلاة قال: الله أكبر " (1) .
قال شعبة: عن عمر وعاصم العنزي، وقال مسعد: عن عمرو عن رجل من
بني عنزة، وقال ابن إدريس: عن حصين عن عمرو عن عباد عن عاصم عن
__________
(1) رواه القرطبي في " تفسيره " (10/245) .(1/1376)
نافع، وقال عماد بن العوام: عن حصين عن عمرو عن عامر بن عاصم عن
نافع، وهو عند ابن عياش: عن عبد الله بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب
عن عبد الرحمن بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه بطوله، وفي نسخة: وهو
عندي عياش: عن عبد العزيز بن عبيد اللُّه بن حمزة بن صهيبة، وخرجه ابن
الجارود في منتقاه، وقال ابن خزيمة: وقد روى عن جبير أن النبي- صلّى الله
عليه وآله وسلّم-: " كان إذا افتتح الصلاة ... " الحديث.
إلا أنهم قد اختلفوا في إسناد خبر جبير، وعاصم العنزي، وعباد بن عاصم
مجهولان لا يدرى من هما، ولا نعلم الصحيح ما روى حصين أو شعبة،
وقال الحاكم: وذكره من حديث وهب عن نافع حديث الإسناد، ولم
يخرجاه، حدّثنا علي بن المنذر، ثنا بن فضيل ثنا عطاء بن السائب عن أبي
عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عن النبي- صلّى الله/عليه وآله وسلّم-
قال: " اللهم إنّى أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه، ونفثه " (1) .
قال: " همزه الموتة، ونفئه الشعر، ونفخه الكبر "، هذا حديث خرجه ابن
خزيمة في صحيحه عن يوسف بن عيسى المروزي ثنا ابن فضيل، ولما رواه
البيهقي قال: قال عطاء: فهمزه: الموتة ... إلى آخره، ولما رواه الحاكم عن عبد
اللَّه بن محمد بن موسى، ثنا محمد بن أيوب أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن
فضيل قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فقد استشهد البخاري بعطاء وكذا
قاله في المدخل: روى هشيم عنه عن سعيد بن جبير في أول ذكر الحوض،
والذي يقوله الكلاباذي أنّ البخاري ذكره مقرونا، وقال ابن سرور: روى له
محمد ومسلم في المتابعات، وفي كتاب أبي داود من حديث حميد الأعرج:
عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وذكرت حديث الإفك قالت: " فجلس
النبي- صلّى اللَّه عليه واله وسلّم-ولفّ وجهه وقال: أعوذ بالله السمع
العليم من الشيطان الرحيم (إن الذين جاؤوا بالإفك ... ) الآية " (2) .
__________
(1) تقدم في أول الباب ص 1375.
(2) الحاشية قبل السابقة بنحوها.(1/1377)
ثم قال: هذا حديث منكر، وقد روى هذا الحديث عن الزهري جماعة لم
يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه كلام
الحميد، وفي كتاب البيهقي من حديث ابن أبي يحيى: " أنّ أبا هريرة أمّ
الناس، فرفع صوته " ربنا إنّا نعوذ بك من الشيطان الرجيم " في المكتوبة إذا
فرغ من أمّ القرآن "، قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد: وكان ابن عمر
يتعوّذ في نفسه، وأيهما فعل أجزأه، وكان بعضهم يتعوذ حين يفتتح قبل أمّ
القرآن، وبذلك أقول. وأحب أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان / الرجيم، وأي
كلام استعاذ به أجزأه، قال: ويقول في أول ركعة. وقد قيل: إن قاله حين
يفتتح كل ركعة قبل أمّ القرآن فحسن، ولا أمر به في شيء من الصلاة أمرني
به في أوّل ركعة.
قال البيهقي: وروينا عن الحسن وعطاء وإبراهيم بقوله: في أؤل ركعة.
وعن ابن سيرين أنه كان يستعيذ في كل ركعة. زاد ابن حزم: لا نعلم لهؤلاء
التابعين مخالفًا، وأبو حنيفة يستحبها في أوّل ركعة فقط، وقال ههنا: عن
أحمد ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن الشعبي قال: ليس من خلف الإمام
استعاذة، فقال أحمد: لا نعرف هذا إلّا على الشعبي، ولم يسمعه هشيم من
أبي ليلى، وأما المونه- بلا همز- فزعم ثعلب: أنها ضرب من الجنون، وفي
الكتاب الراعي: هي بنى بأخذ الإنسان شبه السيئات وليس يحيق صاحبه،
وقال العيزار: الموته والموانه الجنون، وقال اللحياني في نوادره: هي الغشي، زاد
ابن سيده: لأنه يحدث منه سكوت كالموت. وقال أبو النصر: ضرب من
الجنون والصرع يعترى الإنسان، فإذا أفاق عاد له كمال عقله كالنائم
والسكران، واللَّه أعلم.
ولما ذكر البزار حديث ابن عباس بمثل حديث جبير من طريق رشدين، قال
أبو حمزة: فالذي ويسوسه في الصلاة، وأمّا نفثه فالشعر، وأمّا نفخه فالذي
يلقيه من الشبه يعني في الصلاة ليقطع عليه صلاته أو على الإنسان صلاته،
قال عبد اللطيف بن يوسف: معنى أعوذ بالله: التجاء إلى اللَّه والتزام بالله.(1/1378)
وأصل عاذ: لزم والتجأ، ومنه قيل للحم الذي يلزم بالعظم ويلزمه: عوذ، وهو
جمع عائذ مثل صائم وصوم، وقيل:/معناه: طلبت الإعادة. ذكره في كتابه
تفسير الفاتحة.(1/1379)
139- باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن
قبيصة بن هلب عن أبيه قال: " كان النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم-
يؤمّنا فيأخذ شماله يمينه " (1) .
هذا حديث قال فيه أبو عيسى: حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم،
ورأى بعضهم وضعها فوق السرة، ورأى بعضهم وضعها تحت السرة، وكل
ذلك واسع عندهم. وفي كتاب أبي علي الطوسي: " رأيت النبي- صلّى الله
عليه وآله وسلّم- ينصرف عن سنته عن يمينه وعن يساره، ويضع يده اليمنى
على اليسرى ".
قال: ويقال: حديث هلب حسن صحيح، وذكر ابن حبان في صحيحه
عن أبي خليفة: ثنا الوليد ثنا شعبة ثنا همان، فذكر قصة الانصراف فقط
المذكورة عند ابن ماجة بعد هذا: وقال البغوي في شرح السنة: حديث
حسن. وقال الحافظ الصيرفي: وهو حديث صحيح. وقال ابن عبد البر:
وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فيها آثار ثابتة عن النبي- عليه السلام-
منها: حديث هلب، وفي موضع أخر: هو حديث صحيح. وخالف ذلك ابن
المديني؛ فزعم أنّ قبيصة تفرد عنه بالرواية وهو مجهول، وهلب لم يرو عنه إلّا
ابنه، وهو لعمري كما قاله، لكن العجلي قال في كتابه: هو تابعي ثقة،
وذكره ابن حبان في الثقات مع تقدّم من صحح حديثه، فزالت عنه الجهالة-
واللَّه أعلم-. وفي مسند الإمام أحمد: " ورأيته يضع هذه على صدره " (2) /.
ووصف يحيى بن سعيد: اليمني على اليسرى فوق المفصل. وفي كتاب
العسكري: يضع إحدى يديه على الأخرى- يعني: في الصلاة- وفي رواية
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/252) ، وحسنه ابن ماجة (ح/809) ، وأحمد (5/226،
227) ، وشرح السنة (3/31) ، والمشكاة (308) ،. وصححه الشيخ الألباني.
(2) قوله: " صدره " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1380)
عن قبيصة: " أنّ النبي- عليه السلام- كان يقبض بيمينه على يساره في
الصلاة وينصرف مرة عن يمينه ومرة عن شماله " (1) ، وهذه اللفظة عند
الطبراني مرفوعة، وفي رواية: " فرأيته حين وضع إحدى يديه على الأخرى
اليمنى على الشمال ". وعند البغوي: " يأخذ إحدى يديه بالأخرى في
الصلاة ". قال أبو حاتم الرازي: ومن قال في هذا الحديث يسلم عن يمينه
وعن يساره فغير صواب؛ إنّما هو يتقبل.
حدثنا علي بن محمد ثنا عبد الله بن إدريس ثنا بشر بن معاذ الضرير ثنا
بشر بن المفضل قالا: ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال:
" رأيت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يصلى فيأخذ شماله بيمينه " (2) .
هذا حديث خرجه مسلم (3) في صحيحه بلفظ: " رأى النبي- صلّى اللَّه
عليه وآله وسلّم- رفع يديه حين دخل في الصلاة ضعهما حيال أذنيه، ثم
التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه
من الثوب ثم رفعهما، ثم كبّر فرفع فلما قال: سمع الله لمن حمده؛ رفع
يديه، فلما سجد سجدتين ... ".
وعند أبي داود (4) : " إذا أراد أن برفع رأسه من الركوع رفع يديه ". وقال:
هذا الحديث رواه همام عن ابن حجارة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود،
وعنده: " ثم وضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم
جئت بعد ذلك في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب يحرِّك
أيديهم تحت الثياب وسيأتي/الكلام مع أبي داود، إن شاء اللَّه تعالى.
وفي صحيح ابن خزيمة (5) : " ثم ضرب بيمينه على شماله فأمسكها "، وفي
__________
(1) رواه النسائي في: الافتتاح، 9- باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة (2/125- 126) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/810) ،. وصححه الشيخ الألباني.
(3) بنحوه. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/24) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/745) .
(5) قوله: " خزيمة " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.(1/1381)
رواية: " ووضع يده اليمنى على اليسرى على صدره "، وفي رواية: " ثم وضع
يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ".
وعند البيهقي (1) : " والرسغ في الساعد "، وفي رواية: " قبض بيمينه على
شماله "، ووثق رواية، وعند البزار: " ثم وضع يمينه على يساره عند صدره "
من حديث محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل عن أمه، ومحمد ضعيف،
وأمه مجهولة فيما ذكره ابن القطان، وعند البيهقي: وروينا في بعض طرق
حديث عاصم عن أبيه عن وائل عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- " ثم
وضعهما على صدره ". وهذه متابعة لمحمد صحيحة، واللَّه أعلم.
حدثنا أبو إسحاق الهروي إبراهيم بن عبد اللَّه بن حاتم أنبأ هشيم أنبأ
الحجاج بن أبي زينب السلمي، عن أبي عثمان النهدي عن عبد اللَّه بن
مسعود قال: " مرّ بي النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا واضع يدي
اليسرى على اليمنى فأخذ بيدي اليمنى فوضعها على اليسرى " (2) .
هذا حديث قال أبو عمر في الاستذكار: هو حديث ثابت. وذكره الأثرم
محتجا به. ولما خرجه النسائي (3) قال: غبر هشيم أرسل هذا الحديث. وقال
مهنأ سألت أحمد عن الحجاج بن أبي زينب؟ فقال: منكر الحديث، يحدّث
عن أبي عثمان أن النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- مر بابن مسعود
فذكره، قلت: وهذا منكر؟! قال: نعم. ولما ذكره العقيلي قال: لا يتابع
على هذا، وقال الساجي: وذكره في كتاب الضعفاء، وحدّث عن أبي عثمان
النهدي حديثا لا يتابع عليه، كذا ذكره عنه ابن حزم، والذي ثابت/في كتابه
عن أحمد أخشى أن يكون ضعيف الحديث، وذكر هذا الحديث، ثم قال:
روى عنه الثوري. وفي العلل لابن عدي: وقد روى محمد بن الواسطي عنه
__________
(1) وكذا قوله: " البيهقي " ورد فيها ما سبق.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/811) ،.
وصححه الشيخ الألباني.
(3) مرسل. رواه النسائي في: الافتتاح، 10- باب: في الإِمام إذا رأى الرجل قد وضع
شماله على يمينه (2/126) ،.(1/1382)
عن أبي سفيان عن جابر: " مر رسول الله- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-
برجل قد وضع شماله على يمينه ... مثله " (1) . وكلام الفسوي يفهم وليس
جيدا؛ لاُن أبا الحسن رواه عن ابن صاعد، ثنا عثمان بن خالد ثنا محمد بن
يزيد الواسطي عن الحجاج عن أبي محمد تضعيفه إيَّاه بأنَّ الحجاج ممن خرج
له مسلم معتمدا الرواية، وقال أبو أحمد بعد تصفح رواياته: أرجو أنّه لا بأس
به، وأمّا قول أبي محمد فيه: فليس بقوى فهو كلام النسائي في ذلك أنه ليس
أن يكون ضعيف الحديث، وهذا أيضا ليس به تضعيف، وأما قول العقيلي
فيعني به أن الحديث مرسل، أمّا حديث جابر، فلم يقل أبو محمد إثره شيئا
يعتمد فيه حين ذكره، ومحمد بن الحسن الواسطي أحد الثقات، روى هذا
الحديث عنه ابن معين، قال أبو أحمد ابن صاعد: ثنا الفضل بن شهاب ثنا
ابن معين فذكره، وقال الدارقطني: ثنا أحمد بن محمد ثنا ابن معين به،
فالحديث إذن صحيح أو حسن من الطريقين جميعًا، أعني طريق أبي عثمان
عن ابن مسعود، وطريق أبي سفيان عن جابر فاعلم. انتهى كلامه.
وفيه نظر لما أسلفناه من عند أحمد في الحجاج، وقال ابن عدي فيما حكاه
ابن الجوزي: ضعيف، وقال ابن المديني: شيخ من أهل واسط ضعيف، ورواه
غير أبي عثمان عن ابن لم مسعود، قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد ثنا علي بن
مسلم ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، حدثني بندار عن ابن أبي ليلى عن القاسم
ابن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود: " أن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلّم- كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة " (2) . وأما قول أبي القاسم في
الأوسط، وأنكر حديث جابر ولم يروه عن أبي سفيان إلا الحجاج ولا عن
الحجاج إلا محمد بن الحسن. تفرد به وهب بن بعته، ورواه هشيم عن
الحجاج عن أبي عثمان عن أبي هريرة، فيشبه أن يكون وهمًا لمتابعين معينين،
وهما كما تقدّم، وفي الباب حديث الحرث بن غضيف- أو عصيف- بن
__________
(1) المصدر السابق ص 1381.
(2) تقدم، والحديث في سنن ابن ماجة (رفهم: 809) .(1/1383)
الحارث وله صحبة، قال: " ما نسيت من الأشياء فلم أنس أنني رأيت رسول
اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلم- واضعا يمينه على شماله في الصلاة " (1) .
ذكره الحافظ أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي في كتاب الصحابة
الذين نزلوا حمص الشام، وقال الخلال في علله عن عصمة: ثنا حنبل ثنا أبو
عبد الله، ثنا عبد الرحمن، ثنا معاوية- يعنى: ابن صالح- عن يوسف بن
سيف عنه قال: وقال أبو عبد الله: هذا إسناد شامي، وقال الدارقطني: يعني
أحمد بهذا أنه لم يرض إسناده؛ لاًن الحرث لا يعرف إلّا بهذا الحديث، ولا
نعلم يوسف بن سيف سمع منه أو لا، وفي تاريخ البخاري ما يدل على أنّه
ليس بصحابي فاٍنه قال: غضيف بن الحرث أبو أسماء السكوتي. قال عيسى
بن يونس عن أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن غضيف الثمالي،
يقال: نعته الثمالي، وقال ابن صالح عن أزهر بن سعد: سأل عبد الملك
عطيفا، وقال إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن سلم: أنه سأل عبد الملك بن
غضيف/ابن الحرث الثمالي، وقال معن عن معاوية عن يوسف بن سيف عن
غضيف أبو الحرث بن غضيف السكوني، وقال عبد الوارث: عن برد بن
سنان عن عبادة بن نسى عن غضيف بن الحرث سمع عمر وعائشة، وقال
الثوري: معتمر عن برد عن عبادة عن غضيف سمع عمر وعائشة، وقال بشار:
عن الوليد بن عبد الرحمن عن عياض بن غضيف عن أبي عبيدة، وقال
الزبيدي: عن سليمان بن عامر عمن سمع غضيف بن الحرث عن أبي عبيدة،
وفرق أبو عمر في الاستيعاب بين غضيف بن الحرث، وعن عطيف الكندي
وبين غضيف بن الحرث الثمالي، وزعم أن الاضطراب في الأول، والذي بعده
كبير جدا، ومع ذلك فقد زعم في الاستذكار أن حديثه ثابت، ويشبه أن
يكون مسنده قول أبي حاتم وأبي زرعة فإنهما ذكرا أنّ له صحبة، وأبي ذلك
غيرهما، فإن ابن سعد لما ذكره في التابعين وصفه بالثقة، وقال العجلي: هو
تابعي ثقة، وقال عبد الرحمن بن حراس: لا بأس به، وقال الدارقطني: ثقة
من أهل الشام، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال أبو إسحاق
__________
(1) صحيح. رواه ابن عدي في " الكامل " (6/2401) ، والجمع (2/104) ، وعزاه إلى
أحمد، والطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات.(1/1384)
الصيرفي: أدرك زمان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ويختلف في
صحبته، وروى عن عمر وبلال وأبي ذر وأبي الدرداء وعائشة وأبي حميصة
المزني، وروى عنه ابنه عبد الرحمن وعبادة ومكحول وابن سيف، وحديث
عبد اللَّه ابن عمر: أنه مر برجل في صلاة قد وضع يده اليسرى في الصلاة
على يمينه فقال له: إن رسول اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: " لا
تفعل فعل قوم قد عذبوا " (1) .
رواه أبو القاسم في معجمه، وقال: لم يروه عن ابن عجلان- يعني: عن
نافع- إلّا إبراهيم بن إسماعيل تفرد به/فضالة بن يعقوب. وفي موضع آخر
مرفوعًا: " إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور،
ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة " (2) .
رواه من حديث يحيى بن سعيد بن سالم القداح، ثنا عبد المجيد بن عبد
العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عنه، وقال: لا يروى عن ابن عمر إلّا
من هذا الوجه، وقال في الصغير: لم يروه عن نافع إلّا ابن أبي داود، ولا عنه
إلّا ابنه. تفرد به الفلاح. وحديث أبي إسحاق عن شدّاد بن شرحبيل، وسمَّاه
في موضع أخرى القيل كأنه لقيه قال: " رأيت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلّم- ضرب بيده على شماله في الصلاة " (3) .
وقال أبو القاسم: لم يروه عن أبي إسحاق إلا يوسف بن أبي إسحاق، ولا
عن يوسف إلا إبراهيم بن يوسف- تفرد به شريح بن سلمة- وحديث عائشة
__________
(1) صحيح. بنحوه أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/104) ، وعزاه إلى أحمد،
والطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح.
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/105) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير "، ورجاله رجال الصحيح.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/104- 105) ، وعزاه إلى " البزار "
والطبراني في " الكبير "، وفيه عباس بن يونس، ولم أجد من ترجمة، وقال البزار: لم يرو
شداد بن شرحبيل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا الحديث.(1/1385)
قالت: " ثلاثة من النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى
على اليسرى في الصلاة " (1) .
رواه الدارقطني من حديث شجاع بن مخلد هيثم عن منصور أنبأ محمد
بن أبان الأنصاري عنهما. وحديث أبي هريرة قال عليه السلام: " أمرنا معاشر
الأنبياء أن نعجِّل الإفطار، ونؤخر السحور، ونضرب بأيماننا على شمائلنا في
الصلاة " (2) .
رواه من حديث أبي وائل عن عطاء عنه، ومن حديث عبد الرحمن بن
إسحاق عن يسار بن الحكم عنه بلفظ: " وضع الكف على الكف في الصلاة
من السنة ". ومن هذه الطريق ذكره أبو داود في رواية ابن العبد، وقال: روى
حديث علي عن سعيد بن جبير فوق السرة. وقال أبو مجلز: تحت السرة،
وروى عن أبي هريرة وليس بالقوي. وحديث ابن عباس يرفعه: " إنَّا معاشر
الأنبياء أمرنا/أن نؤخر السحور، ونعجل الإفطار، وأن نمسك بأيماننا على
شمائلنا " (3) .
رواه عن ابن السكن، ثنا عبد الحميد بن محمد ثنا مخلد بن يزيد ثنا
طلحة عن عطاء عنه، ورواه البيهقي من طريق عبد المجيد، وإنّما يعرف بطلحة
ابن عمرو، وليس بالقوى عن عطاء عن ابن عباس، ومرة عن أبي هريرة، ورواه
الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أحمد بن طاهر بن حرملة، ثنا حرملة
ابن وهم أخبرني عمرو بن الحارث سمعت عطاء به، وقال: لم يروه عن
عمرو إلّا ابن وهب، تفرد به حرملة، ورواه في الكبير: من حديث ابن عيينة
عن عمرو عن فارس عنه. وحديث أبي حميد الساعدي عن ابن حزم ووصف
__________
(1) رواه الدارقطني (1/284) ، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/105) ، وعزاه
إلى الطبراني في " الكبير " مرفوعا وموقوفا على أبي الدرداء، والموقوف صحيح، والمرفوع في رجاله
ولم أجد من ترجمه.
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/105) من حديث ابن عباس، وعزاه إلى الطبراني
في " الكبير "، ورجال الصحيح.
(3) المصدر السابق.(1/1386)
صلاة النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم - فرفع يديه إلى وجهه، ووضع يمينه
على شماله. وحديث علي قال: " إن من السنة في الصلاة وضع اليمين على
الشمال تحت السرة " (1) ، ورواه الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن
إسحاق، حدثنى زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عنه، ومن حديث عبد
الرحمن أيضًا عن النعمان بن سعد عنه. زاد بن القطان: وزياد، وحاله مجهولة
وليس بالأعم، وقال البيهقي: لم يثبت إسناده، تفرد به عبد الرحمن
الواسطي، وهو متروك. ورواه أبو داود من رواية ابن العبد عنه بلفظ: " السنة
وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة " (2) .
وفي كتاب ثواب القرآن لأبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن يزيد بن
زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدي عن عقبة بن ظهير عن علي:
" (فصلّ لربك وانحر) (3) . قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة ".
زاد الدارقطني/عن عمر بن زرارة ثنا عبد العزيز بن حازم عن أبيه عن سهل:
" انه كان يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة " (4) . قال ابن حزم:
وروينا فعل ذلك عن ابن مجلز والنخعي وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون
وابن سيرين وأيوب السختياني وحماد بن سلمة، وهو قول أبي حنيفة،
والشافعي، وأصحابنا، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وأبي عبيد، والطبري،
وداود. وقال ابن الجوزي: هو مستحب عندنا، ولمالك روايتان:
إحداهما: كقولنا. والثانية: أنه غير مستحب إنما هو مباح، وفي المدونة:
يكره فعله في الفرض، ولا بأس به في النافلة إذا طال القيام، وقال أبو عمر:
رواية ابن القاسم عنه إرسال اليدين، وهو قول الليث، قال ابن بطال: ورأى
__________
(1) رواه الدارقطني: (ح 1090، 1/327) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود: (ح/756) .
قلت: وعلته حفص بن غياث، شيخ يروى عن ميمون بن مهران، مجهول، بصري (المغني
في الضعفاء: 2/183/1640)
(3) سورة الكوثر آية: 2.
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/759) ، وابن المبارك في " الزهد " (6) ، وعبد الرزاق
(3317) ، والطبراني (3/312، 10/212) ، والإرواء (2/70)(1/1387)
ذلك ابن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير.
قال أبو عمرو: وروى ابن نافع وعبد الملك ومطرف عن مالك، بوضع اليمنى
على اليسرى في الفريضة. قال أبو عمرو: هو قول المدنين، وأشهب، وابن
وهب، وابن عبد الحكم، وقال الأوزاعي: من شاء فعله، ومن شاء تركه،
وهو قول عطاء. وقال ابن القصار: وجه الكراهة أنّه عمل في الصلاة وربما
شغل صاحبه، وقد علم النبي- عليه السلام- الأعرابي فلم يأمره بذلك.
وقيل: خشية اًن يظهر بجوارحه من الخشوع ما لم يضمن، قال ابن بطال:
وربما دخله ضرب من الرياء.
وأمّا كيفية الوضع، فذكر الوتري الحنفي: يضع كفه اليمنى على كفه
اليسرى، وقيل: ذراعه الأيسر، والأصح: وضعها على المفصل. وفي
الاستصحاب قال أبو يوسف: يبيض بيده اليمنى رسغ اليسرى، وقال محمد
كذلك ويكون الرسغ وسط الكف، وقال ابن قدامة: يضعها كوعه وما
يقاربه./وقال القفال: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها
وساعدها، وهو مخيّر بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل وبين نشرها
في صوبة الساعد، وأما متى يضعها، ففي المحيط: كما فرغ من التكبير، وعند
محمد: بعد الثناء، وقال أبو القاسم: الصغار يرسل إلى أن يفرغ من الثناء
والتسبيح، واختار الطحاوي: ويضعها كما يفرغ من التكبير، وفر، صلاة
الجنازة والقنوت قال: يضعهما تحت سرته، وبه قال أحمد، وعنه: فوق السرة
وعنه: هو مخير، وفي الحاوي للماوردي: والوسط تحت الصدر، قال النووي:
فوق السرة هذا هو الصحيح المنصوص، وعن أبي إسحاق: تحت السرة
والمذهب الأول، وفي كتابي أبي عيسى والطوسي، وقبلهما البخاري، وابن
دريد في كتاب الاشتقاق الكبير، والشيرازي في الألقاب، وأبو عبيد الله
المرزباني، وابن حبان في كتاب الصحابة، وخليفة في كتاب الطبقات، واسم
هلب: يزيد بن قتادة الطائي. كذا قالوه.
وقال العسكري وابن عبد البرّ في أحد قوليه، وابن عساكر وابن حزم في
الجمريزة، والطبري في المزيل بريد ابن عدي بن فتانة بن عدي بن عبد شمس
بن عدي بن حزم وابن يزيد، ذكر الكلبي: أن أبيه سلامة بن يزيد هو الهلب(1/1388)
وهو الذي وفد على النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- ومسح برأسه، الأوّل
أصح، وكان وفد وهو أقرع فمسح النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- رأسه
فنبت شعره فسمّى الهلب، كذا رواه الرواة، وزعم أهل اللغة: أنه الهلب، قال
الكلبي في الجامع لأنساب العرب: وفيه قال الشاعر:
كأن زماني رأسه تارة ... فأصبح الأقرع وأتى التكبير (1) .
/وفيه يقول عويج بن ضريس النبهاني:
أنا عويج ومعى سيف الهلب ... أنا الذي أشجع من معد يكرب
وكما سمّاه الكلبي سمّاه ابن سعد لم يذكره غيره، والوزير أبو القاسم في
كتاب أدب الخواص، وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم، زاد الوزير:
والتشديد فيه واقع على الباء.
***
__________
(1) كذا ورد هذا الكلام بلفظه في " الأصل ".(1/1389)
140- باب افتتاح القراءة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن بريد
ابن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: " كان رسول الله- صلّى اللَّه
عليه وآله وسلّم- يفتتح القراءة بالحمد للَّه رب العالمين " (1) .
هذا حديث خرجه مسلم: " يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب
العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك " (2) ، فذكر حديثًا
مطولًا. وقال أبو عمر في كتاب الإنصاف: هو حديث انفرد به بديل عن أبي الجوزاء،
أليس له إسناد غيره، وهما ثقتان لا يختلف فيهما إلا أنهم يقولون أن أبا الجوزاء لا يعرف
له سماع من عائشة، وجدنه عنها إرسال، وكذا قاله في التمهيد. انتهي. سماعه منها
لكن جائز لكونهما كانا في عصر واحد، وقد روى البخاري في تاريخه عن مسدد عن
جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك اليشكري عن أبي الجوزاء قال: " أقمت مع ابن
عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة ليس من القرآن آية إلا سألتهما عنها قال البخاري:
في إسناده نظر. وفي كتاب الصلاة لأبي بكر الفرياني: ثنا مزاحم بن سعيد أنبأ ابن
المبارك، ثنا ابن طمهان، ثنا بديل عن أبي الجوزاء/قال: أرسلت رسولًا إلى عائشة
أسأنها عن صلاة النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- فقالت: " كان يفتتح ... "
الحديث، وفي هذا ما يبدء لمن يقول بالمعاصرة ولمن يقول بالنقطاع، ورواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث عبد الرحمن بن بديل عن أبيه وقال: لم يروه عن عبد الرحمن إلّا
أبو داود الطيالسي.
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/812/، 814) ،. والحديث الأول إسناده صحيح، والثاني
قال عنه في الزوائد: إسناده ضعيف. أبو عبد الله الدوسي ابن عم أبي هريرة مجهول الحال.
وبشر بن رافع، ضعفه. وضعفه أحمد. وقال ابن حبان: يروي أشياء موضوعه. والحديث
من غير رواية أني هريرة ثابت في الصحيحين وغيرهما.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، باب " 46 " رقم " 240 ") ، والبيهقي (2/
113) ، والمشكاة (791) ، والقرطبي (1/95، 175، 345، 360) ، والحلية (3/63) ،
والإرواء (2/20؛ 50) .(1/1390)
حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان عن أيوب عن قتادة وثنا حبارة بن
أبي المفلس، ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس: " كان رسول اللَّه- صلّى الله
عليه واله وسلّم- وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد للَّه رب
العالمين " (1) ، هذا حديث خرجه الأئمة الستة، وفي لفظ عند الشيخين:
" صليت خلف النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- وأبي بكر وعمر وعثمان
وعلي فلم أستمع أحدا منهم يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا
في آخرها ". ولفظ البخاري: " كانوا يفتتحون الصلاة " قال الإسماعيلي: إنما
هو القراءة، والقراءة تسمى صلاة، قال: يقال: (ولا تجهر بصلاتك) (2) .
ولفظ ابن حبان: " أنَّ النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- وأبا بكر وعمر لم
يكونوا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وكانوا يجهرون بالحمد لله رب
العالمين " (3) .
وعند النسائي من حديث مسعود بن زادان عن أنس: " فلم يسمعنا قراءة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وصلى، بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما، وفي
لفظ من حديث شعبة عن ثابت عن أنس فإن كان ابن عبد البر قال: لا
يصح بشعبة عن ثابت، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ أخطأ فيه
الأعمش، إنما هو شعبة عن قتادة عن أنس، كذا هو المعروف.
وقال أبو عيسى في كتاب العلل الكبير: هذا وهم، والأصح/شعبة عن
قتادة عن أنس، وفي لفظ: " فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم، فافتتحوا بالحمد للَّه رب العالمين ". وعند النسائي (4) من حديث مسعود
بن زادان عن أنس: " فلم يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى ثنا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/743) ، ومسلم في (الصلاة، ح/399) ، وأبو
داود (ح/872) ، والترمذي (ح/246) وصححه، والنسائي في (الافتتاح، باب قراءة بسم
الله للرحمن الرحيم (، وابن ماجة (ح/813) ، والدارمي (ح/1240) ، ومالك (ح/30) ،
والدارقطني (1/314- 315) ، واحمد (3/262) ، وابن خزيمة (498) .
(2) سورة الإِسراء آية: 0110
(3) رواه أحمد: (3/179، 275) .
(4) رواه النسائي في: الافتتاح، 21- باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (2/135) .(1/1391)
أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما ". وفي لفظ من حديث شعبة وشيبان عن
قتادة وهي عند ابن خزيمة وعن شعبة عن ثابت عن أنس، وإن كان ابن عبد
البر قال: لا يصح لشعبة عن ثابت، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ
فيه الأعمش إنَّما هو شعبة عن قتادة عن أنس كذا هو المعروف، وقال أبو
عيسى في كتاب العلل الكبير: هذا وهم، والأصح شعبة عن قتادة عن أنس،
وفي لفظ: " فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم " (1) .
وفي لفظ: " فافتتحوا بالحمد "، وعند البيهقي: " لا يقرؤون " يعني: لا
يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، قال: كذا قال، وقوله: كانوا يستفتحون
القراءة بالحمد أولى. فقد رواه أصحاب قتادة عنه بهذا منهم حميد الطويل،
وأيوب الدستوائي، وابن أبي عروبة، وأبان العطار، وحماد بن سلمة. قال
الدارقطني: وهو المحفوظ عن قتادة وغيره، عن أنس، وكذا قاله الخطيب في
كتاب الجهر بها، ووضح بأنّ ما عداه من ذكره التسمية غير ثابت. وعند
الطبراني: ثنا عبد اللَّه بن زهير الغزي، ثنا محمد بن أبي اليسرى، ثنا معتمر
عن أبيه عن الحسن وهو عند ابن خزيمة من حديث عمران القصير عن أنس:
" أنّ النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- كان يسر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم
وأبو بكر وعمر، رضى اللَّه عنهما " (2) .
وقال الحافظ ضياء الدين: رواه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن/قال
الراوي عنه: الثقة المأمون عن عبد الله بن وهب بإسناده مثله. وفي سنن أبي
قرة عن سفيان عن أبان بن أبي عياش عنه: " كان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
ومسلّم- وأبو بكر وعمر يستفتحون بالحمد " (3) . قلت لأنس: بسم الله
الرحمن الرحيم قال: خلفها. وفي كتاب الصلاة لأبي الحسين أحمد بن
محمد بن أحمد بن عمر الخفاف النيسابوري الحافظ بسند صحيح عن يعقوب
__________
(1) المصدر السابق.
(2) إتحاف (3/189) ، والمنثور (1/11) ، والحلية (6/179) ، والمجمع (2/108) ،
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، و" الأوسط "، ورجاله موثقون.
(3) انظر: الحديث الأول من الباب ص 1390.(1/1392)
ابن إبراهيم ثنا وكيع، ثنا شعبة عن قتادة بلفظ: " فلم يكونوا يفتتحون القراءة
ببسم اللَّه الرحمن الرحيم " (1) ، وفي لفظ: " يفتتحون القراءة في الصلاة
بالحمد للَّه "، وفي الأوسط للطبراني من حديث إبراهيم التيمي عن أنس:
" صليت خلف النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- حتى قضى وخلف أبي
بكر وعمر حتى قضيا فما سمعت أحدَا منهم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم
في الصلاة، وكانوا يفتتحون بالحمد " (2) ، وقال: لم يروه عن إبراهيم إلا
العوام بن حوشا. تفرد به عبد اللَّه بن حراش، وفي قول البيهقي وسعيد بن
أبي عروبة نظر؛ لما رواه ابن خزيمة من حديث ابن إدريس: سمعت ابن أبي
عروبة عن قتادة: " أن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- لم يجهر ببسم اللًه
الرحمن الرحيم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان " (3) .
وفي الأوسط من حديث مالك بن دينار عن أنس: " وكانوا يفتتحون
القراءة بالحمد، وكانوا يقرءون: مالك يوم الدين " (4) ، وقال: لم يروه عن
مالك إلا أبو إسحاق الخميسي حازم، ومن حديث عابد بن شريح عنه: " فلم
يجهروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم ". قال أبو عمرو: سئل عن ذلك فقال:
كبرت ونسيت. وعن الدارقطني بإسناد صححه عن أبي مسلمة سعيد بن/
يزيد قال: " سألت أنسَاس ن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يفتتح
القراءة في الصلاة ببسم الله وبالحمد للُّه فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني
عنه أحد " (5) . قال أبو عمر: الذي عندي: أنه من حفظه حجة على من سأله
في حال نسيانه- واللَّه الموفق- قال الخطيب: هذا حديث صحيح الإسناد،
ثبت الرجال، لا علة فيه، ولا مطعن عليه.
وقال ابن الطاهر المقدسي في كتابه تصحيح التعليل: هو إسناد صحيح
متصل، لكن هذه الزيادة في متنه منكرة موضوعة، وقد تتبع الدارقطني في
__________
(1) ، (2) الحديث الثانى، المصدر السابق للنسائي، والثالث أيضاَ.
(3) لها أكثر من موضع سابق.
(4) أنظر: الحديث الأول من الباب ص 1390.
(5) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/108) ، وعزاه إلى أحمد، ورجاله ثقات.(1/1393)
تصحيحه غير واحد؛ وذلك أنّ أبا سلمة رواه عن أنس: " أكان النبي- صلّى
الله عليه وآله وسلّم- يصلي في نعله؟ فقال: نعم " (1) ، لم يجاوز هذا اللفظ.
كذا رواه غير واحد من الأئمة، فبذلك أنّ رواية العباس عن غسان كرواية
الأئمة والعباس لا يجوز قبوله؛ لأن الراوي إنّما تصل عد أهل الفيض من الثقة
المجمع عليه، وفي البخاري: سئل أنس عن قراءة النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلّم- فقال: " كانت مدَا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بمد بسم وبمد
الرحمن وبمد الرحيم ".
وعند مسلم (2) عنه: " بينما رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ذات
يوم بين أظهرنا إذا أغفي إغفاءة ثم رفع رأسه متبسِّمَا فقلنا: ما أضحكك يا
رسول اللَّه قال: " نزلت علي سورة آنفَا فقرأ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم (إنا
أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر) " (3) ،
ومن حديث شريك عند الحاكم به، وقال: رواته عن آخرهم ثقات عن
أنس: " سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يجهر ببسم اللَّه
الرحمن الرحيم " (4)
ومن حديث محمد بن المتوكل بن أبي/السرى، وقال: رواته ثقات، قال:
صليت خلف المعتمر من الصلوات ما لا أحصيها الصبح والمغرب؛ فكان يجهر
ببسم اللَّه الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وعزا ذلك لأبيه، وأبوه
لأنس، وقال أنس: ثنا الودان المقتدى بصلاة النبي- صلّى الله عليه وسلم-
من حديث عبد اللَّه بن محمد بن إبراهيم الطائي ثنا إبراهيم التيمي، وهو
__________
(1) رواه أحمد (4 / 9) ، والمنثور (3 / 79) ، وابن سعد (1 / 2 / 7 / 167) ، والكنز
(17940) ، وأخلاق (137، 138) ، والمجمع (2 / 75) ، بلفظ: " كان يصلى في
تعليه ".
(2) صحيح. رواه البخاري في: فضائل القرآن، باب " 29 ".
(3) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح لم 53) . غريبه: قوله: " أغفي إغفاءة " أي نام
نومة.
(4) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/108- 109) . وعزاه إلى " الهيثمي "، ورجاله
موثقون. ورواه أبو داود وغيره خلا الجهر ما.(1/1394)
منكر الحديث عن المعتمر بنحو: " إن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان
يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم " (1) .
ومن حديث أبي جابر شعيب بن عمرو: ثنا محمد بن أبي السرى ثنا
إسماعيل بن أبي أويس ثنا مالك عن حميد عنه: " صليت خلف النبي-
صلى اللَّه عليه وآله وسلم- وخلف أبي بكر وخلف عمرو وخلف عثمان
وخلف علي، فكانوا لا يجهرون ببسم اللَّه الرحمن الرحيم " (2) .
قال الحاكم: إنما ذكرت هذا الحديث شاهدَا، وفي هذه الأخبار التي
ذكرتها معارضة لحديث قتادة الذي ترويه أئمتنا عنه. وقد بقى في الباب عن
أميري المؤمنين- علي وعثمان- وطلحة بن عبيد اللَّه، وحازم بن عبد الله،
وعبد الله ابن عمرو الحكم الثماني، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب،
وبريدة الأسلمي، وعائشة كلها عندي لكني تركتها إشارة للتخفيف،
واختصرت منها ما يليق بهذا الباب، وكذلك قد ذكرت في الباب من جهر
بالبسملة من الصحابة والتابعين وأتباعهم- رضى اللَّه عنهم-، وفي كتاب
الخطيب من حديث إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس: " سمعت النبي-
صلى اللَّه عليه وآله وسلم- يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم " (3) ،
وفي هذا ردّ لما قاله وإن كان المكي ضعيفَا فليس مطرحَا بالمهملة، قال
الخطيب:/ثبت أن أنسا لم يسمع من النبي، والتيمي لم يبقى على سماعه
ذلك فيه كما قاله المكي؛ بل المطلق، فيحتمل أن يكون قد سمعه أنس من
بعض الصحابة فرواه عنه رواية مرسلة، ومرسل الصحابة حجة.
حدثنا نصر بن علي الجهمي وبكر بن خلف وعقبة بن مكرم قالوا: حدثنا
__________
(1) المصدر السابق.
(2) الحديث الأول من الباب.
قلت: " وهذا الحديث " سقط منه " لها " وكذا أثبتناه.
(3) ضعيف. رواه الطبراني (1/3380) ، وإتحاف (3/186، 189) ، والمنثور (1/8، 11) ،
والدارقطني (1/302، 307، 309، 311) ، والكنز (22164) ، وابن المبارك في " الزهد "
(7) ، وأصفهان (م/44) ، والجمع (م/109) ، وعزاه إلى البزار، ورجاله موثقون.(1/1395)
صفوان بن عيسى ثنا بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة- أن
النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: " كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب
العالمين " (1) .
هذا حديث قال فيه أبو عمر في كتاب الإنصاف: بشر بن رافع عندهم
منكر الحديث قد اتفقوا على إنكار حديثه، وطرح ما رواه وترك الاحتجاج
به، ولا يختلف علماء أهل الحديث في ذلك، والذين يروون عن بشر: حاتم
بن إسماعيل وعبد الرزاق وصفوان بن عيسى، ولو صح حديثه احتمل من
التأويل أنه كان يفتتح لها دون غيرها من السور ولم يقل دون البسملة؛ لأن
البسملة في أوّل كل سورة مثله في المصحف، ورواه عبد الواحد بن زيد-
يعني: من عند مسلم- وهو منقطع، فإنّ مسلم قال في أوّله حديث عن يحيى
بن حسان ويونس بن محمد المؤذن وغيرهما، قالوا: ثنا عبد الواحد به.
ووصله البزار فقال: ثنا محمد بن مسكين الثمالي عن يحيى بن حسان ثنا
عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن النبي-
صلّى الله عليه وآله وسلّم-: " كان إذا نهض في الثانية استفتح القراءة
بالحمد، ولم يسكت " (2) ، قال عمر: وهذه رواية، يغني ظاهرها عن الكلام
فيها. انتهى كلامه. وفيه نظر في مواضع:
الأوّل: قوله: ولا يختلف علماء أهل الحديث/في ذلك أحد؛ لأنه مما قال
فيه أبو زكريا يحيى بن معين فيما رواه عباس: لا بأس به، وقال أبو أحمد ابن
عدي: لا بأس بأخباره ولم أجد له حديثًا منكرًا، وقال أبو بكر البزار: ليّن
الحديث، وقد احتمل حديثه وخرج له الحاكم في الشواهد، وقال: ليس
بالمتروك وإن لم يخرّجاه.
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/814) . في الزوائد: إسناده ضعيف. أبو عبد الله الدوسي
ابن عم أبي هريرة مجهول الحال. وبشر بن رافع، اختلف قول ابن معين فيه، فمرة وثقة،
ومرة ضعْفه. وضعفه أحمد. وقال ابن حبان: يروى أشياء موضوعة. والحديث- من رواية
غير أبي هريرة- ثابت في الصحيحين وغيرهما.
(2) شرح معاني الآثار (1/200) ، وأبو عوانة (2/99) .(1/1396)
الثانى: روى عنه غير من ذكر؛ وهو عبد الوهاب بن همام أخو عبد
الرزاق ويحيى بن أبي كثير، وهو من شيوخه.
الثالث: وحدثنا بهذا الحديث طريقًا على رسم الشيخين، قال الطبراني:
ثنا محمد بن العباس الأخرم ثنا أبو حفص عمرو بن علي ثنا أبو داود
الطيالسي ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن سمعت الأعرج يحدّث عن أبي
هريرة أنّ النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-: " كان إذا افتتح الصلاة قال:
الحمد لله رب العالمين ثم يسكت هنيهة " (1) . ثم قال: لم يروه عن شعبة إلا
أبو داود رواه أبو الحسن عن ابن صاعد، ثنا عمرو بن علي، ثنا أبو داود عن
شيبة عن محمد بن عبد الرحمن عن سعيد بن زرارة سمعت الأعرج به،
وقال: لم يرفعه غير أبي داود عن شعبة، ووقفه غيره من فعل أبي هريرة.
وحديث العلاء بن عبد الرحمن المذكور عن مسلم قال أبو عمر بن عبد
البر، وهو أصح حديث روي في سقوط البسملة منْ أوّل الفاتحة، رواه مالك
عن العلاء عن أبي السائب مولى هشام. سمعت أبا هريرة سمعت النبي-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يقول: قال الله تعالى: " قسمت الصلاة بيني
وبن عبدي نصفين؛ فإذا قال العبد: الحمد للَّه رب العالمين، قال الله: حمدني
عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي ... " (2) .
الحديث.
رواه ابن جريج عن العلاء كرواية/مالك سواء، رواه شعبة والثوري وابن
عيينة عن العلاء عن ابنه عن أبي هريرة، ولم يذكروا أبا السائب؛ فمن أهل
العلم بالحديث من جعل هذا اضطرابًا يوجب التوقف عن العمل بحديث
__________
(1) رواه النسائي في: الافتتاح، 15- باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة (2/129) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/38، 40) ، وأبو داود في (الصلاة، باب
" 13 ") ، والترمذي (ح/2954) ، وحسنه. والبيهقي (2/37، 38، 39، 375) ،
والحميد (973) ، وابن حبيب (1/46) ، والترغيب (2/367) ، وإتحاف (3/150/151،
184) ، والتمهيد (2/230) ، والمسير (4/413) ، وصفة (49، 211) ، وجرجان
(185) .(1/1397)
العلاء، ومنهم من قال: ليس هذا باضطراب؛ لأن العلاء روى هذا الحديث
عن أبيه، وعن أبي السائب جمعيا كذا رواه أبو أويس عنه، والقول عندي في
ذلك أن مثل هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن أباه وأبا السائب من الثقات؛ فعن
أيهما كان فهو من أخبار العدول التي يجب الحكم ما، وفي حديث منصور
ابن أبي مزاحم- وهو من أهل الصدق عندهم- ثنا أبو أويس عن العلاء عن
أبيه عن أبي هريرة أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-: " كان لا يجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم " (1) ، قال أبو عمر: بعض هذه الرواية رواية مالك،
وغيره أقوالها في نفسك يا فارس. ورواه الدارقطني من حديث يوسف بن
يعقوب ابن البهلول حدثني جدي، ثنا أبي، ثنا ابن سمعان عن عبد الله بن
سمعان عن زياد بن سمعان، وهو متروك الحديث، عن العلاء عن أبيه عن أبي
هريرة عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: قال اللَّه: لا قسمت
الصلاة بيني وبن عبدي نصفين؛ يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: بسم اللَّه
الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، فأقول
حمدني عبدي " (2) الحديث. ثم قال: رواه جماعة من الثقات عن العلاء؛
منهم: مالك وابن جريج، وروى ابن القاسم وابن عيينة وابن عجلان والحسن
بن الحراء وأبو أويس وغيرهم على اختلاف منهم في الإسناد، واتفاق منهم
على المتن، فلم يذكر أحد منهم في حديثه بسم الله الرحمن الرحيم، / واتفاقهم
على خلاف ما رواه ابن سمعان ضعيف لا يقدح بما بصروا- والله أعلم-
وقال الملاحي الغافقي الحافظ: تفرد آدم بن أبي إياس عن ابن سمعان بذكر
البسملة، وآدم من شرط الشيخين ومذهبهما أن الزيادة عندهما من الثقة
مقبولة. انتهي كلامه. قد أسلفناه من غير حديث آدم، والله تعالى أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن علية عن الحريري عن قيس
ابن عباية، قال: حدثني به عبد الله عن أبيه قال: قلت: ما رأيت رجلَا أشد
عليه في الإسلام، حدثنا منه فسمعني وأنا في الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن
__________
(1) الخطيب (3/165) ، والتمهيد (2/230) .
(2) الحاشية قبل السابقة.(1/1398)
الرحيم فقال: أي: من أباك، والحديث: " فإنى صليت مع رسول الله-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع
رجلَا منهم يقوله؛ فإذا قرأت فقل: " الحمد للَّه رب العالمين " (1) .
هذا حديث قال فيه الترمذي والطوسي: حسن بلفظ: " فلا تقلها إذا أنت
صليت ". فقال: زاد أبو عيسى: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة
منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين؛ يقول
الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وفي مسند أحمد: " فكانوا لا
يستفتحون القراءة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم " (2) ، وفي لفظ: " كان أبونا إذا
سمع أحدنا يقول بسم اللَّه الرحمن الرحيم قال: إني صليت خلف النبي-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحلَا منهم يقول: بسم
الله الرحمن الرحيم " (3) . وقال البيهقي: تفرد به أبو نعامة، واختلف عليه في
لفظه، وابن عبد اللَّه بن مغفل وأبو نعامة يحتج هما صاحبا الصحيح، وقد
قيل عن أبي عن أنس، وعاد فيه الشافعي/بحديث أنس عن معاوية- يعني:
الآتي بعد- وقال الخطيب: قد طعن بعض الفقهاء في مسنده، وقال قيس:
غير ثابت الرواية، قال: وقيس لا أعلم أحدَا بورعه في دينه ولا كثرة روايته،
ولكن ابن عبد الله مجهول، ولو صح حديثه لم يكن مؤثرَا في حديث أبي
هريرة؛ لصغره وكبر أبي هريرة، ولأنّ النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم-
كان يقول لأصحابه: " ليليني منكم أُولو الأحلام والنهى " (4) ، وقال ابن خزيمة
في كتاب البسملة: مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول. وقال
الثوري: هش جماعة الترمذي في تحسينه إلى التساهل، وقالوا: هو حديث
(1) الحديث الأول من الباب ص 1390.
(2) رواه أحمد: (3/179، 275) .
(3) الحديث الأوّل من الباب ص، 139.
(4) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، باب " 28 "، ح/122، 123) ، والمجمع (2/
49) ، والترمذي (228) ،. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. والحميدي (456) ،
وابن أبي شيبة (1/351) ، والطبراني (10/1/216/1708، 217) ، والحاكم (1/(1/1399)
ضعيف، وعلي تقدم الصحة فلا يلزم من عدم السماع عدم القراءة ما سواء،
وقال أبو عمر: وقد زعم قوم أن الحريري انفرد به، وليس هو عندي كذلك؛
لأنه قد رواه غيره عن قيس، والمفرد به قيس، وهو ثقة عند جميعهم، وأما ابن
عبد الله فلم يرد عنه إلا قيس في ما علمتم، ولم يروه عنه إلا واحدًا فهو
مجهول عندهم، والمجهول لا تقوم به حجة. ورواه معمر عن الحريري قال:
أخبرني من سمع ابن عبد اللَّه بن مغفل. ورواه إسماعيل بن مسعود عن
عثمان بن غياث عن أبي نعامة لم يذكر الحريري، فالحديث إنما يدور على ابن
عبد اللَّه، وقد تقدّم الخبر عنه، وفي لفظ لعثمان بن غياث: " كان إذا سمع
أحدا يقرأ (1) بسم اللَّه الرحمن الرحيم ". انتهى. وفيما تقدم من الكلام جميعه
نظر؛ لما يذكر بعد من أن الصواب قول من حسنه، وأنّ أبا نعامة لم ينفرد به،
وأنّ ابن عبد الله بن مغفل ليس مجهولا، وقال البيهقي: لم يحتجا به غير
مؤثر في عدالته؛ لأنهما لم يشترطا الإخراج عن كل ثقة ولا التزماه ولو
اشترطاه لم لما أطاقاه، وأما قول من زعم أن ابن مغفل صغير فغير صواب؛ لأنه
ممن بايع تحت الشجرة، ومن الكاتبين، ومن الفقهاء الذين أرسلهم عمر ليفقهوا
أهل البصرة، فعلى هذا يكون سنه من سنَّ أبي هريرة: [قد سمعت رسول
اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بالطولي الطوالي " (2) ، رواه البخاري، وزاد ابن حبان مالك يقرأ
في المغرب بقل هو اللَّه أحد، وإنا أعطيناك الكوثر، فقال زيد فحلف باللَّه لقد
رأيت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- الحديث، وسئل ابن أبي مليكة ما
طولى الطوليين؟ فقال: من قبل نفسه المائدة والأعراف وفي النسائي (3) من
حديث أبي الأسود أنه سمع عروة يُحدّث عن زيد أنّه قال لمروان: أبا عبد
الملك أتقرأ في المغرب بقل هو اللَّه أحد، وإنّا أعطيناك الكوثر؟ فقال: نعم،
قال محلوفه: " لقد رأيت النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- بقرأ فيها بأطول
الطوليين المص " (3) ، وفي البيهقي: ورواه محاضر بن المورع عن هشام عن أبيه
__________
(1) قوله: " يقرأ " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 99 ") ، ومسلم في (الصلاة،
ح/174) ، ومالك في (الصلاة، ح/23) .
(3) رواه النسائي في: الافتتاح، 67- باب القراءة المغرب بالمص (2/169) .(1/1400)
عن زيد عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- هذا المعنى، والصحيح الأول
يعني رواية البخاري، وفي العلل الكبير للترمذي: سألت محمدَا عن حديث
محمد بن عبد الرحمن الطناوي عن هشام عن أبيه عن أبي أيوب وزيد بن
ثابت قالا: " كان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يقرأ في الركعتين
الأولتين من المغرب الأعراف " (1) ، فقال: الصحيح: عن هشام عن أبيه عن
أبي أيوب أو زيد هشام بن عروة يشك في هذا الحديث. قال أبو عيسى:
وصحح هذا الحديث عن زيد بن ثابت رواه ابن أبي مليكة عن عروة عن
مروان عن زيد. انتهى. ورواه وكيع في مصنفه عن هشام / على الشك،
وذكر هو المعنى عند البخاري- واللَّه أعلم- وفي مسند السراج: ثنا أبو همام،
ثنا محاصر، ثنا هشام عن أبيه عن زيد بن ثابت عن أبي أيوب: " أن النبي-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- كان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف في الركعتين
كلت] هما في المكتوبة " (2) ، وفيه ردّ لما ذكره الحاكم، وهو حكمه على
حديث عروة عن زيد بالصحة على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسال، ولم
يخرجاه هذا اللفظ إنّما اتفقا على حديث مروان عن زيد، وحديث محاضر
هذا معسر ملخص، وقد اتفقا على الاحتجاج به، وفي سنن البيهقي: قلت
لابن أبي مليكة: ما طولى الطوليين؟ قال: الأنعام والأعراف، وفي الأطراف
لابن عساكر: قيل: ما هما؟ قال: الأعراف ويونس، وفي كتاب أبي عبد
الرحمن النسائي عن عمرو بن عثمان: ثنا بقية وأبو حيوة عن ابن أبي حمزة،
ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: " أن رسول اللُّه- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلّم- قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين " (3) ، وهو
سند ظاهر الصحة، ولا ما ذكره ابن أبي حاتم سمعت أبي، وثنا عن هشام
بن عمار عن الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة به فقال: هذا خطأ؛
إنّما هو عن أبيه عن النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- مرسل، ولقائل أن
__________
(1) الحاشية السابقة ص. 140.
(2) المصدر السابق للنسائي: (ح/2) ، من الباب.
(3) أصفهان: (1/143) ،.(1/1401)
يقول: شعيب بن أبي حمزة والدراوردي ثقتان تواردا على رفعه، والزيادة من
الثقة مقبولة، فالحديث على هذا صحيح- والله أعلم- وحديث عبد الله بن
عتبة بن مسعود: " أن رسول اللَّه- صلّى اللَه عليه وآله وسلم- قرأ في
المغرب بالدخان " (1) ، رواه أيضا بسند صحيح عن محمد بن عبد الله بن يزيد
ثنا أبى ثنا حيوة ورجل أخر قالا: ثنا جعفر بن ربيعة أن/عبد الرحمن بن
هرمز حدّثه أنَّ معاوية بن عبد اللَّه حدثه عنه، وحديث أبي عبد الله
الصالحي: " أنه صلى وراء أبي بكر المغرب فقرأ في الركعتين الأولتين بأم القرآن
وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة، فدنوت منه حتى أن يتأتى
مكان تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن، وهذه الآية: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد
إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) " (2) ، رواه مالك
في موطإه عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عبادة بن نسي عن
قيس بن الحرث عنه، وحديث جابر بن سمرة- رضى الله عنه- قال:
" كان- عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: قل يا أيها
الكافرون، وقل هو اللَّه أحد " (3) . ذكره الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن
مردويه في كتاب أولاد المحدثين تأليفه بسند حسن من حديث أبي قلابة
الرقاشي عن أبيه أنبأ سعيد بن سماك عن أبيه عنهما، ولما ذكره ابن حبان
سعيدًا في الثقات قال: روى عن أبيه أنّه قال: لا أعلمه إلا عن جابر بن
سمرة: " كان النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يقرأ في صلاة العشاء
الأخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين " (4) ، ثنا به جماعة من شيوخنا عن
أبي قلابة ثنا أبي سعيد بن سماك، والمحفوظ: عن سماك أنّ النبي- صلّى اللَّه
عليه وآله وسلم- فذكره، وفيه نظر؛ لما ذكره بعد في صحيحه: أنبأ يعقوب
__________
(1) رواه النسائي في: الافتتاح، باب " 66 " القراءة المغرب بحم الدخان (2/169) .
(2) رواه مالك في: الصلاة، (ح/25) .
(3) تقدم في ص 1400
(4) ضعيف جدا. رواه ابن حبان (552) ، والبيهقي (2/391) ، الشطر الأول هنه من طريق سعيد بن
سماك بن حرب. وإتحاف (6/215) ، وشرح السنة (3/81) ، والمنثور (6/215) ، وضعفه الشيخ
الألباني.(1/1402)
بن يوسف بن عاصم ثنا أبو قلابة ثنا أبي سعيد بن سماك حدثنى أبي قال: لا
أعلمه إلّا عن جابر بن سمرة قال: " كان النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم-
يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بقل يا أيها الكافرون، وقل هو اللَّه أحد،/
ويقرأ في العشاء الآخرة ليلة الجمعة بالمنافقين " (1) . وقد وقع لنا هذا الحديث
عاليا: أنبأ به أبو علي الحسن بن عمر بن خليل قراءة علينا من لفظه أنبأ أبو
الميحاء عبد الله بن عمر بن اللثق قراءة عليه وأنبأ أبو المعاني النحاس، أنبأ أبو
عبد اللَّه بن السراج أنبأ أبو علي بن شاذان، أنبأ أبو عمرو الدّقاق أنبأ أبو قلابة
يذكره مطولًا بذكر الصلاتين، وذكر الإمام أبو عبد الله مالك بن يحيى بن
أحمد الإشبيلي في كتابه اختصار التمهيد لأبي عمر: روى عن النبي- صلّى
اللَّه عليه وآله وسلّم-: " أنه قرأ في المغرب بالصافات وبالمعوذتين " (2) ،
وحديث معاوية بن عبد اللَّه: " أن رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلم-
قرأ في المغرب حم التي فيها الدخان " (3) . ذكره المديني في كتاب المستفاد في
الصحابة من حديث جعفر ابن ربيعة عن الأعرج عنه، وهو سند صحيح،
وحديث أبي هريرة، وقد تقدَّم ذكره في باب ما يقرأ في الظهر والعصر،
وخرّج أبو داود في سننه في هذا الباب حديث أبي إسحاق عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جدّه أنه قال: " ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا
وقد سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- يؤم الناس بها في
الصلاة مكتوبة " (4) . قال صاحب تقريب المدارك: هذا حديث سنده صحيح
عند البخاري وغيره، وحديث هشام ابن عروة أن ابن أبان كان يقرأ في صلاة
المغرب بنحو مما يقرءون العاديات ونحوها من السور (5) واتبعه في أثره، قال
أبو داود: هذا يدّل على أنّ ذاك منسوخ وحديث قرة عن الغزال عن عمار
عن أبي عثمان أنه. " صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ قل هو اللَّه
__________
(1) المصدر السابق.
(2) رواه النسائي في: الافتتاح، 64- باب القراءة في المغرب بالمرسلات (2/168) .
(3) المصدر السابق، 66- باب القراءة في المغرب بحم الدخان (6/169) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/814) .
(5) قوله: " السور " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1403)
أحد " (1) ورواهما أبو داود، وحديث بريدة: " كان النبي- صلّى الله عليه
وآله وسلم- يقرأ في المغرب / والعشاء: والليل إذا يغشى والضحى، وكان يقرأ
في الظهر والعصر بسبح اسم ربك الأعلى، وهل آتاك حديث الغاشية " (2) .
رواه البزار بسند صحيح عن ابن عبد اللَّه بن بشر بن آدم ثنا زيد بن حباب،
أنبأ الحسين بن واقد عن عبد اللَّه بن بريدة عنه، وعند الترمذي بهذا السند:
" كان- عليه الصلاة والسلام- يقرأ في العشاء الأخرة بالشمس وضحاها
ونحوها من السور "، وقال: حديث بريدة حديث حسن، وحديث البراء بن
عازب قال: " صليت مع النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- المغرب، فقرأ
بالتين والزيتون ". رواه السراج في مسنده بسند صحيح عن قتيبة، ثنا الليث
عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت عنه، كذا في نسختي وهي أم كتبها
ابن النجار المؤرّخ، وضبطها وقرأها، وهي أصل جماعة من الحفاظ وعلى
المغرب بصحيح؛ لاًن المحفوظ عن البراء هذه القراءة كانت في العشاء،
وسيأتي ذكره- إن شاء الله تعالى- وحديث جابر: " أنّه كان رجل من
الأنصار يعمل على ناضحين له، فجاء مبادرًا إلى صلاة المغرب فصلى مع
معاذ، فقرأ سورة البقرة فصلى الرجل في ناحية المسجد ثم انصرف، فقال-
عليه الصلاة والسلام-: " أفتَّان يا معاذ ... ثلاث مرات هلا قرأت: والشمس
وضحاها، وسبح اسم ربك، ونحوهما " (3) . ذكره السكسكي في مسنده
بسند صحيح، فقال: ذكر سفيان عن محارب بن دثار عنه، كذا قال
المعرف، وسيأتي ذكره، ويؤيّده ما ذكره النسائي في الكبير: " ويرَخم القراءة
في المغرب بسبح اسم ربك الأعلى ". أنبأ محمد بن بشار، ثنا عبد الرحمن،
ثنا سفيان عن محارب فذكر مثله، ويوضحه ما في صحيح البستي ذكر الخبر
__________
(1) المصدر السابق: (ح/815) . قلت: وهذا حديث حسن.
(2) إسناده صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/116) ، وعزاه إلى " البزار "،
ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في " الأوسط ".
(3) صحيح. رواه النسائي (2/168) ، والبيهقي (3/85، 112، 117) ، وابن خزيمة (1611،
1634) ، وشفع (384) ، وابن كثير (3/395، 8/63، 412) ، وتلخيص (2/39) ، والفتح (8/
699) ، وشرح السنة (2/39) ، وإتحاف، 338) ، وأصفهان (2/7) .(1/1404)
الدال على أن المغرب ليس لها/وقت واحد. أنبأ ابن الجنيد، ثنا قتيبة، ثنا
حماد بن زيد عن عمرو عن جابر: " أن معاذَا كان يصلى مع النبي- صلى
الله عليه وآله وسلم- المغرب ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم ". ولما ذكره أبو
القاسم في الأوسط قال: لم يروه عن محمد بن قيس- يعني: عن محارب-
إلّا وهيب بن إسماعيل الأسدي، وفي موضع آخر: " فلما أقيمت صلاة
المغرب أتى المسجد فوجد معاذَا افتتح سورة البقرة ". وقال: لم يروه عن
الشيباني عن محارب الأخلد بن عبد الله، وقال الطحاوي: ذهب قوم إلى
الأخذ بحديث أم الفضل وجبير، وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا ينبغي
أن يقرأ في المغرب إلا بقصار المفصل، دليلهم ما رواه أبو الزبير عن جابر:
" أنهم كانوا يصلون المغرب ثم يرجعون " (1) ، وروى حماد عن ثابت عن
أنس: " كنا نصلي المغرب مع النبي- صلّى الله عليه وآله وسلم- ثم يرمي
أحدنا فيرى مواقع نبله " (2) ، وقد أنكر على معاذ تطويل العشاء مع سبقه وقتها
فالمغرب أحرى بذلك، وهو قول مالك والكوفيين والشافعي وجمهور العلماء،
قوله: والمرسلات عرفا، وقال: النواهي الملائكة ترسل العرف، وفي تفسير ابن
عباس: يعني: الرسل من الملائكة ومن الأنس؛ أرسلوا بكل معروف وخير
وبركة، وفي تفسير عبد بن حميد الليثي عن عبد الله بن مسعود وقتادة قالا:
هي الريح، وأما الطور؛ فعن ابن حبان أن رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- خوف أهل مكة العذاب فلم يؤمنوا ولم يصدقوا، فأنزل الله تعالى
يقسم بستة أشياء أن العذاب ذلك بهم. والطور: الجبل الذي كلم عليه
موسى- علمِه السلام- لغة سريانية، وكذا ذكره لم يبين أي طور المقسم به
لكونهم سبعة جبال يقال: لكلّ واحد منها الطور الأول: وطور زيتَا جبل/
بقرب رأس عين، الثاني: طور زيتا جبل بالقدس، وبه مات سبعون ألف نبي
قتيبة الجوع، الثالث: علم بحبل مطل على ضبري، الرابع: جبل بنى مصر
وفاران، الخامس: طور سيناء، هذا هو المقسم به- والله أعلم- جبل بأيلهَ
__________
(1) الفتح: (1/311) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/416) ، وأحمد في " المسند " (3/331) .(1/1405)
وقيل: الشام، السادس: طور عبدين متصل بالجودي، السابع: طور هارون-
عليه السلام- جبل في صلى البيت المقدس، والله أعلم.(1/1406)
141- باب القراءة في صلاة العشاء
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان ابن عيينة ح، وثنا عبد اللَّه بن عامر
بن زرارة، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة جميعًا عن يحيى بن سعيد عن
عدي بن ثابت عن البراء بن عازب: " أنه- صلى اللَّه عليه وآله وسلم-
صلى العشاء الآخرة. قال: فسمعه يقرأ بالتين والزيتون " (1) ، وفي لفظ: " فما
سمعت إنسانًا أحسن صوتًا وقراءة منه " (2) . هذا حديث خرجاه في
صحيحيهما، وعند البخاري: " أن النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- في
سفر ... "، وقد تقدم ذكره قيل: وفي سن النسائي (3) " فقرأ في الركعة الأولى
بالتين والزيتون ".
حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر: اًن
معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فطول عليهم، فقال النبي- صلى اللَّه
عليه وآله وسلم-: " اقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل
إذا يغشى، واقرأ باسم ربك " (4) . هذا حديث خرجاه بلفظ: " كان معاذ
يصلى مع النبي- صلى الله عليه وآلهَ وسلّم- يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- العشاء ثم أتى قومه فأمّهم/فافتتح بسورة
البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له: أنافقت يا
فلان؟! قال: لا والله، ولآتين رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-
فلأخبره فأتى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا رسول الله إنَّا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/834) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/194) ، ومسلم في (الصلاة، باب " 36 "،
ح/175) ، وأحمد (2/ 302) .
(3) رواه النسائي في: الافتتاح، باب " 71 ".
وصححه الشيخ الألباني.
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/836) ، والفتح (2/195) ، والمنثور (6/338) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/1407)
أصحاب تواضع نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتانا فافتتح
البقرة، فأقبل رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلّم- على معاذ فقال: " يا
معاذ أفتان أنت؟! اقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم
ربك، والليل إذا يغشى " (1) ، وفي صحيح ابن حبان: " اقرأ بالسماء والطارق،
والسماء ذات البروج "، وفي كتاب النسائي (2) : " وإذا السماء انفطرت "، وفي
سن البيهقي لم يقل أحد فسلم إلّا ابن عباد المكي عن سفيان، وفي كتاب
أبي قرّة: " والضحى وهذا النحو "، وفي كتاب أبي القاسم الأوسط: " وسبح
اسم ربك الأعلى "، وفي كتاب السراج: " والفجر "، وفي كتاب مسند أبي
وهب: " خفَّف على الناس ولا تشن عليهم " (3) ، وفي كتاب أبي داود بسند
حسن عن حزم بن أبي بن كعب أنه أتى معاذًا وهو يصلى بقوم صلاة المغرب
في هذا الخبر قال: فقال عليه السلام: " يا معاذ لا تكن فتانًا، فإنه يصلى
وراءك الضعيف والكبير وذو الحاجة والمسافر " (4) . رواه عن موسى بن إسماعيل
ثنا طالب بن حبيب قال: سمعت عبد الرحمن بن جابر بحديث عنه، وفي
كتاب المستفاد بالنظر والكتابة من حديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر:
" أن معاذ صلى بالأنصار المغرب، وأن حازمًا الأنصاري لم يصبر لذلك فغضب
عليه معاذ ... " الحديث، وفي مسند أحمد: ثنا عفان، ثنا وهيب عن عمرو بن
يحيى عن معاذ بن رفاعة أنّ رجلًا من بنى سلمة يقال له: سليم، أتى النبي-
صلّى اللَّه/عليه وآله وسلّم- فقال: يا رسول الله إن معاذًا يأتينا بعد ما ينام،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/180، 8/33) ، ومسلم (339) ، وأبو داود
في (استفتاح الصلاة، باب " 12 ") ، والنسائي (2/103) ، وأحمد (3/308) ، وابن
خزيمة (521) ، وإتحاف (3/201) ، والمشكاة (833) ، والكنز (20428) ، والإرواء
(1/328) .
(2) رواية النسائي في الحاشية السابقة.
(3) بنحوه. رواه أحمد (4/128) ، والبيهقي (3/116) ، والطبراني (9/37، 39) ،
وابن سعد (5/273) ، والمنثور (6/370) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/791) ، والبيهقي (3/117) ، ونصب الراية (2/30،
53) ، وإتحاف (3/201) ، والكنز (2 " 427، 22929) ، والبخاري في " التاريخ الكبير "
(3/110) ، ومعاني (1/409) .(1/1408)
ويكون في أعمالنا بالنهار فينادى بالصلاة، فنخرج إليه فيطول علينا في
الصلاة. فقال- عليه السلام-: " يا معاذ إمَّا أن تخفّف بقومك، وإمَّا أن
تجعل صلاتك معى " (1) . وقال ابن حزم: هذا منقطع؛ لأنّ هذا الثانى فْتل يوم
أحد، وكذا ذكره البزار.
وفي الأحكام لأبي الطوسي: ثنا المؤمل بن هشام، ثنا ابن علية عن عبد
العزيز بن صهيب عن أنس: " أنّ معاذا كان يؤم فدخل حرام المسجد ليصلي
مع القوم، فلما رآه تجوّز في صلاته، ولحق بنخله ليسقيه ... " (2) الحديث،
وقال: يقال: هذا حديث حسن. وفي مسند أحمد بسند صحيح عن بريدة:
أن معاذا صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها: اقتربت الساعة، فقام رجل من قبل
أن يفرغ فصلى، وذهب فقال له معاذ قولا ثديدا، فأتى النبي- صلّى الله عليه
وآله وسلّم- فقال لمعاذ: " صل بالشَّمس وضحاها ونحوها من السور " (3) .
وفي مسند الشافعي: " فقرأ سورة النساء والبقرة "، كذا رأيته بخط شيخنا أبي
محمد المسحي- رحمه اللَّه تعالى-، وفي سنن أبي الحسن بسند صحيح ما
تبين أن الصلاة التي صلاها مع النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- كانت
فرضا لا نافلة، خلا حديث معاذ بن رفاعة ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا إبراهيم
مرزوق ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أخبرني جابر بن عبد
اللَّه أن معاذًا كان يصلي مع النبي- صلّى اللَّه. عليه وآله وسلّم- العشاء ثم
ينصرف إلى قومه فيصلى بهم، فهي له ولهم فريضة. ثنا أبو بكر، ثنا عبد
الرحمن بن بشر وأبو الأزهر ثنا عبد الرزاق/أنبأ ابن جريج أخبرني عمرو بن
دينار أخبرني جابر مثله، وفي مسند الشافعي أنبأ عبد المجيد عن ابن جريج قال
الربيع: قيل: هو عن ابن جريج، ولم يكن عندي ابن جريج عن عمرو عن
__________
(1) حسن. رواه ابن داود (ح/790) ، وعلته: الضعف من طريق المصنف الذي أورده بالمتن،
وأعفه بالانقطاع.
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/118) ، وعزا هـ إلى " أحمد "، ورجاله رجال
الصحيح.
(3) المنثور (6/132) ، وإتحاف (3/201) ، والكنز (19172) ، وأحمد (5/355) ،
والمجمع (2/118) ، وعزاه إليه، ورجال أحمد رجال الصحيح.(1/1409)
جابر به، وقال البيهقي: وكذلك رواه حرملة عن الشافعي بغير شك، قال
الشافعي: وهو حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى من طريق واحدة أثبت من
هذا ولا أوثق رجالًا، قال البيهقي: وكذلك رواه أبو عاصم وعبد الرزاق عن
ابن جريج هذه الزيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، وقد رويت هذه الزيادة من
وجه آخر عن جابر. قال الشافعي: أنبأ إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان عن
عبيد الله ابن مقيم عن جابر به، ولفظه: " فيصلى لهم العشاء وهي له نافلة ".
قال البيهقي: ولأصل إلا ما كان موصول الحديث يكون منه، وخاصة إذا
روى من وجهين إلَّا أن يقوم دلالة على التمييز، والظاهر أنَّ هذه الزيادة من
قول جابر، وكان الصحابة أخشى للَّه من أن يقولوا مثل هذا، ولا يعلم من
زعم أنّ ذلك كان مع النبي- عليه السلام- يبطن النخل حين كان يفعل
الفرض مرتين في اليوم ثم نسخ فقرأ ووعى ما لا يعرف. وحديث عمرو بن
شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر مرفوعًا: " لا تصلوا صلاة في
يوم مرتين " (1) ، لا يثبت ثبوت حديث معاذ للاختلاف في الاحتجاج برواية
عمرو وانفراده به، والاتفاق على الاحتجاج بروايات رواها معاذ، ثم ليس به
دلالة على كونه شرعًا ثابتًا ثم نسخ، فقد كان- عليه السلام- يرغبهم في
إعادة الصلاة بالجماعة، ويحتمل أن يكون قال ذلك في حين لم يسن إعادة
الصلاة بالجماعة لإدراك فضيلتها، وقد وقع/الإجماع على بعض الصلوات أنها
تعاد. قال أبو جعفر: قد روى ابن عيينة عن عمرو حديث جابر هذا ولم
يذكر هذه الزيادة، قال: ويجوز أن يكون ذلك من كلام ابن جريج، أو من
قول عمرو، ومن قول جابر ثنا على الظن والاجتهاد لا يجزم. انتهي كلامه.
وفيه نظر؛ لما ذكره الشيخ موفّق الدّين من أنّ الإمام أحمد بن حنبل سئل عن
هذه الزيادة، فقال: أخشى أن لا تكون محفوظة؛ لأن ابن عيينة يزيد فيها
كلامًا لا يقوله أحد، وقد روى هذا الحديث منصور وشعبة ولم يقولا ما قال
ابن عيينة، قال الموفق: يعني زيادة هي له تطوع ولهم فريضة، وفال ابن
__________
(1) حسن. رواه أبوه داود (ح/579) ، وأحمد (2/19، 41) ، والبيهقي (2/ 303)
ونصب الراية (2/55، 148) ، والدارقطني (1/415، 416) ، وابن ماجة (1641)
وشرح السنة (3/431) ، والحلية (8/385، 9/231) .(1/1410)
الجوزي: هذا لا يصح ولو صح ظنًّا من جابر، وفي المعارضة: ليس في
الحديث كيفية صلاة معاذ، وقول جابر: " هي له تطوع " إخبار عن أمر غائب،
ومن أين الجائز مما كان ثبوته معاذ، ومقاتل أن يقول هذه الزيادة ولم ينفرد بها
ابن عيينة، ولو تفرد يعد تفردًا صحيحًا؛ لأنه لم يقبل تفرده ولو صححه؛ بل
يؤكد ما خرجه الشيخان عن جابر: " أن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-
صلى بأصحابه بطائفة منهم ركعتين ثم تأخر وصلى بالأخرى ركعتين " (1) ،
قال البيهقي: وفي حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عنه: " أن
النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- صلى بأصحابه بطائفة منهم ركعتين ثم
سلَّم، ثم صلى بالأخرى ركعتين ثم سلم ". قال: وكذلك رواه يونس بن عبيد
عن الحسن عن جابر. وثبت معناه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
جابر، ومن حديث الحسن عن أبي بكرة عند أبي داود: " أن النبي- صلّى الله
عليه وآله وسلّم- صلى هؤلاء ركعتين وبهؤلاء ركعتين / فكانت للنبي- صلّى
اللَّه عليه وآله وسلم- أربعَا، لكل ركعتان ركعتان ". قال الشافعي: ولا خبرة
من هاتين للنبي- عليه السلام- نافلة وللآخرين فريضة، وأنبأ مسلم عن ابن
جريج: أنَّ عطاء كان يفونه العتمة فيأتي الناس في القيام فيصلى معهم ركعتين
ثم بنى عليها ركعتين، وأنه رآه فعل ذلك ويعتد به العتمة، قال الشافعي:
وكان وهب بن منبه، والحسن، وأبو رجاء- يعني: يفعلون ذلك-، ويروى
عن عمر بن الخطاب وعن رجل أو اثنين من الأنصار مثل هذا المعنى، ويروى
عن أبي الدرداء، وابن عباس قريب منه وطاوس، والزنجي، وابن مهدي، ويحيى
بن سعيد، واحتج بقوله- عليه السلام-: " من يتصدق على هذا فيصلى
معه؟! " (2) . وهو حديث صحيح. قال في المعرفة: وروى عن ابن عائذ عن
نفر من الصحابة أنهم فعلوا ذلك. زاد بن بطال وابن المدر وسليمان بن حرب
وأبو ثور وداود، ورواية عن أحمد، وصنع من ذلك أبو حنيفة ومالك، ورواية
أبي الحرث عن أحمد.
__________
(1) رواه أحمد: (5/346)
(2، الكنز (3427) ، الإرواء (2/316)(1/1411)
قال ابق قدامة: أجاز هذه الرواية أكثر أصحابنا وهو قول الحسن، وابق
المسيب، والنخعي، وأبي قلابة، وربيعة، وابن شهاب، ويحيى بن سعيد
الأنصاري، ومجاهد مستدلين بقوله- عليه الصلاة والسلام-: " فلا يختلفوا
عليه "، ولا اختلاف أعظم من اختلاف الثبات، وبقوله- عليه السلام-:
" الإمام ضامن " (1) ، يعنى: يضمنها صحة وفسادا أو الفرض ليس مضمونَا في
النفل، وبقوله: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " (2) ، مفهومه: أنه
لا يصلي نافلة غير الصلاة التي تقام؛ لأن المجزوم وقوع الخلاف على الأئمة،
وهو منتفي مع الاتفاق من الجمهور/على جواز صلاة المتنفل مع الفرض، ولو
تناوله النهي لما جاز مطلقَا؛ فعلم أن المراد: الانفراد عن الإمام بما يشوش عليه،
قال ابن العربي: وقوله: لا يظن معاذ تفويت صلاة الفرض خلفه- عليه
السلام- قلنا: سائر أئمة مساجد المدينة أليس كانت الفضيلة تفوتهم معه عليه
السلام أو امتثال أمره- عليه السلام- في إمامة قومه زيادة طاعة، أو يحتمل
أن يكون معاذَا يصلي مع النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- صلاة النهار،
ومع قومه صلاة الليل إذ يحتمل على أنفَا حكاية حال لم تعلم كيفيتها فلا
يعمل بها. وزعم المهلب أنّ ذلك يحتمل أن يكون في أوّل الإسلام وقت
عدم القراءة، ووقت لا عوض لهم عن معاذ فكانوا حاضرون فلا تجعل أصلا
يقاس عليه. انتهى. يؤيّد قوله: ما أسلفناه في حديث ابن رفاعة، وأنّ ذلك
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/517) ، الترمذي (ح/207) ، وابن ماجة (ح/981) ،
وأحمد (2/232، 284، 382، 419، 424، 461، 5/260، 6/65) ، وشهاب
(234) ، وعبد الرزاق (1838) ، وابن خزيمة (1528) ، والطبراني (8/343) ، وشرح
السنة (2/279) ، والمشكاة (663) ، والخطيب (3/242، 4/مه 3، 6/167، 9/
413، 11/306) ، وابن حبان (362، 363) ، مشكل (3/52، 53، 56) ، والحلية
(11818) ، والترغيب (1/176) ، صححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه أبو داود: (ح/517) ، والترمذي: 2/207) وابن ماجة: (ح/981) ،
وأحمد في: " المسند " (2/232، 284، 382، 419) ، وشهاب: (234) ، وعبد الرزاق:
(1838) ، وابن خزيمة: (1528) ، والطبراني: (8/343) ، وشرح السنة: (2/279) ،
والمشكاة (663) ، والخطيب: (3/242) ، وابن حبان: (362) ، وصححه الشيخ الألباني.(1/1412)
كان قبل أحد، ثم إن اختلاف أسماء المصلين، وما يصلى به، والصلاة، فيه
دلالة على تعدّد ذلك، والله أعلم.
***(1/1413)
142- باب القراءة خلف الإمام
حدثنا هشام بن عمار وسهل بن أبي سهل وإسحاق بن إسماعيل قالوا: ثنا
سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن
رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب " (1) . هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم. زاد أبو داود وأبو
عبد الرحمن فصاعدً ا، قال ابن عيينة: لمن يصلى وحدها قال البخاري في
كتاب القراءة خلف الإمام: وقال معمر عن الزهري فصاعدًا، وعامة الثقات لم
يتابع معمرًا من قوله فصاعدًا أنله قد/أثبت الفاتحة، وقوله: فصاعدًا، غير
معروف ما أراد به حرفًا أو أكثر من ذلك، إلَا أن يكون كقوله: تقطع اليد في
ربع دينار فصاعدًا فتفد بقطع اليد في دينار وأكثر من دينار، ويقال أنّ عبد
الرحمن بن إسحاق تابع معمرًا وأنّ عبد الرحمن رّبما روى عن الزهري ثم
أدخل بينه وبن الزهري غيره، ولا يعلم أنّ هذا من صحيح حديثه أم لا.
وثنا عبد الله، ثنا الليث حدثنى يزيد عن ابن شهاب حدثنى محمود عن
قتادة قال- عليه الصلاة والسلام:- " لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " (2) .
وسألته عن رجل ينسى القراءة في الصلاة فقال: أرى أن يعود لصلاته وإن
ذكر ذلك في الركعة الثانية، ولا أرى أن لا يعود لصلاته. انتهي كلامه. وفيه
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/192) ، ومسلم في (الصلاة، باب " 11 "،
رقم " 34 ") ، وأبو داود (ح/822) ، والترمذي (ح/247، 311) ، والنسائي (2/137،
واحمد (5/314) ، والبيهقي (2/38، 61، 164، 375) ، وابن أبي شيبة، (1/
360) ، والدارقطني (1/321، 322) ، وأبو عوانة (2/124) ، والمشكاة (822) ، وشرح
السنة (3/83) ، ونصب الراية (1/365) ، والإرواء (2/10، 11) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/192) ، ومسلم في (الصلاة، باب " 11 "
رقم " 34، 36 " (، وأبو داود في) الاستفتاح، باب " 21 ") ، والنسائي في (الاستفتاح،
باب " 23 ") ، والترمذي (ح/247، 311) ، وصححه. وأحمد (1/322) ، والبيهقي
(2/374) ، والدارقطني (1/322) ، وعبد الرزاق (2623) ، ونصب الراية (1/338) ،
وأبو عوانة (2/124) .(1/1414)
نظر؛ لما ذكره الدارقطني أنّه حدّث ابن عيينة عن الزهري: لا تجزئ صلاة لا
يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب. ثنا ابن صاعد، ثنا الربيع، ثنا ابن وهب،
أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثنى محمود عن عبادة عن النبي- صلّى الله
عليه وآله وسلّم- قال ... وهذا صحيح أيضًا، وكذلك رواه صالح بن كيسان
ومعمر والأوزاعي وعبد الرحمن بن إسحاق وغيرهم عن الزهري، فظاهره
يقتضى أنّ معمرًا وابن إسحاق ومن ذكر رووه كرواية ابن عيينة بغير تلك
الزيادة، وإن كانوا ذكروها فهو نقص لما قاله البخاري من التفرد- والله أعلم-
وفي صحيح الإسماعيلي: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة
الكتاب ". وخرجه الدارقطني أيضًا وفال: هذا إسناد صحيح، وفي لفظ لأبي
داود: " صلى بنا النبي- صلّى الله عليه وآله وسلّم- بعض الصلوات التي
يجهر فيها بالقراءة، فالتبست عليه القراءة فلما انصرف أقبل علينا/بوجهه
وقال: " هل تقرؤون إذا جهرت؟ "، فقال بعضنا: إنا نصنع ذلك، قال: " فلا
وأنا أقول: ما لي ينازعني القرآن، فلا تقرؤوا الشيء من القرآن إذا جهرت إلّا
أم القرآن " (1) ، وعند الترمذي محسنا: الا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا
صلاة لمن لم يقرأها " (2) . وفال أبو طَالب: قلت لأبي عبد اللَّه: ما تقول في
القراءة خلف الإمام؟ قال: لا تقرأ والإمام يقرأ، قلت: أليس قال- عليه
السلام-: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " (3) ، قال: ذاك للإمام،
قلت: فمحمود بن الربيع صلى إلى جنب عبادة فجعل يقرأ والإمام يقرأ فقال:
أبا الوليد تقرأ والإمام يقرأ؟! قال: نعم، سمعت النبي- صلّى الله عليه وآله
وسلّم- يقول: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (4) . قال: ذاك يقوله محمد بن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/824) .
(2) حسن. رواه أحمد (5/308، 322، 366) ، والحاكم (1/238) ، وابن أبي شيبة
(1/374) ، والدارقطني (1/318، 319) ، والمجمع (2/110، 111) ، وعزاه إلى
أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وشرح السنة (3/82) ، وابن حبيب (1/47) ، والكنز
(3) الحاشية رقم " 1 " (ص 1414) .
(4) الحاشية السابقة.(1/1415)
إسحاق، وأما غيره فيقول: لا صلاة لمن لم يقرأ، وقد قال الزهري ذلك
للإمام، وقد قاله بعضهم عن أبي هريرة ولكنه خطأ. قلت: فإنهم قالوا: لا
صلاة لمن لم يقرأ، قال: فغضب، ثم قال: ما قال هذا أحد من أهل الإسلام،
هذا النبي- عليه السلام- وأصحابه والتابعون، وهذا الملك في أهل الحجاز،
وهذا الثوري في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا الليث في
أهل ما قالوا: الرجل صلى خلف الإمام قرأ إمامه ولم يقرأ هو صلاته باطلة،
قلت: يا أبا عبد اللَّه يقولون: الشّافعي، قال: فقال: ما تستحي يا أبا طالب،
ثم قال: فنبي الله أليس هو يعلمنا، أو ليس حديث أبي موسى فبيّن لنا سُنّتنا،
وعلمنا صلاتنا يدل على هذا في أول الإسلام، وقال لهم: لا تكبروا حتى
يكبر إمامكم، وقال لهم: إذا قرأت أنصتوا، قلت: يا أبا عبد اللَّه التيمي
وحدَّث إذا قرأت أنصتوا، فقال أبي: رواه أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان
عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا/ رواه أبو أويس عن
العلاء عن أبيه عن أبي السائب عن أبي هريرة يتقاربون من ألفاظهم أنّه قال:
" كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج " (1) ، غير تمام، وقال أبو
عمر بن عبد البر: ليس هذا الحديث في الموطأ إلا عند العلاء عند جميع
الرواة، وقد انفرد به مطرف عن مالك عن ابن شهاب عن أبي السائب مولى
هشام عن أبي هريرة بهذا الحديث، وساقه كما في الموطأ سواه ولا يحفظ
لمالك عن ابن شهاب، وإنما يحفظ مالك عن العلاء، وقال الدارقطني في
كتاب الغرائب تأليفه: هو غريب من حديث مالك عن ابن شهاب، لم يروه
غير مطرف، تفرد به عنه ابن سبرة بن عبد الله المدني، وهو صحيح من
حديث الزهري حدّث به عنه عقيل هكذا عن أبي السائب عن أبي هريرة عن
النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وقد تقدم ذكر هذا الحديث قبل في كتاب
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/841) ، وأحمد (2/478) ، والبيهقي (2/38، 167) ،
وابن أبي شيبة (1/360) ، والحميدي (974) ، وأبو عوانة (2/127، 128) ، والمنثور
(1/6) ، والكنز (19700) ، وأصفهان (2/315) ، وابن كثير (8/284) ، والحلية
(10/31) ، والخطيب (5/203) ،، 20316، 13/25) ، وابن عدي في " الكامل "
(4/1470، 5/1736) .(1/1416)
افتتاح القراءة، وفي لفظ الفرياني في كتاب الصلاة: " فأوّلها وأوسطها بيني
وبن عبدي وآخرها لعبدي، وله ما سأل، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين،
قال: أخلص عبدي العبادة لي واستعان بي عليها "، وفي لفظ: فإذا قال:
مالك يوم الدين، قال: مدحني عبدي، وما بقي فهو له ". وفي مسند
السراج: " ولعبدي ما صنع "، وفي لفظ: " أيما رجل صلى صلاة بغير قراءة
فهي خداج، غير تمام " (1) . وفي صحيح ابن خزيمة: " فهي خداج، فهي
خداج " (2) .
حدثنا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، وثنا سويد بن سعيد ثنا علي بن
مسهر، جميعا عن أبي سفيان السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد: قال
رسول اللَّه- صلّى الله عليه وآله وسلّم-: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل
ركعة الحمد وسورة، في فريضة وغيرها " (3) . هذا/حديث إسناده ضعيف
برواية أبي سفيان طريف المذكور، قيل: ورواه أبو داود في سننه بسند صحيح
عن أبي الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن أبي نضرة بلفظ: " أمرنا أن
نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر " (4) . ولفظ البزار: أمرنا رسول اللَّه- صلّى الله
عليه وآله وسلّم- ... وقال: وهذا الحديث لا يعلم رواه عن أبي نضرة عن أبي
سعيد إلا همام، وكذا ذكره البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام: عن أبي
الوليد، ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: " أمرنا نبينا "
فذكره، أنا بذلك المسند المعمر نجم الدين عبد الله بن علي بن عمرو- رحمه
الله تعالى- بقراءتي عليه، أنا أبو بكر محمد بن الحافظ تقي الدين إسماعيل
__________
(1) بنحوها أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/111) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الصغير "، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.
(2) المصدر السابق. من حديث ابن عمر، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه سعيد بن
سليمان النشيطي. قال أبو زرعة: نسأل الله السلامة، ليس بالقوي.
" والخداج " أي: النقص.
(3) رواه الترمذي (ح/238) ، من حديث أني سعيد. وقال: وهذا حديث حسن. ونصب
الراية (1/363) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/818) ، وأحمد (3/3، 45، 97) ، والطبراني (11/
238) ، والكنز (22141) ، والفتح (2/243) ، وابن عدي في " الكامل " (4/1436) .(1/1417)
بن الأنماطي قراءة عليه، أنا أبو البركات داود بن ملاعب، أنبأ أبو الفضل
محمد بن عمر بن يوسف قراءة عليه، أنبأ الشريف أبو الغنائم بن المأمون قراءة
عليه، أنبأ أبو نصر محمد بن أحمد بن موسى الملاحي قراءة عليه، أنبأ أبو
إسحاق بن محمود الخزاعي، أنبأ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن
مردويه البخاري الجعفي- رحمه الله تعالى- به، وفي الأوسط من حديث
سعيد بن عامر عن سعيد عن قتادة عن أبي نضرة بلفظ: " في كلِّ صلاة
قراءة بفاتحة الكتاب، وما تيسر ومن لم يقرأ فهي خداج " (1) ، وقال: لم يروه
عن سعيد بهذا اللفظ إلا سعيد بن عامر. تفرد به محمد بن أبي صفوان
الثقفي.
وفي كتاب الصلاة للفرياني: ثنا ابن بشار ثنا ابن جعفر، ثنا شعبة عن أبي
سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: " في كلِّ الصلاة قراءة بأم القرآن فما
زاد " (2) ، وثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا بشر بن المفضل، ثنا خالد عن أبي
المتوكل عن/أبي سعيد: " في كل الصلاة قراءة بفاتحة الكتاب فما زاد " (3) .
حدثنا الفضل بن يعقوب الجزري ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق
عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: سمعت
رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلم- يقول: " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم
الكتاب فهي خداج " (4) . هذا حديث إسناده صحيح ورواه البخاري في
القراءة عن محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا يزيد بن زريع، نا ابن إسحاق
بلفظ: " كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج " قال البخاري: وزاد يزيد بن
هارون: " بفاتحة الكتاب "، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث ابن لهيعة
عن عمارة بن غزية عن هشام عن أبيه عنهما بلفظ: " فهي خداج، فهي
__________
(1) رواه النسائي (2/163) ، والكنز (19694) . وأصفهان (2/261) .
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/840) ، وأحمد (2/457) ، والدارقطني (1/327) ،
والكنز (19693، 19704، 22965) ، والخفاء (2/528) ، والإرواء (2/273) .(1/1418)
خداج، فهي خداج " (1) ، وقال: لم يروه عن عمارة إلا ابن لهيعة. تفرد به
محمد بن عبد اللَه بن يزيد المقري عن أبيه. وفي كتاب الكامل لابن عدي
من حديث حرارة بن مفلس عن شبيب بن شيبة الخطيب- وهما ضعيفان-
عن هشام به بلفظ: " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج ".
حدثنا الوليد بن عمرو بن سكين، ثنا يوسف بن يعقوب السلفي، ثنا
حسين العلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله- صلّى
اللَّه عليه وآله وسلم- قال: " ... لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج. فهي
خداج " هذا حديث إسناده صحيح على ما قررناه من حال عمرو وصحيفة،
ورواه البخاري في القراءة عن هلال بن بشر عن السلفي، ورواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث سعيد بن سليمان السقطي، ثنا أبان بن يزيد عن عاصم
الأحول عن عمرو بلفظ: " كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فخدجة فخدجة
فخدجة " /، وقال: لم يروه عن عاصم إلا أبان تفرد به سعيد. انتهي كلامه.
وفيه نظرت لما ذكره الفرياني أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن في كتاب
الصلاة تأليفه: ثنا موسى بن السندي الجرجاني، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي
عن عاصم، فذكره بلفظ: " كل صَلاة ليس فيها قراءة فخدجة فخدجة
فخدجة "، وفي حضاب الدارقطني من حديث محمد بن عبد الله بن عبيد بن
عمير عن عمرو مرفوعا: " من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعَا فليقرأ فيها بأم
الكتاب وسورة معها، فإن انتهي إلى أم الكتاب فقد أجزأه " (2) ، ومن صلى
صلاة مع إمام يجهر، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض مسكناته فإن لم يفعل
فصلاته خداج غير تمام " (3) . قال أبو الحسن: محمد ضعيف.
حدثنا علي بن محمود، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى عن
يونس عن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: سأله رجل
فقال: أقرأ والإمام يقرأ؟ فقال: سأل رجل النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلّم-
__________
(1) الحاشية رقم " 2 " (ص 1407) .
(2) رواه الدارقطني: (1/321) .
(3) المصدر السابق.(1/1419)
في كل صلاة قراءة؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: نعم.
فقال رجل من القوم: وجب هذا " (1) . هذا حديث قال فيه النسائي: فيما
ذكره الضياء هنا خطأ عن رسول اللَّه- صلى الله عليه وآله وسلم-، وإنما هو
من قول أبي الدرداء، والذي رأيت وذكره من حديث زيد بن حبان ثنا معمر
بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء بلفظ: " فقال
رجل من الأنصار: وجبت هذه، قال: فالتفت إلي رسول الله- صلّى الله
عليه وآله وسلّم- وكنت أقرب القوم منه فقال: " ما أرى الإمام إذا أم القوم
إلا قد كفاهم " (2) . قال أبو عبد الرحمن: خولف زيد في قوله: " فالتفت
رسول الله- صلّى الله عليه وآله وسلّم- إلي "، وقال الدارقطني في العلل:/
هو من قول أبي الدرداء، ومن جعله من قول النبي- صلّى اللَّه عليه وآله
وسلّم- لأبي الدرداء فقد وهم، ورواه البخاري في كتاب القراءة عن عبد الله
بن محمد، ثنا بشر بن السري ثنا معاوية، وثنا علي، ثنا معاوية به مرفوعًا من
غير ذكر الالتفات، ولما ذكر الإشبيلي حديث النسائي قال: اختلف في إسناد
هذا الحديث ولا يثبت، قال ابن القطان: قوله توهم في الحديث علّة لا تقبله
معها أحد، وليس كذلك؛ بل هو موضع نظر، فإنه حديث رواه النسائي من
طريق زيد بن حباب عن معاوية، وكذا ذكره الدارقطني، وأتبعه أن قال:
الصواب أنه من قول أبي الدرداء، فرأى أبو محمد هذا فاعتمده ولم يجاوزه،
ورأيته في كتابه الكبير لم يزد فيما علله به أن قال: خولف في هذا زيد،
والصواب: أنه من قول أبي الدرداء. ذكر ذلك الدارقطني في سننه لم يزد،
وكرر الدارقطني ذكره في موضع آخر من الكتاب المذكور؛ فجاء به من رواية
ابن وهب عن معاوية بن صالح فجعله من كلام أبي الدرداء، ثم قال: رواه
ابن حبان مرفوعًا، ووهم فيه، والصواب: قول ابن وهب. انتهي قوله. فإذا
ليس فيه أكثر من أن ابن وهب وقفه وابن حبان رفعه وهو أحد الثقات، ولو
خالفه في رفعه جماعة ثقات فوقفه لما انبغى أن يحكم عليه في رفعه بالخطأ،
__________
(1) يأتي في الحاشية القادمة.
(2) رواه النسائي في (الافتتاح، باب " 3 " والبيهقي (2/162) ، ونصب الراية (2/17) ،
والكنز (22955) ، والدارقطني (1/332، 339) .(1/1420)
فكيف ولم يخالفه إلا واحد، وأرفع لما يعتل به عليه مرفوعًا الشك الذي في
قوله: " ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم "، وأنَّ هذا استبعد أن يكون
من كلام النبي- عليه السلام- ولو كان من مجتهد به، وإلا ظهر أنَّه من
كلام أبي الدرداء انتهي كلامه. وقد أسلفنا قبل من تابع زيدًا على رفعه
الحديث صحيحًا، وأنَّ زيدًا نفسه اختلف عليه؛/فرواه علي عنه عند البخاري
كرواية بشر بن اليسرى، ورواه هارون بن عبد اللَّه عند النسائي كما تقدم،
وكذلك عثمان بن أبي شيبة عند الفرياني في كتاب الصلاة، وأبو علي الحسن
بن محمد بن الصباح الزعفراني عند أبي إسحاق، وإبراهيم بن محمد بن عبيد
في مسند أبي الدرداء جمعه، وقد وقع لنا متابعَا لزيد على رفعه. قال الطبراني
في الكبير: ثنا عبدان بن أحمد ثنا زيد بن الحريس، ثنا عمرو بن الوليد
الأغصف ح، وثنا محمد بن عبد اللَّه الحضرمي، ثنا أحمد بن بديل ح، وثنا
الحسين التستري، ثنا يحيى الحماني قال: أنبأ إسحاق بن سليمان عن كليهما
عن معاوية عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن أبي الدرداء: " سأل رجل
النبي- عليه السلام- فقال: أفي كل صلاة قراءة: قال: " نعم " قال رجل
من القوم: وجب هذا: فقال- عليِه السلام-: " ما أرى الإمام إذا قرأ إلا
كان كافيًا " (1) .
وأما قوله عن الدارقطني أنه قال: الصواب، أنه من قول أبي الدرداء؛
فلذلك هو معين لا لفظًا، الذي في كتابه كذا قال، والصواب فقال أبو
الدرداء: " ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم "، وفي قوله: أن ابن وهب
وحده فيه نظر؛ لما ذكره الفرياني في كتاب الصلاة: ثنا ابن راهويه وثنا معاوية
بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء أن رجلًا قال:
" يا رسول الله في كل صلاة قرآن؟ قال: " نعم " فقال رجل: قد وجبت
هذه. فقال أبو الدرداء: أنا كثير ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد
كفاهم " (2) ، وفي قوله عن الكتاب الكبير: لم يزد أن قال: خولف في هذا
__________
(1) الكنز (20549) ، والمجمع (2/110) ، وقال الهيثمي: وروى ابن ماجة منه إلا قوله
وجب هذا، وعزا هـ إلى الطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن.
(2) المصدر السابق بنحوه.(1/1421)
زيد، والصواب أنَّه من قول أبي الدرداء ذكره الدارقطني في سننه نظر؛ لما في
الكبير، وقد خولف زيد في هذا، والصواب/أنه من قول أبي الدرداء: " ما
أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم " (1) . ذكر ذلك الدارقطني في سننه،
وإنَّما حجته في هذا وشبهه كقوله: لم يزد، واللَّه أعلم.
وحدثنا محمد بن يحيى، ثنا سعيد بن عامر وثنا شعبة عن مسعر عن زيد
القصير عن جابر بن عبد الله قال: " كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام
في الركعتين الأولتين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخرتين بفاتحة الكتاب " (2) .
هذا موقوف مسند صحيح. رواه الفرياني في كتاب الصلاة عن الفلاس، ثنا
يحيى بن سعيد، ثنا مسعر بلفظ: " يقرأ في الركعتين الأولتين من الظهر
والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخرتين بفاتحة الكتاب مما فوق ذلك أو
أكثر "، ومعناه يستند من حديث أبي قتادة المذكور قبل عند التأكيد: " وفي
الركعتين الأخرتين بأمِّ الكتاب "، وبحديث جابر قال- عليه السلام-: " الإمام
ضامن، فما صنع فاصنعوا " (3) . رواه الراوي عن عبد الحميد ثنا موسى بن
شيبة عن محمد بن كليب وهو عن جابر عنه ثم قال: هذا مصحح لمن قال
بالقراءة خلف الإمام، وبحديث عائشة أن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-:
" كان يقرأ في الأخرتين بفاتحة الكتاب " (4) . ذكره في الأوسط من حديث
عائشة أشعث عن عبد الملك عن الحسن وابن سيرين عنها، وقال:/يروه
عن أشعث إلَّا سنان بن هارون. وفي الباب حديث رفاعة بن رافع أن النبي-
صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- قال للأعرابي: " ثم قرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن
تقرأ ". ورواه أبو داود (5) ، وبسند صحيح عن وهب بن بقية عن خالد يعني:
ابن عبد الله/الواسطي- عن محمد بن عمرو عن علي ابن يحيى بن خلاد
عنه، وحديث أبي هريرة قال: أمرني رسول الله- صلّى الله عليه وآله
وسلّم- أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب " (6) . فما زاد ذكره أبو
__________
(1) رواه الدارقطني: (1/332، 339)
(2) انظر: الإرواء (2/288) .
(3) تقدم في ألإِمامة.
(4) المنتقى: (187) .
(5) تقدم هذا الحديث. وقد رواه أبو داود (ح/858) ، وهذا حديث حسن.
(6) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، باب " 11 " رقم " 42 ") ، وأحمد (2/308، 443) ،=(1/1422)
عيسى في كتابه بغير إسناد، وقال: وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة
فذكره، ورواه ابن الجارود في منتقاه عن عبد اللَّه بن هشام وأبو داود عن ابن
بشار قالا: ثنا يحيى القطان عن جعفر بن ميمون عن أبي عثمان. ولما ذكره
البزار في سننه قال: وهذا الإسناد إسناد مستقيم يحيى بن سعيد عن جعفر بن
ميمون وجعفر وقد روى عنه يحيى بن سعيد ومحمد ابن عدى وجماعة، وأمّا
قوله من الإسناد يستغنى ليشهر بهم عن صفتهم. وذكره الحافظ أبو الحسن
أحمد بن محمد الخفاف في كتاب الصلاة تأليفه؛ عن محمد بن رافع، ثنا أبو
أسامة أخبرني جعفر بلفظ: لا لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما
زاد " (1) . وفي كناب الصلاة للفرياني هذا الإسناد وأنادى بالمدينة: " لا صلاة
إلا بقراءة أو بفاتحة الكتاب ". وقال البيهقي في المعرفة: وأما حديث وهب
وغيره عن جعفر بن ميمون: لا لا صلاة إلا بقراءة "، وقال بعضهم: " إلا
بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب "؛ فقد خالفهم الثوري فقال: " إلا بقراءة فاتحة
الكتاب فما زاد "، وكذا رواه يحيى بن سعيد، ورواه أبو القاسم في الأوسط
من حديث حجاج بن أرطأة عن عبد الكريم عن أبي عثمان بلفظ: " في كلّ
صلاة قراءة، ولو بفاتحة الكتاب " (2) ،ِ وقال: لم يروه عن حجاج إلا إبراهيم
ابن طهمان، وحديث عمر بن يزيد المدائني عن عطاء عن ابن عمر قال. قال
رسول اللَّه- صلّى اللَه عليه وآله وسلّم-: " لا تجزئ الكوبة إلا بفاتحة
الكتاب وثلاث آيات " (3) /.
وفي المشكل (4) للطحاوي: قد وجدنا النبي- صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم-
قد سمى صلاة أخرى خداجاً لمعنى غير المعنى الذي تسمى به هذه الصلاة
خراجاً، وهو ما روى المطلب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " الصلاة مثنى مثنى
__________
ونصب الراية (2/147) ، والكنز (19607) .
(1) رواه أبو داود في: الافتتاح، باب " 21 ".
(2) تقدم. رواه النسائي (2/163) ، والكنز (19694) ، وأصفهان (2/261) .ص 1408
(3) الكنز: (19690) .
(4) بياض " بالأصل ".(1/1423)
وتشهد في كل ركعتين، وتقنع وتمسكن بيديك، وتقول: اللهم اللهم، فمن لم
يفعل ذلك فهي خداج " (1) .
وروى عن الفضل بن عباس بمثله غير أنه قال: " وتقنع بيديك يقول
ترفعهما إلى ربك عز وجل مستقبلًا ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب،
فمن لم يفعل ذلك لدى، يعني: فهي خداج ". قال أبو جعفر: وفي هذا
الحديث وفي الحديث الذي قبله وصف نبيك أنها خداج، فقال قوم أنّ من
صلى ولم يقرأ في صلاته في كل ركعة منها فاتحة الكتاب لم يجزه، وجعلوا
النقص الذي دخلها يبطلهّا، وقد خالفهم في ذلك قوم؛ منهم أبو حنيفة
وأصحابه فجعلوها جارية مخدجة يترك قراءة الفاتحة فيها، وذهبوا إلى أن
الخداج لا يذهب به الشيء الذي يُسمَّى به؛ لأنها لم تكن بنقصانها معدومة،
ولكنها ناقصة بوجودها وليس كل من نقصت صلاته بمعنى تركه منها يجب
فسادها لا قد رأيناه بترك تمام ركوعها وإتمام سجودها فيكون ذلك نقصانها،
ولا تكون فاسدة يجب إعادتها فلا ينكر أن تكون بترك قراءة فاتحة الكتاب
فيها ناقصة نقصاً لا يجب معه إعادتها، وقد وجدنا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دل
، على ذلك؛ وهو ما روي عنه انه لما خرج في مرضه الذي توفي فيه، وأبو بكر
يصلي بالناس فذهب أبو بكر يتأخر فأشار إليه مكانك، فاستتم النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
حيث انتهي أبو بكر من القراعتي وأبو بكر قائم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس فأتم
أبو بكر بالنبي، وأتم الناس فأبي بكر يخلو إذا استتم بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث
انتهي أبو بكر من أن يكون أبو بكر قد قرأ الفاتحة أو شيئاً منها، فلم يقرأ النبي
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/1296) ، والترمذي (ح/385) ، وأحمد (1/122، 4/
167) ، والبيهقي (1/487، 488، 2/488) ، والطبراني (18/295) ، وابن خزيمة
(1212) ، والدارقطني (1/418) ، وشرح السنة (3/260) ، والترغيب (1/348) ،
ومشكل (2/24) ، والبخاري في " التاريخ " (3/283) ، وابن المبارك في " الزهد "
(404) ، والمشكاة " (805) ، والكنز (20091، 20092) ، والعلل (365) .(1/1424)
ما سبقه من ذلك أبو بكر وأجزأته صلاته فكان في ذلك، وقيل: على أن ترك
قراءة الفاتحة أو بعضها لا تفسد الصلاة، والله أعلم (1) .
***
__________
(1) ولفظ الحديث: " أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يُصلى بالناس في
مرضه. فكان يُصلى بهم، فوجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفة، فخرج، وإذا أبو بكر يؤُم الناس،
فلما رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: كما أنت- فجلس رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذاء أبي بكر، إلى جنبه، فكان أبو بكر يُصلى بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والناس يُصفون
بصلاة أبي بكر ".
صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 51، 39، 67، 68 ") ،
ومسلم في (الصلاة، ح/90) ، والنسائي في (الإِمامة، باب " 40 ") ، وابن ماجة (ح/
1233) ، وأحمد (1/209، 356، 2 / 52، 5/331، 336، 6/210، 224،(1/1425)
143- باب سكتتي الإِمام
حدثنا جميل بن الحسن بن جميل القبكي، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد عن
قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: " سكتتان-:حفظتها:'-، عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنكر ذلك عمران بن حصين فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة
فكتب:
أن سمرة قد حفظه، قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا
دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة حتى يزاد إليه نفسه " (1) . وثنا محمد بن
خلف بن خداش وعلي بن الحسين بن أسكب، ثنا إسماعيل بن علية عن
يونس عن الحسن فذكره. هذا حديث قال فيه أبو عيسى الترمذي: هذا
حديث حسن، ولفظ البزار (2) عن سمرة: " سكتتان؛ إذا ابتدأ الصلاة،
وسكتة إذا فرغ من قراءته "، وعند أبي داود (3) : " سكتة إذا كبر، وسكتة إذا
فرغ من ولا الضالين " وقال فيه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه، ولا يتوهم: هل ابن الحسن لم يسمع من سمرة! فإنّه سمع به، وله
شاهد بإسناد صحيح عن أبي هريرة يكتب: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلهن، /
تركهن الناس يرفع يديه مدا يسكت بعد القراءة هنية يسأل الله من فضله،
وقال الدارمي: كان قتادة يقول ثلاث سكتات، وفي الحديث المرفوع سكتتان،
واحتج به البخاري في كتاب القراءة خلف الإِمام، وقال أبو علي الطوسي:
يقال: هو أحسن حديث وأصحه، ولما ذكره محمد الإشبيلي سكت عنه
سكوت مصحح له، واعترض عليه أبو الحسن، بأن سعيد اختلط بآخره، وعبد
الأعلى لا يعرف حتى سمع منه أقبل الاختلاط أم بعده وفيه نظر في موضعين:
الأول: إسماعيل رواه عن يونس كما هو مذكور عن ابن ماجة فسلم
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/844) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) قوله: " البزار " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/780) .(1/1426)
الإسناد من الاعتراض بسعيد، وكذا رواه خالد بن الحرث عن أشعث عن
الحَسن عند أبي داود هشيم عن منصور ويونس عن الحسن فيما ذكره عبد
الله بن أحمد عن أبيه في كتاب العلل، قال أحمد: وثنا عفان، ثنا يزيد بن
زريع، ثنا يونس به. ورواه الدارمي عن عفان، ثنا حماد بن سلمة عن حميد
عن الحسن فذكره.
الثاني: إغفاله انقطاع ما بين الحسن وسمرة المشهور على الألسنة وإن
كنت لا أراه؛ لما أسلفنا؛ ولما ذكره عبد الله بن أحمد، ثنا أبو خيثمة، ثنا
قريش بن أنس، ثنا حبيب بن الشهيد قال: قال لي ابن سيرين: سئل الحسن:
ممن سمع حديثه في العقيقة؟ فقال: سمعه من سمرة، ولا يعترض على هذا
بقول أبي بكر الردنجى الحافظ في كتاب المراسيل تأليفه: عن الحسن عبئ سمرة
ليست بصحاح الا من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن سمعه سمرة إلا حديثاً
واحداً، وهو حديث العقيقة ولم يثبت رواه قريش بن أنس، ولم يروه غيره.
وهو وهم؛ لما ذكره أبو القاسم الطبراني في معجمه الأوسط: ثنا أحمد بن/
داود المكي، ثنا عبد الرحمن بن بكير بن الربيع بن مسلم، ثنا محمد بن
حمدان، ثنا أبو روحٍ عن الحسن قال: قال سمرة: ألا أحدثك حديثاً سمعته
من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرارا، ومن أبي بكر، ومن عمر مراراً؟ قلت: بلى، قال: من قال
إذا أصبح وإذا أمسى: اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني ... " (1) الحديث. ثم
قال: لا يروى عن سمرة إلا هذا الإسناد. تفرد به عبد الرحمن بن بكير،
وقال البخاري وفي التاريخ الكبير: َ قال لي علي: سماع الحسن بن سمرة
صحيح، وأحد حديثه من قبل عبدة قبلناه، وفي تاريخ أبي حاتم الرازي رواية
الكسائي قلت: الحسن هل سمع من سمرة؟ فذكر كلامًا يقتضي سماعه منه،
وممن صحح سماعه: الترمذي في حديث: " نهي عن بيع الحيوان بالحيوان
لنبيه " (2) .
__________
(1) لم نقف عليه.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/3356) ، والترمذي (ح/1237) ،. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وابن ماجة (ح/2270) ، والنسائي (7/292) ، وأحمد (5/288) ، والدارقطني (3/71) ، ومعاني
(4/60) ، وأصفهاني (1/253، 2/137) ، الخطيب (2/354، 8/186) .(1/1427)
وحديث العقيقة، وحديث: " جار الدار أحق بدار الجار " (1) ، وحديث:
" إذا أتى أحدكم على ماشية " (2) ، وحديث: " اقتلوا شيوخ المشركين " (3) ،
وحديث: " لا يلاعنوا بلعنة الله " (4) ، وحديث: " الحسب والمال " (5) ،
وحديث: " الصلاة الوسطى صلاة العصر " (6) ، وأبو حاتم (7) النهي بتخريجه
حديثه عنه في صحيحه: " من صلى الغداة فهو في ذمة الله " (8) ، وإمام
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/3517) ، والكنز (17697) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/2619) ، والترمذي (ح/1296) ، وقال: هذا حديث
حسن غريب، والبيهقي (9/359) ، والطبراني (7/255) ، وشرح السنة (8/234) ،
والمشكاة (29535) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/2670) ، وأحمد (5/12، 20) ، والبيهقي (9/92) ، والطبراني (7/
272) ، وتلخيص (4/103) ، ونصب الراية (3/386) ، وشرح السنة (11/48) ، والمشكاة
(3952) ، والكنز (11009) ، والمنثور (2624) ، وابن أبي شيبة (12/388) .
قلت: وعلته الحجاج بن أرطأة النخعي الكوفي، تركه ابن مهدى والقطان. وقال أحمد،
لا يحتج به. وقال ابن عدي: ربما أخطأ ولم يتعمده. وقال ابن معين أيضا: صدوق يدلس.
خرج له مسلم مقرونا بغيره.
(4) صحيح. رواه أبو داود (ح/4906) ، والترمذي (ح/1976) ، والترغيب (3/470) ،
وأذكار (313) ، وأحمد (5/15) ، والحاكم (1/48) ، وإتحاف (7/484) ، ونصب
الراية (2/20) ، وعبد الرزاق (19531) . وصححه الشيخ الألباني.
(5) صحيح. رواه للترمذي (ح/3271) ، وابن ماجة (ح/4219) ، وأحمد (1/5) ،
والبيهقي (7/136) ، والحاكم (2/163، 4/325) ، والطبراني (7/265) ، والفتح (9/
135) ، وإتحاف (8/352) ، والبغوي (6/231) ، والمنثور (6/99) ، والمشكاة (49، 2) ،
وشرح السنة (13/125) ، والكنز (5634) ، والحلية (6/190) ، والقرطبي (2/435،
16/345) ، وابن عدي في " الكامل " (1154) .
(6) رواه أحمد (5/12، 13) ، وابن أبي شيبة (2/503، 506) ، وابن خزيمة (1338) ، والكنز
(4257، 4405) ، والمنثور (1/304، 6/2232) ، والفتح (8/195) ، والطبراني (2/344) ،
والقرطبي (3/179، 210) ، وابن كثير (1/428، 430) .
(7) كذا سياق المصنف.
(8) رواه الطبراني (2/170) ، والجمع (1/297، 296) ، وإتحاف (10/307) ، وابن
عدي (4/1378) ، والمنثور (1/299) ، والكنز (19306، 19319) ، والحلية (6/
173) ، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.(1/1428)
الأئمة أبو بكر بن خزيمة بتخريجه حديث العقيقة في صحيحه. حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن
أبي صالح عن أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما جعل الإِمام ليؤتم به؛
فإذا كبر فكبروا، وإذا تكلم فأنصتوا، وإذا قال: غير المغضوب عليهم، فقولوا:
آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا
لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " (1) . هذا/
حديث سئل مسلم بن الحجاج عنه: أهو صحيح؟ قال: هو عندي صحيح،
فقيل له: لم تكن تضعه هاهنا- يعني: في كتابه- فقال: ليس كلّ شيء
عندي صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه، وقال أبو
محمد بن حزم: هذا عندنا صحيح، وصححه أيضا أحمد بن حنبل- رحمه
الله- فيما حكماه الأثرم.
وفي سؤالات أبي طالب: قلت له: يقولون أن الأحمر أخطأ فيه فقال: رواه
التيمي عن قتادة عن أبي المحلاب عن حطان عن أبي موسى، قلت: يقولون:
أخطأ التيمي قال: من قال هذا فقد بهته. ولما أخرجه أبو داود قال: هذه
الزيادة ليست محفوظة، الوهم عندناَ من أبي خالد. وقال البخاري في كتاب
القراءة: رواه الأحمر عن ابن عجلان عن زيد وغيره، ولا يعرف هذا من
صحيح حديث الأحمر، قال أحمد: أراه كان. يدلس، قال محمد: ولم يتابع
أبو خالد في زيادته. انتهي كلامهم. وفيه نظر؛ لأن قد وجدنا لأبي خالد
متابعا؛ هو ما رواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن محمد بن
سعيد- يعني: الموثق عنده، وعند يحيى، وعد المخرمي- عن ابن عجلان به،
وقال في آخره: لا نعلم أن أحدا تابع ابن عجلان على قوله فأنصتوا.
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/106، 187، 203، 2/59) ، ومسلم في
(الصلاة، ح/77، 79، 80، 88) ، وأبو داود (ح/603) ، والترمذي (ح/361)
وصححه، والنسائي (2/196) ، وابن ماجة (ح/1238، 1239) ، وأحمد (2/420) ،
والبيهقي (2/92، 3.3، 3/78) ، والتمهيد (6/130) ، وعبد الرزاق (4، 78) ، والمنحة
(608، 634) ، وشرح السنة (3/419) ، والمشكاة (857) ، وابن أبي شيبة (1/377،
2/325) ، والمنثور (3/156) ، والكنز (20464، 20465، 20489، 20490،(1/1429)
وآخر رواه الدارقطني عن محمد بن جعفر، ثنا أحمد بن حازم، ثنا
إسماعيل بن أبان الفقوى ثنا محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم ومصعب بن
شرحبيل عن أبي صالح بزيادة فلا يختلقوا عليه، وقال إسماعيل: ضعيف، ثنا
عبد الملك بن أحمد، ثنا حماد بن خداش، ثنا أبو مسعد أيضاً، نا محمد بن
مبشر، ثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا. الصاغاني
ضعيف، وفي قول النسائي: لم يتابع عليه ابن عجلان نظر؛ لما ذكره أبو
الحسن عن محمد بن عثمان/ثنا محمد بن يونس- يعني: الكريمي- ثنا
عمرو بن عاصم، ثنا معمر، سمعت أبي يحدّث عن الأعمش عن أبي صالح
بلفظ: " إذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فأنصتوا " (1) . قال:
الصحيح المعروف: " إذا قال الإِمام: ولا الضالين فقولوا: آمن "، واعترض ابن
القطان على هذا الإِسناد وضعفه.
حدثنا يوسف بن موسى القطان، ثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة
عن أبي غلاب عن حطان بن عبد الرقاشي عن أبي موسى قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قرا الإمام فأنصتوا، فإذا كان عند القعدة فليكن أول ما ذكر
أحدكم التشهد " (2) . هذا حديث أخرجه مسلم في صحيحه من حديث
جرير، وفي آخره: قال أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن سفيان قال أبو بكر
ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث- أي: طعن فيه- فقال مسلم: أتريد اًن
تحفظ من سليمان؟
وأشار أبو طالب في سؤالات أحمد إلى أنه قال بها، وقال أبو الحسن
الدارقطني: هذه اللفظة لم يتابع سليمان عليها عن قتادة، وخالفه الحفاظ فلم
يذكروها قال: وإجماعهم على مخالفته تدل على وهمه، ولعلّه شبه عليه؛
لكثرة من خالفه من الثقات، وقال في موضع آخر: ورواه سالم بن نوح
__________
(1) بنحوه. رواه البيهقي: (2/141) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (7/184) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/187) ، والكنز
(19684) ، وابن عدي في " الكامل " (3/1184، 6/2232) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/1430)
العطار عن عمر بن عامر وابن أبي عروبة عن قتادة بهذه الزيادة لم يزود من
هذه الطريق، ورواه البزار عن محمد بن يحيى القطعي عن سالم، وهو سند
صحيح على شرط مسلم، وقال الأثرم في سؤالات أحمد، قال لي: وقد
زعموا أن المعتمر رواه، قلت: نعم قد رواه المعتمر، قال: فأي شيء تريد. انتهي
حديث المعتمر. ورواه أبو عوانة الإسفراييني في صحيحه عن سليمان/بن
أشعت السجزي، ثنا عاصم بن النضر ثنا المعتمر، ثنا قتادة بهذه الزيادة قال:
وثنا الصانع بمكة، ثنا علي بن عبد الله، ثنا جرير عن سليمان فذكره، وثنا
سهل بن محمد الجند نيسابوري، ثنا عبد الله بن رشد، ثنا أبو عبيده عن قتادة
ذكره. فهذا كما ترى قد سلم الحديث عن التفرد الذي أشار إليه هؤلاء
الحفاظ وعجز عن الجواب عليه مسلم وغيره. وقد وجدنا متابعاَ أخيرَا ذكره أبو
مسعود الدمشقي في جوابه للدارقطني وهو الثوري قال: رواه عن سليمان كما
رواه جرير، وقال البخاري في كتاب القراءة: لم يذكر التيمي في هذه الزيادة
سماعا من قتادة ولا قتادة من يونس بن جبير، ولو صح فكان يحتمل أن
يكون سوى الفاتحة، وقال البيهقي: وقد أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة
في الحديث؛ فإنَّها ليست محفوظة عن ابن معين وأبو داود وأبو حاتم وأبو علي
وعلي بن عمرو الحاكم. انتهي كلامه. وفيه ما أسلفناه من تصحيحه عند
جماعة من الحفاظ.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن
الزهري عن ابن أكيمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصحابه
صلاة فظنّ أنها الصبح فقال: " هل قرأ منكم من أحد؟ قال رجل: أنا،
قال: " إنِّي أقول ما لي أنازع القرآن! " (1) ، وذكره من طريق أخرى بزيادة:
" قال: فسكتوا بعد فيما جهر فيه الإمام ". هذا حديث أخرجه مالك في الموطأ
وأبو عيسى بزيادة: " فانتهي الناس عن القراءة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يجهر
__________
(1) صحيح. رواه مالك (86) ، والترمذي (ح/312) وحسنه، وأبو داود في (الاستفتاح:
باب " 22 ") ، والنسائي في (الافتتاح: باب (" 27 ") ، وابن ماجة (ح/848) ، وأحمد
(2/284، 285، 487، 5/345) ، والبيهقي (2/157، 159) ، وابن حبان (452) ،
ومعاني (1/217) ، وابن كثير (3/542) ، وشرح السنة (3/83) .(1/1431)
فيه من الصلاة بالقراءة حين سمعوا ذلك من النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وقال: هذا حديث
حسن كذا في أكثر النسخ وفي بعضها صحيح.
وقال الحافظ أبو علي الطوسي في كتاب الأحكام من تأليفه: هذا حديث
حسن. واختلف في قائل هذه الزيادة؛ فأبو دواد يُرجِّح أنها قول الزهري،
وحكى ذلك عن الذهلي، وجزم به البخاري في الكبير، وفي كتاب القراءة
خلف الإمام وابن جزم الفارسي، وصححه أبو بكر الخطيب في كتابه المدرج،
وجزم به الترمذي والطوسي، وفي كتاب أحاديث الموطأ للدارقطني: رواه عن
مالك: عبد الله بن عون الخرار، وفي آخره قال أبو هريرة: فتكرر ترجيحه في
تقريب المدارك، وفي حديث مسدد عند أبي دواد عن معمر: " فانتهي الناس "
جعله من كلام معمر.
وفي كتاب الفضل سفيان عن معمر عن الزهري عن ابن أكيمة به، قال
الخطيب: ورواه الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة يروهم.
وسببه أنه سمع الزهري يقول: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيدا، والصحيح
رواية مالك عن الزهري عن أكيمة، وكذا صحح البخاري وأبو علي صالح بن
محمد، ولما ذكره ابن حزم رواه بتفرد ابن أكيمة قال: وقالوا: هو مجهول،
وفي التمييز لمسلم: ورواه ابن أخت ابن شهاب عن عمِّه عن الأعرج عن ابن
الحبشية- وهو خطأ لاشك فيه- وزعم في كتاب التفرد أن الزهري تفرد عن
ابن أكيمة ولم يرو عنه غيره، وكذا قاله أبو عمر بن عبد البر، وقال ابن
سعد: روى عنه الزهري حديثَا واحلَما، ومنهم من لا يحتج به؛ يقول: هو شيخ
مجهول، وكذا قاله البيهقي،/وزاد: ولم يحدث إلا بهذا الحديث وحده،
وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة؟ يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر به
وفيما خافت! وأبى ذلك الحافظ أبو حاتم ابن حبان؛ فذكَره في الثقات،
وقال: روى عنه الزهري وسعيد بن أبي هلال وابن أبيه عمرو بن مسلم وسماه
عمارة، وهذا هو المرجح عند الذهلي وابن سعد وابن أبي حاتم والبخاري
وغيرهم؛ بل المجزوم به عندهم قال ابن سعد: توفي سنة إحدى ومائة، وله
تسع وسبعون سنة، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: صحيح الحديث وحديثه(1/1432)
مقبول، وخرّج الحاكم حديثه في صحيحه فيما قاله بعض الحفاظ، وصحّحه
أيضا أبو محمد الإِشبيلي وابن القطان بسكوتهما عنه.
وقيل: عمار، وقال البخاري: يعد من أهل الحجاز، كنيته أبو الوليد، وقال
البرقي في كتاب الطبقات باب من لم يشتهر عنه لرواية الثقات عه: ولم يغمز
ابن أكيمة البلثي، وقال ابن معين مثل قول الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث
ابن المسيب وقد روى عنه غير الزهري محمد بن عمرو وغيره.
قال البرقي: وروى الزهري عن ابن أكيمة حديثين؛ أحدهما مشهور في
القراءة خلف الإمام، والآخر في المغازي، وقال أبو عمر: كان ابن أكيمة
يحدث في مجلَس سعيد فيصغى إلى الحديث، وحسبك بهذا فخرَا، وثنا
وسما يحيى ابن معين عمرو بن أكيمة فيما حكاه عنه عباس، وقال: هو ثقة،
قال أبو عمر: وقيل في اسمه: عمر، وقيل: عامر وهو ليثي من أنفسهم، وذكره
أو قال يعقوب بن سفيان الفسوي: هو من مشاهير التابعين بالمدينة، وقد
وجدنا لحديثه متابعاً بسند مستقيم. قاله الحاكم إذ خرجه من حديث قيصر بن
إسحاق / البرقي، ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد عن عمير الليثي عن عطاء عن [685/ ب]
أبي هريرة يرفعه: " من صلى صلاة مَكتوبة مع الإِمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في
سكتاته " (1) ، " ومن انتهي إلى أم الكتاب فقد أجزأه "، وآخر رواه
الدارقطني من حديث زكريا الوقار، وهو ضعيف، وتفرد به فيما قاله أبو
الحسن. ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن أبي كثير عن أبي سلمة عنه،
قال: صلى بنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة فلما قضاها قال: " هل قرأ أحدكم معي
شيء من القرآن " (2) ، فقال رجل من القوم: أنا، فقال: " إني أقول: مالي
أنازع القرآن؟ إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأن أحد
معي "، وآخر رواه من حديث عبد الله بن عامر- وهو ضعيف- حدثنى
__________
(1) رواه الدارقطني: (1/321) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/826) ، والترمذي (ح/312) وحسنه، والنسائي (2/
140) ، والحاكم (1/239) ، وأحمد (2/240، 285، 301) ، والبيهقي (2/157،
158) ، والدارقطني (1/320) ، وشفع (406) ، والكنز (19679، 20536،
20537) ، وشرح السنة (3/83)(1/1433)
زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة: " نزلت هذه الآية: (إذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا) (1) ، في رفع الأصوات وهم خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الصلاة "، وشاهداَ رواه أيضَا، وحكم عليه بالاستقامة، وقبله رواه أبو داود من
حديث إسماعيل ابن علية عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن
الربيع عن عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح فثقلت عليه
القراءة فلما انصرف قال: " إنى لأراكم تقرؤون من وراء إمامكم " (2) ، قلنا:
أجل والله يا رسول الله هذا، قال: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فانه لا صلاة
لمن لم يقراًها " (3) . قال أحمد: كذا يقوله ابن إسحاق، واً ما غيره فيقول:
" لا صلاة لمن لم يقرأ "، وقد قال الزهري: ذاك للإمام، وقد قاله بعضهم عن
أبي هريرة، ولكنه خطاً، قال الحاكم: وقد أدخل بين محمود وعبادة بن
وهب بن كيسان. رواه الوليد بن مسلم عن / سعيد بن عبد العزيز عن مكحول
عن محمود، ورواه أيضا إسحاق بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو بن الحرث
عن محمود.
وقد بين الدارقطني في سننه، من رواية النسائي عن الهيثم بن حميد، أنباً
زيد بن واقد عن مكحول أن دخول وهب هنا؛ لأنه كان المؤذن وعبادة الإمام
وأن محمودَا ووهبًا صليا خلفه يومَا، ولفظه: " هل تقرؤون إذا جهرَت
بالقراءة " (4) ، فقال بعضنا: إن لنصنع ذلك، قال: " فلا تقرؤون بشيء من
القرآن إذا جهر الإمام بالقرآن " (5) ، وقال: رجاله كلهم ثقات، ومن حديث
زيد عن حزام بن حكيم ومكحول بنحوها وقال: هذا إسناد حسن، ورجاله
__________
(1) سورة الأعراف آية: 204.
(2) صحيح رواه الحاكم (1/238) ، وابن حبان (460) ، والدارقطني (1/318) ،
وأحمد (5/316/322) ، والبيهقي (2/164) .
(3) رواه أحمد (8/305/، 322، 366) ، والحاكم (1/238) ، وابن أبي شيبة (1/
374) ، والدارقطني (1/418/، 319) ، والمجمع (2/110، 110) ، وعزاه إلى أحمد،
وفيه رجل لم يسم، وشرح السنة (1/318/، 319) ، والكنز (22136) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/824) ، والبيهقي (2/165) ، والدارقطني (1/319) .
(5) الحاشية رقم " 2 " السابقة.(1/1434)
ثقات كلهم، ومن حديث ابن إسحاق عن مكحول عن محمود عن عبادة،
وقال: إسناده حسن، وكذا قاله البغوي.
وآخر رواه أيضَا من حديث ابن أرطأة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن
عمران بن حصبن قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بالناس ورجل يقرأ خلفه، فلما
فرغ قال: " من الذي يخالجني سورتي؟ " فنهاهم عن القراءة خلف
الإِمام " (1) ، ورواه مسلم بلفظ: " من منكم قرأ الصبح سبح اسم ربك؟ "
فقال رجل: أنا، فقال- عليه الصلاة والسلام-: " قد عرفت أنَّ رجلَا
خالجنيها " (2) . قال شعبة: فقلت لعبادة: كأنه كرهه فقال النبي عنه، وآخر
رواه الدارقطني من حديث محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: وهو
ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى
صلاة مكتوبة أو تطوعاَ فليقرأ فيها بأمّ القرآن وسورة معها " (3) . فإن انتهي إلى
أم الكتاب فقد أجزأه، " ومن صلى صلاة مع إمام يجهر فليقرأ بفاتحة
الكتاب، وفي بعض سكتاته، فإن لم / يفعل فصلاته خداج غير تمام " (4) .
ورواه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن ابن الوليد، ثنا النضر، ثنا
عكرمة، حدثنا عمرو بن سعد عن عمروَ. َ وآخر رواه أيضا بسند صحيح، قاله
البيهقي في المعرفة عن عبدان أنبأ ابن ذريع، ثنا خالد عن أبي قلابة عن
محمد بن أبي عائشة عن شهر بذلك قال: صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما قضى
صلاته قال: " أتقرؤون والإمام يقرأ؟! قالوا: إنا لنفعل، قال: فلا تفعلوا، إلَّا
أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتَاب في نفسه " (5) . وآخر من رواية عبد الله بن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة: ح/ 47، 48) ، وأبو داود في (الصلاة، باب
" 134!) ، والنسائي في (الافتتاح: باب " 37،) ، وأحمد (4/426/، 431333،
441)
قوه: " المخالجة ": أي المنازعة.
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) رواه الدارقطني: (1/321) .
(4) المصدر السابق.
(5) تقدم ص 1434.(1/1435)
عمرو: قرأ رجل خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا يقرأن أحدكم وراء الإِمام يقرأ،
إلَا بأم الكتاب " (1) ، ذكره البخاري وأشار إلى ضعفه.
حدثنا علي بن محمد، ثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن بن صالح عن
جابر عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له إمام فقراءة
الإِمام له قراءة " (2) . هذا حديث ضعيف؛ لضعف أبي عبد الله، ويقال: أبو
يزيد، ويقال: أبو محمد جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، وعمر، وإن كان
الثوري قال فيه: ما رأيت أروع منه في الحديث، وقال شعبة: هو صدوق في
الحديث، وفي موضع آخر: إذا قال ثنا أو سمعت فهو من أوثق الناس، وفي
موضع آخر: كان لا يكذب وقال زهير بن معاوية: إذا قال سمعت أو سألت
فهو من أصدق الناس، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أنّ
جابراً ثقة، وقال ابن معين: لم يدعه مما رواه إلَّا زائدة. وقال ابن عدي: له
صحيح حديث صالح، ولم أر له أحاديث جاوزت المقدار في في الضعف
والإِنكار، وقد احتمله الناس، وعامة ما قذفوه / به الأمان بالرجعة، ولم يختلف
أحد من الرواية عنه، وهو مع هذا كله أقرب إلى الضعف منه إلى الصدق،
وقال الميموني: قلت لخلف: قعد أحد عن الرواية عنه! فقال: لا أعلمه، كان
ابن عيينة من أشدهم قولاً فيه، وقد حدّث عنه وإنما كانت عنده ثلاثة
أحاديث، قلت: صح عنه شيء أنه مؤمن بالرجعة؟ قال: لا ولكنه من شيعة
عليِ، وقال أبو داود عن أحمد: لم يتكلم فيه من أجل حديثه؛ إنما تكلم فيه
الراية، وقال أبو نعيم لأبي بكر بن أبي شيبة: لم يختلف عليه إلَّا في حديثين
__________
(7) بنحوه رواه النسائي (2/141) ، والبيهقي (2/165/، 166) ، والكنز (9681،
(2) ضعيف. رواه البيهقي (2/160/، 161) ، والمجمع (2/111) ، وعزاه إلى الطبراني
في " الأوسط " وفيه أبو هارون العبري، وهو متروك، والدارقطني (1/323/، 326) ، وابن
ماجة (ح/850) ،. في الزوائد: في إسناده جابر الجعفي؛ كذاب. والحديث مخالف لما
رواه الستة من حديث عبادة، والمعاني (1/217) ، وعبد الرزاق (2797) ، وتلخيص (1/
232) ، والكنز (1983) ، ونصب للراية (2/6، 10) ، والإرواء (2 / 26/، 273) ،
وضعفه الشيخ الألباني.(1/1436)
في حديثه. وفي كتاب المستملي: سئل شريك عنه فقال: ماله! العدل الرضي،
ومدَّ بها صوته، وذكره أبو حفص بن شاهين في كتاب الثقات ثم ذكره في
المختلف فيهم، فقد قال فيه ابن سعد: كان ضعيفاً جدا في روايته.
وقال أبو جعفر في كتابه المسمى بالتعريف تصحيح التاريخ: كان ضعيفاً
من الشيعة الغالين في الدين، وقال البلخي: ليس بشيء، وسئل أحمد بن
خداش عنه: أكان يتشيع؟ قال: نعم قال: أيتهم في حديثه بالكذب؟ فقال: من
طعن فيه فإنما يطعن يخارق من الكذب، قلت: أكان يكذب؟ قال: إي
والله، وذاك في بين، وقال ابن معين والشعبي وسعيد بن جبير: كان كذابا،
وقال البخاري: تركه ابن مهدي، وقال يحيى بن سعيد: تركناه، وقال الفلاس:
كان عبد الرحمن ويحيى لا يحدّثان عنه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه على
الاعتبار ولا يحتج به، وقال أبو زرعة: ليّن، وقال العجلي: ضعيف، وقال ابن
حزم: كذاب، وقال ابن قتيبة: كأن يؤمن بالرجعة، وكان صاحب سيئة
وترنحات.
وكذا قاله ابن أبي شيبة، وذكره البرقي / في الضعفاء، وقال: كان رافضا،
وقال أبو داود: ليس هو عندي بقوي، وقال النسائي: متروك، وقال أبو حنيفة
ما لقيت أكذب منه، وقال جرير: لا أستحل أن أروى عنه، وقد روى هذا
الحديث الدارقطني من حديث أبي حنيفة وابن عمارة عن موسى بن أبي
عائشة عن عبد الله بن شداد بن الهادي عن جابر وقال لم يسنده عن موسى
غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، ورواه جماعة من الثقات عن عبد الله بن
شداد مرسلا، وهو الصواب، وكذا قاله يحيى فيما حكاه الخلال في كتاب
العلل.
وقال البخاري: هذا خبر لا يثبت عند أهل العلم بالحجاز والعراق وغيرهم
لإرساله وانقطاعه، ورواه أحمد بسند ضعيف عن يحيى بن إبراهيم، ثنا
إبراهيم بن الحسن الثعلبي عن يحيى بن يعلى عن عمر بن موسى عن أبي
الزبير، وذكر البخاري علّة ثانية في حديث ابن ماجه؛ وهي قوله: ولا يدرى
أسمع جابر من أبي الزبير أم لا؟. ورواه الدارقطني بسند حسن من حديث
__________(1/1437)
الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم وجابر بن أبي الزبير فذكره مرفوعاَ
لثقة ليث على ما بيّناه قبل ولاتصاله؛ ولأنّ لحديثه شواهد منها ما خرجه
مالك في الموطأ عن وهب بن كيسان قال: سمعت جابراَ يقول: " من صلى
ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام " (1) . ورفعه عنه
يحيى بن سلام، وهو ضعيف، قال الدارقطني: والصواب موقوف، ولفظه:
" من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب " (2) .
وحديث ابن عباس يرفعه: " يكفيك قراءة الإمام خافت أو قراءة " (3) .
رواه الدارقطني من حديث علي بن مخلد ثنا عليَ بن زكريا عن أبي موسى
الأنصاري عن عاصم بن عبد العزيز عن/أبي سهل عن عون، ومنه: وثنا ابن
مخلد/ثنا أحمد بن إسحاق بن صالح الرازي ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري
ثنا عاصم به، وقال عاصم: ليس بالقوي، ودفعه وهم، وقال أبو موسى: قلت
لأحمد بن حنبل فيما ذكره الخلال في حديث ابن عباس: هذا في القراءة؟
فقال: هذا منكر. وحديث أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كان له
إمام فقراءته له قراءة " (4) . رواه الدارقطني من حديث محمد بن عباد الرازي
ثنا أبو يحيى التيمي قال: وهما ضعيفان عن سهل عن أبيه عنه.
وحديث أبي الدرداء: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أفي كلِّ صلاة قراءة؟ قال:
__________
(1) انظر: الحاشية القادمة.
(2) صحيح. رواه مسلم في " الصلاة ": 5/38، 40، 41، والترمذي (ح/312/
، 2953) ، والنسائي (2/135) ، وأبو داود (ح/831) ، وابن ماجة (ح/838) ، وأحمد
(250، 487285، 6/142) ، والبيهقي (2/39، 40، 159، 167) ، وابن ماجة
(ح/838) ، والدارقطني (1/312) ، وابن عدي في " الكامل " (5/1860) ، وابن خزيمة
(489، 502) ، وعبد الرزاق (2744) وتجريد (346) ، وإتحاف (3/151) ، وشرح
السنة (3/47) ، ومشكل (2/23) ، والمنثور (1/6) ، وحبيب (1/46) ، ونصب الراية
(1/340) ، والإرواء (2/280) .
(3) رواه عبد الرزاق (2811) ، والدارقطني (1/333) ، ونصب الراية (2/11) ، والحلية
(4/265) .
(4) تقدم ص 1436.(1/1438)
" نعم "، فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لي وكنت
أقرب القوم إليه: " ما أرى الإِمام إذا أمّ القوم إلَّا. قد كفاهم " (1) . رواه
الفسوي بسند صحيح عن هارون بن عبد الله عن زيد بن حباب عن معاوية بن
صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرَة عنه، قال أبو عبد الرحمن: خولف
زيد بن حباب في قوله: فالتفت إلي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال الدارقطني:
الصواب: فقال أبو داود: وأما كثير: ما أرى الإِمام إلَّا كفاهم، وقال الإشبيلي
في الأحكام الكبرى: خولف زيد في هذا، والصواب لله من قول أبي الدرداء،
وقال في الوسطى: اختلف في إسناد هذا الحديث، ولا يثبت؛ فاعترض عليه
ابن القطان بأن قوله هذا يؤمهم في الحديث علّة لا تقبله معها أحد وليس
كذلك؛ فإنّه حديث رواه ابن الحباب مرفوعاً وعن ابن وهب موقوفاً ليس فيه
أكثر من هذا، وزيد أحد الثقات، ولو خالفه في رفعه/جماعة ثقات ما ابتغى
أن يحكم عليه في رفعه إيّاه بالخطأ، فكيف ولم يخالفه إلا وجد وارفع ما
تقبل به عليه مرفوعا ًالشك الذي فوله: ما أرى الإمام. فانَّ هذا يستبعد أن
يكون من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو كان من مجتهد؛ لأنَّه والأظهر أنه من كلام
أبي الدرداء والله أعلم، وموقوف زيد بن ثابت من عند مسلم، وشأنه عطاء
عن القراءة مع الإِمام فقال: لا قراءة مع الإِمام في شيء، قال البخاري: ورواه
عمر بن محمد عن موسى عق زيد قال: " من قرأ خلف الإِمام فلا صلاة
له " (2) . قال: ولا يعرف بهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض، ولا يصح
مثله، وقال أبو عمر: هو مثل لا يصح، وموقوف عبد الله بن عمر أنه كان
إذا سئل: هل يقرأ أحد خلف الإِمام؟ قال: " إذا صلى أحدكم خلف الإِمام
فحسبه قراءة الإِمام، وإذا صلى وحده فليقرأ " (3) . قال نافع: " وكان ابن
__________
(1) رواه النسائي في (الافتتاح: باب " 30 ") ، والبيهقي (2/162) ، ونصب الراية (2/
17) ، والدارقطني (1/332/، 339) ، والكنز (22955) .
(2) ضعيف. نصب الراية (2/19) ، والمتناهية (1/133/، 433) . وضعفه الشيخ الألباني.
(3) انظر: جامع المسانيد (2/546) .(1/1439)
عمر لا يقرأ خلف الإِمام " (1) . رواه مالك عنه وأسنده الدارقطني من حديث
سليمان بن الفضل، ثنا محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك- عن أبيه عن
سالم عنه بلفظ: " من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة " (2) . ثم قال:
رفعه، وهو مرسل الشعبي قال- عليه السلام-: " لا قراءة خلف الإِمام " (3) .
رواه أبو الحسن من حديث علي بن عاصم عن محمد بن سالم عنه،
وحديث الحرث عن علي قال: قال رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أقرأ خلف الإِمام أو
أنصت؟ قال: " بل أنصت فإنه يكفيك " (4) . قال الدارقطني: تفرد به
غسان بن الربيع وهو ضعيف، ورواه أيضا من حديث علي بن صالح عن ابن
أبي الأصبهاني عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى عن أبيه، قال علي يرفعه:
" من قرأ خلف الإِمام فقد أخطأ/الفطرة " (5) ، وقال: لا يصح إسناده، وزاد
البخاري: المختار لا يعرف ولا يدرى أنه سمع من أبيه ولا أبوه من علي، ولا
يحتج أهل الحديث بمثله.
ومن طريقه عن علي أيضاَ عن أبي حزم أن رجلا جاءه فقال: إني صلَّيت
ولم أقرأ قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم، قال: قد تمت صلاتك،
ماكل أحد يحسن يقرأ، وذكر البيهقي عن أبي وائل أن رجلا سأل ابن
مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: " أنصت للقرآن فإن في الصلاة شغلا،
وسيكفيك ذلك الإِمام " (6) ، وذكره البخاري من حديث أبي حباب عن ابن
كهيل عن إبراهيم عنه بلفظ: " وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام بلى "، فواه
متناَ، وقال: هذا مرسل لا يحتج به، وخالفه ابن عون عن إبراهَيم عن الأسود
__________
(1) رواه مالك في: الصلاة (ح لم 43) .
(2) تقدم مص 1436.
(3) رواه الدارقطني (1/330 /) ، والكنز (50545) ، والإرواء (2 / 277) .
(4) رواه الدارقطني (1 / 330) ، ونصب الراية (2/19) ، والإرواء (2/276) .
(5) ضعيف رواه الدارقطني (1 / 323 /، 403) ، ونصب الراية (2 / 13) .
(6) انظر: الإرواء (2/776) .(1/1440)
وقال. رضعا، وذكر أيضاَ وروى داود بن قيس عن ابن بجاد رجل من ولد
سعد عن سعد، وددت أنّ الذي يقرأ خلف الإِمام من فيه جمر.
قال: وهذا مرسل، وابن بجاد لم يعرف ولا يُسّمى، وذكر ابن حزم أن
عمر بن الخطاب قال- وقد صلى المغرب بالنُّاس ولم يقرأ شيئاَ-: أليس قد
أتممت الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، فلم يعد الصلاة. ومن طريق حماد بن
سلمة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه،
ولم يتعرض للكلام عليه؛ بل ذكره في معرض الاحتجاج، وذكره أبو الفرج بن
الجوزي في كتاب العلل المتناهية، قال البيهقي في المعرفة: سئل أبو موسى
الرازي وكان أحفظ أصحاب الرأي على أديم الأرض في وقته عن قوله- عليه
السلام-: " من له إمام فقراءة الإِمام له قراءة " (1) . فقال: لم يصح فيه
عندنا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء إنمّا اعتمد فيه مشايخنا على الروايات/عن علىّ
وأبي مسعود والصحابة، قال البيهقي: وقد روينا عن علي من طريق صحيحة:
أنه أمر بالقراءة خلف الإِمام، وروينا ذلك عن ابن مسعود، وجابر، وأبي
الدرداء، وعبادة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وأبي سعيد
الخدري، وابن مغفل، وأبي هريرة، وأنسَ، وعمران بن حصين، وعائشة، وعبد
الله بن عمرو، وهشام، وابن عمر في رواية، وعروة، وسعيد بن جبير،
ومكحول، وقال البخاري: وكان ابن المسيب وعروة والشعبي وعبيد الله بن
عبد الله ونافع بن جبير وأبو المليح والقاسم بن محمد وأبو مجلز ومكحول
ومالك وابن عون وابن أبي عروبة يرون القراءة، وسئل عمر: أقرأ خلف
الإِمام؟ فال: نعم، قيل: وإن قرأت أنت؟ قال: وإن قرأت ".
وقال حذيفة: يقرأ، وقال ابن علية: روبت عن مجاهد إذا نسي الفاتحة فلا
يعتد بتلك الركعة، قال أبو محمد عبد الله: فإن اعتل معتل فقال: إنما قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة إلَا بفاتحة الكتاب " (2) ، ولم يقل في كل ركعة،
__________
(1) تقدم أكثر من مرة في هذا الباب. انظر ص 1436 الحاشية رقم (3) .
(2) إتحاف (3/48، 47) ، والفتح (2/252) ، وأبو عوانة: (2/125) ، والحلية (7/124) ، وابن
عدي فما " الكامل " (4/1437) ، ونصب الراية (1/367) ، والجمع (2/115) ، وعزاه إلى الطبراني=(1/1441)
قيل له: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بين حتى قال: اقرأ ثم اركع ثم اركع ثم اسجد ثم
ارفع فإنك إن أتممت صلاتك على هذا فقد تمت، وهذا حديث مفسر
للصلاة كلها لا للركعة، وقال أبو قتادة: " وهذا حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في
الأربع كلها " (1) . فإن احتج بحديث عمر أنَّه نسي القراءة في ركعة فقرأ في
الثانية الفاتحة مرتين قيل له: حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسر حين قال: اقرأ ثم اركع
فجعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القراءة قبل الركوع، فليس لأحد أن يجعل القراءة بعده،
قال أبو عمرو: قال بعض الكوفيين/قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لمن لم يقرأ ".
خاص أريد به من صلى وحده أو كان إماماً، وكذلك فسره ابن عيينة، وأمّا
من صلى وراء إمام فإن قراءته له قراءة محتجين بأن جمهور العلماء أجمعوا
على أن الإِمام إذا لم يقرأ وقرأ من خلفه لم تنفعهم قراءتهم، فدلّ أن قراءة
الإِمام هي التي تراعى، وأنَّها كما جاء في الحديث: " قراءة لمن خلفه "،
وقوله عليه السلام: " ما لي أنازع القرآن! " (2) .
قال الساجي في كتاب المنتقى: قد يقال مثل هذه النقطة لمعان:
أحمدها: أنّ لعان المرء نفسه يقول: مالي فعلت كذا وكذا! وقد يقول ذلك
لمعنى اللوم لمن فعل ما لا يجب: مالي وذا مالي امنع حقي، وقد يقول ذلك
إذا أنكر أمراً غاب عنه شبه فيقول الإنسان: مالي لم أدرك أمر كذا! ومعنى
ذلك هنا الذي ظهر من أبي حتى لكَم القراءة معي في الصلاة فتنازعوا في
القراءة فيها، ومعنى منازعتهم له ألا يفردوه بالقراءة ويقرءون معه.
***
__________
= في " الأوسط "، وهو في الصحيح خلا قوله: " وآيتين معها "، وفيه الحسن بن يحيى
الخشني، ضعفه النسائي والدارقطني، ووثقه دحيم وابن عدي وابن معين في رواية.
(1) بنحوه. رواه البخاري (1/193) ، ومسلم في (الصلاة، ح/155) ، وأحمد (5/308305) ،
والبيهقي (2/63، 348) ، وابن أبي شيبة (1/372، 2/402) ، وشرح السنة (3/64) ، والمطالب
(429) ، والكنز (22142) ، وابن عساكر في " التاريخ " (6/348) .
(2) تقدم. تلخيص (1/231) ، والكنز (20540، 20541، 22931) ، وعبد الرزاق
(2796) ، والبخاري في " الصغير " (1/177) ، وابن حبيب (1/47) ، والقرطبي] (1/
118/، 121) ، والخطيب (11/426) ، والإرواء (2/39، 275) .(1/1442)
144 - باب الجهر بأمين
الحراني قالا: حدثنا عبد الله بن وهب عن يونس جميعاَ عن الزهري عن
سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أئن القارئ فأمِّنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما
تقدم من ذنبه " (1) .
حدثنا محمد بن بشار بن صفوان بن عيسى ثنا بشير بن رافع عن أبي عبد
الله بن عمر عن أبي هريرة قال: " ترك الناس التأمين، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: آمين، حتى يسمعها أهل
الصف الأول فيزعج بها المسجد " (2) . هذا حديث مضعف بأمرين:
الأول: بشر بن رافع أبو الأسباط الحارثي، فإن البخاري قال: لا يتابع في
حديثه، وقال ابن معين: حاتم/بن إسماعيل روى عن أبي الأسباط شيخ
كوفي ثقة قيل له: هو ثقة، قال يحيى: يحدّث بمناكير، وفي رواية: ليس به
بأس، وقال النسائي: هو ضعيف، وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي
عندهم، وقال الترمذي: يضعف في الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف منكر
الحديث، لا ترى له حديثاَ قائما، وقال ابن عدي: يقارب الحديث لا بأس
بأخباره، ولم أجد له حديثاَ منكراَ وعد البخاري: أنَ بشر بن رافع هذا هو أبو
الأسباط الحارثي، وعند يحيى: أن أبا الأسباط شيخ كوفي، ولكن ند ذكر
يوسف بن سليمان عن حاتم عن أبي الأسباط، وما قاله كل واحد منهم
يحتمل وإن كان اثنين فكأنّ أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي
الأسباط، وقال أحمد بن حنبل: ليس بشيء ضعيف الحديث، وقال ابن
حبان: يروي أشياء موضوعة كانه المعتمد لها، وذكره المتجاني البلخي وأبو
العرب في جملة الضعفاء، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال الحاكم:
وخرّج حديثه في الشواهد ليس بالمتروك، وقال البزار: لين الحديث وقد احتمل
حديثه، وقال العقيلي: له مناكير وبه ردّ الإشبيلي هذا الحديث، وقال ابن
القطان: ضعيف.
__________
(1) تقدَم فما أول الحديث فما الباب ص 1443
(2) تقدم ص 1443.(1/1444)
الثاني: أبو عبد الله بن عمر عن أبي هريرة، فإنه مجهول لا يعرف اسمه
ولا حاله ولا روى عنه غير بشر، وبه ردّ أبو الحسن بن القطان هذا الحديث،
والله تعالى أعلم.
وقد ذكرنا في الإكمال لتهذيب الكمال اسمه، ومن وثقه وذكره بخير،
وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق سالمة من هذين ذكرها الدارقطني من
حديث الزبيري، وعن الزهري عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين " (1) .
رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا
إسحاق بن إيراهيم، حدثنى عمرو بن الحرث، حدثني عبد الله بن سالم، وقال:
هذا إسناد حسن، وذكره ابن حبان أيضًا في صحيحه من حديث الزبيري
ولما خرجه الحاكم قال فيه: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا
اللفظ، واتفقا على تأمن الإمام وتأمن المأموم، وإن أخفاه الإِمام، واختاره أحمد
في جماعة لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإذا قال الإِمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين " (2) .
وفي كتاب الصلاة للفضل بن دكين: ثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي
هريرة أنه كان يؤذِّن بالبحرين فاشترط عَليهم الاّ يسبقوه بأمي.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا حميد بن عبد الرحمن ثنا ابن أبي ليلى عن
سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علّي بن أبي طالب قال: " سمعت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قرأ: ولا الضالين، قال: أمن " (3) . هذا حديث ضعيف بأمرين:
الأول: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى يسار أبو عبد الرحمن قاضي
الكوفة وفقيهها فإن شعبة قال: ما رأيت أسوأ حفظاً منه، وأفادني أحاديث
فإذا هي مقلوبة، وترك ابن زائدة حديثه وكان يحيى بن سعيد يضعفه، وقال
أحمد: هو سيء الحفظ مضطرب الحديث ضعيف. وقال ابن معين: ليس
بذاك، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال الدارقطني: رديء الحفظ
__________
(1) تقدم ص 1433.
(2) تقدم المنثور (1/9) ، وإتحاف (3/49، 104) ، والفتح (2/264) ،.
(3) الحاشية السابقة.(1/1445)
كثير الموهم، وقال العجلي: فقيه، صاحب/سنة صدوق، جائز الحديث، قارئ
للقرآن عالم به، وكان من أحسب النّاس وأيقظ الناس للمصحف وأحفظه
بعلم، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتاب التذكرة: أجمعوا على
ضعفه، وقال أبو حاتم: اشتهر بالحفظ ولا يتهم بشيء من الكذب إنما ينكر
عليه كثرة الخطأ فلا يحتج به، وقال ابن حبان: كان فاحش الخطأ رديء
الحفظ فكثرت المناكير في حديثه فاستحق الترك، تركه أحمد ويحيى.
الثاني: حجة بن عدي الكندي الكوفي، وإن كان العجلي وابن حبان
وثقاه وقال أبو الحسن: ابن القطَّان: روى عنه أبو إسحاق السميعي عدّة
أحاديث، وهو فيها مستقيم لم يعهد منه خطأ ولا اختلاط ولا نكارة، ولما
صحح الحاكم حديثه قال: لم يحتجا به، وهو من كبار أصحاب علي فقد
قال أبو حاتم الرازي: شيخ لا يحتج بحديثه شبيه (1) بالمجهول شبيه بشريح بن
النعمان الصابري وهبيرة بن مريم، وقال علي بن المديني: لا أعلم روى عنه إلّا
سلمة بن كهيل وفيه نظر، لما أسلفناه، وقال ابن سعد: كأن معروفاَ وليس
بذاك، ورواه الطبري في كتاب التهذيب عن أبي هشام الرفاعي ثنا المطلب بن
زياد عن ابن أبي ليلى عن عديّ بن ثابت وربما قال: عن رجل من الأنصار
عن ذرّ عن علي بلفظ: " إذا قال: ولا الضالِّين قال: آمين، ويمد بها
صوته " (2) .
ثم قال: وقد علل هذا الحديث بأن عدي بن ثابت ممن يجب التثبت في
قوله، ورواية عنه ابن أبي ليلى وهو عندهم ممن لا يحتج به، وأيضاَ فإنّ
المعروف عن علي العمل بخلافه ولو صح عنه لم يكن ليخالفه إلى غيره، ولما
ذكر أبو حاتم الرازي حديث المطلب لم قال: هذا خطأ، فذكر له حديث حجبة
قال: وهذا أيضاَ عندي خطأ، إنَّما هو سلمة عن حجر عن وائل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال أمه فقلت: حديث المطلب ما حاله قال: لم بروه غيره، ولا أدري ما هو
__________
(1) قوله: " شبيه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) له أكثر من موضع قريب. وانظر: المنثور (1/9) ، وإتحاف (3/49، 104) ، والفتح
(2/264) .(1/1446)
وهذا من ابن أبي ليلى؛ فإنه كان سيء الحفظ، وفي الأوسط لم يروه عن
عدي بن ثابت إلا ابن أبي ليلى ولا عهْ إلا المطلب. تفرد به ضرار بن صرد.
حدثنا محمد بن الصباح، وعمار بن خالد الواسطي، ثنا أبو بكر بن عياش عن
أبي إسحاق عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: " صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فلما قال: ولا الضالين قال: آمن فسمعناها منه " (1) ، هذا حديث إسناده
منقطع فيما بين عبد الجبار وأبيه قال هاهنا: قال أحمد بن حنبل: وروى لنا
هذا الحديث عن أبي بكر بن عياش يقول ناس لم يسمع عبد الجبار من أبيه
شيئا.
وقال الدوري: سمدت يحيى يقول: عبد الجبار ثبت ولم يسمع من أبيه
شيئا إنما كان يحدث عن أهل بيته ويقولون: إن أباه مات وهو حمل- أي:
أمه حبلى به- وفي موضع آخر: ولد بعد موت أبيه لستة أشهر، وقال: نظروا
الحسن بن عبيد الله عن عبد الجبار سمعت أبي، ولا يصح سماعه من أبيه
وهو في بطن أمه، ومات أبوه قبل أن يولد، ولما ذكر الترمذي: " خرجت
امرأة فتحللها رجل " (2) . الحديث من حديثه عن أبيه.
قال: غريب وليس إسناده بمتصل، وسمعت محمد يقول: لم يسمع عبد
الجبار من أبيه ولا أدركه، وقال: ثنا مدار بن يحيى، وعبد الرحمن عن سفيان
عن سلمة عن حجر بن عنبس عن وائل فأخرج. عبد الجبار من السند، وقال:
حسن زاد منه وفي العلل/الكبير: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث
الثوري عن سلمة بن كهيل في هذا الباب أصح من حديث شعبة وشعبة أخطأ
__________
(1) انظر: الحاشية السابقة.
(2) رواه الترمذي في: الحدود، (ح/1454) .
وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وتمام لفظه " عن علقمة بن وائل الكندي عن أبيه أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُريد الصلاة، فتلقاها فقضى حاجته منها فصاحت وانطلق ومر عليها رجل فقالت: إِن ذَاك
الرجل فعل بي كذا وكذا، ومرت بعصابة من المهاجرين فقالت: إنْ ذاك الرجل فعل بي
كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها وأتوها فقالت: نعم هو هذا، فأتوا
به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما أمريه ليُرجم قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله=(1/1447)
/ في هذا الحديث في مواضع، قال: عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي
العنبس، وإنما هو ابن عنيس وكنيته أبو السكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل
وإنما هو حجر عن وائل ليس فيه علقمة، وقال: وخفض بها صوته، والصحيح
أنّه جهر بها، وسألت أبا زرعة فقال: حديث سفيان أصح من حديث شعبة،
وقد رواه العلاء بن صالح، وفي المعرفة البيهقي أجمع الحفاظ على أنَّ شعبة
أخطأ في ذلك، وقد رواه العلاء ومحمد بن سلمة بن كهيل عن سلمة بمعنى
رواية سفيان، ورواه شريك أيضا عن أبي إسحاق عن علقمة بن وائل عن أبيه،
وقد رويناه بإسناد صحيح عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة كما رواه الثوري
من أوجه أخر. أنتهي. هو في مسند أبي داود عن شعبة أخبرني سلمة
سمعت حجرا قال: سمعت علقمة فذكره، وعاب أبو الحسن على عبد الحق
رضاه بقول الترمذي فيه: حسن، وعدم بيان المانع في صحته، وقال: هذا
الحديث فيه أمور: أحدهما: اختلاف شعبة وسفيان. الثاني: حجر لا يعرف
حاله. الثالث: يعني دخول علقمة ابن حجر ووائل، ولما ذكر الدارقطني رواية
الثوري صححها كأنه عرف من حال حجر الثقة ولم يره منقطعاَ بزيادة شعبة
علقمة في الوسط، وفي ذلك نظر، والاضطراب في المتن علَّة مضعفة في
الحديث، لأن يقال فيه: ضعيف أقرب منه إلي أن يقال: حسن فاعلمه. انتهي
كلامه. وفيه نظر في مواضع: الأول: حجر هذا ليس مجهول الحال ولا العين،
أما عينه، فروى عنه سلمة وموسى بن قي الحضرمي والمغيرة بن أبي الحر
الكندي، وأما حاله فذكره ابن الأثير في الصحابة وقال: آمن بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
حياته وذكره ابن الجوزي وغيره في المختلف في صحبتهم.
ولما ذكره البغوي في الصحابة قال: كان آكل الدم في الجاهلية وشهد مع
علي الجمل وصفين، وليس له عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير خطب أبو بكر وعمر
وفاطمة، ولا أحسبه سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو بكر الخطيب: صار مع
علي إلى الهرون وورد اللمدائين في صحبة وهو ثقة احتج بحديثه غير واحد
__________
= أنا صاحبها، فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لَكِ، وقال للرجل قولا حسنا، وفال للرجل
الذي وقع عليها ارجموه وفال: لقد تاب توبة لو تاها أهل المدنية لقُبلَ منهم ".(1/1448)
من الأئمة، وذكره ابن حبان في الثقات، وخرج حديثه هذا في صحيحه من
حديث شعبة ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذه السنة ليس
بصحيحة؛ لمخالفة الثوري شعبة في اللفظة التي ذكرناها، فذكر حديث أبي
هريرة المتقدّم، وقال يحيى بن معين: هو كوفي ثقة مشهور.
الثاني: عيينة أبا بدخول علقمة بينهما، وليس بعيب على ما ذكره الكجي
في سنه فإنه ما ذكر رواية حجر عن علقمة قال: وقد سمعه أيضاً حجر من
وائل.
الثالث: إغفاله اضطرابا آخر لم يذكره، وهو يقول: ابن أبي بكر الأثرم
اضطرب في شعبة في هذا فقال مرة: عن سلمة عن حجر عن وائل، وقال
مرّة: عن سلمة عن حجر عن علقمة، أو عن وائل، ورواه سفيان فلم
يضطرب في إسناده ولا في الكلام، قال سلمة: عن حجر عن وائل مرفوعاَ أنه
كان يجهرها، وروى ذلك عن وائل من وجه آخر، ثنا أبو عبد الله، ثنا أبو
بكر بن عياش، ثنا أبو إسحاق عن/عبد الجبار بن وائل عن أبيه فذكره، ثم
قال: فقد صح أنه أظهر بالتأبين من درجه، ولم يصح فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء
غيره.
حدّثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا حماد بن
سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما
حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين " (1) ، هذا
حديث إسناده صحيح على رسم مسلم. وفي كتاب البيهقي من حديث
عمرو بن قيس عن محمد بن الأشعث قال: حدثتني عائشة قالت: بينا أنا
قاعدة عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء ثلاثة نفر من اليهود فذكرت: حديثَا فيه فقال
عليه الصلاة والسلام: " حسدونا على القبلة التي هدينا لها وضَلُّوا عنها،
وعلى الجمعة، وعلى قولنا خلف الإِمام آمن " (1) ، وفي لفظ حسن:
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/856) في الزوائد، هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات.
احتج مسلم بجميع رواته. والمنثور (1/17، 2/189) ، والفتح (11/4، 200) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/1449)
" حسدونا بثلاث: التسليم والتأمين واللهم ربنا ولك الحمد " (2) ، وعند أحمد:
" إنهم لن يحسدونا- يعني: اليهود- على شيء كما يحسدونا على
الجمعة ... " (3) الحديث.
حدثنا العباس بن الوليد الخلال الدمشقي، ثنا المروان بن محمد وأبو مسهر
قالا: حدثنا خالد بن يزيد بن صبيح المزي، ثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما حسدتكم اليهود على شيء ما
حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين " (4) . هذا حديث إسناده
ضعيف؛ لضعف روا ية طلحة بن عمرو الحضرمي المكي، فإن البخاري قال
فيه: ليس بشيء، وقال أبو دواد: ضعيف، وقال النسائي: ليس بثقة، وفي
موضع آخر: متروك الحديث، وقال الفلاس: كان يحيى/وعبد الرحمن لا
يحدثان عنه، وقال الإِمام أحمد: لا شيء متروك الحديث، وقال ابن معين:
ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ليس بقوى ليس عندهم، وقال الجورجاني: غير
مرضي في حديثه، وقال ابن عدي: قد حدث عنه قوم ثقات أحاديث صالحة،
وعامة ما يروى عنه لا يتابعونه عليه.
وعن عبد الرازق قال: اجتمعت أنا وشعبة والثوري وابن جريج فقدم علينا
شيخ فأملا علينا أربعة آلاف حديث عن ظهر قلب فما أخطأ إلا في موضعين
لم يكن الخطأ منه من فوق، وكان الرجل طلحة بن عمرو الكاتب لشعبة (4) ،
وقال أبو أحمد الحاكم: يكني أبا عمران وليس بالقوي عندهم، وقال ابن جد:
__________
(1) الترغيب (1/328) ، والكنز (19716، 19717) ، والقرطبي (8/130) .
(2) الكنز: (25276) .
(3) رواه أحمد: (6/125) .
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/857) ،. في الزوائد: إسناده ضعيف. لاتفاقهم على
ضعف طلحة بن عمرو.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/183) ، والتعليق الرغيب (1/178- 179) .
(4) كذا ورد هذا السياق " بالأصل "، والعبارة غير كاملة المعنى.(1/1450)
كان كثير الحديث ضعيفا جدا وقد رووا عنه، وقال البزار في كتاب السنن
تأليفه: لم يكن بالحافظ، وقال في المسند: طلحة وعقبة الأصم غير حافظين.
وإن كان قد روى عنهما جماعة فليسا بالقويين، وقال العجلي: ضعيف
وقال حمزة: سئل عنه الدارقطني فقال: لين، وفي موضع آخر: ضعيف، وقال
البيهقي في المعرفة: ليس بالقوى، وفي كتاب ابن الجارود وبيان الوهم
والإِبهام: ليس بشيء، وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من
أحاديثهم، ولا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه إلّا على جهة التعجب،
وقال علي بن الجنيد: متروك، وقال أبو زرعة البزار: ضعيف، وذكره الساجي
والعقيلي وأبو العرب وغيرهم في جملة الضعفاء، وفي الباب غير ما حديث؛
من ذلك حديث أبي عثمان النهدي عن بلال أنه قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
تسبقني بآمين " (1) . رواه أبو داود، وقال الدارقطني: وروى عن أبي عثمان
قال: قال بلال/للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرسلا، ولما ذكره أبو حاتم في كتاب العلل
مسندا قال: هذا خطأ، رواه الثقات عن عاصم عن أبي عثمان مرسل، ورواه
البيهقي من حديث عبد الرزاق مرسلا ومن حديث وكيع وشعبة مسندا، ثم
قال: ورواية عبد الرزاق أصح.
قال: وفي رواية محمد بن فضيل عن عاصم بن أبي عثمان قال: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تسبقني بآمين " (2) قال: فكان بلال يؤمن قبل تأمين النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تسبقني بآمين ". ولما أخرجه الحاكم من حديث عاصم عن
أبي عثمان قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي
المعرفة البيهقي: وقيل عن أبي عثمان عن سليمان قال: قال بلال وهو ضعيف
ليس بشيء وإن كان محفوظا فيرجع إلى ما روى في الحديث، الثالث: عن
أبي هريرة: " إذا أمن الإِمام فأمنوا " (1) ، والله أعلم.
(1) رواه البيهقي (2/23، 56) ، والحاكم (1/219) ، وعبد الرزاق (2636) ،
والطبراني (1/352، 6/311) ، ورجاله موثقون. والكنز (22189، 22193) ، والفتح
(2/262) ، وأصفهان (1/260)
(2) انظرْ الحاشية السابقة(1/1451)
وفي الأوسط: لم يروه عن القاسم بن معين عن عاصم إلا عثمان بن
سعيد. تفرد به أبو كريب، وفي الأحكام للشيخ أيضًا، قيل: إنَّ أبا عثمان لم
يدرك بلالا، وحديث أبي زهير النميري من عنده أيضاً وسنده صحيح قال:
خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة نمشي فأتينا على رجل قد ألح في المسألة
فوقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع منه فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوجب إن ختم، فقال رجل
من القوم: بأي شيء يختم؟ قال: بآمين فإنه إن ختم بأمين فقد أوجب ".
فانصرف الرجل السائل فأتى الرجل فقال: يا بلال اختم بآمين وأبشر (2) ،
وذكره أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب فقال: إسناده ليس بالقائم، وحديث
أنس بن مالك/قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله أعطى أمتي ثلاثاً/
يعط أحد قبلهم: السلام، وصفوف الملائكة، وآمين- إلا ما كان من موسى
وهارون عليهما السلام- " (3) . ذكره أبو عبد الله الترمذي في نوادره بسند
ضعيف، فقال: ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد عن أبيه، ثنا زرى مؤذن
مسجد هشام بن حسان، ثنا أنس به، ثم قال: معناه: أن موسى دعا وهارون
أمن، قال: فقال: (قد أجيبت دعوتكما) ، وحديث أبي موسى الأشعري
عند مسلم يرفعه: " وإذا قال- يعني الإِمام- غير المغضوب عليهم ولا
الضالين فقولوا: آمين يحبكم الله " (4) .
وحديث ابن أم الحصين عن أمه: " أنها صلَّت خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته
يقول: آمين، وهي في صف النساء " (1) : ذكره أبو بكر في كتاب المعرفة،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/198) ، ومسلم في) الصلاة، ح/72) ،
وأبو داود (ح/852) ، والترمذي (ح/250) ، وصححه. والنسائي (2/144) ، وابن ماجة
(ح/852) ، والبيهقي (2/55، 57) ، وابن خزيمة (750، 1583) ، والتمهيد (7/8،
61) ، وابن أبي شيبة (825) ، ونصب الراية (1/368) ، والكنز (19714) ، وابن
كثير (1/48) ، الخطيب (1/327) ، والشافعي (37، 212) ، (385) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/938) ، والترغيب (1/331) ، والمنثور (1/17) ، والكنز (3233) .
(3) ضعيف. الجوامع (46692) ، والمنثور (1/17) ، والقرطبي (1/130، 76، 11/113) .
(4) صحيح، متفق علبه. رواه مسلم في " الصلاة "، (ح/140) ، والبخاري (ح/250) ،
وصححه. وابن ماجة (ح/852) ، ومالك في (الصلاة، باب " 11 " ما جاء في التأمين
خلف الإِمام، وأحمد (2/459) .(1/1452)
قال: وروينا عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا كان وراء الإِمام، وقرأ الإِمام
بفاتحة الكتاب، قال الناس: آمن؛ أمَّن معهم، ورأى ذلك من السنة " (2) .
وفي المحلى من طريق عبد الرازق بن معمر عن يحيى عن أبي سلمة عن
أبي هريرة أنه كان مؤذنا للصلاة بن الحضرمي بالبحرين فاشترط عليه لا يسبقه
بأمين، وفي كناب الصلاة للفضل بن دكين عن إبراهيم قال: " كان
يستحب إذا قال الإِمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين أن يقول الرجل:
اللهم اغفر لي آمين " (3) . وعن عكرمة: " كنا نكره إذا قال الإِمام ولا
الضالين أن نسبقه بآمين ". وعن أبي إسحاق أنَّ معاذ بن جبل: " كان إذا
فرغ من " وانصرنا على القوم الكفرين " قال: آمن " وعن ابن عباس: " إذا
قال الإِمام: " ولا الضالين " فسأل موجبة وقل آمين " (4) غريبه: ذكر ابن بريرة
أن ابن عباس سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/عن معنى آمين، فقال: " لذلك يكون ".
وعن هلال بن يسار: هي اسم من أسَماء الله تعالى، وقال عطية العوفي:
هي كلمة عبرانية أو سربانية، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي كنز
من كنوز العرش لا يعلمه إلا الله تعالى، وقيل: هي خاتم رب العالمين على
عباده المومنين، وفي بسيط الواحدي عن جعفر بن محمد الصادق: معناها
فصدى البيت وأنت كرم من أن يجيب قاصداَ، وعن ابن الأنباري: اللهم
استجب، وفي البخاري عن عطاء: هي دعاء، وفي الفصيح لأبَي العباس: مدّ
الألف وقصرها قال: ولا تشدّد الميم فإنّه خطأ، وكذا ذكره يعقوب وغيره،
وذكر ابن عديس في كتاب المُسمّى (1) : التشديد لغة شاذة، وفي كتاب شرح
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد، (2/113) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.
(2) قوله: " من السنة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) لم نقف على هذا الأثر.
(4) قوله:! غريبه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/1453)
الفصيح لابن درستويه: هي كلمة عبرانية معربة مبنية على الفتح للياء وأقبل
التي قبل نونها.
وقال ابن قتيبة: معناها يا آمن أي: يا الله وأضمر في نفسه استجب لي،
وهذا كقولهم: أزيد أقبل؟ معناه يا زيد أقبل، قال ابن الأنباري: هذا خطأ؛ لأنه
لو كان منادي لقيل آمين بالضم؛ لأن هذه المعرفة مضمومة بغير تنوين، قال
ابن خالويه: ولا يلزمه الذي قال؛ لأن آمين وإن كان موضوعا موضع الاسم
فلا يجب إعرابه، ولصرّفه كتصرف الأسماء في الإعراب، والتثنية، والجمع،
كما يقول: صه في معنى اسكت، وأنت لا تعرفه، ولا تثنية، ولا تجمعه،
قال: وقال ابن قتيبة: قال بعضهم: الأصل فيها القصر، وإنما مدّت ليرتفع
الصوت بالدعاء وأبي ذلك ابن درستويه، فقال: ليس قصر الهمز معروفا
بالاستعمال، وإنما قصره الشاعر ضرورة إن كان قصره، وذلك أن البيت الذي
أنشده ثعلب وفيه قصرها وهو آمين فزاد الله ما بيننا بعداَ قد روى على غير ما
رواه وهو فآمين/زاد الله ما بيننا بعداً، وهذا ممدود لا ضرورة فيه، وهو
المعروف لم يروه أحد عن الصحابة الذين رووا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقولوا آمن
بالقصر ولكن ممدودا وهو الأصل الصحيح في المحكم.
قال الفارسي: هي جملة مركبة من فعل واسم معناه استجب لي، وزعم
ابن الأثير: أنه لا خلاف بين أهل الإِسلام أنها ليست من القرآن ولم يكتبها
أحد في المصحف، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: لا يقولها الإِمام،
إنما يقولها من خلفه. وكذا روى عن مالك في المدونة وفي العارضة عنه: " لا
يؤمن الإمام في صلاة الجهر "، وقال ابن حبيب: يؤمِّن، وقال ابن بكير: هو
بالخيار، وفي كتاب الشفاء: تسمى. وزعمت طائفة من المبتدعة الأفضلية
فيها، قال: وذكر القزويني عن قوم أنلها تفسد الصلاة، وقال ابن حزم: يقولها
الإمام سنة وندباَ والمأموم فرضاَ، وفي صحيح ابن حبان في قوله " فمن وا فق
تأمَينه الملائكة "، أي: وافقهم في الخشوع والإخلاص، وفي كتاب النووي:
معناه وافقهم في وقت التأمين، وهو الصحيح لَقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وقالت الملائكة
__________
(1) قوله: " المسمى " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/1454)
في السماء: آمين " وكدا قوله: فمن وافق قوله قول الملائكة، وقيل- وافق
الملائكة- عليهم السلام- في استجابة الدعاء.
وقيل: في لفظ الدعاء، وقيل: الملائكة هؤلاء هم الحفظة، وفي كتاب ابن
بريدة المتعاقبون، قال: يجهر بها المأموم عند أحمد وإسحاق وداود، قال
جماعة: يخفيها، وهو قول أبي حنيفة والكوفيين، وأحد قول مالك والشافعي،
زاد في الأمر: لو قال آمين رب العالمين وغير ذلك من ذكر الله تعالى كان
حسنًا، وفي قوله: " غفر له ما تقدم من ذنبه " قال ابن بريدة: أشار إلى
الصغائر ومالها يكاد، وينقل عنه/في الغالب من اللمم.(1/1455)
145- باب رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع
حدثنا علي بن محمد، وهشام بن عمار، وابن عمر، وأبو عمر الضرير
قالوا: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: " رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذى منكبيه، وإذا رفع
رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين " (1) . هذا حديث خرجاه في
صحيحهما، وعند أبي داود (2) : " وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ويرفع
ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قال أبو داود: الصحيح قول ابن عمر ليس بمرفوع،
ورواه الثقفي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع أو معه علي ابن عمر، وقال فيه:
" وإذا قام من الركعتين يرفعهما إلى ثدييه ". هذا الصحيح، ورواه الليث
ومالك وأيوب وابن جريج موقوفاَ، وأسنده حماد بن سلمة وحده عن أيوب،
ولم يذكر أيوب.
ومالك الرفع إذا قام من السجدتين، وذكره الليث في حديث، وفي
المعرفة: كان عبد الله إذا رأى رجلا لا يرفع يديه في الصلاة عند الركوع ورفع
رأسه حصبه، وفي الأوسط مرفوعَا عنه: يرفع يديه في كل صلاة وفي
الجنائز: رواه عن موسى بن عيسى، ثنا صهيب بن محمد، ثنا عباد بن
صهيب، ثنا عبد الله بن محيرز، عن نافع عنه، حدثنا حميد بن سعدة، ثنا
يزيد بن زريع، ثنا هشام بن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان إذا كمر رفع يديه حتى يجعلهما قريباَ من أذنيه،
وإذا ركع صنع مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك " (3) .
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه للبخاري في (الأذان، 83- باب اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح) ،
ومسلم في (الصلاة، ح/21، 22) ، ومالك في (الصلاة، ح/16) ، وابن ماجة (ح/858) ، وأحمد
(2/8، 18، 100، 106، 122، 134، 147، 4/316، 5/337)
قوله: " منكبيه " تشبه منكب. وهو مجمع عظم العضد والكتف.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/721) .
(3) صحيح، متفق عليه: أورده الألباني في " الإرواء " (2/76) ، وعزا هـ إلى البخاري=(1/1456)
/هذا حديث خرجاه أيضا، وعند مسلم: " حتى يحاذى بهما فروع
أذنيه ". وذكر ابن ماجة (1) هنا حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة،
وقد ذكرنا قبل، وفيه رفع اليدين عن العشرة من عند ابن أبي حاتم.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وهشام بن عمار قالا: ثنا إسماعيل بن عياش،
عن صالح بن كيسان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: " رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه في الصلاة حذو منكبيه حين يفتتح الصلاة، وحن
يركع وحين يسجد " (2) . هذا حديث في سنده ضعف؛ لما أسلفناه من حال
إسماعيل.
وفي علل ابن أبي حاتم: سمعت أبي، وثنا عن وهب بن شبهان، عن
حفص بن النجار، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن أي بكر بن
عبد الرحمن قال: " كان أبو هريرة يصلِّي بنا، فكان يرفع يديه إذا افتتح
للصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فإذا سلم التفت إلينا، وقال:
إنى أشهدكم صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال هذا خطأ إنما يروى هذا الحديث أنه
كان يكبر فقط وليس فيه رفع اليدين.
حدثنا هشام بن عمار، ثنا رفدةَ بن قضاعة الغساني، ثنا الأوزاعي، عن
عبيد الله بن عمير، عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب الليثي قال: حدثنا
__________
ومسلم في (الصلاة، ح/25، 26) ، وابن ماجهَ (ح/859) ، والطبراني (19/
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/862) ،.
وصححه الشيخ الألباني.
وتمام لفظه: " عن أبي حميد الساعدي قال: سمعته، وهو في عشرة من أصحاب رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أحدهم أبو قتادة بن ربعي قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا قام في
الصلاة اعتدل قائما، ورفع يديه حتى يُحاذي هما منكبيه، ثم قال: " الله أكبر " وإذا أراد أن
يركع، رفع يديه حتى يُحاذى بهما منكبيه، فإذا قال " سمع الله لمن حمده " رفع يده
فاعتدل، فإذا قام من ثنتين كبر، ورفع يديه حتى يُحاذى بها منكبيه، كما صنع حين افتتح
الصلاة ".
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/860) ، في الزوائد: إسناده ضعيف. وفيه رواية
إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهي ضعيفة،(1/1457)
محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، حدثنا
محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي قال: " سمعه وهو في
عشرة من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدهم أبو قتادة بن ربعي قال: أنا
أعلمكم بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام في المملاة
اعتدل/قائمًا، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه: ثم قال: الله كبر، وإذا
أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. فإذا قال: سمع الله لمن
حمده رفع يديه اعتدل، فإذا قام من ثنتين كبّر ورفع يديه حتى يحاذي هما
منكبيه، كما صنع حين افتتح الصلاة " (1) .
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا
عباس بن سهل الساعدي قال: اجمع أبو حميد وأبو أسيد الساعدي وسهل بن
سعد وحمّاد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال أبو حميد: " أنا
أعلمكم بصلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام وكبر، ورفع يديه ثم
رفع حين كبّر للركوع، ثم قام ورفع يديه واستوى حتى رجع كل عظم إلى
موضعه، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة
المكتوبة " (2) .
هذا حديث في سنده ضعف؛ لضعف رفدة بن قضاعة مولى غسان، فإنه
وإن قال فيه هشام بن عمار تلميذه: كان ثقة، فإنّ الساجي قال: في أحاديثه
مناكير، وذكر حديثه هذا في كتاب الموضوعات تأليفه، وقال الجوزقاني:
كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ولا يحتج به إذا وقع الثقات إذا انفرد
عن الإثبات بالأشياء المناكير، وكذا قاله ابن حبان وزاد: وروى عن الأوزاعي
: " أنَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه في كل خفض ورفع " (3) .
قال أبو حاتم: وهذا خبر إسناده مقلوب ومتنه منكر؛ ما رفع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) تقدم الحاشية رقم (1) السابقة في ص 1456.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/863) ،.
وصححه الشيخ الألباني.
(3) موضوع. إتحاف (3/67) ، والفتح (2/223) ، والموضوعات لابن القيسراني (183) .(1/1458)
يديه في كل خفض ورفع قط، وأخبار الزهري عن سالم عن أبيه مصرح
بضده، وأنه لم يكن يفعل ذلك بين السجدتين، وقال ابن/عدي: لا يتابع
على حديثه ولم أر له إلا حديثَا يسيرَا حديث الرفع يعرف به، وقد روى عن
أحمد بن أبي روح البغدادي، وكان يسكن جرجان، عن محمد بن مصعب،
عن الأوزاعي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم الرازي: منكر
الحديث، وقال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع، وقال مهنأ: سألت أحمد ويحيى
عن حديثه هذا، فقال: ليس بصحيح، ولا يعرف عبيد بن عمير يحدث عن
أبيه شيئاَ ولا عن جده، ولا يعرف رفدة.
وقال عن رفدة: قد سمعت به وهو شيخ ضعيف، ولو كان جاء هذا رجل
معروف (مثل يفعل كان عيسى) (1) .
حدثنا العباس بن عبد العظيم، ثنا سليمان بن داود وأبو أيوب الهاشمي، ثنا
عبد الرحمن بن أبي الزياد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن
عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب قال:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام للصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حتى تكون حذو
منكبيه، وإذا أراد أن يركع فعل مثل ذَلك " (2) . هذا حديث إسناده ضعيف؛
لضعف عبد الرحمن بن أبي الزياد والمذكور قبل.
ومن طريقه رواه أبو داود بلفظٍ: " ويفعل مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد
أن يركع، ويضعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو
قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر ". وهذا هو الموجب
لتضعيف الطحاوي له، رواه البغوي عن محمود: ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا
عبد العزيز بن أبي سلمة قال: حدثني عمر عن الأعرج بلفظ: " كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا/ولك الحمد
__________
(1) هكذا ب " الأصل "، ولعلها " ويفعل مثل ذلك كان عيسى ".
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/744) ، والترمذي (ح/3423) ، وقال: هذا حديث
حسن صحيح. وابن ماجة (ح/864) ، 22081، 22058) ، ومعاني (1/195) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/1459)
ملء السموات والأرض وما بيتهما وملء ما شئت من شيء بعد " (1) . وقال:
حديث علي حديث حسن صحيح، ورواه مطولاً ابن خزيمة في صحيحه،
ورواه البزار في مسنده مطولا ثم قال: وهذا الكلام روى نحوه وقريبًا منه
محمد بن مسلمة وأبو رافع، وجابر وقالوا كلاماً واضحاً نحو حديث علي.
وإنما احتمله الناس على صلاة الليل- يعني: الدعوات التي فيه- وفي
كتاب الخلال: عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي: سئل أبو عبد الله عن حديث
علي مرفوعاً في الرفع فقال: صحيح، وفي التمهيد: روى عبد الرحمن بن
خالد بن نجيح، عن مالك عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن علي،
ولا يصح فيه عن مالك إلا إرساله، ولما ذكره الدارمي من حديث عاصم بن
كليب عن أبيه عن علي: أنه كان يرفع في التكبيرة الأولى ثم لا يرفع في
شيء منها، ورواه بضعف أبي بكر النهشلي الدارمي عن عاصم، وبأنّ علياً لا
يجوز له ترك فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويفعل غيره.
وفي سنن البيهقي من حديث عيسى بن موسى، عمن حدثه عن مقاتل بن
حبان، عن الأصبع بن نباته، عن علي قال: لما نزلت هذه الآية على النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فصلِّ لربك وانحر ". قال لجبريل: " ما هذه النحرة؟! فقال: إنها
ليست بنحرة، ولكنه يأمرك إذا تحرّمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا
ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة " (2) .
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/195) ، وأبو داود (ح/846) ، والترمذي (ح/
226) ، والنسائي في (الافتتاح، باب " 107 " وابن ماجة (ح/878/، 893) ، وأحمد
(1/270، 276، 4/276، 284، 304، 353) ، والبيهقي (2/94، 98) ،
والدارقطني (1/342) ،. وإتحاف (3/63، 5/95، 9/188) ، وأبو عوانة (2/134) ،
وشرح السنة (3/113) ، وابن أبي شيبة (1/247/، 248) ، وصفة (139) ، ومعاني (1/
239) ، وابن عدي في " الكامل " (2/535) ، والإرواء (1/20، 2/64) .
(2) رواه البيهقي (2/75) ، وتلخيص (1/273) ، والكنز (4721) ، والمنثور (6/403) ،
والقرطبي (10/219) ، وتنزيه (2/102) ، واللآلىء (2/11) .(1/1460)
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رفع الأيدي من الاستكانة التي قال الله تعالى: فما استكانوا
لربهم وما يتضرعون " (1) .
حدثنا أيوب بن محمد الهاشمي، ثنا عمر بن رباح بن عبد الله بن
أوطاس، عن أبيه عن/ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يرفع يديه عند
كل تكبيرة " (2) . هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف عمر بن أبي رباح أبي
حفص الضرير البصري؛ فإن أبا حفص الفلاس قال: هو دجال، وقال ابن
حبان: بروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب،
وقال النسائي والدارقطني: متروك.
وفي كتاب أبي داود في حديث النضر بن كثير السعدي: قال صلى إلى
جنبي عبد الله بن طاوس، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها،
ورفع يديه تلقاء وجهه وأنكرت ذلك، فقال: رأيت أبي يضعفه، وقال أبي:
رأيت ابن عباس يضعه ولا أعلمه إلّا أنه قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضعه،
صححه ابن القطان، وقال أبو أحمد النيسابوري: هذا حديث منكر من
حديث ابن طاوس، وعند أبي داود أيضا من حديث ابن لهيعة عن ميمون
المكي: أنه رأى عبد الله بن الزبير وصلى هم يشير بكفيه حين يقوم، وحين
يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام فيقيم فيشير بيديه، فانطلقت إلى ابن
عباس فوصفت له هذه الإِشارة فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانظر لصلاة ابن الزبير.
حدثنا محمد بن يسار، ثنا عبد الوهاب، ثنا حميد عن أنس: " أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه إذا دخل في الصلاة وإذا ركع " (2) . هذا حديث قال
__________
(1) رواه البيهقي (2/76) ، والكنز (4721) ، واللآلئ (2/11) ، والموضوعات (2/99) .
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع من يريد مقاومة ليس شيئا. وقال أبو حاتم ابن حبان:
عمر بن صبُح وضع هذا الحديث على مقاتل فظفر عليه إسرائيل فحدث به.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/865) ،. في الزوائد: إسناده ضعيف. لاتفاقهم على
ضعف عمر بن سرباح. والمجمع (2/101) .
(3) صحيح. رواه النسائي في (الافتتاح، باب " 105 ") ، وابن ماجة (ح/866) ،=(1/1461)
البيهقي: سنده صحيح يحتج به، وكأنه لم بر ما قاله ابن أبي حاتم سمعت
أبي، وذكر حديثاً رواه محمد بن الصلت عن أبي خالد الأحمر عن حميد عن
أنس/أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع الحديث، فقال: هذا حديث كذب لا أصل
له، ومحمد بن الصلت لا بأس به كتبت عنه، وقال الدارقطني: لم بروه عن
حميد مرفوعا غير عبد الوهاب، والصواب من فعل أنس.
وقال الترمذي في العلل الكبير: ثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب الثقفي
به، فسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: ثنا به محمد بن عبد الله بن
حوشب الطائفي، ثنا عبد الوهاب قال محمد: وعبد الوهاب صدوق صاحب
كتاب، وقال غير واحد من أصحاب حميد عن حميد عن أنس: فعله،
وأخرجه البيهقي في حديث يحيى عن عبد الوهاب وزاد: " وإذا رفع رأسه من
الركوع " وفي كتاب أبي قرة: مسنده صحيح عن سفيان، عن عبد الرحمن بن
الأصم، أنه سمع أنساً يقول: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان
يتمون التكبير في الصلوات كلها كلما خفضوا للسجود، وكلما رفعوا وإذا
قاموا من الجلوس للركعتين " (1) .
وفي الأوسط من حديث ليث: قال حدثنى عبد الرحمن بن الأسود، ثنا
أنس قال: " صليت وراء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر وعمر فكلهم كان يرفع
يديه.. " (2) . الحديث، وقال: لم يروه عن عبد الرحمن إلا ليث. تفرد به
__________
في الزوائد: إسناده صحيح.
رجاله رجال الصحيحين. إلا أنْ للدارقطني أعله بالوقف، وقال: لم يروه عن حميد مرفوعا،
غير عبد الوهاب.
والصواب من فعل أنس. وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. وأحمد (5/53) ،
والدارقطني (1/289) ،.
(1) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/102) ، وروى ابن ماجه بعضه- وعزاه إلى
الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن إيراهيم الأسلمي وهو ضعيف.
(2) المصدر السابق.(1/1462)
إبراهيم بن محمد الأسلمي، ومن حديث العزرمي عن قتادة قال: قلت
لأنس: أرنا صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكان يرفع يديه مع كل تكبيرة " (1) . وقال:
لم يروه عن قتادة إلا العزرمي، ولما ذكر الطحاوي حديث أنس في الآثار
قال: هم يزعمون أنه خطأ والحفاظ يروونه عن أنس. حدثنا بشر بن معاذ
الضرير، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل قال:
قلت: لأنظرنّ/إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يصلي، فقام فاستقبل القبلة ورفع
يديه حتى حاذيا فلما ركع رفعهما مثل ذلك، فلما رفع رأسه من الركوع
رفعهما مثل ذلك " (2) . هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه عن
السعيد بن عبد الرحمن، ثنا سفيان عن عاصم بلفظ: " صليت مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس " (3) . وخرجه ابن حبان
عن الفضل بن الخباب، ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا زائدة بن قدامة، ثنا عاصم
فذكره مطولًا.
ولما ذكره أبو عمر في التمهيد قال فيه: " وإذا رفع رأسه من السجود رفع
يديه، فلم يزل يفعله كذلك حين فرغَ من صلاته ". قال أبو عمر: عارض هذا
الحديث حديث ابن عمر: " كان لا يرفع بين السجدتين " (4) . ووائل صحب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً قلائل، وابن عمر صحبه حتى توفي، فحديثه أولى أن يؤخذ به
ويتبع. انتهى. وقد روى أبو داود والنسائي هذه اللفظة من حديث مالك بن
الحويرث، وقال ابن القطان: لا معارضة بينهما على الموطن الذي هو ما بين
السجدتين. حدثنا محمد بن يحيى، ثنا أبو حذيفة، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن
أبي الزبير عن جابر أنه: " كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع وإذا
__________
(1) المجمع (2/102) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن عبيد الله العزرمي
وهو ضعيف.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/867) .
وصححه الشيخ الألباني.
(3) لم نقف عليه.
(4) بنحوه. إتحاف (3/67) .(1/1463)
رفع رأسه من الركوع فعل من ذلك، ويقول: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل
ذلك، ورفع إبراهيم يديه إلى أذنيه " (1) . هذا حديث إسناده صحيح محتج
به، قال البيهقي: ولو لم يقله لقلناه. واسم أبي حذيفة موسى بن مسعود
النهدي، خرج البخاري حديثه في صحيحه، وفي الباب حديث أبي هريرة:
" أنه كان يرفع يديه/في كل خفض ورفع وقال: إني لأعلمكم بصلاة
الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذه كانت صلاته " (2) . ذكره أبو قرة في مسنده بسند
صحيح عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عنه في صحيح ابن خزيمة، ومن
حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان مولى الأدرميين عنه أنه قال:
" ثلاث كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلهن فتركهن الناس، كان إذا أقام إلى الصلاة
رفع يديه، وكان يقف قبل القراءة هنيهة ويسأل الله تعالى من فضله، وكان
يكبر (3) في الصلاة كلما سجد ورفع ". ولما ذكر الإشبيلي حديث محمد بن
مصعب القرتستاني عن مالك عن ابن شهاب قال: " صحيح من رواية
الثقات الحفاظ عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه:
" كان يصلى لهم فيكبر في كل خفض ورفع ". ولا يعرف غير هذا، وابن
مصعب كانت فيه غفلة، وحديثه هذا ذكره أبو نصر المروزي والدارقطني
وغيرهما، وذكره أبو عمر في التمهيد بلفظ: " وكان لا يرفع اليدين إلا
حين يفتتح الصلاة، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) .
وحديث عمر بن الخطاب من عند الدارقطني: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع
يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع " (5) . وحديث أبي موسى
قال: " أريكم صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكبر ورفع يديه، ثم كبر ورفع يديه
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/868) .
في الزوائد: رجاله ثقات. وصححه الشيخ الألباني.
(2) الموضوعات لابن القيسراني (183) ، وإتحاف (3/67) ، والفتح (2/223) .
(3) قوله: " يكبر " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه. (4) إتحاف (3/57) ،.
(5) صحيح. رواه الدارقطني (1/289/، 290) ، والنسائي في (الافتتاح، باب " 105 ") ،
وابن ماجة (ح/866) ، وأحمد (5/53) ، والقرطبي (20/221) .(1/1464)
للركوع، قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه، ثم قال: هكذا فاصنعوا، ولا
يرفع بين السجدتين ". رواه أبو الحسن في كتاب السنن بسند صحيح من
حديث النضر بن شميل، وزيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن
/قيس، عن حطان بن عبد الله عنه، وقال: رفعه هذان عن حماد ووقفه
غيرهما عنه، وحديث عبد الله بن مسعود المصحح عند الترمذي والطوسي
قال: " أنا رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكبر في كلّ خفض ورفع، وقيام وقعود، وأبا
بكر وعمر- رضى الله عنهما- ". وحديث عطاء بن أبي رباح قال: " صليت
خلف عبد الله بن الزبير، وفال عبد الله: صليت خلف أبي بكر الصديق، وقال
أبو بكر: صليت خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا
ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع " (1) .
قال البيهقي: وخرجه في سننه ورواته ثقات، ومرسل سليم بن يسار رواه
الشافعي عمن يثق به، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنه: " أنَّ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه حين يكبر للافتتاح، وحن يريد أن يركع، وحين
يرفع رأسه من الركوع " (2) . ومالك في موطإه، ورواه ابن أبي شيبة في
مصنفه، عن هشام، ثنا يحيى بن سعيد فذكرهَ، وحديث رواه أبو نعيم بن
دكين في كتاب الصلاة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال:
حدثنى من سمع الأعرابي يقول: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي، فلما رفع
رأسه من الركوع رفع يديه حتى بلغ أو حاذا بهما فروغ أذنيه كأنهما
مروحتان ".
وثنا إسماعيل بن مسلم، حدثني الحسن أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا أراد
__________
(1) رواه الترمذي (ح / 253) ، وفال: وفي الباب عن أبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي
هالك الأشعري، وأبي موسى، وعمران بن حصين، ووائل بن حجر، وابن عباس. وفال:
" هذا حديث حسن صحيح ".
والعمل عليه عد أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم،
ومن بعدهم من التابعين، وعليه عامة الفقهاء والعلماء.
(2) رواه احمد (14712) ، وعبد الرزاق (2517) ، ومالك (ص 76) .(1/1465)
أن يكبر رفع يديه لا يجاوز أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه لا
يجاوز أذنيه "، ومرسل قتادة: " أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع يديه إذا ركع وإذا
رفع " (1) . رواه عبد الرزاق في الجامع، قال البخاري: وقد روى/عن تسعة
عشر نفرا من الصحابة: أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم: أبو
قتادة، وأبو أسيد الساعدي، ومحمد بن مسلمة، وسهل بن سعد، وعبد الله بن
عمر وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص،
وابن الزبير، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو
حميد الساعدي، زاد بن الأثير في شرح المسند. أبا سعيد الخدري، وزاد
البيهقي أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وجابر بن
عبد الله، وعقبة بن عامر الجهني، وعبد الله بن جابر العاص.
وقال الحاكم بن عبد الله: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الخلف الأربعة، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة، فمن بعدهم من أكابر
الصحابة على تفرقهم في البلاد الشاسعة غير هذه السنة، وقال البيهقي: وهو
كما قال شيخنا: فقد روبت هذه السنة عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي،
وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي
عبيدة، ومالك بن الحويرث، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وابن مسعود،
وأبي موسى، وابن عباس، والحسين بن علي، وسهل بن سعد، وأبي سعيد،
وأبي قتادة، وسلمان الفارسي، وعقبة بن عامر، وبريدة، وابن عمر، وأبي هريرة،
وعمار، وأبي أمامة، وعمير بن قتادة الليثي، وأبي مسعود، وعائشة، وأعرابي له
صحبة، وقال أبو بكر بن إسماعيل الفقيه: رفع اليدين قد صحّ عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم عن الصحابة والتّابعين وقال القاضي أبو
الطيب: قال أبو علي: روى الرفع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/نيف وثلاثون صحابيا. زاد
ابن حزم: وأم الدرداء، والنعمان بن عياش، وجملة الصحابة، وقال أبو حنيفة
وأصحابه: لا يرفع يديه إلّا في تكبيرة الإحرام خاصة، وبه قال الثوري: وابن
أبي ليلى قال ابن شدا في الدلائل: وبهَ قال النخعي، والشعبي، والمشهور،
__________
(1) تقدم. انظر المجمع (2/102) ، ص 1462.(1/1466)
والمعمول به عند مالك في رواية ابن القاسم، وفي كتاب ابن حزم: الرفع
رواية أشهب وابن وهب وأبي المصعب وغيرهم عن مالك أنه كان يفعله ويفتي
به، وقال الخطابي: قال به مالك في آخر أمره استدلّ لأبي حنيفة بما رواه
وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة
قال: قال عبد الله بن مسعود: " ألا أصلي حكم صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
فصلى؛ فلم يرفع يديه إلَّا في أول مرة، قال الترمذي وأبو علي الطوسي:
حديث ابن مسعود حديث حسن، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من
أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التابعين وهو قول سفيان وأهل الكوفة. انتهي. اعترض
على هذا بما ذكره أبو داود في رواية ابن العبد قال: هذا حديث مختصر من
حديثه، وليس بصحيح على هذا اللفظ.
وبما قاله أبو حاتم في كتاب العلل: هذا خطأ، فقال: وهم فيه الثوري
وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افتتح فرفع
يده ثم ركع فطبق ولم يقل أحد ما روى الثوري وبما ذكره الترمذي، قال
عبد الله بن المبارك: وقد ثبت حديث من يرفع، وذكر حديث سالم عن أبيه،
ولم يثبت حديث ابن مسعود، ولَم يرفع- إلَّا في أول مرة- وبما ذكره
البيهقي عن الحاكم:/أنَّ عاصم بن كليب لم يخرج له حديث في الصحيح،
وبما قاله المنذري وقال غيره: يعني غير الحاكم لم يسمع عبد الرحمن بن
علقمة، ويجاب عن الأول أنه لم يصرح بضعفه إّنما تعرض للفظه، وعن الثاني
أنّ عدم ثبوته عند ابن المبارك لا يمنع من اعتبار رجاله، وانطر في رأيه
والحديث يدور على عاصم بن كليب، وهو ثقة عند بن حبان، وابن سعد،
وأحمد بن صالح المصري، وابن شاهين ويحيى بن معين والفسوي وغيرهم.
ولما خرج الحاكم حديثه في مستدركة عن علقمة عن عبد الله قال:
" علّمنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة فكبّر ... " الحديث، وقال: صحيح على شرط
مسلم، وقال في موضع آخر: قد احتج به مسلم بعاصم بن كليب وهذا
يكفي في رد قوله، لم يخرج له حديث في الصحيح، وقول المنذري مردود
بأمرين: الأول: لم يعزه إلى رجل مبين.(1/1467)
إنما ذكره، عن مجهول، وكلام المجهول لا عبرة به. الثاني: تصريح
الخطيب في كتاب المتفق والمفترق بسماعه من علقمة، ويؤيده قول ابن حبان
إبراهيم النخعي ولا ما لم ير مخالفاً لذلك، فعلى هذا يكون حديثاً صحيحاً
لا حسناً، وفي كتاب ابن عدي من حديث محمد بن جابر عن حماد بن
أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؛ فذكره، وقال: لم يوصله
عن حماد غير محمد بن جابر، وكان إسحاق- يعني: ابن أبي إسرائيل-
بفضل محمد على جماعة شيوخ هم أفضل عنه وأوثق، وقد روى عنه الكبار
ابن عون وأيوب، وهشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم،
ولولا أنّ محمداً في ذلك المحمل لم يرو عنه هؤلاء الذين يروونهم، وقد خالفه
في أحاديث ومع ما تكلم فيه/من تكلم يكتب حديثه، وفي كتاب البيهقي:
رواه حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عند عبد الله مرسلا، قال الحاكم:
هذا هو المحفوظ وإبراهيم لم ير ابن مسعود فالحديث منقطع، ومحمد بن جابر
تكلُّم فيه آثمة الحديث، وقال الدارقطني: تفرد به ابن جابر وكان ضعيفاً عن
حماد وغيرها يرويه عن إبراهيم عن عبد الله من فعله غير مرفوع وهو
الصواب، وفي العلل لعبد الله بن أحمد: ذكرت لأبي حديث ابن جابر-
يعني: هذا- فقال: هذا حديث منكر وأنكره جداً، قال: وذكرت لأبي
حديث الثوري عن حصين عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يرفع يديه، في
أوّل الصلاة ثم لا يعود فقال: ثنا هشيم عن حصين عن إبراهيم لم يجز به،
وهشيم أعلم بحديث حصين، وفي كتاب الخلال قيل لأبي عبد الله: أخذت
عن ابن مسعود بإسناد موصول؟ قال: لا إنما هو إبراهيم عن عبد الله، وفي
المصنف: عن وكيع عن شريك عن جابر عن الأسود، وعلقمة أنهما كانا
يرفعان أيديهما إذا افتتحا ثم لا يعودا. انتهي. إن ذكر الطحاوي في المشكل
عن الأعمش أن إبراهيم قال له: إذا قلت: قال عبد الله: فلم أقل ذلك حتى
يحدثني به جماعة، وإذا قلت حدثنى فلان عن عبد الله فهو الذي حدثنى،
وفي شرح الآثار للطحاوي من حديثه عن ابن أبي داود عن نعيم عن حماد
عن نافع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن
علقمة عن عبد الله مرفوعًا " ثم لا يعود " قال: ثنا محمد نعمى، ثنا يحيى بن(1/1468)
محمد، ثنا وكيع، فذكره، وبحديث رواه شريك عند أبي داود عن يزيد بن
أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عارب أن رسول الله/
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود " (1) .
ورواه من حديث سفيان عن يزيد نحو حديث شريك، ولم يقل: ثم لا يعود،
قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعد: ثم لا يعود، قال أبو داود: وروى هذا
الحديث هشيم، وخالد، وابن عيينة، وابن إدريس عن يزيد: لم يذكروا: ثم
لا يعود، ولما ذكر الشافعي قول سفيان، قال: ذهب سفيان إلى تغليط يزيد،
وفي كتاب ابن عساكر في ترجمة الأوزاعي حديث يزيد في رفع اليدين
يخالف للسنة وفي التمهيد قال أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث تفرد به
يزيد، ورواه عنه الحفاظ، لم يذكر واحد منهم فيه قوله: " ثم لا يعود "،
وقال البزار: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين قوله: " ثم لا يعود "، وفي
كتاب الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد، في كتاب البيهقي عن
الإِمام أحمد: هذا حديث واهٍ قد كان يزيد يحَدّث به لا يذكر " ثم لا يعود "
فلما لقن أخذه فكان يذكره فيه، وذكره الدارقطني عن يزيد عن عدي بن
ثابت عن النبي- صلى الله عليه وآلهَ وسلم- قال: وهذا هو الصواب، وفي
موضع آخر عن يزيد عن عبد الرحمن: سمعت البراء يحدث قوما منهم:
أحمد بن عجرة فذكره، وفيه: لفظ عن علي بن عاصم قال: سألت يزيد
فقلت: أخبرتي ابن أبي ليلى أنك قلت ثم لم يِعد! قال: لا أحفظ هذا
فعاودته فقال: ما أحفظ هذا. رواه الدارقطني عن أبي بكر الأدمي عن
عبد الله بن محمد بن أيوب عنه، وقال الخطابي: لم يقل أحمد في هذا " ثم
لا يعود " غير شريك. انتهي. يدخل في هذا الاعتراض ما رواه البيهقي في
الخلافيات من طريق النضر بن شميل عن إسرائيل عن يزيد بلفظ: " رفع يديه
حذو/أذنيه ولم يعد ". فهذه متابعة لشريك صحيحة، ورواه الدارقطني من
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/749/، 750) ، والنسائي في (ألافتتاح، باب " 3، 7 "
وأحمد (2/18، 4/301، 302) ، والبيهقي (2/24، 26، 94) ، وشرح السنة (3/
20) ، وإتحاف (3/44) ، والدارقطني (1/296) ، وابن أبي شيبة (1/296) ، والخطيب
(3/67، 12/307) .(1/1469)
طريق إسماعيل بن زكرياء عن يزيد مثله، والطبراني في الأوسط من حديث
حفص بن عمر الثقفي، ثنا حمزة الزيات عنه بنحوه وقال: لم يروه عنه إلّا
حفص. تفرد به محمد بن حربي، ثم نظرنا بعد في حال يزيد فوجدنا العجلي
قال: هو جائز الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: يزيد، وإن كان قد تكلّم فيه
لتغيّره فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور والأعمش فهو
مقبول القول عدل ثقة، وقال أبو داود: ثَبت لا أعلم أحداَ ترك حديثه وغيره
أحبّ إلي منه، وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلّا أنه اختلط في آخر
عمره، ولما ذكره ابن شاهين في الثقات قال: قال أحمد بن صالح: يزيد
ثقة، ولا يعجبني قول من تكلّم فيه، ولا خرج ابن خزيمة حديثه في صحيحه
قال: في القلب منه شيء، وقال الساجي: صدوق، وقال ابن حبان: كان
صدوقا إلا أنه لما كبر تغيّر فسماع من سمع عنه قبل التغيّر صحيح، وذكره
مسلم فيمن شمله اسم السند والصدق وتعاطى العلم، وخرّج حديثه علما ما في
الكمال وغيره في الأصول، وذكره البخاري في كتاب اللباس في قوله: قال
جرير عن يزيد القبة ثياب (1) فلما كانت حاله بهذه المشابهة جاز أن يحمل
أمره على أنه حدّث ببعض الحديث تارة وبجملة أخرى، أو يكون قد نسي
أولا ثم تذكر آخرا فإن قيل: ما يدل أنه لم يحفظ ما رواه إبراهيم بن بشار
الرمادي عن سفيان عن يزيد عن عبد الرحمن عن البراء قال: " رأيت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه إذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع " (2) . قال
الحاكم أبو عبد الله: لا أعلم ساق هذا/المتن بهذه الزيادة عن ابن عيينة غير
الرمادي وهو ثقة، قيل له: إبراهيم بن بشار وصف بالوهم فجائز أن يكون
وهم في هذا، بيان ذلك ما قال فيه أبو محمد بن الجارود: هو صدوق، وربما
وهم في الشيء بعد الشيء، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عنه
فلم يعجبه، وقال: كان يكون عند ابن عيينة فيقوم فيجيء إليه الخراسانية
فيملى عليهم ما لم يقل ابن عيينة فقلت له: أما تتقى الله، أما تراقب الله،
وأنكر عليه البخاري في تاريخه حديثَا، وكذلك غيره، وقد وجدنا ليزيد متابعا
__________
(1) هكذا بالأصل، ولا نعرف لها معنى.
(2) تقدم في الحاشية رقم (5) في ص 1464.(1/1470)
عن عبد الرحمن من رواية وكيع عن ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم
عنه عن البراء بلفظ: " رفع يديه حين افتتح الصلاة ثم لم يرفعهما حتى
انصرف " (1) . ذكره أبو داود وقال: ليس بصحيح يعني؛ لأن في سنده،
محمد بن عبد الرحمن القاضي، وإن كان قد تكلّم فيه جماعة فقد قال فيه
العجلي: صاحب سنة صدوق جائز الحديث. وفي موضع آخر: ثقة، وقال أبو
حاتم الرازي: شغل بالقضاء فساء حفظه ولايتهم بشيء من الكذب. انتهي.
فمثل هذا وشبهه يصلح للمتابعة، وأماما ذكره الخلال في كتاب العلل عن
أحمد قال ابن عيينة نظرت في كتاب ابن أبي ليلى فإذا هو يرويه عن يزيد بن
أبي زياد تغيّر ضائر لاحتمال أن يكون قد رواه عنهما- والله أعلم-، ومن
حديث محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:
" صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند التكبيرة
الأولى " (2) . قال إسحاق بن أبي إسرائيل: وبه نأخذ في الصلاة كلّها، قال
الدارقطني: تفرد به محمد بن جابر وهو ضعيف، وغير حماد يرويه عن إبراهيم
عن عبد الله مرسلا عن عبد الله: من/فعِلٍ غير مرفوع وهو الصواب، وفي
المصنف: عن وكيع عن مسعر عن أبي معشر عن إبراهيم عن عبد الله: " أنه
كان يرفع يديه في أوَّل ما يفتتح ثم يرفعهما " (3) . وعن وكيع وأبي أسامة عن
شعبة عن أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله، وأصحاب على لا يرفعون
أيدهم إلا في افتتاح الصلاة. قال وكيع: ثم يعودون، وبحديث ذكره البيهقي
من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس وعن نافع عن
ابن عمر قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا ترفعوا الأيدي إلا في سبع مواطن:
__________
(1) رواه أبو داود (ح/752) .
قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح.
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/101) ، وعزاه إلى " أبي يعلى " وفيه محمد بن
جابر الجعفي اليمامي، وقد اختلط عليه حديثة وكان يلقن فتلقن.
(3) رواه ابن أبي شيبة: (1/234) .
(4) ضعيف. إتحاف (3/58) ، وأسرار (493، 494) ، والطبراني (11/385)(1/1471)
عند افتتاح الصلاة، واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين " (4) .
واعترض عليه بأمور.
الأول: تفرد ابن أبي ليلى به.
الثاني: رواية وكيع عنه موقوفة.
الثالث: رواية جماعة من التابعين عنهما: أنهما كانا يرفعان عند الركوع
وبعد رفع الرأس منه.
الرابع: قال شعبة: لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، ليس هذا
يؤيد ما رواه ابن جريح حديث عن مقسم.
الخامس: أنّ جميع الروايات ترفع الأيدي، وليس في رواية منها لا ترفع إلّا
في سبع، قال الحاكم: وقد تواترت الأخبار بأن الأيدي ترفع في غير ذلك منها
الاستسقاء، ودعاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لدوس، وفي القنوقد، وفي الدعاء في الصلاة، وفي
الوتر، وبحديث لا بأس بسنده، ذكره البيهقي في الخلافيات من حديث
محمد بن غالب، ثنا أحمد بن محمد البراني، ثنا عبد الله بن عون الخزاز،
ثنا مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع
يديه، إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود " (1) . انتهي. ولما لم ير الحاكم ما يرفعه به
قال/ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح على شرط مسلم: ثنا يحيى بن
آدم عن حسن بن عباس عن عبد الملك بن الحر عن الزبير بن عدي عن
إبراهيم عن الأسود قال: " صليت مع عمر بن الخطاب، فلم يرفع يديه في
شيء من صلاته إلى حين افتتح الصلاة " (2) .
قال الطحاوي: هو حديث صحيح؛ لأن الحسن بن عباس الذي ذكرنا له
الحديث منكر، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه هل هو صحيح
__________
= والمجمع (2/103) ، وفيه ابن أبي ليلى وهو سيء الحافظ.
(1) بنحوه. رواه أبو داود (ح/742) ،.
وقال: " لم يذكر رفعهما دون ذلك اً حد غير مالك فيما أعلم ".
(2) قلت: وسقطت كلمات من متن هذا الحديث وكذا أثبتناه.(1/1472)
أو يرفعه حديث النووي عن الزبير بن علي عن إبراهيم عن الأسود عن عمرو
أنه كان برفع يديه في افتتاح الصلاة حتى يبلغا منكبيه، فقال سفيان: احفظ،
وقال أبو زرعة: هذا أصح يعني حديث سفيان، وقال ابن أبي شيبة: قال
عبد الملك: ورأيت الشعبي وإبراهيم وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم إلا حين
يفتتحون الصلاة، وعن وكيع عن أبي بكر بن عبد الله بن عطاف النهشلي
وفيه كلام عن عاصم بن كليب عن أبيه: أن عليًا كان يرفع يديه إذا افتتح
الصلاة ثم لا يعود، وفي الخلافيات للبيهقي من حديث حفص بن غياث عن
أبي يحيى محمد قال: " صليت إلى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير
فجعلت ارفع يديه في رفع ووضع، قال: يا ابن أخي إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة ثم لم يعد في شيء حتى فرغ ".
قال أبو بكر: وهذا حجة (1) /، وكان قيس يرفع يديه، أول ما يدخل في
الصلاة ثم لا يرفعها، وعن هشيم، ثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم أنه كان
يقول: " إذا كبرت للصلاة فارفع يديك ثم لا ترفعهما هشيم فيما بقى "،
وفي لفظ: " لا ترفع يديك في شيء من الصلاة إلا في الافتتاحية الأولى "،
وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل: ثنَا حسن بن صالح عن وفاء، وكان
سعيد بن جبير لا يرفع يديه في الركوع، وفي شرح الطحاوي لما ذكر لإبراهيم
حديث وائل في الرفع قال: أترى وائل بن حجر أعلم من علي بن أبي طالب
وعبد الله بن مسعود! لعله فعل ذلك مرّة واحدة ثم تركه، وفي لفظ: إن
كان وائل رآه مرّة فقد رآه عبد الله خمسين مرة، وفي القديم للشافعي قال
قائل: رويتم قولكم عن ابن عمر وألقيت عن علي وابن مسعود أنهما كانا
لا يرفعان أيديهما في شيء من الصلاة إلا في الافتتاح وهما أعلم بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من ابن عمر؛ لأن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليلنى منكم أولو الأحلام والنهى " (2) .
ومكان ابن عمر خلف ذلك، قال الشافعي: ما قاله لا يثبت عن علي وابن
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/122/، 123) ، والمجمع (2/94) ، والترمذي
(ح/228) ، والحميدي (456) ، وابن أبي شيبة (1/351) ، والطبراني (10/108،
17/216، 217) ، والحاكم (1/219) .(1/1473)
مسعود وإنما رواه عن عاصم عن أبيه عن علي فأخد بها وترك رواية عاصم عن
أبيه أيضا عن وائل بن حجر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع يديه، كما روى ابن عمر،
ولو كان هذا ثابتا عنهما كان يشبه أن يكون رآهما مرة أغفل فيه رفعه اليدين،
ولو قال قائل: ذهب عنهما حفظ ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانت له حجة؛ لأن
الضحاك بن سفيان قد حفظ على المهاجرين والأنصار وغيره أولى بالحفظ مه،
والقول قول الذي قول: رأيته فعل؛ لأنه/شاهد ولا حجة في قول الذي قال
لم تره، وهذا هو مذهب من خالفنا في ذلك، ولقد كان ابن عمر عندنا من
ذوى الأحلام والنهي ولو كان فوق ذلك منزلة كان أهلها، وأقبل قولنا إن
إبراهيم لو روى عن علي وعبد الله لم يقبل منه؛ لأنه لم يلق واحدا منهما.
انتهى. وأما استدلال بعض الحنفية بحديث جابر بن سمرة من عند مسلم:
" مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب شمس " (1) . فليس بصحيح؛ لأنهم
إنَّما كان ذلك حالة السلام فيما ذكره البخاري وغيره، وفي كتاب المعرفة عن
عقبة بن عامر إذا رفع يديه عند الركوع وعند رفع رأسه، فله بكل إشارة
عشر حسنات. غريبه: المنكب من الإنسان وغيره، ومجتمع رأس الكتف
والعضد منكب لا غير. حكاه اللحياني، وفي صحيح البخاري في كتاب
البيوع فيما رأيت من النسخ: فوضع يده على إحدى منكبيه، وقال سيبوبه فيما
ذكره ابن سيده: هو اسم للعضو ليس على المصدر ولا المكان؛ لأن فعله
نكب ينكب يعني: إنه لو كان عليه لقال منكب ولا يحمل على باب مطلع؛
لأنه نادر عن باب مطلع.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/119) ، وأبو داود في (استفتاح الصلاة، باب " 74 ") ،
وأحمد (5/101، 107) ، والبيهقي (2/280) ، والطبراني (2/223) ، وابن أبي شيبة (2/486،
10/378) ، والتمهيد (9/221) ، ونصب الراية (1/393، وتلخيص (1/221) .(1/1474)
146- باب الركوع في الصلاة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن بديل
عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع لم يشخص
رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد
حتى يستوي قائماً، وإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالساً،
وكان/يفترش رجله اليسرى " (1) . هذا حديث سبق التنبيه على إسناده في
باب الافتتاح. حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا: ثنا وكيع، ثنا
الأعمش عن عمارة عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " (2) . هذا
حديث خرجه إمام الأئمة في صحيحه، وقال فيه الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح، وخرجه عن أحمد بن منيع عن زهير بن معاوية عن الأعمش
وأبو علي الطوسي، وخرجه عن زياد بن أيوب، ثنا محمد بن فضيل عن
الأعمش، وقال: حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة
فمن بعدهم، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صلبه في؟ الركوع
والسجود فصلاته فاسدة، وفي كتاب أبي داود: ظَهْرُهُ، وخَرجه البستي في
صحيحه، من حديث شعبة عن سليمان، وقال البيهقي في المعرفة: إسناده
صحيح، وقال الدارقطني والنقال: وهذا إسناد ثابت صحيح، وقال البيهقي في
المعرفة: وهذا إسناد صحيح، وخرجه ابن الجارود في المنتقى، وفي الأوسط من
حديث فضل بن مهلهل عن عطاء بن السائب عن سالم البزار قال: " سألنا
عقبة بن عمرو عن صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوضع يديه على ركبته وأصابعه، أشكل
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/240) ، وأبو داود في (استفتاح الصلاة، باب
" 9 ") ، وابن ماجة (ح/869) ، والبيهقي (2/113، 172) .
(2) صحيح. رواه الترمذي (ح/265) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (2/
183، 214) ، وابن خزيمة (666) ، وابن أبي شيبة (1/287) ، ومشكل (1/80) ،
والكنز (19737) ، والطبراني (17/213، 214) .(1/1475)
من ذلك حذاء (1) بطنه، فركع حتى استقر كل شيء منه، ثم قام حتى استقر
كل شيء منه ... " الحديث، وفي آخره: هكذا رأيت أبا مغسل، وقال: لم
يروه عن مفضل إلا يحيى بن آدم وفي موضع آخر: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
ركع عدل ظهره حتى لو صبّ على ظهره ماء ركد " (2) . وقال: لم يروه عن
عبد الملك بن عمير يعني: عن أبي/عبد اللَّه البزار عنه: إلا عبد الملك بن
حسين النخعي.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ملازم بن عمرو عن عبد اللَّه بن بدر
أخبرني عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه علي بن شيبان، وكان من
الوفد قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله وسلم-
فبايعنا وصلينا خلفه، فلما بمؤخر عنه رجلا لا يقيم صلاته- يعني: صلبه-
في الركوع والسجود، فلما قضى النبي- صلى اللَّه عليه وآله وسلم- الصلاة
قال: " يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع
والسجود " (3) . هذا حديث خرجه بن حبان في صحيحه عن الفضل بن
الحباب، ثنا مسدد، ثنا ملازم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرياني، ثنا
عبيد اللَّه بن عثمان بن عطاء، ثنا طلحة بن زيد عن راشد قال: سمعت
وابصة بن معبد يقول: " رأيت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-
يصلي، فكان إذا ركع سوَّى ظهره حتى لو صبّ عليه الماء لاستقر " (4) . هذا
حديث إسناده ضعيف؛ لضعف طلحة بن زيد أبي سكين، ويقال: أبو محمد،
ويقال: أبو سليمان الرقي، فإن صاحب تاريخها ذكر أنه روى عن الأوزاعي
مناكير قال: وهو منكر الحديث، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير /، وقال
__________
(1) في الأصل " رجانا بطه " ولعلها حذاء بطه.
(2) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة (ح/872) ،. في الزوائد: في إسناده طلحة بن يزيد، قال
البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال أحمد بن المديني: يضع الحديث.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/871) ،. في الزوائد إسناده صحيح. ورجاله ثقات. ورواه
ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما. والكنز (19729، 22208) ، وصححه الشيخ الألباني.
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/872) ،. في الزوائد: في إسناده طلحة بن زيد، قال
البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال أحمد بن المديني: يضع الحديث.(1/1476)
أبو نعيم الحافظ: لا شيء، وقال الساجي والبخاري: منكر الحديث، وقال أبو
داود والإمام أحمد وابن المديني: يضع الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث
ضعيف الحديث لا يعجبني حديثه، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدَا لا
يحل الاحتجاج بخبره، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال صالح بن محمد:
لا يكتب حديثه،/وضعف إبراهيم بن محمد بن يوسف الفرياني، فان أبا
الفتح الأزدي قال: هو ساقط، ولأن عبد الله بن عثمان مُس بشيء من
الضعف أيضَا، والله تعالى أعلم. وفي الباب حديث المسيء صلاته (1) ، وفيه:
" ثم اركع حتى تطمئن راكعَا " وسيأتي، وحديث علي بن يحيى بن خلاد عن
عمه: أن رجلَا دخل المسجد فذكر نحو حديث المسيء وفيه: " ثم تركع حتى
تطمئن "، وسيأتي أيضا، وعند البخاري: رأى حذيفة رجلَا لا يتم الركوع ولا
السجود، فقال: ما صليت ولو مت، مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها
محمدَا، صلى الله علبه وآله وسلم (2) .
وفي مسند أحمد (3) من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لا ينظر الله إلى
صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده " ومن حديث أبي قتادة عند
الطبراني وقال: لم يروه عن الأوزاعي عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عنه
إلا الوليد، ولا عنه إلا الحكم بن موسى، وسليمان بن أحمد الواسطي قال-
صلى الله عليه وآله وسلم: " أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته " قالوا:
وكيف يسرق من صلاته؟! قال: " لا يتم ركوعها ولا سجودها " (4) .
__________
(1) قلت: وحديث المسيء صلاته تقدم، وقد كتبناه في حاشية للتحقيق بلفظه، وسوف يأني
إن شاء الله كما ذكر المصنف.
(2) تقدْم.
(3) رواه أحمد (2/525) ، والمشكاة (904) ، والترغيب (1/336) ، والكنز (19758،
19759) ، والمجمع (2/120) ، وعزاه لدى أحمد من رواية عبد اللْه بن زيد الحنفي عن أبي
هريرة ولم لجد من ترجمه.
(4) رواه أحمد (5/310) ، والحاكم (1/229) ، والطبراني (3/273) ، والمشكاة (885) ،
وابن حبان (503) ، والخفاء (1/139، 140) ، والعلل (487) ، والترغيب (1/335، 338) ،
وابن عساكر في " للتاريخ " (4/410) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/148) ،(1/1477)
وفي صحيح ابن خزيمة من حديث خالد بن الوليد وعمرو بن العاص
وشرحبيل ابن حسنة ويزيد بن أبى سفيان مرفوعًا: " إنّما مثل الذي يصلى ولا
يركع وينقر في سجوده: كالجائع لا جمل إلّا مرة أو مرتين فما يغنيان عنه؛
فأتموا الركوع والسجود " (1) . وفي كتاب البيهقي من حديث جابر بن عبد الله
مرفوعَا: " لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود " (2)
وقال: تفرد به يحيى بن أبي بكير، وفي كتاب الطبراني من حديث بلال:
وأبصر رجل يصلى لا يتم الركوع، ولا السجود فقال: " لو مات هذا مات
على غير ملة محمد- صلى الله/عليه وآله وسلم- " (3) ، وقال: لم يروه عن
مغفل بن مهلهل- يعنى: عن قتان- عن قيس عنه إلّا يحيى بن آدم، ومن
حديث الحسن عن ابن مغفل قال رسول الله- صلى اللَّه عليه وآله وسلم-:
" أسرق الناس من سرق من صلاته ". قالوا: وكيف يسرق؟ قال: " لا يتم
ركوعها ولا سجودها " (4) . لم يروه عن ابن مغفل إلا الحسن، ولا عن الحسن
إلا عوف، ولا عن عوف إلا عثمان بن الهيثم. تفرد به زيد بن الحريث، ومن
حديث أنس قال: خرج النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فرأى في المسجد
رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال: " لا تقبل صلاة رجل لا يتم الركوع
والسجود " (5) ، وقال: لم يروه عن الربيع بن أنس- يعني: أنس- إلا أبو
والكنز (2001، 19733) ، والمجمع (2/120) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " ورجاله رجال الصحيح.
(1) رواه البيهقي (2/89) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/17) .
(2) صحيح. رواه البيهقي (117،2/188) ، والترمذي (ح/265) ، وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والنسائي (2/183، 214) ، وابن خزيمة (666) ، وابن أبي شيبة (1/287) ، وشرح
السنة (3/97) ، وعبد الرزاق (3736) ، ومشكل (1/80) ، والكنز (19737) ، والطبراني (17/
213، 214) ، وأبو عوانة (2/104) ، وابن ماجة (ح/870) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) ، بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/121) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير " غير أنه قال في الكبير: " لمات على غير ملة عيسى عليه السلام " ورجاله ثقات.
(4) تقدم الحاشية رقم (4) للسابقة.
(5) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/121) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الصغير " وفيه إبراهيم بن عاد الكرماني ولم أجد من ذكره.(1/1478)
جعفر الرازي، ولا عنه إلا يحيى بن أبى بكير، قال الثوري والشافعي
والأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن وهب وداود: الطماً نينة فرض، وقال أبو
يوسف: الفرض المكث بمقدار تسبيحة واحدة، وقال أبو حنيفة: يكفيه في
الركوع أدناه، ولا تجب الطمأنينة في شيء من هذه إلا كان، واحتج بقوله
تعالى: (اركعوا واسجدوا) (1) ،، وزعم السروجي في الغاية أنّ الطمأنينة في
الركوع، والقومة، والسجود، والجلسة بين السجدتين عند أبى حنيفة ومحمد:
سنة، وفي تخريج الجرجاني، وفي تخريج الكرخي: واجبة يجب سجود السهو
بتركها، وقال في الجواهر: لو لم يرفع في ركوعه وجبت الإعادة في رواية ابن
القاسم، ولم تجب في رواية علي بن زياد ولا ابن القاسم فيمن رفع من
الركوع والسجود ولم يعتدل يجزيه ويستغفر الله، ولا يعود.
__________
(1) سورة الحج آية: 77.(1/1479)
146- باب وضع اليدين على الركبتين
/حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا محمد بن بشر، ثنا إسماعيل بن أبي
خالد عن الزبير بن عدي عن مصعب بن سعد قال: " ركعت إلى جنب أبي
فطبَّقت فضرب يدي وقال: قد كنّا نفعل هذا ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب " (1) .
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي المستدرك: لما بلغ سعدًا فِعْلُ ابن
مسعود قال: صدق أخي، كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا، يعني الإمساك بالركب،
وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي الأوسط لأبي القاسم: رأيت النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم-: " إذا ركع وضع راحيته على ركبتيه، وفرج بين
أصابعه " (2) ، وقال: لم يرو عن عبد الملك بن عمير- يعني عن مصعب- إلّا
عكرمة بن إبراهيم. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبدة بن سليمان عن حارثة بن
أدى الرجال عن عمرة عن عائشة قالت: " كان رسول الله- صلى اللَّه عليه وآله
وسلم- يركع فيضع يديه على ركبتيه ويجافي بعضديه " (3) . هذا حديث سنده
ضعيف بضعف حارثة بن أبي الرجال محمد المذكور، قيل: وفي الباب حديث
أبي حميد الساعدي المذكور قبل وفيه: " وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه " (4) ،
وحديث أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال لنا عمر بن الخطاب: " إن الركب قد
سُنّت لكم فخذوا بالركب " (5) . خرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، والعمل
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/28، 30) ، وأبو داود (ح/747) ، والنسائي في
(التطبيق، باب " 1 ") ، وابن ماجة (ح/873) ، وأحمد (1/378، 414، 418، 426، 459،
2/78، 81، 4/422، 5/3) .
غريبه: قوله: " فطبقت " التطبيق أن يجمع لن أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع.
(2) بنحوه. معاني الآثار. (1/230) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/874) .
في الزوائد: في إسناده حارثة بن أبي الرجال، وقد اتفقوا على ضعفه.
(4) التاريخ الكبير " البخاري " (8/357) ، والإرواء (2/13) .
(5) رواه الترمذي (ح/258) ،. فال: وفي الباب عن سعد، وأنس، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن
سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبي مسعود. وقال: " حديث عمر حديث حسن صحيح ".(1/1480)
عليه عند أهل العلم من الصحابة والتابعين، فمن بعد لا اختلاف بينهم في هدا إلّا
ما روى عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون، وفي الأوسط من
حديث قيس بن الربيع عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال:
" رأيت النبي- صلى اللَه عليه وآله وسلم- حين ركع وضع يده على ركبتيه "،
وفرَق أصابعه (1) . لم يقل في هذا الحديث عن عاصم " وفرق أصابعه " إلّا ابن
الربيع، ولما خرّجه الحاكم قال: صحيح على شرط الشيخين، وعن أبي مسعود
ووصف صلاة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ووضع راحيته على ركبتيه،
وجعل أصابعه اسأل من ذلك، ثم جاء في مرة نفيه، ثم قال: هكذا رأيته يصلى.
وفي كتاب الحازمي من حديث حصين بن عبد الرحمن عن حسنة قال:
" قدمت المدينة فكنت أركع كما ركع أصحاب عبد الله أطبق، فقال لي رجل من
المهاجرين: ما حملك على هذا؟ فقلت: كان عبد الله يفعله ".
وحديث أنّ رسول اللَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله فقال: صدق، ولكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رّبما صنع الأمر ثم تركه، انظر ما أجمع عليه المسلمون فافعله. أنبأ به المسند المعمر
فتح الدين الجوهري قراءة عليه، وأنا أسمع عن أبي المكارم عبد اللَه وأبي عبد اللَّه
الحسين ابني الحسن بن منصور عن الحافظ أبي بكر محمد بن موسى، قال الأول:
سماعا، وقال الثاني: إجازة.
قال: وقال أبو بكر: محمد بن الفضل الفقيه، ثنا هارون بن عبد الله البزار، ثنا
سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام عه، ومن حديث إسحاق الأزرق عن ابن
عون عن ابن سيرين: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركع فطبّق ". قال ابن عون: فسمعت نافعَا
يحدّث عن ابن عمر أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما فعله مرّة واحدة، قال الحازمي: هذا حديث
غريب بعد في أفراد عمرو بن محمد النّاقد عن الأزرق.
وذكر الجلال أنّ يحيى بن معين قال: هذان ليسا بشيء، وقال أبو قرة: قال
ابن جريج أخبرت عن التّيمي أنّ/النعمان بن أبي عياش الزرقي قال: شكا أصحابه
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح / 838) ،. " قلت: لأن عبد الجبار من أوائل من اتفق الحفاظ
على أنه لم يسمع من أبيه شيئا، ولم يدركه ".(1/1481)
إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- الاعتماد في السجود فقال صلى الله عليه
وآله وسلم: " استعينوا بأيديكم على ركبكم " (1) . وعند الشافعي من حديث
إبراهيم بن محمد عن ابن عجلان عن علي بن يحيى عن رفاعة: أن النبي- صلى
اللَّه عليه وآله وسلم- قال لرجل: " إذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ".
***
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/902) ، والترمذي (ح/286) ، وقال: هذا حديث غريب لا
نعرفه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلْا من هذا الوجه، من حديث الليث
عن ابن عجلان. والبيهقي (2/117) ، والحاكم (1/229) ، والتاريخ الكبير (4/203) ، وابن
حبان (507) ، والفتح (2/294) ، والكنز (19794) ، ومعاني(1/1482)
147- باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع
حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان، ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: ثنا
إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قال: سمع الله لمن
حمده، قال: ربنا ولك الحمد " (1) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قال الإِمام سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك
الحمد ". هذا حديث خرج في الصحيح معلولًا بذكر سقوطه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فرسه
فجحش شقُّهُ " (2) .
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا زهير بن محمد
عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري
أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا:
اللهم ربنا لمك الحمد " (3) . هذا حديث سبق التنبيه على الخلاف في ابن عقيل
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (11/77، 8/401،102) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
196، 198) ، وأبو داود (ح/853) ، في (الافتتاح، باب " 111 ") ، وابن ماجة (ح/875) ،
وأحمد (4/381،3/87،521،452،2/319،1/275) ، والبيهقي (198،95،2/94) ،
والطبراني (10/208) ، وشرح السنة (3/111) ، وابن عدى في " الكامل " (6/2405) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/689، 1114) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
411) ، والترمذي (ح/361) ، وصححه. والنسائي في (الإمامة، باب " 16 ") ، وابن ماجة
(ح / 1238) ، ومالك في (الصلاة، ح/16) ، والشافعي في " الرسالة " (فقرة 696) ، وأحمد
(3/43) ، والدارمي (ح/1256) .
وتمام لفظه: " عن أن: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب فرصا فصرع عنه، فجحش شِفه الأيمن،
فصلى صلاة من الصلوات وهو جالس، فصلينا معه جلوسا، فلما انصرف قال: إنما جعل
الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع
فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإن صلّى قاعدا فصلوا
قعوا أجمعون ". جحش: أي حدش.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/877) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1483)
رواية/وفي مسلم: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم
ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض " (1) الحديث، وفي صحيح ابن
خزيمة: " ولك الحمد "، وذكره في الأوسط مطولًا، وقال: لا يروى عن سعيد
إلا من حديث قزعة بن يحيى، حدثنا محمد بن نمير، ثنا وكيع ثنا الأعمش
عن عتبة بن الحسن عن ابن أبي أوفى قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه
من الركوع قال: سمع الله لمن حمده اللهم، ربنا لك الحمد ملء السموات
وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ". هذا حديث خرجه مسلم (2)
في صحيحه.
حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، ثنا شريك عن أبي عمر قال: سمعت
أبا جحيفة يقول: ذكرت الحدود عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصلاة، فقال
رجل: جد فلان في الخيل، وقال آخر: جد فلان في المهابل، وقال آخر: جد
فلان في الغنم، وقال آخر: جد فلان في الرقيق، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صلاته ورفع رأسه من آخر الركعة قال: " اللهم ربنا لك الحمد ملء
السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم لا مانع لما
أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وطول رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صونه بالجد ليعلموا أنه ليس كما يقولون " (3) .
هذا حديث يتوقف في صحة سنده؛ للجهالة بحال ابن عمر المسمى
وعينه، فإني لم أر من عرف هما، وفي الباب حديث علي بن أبي طالب:
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/240) ، وأبو داود (ح/846) ، والترمذي (ح/
266) ، والنسائي في (الافتتاح، باب " 107 ") ، وابن ماجة (ح/893،878) ، واحمد (1/
270، 276، 370، 333، 4/ 276، 284، 304، 370، 388) ، والبيهقي (2/ 94، 98،
113، 121، 172) ، والدارقطني (1/342) ، وإتحاف (3/63، 5/95، 9/188) ، وأبو عوانة
(1/239) ، وابن أبي شيبة (1/ 248، 247) ، والإرواء (1/20، 2/64) .
(2) المصدر السابق.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/879) . في الزوائد: في إسناده أبو عمر، وهو مجهول لا
يعرف حاله.
وضعفه الشيخ الألباني: ضعيف ابن ماجة (ح / 184) .(1/1484)
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمد ربنا
ولك الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما/وملء ما شئت من شيء
بعد " (1) . رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وحديث ابن عباس من عند
مسلم: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم ربنا لك
الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما " (2) . وفي الأوسط " وملء ما
شئت من شيء بعد ". وحديث ابن عمر: " كان رسول الله- صلى الله
عليه وآله وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك
الحمد " (3) . وحديث رفاعة بن الرافع الزرقي عند البخاري (4) ، قال: كنا
نصلي وراء النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فلما رفع رأسه من الركعة
قال: " سمع الله لمن حمد ".
وعند مسلم (5) من حديث أبي موسى قال: " علمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صلاتنا ... وفيه: وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد ".
وعند النسائي (6) من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر
حديثًا فيه: " وإذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ". ومن
حديث جابر: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع رأسه من الركوع فيقول: سمع الله
لمن حمده ربنا لك الحمد " (7) . ومن حديث حذيفة " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد " (8) . وعند مسلم (9) من
__________
(1) رواه الترمذي (ح/266) . قال: وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى،
أبي جحيفة، وأبي سعيد. وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". والعمل على هذا عند
بعض أهل العلم.
(2) تقدم قريبا.
(3) الحاشية السابقة، وانظر الموطأ (ص 75) .
(4) رواه البخاري في (الأذان، باب " 83 ") .
(5) الحاشية قبل السابقة.
(6) انظر: الحاشية رقم (2) السابقة.
(7) (8) في الحاشية السابقة.
(9) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/217) . غريبة: قوله: " يتأؤل القرآن " أي
يفعل ما أمر به فيه. أي في قوله عز وجل: (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) .(1/1485)
حديث عائشة " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي؛ يتأول القرآن ". وفي سنن الدارقطني
من حديث عمرو بن عمر عن الجعفي، وهما ضعيفان- عن عبد الله بن بريدة
عن أبيه قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع،
فقل:/سمع الله لمن حمد اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض
وملء ما شئت من شيء بعد " (1) ، مذهب أبي حنيفة حذف الواو من قوله:
ولك الحمد، وفي المحيط: " اللهم ربنا لك الحمد " أفضل لزيادة البناء،
وعن أبي حفص لا فرق بين لك ولك، ويقتصر الإِمام على سمع الله لمن
حمده فقط، والمأموم على ربنا لك الحمد، قال ابن المنذر: وبه قال ابن
مسعود، وأبو هريرة، والشعبي، ومالك، وأحمد، والثوري، والأوزاعي، وفي
رواية عن أحمد يجمع بين الذكرين، وكذلك الشافعي، قال وبه أقول:
ومذهب الشافعي الأيتآن بالواو ولو أسقطها جاز، قال الأصمعي: سألت أبا
عمرو بن العلاء عن واو ولك الحمد فقال: هي زائدة، وزعم بعضهم أنها
عاطفة على محذوف أي: ربنا أطعناك أو حمدناك ولك الحمد، وفي المعرفة
للبيهقي: كان عطاء بن أبيِ رباح يقول: يجمعهما الإِمام والمأموم أحب إلى
ربّه، قال ابن سيرين وأبو بردة: وكان أبو هريرة يجمع بينهما، وهو إمام،
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنّ المأموم يقتصر على الحمد، روى ذلك عن
ابن مسعود، وابن عمرو، وأبي هريرة، والشعبي، ومالك، وأحمد، رحمهم الله
تعالى.
(1) الكنز: (19743) .(1/1486)
148- باب السجود
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن عبد الله بن
الأصم عن عمه- يزيد بن الأصم- عن ميمونة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا
سجد جافى يديه، فلو أن بهيمة أرادت أن تمر بين يديه لمرت " (1) . هذا
حديث رواه مسلم، وفي لفظ: " حضري بيديه " يعني: جنح حتى يرى
وضح إبطيه من ورائه، وإذا قعد/اطمأن على فخذه اليسرى ".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن
عبد الله بن أحرم الخزاعي عن أبيه قال: " كنت مع أبي بالبقاع من غزة فمرّ
بنا ركب فأناخوا بناصية الطريق فقال لي أبي: كنّ في بهمك حتى آتى هؤلاء
فأسأنهم، قال: فخرج، قال: وجئت يعني دنوت فإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فحضرت الصلاة فصليت معهم وكنت أنظر إلى عفرتي إبطي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كلما سجد " (2) ، قال أبو بكر بن أبي شيبة: يقول الناس: عبيد الله بن عبد
الله، ثم ذكر ابن ماجة سده بذلك. هذا حديث قال فيه الترمذي (3) : حسن
لا نعرفه إلا من حديث داود بن قيس، ولا نعرف لابن أقرم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غير هذا الحديث، والعمل عليه عند أهل العلم، ولما ذكره الحاكم في
مستدركه قال: هذا حديث صحيح على ما أصله من تفرد الابن بالرواية عن
أبيه، ولا ذكره أبو على بن السكن في كتابه المعروف معرفة الصحابة قال: له
رواية ثابتة، وفي المعرفة البيهقي: كان يعقوب بن سفيان مرسال أنّ الصحيح
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/239) ، وأحمد (3/294) ، وابن ماجة (ح/.880) ،
والطبراني (2/198) ، والمجمع (2/125) ، ومعاني (1/231) ، وعبد الرزاق (2932) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/881) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) رواه الترمذي (ح/274) . وحسنه.
غريبه: قوله: " بهمة " الواحدة من أولاد الغنم، يقال للذكر والأنثى. والتاء للوحدة. والبهم -
بلا تاء- يطلق على الجمع. " عفرتي " في النهاية: المعفرة بياض ليس بالناصع، ولكن كلون
عَفَر الأرض، وهو وجهها.(1/1487)
في هذا تمرة بالتاء. أخبرنا بذلك أبو الحسن بن الفضل: أنّ ابن درستويه
أخبرهم عنه، وفي قول الترمذي: له حديث واحد نظر؛ لما ذكره البغوي في
كتابه معرفة الصحابة من حديث عبد الرحمن بن محمد عن الوليد بن سعيد
قال: سمعت عبد الله بن أكرم قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في قوله تعالى:
(تساقط عليك رُطَبًا جَنِيا) (1) ... الحديث، قال البغوي: هذا حديث
غريب، وفي إسناده لبن.
حدثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا يزيد بن هارون، أنباء/شريك عن
عاصم بن كليب عن أنجيه عن وائل بن حجر قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا قام من السجود رفع يديه قبل ركبتيه " (2) .
هذا حديث قال النسائي: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون، وقال
الترمذي: قال الحسن بن علي: قال يزيد بن هارون: لم يرو شريك عن
عاصم بن كليب إّلا هذا الحديث، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن
لا نعرف أحدا روى مثل هذا الحديث غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل
العلم، وروى همام عن عاصم هذا مرسلا لم يذكر فيه وائل بن حجر. انتهى
كلامه. وفيه نظر من حيث أنّ هماما لم يشافه فيه عاصما بالرواية؛ إنّما رواه
عن شقيق أبي الليث، ثنا عاصم فذكره. كذا هو في كتاب المراسيل لأبي داود
وغيره، وشقيق هذا قال ابن القطان: لا يعرف بغير رواية همام عنه، وفي
أحكام الطوسي هذا حديث غريب، وقال الدارقطني: قال ابن داود: وضع
ركبتيه قبل يديه تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدّث به عن عاصم غير
شريك، ليس بالقوي فيما ينفرد به، وقال البيهقي: ورواه من حديث
حجاج بن منهال عن همام عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن
أبيه بلفظ: " وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه ".
وعن عفار: ثنا حجاج بن همام، ثنا سفيان أبو الليث، حدثني عاصم بن
__________
(1) سورة مريم آية: 25.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/882) ، والإرواء (357) . والمشكاة (898) ، وتعليق الألباني
على ابن خزيمة (626، 629) ، وضعيف أبي داود 3/151) ، وضعيف ابن ماجة (ح/185) .(1/1488)
كليب عن أبيه " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " قال: عفار: وهذا الحديث غريب، قال
البيهقي: هذا حديث يعد في أفراد شريك، وإنّما تابعه همام مرسلا؛ لذا ذكره
البخاري وغيره من الحفاظ المتقدّمين، وهو المحفوظ، وقال الخطابي: حديث/
وائل أثبت من حديث تقديم اليدين، وهو رفق بالمصلّى، وقال الحازمي: رواه
همام عن شقيق- يعني: أبا الليث- عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا، وهو المحفوظ.
حدثنا بشر بن معاذ الضرير، ثنا أبو عوانة وحماد بن زيد عن عمرو بن
دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أمرت أن أسجد على
سبعة أعظم " (1) . حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه
عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أسجد على سبع ولا أكف
شعرا ولا ثوبا " (2) ، قال ابن طاوس: فكان أبي يقول اليدين والركبتين
والقدمين، وكان يعد الجبهة والأنف واحد. هذا حديث خرجاه في
صحيحهما بلفظ، وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين،
ولا يكف الثياب والشعر.
حدّثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن
يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عامر بن سعد عن العباس بن
عبد المطلب أنّه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا سجد العبد سجد معه سبعة
آراب، وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه " (3) . هذا حديث رواه مسلم عن أبي
الحجاج في صحيحه.
__________
(1) ، (2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (207،1/206) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
228، 231) ، والنسائي (2/209، 215) ، وابن ماجة (ح/883، 884) ، والبيهقي (03/12) ،
وعبد الرزاق (2970، 2972) ، ونصب الراية (1/383، 2/95) ، وشرح السنة (3/136) ،
والخطيب (4/80، 226، 8/387) ، والجوامع (4428) ، وتلخيص (1/251) ، والبغوي (7/
162) ، والغنى عن حمل الأسفار (1/157) ، والقرطبي (1/346، 7،5/339،2/353/
133، 331، 19/20) ، وكشاف (178) ، والكنز (19770، 19799) ، وابن خزيمة
(632، 633، 636، 82 ك) ، والمشكاة (887) ، والحلية (6/264) ، وإتحاف (3/89، 91) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/231) ، وأبو داود (ح ا 891) ، والترمذي (ح/
272) ، والنسائي (2/080،121) ، وابن ماجة (ح/5 لمه) ، والبيهقي (2/101)(1/1489)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا عباد بن راشد عن الحسن، ثنا
أحمر صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن كنا لنتأوى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يجافي
بيديه عن جبينه إذا سجد " (1) .
هذا حديث ألزم الدارقطني البخاري تخريجه، قال: لأنه قد أخرج عن
عباد بن راشد عن/الحسن عن معقل أن أخته طلّقت، وخرجه الحافظ الضياء
في مستخرجه من طريق عبد، وإن كان قد قال النسائي والبرقي: ليس هو
بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به، وقال ابن المديني: لا يعرف حاله،
وقال الأزدي: تركه يحيى بن سعيد، وقال ابن خلفون: يقال أنه كان يرى
القدر، وقال ابن معين: ضعيف، وكذا قاله أبو داود: وقال البخاري: روى
عنه عبد الرحمن وتركه يحيى وأدخله في كتاب الضعفاء فأنكره أبو حاتم،
وقوله يحول من هناك فقد وثقة غير هؤلاء أحمد بن حنبل فقال: هو ثقة
ووقع آمن، وقال: ما كان أو روى ابن مهدي عنه، وقال الساجي والأزدي
صدوق، وقال العجلي والبزار: ثقة، وقد تابعه على رواية عن الحسن عطاء بن
عجلان فيما ذكره أبو القاسم بن عساكر في كتاب الأطراف، وفي الباب
حديث عبد الله بن بجينة في الصحيحين أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا صلى
فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه " (2) ، وحديث ابن عباس من عند الحاكم
قال: " أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خلفه فرأبت بياض إبطيه وهو قد فرج يديه " (3) .
رواه من حديث أبي إسحاق السمعي عن التميمي الذي يحدث بالتفسير
عن ابن عباس، وحديث أبي هريرة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد رأى وضح
__________
وابن خزيمة (631) ، وشفع (251) ، والحلية (9/36) ، والكنز (19761) ، وابن عساكر في
" التاريخ " (7/229) ، والفتح (2/296) . غريبه: قوله: " آراب " كأعضاء لقطا ومعنى. واحدها إرب.
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 886) . وصححه الشيخ الألباني.
غريبة: قوله: " لنتأوى " أي لنترحم لأجله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يجد من التعب بسبب المجافاة الشديدة والمبالغة فيها.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (08/11، 204) ، ومسلم في (الصلاة، باب " 46 "، ح/235) ،
وأحمد (5/345) ، والبيهقي (2/114) ، وتغليق (217) ، والنسائي (2/212) .
(3) رواه الحاكم في " المستدرك ": (1/228) .(1/1490)
إبطيه " (1) . قال فيه الحاكم: صحيح على شرطهما، وفي المعرفة من حديث
صالح مولى التوأمة: " رأى بياض إبطيه مما يجافي يديه "، وقد تقدّم حديث
أبي حميد في عشرة من الصحابة، وفيه: " إذا سجد جافي بين يديه "، وعن
جابر بن عبد الله قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد جافى حتى يرى
بياض إبطيه " (2) ./رواه ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو زرعة في صحيحه
وفي الأوسط: لا يروى عن جابر إلا بهذا الإِسناد منصور عن سالم عنه.
وفي سؤالات مهنأ: سألت أحمد ويحيى عنه فقالا: ليس بصحيح، فقلت
لأحمد: كيف لم يقل لعبد الرزاق- يعني: شيخه- فيه أنّه ليس بصحيح؟
فقال: لم أعلم به يومئذ فقلت: كيف علمه؟ فقال: ثنا ابن مهدى عن سفيان
عن منصور عن إبراهيم قال: حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا سجد جافى "،
وقال أبو عبد الله: كنت نزلت هذا الحديث حتى ذكرني ابن فضيل بن عياض
روى عن منصور مثل هذا- يعني: مثل رواية عبد الرزاق- وعن عدي ابن
عميرة الحضرمي: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد يرى بياض إبطيه " (3) .
خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وفالَ الإسماعيلي في معجمه: ثنا عبد
الله بن جعفر بن عمر الوكيل، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا شريك عن أبي
إسحاق عن البراء بن عازب قال: " كان رسول الله. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى جافى ".
وخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه، وقال: قال النَّضر بن سهيل: صح لا
يتمدّد في ركوعه ولا سجوده، وفال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين
وهو معهود، وفي أفراد النضر بن سهيل، وحديث أنس بن مالك قال:
" رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليحطَّ بالتكبير، فسبقت ركبتاه يده " (4) .
__________
(1) الكنز (22245) ، وابن أبي شيبة (1/257) ، وابن عدي في " الكامل " (6/2294) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/239) ، وأحمد (3/294) ، والطبراني (2 له 19) ،
والمجمع (2/125) ، ومعاني (1/231) ، وعبد الرزاق (2922) .
(3) الحاشية السابقة.
(4) ضعيف. كما قال النووي، وقد أشار إلى ذلك المصنف.(1/1491)
رواه الدارقطني، وقال: تفرد به العلاء بن إسماعيل العطار، وزعم النووي
أنّ البيهقي أشار إلى ضعفه، وأما ابن حزم فأشار إلى صحته، وفال الحاكم:
صحيح على شرط لم الشيخين، ولا أعرف له علّة. وحديث أبي هريرة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك
بروك الجمل " (1) . قال البيهقي: ورواه من حديث عبد الله بن سعيد المقبري،
وهو ضعيف، وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل عنه، والذي
يعارضه ينفرد به محمد بن عبد الله بن الحسن، وعنه الدراوردي عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك
البعير، ويضع يديه قبل ركبتيه " (2) ، قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه من
حديث أبي الزناد إلا من هذه الوجه، وقال البخاري: محمد بن عبيد الله بن
الحسن لا يتابع عليه، قال: ولا أدرى سمع من أبي الزناد أم لا، وقال ابن أبي
داود: هذه سنة تفرد ما أهل المدينة، ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر
عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا قول أصحاب
الحديث وضع اليدين قبل الركبتين، قال الدارقطني: وهذا حديث تفرد به
الدراوردي عن عبد الله بن عمر، وفي موضع آخر: تفرّد به إصبع بن الفرح
عن الدراوردي، ولما خرجه الحاكم عن أبي عبد الله بن بطة، ثنا عبد الله بن
محمد بن زكريا، ثنا بحر بن سلمة، ثنا الدراوردي قال: صحيح على شرط
مسلم، وله معارض من حديث أنس بن مالك- يعني: المذكور قبل- ورواه
البيهقي أيضًا من حديث عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بن
الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
سجد أحدكم فلا يبرك كما يبمرك الجمل / وليضع يديه على ركبتيه " (3) .
قال البيهقي: كذا قال على ركبتيه، قال: كان محفوظ، وكان دليلًا على
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي (2/10) ، والكنز (19793) ، والفتح (2/291) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/840) ، وأحمد (2/381) ، والبيهقي (2/99) ، والمشكاة
(819) ، وشرح السنة (3/135) ، والكنز (19792، 19763) ، وإتحاف (3/68) ، والإرواء (2/
(3) المصدر السابق.(1/1492)
انه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود، قال: رواه بمعنى اللفظ
المتقدم عبد العزيز عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، والمحفوظ عن
أيوب عن نافع عن ابن عمر: " وإذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع
فليرفعهما فان اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه
فليضع يديه " (1) . ولما خرجه الحاكم قال: صحيح على شرط الشيخين،
وخرجه أيضَا ابن خزيمة في صحيحه، وفي مسند ابن أبي شيبة عن يعقوب بن
إبراهيم عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر: " أنه كان يضع ركبتيه إذا
سجد قبل يديه " (2) ، وفي تعليق البخاري: وقال نافع: " كان ابن عمر يضع
يديه قبل ركبتيه "، ولما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قال ذكر الدليل على أن الاً مر بوضع اليدين عند السجود منسوخ، وأن وضع
الركبتين تجل اليدني ناسخ، وروى من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن
سلمة بن كهيل عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد قال: " كا
نضع اليدين تجل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين " (3) .
وفي كتاب الحازمي من حديث سعد في مسنده يقال: ولو كان محفوظ
لدل على النسخ، وفي الباب أحاديث مسندة، وفي كتاب البيهقي: المشهور
في هذا عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق، وفي المغنى لابن قدامة- رحمه
الله تعالى- ما ليس قول ابن خزيمة عن ابن سعيد قال: " كنا نضع اليدين
قبل الركبتين، فاً مرنا بوضع الركبتين قبل اليدين " (4) . وفي المصنف/لابن أبي
شيبة من حديث إبراهيم عن الاً سود عن عمرانه: " كان يضع ركبتيه قبل
يديه " (5) . وعن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه أنه: " كان إذا سجد
يضع ركبتاه ثم يدا هـ ثم رأسه "، ومسًل إبراهيم عن الرجل يضع يديه قبل
ركبتيه فكره ذلك، وقال: هل يفعله الا مجنون؟! وعن خالد قال: رأيت أبا
قلابة إذا سجد بدأ فوضع ركبتيه، قال: ورأيت الحسن يبدأ بيديه، وعن
__________
(1) رواه ابن عدي في " الكامل " (3/925) ، والبيهقي (2 / 120) ، والبخاري في " الكبير " (1/139) .
(2) أنظر: الإرواء (2/77) .
(3) الفتح: (2/291) .
(4) ، (5) المصدر للسابق.(1/1493)
مهدي بن ميمون قال: رأيت ابن سيرين يضع ركبتيه قبل يديه، وعن أبي
إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت ركبهم فبل
أيديهم، وسئل قتادة عن الرجل إذا انصب من الركوع يبدأ بيديه قبل أن
يضع أهون ذلك عنه وفي المستدرك قال أبو عبد الله والقلب في هذا إلى
حديث ابن عمر أميل؛ لكثرة من روى ذلك عنه من الصحابة والتابعين. وفي
الأوسط من حديث سعيد عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السجود
على سبعة أعضاء "، وقال: لم يروه عن سعيد إلا أبو أمية بن يعلي. تفرد به
حجاج بن النصير، وذكر الأسيجالي عن أبي حنيفة من آداب الصلاة وضع
الركبتين قبل اليدين، واليدين قبل الجبهة، والجبهة قبل الأنف وقيل: الأنف قبل
الجبهة، وتقدم اليد اليمنى على اليسرى، ففي الوضع تقدم الأقرب إلى
الأرض، وفي الرفع تقدّم الأقرب إلى السماء الوجه، ثم اليدان ثم الركبتان وإن
كان زاحف يضع يديه أولًا للتعزز، وحكاه القاضي أبو الطيب- أعنى: وضع
الركبتين- عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والثوري
وأحمد وإسحاق قال: وبه أقول. زاد البيهقي ابن مسعود، ونقله ابن بطال عن/
ابن وهب، وذكره أيضًا ورواه ابن شعبان عن مالك، وفي كتاب النووي
وقال الأوزاعي، ومالك: يقدّم يديه على ركبتيه، وهى رواية عن أحمد، وبه
قال أبو محمد بن حزم. غريبة: البهيمة الصغير من أولاد الغنم الضأن، والمعز،
والبقر، ومن الوحش، وغيرها الذكر والأنثى في ذلك سواء قال ابن سيده:
وقيل هو بهمة إذا شبّ، والجمع هم، وهم، وهام، وبهامات جمع الجمع،
وفي نوادر ثعلب: البهم صغار المعزوبة فسر قول الشاعر:
عراقي أن أجزلوك أن البهمي ... عجابًا كلها إلّا قليلا
وفي كتاب أبي موسى المديني الحافظ: البهمة السخلة، وفي حديث أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للراعي ما ولدت؟ قال: همة، قال: أذبح مكانها شاه. فلو أنّ
البهيمة اسم لجنس خاص لما كان في سؤاله- صلى الله عليه وآله وسلم-
الراعي، وإجابة عنه بهيمة كبر.
فائدة: إذ تعرف ما قدر الشاة إنما سيكون ذكرًا أو أنثى، فلما أجاب عنه(1/1494)
بهيمة فقال: اذبح مكانها شاه ذكر على أنه اسم للأنثى دون الذكر أي دع
هذه الأنثى في الغنم للنسل، واذبح مكانها ذكرًا، والله تعالى أعلم، وعفرة
إبطه- صلى الله عليه وآله وسلم- من أعلام نبوته؛ لأن النَّاس أباطهم غيره
إبطه- عليه الصلاة والسلام- بيضاء. قاله أبو نعيم، وقال الأصمعي: هو
البياض، وليس بالناصع، ولكنه كون الأرض، ومنه قيل: للطباعفر شبهت بعض
الأرض وهو وجهها، وقال شمر: هو بياض إلى الحمرة قليلا. ذكره الهروي،
وفي المحكم: عافره عفرًا خالصة البياض، وأرض عفراء بيضاء لم توطأ، ويريد
اعفر ببيض متنه، والجبهة موضع السجود، وقيل: هو مستوى ما بين الحاجبين
إلى البياضة،/قال ابن سيده: ووجدت بخط علي بن حمزة في المصنف: ولا
أدري كيف هذا إلّا أن يريد الجانبين، وفي الضربين مأوى له أي يرمى له
ويدر، يقال: أوحيت إليه فأنا أرى إيه ومارية، والآراب: الأعضاء واحدها
أرب. ذكره الهروي، وتمرة جبل عن يمينك وأنت تعلم عرفة بن غير أن قاله
أبو علي الهجري في نوادره، وزعم أبو عبيد البكري في معجمه: أنه موضع
بعرفة معلوم، وفي كتاب الحازمي: وياقوت ناحية بعرفة نزلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في حجة الوداع، وقيل: الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من تمرة
على أحد عشر ميلا.(1/1495)
149- باب التسبيح في الركوع والسجود
حدثنا عمرو بن رافع البجلي، ثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن أيوب
الغافقي قال: سمعت عمي عمر أياس بن عامر يقول: سمعت عتبة بن عامر
الجهني يقول: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اجعلوها في ركوعكم "، فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى، قال لنا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجعلوها في سجودكم ". هذا حديث رواه أبو داود (1) ، وفي
لفظ: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ركع يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده
ثلاثًا، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا "، وقال: وهذه
الزيادة أخاف أن لا تكون محفوظة، ولما خرجه ابن حبان (2) من غير هذه
الزيادة قال أياس بن عامر: من ثقات المصريين، وقال الحاكم أبو عبد الله: هذا
حديث حجازي صحيح الإِسناد، وقد اتفقا على/تصحيحه منهم ابن عامر،
وهو مستقيم الأمر، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق محمد بن رمح
المصري أنبأ ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن رجل أنه سمع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا ركع أحدكم قال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات،
وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات " (3) . هذا حديث ضعيف؛
لضعف ابن لهيعة المتقدّم ذكره قبل، ولأن أبا الأزهر أيضًا حاله مجهول،
فعلى هذا يكون الحديث ضعيف، نا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
الشعبي عن رجل من أصحاب النبي قال: ركع- يعني: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/869) ، وابن ماجة (ح/7 ول) ، وأحمد (4/155) ، والدارمي
(1/299) ، والبغوي (7/28) ، والطبراني (17/322) ، والشكاة (879) ، ونصب الراية (1/
376) ، والمنثور (6/168 كله 33) ، وابن حبان (506) ، والمعاني (1/235) ، وإتحاف (3/59) ،
والإرواء (2/40) .
(2) أنظر: رواية ابن حبان في الحاشية السابقة.
(3) هذا حديث ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وسبق الكلام عنه.(1/1496)
يقول: " سبحان ربي العظيم، وسجد فقال: سبحان ربي الأعلى " (1) ، وعند
أبي داود (2) من حديث أبي حمزة عن رجل من بنى عبس عن حذيفة: " أنه
رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده:
سبحان ربي الأعلى ".
حدثنا محمد بن الصباح، ثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن
مسروق عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر أن يقول في ركوبه
وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأوّل القرآن " (3) . هذا
حديث خرجاه في صحيحهما، وفي لفظ عند مسلم (4) : " سبحانك
وبحمدك لا إله إلا أنت ".
حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد
الهذلي عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
ركع أحدكم فليقل لم في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وإذا فعل ذلك فقد تم
ركوعه، وإذا سجد أحدكم فليقل في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا، فإذا فعل ذلك
فقد تم سجوده ذلك أدناه " (5) . هذا حديث قال فيه أبو عيسى: ليس إسناده بمتصل،
__________
(1) رواه النسائي (2/190، 200، 224، 226) ، وأحمد (1/371، 5/382) ، والطبراني (2/
141) والمجمع (275،2/128) ، وعبد الرزاق (2875،2874، 2880) ، وابن أبي شيبة (1/
249) وابن خزيمة (603، 9034،60) ، والمطالب (520) ، والكنز (17893، 19725،
22675، 23400) ، وشرح السنة (4/20) ، والكلم (85) ، وأذكار (50) ، وشمائل (145) ،
وأخلاق (181) ، ومعاني (1/235) ، وإتحاف (5/15) ، والإرواء (2/39، 42) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/871) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/207، 6/220) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
217) ، وأبو داود في (الاستفتاح، باب " 37 ") ، والنسائي في (الاستفتاح، باب " 97 ") ، وابن
ماجة (ح 885) ، وأحمد (6/43) ، والبيهقي (2/86، 105، 109) ، والمنثور (6/408) ،
وشرح السنة (3/100) ، وإتحاف (3/60) ، والمشكاة (871) ، وابن كثير (8/532) ، والطبري
(30/216) ، والقرطبي (10/341، 20/231) .
(4) رواه مسلم في: الصلاة، (ح/221) .
(5) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/890) ، ونصب الراية (1/375) ، والبخاري في(1/1497)
عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود، وقال البخاري في تاريخه، وأبو داود والطوسي في
سننهما والإِمام أحمد بن حنبل فيما حكاه الخلال: هو مرسل، عون لم يلق ابن مسعود،
وفي كتاب الدارقطني من حديث السرى بن إسماعيل وهو متروك عن الشعبي عن
مسروق عن عبد الله: " من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: سبحان ربي العظيم
وبحمدها وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده " (1) .
ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن إسحاق عن
عون بن عبد الله بن عتبة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. " الحديث، وقال: إن كان
هذا يأتينا قائمَا يعني: والله أعلم أدنى ما نسب إلى من الغرض، والاختيار معًا
لإِكمال الغرض وحده، وفي مسند أحمد من حديث أبي عبيدة عن عبيدة
عن أبيه عبد الله بن مسعود، ولم يسمع منه لما نزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
جاء نصر الله كان التواب، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم ثلاثا " (2) ،
وفي الباب حديث عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يقول في ركوعه وسجوده
سبوح قدوس رب الملائكة والروح ". خرجه مسلم (3) . وحديث عون بن
مالك من عند أبي داود (4) بسند صحيح وصف صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه يقول في
ركوعه: " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وقال في
سجوده مثل ذلك ".
وحديث محمد بن مسلمة أن رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا قام يصلى
تطوعا يقول: اللهم لك ركعت وبك أمنعتا ولك أسلمت، وعليك. توكلت
أنت ربي خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي وعصبي لله رب العالمين " (5) .
وحديث جابر بن عبد الله: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا ركع قال: اللهم لك
__________
= " الكبير " (1/405) ، والمشكاة (880) ، وضعيف أبي داود (155) ، وضعيف ابن ماجة (187) .
(1) قلت: ضعيف جدا. لضعف السري، وطعن للعلماء فيه.
(2) رواه أحمد (338،337،1/217، 388،356،344، 392، 394، 434، 455) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: للصلاة، (ح /223) . وأبو داود (ح/872) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/874) .
(5) رواه النسائي في: (الافتتاح، باب " 17، 100 ") ، وإسناده حسن.(1/1498)
ركعت، وبك آمنت ولك أسلمت " (1) ، فذكر مثله، رواهما النسائي بسند
حسن. وحديث على بن أبي طالب: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا ركع قال:
اللهم لك ركعت ... " الحديث، وقد تقدم في دعاء الاستفتاح. وحديث
جبير بن مطعم: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إذا ركع سبحان ربي العظيم
ثلاث مرات " (2) ، رواه الدارقطني من جهة إسماعيل بن عياش. وحديث عبد
الله ابن أخرم المذكور عنده أيضًا قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في ركوعه
سبحان ربي العظيم ثلاثا "، وقد تقدمت الإشارة إليه. وحديث أبي هريرة
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ركع أحدكَم فسبح ثلاث مرات فإنه يسبح
لله من جسده ثلاث وثلاثون " (3) . رواه أيضًا من حديث إبراهيم بن الفضل،
وهو متروك، وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي صالح عنه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجلّه وأوّله وآخره علانيته
وسره " (4) .
وفي كتاب الميموني روى سمعي عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا:
" أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء " (5) .
وحديث ابن عباس من عند مسلم قال: " كشف رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الستارة
والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: فأما الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما
السجود فاجتهدوا في الدعاء فعمني أن يستجاب لكم " (6) ، قال الميموني:
__________
(1) المصدر السابق. وإسناده حسن. (2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/342) .
وقلت: وعلّته إسماعيل بن عياش المذكور في كتب الضعفاء.
(3) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/343) . وعلته إبراهيم بن الفضل أحد المتروكين.
(4) صحيح. رواه ابن خزيمة (672) ، ومسلم (350) ، والبيهقي (2/110) ، وإتحاف (3/
75، 4/327، 483، 5/104، 109) ، وكلم (15) ، وأذكار (؟ 15) ، وأخلاق (168) .
(5) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/215) ، وأبو داود (ح/875) ، والنسائي (2/
226) ، وأحمد (2/241) ، والبيهقي (2/110) ، والترغيب (1/2490) ، وابن كثير (8/461) ،
والفتح (2/300، 11، 132) ، والمشكاة (894) ، وإتحاف (3/20، 5/33) ، والمغني عن حمل
الأسفار (1/149، 307) .
(6) الأذكار: " 51 ".(1/1499)
قلت- يعني: لأبي عبد الله- فحديث ابن عباس " فاجتهدوا في الدعاء
فعمني أن يستجاب لكم "، قال: ليس له ذلك الإِسناد، وروى في مسنده في
بيانه عند خجالة، قال قرابة: يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم، وفي
سجوده: سبحان ربي الأعلى "، وقال البيهقي في المعرفة: ادعى الطحاوي-
رحمه الله تعالى- نسخ الأحاديث: لحديث عقبة، قال: يجوز أن يكون سبح
اسم ربك الأعلى أنزلت عليه بعد ذلك عند وفاته، ولم يعلن أن هذا القول-
يعني: حديث ابن عباس- صدر فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غداة يوم الإثنين، والناس خلف أبي
بكر في صلاة الصبح، وهو اليوم الذي توفي فيه، وروينا في الحديث الثابت
عن النعمان بن بشير: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ في العيد والجمعة بسبح اسم
ربك الأعلى وهل أتاك " (1) ، وفي هذا دلالة على أن يسبح اسم ربك الأعلى
كان نزولها قبل ذلك بزمان كثير، وروينا عن الحسن البصري وعكرمة
وغيرهما أنها نزلت بمكة. وحديث سعيد الحريري من عند أبي داود (2) بسند
صحيح عن السعدي عن أبيه أو عمير قال: " رمقت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة
فكان متمكن في ركوعه وسجوده قدوما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا ".
وأعله ابن القطان بالسعدي وأبيه وعمه، فقال: ما منهم من يعرف، ولا من
ذكر بغير هذا. انتهى. أما الجهالة باسم الصحابي فغير ضارة، وأما السعدي
هذا فاسمه/عبد الله، فيما ذكره بن أبي عاصم وابن حبان في كتاب
الصحابة. وحديث ابن مانوس قال: سمعت سعيد بن جبير سمعت أنس بن
مالك يقول: " ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشبه صلاة به من
هذا الفتى- يعني: عمر بن عبد العزيز- فجررنا في ركوعه عشر تسبيحات،
وفي سجوده عشر تسبيحات " (3) . ذكره أبو داود، وقائل. قال أحمد بن
صالح قلت لعبد الله مانوس، أو مايوس، قال: أما حفظي مانوس، وأما عبد
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1281، 1283) ، وأحمد (4/273، 276) ، والمجمع (2/
203) ، من حديث سمرة وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الكبير " ورجال أحمد ثقات. وابن
أبي شيبة (2/142، 176) ، والقرطبي (07/118) .
(2) ضعيف: رواه أبو داود (ح/854) . قلت: وعلته ضعف ابن أبي ليلى.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/888) ، والنسائي (2/167) .(1/1500)
الرزاق فحفظه مايوس، وفي علل الخلال، وقال يحيى: عبد الرزاق يقول:
مانوس، وأما يحيى بن معين فقال: ماموس، وزعم أبو الفضل بن طاهر في
كتابه، وخيره الحافظ أنَّ ابن لهيعة رواه أيضًا عن أبي النضر عن أنس،
وحديث أبي بكرة من عند البزار بسند حسن: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يسبح في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى
ثلاثا " (1)
اختلف العلماء في التسبيح، وسائر الأذكار في الركوع والسجود، وقول
سمع الله لمن حمده فقال الشَّافعي: كل ذلك سنة ليس بواجب، ولو تركه
عمدًا لم يأثم، وصلاته صحيحة سواء تركه عمدا أو سهوا لكن يكره تركه
عمدا، وبه قال: مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء، وقال إسحاق ابن راهويه
التسبيح واجب، فإن تركه عمدَا بطلت صلاته، وإن نسيه لم تبطل، وقال ابن
حزم: ولا تجزيء صلاة أحد بأن يدع شيئا من هذا كله عامدَا كأن لم يأت له
ناسيًا وأتى به كما مر ثم يسجد للسهو، فإن عجز عن ذلك لجهل أو عذر
مانع سقط عنه وتمت صلاته.
وقال أحمد: التسبيح في الركوع والسجود، وقول: سمع الله لمن حمده
وربنا لك الحمد، والذكر بين السجدتين، وجمع التكبيرات واجبة، فإن ترك
شيئا منها عمدَا بطلت صلاته، فإن نسيه لم تبطل ويسجد للسهو هذا هو
الصحيح من مذهبه، وفي رواية عنه أنه سنة، وزعم ابن بطال أنّ العلماء
اختلفوا فيما يدّعى به في الركوع والسجود، فقالت طائفة: لا بأس أن يدعوا
الرجل ما أحب، وليس عندهم في ذلك شيء مؤقت، قال: ومالك كره
الدعاء في الركوع، ولم يكره في السجود، واقتصر في الركوع على تعظيم الله
تعالى والبناء عليه، وفي الحاوي الكبير للماوردي ولو سبح واحدة حصل
التسبيح، وأدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة، وفي شرح الهداية
__________
(1) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/128) ، من حديث جبير بن مطعم، وعزاه إلى
" البزار " والطبراني في " الكبير " قال البزار: لا يروى عن جبير إلا بهذا الإسناد، وعبد
العزيز بن عبيد ألله صالح ليس بالقوي.(1/1501)
للقاضي شمس الدين، ولو ترك التسبيح أصلا أو أتى به مرة فقد روى عن
محمد أنه يكره.
وفي الذخيرة: إذا زاد على الثلاث فهو أفضل بعد أن يكون الختم على
وتر، وفي الغزوي إن زاد على الثلاث حتى انتهى إلى اثنتي عشرة فهو أفضل
عند الإمام وعند صاحبيه إلى سبع، وعند الشافعي عشرة، وقال عامة أهل
العلم: يسبح ثلاثا، وذلك أدنى الكمال، وفي شرح الطحاوي قيل يقول الإمام
ثلاثا، وقيل أربع ليتمكن المقتدى من ثلاث، وقال القاضي حسين: ولو سبح
خمسًا أو تسعا أو إحدى عشرة كان أفضل وأكمل، ولكنه إذا كان إماما
استحب أن يزيد على ثلاث.
***(1/1502)
150- باب الاعتدال في السجود
حدثنا على بن محمد، ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر
قال: قال/رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفرش ذراعيه
افتراش الكلب " (1) ، هذا حديث قال فيه أبو عيسى وأبو علي الطوسي حسن
صحيح، وفي كتاب المراسيل لابن أبي حاتم قال شعبة حديث أبي سفيان
طلحة بن نافع عن جابر إنما هي صحيفة، قال: وقال أبي شعبة: سمع من
جابر أربعة أحاديث، ويقال: أنًّ أبا سفيان أخذ صحيفة جابر وصحيفة سليمان
اليشكري، وفي العلل الكبرى: لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث، وقال
أبو زرعة: أبو سفيان عن عمر مرسل، وهو عن جابر أصح، وقال أبو بشير
فيما ذكره بجيل في تاريخ واسط: قلت لأبي سفيان: مالك لأتحدّث عن جابر
كما يحدث عنه صاحبنا سليمان اليشكري فقال: إنّ سليمان كان يكتب،
وكنت لا أكتب، حدثنا نصر بن على الجهضمي، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد
عن قتادة عن أنس بن مالك: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اعتدلوا في السجود، ولا
يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه كالكلب (2)
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي الباب حديث عائشة من عند
مسلم (3) مطولا، وفيه: " وينهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/901) ، وابن ماجة (ح/891) ، والبيهقي (12/15) ، وابن
خزيمة (653) ، والفتح (2/294) ، والكنز (19786) .
وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " افتراش الكلب " هو وضع المرفقين مع الكفين على الأرض.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (7/208،1/14) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
233، 233 المكرر) ، والنسائي (2/214) ، والترمذي (ح/276) ، وصححه. وأبو داود (ح/
897) ، وابن ماجة (ح/892) ، وأحمد (5/113، 177، 179، 191، 291) ، والبيهقي (2/
113) ، والمنحة (437) ، والمشكاة (888) ، وإتحاف (3/69، 112) ، والكنز (19766) ،
والإرواء (2/91) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/240) .(1/1503)
السبع ". وسيأتي في الباب بعد. وحديث أبي هريرة من عند ابن خزيمة من
حديث زراح عن أبي حجرة عنه يرفعه: " إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه
افتراش الكلب وليضم فخذيه " (1) . وحديث البراء من عند مسلم قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك " (2) .
وحديث عبد الرحمن بن سيل/قال: " نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن نقرة الغراب
وافتراش السبع، وأن يوطن الرحل المكان " (3) . قال الحاكم: هذا حديث
صحيح لما قدمت ذكره من التفرد عن الصحابة بالرواية، وخرجه ابن خزيمة
أيضًا في صحيحه، ويعارض هذا ما خرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث
أبي صالح عق أبي هريرة قال: شكى أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشقة السجود
عليهم إذا انفرجوا فقال: " استعينوا بالركب " (4) ، قال ابن عجلان: وذلك أن
يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود داعيا.
وفي لفظ قالوا: " يا رسول الله إن تخريج الأيدي في الصلاة يشق علينا
فأمرهم أن يستعينوا بالركب ". وقال الحاكم لما خرجه: صحيح على شرط
مسلم، وزعم أبو داود في كتاب السنن أنَّ هذا كان رخصة، وقال الترمذي:
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (653) ، وأبو داود (ح/901) ، والبيهقي (2/115) ، والفتح (2/
294) ، والكنز (19786) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/234) ، وأحمد (4/283) ، والبيهقي (12/13) ،
وابن خزيمة (656) ، وشرح السنة (3/144) ، وتلخيص (1/252) .
(3) صحيح. رواه الحاكم (1/229) ، وأبو داود (ح/862) ، وأحمد (5/477) ، والبيهقي (2/
118) ، وابن سعد (2/4/87) ، والصحيحة (1168) .
(4) صحيح. رواه أبو داود (ح/902) ، والترمذي (ح/286) ، وقال: هذا حديث غريب لا
نعرفه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه، من حديث
الليث عن ابن عجلان. وأحمد (2/340) ، والبيهقي (2/117) ، والحاكم (1/229) ،
والبخاري في " الكبير " (4/203) ، وابن حبان (507) ، والفتح (2/294) ، والمعاني (1/
230) ، والكنز (19794) .
فلت: هؤلاء رووا الحديث عن سُمط عن النعمان مرسلا، والليث بن سعد رواه عن سمي عن
أبي صالح عن أبي هريرة موصولا، فهما طريقان مختلفان، ويؤيد أحدهما الآخر ويعضده،
والليث بن سعد ثقة حجة، لا نتردد في قبول زيادته وما انفرد به، فالحديث صحيح.(1/1504)
وذكره في باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود. هذا حديث لا
نعرفه من حديث الليث بن عجلان، وقد روى هذا الحديث ابن عيينة وغير
واحد عن سمي عن النعمان بن أبي عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا، وكأنّ
رواية هؤلاء أصح من رواية الليث، وقال أبو حاتم الرازي: الصحيح النعمان
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسل، وفي الأوسط من حديث سعيد بن جبير عن أبي
هريرة: " أوصاني خليلي بثلاث ونهاني عن ثلاث "، فذكر حديثا فيه:
" ونهاتي إذا سجدت أن أنقر نقرة الغراب، أو ألتفت التفات الثعلب " (1) ،
وقال: لم يروه عن سعيد إلا حبيب بن أبي ثابت، ولا عن حبيب إلا ليث بن
أبي سليم، ولا عنه إلا موسى بن أعن. تفرد به المعافى بن سليمان، وفي علل
الخلال عن ابن مسعود، فال:/هوت عظام ابن آدم للسجود فاسجدوا حتى
سجدوا على المرافق، قال أحمد: قد تركه الناس، وزعم القرطبي أن افتراش
السبع لاشك في كراهة هذه الهيئة واستحباب يقتضيها وهو الصحيح المذكور
في الأحاديث، والحكمة في كراهة تلك، واستحباب مذماته إذا جنح كان
اعتماده على يديه فيخفّ اعتماده على وجهه، ويتأثر لفه ولا جبينه، ولا يتأذّى
بملاقاة الأرض، ولا يتشوش في الصلاة بخِلاف ما إذا بسط يديه فإنه يكون
اعتماده على وجهه فحينئذ يتأذى بملاقاة الأرض، ويخاف عليه التشويش،
وفي شرح النووي وروى تنبسط بزيادة التاء المثناة من فوق، والله أعلم.
***
__________
(1) رواه أحمد (2/79) ، وعزاه إلى أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، في " الأوسط "، وإسناد
أحمد حسن.(1/1505)
151- باب الجلوس بين السجدتين
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون عن حسين المعلم عن بدبل
عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رفع من الركوع
لم يسجد حتى يستوي قائما، وإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي
جالسا، وكان يفترش رجله اليسرى " (1) . هذا حديث خرجه مسلم، وقد
سبقت الإِشارة إليه.
حدثنا علي بن محمد، ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق
عن الحرث عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تقع بين
السجدتين " (2) ، وفي لفظ عنده من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي
موسى وأبي إسحاق: " لا تقع إقعاء الكلب " (3) . هذا حديث خرجه/
الترمذي بلفظ: " يا علي أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره
لنفسي " (4) ، وقال: لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحرث عن علي،
وقد ضعف بعض أهل العلم الحرث الأعور على هذا الحديث، وعند أكثر أهل
العلم يكرهون الإقعاء. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما أسلفناه من عند ابن ماجة
من أنّ أبا موسى رواه أيضًا عن الحرث ثم إنَّا عهدناه يحسن حديث الحرث
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/240) ، وابن ماجة (ح/893) ، وأحمد (3/162) ،
والبيهقي (2/122) ، وأبو داود (ح/842) ، والمنتقى (204) ، وإتحاف (3/72) ، وابن أبي شيبة
(1/395) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (282) ، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا
من حديث أبي إسحاق عن الحرث عن علي. وابن ماجة (ح / 894) ، والبيهقي (2/3/120/
212) ، وتلخيص (1 لم 225) ، والكنز (19785،19783) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/
156) ، وصحيح أبي داود (ح/838) ، والضعيفة (4787) ، وضعيف الجامع (6257) ، وضعيف
ابن ماجة (ح/188) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/895) ، ونصب الراية (1/373) ، وإتحاف (3/89) ، وتلخيص
(1/225) ، والكنز (19783) ، وابن عساكر في " التاريخ " (13/45) ، والخفاء (2/535) .
وصححه الشيخ الألباني.
(4) انظر: الحاشية رقم " 2 " (ص 66) .(1/1506)
عن علي فمن ذلك حديث: " كان إذا عاد مريضا قال: اذهب البأس رب
الناس " (1) .
وحديث: " للمسلم على المسلم ست بالمعروف " (2) ، ولفظ الطوسي في
كتاب الأحكام: " لا تقعي على عقبك في الصلاة " (3) ، وعند العقيلي بسند
ضعيف عن الأصمعي قال: سمعت عليًا يقول: " إذا رفع أحدكم رأسه من
السجدة الثانية فليلذق إليته بالأرض، ولا يفعل كما يفعل الإبل، فإني سمعت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك توقير الصلاة " (4) .
حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، ثنا يزيد بن هارون ابنا العلاء أبو
محمد فال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
رفعت رأسك من الركوع فلا يقعي كما يقعي الكلب ضع إليتيك بين قدميك
والزق ظاهر قدميك بالأرض " (5) .
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (173،7/157) ، وسلم في (السلام، ح/
47،46، 48، 49) ، وأبو داود (ح/3883) ، وابن ماجة (ح/1619، 3520، 3530) ، وأحمد
(6/44) ، والبيهقي (3/381) ، والحاكم (4/62) ، وعبد الرزاق (19783) ، والطبراني (4/
327) ، وشرح السنة (5/244، 12/157) ، والمشكاة (1530، 4552) ، والبخاري في " الكبير "
(1/17) ، والخفاء (1/115) ، والمجمع (5/113،112، 114) ، وابن السني (537. 545) ، وابن
حبان (1417،1416،1415) ، وابن كثير (4/343) ، وابن سعد (2 /2/ 14، 15) .
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1433) ، والمجمع (8/186) ، والكنز (24773) ، والمشكاة
(2643) ، وضعيف ابن ماجة (ح/301) .
(3) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/85) ، من حديث أبي موسى وعلي بن
أبي طالب " وأورده مطولا " وبعض حديث علي في الصحيح. وعزاه إلى البزار، وروى أحمد
بعضه وزاد فيه أحمد " ولا تقع بين السجدتين ولا تعبث بالحصى "، وفي حديث علي الحارث
الأعور وهو ضعيف، وحديث أبي موسى رجاله موثقون.
(4) ، موضوع. بنحو حديث على. رواه ابن ماجة من حديث أنس (رقم: 896) . في
الزوائد: في إسناده العلاء، قال ابن حبان والحاكم فيه: إنه يروى عن أنس أحاديث موضوعة.
وقال فيه البخاري وغيره: منكر الحديث. وقال ابن المديني: كان يضع الحديث.
وقال الشيخ الألباني: " موضوع ".
انظر: الضعيفة (2614) ، وضعيف ابن ماجة (ح/189) .
(5) الحاشية السابقة.(1/1507)
هذا حديث إسناده ضعيف؛ لضعف أبي محمد العلاء بن زيد، ويقال ابن
زيد له الثقفي البصري الأيلي، فإنّ ابن المديني قال: كان يضع الحديث، وقال
أبو حاتم الرازي: منكر الحديث متروك الحديث كان أحمد يتكلم فيه، وقال
أبو داود: متروك الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال البخاري: منكر
الحديث، زاد أبو جعفر ونسبه أبو داود إلى الكذب، وقال ابن حبان/يروى
عن أنس نسخة موضوعة لا يحل ذكره إلّا تعجبا، وقال النسائي: ضعيف،
وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، وقال الحاكم وأبو سعيد النعاس، يروى عن
أنس أحاديث موضوعة، وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم، وذكره
غير واحد في جملة الضعفاء المتروكين، ولم أر من أثنى عليه، والله أعلم.
وذكره البيهقي بلفظ بها عن الإقعاء والتورك، وفي الباب حديث سمرة من
عند الحاكم أبي عبد الله قال: " أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نعتدل في السجود
وأن لا نستدر " (1) ، وقال: صحيح على شرط البخاري، وقد ورد في إباحة
حديث، ولفظ البيهقي: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإقعاء في الصلاة " (2) ،
وفي المصنف من حديث الحرث عن علي: أنه كره الإقعاء في الصلاة، وعن
إبراهيم: " أنه كره الإقعاء والتورك " (3) ، وكره الإقعاء أيضًا: الحسن، وابن
سيرين، وعامر. وحديث أبي هريرة قال: " نهاني رسول الله عن نقرة كنقرة
الديك وإقعاء كإقعاء الكلب " (4) ، رواه الإمام أحمد والبيهقي من رواية ليث بن
أبي سليم، وعنده: إقعاء كإقعاء القرد، وفي كتاب الترمذي باب الرخصة في
الإقعاء. ثنا يحيى بن موسى، ثنا عبد الرزاق، وأنبأ ابن جريج، أخبرني أبو الزبير
أنه سمع طاوسا يقول: " قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين قال: هي
__________
(1) رواه الحاكم (1/272) .
(2) رواه البيهقي (2/120) ، والهروي (1/210) .
(3) بنحوه رواه أحمد (3/233) ، والسراج في " مسنده " (1/4/73) ، عن يحيى بن إسحاق
السالحيني. وصححه الشيخ الألباني.
قلت: وهو بلفظ: " فهي عن الإقعاء والتورك ".
(4) رواه أحمد (2/311) ، والترغيب (1/37) ، وقد تقدم.(1/1508)
من السنة، فقلنا إنا لزم حقا بالرجل، فقال: بل هي سنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) . قال
أبو عيسى هذا حديث حسن، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث
من الصحابة لا يرون بالإقعاء بأسا، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه/
والعلم، وخرجه مسلم (2) أيضَا في صحيحه، وفي المشكل لأبي جعفر، اختلف
أهل العلم في الإقعاء المنهي عنه فذهب أبو حنيفة وجماعة سواء على أنَّه
جلوس الرجل على عقبيه في صلاته لا على إليتيه، محتجين بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لعليّ: " الأصح على عقبيك في الصلاة "، وبحديث أبي هريرة: " نهاني
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقعي في صلاتي إقعاء الذئب على العقبين " (3) . قال أبو جعفر:
قوله على العقبين راجع إلى أبي هريرة؛ لأن الذئب لا عقبان له، فإن قال قائل
قد روى عطية العوفي قال: رأيت العبادلة يقعون في الصلاة ابن عمرو، وابن
عباس وابن الزبير ويراهم الصحابة فلا ينكرونه، فالجواب أن رسول الله هو
الحجة على خلقه، أو يكونوا لم يبلغهم النهي، والله تعالى أعلم. وفي المصنف
باب من رخص في الإقعاء فذكر جابرَا وأبا سعيد وطاوسَا ومجاهدَا وأبا
جعفر، وفي كتاب البيهقي عن أبي عبيدة معمر بن الليث الإقعاء: هو أن
يلصق إليتيه بالأرض، وينصب ساقيه ويضع يديه بالأرض، وفي موضع آخر:
الإقعاء جلوس الإنسان على إليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب، والسبع،
وفي الغريبين: وذكره في المعتل بالياء قال أبو عبيدة. تفسيره عند الفقهاء: أن
يضع إلييته على عقبيه بين السجدتين، وقد روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه كل
مقعيا "، وقال النَّضر بن شميل: الإقعاء أن يجلس على وركيه، وهو الإحتفاز
والإستيفاز، وفي المحكم، وذكره في العتل بالواو أقعى الرجل في جلوسه
مستندَا إلى رواية، أقعى الكلب والسبع جلسى على إسته.
__________
(1) رواه الترمذي (ح/283) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". وقد ذهب بعض أهل
العلم إلى هذا الحديث، من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يرون بالإِقعاء بأسا.
وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم. فال: وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين
السجدتين.
(2) فوله: " مسلم " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) تقدم ص 1508.(1/1509)
152-/باب ما يقول بين السجدتين
حدثنا علي بن محمد، ثنا حفص بن غياث، ثنا العلاء بن المسيب عن
عمرو بن مرّة عن طلحة بن يزيد عن حذيفة، وح ثنا علي بن محمد، ثنا
حفص بن غياث عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف
عن صلة عن حذيفة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي
رب اغفر لي " (1) .
هذا حديث إسناده صحيح، وله أصل في صحيح ابن خزيمة على مؤمل بن هشام
وسلم بن جنادة قالا: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن سعد عن المستورد عن جلّة عن
حذيفة قال: صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة، قال ابن خزيمة: وذكر الحديث.
حدثنا أبو كريب إسماعيل بن صحيح عن كامل أبي العلاء قال: سمعت
حبيب أبي ثابت يحدّث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بين السجدتين في صلاة الليل: رب اغفر لي وارحمني
واجبرني وارزقني وارفعني " (2) .
هذا حديث قال فيه الترمذي وأبو علي الطوسي: غريب، وهكذا روى
عن علي، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يرون هذا جائزًا في المكتوبة
والتطوع، وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا. انتهى.
إسماعيل وثقة ابن حبان، وكامل وثقة ابن معين وغيره، وقال البزار: مشهور
من أهل الكوفة روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه؟ فلهذا
فسكت عنه الإشبيلي سكوت مصحح له، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه وكامل ممن يجمع حديثه.
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في (الافتتاح، باب " 172 ") ، وابن ماجة (ح/897) ، والبيهقي
(2 / 122) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/898) . في الزوائد: رجاله ثقات. إلا أن حبيب بن أبي
ثابت كان يدلس، وقد عنعنه. وأصله في أبي داود. قوله: " وأجبرني " من جبرت الوهن
والكسر إذا أصلحته. وجبرت المصيبة إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به.(1/1510)
153-/باب ما جاء في التشهد
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، ثنا الأعمش عن شقيق بن
سلمة عن عبد الله بن مسعود ح، وثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى بن
سعيد، ثنا الأعمش، ثنا شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلنا: السلام على الله قبل عباده السلام على جبرائيل وميكائيل
وعلى فلان وفلان يعنون الملائكة عليهم الصلاة والسلام فسمعنا رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الله هو السلام فإذا جلستم فقولوا: التحيات لله والصلوات
والطيبات السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين فإنه إذا قال ذلك أصابت كل عبد صالح في السماء الأرض
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدَا عبده ورسوله " (1) هذا حديث
خرجه الأئمة الستة.
وفي المنتقى (2) لابن الجارود: " السلام على إسرائيل "، وفي المصنف: ما
كنا نحتب على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن الحديث إلّا التشهد والاستخارة،
وقال الترمذي: هو أصح حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد والعمل به عند
أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم من التابعين، وهو قول الثوري وابن
المبارك وأحمد وإسحاق، وقال الخطابي: أصح الروايات وأشهرها رجالَا تشهد
ابن مسعود، وقال ابن المنذر والطوسي: قد روى حديث ابن مسعود من غير
وجه وهو أصح حديث روى في التشهد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال ابن عبد البر:
بتشهد ابن مسعود أخذ كثر أهل/العلم؛ لثبوت نقله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال
علي بن المديني: لم يصح في التشهد إلا ما نقله أهل الكوفة عن عبد الله،
وأهل البصرة عن أبي موسى، وبنحوه قاله ابن طاهر، وقال النووي: أشدّها
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 221، 8/ 64، 89، 9/ 142) ، ومسلم في (الصلاة،
ح/55) ، والنسائي (3/40، 41) ، وأحمد (1/ 372، 423، 427) ، والبيهقي (2/
138، 153، 377) ، وعبد الرزاق (3061) ، والمجمع (8/ 5067، 5073) ، والصحيحة (1/
422) ، والمطالب (2644) ، والحلية (8/115؛ 9/322) ، والإرواء (2/24، 43) .
(2) المنتقى: (205) .(1/1511)
صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود ثم حديث ابن عباس، وعند
البخاري: " ثم ليتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعوا به "، وعند مسلم: " كنا
نقول في الصلاة خلف رسول الله على الله السلام على فلان فقال لنا ذات
يوم، إن الله هو السلام " (1)
وفي الأوسط للطبراني: ثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعي، ثنا أبي، ثنا يحيى بن
آدم، ثنا مفضل بن مهلهل عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: " كان ابن
مسعود يعلم رجلا التشهد فقال عبد الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله: فقال الرجل وحده لا شريك له فقال عبد الله هو
كذلك ولكن تنتهي إلى ما علمناه " (2) ، وقال: لم يروه عن العلاء إلا المفضل
تفرد به يحيى بن آدم، وفي مسند البزار: " أنّ عبد الله كان يعلم رجلا
التشهد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فقال الرجل وأن محمدا عبده ورسوله
فأعادها عبد الله عليه مرات كلّ ذلك يقول: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
فقال عبد الله: هكذا علمنا ". وهذا الحديث إنما أدخله المسند؛ لأنه قال:
هكذا علمنا، وعند الطبراني عن أبي جمرة عن إبراهيم عن علقمة عنه: " كان
النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد ويقول: تعلموا فإنه لا صلاة إلا بتشهد " (3) ، وقال:
لم يروه عن أبي جمرة الأصعدي بن سنان، وعند أبي داود (4) من حديث أبي
الأحوص عه: كنا لا ندري ما/نقول إذا جلسنا في الصلاة وكان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قْد علم، وعن أبي وائل عنه من عند الحاكم، وقال: صحيح على شرط
مسلم وله شاهد من حديث ابن جريج عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل:
" كان يعلمنا- يعني: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمات ولم يكن يعلمنا هن كما يعلمنا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/55) . وتقدم في الحديث المتفق عليه السابق
قريبا.
(2) لم نقف عليه.
(3) الكنز (19874) ، والحلية (4/236) ، والمجمع (2/140) ،- وفي الصحيح طرف منه-
وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه صعد بن سنان ضعفه ابن معين، ورواه البزار برجال
موثقين، وفي بعضهم خلاف لا يضر إن شاء الله.
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/969) .(1/1512)
التشهد اللهم ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من
الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في
أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأرواحنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب
الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها، قابليها وأتمها علينا " (1) .
ومن حديث زهر بن الحسن بن الحسن عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة
عند أبي داود: " أن عبد الله أخذ بيده، وأنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد عبد الله
فعلمه التشهد " (2) فذكر مثل حديث الأعمش المذكور، وفيه: " إذا قلت هذا
وقضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد
فاقعد ". قال الدارقطني: رواه زهير بن معاوية عن ابن الحرّ فزاد في آخره
كلامًا- يعني: هذا- وأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفضله سبابه عن زهير وجعله من كلام عبد الله، وقوله أشبه
بالصواب من قول من أدرجه؛ ولأن ابن ثوبان رواه عن الحسن كذلك وصى
آخره من قول عبد الله، ولا يفاق (3) حسين الجعفي وابن عجلان وحجد بن
أبان في روايتهم عن الحسن على بدل ذبهره في آخر الحديث، مع اتفاق كل
من روى التشهد عن علقمة/وغيره عن عبد الله على ذلك، وقال البيهقي:
ذهب الحفاظ إلى أنَ هذا وهم من قول ابن مسعود أدرج في الحديث،
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كان قبل أن ينزل التسليم، وقال
الخطيب في كتابه الفضل للوصل المدرج في النقل، قوله: إذا قلت ذلك قد
تمت صلاتك إلى آخره ليس هذا من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنّما هو قول ابن
مسعود أدرج في الحديث، وقد بيه شبابة بن سوار في رواية عن زهير بن
معاوية، وفصل كلام ابن مسعود من كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن الحسن بن الحرّ مُفَّصلًا
__________
(1) المصدر السابق لأبي داود.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/970) .
(3) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".(1/1513)
مبينًا، وقال الخطابي: قد اختلفوا في هذا الكلام هل هو من كلام ابن مسعود
أو من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن صح رفعه ففيه دلالة على أنّ الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في التشهد غير واجبة، وقوله: قد قضيت صلاتك يريد معظم الصلاة من
القرآن، والذكر والرفع والخفض، وإنّما بقى عليه الخروج منها بالسلام فكنى عن
التسليم بالقيام إذا كان القيام إنّما يقع عقبيه، ولا يجوز أن يقوم بغير تسلم؛
لأنه يبطل صلاته لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " (1) ، وقال
الإشبيلي الصحيح في هذه الزيادة أنها من قول عبد الله، وعند النسائي بسند
جيد عن عبد الله قال: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قولوا في كل جلسة
التحيات " (2) .
وفي مسند البزار من حديث محبوب بن الحسن عن ابن أبي حمزة
ميمون بن العصاب، وهو ضعيف عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا صلاة إلا بتشهد " (3) /ثم قال: لا نعلمه يروى من
حديث ابن جمرة عن إبراهيم إلا من هذا الوجه هذا السند، وفي الأوسط:
يروه عن أبي الميموني الأجعدي بن سنان، كذا قالاه وفيه نظر؛ لما أسلفناه من
عندهما.
وفي مشكل الطحاوي: لم يقل أحد من رواه هذا الحديث عن عبد الله
فلما فرض التشهد قال لنا غير ابن عيينة، قال أبو جعفر: يحتمل أن يراد
بالعرض هنا العطية من الله قال تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن) (4) ،
وفي حديث أبي معمر عن عبد الله كما يقول والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنبأ السلام عليك
أيها النبي فلما قبض قلنا السلام على النبي، قال أبو جعفر: وإّنما جاء الغلط
في هذا عن دون أبي معمر؛ لأنه المقدار، وذكر المديني في كتاب الترغيب
والترهيب عن سعد بن أبي إسحاق بن كعب قال: " كانت الصحابة يقولون
__________
(1) التمهيد (9/182، 10/212) ، ونصب الراية (1/307) ، والقرطبي (19/62) .
(2) رواه النسائي: (2/239) . وإسناده حسن.
(3) ضعيف. رواه الطبراني (10/61) ، والبيهقي (2/378) .
(4) سورة القصص آية: 85.(1/1514)
إذا سلموا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السلام عليك أيها النبي فقال النبي: هذا السلام
عليّ وأنا حي، فإذا مت فقولوا: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته " (1) .
وفي مسند أحمد من حديث أبي عبيدة عن أبيه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه
التشهد، وأمره أن يعلمه الناس " (2)
وزعم بعض الحنفية أن هذا الحديث بزيادة أن تثبت أن تقوم رواه أبو داود
الطيالسي، وموسى بن داود، والطيالسي، وموسى بن داود الضبي، وهاشم بن
القاسم، ويحيى بن أبي بكير، ويحيى بن يحيى النيسابوري وغيرهم متصلا،
ورواية من رواه منفصلًا، يقطع بكونه مدرجًا لاحتمال أن يكون نسبه ثم
ذكره فسمعه هؤلاء متصلًا، وهذا منفصلًا أو أفتى به؛ إذ عادة ابن مسعود
الفُتَى والله أعلم. وفي التمهيد وفي أكثر طرق عبد الله: " ورحمة الله
وبركاته "، وأنكر/ذلك الطحاوي في مسنده أبي قرة بسند صحيح: " فإذا
قالها أصابت كل ملك مقرب، وكل نبي مرسل، وكل عبد صالح ".
وفي سنن الدارقطني بسند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف، وفيه:
" اللهم صل على محمد، وعلى بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد
مجيد، اللهم صل علينا معهم، اللهم بارك على محمد وعلى أهل بيته كما
باركت على آل إيراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علينا معهم صلوات الله
وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمين السلام عليك، ورحمة الله
وبركاته " (3) . قال: وكان مجاهد يقول: " إذا سلم فبلغ وعلى عباد الله
الصالحين فقد سلّم على أهل السماء والأرض "، وفي صحيح ابن خزيمة: " ثم
يسلم وينصرف "، وفي لفظ (4) : " علمني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التشهد في وسط
(1) رواه الطبراني (1/480) ، والفتح (11/56، 159) ، والكنز (20791) ، والخطيب (14/
(2) رواه أحمد: (1/292، 394، 413، 414، 422، 450، 459، 5/363) .
(3) رواه الدارقطني: (1/355) .
(4) قوله: " لفظ " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/1515)
الصلاة وفي آخرها فإن كان في وسط الصلاة ينهض حين يقرع من تشهده،
وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم " (1) .
ومن حديث أبي عبيدة عن أبيه من عند الترمذي، وقال حسن: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في الركعتين الأولتين كأنه على الرضف قال: قلنا حتى يقوم
قال: حتى يقوم " (2) ، وعده أيضًا عن عبد الله قال عليه السلام: " من السنة
أن يخفي التشهد " (3) ، وقال حسن غريب. وخرج الحاكم في المستدرك من
حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله قال:
" من السنة أن يخفي التشهد "، وقال: صحيح على شرط مسلم، وخرجه ابن
خزيمة في صحيحه وزاد، وعن عائشة قالت: " نزلت هذه الآية في التشهد:
(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) " (4) .
وفي النسائي من/الجامع وأبو على الطوسي في الأحكام حديث أيمن غير
محفوظ، وقال الشيرازي في المذهب: وذكر التسمية غير صحيح عند
أصحاب الحديث وكذا قاله البغوي في شرح السنة، وقال القاسم بن عساكر:
رأيت بخط النسائي لا نعلم أحدًا تابع أيمن على هذا الحديث، وخالفه الليث بن
سعد وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وقال أبو الحسن الدارقطني:
أيمن خالف الناس لو لم يكن إلا حديث التشهد، وقال أبو الوليد الباجي في
كتاب الجرح والتعديل: عمره غير يحيى لحديثه عن أبي الزبير في التشهد، ولما
ذكره الإشبيلي لم يعبه إلّا بتدليس أبي الزبير ولكونه لم يبيّن سماعه من جابر
فيه، وقال الشَّافعي: وقد روى عن ابن مسعود وجابر أبي موسى عن النبي
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3/142) ، وعزاه إلى أحمد ورجاله موثقون.
وهذا الحديث من رواية ابن مسعود.
(2) حسن. رواه الترمذي (ح/366) ، وحسنه وأبو داود في (الصلاة، باب " 183 ") ، والنسائي في
(التطبيق، باب " 105 ") ، وأحمد (1/386، 410، 428، 486، 410، 428، 436، 460) .
غريبة: قوله: " الرضف " بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة: الحجارة التي حميت بالشَمس
أو النَار، واحدتها رضفه، وهي كناية عن تخفيف الجلوس.
(3) رواه الترمذي (2/85، ح/291) . وقال: حسن غريب.
(4) رواه الحاكم في " المستدرك ": (1/230) .(1/1516)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد أحاديث كلَّها يخالف بعضه بعضًا، واختلافها إنما هو
اختلاف في زيادة حرف أو نقصه، وإنما أخذنا هذا؛ لأنا رأيناه أجمعها وهو
أحبها إلينا؛ لأنّه أكملها، زاد في كتاب اختلاف الحديث واحتمل أن تكون
كلَّها ثابتة، وأن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الجماعة والمنفردين التشهد فيحفظه
أحدهم على لفظ، ويحفظه الآخر على لفظ يخالفه لا يختلفان في معنى أنه
أريد به تعظيم الله تعالى، وذكر أبو الفضل بن طاهر، وفي كتابه أطراف
الغرائب أنّ أبا عاصم رواه عن عروة بن ثابت- أو ابن جريج- عن أبي الزبير
عن جابر، وقال: حديث غريب. تفرد به حميد بن الربيع عن أبي عاصم.
انتهى. وقد وجدنا الحديث في التسمية متابعا من حديث على الأربعة
وموقوف عمر وحديث عائشة في الباب حديث رواه أمية بن خالد، ثنا شعبة
عن خالد/الحذاء قال: أنا علمت ابن سيرين التشهد. وحديثه عن أبي نصرة
عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ يتشهد وتلك تشهده.
قال الطبراني في الأوسط: لم بروه إلّا أمية، ولا رواه عن أمية إلا أمية بن
بسطام، وموسى بن محمد بن حبان وإبراهيم بن هاشم، وفي المصنف، ثنا ابن
علية عن خالد عن أبي المتوكل سألنا أبا سعيد عن التشهد فقال: التحيات لله
مثل حديث ابن مسعود لم يذكر وبركاته، وفي آخره قال أبو سعيد: كنا لا
نكتب شيئا سوى القرآن والتشهد. وحديث أبي الحسن علي بن أبي طالب:
التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والذاكيات والناعمات
المانعات الطاهرات لله، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن عبد الله بن
عطاء عن النهري قال: سألت الحسين عن تشهد علي فقال: هو تشهد النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره إلا عمرو وابن هاشم.
وفي البيهقي من طريق سعد وابن نصر، ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي
إسحاق عن الحرث عن علي أنه قال: إنّا نشهد قال: بسم الله قال البيهقي:
وروى عن وكيع عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي مثله وزاد:
وبالله، وفي الأوسط من حديث عامر بن إبراهيم قال: تفرد به عن نهشل بن(1/1517)
سعيد الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن الحرث عنه أنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " لا صلاة لمن لا تشهد له " (1) .
وفي الاستذكار روى عن على تشهد هو أكمل هذه الروايات كلها، وقال
ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: روى أبو عوانة عن الحكم عن عاصم عن
علي: " إذا قعد المصلى قدر التشهد فقد تمت صلاته " قال أبي/حديث
الأفريقي وفيه كل كلام عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا
جلس- يعني: الرجل- في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته " (2) ،
وفي أبي داود " وتمت "، وفي البيهقي: من حديث عاصم عن علي مثله،
وزعم أبو حاتم الرازي أنه حديث منكر، قال: ولا أعلم روى الحاكم عن
عاصم ثناه، حدثنا محمد بن رمح حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن
سعيد بن جبير وطارق عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا
التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، كان يقول: التحيات المباركات
الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله " (3) . هذا حديث أخرجه مسلم في صحيحه، وفي النسائي:
" سلام عليك وسلام علينا "، بغير ألف ولام. وقال الترمذي: حديث حسن
صحيح غريب، وقال الطحاوي: رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
موقوفًا، والذي رفعه أبو الزبير وحده لا يكافئ الأعمش ولا منصور ولا
المغيرة، وشبههم بمن روى حديث ابن مسعود وقتادة في حديث أبي موسى
__________
(1) ضعيف. الكنز (19875) ، والمجمع (2/140) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه
الحارث، وهو ضعيف.
(2) قلت: وهذا حديث ضعيف؛ لضعف الأفريقي.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح ا 60/61) ، والترمذي (ح/290) ، وابن ماجة (ح/
902) ، وأحمد (1/292، 315، 413،394، 5/363) ، والبيهقي (2/140، 377،142) ،
وإتحاف (3/76) ، وابن أبي شيبة (1/294) ، والطبراني (10/61، 65، 66) ، والكنز
(22346، 22351) ، والفتح (2/315) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/31) ، ومعاني (1/
264) ، وابن عدى في " الكامل " (1/423، 2/696) ، والمجمع (2/139، 140، 141) .(1/1518)
ولا أبا بشر في حديث ابن عمرو في المصنف عن معان عن حبيب بن الشهيد
عن محمد بزيادة البركات.
حدثنا حميد بن الحسن، ثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد عن قتادة، وثنا
عبد الرحمن بن عمر، وثنا ابن أبي عدي شنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله،
عن قتادة وهذا حديث عبد الرحمن عن يونس بن جبير عن خطاب بن عبد
الله عن أبي موسى الأشعري: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/خطبنا وبن لنا سنتنا
وعلمنا صلاتنا، فقال: " إذا صليتم فكان عند القعدة فليكن من أوّل قول
أحدكم التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله سبع كلمات من تحية الصلاة " (1) . هذا حديث
خرجه مسلم مطولَا بصفة الصلاة، وعند النسائي (2) : " وحده لا شريك له ".
حدثنا محمد بن زياد، ثنا المعتمر، ثنا يحيى بن حكيم، ثنا محمد بن
بكبر، قالا: ثنا أيمن بن نائل، ثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن بسم الله وبالله
التحيات لله، والصلوات، والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار " (3) .
هذا حديث قال فيه الحاكم لما خرجه في مستدركه: صحيح على شرط
البخاري ومسلم؛ لأن أيمن احتج به محمد، والزبير احتج به مسلم، وقال
حمزة الكسائي في رواية سن النسائي: قوله عن جابر خطأ، والصواب أو
الزبير عن سعيد بن جبير، وطاوس عن ابن عباس ولم يقل في التشهد: " بسم
الله وبالله " إلا أيمن عن أبي الزبير، وفي علل الترمذي: سالمت محمدَا عن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/62) .
(2) صحيح. رواه النسائي في: التطبيق، 103- باب نوع آخر من التشهد (2/242) .
(3) تقدم، وأنظر الحاكم (1/266- 267) . ص 1511(1/1519)
هذا الحديث فقال: هو غير محفوظ وهو خطاً، والصحيح ما رواه الليث بن
سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس، هكذا رواه
عبد الرحمن بن حميد الرواس عن أبي الزبير مثل ما روى الليث، وقال
الترمذي في لم هذا: حديث منكر لا أعلم روى الحكم عن عاصم شيئَا، وقد
أنكر شعبة على أبي عوانة رواية عن الحكم فقال: لم يكن ذلك الذي لقيه
الحاكم، قال أبي: ولا يشبه هذا الحديث حديث الحكم. وحديث عمر بن
الخطاب- رضى الله عنه-: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه: التحيات الصلوات
الطيبات المباركات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، والسلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا عبده
ورسوله ". قال أبو القاسم في الأوسط (1) : لا يروى عن عبد الله بن عتبة بن
مسعود عن عمر إلّا بهذا الإسناد. تفرد به ابن لهيعة، وقال الدارقطني: هذا
إسناد حسن، وابن لهيعة ليس بالقوي، وفي الموطأ (2) عن ابن شهاب عن
عروة عن عبد الرحمن بن عبد القارئ: " أنه سمع عمر بن الخطاب وهو
على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: التحيات لله الزاكيات لله الطيبات
الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد محمدا عبده ورسوله ".
قال أبو عمر في الاستذكار: لما علم مالك أنّ التشهد لا يكون إلا توقيفَا من
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختصار تشهد عمر؛ لأنه كان يعلّمه الناس وهو على المنبر من غير
نكير من أحد من الصحابة، وكانوا متواترين في زمانه ولم يأت عن أحد منهم
أنه قال: ليس كما وصفت روى تسليم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دليل على الإِباحة والتوسعة فيما جاء عنه في ذلك- صلى الله عليه
وآله وسلم-، مع أنه أمر متفاوت كلّه قريب المعنى بعضه من بعض، أنما فيه
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/141) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط "، وفيه حجاج بن رشدين، وهو ضعيف.
(2) رواه مالك في: كتاب الصلاة، (ح/53) . وهذا الحديث رواه الشافعي في الرسالة،
738 بتحقيق المرحوم أحمد محمد شاكر. وقال عنه في الحاثية، وقال الزيلعي في نصب
الراية (1/422) : " وهذا إسناد صحيح ". أكل.(1/1520)
كلمة/زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة، وقال القاضي: هو خبر يجرى مجرى
التواتر؛ لاًن الصحابة أقروه عليه، ولو كان غيره يجري مجراه يقال له الصحابة
ضيقت واسعَا، وقال ابن حزم اختيار مالك تشهد عمر الوقوف وقد خالف
عمر فيه ابنه وفي سنن البيهقي من حديث الدراوردي عن هشام عن أبيه أن
عمر كان يعلم الناس التشهد في الصلاة وهو يخطب على المنبر فيقول: " إذا
تشهد أحدكم فليقل: " بسم الله خير الاً سماء، التحيات الزاكيات ". فذكره
وفيه قال عمر: ابدؤوا باً نفسكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسلموا
على عباد الله الصالحين قال البيهقي ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري
وهشام عن عبد الرحمن بن عبيد عن عمر وذكر فيه التسمية بسم الله خير
الأسماء وزاد وقدم وأخر ورواه مالك ومعمر ويونس وعمر بن الحرث عن ابن
شهاب لم يذكروا فيه التسمية وقدموا كلمتي التسليم على كلمتي الشهادة
زاده معمر وكان الزهري يأخذ به ويقول علمه الناس على المنبر والصحابة
متوافرون ولا ينكرونه قال معمر وأنا أخذ به وذكر الحاكم التسمية فيه من
رواية العنس عن الدراوردي عن هشام عن أبيه وقال صحيح على شرط مسلم
وإنما ذكرته لأن له شاهدَا على ما شرطنا في الشواهد ورواه في المصنف عن
حاتم ابن إسماعيل عن هشام وثنا وكيع عن الاً عمش عن أبي إسحاق عن
الحرث عن علي أنه كان يقول إذا تشهد بسم الله خير الأسماء اسم الله
وحديث عائشة بسم الله التحيات لله والصلوات لله. الزاكيات لله الحديث قال
البيهقي والرواية الصحيحة عن عبد الرحمن/عن القاسم عن عائشة ليس فيها
ذكر التسمية إلّا ما انفرد بها محمد بن إسحاق، يعني عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه، قال البيهقي: وروى عن محمد بن صالح بن دينار عن
القاسم بن محمد مرفوعا بلفظ: " هذا تشهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التحيات لله إلى
آخره "، وفي آخره قال محمد بن صالح: قلت: بسم الله فقال القاسم بسم
الله كل ساعة والصحيح موقوف، وكذا قاله الدارقطني أيضَا، ورواه مالك
موقوفَا فيه: " وحده لا شريك له " (1) . وحديث سمرة بن جندب من عند
__________
(1) رواه مالك في: كتاب الصلاة، (ح /56) . نقل الزرقاني عن الاستذكار: ما أورده مالك
عن عمر وابنه وعائشة حكمه حكم الرفع: لأن من المعلوم أنه لا يقال بالرأي.(1/1521)
أبي داود (1) بسند صحيح على شرط ابن حبان قال: " أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذا كان في وسط أو حين انقضائها فابدؤوا قبل السلام فقولوا: " التحيات لله
والصلوات الملك لله، ثم سلموا على اليمين ثم سلموا على قارئكم وعلى
أنفسكم ". وفي المصنف: ثنا أبو نعيم عن سفيان عن زيد العمى عن أبي
الصديق الساجي عن ابن عمر: " أن أبا بكر الصديق- رضى الله عنه- كان
يعلمهم التشهد على المنبر، كما يُعلم الصبيان في الكتاب التحيات لله
والصلوات والطيبات ... " (2) الحديث.
وحدثنا ابن عمر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد: " التحيات لله
الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة والله وبركاته "، قال ابن
عمر: وزدت فيها: " وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا
إله إلا الله "، قال ابن عمر وزدت فيها: " وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله ". رواه أبو داود (3) بسند صحيح عن نصر بن علي عن
أبيه عن شعبة عن أبي بشر قال: قال سمعت مجاهدا يذكره، وذكره مالك
موقوفا في الموطأ عن نافع عنه، ولفظه/: " بسم الله التحيات لله الصلوات
الزاكيات الله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين شهدت أن لا إله إلا الله شهدت أن محمدا رسول الله، فإذا أراد أن
يسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين السلام عليكم " (4) .
وفي المصنف: ثنا هشيم، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب عن ابن
عمر: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد في الصلاة كما يعلم المكتب
الولدان " (5) . ورواه أبو القاسم من حديث قتادة عنه- يعني: مرفوعا- وقال:
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/975) . قال أبو داود: دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة.
(2) رواه ابن أبي شيبة: (1/294-295) .
(3) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/971) .
(4) رواه مالك في: الصلاة، (ح/54) .
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/140) ، وعزاه إلى الطبراني في(1/1522)
لم يروه عن قتادة إلّا بأمرين وقد تفرد به سهل بن بكار، ولما رواه الدارقطني
عن ابن أبي داود ثنا نضر قال: هذا إسناد صحيح، وقد تابعه على رفعه ابن
أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما، وفي حديث موسى بن عبيدة وخارجة
وهما ضعيفان: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد التحيات الطيبات
الزاكيات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله ثم يصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وفي العلل الكبير للترمذي: سألت
محمدًا عن هذا الحديث فقال: روى شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن
عمر، وروى سفيان عن مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود، وهو المحفوظ
عندي قلت: كانه يروى عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يروى عن ابن عمر عن
أبي بكر، قال: يحتمل هذا، وهذا قال محمد وعبد الرحمن بن إسحاق الذي
روى عن محارب بن دثار عن ابن عمر في التشهد: / هو الكوفي، وهو
ضعيف الحديث وأوقفه ابن عدي. انتهى. قد تقدّم من عند الدارقطني أن ابن
أبي عدي رفعه، فالله أعلم، وحديث أبي هريرة مرفوعًا؛ لحديث ابن مسعود
ذكره ابن بطال في شرج البخاري، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد
وإسحاق وأبو ثور وابن المبارك فيما حكاه ابن الأثير في شرح المسند وداود
وأصحابه إلى تشهد ابن مسعود، واستدلّ لهم أيضا بأن حديث ابن عباس
الذي اعتمده الشافعي قد وقف، كما تقدَّم وبأنه مضطرب، وذلك أنّ
الشافعي وأحمد روياه منكر السلام، ورواه أحمد في موضع آخر من مسنده
بتعريفه، وعندهما وأنَّ محمدًا لم يذكر التشهد، وفي ابن ماجة وأشهد كما
تقدّم، وعند النسائي كمسلم إلا أنه منكر السلام، وقال: وأن محمدًا عبده
ورسوله، وفي رواية عند مسلم (1) " وأن محمدًا رسول الله " وهو عنده
معرف السلام في المكانين وهو مذهب الشافعي تنكيره، ويرجح تشهد ابن
مسعود على حديث ابن عباس بأمور: منها: أنّه في الكتب الستة وذاك في
__________
" الكبير "، وفيه عبد للرحمن بن إسحاق أبو شيبة، وهو ضعيف.
(1) صحيح. رواه مسلم: (ح/60) ،.(1/1523)
مسلم. الثاني: أن جماعة من الصحابة وافقوه على رواية. الثالث: حديث أبي
بكر كحديث ابن مسعود: " وعلمه أبو بكر الناس على المنبر كتعليم
الصبيان ". الرابع، حديث ابن مسعود ليس فيه اضطراب ولا وقف. الخامس:
أن أكثر العلماء والمحدثين، قالوا به واختاروه حتى قال الخطابي: والعجب من
الشَافعي كيف اعتمد حديث ابن عباس وترك حديث عبد الله ابن مسعود.
والسادس: أنّه بواو العطف في مقامين والعطف يقتضى المغايرة بين المعطوف
والمعطوف عليه فيكون ثنا مستقلا بفائدته وإذا سقطت واو العطف كان ما
عدا اللفظ الأول صفة له فيكون جملة واحدة / في الثناء، والأوّل أبلغ فكان
أقوى وأولى يدلّ على صحة هذا قوله في الجامع لو قال والله والرحمن
والرحيم كانت إيمانا ثلاثة، ولو قال والله الرحمن الرحيم كانت يمينا واحدة
يلزمه به كفارة واحدة. السابع: أن السلام فيه معرف في الموضعين، وهو يفيد
الاستغراق والعموم. الثامن: فيه زيادة، وأمره أن يعلّم الناس، والأمر للوجوب،
وإذا لم يجب ففْيه زيادة استحباب وتأكيد، وليس ذلك في حديث ابن عباس.
التاسع: أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كف ابن مسعود بين كفيه ففيه زيادة اشتياق واهتمام.
العاشر: تشديد ابن مسعود على أصحابه حين أخذ عليهم منه، وفي المبسوط
عن خصيف قال: لا رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: كثر الاختلاف في
التشهد فماذا تأمرني قال: بتشهد ابن مسعود "، وقال الخطابي: فيه إيجاب
التشهد، وإليه ذهب الشافعي خلافًا لأبي حنيفة ومالك؛ لأن الأمر للوجوب
روى عن عمر بن أبي الحسن، وقال الزهري وقتادة وحماد إن ترك التشهد
حتى انصرف مضت صلاته، وقال أصحاب الرأي التشهد والصلاة على رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستحب، والقعود قدر التشهد واجب. غريبة: التحيات جمع تحية،
وهى السلامة من جميع الآفات، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وفي
المحكم: التحية السلام.
وقال الخطابي: روى عن أنس في تفسيرها هي أسماء الله السلام، المؤمن،
المهيمن، العزيز، الجبار، الأحد، الصمد، قال: التحيات لله تعالى بهذه الأسماء
وهى الطيبات لا يحيا بها غيره، وقال ابن الأثير: قيل التحيات كلمات/
مخصوصة كانت العرب تحيى بها الملوك كقولهم أبيت اللعن وأنعم صباحا(1/1524)
وعم ظلاما، وكقول العجم: ده هزار سال أي تعيش عشرة آلاف سنة،
وكلها لا يصلح شيء منها الثناء على الله فتركت واستعمل معنى التعظيم
فقيل: قولوا: التحيات لله أي: الثناء، والعظمة، والتمجيد كما يستحقه وتحب
له، وقوله لله اللام في لله لام الملك والتخصيص، وهي للأول أبلغ. والثاني
أحسن، وقال القرطبي: فيه تنبيه على أن الإخلاص في العبادات والأعمال لا
تفعل إلا الله، ويجوز أن يراد به الاعترافَ بأن ملك ذلك كله لله تعالى،
وقوله الصلوات، قيل: أراد الصلوات الخمس، وقيل: النوافل، قال ابن الأثير:
الأول أقوى، وقال الأزهري: العبادات وفي المنافع التحيات العبادات القولية،
والصلوات العبادات الفعلية، والطيبات العبادات المالية، وقوله السلام علينا أراد
الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة وغيرهم. وقوله: الصالحين جمع
صالح، قال الزجاَج: وهو القائم بما عليه من حقوق الله تعالى وحقوق العباد،
قال القرطبي: فيه تنبيه على أنّ الدعاء يصل من الأحياء إلى الأموات، وعن
الجري معنى السلام على النبي اسم الله عليك، وتأويله لا خلوت من الخيرات
والبركات وسلمت من المكاره والمذام والآفات، وإذا قلنا: اللهم سلم على
محمد، إنما يزيد اللهم اكسب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل
نقص.
***
__________(1/1525)
154- باب الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا خالد بن مخلد، وثنا ابن المثنى، ثنا أبو عامر قالا/: ثنا
عبد الله بن جعفر عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن حباب عن أبي سعيد الخدري قال:
قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ قال: " قولوا: اللهم صلى
على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم " (1) .
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه بزيادة: وقال أبو صالح عن
الليث: " وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم "، وفي حديث دراج
عن أبي الهيثم عنه مرفوعا: " أيما رجل لم يكن عده صدقة فليقل في دعائه:
اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات،
والمسلمين والمسلمات فإنها له زكاة ". ذكره أبو موسى.
حدثنا على بن محمد، ثنا وكيع، ثنا شعبة ح، وحدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد
الرحمن بن مهدى ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن الحكم سمعت بن أبي ليلى
قال لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلنا:
قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: " قولوا اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد
وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " (2) . هذا حديث خرجاه
في الصحيح.
وفي الأوسط (3) من حديث أبي فروة مسلم بن سالم، ثنا عبد الله بن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/ 178، 6/ 151، 8/ 195، 196) ، ومسلم في (الصلاة،
ح/65، 66، 69) ، وأحمد (4/118، 241) ، والمجمع (2/144) ، الحميدي (711) ، وابن أبي
شيبة (508،2/507) ، وعبد الرزاق (0705،3106،0831،3131) ، والمنثور (5/216) ،
والبغوي (5/274) ، والكنز (2150، 2184، 2185، 2187) ، وتلخيص (1/263) ، والقرطبي
(1/ 382، 14 / 333) ، وابن كثير في " التفسير " (4/ 266، 6/ 448) ، والخطيب (14/303)
والحلية (4/ 356 / 373) ، والإرواء (2/24، 25، 66) . وابن ماجة (ح/903) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/904) . وصححه الشيخ الألباني. والحاشية السابقة.
(3) رواه الطبراني في " الأوسط " (1/85) .(1/1526)
عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني
كعب بن عجرة "، ولفظه: كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإنّا فد علمنا
كيف نسلم؟ ... " الحديث، وقال: لم يروه عن أبي فروة إلا عبد الواحد بن
زياد، ولا رواه عن عبد الله بن عيسى إلا أبو فروة، ومن حديث يزيد بن أبي
زياد عنه أبي موسى/المديني عن ابن أبي ليلى عن كعب: " اللهم اجعل
صلاتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وآل
إبراهيم " (1) .
وكان ابن أبي ليلى يقول:- وعلينا معهم، وكذلك في رواية الحسن عن
أبي هريرة، ومن حديث يزيد أيضًا عن ابن أبي ليلى عند إسماعيل بن إسحاق
القاضي قال كعب: " لما نزلت هذه الآية: (إن الله وملائكته يصلون على
النبي) قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فيكف الصلاة؟ فقال
الحديث ". وحديث الشَافعي عن إبراهيم، ثنا سعد ابن إسحاق عن عبد
الرحمن عن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان يقول في الصلاة: اللهم صل
على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك
على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد " (2) .
حدثنا عمار بن طالوت، ثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، ثنا مالك
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لينية عن عمرو بن
سليم الزرقي عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا بالصلاة
عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صلِّ على محمد وأزواجه
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة (2/508) ، والشفا (2/195) ، والمنثور (5/217) .
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/978) ، ورواه النسائي في (السهو، باب " 49 ") ، وأحمد
(4/243، 244، 5/274) ، والبيهقي (2/146، 147، 148) ، وإتحاف (3/78، 79، 5/50) ،
ومشكل (3/71، 72، 73، 74، 75) ، والمنثور (5/216، 217) ، وابن السني (92) ، والطبري
(22، 31) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/453) ، وابن كثير (6/448،4/226، 450) ،
والقرطبي (1/2334، 234) ، وشرح السنة (3 لم 192) ، وشفع (270) ، والكنز (3991،
3993، 3994، 3398، 4006، 3401، 4014) ، والفتح (11/152، 159، 164) .(1/1527)
وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد، وأزواجه، وذرياته كما
باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " (1) .
هذا حديث خرجاه في صحيحهما، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه
عن عبد الله غير مالك وحده، وعند القاضي إسماعيل: " كما صليت على
آل إبراهيم، وكما باركت على آل إيراهيم ". وفي كتاب أبي موسى: قال أبو
بكر بن أبي عاصم: لم يذكر أزواجه وذريته إلا في هذا الحديث فيما أعلم،
وكذا ذكره الطحاوي في المشكل، فال: وإنما مداره على عبد الله بن أبي بكر
حدّث/به عن أبيه، وروى ابن طاوس هذا الحديث عن أبي بكر كما رواه
عنه ابنه عبد إلا أنه زاد فيه: " وعلى أهل بيته "، قال أبو موسى المديني: قد
ذكره محمد بن علي الهاشمي عن المحمد عن أبي هريرة زاد: " وأهل بيته "
يعني: الحديث الآتي بعد من عند أبي داود.
حدثنا الحسين بن بنان، ثنا زياد بن عبد الله، ثنا المسعودي عن عون بن
عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: " إذا
صليتم على رسول الله فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك
يعرض عليه قال: فقالوا له: فعلّمنا، قال: قولوا اللهم اجعل صلواتك
ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد
عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقاما
محمودا يغبطه ما الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على
محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد " (2) .
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/178) ، ومسلم في (الصلاة، ح/58) ، وأبو
داود في (الاستفتاح، باب " 68 ") ، والنسائي في (السهو، باب " 54 ") ، وابن ماجة (ح/
905) ، واحمد (5/224) ، والبيهقي (2/151) ، وابن كثير (6/449) ، والبغوي (5/274) ،
والشفا (2/190) ، والمنثور (217،5/216) ، والقرطبي (1/382) ، وابن السني (378) .
(2) موقوف، وإسناده صحيح. رواه ابن أبي شيبة (2/508) ، والشفا (2/190) ، والمنثور (5/
217) ، وابن ماجة (ح/906) ، وأحمد (1/399) .(1/1528)
هذا موقوف، إسناده صحيح، وقد أسنده أحمد بن عمرو بن أبي عاصم
النبيل عن دحيم قال: ثنا مروان بن معاوية، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله
المسعودي عن عون بن عبد الله أو غيره عن الأسود عن عبد الله بن مسعود
أنه قال: قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك فكيف نصلي عليك؟
قال: " قولوا اللهم اجعل صلواتك ... إلى قوله ... يغبطه الأولون والآخرون "،
وزاد: " اللهم صل على محمد، وأبلغه الدرجة الوسيلة من الجنة، اللهم اجعل
في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي الأعلين ذكره والسلام عليه
ورحمة الله/وبركاته اللهم صل على محمد ... " الحديث.
وقال أبو موسى في كتاب الترغيب والترهيب: هذا حديث مختلف في
إسناده. رواه أبو النضر هاشم بن القاسم عن المسعودي عن عون عن أبي فاختة
عن الأسود، وكذلك رواه سليمان عن المسعودي ورواه الثوري عن عمرو بن
مرة عن عون عن الأسود- أو رجل من أصحاب عبد الله- عن عبد الله،
وقال الدارقطني في كتاب العلل: وقول المسعودي أصح، وحديث الأعمش عنه
غريب.
حدثنا بكر بن خلف أبو بشر، ثنا خالد بن الحرث عن شعبة عن عاصم بن
عبيد الله سمعت عبد الله بن عامر بن عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما
من مسلم يصلي عليَ إلَا صفَت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلّ العبد من
ذلك أو ليكثر " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف عاصم بن عبيد
الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، فإن مالكا قال: عجبا من شعبة هذا الذي
يبغي الرجال، وهو يحدّث عن عاصم بن عبيد الله، وقال يحيى: ضعيف،
وحديثه ليس بحجة، وفي الطبقات لابن سعد: لا يحتج به، وقال شعبة: لو
قيل لعاصم: من بنى مسجد البصرة؟ لقال: فلان عن فلان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: لا نعلم من روى عن إنسان
مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله فإنه روى عنه حديثا، وعن عمرو بن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/907) ، في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لأن عاصم بن
عبيد الله، قال فيه البخاري وغيره: منكر الحديث.(1/1529)
أبي عمرو هو أصلح من عاصم بن، وذكر آخرين، وقال ابن حبان: كان
سيء الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ، يترك، ويجب النكب عن حديثه،
وقال الجوزجاني: ضعيفٌ عمر بن عينية في حفظه، وفي كتاب المروزي: قال
أبو عبد الله: كان المشايخ يحتاجون حديثه، لم وقال عبد الحق: ضعفه أحمد
وابن مهدي والنسائي (1) الدامان ويحيى بن سعيد، وقال ابن الجارود: ضعيف،
وقال البزار: في حديثه لين، وقال الساجي: مضطرب الحديث، وقال العجلي:
مدني لا بأس به، وقال البرقي وأبو العرب: ضعيف، وقال ابن خزيمة: لست
أحتج به لسوء حفظه، وقال الدارقطني: مدتي يترك وهو مغفل.
حدثنا حيادة بن المفلس، ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن
يزيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نسى الصلاة عليَ
خطىء طريق الجنة " (2) . هذا حديث إسناده ضعيف، لضعف رواية حيادة
وجابر المذكور قبل، وخرجه إسماعيل القاضي في كتابه فضل الصلاة على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إسماعيل بن أبي أويس. ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن
محمد عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الحديث. وثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهب
عن جعفر عن أبيه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد
خطىء طريق الجنة " (3) .
وقال أبو موسى في كتاب الترغيب والترهيب: أخبرنا أبو علي، ثنا
الفضل بن سعيد، ثنا أبو الشيخ، ثنا أبو إسحاق بن أحمد الفارسي ثنا
محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا عمر بن حفص بن غياث، ثنا أبي، ثنا
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
ذكرت عنده فلم يصل على خطئ طريق الجنة " (4) . ثم فال: هذا الحديث
يروى عن جماعة منهم: علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو أمامة وأم
__________
(1) بياض " بالأصل " 0
(2) ضعيف. كتاب الصلاة لإسماعيل القاضي، فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) رواه الطبراني (3/138) ، والكنز (2208، 2157، 2158، 2159) ، والترغيب (2/508) (4) المصدر السابق.(1/1530)
سلمة- رضي الله عنهم- وألفاظهم: " من نسي الصلاة لم علي ... "، وفي
الباب أحاديث كثيرة جدا يقتصر منها على مشهورها؛ من ذلك: حديث أبي
مسعود الأنصاري قال: " أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في مجلس سعد بن
عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف
نصلي عليك "؟ قال: فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كأنه يسأله ثم قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما
صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على
آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم ". رواه
مسلم (1) في صحيحه، وزاد أبو حاتم بن حبان: وأسنده إمام الأئمة في
صحيحهما من حديث محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن ابن مسعود
قال: أقبل رجل حتى بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن عنده- فقال: يا رسول
الله أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في
صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت حتى أحببنا أنّ الرجل لم يسأله ثم
قال: " إذا أنتم صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى
آل محمد ... " (2) الحديث، ولما ذكره الدارقطني قال: هذا إسناد حسن، وقال
الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وقال البيهقي في المعرفة:
هذا إسناد صحيح، وفيه بيان موضع هذه الصلاة من الشريعة، وعند
الدارقطني من جهة جابر الجعفي عن ابن جعفر عن أبي مسعود قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم يقبل منه "،
قال أبو الحسن: وقد اختلف على جابر؛ فرواه إسرائيل عنه عن ابن مسعود
وقال: " لو صليت لم صلاة لم أصل على آل محمد ما رأيت أن صلاتي ... "،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (الصلاة، ح/65، 66، 69) ، والبخاري (4/
178، 6/151، 8/95، 96) ، والمجمع (2/144) ، الحميدي (711) ، وابن أبي شيبة (2/
507، 508) ، والمنثور (5/216) ، والبغوي (5/274) ، والطبراني في " الصغير " (1/85) ،
والكنز (2150، 2184، 2185، 4014) ، وتلخيص (1/263) ، والقرطبي (1/
382، 233،14) ، وابن كثير (4/266، 6 / 448) ، والخطيب (14/303) ، والحلية (4/
356، 373) ، والإرواء (2/24، 25، 66) .
(2) المصدر السابق.(1/1531)
وفي رواية زهر عنه: " لم أصل علي محمد " قال: والصواب أنه من قول
مصححا بالسكوت عنه قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن نصلى عليك ونسلم، وفي
بعض ما ذكرنا: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: " والسلام كما قد علمتم "، قال:
وبه احتج الشافعي فقال: التسليم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض وهو في التشهد
فرض، وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله كيف نصلي
عليك؟ - يعني: في الصلاة-، قال: تقولون: " اللهم صل على محمد وآل
محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت
على إبراهيم، ثم تسلمون علي ". رواه الشافعي (1) في مسنده عن إبراهيم بن
محمد.
أخبرتي صفوان عنه، وعند أبي داود (2) بسند رجاله مستورون عن أبي
هريرة يرفعه: " من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت
فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل
بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "، وفي كتاب إسماعيل
القاضي: " صلوا علي فإن صلاتكم على زكاة لكم، وصلوا على أنبياء الله
ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني " (3) .
وحديث فضالة بن عبيد قال: سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلًا يدعو في صلاته ثم
يحمد الله، ولم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عجل هذا ثم دعاه
فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله تعالى، والثناء عليه، ثم
يصلى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يدعو ما شاء " (4) . قال الترمذي: هذا حديث
صحيح، وخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وقال الحاكم أبو عبد
__________
(1) رواه الشافعي: (ح/42) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/982) ، والبيهقي (2/151) ، وإتحاف (3/290) ، والمنثور (5/
2956،21) ، والكنز (2175، 3481) ، والبخاري في " الكبير " (3/87) ، وابن كثير (7/
42) ، والقرطبي (15/141) ، والمشكاة (932) .
(3) رواه ابن أبي شيبة: (2/517) .
(4) صحيح. رواه الترمذي (ح/3477) ، وأبو داود (ح/1481) ، وأحمد (6/18) ، والبيهقي
(2/148) ، والحاكم (1/230) ، والطبراني (18/307 لمه 30) ، وابن خزيمة (710) ،(1/1532)
الله:/حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا نعرف له علّة، وله شاهد
صحيح على شرطهما.
أنبأ أبو بكر بن دارم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الكندي، ثنا
عون عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: يتشهد الرجل ثم يصلى على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدعو لنفسه، وقد أسند هذا عن ابن مسعود بإسناد صحيح. ثناه
أبو بكر بن إسحاق أنبأ أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا
الليث عن خالد ابن يزيد عن سعيد ابن أبي هند عن يحيى بن البنان رجل من
بنى الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا تشهد
أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك
على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " (1) . وأكثر الشواهد لهذه
القاعدة لفروض الصلاة.
ثنا أبو عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسن بن علي، ثنا بحر، ثنا أبي، ثنا عبد
المهيمن بن عباس بن سهل سمعت أبي يحدّث عن جدي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يقول: " لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضَوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا
صلاة لمن لا يصلي على نبي الله في صلاته " (2) . لم يخرج هذا الحديث على
شرطهما فإنهما لم يخرجا عن عبد المهيمن، ولما خرجه الدارقطني قال: عبد
المهيمن ليس بالقوي، وخرجه أبو موسى من حديث أبي بن سهل بن سعد
__________
وابن حبان (510) ، والمسير (6/419) ، ونصب الراية (1/426، 2/272) ، ومشكل (3/
77) ، وإتحاف (5/41) ، والفتح (11/165) ، وأذكار (108) .
(1) رواه البيهقي (2/379) ، والحاكم (1/269) ، ونصب الراية (1/427) ، وتلخيص (1/263) .
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/101) ، وابن ماجة (ح/398، 400) ، وأحمد (2/418، 4/70، 5/
382، 2/379) ، والحاكم (1/146، 147، 269، 4/60) ، والطبراني (6/148) ، والدارقطني (1/
79،73) ، وابن أبي شيبة (1/3، 5) ، وتلخيص (1/72) ، ونصب الراية (1/3، 426) ، والمنثور (1/
295، 2/175) ، والمشكاة (404) ، وإتحاف (8/160) ، والترغيب (1/164) ، وشرح السنة (1/
409) ، وحبيب (1/23) ، والمجمع (1/228، 292، 1/390) ، وابن عساكر في " التاريخ " (5/
298) ، وأصفهان (6/301) ، وابن عدي في " الكامل " (5/1883) .(1/1533)
عن أبيه عن جدّه، وأبي أثنى عليه جماعة، وخرج البخاري حديثه في
صحيحه، وصحَّ الحديث على هذا، والله الموفق.
وحديث بريدة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة إذا جلست/في
صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة علي فإنّها زكاة الصلاة، وسلِّم على جميع
أنبيائه ورسله، وسلِّم على عباد الله الصالحين " (1) . رواه الدارقطني من حديث
عمرو بن سمر، قال: وهو ضعيف، ولفظ البزار: " إذا جلست في صلاتك
فلا تتركن التشهد لا إله إلا الله وأنّى رسول الله والصلاة عليَ " (2) . الحديث
من رواية العزرمي، وجابر بن يزيد الجعفي، وهما ضعيفان.
وحديث عائشة: قالت: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا صلاة إلّا بطهور
وبالصلاة علي " (3) ، رواه أيضًا وضعفه بابن سمر وبالجعفي، وحديث زيد بن
حارثة الأنصاري قال: قلت يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف
نصلي عليك؟ قال: " صلوا عليَ وقولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل
محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد " (4) . ورواه
القاضي إسماعيل بسند صحيح عن عليً بن عبد الله.
ثنا مروان بن معاوية، ثنا عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة عن
موسى بن طلحة عنه، وحديث سلامة الكندي قال: " كان علي بن أبي
طالب يعلّم الناس الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم راجي المرجوات، وباري
السموات، وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها، اجعل شرائف
صلواتك، وقواصي بركاتك، ورأفة تحيتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم
لما سبق، والفاتح لما أُغلق والمعان بالحقِّ والدافع "، وفي رواية: " الدافع هيئات
الأباطيل كما حمل، فاضطلع بأمرك لطاعتك، وفي مرضاتك غير ما كل في
__________
(1) ضعيف. الكنز: (19743) ، والد ارقطني (1/355) .
(2) ضعيف. الكنز: (2969) .
(3) ضعيف. التمهيد (8/215) ، والفتح (12/329) .
(4) الحميدي (711، 712) ، والطبراني (17/250) ، وأحمد (1/199) ، والمسير (6/418) ،
والفتح (11/152) .(1/1534)
قدم، ولا واهي في عدم، راعيَا لحرمتك، واعيا لوحيك حافظَا لعبدك، ماضيَا
على نفاذ أمرك حتى أورَى قيسا بقائس إلا الله، تُصَلِّ/بأهله ملبسا به حديث
القلوب بعد خوضات الفتن والاثم وأصحاب الأعلام وميزات الإسلام، فهو
أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين وبعيثك نعمة،
ورسولك بالحق رحمة، اللهم أفسح له في عونك، واخبره مضاعفات الخير من
فضلك، له مهنئات غير مكدرات، من وفور ثوابك المصلول وجزل عطائك
المجلول، اللهم أعلِ على بناء البانين بناءه، وكرم مثواه لديك ونزله، وأمم له
ثوره، وأخبره من ابتغائك له مقبول الشهادة، له مرضى المقالة، ذا منطق عدل،
وحجة وبرهان عظيم.
ذكره أيضا وقال: حديث غريب يعرف بنوح بن قيس، ومن حديث
الحسين بن على المسلسل أوزي بعدهن في يدي عن علي، وعدهن في يدي
قال جدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وعدهن في يدي قال: " عدهن جبرائيل في
يدي، وفال: هكذا نزلت من عند رب العزة. اللهم صل على محمد، وعلى
آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم
بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد، اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وتحن على محمد وعلى آل محمد،
كما تحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم سلم على
محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد " (1) ، وذكره الحاكم في علوم الحديث أيضا من رواية عمرو بن خالد
قال: وهو متروك، وحديث مروان بن يحيى الحاجلي عن زكريا بن إسماعيل
الترمذي من ولد زيد/بن ثابت عن أبيه إسماعيل بن عبد الله عن عمه
سليمان بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت من عنده أيضا قال: خرجنا مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وقفنا في مجمع طرق فطلع أعرابي، فقال: السلام
عليك يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فقال له: " وعليك السلام، أي
__________
(1) الكنز (2183، 3991) ، والقرطبي (14/234) .(1/1535)
شيء قلت حين جئتني؟ " قال: قلت: اللهم صل على محمد حتى لا يبقى
صلاة، اللهم بارك على محمد حتى لا يبقى بركة، اللهم سلم على محمد
حتى لا يبقى سلام، وارحم محمدًا حتى لا تبقى رحمة، فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني أرى الملائكة قد سدُّوا الأفق "، وموقوف عبد الله بن عمرو أو
ابن عمر ذكره إسماعيل القاضي من حديث يونس مولى بن هاشم قال:
" قلعت له: كيف الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: اللهم اجعل صلوات،
وبركاتك، ورحمتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين: محمد
عبدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، اللهم ابعثه يوم القيامة مقامًا محمودًا
تغبطه الأولون والآخرون، وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم " (1) ، وكذا مرسل قال: قالوا يا رسول الله قد علمنا
السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صل على محمد
عبدك ورسولك وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك
عليه وأهل بيته، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد " (2) . ومرسل
الشعبي من عند الربعي إنّه قال: " من لم يصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التشهد
فليعد صلاته، أو قال: لا تجزئ صلاته "، وكذا مرسل الحسن قال: لما نزلت
" إن الله وملائكته يصلون على النبي " /قالوا: يا رسول الله هذا السلام قد
علمنا كيف فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: " فقولوا: اللهم اجعل
صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد
مجيد " (3) . ذكره القاضي إسماعيل.
وحديث عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد
أنه قال: قلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة
عليك؟ قال: " قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على
__________
(1) بنحوه. رواه ابن ماجة (ح/ 906) . في الزوائد: رجاله ثقات. إلا أن المسعودي اختلط
بآخر عمره، ولم يتميز حديثه الأوْل من الآخر، فاستحق الترك، كما قاله ابن حبان.
(2) رواه النسائي: (3/49) .
(3) رواه أحمد (5/353) ، والمجمع (2/144) ، من حديث بريدة، وعزاه إلى " أحمد "، وفيه
أبو داود الأعمى، وهو ضعيف.(1/1536)
محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك
حميد مجيد " (1) . ذكره أبو القاسم في الأوسط وقال: لا يروى عن طلحة إلا
من حديث عثمان ابن عبد الله بن وهب. ولا رواه عن عثمان إلا إسرائيل
وشريك. حدثناه أبو مسلم، ثنا الحكم بن مروان عه. انتهى كلامه. وفيه نظر
من حيث قوله، ولا رواه عن عثمان إلا إسرائيل وشريك، وذلك أنَّ القاضي
إسماعيل رواه عن على بن عبد الله ثنا محمد بن بشر، ثنا مجمع بن يحيى
عن عثمان بن عبد الله بن وهب ... فذكره، ولما ذكره البزار في مسنده قال:
رواه غير الحكم بن مروان عن إسرائيل عن عثمان عن موسى بن طلحة ولم
يقل عن أبيه، ووافقه شريك على توصيله.
وحديث أبي طلحة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من صلى علي واحدة
صلى الله عليه وآله وسلم عشرًا، فليكثر من ذلك أو ليقل " (2) ، وفي لفظ:
" أتاني الآن آت من ربي فأخبرني أنه لن يصلي على أحد من أمتي إلا ردّها
الله- تعالى- عليه عشر أمثالها " (3) ، وفي لفظ: " ولا يسلم عليك إلا
سلّمت عليه عشرًا "، ذكره إسماعيل بسندِ صحيح، وخرجه النسائي (4) أيضًا،
وسنده جيد، وقال المديني: اختلف في سنده؛ فرواه سليمان بن بلال/منفردا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (14/178، 6/ 151، 8/ 95 96) ، ومسلم في (الصلاة،
ح/ 69،66) ، والمجمع (2/144) ، وأحمد (4/ 118، 241) ، والحميدي (711) ، وابن أبي شيبة
(2/ 507، 508) ، وعبد الرزاق (3105-3108) ، والمنثور (5/216) ، والبغوي (5/274) ،
والطبراني في " الصغير " (1/85) ، والكنز (2150، 2184، 2187،2185) ، وتلخيص (1/
263) ، والقرطبي (1/382، 1/2334) ، وابن كثير (4/266، 46/48) ، والخطيب (14/
303) ، والحلية (373،4/356) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/70) ، والنسائي (3/50) ، وأحمد (2/
485،372) ، وابن أبي شيبة (7/ 512) ، وأبو داود (1530) ، والبغوي (5/275) ، والبخاري
في " الأدب المفرد " (645،643) ، والمجمع (1/1620) ، وشرح للسنة (3/195) ، والمشكاة
(916) ، والمنثور (5/218) ، والفتح (1/1671) ، والكنز (2206،2163،2162) ، وابن كثير
(6/457) ، الخطيب (8/381) .
(3) رواه أحمد (5/159) ، وابن كثير (6/457) .
(4) إسناده صحيح. رواه النسائي في: السهو، باب " 55 ".(1/1537)
عن عبيد الله العمري عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة تابعه سلام بن أبي
الصحماء وصالح وحسن بن فرقد عن ثابت، وقال الدارقطني: كلها وهم،
والصواب رواية حماد بن سلمة، يعني: أنه أدخل ابن ثابت وأنس فيه سليمان
مولى الحسن بن علي، ورواه جماعة عن أنس عن أبي طلحة، وجماعة عن
أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن أبي طلحة من غير هذين الوجهين.
وحديث أنس بن مالك أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن جبرائيل أتاني
فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه وآله وسلم عشرًا، ورفعه عشر
درجات " (1) . خرجه القاضي من حديث سلمة بن وردان عن أنس، وفيه
ضعف، ولما ذكره ابن شاهين في الثقات قال: قال أحمد بن صالح- يعني:
المصري- هو عندي ثقة حسن الحديث، ورواه سلمة أيضًا عن مالك بن
أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب، وزاد أبو موسى في حديث أنس من
حديث عبد العزيز بن قيس عن حميد: " ومن صلى عليَ عشرًا صلى الله
عليه مائة، ومن صلى على مائة كتبت بين عينيه براءة من النفاق، وأسكنه
الجبار يوم القيامة الجنات مع الشهداء " (2) ، وفي لفظ: " صلوا عليَ فإن
الصلاة عليَ درجة لكم " (3) . رواه من حديث محمد بن سواد عن معين بن
مسلم عن أبي إسحاق عنه. زاد أبو موسى بسند بريء من عهدته: " من
صلى عليَ صلاة جاءني ما ملك فأقول أبلغه عنى عشرًا، وقل له: لو كانت
من هذه العشرة واحدة لدخلت معى الجنة كالسبابة، والوسطى، وحلت لك
شفاعتي ثم يصعد الملك حتى ينتهى إلى الرب فيقول: إن فلان ابن فلان صلى
على نبيك مرّة واحدة فيقول / تبارك وتعالى: أبلغه عني عشرًا، وقل له: لو
كانت من هذه العشر واحدة لما مستك نار، ثم يقول: عظموا صلاة عبدي
__________
(1) انظر: الحاشية رقم " 2 "، " 3 " السابقة.
قلت: وللحديث مصادر أخرى في: الكنز (3983) ، وابن كثير (6/455) ، والمجمع (2/
287) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، و" الصغير "، ورجاله رجال الصحيح، غير شيخ
الطبراني محمد بن عبد الرحيم بن بحير المصري، ولم أجد من ذكره.
(2) أصفهان: (2/260) .
(3) بنحوه. رواه أحمد في " مسنده ": (3/6) .(1/1538)
واجعلوها في عليين ثم يخلق من صلاته لكل حرف ملكا له ثلاثة وستون
رأسا ... " (1) الحديث، وعنده أيضًا بسند لا بأس به: " ومن صلى على عشرًا
صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفًا، ومن زاد فكنت
له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة " (2) . وحديث عبد الرحمن بن عوف مثله بزيادة:
" ومن سلَّم عليك سلمت عليه " (3) ، وفي لفظ: " كتب الله له بها عشر
حسنات ". رواه إسماعيل أيضًا بسند جيد ". وحديث أبي هريرة رواه أيضًا
مثله بسند صحيح، وفي لفظ: " كتب الله له عشر حسنات ".
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص: " من صلى على رسول الله صلَّى
الله تعالى عليه وآله وسلم صلاة، صلى الله وملائكته عليه سبعين (4) صلاة ".
رواه ابن لهيعة عند المديني. ولفظ حديث أبي بردة بن نيار من عنده أيضا:
" ما صلى عبد علي من أمتي صلاة قالها من نفسه إلّا صلى الله تعالى بها
عشر صلوات وكتب له بها عشر حسنات ورفع له ما عشر درجات، ومحى
عنه ما عشر سيئات (5) . رواه موسى بن إسحاق عن أبي بكر بن أبي شيبة
قال: حديث عن أبي أسامة، ورواه أبو كريب عن أبي أسامة مثله، ورواه
وكيع عن سعيد بن سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه وكان بدريًّا عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحديث مولى البراء بن عازب عنه مرفوعا: " من صلى عليً كتب الله له
__________
(1) بنحوه. رواه أبو داود في (الدعاء، باب " 4 ") ، والنسائي في (السهو، باب " 55 ") ،
وأحمد (02/13، 261) ، وابن أبي شيبة (2/517، 11/505) ، والمشكاة (922) ، والمنثور (5/
216) ، وابن كثير (6/458) ، والقرطبي (1/2354) .
(2) أصفهان: (2/4) .
(3) إسناده صحيح. رواه البيهقي (2/9/286،371) ، وكتاب الشكر (64) .
(4) قوله: " سبعين "، سقطت من " الأصل "، وكذا أثبتناه. وأورده الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (10/160) ، وعزاه إلى " أحمد "، وإسناده حسن.
(5) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/162) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه عبد الله بن يزيد الإسكندراني، ولم أعرفه، ومهدي بن جعفر ثقة وفيه خلاف،
وبقية رجاله ثقات.(1/1539)
بها عشر حسنات، ومحى عنه/بها عشر سيئات، ورفعه ما عشر درجات،
وكنّ له عدل عشر رقاب " (1) .
وحديث أبي منصور عن أبي معاذ عن أبي كاهل قال: قال لي رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اعلم يا أبا كاهل أنه من صلى عليَ كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة/
ثلاث مرات حُبا- أو شوقًا- إلَّا كان حقًا على الله- عز وجل- أن يغفر له
ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم ". قال ابن عباس في قوله تعالى: (يصلون
على النبي) قال: " يزكون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (2) ، وقيل: " إن الله ترحم
على النبي "، وفي لفظ: " صلاة الله تعالى على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي مغفرته وأما
صلاة الناس عليه فهي الاستغفار له ". وعن ابن جبير: أن الله يغفر للنبي،
وعن أبي: صلوات الله ثناؤه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء له، قال أبو
موسى المديني وقد قيل في معنى صلاة الخلق على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كان الله
تعالى أوجبها له، كما روى أنه قيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من
ذنبك وما تأخر؟ أنه إذا صلى عليه أحدنا فتستحب له فيه أن يزاد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
من ذلك، ويثاب المصلى عليه وعلى ذلك فذلك كانت الصلاة عليه يقضى
به حقّه ويتقرّب بإكثارها إلى الله تعالى، ولما أثر الله تعالى عباده بالصلاة عليه
لم يبلغوا كنه فضيلة، ولا حقيقة مراد الله تعالى فيه فأجابوا ذلك على الله
تعالى؛ لأنه المحيط بجميع ذلك فقالوا: اللهم صل على محمد لأنك أعلم بما
يليق به وأعرف بما أراده له، وعن الحليمي: الصلاة في اللغة: التعظيم،
وتوسعوا فسموا كل دعاء صلاة إذ كان الدعاء تعظيما للمدعو فمعناه على
هذا: اللهم عظم محمدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء من لقيه،
وفي الأخرة / بتشفيعه من أمته، وتعظيم أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين
والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة الأنبياء في اليوم المشهود، وهذه
الأمور وإن كان الله تعالى قد أوجبها له فإذا دعا له أحد من أمّته فاستجيب
دعاؤه فيه، أن يزاد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل شيء مما سمينا رتبة ودرجة، وقيل:
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/161) ، وعزاه إلى أبو يعلى، وفيه
موسى بن عبيدة الربزي، وهو ضعيف.
(2) رواه الطبراني: (18/362) .(1/1540)
الأصل في الصلاة: اللزوم فكأن العبد لزم هذه العبادة لا يحتاج طلبه من الله
تعالى، وقال الخطابي: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى التعظيم والتكريم، وهى
خصيصة له لا شرك فيها، وعن الفخر الفارسي المزي: قال بعض العلماء
ينبغي أن ينوي المصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقلبه أن صلاتي على النبي إنما تكون
امتثالا لأمر الله تعالى حيث أمرنا بالصلاة عليه، الثاني: ينوي موافقة الله
وملائكة، الثالث: ينوي امتثال أمر الله تعالى في ذكره حيث قال: (اذكروا
الله ذكرًا كثيرًا) الرابع: ينوى أن هذا ذكر حبيب الله وذكر الحبيب
موجب لرضا المحب، الخامس: ينوي أن الله تعالى أمره بالدعاء وأنا اخترت
هذا الدعاء، السادس: ينوي طلب الزيادة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيام حقوقه الواجبة
عليه، السابع: ينوي إظهار محبته؛ لأن من أحبّ شيئا أكثر من ذكره،
الثامن: ينوى تعظيمه، التاسع: ينوي ذكر آله وتعظيم آله، العاشر: ينوي ارتجاء
الشفاعة والزلفة، وفي المحكم الصلاة أو الاستغفار صلى دعاء (1) ، قال الأعشى
عليك مثل الذي صليت فاعتمني يوما فإنّ يبحث المرء مضطجعا، وقد
اختلف العلماء في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة، فمذهب الشافعي أنها
فرض في التشهد / الآخر، قال النووي: ونقله أصحابنا عن عمر بن الخطاب
وابنه، ونقله الشيخ أبو حامد عن ابن مسعود وأبي مسعود البدري، وقد أسلفناه
أيضا عن الشعبي وهو أحد الروايتين عن أحمد بن حنبل- رحمه الله-، وقال
إسحاق: إن تركها عمدا لم تصح صلاته وإن تركها سهوا رجوت أن تجزيه،
وقال ابن أبي زيد عن ابن المواز: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فريضة، " قال أبو
محمد: يريد ليس من فرائض الصلاة، وحكى ابن القطان وعبد الوهاب أنّ
ابن المواز يراها فريضة في الصلاة، وفال أبو حنيفة ومالك وأكثر العلماء: هي
مستحبة، وقال ابن حزم: فإن قائل يقول: لم تجعلوا الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
أثر التشهد فرضا كما يقول الشافعي؟، قلنا: لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يقل أن هذا
القول فرض في الصلاة، ونحن نقول أنَّه فرض على كل مسلم أن يقوله مرَّة
في الدهر، وزعم محمد بن جرير والطحاوي أنّه لا سلف للشافعي في هذا
القول ولا سنة يتبعها، وما أسلفناه من الأخبار يرد قولهما ويوضح صحة ما
__________
(1) كذا ورد هذا السياق' بالأصل "، والمعنى مضطرب؛ لاضطراب المتن.(1/1541)
ذهب إليه الشافعي، وأما الطحاوي فإنه أوجب الصلاة كلما ذكر، عليه
الصلاة والسلام.
***(1/1542)
155- باب ما يقال عند التشهد والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا
الأوزاعي عن حسان بن عطية حدثنى محمد بن أبي عائشة سمعت أبا هريرة
يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله
من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن
فتنة المسيح الدجال " (1) /. هذا حديث روياه في صحيحيهما، ولفظ البخاري:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: اللهمَ إنى أعوذ بك من عذاب القبر إلى آخره ".
حدثنا يوسف بن موسى القطان ثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجل: ما تقول في الصلاة؟ قال: التشهد ثم
أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار فال: أما والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة
معاذ! فقال: حولها ندندن " (2) ، وخرجه أيضًا في الدعوات بنحوه، وهذا
حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه (3) عن يوسف بن موسى بلفظه، وزاد
الدندنة: الكلام الذي يفهم/ابن حبان (4) والحاكم، وقال: صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه. وفي الباب أحاديث لا تحصى كثيرة؛ منها: حديث أبي
بكر الصديق- رضى الله تعالى عنه- قال: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو
به في صلاتي قال: " قل اللهم إنى ظلمت نفسي ظلما كثيرَا، ولا يغفر
الذنوب إلا أنت فأغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/1377) ، ومسلم في (المساجد، ح / 130) ، وأبو داود (ح/
983) ، وابن ماجة (ح/909) ، والدارمي (ح/1344) ، وأحمد (2/237) ، وشرح السنة (3/201) ،
والمشكاة (940) ، ونصب الراية (1/422) ، وتلخيص (1/269) ، والحلية (6/79) ، وابن عساكر في
" التاريخ " (7/52) ، وإتحاف (3/81، 207) ، والإرواء (2/66) .
(2) صحيح. رواه أبو داود في (الاستفتاح، باب " 17 ") ، وابن ماجة (ح/910، 3847) ،
وأحمد (3/474) ، وابن حبان (514) ، وابن خزيمة (725) ، والكنز (3195، 3274) ،
وأذكار (65) ، والقرطبي (2/433) ، والخفاء (1/440) . " الدندنة ": أن يتكلم الرجل بكلام
يسمع نغمته ولا يفهمه.
(3، 4) انظر: الحاشية السابقة.(1/1543)
الرحيم " (1) . وحديث عائشة- رضى الله تعالى عنها-: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يدعو في الصلاة: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من
فتنة المسيخ الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إنى أعوذ بك من
المأثم والمغرم " (2) . وفي لفظ: " ما صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة بعد أن أنزلت
عليه: (إذا جاء نصر الله والفتح) إلّا يقول فيها: سبحانك اللهم ربنا
وبحمدك اللهم اغفر لي " (3) . خرجاهما في صحيحيهما. وحديث ابن
عباس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من
القرآن يقول: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب/جهنم، وأعوذ بك من
عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيخ الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا
والممات " (4) . خرجه. وحديث عائشة وقال لها فروة بن نوفل: حدثيني بشيء
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به في صلاته " كان يقول: اللهم إني
أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل " (5) . رواه النسائي وهو في
مسلم من غير ذلك: " الصلاة ". وحديث محجن بن الأذرع قال: " دخل
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/9/441،8/89،121) ، ومسلم (2078) ،
والنسائي (3/53) ، وابن ماجة (ح/3835) ، وأحمد (1 / 3، 7) ، والبيهقي (2/154) ، والمشكاة
(942) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (706) ، والمنثور (5/17) ، وابن السني (156) ،
والكنز (3739) ، والقرطبي (17/80) ، وابن كثير (1/354، 9/273) .
(2) صحيح. رواه البخاري (3/154) ، وأحمد (6/89) ، والبيهقي (5/356) ، والفتح (2/
317، 5/60) ، وشرح السنة (8/199) .
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (61/ 201، 207،5/ 189، 6/ 220) ، ومسلم في
(الصلاة، ح/217) ، والنسائي (2/132، 192، 219، 220) ، وابن ماجة (ح/885) ، وأبو
داود (ح/877) ، وأحمد (1/388، 2/494، 6/43، 49، 100، 190) ، والبيهقي (2/109) ، وابن
خزيمة (847،605) ، والمجمع (2/ 107، 265، 9/ 23، 49، 100، 190) ، وعبد الرزاق
(2878) ، والمطالب (3376) ، وإتحاف (3/60، 5/96) ، وأذكاره (50) ، والبغوي (7/316) .
(4) صحيح. رواه النسائي: (4/ 104، 8/ 8/ 276) .
(5) صحيح. رواه مسلم (2085، 2086) ، والنسائي (3/56، 8/280، 281) ، وأبو داود (ح/1555) ،
وابن ماجة (ح/3839) ، وأحمد (6/31، 10، 213، 239، 257، 278، 310، 315) ، والمغني عن
حمل الأسفار (1/123، 325) ، والكنز (3628) ، وإتحاف (2/272، 5/84) ، والجوامع (1839) ، وشرح
السنة (5/169) ، وأذكار (346) ، وابن السني (1/1870) .(1/1544)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته، وهو يتشهد وهو
يقول: اللهم إنى أسألك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن
له كفؤا أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم قال: فقال: قد
غفر له ثلاثا " (1) . رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الصمد عن أبيه عن
حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن حنظلة بن علي عنه، وقال الحاكم:
صحيح على شرط الشيخين، وقال أبو القاسم ابن عساكر في كتاب
الأطراف: رواه مالك بن مغول عن ابن بريدة عن أبيه. وحديث شداد بن
أوس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا كلمات ندعوا بهن في صلاتنا: " اللهم
إنى أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك
وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، وأستغفرك لما نعلم،
وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم " (2) . رواه أحمد في
مسنده عن رجل من بنى حنظلة قال: صحبت شداد فذكره، ولفظ النسائي:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في صلاته: رواه بإسقاط الحنظلي. وحديث
عمار بن ياسر: " وصلى صلاة فأوجد فيها فأنكروا ذلك فقال:/ألم أتم
الركوع والسجود قالوا: بلى قال: أما إنى دعوت فيها بدعاء كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة
خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، أسألك خشيتك في الغيب
والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ولذة
النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة، ومن فتنة
مضلّة، اللهم زينا بزينة الإِيمان، واجعلنا هداة مهتدين " (3) . رواه النسائي من
__________
(1) رواه أحمد (4/338) ، والخطيب (1/3791) ، وصفة (58) .
(2) صحيح. رواه أحمد (4/123، 125) ، والترمذي (حبر 3407) ، وحسنه. والنسائي (3/52، 8/
237) ، وابن كثير (4/82، 5/160) ، والمغنى عن حمل الأسفار (1/1322) ، والمنثور (1/154) ، وابن
حبان (2416، 2418) ، والكنز (3635، 3913، 5114) ، وإتحاف (5/76) ، والحلية (1/267) ،
وابن عساكر في " التاريخ " (6/292) ، والكلم (104) ، وأصفهان (2/27) .
(3) صحيح. رواه النسائي (3/55) ، وأحمد (4/264) ، والحاكم (1/524) ، وإتحاف (5/
78،76، 9/604) ، والكنز (3611، 5086) ، والكلم (105) ، والمشكاة (2497) ،=(1/1545)
حديث عطاء بن السائب عن أبيه عنه. وحديث ثوبان الأتي بعد من عند ابن
ماجة. وحديث أبي طلحة قال: جاءت أم سليم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا
رسول الله، علمني كلصات أدعو بهن في صلاتي قال: تسبحي الله عشرًا،
وأحمديه عشرًا وكبّريه عشرا، ثم سليه حاجتك تَبَرُك يعم " (1) . خرجه ابن
خزيمة في صحيحه، وقال الحاكم وخرجه من حديث أنس أن أم سليم به
صحيح على شرط مسلم. وحديث عبيد بن القعقاع قال: رمق رجل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى فجعل يقول في صلاته: اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي
في ذاتي، وبارك لي فيما رزقتني " (2) . رواه الإِمام أحمد في مسنده، أما
الحديث الأول فقال بوجوبه ابن حزم وغيره، وفيه إثبات عذاب القبر وهو
مذهب أهل الحق أجمعين، وقد أسلفنا بطلان قول من زعم أن المعتزلة خالفت
في ذلك، وقوله: من فتنة المحيا والممات أي الحياة والموت ويحتمل زمان ذلك،
ويحتمل أن يريد بذلك حالة الاحتضار والمسائلة في القبر، فكأنه استعاذ من
فتنة هذين المقامين سأل ألست فيهما، وأراد/أن يقتدى به أمته؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
معاني من جميع ذلك، وقال ابن الجوزي: يحتمل أن يكون نفوذ من ذلك
أمته، وزعم أبو الخطاب بن دحية رحمه الله تعالى أن المسيح الدجال مسح
من الكذب، وقيل: من طلى البعير بالقطران سمى بذلك لتغطية الحق، وقبل
تغريه نواحي الأرض، وقيل: لوطئه جميع البلاد إلا ما خصّ بالحديث، وقيل:
لأنه يعبر الناس بشره وقيل: لأنه محرق، وقيل: لأنه يؤذ، وقيل مأخوذ من ماء
الذهب الذي يطلى به الشيء فيحسن طاهرة بخلاف باطنه، وقيل: الدجال
فريد السيف وسمى مسيحا لأنه ممسوح العن، وقيل: لحق لأنه في الأرض،
قال: ومنهم من يقرأه بكسر الميم وتثقيل السين، وحكى الأزهري: " مِسِّيحئ "
__________
والجوامع (9860) ، وابن حبان (509) ، والمنثور (6/294) ، وابن أبي شيبة (1/2650) ،
وصفة (120) .
(4) صحيح. رواه النسائي (3/51) ، والحاكم (1/255) ، وابن حبان (2342) ، والكنز
(2) صحيح. رواه أحمد (4/63، 5/367، 375) ، وأذكار (31) ، والطبراني في " الصغير "
(2/91) ، والجوامع (9827) ، والكنز (3633، 5080) ، والمجمع (10/110) ، وعزاه إلى أحمد،
ورجاله رجال الصحيح، غير صالح بن سعيد الراوي عن عانة، وهو ثقة.(1/1546)
بالتّشديد على وزن " فعيل "، وعن ابن عمرو منهم من قاله بالخاء المعجمة
وذلك كله عند أهل العلم خطأ، وقيل: عن مسخيا لا عين له ولا حاجب،
قيل: سمى الدجال مسيخا شبه بالدرهم الأطلس الذي لا نقش عليه والله
تعالى أعلم، وقد ذهب أبو حنيفة وأحمد- رحمهما الله تعالى- إلى أنّه لا
يجوز أن يدعو في الصلاة، إّلا بالأدعية المأثورة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: " إن
هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنّما هو التسبيح والتكبير
وقراءة القرآن " (1) . وبالقياس على ردّ السلام وتشميث العاطس، وبردّه ما في
سنن النسائي وغيره مما أسلفناه مرفوعا ثم ليدعو لنفسه بما بدا له، وهذا هو
مذهب الشافعي ومالك والثوري وإسحاق، رحمهم الله سبحانه وتعالى.
***
(1) صحيح. رواه مسلم (381) ، والنسائي (1/259) ، وأحمد (5/447، 448) ، والبيهقي
(2/360) ، والطبراني (039/41) ، وابن أبي شيبة (2/432) ، والمشكاة (978) ، والكنز
(19915) ، والمنثور (1/307) ، والإرواء (2/112) .(1/1547)
156- باب الإِشارة في التشهد
/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن عصام بن قدامة عن مالك عن
غير الخزاعي عن أبيه قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعا يده اليمنى على فخذه
اليمنى، ويشير بأصبعه " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه
بلفظ: " رافعَا أصبعه قد ضاها شيئا ". وابن خزيمة أيضَا وافقه: " واضعًا
ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، رافعا إصبعه السبابة قد ضاها شيئًا وهو
يدعوا ". وعاب القطان على أبي محمد سكونه عنه، وقال: ما مثله صحيح،
فإنه لا يروى عن نمير إّلا ابنه مالك، ومالك لا يعرف له حال، ولا نعلم روى
عند غير عصام بن قدامة، ولا نعرف لنمير هذا إلا هذا الحديث ولا عرفت
صحبة من قول غيره.
حدثنا على بن محمد ثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم، بن كليب عن
أبيه عن وائل بن حجر قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حلّق بالإِبهام والوسطى
ويرفع التي يليهما يدعو بها في التشهد " (2) . هذا حديث خرجه ابن حبان في
صحيحه، وكذلك ابن خزيمة إسناده مطولًا، وقد تقدّم بعضه.
حدثنا محمد بن يحيى، والحسن بن علي، وإسحاق بن منصور ثنا عبد
الرزاق أنباء معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبته، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي
الإبهام فيدعو ما واليسرى على ركبتيه باسطها عليه " (3) . هذا حديث خرجه
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/911) ، وأبو داود (ح/991) ، والمجمع (2/139) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/912) . فما الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الماجد، ح/114) ، والنسائي (3/37) ، وابن ماجة (ح/
913) ، وأحمد (2/147) ، والبيهقي (2/130) ، والمشكاة (907) ، والكنز (3238) ، والإرواء
(2/85) .(1/1548)
مسلم في صحيحه، وعند أحمد من حديث كثير بن زيد وفيه ضعف عن
نافع عنه: " أنه كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار
بإصبعه واتبعهما بصره وقال:/قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هي أشد على الشيطان من
الحديث يعني: السبابة " (1) . وعند البخاري: " السنة أن تنصب رجلك اليمنى
وتثنى اليسرى فقيل له: إنك تفعل ذلك- يعني: التربع- فقال: " إن رجلي
لا تحملان " (2) . وعند النسائي (3) بسند صحيح قال: " وأشار- يعني: النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصبعه اليمنى يلي الإمام في القبلة ورمى ببصره إليها " ونحوها، وفي
الأوسط (4) نصب يديه على رَكبتيه ثم يرفع إصبعه السبابة، وباقي أصابعه على
يمينه مقبوضة كما هي " وقال: لم يروه عن عبيد الله بن عمر عن ابن دينار
إلّا هشام بن يوسف، وفي الباب حديث عبد الله بن الزبير: كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه
اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه
اليمنى وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ". رواه (5)
مسلم وزاد ابن خزيمة: " لا يجاوز بصره إشارته " (6) . وعند النسائي (7) :
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس في الثنتين، أو في الأربع يضع يديه على
ركبتيه ثم أشار بإصبعه " وعند أحمد: " لم يجاوز بصره "، وعند أبي داود:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يحركه! " (8) . وفي لفظ: " أنه
رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو كذلك ويتحامل بيده اليسرى على فخذه اليسرى " (9) .
__________
(1) رواه أحمد: (2/119) .
(2) صحيح. رواه البخاري في (الأذان، باب " 145 ") ، والنسائي في (التطبيق، باب
" 95، 96 ") ، ومالك في (النداء، ح/51) .
(3) انظر: رواية النسائي في الحاشية السابقة.
(4) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/140) ، من حديث أسامة بن حارثة،
وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " عن غيلان بن عبد الله عن أبيه عن جذه أسامة بن حارثة، ولم
أجد من ترجمه ولا أباه.
(5) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/112) ، وابن ماجة (ح/130، 205) ، وأبو داود (ح/988) .
(6) حسن. رواه أبو داود (ح/990) .
(7) رواه النسائي: (2/237) .
(8) تقدم. ورواية أبي داود (ح/989) .
(9) المصدر للسابق.(1/1549)
وعند أبي نعيم الحافظ: " ثم أشار بإصبعه يدعو ربه ويسأله، فإذا سلّم قال:
" لا إله إلا الله وحده ... " الحديث، وحديث خفاف ابن إيماء بن رخصة:
" أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا صلى نصب إصبعه السبابة يوحّد بها/ربه
تعالى " (1) . رواه الإمام أحمد من حديث رجل مجهول عنه. وحديث أبي
قتادة من عنده أيضًاَ قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلس في الصلاة وضع
يده على فخذه اليمنى وأشار بإصبعه " (2) . وحديث أبي حميد المذكور قبل
من عند ابن خزيمة بلفظ: " ثم وقع إصبعه فرأيته يحركها يدعو ما " وقال:
لم يقل يحركها غير زائدة، وحديث أبي هريرة: " نظر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل
يشير بإصبعه أحد أحد " (3) . قال الطبراني في الأوسط لم يروه عن هشام بن
حسان عن ابن سيرين إلا مخلد بن حسين. تفرد به مسلم الجرمي، وحديث
ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هكذا الإخلاص يشير بإصبعه التي
تلي الإبهام، وهذا الدعاء فرفع يدول حذو منكبيهَ، وهذا الابتهال فرفع يديه
مدًا " (4) . رواه أبو داود مرفوعا وموقوفا قال الخطابي في هذا إثبات الإشارة
بالسبابة، وكان بعض أهل العراق لا يرى ذاك وقال: يقيض أصابعه الثَلاث
ويشير بالسبابة، وكان بعضهم يرى أن يحلِّف فيضع أنمله الوسطى بين عقدي
الإبهام، وإنّما السنة أن يحلِّق يروى الأنامل من الإبهام والوسطى حتى يكون
كاَلحلقة المستديرة لا يفصل بين جوانبها شيء انتهى، قد تقدَّم من عند مسلم
خلاف ما ذكره وهو معتمد أبي حنيفة، رحمه الله تعالى.
***
(1) ضعيف جدا. رواه أحمد (4/57) .
(2) صحيح. رواه أحمد (2/147) ، ومسلم في (المساجد، ح/114) ، والنسائي (3/37) ، وابن ماجة
(ح/913) ، والبيهقي (2 لم 130) ، والمشكاة (907) ، والكنز (3238) ، والإرواء (2/85) .
(3) لم نقف عليه.
(4) رواه البيهقي (2/133) ، والحاكم (4/320) . ولم أقف على رواية أبي داود التي ذكرها
المصنف حيث لا توجد في الباب عند أبي داود.(1/1550)
157- باب التسليم
حدثنا محمد بن عبد الله بن غير ثنا عمر بن عبيد عن ابن إسحاق عن
أبي لم الأحوص عن عبد: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم عن يمينه وعن
شماله حتى يُرى بياض جده: السلام عليكم ورحمة الله " (1) . هذا حديث
خرجه أبو علي الطوسي والترمذي وقالا: حسن صحيح، والعمل عليه، وهو
قول سفيان بن سعيد، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وخرجه ابن خزيمة في
صحيحه منى حديث عمر بن حميد، وفي مسلم (2) من حديث أبي معمر: أنّ
أميرًا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال ابن مسعود: إنِّي علمتها أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعله ". وفي الأوسط (3) من حديث الدالاني عن الحكم عن أبي
معمر عنه: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم عن يمينه، وعن يساره حتى يرى بياض
خديه "، وقال: لم يروه عن الحكم إلا الدالاني. تفرد به عبد السلام بن
حرب، وفي سق الدارقطني من حديث زهير عن أبي إسحاق: ورأيت أبي
بكر وعمر يفلان ذلك، وعند أبي قرة يقول: السلام عليكم من كلا الجانبين،
وكان ابن مسعود يفعل ذلك.
حدثنا محمود بن غيلان ثنا بشر بن اليسرى عن مصعب بن ثابت بن
الزبير عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عامر بن سعد عن
أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يسلم عن يمينه وعن يساره " (4) . هذا حديث
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/996) ، والترمذي (ح/295) ، والنسائي (3/63،61) ، وابن
ماجة (ح/914، 916) ، وأحمد (1/444، 5/390 / 408) ، والطبراني (10/152، 153، 154) ،
وشرح السنة (5/203) ، وابن أبي شيبة (1/298) ، والكنز (22382) ، ومعاني (1/267) ،
والمجمع (2/146) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/117-119) .
(3) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/146) ، من حديث أبي رهشة، وعزاه إلى
الطبراني في " الأوسط "، وفيه منهال بن خليفة ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان، ووثقه أبو
حاتم، وقال البخاري: صالح فيه نظر.
(4) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/119) .(1/1551)
خرجه مسلم بزيادة: " حتى يرى بياض خدّه ". زاد ابن خزيمة وابن حبان في
صحيحهما لما خرجاه، قال الزهري: لم يسمع هذا من حديث رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال إسماعيل بن محمد: كل حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعه؟ قال: لا،
قال: " فالثلثين؟ قال: لا قال: فالنصف. قال: قال: فهو من النصف الذي
لم يسمع، وعند الدارقطني " يسلم عن/يمينه حتى يرى بياض خده، وعن
يساره حتى يرى بياض خده " (1) وقال: هذا إسناد صحيح، وقال أبو عمر
في الاستذكار: رواه الدراوردي عن مصعب عن إسماعيل بن محمد: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة " (2) وقد أخطأ فيه إذ رواه
على غير ما رواه الناس، وهو وهم عند أهل العلم بالحديث وغلط.
حدثنا عليّ بن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي
إسحاق عن صلة بن زخر عن عمار بن ياسر قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يسلم عن يمينه، وعن يساره حتى يرى بياض خدَّه: السلام عليكم ورحمة
الله " (3) . هذا حديث إسناده صحيح، وقال الترمذي في كتاب العلل الكبير:
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: الصحيح: عن أبي إسحاق عن حارثة بن
مضرب عن عمار فعله فلت له: فحديث أبي بكر بن عياش هذا؟ قال: كان
ذاك البائس يحيى الحماني يروى هذا عن أبي بكر بن عياش، والدارقطني،
والطبراني، ومحمد بن أبان الواسطي، وسعيد بن سليمان، والترمذي،
وفضالة بن الفضل عنه، والله تعالى أعلم، وكان في الأصل المنقول منه: صلة
عن عمار فكأنه جعل حذيفة اتباعا لما ذكره ابن عساكر ومن بعده، وكأنه غير
جيّد، وذلك أنّ الدارقطني ذكر هذا الحديث بعينه كما أسلفناه من حديث
فضالة في مسند عمار ولم يذكر حديث حذيفة، وكذا فعله الترمذي
__________
(1) إسناده صحيح. رواه الدارقطني: (1/356) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/919) ، والبيهقي (2/179) ، وإتحاف (3/84) ، والكنز
(22376) ، ومعاني (1/270) ، والعقيلي (3/272) ، والإرواء (2/34) .
وصححه الشيخ الألباني.
(3) تقدم ص 1551.(1/1552)
والطوسي لما عدّه رواة حديث الباب ذكر عمارًا ولم يذكر حذيفة، والله تعالى
أعلم، وقد سبق ذكره عن البخاري، وممن نصّ عليه أيضًا أبو محمد بن حزم
وأبو عمر في الاستذكار وغيرهما، وممن ذكره أيضًا في مسند عمار الطبراني
في معجمه،/وابن منيع وغبرهما ممن لا يحصى كثرة.
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة ثنا أبو بكر بن عياش بن إسحاق عن
يزيد بن أبي مريم عن أبي موسى قال: " صلى بنا علي يوم الجمل صلاة
ذكرنا صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإما أن نكون نسيناها، وإما أن نكون تركناها؛
يسلم عن يمينه وعن شماله " (1) . هذا حديث إسناده صحيح، وفي الباب
حديث أشعث بن شعبة عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال:
صلى بنا أبو رمثة فقال: " شهدت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ثم سلم عن يميه
وعن يساره حتى رأينا " (2) . وصحح حديثه، ذكره أبو القاسم في الأوسط،
وقال: لا يروى هذا الحديث عن أبي رمثة إلا بهذا الإسناد. تفرد به أشعث.
وحديث وائل بن حجر قال: " صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يسلِّم عن يمينه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى شماله: السلام عليكم ورحمه الله
وبركاته " (3) . رواه أبو داود بسند صحيح ". وحديث وائلة بن الأسقع: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى " (4) . هذا وحديث
سهل بن سعد الساعدي: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم إذا فرغ من صلاته عن
يمينه وعن يساره " (5) . رواهما الشافعي من حديث إبراهيم بن محمد، وعنده
أيضًا ابنا الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن محمد بن يحيى بن حبان
عن عمه واسع قال مرة عن ابن عمرو مرة عن عبد الله بن زيد: " أن النبي
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/917) ، قْي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، إلا أن أبا
إسحاق كان يدلس، واختلط بآخر عمره.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/192) .
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/146) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه منهال بن
خليفة ضعفه ابن معين والنسائي وابن حبان، ووثقه أبو حاتم، وقال البخاري: صالح الحديث.
(3) حسن. رواه أبو داود: (ح/997) .
(4) تقدْم في رواية مسلم المشار إليها
(5) راجع: الإرواء (2/29) .(1/1553)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم عن يمينه وعن يساره " (1) . ولما ذكر أبو عمر حديث واسع
عن ابن عمر في الاستذكار قال: هذا إسناد مدني صحيح، وحديث جابر/بن
سمرة مرفوعا من عند مسلم مطولا، وفيه: " إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه
على فخذيه، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة
الله " (2) . وحديث البراء بن عازب ذكره وكيع عن حريث عن الشعبي عنه:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين " (3) . رواه الدارقطني وعن ابن أبي داود:
ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الله بن داود عن حريث وفيه كلام شديد. وحديث
أبي مالك الأشعري وقال: لأصلين بكم صلاة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره ثم سلَّم عن
يمينه وعن شماله. قال الطبراني: لم يروه عن قرة بن خالد- يعني: عن
بديل بن ميسرة- عن بشر بن حوشب عنه إلا عبد الأعلى. انفرد به عياش
الرقام.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/120) ، والشافعي (44) ، والكنز (19884) .
(3) صحيح. رواه الدارقطني (1/357) ، ومسلم في (المساجد، ح/117) ، والمجمع (2/
146) ، والقرطبي (1/263) .(1/1554)
158- باب من يسلم تسليمة واحدة
حدثنا أبو مصعب المديني أحمد بن أبي بكر ثنا عبد المهيمن بن عباس بن
سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جدّه: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسلم
تسليمة واحدة تلقاء وجهه " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف لضعف
عبد المهيمن المذكور قبل، وعند الدارقطني: " عن يمينه لا يزيد عليها " (2) .
حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الملك بن محمد الصنعاني ثنا زهير بن محمد
عن هشام عن أبيه عن عائشة: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمة
واحدة تلقاء وجهه " (3) . هذا حديث قال فيه الحاكم: صحيح على شرط
الشيخين، وقد روى وهب بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن
عائشة: " إنها كانت تسلم تسليمة واحدة " /وذكر ابن خزيمة في صحيحه
حديث عائشة المرفوع بزيادة: " تميل إلى الشق الأيمن قليلا، والموقوف بزيادة لا
تلتفت عن يمينها ولا عن شمالها " (4) ، وذكر من حديث وهب أيضا عن
هشام عن أبيه: " كان يسلم واحدة السلام " وقال الترمذي: حديث عائشة لا
نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقال محمد بن إسماعيل زهير بن محمد:
أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق أشبه، وقال أحمد بن حنبل:
كان زهير بن محمد الذي وقع عندهم ليس هو هذا الذي يروى عنه أهل
العراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، وأصح الروايات عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمتين
في الصلاة وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ورأى
قوم من الصحابة وغيرهم تسليمة واحدة في المكتوبة قال الشافعي: إن شاء
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/918) . في الزوائد: قْي إسناده عبد المهيمن، قال فيه
البخاري: منكر الحديث.
(2) رواه الدارقطني: (1/359) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/919) . وصححه الشيخ الألباني.
(4) رواه الترمذي (ح /296) .
قال: وفي الباب عن سهل بن سعد.
وقال: وحديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه.(1/1555)
سلّم تسليمة واحدة، وإن شاء سلم تسليمتين، وبنحوه ذكره أبو علي الطوسي
في أحكامه، وقال ابن حزم: إما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شيء عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن الأخبار في ذلك إنّما هي من طريق محمد بن المفرح عن محمد بن
يونس، وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن أو من طريق زهير بن
محمد وهو ضعيف أو من طريق ابن لهيعة وهو ساقط، وقال ابن أبي حاتم
في كتاب العلل عن أبيه: هذا حديث منكر إنّما هو عن عائشة موقوف، وقال
أبو عمر بن عبد البر: حديث عائشة لم يرفعه إلّا زهير بن محمد وحده،
وزهير ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به، وذكر ليحيى بن معين هذا
الحديث فقال: عمر بن أبي سلمة وزهير ضعيفان لا حجة فيهما، وأقرّه على
هذا لم أبو محمد وأبو الحسن وابن المواق، وكأنه غير جيّد في موقعين:
الأول: قوله لم يرفعه غير زهير لما ذكر الحافظ ضياء الدين المقدسي في
باب من روى تسليمة واحدة عن عائشة: " قالت كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
أوتر بسبع ولم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله يكبّره ثم ينهض، ولا يسلّم، ثم
يصلى التاسعة فيجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو ويسلم تسليمة يسمعنا، ثم
يصلى ركعتين وهو جالس فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا
في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلى السابعة ثم يسلم تسليمة " (1) .
رواه الإِمام أحمد والنسائي وهذا لفظه وزاد أحمد " ثم يسلم تسليمة واحدة
السلام عليكم برفع ما صوته حتى يوقظنا " رواه النسائي عن إسماعيل بن
مسعود: ثنا خالد ثنا سعيد ثنا قتادة عن زرارة بن أوفي عن سعيد بن هشام
عنه.
الثاني: قوله وهو ضعيف عند الجميع كثير الخطاء لا يحتج به، ليس
كذلك لما ذكره الحاكم في تاريخ بلده، قال عيسى بن يونس: ثنا زهير بن
محمد وكان ثقة، وقال العجلي: لا بأس به، وذكره ابن حبان، وابن شاهِين
في الثقات، وقال عثمان بن سعيد الدارمي، وصالح ابن محمد: ثقة صدوق،
__________
(1) رواه أحمد (6/255) ، والنسائي (3/240) .(1/1556)
وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال
موسى بن هارون: أرجو أنه صدوق.
حدثنا محمد بن الحارث المصري ثنا يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة
عن سلمة بن الأكوع قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فسلم مرة
واحدة " (1) . هذا حديث إسناده صحيح، وإن كان يحيى بن راشد المازني
بصره البزار في نسخة البكاء قد مس فقد قال فيه البخاري في تاريخه/الكبير:
ثقة، وقال أحمد بن صالح العجلي: ثقة صاحب حديث، وذكره البستي في
الثقات، وخرج الحاكم حديثه- في مستدركه، وقال الدارقطني: صويلح يعتبر
به، وفي الباب حديث أنس بن مالك: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمة
واحدة " يعني: في الصلاة المكتوبة. رواه الحاكم في تاريخ بلده من جهة أبي
بكر بن أبي شيبة، ثنا يونس بن محمد ثنا جرير بن حازم عن أيوب عنه،
وقال أبو عمر في الاستذكار: حديث أنس لم يأت إلّا من طريق أيوب عن
أنس، ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئًا. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لما رواه
أبو القاسم في الأوسط بسند صحيح متصل على رسم البخاري من حديث
عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي: ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن
حميد عن أنس، وقال: لم يرفع هذا الحديث عن حميد إلا عبد الوهاب. تفرد
به الحجبي.
وحديث الحسن بن سمرة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء
وجهه " (2) . ذكره أبو أحمد الجرجاني وردّه بروح ابن عطاء بن أبي ميمونة،
ورواه أيضًا الكجي في سننه عن الشاذكوني عن روح عن أبيه عنه وقال مهنأ:
سألت أبا عبد الله عن التسليم في الصلاة واحدة فقلت: أتعرف فيه شيئا عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: حديث حدثنى به سليمان بن داود الهاشمي عن إبراهيم بن
سعد عن إبراهيم بن شهاب عن عمه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم واحدة ".
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/920) . وفي الزوائد: إسناده ضعيف؛ لضعف يحيى بن
راشد.
(2) قلت: وعلى ما ذكره المصنف يضعف الحديث.(1/1557)
قلت: أكان هذا عد يعقوب عن أبيه؟ قال: لا، قال أبو عمر: فد روى من
مرسل الحسن: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة "
ذكره لم وكيع عن الربيع عنه، وروى عن عثمان وعلي وابن عمر وابن أبي
أوفي، وأنس بن مالك، وشقيق بن مسلمة، ويحيى بن وثاب وعمر بن عبد
العزيز،، وابن سيرين، والحسن، وأبي العالية، وسويد بن غفلة وأبي رجاء
وقيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير أنهم كانوا
يسلمون تسليمة واحدة، وقد اختلف عن أكثرهم فروى عنه التسليمتان كما
روينا الواحدة، والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة وهو عمل توارثه أهل
المدينة كابر عن كابر، ومثله يصح به الاحتجاج بالعمل في كلّ بلد وكذلك
العمل بالكوفة مستفيض عندهم بالتسليمتين كما روينا أيضًا، وكل ما جرى
هذا المجرى فهو اختلاف في المباح، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري
والأوزاعي: السلام ليس بغرض، قالوا: ويخرج من الصلاة ما شاء من الكلام
وغيره وهو قول النخعي، وقال مالك، والليث، والحسن بن صالح، والشافعي:
السلام فرض، وتركه يفسد الصلاة إّلا أن ابن حيي أوجب التسليمتين معًا،
وقال الطحاوي: لم يجد هذا القول عن غيره.
***(1/1558)
159- باب رد السلام على الإمام
حدثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش ثنا أبو بكر الهذلي عن قتادة
عن الحسن عن سمرة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا سلم الإِمام فردْوا عليه " (1) .
ثم قال: ثنا عبدة بن عبد الله ثنا على بن القاسم أنبأ همام عن قتادة بلفظ:
" أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض " (2) .
هذا حديث في سنده الأول ضعيفان: الأول: ابن عياش المذكور قبل، والثاني:
أبو بكر/الهذلي سلمى بن عبد الله بن سلمى، وسيأتي ذكره أيضَا، والإسناد
الثاني فيه وهم، وهو قوله علي بن القاسم كذا هو في أحوال ابن ماجة، وهو
رجل لم يوجد في شيء من التواريخ فيما رأيت، وصوابه الذي ذكره البزار في
مسنده: ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الأعلى بن القاسم ثنا همام فذكره بلفظ:
" وأن نسلم بعضنا على بعض في المملاة "، وكذا ذكره النسائي وابن منبع
والعدني وغيرهم، فعلى هذا يكون السند صحيحا على ما ذكره ابن القطان
وغيره، لولا ما قيل في سماع الحسن من سمرة، فإن ابن سعد، وابن معين،
والنسائي، ويحيى بن سعيد القطان، وابن حبان، والبرديجي، والإِدريسي في
تاريخ سمرقند قالوا: لم نسمع منه شيئَا، ومنهم من قال: إلا حديث العقيقة،
وأمّا ابن المديني وغيره: فأثبتوا سماعه منه، فعلى هذا القول يكون حديث هذا
صحيح الإِسناد متصلا، والله تعالى أعلم. وكذلك اعتمد ابن خزيمة حيث
خرجه في صحيحه من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عنه،
وعند أبي داود بسند صحيح من حديث سليمان بن سمرة عن أبيه مرفوعا:
" ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم "
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/92) ، والطبراني (ح/262) ، وابن عدي في " الكامل " (3/
1171) ، والإرواء (ح/369) ، وضعيف أبي داود (ح/178) ، وضعيف ابن ماجة (ح/193) ،
والضعيفة (ح/2564) . وضعفه الشيخ الألباني.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجه في السنن (ح/922) ، والألباني في ضعيف ابن ماجة (ح/194) .
وكذا ضعفه الشيخ الألباني.(1/1559)
160- باب لا يخص الإِمام نفسه بالدعاء
حدثنا محمد بن المصفي الحمصي ثنا بقية بن الوليد ثنا حبيب بن صالح
عن يزيد بن شريح عن أبي حيي المؤذن عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا يؤم عبد فيخصّ نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم " (1) . هذا
حديث سبق ذكره في كتاب الطهارة، وقال الترمذي: هو حديث حسن،
وقد روى هذا عن / معاوية بن صالح عن السفر بن نسر بن يزيد بن شريح عن
أبي أمامة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عن يزيد عن أبي هريرة وحديثه عن أبي
حيي أجود إسنادا وأشهر، والله تعالى أعلم.
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ج/923) ، وضعيف أبي داود (ح 11-12) ، وضعيف ابن ماجة
(ج/195) . قلت: وعلته بقية بن الوليد. وكذا ضعفه الشيخ الألباني.(1/1560)
161- باب ما يقال بعد التسليم
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية وثنا محمد بن عبد الملك بن أبي
الشوارب ثنا عبد الواحد بن زياد قال: ثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن
الحارث عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقعد إلا مقدار ما
يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإِكرام " (1) .
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وقال أبو داود: سمعت أحمد يسئل
عن تفسير الحديث " لا يجلس بعد التسليم إلا قدر ما يقول أنت السلام
ومنك السلام " يعني: في مقعده حتى ينحرق. قال: لا أدري، وفي الأوسط:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلم من الصلاة قال: اللهم ... " (2) الحديث، وقال: لم
يروه عن المقدام بن شريح يعني عن أبيه عنها إلا قيس بن الربيع تفرد به
يحيى بن إسحاق السيلحيني، وفي موضع آخر من حديث قليب عن جسرة
بنت دجانة عنها " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في وتر كل صلاة: اللهم رب
جبريل، وميكائيل، وإسرافيل أعذني من حرِّ النار، وعذاب القبر " (3) . وقال: لم
يروه عن إسماعيل بن أبي خالد عن قليب إلا الصباح بن محارب تفرد به
الحسين بن عيسى بن ميسرة الرازي. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شبابة ثنا
شعبة عن موسى بن أبي عائشة/عن مولى لأم سلمة عن أم سلمة أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: اللهم إنى أسالك علمًا نافعًا،
ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا " (4) . هذا حديث خرجه النسائي من جهة موسى
عن مولاه لأم سلمة، وذكره عبد الله في كتاب العلل عن أبيه. ثنا وكيع ثنا
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/5065) ، والترمذي (ح/410) ، وابن ماجة (ح/926) ،
والمشكاة (2406) ، والمنثور (3/65) ، والترغيب (1 لم 413) ، والكنز (3447) .
(2) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 لم 148) ، من حديث أبي أمامة، وعزاه
إلى الطبراني في " الكبير " وفيه محمد بن محصن العكاشي وهو متروك.
(3) رواه النسائي (8/278) ، والكنز (42955) ، والجوامع (9864) .
(4) رواه أحمد (6/294) ، وابن السني (108) ، والأذكار (70) ، وابن ماجة (ح/925) ،
الخطيب (4/39) ، والمجمع (10/182) .(1/1561)
سفيان عن موسى، وفي مسند أحمد عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سألت له فاطمة
الرضى قال: " إذا صليت الصبح فقولي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك وله الحمد يحيى ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء فدير، عشر
مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كلّ واحدة
منهن تكتب عشر حسنات، وتحط عشر سيئات وكل واحدة منهن لعتق رقبة
من ولد إسماعيل، ولا يجد لذنب كسب ذلك اليوم أن يكتبه إلّا أن يكون
الشرك وهو كشرك ما بين أن تقوله عشية من كل شيطان ومن كل سوء " (1) .
حدثنا أبو كريب ثنا إسماعيل ابن علية ومحمد بن فضيل، وأبو يحيى التيمي،
وابن الأجلح عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما
يسير من العمل هما قليل يسبح الله في دبر كل صلاة عشر، ويكبر عشرًا،
ويحمده عشرًا، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعقدها بيده فذلك خمسون ومائة
باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أوى إلى فراشه سبح وحمد، وكبَّر
مائة فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم ألفي
وخمسمائة سيئة قالوا: وكيف لا يحصيها، قال: يأتي أحدكم الشيطان/وهو
في الصلاة فيقول: اذكر كذا حتى ينفك العبد لا يغفل، ويأتيه وهو في
مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام " (2) . هذا حديث قال فيه الترمذي
والطوسي: حسن صحيح، وزعم النووي- رحمه الله تعالى- في كتاب
الأذكار وأن أيوب السختياني أشار إلى صحته (2) ، وخرجه ابن حبان في
صحيحه عن أبي يعلى ثنا أبو خيثمة ثنا جرير وابن علية عن عطاء به، وقال
__________
(1) صحيح. رواه مسلم (414) ، والنسائي (3/69) ، وأحمد (5/275، 279، 6/
235،184،62) ، وابن ماجة (ح/928،924) ، والبيهقي (2/183، 5/ 73) ، وابن عساكر في
" التاريخ " (6/292) ، وعبد الرزاق (3197) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (2348) ، وابن
كثير (7/486) ، والبغوي (7/14) ، والمجمع (10/102) ، والمطالب (482) ، وابن السني
(107، 144) ، والفتح (2/336، 11/331) ، والمشكاة (960، 961) ، وابن خزيمة (737) ،
وإتحاف (5/97) ، والكلم (106) ، والكنز (4968، 4969، 4981) ، وشرح السنة (3/224) ،
وأذكار (67) ، وابن أبي شيبة (2/3031،30، 1/2320) ، وصفة الصفوة (36، 135) .
(2) تقدم. (3) قوله: " صحته " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1562)
الحاكم: وأغفل أبو القاسم بن عساكر، ومن بعده من أصحاب الأطراف عزواه
إلى ابن ماجة إنما عزواه إلى أبي داود والنسائي والترمذي وهو في جمع أصول
ابن ماجة كما سبق، والله تعالى أعلم. حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ثنا
سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم عن أبيه عن أبي ذر قال: قيل للنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وربما فال سفيان-: " قلت يا رسول الله ذهب أهل الأموال والد ثور
بالأجر، يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق قال: ألا أخبركم بأمر إذا
فعلتموه أدركتم من قبلكم وفُتم من بعدكم تحمدون الله في دبر كل صلاة،
وتسبحوا، وتكبروا ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين " (1) قال سفيان:
لا أدرى انتهى أربع هذا حديث خرجه ابن خزيمة في صحيحه، وسيأتي له
أصل في الصحيحين عند الترمذي وقال: حسن غريب: " من قال دبر صلاة
الفجر وهو ثاني رجله قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد يحصي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب له
عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه
ذلك كلّه في حرز من كل مكروه وحرز من الشيطان، ولا ينبغي للذنب أن
يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله " (2) . وخرجه في الأوسط/من حديث
أبي هريرة عن أبي ذر. حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الحميد بن حبيب ثنا
الأوزاعي حدثنى شداد أبو عمار ثنا أبو أسماء الرحبي حدثني ثوبان: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم يقول:
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " (3) . هذا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 155 "، والدعوات، باب
" 17 ") ، ومسلم في (المساجد، ح/143، والزكاة، ح/53) ، وأبو داود في (الوتر، باب
" 34 ") ، والدارمي (ح/1353) ، وابن ماجة (ح/927) ، وأحمد (2/238، 15/67، 168) .
غريبة: قوله: " الدثور " أي: الأموال الكثيرة.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (بدأ الخلق، باب " 11 ") ، ومسلم في (الذكر،
ح/28) ، والترمذي في (الدعوات، باب " 59، 62 ") ، وابن ماجة في (الدعاء، باب " 14 ") ،
ومالك في (القرآن، ح/20) ، وأحمد (2/302، 375، 4/237) .
(3) صحيح. رواه مسلم (414) ، والنسائي (3/69) ، وأحمد (5/275، 279، 6/62، 184، 235) ،(1/1563)
حديث خرجه مسلم في صحيحه، زاد ابن خزيمة في صحيحه قال عمرو بن
هاشم الصيرفي عن الأوزاعي: يقال هذا الدعاء قبل السلام قال: أتيت ابن
خزيمة، فإن كان عمرو بن هاشم ومحمد بن ميمون لم يغلطا في هذه اللفظة،
أعني قوله قبل السلام، فإن هذا الباب يردّ إلى باب الاستغفار قبل السلام
ولفظه: " كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته ". وفي الباب حديث
محمد بن حمير حدثنى محمد بن زياد الألهاني قال: سمعت أبا أمامة يقول:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة
مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت " (1) . قال الطبراني في المعجم
الكبير: تفرد به بن حمير، يعني: المخرج حديثه في صحيح البخاري، وكذا
قاله الدارقطني في العاشر من فوائده (2) . وفي قولهما نظر، وذلك أن ابن السني
رواه من حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن إبراهيم الذهلي عن أبي
أمامة، وعند أبي نعيم الحافظ زيادة: " وكان الربّ الذي يتولى قبض روحه،
وكان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله حتى يستشهد ". وحديث المغيرة بن شعبة
مرفوعا: " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة ما بينه وبن أن يدخل الجنة إلا
أن يموت " (3) . ذكره أبو نعيم الحافظ في كتاب الحلية، وقال: غريب/من
حديث محمد بن كعب القرظي عن المغيرة تفرد به هاشم بن هاشم عن عمر
عن محمد، وما كتبناه غالبًا إلّا من حديث مكي. وحديث علي بن أبي
طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنَّ فاتحة الكتاب، وآية الكرسي، وآيتين
__________
وابن ماجة (ح/924، 928) ، والبيهقي (2/183، 5/73) ، وابن عساكر في " التاريخ "
(6/292) ، وعبد الرزاق (3197) ، والبخاري في " الاً دب المفرد " (2348) ، وابن كثير (7/
468) ، والبغوي (7/14) ، والمجمع (10/102) ، والمطالب (482) ، وابن السني (107، 144) ،
والفتح (2/336، 11 / 133) ، والمشكاة (960، 961) ، وابن خزيمة (737) ، وإتحاف (5/97) ،
والكلم (106) ، والكنز (4968، 4969، 4981، 4982) ، وشرح السنة (3/224) ، وأذكار
(67) ، وابن أبي شيبة (2/3031،30، 1/2320) ، وصفة (36، 135) .
(1) موضوع. المنثور (6/412) ، والكنز (2572) ، والطبراني في " الكبير " (8/134) .
والمجمع (2/148) ، وعزاه إليه وإسناده حسن. انظر الموضوعات (1/243) .
(2) قوله: " فوائده " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) تقدم في الحاشية رقم (1) السابقة.(1/1564)
من آل عمران قال الله تعالى في حقهن: لا يقرأهن أحد من عبادي دبر كل
صلاة إلّا جعلت الجنة مثواه " (1) . رويناه في جزأ ابن عبد كونه عن محمد بن
أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن محمد بن النعمان ثنا محمد بن أبي الأزهري
ثنا الحارث بن عمر ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عنه، ورواه الحاكم
في تاريخ بلده من حديث نهشل بن سعيد عن أبي حبة عن عليّ، ورواه
الطبراني في الأوسط من حديث حسن بن حسن عن أبيه عن جدّه بمعناه.
وحديث أنس بن مالك وجابر أنهما قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوحى الله
تبارك وتعالى إلى موسى- صل! الله عليه وآله وسلم- من داوم على قراءة آية
الكرسي دبر كل صلاة أعطيه أجر المتقين وأعمال الصديقين " (2) . رواه الثعلبي
من حديث محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن أبي مالك عن الحوشبي
عنهما. وحديث عبد أدله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه رواه
أيضَا من حديث ابن لهيعة عن أبيِ سئل عنه. وحديث جابر بن عبد الله قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاث ما جاء بهن مع الإِيمان دخل من أيِّ أبوِاب الجنة
شاء، وزوِّج من الحور العين حيث شاء من عفا عن واثلة، وأدَّى دينَا
خفيًا ... " (3) ./رواه أبو يعلي الموصلي في مسنده من حديث عمر بن نبهان
وفيه كلام، وعند أبي نعيم الحافظ من حديث العزرمي عن أبي يزيد مولى
جابر عنه: " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة أعطى قلوب
الشاكرين، وأعمال الصديقين، وبسط الله عليه عنه برحمته ولم يمنعه من
__________
(1) موضوع. أصفهان (1/354) ، والموضوعات (1/245) .
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع تفرد به الحارث بن عمير. قال أبو حاتم بن حبان.
كان الحارث ممن يروى عن الأثبات الموضوعات. روى هذا الحديث ولا أصل له. وقال أبو
بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: الحارث كذاب ولا أصل لهذا الحديث.
قال ابن الجوزي: كنت قد سمعت هذا الحديث في زمن الصبا فاستعملته نحوا- من ثلاثين
سنة لحسن ظني بالرواة فلما علمت اَنه موضوع تركته فقال لي قائل: أليس هو استعمال خير
قلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن الشريعة.
(2) بنحوه. رواه الخطيب (3/245) ، والمجمع (7/97) ، وعزاه إلى الطبراني في " الصغير "
وفيه سعيد بن موسى الأزدي وهو كذاب.
(3) بياض " بالأصل ".(1/1565)
دخول الجنة إلّا الموت " (1) . وحديث عقبة بن عامر قال: " أمرني رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة " (2) . قال الترمذي: حديث حسن
غريب، وخرجه ابن حبان في صحيحه، وكذلك ابن خزيمة بلفظ: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقرؤا المعوذات في دبر كل صلاة " (3) والحاكم (4) وقال: صحيح
على شرط مسلم، وفي تاريخ أبي زرعة الدمشقي الكبير قلت لأحمد بن
صالح فإنّ سفيان الثوري يحدث عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن
جبير عن أبيه عن عقبة بن عامر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قراءة قل أعوذ برب الفلق،
قال: ليس هذا من حديث معاوية عن عبد الرحمن إنّما روى هذا معاوية عن
العلاء بن الحارث عن القاسم عن عقبة، قال أبو زرعة: وهاتان الروايتان
عندي صحيحتان لهما جميعا أصل بالشام عن جبير بن نفير عن عقبة عن
القاسم عن عقبة. وحديث أبي موسى الأشعري قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
صلى الصبح رفع صوته حتى يسمع أصحابه يقول: اللهم أصلح لي ديني
الذي جعلته لي عصمة ثلاث مرات، اللهم أصلح لي دنياي الذي جعلت منها
معاشي، اللهم أصلح لي آخرتي الذي جعلت إليها مرجعي اللهم أعوذ برضاك/
من سخطك، اللهم أعوذ بعفوك من عقوبتك اللهم إنى أعوذ بك منك ثلاث
مرات في محلها، اللهم لا مانع لما أعطبت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا
الجدّ منك الجدّ " (5) . ذكره أبو القاسم في الأوسط وقال: لم يروه عن أبي
__________
(1) الموضوعات: (1/244) . قال ابن الجوزي: وهذا طريق فيه مجاهيل.
(2) حسن. رواه الترمذي (ح/2903) ، وأبو داود (ح/1523) ، والنسائي في (السهو، باب
الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة) ، واحمد (4/155، 201، 204) ، والمشكاة
(969) ، والطبراني (17/294) .
(3) صحيح. رواة ابن خزيمة (755) ، وابن حبان (2347) ، والكنز (3477) ، والطبراني
(17/295) ، والصحيحة (645) . وكذا صححه الشيخ الألباني.
(4) رواه الحاكم: (1/253) .
(5) صحيح. رواه أبو داود (ح/1433) ، والترمذي (ح/3566) ، وابن ماجة (ح /1179،
3841) والنسائي (3/249) والبخاري في الكبير " (8/195) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/
330) ، وابن حبان (541) ، وابن السني في " اليوم والليلة " (509،124) ، وأذكار (83) ،
والكلم (96) ، والكنز (3652، 5116، 21885) ، وابن حبان (541)(1/1566)
بردة- يعني: عن أبيه- إلا إسحاق بق يحيى بن طلحة تفرد به يزيد بن
عياض- وحديث زيد بن ثابت قال: " أمرنا أن نسبح في دبر كل صلاة
ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ونحمد ثلاثا وثلاثين تحميدة، ونكبّر أربعًا وثلاثين تكبيرة
قال: فرأى رجل في المنام فقال: أمرتم بثلاث وثلاثين تسبيحة، وثلاث وثلاثين
تحميدة، وأربع وثلاثين تكبيرة. قال: نعم قال: فلو جعلتم فيها التهليل
فجعلتموها خمسًا وعشرين فذكر ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قد رأيتم فافعلوا أو
نحو ذلك " (1) . خرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد وابن خزيمة في
صحيحه وابن حبان. وحديث ابن عمر بمثله رواه النسائي. وحديث أبي بكرة
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه كان يقول في دبر الصلاة: اللهم إنِّي أعوذ بك من
الفقر، ومن عذاب القبر " (2) خرجه أيضًا، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وحديث ابن مسعود: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلم في الصلاة لا يجلس
إلّا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال
والإِكرام " (3) . خرجه ابن خزيمة في صحيحه. وحديث عبد الله بن عبد الله بن
الزبير رضى الله تعالى عنهما: " أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك ولهَ الحمد، وهو على كل شيء قدير،
__________
وابن خزيمة (655، 671) ، وإتحاف (2/ 71، 3/ 75، 5/96،998، 108) ، والمشكاة
(1276،893) ، وصفة (186) ، ومعاني (1/234) ، وابن أبي شيبة (6/ 306، 10/386) .
(1) رواه الحاكم في " المستدرك ": (1/540) .
(2) رواه النسائي (8/261) ، وأحمد (2/305، 325، 354) ، والحاكم (1/540) ، والبيهقي
(7/12) ، والمشكاة (2467) ، وابن حبان (2443) ، والبخاري في " الكبير " (9/50) ، والجوامع
(9907، 9908) ، والكنز (3746،3688) .
(3) صحيح. رواه ابن خزيمة (737) ، ومسلم (414) ، والنسائي (3/69) ، وأحمد (5/
275، 279، 6/ 62، 184، 235) ، وابن ماجة (928،924) ، والبيهقي (2/183، 5/73) ،
والشفع (1022) ، وابن عساكر في " التاريخ " (6/292) ، والبخاري في " الأدب المفرد "
(2348) ، وابن كثير (7/486) ، والبغوي (7/14) ، والمجمع (10/102) ، والمطالب (482) ،
وابن السني (107، 144) ، والفتح (2/336، 11/133) ، والمشكاة (960، 961) ، والكلم
(106) ، والكنز (4969،4968، 4981) ، وأذكار (67) ، وابن أبي شيبة (303،1/302، 10/
232) ، وصفة (135،36) .(1/1567)
ولا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلّا إياه، له النعمة/والفضل،
وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ويقول:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهلل بهن دبر كل صلاة " رواه مسلم (1) وعند ابن
خزيمة: " إذا سلم في دبر الصلاة يقول: لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه، أهل
النعمة والفضل والثناء الحسن " (2) الحديث. وحديث أبي أيوب قال: " ما
صليت وراء نبيكم إلا سمعته حين ينصرف يقول: اللهم اغفر لي خطاياي
وذنوبي كلها، اللهم انعتني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق أنه لا
يهدي لصالحها ولا يصرف سببها إلا أنت " (3) قال الطبراني في الأوسط: لا
يروى عن أبي أيوب إلا هذا الإسناد، تفرد به محمد بن الصلت يعني عمر بن
مسكين عن نافع عن ابن عمر عنه. وحديث أبي هريرة من عند الشيخين
قال: جاء الفقراء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال
بدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم، ولهم
فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون قال: " لا
أعدتكم بشيء أن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد يعدكم
وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله تسبحون وتحمدون وتكبرون
خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين ... " (4) . الحديث، وعند البخاري: " تسبحون
في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا "، وعند مسلم: " من
سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثًا
وثلاثين فذلك تسعة وتسعون ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه/وإن كانت
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/139، 140) ،.
(2) رواه ابن خزيمة: (740) ،.
(3) حسن، وإسناده ضعيف. الكنز (3667) ، وابن السني (113) ، عبيد الله بن زحر منكر
الحديث. وعلي بن زيد ضعيف، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1277) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/213) ، ومسلم في (المساجد، ح/142، 143) ،
والبيهقي (2/186) ، وأذكار (67) ، والترغيب (2/450) ، وابن كثير (7/387، 8/51) .(1/1568)
مثل زبد البحر " (1) . وحديث ورّاد كاتب الغيرة بن شعبة في كتاب أبي
معاوية أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا
مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد " (2) خرجاه
أيضًا. وحديث سعيد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بينه هؤلاء الكلمات كما
يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتعوذ بهن دبر
الصلاة: " اللهم إنى أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من
أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب
القبر " (3) . رواه البخاري، وفي اليوم والليلة للنسائي: " ما يمنع أحدكم أن
يسبح دبر كل صلاة عشرًا ويحمد عشرًا، ويكبّر عشرًا، فذلك في خمس
صلوات خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان ". وحديث
كعب بن عجرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " معقبات لا يحنث قائلهن أو
فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثين تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة،
وأربع وثلاثون تكبيرة " (4) . رواه مسلم. وحدسا علي بن أبي طالب: كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا فرغ من صلاته قال: َ " اللهم اغفر لي ما قدمت وما
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (8/89) ، والفتح (11 / 132، 133) ، والبيهقي (2/186) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 214، 8/ 157) ، ومسلم في (المساجد، ح/
137، 138) ، والترمذي (ح/229) ، وأبو داود في (الدعاء، باب " 3 ") ، والنسائي في (السهو،
باب " 85، 86 ") ، وأحمد (4/93، 97،95، 101، 247،245، 250، 254، 255) ، وابن السني
(124) ، وابن حبان (541) ، ومشكل (2/279) ، والبغوي (5/297) ، والحميدي (762) ،
وصفة (77) ، والطبراني (19/340، 393) ، والإرواء (2/65) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (8/97، 98، 103) ، ومسلم (2080) ، والنسائي (8/
256، 266، 271، 272) ، وأبو داود (ح/3972) ، وأحمد (1/183، 4/371) ، وإتحاف (5/
8/93،182) ، والكنز (3747، 95،503971) ، والغني عن حمل الأسفار (3/247، 4/
324) ، والقرطبي (12/12) ، والجوامع (9712) ، وابن حبان (2445) .
(4) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/145،144) ، والبيهقي (2/187) ، وشرح السنة
(231) ، الخطيب في " التاريخ " (6/112) ، والصحيحة (102) .(1/1569)
أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت
المقدّم وأنت المؤخرّ لا إله إلّا أنت " (1) . وقال أبو صالح: " لا إله إلا أنت "
رواه ابن خزيمة هكذا وقال الترمذي: حسن صحيح، وقد أسلفنا من عند
مسلم أن النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول بين التشهد والتسليم. وحديث زيد بن أرقم
قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول دبر كل صلاة: " اللهم ربنا ورب كل شيء
شهيد إنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء إنا
شهيد أن العباد كلهم أخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء اجعل لي مخلصًا لك
وأهلي في كل ساعة من الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام أسمع واستجب،
الله أكبر الأكبر الله نور السموات والأرض الله أكبر الأَكبر حسبي الله ونعم
الوكيل الله أكبر الأكبر " (2) . خرجه أبو داود وفي سنده: داود الطحاوي وفيه
كلام، وقال الدارقطني: تفرد به معتمر بن سليمان عن داود عن أبي مسلم
البجلي عن زيد. وحديث ابن عباس قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو: رب
اعنّي، ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي، وأمكرني ولا تمكر علي،
واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من يعني علي، اللهم اجعلني لك
شاكرا ذاكرا لك راهبًا لك مطواعًا إليك محننًا أو منيبًا، ربّ تقبَل توبتي،
واغسل حوجتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدّد لساني،
وأسألك سخيمة قلبي " (3) . رواه أبو داود وخرجه في باب ما يقول الرجل إذا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (8/105) ، ومسلم (536) ، والترمذي (ح/
1514،757) ، وأحمد (1/94، 95، 102، 103، 2/ 291، 514، 526) ، والبيهقي (2/
32، 185) ، وشرح السنة (3/35) ، والجوامع (9825، 9932) ، والكلم (102) ، والقرطبي
(25/233) ، والكنز (3620، 3791) ، والمشكاة (29817) ، وإتحاف (3/ 81، 5/
58، 77، 165) ، والمجمع (10/172) ، والشفاء (2/355) ، وابن خزيمة (743) ، والدارقطني
(1/297) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود في (الدعاء، باب " 3 " وأحمد) ، (4/369) ، وابن السني
(111) ، والمنثور (4715) ، وإتحاف (2/94، 5/98) ، والفتح (11/133) ، وصفة (136) .
داود بن راشد الطفاوي ضعيف، لين الحديث.
صحيح. رواه أبو داود في (الوتر، باب " 25 ") .
(3) الكنز (3729) ، والترمذي في (الدعوات، باب " 102 ") .(1/1570)
سلم الترمذي وقال حسن صحيح، وفي لفظ عنده، وقال فيه: حسن غريب
" جاء الفقراء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء يصلون كما
نصلي ... ، فذكر الحديث ". وفيه قال: " فقولوا: سبحان الله ثلاثا وثلاثين
والحمد لله ثلاثا وثلاثين والله أكبر أربعا وثلاثين ولا إله إلا الله عشرًا " (1) .
وحديث معاذ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيده وقال: " يا معاذ والله/إنى
لأحبك أوصيتك يا معاذ لا تدعو دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على
ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " (2) . رواه أبو خزيمة، وقال الحاكم: صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي كتاب اليوم والليلة لأبي نعيم: " من
قال حين ينصرف من صلاة الغداة قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء
قدير، عشر مرات أعطي بهن سبع خصال، وكتب له بهن عشر حسنات
ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع له من عشر درجات، وكن له عدل عشر
نسمات وكن له عصمة من الشيطان، وحرزا من المكروه ولم يلحقه في يومه
ذلك ذنب إلا الشرك بالله، ومن قالهن حين ينصرف من صلاة المغرب أعطي
مثل ذلك في ليلة " (3) . وفي لفظ: " من قال بعد الفجر ثلاث مرات وبعد
العصر ثلاث مرات: استغفر الله الذي لا إله إلا هو، وأتوب إليه كفرت ذنوبه
وإن كانت مثل زبد البحر " (4) . وحديث أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله:
__________
(1) له أكثر من مصدر سابق.
(2) صحيح. رواه أحمد (247،5/245) ، وأبو داود (ح/1522) ، وابن أبي شيبة (10/
284، 427) ، والخفاء (1/212) ، والمجمع (10/172) ، والكنز (3457، 3865) ، والخطيب
(5/158) ، والترغيب (2/454) ، والفتح (11/133) ، وابن السني (115، 195) ، والمنثور (1/
152) ، وإتحاف (5/98، 9/48) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/353) ، ونسب الراية (2/
235) ، وشكر (53،13) ، والحاكم (3/273،1/273) . وقال الحاكم: صحيح على شرط
الشيخين ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (7846) .
(3) حسن، وإسناده ضعيف. رواه النسائي في اليوم والليلة (126) ، وذكره المنذري في الترغيب (1/
305) ، وقال: رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد حسن واللفظ له، وذكره الهيثمي في " المجمع " (10/
112) ، وقال: رواه الطبراني من طريق عاصم بن منصور ولم أجد من وثقة ولا من ضعفه، وبقية رجاله
ثقات. وابن السني في " الأذكار " (ح/140) . وقال الحافظ ابن حجر: له شواهد
(4) إسناده ضعيف. رواه ابن السني (ح/126) عكرمة بن إبراهيم ضعيف(1/1571)
أي الدعاء اسمع. قال: " جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات " (1)
رواه الترمذي، وقال: حسن، وعند أبي نعيم الحافظ من حديث القاسم عنه
قال: " ما يفوت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دبر صلاة مكتوبة، ولا تطوع إلا سمعته
يقول: اللهم اغفر لي خطاياي كلها، اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق
أنه لا يهدى لصالحها، ولا يصرف سيئها إلا أنت " (2) وفي معجم الطبراني:
" من قال في دبر صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك،
وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو علي كل شيء قدير مائة مرّة قبل أن
يثنى رجله كان يومئذ أفضل أهل الأرض، إلا ما قال مثل ما قال/أو زاد على
ما قال " (3) . وقال: لم يروه عن أبي غالب يعني عنه إلّا آدم بن الحكم، ولا
رواه عن آدم إلا عبد الصمد بن عبد الوارث. وحديث صهيب: أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا انصرف من صلاته: " اللهم أصلح لي ديني الذي
جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم أعوذ
برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، اللهم لا مانع
لما أعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " (4) . خرجه ابن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/1277) ، والترمذي (ح/3499) ، وحسنه. والنسائي في
(المواقيت، باب " 38 ") ، وأحمد (4/112، 114، 235، 321، 385، 387) ، والبيهقي (2/
3،4/445) ، وعبد الرزاق (153) ، والتمهيد (4/53) ، والطبراني (1/94) ، والمجمع (1/
224، 2/ 225، 227، 4/ 343) ، وابن خزيمة (260) ، والكلم (113) ، والترغيب (2/489) .
(2) بنحوه. رواه النسائي في (الافتتاح، باب " 16 ") ، وإتحاف (3/43، 5/165، 7/323) ،
والمغني عن حمل الأسفار (1/3،50/351) ، والدارقطني (1/298) ، والطبراني (8/300) .
(3) تقدم. رواه الطبراني (8/336) ، وابن السني (139) ص 1563.
قلت: وهذا حديث حسن، وإسناده ضعيف.
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/214، 8/157) ، ومسلم في (المساجد، ح/137، 138) ،
والترمذي (ح/229) ، وصححه. وأبو داود في (الدعاء، باب " 3 ") ، والنسائي في (السهو، باب
" 85، 86 ") ، وأحمد (4/93، 97،95، 101، 247،245، 250، 254، 255) ، وابن السني (ح/
124) ، وابن حبان (541) ، ومشكل (2/279) ، والبغوي (5/297) ، وإتحاف (5/131) ، وابن
كثير (3/240) ، والحميدي (762) ، وصفة (77) ، والطبراني (19/340، 393) .(1/1572)
خزيمة وعند أبي نعيم الحافظ في كتاب عمل اليوم والليلة: " كان رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرك شفتيه بشيء إذا صلى الغداة. فقلنا: يا رسول الله تحرّك شفتيك
بعد صلاة الغداة، وكنت لا تفعله فقال: أقول اللهم بك أحاول، وبك
أطاول، وبك أقاتل " (1) . وحديث أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان يقول في
دبر الصلاة: " اللهم إنى أعوذ من الكفر والفقر وعذاب القبر " (2) خرجه ابن
خزيمة في صحيحه، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وحديث أبي
الدرداء قيل: " يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدنيا والآخرة ". فذكر مثل
حديث أبي هريرة، قال البخاري: رواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي
صالح عه، وفي الأوسط من حديث ابن أبي علية عنه قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
قال بعد صلاة الصبح، وهو ثاني رجله قبل أن يتكلَّم لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك، وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء
قدير عشر مرات كن له في يومه ذلك حرز من الشيطان ومن كل مكروه " (3) .
وقال: لم يروه عن إبراهيم بن أبي علية/إلّا هانىء بن عبد الرحمن وذريح بن
عطية تفرد به موسى بن محمد البلياوي. وحديث أبي سعيد الخدري قال:
" سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مرة يقول في أثر صلاته عند انصرافه: سبحان
ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب
العالمين " (4) . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم عن أبي هارون عنه،
وعند أبي نعيم الحافظ: " لا يجلس بعد أن ينصرف من الصلاة إلا قدر ما
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة: (10/350) .
(2) حسن، إسناده لا بأس به. رواه للنسائي (8/267) ، وأحمد (39،5/36، 42، 44) ،
والحاكم في " المستدرك " (1/35، 252) ، وابن السني (67، 109) ، وابن حبان (2438) ،
والمغني عن حمل الأسفار (1/325) ، وإتحاف (4/ 351، 5/ 76، 85، 98، 8/ 52، 9/ 271 س) ،
والفتح (11/133) ، والكنز (3642، 16687) ، والميزان (5581) ، والمشكاة (2481) ،
والجوامع (9863) ، وابن خزيمة (747) ، وأذكار (69) ، وابن أبي شيبة (3/374، 10/190) .
(3) الترغيب (1/306) ، والكنز (3517، 3530، 3535) ، والمجمع (11/080) ، وعزاه إلى
الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " ورجال الأوسط ثقات.
(4) إسناده ضعيف جدا. المجمع (2/147، 10/103) ، والطبراني (11/115) ، وابن أبي شيبة
(1/303) ، وابن السني (116) ، وأذكار (69) ، والكنز (3481، 3482، 17897) .(1/1573)
يقول ... ". الحديث. وحديث مسلم بن الحارث قال: أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النّار سبع
مرات فإنك إن متا من يومك كتب لك جوار منها " (1) . رواه أبو نعيم
الحافظ من حديث هشام بن حسان عن الحارث بن مسلم عن أبيه مسلم.
وحديث أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الصبح قال:
" مرحبًا بالنهار الجديد، واليوم السعيد، وبالكرام الكاتبين يحصون أعمالنا،
ويكتبون كلامنا كتاب بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إني أشهدك، وأشهد
ملائكتك، وحملة عرشك، ورسلك وجميع خلقك بأتي أشهد أنّك الله لا إله
إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن كلّ معبود من لدن عرشك إلى قرار
أرضك باطل لا إله إلا الله له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت
بيده الخير وهو على كل شيء قدير ... " (2) . الحديث بطوله رواه أبو نعيم
الحافظ من حديث طريف بن سليمان وفيه كلام، ومن حديث زيد العمي:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/إذا قضى صلاته مسح جبينه بيده اليمنى، ثم يقول: بسم
الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم اللهم اذهب عني الغم والحزن " (3) ،
ومن حديث أبي الزهراء خادم أنس عنه: " من قال حين ينصرف من صلاته:
سبحان الله العظيم وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله ثلاث مرات قام مغفورا
له " (4) ، ومن حديث أبي المحجل عن ابن أخي أنس عنه قال: كان مقامي
بين كتفي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان إذا سلم قال: " اللهم اجعل خير عمري آخره
اللهم اجعل خواتيم عملي رضوانك، اللهم اجعل خير أيّامي يوم لقاك " قال:
وكان مقامي بين كتفي أبي بكر وعمر فكانا إذا سلما قالاها (5) ، ومن حديث
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/5079) ، والمشكاة (3396) ، والكنز (3533) .
قلت: وعلته إسحاق بن إبراهيم أبو النضر.
(2) ضعيف. المنثور (4/346) ، والكنز (4947) ، والخطيب (3/48) ، وابن عساكر في
" التاريخ " (4/255) .
(3) الكنز: (17915) .
(4) إتحاف (5/131) ، وابن السني (126) .
(5) إسناده ضعيف. كشف الخفاء (2154) ، وابن السني (118) ، والأذكار للنووي (69) ،
والمجمع (10/110) ، وقال: رواه الطبراني وفيه أبو مالك النخعي وهو ضعيف.(1/1574)
إبان بن أبي عامر عنه عند أبي القاسم في الأوسط: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوا
في دبر الصلوات اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع،
ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع، اللهم إني أعوذ بك من أولئك الأربع " (1)
وفي موضع آخر: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قضى صلاته وسلَّم مسح جبهته
اليمنى ثم يقول: بسم الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم اذهب
عنى الغم والحزن " (2) . وقال: لم يروه عن معاوية عن قره عن أنس إلا زيد
العمى تفرد به سلام الطويل. وحديث مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه
أبي مستحقة بن ربعي عن أبي زمل قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى
الصبح وهو ثاني رجله قال: " سبحان الله وبحمده واستغفر الله إن الله كان
توابا سبعين مرة، ثم يقول: سبعين بسبعمائة " (3) . وحديث سعيد بن راشد عن
الحسن بن ذكوان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: " من استغفر الله في دبر كلّ صلاة ثلاث مرات فقال: استغفر الله
الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت له ذنوبه وإن كان مرّ من
الزحف " (4) . وحديث إسرائيل عن أبي سنان عن الأحوص عن أبي مسعود
قال: قَال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قال: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي
__________
(1) صحيح. رواه مسلم (2088) ، والنسائي (8/284) ، وابن ماجة (ح/250) ، وأحمد (3/
383،255) ، والحاكم (4/53301،1) ، وابن حبان (2440) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/
325) ، والمجمع (1/1430) ، والكنز (3609، 366، 5105، 5113) ، والمسير (1/144) ،
والجوامع (9698، 10038) ، وإتحاف (5 / 83، 78) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/387) ،
والترغيب (1/124، 2/541) ، وابن أبي شيبة (10/، 186، 187، 188) ، والتمهيد (6/491) ،
والطبراني (1/531) ، وابن عدي في " الكامل " (2/680، 5/2782) .
(2) ضعيف جدا. رواه الطبراني في " الأوسط " (ص 451- زوائده نسخة الحرم المكي) ،
والخطيب (12/480) ، عن كثير بن سليم أبي سلمة. ورواه ابن السني (ح/110) ، وأبو نعيم
في الحلية (2/301) ، من طريق آخر وهو من هذا الطريق موضوع.
(3) المنثور (6/408) ، وابن كثير (7/494) ، والمجمع (7/183) ، وعزاه إلى الطبراني، وفيه:
سليمان بن عطاء القرشي وهو ضعيف.
(4) إسناده ضعيف. رواه ابن السني (ح/137) . وعمرو بن الحصين الذي في إسناده: متروك.(1/1575)
القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه، وإن كان فز من الزحف " (1) . ذكرها أبو
نعيم الحافظ، وفي لفظ عند غيره: " من قال بعد كل صلاة " (2) . وحديث
عبد الله بن عمرو بن العاص سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " خصلتان لا يحافظ
عليهما عبد في يوم وليلة إلا أدخله الله الجنة، وهما قليل يسير: يسبح العبد
في دبر كل صلاة عشرًا ويحمد عشرًا، ويهلل عشرًا ... " (3) الحديث. ذكره
أبو القاسم في الأوسط من حديث عطاء بن السائب عن أبيه عنه، وقال: لم
بروه عن زياد بن سعد عن أبان عن عطاء إلا زمعة تفرد به أبو قرة موسى بن
طارق. وحديث عبد الله بن مسعود قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى
أقبل علينا بوجهه كالقمر ليلة البدر ويقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز،
والكسل، والهرم، والذل، والصغار، والفواحش ما ظهر منها وما بطن " (4) .
رواه أبو نعيم بسند صحيح من حديث يحيى بن عمر الفراء. أنبأ أبو الأحوص
عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عنه. وحديث ابن عمر: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
لضبيعة فذكر حديثا فيه، ويقول حين يصلي الفجر: " سبحان الله العظيم
وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثلاث مرات يدفع الله عنك أربع: ثلاثا
عظام من البرص، والجنون، والعمان، والجزام، والفالج " (5) . الحديث رواه أيضًا
بسند فيه زفر بن سليمان وهو ضعيف. غريبه: الدثور جمع دثر/، وهو المال
الكثير ولا يُمَنى ولا يجمع وقيل بكسر الدال والباء الموحدة، والدثر يعني بفتح
__________
(1) رواه ابن سعد في " الطبقات ": (7/46) .
(2) جامع المسانيد: (2/603) .
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/5065) ، والمشكاة (2406) ، والمنثور (3/65) ، والترغيب (1/
413) ، والكنز (3447) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/28، 8/98) ، ومسلم (2079) ، والترمذي (ح/
3572) ، وأحمد (3/ 113، 117، 208، 214، 4/ 371) ، وأبو داود (ح/1545) ، والحاكم في
" المستدرك " (1/530) ، والطبراني في " الصغير " (1/114) ، والمشكاة (2460) والجوامع
(9707، 9752، 10018) ، وابن أبي شيبة (3/374، 10/ 186) ، والطبراني (5/ 227، 228) ،
وشرح السنة (5/157، 159) ، والأذكار (345) ، والتمهيد (6/66) ، والإرواء (3/357) .
(5) إسناده ضعيف. رواه ابن السني: (ح/133) . ورواه أحمد (5/60) ، وفيه رجل لم يسم،
وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10/114) ، وقال: رواه الطبراني وفيه نافع ابن هرمز
وهو ضعيف.(1/1576)
الدال وهو المال الكثير الذي لا يحصى كنزه فقال: مال دثر، ومالان دثر
وأموال دثر، وهذا لا أعرف، وقد كسر على دثور، وحكى أبو عمر المطرز أن
الدثر بالثاء يثنى ويجمع، وزعم بن قرقول: أنه وقع في رواية المروزي أهل
الدثور وهو تصحيف.(1/1577)
162- باب الانصراف من الصلاة
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن سماك عن قبيصة بن هلب
عن أبيه قال: " أمّنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان ينصرف عن جانبيه جميعا " (1) . هذا
حديث قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أبيه: ورواه عمرو بن قيس عن
سماك بلفظ: " كان ليسلم عن يمينه، وعن يساره " (2) . ولم يتابع عليه إنَّما
كان يفعل عن يمينه، وعن شماله، وقد سبق في باب وضع اليمن على
الشمال وأنَ جماعة صححوه. حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع وثنا أبو بكر
ابن خلاد ثنا يحيى بن سعيد قالا: ثنا الأعمق عن عمارة عن الأسود إن
عبد الله قال: " لا يجعل أحدكم للشيطان في نفسه جزاء برى أنّ حقًا لله
تعالى عليه أن لا ينصرف إلّا عن يمينه، قد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر انصرافه
عن يساره " (3) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما. حدثنا بشر بن هلال
الصواف ثنا يزيد بن زريع عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جدّه قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينفتل عن يمينه وعن يساره في
الصلاة " (4) . هذا حديث إسناده صحيح أبي عمرو، وقد تقدَّم الخلاف في
الاحتجاج بعمرو في أوائل الصلاة. حدثنا أبو بكر/بن أبي شيبة ثنا أحمد بن
عبد الملك بن واقد ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن هند بنت الحرث
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/929) ، وصححه الشيخ الألباني.
(2) تقدم، وهو حديث صحيح. رواه أبو داود (ح/996) ، والترمذي (ح/295) ، والنسائي
(3/61، 63) ، وأحمد (1/444، 5/390، 480) ، والطبراني (10/152، 153، 154) ، وشرح
السنة (3/205) ، وابن أبي شيبة (1/298) ، والكنز (22382) ، ومعاني (1/267) ، والمجمع
(2/146) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الآذان باب " 159 " ح/852) ومسلم في
(المسافرين، ح/59) ، وابن ماجة (ح/930) ، والدارمي (ح/1350) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/931) . في الزوائد: رجاله ثقات. احتج مسلم برواية ابن
شعيب عن أبيه عن جدها فالإسناد عنده صحيح.(1/1578)
عن أم سلمة قالت: لا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سلم قام النساء حتى بقضي
تسليمة ثم يلبث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم " (1) . هذا حديث خرجه
البخاري في صحيحه، وفي لفظ عنده: " كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن
بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". وفي الباب حديث أنس بن
مالك من عند مسلم قال: " أكسر هما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ينصرف عن
يمينه " (2) .، وفي لفظ: " لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام،
ولا بالانصراف فإنى أراكم أمامي " (3) ، وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد
سلامه، وقال أشهب: له أن ينِتقل من موضعه، وقال أبو حنيفة: كل صلاة
ينتقل بعدها يقوم ومالا نافلة بعده كالعصر والصبح لا يقوم، قال محمد:
ينتقل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا
غيره، وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعة.
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/212، 220) ، وابن ماجة (ح/932) ، وأحمد (6/296) ،
وإتحاف (3/209) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: المسافر، (ح/60) ،.
(3) رواه أحمد في " المسند " (3/154، 254) ، والكنز (20497) .(1/1579)
163- باب إذا حضرت الصلاة ووضع العشاء
حدثنا هشام بن عمار ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس بن مالك
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا
بالعشاء " (1) . هذا حديث خرجاه في الصحيح بلفظ: " إذا قدم العشاء
فأبدعوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم " (2) . وعند
البستي: " إذا قرب العشاء وأحدكم صائم فليبدأ به قبل صلاة المغرب، ولا
تعجلوا عن عشائكم " (3) . وفي لفظ: " فليبدأ/بالعشاء قبل صلاة المغرب ".
ولما ذكره الدارقطني قال: ولو لم تصح هذه الزيادة مكان مظن سببًا من قاعدة
الشرع إلا من حضور القلب في الصلاة والإقبال عليها، وفي الأوسط: لم
يقل فيه وأحدكم صائم إلا عمرو بن حرث تفرد به موسى بن أعين. حدثنا
أزهر بن مروان ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا وضح العشاء وأقيمت الصلاة فأبدعوا بالعشاء " (4) . قال
ابن عمر: ليلة وهو يسمع الإقامة: هذا حديث خرجاه أيضًا بلفظ: " ولا
تعجل حتى يفرغ منه ". وفي لفظ عند البخاري: " إذا كان أحدكم على
الطعام فلا يعجل حتى يفرغ منه " (5) . وفي لفظ عند البخاري: " إذا كان
أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت
الصلاة " (6) . حدثنا سهيل بن أبي سهل ثنا ابن عيينة وثنا على بن محمد ثنا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/933، 934) ، والخطيب (8/167، 11/18) ، ومشكل
(2/400، 401) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/141) ، وإتحاف (3/93) ، والفتح (2/
159) ، والحميدي (181) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/171) ، ونصب الراية (1/231) ، والخطيب (3/
72) ، وإتحاف (3/93) ، ومسلم في (المساجد، ح/64) ، وفي لفظ مسلم " إذا قرب ".
(3) رواه أحمد (2/148) ، وأبو عوانة (2/15) ، وعبد الرزاق (2189) ، والكنز (20045،
20058) ، والفتح (2/159) .
(4) الحاشية رقم " 1 " السابقة.
(5) صحيح. رواه البخاري (1/172) ، والبيهقي (4/269) ، ومشكل (2/401) .
(6) المصدر السابق.(1/1580)
وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا حضر
العشاء، وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء " (1) . هذا حديث خرجاه أيضا في
صحيحيهما، وفي البخاري، وقال أبو الدرداء: " من فقه المرء إقباله على
حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ " (2) . وفي الأوسط للطبراني عن أبي
هريرة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة فابدءوا
بالطعام " (3) ، وقال: لم يروه عن سهيل عن أبيه إلا زهير تفرد به إسماعيل بن
عمرو، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن أبي شيبة عن ابن علية عن ابن
إسحاق: ثنا عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
حضر/العَشاء وحضرت العِشاء فأبدعوا بالعَشاء " (4) . وعن هاشم/بن قاسم
عن أيوب بن عتبة عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدءوا بالعشاء " (5) . وقال الطبراني: لا
يروى عن سلمة إلّا بهذا الإسناد تفرد به أيوب، وفي المصنف عن عبد
الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا حضر العشاء
وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء " (6) وعن وكيع عن مسعر عن أبي عاصم عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/671) ، ومسلم في (المساجد ح / 64) ، والترمذي
(ح/353) ، والنسائي (2/111) ، وابن ماجة (ح/935) ، وأحمد (3/110، 231) ،
والدارس (ح/1280) ، وعبد الرزاق (167) ، وابن خزيمة (934، 1651) ، وشرح السنة (3/
355) ، ونصب الراية (2/101) ، ومشكل (2/401) ، والخطيب (8/101، 147) ،
وتلخيص (2/232) ، والحلية (8/212) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/157، 175) ،
والمجمع (2/36، وإتحاف (3/89، 93، 181) ، والتمهيد (6/320) ، وابن عدي في
" الكامل " (3/1157) .
(2) صحيح. رواه البخاري في: الأذان، باب " 42 ".
(3) تقدم قريبًا. (4) رواه ابن عدي: (1/345) ،.
(5) رواه أحمد (6/303، 314) ، والفتح (2/164) ، وأزهر (33) ، والكنز (20057) ،
وابن عدي في " الكامل " (2/486) .
(6) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/64) ، والترمذي (353) ، والنسائي (2/111) ، وأحمد (3/
110، 231) ، والدارمي (1/293) ، وعبد الرزاق (167) ، وابن خزيمة (934، 1651) ، وشرح السنة
(3/355) ، ونصب الراية (2/101) ، ومشكل (2/401) ، الخطيب (8 / 101، 147) ، وتلخيص
(2/232) ، والتمهيد (6/320) ، وابن عدي في " الكامل " (3/1157) .(1/1581)
يسار بن زهير قال: قال عمر بن الخطاب: " إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة
فابدءوا بالعشاء " قال ابن المنذر: قال فظاهر هذا (1) ابن عمر والنووي وأحمد
وإسحاق، وزاد القرطبي: وأبو الدرداء وابن حبيب المالكي، وزعم الثوري أنَّ
هذه الكراهة عند جمهور العلماء إذا صلى كذلك، وفي الوقت سعة فإن خاف
بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت،
ولا يجوز تأخيرها، وحكى المتولى وها أنه لا يصلى بحال بل يأكل وإن خرج
الوقت وإذا صلى على حاله، وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلواته
صحيحة عندنا وعند الجمهور ولكن يستحب إعادتها ولا يجب، وقال ابن
الجوزي: وهذا إنما ورد في حق الجائع الذي قد تاقت نفسه إلى الطعام، وقد
ظنّ قوم إن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الحق تعالى، وليس كذلك
فإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العبد في العبادة بقلب غير مشتاق له، وعن
ابن المنذر، قال مالك: يبدأ بالصلاة إلّا أن يكون طعامًا خفيفًا، وقال ابن حزم:
فرض على العبد البداءة بالأكل ولو خشى فوات الوقت، وزعم ابن حبان: أنه
من الأعذار التي يباح فيها ترك حضور الجماعة، فإن قيل: قد روى أبو داود/
عن جابر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره " (2) .
قيل له: هذا حديث ضعيف؛ لاًن في سنده محمد بن ميمون الزعفراني
ومعلى بن منصور وهما ضعيفان، وقال ابن شاهين: كل منهما له معنى إذا
وجبت لا تؤخر وإذا كان الوقت ضيقا بدأ بالعشاء.
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/3758) .(1/1582)
164- باب الجماعة في الليلة المظلمة الطيرة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن خالد الحذاء عن
أبي المليح قال: خرجت في ليلة مطيرة فلما رجعت استفتحت فقال لي: من
هذا؟ قال: أبو الملح، قال: لقد رأيتنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية
وأصابتنا سماءكم قبل أسافل نعالنا فادى منادى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلوا في
رحالكم " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، وكذلك
ابن خزيمة، وفي لفظ عند ابن خزيمة: أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يوم حنين في
يوم مطير ... " الحديث، وفي الأوسط: غزوت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا سنة
ثمان من رمضان فوافق يوم الجمعة يوم مطير فأمّ المنادى الحديث، وقال لم
يروه عن أبي معاوية العباداني يعني عن أبي المليح إلا علي بن الجعد، ومن
حديث أشعث بن سوار عن الحذاء عن أبي المليح: " لقد رأيتني مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمان الحديبية ... " الحديث، وقال: لم يروه عن أشعث إلّا عبد الرحيم بن
سليمان، ولم يذكر أشعث في حديثه أبي قلابة، ورواه الثوري عن خالد عن
أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه. حدثنا/ْ محمد بن الصباح ابنا سفيان بن
عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادى
مناديه في الليلة المطيرة والليلة الباردة ذات الريح: ". صلوا في رحالكم " (2) .
هذا حديث خرجاه في صحيحهما، وعن ابن القطان بسند صحيح: إذا كانت
الليلة الباردة المطيرة أهر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منادي أن ينادى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لا جماعة صلوا في الرحال صلوا في الرحال "، وعند أبي حذيفة: فكانت
ليلة ظلماء أو مطيرة، وفي لفظ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا سافر ". حدثنا
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود في (الجمعة، باب " لم " والنسائي في (الإيمان، باب " 51 ") ، وابن
ماجة (ح / 936، 938) ، وأحمد (1/277، " / 4، 3/71، 158) ، والطبراني (1/155،
5/277، 11/942) ، والمجمع (2/47) ، وابن أبي شيبة (2/233) ، وابن سعد (2/1/76) ،
والطبراني في " الصغير " (1/228) ، والفتح (2/113) ، وعبد الرزاق (1903، 1924
و1926) ، وابن حبان (439) ، والإرواء (2/339، 343) .
(2) الحديث الأول من الباب.(1/1583)
عبد الرحمن بن عبد الوهاب ثنا الضحاك بن مخلد عن عباد بن منصور
سمعت عطاء يحدّث عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال في يوم جمعة
مطيرة: " صلوا في رحالكم " هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: أن
ابن عباس قال للمؤذن في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله،
فلا تقل حي على الصلاة: " صلوا في بيوتكم " (1) . قال فكأن الناس استنكروا
ذلك، فقال: أتعجبون من ذلك فقد فعل هذا من هو خير مني، إن الجمعة
عرفة وإنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والرحض، وهو عند ابن
ماجة أيضًا بنحوه من حديثه عن أحمد بن عبدة. ثنا عباد المهلبي ثنا عاصم
عن عبد الله بن الحرث بن نوفل عنه، وفي لفظ: " قد فعله من هو خير مني "
يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي رواية عند مسلم: " أذّن مؤذن ابن عباس يوم الجمعة
في يوم مطير "، وفي الباب حديث جابر عن عبد الله من عند مسلم: خرجنا
مع رسول الله / في سفر فمطرنا فقال: " يصلى من شاء منكم في رحله " (2) .
وحديث نعيم النحام قال: سمعت مؤذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة باردة، وأنا في
لحافي فتمنيت أن يقول: صلوا في رحالكم فلما بلغ حي على الفلاح قال:
" صلوا في رحالكم " (3) ، ثم سألت عنها فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمره بذلك.
وحديث سمرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم حنين في يوم مطير: " الصلاة في
الرحال " (4) ، رواهما أحمد في مسنده. وحديث أبي هريرة قال: " كان
__________
(1) صحيح. أورده الألباني في " الصحيحة " (ح/1910) ، والمذكور في " الفنن " طرفا منه.
وعزاه بلى مسلم (2/187) ، وأحمد (2/ 6، 123) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 40 ") ، ومسلم في (المسافرين
ح/25) ، والترمذي (ح/409) ، وقال: هذا حديث حسن صحيِح. وأحمد (3/
312، 327، 397، 5/ 62) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/47) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في
" الكبير " وقال: رواه إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وروايته عن
أهل الحجاز مردودة، ورواه الطبراني من طريق آخر رجالها رجال الصحيح.
(4) رواه أحمد (2/63، 5/13، 15، 19، 22، 74، 75) ، والطبراني (7/241) ، وابن سعد (7/
30) وابن أبي شيبة (2/234) ، وابن خزيمة (1658) ، والفتح (157،2/97) ، والمجمع (2/
47)(1/1584)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذَّن الأذان الأول،
فإذا فرغ نادى الصلاة في الرحال أو في رحالكم ". رواه أبو أحمد بن عدي
من جهة محمد بن جابر وفيه ضعيف. وحديث أبي سعيد الخدري من عند
ابن خزيمة في حديث طويل ذكره في باب الأعذار عن التخلف عن الجماعة
فيه قال: " ثم هاجت السماء في تلك الليلة فلما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقت
برقة فرأى قتادة بن النعمان قال: " ما اليسرى يا قتادة " قال: علمت يا
رسول الله إنَّ شاهد الصلاة الليلة قليل فأحببت أن أشهدها ... " (1) ، الحديث.
وحديث غسان بن مالك وكان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في
بيتي في مكان اتخذه مصلى فجاءه فقال: " أين تحب أن أصلي ... " (2) .
الحديث ذكره البخاري في باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلى في رحله،
وذكر ابن بطال وغيره: أن فيه إباحة التخلّف عن الجماعة في شدة الظلمة
والمطر وشبهه، وهذا / إجماع، وفيه دلالة أنّ الجماعة سنة والله تعالى أعلم.
(1) لم نقف عليه.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 115، 116، 170، 175، 213، 2/ 75، 7/ 94)
ومسلم في (المساجد، ح/263) ، والنسائي (3/65 " والبيهقي (3/53، 71، 87، 96، 10/
124) ، وابن خزيمة (1673،1653، 1709) ، وشرح السنة (2/395) ، والتمهيد (1/1580) ،
وأبو عوانة (1/11، 2/12)(1/1585)
165- باب ما يستر المصلى
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا عمرو بن عبيد عن سماك بن حرب
عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: كنا نصلى والدواب تمر بين أيدينا فذكر
ذاكر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " مثل مؤخرة الرجل يكون بين يدي أحدكم
فلا يضرّه من مرّ بين يديه " (1) . هذا حديث خرجه مسلم بلفظ: " إذا وضع
أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرجل فليصل ولا يبال من مرّ من وراء
ذلك " (2) . وفي العلل لعبد الرحمن: قال أبو زرعة: رواه إسحاق الأزرق عن
شريك عن عثمان بن موهب عن موسى قال: وحديث سماك أشبه من حديث
عثمان إلا أن يكون رواه عنهما جميعًا. حدثنا محمد بن الصباح ثنا عبد
الله بن رجاء المكي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: " كان رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج له حربة في السفر فينصبها فيصلى إليها " (3) . هذا حديث
خرجاه في صحيحيهما بزيادة: " والناس ورآها، وكان يفعل ذلك في السفر
فمن ثم اتخذها الأمراء " وفي لفظ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يعرض راحلة
فيصلى إليها " (4) . قيل لها لابن عمر أفرأيت إذا هبت الركاب، قال: " كان
يأخذ الرجل فيعد له فيصلى إلى أخريه أو قال مؤخرة، وكان ابن عمر يفعله ".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر قال:
حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة: " كان لرسول الله
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/940) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/241) ، والبيهقي (2/269) ، وشرح السنة (2/
449) ، والمشكاة (775) ، والكنز (7/192) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 92،90 ") ، ومسلم في
(العيدين، ح/13، 14، والصلاة، ح/245، 246) ، وأبو داود في (الصلاة، باب " 101 ") ،
والنسائي في (القبلة، باب " 4 ") ، وابن ماجة (ح/941) ، وأحمد (18،2/13، 142) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/135) ، ومسلم في (الصلاة، ح/247) ، وأحمد
(2/141) ، والبيهقي (2/269) ، وأبو عوانة (2/51) ، والمشكاة (774) .(1/1586)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصير يبسطه/بالنهار ويحتجره بالليل يصلى إليه " (1) . هذا حديث
خرجاه أيضًا في كتابيهما، وعند النسائي بسند صحيح: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
غزوة تبوك عن سترة المصلى فقال: " مثل مؤخرة الرجل " (2) . حدثنا بكر بن
خلف أبو بشر ثنا حميد بن الأسود ثنا إسماعيل بن أمية ح وثنا عمار بن
خالد ثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن ابن عمرو بن محمد بن
عمرو بن حريث عن جدّه حريث بن سليم عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
قال: " إذا صلى أحدكم فيجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجده فلينصب
عصا، فإن لم يجد فليخط خطًا ثم لا يضره من مرَ بين يديه " (3) . هذا
حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، وصححه أيضًا الإِمام أحمد بن
حنبل وابن المديني فيما ذكره عبد الحق، ويشبه أن يكون لما ذكره الخلال في
علله، قال أحمد: الخط ضعيف وأنا أرى من صلى في فضاء أجزأه، قيل له
بأي حديث: قال بحديث ليس بذاك. ثنا شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجرار
عن صهيب رجل من أهل البصرة عن ابن عباس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في
فضاء ليس بين يديه سترة " (4) ، ورواه الحاكم عن يحيى عن ابن عباس لم
يذكر صهيبا، وقال أبو حاتم في العلل: هذا زاد رجلا وهذا ينقص رجلا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/186) ، ومسلم في (صلاة المسافرين، ح/
215) ، وابن ماجة (ح/942) ، وأصفهان (1/298) .
(2) إسناده صحيح. ورواه النسائي (2/62) ، ومسلم في (الصلاة، ح/242) ، وابن ماجة (ح/940) .
مؤخرة الرجل: الخشبة التي يستند إليها راكب البعير.
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/689) ، وابن ماجة (ح/943) ، وأحمد (2/249) ، والبيهقي
(2/270) ، وشرح السنة (2/451) ، والمشكاة (781) ، ونصب الراية (2/80) ، والعلل (534) ،
وتلخيص (1/286) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/190) ، وابن حبان (408،407) ، والميزان
(1791) ، والكنز (19213) ، والتمهيد (199) ، وضعيف ابن ماجة (ح/196) ، وضعيف أبي
داود (ح/196) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/718) ، وتمام لفظه: " أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في بادية لنا
ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثنا بين يديه، فما
بالى ذلك ".(1/1587)
وكلاهما صحيح، وزعم الدارقطني أنه روى عن أبي هريرة من طرق، قال:
ولا يصح، ولا يثبت، وفال ابن عيينة: لم نجد شيئًا نشد به هذا الحديث ولم
يجيء إلا من هذا الوجه، وكان إسماعيل بن أمية إذا حدث به قال: عندكم
بشيء لتشدوا به، وقال: أشار الشَافعي إلى ضعفه بقوله/في سنن حرملة، ولا
يخط المصلى بين يديه خطا إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت يتبع، قال
البيهقي: وإنما توقف الشَّافعي في صحة الحديث لاختلاف الرواة على إسماعيل
في أبي محمد بن عمرو بن حرب، قيل: هكذا، ونقل عن أبي عمرو وابن
محمد بن حريث عن جدّه، وقيل: عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه وقيل
عن ذلك، قال البيهقي: ولا بأس به في هذا مثل الحكم، وقال أبو داود:
سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة، فقال: هكذا أعرضا
مثل الهلال، قال أبو داود: سمعت مسددَا يقول: قال ابن داود: الخط بالطول.
وقال ابن عيينة: رأيت شريكا صلى بنا في جنازة العصر موضع قلنسوته
بين يديه يعني في فريضة حضرت، وقال سفيان: عدم هنا رجل بعدما مات
إسماعيل فطلب هذا الشيخ أبا محمد حتى وجده فسأله عنه فاختلط عليه،
وقيل لسفيان: إنّهم يختلفون فيه فقلت: ساعة، ثم قال: ما أحفظ إلّا أبا
محمد بن عمرو، وقال أبو بكر بن العربي: وقال قوم: رأينا أحمد يُحدِّث أبي
هريرة في الخط، واختلفوا في صورة الخط فمنهم من قال: يكون متقوسا
كهيئة محاربنا ومنهم من قال: يكون طولًا من المشرق إلى المغرب، ومنهم
من قال من الشمال إلى الجنوب، وهذا الحديث لو صحّ لقلنا إلَّا أنه معلول فلا
معنى للنصب فيه. وقال لي أبو الوفا بن عقيل، وأبو سعيد البزداني شيخا
مذهب أحمد: يرى أنّ ضعيف الأثر خير من قوي النظر انتهى.
وممن قال به أيضًا: الأوزاعي، وسعيد بن جبير، وأبو ثور، ومسدد وقال
الطحاوي: أبو عمرو، وعمر مجهولان، وفي كتاب التمهيد قال مالك والليث
وأبو حنيفة وأصحابه: الخط ليس بشيء وهو باطل، وفي الباب حديث سبرة/(1/1588)
ابن معبد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته " (1) .
ذكره الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وأبيِ ذلك ابن القطان وردّه
بعيد الملك بن الربيع. وحديث سهل بن أبي خيثمة من عند أبي داود: " إذا
صلى أحدكم إلى سترة فليدنوا منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته " (2) ، وقال:
رواه واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد بن
سهل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال بعضهم عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد:
وقد اختلف في إسناده، وفي لفظ عنده عن سهل: " كان بين مقام النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين القبلة ممر عنز " (3) وعند الحاكم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا:
" يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرجل، ولم يدق شعرة " (4) . وسيأتي ذكره
من عند مسلم أيضا إن شاء الله تعالى، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل
ثنا مسعر عن الوليد بن أبي مالك عن أبي عبيد انتهى به أبي هريرة قال: يتم
المصلى مثل مؤخرة الرجل في مثل جلة السوط، قال أبو بكر: جلة السوط
غلظة، وثنا سفيان عن أبي إسحاق قال: ْ أخبرني المهلب بن أبي صغيرة قال:
أخبرني من سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان بينك وبن الطريق مثل مؤخر
الرجل لم يضرّك من مر بين يديك " (5) وثنا أبو خلدة، قال: قلت لأبي
__________
(1) رواه الحاكم: (1/251) .
(2) رواه أبو داود (ح/695) ، وأحمد (2/4) ، والنسائي (2/62) ، والبيهقي (2/272) ،
والطبراني (2/119، 146، 251) ، والمشكاة (782) ، ونسب الراية (2/82) ، وابن حبان
(409) ، والبخاري في " الكبير " (7/290) ، ومشكل (3/251) ، والحلية (3/165) ، والمجمع
(2/59) ، والكنز (19210، 19226) ، والتمهيد (4/195) ، والعقيلي (4/196) . قال أبو
داود عقبة: رواه واقد بن محمد بن صفوان عن محمد بن سهل عن أبيه أو عن محمد بن
سهل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعضهم: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد، واختلف في إسناده.
(3) رواه أبو داود (ح/696) .
(4) رواه الحاكم (1/252) ، والكنز (19232) ، وابن عدي في " الكامل " (6/2254) .
(5) رواه عبد الرزاق (2276) ، والكنز (19229) .(1/1589)
العالية: ما يسترتي قال: طول الرجل والعرض ما اعرض (1) . وحديث أبي
جحيفة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى هم بالبطحاء، وبين يديه عنزة الظهر والعصر
ركعتين تمر بين يديه المرأة والحمار " (2) . رواه الشيخان في صحيحيهما، وقال
مالك: يجزئ المصلي لم من السترة غلظ الرمح والعصا وارتفاع ذلك قدر
عظم الذراع، ولا تعتد صلاة من صلى إلى غير سترة، وإن كان مكروهًا وهو
قول الشَافعي، وقال أبو حنيفة، والثوري: أقل السترة قدر مؤخرة الرجل،
ويكون ارتفاعها ذراعا وهو قول عطاء، قال أبو عمرو، قال قتادة: ذراع وستر،
وكان الشافعي بالعراق يقول: بالخط، وأبى ذلك بمصر قال: إلا أن يكون من
ذلك حديث ثابت فيتبع، والله أعلم.
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/499) ، ومسلم في (الصلاة، ح/503) ، وأبو
داود (ح/688) ، والنسائي في (الطهارة، باب الانتفاع بفضل الوضوء) ، والدارمي (ح/
1490) ، وأحمد (4/ 307، 308، 309)(1/1590)
166- باب المرور ببن يدي المصلى
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن بشر بن
سعيد قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأنه عن المرور بين يدي المصلى،
فأخبرني عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لاًن يقوم أربعن خير له من أن يمر بين
يديه " (1) . قال سفيان: فلا أدري أربعين سنة، أو شهرَا، أو صباحَا، أو ساعة.
هذا حديث قال أبو عمر في التمهيد: رواه ابن عيينة مقلوبَا فجعل في موضع
زيد أبا جهيم زيد، والقول عندنا قول مالك، وقد تابعه الثوري وغيره، ولما
ذكر ابن القطان رواية البزار عن شبر، قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد
أسأله عن الماء قال: قد خطىء فيه ابن عيينة، وليس خطىء بمتعين لاحتمال أن
يكون أبو جهيم بعث بشر إلى زيد، وزيد بعثه إلى أبي جهيم يسأله فيما
عنده، وخبر كلِّ واحد منهما محفوظ فشكً أحدهما، وجزم الآخر بأربعين
خريفَا يعني الذي في حديث البزار، واجتمع ذلك كلّه عند أبي النضر. قال
ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع بن سفيان عن سالم عن بشر بن
سعيد أن زيد بن خالد أرسل/إلى أبي جهيم يسأله ما سمعت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " لو يعلم أحدكم ماله أن يمر بين يدي أخيه، وهو يصلي كان لأن
يقف أربعين، قال: لا أدري أربعين عاما، أو أربعن شهرَا، أو أربعين يومَا، خير
له من ذلك " (2) . هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم. حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن عمه
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم أحدكم ماله من أن يمر
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/944) ، وأحمد (4/117) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/136) ، ومسلم في (الصلاة، ح/261) ، وأبو
داود (ح/701) ، والترمذي (ح/336) ، والنسائي في (القبلة، باب " 8 ") ، وأحمد (4/169) ،
والبيهقي (2/268) ، والمجمع (2/61) ، والمشكاة (776) ، وأبو عوانة (2/44) ، وحبيب (1/
50) ، وتلخيص (1/286) ، وشرح السنة (2/454) ، والترغيب (1/376) ، وتجريد (140) ،
والمغني عن حمل الأسفار (1/183) ، والموطأ (154) .(1/1591)
بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان، لأن يقيم مائة عام خير له من الخطوة
التي خطاها " (1) . هذا حديث إسناده صحيح على رسم البستي عبد الله بن
عبد الرحمن، وثقة يحيى في رواية إسحاق، وذكره ابن حبان وابن شاهين في
الثقات، وخرج حديثه في صحيحه، وقال ابن عدي: حسن الحديث، يكتب
حديثه، وقال الرازي: صالح الحديث، وعمه عبيد الله بن عبد الله بن موهب
أبو يحيى التيمي، ذكره ابن حبان البستي في كتاب الثقات، وزعم
الطحاوي: أن حديث أبي هريرة هذا متأخّر عن حديث أبي جهيم، قال:
وأولى الأشياء منّا أن نظنه بالله تعالى للزيادة في الوعيد للعاصي المار بين
المصلى لا التخفيف، وفي الباب حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الذي يمر بين يدي المصلى عمدا يتمنى يوم القيامة
أنه شجرة بالية " (2) . ذكره أبو القاسم في الأوسط، وقال: لا يروى هذا
الحديث عن عبد الله بن عمرو، تفرد به ابن وهب، يعني عن عبد الله بن
عياش عن أبي رزين الغافقي عنه، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم: ثنا سليمان
أظنه/عن حميد بن هلال قال: فال عمر بن الخطاب: " لو يعلم المصلى ما
ينقص من صلاته، ما صلى أحدكم إلا إلى شيء يستره من الناس " (3) ، وفي
المصنف عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد العزيز، قال عليه السلام: " لو
يعلم المار بين يدي المصلى لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه " (4) .
وعن ابن مسعود: " المار بين يدي انقص من الممر عليه، وكان إذا مر أحد
بين يديه التزمه حتى يروه ويقول: أنه ليقطع نصف صلاة المرء
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/946) . في الزوائد: في إسناده مقال؛ لأن عم عبيد الله بن
عبد الرحمن، اسمه عبيد الله بن عبد الله، قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. ولكن ابن
حبان خص ضعف أحاديثه بما إذا روى عنه ابنه. والمشكاة (787) ، والتعليق الرغيب (1/
194،193) ، وصحيح أبي داود (698/ تحت الحديث الذي قبله) ، وضعيف ابن ماجة (ح/
197) .
(2) رواه الطبراني في " الأوسط ": (1/150) .
(3) لم نقف عليه.
(4) رواه ابن أبي شيبة: (1/282) .(1/1592)
المار بين يديه ". قسم بعض الفقهاء المرور بين يدي المصلى على أربع صور:
الأول: أن يكون للمار من وجه من أن يمر بين يدي المصلى، ولم يتعرض
المصلى كذلك قالا: ثم في هذا خاص بالمار. الثاني: يكون المصلى قد تعرض
للمرور المار ليس له مندوحة عن المرور قالا: ثم خاص في هذا بالمصلى.
الثالث: أن يتعرض المصلى للمرور، ويكون للمار مندوحة فيأثمان. الرابع: أن
لا يتعرض المصلى ولا يكون للمار مندوحة فلا إثم عليهما، وهذا كله إنّما يأثم
مرتكبيه مع العلم بالنهى لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم المار ".(1/1593)
167- باب ما يقطع الصلاة
حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
عن عبد الله بن عباس قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بعرفة فجئت أنا
والفضل على أتان فمررنا على بعض الصف فنزلنا عنها وتركناها ثم دخلنا في
الصف فنزلنا عنها " (1) . هذا حديث خرجه الستة، وعند أبي داود عن ابن
عباس بسند صحيح: " جئت أنا وغلام من بنى عبد المطلب على حمار،
ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/يصلي، فنزلنا وتركنا الحمار أمام الصف فما بالاه، وجاءت
جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا، فأخذهما فنزع أحديهما من الأخرى فما
بالا ذلك " وعند النسائي: " فأخذتا بركبتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففرغ بينهما ولم
ينصرف ". وفي لفظ: " فلم يقل لفظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا ". وفي لفظ
لمسلم: " وفي لفظ آخر في حجة الوداع أو يوم الفتح، وعند البخاري: " إلى
غير جدار " وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال: " كان الفضل
يكرمني فكان يردفني فأكون بين يديه فارتدفت أنا وأخي حمارة، فانتهينا إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي بالناس بعرفة، فنزلنا بين يديه فصلينا، وتركاه يرعى بين
يديه فلم يقطع صلاته " (2) . وقال: لم يروه عن الحكم عن مجاهد إلا
إسماعيل بن مسلم، وعنده أيضًا: " ومما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، والحمر
تعترك بين يديه ". وقالا: لا نعلمه يروى إلا عن ابن عباس، وروى عنه من
غير وجه بألفاظ مختلفة، وعند ابن خزيمة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي
بالناس (3) ، فجاءت جاريتان من بنى عبد المطلب اقتتلتا ففرغ النبي بينهما ثم ما
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (العلم، باب " 18 "،، والصلاة، باب " 9 "،
والأذان، باب " 161 ") ، ومسلم في (الصلاة، ح/254) ، وأبو داود في (الصلاة، باب
" 112 ") ، والنسائي في (القبلة، باب " 7 ") ، ومالك في (السفر، ح/38) ، وأحمد (1/
219، 464، 327، 342، 365) .
الأتان: الأنثى من جنس الحمير.
(2) قوله: " صلاته " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) قوله: " بالناس " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.(1/1594)
قالا ذلك "، وقال أبو داود: " فنزع إحداهما من الأخرى " (1) . حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن قيس هو قاضى
عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن أمه عن أم سلمة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلى في حجرة أم سلمة فمرَّ بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة، فقال
بيده فرجع، فمرَّت زينب بنت أم سلمة، فقال بيده هكذى، فمضت، فلما
صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: هذا غلب " (2) هذا حديث/قال ابن الحصار في
كتابه تقريب المدارك: صححه شيخنا أبو محمد عبد الحق، وعاب أبو
الحسن بن القطان عليه سكوته عنه، أورده في مصنف وكيع، وقال: أم محمد
لا تعرف ألبتة، فأمّا ابنها فإني لا أعرف من هو من جماعة مسمين بهذا
الاسم، وهي هذه الطبقة فالحديث على هذا ضعيف انتهى كلامه، وفيه نظر؛
من حيث قوله في محمد لا أعرف من هو؛ لما بيّنه ابن ماجة من أنّه قاضى
عمر بن عبد العزيز أبو عثمان، وقيل: أبو نعيم، وقيل: أبو أيوب الزيات المدني
مولى يعقوب القطيعي ووالد يحيى المكني بأبي زكير، روى عن جماعة من
الصحابة وغيرهم، وروى عنه حميد الطويل، وابن إسحاق، وسليمان التيمي،
والليث بن سعد، وابنه يحيى بن محمد لي جرير بن قيس، وعثمان بن عمر بن
فارس، وأبو عامر العقدي، وحماد بن سلمة، وزيد بن حبان، والحكم بن عبد
الله الأيلي، وأبو معشر، ومندل، وعبد العزيز بن عياش، وسعيد بن عبد
الرحمن وغيرهم، وقال يعقوب بن سفيان: هو عندي ثقة متقن روى له مسلم
في صحيحه، واستشهد به البخاري. حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي ثنا
يحيى بن سعيد ثنا شعبة عن قتادة ثنا جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض " (3) . هذا حديث
__________
(1) رواه أبو داود (ح/717)
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/948) . في الزوائد: في إسناده ضعف. ووقع في بعض
النسخ عن أمه بدل عن أبيه. وكلاهما لا يعرف.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/198) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/703) ، ورواه البيهقي (2/275) ، وأحمد (2/425، 5/
164، 6/230) ، والطبراني (2/161، 12/181) ، وعبد الرزاق (2348) ، والمجروحين (1/
215) ، والعلل (204) ، وابن حبان (411) ، ومعاني (1/458) ، وابن عدي في " الكامل " =(1/1595)
قال الأثرم فيه عن أحمد: ثنا يحيى قال: رفعه شعبة، وهشام لم يرفعه، وكان
هشام حافظَا أحفظ من معمر، وقال أبو داود: رفعه شعبة ووقفه سعيد
وهشام، وهمام عن قتادة عن ابن عباس انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره أبو
محمد بن حزم، وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة
سمعت/جابر بن زيد قال: قال ابن عباس: " يقطع الصلاة ... "، فذكره
موقوفا، ومن طريق الحجاج بن المنهال، أنبأ ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي
يزيد سمع ابن عباس به موقوفَا أيضَا وقال: وهذان إسنادان لا يوجد صحيح
منهما، وعند أبي داود: " صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فضاء ليس بين يديه
شيء " (1) ، وعنده أيضا من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن يحيى عن
عكرمة عن ابن عباس قال: أحسبه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا صلى
أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته: الحمار، والخنزير، واليهودي،
والمجوسي، والمرأة، ويحذبني عنه إذا مروا بين يديه على قيد آخر الرجل " (2) .
قال أبو داود: وفي نفسي من هذا الحديث إذا كنت رأيت إبراهيم وغيره فلم
أر أحدا أجابه عن هشام، ولا يرفعه، ولا أر أحدَا يحدّث به عن هشام واجب
الوهم من ابن أبي ثميلة، والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه على قذفة بحجر،
وذكر الخنزير وفيه نكارة لم أتسمع هذا الحديث إلا من ابن أبي ثميلة وأحسبه
وهم؛ لأنه كان يحدثنا من حفظه، ورواه هذا عثمان عن همام عن قتادة عن
صالح أبي خليل عن جابر بن زيد عن ابن عباس انتهى، وهو غير مؤثر في
الانقطاع؛ لأن ابن ماجة ذكر عن قتادة تصريحه بسماعه له من جابر فيحمل
هذا على أنّه سمعه عنه أولَا ثم سمعه منه، والله أعلم. وزعم ابن القطان: أن
علّة بادية، وهى الشكّ في رفعه فلا يجوز أن يقال أنّه مرفوع ورواته تاركين،
وأمَّا سنده فليس فيه متكلم فيه، وقد جاء هذا الخبر يذكر أربعة فقط عن ابن
عباس موقوفَا بسند جيّد، قال البزار: ثنا ابن جني ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن
قتادة قال: قلت/لجابر بن زيد: ما يقطع الصلاة قال: قال ابن عباس:
لا الكلب الأسود، والمرأة الحائض " (3) . قال: قلت. قد كان يذكر الثالث قال:
__________
= (2/576، 5/2021، 7/2591، 6/2426)
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/718) . ص 1587
(2) رواه أبو داود (ح/702) .
(3) المصدر السابق.(1/1596)
ما هو، قلت: الحمار، قال: رويدك الحمار، قال: قلت: قد كان يذكر الرابع
قال: ما هو؟ قال: العلج الكافر، قال: إن استطعت ألَّا يمرّ بين يديك كافر ولا
مسلم فافعل انتهى كلامه، ولقائل أن يقول باللفظ الثاني ليس فيه ما يدل أن
جابرًا رواه له عن عبد الله كالذين قبل إنما قال: رويدك يعني أصبر وهو
أصلها، ولم يبيِّن له بعد الصبر ما الأمر، والله تعالى أعلم. وفي العلل لعبد
الرحمن سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبيس بن ميمونة عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يقطع الصلاة
الكلب، والحمار، واليهودي، والنصراني، والمجوسي، والخنزير " (1) . فقال أبو
زرعة: هذا حديث منكر، وعبيس شيخ ضعيف الحديث. حدثنا زيد بن أخرم
الطائي أبو طالب، ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفي عن
سعيد بن هشام عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة: المرأة،
والكلب، والحمار " (2) . هذا حديث خرجه مسلم بزيادة، وبقى ذلك مثل
مؤخرة الرجل. حدثنا جميل بن الحسن عبد الأعلى، ثنا سعيد عن قتادة عن
الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة: المرأة
والكلب، والحمار " (3) . هذا حديث إسناده صحيح متصل. حدثنا محمد بن
بشارتنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حميد بن بلال عن عبد الله بن
الصامت عن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقطع الصلاة إذا لم يكن بين
يدي الرجل مثل مؤخرة الرجل/والمرأة، والحمار، والكنب الأسود شيطان " (4) .
هذا حديث رواه مسلم في صحيحه، وقال الشافعي في الجواب عن هذا فيما
حكاه البيهقي، ولا يجوز إذ روى حديث واحد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) الحاشية السابقة وهي: رواه أبي داود (ح/703) ، والمعاني (1/458) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/266) ، وأحمد (4/86، 5/57) ، والبيهقي (2/
274) ، ونصب الراية (2/78، 81) ، والكنز (19221، 19222) ، وابن كثير (1/3/29،30) ،
والقرطبي (14/331) ، والعلل (507، 606) ، والمعاني (1/458) .
(3) الحاشية السابقة.
(4) رواه مسلم في: الصلاة، (ح/265) .
قوله: " الكلب الأسود شيطان " سمى شيطانا لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعا وأكثرها
نعاسا.(1/1597)
" يقطع الصلاة ... "، فذكره، وكان مخالفًا هذه الأحاديث، وكان كلّ واحد
منهما أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن إنَّ متبرك إن كان ثانيًا إلّا بأن يكون
منسوخًا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى يعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، ويراد
بأن يكون غرِ محفوظ، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى وعائشة
بينه وبين القبلة، وصلى وهو حائل أمامه، ولو كان ذلك يقطع الصلاة لم
يفعل واحدًا من الأمرين، وصلى إلى غير سترة، وكل واحد من هذين الحديثين
يرد ذلك الحديث، وقد قضى الله تعالى أنه لا يزر وازرة وزر أخرى والله
أعلم. يدل على أنَّه لا يبطل عمل رجل عمل غيره، وأن يكون سعى كل
لنفسه، وعليها، فلما كان هذا كذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة
غيره، قال البيهقي: حديث أبي ذر صحيح إسناده، ونحن نحتج بأمثاله في
الفقهيات، وإن كان البخاري لا يحتج بدون شواهد عن أبي هريرة وابن عباس
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتغل- يعني: الشافعي- بتأويله في رواية حرملة وهو به
أحسن، فقال في حديث: " يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار " قال:
يقطع عن الذكر الشغل ما، والالتفات إليها؛ لأنها تفسد الصلاة، وذكر معناه
في سن حرملة، وقواه واحتج بحديث عائشة، وابن عباس والذي/يدلّ على
صحة هذا التأويل؛ أنَّ ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة، بذلك روى عنه أنه
حمله على الكراهة، وذلك فيما رواه سماك عن عكرمة فقيل لابن عباس:
أيقطع الصلاة المرأة، والكلب، والحمار فقال: (إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه) (1) فما يقطع هذا ولكن يكره، وفي كتاب أبي نعيم
الفضل: ثنا ابن عيينة عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: " ادرءا عن
صلاتكم ما استطعتم، وأشد ما يبقى عليها الكلاب " (2) . وثنا ابن عيينة عن
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: " الكلب الأسود البهيم الشيطان، وهو يقطع
__________
(1) سورة فاطر آية: 10.
(2) بنحوه. رواه أبو داود (ح/720) ، والبيهقي (2/278) ، والتمهيد (4/190) . ولفظه:
" عن أني الوداك قال: مرَ شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري وهو يصلى فدفعه، ثم
عاد فدفعه، ثلاث مرات، فلما انصرف قال: إنّ الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادرؤا ما استطعتم فإنه شيطان " قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن رسول القه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده ".(1/1598)
الصلاة ". وعن ابن طاوس قال: كان أبي يسنده في الكلاب. ثنا ابن عيينة
عن أيوب عن بكر المزي! أنّ ابن عمر أعاد ركعة من كل مر بين يديه ".
قال البيهقي: وروينا عن عثمان، وعلي، وابن عمر، وعائشة وغيرهم: " لا
يقطع الصلاة بشيء مما يمر بين يدي المصلي " (1) . انتهى في كتاب أبي نعيم
عن سعد بن أبي وقاص لذلك، وكذلك هو أيضا عن الحسن، وحذيفة بن
اليمان، وعطاء، وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عمرو بن العاص، والشعبي،
قال: ثنا يونس عن مجاهد عن عائشة أنها قالت: " لا يقطع صلاة المسلم إلا
الهر الأسود، والكلب البهيم " (2) . انتهى. وفي هذا ردّ لما ذكره البيهقي،
وقال الطحاوي: أجمعوا أن مرور بنى آدم بعضهم ببعض لا يقطع الصلاة،
وروى ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه من حديث عائشة وأم سلمة
وميمونة: " أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي، وكلّ واحدة منهن معترضة بينه وبين
القبلة " (3) . وكلها ثابتة، وقد أفتى ابن عمر: " أنّ الصلاة لا يقطعها شيء ".
وقد روى عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمصلى " ردّ ما مر بين يديه/ ". قال أبو جعفر:
فدلّ ذلك على ثبوت نسخ عنه عليه الصلاة والسلام على وجه الكراهة،
وقال في المشكل: وأما حديث المطلب بن أبي وداعة قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مما يلي باب بنى سهم، والنَّاس يمرون بين يديه، وليس بينه وبن الطواف
سترة ". فليس مخالفا لما روى من النهى عن المرور بين يدي المصلي؛ لأنّه إنما
هو في الصلاة إلى الكعبة ومعانيها، والنهي عن المرور بين يدي المصلي إنّما هو
فيمن يتحرى الصلاة في الكعبة إذا غاب عنها، وزعم ابن شاهين: أنه ناسخ
__________
(1) رواه البيهقي (2/278، 279) ، والطبراني (18/93) ، والدارقطني (1/367، 368) ، وابن
أبي شيبة (1/280) ، والتمهيد (4/190) ، ونصب الراية (2/76) ، والكنز (19219،
19239، 19240) ، وأبو عوانة (20/46) ، والمجمع (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وإسناده حسن.
(2) لم نقف عليه. وقد أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/63) ، من حديث أبي هريرة
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقطع الهر الصلاة وإثما هو من متاع البيت " وعزاه إلى البزار
وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف.
(3) رواه ابن ماجة (ح/956) ، وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى
أحمد ورجاله ثقات.
وصححه الشيخ الألباني.(1/1599)
لحديث النهي، وفي كتاب النسائي بسند منقطع عن العباس قال: " رأيت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف بالبيت سبعًا ثم صلى ركعتين بحذاءه في حاشية المقام ليس
بينه وبن الطواف أحد " (1) . قوله " على أتان " وهي الأنثى من الحمار، وفي
رواية على حمار أتان ضبطه الأصيلي على النعت أو البدل منوبين، وقال ابن
سراج: أتان وصف الحمار، ومعناه صلب قوى مأخوذ من الأتن وهى الحجارة
الصلبة، والحمار يشمل الذكر والأنثى كالبعير، وقد يكون على الإضافة أي:
على حمار أنثى، وكذا وجد في بعض الأصول، وفي مختصر اَلسنن عن
يونس وغيره إبان، وإبانة، وعجوزه، وفرسه، وعقوبة، ودمشقة في دمشق،
وزعم ابن الأثير: أنَّ مراده تعيين الأتان ليعلم أن الأنثى من الحمر لا يقطع
الصلاة فكذلك المرأة، ولا يقال: أتانه، وإن كان قد ورد في بعض الأحاديث
وفي المحكم المجمع: أتن وأتن والمأتونا اسم للجمع، واستأتن الحمار صار أتانا،
واستأتن أتانا اتخذها، وأيوب البخاري لحديث ابن عباس: " سترة الإمام سترة
من خلفه " (2) /وقال الأبهري: " سترة المأموم سترة إمامه "؛ لأن المأموم
تعلقت صلاته بصلاة إمامه،/ولا يعارضه ما رواه أبو داود (3) عن مولى ليؤيد
عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلَا بتبوك مقعدا فقال: مررت بين يدي
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا على حمار وهو يصلى فقال: " قطع علينا صلاتنا قطع الله
أثره، فما مشيت عليها بعد " (3) . وعن سعيد بن غزوان عن أبيه أنّه قال:
نزلت بتبوك وأنا حاج فإذا رجل مقعد فسألته عن أمره فقال: سأحدثك حديثا
فلا يحدّث به ما سمعت به حى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بتبوك إلى نخلة
فقال: " هذه قبلتنا ثم صلى إليها " فأقبلت وأنا غلام أسعى حتى مررت بينه
وبينها فقال: " قطع صلاتنا قطع الله أثره ". فما قمت عليها إلى يومي
هذا (4) ؛ لأن الأول في سنده رجل مجهول، والثاني: في غاية الضعف قاله ابن
__________
(1) بنحوه. رواه أبو داود (ح/1870) . قلت: وهذا حديث إسناده حسن.
(2) ضعيف. الكنز (19204) ، والخفاء (2/66) ، والمجمع (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الاً وسط " وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف.
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/705) ، والبيهقي (2/275) ، والشجري (8/365) ، والكنز
(35508) ، والنبوة (5/234) ، وابن أبي شيبة (1/284) ، والبداية (4/15) .
(4) ضعيف جدا. رواه أبو داود (ح/707)(1/1600)
القطان وغيره، ونكارة المتن فإن دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن ليس له بأهل إنما هو زكاة
ورحمة، وفي كتاب الحازمي ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يقطع الصلاة
شيء، وقال جماعة منهم: هذه الأحاديث وإن حملناها على ظواهرها فهي
منسوخة بحديث ابن عباس؛ لأنه في حجة الوداع، فيكون بعد حديث ابن
نمران عدّة، ومن ذهب إلى هذا يقول: عثمان، وعلي، وعائشة، وابن عباس،
وابن المسيب، والشعبي، وعبيدة، وعروة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وسفيان،
وأهل الكوفة، ومالك، وأهل المدينة، والشافعي، وأصحابه، وأكثر أهل الحجاز
انتهى كلامه، حكى الخطابي: أن عائشة ذهبت إلى أن الكلب الأسود يقطع
الصلاة، وبه قال أحمد وإسحاق، وروى أبو داود (1) عن الفضل بن عباس:
" أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة،
وحمارة لنا وكلبة يغشان بين يديه/فما بالا ذلك "، قال الخطابي: في سنده
مقال، وضعفه أيضًا غير واحد منهم الإشبيلي وابن القطان، وعند الدارقطني:
" فصلى لنا العصر فما بالا بهما ولا ردَّهما "، وروى أيضًا من حديث
عمر بن عبد العزيز عن أنس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالناس، فمر بين أيديهم
حمار، فقال عباس بن أبي زمعة: سبحان الله سبحان الله فلما قضى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من المسبح أيضًا. قال ياْ رسول الله: إنى سمعت أن الحمار
يقطع الصلاة. فقال: " لا يقطع الصلاة شيء " (2) . وقال: اختلف في
إسناده، والصواب: عن عمر مرسل، وروى الأشيب عن شعبة عن عبيد الله
عن سالم عن أبيه أنه قال: كان يقال لا يقطع صلاة المسلم شيء، وعند
الحاكم: وزعم أنله على شرط مسلم لاستشهاده بعبد الرحمن بن أبي الزياد عن
أبي هريرة مرفوعا: " الهرة لا تقطع الصلاة إنها من متاع البيت " (3) . وفي
سنن أبي الحسن من حديث صفين بن معدان، وهو ضعيف عن سليم بن عامر
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/716) .
(2) رواه البيهقي (278، 279) ، والطبراني (18/53) ، والدارقطني (1/367، 386) ، وابن أبي
شيبة (1/280) ، والتمهيد (4/190) ، ونصب الراية (2/76) ، والكنز
(19219، 19239، 19240، 11924) ، وأبو عوانة (20/46) ، والمتناهية (1/449) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/369) ، والحاكم (1/255) ، وابن عدى في " الكامل " (4/
1586) ، وضعيف الجامع (6106) ، والضعيفة (1512) .(1/1601)
عن أبي أمامة يرفعه: " لا يقطع الصلاة شيء " (1) . وفي الأوسط من حديث
علي سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يقطع الصلاة شيء إلا الحديث " (2) .
وقال لم يروه عن حصين بن المنذر إلا أبو سنان ضرار بن أمية، والله تعالى
أعلم بالصواب.
***
__________
= فال الشيخ الألباني " ضعيف "، وأعلْه ابن خزيمة بالوقف- تعليقي على ابن خزيمة
828، 829.
(1) الحاشية قبل السابقة.
(2) ضعيف. رواه البيهقي (1/221) ، والكنز (22408،19926) ، وابن عدي في " الكامل "
(835،2/805) ، وأحمد (1/138) ، والمجمع (1/243) ، وعزاه إلى أحمد في زيادته على أبيه،
والطبراني في " الأوسط "، وحصين، قال ابن معين: لا أعرفه.(1/1602)
168- باب ادرأ ما استطعت
حدثنا أحمد بن عبدة، ثنا حماد بن زيد ثنا يحيى أبو المعلى عن الحسن
العربي قال: ذكر عند ابن عباس ما يقطع الصلاة فذكر: الكلب، والحمار،
والمرأة، فقال: ما يقولون في الجدى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يصلي يوما،
فذهب جدي يمر بين يديه/فبادره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القبلة " (1) . هذا حديث في
سنده انقطاع فيما بين الحسن بن عبد الله وابن عباس، قاله يحيى بن معين،
والإِمام أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي زاد ولم يدركه، وفي صحيح ابن
حبان في باب الإباحة: للمرء أن يمنع الشاة إذا أرادت المرور بين يديه وهو
يصلى، وخرجه أيضًا الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه
من حديث عكرمة عن عبد الله: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى فمرت شاة بين
يديه فساعاها إلى القبلة حتى ألصق بطنها بالقبلة " (2) . وفي مسند ابن أبي
شيبة بسد صحيح عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء عنه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يصلي فذهب جدي يمر بين يديه فجعل تبقيه " (3) . وفي لفظ فجعل
يقول: " يتقدم ويتأخر نرى الجدى " وفي أبي داود (4) . من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه: " فمازال مدارتها حتى لصق بطنه بالجدار فمرت من ورائه "،
وفي الأوسط (5) من حديث جابر: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائما يصلى فذهب شاة
تمر بين يديه فتابعها حتى ألزقها بالحائط "، ثم قال عليه الصلاة والسلام: " لا
يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم " (6) ، وقال: لم يروه عن محمد بن
__________
(1) إسناده صحيح. رواه ابن ماجه (ح/953) . في الزوائد: إسناده صحيح، إلا أنه منقطع.
(2) ضعيف، أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
(3) رواه أبو داود (ح /709) .
(4) رواه أبو داود (ح/708) .
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه يحيى بن ميمون التمار وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
(6) حسن. رواه أبو داود (719) ، وشرح السنة (2/461) ، والمشكاة (785) .(1/1603)
المنكدر إلا جرير بن حازم تفرد به يحيى بن ميمون، وفيه: من حديث
مندل بن علي عن سليمان التيمي عن أنس قال: " بادر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا أن يمر
بين يديه من الصلاة ". وقال: لم يروه عن التيمي إلا مندل، وفي كتاب أبي
نعيم: ثنا حفص ليث عن الحكم: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي فأرادت شاة
أن / تمرّ بين يديه فأحال بينها وبن القبلة " (1) . حدثنا أبو كريب ثنا أبو خالد
الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن
أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن
منها، ولا يدع أحدَا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان " (2) .
هذا حديث حسن حتى جاءه في صحيحيهما بلفظ: " إذا صلى أحدكم إلى
شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإنْ أبى فليقاتله
فإنما هو شيطان " (3) . وفي لفظ لسلم: " فليدفع في نحوه ". وفي لفظ:
" وليدفعه، فإن أبي فليقاتله فإنَّما هو شيطان "، وفي لفظ لمسلم: " فليدفع في
نحره "، وفي لفظ: " وليدرأه بما استطاع "، وفي لفظ البخاري (4) : " إذا مرّ
بين يدي أحدكم شيء وهو يصلى فليمنعه فإن أبي فليمنعه، فإن أبي
فليقاتله "، وفي لفظ: " إنَّ أبا سعيد كان يصلى يوم جمعة فأراد شاب من
بنى أبي معيط أن يمرّ بين يديه " وعند أبي نعيم في كتاب الصلاة: " فأقبل
الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأراد أن يمر بين يديه فدفعه ولطمه ". وفي
المصنف: " فجاء عبد الرحمن بن الحرث بن هشام يمر بين يديه فدفعه
وطرحه "، وقال: " لولا أن أخذ بشعره لأحدث "، وعند النسائي (5) : " فأراد
__________
(1) رواه الهيثمي: (2/97) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/699،698) ، وابن ماجة (ح/945) ، والبيهقي (2/
267، 272) ، والحاكم (1/251) ، وعبد الرزاق (2303، 2305) ، وابن خزيمِة (803، 840) ،
ونصب الراية (2/81) ، والكنز (19202، 19211، 19227،19224) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/136) ، ومسلم في (الصلاة، ح/259) ، وأبو داود (ح/
700) ، وأحمد (3/63) ، والبيهقي (2/267، 272) ، وابن خزيمة (817) ، وشرح السنة (ح/455) ،
والمشكاة (777) ، وتلخيص (28611) ، والكنز (19212) ، والترغيب (1/377) .
(4) صحيح. رواه البخاري (4/149) ، والبيهقي (2/268) ، والكنز (19245) .
(5) صحيح. رواه النسائي في: (القبلة، 8- باب التشديد في المرور بين يدي المصلى(1/1604)
ابن لمروان أن يمرّ بين يديه "، ورواه عن أبي سعيد أيضَا عطاء فيما ذكره أبو
عمر قال: وحديثه عنه بهذا معروف، وحديث عبد الرحمن أشهر، وزعم ابن
الجوزي في التاريخ: أنَّ داود بن مروان بن الحكم، وقال أبو حاتم في كتاب
العلل: حديث عطاء خطأ، وقال أبو زرعة: حديث زيد صحيح، وحديث
عطاء بن يسار: لا أدرى أي شيء هو، وبنحوه ذكره الدارقطني وغيره، ومن
عند أبي داود (1) ، من حديث مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد: " لا/
يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم فإنما هو شيطان ". وفي كتاب العلل
لابن أبي حاتم قال أبى: حديث أبي ذر: " يقطع الصلاة الكلب
الأسود " (2) : أصح من حديث أبي سعيد، يعني: هذا، وفي صحيح ابن حبان
" فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها "، وفي الأوسط: " فليجاهده "،
وقال: تفرد به القاسم عن مالك المزني. حدثنا هارون بن عبد الله الحمال
والحسن بن داود المنكدري قالا: ثنا ابن أبي فديك ثنا الضحاك بن عثمان عن
صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان
أحدكم يصلى فلا يدع أحدَا يمر بين يديه فإن أبي فليقاتله فإن معه القرين ".
قال المنكدري: " فإن معه العُزَّى ". هذا حديث خرجه مسلم (3) في صحيحه،
ولفظه في الأوسط: " إذا كنت تصلى فأراد رجل أن يمر بين يديك فردّه، فإن
عاد فردّه، فإن عاد فردّه، فإن عاد الرابعة فقاتله فإنما هو الشيطان " (4) ، وقال:
لم يروه عن قتادة- يعني: عن نافع- إلّا ابن أبي عروبة تفرد به النضر بن
__________
= وبين سترته 2/66) .
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/1719) في ص 1604.
(2) تقدم. رواه البيهقي (2/275) ، وأحمد (2/425، 5/164، 6 / 230) ، وعبد الرزاق
(2350، 2351) ، وابن حبان (411) ، والطبراني (3/237) ، ومعاني (1/458) ، وابن عدي
في " الكاهل " (5.2/576/6/2426،7/2591،2021) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/258، 697،260) ، والنسائي (2/66) ، وابن
ماجه (ح/955) ، وأحمد (3/34) ، والدارمي (1/328) ، والبيهقي (2/267) ، وابن خزيمة
(816، 833) ، ونصب الراية (2/84) ، والموطأ (154) ، والترغيب (1/377، 378) ، والتجريد
(82) ، ومشكل (3/250) ، وإتحاف (3/263) ، والتمهيد (4/183) ، والطبراني (12/428) (4) لم نقف عليه.(1/1605)
كثير، وفي كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم بن زيد عن سالم عنه أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر قالوا: " الا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما
استطعتم " (1) ، وفي المستدرك: وزعم أنّه على شرط مسلم: " الا تصلوا إلا
إلى سترة، ولا تدع أحدَا يمر بين يديك ... " (2) الحديث، وعند الدارقطني: من
حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا: " لا يقطع الصلاة كلب، ولا حمار،
ولا امرأة، وادرأ ما أمرَّ أمامك " (3) . وفي مراسيل أبي داود عن قبيصة بن
دوية بن قطاء: أراد أن يمر بين يدي/النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى فحبسه برجله " (4) .
ولما ذكره ابن القطان أعلّه برواية عبد الله بن أبي مريم، قال: لأنّ حالي
مجهولة، وفي كتاب أبي نعيم: ثنا زهير عن سليمان التيمي عن أبي محليس:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باد (5) زهرة أن تمرّ بين يديه وهو يصلي ". وثنا أبو خالد به،
قلت لأبي العالية: أصلى فيمر السنور بين يدي فهل يقطع الصلاة، فقال: إذا
صليت ما أحب أن يمر بين يدي شيء ولا فأرة، أن الإِنسان إذا صلى يكون
بين يديه ملك يكتب ما يقول، وفي مسند أحمد (6) من حديث عمرو بن
شعيب عن عبد الله بن عمرو قال: " بينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عصرَا
على الوادي يريد أن يصلي قد قام، وقمنا إذ خرج حمار من شعب أبي ذئب
شعيب أبي موسى، فأمسك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة
حتى ردّه ". وفي كتاب الصلاة للدكيني: ثنا بشير بن مهاجر قال: " رأيت
أنسَا وهو جالس في صلاته لم ينصرف، فجاء رجل يريد أن يمر بينه وبن
__________
(1) تقدم قريبا من حواشي في ص 1603.
(2) رواه الحاكم (1/251) ، والبيهقي (2/268) ، وابن خزيمة (841) ، ونصب الراية (2/85) ،
والكنز (19243) .
(3) رواه ابن عدي في " الكاهل ": (1/32) .
(4) فلت: ضعيف. وعلته عبد الله بن أبي مريم وهو أحد المجاهيل، وقد أورده أبو داود في
المراسيل.
(5) كذا في " الأصل " " باد ".
(6) لم نقف عليه.(1/1606)
السارية فأماطه ". وثنا جعفر بن مروان عن يزيد الفقير قال: كنت أصلي إلى
جنب ابن عمر فلم أر رجلا أكره أن يمر بين يديه منه، وفي رواية صالح بن
كيسان عنه: " فلا يدع أحدا يمر بين يديه فيبادر برده ". قال عياض رحمه الله
تعالى: أجمعوا على أنّه لا يلزمه مقاتلة بالسلام، ولا ما يؤدي إلى هلاكه،
فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب
ديته أم لاهدراء (1) ، فيه مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك، وفي
كتاب ابن السني: قال ابن شعبان: عليه الدية كاملة في ماله / وقيل: الديّة على
قاتلته، قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه وإنّما
يدافعه ويردّه من موقعه؛ لأنّ مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من
بعيد بين يديه، وإنّما أهج له قدر ما يناله من موقفه، وإنّما يردّه إذا كان بعيدا
مه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يردّه نسلا يصف مرورًا ثانيا
إلينا، َ وروى عن بعض السلف: أنَّه يردّه، واختلفوا إذا جاز بين يديه وأدركه
هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يرده ويروى ذلك عن سالم والحسن، وقال
أشهب: يردّه بإشارة ولا يمشى إليه؛ لأن مشيه (2) مثل مروره بين يديه، فإن
مشى إليه ورده لم تفسد صلاته، وزعم ابن العربي أنّ بعض الناس غلط
فقال: إذا صلى إلى غير سترة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه بمقدار رمية سهم،
وقيل: رمية حجر، وقيل: بمقدار المطاعة، وقيل: بمقدار المضاربة بالسيف، وحريم
المصلى سواء وضع بين يديه سترة أو لم يضعها بمقدار ما يشتغل قائمًا وراكعا
وساجدًا لا يستحق من الأرض كلّها سواها وسائر ذلك لغيره، وفي كتاب
المنذري: يحتمل أن يكون قوله فليقاتله يعني فليلعن، وقد جاءت المقاتلة بمعنى
اللعن فال تعالى: (قتل الخراصون) . وإلى هذا نحا غيره من الأئمة، وفي
كتاب ابن أنر قيل: معناه يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ومؤنته، وقيل:
يدفعه دفعا أشدّ من الردّ منكرا عليه، وحكى عن أبي حنيفة: إذا دفع المار
بطلان صلاته وهو قول الشافعي في القديم، وفي التمهيد: العمل القليل في
الصلاة جائز نحو قتل البرغوث، وحكّ الجسد، وقتل العقرب بما خفي من
__________
(1) قوله: " لاهدراء " كذا هي في " الأصل "، وكذا أثبتناها.
(2) قوله: " مشيه " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1607)
الضرب ما لم/تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفرج إذا كان ذلك قريبًا ودرأ
المصلى، وهذا كله بما لم يكثر، وإن كثر أفسد، وضمن عمر بن عبد العزيز
رجلًا دفع آخر وهو يصلى فكسر الودمية ما حين (1) على أنه، والصحيح
عندنا: أنّ الصلاة لا يقطعها ما يمر بين يدي المصلى بوجه من الوجوه، ولو
كان خنزيرًا وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره مما جاءت الشريعة به،
وقال النووي: يمر الرجل بين يديّ يتبختر فأمنعه ويمر الضعيف فلا أمنعه.
__________
(1) كذا في " الأصل ": " الودمية ماحين "، وكذا أثبتناه.(1/1608)
169- باب من صلى وينه وبن القبلة شيء
حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة، ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى من الليل وأنا معترضة بينه وبن القبلة كاعتراض
الجنازة " (1) . هذا حديث خرجه الأئمة الستة، وفي لفظ عند الشيخين: " ذكر
عندها- يعني: عائشة- ما يقطع الصلاة فذكر الكلب، والحمار، والمرأة،
فقالت: شبهتموا بالحمر والكلاب! لقد رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وأنا على
السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدوا له الحاجة، فاكره أن أجلس فأؤذي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنسل من قبل رجليه " (2) . وفي لفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلى بالليل ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزنى فقبضت رجلي وإذا قام
بسطتها ". قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح " (3) ، وفي لفظ: " كنت
أكون نائمة ورجلاي بين يدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلى من الليل، فإذا أراد أن
يسجد ضرب رجلي فضمتها /فسجد " (4) ، وفي لفظ: " وأنا معترضة أمامه
في القبلة على الفراش الذي يرقد عليه هو، وأهله فيما بينه وبين القبلة " (5)
وفي مسند (6) أحمد بن حنبل: عن علي بن أبي طالب قال: " كان رسول
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/138) ، ومسلم في (الصلاة، ح/267) ، وابن
ماجة (ح /956) ، وأبو داود (ح/712) ، وأحمد (6/50، 86) ، والمشكاة (779) ، والكنز
(22604) ، وأبو عوانة (2/52) ، والمعاني (1/462) ، والمنتقى (169) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 102، 105، 108 "، والاستئذان، باب
" 37 " (، ومسلم في) الصلاة، ح/268،267، 270) ، وابن ماجة (ح/956) ، والنسائي في (القبلة،
باب " 100 ") ، وأحمد (6/37، 50، 86، 94، 176، 192، 199، 200، 205، 231) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 22 " (، ومسلم في) الصلاة،
ح/272) ، والنسائي في (الطهارة، باب " 119 ") ، ومالك في (صلاة الليل، ح/2) ، وأحمد
(255،6/225) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح / 712) .
(5) حسن. رواه بو داود (ح/711) .
(6) رواه أحمد (1/99) ، والمجمع (2/62) ، والكنز (22573) ، والبخاري في " الكبير " (1/
441) ، والعقيلي (4/155) .(1/1609)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسبح من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة " (1) ، وفي لفظ عن
حذيفة: " قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وعليه طرف اللحاف، وعلى عائشة طرفه
وهى حائض لا تصلى " (2) . وفي كتاب أبي داود قال شعبة: أحسبها قالت:
" وأنا حائض "، وفي لفظ: " كنت وأنا معترضة في قبلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيصلى
وأنا أمامه، فإذا أراد أن يوتر غمزني " (3) ، وفي لفظ: " ينحى ".
حدثنا بكر بن خلف، وسويد بن سعيد قالا: ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد
الحذاء عن أبي قلابة عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت: كان فراشها
بحيال مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) . هذا حديث إسناده صحيح على رسم
الشيخين، وقد تقدّم تصحيح الطحاوي له في ما أظن، والله أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عباد بن العوام عن الشيباني عن عبد الله بن
شداد قال: حدثتني ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى
وأنا بحذاءه، وربما أصابني نومة إذا سجد " (5) ، هذا حديث خرجاه في
صحيحيهما، ولفظ البخاري: " أنها كانت تكون حائضَا لا تصلى وهى
مفترشة بحذاء مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي على خمرته إذا سجد
أصابني بعض ثوبه " (6) .
حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة ثنا زيد بن حبان حدثني أبو المقدام
عن / محمد بن كعب عن ابن عباس قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى
خلف المتحدّث أو النائم " (7) . هذا حديث إسناده ضعيف بضعف رواية ابن
__________
(1) رواه أحمد (1/99) ، والمجمع (2/62) ، والكنز (22573) ، والبخاري في " الكبير " (1/
441) ، والعقيلي (4/155) .
(2) رواه أحمد: (5/400، 6/32) . (3) حسن. رواه أبو داود (ح/714) .
(4) حسن. رواه أبو داو (ح/4148) .
(5) صحيح. رواه البخاري (1/136، 2/31) ، وشرح السنة (4/96) .
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 109،107 ") ، ومسلم في
(الصلاة، ح/273) .
(7) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/959) . وصححه الشيخ الألباني لطرقه. لكن ضعفه المصنف
بأبي المقدام. قلت: والحديث عندي صحيح لما في طرقه من حديث الاعتبار.(1/1610)
المقدام هشام بن زياد بن هشام الأموي مولاهم البصري أخي الوليد، فإن ابن
المبارك ترك حديثه، وقال في موضع آخر: لزم به، وقال أبو حاتم الرازي: ليس
بالقوي، ضعيف الحديث، وكان جارًا لأبي الوليد الطيالسي، وكان لا يرضاه
ولم يرو عنه، وعنده عن الحسن أحاديث منكره وهو منكر الحديث، وقال
أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو عيسى، والطوسي: يضعف في الحديث،
وقال ابن سعد: كان ضعيفا في الحديث، وقال البخاري: يتكلمون فيه في
موضع آخر ضعيف، وحدّث عنه ابن مهدى ثم تركه، وقال ابن خزيمة: لا
يحتج بحديثه، وقال ابن عدي: وأحاديثه تشبه بعضها بعضًا، والضعف بيّن
على رواياته، وقال البجلي: ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث، ولما
ذكره البجلي في جملة الضعف، فال أحمد بن حنبل: ليس حديثه بشيء
وفي موضع آخر: ليس بثقة، وفي كتاب الجرح والتعديل للنسائي: ليس
بشيء مدتي سكن البصرة، ضعيف، وفي موضع آخر: متروك الحديث،
وكذا قاله ابن الجنيد والأزدي، وفي كتاب الضعفاء لابن الجارود: ليس بشيء،
وذكره البرقي في جملة من ترك حديثه، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج
به، قال الدارقطني: ضعيف، والله أعلم، ولما رواه أبو داود عن القعنبي ثنا عبد
الملك بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمّن حدّثه عن محمد بن
كعب القرظي قال: قلت له- يعني: لعمر بن عبد العزيز-: حدثني ابن عباس
به، قال فيما ذكره الحافظ الضياء: روى هذا الحديث/من غير وجه عن
محمد بن كعب وكلها واهية، وهذا أمثلها وهو ضعيف أيضًا، وقال الخطابي:
هذا حديث لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لضعف سده، وعبد الله بن يعقوب لم
بيمين من حدّثه عن ابن كعب، وإنّما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما
ضعيفان تمام بن مربع وعيسى بن ميمون تكلمّ فيهما يحيى والبخاري، ورواه
أيضًا عبد الكريم أبو أمية وهو متروك الحديث عن مجاهد عن ابن عباس، وقد
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه صلى وعائشة قائمة معترضة بينه وبن القبلة " (1) .
وفي النسائي الكبير من حديث حازم بن مضرب عن علي قال: " لقد رأينا
__________
(1) تقدم. رواه أبو داود (ح/711) .(1/1611)
ليلة بدر وما فينا إنسان قائم إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه كان يصلى إلى
شجرة ... " (1) الحديث. فأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها أحمد،
والشافعي، وذلك أن كلامهم ليشغل المصلي عن صلاته: " وكان ابن عمر لا
يصلى خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة "، وقال عبد الحق: خرجه- يعني:
أبا داود- بسند منقطع ولا يصح بغيره أيضا، قال أبو الحسن علي بن
القطان: ولو كان متصلًا ما يصح للجهل بحال عبد الملك بن محمد بن أيمن،
وعبد الله بن يعقوب فإنها لا تعرف أصلًا، وفي مراسيل أبي داود من حديث
بشر بن جبلة وهو ضعيف عن خير بن نعيم عن أبي الحجاج الطائي وحاله/
مجهول فيما ذكره ابن القطان قال: " نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتحدث الرجلان
وبينهما أحد يصلي، ومن يصلي " (2) . حديث عبد الأعلى الثعلبي وهو ضعيف
عن محمد بن الحنفية: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلا يصلي إلى رجل، فأمره
أن يعيد الصلاة قال: لم يا رسول الله إنى قد أتممت الصلاة؟ فقال: " إنك
صليت وأنت تنظر إليه مستقبله " (3) . وقال الدارقطني في العلل: رفعه عبد
الأعلى عن ابن الحنفية عن علي، وعبد الأعلى مضطرب الحديث، وقد روى
مرسلًا وهو أنسبه للصواب، وفي الذخيرة للمقدسي من حديث أبان بن
سفيان- وهو متهم بالوضع- عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى الإِنسان إلى نائم أو متحدث " (4) .
قال: هذا خبر موضوع، وفي الأوسط من حديث محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة يرفعه: " نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام " (5) .
__________
(1) بنحوه. فتح الباري (1/580) .
(2) ضعيف. رواه ابن المبارك في " الزهد ": (6) .
(3) ضعيف. رواه الدارقطني (2/85) ، وابن المبارك في " الزهد ": (6) .
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى البزار في " مسنده "، وفيه عبد الأعلى
التغلبي، وهو ضعيف.
(4) موضوع. العلل المتناهية: (1/434) .
(5) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/62) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه
محمد بن عمرو بن علقمة، واختلف في الاحتجاج به.(1/1612)
وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا شجاع بن الوليد. تفرد به سهل بن
صالح الأنطاكي، وفي البخاري: وَكَرِهَ عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي،
قال البخاري: وإنما هذا إذا اشتغل به، فأمّا إذا لم يشتغل فقد قال زيد بن
ثابت: فأنا قلت إنّ الرجل لا يقطع صلاة الرجل، وفي سرح ابن بطال:
ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرجل يستر الرجل إذا صلى إلّا أن أكثرهم
كره أن يستقبله بوجهه، قال النخعي، وقتادة: يستر الرجل إذا كان جالسا،
وعن الحسن: يستر المصلي، ولم يشترط الجلوس ولا تولية الظهر، وعن نافع:
كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية المسجد قال لي: ولّنى ظهرك وهو
قول مالك/، وروى أشهب عنه لا بأس أن يصلي إلى ظهر رجل فأما إلى
جنبه فلا، وأجاز أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، الصلاة خلف المتحدثين
وكرهه ابن مسعود، وعن سعيد بن جبير: إذا كانوا يتحدثون بذكر الله تعالى
فلا بأس، وقال ابن سيرين: لا يكون الرجل سترة للمصلى، وعن مالك: لا
يصلي إلى المتحلقين؛ لأن بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعا، وفي
كتاب ابن السني ذكر ابن البحر في مسنده: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إني
نهيت أن أصلى إلى النيام والمتحدثين " (1) . وبه قال طاوس، وقال مجاهد:
أصلى وراء قاعد أحبّ أفي أن أصلى وراء نائم، قال ابن بطال: والقول قول
من أجاز ذلك للسنة الثابتة، وعند الطنافسي: كره كثير من العلماء أن يستر
الرجل بالمرأة، وإن كانت أمه أو أخته لما يخشى عليه من الفتنة المضادة لخشوع
الصلاة وانفصل بعضهم عن حديث عائشة بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك إربة الجنازة ذكرها
ثعلب في باب المكسور قوله، وحكى في نوادره عن أبي زيد: الجنازة
مكسورة الجيم لا يفتح الميت نفسه، وحكى المطرز عن الأصمعي: الجِنازة
والجنَازة نعتان بمعنى واحد، وكذا قاله يعقوب في الاصطلاح، قال ابن سيده
في العويص: يعني هما النعش وعليه الميت إذا ستر به بالكفن، قال: والمختار
الكسر، وعن الفارسي: هو الجنازة، والنمش، والسرير، ولا يكون جنازة إلا
حتى يكون عليه ميت فأما اسم السرير والنمش فلا زمان له، وفي الليل:
__________
(1) المصدر السابق.(1/1613)
النعش للمرأة والسرير للرجل، وعن الفراء: جنزوه إذا حملوه على الجنازة،
وفي المحكم: جَنَزَ الشيء يجنزه جنزًا إستي، وذكروا إن الترار لما احتضرت
أوصت أن يصلى عليها الحسن، فقال: إذا جنزتموها / فأذنوني، والجنِازة
والجنَازة: الميت، قال ابن دريد: زعم قوم أن اشتقاقه من ذلك، قال: ولا
أدري ما صحته، وقد قيل: هو نبطي، ورمى في جنازنه أي مات، وفي الغريبين
عن ابن الأعرابي: أنّ الجنازة بالكسر: السرير، وبالفتح: الميت ومرّ أعرابي بامرأة
ثكلى فقال: أثكلتها الجنائز، يعني: الموتى.(1/1614)
170- باب النهى أن يسبق الإمام في الركوع والسجود
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عبيد عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا أن لا نبادر الإمام بالركوع.
وإذا كبّر فكبّروا، وإذا سجد فاسجدوا " (1) . هذا حديث رواه مسلم في
صحيحه.
حدثنا حميد بن مسعدة وسويد بن سعيد قالا: ثنا حماد بن زيد عن
محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم- صلى الله عليه وآله
وسلم-: " ألا يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس
حمار " (2) . هذا حديث خرجه الستة في كتبهم بزيادة: " أو يجعل الله صورته
صورة حمار "، وفي لفظ عند مسلم " لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا، وإذا
ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد " (3) .
وفي مصنف أبي بكر من حديث مليح السعدي قال: قال أبو هريرة: " إن
الذي يخفض ويرفع رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ومن حديث ليث
عن طلحة قال: قال سلمان من رفع رأسه قبل الإمام ووضع رأسه قبل الإمام
فناصيته بيد الشيطان يرفعها ويضعها " (4) . ونظر ابن مسعود إلى من سبق إمامه
فقال: " لا وحدك صليت / ولا بأمامك اقتديت ". وفي البخاري تعليقا عنه:
" إذا رفع قبل الإمام يعود فيمكث بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام ". وقال الحسن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/87) ، ورواه ابن ماجة (ح/960) ، وأحمد (2/440) ،
والبيهقي (2/92) ، وأبو عوانة (2/110) . والدارمي في (الصلاة، باب " 72 ") ، وصححه الشيخ
الألباني.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 53 ") ، ومسلم في (الصلاة،
ح/115) ، وأبو داود في (الصلاة، باب " 75 ") ، والترمذي (ح/582) . وقال: هذا حديث
حسن صحيح. وابن ماجة (ح/961) ، وأحمد (2/ 260، 425، 473) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/87،87 مكرر) ، وابن خزيمة (1576) ، والمشكاة (1138)
(38) لم نقف عليه.(1/1615)
فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود: يسجد للركعة الأخيرة
بسجدتين، ثم يقضى الركعة الأولى سجودها، وفيمن نسى سجدة حتى قام
يسجد، وفي البيهقي (1) ، من حديث الحرث بن مخلد عن أبيه أنه سمع
عمر بن الخطاب يقول: " إذا رفع أحدكم رأسه وظن أن الإمام قد رفع فليعد
رأسه، وإذا رفع رأسه فليمكث بقدر ما ترك ". قال البيهقي: وروينا عن إبراهيم
النخعي والشعبي: " أنه يعود فيسجد ".
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد عن زياد بن
خيثمة عن أبي إسحاق عن دارم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي موسى: قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا إني قد بدنت، فإذا ركعت فاركعوا، وإذا رفعت
فارفعوا، وإذا سجدت فاسجدوا، ولا ألفن رجلَا سبقني إلى الركوع ولا إلى
السجود " (2) . هذا حديث منقطع فيما بين سعيد، وجدّ أبي سعيد وجدّه أبي
موسى. نص على ذلك غير واحد؛ منهم: أبو حاتم الرازي، وابن عساكر.
حدثنا هشام بن عمار ثنا سفيان عن ابن عجلان، وثنا أبو بشر بكر بن
خلف ثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن
ابن محيرز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
تبادروني بالركوع ولا بالسجود فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به، إذا
رفعت ومهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني به إذا رفعت، إنى قد
بدنت (3) . هذا حديث خرجه أبو حاتم البستي في صحيحه عن أبي خليفة،
__________
(1) رواه البيهقي (2/139) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/962) ، عن دارم عن سعيد بن أبي بردة. ورجاله ثقات غير
دارم هذا، فهو مجهول، وإن وثقة ابن حبان. لكن الحديث صحيح. ورواه الدارمي وغيره
بسند حسن. وصحيح أبي داود (ح/630) . ورواه أحمد (4/92، 98) ، وعبد الرزاق
(3755) .
وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/963) ، وابن أبي شيبة (2/328) ، والحميدي (602) ،
وتلخيص (2/39) ، والبخاري في " التاريخ الصغير " (1/207) ، وشرح السنة (3/415) .
وصححه الشيخ الألباني: الإرواء (2/289) .(1/1616)
ثنا / أبو الوليد ثنا ليث بن سعد عن ابن عجلان، وفي الصحيحين عن البراء:
" أنهم كانوا إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاموا قياما، فإذا
رأوه قد سجد سجدوا " (1) ، وعند مسلم: " كنا نصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا
يحنوا أحد منا ظهره حتى يرى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع " (2) ، وفي لفظ: " كانوا
يصلون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم
نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته بالأرض ثم يتبعونه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (3) . وعند أبي
داود من حديث أنس بن مالك: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصلاة،
ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة " (4) . وقوله: " بدنت " مشدّدة
الدال، معناه: كبر السن، وفي المحكم: بدن الرجل أسن وضعف، قال الشاعر:
وكنت خلت الهم والتبدينا ... والشيب مما حمل القرينا
ورجل بدن قال الأسود بن يعفر:
هل الشاب ذات من مطلب ... أم مالكا البدن الأشيب
وفي الغريبين: رواه بعضهم إنى قد بدنت، وليس معنى لا أنه خلاف
صنعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعناه: كثرة اللحم.
***
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذن، باب " 83 ") ، ومسلم في (الصلاة،
ح/2، 22) ، ومالك في (الصلاة، ح/16) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (الصلاة، ح/198،197، 200، 201) ، والبخاري
في (الأذان، باب " 133،52 ") ، والترمذي في (الصلاة، باب " 92 ") ، وأبو داود في
(الصلا ة، باب " 74 ") ، وأحمد (4/300، 304) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/199) .
(24) حسن. رواه أبو داود في (الصلاة، باب " 76 "، ح/724) ، ورواه أحمد (3/(1/1617)
171- باب ما يكره فعله في الصلاة
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا ابن أبي فديك حدثنى
هارون بن هارون بن عبد الله بن الهدير التيمي عن الأعرج عن أبي هريرة أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل الفراغ/
من صلاته " (1) . هذا حديث في سنده ضعف، يضعف هارون بن هارون بن
عبد الله بن محرز بن الهدير التيمي أبي محرز، فإن أبا حاتم الرازي قال: هو
منكر الحديث ليس بالقوى، وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، وفي موضع
آخر: ليس بذاك، وقال النسائي، والدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: كان
يروى الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن ماكولا:
منكر الحديث وقال الساجي: ليس بذاك، وذكره العقيلي وابن الجارود في
جملة الضعفاء، ولما ذكره البيهقي في المعرفة من حديث ابن بريدة عن ابن
مسعود من قوله ومرة عن أبيه مرفوعًا أربع من الجفاء؛ فذكر منهن: مسح
الرجل التراب عن وجهه في صلاته، قال: وروى من وجه آخر عن أبي هريرة
مرفوعًا، ولم يصح منه عن أبي سعيد الذي احتج به الحميدي انصرف إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي جبهته وأنفه أثر الماء والطين وفيه أن لا يمسح المصلى الجبهة
في الصلاة، وعن ابن عباس: " لا يمسح المصلى وجهه من التراب حتى
يتشهد ويسلم ". وبه أخذ ابن أبي ليلى، وذكر أبو حنيفة عن حماد عن
إبراهيم: أنَّه كان يمسح التراب عن وجهه في الصلاة قبل أن يسلم، وكان أبو
حنيفة لا يرى بذلك بأسا، قال الشافعي: ولو ترك المصلى مسح وجهه من
التراب حتى يسلم كان أحب إلي، وحمل ابن جبير قوله: (سيماهم في
وجوههم) . على يدي الطهور وثرى الأرض، وأنكر ابن عمر، وأبو الدرداء،
والسائب بن يزيد الذي يكون بالجبهة من شدة مسحها بالأرض، وكرهوا
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/964) . في الزوائد: اتفقوا على ضعف هارون، وضعفه
الشيخ الألباني: الضعيفة (ح/177) ، وضعيف ابن ماجة (ح/200) .(1/1618)
ذلك- والله أعلم- وفي صحيح البستي عن أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
لغلام يقال له: رباح: " يا رباح ترب وجهك " (1) ، وسماه الترمذي في
جامعه: أفلح.
حدثنا/يحيى بن حكيم أنبأ أبو قتيبة ثنا يونس عن أبي إسحاق وإسرائيل بن
يونس عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي- رضى الله عنه- أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة " (2) . هذا حديث إسناده
ضعيف لضعف الحرث المذكور قبل. وفي مسند أحمد من حديث ابن لهيعة
عن رمان بن فائد وفيه كلام عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنه كان يقول: " إنّ الضاحك في الصلاة، والملتفت، والمقعقع أصابعه بمنزلة
واحدة " (3) . ورواه البيهقي من حديث الليث عن ديان فأخرج عنه ابن لهيعة.
حدثنا ابن شعبة سفيان بن زياد المؤدب، ثنا محمد بن راشد عن الحسن بن
ذكوان عن عطاء عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغطى الرجل
فاه في الصلاة " (4) . هذا حديث إسناده صحيح، وضعفه بعضهم بالحسن بن
ذكوان وهو غير جيد لثبوت حديثه فيمن فوق سعد، فقال عن أبيه عن جدّه
كعب، ولفظ حديث أبي هريرة عنده: " إذا كنت في المسجد فلا تجعل
أصابعك هكذى تشبك " (5) . ولما رواه في الأوسط قال: لم يروه عن ابن
عجلان عن أبيه عن أبي هريرة إلا الدراوردي، ورواه الناس عن ابن عجلان
عن سعيد عن كعب، ورواه ابن حبان في صحيحه عن أبي عروبة، ثنا
__________
(1) ضعيف. أورده الألباني في " ضعيف الجامع " (ح/6392، ص 927) ، وعزاه إلى النسائي
والحاكم من حديث أم سلمة.
انظر: الترغيب: (1/192-193) .
(2) المغني عن حمل الأسفار (1/157) ، والإرواء (2/99) .
(3) الكنز (19980) ، وإتحاف (3/153) ، والمجمع (2/79) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في
" الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام عن رمان بن فائد، وهو ضعيف.
(4) إسناده صحيح. رواه ابن ماجة (ح/966) .
(5) المصدر السابق.(1/1619)
محمد بن معدان ثنا سليمان بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو عن زيد بن
أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
له: " يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم خرجت إلى المسجد، فلا
تشبك بين أصابعك فإنك في صلاة " (1) . وفي صحيح البخاري: حدثنا
علقمة بن عمرو الدارمي ثنا أبو الوليد بكر بن عياش عن محمد بن عجلان
عن سعيد المقبري عن كعب بن عجرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رأى رجلا قد
شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصابعه " (2) . هذا حديث
لما رواه الترمذي من حديث الليث عن ابن عجلان عن سعيد عن رجل عن
كعب قال: حديث كعب رواه غير واحد عن ابن عجلان مثل حديث الليث،
وروى شريك عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه،
وحديث/شريك غير محفوظ ولما خرجه الحاكم من حديث يحيى بن سعيد
عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لكعب بن
عجرة: " إذا توضأت ثم دخلت المسجد فلا تشبكن بين أصابعك " (3) . قال:
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه شريك بن عبد الله عن ابن
عجلان فوهم في إسناده، فقال: عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كنت في المسجد فلا تجعل أصابعك هكذى،
يعني: تشبكها " (4) . وخرجه أيضًا من حديث إسماعيل عن أبيه عن سعيد عن
أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد
كان في صلاة حتى يرجع فلا يقل هكذا: وشبك بين أصابعه " (4) . وقال
حديث صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح ابن خزيمة من حديث أبي
ثمامة قال: لقيني كعب، وأنا أريد الجمعة، وقد سئلت الحديث ثم قال: رواه
__________
(1) رواه البيهقي (3/231) ، وابن حبان (315) ، والكنز (19998) .
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/967) ، والإرواء (379) ، والتعليق الرغيب (1/123- 124) ،
وضعيف ابن ماجة (ح/202) .
(3) صحيح. رواه الحاكم (1/207) ، وابن خزيمة (440) .
(4) الكنز (19929) ، والمجمع (1/240) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه عتيق بن
يعقوب، ولم أر من ذكرها وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/1620)
ابن أبي ذئب عن المقبري عن رجل من بنى سلام عن أبيه عن جدّه كعب،
ورواه الآخر عن ابن عجلان عن ابن المسيب عن أبي سعيد، ولا أحل لأحد
أن يروي عني هذا الخبر إلّا على هذه الصفة فإنه إسناد مقلوب، ويشبه أن
يكون الصحيح حديث أبي ثمامة، وأما ابن عجلان فوهم في السند وخلط
فيه، فمرّة يقول: عن أبيه عن أبي هريرة مرسل، ومرة يقول: عن أبيه عن أبي
هريرة، وابن أبي ذئب من أنّ سعيدا إّنما رواه عن رجل وهو عندي سعد بن
إسحاق إلّا أنّه غلط فيمن فوق سعد فقال: عن أبيه عن جده، ولفظ حديث
أبي هريرة/عنده: " إذا كنت في المسجد فلا تجعلن أصابعك هكذى،
تشبك "، ولا رواه في االأوسط قال: لم يروه عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي
هريرة إلا الدراوردي ورواه الناس عن ابن عجلان عن سعيد بن كعب ورواه
ابن حبان في صحيحه عن أبي عروبة ثنا محمد بن معدان ثنا سليمان بن عبد
الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " يا كعب إذا توضأت فأحسنت الوضوء ثم
خرجت إلى المسجد فلا تشلؤ بين أصابعك فإنك في صلاة وأنبأ أبو يعلي: ثنا
أبو خيثمة ثنا أبو عامر ثنا داود بن عن عن سعد بن إسحاق حدثنى أبو ثمامة
الخياط أن كعب حدّثه به، وعند أحمد بن حنبل: دخلت على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وقد شبكت بين أصابعي فقال لي: " يا كعب إذا كنت في
المسجد، فلا تشبك بين أصابعك فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة " (1) .
وعند ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن وهب عن
عمه عن مولى لأبي سعيد: أنه كان مع أبي سعيد، وهو مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فرأى رجلَا في المسجد شبَّك بين أصابعه فأذنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يفطن فالتفت
إلى أبي سعيد، فقال: " إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يشبكن، فإن
التشبيك من الشيطان " (2) . وزعم ابن بطال: ليس هذا الحديث عن ثابت،
وإن قيل فقد ورد في الصحيح في يوم ذي اليدين، فوضع يده اليمنى على
__________
(1) المصدر السابق.
(2) إسناده حسن. رواه أحمد (3/43) ، والمجمع (2/25) ، وعزاه إلى أحمد، وإسناده حسن.
والكنز (19996، 20000) ، والترغيب (4/201) ، وابن أبي شيبة (2/75) .(1/1621)
اليسرى، وشبك بين أصابعه قيل له: هذا كان بعد فراغه من الصلاة فلا
معارضة والله أعلم.
وأما/حديث ابن عمر أو ابن عمرو من عند البخاري: " شبك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بين أصابعه " (1) . وحديث أبي موسى من عنده أيضا مرفوعا: " إن المؤمن
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشحك بين أصابعه " (2) . فخارج الصلاة،
وقد اختلف العلماء في التشبيك في الصلاة؛ فزعم ابن الجوزي: أنه ورد النهى
عن ذلك في أثار مرسلة عن سعيد بن المسيب معارضة لما ذكره البخاري،
وليست كذلك؛ لأنها غير مقاومة لهما في الصحة، وذكر إبراهيم تشبيك
الأصابع في الصلاة وهو قول مالك، ورخص في ذلك ابن عمر وسالم وأبيه،
فكانا يشبكان في الصلاة، وكذلك الحسن، قال مالك: إنهم يشبكون تشبيك
الأصابع في المسجد وما به بأس، وإنما يكره في الصلاة.
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ حفص بن غياث عن عبد الله بن سعيد
المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا إذا تثاءب أحدكم
فليضع يده، ولا يعوي، فإن الشيطان يضحك في فيه " (3) . هذا حديث إسناده
ضعيف لضعف رواية عبد الله بن سعيد ونكارة حديثه، وسيأتي ذكره بعد،
وقد وجدنا لحديثه هذا أصلا عند مسلم بلفظ: " التثاؤب من الشيطان، فإذا
تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع "، وعند مسلم أيضا من حديث أبي سعيد:
" إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل
فيه " (4) .
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (باب " 88 ") ، ومسلم في (الحج، ح/147) ، وأبو داود في
(المناسك، باب " 56 ") ، وابن ماجة في (المناسك، باب " 34 ") ، واحمد (3/320) .
(2) صحيح. رواه البخاري (1/129) ، والبيهقي (6/94) ، والفتح (1/565) .
(3) " موضوع " هذا اللفظ. وصحيح بدون: " ولا يعوى " رواه ابن ماجة (ح/968) . في الزوائد: في
إسناده عبد الله بن سعيد، اتفقوا على ضعفه. والمشكاة (993) ، والضعيفة (2420) .
(4) رواه أحمد (3/31) ، والبيهقي (2/289) ، وابن عدي في " الكامل " (3324) ، والمشكاة
(942) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (942) ، والفتح (10/612) .(1/1622)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الفضل بن دكين عن شريك عن أبي
اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " البزاق،
والمخاط والحيض، والنفاس في الصلاة/من الشيطان " (1) . هذا حديث أسلفنا
الكلام على من ضعّفه، ثنا بن أبي عدي وغيره: التثاؤب ما يصيب الإنسان
عند الكسل والنعاس والهم من فتح الفم والتمطي عن ابن درستويه، وقال
الترمذي: هي من جهة الرسم انفتاح الفم بريح يخرج من المعدة لغرض من
الأغراض يحدث فيها ذاك، ومن أمثالهم أعرى من الثوباء: يريدون إذا تثاءب
الإنسان تثاءب من بحضرته، وقال ابن درستويه: العامة تقوله بالواو لا بهمزة
تثاوب، ويتثاوب، تثاوبًا، وهو خطأ، وفي الحديث: " إذا تثاءب أحدكم فلا
يقل: هاه هاه فإنه اسم شيطان " (2) . وفي الليلي: تثاءب بمد الهمزة وعن أبي
سهل: الثؤب، بسكون الهمزة.
***
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/969) ، والكنز (19951) ، والجوامع (10302) ، وضعفه
الشيخ الألباني، ضعيف ابن ماجة (ح/204) ، والضعيفة (3379) .
(2) رواه أحمد: (2/517) .(1/1623)
172- باب من أمَّ قوما وهم له كارهون
حدثنا أبو كريب ثنا عبده بن سليمان وجعفر بن عون عن الإفريقي عن
عمران بن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا تقبل لهم
صلاة: رجل يؤم القوم وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة الأدبار-
يعني: بعد ما يفوته الوقت- ومن اعتبد محررًا " (1) . هذا حديث في سنده
عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الأفريقي، وقد تقدَّم الاختلاف فيه.
حدثنا محمد بن عمر بن هناج ثنا يحيى بن عبد الرحمن الأدمي، حدثني
عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ثلاث لا ترتفع صلاتهم
فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمّ قومًا وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها
ساخط، وأخوان/متصارمان " (2) . هذا حديث إسناده لا بأس به، قال أبو
حاتم: لا أرى في حديثه إنكارًا، ويروي عن عبيدة أحاديث غرائب، وقال ابن
نمير: لا بأس به، وقال الدارقطني: صالح يعتبر به، وقال أبو حاتم: لا أرى
بحديثه بأس، والقاسم وثقة العجلي وغيره والمنهال خرج البخاري حديثه في
صحيحه، وفي معجم الطبراني الكبير: ثنا يحيى بن عثمان ثنا سليمان بن
أيوب حدثنى أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن طلحة بن عبيد الله
سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أيما رجل أم قوما وهم له كارهون لم تجز صلاته
أذنه " (3) . وذكره أيضًا الشيخ ضياء الدين في صحيحه- والله أعلم-، وعند
__________
(1) ضعيف. " إلا الجملة الأولى منه فصحيحة " رواه ابن ماجة (ح/970) ، والمشكاة
(1123) ، والتعليق الرغيب (1/170) ، وصحيح الترغيب (483- 486) ، وضعيف أبي داود
(ح/92) ، وصحيح أبي داود (ح/607) ، وضعيف ابن ماجة (ح/205) .
(2) ضعيف بهذا اللفظ، وحسن بلفظ: " العبد " مكان: " أخوان متصارمان ". ضعيف ابن ماجة (ح/
206) ، وسنن ابن ماجة (ح/971) ، وغاية المرام (248) ، والمشكاة (1128) ، والتعليق (1/170) .
(3) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/68) ، وعزاه إلى الطبراني قْي " الكبير " من رواية سليمان بن
أيوب الطلحي. قال فيه أبو زرعة: عامة أحاديثه لا يتابع عليها، وقال صاحب الميزان: صاحب مناكير وقد
وثق. والكنز (20395) ، والترغيب (1/313) ، والطبراني (1/74) .(1/1624)
الترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
أذانهم: العبد الأبق، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام أمَّ قومًا وهم له
كارهون " (1) . وقال: حديث حسن غريب، وفي المعرفة: وروى من وجه آخر
من حديث قتادة، قال: لا أعلمه إلا رفعه قال: وهذا منقطع، ورواه إسماعيل
أظنه ابن عياش عن الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مرسلًا، وعن عطاء عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موصولا،
وهذا إسناد ضعيف، وروى حديث الحسن موصولًا يذكر أنس فيه وليس
بشيء. تفرد به محمد بن القاسم الأسدي عن الفضل بن دلهم عنه، ومن
حديث يزيد بن أبي خبيب عق عمرو بن الوليد عن أنس يرفعه، وعن عطاء
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلًا، وقال الشافعي: لم أحفظه من وجه يثبت أهل/العلم
بالحديث مثله، قال: ومعناه الرجل غير الوالي يؤم جماعة يكرهونه فاكره ذلك
للإمام. انتهى. هذا الوعيد في الرجل ليس من أهل الأمانة فيتغلب عليها حتى
يكَره الناس إمامته، فأمَّا المستحق للإمامة فاللوم على من كرهه، وقوله:
وكارهون يكون قد اتخذه عادة حتى يَكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس،
وقيل: أن يأتيها بعدما يفوت وقتها أو يأتيها حين أدبر وقتها، وقرأ عتق محرره
أي: اتخذه عبدًا وهو أن يعتقه وينكره أو يعتقه بعد العتق، فيستخدمه كرهًا أو
يأخذ حرًا فيدعيه عبدًا أو يتملكه، وإغلاق محررة على هذه الصورة الأخيرة
فيه، وقد روى اعتيد محررًا فيتخرج عليه هذه الصورة الأخيرة، والله أعلم.
__________
(1) صحيح. انظر الحاشية قبل السابقة.(1/1625)
173- باب الاثنان جماعة
حدثنا هشام بن عمار أنبأ الربيع بن بدر عن أبيه عن جدّه عمرو بن جراد
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثنان فما فوقهما
جماعة " (1) . هذا حديث قال فيه أبو محمد بن حزم في كتاب الأحكام: هذا
نجر ساقط، وكأنه- والله أعلم- يعني بذلك ضعف رواية الربيع بن بدر،
اطلعت عليه فإن يحيى بن معين قال: هو ليس بشيء، وفي رواية كان
ضعيفا، وقال أبو حاتم: لا يشتغل به ولا بروايته فإنه ضعيف الحديث ذاهب
الحديث، وقال يعقوب بن سفيان: لا يكتب حديثه، وقال مرة أخرى: ضعيف
متروك، وقال أبو داود: ضعيف الحديث، وفي موضع آخر: لا يكتب حديثه،
وقال ابن خراش: متروك الحديث، وقال/ابن عدي: وعامة رواياته مما لا
يتابعه عليه أحد، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وفي موضع
آخر: متروك الحديث، وكذا قاله الأزدي والدارقطني، وقال الساجي: فيه
ضعف، وكان أحمد بن حنبل إذا ذكره تبسم: يروى عن الأعمش حديثا
منكرا، وقال العجلي: ضعيف الحديث، وقال عثمان بن أبي شيبة: فإنّ
محمد بن عثمان ضعيف، وقال الحاكم لما شأنه عنه مسعود: يقلب الأسانيد،
ويروى عن الثقات المقلوبات، وعن الضعفاء الموضوعات وقال ابن الجارود:
ليس بشيء، وقال البخاري: يخالف في حديثه، وقال السعدي: واهي
الحديث، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويروى عن الثقات المقلوبات، وعن
الضعفاء الموضوعات، ورواه البيهقي من جهة سعيد بن رزين وهو ضعيف،
قال: ثنا ثابت عن أنس فذكره بمثله، وفي الأحكام لابن حزم وقال: لا يصح
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: " اثنان فما فوقهما
جماعة ". وفي الكامل من حديث الحكم بن عمير مرفوعا: " اثنان فما فوقهما
جماعة ". فيه عيسى بن طهمان وهو ضعيف الحديث منكره.
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/972) . في الزوائد: الربيع وولده بدر ضعيفان. والمشكاة
(1081) ، والإرواء (489) ، وضعيف ابن ماجة (ح/207) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.(1/1626)
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا عبد الواحد بن زياد عن
عاصم عن الشعبي عن ابن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأقامني عن يمينه " (1)
هذا حديث خرجه الأئمة الستة في كتبهم.
حدثنا بكر بن خلف بن بشر ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان
ثنا شرحبيل قال: سمعت جابر ابن عبد الله يقول: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلي المغرب / فقمت فجئتِ عن يساره فأقامني عن يمينه " (2) . هذا حديث
في إسناده ضعف بضعف شرحبيل بن سعد أبي سعد الأنصاري الخطمي
المدني، فإنّه وإن كان ابن حبان قد ذكره في الثقات، وفي رواية نصر عن
يحيى ثقة، وخرج ابن خزيمة وابن حبان والحاكم حديثه وزاد الحاكم: روى
عن مالك بعد أن كان رمى الرامي فيه، قال البرقي: روى عنه مالك حديث
النهش، وحدَث عنه يحيى بن سعيد، وقال أبو زرعة: فيه لين، فقد فال ابن
أبي ذئب: ثنا شرحبيل بن سعد، وكان متّهمَا، وقال علي بن المديني: اتهم
وترك، وقال الساجي: فيه ضعف، وليس بذاك، وفي موضع آخر: ضعيف
وذكره البرقي في باب من كان الأغلب عليه الضعف في حديثه، وقد ترك
بعض أهل العلم من المحدّثين الرواية عنه، وذكره أبو العرب، والمسحيلي، وابن
السكن البلخي، والعقيلي في جملة الضعفاء، وقال بشر بن عمر قال مالك:
ليس بثقة، وقال النسائي: ضعيف، وكذا قاله ابن معين في رواية عباس، زاد:
وليس هو بشيء قيل لابن إسحاق: كيف حديثه؟ فقال: واحد يحدّث عنه،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في العلم، باب " 41 "،، والوضوء، باب " 5 "،، والأذان باب
" 57، 59، 161 ") ، ومسلم في (المسافرين، ح/181، 182، 184، 189، 192، 193) ، والنسائي في
(الإمامة باب " 22 " والتطبيق، باب " 63 ") ، وابن ماجة في (الطهارة، باب " 48 " والإقامة باب
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/974) . في الزوائد: في إسناده شرحبيل، ضعيف. ضعفه
غير واحد، بل اتهمه بعضهم بالكذب، لكن ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج هو وابن
خزيمة في صحيحيهما هذا الحديث من طريق شرحبيل.(1/1627)
وقال ابن عديّ: له أحاديث، وليست بالكثيرة، وفي عامة ما يرويه إنكار على
أنه قد حدّث عنه جماعة، وهو إلى الضعف أقرب، والله تعالى أعلم.
حدثنا نصر بن علي ثنا أبي ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن
أنس عن أنس: قال: " صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بامرأة من أهله وبي، فأقامني عن
يمينه، وصلَّت خلفنا المرأة " (1) . هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه وفي أبي
داود (2) ما يبين أن هذه المرأة من أهل أنس، لا من أهل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي
صحيح ابن حبان من حديث/شعبة عن ابن المختار، عن موسى، عن أنس، أنه
كان هو والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمه وخالته، فصلى بهم النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- فجعل أنس بيمينه وأمه وخالته خلفهما " (3) . وفي البخاري من حديث
مالك بن الحويرث: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا وليؤمكما أكبر كما " (4) ، وحديث:
" صلاة الرجل مع الرجل أولى من صلاته وحده " (5) ، وحديث: " من يتصدق
على هذا فيصلي معه " (6) . رواه أبو سعيد عن ابن حبان، والله تعالى أعلم.
__________
(1) هذا حديث تقدم ص 1627.
(2) قوله: " أبو داود " سقط من " الأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) قلت: " وقد سقط هذا الحديث من الأصل إلا كلمات وكذا أثبتناه.
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأسان، باب " 18،17، 49، 140 ") ، ومسلم
في (المساجد، ح/393،392) ، وابن ماجه (ح/979) ، والدارمي في (الصلاة، باب " 42 ") ،
وأحمد (3/436، 5/53) .
(5) رواه النسائي في (الإمامة " باب 45 ") ، والبيهقي (3/68) ، والتمهيد (6/317) ، والفتح
(12/36) ، والقرطبي (1/351) ، والعقيلي (6/112) .
(6) تقدم، وانظر: الإرواء (2/316) ، والكنز (3427) .(1/1628)
174- باب من يستحب أن يلي الإمام
حدثنا محمد بن الصباح، أنبأ سفيان بن عيينة عن الأعمش عن عمارة بن
عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود الأنصاري قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: " لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم
أولوا الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " (1) . هذا حديث
خرجاه في صحيحيهما فيما قاله الحاكم وعنده أيضَا: " ليلني منكم الذين
يأخذون مني أولى الصلاة " (2) ، وقال: هذه الزيادة عندهما صحيحة على
شرطهما، وفي علل الخلال: قال جبل: ثنا أبو عبد الله ثنا يونس ثنا يزيد بن
زريع ثنا خالد عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله يرفعه:
" ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى ". قال أحمد: هذا حديث منكر، وقال أبو
الحسن: لم يروه عن إبراهيم إلّا أبو معشر، وهو مخرج في صحيح مسلم
بزيادة: وقال فيه الترمذي: حسن غريب، وعند ابن/خزيمة (3) : من حديث أبي
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: " كونوا في الصف الذي يليني ".
حدثنا نصر بن علي ثنا عبد الوهاب ثنا عبد الواحد ثنا حميد عن أنس قال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه " (4) . هذا حديث
إسناده صحيح ولفظ أحمد في مسنده (5) : " ليحفظوا عنه ".
حدثنا أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة عن أبي الأشهب عن أبي نضرة عن
__________
(1) تقدم. رواه البخاري (3/158، 4/213) ، ومسلم في (الصلاة، ح/123،122) ، وأبو
داود (ح/664، 675) ، والترمذي (228) ، وأحمد (4/122) ، والحاكم (1/573، 2/8) ،
والطبراني (10/ 108، 178، 17 / 215، 218) ، وأبو عوانة (2/41، 42) .
(2) رواه الحاكم في " المستدرك ": (1/573، 2/8) .
(3) رواه ابن خزيمة: (1552) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/977) ، وأحمد (3/100، 263،199) ، والبيهقي (3/97) ،
والكنز (17934) ، والصحيحة (1409) . وصححه الشيخ الألباني.
(5) رواية أحمد في الحاشية السابقة.(1/1629)
أبي سعيد: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى في أصحابه تأخرًا، فقال: " تقدَّموا
وأتموا بيِ، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخِّرهم الله عز
وجل " (1) . هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه. وفي سنن أبي داود (2)
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يزال قوم يتأخرون عن الصف
الأول حتى يؤخرهم الله تعالى في النار ". قال المنذري: قال هذا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المنافقين، ويحتمل أن يكون تأخرهم في العلم أو في السبق والمنزلة عنده
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفي سنن الدارقطني من حديث عبيد الله بن سعيد عن الليث عن
مجاهد عن ابن عباس يرفعه: " لا يتقدّم الصف الأول أعرابي، ولا أعجمي،
ولا غلام لم يحتلم " (3) . المنكب من الإنسان وغيره: مجتمع رأس الكتف
والعضد، تذكر لا غير حكى ذلك اليماني. وفي صحيح البخاري في كتاب
البيوع: في عامة ما رأيت من الأصول فوضع يده على إحدى منكبي.
والأحلام: الحلومْ، جَمْعُ حُلُم وهو: الأماة والعقل، قال الله تعالى: (أم
تأمرهم أحلامهم بهذا) . وقال جرير بن الخطفي فيما ذكره ابن سيده: هل
من حلوم لأقوام فينذرهم ما حربت الناس من عضى/ونضوي، وهذا أحد ما
جمع من المصادر، ورجل حليم من قوم أحلام وحلمًا، والنهي: العقل يكون
واحدًا وجمعًا وهو جمع نُهيه، والنهاة والمنهاة، العقل كالنهية، ورجل منها،
وعاقل حسن الرأي عن أبي العميثل، وفي الغريبين: لأنه ينهى ما إلى المبائع،
وقيل: لأنه ينتهى إلى رأيه واختياراته لعقله، وخصهم بذلك استخلافه إن
احتاج أو لتبليغ ما يسمعونه منه، وضبط ما يحدث عنه والتنبيه على سهو إن
وقع؛ ولأنهم أحق بالتقدم، وليقتدي هم من بعدهم، والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح. روا مسلم في (الصلاة، ح/130) ، والنسائي في (الإمامة، باب " 17 ") ، وأبو
داود (ح/680) ، وابن ماجة (ح/978) ، واحمد (3/34، 54) ، والبيهقي (03/13) ، والترغيب
(1/324) ، والكنز (20648) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/130) ، وأبو داود (ح/679) ، والنسائي في
(الإمامة، باب " 17 ") ، وابن ماجة (ج/978) ، وأحمد (3/34، 54) ، والبيهقي (03/13) ،
والكنز (23008) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/203) ، وأبو عوانة (2/42) .
(3) رواه الدارقطني (1/281) ، والعلل المتناهية (1/428) .(1/1630)
175- باب من أحق بالإِمامة
حدثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي
قلابة عن مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وصاحب لي، فلما
أردنا الانصراف قال لنا: " إذا حضرت الصلاة فأذّنا وأقيما، وليؤمكما
أكبركما " (1) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما.
حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إسماعيل بن رجاء
سمعت أوس بن صمعج قال: سمعت أبا مسعود يقول: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم
أقدمهم هجرة، وإن كانت الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنُّا، ولا يؤم الرجل
في أهله ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمة في بيته إلا لإذن أو بأذنه " (2) .
هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه، وفي الباب حديث أبي سعيد الخدري
من عنده أيضا مرفوعا: " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة
أقرئهم " (3) . وحديث/ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يؤمَكم
اقرأهم " وإن كان ولدا ذكره ابن حزم في كتاب الأعرابي من حديث
محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك. وحديث أبي هريرة قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم، وإذا أمكم
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 162، 163، 346، 2/ 42) ، ومسلم في
(المساجد، ح/292) ، والنسائي (2/9) ، وأحمد (5/53) ،والبيهقي (1/ 385، 2/
17، 345، 3/54، 91) ، والحاكم (3/47) ، والدارقطني (1/273، 346، 2/42) ، والطبراني
(7/56) ، ومشكل (2/297) .
(2) صحيح. أورده الألباني في " الصحيحة " (ح/1595) ، وعزاه إلى مسلم وأبي داود (ح/582) ،
والنسائي (2/76) ، وأحمد (3/163، 4/118) ، والبيهقي (3/90، 119، 125، 121، 5/272) ، وأبو
عوانة (2/35) ، وابن عدي في " الكامل " (7/2507) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/289) ، والنسائي (2/77، 104) ، وابن خزيمة
(1508) ، والمشكاة (1118) ، والمنحة (624) ، وابن أبي شيبة (1/343) ، والبيهقي (3/
121،119،89) ، والكنز (1755) .(1/1631)
فهو أميركم " (1) . رواه البزار وقال: لا نعلمه يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من
رواية أبي هريرة بهذا الإسناد، وعند الدارقطني من حديث خالد بن إسماعيل
الخزومي- وهو متروك- مرفوعًا: " إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدّموا
خياركم " (2) . ومن حديث عبد الله بن محمد بن يحيى- وهو ضعيف-:
لا سيليكم بعدي أمراء فيليكم الببرة، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا
وصلوا وراؤهم " (3) . وحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أم
قوما وفيهم من هو أقرؤ منه لكتاب الله وأعلم، لم يزل في سفاك إلى يوم
القيامة " (3) . ذكره العقيلي من حديث الهيثم بن عقاب، قال: وهو مجهول
بالنقل وحديث غير محفوظ، وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى عن ابن
عمر إلا بهذا الإسناد. تفرد به الحسين بن علي بن يزيد الصدائي يعني عن أبيه
عن حفص بن سليمان عن الهيثم، وفيه من حديث عبد الله بن حنظلة
الغسيل مرفوعًا: " الرجل أحق بصدر دابته، وأن يؤم في رحله " (4) . وقال: لم
يروه عن المسيب بن رافع، ومعبد بن خالد إلا إسحاق بن يحيى بن طلحة،
ولا يروى عن عبد الله بن حنظلة إلّا بهذا الإسناد، وعند الدارقطني من
حديث عمر بن يزيد- وهو منكر الحديث- مرفوعَا: " اجعلوا أئمتكم
خياركم فأمموهم وقدموهم فيما بينكم وبن الله عز وجل " (5) . وعن خالد بن
إسماعيل أيضًا " صلوا خلف/من قال: لا إله إلا الله " (6) . وحديث عمر بن
__________
(1) لم تقف عليه.
(2) رواه الدارقطني (1/346) ، والكنز (20388) ، والخطيب (2/51) ، ولسان (5/267) ،
والقرطبي (1/357) ، وابن عدي في " الكامل " (3/912) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5/218) ، وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وهو ضعيف جدا.
(4) صحيح. رواه أحمد (3/32) ، والد، مي (2/285) ، والمجمع (6/80، 08/18) ، وابن أبي شيبة (8/
372) ، والإرواء (2/257) ، والكنز (24962، 24963، 24999) ، وابن عساكر في " التاريخ " (7/
374) ، وأصفهان (1/134) ، والصحيحة (1595) . وكذا صححه الشيخ الألباني.
(5) رواه الدارقطني (2/88) ، ونصب الراية (2/26) ، والخفاء (2/140) .
(6) تلخيص (2/35) ، والإرواء (2/305) ، والخطيب (03/46، 1/2831) ، وأصفهان (2/
317) ، وابن القيسراني (501) ، والدرر (104) ، والمتناهية (1/423، 424) .(1/1632)
سلمة من عند البخاري مرفوعًا: " فإن أحضرت الصلاة فليؤذن أحدكم
وليؤمكم أكثركم قرآنا " (1) . وحديث جابر مرفوعا: " ألا لا يؤمن رجل
امرأة، ولا يؤمن أعرابي مهاجر، ولا يؤمن فاجر برَا إلّا أن يكون ذا
سلطان " (2) . ذكره ابن حزم في كتابه الأعراب من حديث ابن جدعان، وهو
ضعيف. وحديث ابن عباس: " ليؤذن لكم خياركم، ويؤمكم قراؤكم ".
تقدم من عند ابن ماجة. وحديث عائشة من كتاب الخلال، وقيل لها: من
يؤمنا؟ قالت: " أقرؤكم للقرآن، فإن لم يكن فأصبحكم وجهًا ". قال أحمد،
ويحيى بن معين: هذا حديث سوء ليس بصحيح، وسئل أحمد عن حديث
مؤيد السنجي عن مرة عن عمر: " لا يوم المقيد المطلقين " (3) ، فلم يعجبه،
قيل له: تعرف في المقيد يؤم المطلقين قال: لا أعرف فيه شيئًا يصح.
__________
(1) تقدم قريبا في ص 1631.
(2) انظر: كتاب الأعراب لابن حزم.
(3) رواه الدارقطني: (1/185) .(1/1633)
176- باب ما يجب على الإمام
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبد الحميد بن
سليمان أخو فليح ثنا أبو حازم قال: كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان
قومه يصلون بهم قيل له: تفعل هذا، ولك من القدم مالَكَ؟! قال: " إني
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الإِمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء
يعني فعليه ولا عليهم " (1) . هذا حديث قال فيه الحاكم وخرجه من حديث
شريح بن النعمان عن عبد الحميد: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه،
وكأنه- رحمه الله تعالى- لم يعتد بما قيل في رواية عبد الحميد، وهو وإن
فال فيه أحمد: وسئل كيف حديثه، قال: لا أدرى إلا أنه/ما كان يرى به
بأسًا، وخرج الحاكم حديثه في مستدركه وصححه الترمذي وأبو علي
الطوسي فقد قال فيه النسائي: ليس بثقة، وفي موضع آخر: ضعيف الحديث،
وكذا قاله الدارقطني، وابن المديني، وصالح بن محمد، وقال أبو داود: غير ثقة
ويحيى بن معين: ليس بشيء، وفي موضع آخر: ليس بثقة، وفي موضع آخر:
لا يكتب حديثه، ولما ذكر ابن عدي وابن طاهر حديثه الذي صححه أبو علي
وأبو عيسى: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة " (2) . رواه به. زاد
أبو أحمد وهو ممن يكتب حديثه، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال جرير بن
عبد الحميد: فليح أثبت منه، وذكره العقيلي وابن شاهين في جملة الضعفاء،
وقال يعقوب بن سفيان: من باب يرغب عن الرواية عنهم، وكنت أسمع
أصحابنا يضعفونهم منهم عبد الحميد بن سليمان ولم يكن بالقوي وقال ابن
الجارود: ليس بشيء وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن أم غراب عن امرأة يقال لها:
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/216) والبيهقي في " الكبرى " (1/430، 431، 3/127)
والصحيحة (1767) .
(2) المجمع (1/2880) ، والصحيحة (ح/943،686) . انظر طرقه وتصحيح الشيخ الألباني
لهذا الحديث.(1/1634)
عقيلة عن سلامة بنت الحر أخت خرسة، قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: " يأتي على الناس زمان يقومون ساعة لا يجدون إماما يصلي بهم " (1) .
هذا حديث في سنده امرأتان مجهولتان الأولى أم غراب طلحة وإن كان قد
روى عنها أيضًا مروان بن معاوية الفزاري، وفي الكمال: وهارون بن عباد
فيشبه أن يكون وهمًا، وذلك أنّ ابن عباد إنّما روى عن مروان عنها. نص على
ذلك أبو داود وغيره فإني لم أر من تعرض لمعرفة حالها، وأما عقيلة فلم أر
من ذكر عنها راويًا غير أم غراب، ولا تعرض لحالها على أن أبا داود لما روى
حديثها سكت عنه، وتبعه / على ذلك المنذري وغيره، وليس كافيا ولفظه:
" من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماما يصلي هم " (2) .
وفي كتاب الخلال من حديث عبد الرزاق عن أبيه: أن قومًا تدافعوا الإمامة
فخسف هم، قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: سمعه من عبد الرزاق، وليس
له إسناد.
حدثنا محرز بن سلمة العدني ثنا ابن أبي حازم عن عبد الرحمن بن حرملة
عن أبي علي الحمداني: أنه خرج فيه لسفر فيه عقبة بن عامر الجهني، فجاءت
صلاة من الصلوات فأمرناه أن يؤمنا، وقلنا له: إنَّك أحقنا بذلك أنت صاحب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من أم الناس
فأتم فأصاب فالصلاة له ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم " (3) .
هذا حديث صححه الإشبيلي بسكوته عنه، وأبي ذلك عليه أبو الحسن،
وضعفه، ولما ذكره أبو جعفر الطحاوي عن الربيع بن سليمان قال: ثنا سعيد بن
كثير بن عفير ثنا يحيى بن أيوب عن حرملة عن عمران عن أبي علي
الحمداني سمعت عقبة قال: أهل العلم بالحديث يقولون: الصواب في إسناد
__________
(1) انظر: الحاشية القادمة.
(2) انظر: كتاب الخلال.
(3) صحيح. رواه أبو داود في (الصلاة، باب " 59 " وابن ماجة ح/983) ، وأحمد (4/
145، 201) ، والبيهقي (3/127) ، والحاكم (213،1/209) ، وابن حبان (3740) ، وابن
خزيمة (1513) ، والترغيب (1/310) ، ومشكل (3/54) ، وإتحاف (3/173) ، والطبراني (17/
329) ، والكنز (20394) .(1/1635)
هذا الحديث يحيى بن أيوب عن حرملة عن أبي علي؛ لأن عبد الرحمن بن
حرملة لا يعرف له سماع من أبي علي، ولما خرجه الحاكم من جهة يحيى بن
أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي، قال: صحيح على شرط
البخاري ولم يخرجاه. انتهى كلامه. وفيه نظر. من حيث أن يحيى بن أيوب
الغافقي ممن اتفقا على تخريج حديثه، وعبد الرحمن بن حرملة. تفرد بحديثه
مسلم، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/قال:
" يصلون لكم، فإن أصابوا منكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم " (1) . وتقدم
حديثه أيضًا: " الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن " وما فيه من العلل القادحة وغير
القادحة، وعند الدارقطني بسند لا بأس به عن جابر يرفعه: " الإمام ضامن،
فما صنع فاصنعوا " (2) . قال أبو حاتم: هذا صحيح لمن قال بالقراءة خلف
الإمام. وفي كتاب أبي داود بسند حسن من حديث قبيصة بن وقاص قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي
عليهم " (3) . وقال المهلب في حديث أبي هريرة: " جواز الصلاة خلف البر
والفاجر إذا خيف منه، وفيه أن الإمام إذا ينقص فرض من فروضها فلا يجوز
اتباعه إلّا أن يخاف منه " (4) .
***
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/178) ، والبيهقي (2/397، 3/127) ، والترغيب (1/310) ،
والكنز (20392) ، والمغني عن حمل الأسفار (1/173) ، والمشكاة (1133) ، وإتحاف (3/
173) ، وشرح السنة (05/43) ، ونصب الراية (2/60) ، والصحيحة (1767) .
(2) رواه ابن عساكر في " التاريخ " (6/363) ، والمتناهية (1/439) ، الخطيب في " التاريخ "
(8/332) ، والمجمع (2/66) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "، وفيه موسى بن شيبة من ولد
كعب بن مالك، ضعفه أحمد، ووثقه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات أيضا.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/434) ، وابن سعد في " الطبقات " (7/38) ، والطبراني (18/
375) ، والمشكاة (622) ، والكنز (20681) ، والاستذكار (1/36) .
(4) رواه ابن حبيب في " مسنده ": (1/ 44، 3/ 6) .(1/1636)
177- باب من أمُّ قومًا فليخفف
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا إسماعيل عن قيس عن أبي مسعود
قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال يا رسول الله: إنى لأتأخَّر في صلاة الغداة
من أجل فلان لما يطيل بنا فيها. قال: فما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب قط
في موعظة أشدّ غضبًا منه يومئذ فقال: " يا أيها الناس إنّ منكم منفرين،
فأيّكم ما صلى بالناس فليجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة (1) .
هذا حديث خرجاه في الصحيح، وفي لفظ عند البخاري: " فإن فيهم
المريض والضعيف ". ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث أبي الجواب عن
عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن قيس بن أبي حازم عنه، وقال: المشهور
من حديث إسماعيل عن قيس.
حدثنا أحمد بن عبدة وحميد بن مسعدة قالا: ثنا حماد بن زيد ثنا عبد
العزيز بن صهيب عن مالك قال: " كان رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجز ويتم
الصلاة " (2) . هذا حديث خرجاه أيضًا حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن
سعد عن ابن الزبير عن جابر قال: صلى معاذ بن جبل بأصحابه صلاة
العشاء، فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى فأخبر معاذ عنه فقال: إنه
منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره ما قال معاذ
فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتريد أن تكون فتانًا يا معاذ، إذا صليت بالناس فاقرأ
بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، واقرأ باسم
ربك " (3) . هذا حديث خرجه أيضًا من حديث عمرو بن دينار: سمعت جابرًا
بلفظ: " أقبل رجل فمر بنا، وقد جنح الليل فوافق معاذًا أنت ثلاث مرات ".
وفي مسند أحمد بن حنبل بسند صحيح عن بريدة الأسلمي: " إنَّ معاذًا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/180، 8/ 33، 9/ 82) ، ومسلم في (الصلاة، ح/
182) ، وابن ماجة (ح/5/273) ، والطبراني (17/208) ، والكنز (20426) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/181) ، ومسلم في (الصلاة، ح / 188) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/179) ، والبيهقي (2/393) ، وابن ماجة (ح/
986) ، والنسائي (2/173) ، والكنز (19670) ، ونصب الراية (2/30) ، والإرواء (1/330) .(1/1637)
صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها اقتربت الساعة، فقام رجل فصلى وذهب ... ".
الحديث، وفيه أيضًا بسند صحيح عن أنس بن مالك: " كان معاذ يؤم قومه
فدخل حرام- يعني: ابن ملحان: وهو يريد أن يسقى نخلة المسجد، فلما رأى
معاذًا طوَل، تحول في صلاته ولحق بنخله ليسقيه " (1) . وعنده أيضًا من حديث
معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بنى سلمة: أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا
رسول الله إن معاذَا ... الحديث، وذلك قبل أُحد فدلّ أن الحديث منقطع؛ لأن
معاذ بن رفاعة ليس صحابنا، قال ذلك: ابن حزم وغيره، وفي سنن أبي داود
عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حبيب، سمعت عبد الرحمن بن جابر
يحدّث عن حزم بن أبي كعب الأنصاري: أنه أتى معاذًا وهو يصلى يقول مع
صلاة المغرب ... " (2) الحديث. وفي صحيح البستي عن جابر: كان معاذ
يصلي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم فأخرّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء ذات
ليلة فصلى معه معاذ ثم رجع إلينا فتقدّم ليؤمنا، فافتتح بسورة البقرة فلما رأى
ذلك رجل منّا " (3) ... الحديث، وفيه: قال عمرو: وأمره بسور لا أحفظها،
قال سفيان: فقلنا لعمرو إنّ أبا الزبير قال لهم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " اقرأ
بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، والشمس وضحاها، والليل إذا
يغشى " (4) . قال عمرو بنحو هذا، وفي لفظ: " ثم ينصرف إلى قومه
فيصلي هم " وكان إمامهم ". قال أبو حاتم: في هذا رخص زعم أنه لم يكن
يصلي بهم لغرض، وإن الغرض أدّاه مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال ذكر الخبر الدال
على أنَّ المغرب ليس له وقت واحد أنبأ ابن الجنيد ثنا قتيبة ثنا حماد بن زيد
عن عمرو سمع جابرا: " إن معاذًا كان يصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغرب ثم
يرجع إلى قومه فيؤمهم ". وفي شرح مسلم للنووي- رحمه الله تعالى- باب
القراءة في العشاء فيه حديث البراء بن عازب: " أن معاذا كان يصلي مع النبي
__________
(1) هذا الحديث تقدَمت روايته بأطول مما ورد هنا الآن. وانظر ألمجمع (2/71) ، وقد عزاه
الهيثمي إلى أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح.
(2) هذا حديث قد تقدم أيضا. (3) المشكاة (1150، 1151) .
(4) تقدْم. رواه ابن ماجة (ح/836) ، والفتح (2/195) ، والمنثور (6/338) ، والإرواء (1/328) .(1/1638)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يأتي قومه فيؤمهم ... " الحديث. انتهي. وينبغي أن يثبت في هذا،
فإني لم أجده في مسلم، ولا في كتاب من الكتب الستة، وفي سنن
الدارقطني بسند صحيح عن أبي بكر النيسابوري: ثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا أبو
عاصم عن ابن جريح عن عمرو عن جابر: " أنَ معاذا كان يصلي مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي هم هي له تطوع ولهم فريضة ".
وثنا أبو بكر ثنا عبد الرحمن بن بشر وأبو الأزهر قالا: ثنا عبد الرزاق، أنبأ ابن
جريج أخبرني عمرو أخبرني جابر الحديث بلفظ: " فيصلي بهم تلك الليلة
هي له نافلة/ولهم فريضة ". ورواه الشافعي في مسنده عن عبد المجيد عن ابن
جريح عن عمرو به، وقال البيهقي: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى من
طريق واحدة أثبت من هذا ولا أوثق رجالا، قال البيهقي: وكذلك رواه
عبد الرزاق عن ابن جريح فذكر هذه الزيادة، وقد رويت هذه الزيادة من وجه
آخر عن جابر رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن عجلان عن عبيد الله بن
مقسم عن جابر بلفظ: " فيصلي لهم العشاء وهي له نافلة "، وقد روى ابن
عيينة عن عمرو حديث جابر هذا فلم يذكر هذه الزيادة، فيجوز أن يكون من
قول ابن جريح، أو من فول عمرو، أو من قول جابر، ثنا علي ظنّ واجتهاد لا
يجزم، وذكر أبو البركات ابن تيمية أنَ الإمام أحمد ضَعف هذه الزيادة وقال:
أخشى أن لا تكون محفوظة؛ لأن ابن عيينة يزيد فيها كلاما لا يقوله أحد،
وزاد ابن قدامة في المغني عنه، وقد روى الحديث منصور بن زادان وشعبة فلم
يقولا ما قاله سفيان. انتهى. قد سبق من عند الدارقطني وغيره إن هذه الزيادة
جاءت من قبل ابن جريح ومن عند الطحاوي أنّ ابن عيينة لم يأت لها فينظر،
وفي كتاب ابن الجوزي: فإن قالوا فقد روى عن جابر أنّه قال: يكون له
تطوّعًا قلنا: هذا لا يصح، ولو صح كان ظنا من جابر، وبنحوه ذكر القاضي
أبو بكر في العارضة وفي كتاب ابن بشكوال: اسم الرجل المنصرف حازم،
وفي مسند الشافعي: " فقرأ بسورة البقرة والنساء " (1) . قال البيهقي: الأصل ما
كان موصولا بالحديث يكون منه، وخاصة إذا روى من وجهين إلا أن تقوم
__________
(1) تقدم في رواية مطولة.(1/1639)
دلالة على التمييز، فالظاهر أن قوله: " هي له تطوع، وهي لهم مكتوبة " من
قول جابر، وكان الصحابة أعلم بالله وأخشى/له من أن يقولوا مثل هذا لا
يعلم. وحديث عمرو بن شعيب عن سليمان مولى ميمونة عن ابن عمر عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تصلوا صلاة في يوم مرتين " (1) . لا يثبت ثبوت حديث
معاذ للاختلاف في الاحتجاج بروايات عمرو وانفراده به، والاتفاق على
الاحتجاج بروايات رواها معاذ: " وصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي صلاة الخوف ببطن
نخل مطابقة ركعتين ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى فصلى لهم ركعتين ثم
سلم " (2) . قال الشافعي: أنبأ به الثقة بن عيينة أو غيره عن يونس عن الحسن
عن جابر فذكره، وقال: فالآخرة من هاتين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نافلة وللآخرين فريضة،
وعن عطاء إن أدركت العصر ولم تصل الظهر فاجعل الذي صليت مع الإمام
الظهر وصل العصر بعد ذلك، قال الشافعي: يروي عن عمر بن الخطاب وعن
رجل من الأنصار مثل هذا المعنى، ويروي عن أبي الدرداء وابن عباس قريب
منه، وكان وهب بن منبه وأبو رجاء العطاردي والحسن وابن المهدى ومسلم
وخالد ويحيى بن سعيد وغيرهم يقولون بهذا، وعن ابن جريج قال: أتيت
طاوس فوجدت الناس في القيام فجعلتها العشاء الأخرة، قال: أصبت، وهي:
رواية عن أحمد، قال سليمان بن حرب لابن المنذر وأبو داود، قال البيهقي:
واحتج بقوله: " من يتصرف على هذا فيصلى معه " (3) . وعن الأوزاعي قال:
دخل ثلاثة نفر من الصحابة في صلاة العصر ولم يكونوا صلوا الطهر، فلما
أسلم الإمام قال بعضهم لبعض: كيف صنعت، قال أحدهم: أما أنا، فجعلت
صلاتي مع الإمام صلاة الظهر ثم صليت العصر وقال الآخر أنا جعلت صلاتي
مع الإمام/العصر ثم صليت الظهر، وقال الآخر: أما أنا فجعلت صلاتي مع
الإمام سبحة، وأسبقت الظهر ثم العصر فلم يعب أحدهم على صاحبه، قال:
__________
(1) تقدْم. رواه أبو داود (ح/579) ، وأحمد (2/19، 41) ، والبيهقي (2/303) ، ونصب الراية
(2/55، 148) ، والدارقطني (1/415، 416) ، والتمهيد (4/244، 245) ، والمشكاة (2157) ،
وابن خزيمة (1641) ، وشرح السنة (3/431) ، والحلية (8/385، 9/231) .
(2) بنحوه. رواه سعيد بن منصور في " سننه " (2504) ، وابن أني شيبة (14/538) .
(3) تقدم. الكنز (3427) ، والإرواء (2/316) .(1/1640)
وروينا هذا عن الوضيف بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن ابن عائذ قال:
" دخل ثلاثة نفر " ... الحديث، وزعم المهلب: أنَّ حديث معاذ يحتمل أن
يكون أوّل الإسلام وقت عدم القرآن ووقت لا عوض للقوم من معاذ، فكانت
حال ضرورة لا تجعل أصلا يقاس عليه. انتهى. قد أسلف أنَّ هذا كان قبل
أُحد، فلا حاجة لنا إلى هذا النحو، وقد ورد حديث بشدّ قول من ذهب إلى
أنّ معاذا كان يصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرض ذكره الإسماعيلي، ثنا إبراهيم بن
السرى بن أحمد ثنا مهنأ وابن السرى ثنا محمد بن إسحاق العامري ثنا عبد
الله عن أبي الأحوص عن المغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجع من المسجد صلى بنا ". ومنع أبو حنيفة وأصحابه
من صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو قول الزهري ورواية عن الحسن بن أبي
الحسن، وقول سعيد بن المسيح والنخعي، وأبي قلابة وربيعة بن أبي عبد
الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، وروا ية أبي الحرث عن
أحمد بن حنبل، زاد الطحاوي: ومجاهدا، واستدل بالحديث الصحيح: " إنما
جعل الإمام ليؤتّم به فلا تختلفوا عليه " (1) . قال ابن بطال: ولا اختلاف أعظم
من اختلاف النيات، ولأنه لو جاء بنا المفترض على صلاة المتنفل لما شرعت
صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها وارتكاب الأعمال التي لا تصح الصلاة
معها في غير الخوف؛ لأنَه كان يمكنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلى/مع كل طائفة جميع
صلاته، وتكون الثَّانية له نافلة وللطائفة الثانية فريضة. انتهى. قد أسلفنا ما قاله
في الحديث، فلا حاجة له إلى إحالة لوقوعه لكونه حديثا جيد، قال
الطحاوي: ويحتمل أن يكون حديث معاذ وقت كأنه الفريضة تصلى مرتين،
فإنَّ ذلك قد كان يفعل في أوّل الإسلام حتى نهي عنه، وبنحوه ذكره ابن
السني وابن بطال. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل ابن علية عن
محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبد الله بن الشخير
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/184) ، وأحمد (2/314) ، والدارمي (1/287) ، ومالك في
" الموطأ " (ص 93) ، والبيهقي (2 /18، 97، 156) ، وعبد الرزاق (4082) ، والتمهيد (6/
131، 132، 137) ، وتلخيص (2/6، 37) ، وإتحاف (3/202، 204) ، والبخاري في " الكبير "
(9/38) ، الخطيب في " التاريخ " (5/320) ، والتجريد (8875،82) ، والكنز (20476) .(1/1641)
قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: كان آخر ما عهد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حين أمرني على الطائف أن قال لي: " يا عثمان تجاوز في الصلاة واقدر
الناس بأضعفهم، فإنَّ فيهم الكبير والسقيم والبعيد وذا الحاجة " (1) . هذا
حديث خرجه مسلم بلفظ: " فمن أمّ الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن
فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، فإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف
شاء " (2) ، وفي لفظ: " إذا أممت الناس فاحفَّ بهم الصلاة " (3) ، وفي
الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أم أحدكم الناس
فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، وإذا صلى وحده
فليصل كيف شاء " (4) . حدثنا على بن إسماعيل حدثنا عمر بن على حدثنا
يحيى حدثنا علي بن إسماعيل حدثنا شعبة حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن
المسيب قال عثمان بن أبي العاص: إنَ آخر ما قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
أممت قوما فأخف بهم " (5) . وعد النسائي من حديث ابن عمر بسند صحيح:
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا بالتخفيف ويأمنا/بالصافات " (6) . وفي مسند
الشافعي من حديث عبد بن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرخس قال: عدنا
أبا واقد فسمعته يقول: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخف الناس صلاة على الناس
وأطول صلاة لنفسه " (1) . وفي مصنف أبي بكر عن المنذر عن أبي أسيد قال:
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/987) ، وأحمد (4/21) ، وابن خزيمة (1608) . وصححه
الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/183، 182، 186) ، والبخاري في (الأذان، باب
" 63 ") ، والترمذي (الصلا ة، باب " 61 ") ، وأحمد (2 / 256، 393، 537، 4/
(3) صحيح. ورواه ابن ماجة (ح/988) ، وصححه الشيخ الألباني.
(4) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/183) ، والترمذي (ح/236) ، والبيهقي (3/
117) ، وعبد الرزاق (3712) ، وتلخيص (2/28) .
(5) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/187) ، وابن ماجة (ح/988) ، وأحمد (4/22) ،
والبيهقي (3/116) ، والحلية (5/100) .
(6) المنثور (5/270) ، والمشكاة (1135) ، وابن كثير (3/7) .(1/1642)
" كان أبي يصلى خلفي فربما قال لي: يابني طولت بنا اليوم ". وعند
الطبراني من حديث إبراهيم التيمي عن أبيه سمعت عبد الله بن مسعود عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا
الحاجة " (2) وقال: لم يروه عن عمار الدين عن ابن عمر إلا عبد الجبار تفرد
ول، والله تعالى أعلم.
***
__________
(1) رواه أحمد (5 / 219،218) ، والمجمع (2 / 70) ، وعزاه إلى أحمد وأبو يعلى وقال الليثي
والطبراني في الكبير وقال البكري: ورجاله موثقون. والكنز (22855) ، والبخاري في " الكبير "
(2 لم 258) ، الخطيب في " التاريخ " (3 / 232، 14، 423) ، والحلية (7 / 232) .
(2) رواه أبو عوانة (2 / 86) ، والحميدي (453) .(1/1643)
178- باب الإمام يخفف الصلاة إذا حضرت
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن
أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لأدخل في الصلاة، وأنا
أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم بوجد أمّه
ببكائه " (1) . هذا حديث اتفقا على تخريجه، وفي لفظ عند البخاري: " ما
صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان
ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه " (2) . حدثنا إسماعيل بن أبي
كريمة الحرافي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن عبد الله بن علات عن
هشام بن حسان عن عثمان بن أبي العاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى
لأسمع بكاء الصبي فأتجوز في الصلاة " (3) . هذا حديث في سنده انقطاع فيما
بين الحسن وعثمان نص/على ذلك أبو عبد الله الحاكم في مستدركه، وذلك
آية لما ذكر حديثه عنه: " تمكث النساء أربعين يوما " قال: فليعلم طالب
الحديث أن الحسن لم يسمع من عثمان بن أبي العاص شيئا وضعف بسبب
ابن علالة، وإن كان يحيى وثقة، وكذلك ابن سعد، وقال بن عدي: أرجو
انه لا بأس به وهو حسن الحديث، وقال أبو زرعة: صالح، فقد قال البخاري:
في حديثه نظر، قال أبو الفتح الأزدي لسنا ينفع من البخاري هذا ابن علاثة
حديثه يدل على كذبه وكان أحد الفصل في الردّ عن الأوزاعي، قال
الخطيب: قد أفرط أبو الفتح في الميل على ابن علاثة، وأحسبه وقعت إليه
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري، ومسلم (ص/343) والبيهقي (2/393) وأحمد في
" المسند " (3/109) والمشكاة (1130) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/990) ، في الزوائد: عثمان بن أبي العاص، في إسناده
مقال. قال المزي في التهذيب: قيل لم يسمع الحسن من عثمان أ. هـ ومحمد بن عبد الله بن
علانة، وإن وثقة ابن معين وابن سعد، فقد ضعفه الدارقطني، والأزدي كذبه، وابن حبان
قال: يروى الموضوعات عن الثقات. لا يحتمل ذكره إلا على وجه القدح فيه، وباقي رجاله
ثقات. ورواه الطبراني (9/48) ، والحلية (6/136) ، والكنز (20419) .(1/1644)
روايات لعمرو بن حصين عنه فنسبه إلى الكذب لاً جلها، والغلة في تلك من
جهة عمرو فإنه كان كذبا، وأمّا محمد فقد وثقة يحيى، ولا أحفظ لأحد
من الأئمة فيه خلاف ما وصفه به يحيى انتهي كلامه. وفيه نظر؛ لما ذكره أبو
بكر بن بشران عن الدارقطني أنَّ علاثة ضعيف متروك، وقال النقاش: وقبله
أبو عبد الله الحاكم روى عن الأوزاعي، وخصيف والنَّضْر بن عربي أحاديث
موضوعة، زاد الحاكم ومدار حديثه على عمرو بن الحصين، وقال أبو حاتم
ابن حبان: يروى الموضوعات عن الثقات لا يحل ذكره إلّا على جهة القدح
فيه. حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا عمر بن عبد الواحد وبشر بن بكير عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثيَر عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لأقوم في الصلاة، وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع
بكاء الصبي فأتجوَّز كراهة أن أشق على أمه " (1) . هذا حديث خرجه البخاري/
في صحيحه، وعند ابن أبيِ شعبة: ثنا وكيع عن سفيان عن ابن الحويرث
الزرقي عن عليّ بن قيس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى لأسمع بكاء
الصبي خلفي فأخفف مشفقة أن أفتن أمه ". وثنا وكيع عن سفيان عن أبي
الأسود النهدي عن أبي سائط: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في الركعة الأولى
بسورة نحو من ستين آية فسمع بكاء صبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات " (2) .
وثنا شريك عن أبي هارون عن أبي سعيد فيما يعلم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" إني لأكون في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمه،
أو قال: أن تفتن أمه ". التجوز معناه: تقليل القراءة؛ لحديث ابن سائط وغيره،
وقال بعض العلماء: يستدل بهذا على أنّ الإمام إذا كان راكعَا فأحس بداخل
للصلاة ينتظره، قال القرطبي: ولا حجة فيه؛ لأن هذه الزيادة عمل في
الصلاة بخلاف الحديث، وقال ابن بطال: أجازه الشعبي، وعبد الرحمن بن
أبي ليلى، والحسن، وقال بعضهم: ينتظر ما لم يشق على أصحابه، وهو قول
أحمد، وإسحاق، وأبي ثور، فقال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي: ينتظر، وقال
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (9/211) ، وأبو داود (ح/789) ، والنسائي في (الإمامة، باب
" 35 ") ، وأحمد (5/5. سه) .
(2) لم نقف عليه.(1/1645)
سحنون صلاتهم باطلة والوجد الحزن، قال ابن سيده: وجد الرجل وجدا
ووجد كلاهما عن الجياني، حزن، وفي نوادر للهجري تواكيدًا بما وجدت
من الأسانيد الذي رسمه بين القطيل للسرب، وحكى وُجد: بالضم، وعن
الفراء، وأبو عبيد، وفي المصنف، وابن القطاع في الأفعال والسيرافي في كتابه
الإقناع، والجوهري، وغيرهم رد ابن سيده ووجد به وجدًا في الحب لا غير
وأنشد لقد زادنا وجدًا سقا نيسًا/وجدوا مطايانًا بلينة طلعًا، وقال ابن فرو في
وصف عجوز: ما بطلها الوالد ولا زوجها الوجد يعني: مُحيا بن فرقول: من
موجده أمه أي من حبها إيّاه وحزنها لبكائه، والله سبحانه وتعالى أعلم
بالصواب.
***(1/1646)
179- باب إقامة الصفوف
حدثنا عليّ بن محمد ثنا وكيع عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن
تميم بن طرفة عن جابر بن مرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا تصفون
كما تصف الملائكة عند ربها ". قال: قلنا: " وكيف تصف الملائكة عند
ربها قال: تتمون الصفوف الأول، وتراصوا في الصف " (1) . هذا حديث
خرجه مسلم في صحيحه مطولًا. حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد
عن شعبة ح، وثنا نصر بن علي ثنا أبي بشر بن عمر قالا: ثنا شعبة عن قتادة
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سووا صفوفكم فإن تسوية
الصف من تمام الصلاة " (2) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما. ولفظ
الحاكم وزعم أق على شرط الشيخين: " من حسن الصلاة إقامة الصف "،
حدثنا محمد بن بشارتنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سماك بن حرب
سمع النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوي الصف حتى
يجعله مثل الرمح أو تعرج القدح قال: فرأى صدر رجل نائيا فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" سووا صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم " (3) . هذا حديث خرجاه
أيضًا وفي لفظ عند مسلم: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسوي صفوفنا، كأنما
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/119) ، والنسائي في (الإمامة، باب " 28 ") ،
وأبو داود في (الصلاة، باب " 94 ") ، وابن ماجة (ح/992) ، وأحمد (5/101، 106) ،
والبيهقي (3/101) ، والترغيب (1/319) ، وسعيد بن منصور (5/293) ، وابن كثير (3/7) ،
والقرطبي (15/137، 18/293) ، والبغوي (6/18) ، والحاوي (1/81، 2/255) ، والحبائك
(130) ، والكنز (20555) ، وشرح السنة (3/366) ، والحلية (8/120) ، والطبراني (2/
287،219) ، وابن خزيمة (1544) ، وابن أبي شيبة (1/3530) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/184) ، ومسلم في (الصلاة، ح/124) ، وأبو
داود (ح/668) ، وابن ماجهْ (ح/993) ، وأحمد 31/177، 254، 274، 279، 291) ، والدارمي
1/ 289) ، وشرح السنة (3/368) ، والترغيب (1/318) ، وإتحاف (3/180) ، وأبو عوانة (2/
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/994) ، والبيهقي (2 / 22، 3/ 100) ، والمنثور (5/294) ،
والكنز (20553، 20581، 20603، 20604، 20618، 20619، 20620، 23000) ، وابن
كثير (6/182) ، والخطيب (1/2271) .(1/1647)
يسوى/بها القدح حتى إذا رأى أن قد عقلنا عنه ثم خرج يومًا، فقام حتى
كاد أن يُكبر، فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف. فقال: " عباد الله لتسون
صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم " (1) . وعند أبي داود: " وأقيموا
صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال:
فرأيت الرجل يكون منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه " (2) . وفي كتاب
الخلال: لما ذكر لأحمد حديث النعمان من رواية زيد بن حباب عن حسين بن
وا قد عن سماك قال: هذا خطأ، قال أبو الحسن: تفرد به حسين عن سماك.
حدثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عباس ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله وملائكته يصلون على الذين
يصلون الصفوف، ومن سدَّ فرجة رفعه الله تعالى بها درجة " (3) . هذا حديث
مختلف في إسناده، للاختلاف في حال إسماعيل التقدم الذكر، ورواه ابن
شاهين في مسنده بسند صحيح على رسم مسلم، فقال: أخبرني أسامة بن زيد
عن عثمان بن عروة عن الزبير عن أبيه عن عائشة بلفظ: " إن الله وملائكته
يصلون على الذين يصلون الصفوف " (4) . وسيأتي عند ابن ماجة إن هذا
اللفظة وشواهد حديث ابن عمر يرفعه: " إن الله وملائكته يصلون على الذين
يصلون الصفوف " () . قال الحاكم فيه: صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه، وفي لفظ: " أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل
ولينوا بأيدي أخوانكم، ولا تذروا فرجات الشياطين، ومن وصل صفًا وصله
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/128) ، والبيهقي (2/21) ، والمشكاة (1085) ،
والكنز (20605) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/662) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/999) ، وأحمد (6/67، 89، 160) ، والبيهقي (3/
101، 103) ، والحاكم (1/214) ، والمجمع (2/38، 91) ، وابن خزيمة (1550، 1556) ، وشرح
السنة (3/372) ، والجوامع (5092، 5093، 5099، 5101) ، والكنز (20554، 20586) ،
وابن حبان (394) ، والترغيب (1/323،321) ، وأبو حنيفة (55) ، والحاوي (1/81) .
وصححه الشيخ الألباني.
(4، 5) انظر: الحاشية السابقة.(1/1648)
الله ومن قطع صفا قطعه الله " (1) . رواه أبو داود بسند صحيح عن عيسى عن
إبراهيم عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية/عن كثير بن مرّة
عنه به، وعنده أيضا عن قتيبة عن الليث عن معاوية عن أبي الزاهرية عن أبي
شجرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكر ابن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خياركم ألينكم مناكب في الصلاة " (2) . وعق أنس أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق،
فو الذي نفسي بيده إنّى لأرى الشيطان يدخل في خلل الصف كأنها
الحدف " (3) . وفي لفظ عن محمد بن مسلم صاحب المقصورة قال: صليت
إلى جنب أنس فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله، قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع عليه يده فيقول: " استووا واعدلوا صفوفكم " (4) ،
وهو عند الحاكم وزعم أنه على شرط الشيخين أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان إذا
قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثم التفت فقال: " اعتدلوا سووا صفوفكم ثم
أخذه بيساره "، فقال: " اعتدلوا سووا صفوفكم " (5) . وعند الطبراني في
الأوسط من حديث أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه: " إنَّ الله وملائكته
يصلون على الذين يصلون الصفوف، ولا يصل عبد صفا إلّا رفعه الله به
درجة ودورت عليه الملائكة من البر " (6) . وقال: لم يرد غانم بن الأحوص عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/666) ، وعبد الرزاق (2441) ، والترغيب (1/319) ، والفتح
(2/211) ، والمشكاة (1102) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/672) ، والبيهقي (3/101) ، والمجمع (2/90) ، وعزا هـ إلى
الطبراني في " الأوسط " والبزار وإسناد البزار حسن، وفي إسناد الطبراني ليث بن حماد ضعفه
الدارقطني. وابن حبان (937) ، والطبراني (12/405) ، وعبد الرزاق (2480) ، والترغيب (1/
322) ، والمشكاة (1099) ، والكنز (20081، 20637، 30638) ، الخطيب (12/50) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/667) ، والبيهقي (3/100) ، وابن حبان (387) ، والمشكاة
(1093) ، وابن خزيمة (1545) ، وشرح السنة (3/369) ، والترغيب (1/318) ، والكنز
(20557) ، وأصفهان (2/123) ..
(4) رواه أحمد (3/268) ، والمنثور (5/293) ، وإتحاف (2/115) .
(5) حسن. رواه أبو داود (ح/670) ، والبيهقي (2/3،22/130) ، والمشكاة (10985) .
(6) تقدْم. ورواه ابن ماجة (ح/995) ، وأحمد (89،6/67، 160) ، والبيهقي(1/1649)
أبي صالح غير هذا الحديث تفرد به ابن أبي أويس، ومن حديث أنس أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقلي
فليكن من الصف المؤخر " (1) . ذكر الخلال أن أحمد بن حنبل لماَّ ذكر له هذا
الحديث أعجبه واستحسنه من حديث الأنصاري، وفي الأوسط من حديث
عمرو بن مرّة عن أبي معمر عن عقبة/بن عمرو قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: سووا المناكب، وأقيموا الصفوف، ولا
تختلفوا فيختلف بكم " (2) . وقال: لم يروه عن عمرو إلا محمد بن جابر تفرد
به إسحاق بن إسرائيل عن أبيه وهو في صحيح مسلم، قال أبو محمد بن
حزم: قوله أو ليخالفن الله بين وجوهكم هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون
إلا في كبيرة، وقوله فإن تسوية الصف من تمام الصلاة إذا كان من إقامة
الصلاة فهو فرض؛ لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض،
وعند أبي حنيفة والشافعي ومالك هو من سنة الصلاة، وقوله أو ليخالفْن الله
بين وجوهكم، قال النووي: الأظهر معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء
واختلاف القلوب كما يقال يغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجهه كراهة
في ويغير قلبه علي؛ لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم،
واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن وكان لعمر وعثمان رجال وكلهم
بتسوية الصفوف.
***
__________
(3/103،101) ، والحاكم (1/214) ، والمجمع (2/38، 91) ، وابن خزيمة
(1550، 1556) ، وشرح السنة (3/372) ، والجوامع (5092، 5093، 5099، 5101) ، والكنز
(20554، 20586) ، وابن حبان (394) ، والترغيب (1/323،321) .
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/670) ، والنسائي (2/93) ، وأحمد (3/132، 225) ، والبيهقي
(2/103) ، والكنز (20594) ، وابن حبان (390) ، والمشكاة (1093) ، وشرح السنة (373) (2) رواه الطبراني؟ (17/218) .(1/1650)
180- باب فضل الصف المقدم
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أنبأ هشام الدستوائي عن
يحيى بن أبي بكر عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن عرباض بن
سارية: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستغفر للصف المقدم ثلاثًا والثاني هرة " (1) .
هذا حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه من حديث يحيى عن
محمد بن إبراهيم عنه عن جبير بن نفير عن عرباض بلفظ: " كان يصلي
على الصف الأول " (2) . ثم قال: ذكر الخبر المرخص قول من زعم أنّ محمدا
لم يسمع هذا الخبر عن ابن معدان، فذكر حديث/صرح فيه بسماعه من
خالد، قال: حدثني جبير بن العرباض حديث ... ، فذكره، ولما خرجه الحاكم،
قال: صحيح الإسناد على الوجوه كلها. حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن
سعيد ومحمد بن جعفر قالا: ثنا شعبة، قال: سمعت طلحة بن مصرف يقول:
سمعت عبد الرحمن بن عوسجة يقول: سمعت البراء بن عازب يقول
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله وملائكته يصلون على الصفوف
الأولى " (3) . هذا حديث خرجه البستي أيضًا من حديث منصور عن طلحة
بلفظ: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا وصدورنا، ويقول: لا تختلفوا
فتختلف قلوبكم إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المقدمة " (4) . ولفظ
الحاكم: " تراصوا في الصفوف لا يتخللكم أولاد الحدف قلت: يا رسول
الله ما أولاد الحدف: قال: حبان خرد سرد تكون بأرض اليمن " (5) ، وقال:
هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. حدثنا أبو ثور
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/224) ، وابن ماجة (ح/996) ، والدارمي (1/290) ، وعبد
الرزاق (5452) ، وأحمد (4/126، 127) ، والطبراني (18/256) ، والترغيب (1/316) ،
والكنز (17937، 23014) ، وابن عساكر في " التاريخ " (2/ 66، 7/ 366) .
(2) الحاشية السابقة.
(4،3) الحواشي السابقة القريبة ص 1637، 1638.
(5) المجمع (2/91) ، وعزاه إلى أحمد والبزار ورجاله ثقات. والحاوي (1/80) ، والحلية
(5313) .(1/1651)
إبراهيم بن خالد ثنا أبو قطن ثنا شعبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تعلمون ما في الصف الأول
لكانت قراعة " (1) . هذا حديث خرجاه في صحيحيهما، وفي لفظ عند مسلم:
" خير صفوف الرجال أولها وسرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها
أولها " (2) . حدثنا محمد بن المصفي الجميصى ثنا أنس بن عياض حدثنى
محمد بن عمرو بن علقمة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عون عن أبيه قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول " (3) .
هذا حديث قال الدارقطني: تفرد به محمد بن مصفي عن أنس، ووهم من/
حديث أبي سعيد يرفعه: " وإن خير الصفوف صفوف الرجال المقدم وشرها
المؤخر " (4) . وعن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله
تعالى عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول " (5) .
وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال: " استغفر
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصف الأول ثلاث مرات، وللثاني مرتين، وللثالث مرة " (6) .
وقال: لم يروه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا أيوب بن عتبة، ومن
حديث أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة وإياكم والصف بين السواري " (7)
وقال لم يروه عن أبي يزيد إلا إسماعيل بن مسلم المكي تفرد به المبارك، قال
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/131) ، والبيهقي (02/13) ، وابن خزيمة
(1555) ، والكنز (20567) ، الخطيب (6/66، 12/200، 14/354) ، والترغيب (1/316) ،
وابن عساكر في " التاريخ " (2/62) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/132) ، وأبو داود (ح/678) ، والترمذي (ح/
224) ، والنسائي (94،2/93) ، وابن ماجة (1000، 1001) ، وأحمد (2/
247، 340، 367، 480) ، والدارمي (1/291) ، والبيهقي (3/90، 97) ، والطبراني (8/
194، 11/203) ، والترغيب (1/316) ، والمشكاة (1092) ، وابن خزيمة (1561)
(3) تقدْم قريبا.
(4) ، (5) ، (6) تقدمت قريبا.
(7) رواه الطبراني (1/3571) ، والكنز (20566، 20642) .(1/1652)
القرطبي: اختلف من الصف الأول هل هو الذي يلي الإِمام أو المنبر والصحيح
الأول، وفي شرح ابن التين: روى نوح بن أبي مريم عن زيد العمي عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من ترك الصف الأول
مخافة أن يؤذي مسلما أضعف الله له الأجر " (1) . وفي المحكم: القرعة
السهمة، وقد اخترع القوم وتنازعوا وقارع بينهم واقترع وهي أعلى، وقارعة
فقرعة يقرعه أي: أصابة القرعة دونه، وقول خراش بن زهير أنشده ابن
الأعرابي إذا امطادوا نعمان أشطره فكان وما شاتهم القرع فسره فقال القروع-
المقارعة
__________
(1) الترغيب (1/321) ، والكنز (20647) ، وابن القيسراني في " الموضوعات " (776) ، وابن
عدي في " الكامل " (7/2507) ، والمجمع (2/95) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه
نوح بن أبي مريم وهو ضعيف.(1/1653)
181- باب صفوف النساء
حدثنا أحمد بن عبد الله، ثنا عبد العزيز بن محمد بن العلاء عن أبيه عن
أبي/هريرة وعن سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها وشرها
آخرها " (1) . هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه. حدثنا على بن محدم ثنا
وكيع عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خير صفوف الرجال مقدمها، وشرها مؤخرها، وخير
صفوف النساء مؤخرها، وشرها مقدمها " (2) . هذا حديث تقدم الكلام عن
رواية ابن عقيل.
***
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 1652.
(2) رواه أحمد (3/3،2/354، 16، 387،331) ، وأبو عوانة (2/37) ، وعبد الرزاق (5110) ،
وابن أبي شيبة (1/379) والمجمع (2/93) .(1/1654)
182- باب الصلاة بين السواري في الصف
حدثنا زيد بن أخرم أبو طالب ثنا أبو داود وأبو قتيبة قالا: ثنا هارون بن
مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: " كنا ننهي أن نصف بين
السواري على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونطرد عنها طردا " (1) . هذا حديث إسناده
صحيح على شرط ابن حبان لتوثيقه هارون بن مسلم رواية لما رواه البزار في
مسنده عن عمرو بن علي ثنا أبو داود قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن
قتادة إلا هارون، ولا نعلم أسند قتادة عن معاوية عن أبيه غير هذا الحديث،
وقال فيه الحاكم: صحيح الإسناد، وعند الترمذي محسنًا، والحاكم مصحح
الإسناد من حديث عبد الحميد بن محمود قال: " صليت مع أنس بن مالك
يوم الجمعة فدفعنا إلى السواري فقدمنا وتأخّرنا فقال أنس: كنا نتّقى هذا على
عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (2) . ولما ذكره الإشبيلي وأعلّه بعبد الحميد، وردّ ذلك
عليه ابن القطان باله ثقة/لا مطعن فيه، وعن أبي أحمد بن عدي من حديث
أبي سفيان طريف بن شهاب السدى وهو ضعيف عن ثمامة عن أنس أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نهي عن الصلاة بين الاسطوانة " (3) . وفي نسخة
" الاسطوانتين ": وقد تقدم حديث ابن عباس أيضًا، قال الترمذي: " كره
قوم من أهل العلم أن نصف بين السواري ". وبه يقول: أحمد، وإسحاق، وقد
رخص قوم من أهل العلم في ذلك أشبه أن يكون مستندهم في ذلك ما في
الصحيحين عن ابن عمر: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل الكعبة قال إليه بلال حين
خرج: " ما صنع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن
يساره وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على سبعة أعمدة " (4) . ذكر
الخطابي أن كراهة الصلاة بين السواري لأجل انقطاع الصفوف أو لأنه موضع
__________
(1) انظر: الصحيحة (ح/335) . ورواه ابن ماجة (ح/1002) ، وفي إسناده مجهول.
(2) صحيح. رواه الترمذي (ح ا 229) ، وقال: " هذا حديث حسن صحيح " قلت: والذي
نقل في " نيل الأوطار " (3/235) ، وعون المعبود (1/252) . عن الترمذي: التحسين فقط.
(3) المصدر السابق.
(4) الخطيب في الفقيه والمتفقه: (368) .(1/1655)
جمع النعال، والأول أشبه، لا أن الثاني محدث ولا خلاف جراءة عند
الضيق وأما مع السعة فمكروه.
***(1/1656)
183- باب صلاة الرجل خلف الصفوف وحده
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر
حدثنى عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه وكان من الوفد قال: خرجنا
حتى قدمنا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعناه وصلينا خلفه ثم قال: وصلينا وراءه أخرى
فقضى الصلاة فرأى رجلا فرد خلف الصف قال: فوقف عليه نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حين انصرف ثم قال: " استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة للذي خلف
الصف " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه عن الفضل بن حباب
ثنا مسدد ثنا ملازم بلفظ: " فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف " (2) . وفي/
لفظ: نظر إلى رجل خلف الصف وحده فقال له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هكذا صليت "
قال: نعم. قال: " فأعد صلاتك، فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف
وحده " (3) . ولما ذكره الإشبيلي قال عبد الرحمن: لم أسمع فيه بتعديل ولا
بجرح أكثر من أنه لم يرو عنه إلا ابن بدر، وهو علّه في الراوي عند بعضهم
أو أكثرهم حتى يروى عنه اثنان. انتهي كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أنه روى
عنه أيضا ابنه محمد بن عبد الرحمن ورعلة بن عبيد الرحمن بن رباب
وذكرها في جملة الثقات، ولما ذكره ابن حزم محتجا به، قال عبد الرحمن:
ما نعلم أحد عابه بأكثر من ذلك ولم يرو عنه غير عبد الله بن بدر وذلك
ليس يخرجه، وكان هذا هو شبهة الإشبيلي، والله تعالى أعلم. حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن هلال بن يسار قال:
" أخذ بيدي وبأيدي أبي الجعد فأوقفني على شيخ بالرّقة يقال له وابصة بن
معيد فقال: صلى رجل خلف الصف وحده فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن سد ". هذا
حديث قال فيه أبو عيسى الترمذي وأبو معلي الطوسي: حديث حسن، وقد
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1003) ، في الزوائد: إسناده صحيح. رجاله ثقات. وابن
أبي شيبة (2/193) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) رواه ابن حبان (401) ، وأحمد (4/23) ، والبيهقي (5/103) ، وابن سعد (5/40) ،
والمعاني (1/394) .
(3) المصدر السابق.(1/1657)
كره قوم من أهل العلم أن يصلي الرجل خلف الصف، وقالوا: يعيد، وبه يقول
أحمد، وثنا إسحاق، وقال قوم: يجزيه وهو قول الثوري، وابن المبارك وهو
الشافعي، وذهب قوم من أهل الكوفة إلى حديث وابصة منهم حماد بن أبي
سليمان وابن أبي ليلى ووكيع، وفي حديث حصين ما يدل أنّ هلال أدرك
وابصة، واختلف أهل الحديث في هذا فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرّة
عن هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة أصح، وقال بعضهم: حديث
حصين عن هلال عن زياد/عن وابصة أصح، قالا: وهذا عندنا أصح من
حديث عمرو؛ لأنه قد روى من غير حديث هلال عن زياد عن وابصة،
وقال الشافعي: سمعت بعض أهل العلم بالحديث يذكر أنّ بعض المحدثين
يدخل بين هلال ورابصة رجلًا، ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه
منه وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفت، وقال البيهقي: لم
يخرجه الشيخان لما حكاه الشافعي من الاختلاف في سنده، ولما في حديث
علي بن حبان من أنّ رجاله غير مشهورين، وقال الشافعي في موضع آخر: لو
ثبت الحديث لما خرج الحاكم لوابصة حديثا في مستدركه، وقال: صحيح على
شرط الشيخين (1) ، وقال أبو عمر بن عبد البر في حديث وابصة مضطرب،
وقال أبو محمد الإشبيلي: وغير أبي عمر يقول: الحديث صحيح؛ لأن
الاختلاف الذي فيه لا يضرّها وعمرو بن راشد المذكور في حديث شعبة وثقة
أحمد بن حنبل وخرج ابن حبان حديث عمرو بن راشد وحصين في
صحيحه (2) ، ثم قال: سمع هذا الخبر هلال بن يساف بن عمر عن أبي الجعد
عن وابصة فالطريقان جميعا محفوظان، ثم قال: ذكر الخبر المدحض قول من
زعم أن هذا الخبر تفرد به هلال بن يساف. ثنا عبد الله بن محمد ثنا
إسحاق بن إبراهيم ابنا وكيع ثنا يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن عمه
عبيد بن أبي الجعد عن أبيه زياد عن أبي الجعد عن وابصة بن معيد ... ،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، " 63،65 ") ، وأبو داود في (الصلاة،
" 133 ") ، وابن ماجة (ح/989) ، وأحمد (5/203) ، وعبد الرزاق (2722) ، والكنز
(20458، 22884) ، والبيهقي (2/393) .
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/708) .(1/1658)
فذكره،/وفي المعجم الكبير لأبي القاسم من حديث سمرة بن عطية عن
هلال عن وابصة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سئل عن رجل يصلي خلف الصف
وحده فقال: " يعيد " (1) . ورواه أيضا من حديث عبد الواحد بن زياد عن
الأعمش عن عبيد بن أبي الجعد عن سالم بن أبي الجعد عن وابصة به من
حديث أبي خالد الأحمر والمحاربي عن محمد بن سالم بن أبي الجعد عن
وابصة قال: صففت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفا وحدي فلما انصرف قال: " أعد
الصلاة " (2) . ومن حديث سهل بن عامر ثنا عبد الله بن نمير عن إسماعيل بن
أبي خالد عن الشعبي عنه: " صلى رجل خلف الصف " (3) . ومن حديث
مالك بن سفيان ثنا اليسري بن إسماعيل عن الشعبي عنه: أبصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رجلًا يصلي خلف الصف وحده فقال: " أيا المصلى وحده، إلا تكون
وصلت صفًا، وقد أدخلت معهم أو اجتررت في صلاتك رجلًا، إن كان
ضاق بك المكان أعد صلاتك فإنه لا صلاة لك (4) . ومن حديث أشعث بن
سوار عن بكير بن الأخنس عن حبيش بن المعتمر عن وابصة بالأول، وفى
العلل للخلال: قال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد الله عن حديث الجماني
عن النضر بن عمر الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى
رجلًا يصلى خلف الصف وحده فقال: " هذا منكرا أو باطل ". وقال
الأثرم: قلت لأبي عبد الله: أي شيء أحسنها إسناد قال: حديث شعبة عن
عمرو بن راشد عن وابصة، وفي الأوسط: قال أبو القاسم: لا يروى عن ابن
عباس إلّا بهذا الإسناد وتفرد به الجماني. ومن حديث عبد الله بن محمد
عن القاسم العبادي البصري: ثنا يزيد بن هارون أنبأ ابن إسحاق عن سعيد بن
أبي سعيد عن أبي هريرة: رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا يصلي خلف الصلاة وحده.
__________
(1) رواه عبد الرزاق (3620) ، وأحمد (4/228) ، والبيهقي، (11/44) ، وأورده الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (2/96) ، وعزاه إلى البزار والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وفيه النضر
أبو عمر أجمعوا على ضعفه.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.(1/1659)
فقال: " عد الصلاة " (1) . لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا السند تفرد به
العبادي، وفي كتاب الخطابي: اختلف أهل العلم فيمن صلى خلف الصف
فقالت طائفة: صلاته فاسدة على ظاهر الحديث هذا قول النخعي وأحمد
وإسحاق، وحكوا عن أحمد أو عن بعض الصحابة قال: وفتح صلاته منفردًا
خلف الصف يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنه لا
صلاة لمنفرد خلف الصف، وذلك أنها تكون فاسدة وإن كانوا مائة، وقال
مالك، والأوزاعي، والشافعي: أن التفرد خلف الإمام جائز، وهو قول أبي
حنيفة بأمر بالدخول في الصف على الاستحباب دون الإيجاب. وفي حديث
أبي بكر في الصلاة خلف الصف دلالة أنّ الصلاة للمنفرد خلف الصف
جائزة؛ لأنها خيرا من الصلاة، ويدل على ذلك حديث المرأة المصلية خلفه
في حديث أنس مفردة، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحدًا. انتهي. ويؤيّد
هذا التأويل ما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث إسماعيل بن مسلم ثنا
يونس بن عبيد عن ثابت البناني عن أنس أنله صلى خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده
ووراءه امرأة حتى جاء إليه بعد " (2) . وقال: لم يروه عن يونس إلا إسماعيل.
ومن حديث ابن جريج عن عطاء سمع ابن الزبير على المنبر يقول: " إذا
دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل راكعا حتى يدخل في
الصف فإن ذلك السنة " (3) . قال عطاء: وقد رأيته يصنع ذلك/، لم يروه عن
ابن جريج إلّا ابن وهب تفرد به حرملة، ولا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا
الإسناد، وليس لقائل أن يقول ليس حكم المرأة في هذا كالرجل لما روى عر،
عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المرأة وحدها صف " (4) ؛ لأنه نجر
موضوع فيما ذكره أبو عمر في التمهيد، وقد رشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآتي وقد تمت
الصفوف بأن يجذب إليه رجلا يقيمه إلى جنبه. رواه الطبراني في الأوسط
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/96) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه عبد الله بن محمد بن القاسم وهو ضعيف.
(2) هذا حديث تقدم.
(3) إتحاف: (3/334) .
(4) موضوع التمهيد (1/268) .(1/1660)
من حديث بشر بن إبراهيم ثنا الحجاج بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس
وقال: لا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد تفرد به بشر، وفي كتاب أبي
داود وغيره مرفوعا: " لينوا بأيدي إخوانكم " (1) . وقوله عليه الصلاة والسلام
أيضَا: " خياركم أثبتكم مناكب في الصلاة " (2) . وقد تقدم، والله تعالى
أعلم.
***
(1) ابن كثير (8/73) ، والمجمع (2/91) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الكبير " ورجال
أحمد ثقات. وأبو داود في (الصلاة، باب " 94 ") ، وأحمد (2/98، 5/262) ، والبيهقي (3/
101) ، والحاوي (1/82) ، والكنز (20553) .
(2) تقدم كما ذكر المصنف في ص 1649.(1/1661)
184- باب فضل ميمنة الصف
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان عن أسامة بن
زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف " (1) . هذا حديث إسناده
صحيح على شرط مسلم، وقد تقدم أنَّ ابن وهب رواه في مسنده عن أسامة
بلفظ: " إنَّ الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف " (2) . حدثنا
علي بن محمد ثنا وكيع عن مسعر عن ثابت بن عبيد عن ابن البراء عن
البراء بن عازب قال: " كنا صلينا خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال مسعر: مما
يجب أو مما أحب أن يقوم عن يمينه ". هذا/حديث إسناده صحيح على شرط
مسلم، وابن البراء اسمه عبيد. حدثنا محمد بن أبي الحسن أبو جعفر ثنا
عمرو بن عثمان الكلابي ثنا عبيد الله بن عمرو عن ليث بن أبي سليم عن
نافع عن ابن عمر قال: قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ ميسرة المسجد تعطلت فقال: " من
عمر ميسرة للمسجد كتب له كفلان من الأجر ". هذا حديث تقدم التنبيه
على الاختلاف في حال رواية ليث. وفي الباب حديث عمر أن ابن خالد
الخزاعي قال: ثنا مولى لنا يقال له العلاء بن علي عن أبيه عن أبي بردة
الأسلمي قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن استطعت أن تكون خلف الإمام وإلّا
فعن يمينه " (3) . قال أبو القاسم في الأوسط: لا يروى عن أبي برزة إلّا بهذا
الإسناد تفرد به عمران.
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1005) ، وأبو داود في (الصلاة، باب " 96 ") ، والبيهقي
(03/13) ، والجوامع (5094) ، والكنز (مه 205) ، وشرح السنة (3/374) ، وابن حبان
(393) ، والمشكاة (1096) ، وابن كثير (6/448) . وضعفه الشيخ الألباني.
(2) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/995) ، وأحمد (89،6/67، 160) ، والبيهقي (3/0301،11) ،
والحاكم (1/214) ، والمجمع (2/38، 91) ، وابن خزيمة (1550، 1556) ، وشرح السنة (3/372) ،
والجوامع (5092، 5093، 5099) ، (510) ، والكنز (20554، 20586) ، وابن حبان (394) ،
والترغيب (1/321، 323) ، وأبو حنيفة (55) ، والعلل (415) ، والفوائد (492) .
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/107) ، وإتحاف (3/328) ، والكنز (20589) ، والمغني عن
حمل الأسفار (1/192) ، ومسند ابن عمر (48) ، والتعليق الرغيب (1/175) ،=(1/1662)
185- باب القبلة
حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا مالك بن أنس
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أنه قال: " لما فرغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
طواف البيت أتى مقام إبراهيم فقال عمر: يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال الله عز وجل: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) . قال
الوليد فقلت لمالك: هكذا قرأوا واتخذوا، قال: نعم " (1) . هذا حديث قال فيه
الطوسي والترمذي: حسن، ثم ذكر ابن ماجة حديث هيثم عن حميد عن
أنس قال: قال عمر قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى
فنزلت: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " (2) . مختصرًا، وهو حديث
خرجاه في صحيحيهما مطولا بلفظ: " وافقت ربى في ثلاث: قلت: يا
رسول الله اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: (واتخذوا/من مقام
إبراهيم مصلى) وأنه مجاب. قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن
تحتجين فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغيرة عليه فقلت
لهن: " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرَا منكن. فنزلت هذه
الآية " (3) ، وفي مسلم للتخيير في أسارى وفي مسلم أيضَا موافقته في منع
الصلاة على المنافقين، ومن حديث علي بن زيد عن أنس عنه عند أبي داود
الطيالسي: لما نزلت الآية: (خلقا آخر) قلت إنا: تجارك الله أحسن الخالقين
__________
= وضعيف الجامع الصغير (5709) ، وضعيف ابن ماجة (ح/1007) .
وكذا ضعفه الشيخ الألباني.
(1) منكر. هذا اللفظ رواه ابن ماجة (ح /1008) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح /1008) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1009) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب " 32 ") ،، وفي تقسيم ص رة
(2/19) ، ومسلم في (فضائل الصحابة، ح/24) ، والدارس في (المناسك، باب " 33 ") ،
واًحمد (1/ 23، 24، 36) .(1/1663)
فنزلت هذه الآية. وفي كتاب النووي وفي مسلم: وجاءت موافقة أيضا في
تحريم الخمر، وفي كتاب أبي العربي وقد بيّنا في الكتاب الكبير أنه وافق ربه
تلاوة ومعنى في نحو أحد عشر موضعًا، وقال في كتابه السيرين لفوائد
المشرقيين والمغربيين نحوه انتهي شاهده ما خرجه أبو عيسى عن ابن عمر
مصححا فأنزل بالناس أمر قط فقالوا فيه: وقال فيه عمر ألا ينزل فيه القرآن
على نحو ما قال عمر، وعند ابن خزيمة من حديث أسامة بن زيد: " أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يصل فيه حتى خرج منه
فلما خرج صلى ركعتين في قبل الكعبة ". وقال: " هذه القبلة " (1) . حدثنا
علقمة بن عمرو الدارمي ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء قال:
صلينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهر، أو حرفت القبلة
إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى إلى
بيت المقدس أكثر يقلب وجهه في السماء، وعلم الله من قلب نبيّه أنه هواء
الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/يتبعه وهو ويسير بين السماء
والأرض ينظر ما يأتيه به فأنزل الله تعالى: " قد نرى تقلب وجهك في السماء
فلنولينك قبلة ترضاها، فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ". فأتانا آت فقال:
" اٍن القبلة قد حرفت إلى الكعبة ". وقد صلينا ركعتين إلى بيت المقدس،
ونحن ركوع فتحولنا وفينا على ما صفي من صلاتنا. فقال: رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جبرائيل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى:
" وما كان الله ليضيع إيمانكم " (2) . هذا حديث اتفقا على تخريج أصله
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/110) ، ومسلم في (الحج، ح/395) ، والنسائي
(5/328، 329، 330) ، والحاكم (1/479) ، وعبد الرزاق (9056) ، والطبراني (11/
303، 12/20) ، والدارقطني (2/52) ، وابن خزيمة (432، 3004، 3015) ، وتلخيص (1/
213) ، والبغوي (1/121) ، والمجمع (3/293، 294) ، وشرح السنة (2/334) ، والكنز
(12936،12932) .
(2) ضعيف. الكنز (12718) ، والمجمع (2/13) ، وابن ماجة (ح/1010) ، وضعيف ابن
ماجة (ح/1010) . وكذا ضعفه الشيخ الألباني.(1/1664)
بلفظ: " صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهر أو سبعة عشر شهرَا، وكان
يعجبه أن تكون قبلة قبل البيت، وأنه أؤل صلاة صلاها العصر " (1) . ولفظ ابن
خزيمة: " صلينا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو بيت المقدس (2) ستة عشر شهرا أو سبعة
عشر شهرا ثم صرفنا نحو الكعبة ". قال البراء: والشطر فبينا قبلة، وقال ابن
عباس: أنلزمكموها من شطر أنفسنا قال من تلقاء أنفسنا. حدثنا محمد بن
يحيى الأزدي ثنا هاشم بن القاسم وثنا محمد بن يحيى النيسابوري ثنا
عاصم بن علي قالا: ثنا أبو معشر عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال فيه أبو عيسى: حسن صحيح، وقد روى عن غير واحد من
الصحابة ما بين المشرق والمغرب قبلة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي
طالب وابن عباس، وقال ابن عمر: " إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق
عن شمالك فما بينهما قبلة إذا استقبلك القبلة " (3) . وقال ابن المبارك: " ما
بين المشرق والمغرب قبله " (4) . هذا لأهل المشرق، واختار أبو عبد الله العباس
لأهل مرو، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن محمد بن عمرو إلا أبو
معشر. وفي الباب حديث عبد الله/بن عمر أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما بين
المشرق والمغرب قبلة " () . قال البيهقي: والمشهور عن ابن عمر عن من قوله
وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين المشرق
__________
(1) رواه أبو عوانة: (2/82) . ورواه الترمذي (ح/345) ، وقال: " هذا حديث حسن
صحيح " وهو في الصحيحين عن ابن عمر قال: " بينما الناس بقباء، في صلاة الصبح، إذ
جاءهم آت، فقال: إنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة،
فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة ".
(2) قوله: " بيت المقدس " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.
(3) سنن الترمذي (2/174) ، عقب رواية الترمذي القادمة الحديث الثانى.
(4) صحيح. رواه الترمذي (ح/342، 344) ، والنسائي (4/972) ، وابن ماجة (1011) ،
والبيهقي (2/9) ، والحاكم (1/303) ، وإتحاف (6/445) ، ونصب الراية (1/303) ، وتلخيص
(13/21) ، وعبد الرزاق (3633، 3634، 3635) ، وشرح السنة (2/372) ، والكنز
(19163) ، والإرواء (1/324) .
(5) المصدر السابق.(1/1665)
والمغرب قبله ". وليس له إسناد يعنى حديث عثمان الأحنسي عن المقبري عن
أبيِ هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن عثمان في حديثه نكارة، وقال مهنأ: قلت
لأحمد: إنك تقول هذا الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما بين المشرق والمغرب
قبلة " ليس بالقوي قال: نعم، قال: هو صحيح. ثنا حماد بن سعدة عن عبيد
الله عن نافع عن ابن عمر يرفعه: " ما بين المشرق والمغرب قبلة إلا عند
البيت ". فسألته عن حماد، فقال: بصري راوي هذا الحديث عنه عن عبيد الله
عنه، ولكن لم يقل عند البيت إلا هو قال عبد الله ثنا نضر بن علي ثنا معتمر
ابنا محمد بن فضالة عن أبيه عن جدّه قال أتيت عثمان وسألته: كيف
يخطىء الرجل الصلاة، وما بين المشرق والمغرب قبلة إذا لم يتحر المشرق عمدًا
قال عبد الله: فحدثت أبيِ بهذا الحديث فأعجبه، وقال: لم أسمع هذا من
المعتمر ولما خرَّج الحاكم حديث ابن عمر، قال: صحيح على شرط الشيخين،
قال شعيب بن أيوب: ثقة، وقد أسنده، وكذلك محمد بن عبد الرحمن
وأوثقه جماعة عن عبيد الله، وفي كتاب الصلاة للدكين بسند صحيح عن
علي بن أبي طالب- رضى الله عنه- أنه قال: " ما بين المشرق والمغرب
قبلة "، وخرج ابن ماجة بعد هذا حديث عامر بن ربيعة قال: " خرجنا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر في ليلة مظلمة فلم يدر أين القبلة، فصلَّى كل واحد منّا
حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزل: " /أينما تولوا فثم وجه
الله " (1) . قال أبو عيسى: لما خرجه إسناده ليس بذاك. وعند الحاكم (2) من
حديث جابر: " بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية كنت منها فأصابتنا ... " فذكر
مثله، وزاد: " فلم يأمرنا بالإِعادة، وقال: قد أخبرت صلاتكم ". قال
الدارقطني (3) : هذا حديث يحتج برواته كلهم نمير محمد بن سالم الرماني فلا
أعرفه بعدالة ولا جرح، وقال العزرمي: عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر أنها
__________
(1) رواه الترمذي (ح/345) ، وقال: " هذا حديث ليس إسناده بذاك ".
(2) رواه الحاكم: (1/206)
(3) رواه الدارقطني (ص 151) ، من طريق أبي داود الطيالسي عن أشعث.(1/1666)
نزلت في التطوع خاصة حيث توجه به بعيره، وقال البيهقي في المعرفة:
والذي روى مرفوعا: " البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم،
والحرم قبلة لأهل الأرض " (1) : حديث ضعيف لا يحتج به، ولذلك ما روى
عن جابر وغيره في صلاتهم في ليلة مظلمة حديث ضعيف لا يثبت منه
إسناد، وقد روينا عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في فرض الصلاة إلى
بيت المقدس، ثم حين حولت القبلة إلى الكعبة في الأوسط من حديث
إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه عن معاذ قال: " صلينا في يوم غيم في سفر إلى
غير القبلة فلما قضى الصلاة وسلم تجلت الشمر فقلنا: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صلينا إلى غير القبلة فقال: " قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله تعالى " (2) .
ولم يروه عن إبراهيم إلا إسماعيل بن عبد الله السلوني، ولا عنه إلا أبو داود
الطيالسي تفرد به هشام وسلام البصري وأحمد بن رشد، وعند مسلم من
حديث أنس: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى نحو بيت المقدس فنزلت:
(قد نرى تقلب وجهك في السماء) فمر رجل من بنى سلمة وهم ركوع
حتى صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة فنادى إلا أن القبلة قد حولت فمالوا نحو
القبلة " (3) ، وزاد ابن خزيمة: وأعيد / وأما معنى من صلاتهم. وفي الأوسط من
حديث زيد بن حباب عن جميل بن عبيد ثنا ثمامة عن أنس: " نادى منادى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن القبلة قد حولت إلى البيت الحرام وقد صلى الإمام ركعتين،
واستدار وصلوا الركعتين الباقيتين نحو البيت الحرام " وقال: لم يروه عن ثمامة
إلا جميل تفرد به زيد بن حباب. وفي صحيح مسلم عن ابن عمر: " بينما
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي (2/10) ، ونصب الراية (1/347) ، والجوامع (10324) ، والمنثور
(1/147) ، والكنز (19164) ، وتلخيص (1/213) ، والقرطبي (2/159) .
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/15) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الأوسط "
و" الكبير "، وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمه.
(3) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/13) ، وعزاه إلى البزار في " مسنده " وإسناده حسن.(1/1667)
الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت وهم في الفجر ... " (1) . الحديث.
قال أبو داود: كذلك قال سهيل بن سعد أنها صلاة الغداة، ذكره في كتاب
الناسخ والمنسوخ، وعند ابن عدي في كامله عن عائشة قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرهقوا القبلة وإن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم العمل أن يتقنه ".
تفرد به مصعب بن ثابت وهو ضعيف. وعند البخاري من حديث أنس قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا
قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا؛ فقد حرمت علينا دماؤهم
وأموالهم إلّا بحقها وحسابهم على الله " (2) . وعند الترمذي صحيحا: " أمرت
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأن
يستقبلوا قبلتنا " (3) . وعند أحمد بن حنبل من حديث ابن عباس: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعدما
هاجر أتى المدينة ستة عشر شهرا ثم انصرف إلى الكعبة " (4) . وعند أبي
عبد الله الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل
بدر بشهرين " وفي/المعرفة لأبي بكر بسند جيد من حديث عطاء عن ابن
عباس: أول من نسخ من القرآن فيما ذكر لنا- والله أعلم- شأن القبلة قال
الله تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) فاستقبل
__________
(1) تقدم. وقد كتبناه في حاشية التحقيق بلفظه. والحديث صحيح متفق عليه.
(2) ضعيف. الكنز (19205) ، ومطالب (1/3) ، وابن عدي في " الكامل " (6،2/449/
2359) ، والعقيلي (4/196) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 13، 9/ 137) ، ومسلم في (الإيمان، ح/36،34) ،
وللنسائي (5/14، 6/ 4، 5/ 6، 7، 8 / 81، 8/ 76) ، وأبو داود (ح/2640، 2641) ، والترمذي (ح/
260، 2608،2606، 3341) ، وابن ماجة (ح/71، 3928،3927،72) ، وأحمد (2/
345، 423، 3/199) ، والبيهقي (1/84، 2 / 3، 3/30) ، والحاكم (/386، 387) ، والطبري
(15/58، 158) ، والجوامع (4318، 4409) .
(4) الحاشية السابقة انظر رواية للترمذي.(1/1668)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق فقال تعالى:
" سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " يصفون
بيت المقدس فتنحها، وصرفه الله تعالى إلى البيت العتيق " (1) فقال: " ومن
حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " (2) . وفي كتاب الناسخ
والمنسوخ لأبي داود من حديث يزيد النحوي عن عكرمة عنه كان محمد
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستقبل صخرة بيت المقدس، وهي قبلة اليهود فاستقبلها سبعة عشر شهرا
فقال عز وجل: (ولله المشرق والمغرب) . وقال: " قد نرى تقلب وجهك
في السماء "، وعن أبي العالية: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر نحو بيت المقدس
فقال لجبرائيل عليه الصلاة والسلام: " وددت أن ألله تعالى صرفني عن قبلة
اليهود إلى غيرها " فقال له جبرائيل: إنما أنا عبد مثلك فارع ربك عز وجل
وسله فجعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبرائيل
بالذي سأل ما أنزل الله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك) (3) . وعن
سعيد بن عبد العزيز أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع
الأول إلى جمادى الأخرة، وفي كتاب ابن سعد زاد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم
نسير بن البراء عن معرور في بنى سلمة فصنعت له طعاما وحانت الظهر
فصلى بأصحابه ركعتين ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة فاستداروا إلى الكعبة
واستقبل الميزاب فسمى المسجد / مسجد القبلتين، وذلك يوم الإثنين للنصف
من رجب على رأس سبعة عشر شهرَا، قال محمد بن عمر: وهذا البيت
عندنا، وزعم ابن حبيب في كتابه المخبر أنّها حولت من الظهر يوم الثلاثاء
للنصف من شعبان في الركعة الثالثة، وفي موضع آخر العصر، وزعم سعيد
عن حجاج عن ابن جريح: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول ما صلى إلى الكعبة ثم صرف
__________
(1) رواه أحمد (1/325) ، والمنثور (1/142) ، والمجمع (2/12) ، وعزاه إلى أحمد والطبراني
في " الكبير " والبزار ورجاله رجال الصحيح.
(2) المصدر السابق.
(3) المنثور (1/142) .(1/1669)
إلى المقدس فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه بثلاث، وفي كتاب
الحافظ الدمياطي صرفت يوم الإثنين نصف رجب بعد خمسة عشر شهرًا
ونصف، وفي كتاب النحاس عن ابن زيد: بضعة عشر شهرًا، قال: وروى
الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: صرف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلى الكعبة في جمادى، قال أبو جعفر: وهو أولى الأقوال بالصواب، وقال أبو
البقاء حولت بعد ثلاثة عشر شهرًا من مقدمه المدينة، وقيل: بعد عشرة،
وقيل: تسعة أشهر، وفي كتاب الحازمي: اختلف الناس في المنسوخ هل كان
ثابتا بنص الكتاب أو السنة فذهبت طائفة إلى أن المنسوخ كان ثابتا بالقرآن إذ
القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، وكذلك السنة ثم أن استقبال القبلة شرط لصحة
صلاة الفرض والواجب إلّا في حالة الخوف، قال في المحيط التوجه شرط زائد
بدليل صحة صلاة النافلة بدونه فجاز أن يقام مقام غير القبلة مقامها عند
التعذر، وفي كتاب النووي: لتعلم أوله القبلة ثلاثة أوجه، أحدها: أنه فرض
كفاية، الثاني: فرض عين، الثالث: فرض كفاية إلا أن يريد سفر أولا يصح
قول من قال فرض عين إذ لم يقبل عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أحد من السلف إلزام
آحاد الناس يعلم أوله القبلة في حق مقيم ولا مسافر/، بخلاف أركان الصلاة
وشروطها، ثم من كان بمكة فالفرض في حقه إصابة عين بالكعبة سواء كان
بين المصلى وبينها حائل بجدار أو لم يكن حتى لو اجتهد، قال الرازي
الحنفي: يعيد، وعن محمد بن الحسن لا يعيد إذا بأن له ذلك بمكة أو المدينة،
وفي كتاب أبي البقاء: وضع جبرائيل محراب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مساويَا للكعبة، وقيل
كان ذلك بالمعاينة، وأما من كان غائبَا عن الكعبة فغرضه جهتها لا عينها،
وهو قول عامة مشايخ الحنفية، وقال الجرجاني: شيخ القدوري: الفرض إصابة
عينها في حق الحاضر والغائب، وعند الشافعي فرض المجتهد مطلوبة عينها في
أصح القولين، والله أعلم.(1/1670)
186- باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: ثنا ابن
أبي فديك عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عن أبي هريرة أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع
ركعتين " (1) . هذا حديث إسناده حسن للاختلاف في حال كثير راويه،
ورواه أبو قرة بسند صحيح عن الثوري عن سهيل عن أبيه عنه، وفي الأوسط
من حديث زكريا بن حكيم الحِبطي البصري عن الحسن عن سليك الغطفاني،
قال: بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب إذ دخلت المسجد فجلست فقال: " ركعت
الركعتين ". قلت: لا. قال: " فقم فأركعها " (2) . لم يروه عن زكريا إلا
داود بن منصور القاضي. ومن حديث ابن لهيعة عن خالد بن زيد عن أبي
صالح عن أبي أدرانه: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يخطب فقعد فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هل/ركعت؟ قال: لا. قال: " فقم فاركع ". وفي الأوسط: لم يروه عن
سفيان إلا أبو قرة، ولما ذكر حديث المطلب قال: لم يروه عن المطلب إلا
كثير تفرد به ابن أبي فديك فإن ابن عمر وثقة وقال ابن معين في رواية صالح
وفي أخرى ليس بذلك القوى، وعند ابن عدي زيادة، وإذا دخل بيته فلا
يجلس حتى يركع ركعتن، فإن الله عز وجل جاعل له من ركعته في بيته
خيرا ثم قال إسناد جلة، وعزى الإشبيلي إلى البخاري أنه قال: هذه الزيادة لا
أصل لها، وأنكر ذلك ابن القطان. حدثنا العباس بن عثمان ثنا الوليد بن
مسلم ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرعي عن
أبي قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين قبل
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (2/70) ، ومسلم في (المسافرين، ح/70) ، وابن
ماجة (ح/1012) ، وأحمد (5/305) ، والبيهقي (3/94، 195) ، وابن خزيمة (1325) ، وتجريد
(320) ، والطبراني (3/272) ، وأحمد (5/303، 305) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (الجمعة، ح/58) ، والبيهقي (3/194) ، وإتحاف (3/296) ،
والفتح (07/42) ، ومعاني (1/365) .(1/1671)
أن يجلس " (1) . هذا حديث اتفقا على تخريجه، ولما ذكره ابن حبان في
صحيحه زاد قبل أن يجلس أو يستخبر، وعند ابن القطان بسند عنه مرفوع
عند ابن أبي شيبة: " اعطوا المساجد حقها ". قيل يا رسول الله: وما حقها؟
قال: " ركعتين قبل أن تجلس " (2) . وقال الترمذي: روى سهيل هذا الحديث
عن عامر عن عمرو عن جابر غير محفوظ وقال ابن المديني: حديث سهيل
خطأ، وقال ابن ماجة في بعض النسخ: رواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن
عامر عن أبي قتادة وهو وهم، وذكر البيهقي أنّ الشافعي قال ذلك على سبيل
الاختيار لا الفرض قال: ولم أعلم مخالفا من تركها، وروى عن عمر بن
الخطاب أنه قدم من سفر فوجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاعدا في المسجد فقصد إليه
ليخبره عن عمرو بن العاص، وكان معه في حبيش قال: فأتاه ولم أركع/ثم
دخل عمرو فركع قبل أن يأتيه فظنت أو علمت أنه سيغفره قال: " ولم
يحك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بأن يقضى بركة أن يبدأ بالنافلة ". وحكى عياض
عن داود وأصحابه وجوبها، وقال النووي: هي سنة بالإجماع، فإن دخل
وقت كراهة فكره أبو حنيفة والليث والأوزاعي صلاتهما خلافا للشافعي،
وحكى عنه أيضَا الكراهة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) الحديث الأول من الباب.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة (1824) ، والمنثور (5/52) ، وابن أبي شيبة (1/340) ، والكنز
(20774) .(1/1672)
187- باب من أكل الثوم فلا يقربن المسجد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة العمري أن عمر بن
الخطاب كان يوم الجمعة خطيبَا أو خطب يوم الجمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: " يا أيها الناس إنكم يهلون الشجرتين أراهما الأخبثين هذا الثوم وهذا
البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوجد ريحه منه فيؤخذ
بيده حتى يخرج إلى البقيع فَمن كان أكلها فيتمها طبخا " (1) . هذا حديث
خرجه مسلم في صحيحه. حدثنا أبو مروان العثماني ثنا إبراهيم بن سعد عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل من
هذه الشجرة- يعني: الثوم- فلا يؤذينا في مسجدنا هذا " (2) . قال إبراهيم:
وكان أبي يزيد فيه الكراث والبصل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعنى أنه يزيد على حديث
أبي هريرة في الثوم. هذا حديث خرجه أيضَا بلفظ: " فلا يقربن مسجدنا ولا
يؤذينا يربح الثوم " (3) . حدثنا محمد بن الصباح ثنا عبد الله بن رجاء المكي
عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال/رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من
أكل من هذه الشجرة شيئا فلا يأتين المسجد " (4) . هذا حديث خرجاه في
صحيحيهما، ولفظ مسلم: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في غزوة حنين: " من أكل من
هذه الشجرة- يعني: الثوم- فلا يأتين المساجد " (5) . وفي لفظ البخاري: " فلا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 1014) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/76) ، وأحمد (2/429، 3/12) ، والبيهقي (3/77) ، وعبد
الرزاق (1741) ، وإتحاف (7/56) ، وتلخيص (3/124) ، والمجمع (2/18) ، وابن خزيمة (1667) ،
والتمهيد (6/416) ، والترغيب (1/224) ، والكنز (40913) ، والمعاني (4 له 23) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/69، 74) ، وأحمد (4/252) ، والبيهقي (3/75، 76) ، وابن
حبان (319) ، وابن أبي شيبة (2/510) ، والطبراني (2/28، 4/106) ، والكنز (41750) . والمعاني.
(4) انظر: الحاشية رقم " 2 " السابقة.
(5) انظر: الحاشية رقم " 1 " السابقة.(1/1673)
يقربن مسجدنا " (1) . وفي الأوسط " حتى يذهب ريحها منه ". ذكره من
حديث رشدين بن سعد وتفرد به. وفي الباب حديث جابر بن عبد الله
عندها قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، وليعتزل
مسجدنا وليبتعد " (2) . وأنه أتى بقدر فيه خضران من بقول فوجد لها ريحا
فسأله فاخبر بما فيها من البقول فقال: فربوها إلى بعض أصحابه، فلما رآه كره
أكله قال: " كل فإني أناحي من لا يناحى " (3) . وفي لفظ لمسلم: " من
أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى
منه بنو آدم " (4) . وفي الاً وسط: من حديث هشام بن حسان عن أبي الزبير
عنه مرفوعا: " من أكل من هذه الخضراوات البصل والثوم والكراث
والفجل ... " (5) . الحديث وقال: لم يروه عن هشام إلا يحيى بن راشد البراء
تفرد به سعيد بن عفير ثنا به أحمد بن حماد بن رغبة، وفي مسند الحميدي
بسند على شرط الشيخين سئل جابر عن الثوم فقال: " ما كان بأرضنا يومئذ
ثوم الذي نهي عن البصل والكراث ". وفي سيرة ابن إسحاق عن أبي أيوب
__________
(1) صحيحٍ، متفق عليه. رواه البخاري (1/ 216، 7/ 105، 9/ 135) ، ومسلم في (المساجد،
ح/73) ، وأبو داود في (الأطعمة، باب " 4 ") ، وابن خزيمة (1664) ، وشرح السنة (2/388) ،
والتمهيد (6/417، 418) ، والكنز (40910) ، والبيهقي (3/76، 7/50) ، والمشكاة (4197) ،
والإرواء (2/334) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (7/211، 9/135) ، ومسلم في (المساجد، ح/
73) ، وأبو داود في (الأطعمة، باب " 41 ") ، والبيهقي (3/ 77، 7/ 50) ، وأبو عوانة (1/410) ،
والتمهيد (6/417) ، وشرح السنة (2/389) ، والقرطبي (1/426) ، والبداية (3/202) ، والمغنى
عن حمل الأسفار (2/ / 37) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/74) ، وأبو عوانة (412) ، واستذكار (1/152) ،
والقرطبي (1/426) .
(4) رواه الطبراني في " الصغير " (1/22) ، والكنز (40928) ، والمجمع (2/17) ، وعزاه إلى
الطبراني في " الأوسط " وفيه يحيى بن راشد البراء البصري وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان
وقال يخطىء ويخالف، وبقية رجاله ثقات.
(5) رواه أحمد: (3/374) .(1/1674)
الأنصاري: وقال محمد بن جرير في كتاب التهذيب، وروى المعاني بن عمران
عن الربيع بن صبيح عن أبي الزبير عن جابر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أكل
الثوم والبصل والكراث " (1) . وروى حماد بن سلمة عن بشر بن حرب عن
أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: " نهى عن أكل البصل والكراث والثوم ".
فقلنا: حرام هو؟ قال: لا. وفي الأوسط: " اجتنبوا هذه الشجرة المنكرة، من
أكلها فلا يقربن مسجدنا " (2) . وفي لفظ " حتى يذهب ريحه " قال الطبراني:
وثنا عمرو بن علي ثنا معاذ ثنا خالد بن ميسرة ثنا معاوية بن قرة عن أبيه قال.
" نهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل هاتين الشجرتين الخبيثتين، وقال: من أكلها
فلا يقربن مسجدنا يعنى البصل والثوم وإن كنتم لابد آكليها فأتينوها
طبخا " (3) . وعند ابن حبان في صحيحه من حديث حذيفة عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا " (4) .
قال الحسن: يعني الثوم، وعند الطبراني في الأوسط من حديث عباد بن طيم
عن عمه عبد الله بن زيد قال: " الذي أكل من هذه الشجرة فلا يقربن
مسجدنا- يعني: الثوم- ". وقال: لم يروه عن الزهري عن عباد إلا إيراهيم بن
سعد تفرد به معن. ومن حديث نعيم عن يحيى عن الزهري عن خالد بن
معدان عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني قال: غزونا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأصبنا بصلًا وثومًا فأكلوا منه والقوم جياع فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل
من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا في مسجدنا " (5) ، وعند الشيخين من
حديث أنس وسئل عن الثوم فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكل من هذه
__________
(1) لم نقف عليه.
(2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) رواه أحمد (3/60، 4/194) ، وابن أبي شيبة (2/8/116،510) ، والتمهيد (6/424) ،
والمجمع (2/17) ، والفتح (2/17) ، والفتح (2/344) ، والكنز (40925، 40935) .
(4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/216) ، ومسلم في (المساجد، ح/71) ، وأبو داود في
(الأطعمة، باب " 41 ") ، وابن أبي شيبة (8/115) ، وعبد الرزاق (1739) ، وابن خزيمة (1668) ،
والتمهيد (6/414) ، والترغيب (1/222) ، والمجمع (2/17) ، والكنز (540927) .
(5) تقدم من أحاديث الباب.(1/1675)
الشجرة فلا يقربنا ولا يصلى معنا " (1) وقد وردت أحاديث ظاهرها معارض لما
تقدم منها ما روينا في العلانيات عن يحيى بن عبد الباقي ثنا لوين ثنا زافر بن
سليمان عن إسرائيل عن مسلم عن حبة عن علي قال: قال لي رسول الله/
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل الثوم فلولا أنى أناجى الملك لأكلته " (2) . ورويناه في كتاب
الحلية لأبي نعيم قال: ثنا فاروق ثنا الكجي أن عبد الله بن رجاء قال: ثنا
إسرائيل عن مسلم الأعور بلفظ: " أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل الثوم ". وفي
التهذيب لأبي جرير ثنا أبو عامر السكري ثنا يحيى بن صالح ثنا إسماعيل بن
سعد ثنا خالد بن معدان عن حماد بن سلمة أنه سأل عائشة عن البصل
فقالت: " إن آخر طعام أكله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعام فيه بصل " (3) . ولما رواه في
الأوسط من حديث بقية عن يحيى بن سعيد عن ابن معدان عن جبير بن نفير
قال: لا يروى هذا الحديث عن عائشة إلا هذا الإسناد، تفرد به يحيى انتهي
كلامه وفيه نظر؛ لما أسلفناه. وفي صحيح البستي عن المغيرة بن شعبة قال:
انتهيت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوجد منى ريح القوم فقال: " من أكل الثوم ".
قال: فأخذت يده فأدخلتها فوجد صدري معصوبَا فقال: " إن لك عذرَا "
ولفظ أبي داود: أكلت ثوما ثم أتيت مصلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد سبقت
بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ريح الثوم فلما قضى صلاته
قال: " من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها أو ريحه " (4) .
فلما قضيت الصلاة جئت إليه فقلت يا رسول الله: لتعطيني يدك. قال:
فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر فقال: " إنَّ
لك عذرا ". وفي الأوسط فقلت: اشتكيت صدري فأكلته فلم يعنفه جماعة
العلماء، قالوا: هو صريح في نهي من أكل من هذه الشجرة أن يدخل المسجد
إلا ما حكاه عياض عن بعضهم أنه خاص/بمسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي حلال
بإجماع الأشياع حكاه بعضهم عن أهل الظاهر بأنها حرام؛ لأنها أتمنع من
__________
(1) الذهبي في " الطب النبوي " (41) ، والمتناهية (2/170) ،
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/3829) ، والمشكاة (4231) .
(3) أصفهان (2/30) ، وانظر الإرواء (2/334، 8/154) .
(4) رواه أبو عوانة (1/410) ، وابن أبي شيبة (8/114) .(1/1676)