بعض أراجيزه: أنا الغلام الهاشمي المكي، وقالت ليلى الأخيلية (1) في كلمة لها
تمدح الحجاج:
سقاها من الداء العضال الذي ... لها غلام إذا نقر العناء ثناها
فقال لها الحجاج: لا تقولي غلام، ولكن قولي: همام، قال جار الله وقال
بعضهم يستحق هذا الاسم إذا ترعرع وبلغ الأحلام بشهوة النكاح كأنه يشتهيه
ذلك الوقت، ويسمى غلاما أو لافقا وبعد ذلك مجازا، وقال ابن سبرة عن
الأصمعي: هو غلام إذا طرشا، وبه في الفصيح غلام من الغلومة والغلومية،
وقال ابن دريد: وربما سميت الجارية غلامة، وأنشد:
ويركضه صرحى أبُوها تهان ... لها الغلامة والغلام
وقال أبو إسحاق الحربي: لا يقال للأنثى إلا في كلام قد ذهب من ألسن
الناس، قال عبد الحق: قد جاء ذلك في الحديث والشعر، وأنشد:
فلم أرها ما كان أكثر هالكا ... ووجه غلام يشترى وغلامه
وقال النّضر بن سهيل: هو غلام أول ما يولد حتى يشيب.
__________
(1) انظر: كتاب ليلى الأخيلية تأليف الشيخ كامل عويضة. طبعة بيروت.(1/565)
47- باب الأرض يُصيبُها البول كيف تُغسل
حدثنا أحمد بن عبدة ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس: أن أعرابيا بال
في المسجد فوثب إليه بعض القوم فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تزرموه ثم دعا
بدلو من ماء فصّب عليه ". هذا حديث خرجاه في صحيحهما (1) وسماه أبو
موسى في كتاب الصحابة ذا الخويصرة اليماني وسامة من أعلام النبوة؛ لأن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/لما رآه مقبلا قال: هذا الرجل الذي بال في المسجد ولم ينسب أنه
بال. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " دخل أعرابي المسجد ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس
فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقال: لقد اضطيرت واسعا ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول
فقال الأعرابي بعد أن فقه فقام إلي بأبي وأمي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يؤثر ولم يسُبّ فقال:
إنّ هذا المسجد لا يبال فيه، وإنّما بنى لذكر الله وللصلاة ثم أمر بسجل من
ماء فأفرغ على بوله (1) . هذا حديث رواه أبو داود والترمذي من حديث
الزهري عن سعيد، وقال في آخره: قال سعيد قال سفيان: وحدثني يحيى- بن
سعيد عن أنس نحو هذا وهذا حديث حسن صحيح، وقد روى يونس هذا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (8/14) ومسلم في (الطهارة، باب " 30 " رقم
" 100 ") والنسائي (1/175) وابن ماجة (258) وأحمد (3/191) والبيهقي 21/413،
428، 10/103) وابن خزيمة (293، 296) وأبو عوانة (1/214) وشرح السنة (2/81)
وإتحاف (7/138) والمغني عن حمل الأسفار (2/389) وأخلاق (71، 80) .
قوله: " لا تزرموه " أي لا تقطعوا عليه البول. يقال: تزرِم البول، إذا انقطع. وأزرمه غيره.
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/29) والترمذي (ح/147) وقال: هذا حديث حسن
صحيح. ورواه أحمد في " المسند " (رقم 7254 ج 2 ص 239) عن سفيان بن عيينة عن
الزهري. ونسبه في المنتقى (1/51 من نيل الأوطار) للجماعة إلا مسلما.
قوله: " السجل " بفتح السين المهملة وإسكان الجيم: الدلو الملأى ماء، ويجمع على سجال،
بكسر السين. قال في النهاية: وقال القاضي أبو بكر بن العربي: " الدلو مؤنثة، والسجل
يذكر، فإن لم يكن فيها ماء فليست بسجل، كما أن القدح لا يقال له كأس إلا إذا كان فيه
ماء ".(1/566)
الحديث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة، وأصله في
صحيح الجعفي بلفظ: " قام أعرابي في المسجد قلنا وله الناس فقال لهم النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء أو دلوا من ماء، فإنّما بعثتم
مبشرين ولم تبعثوا معسرين " (1) وفى لفظ: " قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة وقمنا
معه فقال أعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا فلما سلم
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لقد حجرت واسعا " (2) . وروى ابن صاعد عن عبد الجبار
بن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى ابن سعيد عن أنس أنّ أعرابيا بال في
المسجد فقال عليه السلام: " احضروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء " قال
أبو الحسن البغدادي الحافظ رحمه الله تعالى: وهم عبد الجبار على ابن عيينة؛
لأنّ أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عن يحيى بن سعيد فلم يذكر منهم
الحضر، وإنّما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن ذبير عن/طاوس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " احفروا مكانه فاختلط " على عبد الجبار المتنان، وفى علل الخلال: وقال
أبو بكر بن محمد عن أبيه أنه قال لأبي عبد الله في حديث الأعرابي في
البول في المسجد: يرويه هو لأصحاب أبي حنيفة، ويروون فيه شيئا عن أبي
بكر بن عياش عن سمعان عن أبي وائِل عن عبد الله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" فأمر به فحفر " قال: ما أعرف سمعان هذا، وهذا حديث منكر ثم قال: كيف
تصنعون في بول الصبي أنه يرش هو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غير وجه يرش عليه
فالسن حجتهم في هذا، وهم يزعمون إذا صب عليه أو رش عليه فهو شر مما
كان، وقال أبو زرعة: حديث سمعان في بول الأعرابي في المسجد حديث
ليس بقوي. حكاه عنه ابن أبي حاتم وحكى عنه ابن المحمدي، الحديث منكر
وسمعان ليس بالقوى، وذكره الدارقطني أنه يقال فيه أيضا: ابن سمعان أن أبا
بكر بن عياش قال: حدثنا المعلى المالكي، فذكر غير اللفظ الأولى عن شقيق
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/65، 8/37) والفتح (1/323) والنسائي (1/49،
175) والمشكاة (491) والإِرواء (1/190) .
(2) صحيح. رواه أبو داود (380) والترمذي (147) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والنسائي (3/24) واحمد (2/239، 283) والبيهقي (2/428) وابن خزيمة (864)
والحميدي (938) وعبد الرزاق (1658) .(1/567)
عن عبد الله جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخ كبير فقال: " يا محمد متى
الساعة، قال: وما أعددت لها؟ قال: والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من
كثير صلاة ولا صيام إلا أنّى أحب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت "
قال: فذهب الشيخ فأخذه بوله في المسجد فمر عليه الناس فأقاموه فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دعوه عسى أن يكون من أهل الجنة فصبوا على بوله الماء " (1) . رواه
عن المحاملي ثنا يوسف بن موسى ثنا أحمد بن عبد الله ثنا ابن عباس به وقال
الخطابي: وليس في حديث أبي هريرة ولا في خبر متصل ذكر الحفر مكان،
ولا ينقل التراب وإن سلم الحنفيون للإمام أحمد وغيره قوله فإن لهم حديثا
إسناده على رسم الشيخين، رواه أبو داود (2) في كتاب السنن فقال: حدثنا
موسى بن إسماعيل ثنا جرير بن حاز قال: سمعت عبد الملك بن عمير
يحدث عن عبد الله/بن معقل بن مقرن قال: قام أعرابي إلى زاوية من زوايا
المسجد فانكشف فبال فيها فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خذوا ما بال عليه من التراب
فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء ". قال: هذا مرسل، وابن معقل لم يدرك النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي ذلك عليه الحافظ ابن فتحون فذكر أنّ له صحبة في كتابه
المستدرك على ابن عبد البر ولئن سألنا لأبي داود قوله، وكذا قول ابن ميمون
فيكون مرسلا صحيحا، والمرسل معمول به عندهم، والله أعلم.
وذكره عبد الرزاق عن طاوس، وقد تقدّم كلام أبي الحسن عن ابن عينية
عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلا مثلا، والاصطلاح: إذا عارض مرسلان
صحيحان حديثا صحيحا مسندا كان العمل بالمرسل أولى فكيف مع عدم
المعارضة. حدثنا محمد بن يحيى: هو عندنا ابن أبي حميد ثنا أبو المليح
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 78- باب الأرض يصيبها البول،
(ح/530) .
في الزوائد: إسناد حديث وائلة بن الأسقع ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الله الهذلي. قال
الحاكم: يروى عن أبي المليح عجائب. وقال البخاري: منكر الحديث. وصححه الشيخ
الألباني.
(2) ضعيف. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 136- باب الأرض يصبها البول،
(ح/381) . قال أبو داود: وهو مرسل. ابن معقل لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/568)
الهذلي عن وائلة بن الأسقع قال: " جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: اللهم
ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتك إيانا أحدا فقال: لقد خطرت واسعا
ويحك أو ويلك قال: فسيح يبول فقام أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دعوه فدعا بسجل من ماء فصبه عليه " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف
رواه عبيد الله بن أبي حميد غالب أبي الخطاب الهذلي الكوفي، فإنه ممن قال
فيه الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- ترك الناس حديثه، وقال
البخاري: منكر الحديث، وفى علل أبي عيسى عنه: ضعيفه ذاهب الحديث لا
أروى عنه شيئا، وقال أبو عبد الرحمن: متروك الحديث، وقال ابن معين
والدارقطني: ضعيف الحديث، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد فاستحق
الترك، وقال أبو حاتم/الرازي: منكر الحديث ضعيف الحديث، وفى الكامل
لابن عدي عن ابن مثنى أنه قال: ما سمعت يحيى ولد عبد الرحمن يحدّث
بشيء قط، قال أبو أحمد: وعامة رواية عن أبي المليح، وقال أبو زكريا
الساجي: هو ضعيف، وذكر العقيلي في كتاب الضعفاء وكذلك البلخي،
وفى الأشراف: اختلفوا في موضع البول تصبه الشمس أو يجف فكان
الشافعي وأحمد وأبو ثور يقولون: لا يطهره إلا الماء، وفيه قول ثاني، وهو أن
يصلى عليه إذا جفّ وذهب أثره، ولا يصلي عليه إن لم يذهب أثره ولا يجزيه
أن يصلى على بساط أصابه بول وإن ذهب أثره. هذا قول النعمان ومحمد
وقالا: الشمس تزيل النجاسة إذا ذهب الأثر عن الأرض، وروينا عن أبي قلابة
أنه قال: جفوف الأرض إذا أصابتها نجاسة فيبست وذهب أثرها جازت الصلاة
عليها، وقال أبو سليمان رحمه الله تعالى: فيه دليل على أنّ الماء إذا أورد على
النجاسة على سبيل المكاثرة والغلبة طهرها وإن غُسلات النجاسة طاهرة لم تبن
للنجاسة فيها لون أو ريح، ولو لم يكن ذلك الماء طاهرا لكان المصبوب منه
على البول أكثر نجسا للمسجد من البول بعينه فدلّ على طهارته، قال: وإذا
أصابت الأرض نجاسة ومطرت مطرا عاما كان ذلك مطهرا لها، وكانت في
معين صبّ الذنوب وأكثر، والله أعلم. ومن قوله إنّما بعثتم مبشرين دليل على
__________
(1) انظر أول حديثين في الباب.(1/569)
أن أمر الماء على التيسير والسعة في إزالة النجاسات فيه، والله أعلم. وأما قوله:
لا تزرموه أي. لا تقطعوا عليه، قال ابن دريد: الزرم القطع قال الشاعر:
فقلت لما سمعت من تحت لبها ... لا يخطئنك إن البيع قد زرى
وقال الجوهري: زرم البول بالكسر إذا انقطع، وكذلك كل شيء ولى
وأزره غيره، وفى الجامع يقال زرمه يزرمه زرما إذا/قطعه، وكذا أزرمه ازراما
إذا فعل به ذلك، وزرم الشيء في نفسه إذا انقطع وإذا انقطع بول الرجل
قلت: زرم بوله وأزرمه هو إذا أقطعه، وقد ازرام الرجل إذا غضب وازرام
الشيء إذا انقطع، وازرام الشاعر ازريما إذا انقطع شعره، وازرام الشيء إذا
سلب، وازرام إذا تعبض وفيه قول الشاعر:
تمري إذا امتحنت من قبل اذرعها ... وتزريم إذا ما مسه المطر
ومن السكوت قول الراجز:
الفتية غضبان مزريما ... لا سبط الكف ولا خضيما
ويقول: لعن الله ما زرمت به أي: ولدته، ولذلك قال الشاعر:
ألا لعن الله التي زرمت ... فقد ولدت داعله وغوايلى
ويقال: زرم السور وغيره إذا بقي جعدة في دبره، وبه سمي السؤر أزرم
ويقال: أزرمت السوق إذا انقطعت، وزرم كلامه إذا قطعه فهو زرم الكلام
أي: قليله، وكذلك قال الأخطل: والشافعون مغيبون وجوههم زرموا المقالة
بالسّواء الأبصار أي: قد قطعوا الكلام، والمزرم المضيق عليه، ويقال: زرم فلان
بأمره إذا ضاق به فلم يدر ما يصنع قوله عليه الصلاة والسلام: " لقد احتظرت
واسعا على الحظر الحجر " (1) ، قال الجوهري: قال: وهو ضد الإباحة والمحظور
المخرم، وفى أساس الزمخشري حظر عليه كذا حيل معه بينه: (وما كان عطاء
ربك محظورا) (2) وهذا محظور غير مباح، وقال ابن دريد: حظرت الشيء
__________
(1) طرف من حديث تقدم في هذا الباب.
(2) سورة الإِسراء آية: 20.(1/570)
حظره حظرا فهو محظور: إذا حرمته، والحظار: ما حظرته على غنم أو غيرها
بأغصان الشجر أو بما كان وهو الحظر أيضا قال الشاعر:
ترى حظرا أذوى به الحي عاضد
وقال في كتاب الأسعاف: لما أغار امرؤ القيس بن المنذر عم/النعمان بن
المنذر على النمير بن واسط فشيئا شيئا، فأتى بهم الخبرة فحفر لهم حظائر وهم
بإحراقهم فكلمه فيهم أبو حوط أخو المنذر بن امرئ القيس لأمه، واسمه مالك
ابن ربيعة فوهبهم له فسمى ذو الحظائر، وزعم ابن ماكولا في كتاب الإكمال:
أنه بخاء معجمة مضمومة قال: ذكره ابن دريد، ويشبه أن يكون وهما منه
على ابن دريد اللهم إلا أن تريدكو يذكر بن دريد سما به الحر لا الضبط،
وذلك أنّ الذي ذكره به وغراه له هو من كتاب الوشاح من تأليفه في باب
الأزداء ولم يضبطه كعادته في ذلك الكتاب، وذكره في كتاب الجمهرة في
باب الحاء المهملة والطاء والواو، وبنحوه قاله في كتاب الاشتقاق، وابن سيدة
في كتاب المحكم والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص، وسمّاه كعب
بن الحارث بن حسم بن هلال بن ربيعة بن زيد معناه بن عامر الصحيان بن
سعد الخزرج ونضر بن مزروع في كتاب العلماء من الأشراف وسمّاه الحرث
بن زيد مناة، وقد اتبعوا ذلك بشواهده في كتاب الاتصال، وفى رواية لقد
تحجرت واشيعا، قال الخطابي: أصل الحجر: المنع، ومنه الحجر على السفيه،
وهو منعه عن التصرف في ماله وقبض يده عنه يقول له: قد سبقت من رحمه
الله ما وسعه ومنعت منها ما أباحه، والسجل مذكر وهو الدلو إذا كان فيه ماء
قلّ أو كثر، ولا يقال لها: وهى فارغة سجل ولا ذنوب والجمع السجال،
والسجيلة الدلو الضخمة قال المراجز:
خذها وأعط عمك السجيلة ... إن لم يكن عمك ذا حليلة
وسجلت الماء فانسجل أي: صببته فانصب وأسجلت الحوض ثلاثة قال:
وغادر الأخد والآخاد مترعه ... وأسجل الماء إنها وعد مانا
وفى الجمهرة: والجمع سجول وفى الكتابة وقيل: لا يسمى سجلا حتى
يكون مملوءة ماء، وقال أبو منصور النيسابوري: حتى يكون فيها ماء قلّ أو(1/571)
كثر، ولا يقال لها: ذنوب إلا ما دامت ملأى كما أنه لا يقال/كأس إلا إذا
كان فيها شراب وإلا فهي زجاجة، وفى الألفاظ ليعقوب: الكأس الإناء
والكأس ما فيه من الشراب، ولا يقال مائدة إلا إذا كان عليها طعام وإلا فهو
خوان، ولا يقال كوزا إلا إذا كان له عروة وإلا فهو كوب، ولا يقال قلم إلا
إذا كان مبريا فإلا هو أنبوبة، ولا يقال: خاتم إلا إذا كان فيه فض فهو فتيحة،
ولا يقال فروا إلا إذا كان عليه صوف وإلا فهو جلد ولا يقال ربطة إلا إذا لم
يكن نفقين وإلا فهي ملأه، ولا يقال أريكة إلا إذا كان عليها حجلة وإلا فهي
سرير، ولا يقال لطمة إلا إذا كان عليها طيب وإلا فهي غير، ولا يقال تفق إلا
إذا كان له منفذ وإلا فهو سرب، ولا يقال عهن إلا إذا كان مصوبغا وإلا فهو
صوف، ولا يقال لحم قديد إلا إذا كان معالجا بتوابل وإلا فهو طبيخ، ولا
يقال خدرا إلا إذا كان مشتملا عن جارية وإلا فهو ستر، ولا يقال ركية إلا
إذا كان فيها ماء قلّ أو كثر، ولا يقال محجن إلا إذا كان في طرفه عقافة
وإلا فهو عصا، ولا يقال وقود إلا إذا كانت انقدت فيه النار وإلا فهو حطب،
ولا يقال عويل إلا إذا كان قد رفع صوت وإلا فهو بكاء، ويقال مور للغبار
إلا إذا كان بالريح وإلا فهو وهج، ولا يقال معلول إلا إذا كان في جرن سوط
وإلا فهو مشتمل، ولا يقال للطين سباع إلا إذا كان فيه تبن وإلا فهو طين،
ولا يقال ثرى إلا إذا كان نديا وإلا فهو تراب، ولا يقال مأزق وما قط إلا في
الحرب وإلا فهو مضيق، ولا يقال مغلغلة إلا إذا كانت محمولة من بلد إلى
بلد وإلا فهي رسالة، ولا يقال قراح إلا إذا كانت مهيأة للزرع وإلا فهي براح،
ولا يقال للعبد ابق (1) إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا له عمل وإلا فهو
هارب ولا يقال لما في الفم رحاب إلا ما دام في الفم فإذا فارقه فهو براق،
ولا يقال للشجاع لمي إلا إذا كان نبال الصلاح/وإلا فهو بطل، ولا يقال
للطبق مهدا إلا ما دامت عليه الهدبة، ولا يقال للبعير راوية إلا ما دام عليه
الماء، ولا يقال للمرأة ظعينة إلا ما دامت راكبة في هودجها، ولا يقال
للسرحين فرث إلا ما دام في الكرش، ولا يقال للسرير نعش إلا ما دام عليه
__________
(1) قوله: " آبق " أي هارب.(1/572)
الميت ولا يقال للعظم عرق إلا ما دام عليه لحم، ولا يقال للخيط سمط إلا ما
دام فيه خرد، ولا يقال للثوب حلة إلا أن يكون ثوبين اثنين من جنس واحد،
ولا يقال للحبل قران إلا إذا قرن فيه بقران، ولا يقال للقوم رفقة إلا ما داموا
منضمين في مجلس واحد ومسير واحد فإذا تفرقوا ذهب عنهم اسم الرفقة
ولم يذهب عنهم اسم الرفيق، ولا يقال للبطيخ حرج إلا ما كانوا صغار
أخضرا، ولا يقال للذهب تبر إلا ما دام غير مدبوغ، ولا يقال للحجارة رصف
إلا إذا كانت محماة بالشمس أو بالنّار، ولا يقال للشمس الغدالة إلا عند
ارتفاع النهار، ولا يقال للثوب مطرف إلا إذا كان في طرفيه علمان، ولا يقال
للمجلس النادي إلا ما دام فيه أهله، ولا يقال للريح جليل إلا إذا كانت باردة
ومعها ندى، ولا يقال للمرأة عانق إلا ما دامت في بيت أبوها، ولا يقال
للبخيل شحيح إلا إذا كان مع بخله حريصا، ولا يقال للذي عد البرد مرض
إلا إذا كان مع ذلك جائعا، ولا يقال للإسراع في السير اهطاع إلا إذا كان
معه خوف، ولا اهراع إلا إذا كان معه رعدة، وقد نطق القرآن بهما، ولا يقال
للحان كع إلا إذا كان مع جيشه ضعيفا، ولا يقال للمقيم متلوم إلا إذا كان
على انبطاء، ولا يقال للفرس محجل إلا إذا كان البياض في قوائمه الأربع أو
الثلاث، ولا يقال دود إلا للقليل من أثاث الإبل. ذكره ابن الجوزي في تقويم
اللسان، والله تعالى أعلم.(1/573)
48- باب/الأرض تطهر بعضها بعضا
حدثنا هشام بن عمار ثنا مالك بن أنس ثنا محمد بن عمارة بن عمير بن
حزم عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أم ولد لعبد الرحمن بن
عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إنى امرأة أطيل ذيلي وأمشى
في المكان فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يطهره ما بعده " (1) . هذا حديث لما
خرجه أبو عيسى قال آخره: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك
عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد هود بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أم سلمة وهو وهم، وليس لعبد الرحمن بن عوف ولد يقال له:
هود إنّما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو
الصحيح، ورواه أبو قرة في سننه ثنا أبو حنيفة ثنا أبو قرة ذكر مالك، ورواه
أبو داود الكجي في سنه وابن وهب في مسنده عن القعنبي عن مالك فقال:
عن أم ولد لإبراهيم، وذكره ابن الجارود في منتقاه ثنا يعقوب الدوري ثنا
عبد الله بن إدريس ثنا محمد بن عمارة لرواية سليمان بن الأشعث فتبّين بما
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (143) وقال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: " كُنا مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نتوضأ من الموطأ ". وقال: وهو قول غير واحد من أهل العلم، قالوا: إذا
وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غُسل القدم، إلا أن يكون رطبا فيغسل ما
أصابه. ورواه أبو داود (383) والدارمي (1/189) وابن ماجة (531) ثلاثتهم من طريق
مالك. ورواه مالك من طريق يحيى (1/47) ومن رواية محمد بن الحسن (ص 163) .
ثلاثتهم من طريق مالك. وعندهم جميعا: " عن أم الولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف "
كما سيصححه الترمذي في آخر هذا الباب، وهو الصواب. والحديث سكت عنه أبو داود
والمنذري. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: " هذا الحديث مما رواه مالك فصح، وإن كان
غيرِه لم يره صحيحا ".
والعلة فيه جهالة أم للولد هذه. وقال الذهبي في الميزان: " حميدة سألت أم سلمة، هي أم ولد
لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، تفرّد عنها محمد إبراهيم التيمي ". وأما ابن حجر في
التهذيب فإنه يجزم بأن حميدة هي أم الولد بل جوّز ذلك فقط، وقال في التقريب: إنها
مقبولة. وهذا هو الراجح، فإن جهالة الحال في مثل هذه التابعية لا يضر، وخصوصا مع
اختيار مالك حديثها وإخراجه في موطئه، وهو أعرف الناس بأهل المدينة، وأشدهم احتياطا في
الرواية عنهم. قلت: وللحديث شواهد صحيحه. وعلى هذه الشواهد صححه الشيخ الألباني.(1/574)
ذكرناه صحة قول أبي عيسى وضعف قول من خالفه، ولما ذكره أبو محمد
في مسنده قيل له أنا محمد أتاخذ بهذا الحديث؟ قال: لا أدري، وقال أبو
سليمان الخطابي: في إسناد هذا الحديث يقال أم ولد إبراهيم مجهولة لا يعرف
حالها في الثقة والعدالة، وبنحوه قال الخزرجى حدثنا أبو كريب ثنا إبراهيم بن
إسماعيل اليشكري عن ابن أبي خيثمة عن داود بن الحسين عن أبي سفيان
عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يطهر بعضها بعضا " (1) ./هذا حديث معلل بأمور:
الأول: الاختلاف في حال ابن أبي حبيبة قال ابن عدي: ذكر هذا الحديث
في ترجمة إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة في جملة أحاديث أنكرت عليه،
ثم قال: وابن أبي حبيبة صالح في باب الرواية يكتب حديثه مع ضعفه كما
حكى عن ابن معين ولفظه: " الطرق يطهر بعضها بعضا" (2) . وقال الإمام
أحمد: كان ثقة، وقال ابن سعد: كان مصليا عابدا صام ستين سنة وكان
قليل الحديث، وقال العجلي: حجازي ثقة، وقال البخاري: منكر الحديث
وقال أبو عبد الرحمن: مدني ضعيف، وقال أبو الحسن: متروك، وقال
الدوري عن ابن معين: ليس بشيء، وقال عثمان بن سعيد عنه: صالح ولا
يحتج به، وقال أبو إسحاق الحربي: كان شيخا صالحا وله فضل ولا أحسبه
حافظا، وقال أبو داود فيما حكاه الآجري عنه- يعني عن ابن معين-:
ضعيف، وفى رواية معاوية بن صالح عن عبد الله بن عامر الأسلمي وخالد
بن إلياس وابن أبي حبيبة: كلّ هؤلاء ليسوا بشيء. قلت ابن أبي حبيبة مثلهم
قال: هو أصلح منه، وقال الساجي: في حديثه لين، وقال أبو جعفر العقيلي:
له غير حديث لا يتابع على شيء منه، وذكره الحافظ أبو العرب في كتاب
الضعفاء. الثاني: أبو سليمان داود بن الحصين الأموي وإن كان قد خرجا
حديثه في صحيحيهما فقد قال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أنّ مالكا روى
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه في: 1- كتاب الطهارة، 79- باب الأرض يطهر بعضها
بعضا، (ح/532) . في الزوائد: إسناده ضعيف. فإن اليشكري مجهول. قال الذهبي:
وشيخه مما اتفقوا على ضعفه. وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/118) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في " الكامل ": (1/236) .(1/575)
حديثه لترك حديثه وقال أبو أحمد الجرجاني: صالح الحديث إذا روى عنه ثقة
إلا أن يروى عنه ضعيف فيكون البلاء به مثل ابن أبي حبيبة وابن أبي يحيى،
وقال ابن حبان: حديثه عن الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات يجب مجانبة
روايته، وقال أبو زرعة الرازي: لين، وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال:
أحاديثه عن عكرمة مناكير وأحاديثه عن شيوخه مستوفية، وفى كتاب العقيلي
ثنا محمد بن زكريا البجلي ثنا الحسن/بن شجاع، قال: سمعت علي بن
المديني يقول: مرسل الشعبي وسعيد بن المسيب أحب إلي من داود بن حصين
عن عكرمة عن ابن عباس، وقال الحافظ أبو زكريا الساجي: كان متهما برأي
الخوارج منكر الحديث، وأبوه حصين روى عن جابر وأبي رافع وحديثه ليس
بالقائم حدثنى أحمد بن محمد قال: سمعت المعيط يقول لخلف المخرمي
ويحيى بن معين وابن أبي شيبة وهم قعود كان مالك بن أنس يتكلم في سعد
بن إبراهيم سيّد من سادات قريش، ويروى عن داود بن حصين وثور الديلمي
وكانا خارجين حسن فما تكلم أحد منهم بشيء، وقال أبو عمر بن عبد البر:
كان متهما بالقدر وقد احتمل، وقال البرقي في كتاب الطبقات باب من،
تكلم فيه من الثقات لمذهبه من أهل للمدينة: ممن كان يرمى منهم بالقدر داود
بن حصين. والثالث: إبراهيم اليشكري لم أر أحدا عرف حاله، ولا ذكره
بأكثر مما في هذا السند ولا ذكر عنه راويا غير محمد بن العلاء والله أعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن موسى
ابن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بنى عبد الأشهل قالت: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت: إن بيني وبن المسجد بقاء قذرا قال: " فبعدها طريق أنصف منها
قلت نعم، قال: هذه بهذه " (1) انتهى. هذا حديث رواه أبو داود عن الثعلبي
وأحمد بن يونس قالا: نا زهير حدثنا عبد الله بن عيسى ولفظه: " ان لنا
طريق إلى المسجد منتنا كيف نفعل إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق أطيب
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/ 384) وابن ماجة (ح/ 533) وأحمد في " المسند " (6/
435) والبيهقي في " الكبرى " (2/434) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1/56) والكنز
(27281) . وصححه الشيخ الألباني.(1/576)
منها؟ قالت: بلى. قال: فهذه هذه "، وإسناده صحيح، وخرجه الحافظ أبو
محمد في منتقاه عن محمد بن يحيى ثنا أبو داود ثنا زهير وشريك عن عبد
الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي/ليلى لفظ: " أن لنا طريقا منتنه ". ولما
ذكره أبو محمد الإشبيلي لم يرد على أن أبرز من سنده موسى والأشهلية كذا
هو في الأحكام، وحكي أبو الحسن بن الحصار تلميذه أنّه صحّحه وتبع
الحافظ ابن القطان على سكوته عن عبد الله بن عيسى راوية بأنه لا يعرف
قال: وليس بابن أبي ليلى فاعله. انتهي كلامه. وفيه نظر، من حيث زعمه
بغير دليل أنّ ابن عيسى هذا ليس معروفا، قال: وليس بابن أبي ليلى وليس
كما زعم كما أسلفناه قبل، ولا ما لم ير من روي عنه شريك وروي عن
موسى بن عبد الله غير ابن أبي ليلى المخرج حديثه في الصحيح ولا في هذه
الطبقة شريكا له فيما ذكره البخاري، وأبو محمد بن أبي حاتم وأبو حاتم
البستي وغيره؛ فإنّه نص عليه وعينه في بابه وباب شيخه وهو الصواب، وأمّا
قول أبي سليمان الخطاب في إسناده مقال لكونه عن امرأة من بني عبد
الأشهل مجهولة، والمجهول لا يقوم به حجة في الحديث، فمردود بما عليه
جماعة المحدثين من أنّ جهالة اسم الصحابي غير مؤثره في صحة الحديث،
قال أبو سليمان: قوله يطهرن ما بعده كان الشّافعي يقول: إنّما هذا فيما أُجر
على ما كان يابسا لا يعلّق بالثّوب منه شيء، وأمّا إذا أجر على رطب فلا
يطهره إلا الغسل. وقال الإمام أحمد: ليس معناه إذا أصابه بر (1) بعده على
الأرض أنها تطهره، ولكنه يمر بالمكان فتقذره ثم يمرّ بمكان أطيب منه فيكون
هذا بذاك ليس على أنّه يصيبه منه شيء. وقال مالك: إنّما هو أن يطأ الأرض
القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فانّ بعضها يطهر بعضا، فأماّ النجاسة
مثل البول ونحوه تصيب الثوب أو بعض الجسد، فإنّ ذلك لا يطهره إلا
الغسل. قال: وهذا إجماع الأمة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) قلد كذا ورد هذا السياق " بالأصل ". ومقصد كلام المصنف: أن الثوب المبلل ببول
نجس فإن الأرض تُطهره.(1/577)
49-بابُ مُصافحة الجُنب
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل ابن علية عن حميد عن بكر بن
عبد الله عن أبي نافع عن أبي هريرة أنه لقيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق من طرق
المدينة وهو جنب، فانسل، فقعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا
هريرة؟ قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى
أغتسل. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " المؤمن لا ينجس ". (- أ) هذا حديث
أجمع على تخريج أصله الأئمة الستة (1) - رحمهم الله تعالى- إلا أن مسلما
رواه مقطوعا، وأنّ علي الإِمام بدر الدين يوسف بن عمر أخبركم الحافظ رشيد
الدين قراءة عليه قال: وقع في مسلم إسناد هذا الحديث فما رأيته من النسخ
مقطوعا حميد عن أبي رافع قال: وكذلك هو من روايتنا من طريق الجلودي،
وقد سقط من إسناده وحل من حميد وأبي رافع وهو بكر بن عبد الله المزني،
قال حميد: إنّما يروى هذا الحديث عن بكر بن أبي رافع كذلك أخرجه
البخاري وأبو داود فمن بعده في سننهم بلا خلاف أعلمه بينهم في ذلك،
وكذلك رويناه في مسند ابن أبي شيبة ولذلك هو في مسند الإِمام أحمد،
وقد ذكر أبو مسعود وخلف الواسطي أنّ مسلما أخرجه أيضا كذلك إلا أنِي
لم أره في جميع النسخ التي رأيتها من كتاب مسلم إلا مقطوعا، وكذلك
قال الحافظ أبو علي الجياني أنه وقع إسناد هذا الحديث في النسخ كلها حميد
عن أبي رافع قال: وفي هذه الرواية انقطاع إّنما يرويه حميد عن بكر عنه وقال
أبو الحسن في كتاب الوهم والإِبهام: وكذلك رواه ابن السكن من رواية عبد
الرحمن بن بشر بن الحكم عن يحيى بن سعيد عن حميد عن بكر قال: فإذن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (2/93) وابن ماجه (534) وتغليق (464) وإتحاف
(9/179) والمغني عن حمل الأسفار (4/146) وأبو حنيفة (33) ورواه مسلم في (الحيض،
115، 116) وأبو داود (231) والنسائي في (الطهارة، باب " 171 ") واحمد (2/
235، 382، 471، 5/384، 402) .(1/578)
إنما يقرره/عن يحيى بن سعيد عن زهير بن حرب اسقط منه نكرا من
بيتهما. انتهي كلامه. وفيه نظر؛ من حيث زعم أنّ المقصر له هو ابن حرب-
يعني: وحده-، وليس كذلك؛ بل المقصر به مسلم أيضا عن شيخه الذي رواه
عنه أبو بكر بن أبي شيبة فإن أبا بكر رواه متصلا كرواية الجماعة كما تقدم
من عند ابن ماجة ومسلم قصر به عنه على هذا، والله أعلم. وأمّا إنكار
العطار قول أبي مسعود وخلف فكذلك هو فيما رأيت من النسخ ولكن يشبه
أن يكون قولهما صحيحا لما ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب المستخرج: حدثنا
حبيب بن الحسن ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا محمد بن أبي بكر ثنا
يحيى بن سعيد ح وثنا محمد أبو محمد بن حيان ثنا أحمد بن الحسين الحذاء
ثنا علي بن المديني ثنا يحيى بن سعيد ح وثنا محمد بن إبراهيم بن علي وعبد
الله بن محمد بن جعفر قالا: ثنا أحمد بن علي ثنا أبو خيثمة ثنا يحيى بن
سعيد ح وثنا محمد بن حسان ثنا أبو بكر بن أبي عاصم ثنا أبو بكر بن أبي
- شيبة ثنا ابن علية عن حميد عن بكر عن أبي نافع عن أبي هريرة أنه لقيه النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق.. الحديث. قال: رواه مسلم عن زهير بن جرير عن يحيى بن
سعيد وعن أبي بكر عن إسماعيل ابن علية جميعا عن حميد ح فلعل من
ذكرناه رأى ذلك في نسخة لم يقع إلى غيره، والله أعلم. وكذا فعله البغوي
في شرح السنة لما رواه عن عباس ثنا عبد الأعلى ثنا حميد عن بكر هو ابن
عبد الله المزي عن أبي رافع فقال: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن
ابن علية عن حميد، والله أعلم. ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ثنا أبو
الحرث الظاهري ثنا الحسن بن محمد بن حكيم ثنا البوالموجه ثنا ابن أبي شيبة
ثنا ابن علية ثنا حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبيِ هريرة: " أنه لقي النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث ". قال: هذا حديث متفق (1) على صحته/أخرجه مسلم عن
أبي بكر عن إسماعيل عن حميد حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع ح وثنا
إسحاق بن منصور ثنا يحيى بن سعيد جميعا عن مسعر عن واصل إلا حديث
__________
(1) الحاشية السابقة.(1/579)
عن أبي وائل عن حذيفة قال: " خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقيني وأنا جنب فحدث
عنه فاغتسلت ثم جئت ". قال مالك: قال: كنت جنبا قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن المسلم لا ينجس ". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه ولفظ ابن
حبان (1) في صحيحه: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لقي الرجل من أصحابه ماسحه
ودعا له قال: فرأيته يوما بكرة فحدّث عنه ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال:
إني رأيتك فحدث عني " الحديث (2) . وفي باب حديث ابن مسعود رواه أبو
عبد الرحمن إسناد صحيح عن إسحاق بن منصور ثنا يحيى ثنا مسعر حدثني
واصل عن أبي وائل عن عبد الله أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه وهو جنب فأهوى إلي
فقلت: إني جنب. فقال: " إن المسلم لا ينجس ". وهو حديث ثابت في
سائر نسخ النسائي، ولم يذكره صاحبا الأطراف ابن عساكر والمزي، وقال أبو
عيسى: وفي الباب عن ابن عباس فلعل أن عبد الله هذا هو ابن عباس وليس
بابن مسعود فليعلم أن شقيقا لم يرو عن ابن عباس شيئا في كتب الأئمة،
والله أعلم. ولم نر لابن عباس حديثا فيما نعلم إلا ما ذكره البخاري معلّقا
عنه: " المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا". ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه
قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وروى الحافظ أبو بكر بن خزيمة في
صحيحه ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان عن يحيى بن سعيد
عن القاسم بن محمد قال: سألت عائشة: " عن الرجل يأتي أهله ثم يلبس
الثوب فيعرق فيه، أنجس ذلك؟ ففْالت: قد كانت المرأة تعدّ خرقة أو خرقا فإذا
كان ذلك مسح بها الرّجل الأذى عنه ولم/يرى أن ذلك ينجسه ".
__________
(1) قوله: " ابن حبان في " وردت " بالأولى " " كان ابن حبان إذا " والصحيح " الثانية "
وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه النسائي في: الطهارة، باب " 73 " (ص 145 ج 1) .
قوله: " لا ينجس " بفتح الجيم وضمها أي: الحدث ليس بنجاسة تمنع عن المصاحبة وتقطع عن المجالسة وأنما هو أمر تعبدي أو المؤمن لا ينجس أصلا، ونجاسة بعض الأعيان اللاصقة بأعضائه أحيانا لا توجب نجاسة الأعضاء نعم تلك الا عيان يجب الاحتراز عنها فإذا لم تكن فما بقي إلا أعضاء المؤمن إذ ليس هناك عين
نجسة لاصقة به، والمؤمن من لا ينجس هذه الصفة فلا نجاسة، والله تعالى أعلم.(1/580)
وفي حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قالت " ثم صليا في ثوبهما "
وسيأتي حديث معاوية عن أخيه عن أم حبيبة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي
في الثوب الذي يجامعها فيه " (1) . وابن علي شيخينا العلامة أبي الحسن
المكي- رحمه الله تعالى- أخبركم علامة دهره وفريد عصره شمس الدين
الخرق بقراءتكم عليه في رجب سنة تسع وستين وستمائة ثنا الفقيه رشيد الدين
زاهر بن محمد بن أحمد بن وكيع المرورزدي ثنا الإمام شيخ الإسلام أبو
محمد عبد الرحمن بن عبد الله المرورزدي ثنا محيي السنة أبو محمد الحسين
بن مسعود قال: معنى قول ابن عباس: " أربع لا ينْجُسُن الإنسان والثوب
والماء والأرض يريد الإنسان لا يجنب بمماسة الجنب ولا الثوب إذا ألبسه
الجنب ولا الأرض إذا أفضى إليها الجنب ولا الماء ينجس إذا غمس الجنب
يده " فيه، وفي كتاب الدارقطني من حديث المتوكل بن فضل عن أم القلوص
الغاضرية عن عائشة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرى على الثوب جنابة ولا
على الأرض جنابة ولا يجنب الرجل الرجل " (2) ، وقال عطاء: يحتجم الجنب
ويقلِّم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ. وقال الحافظ رشيد الدين قول أبي
هريرة فأنجست منه فئة أربع روايات: فانبجست بنون ثم باء معجمة بواحدة
بعدها جيم ومعناه أنرفعت منه، وقال الترمذي: معناه تنجست عنه. الثانية:
فأنجست منه بنون بعدها خاء معجمة ثم نون ومعناها انقبضت وتأخرت عنه.
الثالثة: فاختنست بتقّدم الخاء المعجمة وبعدها تاء معجمة باثنتين من فوقها ثم
نون ومعناها معنى التي قبلها. الرابعة: فأنتجست بنون ثم تاء معجمة باثنتين من
فوقها ثم جيم ومعناها: اعتقدت لعسى أصير نجسا لا أصلح لمجالسة رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا على تلك الحالة، وقد ذكر في هذه الكلمة قول خامس وهو
فانبجست بنون ثم ياء معجمة بواحدة بعدها خاء معجمة/من البخس وهو
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (366) والنسائي في (الطهارة باب " 183 ") وأحمد (6/
217) وابن أبي شيبة (2/482) والكنز (21706) والخطيب (7/ 407) .
(2) صحيح. رواه الدارقطني: (1/125) .(1/581)
النقص، فإن صحت هده الرواية فقد ذكر بعض العلماء أنّ معناها أنّه طهّر له
نقصان عن مما شاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما اعتقده في نفسه من النجاسة فرأى أنّه
لا يقارنه ما دام في تلك الحال، وقال الحافظ: ومعنى هذه الأقوال يرجع إلى
شيء واحد وهو الانفصال والمزايلة على وجه التوقير والتعظيم له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر
الحافظ أبو محمد المنذري فيه قولا سادسا وهو فانتجشت بنون وتاء ثالث
الحروف وشين معجمة من النجش وهو الإسراع، قال الزمخشري: والأصل
فيه سفيان الوحش من مكان إلى مكان وفي الحديث: " نهي عن
النجش " (1) .
شفير النّاس من شيء إلى غيره، وذكر بعضهم قولا سابعا وهو فاحتبست
بحاء مهملة وبعد التاء باء وسين مهملة من الاحتباس، والله أعلم. قال ابن
المنذر: وأجمع عوام أهل العلم على أن عرق الجنب طاهر، وثبت عن ابن
عمرو وابن عباس وعائشة أنهم قالوا ذلك، وهو مذهب الشافعي والنعماني ولا
أحفظ عن غيرهم خلاف قولها، قال أبو بكر: وعرق اليهودي والنصراني
والمجوسي عندي طاهر. وخالف قوله هذا أبو محمد بن حزم فزعم أنّه منهم
نجس تمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام: " أن المؤمن لا ينجس " وبقوله
سبحانه: (إنّما المشركون نجس) (2) والله أعلم.
واستنبط أبو حاتم البستي من حديث أبي هريرة أنّ الجنب إذا وقع في البئر
وهو ينوي الاغتسال لا ينجس ماء البئر خلافا لمن قال ذلك وقوله سبحان الله
قال أبو بكر بن الأنباري في الكتاب الزاهر: معنى سبحانك تنزيها لك يا ربنا
من الأولاد والصحابة والشركاء أي: نزهناك من ذلك، قال الأعشى: أقول لما
جاء في فخره: سبحان من علقمة الفاخر أراد تنزيها لله من فخر علقمة.
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (2173) وأحمد (2/63، 108، 156) وشرح السنة (8/
121) وأسرار (323) والشافعي (172) وحبيب (2/41) . وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " النجش " هو أن يمدح السلعة ليروجها. أو يزيد في الثمن ولا يريد شراعها ليضر بذلك غيره.
(2) سورة التوبة آية: 28.(1/582)
وفي كتاب الإشقاق (1) للبخاري تعجب الأعشى بالتسبيح من فخره كما
يقول القائل إذا تعجب: سبحان الله/، وقال القزاز: معناه: برأة الله من السوء
قال الجوهري: إنّما لم يبنون؛ لأنه معرفة عندهم وفيه سنة التأنيث. قال ابن
الأنباري: ويكون التسبيح الاستثناء من ذلك قوله تعالى: (ألم أقل لكم لولا
تسبحون) (2) معناه: قال: أعد لهم قولا هلا تسبحون، ويكون التسبيح
الصلاة من ذلك ما روي عن الحسن أنه كان إذا فرغ من سبحه قال: ...
الحديث معناه إذا فرغ من صلاته وفيه قوله تعالى: (ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك) (3) قال أبو عبيدة: معنى نسبح لك بحمدك ونصلي لك،
ويكون التسبيح النور من ذلك لولا ذلك لأحُرقت سبحات وجهه ما أدركت
من شيء ويكون من البرية قال تعالى: (قالوا سبحانك لا علم لنا) (4) .
وقال الفراء: سبحانك منصوب على المصدر، كأنك قلت: سبحت الله
تسبيحا، فجعل السبحان في موضع التسبيح كما يقول: كفّرت عن يميني
تكفيرا، ثم نجعل الكفران في موضع التكفير فيقول: كفرت عن يميني كفرانا،
قال زيد بن عمرو بن نفيل أو ورقة بن نوفل: سبحان ذي العرش سبحانا
يدوم له رب البرية فرد واحد حمد سبحانه ثم سبحانا تعود له وقبلنا سبح
الجودي والحميري، وفي الأساس: سبّحت الله وسبّحت له وكبرت بسبحانه
وتسابيحه، ومن المجاز وسبحان من يعجب منه وأسألك بتسبيحات وجهك،
وقال أبو موسى الحافظ في كتابه المغيث. سبحان الله قائم مقام الفعل أي:
اسمه، وسبحت أي: لفظت بسبحان الله، وقيل: معنى سبحان الله: التسرع
إليه ولحقه في طاعته من قولهم قرش سابح، وذكر النضر بن شميل أنّ معناه:
الشرعة إلى هذه اللفظة؛ لأن الإنسان يبدأ فيقول: سبحان الله، وذكر أنه
__________
(1) قوله: " الإشقاق " وردت " بالأصل " " الإشقار " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه
من " الثانية ".
(2) سورة القلم آية: 28.
(3) سورة البقرة آية: 30.
(4) سورة البقرة آية 320.(1/583)
سأل في المنام عن هذا ففسّر له هكذا أو قوله أنّ المؤمن لا ينجس، قال أبو
نصر: يقال: نجس الشيء ينجس نجسا فهو نجس ونجس أيضاً.
وقال الفراء: إذا قالوه مع الوحي أتبعوه إيّاه قالوا رجسّ نجس بالكّسر
وأنجسه غيره ونجسه بمعنى،/وقال القزاز: النجس فيه ثلاث لغات النجس
بكسر النون وبفتحها وفتح الجيم، وكل شيء قذر فهو نجس والجمع أنجاس
يقول هو نجس وهم أنجاس، وفي بعض اللغات فقال للواحد: نجس وللجمع
نجس، وذاك إذا لم يكن على طهارة من الجنابة، وفي كتاب ابن القوطبة:
وعلى فعِل وفعُل ينج الشيء نجُس نجسا ونجاسة ضد طهر، وفي كتاب
المطالع: ينجُ بضم الجيم وفتحها، يقال: ثوب نجس ونجس وكذلك في التثنية
والجمع والذكر والأنثي. قاله الكسائي، وقال غيره: إنما يقال بفتحهما فإذا
أتبعته الرجس كسرت النون.(1/584)
50- باب المني يُصيب الثوب
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبدة بن سليمان عن عمرو بن ميمون
سألت سليمان بن يسار عن الثوب يصيبه المني أتغسله أو يغسله الثوب قال
سليمان قالت عائشة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيب ثوبه فيغسله من ثوبه ثم
يخرج في ثوبه إلى الصلاة وأنا أرى أثر الغسل فيه ". وهذا حديث خرجه
الأئمة الستة (1) في كتبهم، وفي لفظ للبخاري: كنت أغسل الجنابة، وفي لفظ
لمسلم: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغسل موضع المني "، وفي لفظ: " أني كنت
لأغسله من ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وفي صحيح الإسماعيلي: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان إذا أصابه مني غسله، ثم يخرج إلى الصلاة، وأنا أنظر إلى بقعة من أثر
الغسل في ثوبه " (2) ، وفي صحيح الجوزجاني: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أصاب
ثوبه المني غسل ما أصاب منه ثوبه، ثم خرج إلى الصلاة: وأنا أنظر إلى البقع
في ثوبه ذلك في موضع الغسل "، وفي سنن أبي الحسن: " أني كنت لأتبعه
من ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأغسله "، ولفظ أبي داود: (3) " ثم أراه فيه بقعة أو
بُقعا "، وفي البزار:/إنما يروى الغسل عن عائشة من وجه ونحوه قاله الإمام،
وقال البزار: رواه عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار عنها ولم يسمع
سليمان من عائشة. انتهي كلامه. وفيه نظر؛ لما ثبت في صحيح البخاري من
حديث عبد الواحد عن عمرو عن سليمان قال: سألت عائشة عن المني يصيب
الثوب، وفي رواية محمد بن بشر عد مسلم عن عمرو بن ميمون قال سألت
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 56 ") ومسلم في (الطهارة، باب " 32 " رقم 108، 108 مكرر) والبيهقي (2/419) وابن ماجة (ح/536) وابن أبي شيبة (1/84) والنسائي (1/156) وأبو عوانة (1/205) والمشكاة (494) والمعاني (1/50) وأحمد في " المسند " (6/47، 142، 162) والترمذي (ح/117) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(2) صحيح. رواه أحمد (6/235) والبيهقي (2/418) وأبو عوانة (1/203) والدارقطني
(1/125) والخطيب (11/235) والمنتقى (138) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 134- باب المني يصيب الثوب، (ح/
373) .(1/585)
سليمان بن يسار عن المني يصيب الثوب، فقال: حدثتني عائشة ... الحديث.
وأما إنكارهما الغسل إلا من وجه واحد ففيه نظر أيضا ذكره الدارقطني بإسناد
صحيح فقال: ثنا محمد بن مخلد ثنا أبو إسماعيل الرمدي ثنا الحميدي ثنا
بشر بن بكر ثنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عنها قالت: " كنت
أفرك المني من ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كان يابسا، وأغسله إن كان رطبا ".
وخرجه أبو عوانة في صحيحه (1) عن محمد بن إدريس وراق الحميدي
والصائغ عن أثوب بن إسحاق عن الحميدي وفيه فأمسحه أو أغسله شك
الحميدي إذا كان رطبا، وفي صحيح ابن خزيمة، وفي حديث ابن هارون ثنا
عمرو بن سليمان قال: أخبرتني عائشة ... فذكره وذكر البزار (2) من حديث
ثابت بن حماد أبي يزيد القائل فيه أبو الفتح الأزدي وغيره متروك غير علي بن
زيد عن سعيد بن المسيب عن عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إنّما يغسل ثوبك
من البول والغائط والمني من الماء الأعظم والدم والقيء "، قال: لا نعلم
يروي / ثابت إلا هذا الحديث، وقال أبو القاسم في الأوسط: لا يروي هذا
الحديث عن ابن المسيب إلا علي بن زيد. تفرّد به ثابت بن حمّاد، ولا بروى
عن عمار إلا بهذا الإسناد، وليس معارفيها لهذه الأحاديث، يعني: حديث
الفرك وحديث سليمان عنها.
__________
(1، 2) صحيح. رواه أبو داود (ح/372) والنسائي (1/156) وأحمد (6/132، 133)
وأبو عوانة (1/204) والمشكاة (495) وشرح السنة (2/89) وشفع (50) والبزار، الشافعي
(345) ومعاني (1/49، 50) والمجمع (1/279) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه أبو
بكر الهذلي وهو ضعيف.
وصححه الشيخ الألباني. (الإِرواء: 1/196) .(1/586)
51- باب فرك المني من الثوب
/حدثنا محمد بن طريف ثنا عبدة بن سليمان عن الأعمش عن إبراهيم
عن همام بن الحرث عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " ربما فركته من
ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي ". حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معونة عن
الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحرث قال: نزل بعائشة ضيف فأمرت له
بملحفة لها صفراء فاحتلم فيها فاستحيا أن يرسل بها، وفيها أثر الاحتلام
فغسلها في الماء ثم أرسل بها فقالت عائشة: " لِم أفْسد علينا ثوبنا إنما كان
يكفيه أن يفركه بأصبعه ربما فركته من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأصبعي ". هذا
حديث خرّجه مسلم (1) - رحمه الله تعالى- في صحيحه أصله، وفي لفظ له
من حديث شعيب بن عروة عن عبد الله بن شهاب الخولاني قال: "
نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغسلتها فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها
فبعثت إلى عائشة فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبك ... " الحديث.
وفي لقد رأتني وإنّي لأحكّه من الثوب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بظفري حدّثنا أبو بكر بن
أبي شيبة ثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " لقد
رأتني أحتّه في ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاحته عنه " هـ. هذا حديث خرجه
مسلم (1) أيضا، وقال البزار: وحديث إبراهيم عن الأسود عن عائشة قد روي
من وجوه: فرواه مغيرة والأعمش وأبو معشر عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة، ورواه منصور والحاكم عن إبراهيم عن همام، ورواه ابن أبي نجيح
وحميد الأعرج عن مجاهد عنها، ورواه الزهري عن عروة عنها، ورواه يحيى بن
سعيد عن عروة والقاسم عنها، ورواه عنها غير من ذكرنا أيضا، وفي الكامل
من رواية أحمد بن أبي أوفى عن عباد بن منصور عن عطاء عنها قالت: " لقد
رأيتني/أفرك الجنابة من ثوبه عليه الصلاة والسلام ثم لا أغسل مكانه " وقال:
__________
(1) صحح. رواه مسلم في: 1- كتاب الطهارة، 32- باب حكم المني، (ح/109) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 1- كتاب الطهارة، 32- باب حكم المني، (ح/107) .
قوله: " الحث " هو الحك بطرف حجر أو عود.(1/587)
هذا حديث مستقيم دائما أنكر- يعني: على أحمد بن أبي أوفى- مخالفته
أصحاب شعبة، وقد وجدناه من طريق أحمد فسلم من المخالفة كما زعم، قال
أحمد بن منيع في مسنده: أبو قطن ثنا عباد بن منصور نذكره وذكره أبو
جعفر الطحاوي في شرح الآثار من حديث الأوزاعي عن عطاء عنها، وذكره
أبو القاسم في الأوسط من حديث ابن حرب عنها، وقال: لم يروه عن سعيد
إلا جعفر بن أبي المغيرة ولا عن جعفر إلا منذر تفرد به عون بن سلام، ورواه
أيضا عن أبي شبانة النخعي عنها، وقال: لم يروه عن أبي شبانة إلا برد بن
زياد تفرد به ابن القاسم، ورواه أيضا من حديث أبي القيس سعيد بن زبير
قال: حدثني أبي عنها من حديث عائشة بنت طلحة بلفظ: " رُّبما حككت
المني ". وقال: لم يروه عن أبيه طلحة إلا كامل أبو العلاء ولا منه إلا خالد بن
يزيد تفرد به العباس بن محمد ولفظه: " أفركه من ثوبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) يعني:
المني. ومن حديث ابن مجلز عن الحرث بن نوفل عنها بمثله، وفي لفظ عنده:
" كنت أفركه من مرط رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مروطنا يومئذ الصوف "،
وقال البيهقي في المعرفة: بين عائشة ومحارب منقطع ولفظ: " من ثياب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصلاة " (2) وقال الخلال: سئل أحمد عن حديث/جعفر عن
الزهري عن هارون عن عائشة: " كنا نراه في مرط أحدانا لم يفركه " (3) فقال
أبو عبد الله: ما أنكره، وفي لفظ لابن خزيمة في صحيحه من حديث الأسود
عنها: " لقد كنت أحك الجنابة من ثوبه كالنخامة " وفي محارب بن دثار
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة، 32- باب حكم المني، (ح / 106) ،
والنسائي: (1 / 156) ، وأحمد (6 / 132، 213) ، والمشكاة: (495) ، وشرح السنة:
(2 / 89) ، والشافعي: (345) .
وصححه الشيخ الألباني: (الإِرواء: 1 / 196) .
(2) صحيح. رواه مسلم في صحيحه بلفظ: " كنت أفركه من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": 2-
كتاب الطهارة، 32- باب حكم المنى، (ح / 106) .
(3) في سنن أبي داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع بن الجراح، ثنا طلحة بن
يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي
بالليل وأنا جنبة وأنا حائض وعلي مِرط لي وعليه بعضه.
1- كتاب الطهارة، 133- باب في الرخصة في ذلك، (ح / 370) .(1/588)
عنها: " أنها كانت تحتّ المني من ثوبه عليه الصلاة والسلام وهو يصلي "
وذكر الكلام عن عباد في كتاب الحلال عن أحمد، وزاد حماد بن سلمة فيه
زيادة حسنه فكان يُصلِّي فيه وقال فيها: قلت لأحمد: أي شيء ترى من
حديث عباد بن منصور؟ قال: كان يحّدث عن القاسم عن عائشة: " كنت
أفرك المني من ثوبه عليه الصلاة والسلام " (1) قلت: وهذا منكر. قال:/نعم
من وجه القاسم في كتاب ابن حزم روينا من طريق أبي عن سفيان فمرة قال
عن الأعمش ومرة قال عن منصور ثم استمر عن إبراهيم عن همام بن الحرث
عن عائشة في المني: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بحتّه " قال: تفرّد به أبو
حذيفة موسى بن مسعود البصري وهو ضعيف مصحف كثير الخطأ يروي عن
سفيان البواطيل قال الإمام أحمد: قرشية لا شيء كان سفيان الثوري الذي
يحدّث عنه أبو حذيفة وليس سفيان الذي يحدّث عند الناس، قال ابن المنذر:
اختلفوا في طهارة المني: فممن غسله من ثوبه عمر بن الخطاب، وأمر بغسله
جابر بن سمرة وابن عمر وعائشة وابن المسيب، وقال مالك غسل الاحتلام
من الثوب أمر واجب مجتمع عليه عندنا، وعلى هذا مذهب الأوزاعي والثوري
غير أنّ الثوري مقدره بالدرهم، وفيه قول ثان وهو أنّه طاهر يفرك من الثوب.
وممن رأى أن يفرك من الثوب: سعد بن أبي وقاص وابن عمر، وقال ابن
عباس: أمسحه بخرقة ولا يغسل إن شئت. وقال ابن المسيب: إذا صلى فيه لم
يعدو المني عند الشّافعي وأبي ثور ليس بنجس. وقال أحمد: يفركه. وقال
أصحاب الرأي: إذا جف فحته بخرقة. وقال أبو بكر: والمني طاهر، واختلفوا
في المني يصيب الثوب يحتّ مكانه فكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-
يقول: يغسل وينضح ما لم يرو، وقال ابن عباس: ينضح الثوب. وفيه قال
النخعي وحماد: وقال عطاء: أرشّه. وقالت عائشة: إن رأيته فأغسله وإن تره
فانضحه. وفي مسند ابن منيع الكثير ثنا إسحاق بن يوسف ثنا محمد بن مضر
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/372) وسكت عنه والنسائي (1/156) وأحمد (6/132،
213) والمجمع (1/279) وفيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف. والمشكاة (495) وأبو عوانة (1/
204) وشرح السنة (2/89) وشفع (50) والشافعي (345) ومعاني (1/49) .
قلت: وهو بمجموع طرقه فالحديث حسن.(1/589)
عن محارب عنها إنّها كانت تحت المني من ثوب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الصلاة
وكان ابن عمر وأبو هريرة والحسن يقولون: إذا حتّ مكانه غسل الثوب كله.
وفيه قول ثالث: وهو أنّ الفرك بجزئه فإن كان لا يدري مكانه فرك الثوب
كلّه؛ هذا قول إسحاق: وفيه قول رابع: وهو أنه/طاهر؛ هذا قول الشّافعي
وأبي ثور، فعلى هذا القول يجزيه أن يفركه، وقال أبو محمد بن حزم: والمني
طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب، ولا تجب إزالته والبزاق بمثله
ولا فرق، وقد كذب من يخرص بلا علم بأن قال: كانت عائشة تفركه بالماء
لقولها: " كنت أفركه يابسا بظفري " قال أبو سليمان الخطابي في قول
عائشة: " كنت أفرك المني " دليل على طهارته ولو كانت عينه تحته لما ظهر
يابسه بالفرك كالعذِرة، والله تعالى أعلم هـ.(1/590)
52- باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه
حدثنا محمد بن رمح أنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن
سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أخته
أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في الثوب الذي
يجامع فيه؟ قالت: " نعم إذا لم يكن فيه أذى " (1) هـ. هذا حديث إسناده
صحيح سويد بن قيس النخعي المقري الأبدوي وإن كان لم يرو عنه غير
يزيد بن أبي حبيب فقد قال أبو سعيد: ابن يونس كانت له من عبد العزيز بن
مروان منزلة وكان يرسله في أموره، وذكر من ذلك انه أرسله إلى ابن عمر
بجائزة، وكتاب وذكره أبو حاتم البستي في كتاب الثقات فلذلك ساغ لابن
الجارود ذكره في منتقاه وسكت عنه أبو داود عندما رواه، ولفظ أبي جعفر بن
منيع فقالت: " نعم إذا علم أنه لم يصبه أذى "، وفي لفظ للطبراني: " إذا لم
ير فيه أذى "، وفي لفظ له دخل على أم حبيبة قال: فوجدت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصلي في ثوب واحد عاقده على قفاه فقلت لأم حبيبة: أيصلي النبي- عليه
السلام- في ثوب واحد قالت: نعم وهو الذي كان فيه ما كان وقال: لم
يروه عن سعيد بن/مسلم بن مالك- يعني: عن أبيه- عن معاوية بن أبي
سفيان إلا خالد بن يزيد العمري، وذكره أيضا في موضع آخر من رواية عتبة
عن أم حبيبة وقال: لم يروه عن عتبة إلا حمزة بن حبيب تفرد به معاوية بن
صالح، والله أعلم. حدثنا هشام بن خالد الأرزق ثنا الحسن بن يحيى الحسني
ثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء
قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأسه تقطر ماء فصلى بنا في ثوب واحد
موشحا قد خالف بين طرفيه، فلما انصرف قال عمر بن الخطاب: يا رسول
الله أتصلي بنا في ثوب واحد؟ قال: " نعم، أصلي فيه وفيه أني قد جامعت
فيه " (2) . هذا حديث إسناده لا بأس به، ولو صح لكان بذلك جدير الماء
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 83- باب الصلاة في الثوب الذي
يجامع فيه، (ح/540) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 83- باب الصلاة=(1/591)
عضد من الشواهد، وأما ما ذكره أبو محمد الإشبيلي أمر يخرجه البزار وفي
إسناده الحسن بن يحيى الحسني وهو ضعيف جدا ففيه نظر في موضعين:
الأول: ما عزاه لمسند البزار لم أره فيه فلعله يكون مخرجا في كتاب السنن أو
الأمالي وليس اصطلاح أبي محمد والله أعلم، ولم ينبه أبو الحسن بن القطان
على ذلك فعلى هذا يكون لازما لهما. الثاني: رواه الحسن بن عبد الملك
ويقال: أبو خالد الدمشقي البلاطي، والبلاط: قرية على نحو فرسخ من دمشق،
أصله خراساني، الحديث لا يصلح فإنه ممن ذكره الإمام أحمد بن حنبل
فقال: ليس بحديثه بأس. حكاه عنه أبو داود في كتاب الآجري وسئل عنه
دميم فقال: لا بأس به، فقال أبو حاتم الرازي: صدوق سيء الحفظ وقال أبو
أحمد بن عدي: هو ممن يحتمل رواياته، وقال ابن معين في روايته: ثقة، وقال
أبو داود: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا الحسن بن يحيى الحسني
وكان ثقة وتكلم فيه غير هؤلاء بكلام مولى، قال أبو عبد الرحمن النسائي:
ليس الدمشقي، ثنا الحسن بن يحيى الحسني وكان ثقة تكلم فيه غير هؤلاء
بكلام مولى. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني:
متروك. وقال ابن معين: في روايته ليس بثقة. وفي كتاب أبي العرب عنه:
ليس بشي. وقال عبد الغني بن سعيد المصري: ليس بشي. وذكره أبو جعفر
العقيلي فلم يرو على نقله كلام/ابن معين فيه وأبو زكريا في كتاب الضعفاء
كذلك ثم ذكر الساجي حكاية كلام ابن معين كلام أبي داود عن سليمان،
والله أعلم. والسر من في الإسناد حديثهم في الصحيح إلا الأرزق مفتي أهل
الشام فيما قاله أبو زرعة البصري؛ فإن أبا حاتم الرازي روي عنه في أخرى
وقال: صدوق. حدثنا محمد بن يحيى ثنا يحيى بن يوسف الدومي ح وثنا
أحمد بن عثمان عن حكيم ثنا سليمان بن عبد الله الرقي قالا: ثنا عبيد الله بن
عمر عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سأل رجل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الرجل يصلي في الثوب الذي يأتي أهله فيه؟ قال: نعم، إلا أن برى فيه بأسا
__________
= في الثوب الذي يجامع فيه، (ح/541) .
في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف الحسن بن يحيي. اتفق الجمهور على ضعفه.
وصححه الشْيخ الألباني.(1/592)
فيغسله " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه عن أبي يعلى ثنا
مخلد بن أبي زميل وعبد الجبار بن عاصم قالا: حدثنا عبيد الله به وخالفه أبو
الحسن البغدادي فإنه لما سئل عنه فقال: يرويه عبيد الله بن عمرو مرفوعا.
وقيل: عن ابن عيينة. ولا يصح، والصحيح ما رواه أبو عوانة وأسباط بن
محمد وعبد الحكم بن منصور وغيرهم عن عبد الملك بن عمير عن جابر
موقوفا في قوله، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كذا رواه- يعني
سليمان الرقي- عن عبيد الله مرفوعا وإنمّا هو موقوف انتهى. عبيد الله بن
عمر وحديثه في الصحيحين ووصف بالحفظ والثقة فزيادة مقبولة إجماعا وتعلُّق
بعضهم بأنه معارض بحديث عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يصلي
في شعارنا أو لحفنا " (2) المذكور عند أبي محمد الإشبيلي صحيحا، قال: في
آخره شكّ معاذ بن معاذ راوي الحديث وعليه فيه استذكار أكان الأول ذكره
الشكّ متبعا قول رواية عند أبي داود، وهو ليس ثابتا في كثير من طرق
الحديث هذا أبو عيسى رواه ولم يذكر شكا وقال فيه: حسن صحيح وكذلك
النسائي لكنهما لم يذكرا الشعر ذكرا اللحف فقط وأما ابن حبان فإنّه ذكره
في صحيحه بهما، وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ثنا الغواريري ثنا
معاذ بن معاذ ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد يعني ابن سيرين-
عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن عائشة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي
في شعرنا ولا لحفنا ". الثاني: تصحيح الحديث، وهو في كتاب أبي داود
الذي نقله من عبدة فعلا بما أتبعه به وهو ثنا الحسن بن علي ثنا سليمان بن
حرب ثنا حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان لا يصلي في ملاحفْنا " (3) . قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة
__________
(1) صحيح. رواه ابن حبان: (4/37) .
(2) صحيح. رواه الترمذي (ح/600) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (ح/
645، 367) وأحمد (6/101) والبيهقي (2/410) والبخاري في " التاريخ الكبير " (2/
61) وشرح السنة (2/429) والتمهيد (1/379) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/368) قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال:
سألت محمدا عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري
سته من ثبت أو لا فسلوا عنه. رواه البيهقي في " الكبرى " (2/410) .(1/593)
قال: سألت محمدا عنه فلم يحدثني به، وقال: سمعت منذ زمان ولا أدري
ممن سمعته من مقام لا تسألوا عنه، وفي كتاب الحلال عن عبد الله قال: إنِّي
سمعت من عائشة عن شعيب أنكر من هذا. قال عبد الله: وأنكره- يعني:
إيّاه- إنكارا شديدا أو هذان الاستدراكان وأراد أن علي بن الحسن بن القطان
أيضا بسكوته وأفراده ولئن سلمنا صحته فليس معارضا لما تقدّم؛ لأنّ الصلاة
في ثوب الرجل غير صلاته في ثوب زوجته؛ لأن الرجل يتحرز ولا تحترز المرأة
منه، ولئن سلمنا ذلك فيكون مبسوط بما في حديث ميمونة وعائشة أو لعذر
أوجب له ذلك أو لبيان الجواز، والله أعلم.(1/594)
53- باب ما جاء في المسح على الخفين
حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن
الحرث قال: قال جرير بن عبد الله: " ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له:
تفعل، قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-
يفعل " (1) . قال إبراهيم: كان يعجبهم حديث جرير؛ لأنّ إسلامه كان بعد
نزول المائدة./هذا حديث خرجه الأئمة الستة رحمهم الله تعالى، وفي
مسلم (2) قال الأعمش: قال إبراهيم: ولفظ أبي داود (3) : " وما يمنعني أن
أمسح وقد رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله، قال: إنمّا كان ذاك قبل نزول المائدة قال:
ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة "، وفي كتاب المتتابعات عليه قوم وقالوا: " إنمّا
هذا قبل نزول المائدة، قال: ما أسلمت إلا بعد ما أنزلت، وما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مسح إلا بعد ما نزلت " وخرجه ابن ماجة (4) بنحوها وفي المعجم الكبير
للطبراني من حديث عن أسلم بن سهل الواسطي ثنا محمد بن حسان ثنا
محمد بن يزيد الواسطي ثنا جعفر بن الحرث عن إبراهيم عن همام قال: قال
جرير: " ثم مسح فقلت له: تفعل هذا وقد قلت ... " الحديث، وفي
الأوسط (5) له من حديث عبد الرزاق عن ياسين الرباب عن حماد بن أبيِ
سليمان عن ربعي بن حراش عنه قال: " وضّأت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على خفّيه
بعد ما نزلت سورة المائدة " رواه عن الدمري عن عبد الرزاق وقال: لم يروه
عن حماد عن ربعي إلا ياسين الرباب. تفرد به عبد الرزاق، ورواه أيضا عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 84- باب ما جاء في المسح على
الخفين، (ح/ 543) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه مسلم في: كتاب الطهارة، 22- باب المسح على الخفين، (ح/ 72) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب السح على الخفين، (ح/ 154) .
(4) انظر الحاشية رقم " 1 ".
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/257) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه سوار بن مصعب وهو مجمع على ضعفه.(1/595)
محمد بن نوح بن حرث عن شيبان بن فروخ عن حرب عن شريح عن خالد
الحذاء عن محمد بن سيرين عنه: " أنّه كان مع النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم- في حجة الوداع فذهب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يتبرّز
فرجع فتوضّأ ومسح على خفيه " (1) وقال: لم يروه عن ابن سرين إلا الحذّاء
ولا عن خالد إلا حرب بن شريح. تفرد به شعبان. ومن حديث عبد الكريم
الجريري عن مجاهد عنه وفيه: " ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة "، وفي
كتاب الترمذي (2) عن شهر بن حوشب قال: " رأيت جريرا توضّأ ومسح
على خُفّيه فقلت له: أقبل المائدة أو بعد المائدة؟ فقال: ما أسلمت إلا بعد
المائدة ". قال الدارقطني في الإفراد هذا حديث غريب من حديث مقاتل بن
حيان عن شهر. تفرّد به إبراهيم بن آدم/عنه، وعنه بقية بن الوليد. قال
البيهقي: وكان إبراهيم بن أدهم يقول: ما سمعت يحدّث في المسح أحسن
من هذا، وفي سنن الدارقطني من حديث حمزة بن حبيب عنه قال: " قدمت
على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بعد نزول المائدة، فرأيته يمسح
الخفين " (3) .
__________
(1) سقطت " كلمتان " من متن هذا الحديث، وأثبتناه من الثانية.
(2) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 70- باب في المسح على الخفين، (ح/94) . وقال
الترمذي: حدثنا بذلك قتيبة حدثنا خالد بن زياد الترمذي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن
حوشب عن جرير.
قال: وروى بقية عن إبراهيم بن أدهم عن مقاتل بن حبان عن شهر بن حوشب في جرير.
وهذا حديث مفسر لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على
الخفِّين كان قبل نزول المائدة، وذكر جرير في حديثه أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين بعد نزول المائدة.
ورواية شهر هذه إسنادها صحيح. وقد تابعه عليها أبو زرعة بن عمرو بن جرير عن جده
جرير بن عبد الله البجلي، فروى أبو داود (1/59) عن أبي زرعة: " أن جريرا بال ثم توضأ
فمسح على الخفين، وقال: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة؟ قال: ما أسلمت إلا بعد نزول
المائدة ". ورواه الحاكم (1/169) وصححه ووافقه الذهبي ونقل الزيلعي في نصب الراية أن
ابن خزيمة رواه أيضا في صحيحه.
(3) سيأتي ص 626، بلفظ: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل يمسح قبل نزول المائدة وبعدها
حتى قبضه الله ". وعليه تعليق الهيثمي في " مجمع الزوائد ".(1/596)
وفي لفظ: " توضأ من مطهرة ومسح على خفيه " (1) . وسئل أبو زرعة
عن حديث رواه عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن إبراهيم عن الحرب بن
سويد قال: " بال جرير ومسح ". فقال: هذا الحديث وهم فيه ابن جنح،
وسئل عن حديث رواه أبو نعيم عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن قيس بن
أبي حازم عن جرير: " رأيت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يمسح على
خفيه " (2) . ورواه ابن الأصبهاني عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبيه:
" أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- توضأ ومسح على خفيه ". فقال أبو
زرعة: الحديث حديث أبي نعيم، وإبراهيم هو ابن جرير ولم يلحق إيّاه، وفي
كتاب الطبراني من حديث ابن عياش عن حميد بن مالك اللّخمي عن
إبراهيم بن جرير عن أبيه: " رأيت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يمسح
يوم نزول المائدة ". وقال في الأوسط: لم يروه عن حميد إلا ابن عيّاش، وقد
جاء في بعض ألفاظه ذكر التوقيت بسند حسن أنبأ به المسند المعمر تقي الدين
الحمداني قراءة عليه، وأنا أسمع أنبأ أبو طاهر إسماعيل بن عبد القوي أخبرتنا
فاطمة بنت سعد الخبر أنبأت فاطمة بنت الجعد وأبيه أنبأ ابن زيد أنبأ أبو
القاسم أنبأ عبد الله بن أحمد حدثني عبد الله بن عمر بن أبان ثنا عبيدة عن
الأسود ثنا القاسم بن الوليد عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم التيمي عن
همام بن الحرث عن جرير عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:
" للمسافر ثلاثة- أو ثلاث- وللمقيم يوم في المسح على الخفين " (3) . وفي
سنن الطوسي: قال جرير: ومسح على خفيه- أو قال: جوز به- قال عيسى:
يعني: ابن يونس أنا أشُك، وقال بعده: يقال هذا حديث حسن صحيح، وقد
__________
(1) صحيح. رواه أحمد في " المسند " (6/12) بلفظ: " ثم دعا بمطهرة أي: إداوة ... "
الحديث.
(2) تقدم من أحاديث الباب انظر: أول حديث.
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/95) من حديث خزيمة بن ثابت، وقال الترمذي: هذا
حديث حسن صحيح. وكذا صححه ابن خزيمة وابن ماجه (ح/555) والطبراني في " الكبير "
(4/96، 106) والخطيب (6/377) وابن عدي في " الكامل " (3/1120، 1125)
وأحمد في " المسند " (1/96، 4/240، 5/213، 214) والبيهقي (1/276، 282)
والطبراني (2/10، 4/107، 111) والحلية (2/298) .(1/597)
رواه شهر وقرة. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن محمد قالا:
حدثنا وكيع، وحدثنا أبو/همام الوليد أنا أبي وابن عيينة وابن أبي زائدة جميعا
عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: " أن رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- توضأ ومسح على خفيه ". هذا حديث خرجه الأئمة الستة في
كتبهم، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه الثوري
وشعبة وجرير بن حازم وأبو معاوية ويحيى القطان وابن عيينة وجماعة عن
الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة في المسح على الخفين، ورواه أحمد بن
يونس عن بكر بن عياش عن الأعمش، وصالح عن أبي وائل عن المغيرة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأيهما الصحيح من حديث الأعمش قال: أتى الصحيح حديث
هؤلاء النفر عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة، وهم في هذا الحديث: أبو
بكر بن عياش؛ إنما أراد الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق المغيرة قبل
غير حديث أبي وائل من حديث مسلم، قلت لأبي زرعة: أيهما الصحيح؟
قال: أخطأ أبو بكر في هذا الصحيح من حديث الأعمش عن أبي وائل عن
حذيفة، ورواه منصور عن أبي وائل عن حذيفة، ولم يذكر المسح وذكر
النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: وإنما قلت فالأعمش ربما مدلس ورواه
الإسماعيلي في جمعه لحديث الأعمش من حديث عبد الرحمن بن محمد بن
طلحة عن أبيه عن الأعمش عن أبي وائل لم يقل: بالمدينة، ورواه عن قريب
من ثلاثين نفسا عن الأعمش لم يروه بالمدينة إلا من حديث محمد بن طلحة
في رواية عنه، وقال أبو عمر بن عبد البر بعد أن ذكر أن عيسى بن يونس
انفرد عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بقوله: " كنت أمشي مع النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- بالمدينة فأتى سباطة قوم فبال ثم توضأ ومسح على
خفيه " (1) . قال: ولم يقل فيه أحد بالمدينة غير عيسى بن يونس وهو ثقة
واصل إلا أنه خولف في ذلك عن الأعمش وسائر من رواه عن الأعمش لا
__________
(1) رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 12- باب البول قائما، (ح/23) . وسكت
عنه. قلت: والسكوت كناية الحسن.
قال أبو داود: قال مسدد: قال: فذهبت أتباعد فدعاني حتى كنت عند بقية.(1/598)
بقوله وفيه بالمدينة. انتهى، وما قدمناه عن محمد بن طلحة يردّ قوله، وفي
المعجم الصغير لأبي القاسم من حديث أحمد بن سليم، وعيسى بن يونس عن
زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن شقيق عن حذيفة قال: " كنت أمشي
مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فانتهى/إلى سباطة قوم فبال قائما
ومسح ". رواه عن القاسم بن عفان عن عّمه أحمد بن سليم وقال: لم يروه
عن الشعبي إلا زكريا، ولا عنه إلا عيسى. تفرد به أحمد بن سليم، وفي
مسند أحمد ثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال: " قد مسح رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- مسح على
الخفين فسألوا الذين يزعمون أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل نزول المائدة أو بعد المائدة
والله ما مسح بعد المائدة؛ ولأن أمسح على ظهر عامره أحبّ إليّ من أن
أمسح عليهما " والله تعالى أعلم.
حدثنا محمد بن رمح أنبأ الليث بن سعيد عن إبراهيم عن رافع بن جبير
عن عروة بن المغيرة ابن شعبة عن أبيه المغبرة بن شعبة عن رسول الله- صلى
الله عليه وآله وسلم-: " أنّه خرج لحاجته، فأتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء حتى
فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين " (1) . هذا حديث مخرّج كالذي
قبله، وفي كتاب العلل لعبد الرحمن سمعت أبي يقول: سألنا إبراهيم بن
موسى- أي: حديث في المسح على الخفين أصح فسألنا، فقال: هو حديث
الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن المغيرة. فقلت: أماله عندنا حديث
حجازي؟ قال: ما هو؟ نلت: حديث يحيى بن سعيد بن إبراهيم عن نافع بن
جبير عن عروة بن المغيرة عن أبيه؟ فسكت ثم قال: إني الآن أقول حديث
الزهري عن عباد بن زياد وإسماعيل بن محمد بن سعيد عن عروة وحمزة-
أي: المغيرة- عن أبيها، وفي كتاب البخاري (2) عن أبي نعيم ومسلم عن أبي
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 48 ") ومسلم في (الطهارة،
ح/75) وابن ماجة (545) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء، 49- باب المسح على
الخفين، (ح/206) . ورواه مسلم في: (الطهارة، ح/274) . ورواه أبو داود في: 1-
كتاب الطهارة، 58- باب المسح على الخفين، (ح/151) .(1/599)
نمير عن أبيه قالا: يذاكرنا ابن أبيِ زائدة عن الشعبي عن عروة عن أبيه قال:
" كنت مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ذات ليلة في سفر فقال:
أمعك ماء؟ قلت: نعم. فنزل عن راحلته فمشي حتى توارى في سواد الليل،
ثم جاء، وأفرغت ماء من إداوة فغسل يديه ووجهه، وعليه جبة من صوف فلم
يستطع أن يخرج ذراعيه/ومسح برأسه ثم هويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما،
فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما ". ورواه الطبراني في الأوسط (1) من
حديث موسى بن أعن عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي به ولفظه:
" كنت مع النبي في سفر ليلا فقال من هذا؟ فقلت: أنا المغيرة. فقال:
أمسك فأمسكت له ناقته وانطلق حتى ما رأيته، ثم جاء ... فذكره " وقال: لم
يحرّده عن إسماعيل إلا ابن أعين. تفرد به المعافي بن سليمان، ورواه المعافي
أيضا عن القاسم بن معن عن إسماعيل عن الشعبي، وقال الدارقطني: ورواه
غير بن القاسم وزفر بن الهذيل وخالد بن عبد الله الواسطي وسليمان بن كثير
عن حصين عن الشعبي وسعيد بن عبيدة عن المغيرة، ورواه إبراهيم بن طهمان
ومحمد بن فضيل، وورقاء وسويد بن عبد العزيز عن حصين عن الشعبي
وحده عن المغيرة، وخالفهم ابن عيينة فرواه عن حصين عن الشعبي عن عروة
عن أبيه، وقال الحميدي والقاسم بن بشير عن ابن عيينة عن حصين وزكريا بن
يونس عن أبي إسحاق عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وكذلك رواه عيسى بن
يونس ونبأ به أبو نعيم والفزاري وابن قتيبة عن يونس عن أبي إسحاق عن
الشعبي عن عروة عن أبيه، وكذلك رواه زكريا بن أبي زائدة من رواية أبي
نعيم وجعفر بن عون وابن عيينة ويحيى بن سعيد الآمدي عنه عن الشعبي عن
عروة عن أبيه، وكذلك رواه عبد الله بن أبي السفر وعمر بن أبي زائدة
وداود بن يزيد الأودي وسليم مولى الشعبي عن الشعبي عن عروة بن المغيرة
عن أبيه، وكذلك رواه أبو إسحاق الشعبي من رواية إسرائيل عنه، ورواه
أيوب بن جابر عن أبي إسحاق عن عروة لم يذكر فيه الشعبي، ورواه
__________
(1) صحيح أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/259) وعزاه إلى الطبرانِي في " الأوسط "
قال: " وفي الصحيح طرف منه " وفيه داود بن يزيد الأودي وقد ضعفوه إلا ابن عدي فقال:
لم أر له حديثا منكرا.(1/600)
عبد الله بن عون عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه واختلف عنه فقال:
أبو جابر عن ابن عون عن الشّعبي وابن سرين عن ابن المغيرة عن أبيه، ووهم
وإنّما روى هذا الحديث ابن عون عن الشعبي عن عروة وحده، وعن ابن سيرين
عن عمرو بن وهب عن المغيرة، واختلف عن إسماعيل/بن أبي خالد، فرواه
موسى بن أعين عن إسماعيل عن الشعبي عن عروة عن أبيه، وخالفه القاسم بن
معن؛ فرواه عن إسماعيل عن الشعبي عن المغيرة لم يذكر بينهما أحد،
وكذلك رواه الهيثم بن حبيب الصيرفي ومخالد بن سعيد وأبو إسحاق
الشيباني عن الشعبي عن المغيرة، وزاد أبو إسحاق الشيباني عن الشعبي قال:
قيل للمغيرة: ومن أين كان للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- خفان فقال:
أهداهما له دحية بن خليفة الكلبي، وخالفه الجعفي في هذا اللفظ، فرواه عن
الشعبي عن دحية ولم يذكر فيه المغيرة، ورواه عريث بن مطر عن الشعبي عن
مسروق عن المغيرة، وتابعه زكريا بن أبي زائدة من رواية سعيد الأموي عن أبيه
عن زكريا عن الشعبي عن مسروق عن المغيرة، وقيل أنّ ابن الأموي أخلط
عليه أحاديث أبيه عن زكريا بأحاديثه عن حديث أبي مطر، وهذا يشبه أن
يكون منها، ورواه حماد بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر وجابر الجعفي
والسري بن إسماعيل عن الشعبي عن إبراهيم بن أبي موسى الأشعري عن
المغيرة، وأحسنها إسنادا حديث الشعبي عن عروة عن أبيه وأبى ذلك أبو
محمد بن أبي حاتم فقال: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه ابن فضيل
عن حصين عن الشعبي عن عروة في المسح على الخفين، ورواه ابن عيينة عن
حصين عن الشّعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه
وآله وسلم- ورواه زائدة بن قدامة عن حصين عن سعيد بن عبيدة سمع
المغيرة وقال غيره: عن حصين عن أبي سفيان عن المغيرة، ورواه عنه عن
حصين عن الشعبي وسعيد بن عبيدة عن المغيرة بلا عروة، قال أبي: وليس
لأبي سفيان معنى قال: ليّن، ورواه هشيم عن حصين عن سالم بن أبي الجعد
وأبي سفيان سمعا المغيرة قلت لأبي زرعة: فأيهما الصحيح عندك؟ قال: أنا
أبي حديث الشعبي بلا عروة أصل إذا كان أصل في المسح، قال: وسئل أبو
زرعة عن حديث رواه سليمان بن عبد الرحمن/الدّمشقي عن إسماعيل بن(1/601)
عياش عن أبي شعبة يحيى بن يزيد الرهاوي عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد
عن عامر الشّعبي عن إبراهيم بن أبي موسى عن المغيرة في المسح، فقال أبو
زرعة: وهم فيه حماد وخالفه السبيعي وابن أبي خالد وحصين، قال أبو
محمد: يعني أنّهم رووا الحديث عن الشعبي عن عروة، وليس لإِبراهيم بن أبي
موسى هنا معنى، والله تعالى أعلم. ولفظ أبي داود (1) : " كنا مع النبي-
صلى الله عليه وآله وسلم- وفي ركبه ومعي إداوة فخرج لحاجته ثم أقبل
فتلقيته بالإداوة قال: فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه ثم أراد أن يخرج
ذراعيه وعليه جبة من صوف من جناب الروم، وفيه: دع الخفين فإني أدخلت
القدمين الخفين وهي طاهرتان فمسح عليها ". قال الشعبي: شهد لي عروة
على أبيه وشهد أبوه على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وفي لفظ
مسلم (2) : عن ابن مثني ثنا عبد الوهاب سمعت يحيى بن سعيد هذا الإِسناد
قال: " فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه "، ولفظ مسروق عن المغيرة " بعد:
ثم مسح على خفيه ثم على ناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ثم ركب
وركبنا فانتهينا إلى القوم وقد قاموا إلى الصلاة، فصلي بهم عبد الرحمن بن
عوف، وقد ركع هم ركعة فلما أحسّ بالنبي- صلى الله عليه واله وسلم-
ذهب يتأخرّ (3) فأومأ إليه ليصلي هم فلمّا سلّم قام النبي- صلى الله عليه وآله
وسلم-: وقمت فركعت الركعة التي سبقتنا ". وفي رواية المقيم عن أبيه
حدّثني له: " مسح على الخفين ومقدّم رأسه وعلى عمامة "، وثنا محمد بن
عبد الأعلى ثنا المعتمر عن أبيه عن بكرة بن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثله، وثنا ابن بشار ومحمد بن حاتم جميعا عن يحيى القطّان
قال: ثنا ابن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن التيمي عن بكر عن الحسن عن ابن
المغيرة بن شعبة عن أبيه قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة: " أنّ النبي
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب المسح على الخفين، (ح/
151) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة، 23- باب المسح على الناصية والعمامة،
(ح/81) .
(3) قوله: " ذهب يتأخر " أي: شرع في التأخير عن موضعه ليتقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1/602)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلي الخفين " (1) ، وقال أبو عيسى:
وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة: ذكر بعضهم المسح على
الناصية والعمامة، ولم يذكر بعضهم الناصية،/سمعت أحمد بن الحسن،
سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما رأيت- يعني: مثل يحيى بن سعيد القطان-
وقال: وحديث المغيرة حسن صحيح، واختلف من ابن المغيرة هذا ومن هو
ففي كتاب البيع لأبي الحسن وأخرج مسلم عن ابن مرتع- يعني: عن يزيد بن
زريع- عن حميد ثنا بكر عن عروة قال: وخالفه غيره عن يزيد فرواه عنه
على الصواب عن حمزة المغيرة رواه كذلك حميد بن سعدة وعمرو بن علي،
وكذا قال ابن أبي عروة: عن حميد، وفي صحيح أبي عوانة: أنبا يوسف
القاضي أنبا نا مسدد وأنبأ يزيد به، وكلام الدارقطني ينفي تشبه الوهم فيه إلى
محمد بن يزيد وأبو مسعود الدمشقي مخالفة، ويقول: هكذا يقول مسلم،
وفي حديث ابن بزيغ عن يزيد عن عروة وخالفه النّاس فقالوا: حمزة بدل
عروة. حكاه أبو علي في التقييد، وقال أبو الحسن في العلل: يروه بكر
واختلف عنه، فرواه حميد عن بكر عن حمزة، وقال سليمان التيمي عن بكر
عن ابن المغيرة: قال ذلك خالد الواسطي ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون،
واختلف في معتمر؛ فذاك نصر بن علي وأبو نعيم الحلبي عن معتمر عن أبيه
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/100) قال الترمذي: وذكر محمد بن بشار هذا الحديث في
موضع آخر: " أنه مسح على ناصيته وعمامته ". وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن
المغيرة بن شبة: ذكر بعضهم " المسح على للناصية والعمامة "، ولم يذكر بعضهم " الناصية ".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه مسلم (1/90- 91) عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد بن زريع عن حميد
الطويل عن بكر المزني عن عروة عن المغيرة عن أبيه. قال النووي (3/171) : " قال الحافظ
أبو علي الغساني: قال أبو مسعود الدمشقي: هكذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع عن
يزيد بن زريع: عن عروة بن المغيرة، وخالفه الناس، فقالوا فيه: حمزة بن المغيرة، بدل عروة.
وأما أبو الحسن الدارقطني فنسب الوهم فيه إلى محمد بن عبد الله بن بزيع، لا إلى مسلم ".
والظاهر أن رأي الدارقطني أرجح؛ لأن النسائي رواه (1/30) عن عمرو بن علي وحميد بن
مسعدة عن يزيد بن زريع، ورواه البيهقي (1/60) من طريق حميد بن مسعدة أيضا (1/
58) ومن طريق مسدد بن يزيد بن زريع، وقالوا كلهم: " عن حمزة بن المغيرة "، فخالفوا
محمد بن عبد الله بن بزيع.(1/603)
عن بكر عن ابن المغيرة، وكذلك قال علي بن الحسن الدرهمي: عن معتمر
إلا أنه قال: عن ضمرة بن المغيرة، وقال أبو الأشعث: عن معتمر عن أبيه عن
بكر والحسن عن ابن المغيرة عن أبيه، وقال الثوري: عن القاسم عن أبي بكر
عن الحسن. قال ذلك عبد الكريم بن روح عن الثوري، ورواه عاصم الأحول
عن بكر مرسلا عن المغيرة بن مسهر عن ابن عروبة عن عاصم الأحول عن
بكر، واختلف عن ابن عروبة، فرواه زفر عنه عن قتادة/عن بكر عن المغيرة،
وخالفه منيع بن عبد الرحمن، فرواه عن سعيد بن مطر عن بكر عن المغيرة،
وكلاهما وهم؛ لأن هذا الحديث سمعه ابن أبي عروبة عن بكر ليس بينهما
فيه قتادة ولا مطر. قال ذلك ابن زريع وغندر وابن مسهر، وروي عن داود بن
أبي هند عن بكر عن المغيرة مرسلا أيضاً، ورواه الحسن البصري عن المغيرة
حدّث به قتادة واختلف عنه، فرواه زفر عنه عن قتادة عن الحسن ومحمد عن
المغيرة، وقال هدبة بن خالد: عن همام عن قتادة عن الحسن وزراره بن أوفى
عن المغيرة، ورواه الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن خالد بن كثير عن أبي
حفص العمري عن الحسن عن المغيرة، والحسن لم يسمعه من المغيرة، وإنّما
سمعه من حمزة ابنه، وذلك بّين في رواية القطّان عن التيمي روي أيضاً عن
عبيد الله بن عمر عن حمزة بن المغيرة. قاله عبد الله بن نافع الصانع عن أبي
معشر عنه، وخالفه يحيى بن عبد الله بن سالم، فرواه عن عبيد الله عن
حميد الطويل عن ابن المغيرة عن أبيه، وحميد لم يسمعه من ابن المغيرة؛ إنّما
رواه عن بكر عنه، ولفظ أبي داود: " ثم ذكر فوق العمامة " وفي لفظ:
" قال: فصليت أنا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى الركعة التي سبق لها ولم يزد عليها
شيئا " قال أبو داود (1) : أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون: من
أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو، وفي لفظ يونس عن ابن شهاب
حدثني عبّاد بن زياد أنّ عروة بن المغيرة سمع أباه وفيه: " قد ركع لهم " -
يعني: ابن عوف- ركعة من صلاة الفجر، وفيه: " ثم سلّم عبد الرحمن، فقام
النبي في صلاته ففرغ المسلمون فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمّا
__________
(1) تقدّم، وهو الحديث برقم: (152) .(1/604)
سلّم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم: " قد أصبتم أو قد أحسنتم " (1) . ولفظ النسائي في
كتاب شيوخ الزهري في غزوة تبوك، وذكره مالك في موطئه بما استوجب
رواه أنبأ بذلك المسند المعمر شرف الدين بن أبي الفتوح الشّامي- رحمه الله
تعالى- أنبأ ابن رواح أنا الحافظ البغوي- رحمه الله- في خامس عشر ربيع
الأول سنة إحدى وثلاثين أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد/الجبار بقراءتي عليه
ببغداد في جماد الأوّل سنة خمس وتسعين وأربعمائة أنبأ أبو طالب محمد بن
الحربي الزاهد أنبأ الحافظ أبو الحسن علي لن مهدي في كتابه قال: روي مالك
في الموطأ عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة
، فذكر قصة المسح قال: وخالفه صالح بن كيسان، ومعمر، وابن جريج،
ويونس، وعمرو بن الحرث، وعقيل بن خالد، وعبد الرحمن بن خالد بن
مسافر وغيرهم، فرواه عن الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن
أبيه، فزاد: وعلى مالك في الإسناد عروة بن المغيرة وبعضهم قال: عن ابن
شهاب عن عباد بن زياد عن عروة وحمزة بن المغيرة عن أبيهما، قال ذلك
- عقيل وعبد الرحمن بن خالد ويونس بن يزيد بن أبي سفيان قال ذلك مصعب
الزبيري، وقاله علي بن المديني ويحيى بن معين وغيرهم، فخولف مالك-
رحمه الله تعالى- في إسناده في موضعين: أحدهما: قوله عباد بن زياد من
ولد المغيرة، والآخر: إسقاطه من الإسناد عروة وحمزة بن المغيرة والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب العلل: وهم في هذا الحديث في عباد،
فزعم أنه من ولد المغيرة، وإنّما هو ابن زياد بن أبي سفيان، وقال عن المغيرة:
وإنّما هو عن عروة وحمزة بن المغيرة عن أبيهما، والله تعالى أعلم- وبنحوه قاله
الشّافعي فيما حكاه البيهقي عنه ومحمد بن إسماعيل البخاري، وقال ابن أبي
حاتم في موضع آخر: سألت أبي عن حديث شبابة محمد بن عوف الحمصي
عن أبي لقي عبد الحميد بن إبراهيم عن عبد الله بن سالم عن الترمذي عن
الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن الغيرة بن محمد بن إسماعيل أخبره
عن حمزة بن المغيرة: الحديث، فقال أبي: هذا خطأ؛ إنّما هو إسماعيل بن
__________
(1) رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب المسح على الخفين، (ح/149) .(1/605)
محمد بن سعد بدل محمد بن إسماعيل، وزعم/ابن عقدة أنه حديث تفرّد
به أهل الكوفة وفيه نظر، وفي لفظ له- أعنى أبا داود- من حديث بكير بن
عامر الجبلي عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عن المغيرة فقلت: " يا رسول الله:
نسيت. قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي " (1) ، ولما ذكر أبو القاسم هذا
في معجمه الكبير عن عمر بن عبد العزيز عن علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم
ثنا بكير قال: زعم ابن أبي نعم المغيرة حدثه: " أنه مشي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المدينة، فأتى بعض الأودية قد خلها، فقضى حاجته ثم خرج فتوضأ وخلع
الخفين، فلما لبس خفيه وجد بعد ذلك رّيما فعاد ثم خرج فتوضأ ومسح على
الخفين فقلت: أنسيت يا رسول الله؟ فقال: بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي عز
وجل ". قال الحافظ القشيري: وبلغني أنّ أحمد بن خالد الأندلسي الحافظ
رواه عن علي وقال بعد تمامه: ما أحسنه وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من
حديث الحسن بن صالح عن بكير وقال: إسناده صحيح، وقال أبو الحسن في
كتاب العلل: يرويه بكير البجلي عن عبد الرحمن حدّث به عن الحسن بن
صالح ووكيع والفضيل بن موسى وعبد الله بن موسى وعبد الله بن داود
وعلي بن عراب، ورواه عامر بن مدرك عن الحسن بن صالح فقال: عن أكيل
عن ابن أبي نعم، وإنّما أراد بكير بن عامر.
ورواه سعيد (2) بن المسيب فقال: عن أبي بكير عن عبد الرحمن بن أبي
ليلي عن المغيرة حدّث به عنه بكير بن خداش ووهم فيه في موضعين: في قوله
عن أبي بكير، وفي قوله: عن ابن أبي ليلى، وإنما أراد ابن أبي نعم ثناه المحاملي
ثنا عبدان الأهوازي ثنا معمر بن سهل من عامر بن مدرك عن الحسن بن
صالح به ورواه عن المغيرة أيضا عمرو بن وهب الثقفي، قال أبو الحسن:
يرويه محمد بن سيرين، واختلف عنه، فرواه أيوب السختياني، وقتادة
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/156) وأحمد في " المسند " (4/246، 253) والبيهقي في
" الكبرى " (1/272) ونصب الراية (1/163، 166) والمشكاة (524) والحلية لأبي نعيم
(7/335) .
(2) قوله: " سعيد " وردت " بالأصل " " عيسى "، والصحيح ما أثبتناه.(1/606)
وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، وعوف الأعرابي، وأشعث بن عبد
الملك، وأبو حرّة عنه عن عمرو عن المغيرة، واختلف عن يونس بن/عبيد،
فرواه هشيم عن يونس عن عمرو عن المغيرة، وتابعه الفرياني عن الثوري فقال:
عن يونس بن سيرين عن المغيرة أسقط عمرا، ورواه حماد بن زيد عن أيوب
عن بن سيرين عن المغيرة عن عمرو بن وهب، وتابعه جرير بن حازم في ذكره
رجلا بين ابن سيرين وبين عمرو بن وهب إلا أنه لم يُكنِّه.
وقال يزيد القشيري عن ابن سيرين عن بعض أصحابه عن المغيرة: وقال
حسام بن الفضل، وأبو سهل محمد بن عمرو الأنصاري، وعبد الأعلى بن أبيِ
المنادي عن ابن سيرين عن المغيرة: لم يذكر بينهما عمرا، فالقول قول أيوب
وقتادة، ومن تابعهما، وأبي ذلك عليه أبو زرعة بقوله: ورواه بعض أصحاب
ابن عون عن محمد عن عمرو بن وهب عن رجل عن آخر عن المغيرة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت لأبي زرعة: أيهما الصحيح؟ قال: عمرو عن رجل عن آخر
عن المغيرة. ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، ورواه أبو وائل عن المغيرة.
قاله أبو الحسن يرويه عاصم بن أبي الجود، وحماد بن أبي سليمان عنه عن
المغيرة ووهما فيه على أبي وائل عن حذيفة وهو الصواب، وسئل عن حديث
أبي وائل عن المغيرة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على النعلين " (1) ، فقال:
يرويه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور، وحصين بن أبي وائل عن المغيرة،
وخالفه هشيم في إسناده ومتنه، فرواه عن حصين عن سالم بن أبي الجعد،
وأبي سفيان عن المغيرة، وقال فيه: " ومسح على خفيه " ولم يذكر: النعلين،
وخالفه زائدة بن قدامة، فرواه عن حصين عن سعد بن عبيدة عن المغيرة،
ورواه عبثر القاسم، وزفر، وخالد الواسطي وسليمان بن كثير عن حصين عن
الشعبي وسعد بن عبيدة عن المغيرة، ورواه الأسود بن يزيد عن المغيرة، قال
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/99) وقال: هذا حديث حسن صحيح. بلفظ: " توضْأ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومسح على الجوربين والنعلين ". وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود
(1/61- 62) والنسائي في رواية ابن الأحمر، وابن ماجة (1/102) كلهم من طريق وكيع
عن الثوري. ورواه البيهقي (1/383- 284) بإسنادين من طريق أبي عاصم عن الثوري.
ونسبه الزيلعي في نصب الراية (1/96) إلى صحيح ابن حبان.(1/607)
الطبراني في الأوسط: / لم يروه عن حماد عن الأسود إلا عبد الله بن محيرز،
ورواه عبد الله بن بريدة عن المغيرة: أنه توضأ ومسح على الخفين وصلى بنا
فأقامني عن يمينه ". قال أبو القاسم في الأوسط (1) أيضا: لم يقل أحد ممن
روى هذا الحديث عن المغيرة: " وصلى بنا فأقامني عن يمينه " إلا ابن بريدة.
تفرد به عنه عبد المؤمن بن خالد، ورواه أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن
المغيرة بزيادة: " وفي الإداوة ماء عذب ". قاله القشيري، حدّثنا عمران بن
موسى الليثي ثنا محمد بن سيرين ثنا سعيد بن أبي عروبة عن نافع عن ابن
عمر: " أنه رأي سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين فقال: إنكم تغفلون
ذلك، فاجتمعنا عند عمر فقال سعد لعمر: افت عن المسح على الخفين، فقال
عمر: كنّا ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نمسح خفافنا لا نرى بذلك بأسا، فقال
ابن عمر: وإن جاء من الغائط؟ قال: نعم ". هذا حديث رواه (2) البخاري
من حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه مسح على الخفين وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك،
فقال: نعم، فقال: إذا حدثك سعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تسأل عنه غيره ".
قال البخاري: وقال موسى بن عقبة: أخبرني أبو النضر أنّ أبا سلمة أخبره
أن سعدا قال عمر لعبد الله: نحوه، وأشار البخاري إلى رواية أبي سلمة عن
سعد، وقال الترمذي في العلل: قال محمد: حديث أبي سلمة عن ابن عمر
في المسح صحيح، وحديث محمد بن سعد في المسح أرجو أن يكون
صحيحا، ورواه الإسماعيلي في مستخرجه من حديث الفضيل بن سليمان عن
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/95) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
ورجاله ثقات.
(2) صحيح. رواه البخاري في: 4- كتاب الوضوء، 48- باب المسح على الخفين، (ح/
202) . وفتح الباري: (1/365) . ورواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 84- باب
ما جاء في المسح على الخفين، (ح/546) .
في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وهو في صحيح البخاري بغير هذا السياق، إلا أن
سعيد بن أبي عروبة كان يدلس. ورواه بالعنعنة، وأيضا قد اختلط بآخرة.(1/608)
موسى بن عقبة أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا حدثه: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين ".
وعنده أيضا من رواية عبد العزيز أنّ المختار عن ابن عقبة قال: حدثني أبو
النضر عن أبي سلمة عن سعد/حدثنا يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء على
الخفين: " أنه لا بأس بالوضوء على الخفين " (1) . قال: وحديث أبو سلمة أن
عبد الله بن عمر حدثه سعد أن عمر قال لعبد الله: " كان يلزمه إذا حدثك
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وراء حديثه شيئا ".
وفي تاريخ ابن أبي خيثمة من حديث عاصم عن سالم عن ابن عمر قال:
" رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين بالماء في السفر ". وفي كتاب الإِمارات
لأبي بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ثنا أحمد بن شيبان ثنا
سفيان عن عبد الله بن دينار سمعت ابن عمر سألت عمر بن الخطاب: أيتوضأ
أحدنا ورجلاه في الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان " (2) . وفي
حديث سالم عن ابن عمر أن سعدا سأل عمر عن المسح، فقال عمر:
" سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالمسح على ظهر الخف للمسافر ثلاثة أيام
والمقيم يوم وليلة " (3) . وفي مسند مسدد ثنا خالد بن عبد الله ثنا يزيد بن أبي
زياد عن عاصم بن عبيد الله عن أبيه أو عمه عن عمر: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بعد الحدث توضأ ومسح على الخفين " (4) . زاد النيسابوري من حديث الزهري
عن حميد عن ابن عمر قال: " قدمت الكوفة فرأيت سعدا يتوضأ على الخفين
__________
(1) صحيح. رواه ابن عساكر: (6/115) .
(2) صحيح. رواه الشافعي في " المسند " (ح/17) والحميدي في " المسند " (ح/758) والفتح
(1/309) .
(3) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 71- باب المسح على الخفين للمسافر
والمقيم، (ح/75) من حديث خزيمة بن ثابت مرفوعا، ولفظه: " أنه سُئل عن المسح على
الخفين؟ فقال: للمسافر ثلاثة، وللمقيم يوم ". وفي بعض النسخ: " وللمسافر ثلاثة أيام،
وللمقيم يوما وليلة ". والحديث حسن صحيح.
(4) راجع، مجمع الزوائد: (1/255، 257) .(1/609)
فنهيته عن ذلك، فقال: إذا رجعت إلى أمير المؤمنين فسله عن ذلك، فسألته
عن ذلك حين قدم سعد حاجا، فقال عمر: نعم وإن جئت من الغائط " (1) .
ولفظ شيبان عن يحيى عن أبي سلمة: " إذا توضأ أحدكم ثم يخفف
فليمسح على الخفين، وإن جاء من الغائط "، ولفظ النعمان بن سالم: " أصاب
سعد "، وفي حديث أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن عمر قال لأبيه:
فإنه- يعني سعدا- قد أصاب وأخطأت، وإن زعم أنفك من لبس خفيه
ورجلاه طاهرتان فله يوم إلى الليل حتى ينزعهما على فراشه، وللمسافر/ثلاثة
أيام. وفي لفظ: فقال عمر: " عمك أعلم بالسنة منك "، وفي لفظ: " سعد
يأبي أنفه عنك ". وقال أبو الحسن الدارقطني: وسئل عنه فقال: هو حديث
رواه أبو النضر عن أبي سلمة، واختلف عنه، فرواه أبو أيوب الأفريقي وابن
علاء عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن ابن عمرو أسنداه عن عمر وسعد عن
النبي، ورواه عمرو بن الحرث عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر عن
سعد وحده أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنّ ابن عمر سأل إياه فقال: " إذا حدثك سعد
فلا تسل عنه غيره ". ورواه موسى بن عقبة، واختلف عنه فقال: عبد
العزيز بن المختار، وعبد العزيز بن أبي حازم عن موسى بن عقبة عن أبي النّضر
عن أبي سلمة عن سعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واختلف على ابن أبي حازم فقال:
سهل بن صغير عنه عن موسى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر عن
سعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذا قال ابن لهيعة عن أبي النضر، وقال وهيب:
__________
(1) راجع، سنن ابن ماجة: (ح/ 546) بلفظ: " عن ابن عمر، أنه رأى سعد بن مالك
وهو يمسح على الخفين، فقال: إنكم لتفعلون ذلك؟ فاجتمعنا عند عمر. فقال سعد لعمر:
افت ابن أخي في المسح على الخفين. فقال عمر: كُما ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نمسح على
خفافنا، لا نرى بذلك بأسا، فقال ابن عمر: وإن جاء من الغائط؟ قال: نعم ".
في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وهو في صحيح البخاري بغير هذا السياق. إلا أن
سعيد بن أبي عروبة كان يدلس. ورواه بالعنعنة، وأيضا قد اختلط بآخرة. وبلفظه: رواه
سالك في: 2- كتاب الطهارة، باب " 8 "، (ح/ 42) .
قلت: وهذا حديث صحيح، وقد صححه الشيخ الألباني.(1/610)
وفضل بن سليمان، وإسماعيل بن جعفر والدراوردي عن موسى بن عقبة عن
أبي النصر عن أبي سلمة عن سعد ولم يذكروا ابن عمر، وقال الحماني: عن
الدراوردي عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن بسر بن
سعيد عن سعد، ووهم في ذكر بسر، وقال كريم بن موسى: فضل بن
سليمان عن موسى بن عقبة عن أبي النّضر عن عامر بن سعد، والصواب من
ذلك قول عمرو بن الحرث، ومن تابعه عن أبي النّضر، قال: ورواه عن ابن
عمر جماعة فرفعه بعضهم ووقفه آخرون، فرواه نافع عن ابن عمر فممن رفعه
عنه أيوب من رواية ابن أبي عروبة ومعمر وعبد الله بن الزبير الباهلي، ووثقه
غيرهم عن أيوب، ورواه شريك عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدّث به عبد العزيز بن أبان عن/شريك ولم يأت به غيره،
وأسنده أيضا عكرمة عن عمار عن نافع من رواية عنبسة بن عبد الواحد،
وخالفه النّضر بن محمد، فرواه عن عكرمة بن عمار ولم يصرّح برفعه، وقال
فيه: فإنه من السنة، ورواه عبد الله بن عمر العمري وأيوب عن نافع عن ابن
عمر موقوفا، وتابعهم محمد بن أبي حميد المدني عن نافع فرفعه أيضا إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه أبو بكر بن أبي الجهم عن ابن عمر عن عمر عن النبي-
عليه السلام- حدّث به أبو حنيفة عنه وأبو بكر النخشلي، ورواه سالم بن
عبد الله عن أبيه عن عمر موقوفا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدّث به عنه كذلك
عاصم بن عبد الله بن عمر. قال ذلك الحسن بن صالح عن عاصم، وخالفه
يزيد بن أبي زياد واختلف عن يزيد فقال: خالد بن عبد الله الواسطي عنه
عن عاصم بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن عمر قال ابن فضيل: عن
يزيد بن أبي زياد عن عاصم عن أبيه عن جدّه عمر، وقال شريك: عن
عاصم عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه، أو عن عمر، واختلف عن
شريك فقال عنه أبو داود الطيالسي قولا أخر عن عاصم عن أبيه عن عمر،
والاضطراب في هذا من عاصم؛ لأنه كان سيء الحفظ، ورواه أشرس بن
عبيد عن سالم عن أبيه عن عمر موقوفا غير مرفوع، ورواه خالد بن أبي بكر بن
عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن سالم عن أبيه عن عمر، وأعرف فيه بألفاظ(1/611)
لم يأت بها غيره ذكر فيه المسح، وقال فيه: على ظهر الخف، وذكر فيه الوقت
ثلاثا للمسافر، يوما وليلة للمقيم. وخالد بن أبي بكر العمري هذا ليس بقوي،
قاله زيد بن الحباب عنه، وفي علل الخلال علي بن حجير وأحمد بن حنبل
عن المسح على أعلى الخف وأسفله، فقال:- يعني: نوح بن حبيب- لأحمد:
يأخذ بحديث عمر قال أبي: حديث هو قلت: حدثنا زيد بن الحباب عن
خالد بن أبي بكير وذكرت هذا الحديث فضحك- يعني: أبا عبد الله- ثم
قال: أعد. فأعدت، فقال: أعد، وقال: لم أسمع منه هذا الحديث.
وقال زياد بن أيوب: سألت أحمد عن المسح على الخفين،/فقال: إّنما هو
أعلاه وأكثر الأحاديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مسح أعلاه وأسفله، وليس ذلك
ثابت عنه، قال الدارقطني: ولفظه في الإفراد: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا
أحصيه يمسح على الخفين، وذكر شراك النعل " (1) .
وقال: تفرد به معاوية بن عطاء عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عنه،
يعني: عن ابن عمر غيره، ورواه حصين بن عبد الرحمن عن محارب بن دثار
عن ابن عمر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله سويد بن عبد العزيز عن حصين
وخالفه هشيم، فرواه عن حصين موقوفا، ورواه أبو سلمة عن عبد الرحمن عن
ابن عمر، واختلف عنه خرجاه أبو النضر سالم عن أبي سلمة عن ابن عمر عن
عمر، وسعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك أبو أيوب الإفريقي، وابن لهيعة عن أبي
النّضر، واختلف عنه فقال: عبد العزيز بن المختار عن موسى عن أبي النّضر عن
أبي سلمة عن سعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن ابن عمر موقوفا، وقال وهب: عن
موسى عن أبي النّضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: قال عمر: " إذا
حدثك سعد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا تشكّ فيه ". وقال له الفضيل بن سليمان:
__________
(1) أورده العقيلي في الضعفاء الكبير: (4/185) . في ترجمة معاوية بن عطاء البصري. قال
العقيلي: كان يرى القدر. عن الثوري وغيره في حديثه مناكير وما لا يُتابع على أكثره. وقال
بعد رواية هذا الحديث: " وهذه كلها بواطيل لا أصول لها ".(1/612)
عن موسى (1) عن أبي النّضر عن أبي سلمة قال: حدث سعد ولم يذكر فيه
ابن عمر، وقال عمرو بن الحرث، وابن لهيعة: عن أبي النّضر عن أبي سلمة
عن ابن عمر عن سعد، وقيل: عن ابن لهيعة عن أبي النّضر عن بسر بن
سعيد، وقال أبو إسحاق السبيعي: عن أبي سلمة عن ابن عمر عن عمر،
وسعد موقوفا عليها غير مرفوع. قال ذلك يونس بن أبي إسحاق وأبو
الأحوص، وقال شعبة: عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن ابن عمر قوله لم
يجاوز به ابن عمر، ورواه الزهري عن حميد بن عبد الرحمن وسالم بن عبد
الله عن ابن عمر وسعد وقولهما غير مرفوع، ورواه عبد الله بن دينار
وأصحاب نافع عمن تقدّم ذكره، والحكم بن الأعرج، وأبو حازم الأشجعي عن
الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، والنعمان بن سالم، وميمون بن مهران عن
ابن عمر عن عمر، وسعد وقولهما غير مرفوع، والله تعالى أعلم.
حدثنا أبو مصعب المدني ثنا عبد المهيمن بن إلياس بن سهل الساعدي عن
أبيه عن جدّه: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين. وأمرنا بالمسح على
الخفين ". هذا حديث إسناده ضعيف بعبد المهيمن المذكور، قيل: وقد يقع لنا
هذا الحديث من طريق صحيحة ذكرها الحافظ أبو علي بن السكن فقال:
حدثنا أبو عبد الله القاسم بن إسماعيل، ويحيى بن محمد بن صاعد،
ومحمد بن محمد بن بدر، والحسن بن محمد قالوا: ثنا يعقوب بن إبراهيم
الدورقي ثنا عبد العزيز بن أبي حاتم عن أبيه قال: رأيت سهل بن سعد يبول
بول الشيخ الكبير، فكاد أن يسبقه، وإنّما توضأ ومسح على خفيه فقلت: ألا
تنزع هذا؟! فقال: لا، رأيت خيرا مني ومنك يفعل هذا، رأيت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله. ومن طريق أخرى جيّدة ذكرها القاضي أبو الطاهر الذهلي في
التاسع عشر من حديثه فقال: حدثنا موسى بن هارون عن قتيبة عن شعبة عن
يعقوب عن أبي حازم أنه رأى سهل بن سعد ... فذكر الحديث، وطريق أخرى
ذكرها أبو جعفر البغوي في مسنده عن حسين بن محمد عن أبي غسان عن
__________
(1) قوله: " موسى " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه من " الثانية ".(1/613)
أبي حازم أنه نظر إلى سهل بن سعد يبول قائما فمسح على خفيه ... الحديث،
ورواه أيضاً الطبراني من حديث عبد الله بن عمر بن أبان ويحيى الحماني ثنا
عبد العزيز بن أبي حازم سمعت أبي يقول: رأيت سهلا يذكره رواه عن
الفضيل بن أبي روح عن ابن أبان وعن أبي جعفر القاضي عن الحماني، ورواه
أبو بكر النيسابوري في كتاب الإمارات عن أحمد بن منصور ثنا ابن أبي/
مريم وابن الصباح قالا: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن حدّثني أبو حازم قال:
رأيت سهل بن سعد يبول قائما وقد كان كبير حتى لا يكاد قال: يبعد منه،
قال: ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه. قال: قلت: ألا تنزع خفيك؟! قال:
قد رأيت من هو خير منك يصنع ذلك. واللفظ لابن مريم، وثنا أحمد ثنا
سعيد بن سليمان ثنا عبد الحميد بن سليمان سمعت أبا حازم به ولفظه: " من
هو خير مني ومنك يصنع.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا عمر بن عبيد الطنافسي ثنا عمر بن
المثني عن عطاء الخراساني عن أنس بن مالك قال: " كنت مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فقال: هل من ماء فتوضأ ومسح على خفيه ثم لحق بالجيش
فأمهم " (1) . هذا حديث في إسناده ثلاث علل: الأولى: ضعف رواية أبي
أيوب، وقال أبو عثمان: ويقال أبو محمد، ويقال: أبو صالح، ويقال: أبو سعيد
عطاء بن أبي مسلم عبد الله، ويقال: ميسرة الخراساني الأمردي البلخي الشامي
المهلبي لنسيه لولا أن أبي سفره وهو وإن كان مسلم قد روي حديثه، ووثقه
ابن معين، وأبو حاتم الرازي، والدارقطني فقد كذبه سعيد بن المسيب، وقال
ابن حبان: كان سيء الحفظ، يخطيء، ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به، وذكره
الباجي والفضيل في كتاب الضعفاء. الثانية: الانقطاع ما بين عطاء وأنس بن
مالك. قاله أبو زرعة الرازي فيما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل، وقيل
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/548) . في الزوائد: هذا إسناد ضعيف منقطع. قال أبو
زرعة: عطاء الخراساني لم يسمع من أنس. وقال العقيلي: عمر بن المثنى حديثه غير محفوظ.
وأحمد (4/246، 5/302) ومشكل (3/179) والكنز (17617) .
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/119) .(1/614)
لابن معين،: لقى عطاء أحدا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا أعلمه. الثالثة:
الجهالة بحال عمر فإني لم أر أحداً ذكرها، والله أعلم.
وقد وقع لنا هذا الحديث إسناد صحيح لا يطعن في أحد من رجاله ذكره
أبو عبد الرحمن النسائي، فقال: أنبأ قتيبة أبنا أبو عوانة عن أبي يعفور زياد بن
عبد الله أنبأ أنس بن مالك قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على
الخفين " (1) . ثنا محمد بن إسحاق ثنا نعيم بن الجهم ثنا أبو عوانة عن أبي
يعفور فذكر مرفوعا قال: سألت أنسأ عن المسح على الخفين فقال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح عليهما "، ورواه أبو القاسم في الأوسط بإسناد لا بأس
به، ولما ذكره البزار قال: لا يعلم روي أبو يعفور عن أنس غير هذا الحديث،
وأما قول البخاري: وسأله عنه الترمذي. أخطأ فيه قتيبة والصحيح عن أنس
موقوفا فيه وجدنا لقتيبة تابعا، ولحديثه شاهدا، وهو ما ذكره بحشل في
تاريخه: ثنا على بن يونس ثنا عبد الحميد بن أبي داود ثنا سفيان الزيات عن
الأعمش عن أنس: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين ".
عن أبي زرعة ثنا علي بن عباس ثنا علي بن الفضل بن عبد العزيز ثنا
سليمان اليمني عن أنس: " وضأت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته بشهر فمسح على
الخفين والعمامة "، وقال: لم يروه عن سليمان إلا علي، رواه النيسابوري في
كتاب الأبواب عن محمد بن أحمد بن الجنيد ثنا العلاء بن عبد الجبار ثنا
وهيب ثنا يحيى به، وثنا أحمد بن منصور، وثنا سليمان بن عبد الرحمن
الدمشقي ثنا مروان بن معاوية، ورواه الساجي في فوائده، ويخرج أبو النّضر
الوائلي من طريق العباس بن محمد بن العباس النصري ثنا أحمد بن صالح ثنا
يحيى بن محمد ثنا إسماعيل بن ثابت بن مجمع عن يحيى بن سعيد عن
أنس: أنه مسح على الخفين، وذكر أنس أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين،
قال الوائلي: وهذا غريب جدا من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس
لم يسده عنه فما قيل غير إسماعيل هذا أو أبي ذلك الحافظ أبو بكر البزار؛
فإنّه لما رواه عن أحمد بن الوليد البزار أنبأ يحيى بن محمد الجاري ثنا
__________
(1) تقدّم من أحاديث الباب ص 609.(1/615)
يعقوب بن إسماعيل عن يحيى بن سعيد عن أنس قال: وهذا الحديث لا نعلم
رواه غير يحيى بن سعيد عن أنس إلا يعقوب، ورواه الدراوردي عن يحيى بن
سعيد/عن سعيد بن رقيش عن أنس، والله أعلم. ورواه أبو القاسم عبد الله
محمد بن يحيى بن أبي عمر العدي في مسنده عن مروان بن معاوية الفزاري
ثنا زياد بن عبيدة ثنا أنس بن مالك قال: " كنت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسير في
غلس، فقال لي: هل في إداوتك من ماء؟ فقلت: نعم. قال: فتنحّى عن
الطريق، ثم توضأ ومسح على خفيه، فلما أراد أن يمسح عليهما طأطأت رأسي
لأنظر فقال: هو ما رأيت، ومسح على خفّيه " (1) .
وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل- حدثوني عن
الحسن بن الربيع عن أبي شهاب الحافظ عن عاصم الأحول عن أنس قال:
" مسح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين "، فقال: ليس بصحيح إنّما هو عن أنس
أنّه كان يمسح وكان يقول: ثنا أصحابنا، وقال: هو عن عاصم عن أنس موقوفا
قلت: يخاف أن يكون من الحسن بن الربيع قال: نعم. قلت: ابن شهاب.
قال: ثبت وليس هذا من ابن شهاب. قلت لأحمد: ثنا شاذان ثنا زهير أبو
خيثمة عن وهب بن عقبة عن محمد بن سعيد الأنصاري عن شعبة: " أنّ
أنسا أتى المهراس فبال قائما، ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم توجه إلى الصلاة
أو أتى المسجد فقلت: فعلت شيئا منكر. فقال: خدمت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تسع سنين يفعل ذلك " (2) . فقال أحمد: ليس بصحيح، وهذا كذب وسألته
عن وهب بن عقبة فقال: ليس به بأس، وسألته عن محمد بن سعيد الأنصاري
فقال: لا يعرف. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسن بن
الربيع عن ابن شهاب عن عاصم عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح فقال:
هذا خطأ؛ إنّما هو عاصم عن رشدين يحتج قال: رأيت الماسح على الخفين
__________
(1) رواه ابن ماجة مختصرا، وتقدّم من أحاديث الباب.
(2) انظر الكامل: 6/2142. في " الموطأ " (ص 37، ح/44 من كتاب الطهارة) وجدته
بلفظ: " رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال، ثم أتى بوضوء فتوضأ، فغسل وجهه ويديه إلى
المرفقين، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم جاء المسجد فصلْى ".(1/616)
فعله. انتهي. ورواه مالك في موطئه (1) عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش
قال: " رأيت أنسا فذكره من فعله عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المسح على
الخفين للمسافر ثلاث وللمقيم يوم وليلة ". أنبأ بذلك الإمام/المسند المعمر أبو
الحسن علي بن إسماعيل بن إبراهيم قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ الإمام الحافظ أبو
الحسين يحيى بن عبد الله القرشي أنبأ أبو الطاهر إسماعيل بن صالح بن ياسين
الشعبي قراءة عليه أبنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي أبنا أبو
أحمد عبد الله بن الناصح ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد العافر المروزي
ثنا الهيثم بن خارجة ثنا سعيد بن ميسرة، فذكره، ورواه حميد عن أنس من
جهة عنبس بن ميمون، قال: الخيري غيره أوثق منه وحديثه هذا منكر.
حدّثنا علي بن محمد ثنا وكيع ثنا دلهم بن صالح الكندي عن حجير بن
عبد الله الكندي عن ابن بريدة عن أبيه: " أنّ النجاشي أهدى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خفين ساذجين أسودين، فلبسهما ثم مسح عليهما ". هذا حديث خرجه ابن
ماجة (2) أيضاً في كتاب اللباس، وقد سبق ذكرنا له، وعند مسلم (3) في باب
الصلاة بوضوء واحد من حديث سفيان عن علقمة عن سليمان، عن أبيه وأنّ
ابن مندة قال: هذا إسناد صحيح على رسم الجماعة إلا البخاري لسليمان،
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أنّ ابن بريدة هذا قيل أنّه عبد الله لما رواه
__________
(1) رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 8- باب ما جاء في المسح على الخفين، (ح/
44) ولفظه: وحدثني عن مالك، عن سعيد بن عبد الرحمن بن رُقيش؛ أنه قال: رأيت
أنس بن مالك أتى قبا فبال، ثم أتى بوضوء فتوضأ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح
برأسه، ومسح على الخفين، ثم جاء المسجد فصلى.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 84- باب ما جاء في المسح على
الخفين، (ح/549) . وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " ساذجين " في المعرب. والساذج فارسي معرب. وفي حاشية؛ في القاموس " الساذج معرب سادة "
وفي اللسان: حجة ساذِجة وساذجة، غير بالغة. قال ابن سيده: أراها غير عربية؛ إنّما يستعملها أهل الكلام
فيما ليس ببرهان قاطع. وقد يستعمل في غير الكلام والبرهان. وعسى أن يكون أصلها (سادة) فعربت
كما اعتيد مثل هذا في نظيره من الكلام المعرب.
(3) صحيح. رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة، 25- باب جواز الصلوات كلّها بوضوء
واحد، (ح/86) .(1/617)
أبو داود (1) من حديث مسدد وأحمد بن أبي شعيب ثنا وكيع ثنا دلهم به
قال: هذا مما تفرد أهل البصرة إسناده، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن إنّما
نعرفه من حديث دلهم، ورواه محمد بن ربيعة عن دلهم، وخرّجه الإمام
أحمد بن حنبل في مسنده من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه، وخالف
ذلك حين سأله الميموني عنه فقال: هذا حديث منكر، قال ابن عبد الله: لا
أعرفه في غير هذا ودلهم بن صالح كوفي منكر الحديث، وقال: يقول في
حديث ابن بريدة حجر، ثم قال: حجير، وقال أبو الحسن الدارقطني حين
ذكره في باب عبد الله: تفرد به حجير بن عبد الله عن ابن بريدة ولم يروه
عنهم غير دلهم، وفي بابه خرجه أبو القاسم بن عساكر،/وذكر الحافظ أبو
بكر البيهقي له شاهدا من حديث المغيرة بن شعبة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ
ومسح على خفيه، فقال له رجل: يا مغيرة ومن أين كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفان؟
فقال المغيرة: أهداها له النجاشي ". وفي علل الدارقطني دحية بن خليفة
وسيأتي الكلام عليه معولا في كتاب اللباس، إن شاء الله تعالى. وقول أبي
عيسى: ورواه محمد بن ربيعة عن دلهم- يعني: بذلك ما أنبا به الإمام
المسند أحمد بن منصور بن إبراهيم- أبنا العلامة أبو العباس بن شيبان الشيباني
وغيره أبنا المعمر عمر بن معمر أبنا أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد
الصائغ أبنا أبو القاسم عبد الله بن الحسن الخلال قال: قرئ على أبي القاسم
عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن الصيدلاني أخبركم أبو بكر عبد الله بن
محمد بن زياد النيسابوري- رحمه الله تعالى- ثنا علي بن إسكاب ثنا
محمد بن ربيعة ثنا دلهم بن صالح عن حجير، فذكره بزيادة ومسح عليها
وصلى قال النيسابوري: وثنا محمد بن علي الوراق ثنا عبيد الله بن موسى ثنا
دلهم بن صالح به.
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 65- باب الرجل يصلى الصلوات
بوضوء واحد، (ح/172) .(1/618)
54- باب في مسح أعلى الخف وأسفله
حدثنا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم ثنا ثور بن يزيد عن رجاء بن
حيوة عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى
الخف وأسفله " (1) . هذا حديث قال أبو داود في تخريجه: وبلغني أنّ ثوراً لم
يسمع هذا الحديث من رجاء، وقال أبو عيسى في كتاب العلل: وسألت
محمدا عن هذا الحديث فقال: لا يصح هذا روي عن ابن المبارك عن ثور بن
(1) رواه الترمذي (ح/97) وقال الترمذي: وسألت أبا زرعة ومحمد بن إسماعيل عن هذا
الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا الحديث عن ثور عن رجاء بن حيوة
قال: حُدثت عن كاتب المغيرة: مُرسل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يذكر فيه المغيرة.
ورواه الشافعي في مختصر المزني (1/50) عن ابن أبي يحيى عن ثور بن يزيد، ورواه أبو داود
(ح/165) وابن ماجة (ح/550) وفي الزوائد: الوليد مدلس، وثور ما سمع من رجاء بن
حيوة. وكاتب المغيرة أرسله، وهو مجهول. أجيب عنه بأن الوليد قال: حدثنا ثور، فلا
تدليس. وسماع ثور قد أثبته البيهقي، وصرح بان ثورا قال: حدثنا يرجاء، وكاتب المغيرة وذكر
المغيرة، فلا إرسال، وكاتب المغيرة اسمه وراد، كما صرح به ابن ماجة، وكنيته أبو سعد.
روى عنه الشعبي وغيره. ورواه ابن الجارود (ص 48) والدارقطني (ص 71) والبيهقي (1/
290) كلهم من طريق الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد، وقال أبو داود: " بلغني أنه لم يسمع
ثور هذا الحديث من رجاء ". وقال الدارقطني: " رواه ابن المبارك عن ثور قال: حدثت عن
ثور عن كاتب المغيرة ". وكذلك نقل البيهقي عن الدارقطني. وقال ابن حجر في التلخيص
(ص 58) : " قال الأثرم عن أحمد: إنّه كان يضعفه ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي
فقال عن ابن المبارك عن ثور: حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة. قال
أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء، ولا يذكر
المغيرة؟ فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه، فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق فإذا
فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة، فأوقفْته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في
الإِسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد، وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث ".
فكلام أحمد وأبي داود والدارقطني يدل على أن العلة أن ثورا لم يسمعه من رجاء، وهو ينافي
ما نقله الترمذي هنا عن البخاري وأبا زرعة: أن العلة أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة.
قلت: وقد ضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/120) ، وضعيف أبي داود
(ح/22) .(1/619)
يزيد قال: ثنا عن رجاء بن حيوة كاتب المغيرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا وضعّف
هذا، وسألت أبا زرعة فقال: نحوا مما قال محمد، وقال في الجامع: هذا
حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم وكذلك ذكره الإمام
أحمد/فيما حكاه عنه إلا يزيد. قال: وسمعت أبا عبد الله يضعف وذكر أنّه
ذكره لابن مهدي بذكره كذلك مسندا من وجهين حديث عن رجاء وأرسله
فلم يسنده، قال: وقد كان نعيم بن حماد حدثني هذا عن ابن المبارك حدّث
به الوليد، فقال: عن ثور عن رجاء عن كاتب المغيرة عنه. فقلت له: إنّما يقول
الوليد هذا: أنا ابن المبارك. فيقول: حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة. فقال:
هذا حدّثني الذي أنقل عنه، وأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، وإذا فيه
ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فوثّقه عليه، وأخبرنه بأنّ هذه
زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد: اضربوا على هذا
الحديث وقال أبو الحسن: وحديث رجاء الذي ذكر فيه أعلى الخف وأسفله لا
يثبت؛ لأنّ ابن المبارك رواه عن ثور مرسلا، وضعّف الإمام الشّافعي هذا
الحديث فيما حكاه في المعرفة يكون رجاء لم يسم كاتب المغيرة، قال
البيهقي: وفيه نوع آخر من التضعيف وهو أنّ الحفاظ يقولون: لم يسمع ثور
هذا من رجاء، وفي رواية محمد بن العباس النسائي عنه لم يلق رجاء ورادا،
وقال أبو علي الطوسي في الأحكام: يقال: هذا حديث لا يصح، وقال
البخاري في الأوسط: وزاد كاتب المغيرة يقال: مولاه ثنا إبراهيم بن موسى عن
الوليد عن ثور عن رجاء عن كاتب المغيرة عن المغيرة، وقال أحمد بن حنبل
أنبأ ابن مهدي ثنا ابن المبارك عن ثور حديث عن رجاء عن كاتب المغيرة-
ليس فيه المغيرة- ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزياد عن أبيه عن عروة بن
الزبير عن المغيرة: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على خفيه ظاهرهما " (1) ،
__________
(1) ضعيف. المنتقى (ح/ 85) . وفي سنن ابن ماجة: 1- كتاب الطهارة، 85- باب في
مسح أعلى الخف وأسفله، (ح/ 550) بلفظ:
" أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أعلى الخف وأسفله ". من طريق الوليد بن مسلم، وفي الزوائد: الوليد مدلس، وثور ما سمع من رجاء بن حيوة، وكاتب المغيرة أرسله وهو مجهول. أجيب
عنه با الوليد قال: حدثنا ثور، فلا تدليس، وسماع ثور قد أثبته البيهقي وصرح بأن ثورا قال:
حدثنا رجاء. وكاتب المغيرة ذكر المغيرة، فلا إرسال، وكاتب المغيرة اسمه وراد، كما=
620(1/620)
وهذا أصح، ولما ذكره أبو محمد بن حزم ضعفه، وقال: أخطأ فيه الوليد في
موضعين، ثم ذكر ما تقدّم من كلام الأئمة ثم قال: فصح أن ثورا لم يسمعه
عن رجاء وأنه مرسل لم يذكر فيه المغيرة، وقال أبو عمر بن عبد البرّ: لم
يسمع ثور هذا الحديث من رجاء،/وقد ذكر ابن الجوزي في كتاب التحقيق
أن الوليد دلّس هذا مجموع ما أعلّ به، ولقائل أن يقول الحديث الذي
ذكره الدارقطني يرد قول من قال عن ثور حديث عن رجاء؛ لكونه صرح به
وهو ثقة، بسماعه لهذا الحديث من رجاء وهو قوله: ثنا عبد الله بن محمد ثنا
داود بن رشيد عن الوليد عن ثور ثنا رجاء به، وبما عضده من قول العلماء أنه
سمع منه، وأمّا من أعله بالتدليس فقوله مردود بما رواه أبو داود في سننه: ثنا
موسى بن مروان ومحمد بن خالد الدمشقي المعنى قال: ثنا الوليد قال
محمود: أنبأ ثور بن يزيد عن رجاء به، وكذا صرّح به أيضاً الترمذي في
كتاب العلل، وأمّا من أعله بالجهالة بكاتب المغيرة واسمه فليس بشيء أيضاً؛ لما
في كتاب ابن ماجة من تصريحه باسمه، ولما أسلفناه من عند البخاري، وأيضا
وليس معروفا بكتابته غيره وهو ممن لا يسأل عن حاله، وأمّا قول الحافظ
القشيري بأنّ هذه العلّة أثارها بعض المتأخرين: فنسبه أنه لم ير كلام الشّافعي؛
لأن أبا نعيم ذكره في بابه ومن أسلفناه من المتقدمين، والله أعلم، فعلى هذا
يكون حديثا لا بأس به؛ بل لو صحح إسناده لكان بذلك جديرا على أنا قد
رأينا لنا في ذلك سلفا وقدوه، وهو أبو محمد بن الجارود يذكره له في منتقاه،
وقد ذكر الشيخ جمال الدين المزي له إسنادا آخر فقال: ورواه إسماعيل بن
إبراهيم بن مهاجر عن عبد الملك عمير عن وراد، وفي باب كيفية المسح
أحاديث فمن ذلك حديث المغيرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يمسح على ظهر
الخفين ". ذكره الترمذي (1) وحسنه، وفي حديث علي: " لو كان الدين
__________
صرح به ابن ماجة، وكنيته أبو سعيد. روى عنه الشعبي وغيره.
وضعفه الشّيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/120) ، وأبو داود (ح/22) ، والمشكاة (521) .
(1) حسن. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 73- باب ما جاء في المسح على أعلى
الخفين وظاهرهما. (ح/98) وقال: " حديث المغيرة حديث حسن ".
ويؤيد ذلك النووي في المجموع (1/157) وابن العربي في شرح الترمذي (1/146) =(1/621)
بالرأي لكان باطن القدمين أجدر بالمسح " (1) ، وقد مسح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهر
خفيه، ذكره ابن حرب محتجا به، وحديث عمر مرفوعا: " أمر بالمسح على
ظهر الخفين إذا لبسا وهما طاهرتان ". ذكره أبو بكر بن أبي شيبة في
مسنده (2) بإسناد حسن وحديث أنس: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/بال ثم جاء حتى
توضأ ومسح على خفيه ورفع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على
خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أصابعه على
الخفين ". ذكره (3) البيهقي من حديث أبي أسامة عن أشعث عن الحسن عنه،
وحديث جابر: " مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يتوضأ وهو يغسل خفّه، فمسحه بيده
وقال: " إنما أمرنا بهذا، ثم أراه بيده من مقدم الخفين إلى أصل الشاق وفرّج
بين أصابعه " ذكره الطبراني في الأوسط (4) من حديث بقية عن جرير بن يزيد
__________
= والمنذري فيما حكاه في عون المعبود (1/63) والمجدد ابن تيمية في المنتقى (1/232)
ومن نيل الأوطار: نقلوا عن الترمذي أنه قال: " حديث حسن ". قلت: الحديث رواه
البخاري في التاريخ الأوسط فيما نقله عن ابن حجر في التلخيص (ص 59) ورواه أبو داود (1/
63) كلاهما عن محمد بن الصباح عن عبد للرحمن بن أبي الزناد وعندهما كما عند الترمذي
هنا: " عن عروة بن الزبير ". ورواه الطيالسي (رقم 292) عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن
عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على ظاهر خفْيه ". ورواه البيهقي
(1/291) من طريق الطيالسي. فاختلفت الرواية على ابن أبي الزناد عن أبيه كما ترى فقال
بعضهم: " عن عروة بن الزبير ". وقال بعضهم: " عن عروة بن المغيرة " قال البيهقي بعد
ذكر رواية الطيالسي: " كذا رواه أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وكذلك
رواه إسماعيل بن موسى عن أبي الزناد. ورواه سليمان بن داود الهاشمي ومحمد بن الصباح
وعلي بن حجر عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير بن المغيرة "؛ فان كانت الروايتان محفوظتين، وإلا كانت إحداهما وهما والأخرى صوابا، ولا ضرر في ذلك؛ لأنه تردد بين روايتين ثقتين: عروة بن الزبير وعروة بن المغيرة.
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 62- باب كيف المسح، (ح/164) .
(2) صحيح. الكنز: (27587) . وعزاه إليه. وصححه.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/256-257) وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " من حديث عوسجة وقال: وعوسجة بن مسلم لم أجد من ذكره إلا أن الذهبي قال:
عوسجة بن أقرم روى عن يحيى بن عوسجة حديثه في المسح على الخفين لم يصح. قاله
البخاري.
(4) حسن. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/256) وعزاه إلى الطبراني في=(1/622)
الحموي عن لبيد بن المنكدر عنه وقال: لا يروي هذا عن جابر إلا بهذا
الإسناد. تفرد به بقية. انتهى، وفيه نظر؛ لما ذكره حرب في سؤالاته لأحمد
ثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الجرزي ثنا زياد بن عبد الله عن الفضيل بن
ميسرة قال: " رأيت جابرا ... فذكره "، وحديث أبي أمامة الباهلي وعبادة بن
الصامت: " أنهما رأيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح أسفل الخفين وأعلاهما " (1) . ذكره
ابن وهب في مسنده عن رجل عن آخر عن رجل من رعين عن أشياخ لهم
عنهما، وفي باب مسح الخفين غير ما حدث حتى قال الإمام أحمد في رواية
الميموني عنه: فيه سبعة وثلاثون حديثا، وفي رواية الحسن بن محمد عنه ليس
في ثلثين من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رفعوا
إلى النبي وما وقفوا، وقال ابن أبي حاتم: روي المسح على الخفين أحد وأربعون
صحابيا، وفي كتاب ابن المنذر: روينا عن الحسن قال: حدثني سبعون صحابيا
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين. انتهى كلامه، وفيه نظر، وقال البزار
أربعون صحابيا من ذلك حديث عمرو بن أمية الضمري المذكور عند البخاري
من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو عن أبيه أنه
أخبره: " أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين ". وحديث جابر بن عبد
الله المذكور عند أبي عيسى من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي
عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: سألت جابرا عن المسح على الخفين،
فقال: السنة يا ابن أخي، وسألته عن المسح على العمامة. فقال: أمس الشعر،
وخرجه أبو القاسم في الأوسط من حديث بقية عن جرير بن زيد الكندي عنه
بلفظ: " مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل يتوضأ وهو يغسل خفيه، فنخسه بيده وقال:
إنما أمرنا بهذا ثم أزاله بيده من مقدم الخف إلى أصل الساق " (2) ، وقال: لا
يروى هذا الحديث إلا هذا الإِسناد عن جابر. تفرد به بقية، وقد سبق التنبيه
عليه قبل، والله تعالى أعلم. وحديث أسامة بن شريك قال: " كنا نكون مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فنكون معه ثلاثة أيام ولياليها لا ننزع خفافنا ليس من
__________
= " الأوسط " وإسناده حسن إن شاء الله.
(1) تقدم. وراجع الترمذي (ح/97) وابن ماجة (ح/550) وكلاهما في السنن.
(2) تقدم من أحاديث الباب.(1/623)
جنابة، ونكون معه في الحضر يوما وليلة ونمسح خفافنا " (1) . رواه القاضي أبو
الطاهر الذهلي عن محمد بن عبدوس عن ابن حميد عن الصباح بن محارب
عن عمر بن عبيد الله بن يعلى بن مرّة عن أبيه عن جده وعن زياد بن علاثة
عنه، وسيأتي أيضا في باب التوقيت. وحديث سلمان الفارسي قال: " رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين والعمامة " (2) . خرجه الحافظ أبو
حاتم البستي في صحيحه عن عبد الله بن أحمد بن موسى عن زيد بن الحرث
الأهوازي ثنا عبد الله بن الزبير بن معبد ثنا أيوب السختياني عن داود بن أبي
الفرات عن محمد بن زيد عن أبي شريح عن أبي مسلم عنه، وأبنا أبو خليفة
أبنا أبو الوليد الطيالسي ثنا أبو داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد عن أبي
شريح عن أبي مسلم مولي زيد بن صوحان قال: " كنت مع سلمان فرأى
رجلا قد أحدث وهو يريد أن ينزع خُفيه للوضوء فقال له سلمان: " امسح
عليهما وعلى عمامتك فإني رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على خماره وعلى خفيه "،
ثم قال:/في هذا دحض لقول من زعم أن هذا الخبر تفرد به عمرو الضمري،
وسأل أبو عيسى محمدا عن هذا الحديث قلت: أبو شريح ما اسمه؟ قالا: ما
أدري لا أعرف اسمه ولا أعرف اسم أبي مسلم مولى زيد بن صوحان ولا
أعرف له غير هذا الحديث. ورواه عبد السلام بن حرب عن سعيد عن قتادة
وقلت: فقال عن أبي مسلم عن أبي شريح، وبنحوه قال أبو زرعة فيما حكاه
ابن أبي حاتم عنه، ولفظه في المصنف (3) : " امسح على خفيك وعلى خمارك
وبناصيتك " وأما ما زعمه المزي من أن ابن ماجة خرج هذا الحديث في سننه
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/260) مختصرا، وعزاه إلى الطبراني
في " الكبير " وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو مجمع على ضعفه.
(2) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 74- باب ما جاء في المسح على العمامة،
(ح/ 100) . من حديث المغيرة، وقال: وفي الباب عن عمر وابن أمية، وسلمان، وثوبان،
وأبي أمامة، وقال: " حديث للغيرة حديث حسن صحيح ".
(3) رواه عبد الرزاق في " مصنفه " (737) والطبراني (1/336) وأحمد (6/12، 13،
14) . بلفظ: " امسحوا على الخفين والخمار ".(1/624)
فيشبه أن يكون وهما لم أره فيما رأيت من النسخ، والله تعالى أعلم.
وحديث عبد الله بن عمر: " أنه كان يمسح على الخفين، ويقول أن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك. رواه أبو القاسم في معجمه الأوسط (1) بإسناد صحيح عن
محمد بن عبد الرحمن بن الأردني ثنا محمد بن محمد بن إدريس الشّافعي
ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سالم عنه وقال: لم يرو هذا الحديث
عن الزهري إلا معمر، وقال عن معمر: إلا عبد الرزاق. لفرد به محمد بن
محمد بن إدريس وقال أبو عيسى في كتاب العلل. ثنا أبو كريب ثنا محمد بن
الفضل عن الفراء بن أحنف عن عقبة بن حريث قال: سأل رجل ابن عمر عن
المسح على الخفين فقال: " أمسح، فكان ذلك نقل عن الرجل فقال: وإن بال
وإن دخلت (2) الخلاء: قال: نعم " ورفعه ابن عمر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألت
محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه، وقال الميموني: قلت:- يعني: لأبي عبد
الله حدثني عن سويد بن عبد العزيز عن حصين عن محارب بن زياد عن ابن
عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح فقال: ليس بصحيح أن عمر ينكر على سعد المسح
على الخفين، ولا يعرف من حديث حصين هذا من قبل سويد بن عبد العزيز
قلت: حدثوني عن الحسن بن صالح عن عاصم بن عبد الله عن سالم عن ابن
عمر أنّ النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين فقال: ليس بصحيح هذا من قبل
عاصم، ورواه أبو بكر النيسابوري في كتاب الأبواب موقوفا عليه من طريق
صحيحة ثنا الجرجاني ثنا الربيع بن وهب قال: أخبرني أسامة عن نافع أنّ عبد
الله بن عمر قال: " المسح على الخفين ظاهرهما وباطنهما بمسحة واحدة ".
ثنا الجرجاني ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريح قال: قال لي نافع: " رأيت عبد
الله بن عمر مسح عليهما بواحدة مسحة بيده كلتيهما ببطونهما وظهورهما
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/258) من حديث ابن عمر، وعزاه
إلى أحمد وأبي يعلي والبزار والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " ورجال للبزار وأبي يعلى
ثقات. وتمام لفظه:
" عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح على الخفين: للمقيم يوم وليلة وللمسافر
ثلاثة أيام ولياليهن ".
(2) قوله: " دخلت " وردت " بالأصل " " حرمت " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من
الثانية.(1/625)
وقد أهراق قبل ذلك الماء فتوضأ "، وهو في الموطأ (1) من رواية مالك عن نافع
عنه، وحديث البراء بن عازب: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزل يمسح قبل نزول
المائدة وبعدها حتى قبضه الله تعالى ". رواه أبو القاسم في الأوسط (2) عن
محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سوار بن مصعب عن
مطرف بن طريف عن أبي الجهم عنه، وقال: لم يروه عن مطرف إلا سوار
ذكر أيضا حديث أبي إمامة الباهلي بنحوه، وقال: لم يروه عن سليمان بن
عامِر إلا عبيد بن معدان. تفرد به أبو جعفر العقيلي وسيأتي ذكره أيضا في
التوقيت. عن محمد بن إسحاق ثنا أبو ياسر عمار بن نصر حدثني أبو الأسود
شيخ من أهل خراسان عن عبد المؤمن- يعني: ابن خالد- عن أبي سهل-
يعني عبد الله بن بريدة- عن ابن عمر قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على
الخفين "، وحديث عبادة بن الصامت قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثم توضأ
ومسح على خفيه ". رواه أبو القاسم في المعجم الكبير (3) عن محمد بن عبد
الله الحضرمي عن أحمد بن راشد عن عنبر بن القاسم عن عبيدة بن أبي عتبة
عن الحسن عنه، والحسن لم يسمع من عبادة. ذكر ذلك عبد الله بن المبارك
في تاريخه الذي قرأته على ابن أبي الفتوح المصري- رحمه الله- عن ابن
الحميري أنبأ السلفي الحافظ أنبأ الشيخ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار/
الصوفي بقراءتي عليه ببغداد أبنا أبو يعلي أحمد بن عبد الواحد بن محمد
العدل أبنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المقبري النقاش أبنا أبو العباس أحمد بن
الحصر المروزي ثنا أحمد بن عبدة ثنا أبو عبد الله بن وهب بن زمعة ثنا
سفيان بن عبد الله قال: قال عبد الله: وجاءني المعلم الذي كان في مسجد
البصريين الخفيف الشعر بكتاب، وإذا فيه حديث يبلغ به الحسن عن تسعة من
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 8- باب ما جاء في المسح على الخفين،
(ح/ 42) .
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/257) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه سوار بن مصعب وهو مجمع على ضعفه.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/257) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
من رواية أبي عتبة عن الحسن، ولم أجد من ذكره.(1/626)
الصحابة منهم: عبادة، قال عبد الله: ومتى لقي الحسن عبادة فعلمت أنّه
باطل، وذكره عبد الله بن وهب في مسنده عن رجل من أعين عن أشياخ لهم
عن أبي أمامة الباهلي وعبادة: " أنهما رأيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح أسفل الخف
وأعلاه " (1) ، وحديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري- رضي الله عنه-
ذكره أبو بكر بن زياد النيسابوري في كتاب الأبواب، فقال: ثنا أحمد بن
منصور ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن علي بن مدرك عن المسيب بن
رافع قال: " رأيت أبا أيوب ينزع خفيه فنظروا إليه فقال: أمّا إني قد رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح عليهما ولكن حُبب إلي الوضوء ". هذا إسناد ظاهره
صحيح، ورواه بعضهم عن الأعمش عن المسيب عن علي بن مدرك قال:
رأيت أبا داود أيوب وليس بشيء؛ لأن عليا لم يحل أحد رؤيته للصحابة
المتأخرين فضلا عن غيرهم، ولهذا إنّ في بعض النسخ علاقة التقديم على
المسّيب، والتأخير على ابن مدرك، ورواه يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش
عن المسيب عن على بن الصلت قال: رأيت أبا أيوب وكاله اشتبه بعلي بن
مدرك، ولئن كان صحيحا فحبذا يعلى بن الصلت المذكور عند البستي في
كتاب الثقات ورواه ابن زياد أيضا عن سعدان بن نصر ثنا يزيد بن هارون
أنبأ هشام بن حسان ثنا أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين: أن أبا أيوب
كان يأمر/بالمسح على الخفين، ويخلع فقيل له: تأمر بالمسح على الخفين،
وتخلع أنت فقال: لو أنه كان به بأس لم أمركم به فيكون لكم المسمي وعلي
المأثم لكن حُبب إلي الطهور، هذا وإن كان موقوفا ففيه علتان: الأولى:
ضعف ابن سوار، والثانية: انقطاع ما بين ابن سيرين وأبي داود نص على ذلك
هشيم، فرواه عن منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن أفلح مولى أبي أيوب
عنه، وزاد عبدان علّة أخرى، فرواه عن المسيب عن المعتمر بن سليمان عن أبي
شعيب- يعني: الصلت بن زبير المجنون المتروك الحديث- عن ابن سرين ثنا
أفلح، وحديث سعيد بن أبي مريم عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له فينزعهما قال: " يغسل قدميه ". رواه
__________
(1) تقدّم من أحاديث الباب ص 623.(1/627)
البيهقي (1) من حديث الدالاني من حديث يحيى بن إسحاق عن سعيد، وقال
البخاري: ولا يعرف أن يحيى بن إسحاق سمع من سعيد أم لا، ولا سعيد
من صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص،
وعبد الرحمن، وقيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن الحرث ذكرهم
البيهقي- رحمه الله- كذا، وحديث أبي مسعود الأنصاري: " أنّ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح فقيل له أقبل نزول المائدة أم بعده؟ فسكت أبو مسعود " (2) ،
وحديث هزيل بن ورقاء قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين ". ذكره
العاني في كتاب الصحابة من حديث رشدين عن موسى بن علي عن أبيه عنه
وقال: لا أدري هو بديل الخزاعي أو غيره، وحديث عثمان بن عفان، وأبي
عبيدة بن الجراح، وابن عوف، وأبي الدرداء، ويزيد بن ثابت، وفضالة بن عبيد
ذكرهم ابن عبد البر، وحديث عبد الرحمن بن خالد بن سعيد بن العاص
مرفوعا ذكره النيسابوري في الأبواب. وحديث / عروة بن الزبير عن أبيه
مرفوعا رواه في الأوسط وقال: لم يروه عن القاسم بن الوليد ومجالد إلا
عبيدة بن الأسود، وتفرد به عبد الله بن عمر بن أبان، وحديث عائشة-
رضي الله عنها- قالت: " ما زال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح منذ أنزلت عليه
سورة المائدة حتى لحق الله عز وجل " (3) ، وذكره الدارقطني في سننه عن
الحسين ثنا ابن حسان ثنا بقية ثنا أبو بكر بن أبي مريم ثنا عبدة بن أبي لبابة
عن محمد الخزاعي عنها، ورواه النيسابوري في كتابه عن أحمد بن منصور ثنا
سليمان بن عبد الرحمن- يعني: المخرج- حديثه في الصحيح عن أبي بكر بن
أبي مريم، وأمّا كراهتها لذلك فحديث لا أصل له باطل. قاله الجوزجاني
وغيره، وحديث أم سعد بنت زيد بن ثابت قالت: دخلت على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتوضأ فمسح على خفيه فقلت: نسيت يا رسول الله؟ قال: " ولكن
أمرني ربي عز وجل بذلك " (4) . أنبا به الإمام المسند المعمر أبو العباس بن
__________
(1) رواه البيهقي: (1/289) . (2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) ضعيف. رواه الحاكم (1/194) والمجمع (1/257) من حديث البراء، وعزاه إلى
الطبراني في " الأوسط " وفيه سوار بن مصعب وهو مجمع على ضعفه.
(4) رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 58- باب المسح على الخفين، (ح/156) .=(1/628)
إبراهيم أنبأ به شيبان- رحمه الله تعالى- ثنا عمر بن محمد أنبأ أبو الحسن
الصانع ثنا أبو القاسم الخلال ثنا أبو القاسم الصيدلاني أخبركم أبو عبد الله
محمد بن زياد النيسابوري- رحمه الله تعالى- ثنا أحمد بن ملاعب ثنا خالد
بن يزيد القرني ثنا الصباح بن بسطام عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن
زادان عنها، وبه إلى النيسابوري قال: حدثنا الزعفراني ثنا سعيد بن زكريا
المدائني عن عنبسة به، وفي كتاب ابن الأثير أن زادان لم يسمع منها بينها
عبد الله بن ماجة، وحديث عبد الله بن رواحة وأسامة بن زيد: " أنّ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين ". خرجه أبو القاسم في الأكبر (1) من
حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عنهما،
وخرجه ابن مانع في معجم/الصحابة عن إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا أبو
مصعب عن عبد الرحمن بن زيد عن زيد عن عطاء عن أسامة وابن رواحة:
" أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل دار حمل هو وبلال فخرج إليهما بلال فأخبرهما أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين "، وذكره تمام بن محمد في فوائده
عن أحمد بن سليمان بن أبي حازم وأبي القاسم علي بن يعقوب إبراهيم بن
أبي العقيب علي أبي الحسن بن جرير الصوري عن يعقوب بن حميد بن
كاسب قال: سمعت عبد الرحمن، فذكره عن عطاء عن أسامة عن بلال
وعبد الله زيادة والحمار، وقال الميموني: قلت لأبي عبد الله: حدثوني عن
عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء عن أسامة؛ فذكر المسح، فقال: ليس بصحيح،
ولم يكن عبد الرحمن يصحح الأحاديث وهو متروك الحديث، وخّرج الحافظ
أبو بكر بن خزيمة عن ابن نافع عبد الله عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم
عن عطاء عن أسامة دخل عليه الصلاة والسلام الأسواق فذهب لحاجته ثم
خرج قال أسامة: فسألت بلالا: " ما صنع عليه السلام؟ قال بلال: ذهب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على
__________
= من حديث المغيرة بن شعبة، وسكت عنه أبو داود.
قلت: وسكوت أبي داود يعني: تحسينه.
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/257) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وفيه عبد الرحمن بن زيد بن سلم وهو ضعيف وعطاء بن يسار لم يدرك ابن رواحة.(1/629)
الخفين "، قال: وسمعت يونس يقول: ليس على النبي مسح على الخفين في
الحضر عن ذلك، هذا، ولما خرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث
داود بن قيس بن مالك قال: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا،
وفيه فائدة من الفوائد الكبيرة وهي أنهما لم يخرجا حديث صفوان في المسح
في الحضر وذكر التوقيت فيه، والحديث مشهور بداود بن قيس وهو ممن احتج
به مسلم وحديث عوف ابن مالك قال: " أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسح" (1) .
ذكره أبو عيسى في كتاب العلل فقال: سألته- يعني: محمدا- عن حديث
هشيم/عن داود بن عمرو عن بشر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عنه
فقال: هذا حديث حسن، وحديث أبي بردة بن زياد النيسابوري ثنا الدمشقي
ثنا يزيد بن هارون ثنا عبد السلام بن صالح بن كثير الدارمي أبو عمرو قال:
ثنا الأزرق بن قيس الحارثي أنّه كان على شاطئ نهر بالأهواز وأنّ فيهم من
قومه رجل يرمونه برأي الخوارج، قال في رجل: عليه قباء وموزجان حتى دخل
بين حرفين من شاطئ النهر فدخل النهر فتوضأ ومسح على معروضة قال فيه
ذلك الرجل الذي كان فينا، والخوارج لا يرون المسح فقلنا: ويلك ويحك
أسمعت الرجل؟ أرأيت الرجل؟ فخرج فقام يصلي ومعه بردونة قال: فرجعت
البردونة فرجعٍ يمشي على عقبه حتى حبس البردونة، فلما رأى صاحبنا ذلك
ازداد له سباقا فقلنا له: ويحك آذيت الرجل أسمعت الرجل؟ ونحن لا نعرفه
وإذا هو أبو برزة الأسلمي صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فجاء حتى قام علينا فسلم
علي فقال: إنِّي سمعت ما قال هذا الرجل ثم حدثنا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الرخصة في المسح على الخفين، وذكر حديثا طويلا، وحديث أبي أمامة قال:
أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر فقال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم.
فشربها. قال أبو غالب: ورأيت أبا أمامة يمسح على العمامة والخفين ذكره في
الأبواب أيضا: ثنا زاج ثنا الحسين بن واقد ثنا أبو غالب به وحدثنا المرقادي
حدثنا يزيد بن هارون ثنا سليم بن حيان عن أبي غالب عن أبي أمامة قال:
" رأيته يمسح على الجوربين والعمامة " (2) ، وحديث عبد الله بن عباس- رضي
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) صحيح. راجع تعليق الإِمام الترمذي على (ح/100) ، 1- كتاب الطهارة، 74-=(1/630)
الله عنهما- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح. ذكر الميموني أنه سأل أبا عبد الله فقلت:
حدثوني عن عتاب بن بشير عن خصيف عن سعيد بن جبير. قال:/ليس
بصحيح؛ إنما روي هذا خصيف عن مقسم عن ابن عباس قال: " مسح عليه
السلام ولا أدري قبل المائدة أو بعدها "، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة
وأبي عن حديث رواه عبيد بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن قتادة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح فقال: هو خطأ؛ إنما
هو موسى بن سلمة عن ابن عباس موقوف، وقال أبو الحسن في الأفراد: تفرد
به محمد بن مسكان عن إبراهيم بن الحسن المقتسمي عن حجاج عنه عن
عطاء عنه، وفيما أوردناه قبل يرد قوله، اللهم إلا إن أراد التفرد بالنسبة إلى
طريق عطاء. وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح على
الخفين ذكر الميموني: أنه سأل أبا عبد الله فقلت: حدثوني عن الحسن بن
عمارة عن عطية عنه، فقال: وينبغي لأحد أن يحدّث عن الحسن بن عمارة
ليس بصحيح. وحديث مسلم أبي عوسجة قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بال ثم توضأ ومسح على خفيه ". رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب معرفة
الصحابة (1) عن سليم بن أحمد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن محمد بن
جعفر الوركاني ثنا أبو الأحوص عن سليمان ابن قرم عن عوسجة بن مسلم
عن أبيه، ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن إسحاق ثنا مهدي بن
حفص ثنا أبو الأحوص، ولفظه قالت: " سافرت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان
يمسح على الخفين ". قال البزار: وهذا الحديث إنما يروي عن عوسجة عن أبيه
عن علي قال: " سافرت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وأخطأ فيه ابن مهدي فجعله
سافرت مع النبي- عليه السلام- وإنّما سافر مع علي. انتهى. وما أسلفناه من
__________
= باب ما جاء في المسح على العمامة.
ورواه البخاري في: كتاب الوضوء، 48- باب المسح على الخفين، (ح/204، 205) .
والنسائي في: كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين (1/81) .
ورواه الدارمي في: 1- كتاب الطهارة، 38- باب المسح على العمامة، (ح/710) . واللفظ له.
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 626.(1/631)
عند أبي نعيم فيرى مهديا، والله تعالى أعلم (1) . وحديث أبي هريرة: " قال لي
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضئني. فأتيته بوضوء فاستنجى ثم أدخل يده في التراب
فمسحها به، ثم/غسلها ثم توضأ، ومسح على خُفيه فقلت: يا رسول الله،
رجليك لم تغسلها! قال: " إني أدخلتهما وهما طاهرتان " (2) . رواه ابن زياد
النيسابوري عن الرقادي وابن الجنيد قالا: ثنا أبو أحمد ثنا أبان بن عبد الله
العجلي حدثني مولى لأبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يذكره ثنا علي بن
سهل ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا الرمحي بن خالد عن ابن أبيِ ذئب
عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة به مختصرا وقال: مسلم في كتاب
التمييز، وهذه الرواية عنه ليست بمحفوظة، وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لثبوت الرواية عنه بإنكار المسح من رواية أبي زرعة وأبي رزين
عنه، وأنّ ممن أسند ذلك عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واهي الرواية أخطأ فيه إما سهو
وإما يتعمد. وحديث ابن غالب الكندي ذكره أبو نعيم في كتاب الصحابة
تأليفه. وحديث أبي بن العشر الدارمي رواه ابنه، وقال: ثم توضأ ومسح على
خفيه فقلت له في ذلك فقال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله. ذكره ابن عساكر في
ترجمة علي بن أحمد من حديث محمد بن عبد الله السوسي. ثنا أبو عمر
الضرير ثنا حماد بن سلمة عنه قال: أبو عمر روى عن أبي هريرة إنكار المسح
قال: وقد جاء عنه بإسناد حسن خلاف ذلك وموافقة غيره، قال ابن المنذر:
قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عندنا خلاف، وإنّ الرجل يسألني
عن المسح فأرتاب منه أن يكون صاحب هوى قال أبو بكر في ذلك: أن كل
من روي عنه من الصحابة كراهة المسح فقد روي عنه غير ذلك، قال البيهقي:
وإنما بلغنا كراهة ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة، فأمّا الرواية
عن علي سبق الكتاب المسح على/ الخفين، فلم يرو ذلك عنه بإسناد موصول
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) ضعيف جدا. رواه الدارقطني (1/149) والمجمع (1/254) وعزاه إلى أحمد، وفيه رجل
لم يسم.
قلت: وعلى هذا الرجل الذي لم يُسم فالحديث ضعيف جدا. حيث الرجل الذي لم يُسم ليس
بصحابيا ولا من الجيل الأول من التابعين. حيث جهالة الصحابي لا تضر.(1/632)
يثبت مثله، وأمّا عائشة؛ فإنها كرهت ذلك ثم ثبت عنها أنّها أحالت بعلم
ذلك على علي فأخبر علي بالرخصة في ذلك، وأمّا ابن عباس؛ فإنما كرهه
حين لم يثبت مسح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد نزول المائدة، فلما ثبت له رجع إليه. انتهى
كلامه. وقد أسلفنا عن أبي هريرة أيضا إنكاره وأما ما روي عن عائشة
فضعيف أيضا في غاية الضعف نص عليه ابن الجوزي في كتاب العلل المتناهية
في الأخبار الواهية، قال أبو عمر: ولا أعلم أحدا من الفقهاء روي عنه إنكار
المسح إلا مالكا والروايات الصحاح عنه بخلاف ذلك، وقال الألوسي: المسح
جائز عند جمهور العلماء، وقال بعض الناس: لا يجوز؛ لأنّ الله تعالى ذكر
الأرجل دون الخفاف فلا يزاد على الكتاب بخبر الواحد. ونحن نقول: إنّما
أردنا بسنة جاءت لغو ليمس لذلك. قاله أبو حنيفة قال: وهي مشتهرة مثل
التواتر، وفي نسخة أخرى قريبة من التواتر حتى قال أبو يوسف: يجوز نسخ
القرآن بمثل خبر المسح على الخفين ولكنّا لم ننقلها؛ لأنّ الإجماع المنعقد اليوم
أغنانا عن الاحتجاج بالأخبار، وأمّا قول أبي عمر لا أعلم أحدا من الفقهاء
روى في إنكار المسح إلا مالكا؛ ففيه نظر إن أراد من كان فقيها من التابعين
فمن بعدهم؛ لما ذكره ابن أبي شيبة من أنّ مجاهد كان يكره ذلك، وسعيد بن
جبير، وعكرمة، وفي كتاب الآجري عن أبي داود: جاء زيد بن أسلم إلى
ربيعة بن أبي عند الرحمن فقال: أمسح على الجوربين فقال ربيعة ما صح عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه مسح على الخفين يلفّ على خرقتين ومن آداب لبس الخف
نفضه لقوله عليه الصلاة والسلام: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يلبس خفه حتى ينفضه " (1) . ذكره النيسابوري في كتاب شرف المصطفى،
وقال: إنّما قال ذلك لأنه دعا بخفه ليلبسه فلبس أحدهما ثم جاء/غراب
فاحتمل الآخر فخرجت منه حّية، وكان له عليه الصلاة والسلام أربعة أزواج
__________
(1) رواه الطبراني (8/162) والكنز (41612) والمغني عن حمل الأسفار (2/157) وإتحاف
(6/423) والمجمع (5/140) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه هاشم بن عمرو ولم
أعرفه إلا أن ابن حبان ذكر في الثقات هاشم بن عمر في طبقته، والظاهر أنه هو إلا أنه لم
يذكر روايته عن إسماعيل بن عياش وشيخ إسماعيل في هذا الحديث شامي فرواته ثقات وهو
صحيح إن شاء الله.(1/633)
خفاف أصابها من خيبر. ذكره نعيم بن حماد وخفان ساذجان أهداهما له
النجاشي كما تقدّم، ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث عكرمة عن
ابن عباس قال: لم يروه عن عكرمة إلا سعيد بن طريف الإسكافي. تفرّد به
حبان بن عليّ ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإِسناد.(1/634)
55- باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر
حدثنا محمد بن يسار حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم قال:
سمعت القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال: سألت عائشة عن المسح
فقالت: ائت عليا فإنه أعلم بذلك مني فأتيت عليا- رضي الله عنه- فسألته
عن المسح فقال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن يمسح المقيم يوما وليلة
وللمسافر ثلاثة أيام ". هذا حديث رواه مسلم (1) في صحيحه مرفوعا، ورواه
أبو عبد الرحمن النسائي موقوفا عن يعقوب بن إبراهيم ثنا شعبة عن الحكم به
قال: فسألته فقال: " ثلاث ليال للمسافر ويوما وليله للمقيم "، ولما رواه ابن
حبان (2) في صحيحه من حديث محمد بن يحيى بن سعيد حديث أبي
حدثني شعبة به موقوفا، قال: ما رفعه عن شعبة إلا القطان وأبو الوليد
الطيالسي، وخرجه ابن منده من حديث أبي معاوية عن الأعمش وفيه فقال:
" كان النبي يأمرنا أن نمسح " (3) . ورواه البيهقي من جهته أيضا وفيه: " كنا
نمسح على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) ، وقد وقع لنا حديث أبي معاوية عاليا، ثنا
الإمام تاج الدين أحمد بن علي القشيري- رحمه الله تعالى- قراءة عليه وأنا
أسمع أنبأ الإمام أبو الحسن على بن هبة الله ثنا الإِمام الحافظ أبو طاهر السلفي
قراءة عليه ثنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل ثنا أبو سعيد محمد/بن موسى بن
الفضل الصيرفي ثنا محمد بن يعقوب الأصم ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو
معاوية به مرفوعا وقال ابن مندة: هذا حديث مشهور عن الأعمش، ورواه
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/85) والبيهقي (1/272) والنسائي (1/84)
وشرح السنة (1/461) وأبن أبي شيبة (1/177) وابن عساكر في " التاريخ " (6/318)
والكنز (27610) وابن ماجة (552) .
(2) صحيح. رواه ابن حبان: (2/311) من حديث خزيمة بن ثابت.
(3) صحيح. رواه أحمد (1/113) والحلية (6/83) .
(4) ضعيف. المطالب (106) والمجمع (1/258) من حديث ابن مسعود، وفيه سليمان بن
بشير وهو ضعيف.(1/635)
زيد بن أبي أنيسة عن الحكم ويحيى بن سعيد عن شعبة جميعا عن الحكم
بإسناده نحوه مرفوعاً، وأخرجه مسلم والجماعة، وتركه البخاري، وقد روي
من حديث أبي إسحاق البيهقي عن القاسم مرفوعا وموقوفاً وقد رفعه جماعة
منهم سوى من تقدّم، وفي علل الخلال قيل لغندر: كان شعبة رفعه وقال:
كان يرى أنّه مرفوع ولكنه كان يهابه، وقال يحيى: حديث القاسم في المسح
صحيح، وهو ثقة شامي، وشريح ثقة كوفي انتقل إلى الشام، ولما ذكر الحربي
الاختلاف في رفعه ووقفه قال: والقول قول شعبة والأعمش ومن وافقهما،
وروي من حديث أبي ظبيان عن علي مرفوعاً وموقوفاً وقد رفعه من قول النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواه تمام بن محمد الرازي في فوائده من حديث بسرة ابنة صفوان ثنا
أبو عمرو البزار حفص بن سليمان عن أبي حصين عن أبي ظبيان عنه قال
الحافظ أبو الحسن في كتاب العلل: وسئل عنه تفرّد به القاسم والمقدام بن
شريح كلاهما عن شريح، فأمّا القاسم؛ فرواه عنه الحكم واختلف عنه فأسنده
عنه عمرو بن قيس الخلاله وزيد بن أبي أنيسة، وعبد الملك بن حميد بن أبي
عتبة، وأبو خالد الدالاني، والقاسم بن الوليد الحمداني، وإدريس بن يزيد
الأودي، واختلف عن الأعمش؛ فرواه أبو معاوية الضرير، وعمرو بن عبد
الغفار عن الأعمش عن الحكم، ورفعاه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالفهما زائدة بن
قدامة وعلي بن غراب وأحمد بن بشير عن الأعمش فوقفوه على علي ولم
يرفعوه، وروي عن أزهر السّمّاك عن ابن عوف وعن سليمان التيمي عن
الأعمش مرسلا وموقوفاً أيضاً، ورواه ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومحمد بن
عبيد الله العروقي، وحجاج بن أرطاة عن الحكم رفعوه/إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورواه
الأصلح ومالك بن مغول وأبو حنيفة عن الحكم موقوفاً، واختلف عن شعبة؛
فرواه يحيى بن سعيد القطان عنه مرفوعا، وتابعه أبو الوليد من رواية أبي حنيفة
عنه، وقال غندر عن شعبة: أنه كان برفعه ثم شك فيه وأما أصحاب شعبة
الباقون فرووه عن شعبة موقوفاً، ورواه ليث بن أبي سليم عن الحكم فأسقط
منه القاسم بن مخيمرة، واختلف عن ليث؛ فرواه سنان عنه عن الحكم عن
شريح عن عليّ عن هلال، وخالفه معتمر؛ فرواه ليث عن الحكم وحبيب
وشريح عن هلال لم يذكر عليا، وذكر هلال في حديث شريح وهم من(1/636)
ليث باتفاق أصحاب الحكم على ترك ذكره، ولموافقة أصحاب شريح لترك
ذكره، وروي هذا الحديث أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه؛ فرواه الثوري
عن أبي إسحاق عن القاسم عن شريح عن علي مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتابعه
حماد بن شعيب عن أبي إسحاق وتابعهما أيضا محمد بن مصعب القرضاني
ولم يكن حافظا، فرووه عن مالك بن مغول وإسرائيل وزهير وأبي عوانة عن
أبي إسحاق نرفعه أيضا، وخالفه أصحاب زهير وإسرائيل فرووه عنهما عن أبي
إسحاق موقوفا، وكذلك رواه أبو الأحوص ويونس بن أبي إسحاق والحسن بن
صالح ويزيد بن أبي زياد عن أبي إسحاق موقوفا، وقد سمعه أيضاً يزيد عن
أبي زياد من القاسم من مخيمرة موقوفاً أيضاً، ورفعه ابن عيينة بن يزيد بن أبي
زياد ووقفه غيره أيضا عنه، ورواه الحسن بن الحسن عن القاسم فرفعه عنه
محمد بن أبان ووقفه زهير، ورواه عبدة بن أبي لبابة عن القاسم عن شريح
عن علي موقوفا، ورواه المقدام بن. شريح بن هانئ عن أبيه عن علي فاختلف
عنه فرفعه عنه شريك وشعبة من رواية أبي قتادة الحراني وحده عنه، ووثقه عنه
مسعر ورواه عبد/الملك بن أبي سليمان عن ابن شريح بن هانئ ولم يسمعه
عن أبيه عن علي مرفوعاً، وقيل: إن الذي روي عنه عبد الملك هو محمد بن
شريح بن هانئ أخو المقدام، ورواه العباس بن ذريح عن شريح عن علي موقوفا
أيضا، ورفعه صحيح؛ لاتفاق أصحاب الحكم الحفاظ الذين قدمنا ذكرهم من
الحكم على رفعه، والله تعالى أعلم.
حدّثنا علي بن محمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي عن
عمرو بن ميمون عن خزيمة بن ثابت قال: " جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسافر
ثلاثا، ولو مضى السائل على مسألة لجعلها خمسا " (1) . ثنا محمد بن يسار
وثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة بن كهيل سمعت إبراهيم التيمي يحدّث عن
الحرث بن سويد عن عمرو بن ميمون عن خزيمة بن ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" ثلاثة أيام أحسبه قال: ولياليهن للمسافر في المسح على الخفين ". هذا
حديث خرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه (2) عن أبي يعلى ثنا أبو خيثمة
__________
(1) قلت: وقد سقطت بعض ألفاظ هذا الحديث من " الأصل " وأثبتناه من " الثانية ".
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 86- باب ما جاء في التوقيت=(1/637)
عن جرير عن منصور عن إبراهيم عن عمرو عن أبى عبد الله الجدالي عن
خزيمة قال: " رخص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمسح ثلاثا ولو استزدناه لزادنا ".
وفي حديث أبي نعيم ثنا سفيان عن أبيه عن إبراهيم: " جعل عليه الصلاة
والسلام المسح على الخفّين ثلاثة أيام للمسافر ويوما وليلة للمقيم ولو مضى
السائل على مسألة لجعلها خمسا ". وفي حديث أبي عوانة عن سعيد بن
مسروق عن إبراهيم أن أعرابيا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسح فقال: " للمسافر
ثلاثا وللمقيم يوما وليلة " (1) . وفي مسند البغوي الكبير ثنا أبو معاوية ثنا
الحجاج عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن هرم- أو قال: هرمي- عن
خزيمة العنسي مرفوعا: " يمسح المسافر على خفيه ثلاثة أيام والمقيم يوما
وليلة " (2) . ولا رواه أبو الحسن في الأفراد، ومن حديث أبي عبد الله الجدلي
عن خزيمة قال: غريب من حديث أبي بشر جعفر بن أياس عن أبي معشر.
تفرد به روح/بن عطاء بن أبي ميمونة، وغريب من حديث القاسم بن الوليد
عن الحرب. تفرد به عبيدة بن الأسود بن سعيد عنه، ورواه الشعبي، وتفرد به
أبو حاتم سويد بن إبراهيم عن حماد عنه، وتفرد به الكرماني بن عمر وعبدة
يرويه عن حماد عن إبراهيم والداخل عن الشعبي، ورواه داود ابن علية عن
مطرق عن الشعبي عنه، وتفرّد به داود عن مطرف، ورواه عمر بن صالح عن
حماد، وهو غريب من حديث هشام بن حسان عنه. تفرّد به عنه عمرو بن
حمدان، ورواه عمرو ابن ميمونة عن الجدلي، وتفرّد به ابن عينية عن عمر بن
سعيد الثوري عن أبيه سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو، ورواه
حماد عن إبراهيم، وتفرّد به أبو حمزة السكري عن رقية عنه، ورواه عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة من حديث الحكم عنه، وهو غريب من
حديث. تفرّد به عبد العزيز بن المطلب عن ابن أبي ليلى عن الحكم عنه، وقال
__________
= في المسح للمقيم والمسافر، (ح/555) . وصححه الشيخ الألباني.
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (555) والترمذي (95) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والطبراني (4/96، 106) والخطيب (6/377) وابن عدي في " الكامل " (3/1120،
1125) وأصفهان (1/120، 164، 2/274) وأحمد (1/96، 4/240، 5/213،
214) والبيهقي (1/276، 282) والحلية (2/298) وابن عدي (2/656، 3/908) .
(2) صحيح. رواه أحمد (5/213) وصححه الشيخ الألباني، وعبد الرزاق في " المصنف " (798)
وأخبار أصفهان (1/124) والطبراني في " الكبير " (8/69) والبيهقي في " الكبرى " (1/278) .(1/638)
أبو عيسى: وخرجه من حديث أبي عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم،
وهذا حديث حسن صحيح، وذكر عن يحيى بن معين أنه صحيح حديث
خزيمة في المسح قال: وروي الحكم بن عيينة وحماد عن إبراهيم عن أبي
عبد الله الجدلي عن خزيمة ولا يصح، قال ابن المديني: قال يحيى: قال شعبة:
لم يسمع إبراهيم من أبي عبد الله الجدلي حديث المسح، وقال زائدة عن
منصور: كنا في حجرة إبراهيم التيمي أيضاً وإبراهيم النخعي يحدّث عن
التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المسح، وقال في كتاب العلل: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: لا
يصح عندي حديث خزيمة في المسح؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي
سماع من خزيمة بن ثابت، وحديث عمرو بن ميمون عن الجدلي هو أصح
وأحسن. ثنا القاسم بن محمد ثنا مالك بن إسماعيل ثنا داود ابن علية عن
مطرف عن الشعبي عن الجدلي عن خزيمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... /الحديث. سألت
محمداً عن هذا الحديث فقال: إنّما روي هذا الحديث داود عن مطرف عن
الشّعبي ولا أرى هذا الحديث محفوظا ولم يعرفْه إلا من هذا الوجه، ورواه
الإِمام أحمد عن وكيع عن سفيان عن حماد، ومنصور عن إبراهيم عن الجدلي
عن خزيمة، قال عبد الله: قال أبي: هذا خطأ؛ كانه أراد الخطأ في رواية
منصور عن إبراهيم على هذا الوجه لا في رواية حماد؛ فإن الصحيح في
حديث منصور رواية عمرو بن ميمون- يعني: ما قدّمناه- وزاد الخلاّل: قال
أبو عبد الله: فلم يستزيدوه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزد، وخرّجه ابن الجارود في
كتاب المنتقى من حديث الحكم وحماد عن إبراهيم، وقال الطوسي في كتاب
الأحكام: ورواه من حديث المبارك بن سعيد أخي سفيان عن إبراهيم عن أبي
عبد الله فقال: هذا حديث حسن صحيح، وأعلّ ابن حزم خبر خزيمة بالجدلي
قال: كان حامل راية المختار ولا يعتمد على روايته، ثم لو صح لم يكن لهم
فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أباح المسح أكثر من ثلاث، ولكن في
الخبر من قول الرازي، ولو تمادى السائل لزادنا ولم يتمادى فلم يزدهم شيئا،
وبنحوه قال البيهقي، والخطابي، وفي موضع آخر قال البيهقي: إسناده
مضطرب، وفي علل ابن أبي حاتم رواه سعيد بن مسروق، وسلمة بن كهيل
ومنصور، والحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن عمرو بن ميمون، ورواه(1/639)
الحكم بن عيينة، وحماد بن أبي سليمان، وأبو معشر، وشعيب بن الحجاب،
والحرث العكلي عن النخعي عن الجدلي، فقال أبو زرعة: الصحيح من حديث
إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي، والصحيح من حديث النخعي
عن الجدلي بلا عمرو بن ميمون، وفي معجم الطبراني الأصغر: ما يعلو هذا
القول وذلك أنه رواه من حديث أسيد بن زيد ثنا عبد الله بن رجاء الغداني
ثنا شعبة عن الحسن، وحماد ومغيرة ومنصور عن إبراهيم/النخعي عن الجدلي
وقال: لم يروه- يعني: هكذا- إلا أن رجاء. تفرد به أسيد. وفي كتاب
الأحاديث المعللة يعلي المديني رواية الساعدي ثنا سفيان منصور عن إبراهيم
التيمي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة: " رخص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
" الحديث.
قال علي: ذهب عني هذه المرة رفع هذا الحديث ولكن سفيان قال فيه: ثنا
منصور قال علي: قيل لسفيان فيه: والمقيم يوم وليلة قال: هكذا أنبأ منصور
قال علي: فروى هذا الحديث سفيان وحرم وعبد العزيز كلهم عن منصور عن
إبراهيم، فأسندوا إسنادا واحدا، وتابع سعيد بن مسروق منصورا على إسناده
وزاد فيه: " وللمقيم يوما وليلة ". ثنا سلمة بن كهيل عن إبراهيم فأدخل بين
عمرو، وإبراهيم بن الحرث بن سويد وترك بين عمرو وبن خزيمة أبا عبد الله
الجدلي، وروي سفيان هذا الحديث عن سلمة بن كهيل مخالف شعبة وإسناد
منصور وسعيد بن مسروق عن سلمة بن كهيل عن التيمي عن الحرث بن
سويد عن عبد الله قال: " يمسح المسافر ثلاثا ".
وقال الحرث بن سويد: ما أخلع حتى آتي فِراشي. قال علي: وزاد الأعمش
كلام الحرث هذا فأخبره في آخر الحديث: ثنا حماد بن أسامة قال الأعمش
عن إبراهيم: سألت الحرث بن سويد عن المسح على الخفين فقال: أمسح قال:
قلت: وإن دخل الخلاء؟ قال: وإن دخل الخلاء في يوم عشر مرات. قال: على
خفت أنا أن لا يكون الأعمش سمع هذا من التيمي؛ لأنه يروى أحاديث عن
عن رجال ثم يدخل بينهم وبينه سلمة بن كهيل فأردت أن أعلم أسمع هذا
من التيمي أم لا؛ فحدّثنا يحيى بن آدم ثنا يزيد بن عبد العزيز ثنا إبراهيم قال:
سمعت الحرث، قال علي: وروى هذا الحديث يزيد بن أبي زياد فخالفهم فيه(1/640)
جميعا. انتهى. وكذا قاله الطبراني في الأوسط والبيهقي، وهو إسناد مضطرب
رجع ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن الحرث/
ابن سويد عن عمر قال: " يمسح المسافر على الخفين ثلاثا ". قال علي: فلما
اضطرب هذا الحديث من حديث التيمي واختلفوا عنه في إسناده أردت أن
أعلم من رواه من طريق خزيمة؛ لأنه أصل من الأصول. ثنا يحيى بن سعيد ثنا
سفيان حدثني حماد عن إبراهيم عن الجدلي عنه؛ فلما روي هذا حماد بن أبي
سليمان عن إبراهيم النخعي، وسقط عن منصور والأعمش وهما صاحبا إبراهيم
فأحببت أن أعلم هل وعاه أحد من إبراهيم النخعي، فوجدته عن الحكم بن
عيينة وأبي معشر، ووجدناه من حديث الشّعبي عن الجدلي ثنا به شهاب بن
عباد ثنا داود ابن علية عن مطرف عنه، ورواه أبو بكر وعثمان أنبأ أبي شيبة
عن وكيع ثنا سفيان عن منصور والأعمش ومغيرة عن إبراهيم عن الجدلي عن
خزيمة قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على خفيه ". وفي حديث
الملائي عن حماد: " أمر النبي- عليه السلام- بالمسح على الخفين " (1) ، ثم
نظرنا فإذا هشام بن حسان يحدّث به عن عمرو بن صالح عن حماد عن
إبراهيم عن الجدلي، ثم نظرنا فإذا علي بن الحكم يُحدِّث به عن حمّاد، ثم
نظرنا فإذا هشام يحدث به عن شعيب بن الحباب عن إبراهيم، ثم نظرنا فإذا
قتادة يحدّث به عن الجدلي، وأنكرنا أن يكون قتادة سمع من الجدلي ثنا
محمد بن مرزوق ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الجدلي وحدثني
محمد بن حرب ثنا عاصم بن علي ثنا همام عن قتادة أن الجدلي حدّث عن
خزيمة فعلمنا أنّ قتادة لمم يسمع من الجدلي؛ لأن هماما قال عن قتادة أن
الجدلي: ثم أحببت أن أعلم أن قتادة حدّث به عن أحد فنظرنا، فإذا قتادة
يحدّث به عن أبي معشر عن إبراهيم ثم أحببت أن أعلم أنّ أحدا وافق
عمرو بن عاصم عن همام، فنظرنا فإذا ابن أبي عروبة قد وافقه، وأحببت أن
أعلم هل أحد رواه عن أبي معشر عن قتادة، فنظرنا فإذا قد رواه أبو بشر عن
أبي معشر عن إبراهيم، ثم نظرنا فإذا الحرث العكلي يحدّث عن إبراهيم عن
الجدلي/. انتهى. وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن العكلي إلا القاسم
__________
(1) رواه أحمد (6/27) والبيهقي (1/275) والكنز (27683) وا لإِرواء (1/138) .(1/641)
بن الوليد ولا عن القاسم إلا عبيدة. تفّرد به عبد الله بن عمر بن أبان رجع،
ثم نظرنا فإذا سفيان قد حدّث به عن منصور عن إبراهيم، وإنما حدِّث به
سفيان عن أبيه، ثم نظرنا فإذا الحسن بن عبيد الله يحدّث به عن التيمي عن
عمرو عن الجدلي، ثم نظرنا فإذا عمرو بن ميمون يحدّث به عن أبي بردة ثنا
علي بن مسلم المؤدب ثنا يحيى بن يعلي المخاربي ثنا زائدة قال منصور: كنّا
في حجرة إبراهيم ومعنا التيمي ثنا عمرو بن ميمون عن أبي بردة بهذا الحديث
عن أبيه، قال: " جعل لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثا ولو استزدناه لزادنا "، ثم
نظرنا فإذا عمرو بن ميمون يحدّث به علي بن ربيعة الأسدي عن الجدلي، ثم
نظرنا فإذا الحكم يحدّث به عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة ثنا عبد
الله بن سعد بن إبراهيم الزهري ثنا يعقوب ابن إبراهيم بن سعد ثنا عبد
العزيز بن المطلب عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن به
فأحببت أن أعلم أن أحدا- يعني: عبد العزيز بن المطلب- غير يعقوب،
فنظرنا فإذا سليمان بن بلال يحدّث به عن عبد العزيز، وكفي بسليمان بن
بلال، قال- يعني: الباعندي-: حدّثني محمد بن المطلب بن عبد الله بن
سالم ثنا أحمد بن سفر ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن صالح عن حماد عن
إبراهيم عن الجدلي حدثني محمد بن إسماعيل البخاري ثنا أيوب بن
سليمان بن بلال ثنا أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد
العزيز بن المطلب عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم بن عيينة
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن خزيمة قال- يعني: ابن المديني-: ثم
أحببت أن أعلم أنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدّث عن خزيمة بن ثابت
بشيء، فنظرنا فإذا السدى قد حدّث عن عبد الرحمن عن خزيمة قال- يعني:
الباغندي- ثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي ثنا عمر بن
طلحة العباد ثنا أسباط/بن نصر السدي عن عبد الرحمن قال: كنت بصفين
فرأيت رجلا راكبا متلثما قد أخرج لحيته من تحت عمامته فرأيته يقاتل الناس
قتالا شديدا يمينا وشمالا، فمر يده على عمامته ثم قال: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " قاتل مع من قاتل عليا وأنا خزيمة بن ثابت " (1) ، ورواه النسائي
من الأبواب عن أحمد بن منصور ثنا يزيد بن أبي حكيم عن سفيان عن سلمة
عن التيمي عن الحرث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال: " ثلاثة أيام(1/642)
للمسافر ويوم وليله للمقيم "، ورواه في الأوسط (1) من حديث أبي معشر عن
جعفر بن أبي وحشية عن إبراهيم لم يروه عن معشر إلا روح بن عطاء بن أبي
ميمونة. تفرّد به أزهر بن مروان. ومن حديث عمرو بن عبيد عن أبي معشر
عن إبراهيم وقال: لم يروه عن عمرو إلا عمر بن أبي عثمان الواسطي، وروى
الحسن بن رشيق عن علي بن سعيد عن أبي كريب عن بكر بن عبد الرحمن
عن ابن عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي
الزبير عن جابر عن خزيمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسح: " إذا أدخل قدميه وهما
طاهران ". وقال في الأوسط (2) : لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن مسروق
عن إبراهيم التيمي إلا عمار بن زريق، ورواه الثوري وأخوه عمر بن سعيد وأبو
عوانة وأبو الأحوِص وغيرهم عن سعيد بن مسروق عن عمرو بن ميمون عن
الجدلي. انتهى. أمّا ما أعلّه به أبو محمد بن حزم فليس بعلّة؛ لأنّ أبا عبد الله
الجدلي معروف بالثقة والعدالة، فممن وثّقه الإِمام أحمد وابن معين والبستي،
ولم أر فيه طعنا لمتقدم وكونه كان حاملا راية المختار لا ضرر عليه فيه؛ لأنه
قد ذكر مثل ذلك عن أبي الطفيل ولم يضره أيضا، وسببه أنّ المختار كان أوّل
خروجه يظهر إلا حدثنا الحسين- رضي الله عنه- فلهذا تبعه من القراء
الكبار، وقد حكى الطبري أن من جملة من كان قائما بأمره أخته (3) صفية
زوج عبد الله بن عمرو أن عبد الله كان يشفع/له عند الأمراء، وكذلك
__________
(1) الموضح: (1/277) .
(1) راجع: مجمع الزوائد (1/258) لابن مسعود روايتان:
الأولى: عزاه للبزار والطبراني في " الكبير " موقوف، وفيه يوسف بن عطية الكوفي ونسب إلى الكذب. الثاني: عزاه للبزار وفيه سليمان بن بشير وهو ضعيف.
وفي (ص 259 ج 1) عزاه للطبراني في " الأوسط " وفيه أيوب بن سويد وهو ضعيف، ولكن
ذكره ابن حبان في الثقات وقال رديء الحفظ يخطئ.
(2) أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/260) وعزاه للطبراني في " الكبير " وفيه ابن
أبي ليلى محمد وهو سيء الحفظ.
ورواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب للتوقيت في المسح، (ح/157) .
(3) قوله: " أخته " وردت " بالأصل " " أخيه " وهو تصحيف، والصحيح ما ورد في
" الثانية " وكذا أثبتناه.(1/643)
الشعبي، وأما زيادة من زاد عمرو بن ميمون، والحرث بن سويد فالحكم لهم،
وأمّا سقوطهما فلا يضر أيضا لمعرفتنا بأنهما هما؛ لثقتهما وعدالتهما؛ لأنّ
مقتضى المشهور من حكم المحدّثين أن يحكم بالزيادة ويجعل ما بين إبراهيم
وعمرو منقطعا؛ لأن الظّاهر أنّ الإنسان لا يروي حديثا عن رجل عن ثالث
وقد رواه هو عن ذلك والثالث لقدرته على إسقاط أواسطه، ولكن إذا عارض
هذا الظاهر دليل أقوى منه عمل به كما فعل في أحاديث حكم فيها بأنّ
الراوي علا وترك في حديث واحد، فرواه على الوجهين، وفي هذا الحديث قد
ذكرنا زيادة زائدة وهي أنّ التيمي قال: ثنا عمرو بن ميمون فصرح بالتحدّيث
فمقتضي هذا التصريح لقائل أن يقول: لعلّ إبراهيم سمعه من عمرو ومن
الحرث بن سويد عنه، ووجه أخر: وهو أن يقال إن كان متصلا فيما بين
التيمي وعمرو فذلك وإن كان منقطعا فقد تبيّن الواسطة وهو من أكبر الثقات،
وأمّا من أعله برواية يزيد بن أبي زياد فتعليل ضعيف؛ لأنه إنّما تعليل رواية إذا
اتحدا في الصحة حديث يزيد ليس كذلك لضعفه، وأمّا تعليل البخاري
الحديث بانقطاع ما بين أبي عبد الله وخزيمة؛ فهي طريقة له مشهورة وهي
بثوت السماع للراوي من المروي عنه ولو مرة، وقد أطنب مسلم في ردِّ هذه
المقالة واكتفي بإمكان اللقاء، وإلى هذا نجا البستي ومن تابعه في تصحيحه،
وذلك أنّ خزيمة توفي بصفين وسن الجدلي إذ ذاك سن الرجل على ما ذكره
الطبري وغيره، ولما عضد حديث التيمي عن الحرث بن سويد من شواهد
ومتابعات، والله تعالى أعلم. من ذلك حديث عوف بن مالك الأشجعي أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيّام ولياليهن
للمسافر ويوما وليلة للمقيم " (1) . ثنا به ابن دقيق العيد- رحمه الله تعالى-
قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا العلامة/أبو الحسن علي بن هبة الله الشافعي
ثنا الحافظ أبو طاهر السلفي قراءة عليه ثنا الرئيس أبو عبد الله ثنا هلال بن
محمد بن جعفر ببغداد ثنا الحسين بن يحيى بن عباس ثنا إبراهيم بن معشر ثنا
هشيم عن داود بن عمرو عن يسير بن عبيد الله عن أبي إدريس ثنا عوف بن
مالك به قال عبد الله: سمعت أبي حين حدّث بحديث عوف وهو من أجود
حديث في المسح على الخفين؛ لأنه في غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها النبي
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.(1/644)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخر فعله وسبق تحسين البخاري له، وقال الطبراني في الأوسط: لا
يروي هذا الحديث عن عوف إلا بهذا الإسناد. تفرد به هشيم. وحديث أبي
هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن
وللمقيم يوما وليلة " (1) . رواه أبو عيسى في كتاب العلل عن محمد بن
حميد ثنا زيد بن حبان عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عنه وقال: سألت محمدا عنه فقال: عمر بن أبي خثعم
منكر الحديث ذاهب وضعف حديث أبي هريرة في المسح، وقد تقدّم ذكره
في الباب قبل، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف ثنا وكيع عن جرير بن أيوب
عن أبي زرعة بن عمرو عنه ولفظه: " إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه
وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاثا للمسافر ويوم للمقيم "، وجرير متروك
الحديث نكره، وحديث عمر بن الخطاب قال: " سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر
بالمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة ". رواه أبو
يعلى (2) الموصلي عن أبي كريب ثنا زيد بن حباب ثنا خالد بن أبي بكر هو
العمري ثنا سالم عن ابن عمر عنه، وبنحوه رواه الدارقطني وحديث أبي بكرة
نسخ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنّه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما
وليلة إذا تطّهر ولبس خفيه فليمسح عليهما " (3) . رواه ابن الجارود في منتقاه
وابن حبان في صحيحه عن الخليل بن محمد الواسطي ثنا محمد بن عبد
الوهاب ثنا عبد/الوهاب الثقفي بن المهاجر بن مخلد عن عبد الرحمن بن أبي
بكرة عن أبيه وقال الترمذي (4) . عن محمد، وحديث أبي بكرة حسن
صحيح، وخرجه البيهقي في سننه عن أبي عبد الله الحافظ وأبي سعيد بن أبي
عمرو عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن الحسن بن علي بن عفان عن
زيد بن حباب عن عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن
أبهما بكرة عن أبيه، وهو أجل إسنادا من سند ابن حباب لمكان الحذاء بدل
__________
(1) شرح السنة: (1/183، 179) .
(2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) كما في الحاشية السابقة.
(4) انظر سنن الترمذي: (1/195 تحت ح/95 وتعليق الترمذي عليه) .(1/645)
المهاجر إلا أنّ البيهقي قال: وهذا الحديث رواه الجماعة عن عبد الوهاب
الثقفي عن المهاجر، ورواه زيد بن حباب عنه عن خالد؛ فإمّا أن يكون غلطا
منه أو من الحسن/بن علي، وإمّا أن يكون عبد الوهاب رواه على الوجهين
جميعا، ورواية الجماعة أولى أن يكون محفوظا وحديث صفوان بن عسال
المرادي قال ابن حبان: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة بخبر غريب ثنا
محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عاصم عن
زر قال: أتيت صفوان بن عسال فقال: ما جاء بك؟ فقلت: جئت أنبط
العلم. قال: فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من خارج يخرج من
بيته يطلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا له بما صنع " (1) . قال:
جئت أسألك عن المسح على الخفين. قال: نعم:" كنا في الجيش الذين
بعثهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على
طهر ثلاثا إذا سافرنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول "، وفي كتاب الأفراد:
وذكره مُطوّلا، ولفظه- يعني: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جيش فأمرني أن أجعل
للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وفي الرابع من إسناد الدارقطني
على أبي الظاهر الذهلي ثنا أبو أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم الأموي الأروي ثنا
أشعث بن عبد الرحمن بن زيد ثنا أبي عن جدّي عن زر فذكره/بلفظ:
" للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة من بول أو غائط إلا من
جنابة "، وقال أبو علي الحسن بن علي بن سفر بن منصور الطوسي في كتاب
الأحكام من تأليفه فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال أبو نعيم: ورواه من
حديث أبي حباب الكلبي عن طلحة بن مصرف أنّ زِرْ بن حبيش أتى صفوان
فقال: ما غدايك الحديث. رواه الجمع الغفير عن عاصم عن زر، وحديث
طلحة تفرّد به يحيى بن فضيل عن الحسن بن صالح، وقال الدارقطني في
كتاب السنن: " ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا " قال: وحدثني علي بن
إبراهيم بن عيسى سمعت ابن خزيمة يقول: ذكرت للمزني خبر عبد الرزاق
__________
(1) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (226) وأحمد (4/240) والبيهقي (1/
282) والطبراني (8/67) والدارقطني (1/197) والترغيب (1/104) وإتحاف (1/96)
وعبد الرزاق (793) والكنز (28748) . في الزوائد: رجال إسناده ثقات. إلا ان عاصم بن
أبي النجود اختلط بآخره. وصححه الشيخ الألباني. انظر: صحيح ابن ماجة.(1/646)
هذا فقال: حدث به أصحابنا؛ فإنه ليس للشافعي حجة أقوى من هذا،
يعني: قوله: " أدخلناهما على طهر ".
وقال الترمذي: سألت محمدا فقلت: أي الحديث عندك أصح في
التوقيت في المسح؟ قال: حديث صفوان. وأشار عمر بن عبد البرّ إلى
حسنه، ورواه النيسابوري عن محمد ثنا عفان ثنا عبد الواحد بن زياد وثنا
محمد ثنا عبيد الله ابن عائشة ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا أبو روق عطية بن
الحارث ثنا أبو العريف عبد الله بن خليفة عن صفوان به وثنا محمد بن
إسماعيل الصايغ بمكة ثنا أبو أسامة ثنا أبو روق به، وذكر ابن السكن أن
الصعق بن حزن رواه عن علّى بن الحكم عن المنهال بن عمرو عن زر عن ابن
مسعود قال: جاء رجل من مراد يقال له: صفوان ذكر هذا الحديث ولم يتابع
عليه، ورواه أبو القاسم في الأوسط (1) من حديث عمرو بن مرة عن صفوان
ثم قال: لم يروه عن عمرو إلا أبو كثير أنّ الحسن بن عقبة الرازي تفردّ به
عبد المجيد، ومن حديث. حذيفة بن أبي حذيفة الأودي عن صفوان، وقال: لم
يروه عن حذيفة إلا الوليد بن عقبة بن بزار العبسي. تفردّ به زيد بن الحباب.
وحديث ابن عباس ذكره النيسابوري في كتاب/الأبواب ثنا إبراهيم بن
مرزوق ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا شعبة ثنا قتادة عن موسى بن سلمة
قال: " سألت ابن عباس قلت: أكون بمكة ثم أصلي قال: ركعتين سنة أبي
القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسألته عن صيام ثلاثة أيام كل شهر، فقال: البيض، كان عمر
يصومها، وسألته عن المسح على الخفين، فقال: ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة
للمقيم فذكرت ذلك لعكرمة، فقلت: أنا نصيب السبايا أنا عتق عن أمي فقال:
نعم. قال: فسألته عن ماء البحر فقال: هو أحد البحرين ". قال النيسابوري:
هذا حديث تام حسن ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا مكي بن إبراهيم ثنا
موسى بن عبيدة عن محمد بن عمر عن عطاء عن ابن عباس، فذكر المسح
فقط، وقد سبق ذكره مرفوعا في الباب قبيله، وتقدّم أيضا في باب الوضوء
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.(1/647)
بماء البحر وأن الحاكم صححه، وقال الدارقطني: الصواب وقفه وحدث يعلى
بن مرّة قال: " كنا إذا سافرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ننزع خفافنا ثلاثا وإذا
أقمنا يوم وليلة " (1) . رواه ابن زياد عن أحمد بن منصور ثنا سليمان بن
عبد الرحمن بن بنت شرحبيل ثنا مروان بن معاوية ثنا عمر بن عبد الله بن
يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جدّه، ورواه الطبراني في الكبير عن عبدان
عن عمرو بن عثمان عن الحمصي عن مروان حدثنى عمرون عبد الله بن
يعلى بن مرّة الثقفي عن أبيه عن جدّه به وقال عقبة: ثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي ثنا سهل بن ريحلة ثنا الصباح بن محارب عن عمرو بن عبد الله بن
يعلى بن مرّة عن أبيه عن جدّه وعن زياد بن علاثة عن أسامة بن شريك أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في المسح على الخفين للمسافر ثلاث وللمقيم يوم وليلة " (2) .
ولفظ عبد الغني بن سعيد في كتاب الإيضاح: " كُنا إذا سافرنا مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ننزع خفافنا ثلاثا فإذا شهدنا فيوم وليلة " (3) /وحديث عمرو الضمري
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " في المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن
وللمقيم يوم وليلة ". ذكره صاحب الأبواب عن محمد بن إسحاق الصنعاني
ثنا محمد بن عمر ثنا قدامة بن موسى عن الزبرقان عن عبد الله بن عمرو بن
أمية عن أبيه، وقد تقدّم من حديثه في الصحيح من غير ذكر التوقيت (4) .
وحديث ابن عمر بن الخطاب: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " في المسح على الخفين
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/260) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى وهو مجمع على ضعفه.
(2) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/260) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
وفيه عمر بن عبد الله بن يعلي وهو مجمع على ضعفه.
(3) ضعيف المصدر السابق. من حديث يعلى بن مرة، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه
عمر بن عبد الله بن يعلي وهو مجمع على ضعفه.
(4) بياض " بالأصل ".(1/648)
للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ". رواه أبو القاسم في الأوسط (1)
عن عبدان بن محمد المروزي ثنا قتيبة بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن
عن الحسن القصاب عن نافع عنه، وقال: لم يروه عن نافع إلا الحسن.
وحديث البراء بن عازب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن
وللمقيم يوم وليلة في المسح على الخفين " (2) . ثنا به المشايخ المسندون أبو
عبد الله محمد بن عبد الحميد وأبو بكر عبد الله بن علي وأبو العباس أحمد
بن عبد المحسن العدوي قال الأولان: ثنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي
بن داود قال الآخر: ثنا فاطمة بنت سعد الخير ثنا فاطمة الجوز وابنه أنبأ ابن
زيدة أنبأ أبو القاسم أنبأ محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا موسى بن الحسن
السلولي ثنا العبسي بن الأشعث عن أبي إسحاق عنه، ولما خرجه الطبراني في
الأوسط قال: لم يروه عن أبي إسحاق إلا الصبي بن الأشعث. تفرد به لسلولي
وحديث أبي مريم قال: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على خفيه وقال:
للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوما وليلة". رواه الحافظ (3) أبو نعيم في كتاب
معرفة (4) الصحابة عن إبراهيم بن محمد بن يحيى عن محمد بن المسيب عن
عاصم بن المغيرة عن عبد الرحمن بن عمرو- يعني بن جبلة- عن خالد بن
عاصم ثنا يزيد بن أبي مريم عن أبيه ثم قال: مالك بن ربيعة السلولي يكنى أبا
مريم/والد يزيد شهد الشجرة وسكن الرقة. وحديث مالك بن سعد أنه سمع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة " (5) وسألته عن
المسح على الخفين فقال: " ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم ". رواه أبو نعيم
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/258) وعزاه إلى أحمد وأبي يعدي
والبزار والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " ورجال البزار والطبراني ثقات.
(2) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/259) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " وفيه الضبي بن الأشعث له مناكير.
(3، 4) سقطت كلمة " الحافظ "، و" معرفة الصحابة " من " الأصل " وأثبتناهما من
" الثانية ".
(5) صحيح. رواه أبو عوانة (2/4) والبغوي (5/108) .(1/649)
عن محمد بن سعد البارودي ثنا عبد الله بن محمد البصري الحمري ثنا
عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة حدثتنا مليكة بنت الحارث المالكية من بنى
مالك بن سعد قالت: حدثني أبي عن جدّي مالك بن سعد وقال أبو نعيم:
مالك مجهول وعداده في أعراب البصرة، وحديث يسار أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" رخص للمسافر في المسح على الخفين والعمامة للمقيم يوم وليلة وللمسافر
ثلاثة أيام وأنه نهى عن الصرف " (1) . ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل
فقال: سألت أبي عن حديث رواه عبد الصمد بن عبد الوارث عن الهيثم بن
قيس عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه عن جدّه فقال أبي: هذا منكر
ثنا به قرة بن حبيب فلم يذكر العمامة وليس ليسار صحبة، وحديث أنس بن
مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المسح على الخفين للمسافر ثلاث وللمقيم يوم
وليلة " (2) أنبأ به الإمام المسند المعمر أبو الحسن علي بن إبراهيم- رحمه الله
تعالى- قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ الإمام العلامة أبو الحسين المصري أنبأ أبو
الطاهر الشقيقى قراءة عليه أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم
الشافعي قراءة عليه أنبأ أبو القاسم علي بن محمد بن عليّ الفارسي أنبأ أبو
أحمد عبد الله بن الناصح ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد القاضي
المروزي ثنا الهيثم بن خارجة ثنا سعيد بن ميسرة به وأنبأ به المسند المعمر عبد
المحسن بن الصابوني- رحمه الله تعالى- قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ جدي أبو
حامد أنا أبو القاسم الأنصاري أنبأ أبو الحسن علي بن المسلم أنبأ أبو نصر بن
طلاب أنبأ بن جميع القتباني أنبأ عدي الآدمي أنبأ أحمد أنبأ عمي يحيى بن
عبد الباقي ثنا العباس بن أبي طالب/ثنا حفص بن عمر ثنا مالك عن الزهري
عنه به في كتاب طبقات الموصل من حديث غسّان بن الربيع ثنا حماد بن
__________
(1) منكر. العلل لابن أبي حاتم. والعقيلي (4/208) وكذا ذكر الشارح نقلا عن أبي حاتم.
قال العقيلي: والمتن معروف من غير هذا الوجه، ولا يتابع مهاجر على هذه الرواية.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/259) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه القاسم بن عثمان البصري، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها.(1/650)
سلمة عن ثابت عن أنس قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخلاء وعليه خفان
أبيضان من جلود إيضاء فتوضأ ومسح عليهما والله أعلم " (1) .
وحديث ابن مسعود: " مازلنا نمسح مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخفين للمسافر
ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة ". ورواه ابن أبي شيبة موقوفا بإسناد
صحيح عن ابن مهدي عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم التيمي عن
الحرب بن سويد عنه، وحديث المغيرة بن شعبة قال: " آخر غزاة غزونا مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة
ما لم نخلع ". رواه الطبراني في الكبير (3) عن الحسن بن علي عن إبراهيم بن
مهدي المصيصي عن عمر بن زريع عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي بردة
عنه، وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم: وسألت أبي عن حديث رواه هشيم
عن داود بن عمرو عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن عوف بن مالك
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " نقول المسح للمسافر ثلاثا وللمقيم يوم وليلة " (4) .
ورواه الوليد بن مسلم عن إسحاق بن يسار عن يونس بن جليس عن أبي
إدريس قال: سألت المغيرة عما حضر من النبي فقال: حضرته ومسح على
خفيه قال أبو داود بن عمر: ليس بالمشهور، وكذلك إسحاق ولم يرو عنه غير
الوليد، ولا نعلم روى أبو إدريس عن المغيرة شيئا سوى هذا الحديث، ويحتمل
(1) بياض " بالأصل ".
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/258) وعزاه إلى البزار، وفيه
سليمان بن بشير وهو ضعيف. وأورده بلفظ: " كنا نمسح مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخفين للمسافر
ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة ".
(3) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/259) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
- وفي الصحيح طرف منه- فيه يزيد بن داود الأودي وقد ضعفوه إلا ابن عدي فقال: لم أر
له حديثا منكرا جاوز الحد إذا روى عنه ثقة، وإن كان ليس بالقوي في الحديث فإنه يكتب
حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة، وهذا روى عنه مكي بن إبراهيم وهو من رجال الصحيح فهو
مقبول على ما قاله ابن عدي، والله أعلم.
(4) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/259) وعزاه إلى البزار والطبراني في
" الأوسط " ورجاله رجال الصحيح.(1/651)
أن يكون سمع من عوف ومن المغيرة فإنّه مر من تابعي أهل الشّام وله إدراك
حسن. وحديث أبي زيد رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإسناده لا بأس به أنّ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (1) : " يمسح المسافر على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن/وللمقيم يوم
وليلة "، ثنا به المسندة المعمرة أم عبد الرحمن رقية ابنة القشيري الحافظ ثنا
عبد العزيز الحراني عن أبي محمد عبد البر بن الحافظ أبي العلاء الهمذاني ثنا
أبي قراءة عليه وأنا أسمع أنبا أبو علي الجراد أنبأ أبو نعيم أنبا أبو حفص
الخطابي أنبا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله ثنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن
سلمة عن سعيد بن مطين عنه. وحديث جابر بن سمرة قال: ما أبالي لو لم
أنزع خفي ثلاثا. رواه هكذا موقوفا ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي داود عن
شعبة عن سماك، قال: سمعت جابرا، وذكره البيهقي مسندا. وحديث أبي
مسعود البدري وعما ذكرهما البيهقي وأبو عمر بن عبد البر.
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (5/213) وحنف (1/281) وعبد الرزاق (798) وحنيفة (32)
وأصفهان (1/124) والطبراني (8/9) والبيهقي (1/278) .(1/652)
56- باب ما جاء في المسح بغير توقيت
حدثنا حرملة بن يحيى، وعمرو بن سواد المصريان قالا: ثنا عبد الله بن
وهب أنبأ يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن
أبي زياد عن أيوب بن قطن عن عبادة بن نسي عن أبي بن عمارة: " وكان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في بيته الصلاتين كليهما أنه قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أمسح على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوما، قال: ويومين قال: وثلاثا حتى بلغ
سبعا قال له: وما بدا لك ". هذا حديث لما رواه (1) أبو داود عن يحيى بن
معين ثنا عمرو بن الربيع بل، طارق ثنا يحيى بن أيوب عن ابن رزين عن
محمد بن يزيد عن أيوب عن أبي بلفظ: " أمسح على الخفين؟ قال: نعم قال:
يوما؟ قال: ويومين؟ قال: وثلاثة؟ قال: نعم. وما شئت " قال: ورواه ابن أبي
مريم عن، يحيى عن عبد الرحمن عن محمد عن عبادة عنه قال فيه: حتى بلغ
سبعا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وما بدا لك قال: وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي
كذا هي في روايتنا من طريق اللؤلؤي، وفي كتاب ابن العبد وقد اختلف على
يحيى/بن أيوب، فذكره ومعناه قاله البخاري، وفي موضع آخر إسناده ليس
بالقوي، وفي كتاب العلل للخلال قال أبو زرعة: سألت أحمد عن هذا
الحديث أيجب العمل به قال: يعني: رجاله لا يعرفون، وفي تاريخ دمشق
للبصري سمعت أبا عبد الله يقول: حديث أبي بن عمارة ليس بمعروف
الإسناد، قال أبو زرعة: فناظرت أبا عبد الله في حديثه- يعني: حديث أبي-
فلم يقنع به، وقال ابن حبان: وذكر أمثالا إلا أني لست أعتمد على إسناد
خبره، وقال أبو الفتح الأزدي: لا يحفظ أن أحدا روى عن أبي إلا أيوب بن
قطن، وحديثه ليس بالقائم وفي متنه نظر وفي إسناده نظر. انتهى كلامه، وفيه
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 59- باب التوقيت في المسح، (ح/
158) .
قال أبو داود: وقد اختلف في إسناده وليس هو بالقوي، ورواه ابن أبي مريم ويحيى بن
إسحاق الشليخِي عن يحيى بن أيوب، وقد اختلف في إسناده.(1/653)
نظر لما يأتي من أنّ عبادة بن نسى روى عنه أيضا وقال ابن بنت منيع- وذكر
هذا الحديث-: لا أعلمه روى غيرها وقال غيره: ابن أبي مريم بن عبادة، وقال
في موضع آخر: وقد اختلف في اسمه، وقال أبو الحسن الدارقطني: وهذا
إسناد لا يثبت وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا وعبد الرحمن
ومحمد بن يزيد وأيوب مجهولون كلهم، وقد بينته في موضع آخر، وذلك
الموضع لم أر له ذكرا في العلل وذكره في كتاب المختلف فقال: كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في بيت عمارة القبلتين وقال أبو محمد بن حزم: هذا آخر ساقط
لا يصح فيه يحيى بن أيوب الكوفي وآخر وهما مجهولان، ولا يصح خلاف
التوقيت أيضا عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط، وقال أبو الفرج
في العلل المتناهية: هذا حديث لا يصح، وقال ابن الأثير: لأبي حديث واحد
وهو معلول وفي إسناده اضطراب وهو غير مشهور، وقال عبد الغنى بن سرور:
في إسناد حديثه جرح له واضطراب، وقد اختلف في اسم أبيه فقيل: عمارة
وقيل: عبادة وعداده في المدنين وسكن مصر، ولما ذكره الجوزجاني قال: هذا
حديث باطل منكر ومداره/على يحيى بن أيوب، ولما ذكره أبو الحسن بن
القطان قال علّته: هي أنّ هؤلاء الثلاثة- يعني: عبد الرحمن بن رزين فمن
بعده- مجهولون، وقال الموصلي أيضا: أيوب بن قطن مجهول، وذكر حديثه
هذا والاختلاف فيه، وقال: كلّ لا يصح ومحمد بن يزيد هو ابن أبي زياد
صاحب حديث الصور، وقال فيه أبو حاتم: مجهول وعبد الرحمن أيضا لا
يُعرف له حال، فهو مجهول، ويحيى مختلف فيه وهو ممن عيب على مسلم
إخراج حديثه، وأما الاختلاف عليه الذي أشار إليه أبو داود والدارقطني،
فيتحصل منه أربعة أقوال: فذكرها مجملة، وذلك أنه روى عنه عن ابن رزين
عن محمد عن أيوب عن أبي، ويروي عنه عن ابن رزين عن محمد بن عبادة
عن أبي، ويروي عنه عن ابن رزين عن محمد عن أيوب عن عبادة عن أبي،
ويروى عنه وهكذا أبي عبادة بن نسى ثم لا يذكر أنبأ؛ لأنّه يرسله عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه قول خامس لكنه لم يتصل إلى سنده فلم اجعله ممّا تحصّل فيه، وهو
ما أشار إليه ابن السكن ولم يوصل به إسناده إّنما قال: ويقال أيضا: عن يحيى
عن عبد الرحمن عن محمد عن وهب بن قطن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أعلم.(1/654)
وقال ابن عبد البر في كتاب الاستذكار: حديث أبي لا يثبت وليس له إسناد
قائم، رواه أبو أحمد العسكري عن علي بن سعدان ثنا محمد بن إسحاق ثنا
يحيى بن معين ثنا عمرو بن الربيع أنبأ يحيى بن أيوب ثنا ابن رزين الغافقي
عن محمد بن يزيد، أو يزيد، فذكره ثم قال: وقال بعضهم: ليس يصح له
صحبة، وقال الطحاوي: والآثار قد تواترت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتوقيت في المسح،
فليس ينبغي لأحد أن يترك مثل هذه الآثار المتواترة إلى مثل حديث أبي بن
عمارة، وقال الخزرجي في كتابه التقريب: في إسناده اختلاف واضطراب،
وقال أبو القاسم بن عساكر: ورواه يحيى بن إسحاق السيليخي (1) عن يحيى
بن أيوب مثل رواية عمرو بن الربيع،/ وقال أيوب بن قطن الكندي: ورواه
سعيد بن كثير بن عفير عن يحيى بن أيوب مثل رواية ابن وهب، ورواه
إسحاق بن الفرات عن يحيى بن أيوب عن وهب بن قطن عن أبي. انتهى.
وهو فول سادس لم يذكره ابن القطان، وأما قول الطبراني في الأوسط: رواه
جماعة عن يحيى بن أيوب فلم يذكر عبادة بن نسى إلا سعيد بن عفير فإن
جوده ففيه نظر لما أسلفناه من رواية غيره الرواية، وزعم ابن عقدة في كتاب
التفرد انه مما تفرّد به أهل مصر وأبي ذلك الحافظ ابن يونس بقوله في تاريخه:
ليس له في أهل مصر حديثه، ويشبه أن يكون وهما لما ذكره الإمام العلامة
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في فتوح مصر من تأليفه في باب من
دخل مصر من الصحابة ممن روى عنه أهلها أبي بن عمارة ولهم حديث
واحد، وهو يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن محمد بن يزيد عن أيوب بن
قطن عنه فذكر لفظ حديث أبي داود ثم قال: ثناه سعيد بن عفير، وثنا عمرو
بن سويد عن ابن وهب عن يحيى عن عبد الرحمن عن محمد عن أيوب عن
عبادة، ولم يذكر ابن عفير عبادة، وأما ما ذكره أبو الحسن بن القطان من أن
مسلما عيب عليه إخراج حديث يحيى بن أيوب، فكلام يفهم منه تفرده
بحديثه دون شيخه البخاري وليس كذلك؛ لأن أبا الوليد الباجي ذكره في
كتاب التعديل والتخريج فقال: أخرج البخاري في الصلاة وتفسير سورة
__________
(1) قوله: " السيليخي " وردت " بالأولى " " السيلحي " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه
من " الثانية ".(1/655)
الأحزاب عن ابن جريج، وسعيد بن أبي مريم عنه عن حميد ويزيد بن أبي
حبيب ثم قال: وقال أبو عبد الله هو البخاري في الاستشهاد: ولمسلم في
الرواية. انتهى. وبنحوه ما قاله أبو عبد الله: ذكره الكلاباذي في كتاب
الإرشاد ولئن كان كذلك فهو في اصطلاح الحاكم في المستدرك وغيره يصدق
عليه التخريج عنه لا سيّما العنبري، وأما قوله: أنّ عبد الرحمن فمن بعده
مجهول فيشبه أن يكون وهما وذلك أنّ عبد الرحمن/بن رزين ويقال: ابن
يزيد بن عبد الله البروقي مولى قريش روى عنه يحيى بن أيوب وعبد الله بن
المبارك وابن وهب ونافع ويزيد وعبد الله بن يحيى البرلسي. ذكره ابن يونس
في كتاب الغرباء، وقال: توفي خمس وخمسين ومائة، وقال ابن أبي حاتم:
عبد الرحمن بن رزين مولى قريش روى عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ روى عنه العطاف بن خالد ويحيى بن أيوب، وروى عن محمد
بن يزيد صاحب حديث الصور، ولما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات قال:
عداده في أهل الشام روى عنه أهله والعطاف، وقال الحاكم: لم ينسب إلى
ضعف وعلى شرط أبي أحمد الجرجاني يكون ثقة لكونه لم يذكره في كامله،
ومحمد بن يزيد لم أر أحدا نسبه إلى ضعف كما قاله أبو عبد الله بن البيع،
وغاية ما قال فيه البخاري روى عنه إسماعيل بن رافع حديث الصور مرسل
ولم يصح، وقال ابن يونس في الغرباء: روى عنه يزيد بن أبي حبيب وكان
يجالسه (1) وحرملة بن عمران، ومن أهل الكوفة أبو بكر بن عيّاش فهذا كما
ترى قد خرج من الجهالة العينية، وأما الجهالة الحالية فيمكن أن تكون منتفية بما
ذكره الحاكم فإنّه لما خرج هذا الحديث قال فيه: صحيح ولم يخرجاه وأبي
صحابي معروف وهو إسناد مصري، ولم ينسب واحد من رواته إلى جرح،
وأمّا أيوب بن قطن فذكر عبد الرحمن أنه ابن ابن امرأة عبادة بن الصامت،
أبو أبي بن أم حرام، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقد أسلفنا رواية
سادسة زائدة على ما ذكره ابن القطان وتابعه ذكرها النيسابوري عن محمد
بن أيوب عن ابن عبادة الأنصاري وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في بيت جدّه
__________
(1) كذا ورد " بالأصل ".(1/656)
القبلتين، وبنحوه ذكره في المصنف وقد ورد لهذا الحديث شواهد عديدة فمن
ذلك:/حديث عقبة بن عامر قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة
فدخلت المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر فقال لي: " متى أولجت خفّك
في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة. قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا. قال: أصبت
السنة ". خرّجه أبو الحسن الدارقطني (1) وهو في معنى المرفوع لا سيّما من أبي
حفص الفاروق، وقال أبو بكر النيسابوري: هذا حديث غريب، وقال
الدارقطني: وهو غريب صحيح الإسناد، وقال في العلل: وخالفهم عمرو بن
الحرث والليث بن سعد ويحيى بن أيوب فقالوا فيه: قال عمر: أصبت. ولم
يقولوا: السنة كما قال من تقدّمهم وهو المحفوظ، ولما خرجه ابن البيّع في
مستدركه فذكر السنّة قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد،
وقال ابن مندة: رواه أبو شُجاع وعمرو بن الحرث فلم يذكر السنة، وقوله
أصبت السنة زيادة مقبولة؛ لأنّ حيوة والفضل مقبولان عند الجماعة قال: وقد
روى من جهة موسى بن علي عن أبيه نحوه وقال: أصبت السنة، قال: فهذا
موافق لرواية من تقدّم وسبيله سبيل الصحة قال الدارقطني، ورواه أيضا من
طريق أسد بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن ربيعة بن
الصلت سمعت عمر يقول: " إذا توضأ أحدكم وليس خفيه فليمسح عليهما
وليصل فيهما ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة " (2) . قال: وثنا حماد بن
سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله، قال ابن
صاعد: ما علمت أحدا جاء به إلا أسد بن موسى، ولماّ خرجه الحاكم في
مستدركه (3) قال: وقد روى عن أنس مرفوعا إسناد صحيح رواته عن آخرهم
ثقات إلا أنه شاذ عنه وهو على شرط مسلم ثم ذكره من جهة المقدام بن داود
الرعيني عن عبد الغفار بن داود الحراني عن حمّاد قال: وعبد الغفار ثقة غير
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني (1/196) والحاكم (1/181) والبيهقي (1/280) .
(2) صحيح. رواه الحاكم (1/181) والدارقطني (1/204) ونصب الراية (1/179)
والبيهقي (1/279) .
(3) منكر. رواه الدارقطني: (1/204) .(1/657)
أنّه ليس عند أهل البصرة من حمّاد زاد الدارقطني: وليس بمشهور، واعترض
أبو محمد الفارسي على هذا الحديث بأن قال: وأسد بن موسى/منكر الحديث
لا يحتج به، ولم يروه أحد من الثقات أصحاب حماد وهو قول لم يقله غيره
في أسد، إنما رأيت العلماء أثنوا عليه ووثقوه ذكر ذلك جماعة منهم البزار
والكوفي والنسائي وأبو العرب في كتاب الطبقات، ولعل ابن حزم رأى قول
ابن يونس في كتاب الغرباء ذكره حديث بأحاديث منكرة وكان رجلا صالحا
ثقة فيما روى واحتسب الأمة من غيرها وهذا كما ترى فرق ما بين الكلامين،
وقوله لم يروه أحد من ثقات أصحاب حماد وفيه نظر؛ لما أسلفناه من حديث
عبد الغفار، وأمّا قول المزِّي أنّ ابن ماجة خرّج حديث عقبة هذا في كتاب
الطهارة عن أحمد بن يوسف عن أبي عاصم عن حيوة عن يزيد عن الحكم
بن عبد الله البلوى عن علي بن رياح فيشبه أن يكون وهما؛ لأنّي نظرت في
عدة نسخ من كتاب السنن فلم أره، والله أعلم. وكذا قول الحافظ القشيري
بأن النسائي خرجه قال: وهو حجة لمذهب مالك فإني لم أره في كتاب السنن
الكبير ولا الصغير فلينتظر، وزاد الجوزجاني بأن قال: هذا حديث باطل منكر
وليس يصح عن عمرو، والصحيح عن عمر مرفوعا التوقيت، وحديث ميمونة
وسألها عطاء عن المسح فقالت: قلت: يا رسول الله، كل ساعة يمسح الإنسان
على الخفين ولا يخلعها، قال: نعم ". رواه الدارقطني بإسناد صحيح لا علة فيه
عن محمد بن مخلد ثنا جعفر بن مكرم ثنا أبو بكر الحنفي ثنا أبو بكر
النيسابوري ثنا عبد الله بن أحمد حدثنى أبي ثنا الحنفي أبو بكر ثنا عمر بن
إسحاق بن يسار أخو محمد بن إسحاق قال: قرأت كتابا العطاء مع عطاء بن
يسار قال: سألت ميمونة، وفي هذا ردّ لما قاله أبو زرعة الدمشقي قلت له:-
يعني: لأحمد- فحديث عطاء بن يسار عن ميمونة قال: من كتاب لتصريحه
بقراءته الكتاب معه فدلّ على سماعه له مه والله أعلم.
وذكر أبو عمر بن عبد البر أنّ أبا حنيفة وأصحابه، وسفيان، والأوزاعي،
والشافعي/وأصحابه، وأحمد، وداود، والطبري قالوا: بالتوقيت، وقد روى عن
مالك التوقيت في رسالته لبعض الخلفاء، وأنكر ذلك أصحابه، وروى التوقيت
في المسح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه كثيرة، وروى عن عمر من طرق أكثرها:(1/658)
من حديث أهل العراق بأسانيد حسان، وثبت ذلك عن علي، وابن مسعود،
وسعد على اختلاف عنه، وعمار، وأبي مسعود، والمغيرة، وغيرهم وعلى
جمهور التابعين وأكثر الفقهاء وهو الاحتياط عندي، وقال الطحاوي: يحتمل
أن يكود عمر قال ذلك؛ لأنه علم أنّ طريق عقبة الذي جاء منها طريقا لا ماء
فيها كان حكمها أن يتيمم فسأله متى عهدك بخلع خفيك إذا كان حكمك
هو التيمم؟ فأخبره بما أخبره، وهذا الوجه أولى ما يحمل عليه هذا الحديث
ليوافق في روى عن عمر بالأخبار المتواترة ولا يضاره، وقد روينا عن غيره ما
يوافق ما قلنا قال أبو محمد بن حزم: وتعلّق مقلّد وأملك بأخبار ساقطة لا
يصح مضها شيء وبآثار عن الصحابة لا يصح منها أثر، ولا يصح خلاف
التوقيت فيه عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط ولا حجة فيه؛ لأن
ابن عمر لم يكن عنده المسح ولا عرفه؛ بل أنكره حتى أعلمه به سعد فلم
يكن في علم المسح كغيره، وعلى ذلك فقد روى عنه التوقيت. انتهى كلامه.
وقد أسلفنا قبل ما صح في الباب من الحديث وغيره، والله أعلم وبما يحتج به
المالكيون قول الحسن وقيل له: أن يزيد سار إلى السند فلم يخلع له خفا حتى
قدمها فلم ير به بأسا ذكره النيسابوري في الأبواب عن أبي الأزهر ثنا روح ثنا
أشعث عنه، وثنا أبو الأزهر ثنا روح ثنا أشعث عن الحسن قال: المقيم والمسافر
في المسح سواء، وعن الشعبي أنه كان لا يوقِّت في ذلك وقتا، وعن سعد بن
أبي وقاص أنّه كان لا يُوقِّت فيما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه وكذلك أبو
سلمة.(1/659)
57-/باب المسح على الجوربين والنّعلين
حدثنا على بن محمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس الأودي عن هزيل
ابن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على
الجوربين والنعلين " (1) . هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه، فمن
المصححين له أبو حاتم البستي، فذكره له في كتابه: الصحيح، وأبو عيسى
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/99) من حديث المغيرة بن شعبة وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح. ورواه أبو داود (ح/159) والنسائي (1/32) وابن ماجة (ح/559) كلهم
من طرين وكيع عن الثوري. ورواه البيهقي (1/283- 284) بإسنادين من طريق أبي عاصم
عن الثوري. ونسبه الزيلعي في نصب الراية (1/96) إلى صحيح ابن حبان.
قلت: وهو في صحيح ابن حبان (2/314) من حديث المغيرة بن شعبة.
هكذا صحح الترمذي هذا الحديث، وقد صححه غيره أيضا، وهو الحق. وقد أعله بعضهم بما
لا يدفع في صحته، فقال أبو داود: " كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث هذا الحديث؛
لأن المعروف ظن المغيرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفّين "، وقال النسائي: " ما نعلم أحدا
تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين ". ونقل البيهقي عن علي بن المديني قال: " حديث المغيرة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن الميرة، إلا أنه قال: ومسح على الجوربين، وخالف الناس ". ونقل البيهقي تضعيفه أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي وأحمد وابن معين ومسلم بن الحجاج. وغلا النووي غلوا شديدا، فقال في المجموع (1/500) بعد نقل ذلك: " وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث، وإن كان الترمذي قال: حديث حسن، فهؤلاء مقدمون عليه؛ بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة!! ".
وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة، والصواب صحيح الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو
حديث آخر، غير حديث المسح على الخفين. وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في
الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من
روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخرة، إذ هي أحاديث متعددة،
وروايات عن حوادث مختلفة، والمغيرة صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو خمس سنين، فمن المعقول أن
يشهد مع النبي وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منه شيئا، ويسمع غيره
شيئا آخر، وهذا واضح بديهي.(1/660)
الترمذي بقوله: هو حسن صحيح، وذكره ابن حزم مصححا له ومحتجا به،
وكذلك أبو الفرح في كتاب التحقيق، وقال الطوسي في أحكامه: يقال هذا
حديث حسن صحيح. ومن المضعفين أبو داود؛ فإنّه قال: أبو روايته (1) ، وكان
عبد الرحمن بن مهدى لا يحدّث بهذا الحديث لا المعروف عن المغيرة أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين وليس بالمتصل ولا بالقوى ومسح على الجوربين:
علي، وابن مسعود،، والبراء، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد،
وعمر،، وابن حرث، وروى ذلك عن عمرو بن عباس- رضي الله عنهم-،
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدّث أبي هذا الحديث فقال: ليس يروى
إلا من حديث أبي قيس وأبي عبد الرحمن بن مهدى أن يحدّث به يقول هذا
حديث منكر. وقال مهنأ: سألت أحمد عن حديث سفيان عن أبي قيس
عبد الرحمن بن مروان عن هزيل، فقال: أحاديث أبي قيس ليست صحيحة
المعروف عن المغيرة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين. وفي كتاب العلل للخلال
أنبأ المروزي أنّ أبا عبد الله ذكر أبا قيس في المسح، فأمّا ابن مهدى فأبي أن
يحدّثاه وأمّا وكيع فحدّث به. وفي كتاب التمييز لمسلم ذكر خبر ليس
بمحفوظ المتن، ثنا يحيى بن يحيى وثنا/وكيع فذكره، ثم ذكر الذين رووا عن
المغيرة مسح الخفين ثم قال: قد بيّنا من ذكر أسانيد المغيرة في المسح بخلاف
ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة مما قد اقتضيناه وهم من التابعين الخلة،
وكلّهم قد اتفق على خلاف رواية أبي قيس، ومن خالف بعضهم ليس من
أهل الفهم والحفظ في نقل هذا الخبر والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه
أولى منه بهزيل؛ لأنّ أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارا غير هذا
الخبر سنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى. قال مسلم: وأخبرني محمد بن
عبد الله بن فهران عن على ابن الحسن بن شقيق قال: قال عبد الله بن
المبارك: عرضت هذا الحديث- يعني: حديث المغيرة من رواية أبي قيس-
على الثوري فقال: لم يجيء به غيره فعسى أن يكون وهما، وفي كتاب
السنن للبيهقي قال أبو محمد- يعني: يحيى بن منصور-: ورأيت مسلم بن
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".(1/661)
الحجاج ضعّف هذا الخبر وقال أبو قيس وهزيل: لا يحتملان هذا مع
مخالفتهما للأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: يمسح على الخفين
وقالوا: لا نترك ظاهر الكتاب لمثل أبي قيس وهزيل، فذكرت هذه الحكاية عن
مسلم لأبي العباس الدعولي فسمعته يقول: سمعت علي بن محمد بن شيبان
سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال ابن مهدي: قلت للثوري: لو حدثتني
بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف- أو
واه أو كلمة نحوها- وقال على بن المديني: هذا حديث منكر ضعّفه الثوري،
وابن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني ومسلم،
والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، وسئل عنه الدارقطني فقال:
يرويه الثوري عن أبي قيس عن هزيل، ورواه كليب بن وائل عن أبي قيس
عمن أخبره عن المغيرة وهو هزيل ولكنه لم يسمّه ولم يروه غير أبي قيس، وهو
مما يغمر عليه لم لأنّ المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين، ولما ذكر العقيلي
هذا الحديث فيما أنكر على أبي قير قال: الرواية في الجوربين فيها لين، وقال
أبو عبد الرحمن النسائي: لم نتابع هزيل على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة
مسح على الخفين، وقال ابن الحمار في كلامه على الموطأ: اضطراب لا ينكر
قد صحّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه مسح على النعلين وعلى القدمين، ولقائل أن يقول:
أبو قيس عبد الرحمن بن مروان وهزيل حديثهما في صحيح البخاري وثّقهما
غير واحد، وما روياه هنا ليس مخالفا لرواية الجمهور عن المغيرة مخالفة
معارضة؛ بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه لكونه طريقا مستقلا على
حده لم يشارك المشهورين في سندها، فيترجح قول المصححين لهذه العلة،
والله أعلم. وأمّا قول أبي داود: وروي هذا الحديث عن أبي موسى إلى آخره-
يعني: المخرج عند ابن ماجة- وليس ثابتا في روايتنا وهو كما قال: ضعيف
ومنقطع ويفهم منه إلا مشارك له، وليس كذلك لما ذكره الطبراني في المعجم
الكبير (1) من حديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة
عن بلال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والجوربين".
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني (1/334، 349) وأحمد (6/14، 15) وابن عساكر في
" التاريخ " (3/462) وحنيف (1/282) . قلت: فيه ابن أبي ليلى.(1/662)
ولما ذْكره المخرمي في كتاب العلل من حديث أنس بن مالك: " أنه توضأ
ومسح على جوربيه ونعليه " (1) ، ثنا علي بن مسلم ثنا محمد بن القاسم ثنا أبو
طاهر قال: رأيت أنسا قال الحربي: أبو طاهر رجل يتولى الحسن حدّث عنه
شهر بحديث منكر، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق جيدة رواها النسائي
في كتاب الكنى عن عمرو بن علي ثنا سهل بن زياد أبو زياد الطحان ثنا
الأزرق بن ميسرة قال: رأيت أنسا، فذكره فسلم مما أعلّه به الحربي. وحديث
جرير بن عبد الله، وقد تقدّم ذكره. وحديث أبي موسى ذكره في الأوسط،/
وقال: لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد. تفرد به عيسى بن سنان،
وقال البيهقي في سننه: وذكر حديث أنس وقد رفعه بعض الضعفاء وليس
بشيء، وإنما تعداده في الصحابة فقد أغفل ابن عمر وأنا مسعود وسعد بن أبي
وقاص، وذكرهم ابن حزم وقال: لا نعلم لهم مخالفا. قال: وهو قول ابن
المسيب، وعطاء، والنخعي، والأعمش، والحسن، وحلاس زاد في المصنف،
وإبراهيم، والضحاك، وسعيد، وجبير، ونافع، وفي كتاب الإسراف: وابن
المبارك، وزفر، والثوري والحسن بن صالح، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن،
وأبي ثور، وأحمد: وإسحاق، وداود بن علي وغيرهم، وقال أبو حنيفة: لا
يمسح عليهما، وقال: مالك لا يمسح عليهما إلا أن يكونا مجلدين. انتهى
كلامه، وفيما حكاه عن أبي حنيفة؛ نظر؛ لأن مذهبه جواز المسح عليهما إذا
كان مجلدين ومنعلين، كذا هو في المنافع وغيره، وحكى أبو عيسى في جامعه
عن صالح بن محمد الترمذي سمعت أبا مقاتل السمرقندي (2) يقول: دخلت
على أبي حنيفة في مرضه الذي مات فيه فدعا بماء فتوضأ وعليه جوربان
فمسح عليهما، ثم قال: فعلت اليوم شيئا لم أكن أفعله مسحت على الجوربين
وهما غير منعلين قال أبو عيسى: وبه يقول الشافعي: انتهى كلامه. والحنفيون
يذكرون أنّ الشّافعي لا يجوز المسح عليهما، وكذا ذكره أبو سليمان الخطابي
قال: إلا أن يكونا منعلين يمكن متابعة المشي عليهما. وقال ابن المنذر: فكرة
__________
(1) تقدّم أول حديث من هذا الباب، وعليه تعليقا مطولا.
(2) قوله: " السمرقندي " وردت " بالأولى " " التيمي أفندي " والصحيح ما أثبتناه من
" الثانية ".(1/663)
المسح عليهما مالك والشافعي وروى أباحية عن تسعة من الصحابة: علي،
وعمار، وابن مسعود، وابن عمر، وأنس، والبراء، وبلال، وأبو أمامة، وسهل بن
سعد، وأبو سعيد الخدري، وبه قال عطاء: والحسن بن صالح، وابن المبارك،
وأحمد، وإسحاق، وزفر وأما صاحبا (1) أبي حنيفة/فقالا: يمسح عليهما إذا
كانا نجسين لا يشفّان. والجورب. قال أبو نصر: معرب لفافة الرجل والجمع
جواربه والهاء للعجمة. ويقال: الجوارب أيضا كما قالوا في جمع الكيلج
الكيالج، ويقول: جوربه فتجورب أي: ألبسه الجورب فلبسه، وقال الجواليقي:
كثر حتى صار كالعربي قال رجل من بنى تميم لعمر بن عبيد الله بن معمر،
وكانت تحته رملة أخت طلحة الطلحات وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله:
أنبذ برجله نبذ الجورب الخلق وعش بعيشة عيشا غير ذى رنق وضرب العرب
المثل بعيشة، وقال نافع بن لقيط الأسرى:
وما ولق أنصحت كية رأسه ... فتركته وفرا كى الجورب
وقال مسكين الدارمي:
أثنى على بما علمت فإنني ... مثن عليك بمثل ريح الجورب
وأما الأحاديث الواردة في المسح على النعلين فمنها ما رواه أبو داود عن
أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " توضأ ومسح على نعليه
وقدميه " (2) ، وقال الجرجاني: هذا حديث منكر، ولما ذكره عبد الحق سألت
عنه- يعني: مصححا له- ومع ذلك الخزرجي وأعترض عليه ابن القطان بأن
ما مثله صحح؛ لأنه من رواية هيثم عن يعلى ابن عطاء عن أبيه أخبرني أوس،
فذكره، وعطاء العامري والد يعلى مجهول الحال لا يعرف له رواية إلا هذه،
وأخزى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يعرف روى عنه غير يعلى وإن
كان ابنه ثقة فروايته غير كافية في المتبقي من بقية، وللحديث علة أخرى
وذلك أن منهم من يقول فيه: عن أوس بن أوس- أو ابن أبي أوس- عن أبيه
__________
(1) المراد هما: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني.
(2) تقدم بنحوه وبألفاظ فيها " خفيه وعمامته " و" خفيه ونعليه ".(1/664)
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزيادة عن أبيه عادت بنقص فإنّا إنما كنّا نقبل الأولى، ولا
نضع منها نظرا باعتقاد أنّ أوس بن أوس أو ابن أبي أوس صحابي على رأى
من يقبل أمثال هؤلاء الذين يدّعون لأنفسهم الصحبة ولا تكون معلومة لهم إلا
من أقوالهم، فأمّا إذا كان إنمّا برويه عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/فقد صار هو ممن
يجب النظر فيه كسائر من بعد في زمن التابعين، وإذا كان ذلك كذلك فإنّه
حينئذ يكون مجهول الحال غير ثابت العدالة، وفي أنّه أوس بن أوس أو ابن
أبي أوس خلاف معروف، واختصاره هو أنه أوتيت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة
أحاديث: أحدها: هذا، والثاني: من غسل واغتسل برويه أبو الأشعث عن أوس
بن أوس، والثالث: غريب القرآن يرويه عثمان بن عبد الله بن أوس عن جدّه
أنس بن حذيفة، والرابع: في الصوم فقيل في هذا كلّه أنّه واحد هو أوس بن
أوس وابن أبي أوس، وابن حذيفة، وذكر أبو عمر بن عبد البر قول ابن معين:
أوس بن أوس وأوس بن أبي أوس واحد فخطأه فيه، وقال: أنّ أوس بن أوس
بن أبي أوس هو ابن حذيفة جدّ عثمان بن عبد الله بن أوس، وله أحاديث
منها: في المسح على القدمين وفي إسناده ضعف، يعني: حديث المبدي يذكره،
قال: ورواه الطحاوي فأسقط عطاء والد يعلي وجعله من حديث يعلى عن
أوس وهو غير صواب وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله معترضا على أبي
محمد وما مثله صحيح، وأبو محمد- رحمه الله- ليس هو ثاني عذره
بصحيحه فقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو بكر الحازمي بقوله: لا يعرف مجردا
متّصلا إلا من حديث يعلى، وعلى تقدير قولهم ذهب بعضهم إلى نسخه،
وهذا وإن كان لا يعطي تصحيحا فقد صحّحه أبو حاتم البستي بعد توثيقه
عطاء ثم قال: وهذا من الأخبار التي رويت مجملة، ويفسرها في أخبار أخر
ثم قال: ذكر البيان بأن مسح المصطفي على النعلين كان ذلك في وضوء النفل
دون الوضوء الذي يجب من حدث معلوم فذكر حديث البزار عن علي،
وذكر وضوءه فمضمض واستنشق ومسح وجهه وذراعيه ومسح رأسه ومسح
رجليه، ثم قال: فشرب فضل مائه، ثم قال: أتى حديث: " أنّ رجالا يكرهون(1/665)
أن يشرب أحدهم وهو قائم وإنى رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كما فعلت " (1) ،
وهذا وضوء من لم يحدث، وفي الأوسط عن علي بنحوه رواه عن ابن
أحمد/ابن حنبل حدثنى أبو عبيدة بن فضيل بن عياض ثنا مالك بن سعيد ثنا
فرات بن أحنف حدثنى أبي عن ربعي عنه وقال: لم يروه عن ربعي إلا أحنف
بن فرات. تفرّد به أبو عبيده بن عياض، وفي كلام ابن حبان نظر ومن حيث
أنّ عليا صلى بهذا الوضوء، أمّا ما ذكر ذلك البيهقي من حديث سفيان عن
حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن وهب. ومن حديث ابن بحر عن سفيان عن
الأعمش عن أبي طيبان أنه قال: " رأيت عليا بالرحبة بال قائما حتى أرغى فأتى
بكوز من ماء ثم أخذ كفا من ماء فوصف وضوءه ثم قال: ومسح على نعليه
ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه ثم تقدّم فأمّ الناس " (2) . قال الأعمش: فحدثت
إيراهيم به فقال: إذا رأيت أبا طيبان فأخبرني فرأيته قائما في الكناسة فقلت:
هذا أبو طيبان فأتاه فسأله عن الحديث، وقال: حديث أبي طيبان ثابت زاد في
كتاب الأبواب أنّ عليا مسح عليهما ثم خلعهما فجعلهما في كمّه ثم صلى
هما الفريضة، وذكره عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن يزيد بن أبي زياد
عن أبي طيبان به، قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن
ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل صنيع علي هذا قال البيهقي: ورواه الثوري عن
قابوس بن أبي طيبان، وعبد العزيز بن رفيع، وسلمة بن كهيل، والزبير بن
جري، وورقاء بن إياس كلّهم عن أبي طيبان به، قال ثاني قوله أنّ الطحاوي
رواه عن أوس بن أوس فأسقط عطاء فكذلك هو، ولكن الخرائطي ذكر في
كتاب اعتلال القلوب ثبوته في هذه الرواية من حديث عمر بن شيبة ثنا يحيى
بن سعيد عن شعبة عن يعلى عن عطاء عن أبيه عن أوس بن أوس عن أبيه،
وكذا رواه أبو القاسم الطبراني من حديث يحيى بن سعيد، ولما رواه بحشل
__________
(1) صحيح أورده الهيثمي. في " مجمع الزوائد " (5/79) من حديث أنس: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب وهو قائم " وعزاه الهيثمي إلي أبي يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح.
(2) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/256) من حديث عوسجة.(1/666)
في تاريخه عن هيثم بن إسحاق ثنا شريك عن يعلى عن أوس به قال: هذا
غلط. وحديث هشيم يعني- الذي فيه عن- أبيه أصح والله أعلم./الثالث:
سكوته عن علة ذكرها الإمام أحمد فهي أولى بالذكر مما تقدم، وهو قوله لم
يسمع هشيم هذا الحديث من يعلى ذكره الجوزجاني عنه، وقال: كان هشيم
يدلس فلعله سمعه من بعض الضعفاء ثم أسقطه فلئن كان ما قالاه صحيحا
فهو أجدر بأن يكون علّة لا سيما على ما ثنا قيس به أنا محمد كونه يقبل
أخبار المدلسين والمتصرحون بالسماع، وليس لقائل أن يقول لعلّه لم يعتد هذه
علّة؛ لأنه لو كان كذلك لرأيته كعادته والله أعلم. ثم نظرنا هل هو كذلك أم
لا فوجدنا هشيما صرح فيه بالتحديث المزيل للشبهة المذكورة هنا أنبأ المسند
المعمر فتح الدين الجودري قراءة عليه وأنا أسمع عن أبي الحسن البغدادي أنبأ
الحافظ السلامي أنبأ الإمام أبو منصور محمد بن أحمد بن علي المعمري أنبأ
القاضي أبو بكر محمد بن عمر أنبأ الحافظ أبو حفص بن شاهين ثنا أحمد بن
سليمان الفقيه ثنا بشر بن موسى ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم أنبأ يعلى بن
عطاء عن أبيه أخبرني أوس به ثم قال: قال هشيم: هذا كان في مبدأ الإسلام
وأنبأ الشيخ أبو الفتح القاهري- رحمه الله- قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنبأنا
الأخوان أبو المكارم عبد الله وأبو عبد الله الحسين أنبأ الحسن بن منصور وقال
الأول: ثنا، وقال الثاني: ثنا الحافظ أبو بكر محمد بن حازم الهمداني قراءة
على محمد بن أحمد بن القاضي أخبرك أبو طاهر أحمد بن الحسن الكرخي
في كتابه ثنا الحسن بن أحمد ثنا دعلج بن أحمد أنبأ محمد بن على ثنا سعيد
ابن منصور أنبأ هشيم أنبأ يعلى بن عطاء عن أبيه فذكره، وعن علّة (1) أخرى
ذكرها الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ حديث يعلى من ترك لأنّ بعضهم
رواه عنه عن أوس ولم يقل عن أبيه، وقال بعضهم: عن رجل- يعني:
مجهولا- والله أعلم. وأما تخطيئه أبي عمر بن معين فغير جيد؛ لأنه قول قاله
__________
(1) قوله: " علْة " وردت " بالأصل " " عسلة " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه عن
" الثانية ".(1/667)
جماعة/من العلماء، منهم: أبو جعفر بن منيع، وعبد الله بن محمد البغويان،
وأبو بكر أحمد بن عبد الله البرقي في تاريخه، وأبو إسحاق الحربي في كتابه
العلل، وأبو القاسم الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو حاتم البستي في كتاب
الصحابة قال: وهو ابن حذيفة أيضا، وأبو عيسى الترمذي في كتاب التاريخ،
وأبو أحمد العسكري في كتاب الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- وأبو
داود الطيالسي- رحمه الله تعالى-، وفي تاريخ الجعفي (1) الكبير أوس بن
حذيفة والد عمرو بن أوس، ويقال: أوس بن أبي أوس، ويقال: أوس بن أوس
له صحبة، وفي معجم ابن نافع أوس بن أوس بن ربيعة بن مالك بن كعب بن
عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف روى عنه عبد الملك بن المغيرة وأبو
الأشعث وعبادة بن نسى وابن عمرو بن أوس عنه فقالوا: ابن أوس ومن قال
ابن أبي أوس: المعمر بن سالم قال: سمعت رجلا، وفي رواية أخرى اسمه
عمرو جدّه أوس بن أبي أوس، وفي رواية أبوه ويعلى بن عطاء في كتاب
الصحابة لأبي مُوسى: اسم أبي أوس هذا جابر بن عوف شيعي، وروى حديثه
هذا من طريق محمد بن إدريس عن عنان عن حماد بن سلمة عن يعلى عن
أبيه عن أوس بن أبي أوس واسمه جابر، ثم قال: وكذلك رواه حجاج عن
حماد إلا أنه لم يسمه جابرا قال: ولأبيه أيضا صحبة، وهو جد عمرو بن أوس
ذكره أبو عثمان سعيد السراج القرشي الأصبهاني في الأفراد، وكتبه عنه
عبد الله بن مردويه (2) ، رحمهم الله تعالى. وحديث ابن عمر أنّه كان يتوضأ
ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل،
رواه البزار عن إبراهيم بن سعيد ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع
عنه وقال: وهذا الحديث لا نعلمه رواه عن نافع إلا ابن أبي ذئب، ولا نعلم
رواه/عنه إلا روح بن عبادة، وإنما كان يمسح عليهما؛ لأنه توضأ من غير
حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث فهذا معناه عندنا، ولما ذكره
__________
(1) أي: تاريخ البخاري.
(2) قوله: " مردويه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/668)
أبو الحسن بن القطان. انتهى. وفيه نظر؛ لأنّ ابن عمر وإن كان مذهبه الوضوء
لكلّ صلاة فليس ذلك من مذهبه عليه الصلاة والسلام. وقد قال كذلك: كان
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل على خفية؛ لأنه حديث منكر الإسناد والخبر جميعه خرّجه
البيهقي من حديث داود، ولما ذكره أبو الحسن بن القطان صححه، وحديث
ابن عباس وتوضأ وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفيه ثم قبض قبضة من الماء فرشّ على
رجله اليمنى، وفيها النعل ثمّ مسحها بيده يد فوق القدم ويد تحت القدم ثم
صنع باليسرى مثل ذلك خرّجه أبو داود من رواية هشام بن سعد، وحديثه في
صحيح مسلم وتكلّم فيه بعضهم، وفي لفظ عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" توضأ مرة مرة ومسح على نعليه ". ذكره الحربي من حديث عبد الرزاق عن
معمر قال: لو شئت حدثتكم أنّ زيد بن أسلم حدثنى عن عطاء عن ابن
عباس فذكره ثم قال: الحمد لله الذي لم يقدر على لسان معمر أن يحدث به
ابن الجراح عن سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء عنه، وقال: هكذا رواه داود
وهو منفرد عن الثوري مناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه
اللفظة، وقد روى عن زيد بن الحباب عن سفيان هكذا وليس بمحفوظ،
والصحيح رواية الجماعة، ورواه الدراوردي وهشام بن سعد عن زيد فحكا في
الحديث ورشّ على الرجل وفيها النعل، قال: وذلك يحتمل أن يكون غسلها
في النعل، فقد رواه سليمان بن بلال، وابن عجلان، وورقاء، ومحمد بن
جعفر، وابن أبي كثير عن زيد بن أسلم فحكوا في الحديث غسله رجليه
والحديث واحد، والعدد الكبير أولى بالحفظ من العدد اليسير مع فضل حفظ
من حفظ فيه الغسل بعد الرش على من لم يحفظه./انتهى كلامه. وفيه نظر
من وجوه: الأول: ما قاله من حديث زيد بن حباب ليس صحيحا لأمرين:
الأول كونه ثقة وما قاله ابن معين من أنّ أحاديثه عن الثوري مقلوبة اعتذر عن
ذلك أبو أحمد بن عدي بقوله: زيد من أثبات مشايخ الكوفة ممن لا يشك في
صدقه، والذي قاله ابن معين إنما له عن الثوري أحاديث تستغرب بذلك
الإسناد يرفع بعضها ولا برفع ذلك غيره، والباقي عن الثوري وغيره مستقيمة(1/669)
كلّها، ثم ذكر له أحاديث لم يذكر هذا منها فنلخص مما قاله أبو أحمد أنّه
ثقة تفرّد به، وتفرّد الثقة مقبول عند الجمهور. الثاني: قوله ليس محفوظ يشعر
أنه لم يأت به غيره، وقد سبق مجيئه من حديث رواد المرفق عند ابن معين أنّه
لم يأت به غيره وأحمد وغيرهما، ومن مصنف عبد الرزاق بسند كالشمس
على شرط الشيخين، وذكره ابن خزيمة في صحيحه من حديث سفيان عن ابن
عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن أسلم وقال بعده: والدليل على أنّ
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على النعلين كان في وضوء تطوع لا في وضوء واجب عليه
ثم ذكر حديث سفيان عن الثوري عن عبد خير عن علي، وفيه: هكذا وضوء
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للطاهر ما لم يحدث، وخرجه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده
بزيادة هكذا فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يحدث، ولما ذكره أبو داود في كتاب
التفرد قال: الذي تفرد هذا الحديث مسح باطن الأذنين مع الوجه وظاهرهما
مع الرأس. قال: وحديث عبد خير عن علي ليس بالبين. انتهى. قد أسلفنا ما
برفع هذا قبل والله أعلم، وقد أسلفنا بخبر زيد بن حباب شواهد ومتابعات
دلّت على أنّ لحديثه أصلا، وأنّ الثقات رووه عن سفيان بهذه اللفظة لا كما
زعم. الثالث: قوله فأما المسح على الرجلين فهو محمول على غسلهما؛ لأنّ
المسح سنة لمن تغطت رجلاه بالخفين فلا يعد بها موضوعها والأصل وجوب
غسل/الرجلين إلا ما خصّته سنة ثابتة أو إجماع لا يختلف فيه، وليس على
النعلين ولا على الجوربين واحد منهما. انتهى. وعليه فيه اعتراضات: الأول:
مقتضى صناعة الحديث النظر في الإسناد بصحة أو غيره، وأمّا التأويلات
وغيرها فمن نظر الفقيه. الثاني: قوله: وليس عليهما سنة ثابتة، وقد أسلفنا
أحاديث صحيحة وحسنة في هذا الباب وغيره ولله الحمد والمنة.(1/670)
58- باب المسح على العمامة
حدثنا هشام بن عمّار ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن الحكم عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مسح على الخفين والخمار ". هذا حديث خرجه مسلم- رحمه الله تعالى-
في صحيحه، وقال ابن حزم: لا مطعن فيه، وفيما قاله نظر؛ لما ذكره الحافظ
أبو الفضل الهروي في كتاب العلل زادوا على مسلم (1) إخراجه من حديث
سليمان وهو حديث قد اختلف فيه على الأعمش، فرواه أبو معاوية، وعيسى
بن فضيل، وعلي بن مسهر وجماعة هكذا، ورواه زائدة بن قدامة، وعمار بن
رزيق عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن
بلال وزائدة مثبت متين، ورواه الثوري عن الأعمش عن الحكم عن
عبد الرحمن عن بلال لم يذكر بينهما لا كعبا ولا البراء، وروايته أثبت
الروايات، وقد رواه عن الحكم غير الأعمش شعبة ومنصور بن المعتمر وأبان بن
ثعلب، وزيد بن أبيِ أنيسة، وجماعة عن الحكم عن عبد الرحمن عن بلال
كما رواه الثوري عن الأعمش. وحديث الثوري عندنا أصح من حديث غيره
وابن أبي ليلى لم يلق بلالا، وإلى هذا نجا الإمام أحمد وقال الأثرم: قلت لأبي
عبد الله: أي شيء أثبت فيه؟ قال: فيه أحاديث فبدأ بحديث بلال. قلت:
حديث كعب بن عجرة عن بلال. قال: رواه شعبة/وزيد بن أبي أنيسة وغير
واحد ليس فيه كعب، والأعمش يختلف عنه زائدة بقوله عن البراء عن بلال
وغيره يقول: كعب بن عجرة عن بلال، وفي سؤالات مهنأ قال أبو عبد الله:
أظنّ الأعمش غلط فيه إّنما قال الناس: عن ابن أبي ليلى عن بلالا، وزاد
الأعمش كعبا، ولفظ أحمد في مسنده: مسح على خفيه وعلى خمار العمامة،
وفي رواية فيمسح على العمامة وعلى الخفين، وفي رواية أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/82- 83) والنسائي (1/82) وابن أبي شيبة
(14/162) والمجمع (1/256- 257) من حديث بلال، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه غسان بن عوف، قال الأزدي: ضعيف.(1/671)
" امسحوا على الخفين والخمار " (1) ، وفي رواية: " رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح
على الموقين والخمار " (2) ، ورواه ابن عيينة عن ابن أبي ليلى وأبان بن ثعلب عن
الحكم فيما رواه الكجي في سننه عن الزيادي كرواية الثوري، وقال أبو على
الجياني: هو حديث مختلف فيه من رواية الأعمش عن الحكم، ويقال: إن ابن
أبي ليلى لم يسمع من بلالا فهو مرسل، والله أعلم. قال الحربي: وأجمع شعبة
ومنصور وحجاج وأبان بن ثعلب وابن أبي ليلى أنه عن ابن أبي ليلى عن
بلال، واختلف أصحاب الأعمش فقائل عن ابن أبي ليلى عن كعب عن
بلال، ومنهم قائل عن البراء عن بلال، وقال سفيان: عن ابن أبي ليلى عن
بلال كما قاله شعبة وأصحابه، وهذا عندي- والله أعلم- هو القول لعلم
شعبة بحديث الحكم وكره مجالسة أبيه وثبت منصور وعلة الاختلاف عنه
ولكثرة من وافقهما؛ ولأنه لم يوافق الأعمش من ينتفع به ثم اختلف أصحابه
فكان ما روى سفْيان أحب إلي وليس من قال كعب بن عجرة بأثبت ممن
قال البزار من سفيان حين لم يذكر كعبا ولا البزار. وأما رواية ليث عن الحكم
عن ابن أبي ليلى عن كعب عن بلال فأحسبه سمعه من الأعمش موافقا لرواية
عيسى ابن فضيل، وقال غيره: أبي المحياة وهو معتمر عن ليث عن الحكم عن
حبيب عن شريح عن بلال، فلو اتفق أصحاب ليث لجاز أن يكون هذا
حديث آخر، لكن شيبان رواه عن الحكم عن شريح عن بلال، وزاد: وما أقف
على رأيه/وأرسله عن ابن عينية فلا حجة عليه ولا له. ورواه عن بلال جماعة
منهم علي بن أبي طالب، ورواه الطبراني في الكبير من حديث ليث بن أبي
سليم عن الحكم عن شريح بن هانئ عنه قال: زعم بلال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يمسح على الموقين والخمار، وأبو سعيد الخدري بلفظ: " إن النبي- عليه الصلاة
والسلام- لم ناداه امسح على الخفين والحمار ". رواه أبو القاسم في
الأوسط (3) وقال لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، ونعيم بن حماد من
__________
(1) ضعيف الجوامع: (4452) .
(2) ضعيف مرسل. الجوامع (4453) والطبراني (1/346) وابن عساكر في " التاريخ " (3/
462) بلفظ: " امسحوا على الموق والخمار ".
(3) تقدّم من أحاديث الباب انظر هامش رقم (1) السابق.(1/672)
حديث محمد بن راشد عن مكحول عنه عن بلال أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" امسحوا على الخفين والخمار ". وشريح بن هانئ من حديث ابن أبي سليم
عن الحكم عن حبيب بن أبي ثابت عنه عن بلال، وقال في الأوسط: لم يروه
عن حبيب بن أبي ثابت إلا ابن أبي سليم. تفرد به معتمر بن سليمان
وعبد الرحمن بن عوف من حديث أبي عبد الله مولى بنى تميم عنه بلفظ:
" الخمار والموقين " قال أبو داود: هو أبو عبد الله مولى بنى تميم بن مرّة، وزعم
الحافظ أبو القاسم بن عساكر أن أبا داود تفرد به، وكذلك الحافظ المنذري
تبعه والشيخ جمال الدين المزي وليس كما زعموا لثبوته في كتاب السنن لأبي
عبد الرحمن النسائي رواه أبي الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا ثنا عمرو
بن علي ثنا محمد ثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص عن أبي عبد الله، فذكرها
قال ابن عساكر: ورواه أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي بكر بن حفص
عن أبي عبد الرحمن عن أبي عبد الله فعليه، وقال أبو عمر بن عبد البر في
كتاب الاستغناء: هذا إسناد مضطرب مقلوب مرة يقولون عن أبي عبد الله عن
أبى عبد الرحمن، ومرة عن أبي عبد الرحمن عن أبي عبد الله، وكلاهما
مجهول لا يعرف والعجب أنّه من حديث شعبة وهو إمام عن أبي بكر بن
حفص وهو ثقة. انتهى كلامه، وهو مردود بما ذكره أبو عبد الله في
مستدركه، وخرجّه من حديث شعبة عن أبي بكر سمع أبا عبد الله يُحدِّث
عن أبي عبد الرحمن / وقال: هذا حديث صحيح، فإن أبا عبد الله مولى
اليمنى معروف بالصحة والقبول، وهو موافق لما ذكره أبو داود، والله أعلم.
ويؤيده ما ذكره الدارقطني في كتاب العلل، ورواه عبد الملك بن أبحر عن أبي
بكر بن حفص عن أبي عبد الرحمن مسلم بن يسار، ويذكره قيل له: أبو
عبد الرحمن عن أبي عبد الله من هما فقال: ما سماهما أحمد إلا ابن أبحر،
وليس عندي كما قال: انتهى. فيشبه أن يكون الحاكم اعتمد هذه التسمية،
ولهذا نبه على أبي عبد الله واعترض على أبي عبد الرحمن لجلالته وثقته، وفي
كتاب الكنى للنسائي عن أبيِ جرير بن سهيل والجرير بن معاوية قالا: مر بنا
بلال فعلما بأنا عبد الرحمن فقال: كيف سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في نزع
الخفين ... الحديث، وحكيم بن حزام عنه أنه: " توضأ ومسح على خمار(1/673)
وقال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ هكذا "، وذكره النيسابوري في كتاب الأبواب
ثنا يزيد بن سنان ثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن عبد الله عن
عبد الملك بن سعيد عنه، والحكم بن منبه قال: " رأيت بلال يتوضأ ومسح
على الخفين والخمار ". رواه أيضا عن علي بن حرب ثنا زيد بن حباب حدثنى
الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن شبيب بن الحكم
عن أبيه به وأبو جندل بن سهيل بن عمرو من حديث يحيى بن حمزة عن
العلاء بن الحرث عن مكحول عن الحرث بن معاوية عنه والحرث بن معاوية
من حديث مكحول عنه، وأبو إدريس الخولاني من حديث أبي قلابة عنه،
وقيل: عن أبي قلابة عن بلال بإسقاط عبد الله، وزعم البخاري أن حماد بن
سلمة أخطأ فيه؛ لأن أصحاب أبي قلابة رووه عن بلال لم يذكروا فيه عن أبي
إدريس وأبي ذلك أبو محمد الفارسي فصحح حديث أبي إدريس، وقال ابن
أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه زهير عن حميد الطويل عن أبي رجاء
عن عمه عن أبي إدريس عن بلال في المسح،/فقال أبي: هذا خطأ إنما هو
حميد عن أبي رجاء مولى لأبي قلابة عن أبي قلابة عن أبي إدريس قلت:
الخطأ ممن هو؟ قال: لا ندري، قال: ورواه الخزاعي عن أبي قلابة عن أبي
إدريس، ولا أعلم أحدا تابع مخلدا، ويروونه عن أبي قلابة عن بلال وأبو
الأشعث الصاغاني من حديث الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن مطر
عن أبي قلابة عنه، وفي كتاب أبي الحسن البغدادي: ورواه عنه أيضا سويد بن
غفلة والحسن وابن سيرين ومكحول مرسلا وأسامة بن زيد، ولفظ سعيد بن
منصور في سننه قال عليه السلام: " امسحوا على الخفِّ والخمار " (1) . وفي
المصنف لابن أبي شيبة: ثنا يحيى بن يعلى عن ليث عن الحكم عن ابن أبي
ليلى عن كعب عن بلال: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر كانوا يمسحون على
الخفين والخمار ". وقد وقع لنا في الباب أحاديث منها حديث ثوبان قال:
" بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية، فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساحي ". خرجه الحاكم (2) من
__________
(1) مرسل الجوامع: (4455) .
(2) صحيح. رواه الحاكم (1/169) وأبو داود (146) وأحمد (5/277) والبيهقي=(1/674)
حديث ثور عن راشد بن سعد عنه وقال: صحيح على شرط مسلم ولم
يخرجاه بهذا اللفظ، إنّما اتفقا على المسح على العمامة بغير هذا اللفظ وله
شاهد فاسد. انتهى كلامه. وليس بوارد علّة قول الإمام أحمد فيما رواه عنه
المروزي، وخرجه في تاريخ بلده من حديث خارجة عن يزيد عن راشد عنه،
ولفظه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بعثا فقدموا عليه فشكوا إليه ما أصابهم من شدّة
البرد، فقال لهم: إذا أصابكم البرد فامسحوا. الحديث لا ينبغي أن يسمع من
ثوبان؛ لأنه مات قديما، وبنحوه قاله عند ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل،
وقال الحربي في كتاب العلل: راشد لم يسمع من ثوبان؛ لأنّ ثوبان توفي سنة
أربع وخمسين وراشد توفي سنة ثلاثة عشرة ومائة وبن موتهما تسع وخمسون
سنة، ويجيب عنه بأمرين: الأول: تصريح الجعفي لسماع راشد منه وهو مثبت
مقدّم على الباقي./الثاني: إذا نظرنا في مولده ووفاة ثوبان وجدنا الأمر ما قاله
البخاري لا ما قاله أحمد، وذلك أنّه ممن شهد صفين وبها ذهب عيينة فيما
ذكره غير واحد من الأئمة وثوبان توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: أربع
وخمسين بسماعه على هذا متن لا شك فيه لا سيمّا، وقد جمعهما بلد
واحد، وأمّا قول أبي إسحاق؛ فقد كفانا مئونة الردّ عليه بردّه هو على نفسه،
ورواه أبو القاسم في كتابه الكبير عن بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح
عن معاوية بن صالح عن عتبة بن أبي أمية الدمشقي عن أبي سلام الأسود عنه
وهو في المسند للبغوي الكبير من حديث الليث يعني: ابن سعد- عن معاوية،
ولفظ أبي بكر بن زياد، وخرجه من حديث معاوية بن أبي أمية الدمشقي عن
أبي سلام وأبيه قال عليه الصلاة والسلام: " يتوضأ ويمسح على الخفين
والخمار "، يعني: العمامة. وحديث سليمان المذكور قبل من صحيح ابن حبان،
وحديث عمرو بن أمية الضمري قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين
والعمامة ". رواه البخاري (1) في صحيحه من حديث الأوزاعي عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه، وقد سبق ذكره
في كتاب العلل للخلال قال محمد بن عوف الحمصي: وكان أبو المغيرة نبأ
__________
- (1/62) وشرح السنة (1/452) .
(1) تقدم من أحاديث الباب.(1/675)
به عن يحيى بن أبي قلابة عن جعفر عن عمر فردّه أحمد بن حنبل، ورواه
محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي فأسقط جعفرا فيما ذكره ابن أبي حاتم
قال ابن بطال: لم يسمع أبو سلمة من عمرو، وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن
معين أنّ حديث عمرو بن أمية مرسل وأبي ذلك الحافظ أبو محمد الفارسي
بقوله: هذا قول للخذلان أبا سلمة سمعه من عمرو سماعا، وسمع أيضا من
جعفر عنه، وقال الأصيلي: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛
لأنّ شيبان رواه عن يحيى فلم يذكر العمامة، وتابعه حرب بن شدّاد وأبان
العطار فهؤلاء ثلاثة خالفوه فوجب/تغليب الجماعة على الواحد، وأما متابعة
معمر له فمرسل وليس فيها ذكر العمامة، ورواه عبد الرزاق مسح على خفيه
ولم يذكر العمامة، وحديث أنس بن مالك قال: " إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يمسح على الموقين والخمار " (1) . ذكره أبو بكر الحافظ في سننه بإسناد صحيح
من حديثه عن علي بن عبد العزيز- رحمه الله- ثنا الحسن بن الربيع عن ابن
شهاب الحناط عن عاصم الأحول عنه. ورواه أبو القاسم في الأوسط عن
أحمد بن يحيى الحلواني ثنا الفضل ثنا عيسى بن ميمون عن حميد عنه بلفظ:
" رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الموقين ". وقد تقدم ذكره من عنده أيضا في باب
المسح أنّ ذلك قبل موته عليه السلام بشهر، وحديث عبد الصمد بن
عبد الوارث عن الهيثم بن قيس عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه عن
جدّه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه رخص للمسافر في المسح على الخفين والعمامة
للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام " (2) . ذكر أنّ ابن أبي حاتم أنّه سأل أباه
عنه فقال: هذا حديث منكر. ثنا به قرة، ولم يذكر فيه العمامة وليس ليسار
صحبة، وحديث المغيرة بن شعبة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين ومقدم
رأسه وعلى عمامته " (3) . وفي رواية: " ومسح بناصيته وعلى العمامة " رواه
مسلم (4) في صحيحه وقد تقدم طرف منه، وفي كتاب الطوسي: " أنه صبّ
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قضى الحاجة وغسل يديه قال: وأحسبه بالتراب فتوضأ
__________
(1- 3) تقدمت من أحاديث الباب.
(4) صحيح. رواه مسلم في: 2- كتاب الطهارة، 23- باب السح على الناصية والعمامة،
(ح/83) .(1/676)
ومسح على ناصيته والعمامة ومسح على الخفين ". ثم قال: يقال حديث المغيرة
حسن صحيح. وحديث أبي أمامة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يمسح المسافر على
الخفين والخمار ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة ". رواه (1) أحمد فيما
ذكره حرب بن إسماعيل عن محمد بن أبي بكر ثنا عبد الصمد ثنا مروان أبو
سلمة ثنا مسهر عنه، وقال مهنأ: سألت/أحمد عن حديث يحيى بن أبي
سمينة ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا مروان أبو سلمة عن شهر بن
حوشب عنه، فقال: ليس بصحيح. وحديث أبي ذر قال: " رأيت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الموقين والخمار ". ذكره ابن حزم مصححا له من طريق
مخلد بن الحسن عن هشام بن حسان عن حميد بن هلال عن عبد الله بن
الصامت عنه. وحديث أبي هريرة (2) : " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين
والخمار- يعني: العمامة- ". ذكره أبو القاسم في الأوسط (3) من حديث
عبد الحميد بن جعفر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه وقال: لم
يروه عن عبد الحميد إلا يعلى بن عبد الرحمن الواسطي، وحديث أبي طلحة:
"أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الخفين والخمار " (4) . أنبأ به الشيخ الإمام
شمس الدين أبو البركات محمد الشرابيني- رحمه الله- أنبأ الإمامان أبو
محمد السكرى وعبد العزيز الحراني قالا: أنبأتنا أم هانئ الفارقانية أبنا فاطمة
الجوزدانية أبنا أبو بكر محمد ابن عبد الله أبنا الإمام أبو القاسم اللخمي قال:
أبنا علي بن عبد العزيز أبنا عمر بن شيبة النميري أنبأ جرمي بن عمارة عن
شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الرحمن بن عبد الباري
عنه، ولم يروه عن شعبة إلا جرمي تفرد به عمر بن شيبة، وحديث كعب بن
عجرة ذكره أبو محمد الأموي مصححا له وقال: وهو قول جمهور الصحابة
والتابعين وسواء في ذلك الرجل أو المرأة لعلّة أو لغير علّة، وسواء أكان على
خمار أو قلنسوة أو بيضة أو مغفرا وغير ذلك؛ فإنّه يجزئ، وقال ابن المنذر:
" وثبت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على العمامة "، وفيه يقول: واختلفوا في
__________
(1) تقدم. ورواه أحمد في " المسند " (5/213) وحنف (1/281) وعبد الرزاق في " المصنف "
(798) وحنيفة (32) وأصفهان (1/124) والطبراني (8/69) والبيهقي (1/278) .
(2- 4) تقدمت من أحاديث الباب(1/677)
المسح عليها فممن مسح: أبو بكر وعمر وأنس/وأبو أمامة، وروى ذلك عن
سعد بن أبي وقاص وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز ومكحول والحسن
وقتادة، وفيه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: وممن كان لا يرى المسح
عليها: على بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وابن عمر، وفيه قال عروة
والنخعي والشعبي والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، واختلفوا في
مسح المرأة على خمارها: فمِفن قال تمسح على رأسها ولا تمسح على
خمارها: نافع والنخعي وعطاء وابن أبي ليلى، وبه قال أحمد وابن أبي سليمان
ومالك والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي، وقد روينا عن أم سلمة أنها
كانت تمسح على الخمار، وروى ذلك عن الحسن وهو قول أبي ثور وروينا
عن أنس: " أنه مسح على قلنسوته "، ولا يعلم أحدا قال به، وكان الأوزاعي
وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي والنعمان وإسحاق لا يرون ذلك، وإن
مسح على عمامته ثم نزعها ففي قول الأوزاعي يمسح على رأسه، وقال أحمد:
يعيد الوضوء وقاس قول من يقول إذا خلع خفيه إنه على طهارته أن يكون
كذلك من نزع عمامته، وقال مكحول: المسح على الخفين والعمامة سواء إذا
مسح عليهما ثم نزعهما فعليه إعادة الوضوء. انتهى. وفي قوله عن أنس، ولا
نعلم أحدا قال: فيه نظر إن أراد متابعته؛ لما ذكره أبو بكر في مصنفه عن
يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي عروبة عن أشعث عن أبيه أنّ أبا موسى
خرج من الخلاء فمسح على قلنسوته، وإن أراد الفقهاء فيرد عليه ما أسلفناه
عن ابن حزم قال وهو قول الثوري، وأمّا ما حكاه عن على مردّه معا حكاه أبو
محمد مستدلا به إنّ عليا سئل عن المسح على الخفين. فقال: نعم وعلى
النعلين والخمار. وروى ابن زياد عن ابن أسكب ثنا محمد بن ربيعة ثنا ابن
جريج عن عطاء: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فمسح العمامة ومسح مقدّم
رأسه " (1) ./ثنا أبو الأزهر ثنا روح ثنا ابن جريج قال: قلت لعطاء: هل بلغك
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 89- باب ما جاء في المسح على
العمامة، (ح/ 564) . بلفظ: " توضأ وعليه عمامة قطرية. فأدخل يده من تحت العمامة،
فمسح مقدْم رأسه، ولم ينقض العمامة ".
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/ 124) ، وضعيف أبي داود (ح/ 18) .(1/678)
من رخصة في المسح على العمامة؟ قال: لم أسمعه من أحد إلا من أبي سعد
الأعمى قال ابن جريج: وأنا أيضا قد سمعته من أبي سعد، قال أبو سليمان:
شرط من جوّز المسح على العمامة أن يتيمم أي: يمسح عليها بعد كمال
الطهارة كما يفعله من يريد المسح على الخفين، ومن أتى من المسح ورأى أنه
كان يقتصر على مسح بعض الرأس فلا يمسحه كلّه مقدّمه ومؤخّره، ولا ينزع
عمامته عن رأسه ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة كالمفسر حيث قال: مسح
ناصيته وعلى عمامته فوصل مسح الناصية بالعمامة، وإنّما وقع إذا الواجب من
مسح الرأس بمسح الناصية إذ هي جزء من الرأس وصارت العمامة تبعا له كما
روى له مسح أسفل الخف وأعلاه، ثم كان الواجب في ذلك مسح أعلاه
وصار مسح أسفله كالتبع له والأصل المتيقّن وجوبه بالحديث المحتمل، وبنحوه
قاله الثقفي في نصرة الصحاح إلا أنه قال: خبر علي تركه المغيرة، وقال: وفي
السنن والإجماع ثبت عندنا أكثر من ثبوته بالرواية؛ إمّا لأنه فعل في حال
ضرورة أو من طريق النسخ، وقد أجمع الفقهاء على تركه ولم يختلفوا في
المسح على الخفين. انتهى كلامه، وفيه نظر، لما أسلفناه قول من قال فيه من
الفقهاء، قال أبو سليمان: ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد؛ لأنّ الخفّ
يشق نزعه ونزع العمامة لا يشق ويشهد لنا، ولهم في حديث ثوبان حديث
أنس: " فأدخل يده من تحت العمامة ". انتهى. وفي قوله وشرط من جوز المسح
الطهارة يردُّه قول أبي محمد، وسواء لبسها على طهارة أو غير طهارة وبه قال
أصحابنا، قال: ولها توفيت في المسح عليها، وقد جاء التوقيت في ذلك ثابتا
عن عمر ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى كلامه، وليس
بوارد عليه ما تقدّم من الحديثين اللذين فيهما التوقيت للطعن في سندها، والله
أعلم./قال: فلو كان تحت ما لبس على الرأس خضاب أو رداء جاز المسح
عليهما متعمدا كان أو غير متعمد، وقولنا: بالمسح في الوضوء خاصة، وأما في
كل غسل واجب فلا ولا بُدّ من غسل الرأس، والله تعالى أعلم.(1/679)
59- باب التيمّم
حدثنا محمد بن رمح ثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن
عبد الله عن عمار بن ياسر أنه قال: " سقط عقد لعائشة، فتخلّفت لالتماسه،
فانطلق أبو بكر إلى عائشة فيغبط عليها في حبسها الناس، فأنزل الله تعالى
الرخصة في التيمم، قال: فمسحنا يومئذ إلى المناكب، قال: فانطلق أبو بكر
إلى عائشة فقال: ما علمت أنك لمباركة " (1) . هذا حديث إسناده منقطع؛ لأن
عبيد الله بن عبد الله لا يدرك عمارا يدل عليه ما رواه ابن ماجة بعد هذا. أنبأ
محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن عبيد الله عن
أبيه عن عمار قال: " تيممنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب " (2) - وفي كتاب
المعرفة لأبي بكر رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري ثم سمعه من
الزهري فرواه عنه فكان يقول أحيانا: عن أبيه عن عمار، وأحيانا لا يقول عن
أبيه قال على بن المديني: قلت لسفيان: عن أبيه عن عمار قال: أشكّ في أبيه؟
قال علي: كان إذا أنبأ لم يجعل عن أبيه. ورواه الشافعي عن الثقة عن معمر
عن الزهري، فذكر أباه، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر فلم يذكره،
واختلف فيه على الزهري فقيل: عنه عن أبيه، وقيل: عنه دون ذكر أبيه ورواه
صالح بن كيسان عند أبي (3) داود عن الزهري حدثني عبيد الله عن ابن
عباس عن عمار: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرس بأولات الجيش ومعه عائشة،
فانقطع عقد لها من جزع ظفار فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك حتى/أمّنا
الفجر، وليس مع الناس ماء فيغيط عليها أبو بكر وقد حبست الناس، وليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه في: 90- باب ما جاء في السبب " أبواب التيمم " من " كتاب
الطهارة "، (ح/565) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) المصدر السابق، (ح/566) .
(3) حسن. رواه أبو داود (320) والنسائي (الطهارة، باب " 196 ") وأحمد (4/264) .
قوله: " عرس " نزل ليلا ليستريح، و" الجزع " - بفتح الجيم وسكون الزاي- خرز يمني،
و" ظفار " - بكسر الظل أو فتحها- مدينة بسواحل اليمن.(1/680)
معهم ماء؛ فأنزل الله تعالى رخصة التطهير بالصعيد الطيّب، فقام المسلمون مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربوا بأيديهم الأرض ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من
التراب شيئا فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى
الأباط ". قال أبو داود: زاد ابن يحيى في حديثه عن ابن شهاب ولا يعتبر
الناس هذا، قال أبو داود: وكذلك رواه ابن إسحاق- يعني: عن الزهري-
قال فيه: عن ابن عباس، وذكر ضربتين كما ذكره يونس ورواه معمر ضربتين،
وقال مالك: عن الزهري عن عبيد الله عن أبيه عن عمار، وكذلك قال أبو
أوس وشك فيه ابن عيينة قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه أو عن عبد الله بن
عباس: اضطرب فيه. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس اضطرب
فيه وفي سماعه من الزهري شك، ولم يذكر أحد منهم الضربتين من جهة
يونس عن ابن شهاب عن عبد الله عن عمار بلفظ: " فأمر المسلمين فضربوا
بأكفهم التراب ولم ينقضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم مسحة واحدة،
ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا أيدهم ". وفي قول أبي
داود: ولم يذكر أحد منهم- يعني: من الرواة عن الزهري- إلا من سمت
نظر؛ لأن ابن أبي ذئب رواه عنه، كذلك أنبأ بحديثه أبو العباس أحمد بن
وهب الشافعي أنبأ أبو الحسن بن سلامة أنبأ أحمد بن محمد البصري أنبأ
القاسم بن أحمد الأصبهاني أنبأ الحافظ أبو بكر بن مردويه ثنا عبد الله بن
إسحاق البغوي ثنا أحمد بن ملاعب ثنا عبد الصمد بن النعمان ثنا ابن أبي
ذئب به، وفي كتاب اللخمي قال سفيان: فرأيت إسماعيل بن أمية جاء
إلى الزهري فسأله عن هذا الحديث فأبا أن يحدثه، وقال: لم أسمعه إلا من
عبيد الله بن عبد الله فانظروا هل تجدونه من جانب آخر، ولما سأل ابن أبي
حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث صالح بن كيسان وعبد الرحمن بن إسحاق
عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس عن عمار/في التيمم فقالا: هذا خطأ
رواه مالك وابن عيينة عن الزهري عن عبد الله عن أبيه عن عمار وهو
الصحيح، وهما أحفظ، قلت: قد رواه يونس وعقيل وابن أبي ذئب عن
الزهري عن عبيد الله عن عمار وهم أصحاب الكتب فقال مالك: صاحب
كتاب وصاحب حفظ، وأما ما زعمه ابن عساكر والمزي من أن ابن ماجة(1/681)
خرج في سننه عن محمد بن أبي عمر عن سفيان عن عمرو عن الزهري عن
عبيد الله عن أنس عن عمّار به فغير صحيح؛ لأني لم أجده في كتابه، وفي
التمهيد كل ما يروى عن عمّار في هذا مضطرب مختلف فيه وأكثر الآثار
المرفوعة عنه ضربه واحدة للوجه واليدين، وفي سؤالات أحمد بن أبي عبدة
قال أحمد في حديث عمّار: هذا أثبت عندي، وقال عبد الحق: الصحيح
المشهور في صفة التيمم من تعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّما هو للوجه والكفين. وأقرّه
على ذلك أبو الحسن؛ بل نظرته، وكذا قاله ابن الجهار في المدارك، وقال
إسحاق فيما ذكره أبو عيسى (1) : حديث عمار الوجه والكفين حديث صحيح
وحديثه: " تيممنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المناكب والآباط " (2) ليس هو بمخالف
لحديث الوجه والكفين؛ لأنّ عمارا لم يذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم بذلك، وإّنما
قال: فعلنا كذا وكذا فلما سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بالوجه والكفين، ففي هذا
دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال الإمام الشّافعي: ولا يجوز على
عمار إذ ذكر تيممهم مع (3) النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند نزول الآية إلى المناكب إن كان
عن أمره عليه السلام إلا أنه منسوخ عنده إذ روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنه أمر
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 110- باب ما جاء في التيمم، (ح/
144) وقال: " حديث عمار حديث حسن صحيح ".
ورواه للدارمي (1/190) وأحمد في المسند (4/263) وأبو داود (1/128) وابن الجارود
) ص 67) والبيهقي (1/210) كلهم من طريق قتادة. قال الدارمي بعد روايته: " صح
إسناده ".
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الرحمن بن أبزي قال: " جاء رجل إلى
عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب:
أما تذكر ألا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت
ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما كان يكفيك هكذا، وضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكفيه الأرض
ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه ". اللفظ للبخاري، وانظر فتح الباري (1/375-
377) .
(2) انظر: سن الترمذي) ص 270 ج 1 بعد الحديث السابق. ورواية التيمم إلى المناكب
والآباط عند أبي داود والنسائي وابن ماجة. وانظر نصب الراية (1/81) .
(3) قوله: " مع " وردت " بالأصل " " وسعى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه من
" الثانية ".(1/682)
بالتيمم على الوجه والكفين " أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا فاختلف
رواية عنه فيكون رواية ابن الصمة التي لم يختلف أثبت، وإذا لم يختلف
فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق لكتاب الله تعالى من الروايتين اللتين رويتا
مختلفتين أو يكون إنما سمعوا آية التيمّم عند حضور صلاة فتيمموا فاحتاطوا
على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأنّ ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو/
فعلوه في الوضوء فلما صاروا إلى سؤاله عليه السلام أخبرهم أنّهم يجزيهم من
التيمم أقلّ ما فعلوه وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث
عمار ما وصفت من الدلائل، والله تعالى أعلم. وقال ابن أبي حاتم سألت أبي
عن اختلاف حديث عمار في التيمم وما الصحيح منها فقال: رواه الثوري عن
سلمة عن أبي مالك الغفاري عن عبد الرحمن بن أبزى عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ورواه مسعد عن الحكم عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمار
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه شعبة عن سلمة عن ذر عن عبد الرحمن عن أبيه عن
عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه حصين عن أبي مالك سمعت عمارا يذكر التيمم
موقوفا قال: أتى الثوري أحفظ بن شعبة قلت لأبي: فحديث حصين عن أبي
مالك قال الثوري: أحفظ، ويحتمل أن يكون سمع أبو مالك من عمّار كلاما
غير مرفوع، وسمع مرفوعا من عبد الرحمن بن أبزى عن عمار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
القصة، وفي كتاب ابن أبي حازم حديث عمار لا يخلوا إمّا أن يكون عن
أمره عليه السلام أو لا، فإن لم يكن عن أمره فقد صحّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافه،
ولا حجة لأحد مع كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحق أحق أن يتبع فإن كان عن أمره
فهو منسوخ وناسخه أيضا حديث عمار- يعني: المذكور في الصحيح،
مرفوعا: " إنما كان يجزيك.. وضرب عليه الصلاة والسلام بيده الأرض إلى
التراب، ثم قال: هكذا يتضح منها فمسح وجهه ويديه إلى المفصل " (1) ، وليس
فيه الذراعان، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ لتأخّره عن الحديث الأوّل،
فإن قيل: فلو كان عمار حفظ التيمم في أوّل الأمر، وكان الثّاني بعد الأوّل
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/112) وأبو داود (326) وابن خزيمة (269،
270) والفتح (1/444) والدارقطني (1/180) وأبو عوانة (1/305) والنسائي (1/
170) وأحمد (4/264، 265، 396) ومعاني (1/112) .(1/683)
كما زعمتم لما اضطر عمار إلى التمرغ في التراب، قلت: إنّما أشكل الأمر على
عمر وعمار لحصول الجنابة فاعتزل عمر وتمعك عمار ظنّا منه أنّ حالة الجناية
يخالف حالة الحدث الأصغر، إذ ليس في الحديث الأوّل ما يدلّ على أنّ القوم
كانوا قد أصابتهم جنابة وهم على غير ماء فاحتاجوا إلى الوضوء فأمروا
بالوضوء،/ولفظ الدارقطني (1) في حديثه، إذ سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما تمرغ في
الصعيد كالدابة وضرب بكفه ضربة إلى الأرض ثم نفضها وقال: " تمسح بها
وجهك وكفيك إلى الرسغين "، وقال: لم يروي عن حصين مرفوعا غير إبراهيم
ابن طهمان وأوقفه شعبة وزائدة وغيرهما، ورواه أبو بكر الأثرم ثم يمسح
بوجهك وكفيك إلى الرسغين من رواية إبراهيم عن حصين، وفي لفظ
لمسلم (2) : " ثم تمسح بهما وجهك وكفيك". وفي لفظ لابن ماجة (3) : " فضربوا
بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئا فمسحوا وجوههم مسحة واحدة،
ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصّعيد مرة أخرى، فمسحوا بأيديهم ". وفي لفظ
لأبي (4) داود: " ثم مسح وجهه والذراعين لما نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين
ضربة واحدة ". وفي رواية شكّ سلمة بن كهيل فقال: لا أدرى فيه إلى
المرفقين يعني: أو إلى الكعبين. وقال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه
والذراعين، فقال لهما منصور ذات يوم: انظر ما يقول؛ فإنّه لا يذكر الذراعين
غيرك. وقال الطبراني في الأوسط (5) : لم يروه عن الحكم ابن علية إلا سليمان
ابن أبي داود. تفرد به محمد بن سليمان فرجع إلى أبي داود، وفي رواية؛ لأنه
لم ينفع وفي رواية: " سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التيمم فأمرني به واحدة للوجه
والكفين ". وفي كتاب الدارقطني إلى المرفقين قال الحربي: فذكرته لأحمد بن
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/180) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 28- باب التيمم، (ح/112) .
(3) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 92- باب في التيمم ضربتين، (ح/ 571) .
وصححه الشيخ الألباني.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/ 322) .
(5) قوله: في " الأوسط" غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/684)
حنبل فعجب منه وقال: ما أحسنه. وفي رواية لأبي داود قال: المرفقين، وفي
إسناد هذه الرواية رجل مجهول، قال أبو القاسم في الأوسط: لم يرو هذا
الحديث عن أبان بن يزيد العطار إلا عفّان، وقال أبو محمد بن حزم: والأخبار
الثابتة كلها عن عمار خلاف هذا فسقط هذا الجزء. وفي لفظ النسائي: " ثم
ضرب بيده على الأرض ضربة واحدة فمسح كفيه ثم نفضهما.، ثم ضرب
بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله، وعلى وجهه وكفيه " (1) . وفي المعرفة
قال الشافعي: ولو أعلمه رأينا- يعني: الوجه والكفين- لم أعده ولم أشك
فيه، وفي الأوسط لابن مطير: ثنا محمد بن نوح بن حرب ثنا يحيي بن غيلان
ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن عتبة/بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن
سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أمه عن عمار أنه
أصابته جنابة وليس معه ماء، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما يكفيك أن تمسح
وجهك وكفيك بالتراب ضربة للوجه وضربة للكفين ". وقال: لم يروه عن ابن
عميس عتبة بن عبد الله إلا إبراهيم بن محمد: وفي المعجم الكبير له: وضربة
لليدين إلى المنكبين ظهرا وبطنا، وفي لفظ: " ومن بطون أيديهم إلى الآباط "،
وفي لفظ: " إلى المناكب والآباط "، وفي لفظ: " إنما كان يكفيك من ذلك
التيمم " فإذا قدرت على الماء اغتسلت (2) .. وفي لفظ غريب في الإبل:
" فأجنبت فأمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أتيمّم، وكنت تمعكت في التراب حتى
أجنبت ". رواه عن أحمد بن الخضر المروزي ثنا محمد بن منده المروزي ثنا أبو
معاذ النحوي الفضل بن خالد ثنا أبو حمزة السكرى عن رقبة عن أبي إسحاق
عن ناجية بن كعب عنه وهو غير حديثه الذي في الصحيح؛ لأنّ ذاك وهو في
غزاة والله أعلم. وفي كتاب الكنى للنسائي أنه قال لعمر: " أما تذكر أنا كنّا
نتناوب رعية الإبل فأجنبت. " (3) الحديث. وفي كتاب البيهقي: " أجنبت في
الرمل فتمعكت ... " (4) الحديث. وفي حديث عبد الله بن عمر: " سلّم رجل
__________
(1) راجع الحديث الأول من هذا الباب ص 681.
(2) رواه البيهقي في " الكبرى ": (1/220) .
(3) رواه أبو داود: (ح/322) .
(4) رواه البيهقي في " الكبرى ": (1/216) .(1/685)
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه فلم
يرد عليه حتى إذا كاد أن يتوارى ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه
ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل السلام ". رواه أبو
داود (1) من حديث محمد بن ثابت العبدي عن نافع عنه، وقال في كتاب
التفرّد: لم يتابع أحد محمد ابن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي-
عليه السلام- ورووه عن ابن عمر، ورواية أبي الجهم نحو حديث ابن الهادي
عن نافع عن ابن عمر ورواه أيوب بن مالك، وعبيد الله، وقيس بن سعد،
ويونس، وابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر: " أنه يتيمم ضربتين للوجه "، قال
أبو داود:/جعلوه يقل ابن عمر، وسمعت أحمد يقول: روى محمد بن ثابت
حديثا منكرا في التيمم أثر كلامه وفيه نظر؛ من حيث أنّ حديث ابن أبي
داود مرفوع لا موقوف ذكره الشيرازي في الألباب فقال: ثنا أبو عمرو ثنا
محمد بن إبراهيم ثنا موسى بن سعيد بن النعمان بن حسان الدرداني ثنا أبو
حذيفة موسى بن مسعود ثنا ابن أبي رواد به بلفظ: " التيمم ضربتان ضربة
للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ". وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه بهذا
التمام عن نافع إلا العبدي. وقال أبو أحمد بن عدي: خالف العبدي عبيد الله
وأيوب والناس فقالوا: عن نافع عن ابن عمر فعله. وقال الخطابي: هذا حديث
لا يصح؛ لأن محمدا ضعيف جدا لا يحتج بحديثه. وقال أبو بكر في كتاب
المعرفة: رواه جماعة من الأئمة عن العبدي منهم يحيى بن يحيى ومعلى بن
منصور وسعيد بن منصور وغيرهم. وقال مسلم بن إبراهيم في رواية موسى بن
الحسن بن عباد عنه: ثنا محمد بن ثابت العبدي وكان صدوقا وابن معين لم
ير به بأسا في رواية عثمان الدارمي عنه، وأنكر البخاري رفع هذا الحديث
ورفعه غير منكر فقد روى الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر- يعني:
الذي في صحيح مسلم- قصة السلام مرفوعة إلا أنه قصر ثنا مسلم بذكر
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 122- باب التيمم في الحضر، (ح/
330) . ورواه الحاكم (1/179) والمجمع (1/262) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه
علي بن ظبيان ضعفه يحيي بن معين فقال: كذاب خبيث وجماعة، وقال أبو علي النيسابوري:
لا بأس به. والدارقطني (1/180) .(1/686)
التيمم، ورواه يزيد بن عبد الله بن الهاد عن نافع عن ابن عمر فذكر قصة
السلام، وذكر قصة التيمم إلا أنّه قال: ثم مسح وجهه ويديه كما روى يحيى
بن بكير عن الليث في حديث ابن عبد الصمد وإنّما تفرد العبدي من هذا
الحديث فذكر الذراعين فيه دون غير، وتيمم ابن عمر ورضاه بذلك يؤكد
رواية العبدي، وشهد له بالصحة فقد صار هذه الشواهد معلوما أنه روى قصة
السلام والتيمم، وهؤلاء يخالف النبي فيما يروى عنه فتيمّمه على الوجه
والذراعين إلى المرفقين يدلّ على أنّه حفظه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنّ العبدي حفظه
من نافع، أنبأ أبو سعيد أنبأ أبو العباس أنبأ الربيع أنبأ الشافعي أنبأ مالك عن
نافع أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف حتى إذا كان بالمربد نزل فتيمّم
متعبدا،/فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى. وروى عُبيد الله ويونس
عن نافع عن ابن عمر أنّه كان يقول: " التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة
للكفين إلى المرفقين " (1) . قال: ورويناه أيضا عن جابر مرفوعا: " التيمم ضربة
للوجه وضربة للكفين إلى المرفقين " (2) انتهى كلامه. وفيه نظر من وجوه:
الأوّل: حديث العبدي الذي بآداب نفسه في تقويته بما لم يجد شيئا وإن كان
له من وثّقه، وأبو الحسن البصري فيما ذكره أبو الغرب، وقال ابن بريدة: قد
صحّ معنى ذلك من حديث ابن عباس وغيره لما ذكره أبو حاتم وسأله ابنه عن
حديثه فقال: هذا خطأ إنّما هو موقوف. وقال أبو محمد الفارسي: إنّما رواه-
يعني: حديث ابن عمر العبدي- وضعيف هو لا يحتج به. وسأل أبو طالب
الإمام أحمد عنه فقال: هو رجل بصرى سمعت له نحو عشرين حديثا منكر.
__________
(1) ضعيف جدا. رواه الحاكم (1/179) والمجمع (1/262) وتلخيص (1/151) والمنثور
(2/167) وابن كثير (2/280) والدارقطني (1/180) والعلل (136، 137) وضعفه
الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 370، ح/2519) 0 انظر: ضعيف أبي داود
(58) ، والضعيفة (ح/3427) .
(2) ضعيف جدا. رواه البيهقي (1/207) والطبراني (8/297) والمجمع (1/262) والمسير
(2/95) ونصب الراية (1/15، 151، 155) والدارقطني (1/181، 183) .
وضعفه الشيخ الألباني: (ضعيف الجامع: ص 370، 2518- 703) . وانظر: (الضعيفة،
ح/3427) .(1/687)
وقال مهنأ: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح إنما هو عن ابن
عمر فعله، قال: وسألته عن العبدي فقال: كان يخرط في حديث عن ابن
عمرو، قال أبو داود: سمعت أحمد يقول العبدي ليس به بأس ولكن روى
حديثا منكرا في التيمم لا يتابعه عليه أحد. وقال معاوية بن صالح: سمعت
يحيى يقول: العبدي ليس به بأس منكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا
غير، وفي رواية ابن أبي خيثمة عنه: ليس بالقوى وفي رواية: ضعيف، قال
الدوري: قلت: أليس قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط. وقال
العقيلي: هذه الرواية- يعني: الموقوف- أولى وهو الصواب. وحدثني الحسن
قال: سمعت أبا داود السجستاني قال ابن ثابت: ليس بشيء هو الذي يحدّث
بحديث نافع في التيمم. وقال الساجي: روى عن نافع حديث التيمم وخالفه
أيوب وعبد الله قالوا: من فعل ابن عمر، وقال أبو الوليد الداعنى: العبدي
متروك، ولما ذكره أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب الكنى أتبعه رفع حديث
ابن عمر هذا لا غير. وقال أبو زرعة: هذا حديث باطل. الثاني: قوله إنما ينفرد
العبدي من هذا الحديث- يعني: حديث ابن عمر-/فذكر الذراعين صحيح
لما يذكره بعد من رواية الشافعي من شرح السنة البغوي، ولما ذكره أبو عبد الله
في مستدركه شاهدا ثنا أبو جعفر عبد الله ابن إبراهيم ثنا الهيثم بن خالد ثنا
أبو نعيم ثنا سليمان بن الأرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: تيممنا مع
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضربنا بأيدينا على الصعيد الطيب ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بها
وجوهنا ثم ضربنا ضربة أخرى ثم نفضنا أيدينا فمسحنا بأيدينا من المرفق إلى
الكف على منابت الشعر من ظاهر وباطن "، ثم قال: هذا حديث مفسر، وإنما
ذكرته شاهدا؛ لأن سليمان ليس من شرط هذا الكتاب، وقد اشترطنا إخراج
مثله في الشواهد، ولفظ الدارقطني في سنه: " وضربة للذراعين إلى المرفقين ".
قال الحاكم: أنبأ حمزة بن العباس العقبى ببغداد ثنا محمد بن عيسى المرايني
ثنا شبابة بن سوار ثنا سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ونافع عن ابن
عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى
المرفقين ". نا سليمان بن أبي داود، وإنّما ذكرناه في الشواهد، ثنا علي بن
عيسى ثنا محمد بن عمرو الحرشي ثنا محمد بن يحيى ثنا علي بن طيبان عن(1/688)
عبد الله بن نافع عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " التيمم ضربتان ضربة
للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين ". ورأوا للشيخان على حديث الحكم عن ذر
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمر في التيمم ولم يخرجاه
بهذا اللفظ، ولا أعلم أحدا أسنده عن عبيد الله غير علي بن طيبان، وهو
صدوق وقد وثقة يحيى بن سعيد وهشيم وغيرهما، وقد أوقفه مالك في الموطأ
بغير هذا اللفظ غير أنّ شرطي في سند الصدوق الحديث يخرجه، ولما ذكره
الجرجاني في كامله قال: ابن طيبان ضعيف عندهم، وإنّما رواه الثقات موقوفا
على ابن عمر. وقال ابن نمير: بن طيبان يخطئ في حديثه كلّه، وقال يحيى
بن سعيد وابن معين وأبو داود: ليس بشيء. وقال النسائي وأبو حاتم والأزدي:
متروك. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن
حبان: سقط الاحتجاج بأخباره./الثالث: قوله ورويناه أيضا عن جابر من غير
تعرّض من الكلام عليه لعادته حتى نظر من سمعه ضعفه، وعدم بلوغه مرتبة
حديث العبدي لا سيّما من ذكره بعده ولو صدر بذكره لكان أولى من
حديث العبدي لصحبته وعدالة رواته، ورواه الحاكم في مستدركه عن ابن
حماد وابن ماكولا ثنا إسحاق الحربي ثنا أبو نعيم ثنا عروة بن ثابت عن أبي
الزبير عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " أصابتني جنابة وإنى
تمعكت في التراب " فقال: " اضرب فضرب بيديه الأرض فمسح وجهه ثم
ضرب بيديه فمسح بهما إلى المرفقين ". وثنا ابن حماد وابن مالويه ثنا الجري
ثنا عثمان بن محمد الأنماطي ثنا حرمي بن عمارة عن عروة بن ثابت بلفظ:
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " (1) . وقال:
هذا إسناد صحيح ورواه أبو بكر في مصنفه عن وكيع عن عروة موقوفا، واتبع
ما ذكره عن ابن عمر موقوفا ووقع ذكره عنده في موضع آخر مرفوعا، وقال
أبو عبد الله النيسابوري: رواه عن محمد بن يعقوب ثنا محمد بن سنان الفزار
ثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين ثنا هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال: " رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموضع يقال له: مربد النعم
يتيمم وهو يرى بيوت المدينة ". وقال: هذا حديث تفرد به ابن أبي رزين وهو
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 687.(1/689)
صدوق ولم يخرجاه، وقد أوقفه الأنصاري وغيره عن نافع عن ابن عمر، وأما
قول أبي القاسم الطبراني لم يروه هذا التمام غير العبدي، ففيه نظر؛ لما أسلفناه
من أنّ يزيد بن الهاد ذكره كذلك، وكذا رواه أبو الحسن وفي الباب غير
حديث من ذلك حديث أبي هريرة: " أن ناسا من أهل البادية أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقالوا: إنّا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة، ويكون فينا الحائض والجنب
والنفساء ولسنا نجد الماء: فقال عليكم بالأرض ". رواه أبو القاسم في
الأوسط (1) من حديث المثنى بن الصباح عن الزهري/عن سعيد عنه وقال: لم
يروه عن الزهري إلا المثنى ولا رواه عن المثنى إلا حفص. تفرّد به إبراهيِم
الشافعي، ورواه الثوري وعبد الرزاق وغيرهما عن المثنى عن عمرو بن شعيب
عن سعيد بن المسيب، وقال في موضع آخر من هذا الكتاب: ورواه عن شيخه
أحمد بن محمد البزار ثنا الحسن بن حمّاد ثنا وكيع عن إبراهيم بن يزيد عن
سليمان الأحول عن سعيد به لا نعلم الأحول عن سعيد غير هذا ولم يروه إلا
وكيع بن إبراهيم بن يزيد، وقال البيهقي: هذا حديث يعرف فالمثنى عن عمرو
والمثنى غير قوى، وقد رواه الحجاج بن أرطأة عن عمرو إلا أنه خالفه في
الانتهاء، فرواه عن عمرو عن أبيه عن جدّه واختصر المتن فجعل السؤال عن
الرجل لا يقدر على الماء الجامع أهله، قال: نعم. ورواه أبو الربيع السكاك عن
عمرو بن دينار عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن أعرابيا ... وأبو الربيع
ضعيف، قال ابن المديني: قلت لسفيان أنّ أبا الربيع قوي عن عمرو عن سعيد
عن أبي هريرة في الرجل يعرف عن أصله فقال سفيان: إنما جاء بهذا المثنى
عن عمرو بن شعيب وإنّما قال عمرو بن مرثد: سمعت لجابر بن زيد بقوله قال
علي: قلت لسفيان: أنّ شعبة رواه هكذا عن جابر فقال: كان شعبة من أهل
الحفظ والصدق ولم يكن عن يزيد الباطل، وقد روى عن ابن أبيِ عروبة عن
عمرو وابن أبي عمرو به إنّما سمعه في من أتى الربيع عن عمر، وروى من
وجه آخر ضعيف من حديث عبد الله بن سلمة الأفطس عن الأعمش عن
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/261) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه المثنى بن الصباح والأكثر تضعيفه، وروى عياش عن ابن معين توثيقه.
قلت: وعلى هذا فأكثر الظن ان الحديث حسن.(1/690)
عمرو والأفطس ضعيف، ولفظ أبي الفرح في التحقيق: ثم ضرب بيده على
الأرض لوجهه ضربة واحدة، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح على يديه إلى
المرفقين، وهو معارض بما ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن عباد بن العوّام
عن بريدة عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة قال: " لما نزلت آية التيمم لم
أدر كيف أصنع، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم أجده، فانطلقت أطلبه، فلما رآني
عرف الذي جئت له عليله فبال ثم ضرب بيديه الأرض فمسح بهما وجهه
وكفيه " (1) . وحديث الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن الأسلع ووصف
كيف علمه النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التيمم قال: " فضرب بكفيه الأرض ثم نفضها ثم
مسح بهما وجهه ثم أمر على لحيته ثم أعادهما إلى الأرض، فمسح بهما
الأرض ثم ذلك إحداهما على الأخرى ثم مسح ذراعيه ". ذكره أبو الحسن
المقري في سنه، وضعفه أبو حاتم الرازي في كتاب العلل، ذكر البارودي أن
بسببه نزلت آية التيمم، وقال ابن حزم: هذا الحديث في غاية السقوط وفيه
إشكال؛ لأن (2) التيمم نزل قبل إسلامه وفي تاريخ البرقي أصابتني جنابة فنزل
عليه جبريل بالتيمم فذكره وهو مشكل أيضا. وحديث أبي أمامة عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اّنه قال: " في التيمم ضربة للوجه وأخرى للذراعين " (3) . ذكره عبد الله بن
وهب في مسنده عن محمد بن عمرو الشافعي عن رجل حدثه عن جعفر بن
الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عنه قال ابن حزم: فيه علّتان: إحداهما:
ضعف القاسم، الثانية: أن محمد بن عمرو لم يسم من أخبره عن جعفر، وقد
دلسه بعض الناس عليه فقال: عن محمد بن عمرو عن جعفر، ومحمد لم
يدرك جعفرا فسقط هذا الخبر. وحديث (4) أبي ذر قال: " وضع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديه على الأرض ثم نفضها ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين ". ذكره
__________
(1) انظر: تفسير آية التيمم من كتب التفاسير.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(3) ضعيف جدا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/262) وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " وفيه جعفر بن الزبير، قال شعبة فيه: وضع أربعمائة حديث.
(4) قوله: " وحديث أبي " غير واضحة " بالأولى " وأثْبتناه من " الثانية ".(1/691)
أبو محمد الفارسي من طريق ابن جريج عن عطاء حدثنى رجل أنّ أبا ذر به،
وقال: هذا خبر ساقط، قال ابن حزم: وقد روى من حديث عائشة وابن عمر
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم للوجه والكفين بضربتين وليسا صحيحين أمّا الأول: فرواه
الحربي ابن الجرمي وهو ضعيف، والثاني: فيه سليمان بن داود الحراني وهو
مثله. وحديث ابن الصمة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم فمسح بوجهه وذراعيه ". رواه
الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن
الأعرج عنه قال البيهقي: هو منقطع والأعرج لم يسمعه من ابن الصمة إنّما
سمعه من غير مولى ابن عباس. وحديث ابن الحمامة السلمي: " أنه أتى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/وهو في المسجد، فذكر حديثا فيه: ثم أقبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد
فوضع يده على حائط المسجد فمسح به وجهه وذراعيه ثم دخل ". رواه أبو
القاسم البغوي عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن محمد بن إسحاق عن
يعقوب بن عتبة عن الحرث بن عبد الرحمن بن هشام عن أبيه قال: إنّ ابن
الحمامة يذكره. وحديث عمار: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم (1) إلى المرفقين ".
ذكره البيهقي من حديث قتادة، قال: حدثني محدب عن الشيخين عن
عبد الرحمن بن أبزى عنه، والله أعلم.
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاتب ثنا عبد العزيز بن أبي حازم وثنا أبو
إسحاق الهروي ثنا إسماعيل بن جعفر جميعا عن العلاء عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ". هذا
حديث خرجه مسلم (2) بلفظ: " فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع
الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلّت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ". ورواه (3) الشافعي عن
__________
(1) قوله: " تيمم إلى " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه من سياق الكلام.
(2، 3) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (المساجد، ح/3، 4) والبخاري (1/91،
119) وأبو داود (489) والترمذي (317) والنسائي (2/56) وابن ماجة (567) وأحمد (1/
250، 2/240، 250، 412، 442، 501، 5/145) والبيهقي (2/433، 434)
والطبراني (11/61، 73، 12، 413) والتمهيد (5/222، 223) وأبو عوانة (1/
395، 396) وابن أبي شيبة (2/402، 11/432) والشافعي، وشرح السنة (2/412)
وابن كثير (2/112، 281، 3/489، 4/34) والطبراني (10/34) .(1/692)
سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال: " ثم جلست إلى سفيان ... "
فذكر هذا الحديث فقال الزهري: عن أبي سلمة- أو سعيد- عن أبي هريرة،
ولفظ ابن الجارود: وخرجه من حديث أنس بن مالك: " جعلت لي كل أرض
طيبة مسجدا وطهورا "، فرواه عن محمد بن يحيى ثنا حجاج الأنماطي ثنا
حماد عن ثابت وحميد عنه، وفي البخاري (1) من حديث جابر: " أعطيت
خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا.. " الحديث أنبأ الإمام تاج الدين أحمد بن علي بن وهب
العنبري- رحمه الله- أنبأ ابن بنت الحميري قراءة عليه وأنا أسمع أنبأ الحافظ
أبو طاهر أنبأ أبو عبد الله الثقفي أنبأ أبو الفتح هلال بن محمد ثنا أبو عبد الله
الحسين بن يحيى القطان ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام ثنا يزيد بن زريع ثنا
سليمان التيمي عن يسار عن أبي أمامة/أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله تعالى قد
فضلني على الأنبياء- أو قال- فضلت أمتي على الأمم بأربع: أرسلني إلى
الناس كافة، وجعل الأرض كلها لي ولأمتي طهورا ومسجدا، فأينما أدركت
الرجل من أي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره، ونصرت بالرعب مسيرة
شهر فقذف في قلوب أعدائي، وأحلّت لي الغنائم " (2) . وفي كتاب أبي نعيم
الأصبهاني- رحمه الله- قال: " كنا نحرس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض مفارقه
فجئت ذات ليلة إلى المكان الذي يكون فيه، فلم أجده في مضجعه فعلمت
أنه إِنما أقامته الصلاة فتلفت ورميت ببصرى يمينا وشمالا، فإذا به قائما يصل
إلى شجرة، فهويت نحوه فإذا رجل قبلي أخرجه الذي أخرجني، فقمت أنا
وهو خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصلى بصلاته فصلى ما شاء الله أن نصلي، حتى إذا
كان بين ظهري صلاته سجد سجدة فظننت أنّه قد قبض فيها فابتدرناه
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/119) ومسلم في (المساجد، ح/3) والنسائي
في (النحل، باب " 46 ") وأحمد (3/304، 5/148) والدارمي (2/224) والبيهقي
(1/212، 2/329، 433، 6/291، 4/9) والمجمع (8/59) وشفع (122،
1817) والحلية (8/316) والمنثور (5/237) والكنز (32058، 32063، 32064،
32065) وابن أبي شيبة (11/433) والحميدي (945) .
(2) صحيح. رواه البيهقي (1/222) والمشكاة (4001) والجوامع (4888) والكنز
(31951، 32070) ونصب الراية (2/325) .(1/693)
فجلسنا بين يديه أنا وصاحبي فسألناه، فقال: هل التزمتم من صلاتي الليلة
شيئا؟ قلنا: نعم. سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة حتى ظننا أنّك قد
قبضت فيها. فقال: إنى أعطيت فيها خمسا لم يعطهن نبي/قبلي ... " فذكر
الحديث وفيه: " وأعطيت دعوة ادخرتها شفاعة لأمتي " (1) .
رواه من حديث حازم بن خزيمة عن مجاهد عنه، قال: وتابعه على هذا
مزاحم بن زفر عن مجاهد عنه مختصرا، ورواه أيضا من حديث ابن أحمد بن
زفر عن مجاهد عن أبي سعيد بنحوه مختصرا، وذكر أيضا حديث حذيفة قال
عليه الصلاة والسلام: " فضلنا على الناس بثلاث: جعلت لنا الأرض مسجدا
وجعلت تربتها لنا طهورا "، رواه مسلم (2) في صحيحه وحديث ابن عباس
ولفظه "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأوتيت الكوثر"، رواه أبو
داود (3) ، وذكر أيضا حديث ابن عمر بنحوه ذكره أبو نعيم. وحديث علي:
قال عليه الصلاة والسلام: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء فقلنا ما هو يا
رسول الله؟ قال: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض،/وسميت أحمد،
وجعل لي التراب طهورا، وجُعلت أمتي خير الأمم ". ذكره أحمد في مسنده (4)
من حديث ابن عقيل عن محمد بن علي عنه. وحديث عمرو بن شعيب عن
أبيه عن جدّه: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام غزوة تبوك قام من الليل يصلي "،
فذكر حديثا فيه: " لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد كان قبلي ... "
فذكر حديثا وفيه: " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركتني الصلاة
__________
(1) صحيح بشواهده مشكل (2/264) والعقيلي (2/27) والحلية (8/316) .
(2، 3) تقدما من أحاديث الباب ص 692.
(4) حسن. رواه أحمد (1/98) والبيهقي (1/213) والمجمع (1/260) وعزاه إلى أحمد
وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو سيء الحفظ، قال الترمذي: صدوق وقد تكلم فيه
بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان أحمد بن
حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل، قلت: فالحديث حسن والله
أعلم. وابن كثير (2/78) ونصب الراية (1/159) والمنثور (6/214) والكنز (21416)
وابن أبي شيبة (11/434) .(1/694)
تمسّحت وصلّيت ". رواه أحمد بن حنبل في مسنده (1) ، وكذلك حديث أبي
موسى بنحوه أيضا وحديث ابن مسعود عن البيهقي بنحوه، وفي حديث
عائشة المذكور عند ابن ماجة (2) بعد وهو مخرج عند الشيخين (3) : " خرجنا
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض المغازي حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع
عقد لي ... " وفيه: " فقال أسيد بن الحصيب: ما هي بارك تركتكم يا آل أبي
بكر " وفي لفظ: " جزاك الله خيرا، فوالله ما يزل بك أمر قط إلا جعل الله لك
منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة ". وفي كتاب التفرّد لأبي داود:
" فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكروا ذلك فأنزلت آية
التيمم " قال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث أنّهم لم يتركوا الصلاة
حين لم يجدوا الماء، فصلُّوا بغير وضوء؛ لأنّ بعض الناس يقول: إذا لم يجد
الماء لا تصل، قال أبو عمر: وهو أصح حديث روى في هذا الباب قال:
والسفر المذكور، يقال إنه كان في غزوة بنى المصطلق، وتسمى: المريسيع. وهو
ماء لخزاعة، قال الواقدي: كانت سنة خمس. وقال ابن إسحاق: سنة ست.
وقال ابن عقبة: أربع من الهجرة. وكذا ذكره ابن الجعدي عن ابن حبيب عند
النسائي (4) . ورواه هشام عن أبيه عن عائشة: " أنها استعارت قلادة من أبيها
فانسلّت منها، وكان ذلك المكان يقال له الضلضل ". كذا ضبطه البكري
بضادين معجمتين قال: وهو صحيح. وزعم الجوهري إنه بالمهملتين فأتاه أبو
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (2/222) والمجمع (10/367) وعزاه إلى " أحمد " ورجاله
ثقات. والترغيب (4/432) والشجري (1/218) والكنز (32066) وابن كثير في
" التفسير " (3/489) . وصححه الشيخ الألباني: (الإِرواء: 1/317) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، " أبواب التيمم " 90- باب ما جاء
في السبب، (ح/568) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في: 7- كتاب التيمم، 2- باب إذا لم يجد ماء ولا
ترابا، (ح/336) . ورواه مسلم في: 3- كتاب الإِيمان، 28- باب التيمم، (ح/108) .
قوله: " البيداء أو بذات الجيش " موضعان بين المدينة وخيبر.
(4) راجع حاشية الحديث الأوْل من هذا الباب. قوله: " انسلت " أي وقعت منها في خفية.(1/695)
عبيد، وفي رواية هشام قلادة، وقد سبق أنه عقد لها. وفي كتاب الترمذي/
عن الحميدي عن سفيان ثنا هشام به وفيه أنّ القلادة سقطت ليلة الأبواء في
معجم الطبراني إسناد لا بأس به؛ بل لو حسن لم ينكر ذلك ما يدلّ على أنّ
عقدها سقط مرّتين وأنّ التيمم (1) نزل بعد الإفك وكان الأول في سنة خمس
فيترجح قول من قال: كان التيمم سنة ست، وفيه بيان لقول أسيد ما هي
بأوّل تركتكم، قال: ثنا القاسم بن عباد ثنا محمد بن حميد الرازي ثنا سلمة
بن الفضل وإبراهيم بن المختار عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: " لما كان من أمر عقدي ما كان
وقال أهل الإفك ما قالوا وخرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزورة أخرى
فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، وطلع الفجر فلقيت من
أبي بكر ما شاء الله، وقال ما تنبّه في كل سفر يكون عناء وليس مع الناس
ماء، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم، فقال أبو بكر: ما تبيّنه أنك ما
علمت لمباركة ". وذكر الإمام أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي في تفسيره
أنّ القائل لها ما أنزل قلائدك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجع إلى قوله: وفي الباب أحاديث
منها حديث عبد الله بن أبي أوفى. ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل.
وحديث سلمان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تمسحوا بالأرض فإنها منكم " (2) . قال
__________
(1) قال ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء؛ لانا لا نعلم أي الآتيتين عنه عن
عائشة. وقال ابن بطال: هي آية النساء أو آية المائدة. وقال القرطبي: هي آية النساء.
ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم. وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا، وخفْي على الجمع ما ظهر للبخاري من ان المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله: " فنزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة..) الآية ".
(2) صحيح. رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصفهان " (ص 238) ورواه الطبراني في " المعجم الصغير " (83)
وقال: لم يروه عن سفيان إلا الفريابي. وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه. وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/62/2) عن عوف عن أبي عثمان النهدي. وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " لا تمسحوا " أراد به التيمم، وقيل: أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير
حائل، ويكون هذا أمر تأديب واستحباب، لا وجوب.(1/696)
الطبراني في الأصغر: لم يروه عن الثوري عن عروة عن أبي عثمان إلا
الفريابي، وقال البيهقي في هذا: حديث غريب الإسناد والمتن. وحديث معاذ:
" بال النبي فتيمم بالصعيد فلم أره يمسح يديه ووجهه إلا مرّة ". وأخرجه
الطبراني في الكبير (1) من حديث محمد بن سعيد المصلوب، والتيمم في اللغة:
القصد، قال الفراء: قال الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث) معناه: ولا تقصدوا
وفيه قول الشاعر:
تيممتها من أذرعات وأهلها ... يثرب أدنا دارها نظر عالي
يريد قصدتها ويروى سورتها أي: نظرت إلى دارها وهو أصوب، وقال
خفاف:/فإن يك صلى قد أصب صحيحها فعمدا على عيني يمّمت مالكا
أي: قصدته، وقال تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " قالوا: معناه أقصدوا الصعيد
بالتمسح، وقال الخليل: التيمم يجرى مجرى التوخي بقول تيمم أطيب ما
عندك فأطعمنا منه أي: توضأه، وعلى هذا فسّر ما ذكرنا وأجاز أن يكون
التيمم التعمد والقصد، وكثر هذا الاسم حتى صار اسما للتمسح بالتراب
والعرب تقول: تيممت الشيء تيمما وتممته تيمما واتممته، وأما قول الفراء: ولم
أسمع فيها يممت بالتخفيف، ويقولون: يممت فلانا سيفي ورمحي قصدته
وترخيته دون من سواه وأنشد الخليل:
يممت بالرمح شذراء ثم قلت له ... هذى الروة لها لعب الزحاليق
قال: ومن أنشده أممت فقد أخطأ؛ لأنه قال: شذراء والسن لا لكون إلا
من ناحية ولم يقصد به إمامه، وفي الصحاح: يممتك وتاممتك وأنشد أبو بكر
في الكتاب الزاهر:
وفي الأطعان أنسبه العرب ... يتمم أهلها نجلدا فساروا
في المائدة آية وفي النساء آية، وقال القرطبي: أولات التي في النساء؛ لأنها
لا ذكر فيها الوضوء، والتي في المائدة ذكر فيها الوضوء، وفي كتاب الحميدي
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/262) وعزاه إلى الطبراني في
" الكبير " وفيه محمد بن سعيد المصلوب وقيل فيه: كذاب يضع الحديث.(1/697)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: فنزلت: (إذا قمتم إلى
الصلاة. وقال أمية بن أبي الصلت: ليطلب الوتر أمثال ابن ذى بزر تيمم
البحر للأعداء أحوالا. وقال تعالى: (ولا آمين البيت الحرام) معناه: ولا
قاصدين قال الشاعر:
إنى كذلك إذا ما شأني بلد ... يممت صدر بعيري غيره بلدا
وقال غيره:
سل الرمح إنّى يممت أم أسلا ... وهل عادة للربع أن يتكلّما
وقال الجاحظ في كتاب الرصان تأليفه: ومنهم ثم من بنى الأعرج الأسلع
الذي قال منهم رجل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له يوما: إنى جنب وليس عندي ماء
فأنزل الله تعالى آية التيمم. انتهى. وهو قول غريب،/وأما قول ابن الجوزي
ظاهر حديث عائشة يدل على أنهما كانا مرتين حيث قالت: سقط عقدي،
وفي الآخر: لا شيء، وليس لذلك معارض ما أسلفناه من عند الطبراني لما
كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا " خرجت مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي ... " الحديث. قال القاضي أبو بكر
قول عائشة فنزلت آية التيمم: لا أدرى أي آية أرادت؛ لأن في المائدة آية وفي
النساء آية. وقال القرطبي: أولات إلي في النساء؛ لأنه لا ذكر فيها للوضوء
والتي في المائدة ذكر فيها الوضوء، وفي كتاب الحميدي عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه عن عائشة فنزلت: (إذا قمتم إلى الصلاة) ، وقال المازوري-
رحمه الله تعالى-: قال بعض أصحابنا: يباح السفر للتجارة وإن أدى التيمم،
ويحتج له بهذا الحديث؛ لأنّ إقامتهم على التماس العقد ضرب في مصلحة
المال وتيممه، وقال أبو عمر في كتاب التمهيد: فيه من الفقه خروج النساء مع
الرجال في الأسفار وفي الغزوات، وذلك مباح إذا كان العسكر كثيرا ويؤمن
عليه الغلبة روى أبو داود عن أنس: " كان عليه الصلاة والسلام يخرج بأم
سليم ونسوة من الأنصار يسقين الجرحى ". وأجمع علماء الأمصار بالمشرق
والمغرب فيما علمت أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء طهور لكل مسلم مريض(1/698)
أو مسافر وسواء كان جُنبا أو على غير وضوء لا يختلفون في ذلك، وقد كان
عمر بن الخطاب وابن مسعود يقولان: الجنب لا يطهره إلا الماء، ولا يستفتح
بالتيمم صلاة؛ لقوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا (1) وقوله: (ولا جنبا
إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (2) . وذهب إلى أن الجنب لم يدخل في
المعنى المراد بقوله: (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا) (3) . ولم يتعلّق
بقولهما في هذه المسألة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار.
انتهى كلامه. وفي شرح المهذب للثوري: قد ذكروا رجوع عمر وابن مسعود
عن ذلك، قال أبو عمر: واختلف العلماء/في كيفية التيمم فقال مالك
والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وابن أبي سلمة والليث: ضربتان
ضربة للوجه وضربة يمسح بهما إلى المرفقين يمسح اليمنى باليسرى واليسرى
باليمنى، والفرض عند مالك إلى الكوعين والاختيار إلى المرفقين، وسائر من
ذكرنا معه يرون بلوغ المرفقين بالتيمم فرضا واجبا، وقال الأوزاعي: التيمم
ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الكوعين وهما الرسغان، وروى ذلك
عن علي، وقد روى عن الأوزاعي وهو أشهر أنّ التيمم ضربة واحدة يمسح بها
وجهه ويديه إلى الكوعين وهو قول عطاء والشعبي في رواية وفيه قال: أحمد
وإسحاق وداود بن علي والطبري: وهو أثبت ما روى في ذلك عن عمّار،
ورواه سفيان عن أبي موسى عن عمار، ولم يختلف في حديث أبي وائل هذا
وسائر أحاديث عمار مختلف فيها، وقال الحسن بن حيي وابن أبي ليلى:
التيمم ضربتان، يمسح بكلّ ضربة منهما وجههه وذراعيه ومرفقيه. ولم يقل
ذلك أحد من أهل العلم غيرهما في علمي. وقال الزهري يبلغ بالتيمم الآباط
ولم يقله غيره. وفي بعض ألفاظ أبي داود (4) : أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح إلى أنصاف
__________
(1) سورة المائدة آية: 6 (2) سورة النساء آية: 43 (3) الآية السابقة.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 121- باب التيمم، (ح/323) ولفظه:
" يا عمار إنما كان يكفيك هكذا " ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على=(1/699)
ذراعيه. قال ابن عطية: لم يقل أحد بهذا الحديث فيما خطب، وفي شرح
الأحكام لابن بريزة: وقالت طائفة من العلماء: أربع ضربات ضربتان للوجه
وضربتان لليدين، قال: وليس له أصل من السنة. قال: وقال بعض العلماء:
تيمم الجنب إلى المنكب وعنه إلى الكوعين، قال: وهو قول ضعيف. وفي
كتاب ابن رشد رواية عن مالك الاستحباب إلى المرفقين والفرض الكفان. قال
أبو عمر: واختلفوا في الصعيد: فقال مالك وأصحابه: الصعيد وجه الأرض.
قال ابن أخو شدّاد: الصعيد عندنا وجه الأرض وكل أرض جائز التيمم عليها
صحراء كانت أو معدنا أو ترابا، قال: وبذلك قال أبو حنيفة والأوزاعي
والطبري، قال: ويجوز عند مالك على الحشيش إذا كان دون الأرض،
واختلفت الرواية عنه في التيمم على البلح فأجازه مرة ومنعه/أخرى، قال:
وكل ما صعد على وجه الأرض فهو صعيد، والحجة في ذلك قوله تعالى:
(صعيدا جرزا) (1) يعني: أرضا غليظة لا تنبت شيئا، وصعيدا زلقا. وقال عليه
الصلاة والسلام: " يحشر الناس على صعيد واحد " (2) أي: أرض واحدة، وفي
الصحيح: الصعيد التراب، وقال ثعلبة: وجه الأرض والجمع صعد وصعدان.
وفي الجمهرة: هو التراب الذي لا يخالطه رمل ولا سبخ هذا قول أبي عبيدة.
وقيل: هو الظاهر من وجه الأرض، وكذا فسّر قوله صعيدا طيبا. وفي الجامع:
جمع الصعيد صعد وجمع الصعد صعدات وفي الزاهر لابن القاسم الصعيد
وجه الأرض قال الشاعر:
صلى حنوطهم الصعيد وغسلهم ... نجع الترائب والرءوس يقطف
وقال الشافعي وأبو يوسف وداود فيما ذكره أبو عمر: الصعيد التراب؛ لأنه
__________
= الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعدين، ولم يبلغ المرفقين، ضربة واحدة، قال أبو داود: ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزي، ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، يعني: عن أبيه.
(1) سورة الكهف آية: 8.
(2) صحيح الترغيب (1/425) والمشكاة (5565) .(1/700)
يجرى عندهم التيمّم بغيره، قال الشّافعي: لا يقع الصعيد إلا على تراب ذي
غبار فأمّا الصخر الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ لا يقع عليه اسم صعيد.
انتهى. وما أسلفناه يرد هذا، قال: وأجمع العلماء على أنّ التيمم بالتراب ذي
الغبار جائز، وقال عليه الصلاة والسلام في الأرض وتربتها: " لنا طهور " وهو
مخرج في صحيح أبي عوانة (1) الإسفرايني وهو يقضى على قوله " مسجدا
وطهورا وتفسيره " وسُئل ابن عباس أي الصعيد أطيب؟ فقال الحرث وجماعة
العلماء على إجازة التيمم بالسباخ إلا إسحاق. انتهى. وهو محجوج مما يذكره
من عند ابن خزيمة بعد، قال أبو عمر: وقال الثوري وأحمد: يجوز التيمم بغبار
اللبد والثوب خلافا لمالك. وفي تفسير إلياس جوّز ابن علية وابن كيسان التيمم
بالمسك والزعفران. وفي حلية الشّاشي: ولا يجوز التيمم بتراب خالطه دقيق أو
جص. وقيل يجوز إذا كان التراب غالبا. وأجمع العلماء على أنّ التيمّم لا
يرفع الجنابة ولا الحدث إذا وجد الماء وأنّ المتيمّم للجنابة أو للحدث إذا وجد
الماء عاد جنبا أو محدثا كما كان،/واختلفوا إذا رأى الماء بعد دخوله في
الصلاة فقال مالك: يتمادى في صلاته، وقال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد
والمزني وغيرهم: تقطع تلك الصلاة ويخرج إلى استعمال الماء، واختلفوا في
التيمم في الحضر فذهب مالك وأصحابه إلى أنّ التيمم في الحضر والسفر سواء
إذا عدم الماء أو تعذّر استعماله، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وقال الشّافعي:
لا يجوز للحاضر الصحيح أن يتيمم إلا أن يخاف التلف، وفيه قال الطبري
وقال أبو يوسف وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر لا لمرض ولا لخوف خروج
الوقت. وقال عطاء: لا يتيمّم المريض ولا غير المريض إذا وجد الماء؛ لأنّ الله
تعالى قال: (فلم تجدوا ماء) فلم يصح التيمم إلا عند فقد الماء. قال أبو
عمر: ولولا قول الجمهور وما روى من الأثر لكان قوله صحيحا، واختلفوا
أيضا في التيمم هل تقبل (2) به الصلوات أم يلزم التيمم لكل صلاة وفرض؟
فقال شريك القاضي: يتيمم لكل صلاة فرض فقال شريك القاضي: يتيمم لكل
صلاة نافلة وفريضة. ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن يتيمم لصلاة
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) قوله: " تقبل " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/701)
فصلاها فلما سلم منها ذكر صلاة نسيها أنّه تيمّم لها. واختلفوا فيمن صلى
صلاة فرض بتيمم واحد، فروى يحيى عن أبي القاسم فيمن صلى صلوات
كثيرة بتيمم واحد ثم يعيد على ما زاد على واحدة في الوقت، واستحب أن
يعيد أبدا، وروى ابن أبي زيد عنه أنه يعيد أبدا، وقال أصبع: إنّ الجمع بين
صلاتين بتيمم واحد فيه نظر، فإن كانتا مشتركتين أعاد الثانية أبدا. وقال أبو
حنيفة والثوري والليث والحسن بن حيي وداود: يصلى ما شاء بتيمم واحد ما
لم يحدث ما لم يجد الماء وليس عليه طلب الماء إذا يئس منه، والله تعالى
أعلم.(1/702)
60- باب في المجرُوح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل
حدثنا هشام بن عمار ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين ثنا
الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح سمعت ابن عباس: يخبر أن رجلا أصابه
جرح في رأسه على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أصابه احتلام/فأمر بالاغتسال،
فاغتسل فكز فمات، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " قتلوه قتلهم الله أولم يكن
شفاء العي السؤال ". قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو غسل
جسده وترك رأسه حيث أصابه الجراح ". هذا حديث خرجه أبو داود (1) نهى
أنه منقطع عن ظفر بن عاصم ثنا محمد بن شعيب أنبأ الأوزاعي أنه بلغه عن
عطاء أنه سمع ابن عبان به وقال عبد الرحمن: سألت أبي وأبا زرعة عنه
فقالا: رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء
راوي الحديث، وخرجه أبو الحسن عن الفارسي ثنا إبراهيم بن إسحاق بن
إبراهيم ثنا عبد الرزاق ثنا الأوزاعي عن رجل عن عطاء وقال عبد الحق: ولا
بروى من وجه قوى، وسيأتي خلاف قوله: وأما قول الحافظ المنذري أخرجه-
يعني: أبا داود- منقطعا وابن ماجة (2) موصولا فلم يضع شيئا كلاهما منقطع
لكن أحدهما قال: بلغه والآخر قال: عن فلو كان في ابن ماجة بحديث أو
شبهه كما سنذكره بعد سماع له قوله، والله تعالى يغفر له، لكن المتصل ما
ذكره الحافظان أبو بكر بن خزيمة وابن حبان في صحيحهما وابن الجارود في
__________
(1، 2) ضعيف. رواه أبو داود (ح/337) وابن ماجة (ح/572) في الزوائد: إسناده
منقطع. وأحمد (1/330) والطبراني (11/194) وابن أبي شيبة (1/101) والبخاري في
" التاريخ الكبير " (8/ 288) وحبيب (1/36) والدارمي (1/192) والبيهقي (1/226،
227) وتلخيص (1/174) والدارقطني (1/190) والمنثور (2/263) والبغوي (1/532)
والكنز (27578) والحلية (3/317) والإرواء (1/142) .
قلت: ولفظه: " قتلوه قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال ". قال عطاء: وبلغنا أنّ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو غسل جسده وترك رأسه، حيث أصابه الجراح ".
وهو حديث حسن، دون بلاغ عطاء. انظر: ضيف ابن ماجة (ح/ 126) ، وصحيح أبي داود
(ح/ 364) .(1/703)
منتقاه من حديث الذهلي ثنا عمر ابن حفص بن غياث ثنا أبي أخبرني الوليد
بن عبيد الله بن أبي رباح أن عطاء حدثه عن ابن عباس بلفظ: " قتلهم الله
ثلاثا قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورا ". قال: شكّ ابن عباس ثم انتبه
بعد، قال أبو بكر: ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن
سعيد بن جرير عن ابن عباس رفعه في قوله: (لن كنتم مرضى أو على
سفر) (1) قال: إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله أو القروح أو الهذري
فيجنب فخاف إذا اغتسل أن يموت فليتيمم. وخرجه ابن الجارود أيضا، وفي
ذلك نظر؛ لما ذكره أبو أحمد من أنّ جريرا سمع من عطاء بعد الاختلاط، ولما
خرج أبو عبد الله في مستدركه/حديث الوليد قال: هذا حديث صحيح فإن
الوليد بن عبيد الله هذا ابن أخي عطاء بن أبي رباح وهو قليل الحديث جدا،
وقد رواه الأوزاعي عن عطاء مخرج بعدوله شاهد آخر عن ابن عباس فذكر
الحديث الذي أسلفناه من عند ابن خزيمة ثم ذكر حديث محمد بن يعقوب
ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ثنا بشر بن بكر حدثنى الأوزاعي ثنا
عطاء، فذكره ثم قال: بشر بن بكر ثقة مأمون وقد أقام إسناده وهو صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وثنا أبو العباس ثنا العباس بن الوليد بن يزيد
أنبأ أبي سمعت الأوزاعي يقول: بلغني عن عطاء، ورواه أيضا الفضل بن زياد
وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي فلم يذكر سماع الأوزاعي من عطاء إنّما قال:
عطاء عن ابن عباس، ورواه أيضا محمد بن كثير المصيصي فقال: ثنا الأوزاعي
عن عطاء بن أبي رباح أنبأ بذلك الإمام ضياء الدين موسى القطبي- رحمه
الله تعالى- أنبأ عبد اللطيف البغدادي قراءة عليه وأنا أسمع أنبأنا الشيخان
اللبان الجمال أنبأ أبو علي أنبأ الحافظ أبو نعيم ثنا محمد بن أحمد بن علي نبأ
إبراهيم بن الهيثم البلدي ثنا محمد بن كثير، فذكره وقال: هذا حديث
غريب لا تحفظ هذه اللفظة- يعني: ألم يكن شفاء العي السؤال- من أحد
من الصحابة إلا من حديث ابن عباس ولا عنه إلا من رواية عطاء حدث به
الوليد بن مسلم والأعلام عن الأوزاعي، وقال ابن عساكر: ورواه أيوب بن
__________
(1) سورة النساء آية: 43.(1/704)
سويد عن الأوزاعي كرواية ابن أبي العشرين، ولما خرّج البيهقي حديث الوليد
قال: هذا حديث موصول وتمام هذه القصة في الحديث الذي أرسله الأوزاعي
عن عطاء، ومن أوجب الجمع بينهما يقول: لا ينافي بين الروايتين إلا أنّ
إحداهما مرسلة وبنحوه ذكره قاسم في الدلائل، فكان أبو عبيد الله لم يعد
هذه علّة وإلا أصبحت له طريقه الحرث، فكأنه يقول: سمعه أولا عبد الله ثم
سمعه آخرا منه، ورواه أيضا في تاريخ نيسابور بإسناد ضعيف عن أبي الفضل
المسلمي ثنا محمد بن حاتم بن يونس ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن الأشعث
ثنا بشر بن يحيى من ثقات/أصحاب عبد الله ثنا أبو عصمة عن إبراهيم
الصائغ عن عطاء عن ابن العباس، ورواه أيضا عطاء عن جابر بن عبد الله
قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا معنا حجر فشجّه في رأسه، فاحتلم، فسأل
أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت
تقدر على الماء فاغتسل فمات. فلما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر بذلك
فقال: " قتلوه قتلهم الله. ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما
كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب". شك الراوي على جرحه خرقة ثم
يمسح عليها ويغسل سائر جسده. رواه أبو داود (1) من وجهه الزبير بن خريق،
قال أبو بكر بن أبي داود: هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهل الجزيرة
ولم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير وليس بالقوى وخالفه الأوزاعي، فرواه
عن عطاء عن ابن عباس: واختلف عن الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء وقيل عنه
بلغني عن عطاء وأرسل الأوزاعي أخبره عن عطاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو
الصواب، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا إسناد مختلف فيه. وصحّ عن ابن
عمر أنّه: " كان يمسح على العصابة ". وقال في السنن الكبير: هذه رواية
موصولة. وفي مسند الدارمي (2) قال عطاء: بلغني أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل بعد
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 125- باب في المجروح يتيمم، (ح/336) .
(2) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، (ح/337) .
ورواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 92- باب في المجروح تصيبه الجنابة، (ح/572) .
ورواه الحاكم في: (1/165- 178) . ورواه ابن حبان في: كتاب الطهارة، باب التيمم،
(ح/201) . وموارد الظمآن (ص 76) .(1/705)
ذلك فقال: " لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجرح ". وقال عبد الحق:
لم يروه عن عطاء غيره وليس بالقوي، ورواه الأوزاعي عن عطاء عن ابن
عباس، واختلف على الأوزاعي ولا يروى الحديث من وجه قوي، ويتبع ذلك
علة أبو الحسن بقوله هكذا ساقه في التيمم، وهذا لا يحتمل إلا أنّ التيمم في
حق المريض من رواية ابن عباس أيضا كما هو من رواية جابر وذلك باطل،
وإنّما اعتراه هذا من كتاب الدارقطني الذي نقله منه؛ فإنّه أجمل القول كما
ذكر ثم فسره بإيراد الأحاديث فيخلص، فكتب أبو محمد الإجمال ولم يكتب
التفسير فوقع في الخطأ. وحديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم، ولا يعرف
ذكر التيمم فيها إلا من رواية ابن خريق كما تقدّم أو من رواية أبي/سعيد
الخدري بإسناد بالغ إلى الغاية في الضعف، ورواه ابن عدي عن محمد بن
الحسن بن موسى الكوفي بمصر ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن حماد ثنا
عبد الرحمن بن أبي حماد عن عمرو بن شمس عمرو بن أنس عن عطية
عن أبي سعيد قال: أجنب رجل مريض في يوم بارد على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فغسله أصحابه فمات، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " ما لهم قتلوه قتلهم الله،
إنما كان عزى من ذلك التيمم " (1) انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث زعمه
أنّ حديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم؛ لما أسلفناه قبل من كتاب ابن حبان
وابن خزيمة، ولما في كتاب العلل لعبد الرحمن سألت أبي وأبا زرعة عن
حديث رواه علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد فالمريض إذا خاف على نفسه تيمم، قال أبو
زرعة: ورواه جرير أيضا؛ فقال: عن عطاء به مرفوعا في المجروح وهو خطأ
أخطأ فيه على بن عاصم، ورواه أبو عوانة وورقاء وغيرهما عن عطاء بن
السائب عن سعيد عن ابن عباس موقوفا وهو الصحيح. انتهى كلامه، وفيه
نظر؛ من حيث عقد التيمم أيضا على متابعة جرير، وإن كان سماعه منه بآخره
__________
ورواه الدارمي في: الوضوء، 70- باب المجروح تصيبه الجنابة، (ح/752) . والحديث
حسن بشواهده. وتقدّم ذكره بلفظه وسبب تضعيفه، وكيف يتم تحسينه: (ص/265) .
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/165) وتلخيص (1/147) وابن خزيمة (273) وابن حبان
(201) والبيهقي (1/226) .(1/706)
فلابدّ من ذكره بهذين الأمرين أو بأحدهما، وفي كتاب الدارقطني: ثنا برز بن
الهيثم ثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبدة بن سليمان عن عاصم الأحول عن عطاء
عن سعيد عن ابن عباس قال: رخص التيمم للمريض والتيمم بالصعيد فهذا
كما ترى في كتاب الدارقطني الذي زعم أنّه بخصوصه ليس فيه ذكر التيمم
في حديث ابن عباس، اللهم إلا أن يحمل كلامه على المرفوع صحاب
بأمرين: الأول: قوله بعض- بضم الباء- غالبا إنما عزى لسيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لقوله أمر بلال؛ لأنه ليس لأحد أن يبيّن أو يرخص غيره، وعلى تقدير
المشاححة (1) في هذه اللفظة فيقال له: قد قال أبو الحسن بعده ورواه علي بن
عاصم عن عطاء فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اعتذارك عن هذا يا أبا الحسن وأظن
الموقع له في هذا عدم رؤيته إيّاه في مصيبته، وليس/بين الموضعين الأيسر، وقد
وقع لنا حديث عبد الحميد متصلة فقال: ثنا الأوزاعي ثنا عطاء بن أبي رباح
قال: سمعت ابن عباس، فذكره، ذكره أبو عمر في جامع بيان العلم، والله
أعلم. وأمّا تيمم الجنب ففيه أحاديث منها: حديث عمران بن حصين رأى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا لم يصل مع القوم قال ما منعك يا فلان أن تصل مع القوم؟
قال: أصابتني جنابة ولا ماء؟ قال: " عليك بالصعيد فإنه يكفيك" (2) . خرجاه
في كتابيهما. وحديث أبي ذر: كانت تصيبني الجنابة- يعني: وهو بالبريدة-
فامكث الخميس والسبت، فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال أبو ذر: فسألت فقال:
" ثكلتك أمك يا أبا ذر، فدعا لي بجارية سوداء وفيه الصعيد الطيب وضوء
المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ". خرجه أبو عيسى (3) وقال به في السنن،
وهو حديث صحيح وخرجه البستي في صحيحه (4) من حديث خالد الحذاء
__________
(1) كذا ورد هذا السياق هذا اللفظ.
(2) صحيح. رواه النسائي (1/171) وأحمد (4/434) والبيهقي (1/178، 216،
218) والطبراني (18/133) وأبو عوانة (1/308) وابن خزيمة (271) وابن أبي شيبة (1/
156) ونصب الراية (1/156، 161) والنبوة (4/277) والفتح (1/447، 457، 4/
446) وابن كثير (2/279) والقرطبي (5/237، 6/104، 106) .
(3- 3) صحيح. رواه الترمذي (124) وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد (5/
180) عن أبي أحمد الزبيري هذا الإسناد، وفيه " وضوء المسلم " كرواية محمود بن غيلان
ورواه أبو داود (1/129- 130) والحاكم (1/176- 177) والبيهقي (1/220) من=(1/707)
عن أبي قلابة عن عمرو بن بجران سمعت أبا ذر به ثم قال ذكر الخبر المريض
قول من زعم أنّ هذا الخبر تفرد به خالد، فذكر حديث الثوري عن أيوب
وخالد به، ولما ذكره أبو عبد الله في مستدركه (5) قال: هذا حديث صحيح
ولم يخرجاه إذ لم يجد لعمرو راويا غير أبي قلابة وهذا مما شرطت فيه وثبت
أنهما قد أخرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين، ولما ذكره الجوزجاني قال:
هذا حديث صحيح، ولما ذكره أبو داود في كتاب التفرد قال الذي تفرد به
من هذا الحديث: أنه رخص له أن يصيب أهله، ورواه حماد بن زيد فلم يذكر
أبواها، ولما ذكره الاشبيلي اتبعه قول الترمذي فيه حسن، وتتبع ذلك عليه أبو
الحسين بقوله فهو عنده غير صحيح ولم يبين لم لا يصح ذلك؛ وذلك لأنه لا
__________
طريق خالد الواسطي عن خالد الحذاء. ورواه الدارقطني (ص 68) والبيهقي (1/212،
220) من طريق يزيد بن زريع عن خالد الحذاء، كلهم يقول: " عن خالد الحذاء عن أبي
قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر " كرواية الترمذي. ورواية أبي داود والحاكم والبيهقي
أطول من هذه الرواية.
ورواه النسائي (1/61) عن عمرو بن هشام عن مخلد بن يزيد عن الثوري عن أيوب
السختياني عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر. ورواه الدارقطني (ص 68) من
طريق عبد الحميد بن محمد بن المستام- بضم الميم وإسكان السين المهملة وفتح التاء المثناة
الفوقية- وهو ثقة، ورواه البيهقي (1/212) من طريق عمرو بن هشام وأحمد بن بكار،
ثلاثتهم عن مخلد بن يزيد عن الثوري عن أيوب السختياني وخالد الحذاء معا عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر.
وقال البيهقي: " تفرد به مخلد هكذا، وغيره يرويه عن الثوري عن أيوب عن أبي قلابة عن
رجل عن أبي ذر، وعن خالد عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، كما رواه سائر
الناس ".
وقد صحح الحاكم في المستدرك هذا الحديث من رواية خالد الحذاء، كما صححه الترمذي،
ووافقه الذهبي على تصحيحه، وهو يقول في الميزان (2/282) في ترجمة عمرو بن بجدان
في الكلام على هذا الحديث نفسه: " حسنه الترمذي، ولم يرقه إلى صحة للجهالة بحال
عمرو، روى عنه أبو قلابة وما قال: سمعت، ورواه أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني
عامر، ومرة جاء أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني قشير، وقيل غير ذلك، وقد وثق
عمرو مع جهالته "!! ونقل الذهبي عن الترمذي تصحيحه، ويناقض الذهبي نفسه في إقرار هذا
مع إقراره تصحيح الحاكم إياه.
ونقل الزيلعي في نصب الراية (1/77- 78) أن ابن حبان رواه أيضا.(1/708)
يعرف لابن بجدان هذا حال وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه خالد
الحذاء يقول عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف عن خالد في ذلك، فأما
أيوب؛ فإنّه رواه عن أبي قلابة فاختلف عليه، فمنهم من يقول فيه: عن أبي
قلابة عن رجل من بني عامر. ومنهم من يقول: عن رجل فقط. ومنهم من
يقول: عن رجاء بن عامر. ومنهم من يقول:/عن عمرو بن بجدان كقول
خالد. ومنهم من يقول: عن أبي المهلب. ومنهم من لا يجعل عنهما أحدا
فيجعله عن أبي قلابة عن أبي ذر. ومنهم من يقول: عن أبي قلابة أنّ رجلا
من بنى قشير قال: يا نبي الله، وهو حديث ضعيف لا شك فيه؛ لأنّه لابد فيه
عن عمرو بن مجدان، ولهذا المعنى إسناد صحيح من رواية أبي هريرة قال عليه
الصلاة والسلام: " الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ". رواه
البزار (1) عن مقدم بن محمد ثنا عمى القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ثنا
هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه. انتهى كلامه. وفيه نظر من وجوه:
الأول: تقريره قول أبي محمد عن الترمذي حسن، والذي رأيته في عدّة من
نسخه حسن صحيح كما قدمته أولا، وكذا ذكره ابن عساكر في الأطراف
والشيخان ضياء الديّن المقدسي في أحكامه والمنذري في مختصره. الثاني:
عصبة الجهالة برأس بن بجدان وهو فيه أمر عجيب؛ وذلك أنّه كثير النظر في
كتاب العجلي وهو قد قال في تاريخه: بصري تابعي ثقة، وكذلك ذكره أبو
حاتم البستي، وأمّا قول الإمام أحمد فيه وسأله عنه ابنه عبد الله: عمرو
معروف؟ قال: لا، فليس تضعيفا له. الثالث: ما ذكره من الاختلاف في اسمه
ونسبه كلّه يرجع إلى شيء واحد، والله أعلم وفيه أيضا خلاف لم يذكره وهو
عمرو بن محجن- أو محجل- وقيل: عن محجن أو أبي محجز فيما ذكره
الخطيب في كتاب الفصل والوصل. وأما ما قال عن أبي المهلب فحذائه لو
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/261) وعزاه إلى البزار وقال: لا نعلمه
يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، قلت: ورجاله رجال الصحيح. وأبو داود (333)
والبيهقي (1/7، 8، 220، 7/84، 212) والبغوي (1/540) والقرطبي (5/133)
والدارقطني (1/186) والمنثور (2/168) والفتح (1/235) وابن كثير (2/274، 280)
والتاريخ الكبير (6/317) .(1/709)
كان صحيحا لكان الآتي به هو مُوسى بن خلف أبو خلف العمي القائل فيه
أبو حاتم كثرت روايته للمناكير. فاستحق الترك، ولما روى أبو القاسم حديث
مقدم في الأوسط قال لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا هشام ولا
عن هشام إلا القاسم بن يحيى- تفرد به مقدم- وحديث حكيم بن معاوية
عن عمه أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنّى أغرب عن الماء ومعى (1) أهلي أفأصيب
منهم؟ قال: نعم./قال: إني أغيب شهرا. قال: وإن مكثت ثلاث سنين ".
ذكره البرقي في تاريخه من جهة بقية ثنا سعيد بن بشير ثنا قتادة عن معاوية
بن حكيم أو حكيم بن معاوية عن عمه. ورواه الوليد عن سعيد فقال: عن
معاوية بن حكيم، ولم يشكّ وعمه عبد الله بن سعيد، ولما ذكره البيهقي في
السنن الكبير من حديث معاوية بن حكيم قال: فقال عمه حكيم بن معاوية
غيره، وحديث زيد بن أبي أنيسة أنّ رجلا: أصيب فغسل فمات فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لو تيمموه قتلهم الله "! قال النعمان: فجلب فيه الزهري أنه بعد أن
يرويه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت من حدثك؟ فقال: أنت حدثتني عمن حدثك.
قلت: عن رجل من أهل الكوفة؟ قال أفسدته في حديث الكوفة وعليك ذكره
البخاري في الأوسط (2) . وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال:
جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا رسول الله نغيب لا نقدر على الماء أيجامع
أهلنا قال: نعم ". رواه الإمام أحمد (3) من حديث ابن أرطأة وفي السنن لأبي
داود (4) من حديث عمرو بن العاص- رضي الله عنه- قال: احتلمت في ليلة
باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت
بأصحابي. فذكروا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت
جنب " فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إنِّي سمعت الله يقول:
(ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) قال: " فضحك رسول الله
__________
(1) قوله: " ومعي أهلي " سقط من " الأصل " وأثبتناه من " الثانية " وكذا أثبتناه.
(2) ضعيف. رواه البخاري في " التاريخ الصغير ": (2/68) . قلت: وعلته الرجل الذي لم يُسم.
(3) ضعيف. رواه أحمد: (2/225) . قلت: وعلّته ابن ارطأة فهو مدلس، وإن كان قد وثق.
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 124- باب إذا خاف الجنب البرد
أيتيمم؟ (ح/ 334) .(1/710)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئا ". رواه عن ابن مثنى ثنا وهب بن جرير ثنا أبي سمعت
يحيي بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنيس عن
عبد الرحمن بن جبير بن نصر ثنا محمد بن سلمة ثنا بن وهب عنه ثم قال:
ابن جبير هذا مصري مولى خارجة بن حذافة وليس هو ابن جبير بن نفير ثنا
محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحرث عن زيد عن
عمران عن / ابن جبير عن ابن قيس مولى عمر وإن عمرا كان على سرية،
وذكر الحديث نحوه قال: يغسل مغابنة ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم
فذكر نحوه ولم يذكر التيمم، قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي
عن حسان بن عطية قال فيه: فتيمم وبنحوه، ذكره في كتاب التفرد. ولما
ذكره أبو عبد الله من حديث أبي قيس بلفظ: " إنّ عمرا كان على سرية
وإنهم أصابهم برد شديد لم ير مثله، فخرج لصلاة الصبح فقال: وإنِّي قد
احتلمت البارحة، ولكن والله ما رأيت بردا مثله هذا، هل مر على وجوهكم
مثله؟ قالوا: لا يغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم فلما قدم
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل كيف وجدتم عمرا وصحابته فأثنوا عليه خيرا وقالوا: يا
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بنا وهو جنب فأرسل إلى عمرو، فسأله فأخبره بذلك
وبالذي يلقى من البرد فقال: يا رسول الله إن الله قال: (ولا تقتلوا
أنفسكم) ولو اغتسلت مت فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عمرو " (1) . قال: هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما عللا
بحديث جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب ثم ذكر
الحديث المتقدّم، وقال: حديث جري لا يعلّل حديث عمرو الذي فيه ذكر أبي
قيس؛ فإن أهل مصر عرفوه بحديثهم من أهل البصرة، ولما ذكره البيهقي قال:
يحتمل أن يكون عمرو فعل ما قيل في الروايتين جميعا: غسل ما قدر على
غسله، وتيمم للباقي. وقال أبو طالب: سألت الإمام أحمد، يؤم المتوضئين؟
قال: نعم قدام ابن عباس- يعني: أصحابه- وهو جنب فتيمم وعمرو بن
العاص صلى بأصحابه وهو جنب فأخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبسم. قلت: حسان بن
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم: (1/176- 177) .(1/711)
عطية سمع من عمرو قال: لا، ولكن يقوى لحديث ابن عباس وقال: نهى عنه
إنه ذكر ما روى عن عمرو فقال: ليس بمتصل الإسناد، قال: وذكرت له عن
علي لا يؤم المتيمم المتوضئين فلم يعرفه. انتهى. إنّما أنكره؛ لأنه من رواية
الحرث عنه عمّا ذكره البيهقي. ولما ذكره عبد الحق الأشبيلي- رحمه الله
تعالى- في الأحكام الكبير هذا الإسناد/أعلى من الأول عمرو بن الحرث لا
يقاس بيحيى بن أيوب وعبد الرحمن بن جبير المصري أدرك عمرو بن العاص،
وعمران بن أبي أنس ثقة مشهور، وأمّا قول أبي الحسن بن القطان وزاد-
يعني: الأشبيلي- فيه لفظا آخر من رواية عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن
أبيِ قيس مولى عمرو عن عمرو ثم قال: هذا أوصل من الأوّل. كانه يفهم أنّ
الأول أيضا موصول وليس كذلك؛ بل معنى قوله أوصل: أنّ هذا متصل دون
الأوّل فإنه منقطع. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث إن عبد الحق لم يقل
جبير بن نفير كما قاله عنه، ونص ما عنده عبد الرحمن بن جبير المصري عن
أبي قيس وأبي متبوع لأبي محمد هذا القول، ومن عد أبي داود فعل الحديث
وأبو داود قد نص على أنه ليس بأنه جبير بن نفير، ولكن قوله هذا يتجه على
ما ذكره في الكبرى من أنه أدرك عمرا فصار هذا موصولا أيضا فيسار في
الاتصال وأصله في تعليق (1) البخاري بلفظ: " إنه أجنب في ليلة باردة فتيمم،
وتلا قوله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحميا) ، فذكر ذلك
للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يعنّفه. ووقع في أنساب بنى سهم أصابتني جنابة وأنا مريض
شديد المرض، فخفت إن اغتسلت أن أقتل نفسي ... " الحديث. وحديث أبي
هريرة وقد تقدّم. وحديث طارق بن شهاب قال: " جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: يا رسول الله، إنى أجنبت فلم أصل قال: أحسنت وجاء آخر فقال: إنى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري " تعليقا " في: 7- كتاب التيمم، 7- باب إذا خاف العطش
تيمم) فتح الباري: 1/541) .
قوله: " فلم يعنف " حذف المفعول للعلم به، أي: لم يلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرا، كان ذلك
تقريرا دالا على الجواز.
وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان لأجل برد أو
غيره.(1/712)
أجنب فتيممت وصليت. قال: أصبت ". ذكره أبو محمد الأموي وصححه
بعد شهادته لطارق، وفي سنن البيهقي وأمّا فعل ابن عمر قال البيهقي:
محمول على الاستحباب، وحديث جابر مرفوعا: " لا يؤم المتيمم
المتوضئين " (1) : إسناده ضعيف فيما قال الدارقطني. وحديث الزهري عن سعيد
عن عمر بن الخطاب قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يؤم المتيمم المتوضئين ". ذكره ابن
شاهين وذكر بعده حديث عمرو بن العاص ثم قال: يحتمل أن يكون هذا
الحديث ناسخا للأول، وهذا الحديث مأخوذ إسنادا من حديث الزهري./وإن
صحّ فيحتمل أن يكون النهى في ذلك لضرورة وقعت مع وجود الماء، فان قال
قائل: فيجوز أن يكون هذا رخصة لعمرو إذا لم ينهه ولم يأمر بالإعادة، قيل لو
كان رخصة له دون غيره لم يقل له. أحسنت وضحك في وجهه، ولقال له:
كما قال لأبي بردة بن يسار وغيره، والله أعلم. وأمّا إذا تيمم الرجل وصلّى
ثم وجد الماء ففيه حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: " خرج رجلان
في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا
الماء في الوقت وأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا ذلك له فقال للذي/يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك.
وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين ". ذكره أبو عبد الله في
مستدركه (2) من حديث ابن نافع عن الليث عن بكر عنه وقال: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين، قال ابن نافع: ثقة. وقد وصل هذا الإسناد عن
الليث، وقد أرسله غيره أنبأ أبو بكر بن إسحاق أنبأ أحمد بن إبراهيم بن
ملحان نا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن عمرة بن أبي ناجية عن بكر
بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه. انتهى كلامه. وفيه نظر؛
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/234) والدارقطني (1/185) والكنز (20439) والمتناهية
(1/381) .
(2) صحيح. رواه الحاكم (1/178، 181) وأبو داود (ح/338) والنسائي في (الغسل،
باب " 27 ") والبيهقي (1/231) ونصب الراية (1/160) وتلخيص (1/155) والكنز
(31846) والدارمي (744) . وسنده حسن، ورواه ابن السكن بإسناد متصل صحيح، وله
شاهد من حديث ابن عباس.(1/713)
لما ذكره أبو داود من أنّ ذكر أبي سعيد في هذا الحديث وهم، وليس محفوظ
وهو مرسل ثنا النعمان ثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي عبد الله مولى
إسماعيل بن عبيد عن عطاء بن يسار أنّ رجلين من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه
وقال الطبراني في الأوسط: ورواه من حديث الليث عن بكر بن سوادة عن
عطاء عن أبي سعيد قال: لم يروه عن الليث متصلا إلا عبد الله بن نافع تفرد
به المثنى. وقال الدارقطني: تفرد به عبد الله بن نافع. عن الليث هذا الإسناد
متصلا وخالفه ابن المبارك وغيره فلم يذكروا أبا سعيد. وعاب أبو الحسن على
الأشبيلي كونه دعاه بالإرسال وأعقل كونه منقطعا فيما بين الليث وبكر، قال:
قلت: هو قد منع به مرسلا، والمرسل متصل إلى عطاء بزيادة عمير (1) /فلعله
الذي أورد فإيّاه قصد فالجواب أن يقول: هو إذن قد ترك أن تبيّن أنه مرسل
في إسناده رجل مجهول، وذلك أنّ عميرة ابن أبي ناجية مجهول الحال فإذا
لم يبيِّن ذلك فقد أوهم أنه لا عيب له إلا الإرسال وألا ظهر انه لم يرد شيئا
من ذلك ولا أعتقد فيه إلا أنه إذا سقط منه ذكر أبي سعيد- يعني: من رواية
الليث- عن بكر عن عطاء مرسلا على نحو ما رواه ابن المبارك عن الليث
ذكر روايته الدارقطني فقال: ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا
عبد الرزاق عن ابن المبارك عن كثير عن بكر عن عطاء: أن رجلين أصابتهما
جنابة فتيمما ... نحوه، وإذا كان هذا هو الذي اعتقد فلم يعتمد إلا منقطعا
فيما بين كثير وبكر ولكنه لم يبيّنه، ولا أيضا شيء له على نحو ينفعه؛ فإنّ
المنقطع الذي اعتمدنا وصّله أبو داود عن رجل مجهول وهو عميرة، وأقول بعد
هذا أنّه قد جاء من رواية أبي الوليد الطيالسي ثنا الليث عن عمرو بن الحرث
وعميرة عن بكر عن عطاء عن أبي سعيد ذكره أبو على بن السكن فقال: ثنا
أبو بكر الواسطي ثنا عباس بن محمد ثنا أبو الوليد فذكره. وأمّا الانقطاع
الذي زاده ابن لهيعة فيما بين بكر وعطاء فلا يلتفت إليه؛ لضعف ابن لهيعة.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث عصبة الجنابة برأس عميرة وأظنّه أبا عذرة
هذا القول، وليس كما زعم أنه ممن قال فيه الحافظ أبو سعيد بن يونس: هو
مولى حجر بن ذى رعني ثم مدر يكنى أبا يحيى وكان ناسكا متعبدا، فقال:
__________
(1) قوله: " بزيادة عمير " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".(1/714)
إن أباه ناجية كان روميا يدّعى حريثا روى عنه عبد الرحمن بن شريح وحيوة
بن شريح والليث وبكر بن مضر ويحيى بن أيوب ورشدين بن سعد وعبد الله
بن وهب، قال ابن دريد: توفي سنة ثلاثٍ وخمسين ومائة، فنحر مصرحا من
الحج وكانت له عبادة وفضل، وقال أحمد بن وزير: سمعت ابن وهب يقول:
كان عميرة من العباد وكان بمنزلة النائحة إذا قرأ يبكي، وإذا سجد يبكي، وإذا
سكت عن القراءة، وفرغ من الصلاة/ جلس يبكى وكان يزيد بن حاتم الأمير
سئل عنه فيقول: ما فعلت الكلا، وقال أبو نصر بن ماكولا: وروى عن يزيد
بن أبي حبيب وأبي الأسود ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقال النسائي: وابن
بكر كان ثقة. وقال المسحالي عن أحمد بن محمد بن رشدين: سمعت أحمد
بن صالح وسئل عن عميرة وأبي شريح فقال: هما متقاربان في الفضل وذكره
البستي في كتاب الثقات وقال: توفي سنة إحدى وخمسين. وكذلك ذكره
ابن نافع. وأمّا التيمم لردّ السلام ففيه حديث أبي الجهيم بن الحرث بن الصمة
قال: " أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلِّم عليه فلم يرد
عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم ردّ عليه
السلام ". أنبأ به المسند المعمر أبو الحسن بن الصلاح- رحمه الله- أنبأ العلامة
أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكري وأبو عبد الله المرسى قالا: أنبأ
المؤيد الطوسي أنبأ الفراوي أنبأ الفارسي أنبأ أبو أحمد بن عمرو به ثنا أبو
إسحاق بن سفيان سمعت أبا الحسين القشيري قال: وروى الليث بن سعد عن
جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن عون عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه
يقول: أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى
دخلنا على أبي الجهيم، فقال ... الحديث. كذا ذكره مسلم (1) بن الحجاج في
صحيحه مقطوعا، وفيه مع ذلك وهم: وهو قوله: عبد الرحمن بن يسار، وقد
ذكره أبو عبد الله في صحيحه متصلا سالما من هذا الوهم أنبأ بذلك مسندا،
وفيه الشيخ أبو العباس الصالحي- رحمه الله- أنبأ ابن الزبيدي أنبأ أبو الوقت
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 28- باب التيمم، (ح/114) .
قوله: " من نحو بئر جمل " أي: من جانب ذلك الموضع. وبئر جمل موضع بقرب المدينة.(1/715)
أنبأ الراودي أنبأ السرخسي أنبأ الفربري أنبأ محمد بن إسماعيل- رحمه الله-
ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال: سمعت
عميرا مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى
دخلنا على أبي جهيم، فذكره ورواه أبو داود (1) وأبو عبد الرحمن من رواية
شعيب بن أينب عن أبيه فثبت اتصاله وصح الاحتجاج به، ووقع في هذا
الحديث زيادة حسنه أنبأ بها المسند المعمر علي/بن موسى الحجازي أنبأ شيخ
الإسلام شمس الدين الخردقي قراءة عليه في شهور سنة تسع وستين وستمائة،
ثنا الفقيه رشد الدين زاهد بن محمد المروزي أنبأ شيخ الإسلام أبو محمد
التميمي أنبأ الحافظ أبو محمد الحسين بن مسعود، أنبا عبد الوهاب بن محمد
الكناني، أنبأ عبد العزيز بن أحمد الخلال، ثنا أبو العباس الأصم، قال البغوي:
وأنبأ أحمد بن عبد الله الصالحي ومحمد بن أحمد العارف قالا: أنبأ أبو بكر
الحيري ثنا الأصم أنبأ الربيع أنبأ الشّافعي أنبأ إبراهيم بن محمد عن أبي
الحويرث عن الأعرج عن ابن الصمة قال: " مررت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول،
فسلمت عليه فلم يردّ علي حتى قام إلى جدار فحثّه بعصا كانت معه، ثم
وضع يده على الجدار فمسح وجهه وذراعيه، ثم ردّ علي " (2) . قال: هذا
حديث حسن وفيه فوائد منها: وجوب مسح اليدين إلى المرفقين، ومنها: أنّ
التيمم لا يصح ما لم يعلق باليد غبار التراب؛ لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حثّ الجدار
بالعصا ولو كان مجرد الضرب كافيا لكان لا يحثّه. وحديث أبي هريرة تقدّم
ْذكره من عند ابن ماجة. وحديث عبد الله بن عمر تقدم أيضا. وحديث
عبد الله بن حنظلة بن الراهب: " أن رجلا سلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد بال فلم
يرد عليه حتى قام بيده إلى الحائط، يعني: أنه تيمم- ". رواه أحمد في
مسنده (3) وفي طريقه رجل لم يسم. وحديث سليمان بن يسار " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 122- باب التيمم في الحضر، (ح/ 329) .
قلت: وإسناده صحيح متصل.
(2) حسن. رواه البيهقي: (1/205) .
(3) ضعيف. رواه أحمد: (5/225) . قلت فيه رجل لم يُسم.(1/716)
ذهب إلى مرحل حاجته ثم أقبل فسلم عليه رجل فلم يرد عليه حتى مسح يده
بجدار ثم رد عليه السلام ". ذكره أبو بكر في كتاب المعرفة. وأما التيمم
بالسباخ ففيه: حديث عائشة قال عليه الصلاة والسلام: " قد أريت دار
هجرتكم أرأيت مسبخة ذات نخل ... " الحديث خرجه ابن خزيمة في
صحيحه (1) وقال فيه: إن التيمم بالسباخ جائز، وأما التيمم للجنازة ففيه حديث
رواه ابن عدى (2) من جهة مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمي "./قال ابن عدي: هذا
غير محفوظ وإنما هو موقوف عن ابن عباس. وفي كتاب العلل لعبد الله بن
أحمد، وروى الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال: " لا يصل على الجنازة إلا
وهو طاهر ". قال البيهقي: وكذلك رواه مالك عن نافع. والذي روى عنه
في التيمم لصلاة الجنازة يحتمل أن يكون في السفر عند عدم الماء، وفي إِسناد
حديث ابن عمر في التيمم ضعف، وأما التيمم لكل فريضة فقد صح عن ابن
عمر وروى عن علي وعمرو بن العاص وابن عباس فيما قاله البيهقي: واستدل
على جد طلب الماء بحديث ابن عمر: " أنه تيمم مريد (3) النعم وصلى وبينه
وبين المدينة ثلاثة أميال وبمرية أيضا أن كان يكون في السفر فحضره الصلاة،
والماء منه على غلوة أو غلوتين ". ونحو ذلك ثم لا يعدل إليه، وسئل ابن
المسيب عن راعى في غنمه أوراعى تصيبه الجنابة وبينه وبن الماء ميلان أو
ثلاثة، قال: يتيمم صعيدا طيبا. وعن علي: " اطلب الماء حتى يكون أخر
الوقت، فإذا لم تجد ماء تيمم ثم صل " قال أبو بكر: وهذا لم يصح عن علي
والثابت عن ابن عمر يقول ومعه طاهر القرآن، والله تعالى أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (265) والبخاري (3/128) وتلخيص (1/149) والنبوة (2/
459) والمنثور (3/243) وابن عساكر في " التاريخ " (7/139) وطبقات ابن سعد (1/1/
152) والبداية (3/168) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في " الكامل " (7/2640) ونصب الراية (1/157) والمتناهية
(1/381) .
قلت: الحديث غير محفوظ.
(3) قوله: " مريد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/717)
61- باب ما جاء في الغسل من الجنابة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ثنا وكيع عن الأعمش عن
سالم بن أبي الجعد عن كريب مولى ابن عباس ثنا ابن عباس عن خالته ميمونة
قالت: " وصفت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسلا، فاغتسل من الجنابة، فأكفأ الإناء بشماله
على يمينه، فغسل كفيه ثلاثا، ثم أفاض على فرجه بالأرض ثم دلك يده
بالأرض، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثلاثا ثم أفاض على
سائر جسده، ثم تنحى فغسل رجليه ". هذا حديث خرجه أصحاب الكتب
الستة (1) ، وفي لفظ للبخاري: " ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا،
ثم توضأ وِضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات على كفيه وفي
آخره ثم أهِيثُهُ (2) بالمنديل/فرده ". وفي رواية: " وجعل يقول بالماء هكذا،
ينفضه "، وفي لفظ: " ثم غسل فرجه، ثم مال بيده إلى الأرض فمسحها
بالتراب ثم غسلها "، وفي لفظ: " فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا "، وفي لفظ لمسلم:
" يغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح يده بالحائط أو الأرض "، وفي صحيح
الإسماعيلي: " مسح يده في الجدار، وحين قضى غسله غسل رجليه ". وفي
لفظ: فلما فرغ من غسل فرجه دلك يده بالحائط ثم غسلها، فلما فرغ من
غسلها غسل قدميه "، وفي لفظ للبخاري: " وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسترته بثوب ".
وفي لفظ: " فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا ثم غسل فرجه ثم ضرب
بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثا "، وفي لفظ: " ثم أفرغ بيمينه على شماله
فغسل مذاكيره "، وفيه: " ثم غسل رأسه ثلاثا ". وفي لفظ: " فلما فرغ من
غسله، غسل رجليه لم يزِد" قال الإسماعيلي: قدمين زائدة أن من الجنابة ليس
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (266) ومسلم في (الحيض، ح/37) وأبو داود
(ح/ 245) والترمذي (103) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (1/163) وابن
ماجة (ح/573) والبيهقي (1/177، 184) والدارقطني في " السنن " (1/114) والدارمي
(ح/747) ومالك في الموطأ (الطهارة، ح/89) .
(2) كذا ورد في السياق " بالأصل ".(1/718)
من قول ميمونة ولا ابن عباس وإنّما هو عن سالم، وفي صحيح ابن خزيمة: " ثم
أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفيه ". وفي لفظ: " فأتى بمنديل فأبي أن
يقبله وجعل ينفض الماء عنه ". ولفظ أبي علي الطوسي في كتاب أحكامه
وحكم عليه بالصحة فأتيته بثوب فقال بيده: هكذا. وعند الدارقطني: " ثم
غسل سائر جسده قبل كفيه ". وفي مسد الدارمي: " فأعطيته ملحفة فأبي ".
ولما ذكر بعده حديث عائشة قال: هذا أحب إلي من حديث سالم- يعني:
حديث ميمونة- وقد أشار إلى هذا قبل. حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي
الشوارب بن عبد الواحد بن زياد ثنا صدقة بن سعيد الجعفي ثنا جميع بن
عمير التيمي قال: " انطلقت مع عمتي وخالتي فدخلنا على عائشة فسألناها:
كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع عند غسله من الجنابة؟ قالت: كان يفيض
على كفّيه ثلاث مرات، ثم يدخلها الإناء، ثم يغسل رأسه ثلاث مرّات، ثم
يفيض على جسده، ثم يقوم إلى الصلاة. وإنا نحن فإنا نغسل رءوسنا خمس
مرات من أجل الضفر ". هذا حديث رواه البيهقي في/الكبير (1) بلفظ:
" دخلت مع عمتي وخالتي على عائشة، فسألها إحداهما كيف كنتم
تصنعون ... " الحديث. ولما ذكره أبو محمد الأشبيلي سكت عنه إلا أنّه أبرز
من إسناده جميعا وذلك مشعر بصحته عنده، وتتبع ذلك عليه ابن القطان
بكونه لهوى ذكر راويه عن جميع وهو صدقة بن سعيد والد الفضل بن صدقة
وهو علّة الخبر، قال البخاري: عنده عجائب. وقال فيه الساجي: ليس بشيء.
وقال ابن وضاح: ضعيف. وقال فيه أبو حاتم: شيخ وبالجملة فلم يثبت عدالته،
أو لم يثبت فيه جرح مفسد وإلى هذا فإن جميعا وإن كان قد روى عنه
جماعة وقالوا إنه صالح الحديث فقد قال أبو حاتم فيه: من عنق الشيعة، وقال
أبو أحمد بن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه غيره عليه. وأحسن أحوال هذا
الحديث أن يقال فيه: حسن. انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث عصبة الجنابة
برأس صدقة وبترميه جميعا وهو ممن قال فيه ابن نمير: كان من أكذب الناس.
وقال البخاري في الأوسط: حديثه ليس بشيء. وقال في الكبير: سكتوا عنه
__________
(1) ضعيف. رواه البيهقي: (1/180) .(1/719)
وهو قد أخبر عن اصطلاحه في هذه اللفظة فيما ذكره الدولابي عنه: بأنهم
تركوا حديثه، وقال الخفّاف عنه: لا أروى عنه. وفي لفظ: لا يحل الرواية
عنه. وقال الساجي: في أحاديثه مناكير وفيه نظر، وهو صدوق. ولما ذكره
البلخي في كتاب الضعفاء قال: هذا يضع الحديث لا يحتمل. وقال العجلي:
لا بأس به يكتب حديثه وليس بالقوي. وذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء،
فقال: كان يضع الحديث. وذكره في كتاب الثقات سهوا منه أو لترجيح أحد
الأمرين على الآخر ويشبه أن يكون ذكره إياه في الضّعفاء آخر الاحتمال
اطلاعه بعد على كلام القدماء، فنظره ثابتا وسر أحاديثه فترجح الضعف على
غيره. وقال المنذري: لا يحتج بحديثه. ولما ذكره أبو العرب كلام أبي الحسن
فيه كوفي تابعي ثقة. وقال أبو العرب: لا يتابع على هذا، والله أعلم. فظهر
من هذا أنّ سكوت أبي محمد عن ذكر صدقة كان صوابا؛ لكونه ممن ذكره
البستي في كتاب الثقات. ولما ذكره/ابن القطان من عدم سرد جرح مفسد
فيه، وأمّا إبرازه جمعيا فليس لقائل أن يقول إنما أبرزه لطعن فيه سبق ذكره
أو ليكل الناظر فيه إلى علمه؛ لأنه لم يتقدم له فيه ما يشعر بذلك كعادته في
الحوالة أو يقول: كتبته حتى أنظره، وأمّا كلام الدارقطني إذ سئل عن هذا
الحديث خالف الرقيقي العلاء بن صالح، فرواه عن جميع بن عمير عن عائشة
موقوفا. وحديث صدقة أشبه بالصواب فليس فيه تعرض للتصحيح وعدمه، إنّما
فيه ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى على ما فيهما ومن المستغرب في هذا
الحديث هو قولها: فأمّا نحن فنغسل رءوسنا خمس مرات من أجل الضفر لما
أثبت في صحيح البخاري (1) عنها أنها قالت: " كنا إذا أصابت إحدانا جنابة،
أخذت بيديها ثلاثا فوق رأسها ". وفي صحيح مسلم (2) : " وما أريد أن أفرغ
على رأسي ثلاث إفراغات ". وفي صحيح ابن خزيمة " ثلاث حثيات " أو قال:
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في: 5- كتاب الغسل، 19 باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في
الغسل، (ح/227) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: 3- كتاب الحيض، 12- باب حكم ضفائر المغتسلة، (ح/59)(1/720)
" ثلاث غرفات " وفي الموطأ (1) : " أن مالكا بلغه عن عائشة عن غسل المرأة من
الجنابة ولتضغث رأسها بيدها " - يعني: تضمه وتجمعه وتغمره بيدها ليدخله
الماء- وليس لقائل أن يقول لعلّ الحديث الأوّل يكون محمولا على أنّ شعرها
كان مضفورا والثاني: غير مضفور لما ذكره أبو عبد الرحمن النسائي عنها:
فأفيض على رأسي ثلاث مرات وما انقض لي شعرا، وفي حديث جبير بن
نفير عن ثوبان عد أبي داود وأمّا المرأة فلا عليها أن تنقصه لتغرف على رأسها
ثلاث غرفات بكفيها، وزعم بعضهم أن هذا معارض قوله عليه السلام لعائشة
في حجة الوداع: " نقضى رأسك وامتشطي عن عمرتك "، وهو مخرج في
الصحيح (2) . وفي كتاب الأفراد لأبي الحسن من حديث مسلم بن صبيح عن
حماد عن ثابت عن أنس قال عليه السلام: " إذا اغتسلت المرأة من حيضها
نقضت شعرها نقضا وغسلته بخطمى وأشنان فإذا اغتسلت من الجنابة صبّت
على رأسها الماء وعصرته " (3) وفيه أخذ أهل الظاهر. وحديث جابر مرفوعا:
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 17- باب العمل في غسل الجنابة، (ح/
70) .
قوله: " ولتضغث " قال ابن الأثير: الضغث معالجة شعر الرأس باليد عند الغسل، كأنها
تخلط بعضه ببعض، ليدخل فيه الغسول والماء.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5، 5/221)
ومسلم في (الحج، ح/111، 113) وأبو داود في (المناسك باب " 23 ") والنسائي (5/
166) وأحمد (6/64 ظ، 246) والبيهقي (1/182، 4/346، 353، 5/105)
وشرح السنة (7/81) وتجريد (41) وحبيب (2) وبداية (5/138) والموطأ (411) وتمهيد
(8/198، 203، 204، 215، 225) وابن خزيمة (2788) .
(3) ضعيف. رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (2/ 34/1) والبيهقي في " السنن
الكبرى " (1/182) من طريقين عن مسلم بن صُبيح: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أن
مرفوعا. قال الدارقطني: " هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أن.
تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد، ولم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
وأخرجه الضياء في " المختارة " (ق 2/23- مسند أنس) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (1/2/37) وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/273) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه سلمة بن صبيح اليحمدي ولم أجد من ذكره.(1/721)
" في المرأة تغسل من حيضة أو جنابة لا تنقض شعرها " (1) /ذكره أبو محمد بن
جرير (2) وضعفه بابن حبيب وابن لهيعة، وقد وقع لنا من غير حديثهما رواه
ابن أبي داود عن أحمد بن عضل وثنا أبو بكر الحنفي ثنا سفيان الثوري عن
أبي الزبير عنه وهو سند صحيح وقد جاء في كيفية غسله عليه السلام
أحاديث منها حديث جابر: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأخذ ثلاثة أكف فيفيضها
على رأسه ثم يفيض على سائر جسده ". خرجاه في الصحيح (3) من حديث
أبي جعفر محمد بن علي عنه ورواه أبو سفيان عنه أنّ وفد ثقيف سألوا النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إن أرضنا باردة فكيف نفعل بالغسل فقال: " أمّا أنا فأفرغ على
رأسي ثلاثا " (4) . أنبأ به المسند المعمر أبو زكريا المقدسي- رحمه الله- قراءة
عليه وأنا أسمع عن الفقيه بهاء الدين المصري أنبأ شهرة الزيدية قراءة عليها أنبأ
أبو منصور قراءة عليه أنبأ الحافظ أبو بكر الخوارزمي ثنا الحافظ أبو بكر أحمد
بن إبراهيم بن إسماعيل ثنا طلحة بن أبي طلحة كتبت عنه وأنا صغير وهو
مغمور عليه لم أخرج عنه فيما صنعت شيئا أنبأ يحيى بن يحيى أنبأ هشيم عن
أبي بشر عن أبي سفيان به. وحديث جبير بن مطعم عند البخاري (5) : " أما
أنا فأفيض على رأسي ثلاثا وأشار بيده كلتاهما "، وخرجه مسلم (6) ولم يذكر
بالإشارة وقال ابن أبي حاتم في علله عن أبي زرعة الصحيح موقوف. وفي
مسند (7) أحمد: " فأخذ مِليءُ كفي ثلاثا ثلاثا فأصب على رأسي ثم أفيض بعد
__________
(1) قال الترمذي عقب (ح/105) : " والعمل على هذا عند بعض أهل العلم: أن المرأة إذا
اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها أن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها ".
قلت: والحديث ضعيف، وذكره ابن جرير محمد.
(2) قوله: " أبو محمد بن جرير " سقط من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(3) صحيح. رواه البخاري (1/73) وإتحاف (2/378) وأصفهان (2/282) .
(4) رواه أحمد (3/304، 4/85) والبيهقي (1/187) والكنز (27251، 27381)
والمنحة (224) وجرجان (238) .
(5، 6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/73) ومسلم (259) وأبو داود (239) وابن
ماجة (575) وأحمد (4/84) والبيهقي (1/176، 177) وعبد الرزاق (995) والمنحة
(223) والجوامع (4309) والطبراني (2/112، 113) وابن السني (1/64) .
(7) صحيح. رواه أحمد: (4/84) .(1/722)
على سائر جسدي ". وحديث أبي هريرة عند أحمد (1) : " كان عليه السلام
يصب بيده على رأسه ثلاثا ". وحديث ثوبان عند أبي داود (2) : " أما الرجل
فلينثر رأسه، فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر ". وحديث ابن عباس أنه: " كان
إذا اغتسل من الجنابة، يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات، ثم
يغسل فرجه، فنسى مرة". قال شعبة لمولاه: فسألني كم أفرغت؟ قلت: لا
أدري قال: لا أدراك، وما يمنعك أن تدري؟ ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم
أفاض على جلده الماء ثم قال: هكذا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطهر ". رواه أبو
داود (3) من حديث شعبة، وفيه كلام وخرج أيضا حديث أبي عاصم/عن ابن
عمر: " كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل البول
من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل حتى جعلت الصلاة
خمسا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة " (4) .
عبد الله بن عاصم وثقة ابن معين وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو
حاتم: شيخ والراوي عنه أيوب بن جابر تكلم فيه جماعة. وقال فيه الفلاس:
صالح. وقال أحمد: حديثه يشبه حديث أهل الصدق وقال ابن عدي: أحاديثه
صالحة متقاربة يحمل بعضها بعضا، وهو ممن يكتب حديثه. وقال الطبراني في
الأوسط: لم يروه عن ابن عمر إلا ابن عاصم. تفرد به أيوب. وحديث عائشة:
" كان عليه الصلاة والسلام إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ
بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوء للصلاة، ثم يأخذ الماء
فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه
ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه ". رواه في
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (3/292) وأبو عوانة (1/232) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 99- باب في المرأة هل تنقض شعرها
عند الغسل، (ح/255) .
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 97- باب الغسل من الجنابة، (ح/ 246)
(446) صحيح. رواه أحمد (2/109) والمشكاة (450) والإِرواء (1/186) .(1/723)
الصحيح (1) وفي لفظ وعابش نحو الحلاب، زاد البزار: من حديث الطفاوي
عن أيوب عن هشام عن أبيه عنها: " كان يخلل رأسه مرتين فيغسل الجنابة ".
وفي سنن أبو داود (2) من حديث: رجل من سواه عنها: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزئ بذلك ولا يصعب عليه الماء". وفي
لفظ: " حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة، أو أبقى بشرة، أفرغ على رأسه
ثلاثا وإذا فصلت فصله صبها عليه ". وفي أحكام الطوسي وصححه: " ثم
يشرب شعره الماء، ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات ". وفي لفظ: " ثم غسل
مرافقه وأفاض عليه الماء إذا أنقاهما أهوى إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء ثم
يفيض الماء على رأسه ". وفي لفظ: قالت عائشة: " إن شئتم لأرينكم أين يد
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة ". وفي الأوسط لأبي
القاسم: ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا أبي ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة
عن عطاء بن السائب وعلي بن زيد عن أبي سلمة عنها أن النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
إذا اغتسل من جنابة غسل كفيه ثلاثا، ووصفت المضمضة والاستنشاق وغسل
الوجه والذراعين ثلاثا ثلاثا، ثم يصب الماء على رأسه واحدا واحدا. فإذا فرغ
من مغتسله غسل يديه ". قال: لم يروه عن حماد عن عطاء عن أبي
عبد الرحمن إلا مؤمل. وحديث عمر مرفوعا: "تفرغ بيمينك على شمالك، ثم
تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك، ثم توضأ وضوءك للصلاة ثم
تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرّة ". ذكره الطبراني في
الأوسط مطولا من حديث أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/73، 74) ومسلم في (الحيض باب " 9 " رقم " 35، 36 " مكرر،
39) وأبو داود في (الطهارة، باب " 97 ") والنسائي في (النسل، باب " 15، 16، 19، 149،
153 ") وأحمد (1/307، 6/237، 330) وتجريد (62) والمشكاة (435) وشفع (104) وشرح
السنة (2/10) والدارقطني (1/113) والشافعي (19) وعبد الرزاق (999) وإتحاف (2/337)
ومطالب (178) والنسائي (1/134) .
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 100- باب في الجنب يغسل رأسه
بخطمى، (ح/256) .(1/724)
عمر عنه، غريبه: قال أبو زيد الأنصاري: الغسل بالفتح: الاسم وبالضم: اسم
الماء وقيل: فهما معا اسم الفعل وهو قول ابن قريب. وفي الجمهرة: الغسل
مصدر غسلت الشيء أغسله غسلا، والغسل الاسم والغسل ما غسلت به
رأسك، وبنحوه قاله في الصحاح الجامع، وفي المغيث: المغتسل والغسول اسم
الماء الذي يغتسل به، والمغتسل مصدر اغتسل؛ لأنّ مصدر افتعل مفتعل،
فيحتمل أن يكون إنّما سُمِّى بالمصدر، والمغتسل الموضع الذي يغتسل منه وفيه،
وفي الصحيح وضعت له غسلا من الجنابة بضم الغين وهو الماء الذي يغتسل
به كالأكل لما يؤكل.(1/725)
62- باب الوضوء بعد الغسل (1)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن عامر بن زرارة وإسماعيل بن
موسى السدّى قالوا: أنبأ شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت:
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة ". هذا حديث لما خرجه
أبو عيسى (2) من حديث شريك قال فيه: صحيح. وعاب ابن القطان على أبي
محمد اتباع في ذلك لأجل شريك لأنه دائما يضعف به الأحاديث قال
وطريقه الجيدة ما ذكرها النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا أبي ثنا
حسن بن صالح بن حيي عن أبي إسحاق، وكأنه نزل بطريق أبي داود لأجل
زهير؛ فإنّ أبا محمد وأبا الحسن يضعفان حديثه، وخرجه/ابن شاهين من
حديث حبان العبري عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود ولفظ أبي
داود (3) وخرجه من حديث زهير أنبأ أبو إسحاق بلفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يغتسل ويصلى الركعتين صلاة الغداة، ولا أراه يحدث وضوءا بعد الغسل ".
ولما خرجه أبو عبد الله من حديث أيضا قال فيه: صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه وله شاهد على شرط مسلم ملخص تفسيره. ولم يشك فيه
الراوي فذكر حديث شريك المتقدّم ثم قال: وله شاهد صحيح عن ابن عمر
ثناه عمر ابن جعفر البصري ثنا محمد بن الحسن بن مكرم ثنا محمد بن
عبد الله بن مربع ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الوضوء بعد الغسل فقال: " وأي وضوء أفضل من
الغسل ". محمد بن مربع ثقة وقد أوقفه غيره، وفي الأوسط لأبي القاسم: ثنا
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(2) صحيح. رواه الترمذي (ح/107) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (ح/
209) وابن ماجة (ح/579) وأحمد (6/19، 68، 192، 253، 258) والبيهقي (1/
179) وشرح السنة (2/14) والمشكاة (445) والكنز (17864، 27415) وأبن أبي شيبة
(1/68) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 98- باب في الوضوء بعد الغسل،
(ح/250) .(1/726)
أسلم بن سهل الواسطي ثنا سليمان بن أحمد بن مسلم عن سعيد بن بشير
عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من توضأ
بعد الغسل فليس منا " (1) . وقال: لم يروه عن أبان إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا
الوليد. تفرد به سليمان بن أحمد الجرشي الشامي سكن واسط، ولما ذكره أبو
أحمد سليمان هذا ضعيف؛ بل متروك. وروى ابن أبي شيبة عن علقمة وقيل
له أن قلابة توضأ بعد الغسل، فقال: أما لو كانت عندنا لم تفعل ذلك، وأي
وضوء أعمر من الغسل، وروى نحوه عن جابر بن زيد وسعيد بن جبير
وعكرمة وحذيفة وإبراهيم وعبد الله بن مسعود، وأما ما روى عن علي أنه
كان يتوضأ بعد الغسل فمن طريق أبي البختري عنه ولم يسمع منه شيئا، ولو
ثبت كان مجهولا عن انتفاض عارض كما حكى عن ابن عمر: " أنه توضأ
بعد الغسل، فسئل فقال: خيل إلي أنه خرج من ذكرى شيء فتوضأت".
كذلك أو يكون متعلقا بحديث قتادة عن عروة عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كان إذا اغتسل من الجنابة توضأ وضوءه للصلاة " (2) . قال ابن شاهين: وهو
حديث غريب/صحيح، ولقائل أن يقول هذا محمول على الوضوء المسنون
عند الاغتسال لا بعده كما في حديث ميمونة وغيرها، ويحتمل أنه منسوخ
كما ذكره ابن شاهين، ويحتمل أن يكون محمولا على أنه لا يجزئ الغسل
فقد لا ينوب عن الوضوء، ويحمل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليس منا ". أي: ليس
مثلنا، إلا أن يحدث بعد الغسل حادث فوجب الوضوء.
كما قدّمناه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) ضعيف. رواه الطبراني (11/267) والحلية (8/52) وابن عدي في " الكامل " (3/
1140، 7/2618) والمجمع (1/273) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير والأوسط والصغير "
وفي إسناد الأوسط سليمان بن أحمد كذبه ابن معين وضعفه غيره ووثقه عبدان.
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 797 ح/5535) .
(2) تقدم من أحاديث الباب.(1/727)
باب في الجنب يستدفئ امرأته بعد أن يغتسل (1)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا شريك عن حريث عن الشعبي عن مسروق
عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل من الجنابة، ثم جاء فاستدفأنى
فضممته إلي ولم اغتسل " (2) . وقال: ليس بإسناده بأس. ولما ذكره أبو علي
الطوسي في أحكامه عن القاسم بن يزيد الوراق ثنا وكيع ثنا حريث بن أبي
مطرد ثنا يعقوب الدورقي ثنا يحيى بن زكريا بن زائدة حدثني حريث بن أبي
مطر، وهذا حديثه ربما اغتسل النبي ثم باشرني قبل أن أغتسل أو فيه ثم قال:
فقال في هذا الحديث أنه ليس بإسناده بأس، ولفظ ابن وهب في مسنده: " ثم
يأتي وأنا جنب فيسدفئ بي ". ولما خرجه أبو عبد الله الحاكم من حديث
شريك وإسماعيل بن زكريا ثنا حريث بلفظ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستدفئ
بها بعد الغسل ". قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه
وشواهده عن سعيد بن المسيب وعنده عن عائشة، والطريق إليهما فاسد. انتهى
كلامه. وله فيه نظر من حيث أن حريث الفزاري أبا عمر والخيّاط الكوفي لم
يخرج له مسلم في كتابه شيئا، وأنى له ذلك مع قول البخاري فيه نظر! وفي
رواية ليس عندهم بالقوي. وقال الفلاس: لم أسمع يحيى ولا عبد الرحمن
يحدثان عنه بشيء قط وهو حديث بن عمرو وهو ضعيف الحديث نابه عبيدة
الضبي وعبد الأعلى/الجزار ونظراؤه، وقال ابن معين: لا شيء. وقال مرّة:
ضعيف. وكذلك قاله أبو حاتم الرازي وأبو أحمد بن عدي. وقال النسائي
وعلي بن الجنيد وأبو الفتح الأزدي: متروك. وقال الحربي: ليس هو بحجة،
وفي تاريخ أبي زرعة البصري يضعون حديثه. ولما روى حديثه هذا أبو بكر في
سننه الكبير قال: تفرد به حريث وفيه نظر. وروى من وجه آخر ضعيف عن
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(2) ضعيف الإسناد والمتن صحيح. رواه ابن ماجة (حبر 580) وأحمد (6/111) وابن أبي
شيبة (1/77) والكنز (27443) . وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/
128) وضعيف أبي داود (ح/44) والمشكاة (459) .(1/728)
علقمة عن عائشة مختصرا. وذكره أبو جعفر العقيلي في كتاب الضعفاء ولما
ذكره أبو زكريا الساجي قال: ضعيف الحديث عنده مناكير. ثم ذكر له هذا
الحديث فقط، ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لم يروه عن الشعبي إلا
ابن أبي مطر وكلامه أوضح من كلام البيهقي؛ لأنّ كلامه يقتضى تفرّد
حريث بالحديث نفسه، وليس كذلك لما أسلفناه من كتاب المستدرك، وكان
أبو عبد الله لمح كذب شريك في الإسناد وأنه ممن يخرج مسلم حديثه،
فاعتمده وسهى عمن عداه، وممن كان يستدفئ بزوجته عمر بن الخطاب من
رواية النخعي عنه وأبو الدرداء من رواية عطاء الخراساني عن أم الدرداء
وعبد الله بن عمر من حديث مسعر عن جبلة، وابن عباس من حديث إبراهيم
بن المهاجر عن عبد الله بن شدّاد، وأبو هريرة، والأسود، وعلقمة، وعلي بن
أبي طالب من حديث أبي إسحاق عن الحرث، وسعيد بن المسيب، والحسن
البصري، ذكر ذلك في مصنفه ابن أبي شيبة، قال: وكرهه حماد حين رواه
عن وكيع عن مسعر. وفي كتاب أبي داود من حديث الأفريقي عن عمارة بن
عراب أن عمّة له حدّثته وأنها سألت عائشة؛ فذكرت حديثا فيه: " دخل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مسجده. قال أبو داود: يعني: مسجد بيته، فلم ينصرف حتى غلبتني
عيني وأوجعه البرد، فقال: ادن منّى فقلت: إني حائض، فقال: وأن اكشفي
عن فخذيك فكشفت فخذي فوضع خدّه وصدره على فخذي وحنيت عليه
حتى دفيء ونام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
ويعارض هذا على تقدم صحته ما في التمهيد من حديث ابن لهيعة، قال
أبو عمر: ولا يعرف/إلا من طريقه إن فرط بن عوف سأل عائشة: أكان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم، إذا شددت على إزاري وذلك إذا
لم يكن لنا إلا فراش واحد فلما رزقنا الله فراشين اعتزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وما في
السنن أيضا عن أبي اليمان عن أم درة وهي مجهولة فيما قاله ابن حزم عن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/270) وابن كثير (1/378) والبخاري في الأدب للفرد (ح/
120) والمنثور (1/259) والتمهيد (3/175) .(1/729)
عائشة أنها قالت: " كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير فلم يقرب
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يدن منه حتى نطهر " (1) 0 الغريب قال ابن القطاع: يقال: دفيء
دفأ ودِفْاء ودفأة: ذهب عنه البرد. وقال ابن درستويه: والمصدر الدفأ ممدود
والدفأة ومنه رجل دفان وامرأة دفأني إذا كان سخنا من حرارة أو مرض أو
عليل القلب من الحب. وفي نوادر الترمذي: دفؤه فاه مثل توضوء وضأه ودفأ
يزيه دفعا وفي شرح الترمذي وقوله يعني: يعلما من الرجل فهو دفآن وامرأة
دفأة أي: كثير لحمها وسمنها. وقال ابن قريب: يقال رجل دفأ بكسر الدال
مع الهمز وكذلك الكسائي، وقال ابن سيده: إنّما إذا أستدفي فدفيء في
مكسور لا غبر ورجل دفان وبلده وفيه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/271) والمشكاة (ح/556) .
قوله: " المثال " - بكسر الميم بعدها ثاء مثلثة- قال الجوهري: هو الفراش.(1/730)
63- باب في الجنب ينام لهيئته لا يمس ماء
حدثنا محمد بن الصباح ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي
إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجنب، ثم ينام
ولا ماء حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل " (1) .
وذكره أيضا من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق بلفظ: " إن كانت
له حاجه إلى أهله فقضاها ثم ينام كهيئته لا يمس ماء ": من حديث سفيان عنه
بلفظ: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجنب، ثم ينام كهيئته لا يمس ماء " (2) . قال
سفيان: فذكرت الحديث يوما فقال لي إسماعيل: يا فتى يشدّ هذا الحديث
بشيء، هذا حديث اختلف فيه فصححه قوم وضعفه آخرون فمن الضعفاء
يزيد بن هارون قال أبو داود: ثنا الحسين بن علي الواسطي سمعت يزيد بن/
هارون يقول هذا الحديث، وهو يعني حديث أبي إسحاق، وفي كتاب ابن
العبد ليس بالصحيح وفي موضع آخر وهم أبو إسحاق في هذا الحديث، وفي
كتاب العلل لابن أبي حاتم: قال شعبة: قد سمعت حديث أبي إسحاق أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ينام جنبا ولكنني أبعثه. وقال مهنا: سألت أبا عبد الله عنه
فقال: ليس صحيحا، قلت: لم؟ قال: لأن شعبة روى عن الحكم عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ
وضوء للصلاة " (3) . قلت: من قبل من جاء بهذا الاختلاف؟ قال: من قبل أبي
إسحاق، ثم قال: وسمعت يزيد بن هارون يقول: حرموا أبو إسحاق في هذا
الحديث. ثم قال: وسألت أحمد بن صالح عن هذا الحديث فقال: لا يحل أن
يروى هذا الحديث. قال أبو عبد الله: الحاكم يرويه مثل قصة أبي إسحاق ليس
__________
(1) صحيح الإسناد. رواه ابن ماجة (581) وأحمد (6/43) والمعاني (1/125) وصححه
الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (583) وأحمد (6/111) والمشكاة (468) والمجمع (1/275)
وعزاه إلى أحمد ورجاله رجال الصحيح. وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أبو عوانة (1/278) وأحمد (6/192) والمعاني (1/125) .(1/731)
عن الأسود: " الجنب يأكل ". ورواه في مسنده بألفاظ منها: " إذا كانت له إلى
أهله حاجة أتاهم ثم يعود ولا يمس ماء ". وفي لفظ: " كان يصيب أهله من
أول الليل ثم قام ولا يمس ماء، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد إلى أهله
واغتسل " (1) . ولفظه في الأوسط. ورواه من حديث حمزة الريان عن أبي
إسحاق: " كان يجامع (2) المرأة من نسائه ولا يمس ماء، فإن أصبح فأراد أن
يعاودها عاود وإن لم يرد اغتسل " (3) . وقال: لم يروه عن حمزة إلا زياد أبو
حمزة. تفرد به عامر بن إبراهيم، وفي كتاب الأثرم فلو لم يخالف أبا إسحاق
في هذا إلا إبراهيم وحده كان أثبت وأعلم بالأسود، ثم وافق إبراهيم
عبد الرحمن بن الأسود، ثم وافقهما فيما رواه أبو سلمة وعروة عن عائشة، ثم
وافق ما صح من ذلك عن عائشة رواية ابن عمر عن عمرو ما روي عن عمار
وأبي سعيد فتبين أنّ حديث أبي إسحاق إنّما هو وهم، وروى هشيم عن
عبد الملك- يعني: ابن عمير- عن عطاء عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثل ما
رواه أبو إسحاق عن الأسود قال: ورواية عطاء عن عائشة ما لا يحتج به إلا
أن يقول: سمعت، ولو قال: في هذا سمعت،/كانت تلك الأحاديث أقوى
وقال أبو عيسى: وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إنّه كان يتوضأ قبل أن ينام " (4) . وهذا أصح من حديث أبي إسحاق وقال:
وكانوا يرون إن هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال القشيري في كتاب التمييز:
ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير
ثنا أبو إسحاق به قال: فهذه الرواية عن أبي إسحاق خاصة، وقد جاء النخعي
وعبد الرحمن خلاف ذلك، وقال الطوسي في الأحكام: وحديث: " كان
يتوضأ قبل أن ينام ": صح من حديث الشعبي، وقد رواه عنه شعبة والثوري
وغير واحد، ويرون هذا غلطا من أبي إسحاق، وقال ابن الحصار في كتابه
__________
(1) رواه أبو حنيفة (33) وأحمد في " المسند " (6/107) .
(2) قوله: " يجامع " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".
(3) المعاني (1/127) وأصفهان (1/318) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/241) وأحمد في " المسند " (6/ 188، 273) والدارقطني في
" السنن " (1/144) .(1/732)
تقريب المدارك: هذا مما يكاد يتفق عليه المحدثون إلا القليل- يعني: أنّ أبا
إسحاق غلط- وقال عبد الحق: وحديث أبي إسحاق عندهم غلط. وقال أبو
عمر: حديث الثوري عن أبي إسحاق لم يمس ما خطأ ونحن نقول به. وقال
الحربي: لم يزل المتفقهة من أصحاب الحديث يتكلم في حديث أبي إسحاق
يقولون: كيف حكا عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى حاجته من أهله ثم ينام
ولا يمس ماء؟! قال: وإبراهيم وعبد الرحمن بن الأسود يحكون عنه عن
عائشة: " كان يتوضأ وضوءه للصلاة"، ووافق إبراهيم وعبد الرحمن على
روايتهما أبو سلمة وعروة وأبو عمر وذكوان، وقوى هذا القول عمر فيما سأل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو سعيد وعمار وابن عباس وجابر وأم سلمة، وكان أحسن
الوضوء في ذلك إن صح حديث أبي إسحاق فيما رواه ووافقه عطاء والقاسم
وكريب والسوائي أن تكون عائشة أخرت الأسود أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما توضأ
وربما أخّر الوضوء والغسل حتى يصبح، فأخبر الأسود إبراهيم: " أنّه كان
يتوضأ ". وأخبر أبا إسحاق أنه: " ان يؤخر الغسل ". وقد حكى مثل ذلك
عصيب عن عائشة وعبد الله بن أبي قيس ويحيي بن يعمر والصنابحي وهذا
أحسن وجوهه، والله أعلم. وأمّا المصححون: فأبو الحسن الدارقطني بقوله يشبه
أن يكون/الخبران صحيحين؛ لأن عائشة قالت: ربما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم
الغسل وربما أخّره كما حكى ذلك عصيف وعبد الله بن أبي متين وغيرهما
عن عائشة وأن الأسود حفظ ذلك عنها فحفظ أبو إسحاق عنه فأخبر الوضوء
والغسل، وحفظ عبد الرحمن وإبراهيم يقدم الوضوء على الغسل. ولما ذكر أبو
بكر البيهقي في سننه حديث أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد وكان
أبي جار أو صديقا عما حدّثته عائشة عن صلاة النبي: قالت: " كان ينام أول
الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى حاجته، ثم نام قبل
أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأوّل قالت: وثب فلا والله ما قالت: قام
وأخذ الماء، ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما يريد وإن لم يكن له
حاجة توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى ركعتين ". أخرجه مسلم (1) في
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (صلاة المسافرين، باب " 17 " رقم " 139 ")
والبخاري (2/66) والنسائي في (قيام الليل، باب " 17 ") وابن ماجة (1365) =(1/733)
الصحيح عن يحيى بن يحيى وأحمد بن يونس ثنا زهير عن أبي إسحاق دون
قوله قبل أن يمس ماء؛ وذاك لأنّ الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها
مأخوذة من غير الأسود، وأنّ أبا إسحاق رّبما دلس فرواها من تدليساته،
واحتجوا على ذلك برواية النخعي وعبد الرحمن بن الأسود بخلاف رواية
إسحاق قال: وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية؛ وذلك أنّه بيّن فيه
سماعه من الأسود في رواية زهير عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه
وكان ثقة، فلا وجه لردّه ووجه الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقد
جمع بينهما أبو العباس بن شريح فأحسن الجمع وذلك فيما أنبأ أبو عبد الله
الحافظ: قال: سألت أبا الوليد الفقيه، فقلت: أيّ الإسناد قد صح عندنا
حديث الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود قال: " كان ينام ولا يمس ماء ".
كذلك صح حديث نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر: يا رسول
الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم إذا توضأ " (1) . فقال ابن الوليد: سألت
ابن شريح عن الحديثين فقال الحكم: لهما جمعيا أم حديث عائشة فإنّما أرادت
أنّه كان لا يمس ماء للغسل. وأمّا حديث عمر فمفسّر ذكر فيه الوضوء/وبه
يأخذ. انتهى كلامه. ولو حمل الأمر على الاستحباب والفعل على الجواز لكان
حسنا إذ الفعل لا يدلّ على الوجوب بمجرده، ويمكن أنّ يكون الأمران جميعا
وقعا فالفعل لبيان الاستحباب والترك لبيان الجواز، وقد صرّح ابن قتيبة في
كتاب مختلف الحديث به في قوله إنّ هذا كلّه جائز فمن شاء أن يتوضأ
وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم نام، ومن شاء غسل يديه وذكره ثم نام ومن
شاء نام من غير أن يمس ماء غير أنّ الوضوء أفضل، وكان عليه الصلاة
والسلام يفعل هذا مرّة وهذا مرّة ليدلّ على الفضيلة وهذا مرة ليدل على
الرخصة، واستعمل النّاس ذلك، فمن أحبّ أن يأخذ بالأفضل أخذ، ومن
__________
وأحمد (6/102، 253) والبيهقي (1/202) وشرح السنة (4/62) والمعاني (1/
125) .
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، 103- باب في الجنب يأكل
ويشرب، (ح/592) . وصححه الشيخ الألباني.(1/734)
أحبّ أن يأخذ بالرخصة أخذ. ولماّ ذكره أبو محمد ابن حزم مصححا له من
حديث سفيان عنه قال: هذا لفظ يدل على مداومته عليه الصلاة والسلام
كذلك وهى أحدث الناس عهدا بمبيته ونومه جنبا وطاهرا، فإن قيل: إن هذا
الحديث أخطأ فيه سفيان؛ لأنّ زهيرا خالفه فيه قلنا. بل أخطأ بلا شك من
خطأ سفيان بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك وقد تابع سفيان على
روايتهما أبو الأحوص والأعمش من حديث أبي بكر بن عياش عنه ولفظهما:
" كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء " (1) . وإسماعيل بن أبي خالد من حديث
هشيم عنه ذكره الطحاوي في شرح الآثار وحمزة الزيات ذكره أبو القاسم في
الأوسط وقال: لم يروه عن حمزة إلا زياد أبو حمزة. تفرد به عامر بن إبراهيم،
وقال الخزرجى في كلامه على الموطأ: وقد رواه عن أبي إسحاق أئمة عدول،
وهذه رخصة ورفق من الله تعالى، لا ينبغي أن نطرح مثل هذا الحديث لأجل
انفراد رواية العدل برواية لا تعارض زيادة من زاد عن الأسود وذكر الوضوء؛
إذ قد يصح أن يفعل الأمرين في وقتين، والله أعلم.
وفي كتاب ابن شاهين: يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل،
وسيأتي ذكره فنبيّن مجموع ما سبق تكافؤ القولان المضعف والمصحح، ولم
يبق إلا الترجيح بأمر زائد على ما يتفرع فيه وهو متابعة عطاء المذكورة عند
الأثرم وما ذكره جرير من/التابعين وليس لتضعيفه رواية عن عائشة وجه
لأمرين: الأول: تصريح جماعة العلماء بسماعه منها. وقد خرج الشيخان في
صحيحهما أربعة أحاديث رواها عنها صرّح في بعضها بالسماع. الثاني: لم
يك تدليسا حتى يتوقّف في روايته إذا لم يبيّن سماعه، وقد وجدنا أيضا له
شاهدا من حديث أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد جيّد خرجه الإمام أحمد
في مسنده (2) قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجنب ثم ينام ثم ينتبه ثم ينام ".
وحديث ابن عباس: " إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فأتى بطعام فقالوا: ألا
نأتيك بطهر؟ فقال: أأصلي فأتطهر! " وبعضهم يقول فيه: ألا تتوضأ؟ قال: ما
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب ص 731.
(2) صحيح. رواه أحمد في " المسند " (6/111، 298) وله شاهد إسناده جيد.(1/735)
أردت الصلاة فأتوضأ! ثم تناول عرقا، فأكل منه ولم يمسّ ماء " (1) . قال أبو
عمر: هو حديث صحيح وفيه دلالة: أنّ الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة،
وذلك رفع للوضوء عند النوم والأكل. وحديث يحيى بن معمر عن عمار بن
ياسر المصحح عند الترمذي: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص للجنب إذا أكل أو شرب
أو نام أن يتوضأ " (2) . قال أبو عمر: احتج به الكوفيون على أن الجنب لا بأس
أن ينام قبل أن يتوضأ. قالوا: ومعناه: أن لا يتوضأ؛ لأنه في ذلك وردت
الرخصة. قال أبو عمر: وهو محتمل للتأويل ولا حجة فيه. وحديث ضعيف
وعبيد الله بن أبي قيس عن عائشة رّبما اغتسل من أوّل الليل وربما اغتسل في
آخره وهو مصحح عند أبي عبد الله في مستدركه، وفي فوائد ابن صخر. هذا
حديث شامي الطريق المحفوظ من حديث برد بن سنان عال من حديث قيس
بن المفضل من هذا الوجه عن برد وهو غريب في الأصل، قال الحاكم:
تابعه- يعني: سفيان- كهمس بن الحسين عن برد. انتهى كلامه. وفيه نظر؛
لأنّ جماعة قالوا: الصواب كهمس بن المنهال منهم المزي وغيرها والله تعالى
أعلم. وصح عن حذيفة أنه قال: نومه قبل الغسل أوعب لخروجه وفي لفظ:
نومه بعد الجنابة أوعبّ للغسل، ذكر ابن أبي شيبة في مصنفه/ثم قال: ثنا
شريك عن إبراهيم عن مجاهد عن ابن عباس قال: " إذا جامع الرجل، ثم أراد
أن يعود فلا بأس أن يؤخّر الغسل ". وحديث أنس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على
نسائه في غسل واحد ". خرجه مسلم (3) ، وفيه دلالة على تأخير استعمال الماء.
وحديث عمر حين سأل عن نوم الجنب فقال عليه السلام: " يتوضأ إن
__________
(1) صحيح. رواه أحمد في " المسند " (1/284) .
(2) ضعيف. رواه أبو داود (ح / 225) وقال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن عمرو: " الجنب إذا أراد أن يأكل يتوضأ ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/274) وعزاه إلى " الطبراني " وفيه يوسف بن خالد السمتي قال فيه ابن معين: كذاب خبيث عدو الله، قلت: فيه رجل لم يسم.
(3) صحيح. رواه مسلم في (3- كتاب الحيض، باب " 6 "، ح/28) ورواه أبو داود (ح/
218) قال أبو داود: وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وصالح بن
أبي الأخضر عن الزهيري كلهم عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والنسائي (1/143) .(1/736)
شاء " (1) . وحديث علي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نام على أثر الجنابة حتى أصبح ".
ذكره ابن أبي داود في كتاب السنن وقال: أخطأ فيه داود بن الجراح، وإنما هو
عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة. انتهى. ولقائل أن يقول: رواد ثقة وقد
ساق بلفظ أو إسنادٍ فلا مشتبها إلا على معضل، والله أعلم إلا لوروده
تضعيف رواية الحديث وبانقطاع ما بين أبي إسحاق وبينه لكان صوابا، والله
أعلم بالصواب.
__________
(1) الزفاف: (27، 39) .(1/737)
64- باب من قال لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة (1)
حدثنا محمد بن رمح المصري أنبأ الليث بن سعد الزهري عن أبي سلمة
عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه
للصلاة". هذا حديث خرجه البخاري (2) بلفظ: " غسل فرجه وتوضأ ".
ولمسلم (3) : " إذا كان جنبا، فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه". ولم يذكر
المنذري أن البخاري رواه ويشبه أن يكون وهما، ولفظ الحاكم في تاريخ بلده:
ورواه من جهة يحيى بن أبي كثير عن الزهري عن أبي سلمة عنها أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يرقد وهو جنب ويتوضأ وضوءه للصلاة، وفي السنن للكجي:
" يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد ". وفي الأوسط من حديث بقية عن إسماعيل
بن عباس عن هشام عن أبيه عنها: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا واقع بعض أهله
يكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم " (4) . وقال: لم يروه عن هشام
إلا إسماعيل. وفي كتاب البيهقي من حديث/أبي أسامة الكلبي ثنا الحسن بن
الربيع ثنا هشام بن علي عن هشام بلفظ: " فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ". ورواه
أبو القاسم أيضا في الأوسط من حديث أبي حمزة عن إبراهيم عن الأسود
وقال: لم يرو عن أبي حمزة إلا ابن علية. تفرّد به زياد. حدثنا نصر بن على
الجهضمي ثنا عبد الأعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بن
الخطاب قال: " يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ ".
__________
(1) سقط هذا العنوان من " الأصل " وأثبتناه من " الثانية ".
(2،) تقدم من أحاديث الباب ص 732.
(4) روى أبو داود في سننه: 1- كتاب الطهارة، 83- باب في الاغتسال، (ح/214) .
حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو- يعني ابن الحرث- عن ابن شهاب، حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن ابن بن كعب أخبره أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإِسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهي عن ذلك، قال أبو داود: يعني: الماء من الماء.(1/738)
هذا حديث خرجاه في صحيحهما (1) ، ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي أردفه
برواية الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قوله عليه الصلاة والسلام:
" إنه يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة". ذكره أبو عمر وعاب ابن القطان
ذلك عليه بقوله هو في كتاب البزار من حديث ابن عمر من ثلاثة طرق:
أحدها: من رواية معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر أنّه سأل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ وضوءه للصلاة" (2) .
قال: وهو من أحسن ما يروى عن عمر من الطرق، والثاني، والثالث: من
رواية وهب عن أيوب عن نافع عن ابن عمرو في مسند الحميدي بسند
صحيح عن سفيان ثنا عبد الله بن دينار سمع ابن عمر سأل عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: " نعم، إذا توضأ، ويطعم إن شاء ". وهو في
صحيح ابن حبان (3) بمعناه.
وفي صحيح ابن خزيمة (4) : " ويتوضأ إن شاء ". وفي كتاب رواه الموطأ للدارقطني
رواه أبو مصعب ومعنى بن خالد بن مخلد وعبد الله بن يوسف والشعبي وروح ويحيى
بن أبي بكير وأيوب بن صالح وابن القاسم وعبد الله بن حسين بن عطاء بن يسارعن
مالك بلفظ: " توضأ ثم اغسل ذكرك ونم " (5) . فقال خالد بن مخلد: قصة الجنابة فقال:
" توضأ ثم اغسل ذكرك ثم نم ".
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/80) ومسلم (248) والترمذي (ح/ 120) وقال:
حديث عمر أحسن شيء في هذا الباب وأصح. والبيهقي (1/200، 202) وابن ماجة (ح/
585) وأحمد في " المسند " (1/17، 35، 2/17، 102) وأبو عوانة (1/277) وزفاف
(37) وإتحاف (5/378) والمغني عن حمل الأسفار (2/52) .
(2) المصدر السابق.
(3) صحيح. رواه ابن حبان: (2/260) .
(4) تقدم من أحاديث الباب ص 738.
(5) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/76، 80) ومسلم في (الحيض، ح/25)
والنسائي في (الطهارة باب " 164 ") وأبو داود (ح/ 221) والموطأ (ح/ 47) وأحمد (2/
64) والبيهقي (1/199، 7/193) والمشكاة (452، 453) وتلخيص (1/117) وشرح
السنة (1/ 329، 2/32) والحلية (7/332) والكنز (41328) .(1/739)
وفي التمييز: وكذا رواه الثوري وسعيد عن ابن دينار وقال ابن أبي داود
في كتاب السنن: وأما كيفية الوضوء فهو ما/ ذكره مالك في الموطأ (1) عن
نافع أن ابن عمر: " كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه
ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه ثم طعم أو نام ". ورواه من حديث مروان أنبأ
مالك حدثنى عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر لم يرو هذا عن مالك
إلا مروان ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن عثمان ثنا شعبة عن عبد الله بن
دينار عن ابن عمر عن عمر فذكره.
حدثنا أبو مروان العثماني محمد بن عثمان ثنا عبد العزيز بن محمد عن
يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري: " أنه
كان تصيبه الجنابة بالليل فيريد أن ينام فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتوضأ ثم
ينام " (2) . هذا حديث رواه الإمام أحمد في مسنده (3) بلفظ: " أنه ذكر للنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه تصيبه الجنابة فيريد أن ينام، فأمره أن يتوضأ ثم ينام ". ولفظ
الطحاوي (4) : " توضأ وارقد ". وإسناده صحيح وأبو مروان محمد بن عثمان بن
خالد بن عمر ابن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان الأموي وروى عنه
أبو حاتم الرازي وقال: ثقة، وسئل عنه صالح بن محمد فقال: هو ثقة صدوق
إلا أنه يروي عن أبيه المناكير ورجاله الباقون حديثهم في الصحيح، ولما ذكره
البزار في مسنده لم يرد على قوله وهذا الحديث لا يعلمه يروى عن أبي سعيد
إلا بهذا الإسناد، وقد وردت في هذا الباب أحاديث منها حديث ابن عباس
المذكور عند ابن حبان وقد تقدّم طرف منه قالت: جئت ميمونة فرأيت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثم غسل وجهه وكفّيه ثم نام؟ ولفظ أبي القاسم في الأوسط: " ثلاثة
لا تقربهم الملائكة الجنب والكافر والمتضمخ بالزعفران ". وحديث أبي هريرة
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 2- كتاب الطهارة، 19- باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام
أو يطعم قبل أن يغتسل: (ح/78) .
(2) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1- كتاب الطهارة، باب (99) ، (ح/586) . وصححه
الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه أحمد: (3/55) .
(4) صحيح. الكنز (41332) وأبو عوانة (1/278) .(1/740)
قال عليه السلام: " لا أحب أن يبيت المسلم وهو جنب، أخاف أن يزرو ولا
تحضره الملائكة " (1) . ذكره ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عن البغوي ثنا
شيبان بن فروخ ثنا يزيد بن عياض بن جعدية عن الأعرج عنه. وحديث/عمار
بن ياسر قال: قدمت من سفر فضمخني أهلي بصفرة قال: ثم جئت فسلّمت
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " وعليك السلام اذهب فاغتسل "، قال: فذهبت
فاغتسلت، ثم رجعت ولي صفرة فقلت: السلام عليكم، فقال: " وعليك
السلام، اذهب فاغتسل " فذهبت فأخذت نشفة فدلّكت بها جلدي حتى
ظننت أنى قد أنقيت ثم أتيته، فقلت: السلام عليكم، قال: " وعليك السلام،
اجلس، ثم قال: إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر نجس ولا جنبا حتى يغتسل
أو يتوضأ وضوءه للصلاة ولا مُتضمخا بصفرة " (2) .
رواه الطحاوي في شرحه من جهة حماد بن سلمة عن عطاء، ورواه
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/4180) والبيهقي (5/36) والبزار (ص 164- زوائد ابن
حجر) : حدثنا العباس بن أبي طالب ثنا أبو سلمة ثنا أبان عن قتادة عن ابن بريدة عن يحيى بن
يعمر عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فذكره، وقال: " رواه غير العباس مرسلا، ولا يعلم
يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ".
وإسناد صحيح كما قاله المنذري في " الترغيب " (1/91) ، ورجاله ثقات رجال الشيخين،
غير العباس هذا وهو ابن جعفر بن عبد الله بن للزبرقان البغدادي أبو محمد بن أبي طالب أخو
يحيى، وهو مصدوق.
ورواه البخاري في " التاريخ " (3/1/74) من طريق أبي عوانة عن قتادة به.
ورواه الطبراني في " الأوسط " (5536) وقال: " لم يروه عن كثير مولى سمرة إلا هشام،
ولا عن هشام إلا المغيرة بن مسلم. تفرد به شبابة " وهو مصدوق من رجال الشيخين، وشيخه
المغيرة حسن الحديث كما قال الذهبي في " الكاشف ".
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5/156) وقال: " رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن
حكيم وهو ضعيف ".
(2) صحيح. رواه عبد الرزاق (7936) والكنز (17463) والجوامع (5924) والطبراني (11/
361) والحبائك (126) وأبو داود في (الترجل باب " 80 ") وأحمد (4/320) والبيهقي
(1/203، 5/36) .(1/741)
الكجي في سننه من طريق حماد بزيادة قدمت على أهلي من سفر وقد
شققت يدي فخلوني بزعفران، وذكره قاسم بن أصبع فلم يقل للصلاة، وذكره
عبد الرزاق (1) كذلك منقطعا في غير قوله رخص فما بعده، ورواه أبو عيسى
الترمذي في جامعه مختصرا وقال فيه: حسن صحيح، وفيما قاله نظر؛ وذلك
أنّ الصحة ملازمة للاتصال وهذا الحيث عدتها ذكر ذلك أبو داود (2) أنه
يخرجه له فقال: بين يحيى وحماد في هذا الحديث رجل، وتبعه على ذلك
الإشبيلي. ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث شعبة عن إسحاق بن
سويد عن رجل فقال: له حسن عن رجل أحسبه عمارا، وقال: لم يروه عن
شعبة إلا سويد. تفرّد به أحمد بن عمر، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
__________
(1) ، (2) صحيح. رواه عبد الرزاق (7936) والكنز (17463) والجوامع (5924) والطبراني
(11/361) والحبائك (126) وأبو داود في (الترجل باب " 80 ") واحمد (4/320)
والبيهقي (1/203، 5/36) .
قلت: وتفرد الثقة جائزة عند عامة أهل العلم.(1/742)
65- باب في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا
عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى
أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ ". هذا حديث خرجه مسلم (1) في
صحيحه فمن بعده ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث سعيد بن
عبد الرحمن المخزومي عن سفيان/عن عاصم بزيادة: " إذا أراد أن يعود فليتوضأ
وضوءه للصلاة". ومن جهة شعبة عن عاصم: " إذا أراد أحدكم العود فليتوضأ
فإنه أنشط له في العود ". وبنحوه خرجه أبو حاتم في صحيحه (2) وأبو عوانة
وخرج الحاكم هذه الزيادة وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه بهذا اللفظ، وهذه لفظة تفرد بها شعبة عن عاصم والتفرد من مثله
مقبول عندهما، ولما ذكره أبو محمد الفارسي مصحّحا له من جهة ابن عتاب:
" إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود ". هذا لفظ حفص ولفظ ابن عيينة إذا
أراد أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ ثم قال: لم يجد هذا الخبر ما يخصصه ولا
ما يخرجه إلى الندب الأخير أضعف من رواية يحيى بن أيوب- يعني: المخرج
عند أبي شاهين- عن موسى بن عقبة وأبي حنيفة عن أبي إسحاق عن الأسود
عنها: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجامع ثم يعود، ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل " (3) . قال:
وما يجاب الوضوء، ويقول: عطاء وعكرمة وإبراهيم والحسن وابن سيرين.
انتهى كلامه. وفي قوله هذا لفظ حفص نظر؛ فإنّ أبا داود رواه عن عمرو بن
عون أنبأ حفص بن غياث، ولفظه: " إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعود
فليتوضأ بينهما وضوءا " (4) . وعند الترمذي عنه: " ثم أراد أن يعود فليتوضأ "
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح 27) وأبو داود (220) والترمذي (141) وقال:
هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (587) والبيهقي (1/203، 204، 7/192)
والحاكم (1/152) والخطيب (3/239) والمجمع (4/295) والكنز (44855) .
(2) رواه ابن حبان: (2/359) .
(3) معاني: (1/127) .
(4) تلخيص: (1/141) .(1/743)
وعند مسلم: " ثم أراد أن يعود ". وما حكاه من الوجوب فمردود بقول أبي
عمر، وما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه إلا طائفة من أهل الظاهر وأما ما
شاء من الفقهاء بالأمصار فلا يوجبوه وأكثرهم يأمرون به ويِستحبونه بخلاف
الحائض، والذي يشبه أن يكون أبو محمد أخلط عليه الوضوء المطلق الجنب
بهذا، والله أعلم. وقال أبو عاونة في صحيحه: تعارض هذه الأخبار في
إيجاب الوضوء حديث أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فأتى بطعام فقيل له: ألا تتوضأ؟ قال: إنما أمرت بالوضوء
إذا قمت إلى الصلاة". كان صحيحا عند أهل التمييز، وقال ابن المنذر: إن
توضأ فحسن (1) ،/وليس ذلك بواجب. انتهى. وفي الباب حديث ذكره في
كتاب العلل عن عبد الرحمن وسألت أبي عن حديث رواه ليث بن أبي سليم
عن عاصم عن أبي المستهل عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إذا أتى أحدكم
أهله فأراد أن يعود فليغسل فرجه ". قال أبي: هذا يرون أنّه عاصم عن أبي
المتوكل عن أبي سعيد وهو أنثييه، وفي كتاب العلل لأبي عيسى ثنا عبد الله
بن الصباح الهاشمي البصري ثنا محمد بن سليمان سمعت أبي عن عاصم
عن أبي المستهل عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا أتى أحدكم أهله ... "
الحديث. سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو خطأ ولا أدرى من أبو
المستهل، وإنما روى عاصم عن أبي عثمان عن سليمان بن ربيعة عن عمر قوله
وهو الصحيح، قال الثقفي: هذا كله جائز ومشروع من شاء أخذ بالأول، ومن
شاء أخذ هذا وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل هذا مرة ليدلّ على الفضيلة، وهذا مرة
ليدلّ على الرخصة، والله تعالى أعلم.
__________
(1) قوله: " إن توضأ وحسن " سقط من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".(1/744)
66- باب ما جاء فيمن يغتسل من نسائه
حدثنا محمد بن مثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو أحمد عن سفيان
عن معمر عن قتادة عن أنس: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يطوف على نسائه في
غسل واحد ". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (1) ، وفي صحيح ابن
إسماعيل: " كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن
إحدى عشرة " (2) قال: قلت لأنس: وكان يطيقه؟ قال: كذا يحدّث أنّه أعطى
قوة ثلاثين وفي لفظ: " تسع نسوة"، وفي صحيح ابن حبان: حكى أنس هذا
الفعل منه عليه السلام في أوّل قدومه المدينة حيث كان عنده تسع نسوة؛ لأنّ
لهذا الفعل منه عليه السلام كان مرارا إلا مرة واحدة لم إلا في آخر أمره حيث
اجتمع عنده تسع نسوة وجاريتان وريحانة ومارية، فإنا لا نعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة بالتزويج، فإنّه دخل بإحدى عشرة أولهن
خديجة ولم يتزوج بغيرها حتى ماتت. وفي سنن السجستاني: هكذا رواه
هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن قتادة عن أنس وقال صالح بن أبي
الأخضر: عن الزهري كلّهم عن أنس، ورواه أيضا ثابت عن أنس، قال أبو
القاسم في الأوسط: لم يروه عن معمر عن ثابت إلا ابن عينية، ورواه الثوري
والناس عن معمر عن قتادة ورواه أيضا من جهة مصعب وزاد في الأصغر تفرد
به عبد الله بن أبي غسان وكان ثقة، وقال ابن خزيمة: لم يقل أحد من
أصحاب قتادة إحدى عشرة إلا معاذ بن هشام عن أبيه، ثم رواه من جهة
سفيان عن معمر عن ثابت عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يطوف "، وفي لفظ
" يطيف على نسائه في غسل واحد "، وقال: هذا حديث غريب، والمشهور
معمر عن قتادة ورواه الإسماعيلي في صحيحه من جهة معاذ بن هشام وفيه
قوة أربعين، ولما رواه ابن أبي داود في سننه من حديث بقية عن شعبة حدثني
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/76) وأحمد (3/291) وابن سعد (2/2/30) وشرح
السنة (2/37) والكنز (18344) وأخلاق (231، 232) .(1/745)
عاصم بن زيد بن أنس قال: سمعت أنسا فذكره قال: لم يرو هذا الحديث
عن شعبة إلا بقية وسكين بن بكير، ورواه أيضا من جهة ابن حماد، عن قتادة
عن أنس بلفظ: " يطوف على نسائه بغسل واحد، هذه ثم هذه" (1) وقال:
هذه سنة تفرد بها أهل البصرة، ولم يروه عن سفيان إلا يوسف بن أسباط،
وكذا قاله أبو نعيم في الحلية قال ابن أبي داود: والناس يخالفونه عن سفيان
يقولون: عن معمر عن قتادة ومن جهة حبان عن صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح. وقال الترمذي: وقد روى محمد
بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أنس وأبو
عروة ومعمر وأبو الخطاب قتادة، ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن أبي
عروة عن أبي الخطاب وهو خطأ والصحيح أبي عروة،/وفي الباب عن أبي
رافع. انتهى. وفيه نظر؛ لأن حديث أبي رافع لفظه: " يغتسل عند هذه، وعند
هذه وسيأتي وهو مخالف لما رواه قبل عن أنس، والله أعلم.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 6 "، ح/28) وأحمد (3/225) وأبو
عوانة (1/280) وإتحاف (5/369) وشرح السنة (2/37) وأخلاق (232) والحلية (7/
100، 232، 8/247، 10/170) .(1/746)
67- باب فيمن يغتسل عند كل صلاة غسلا
حدثنا إسحاق بن منصور أنبأ عبد الصمد ثنا حماد ثنا عبد الرحمن بن
أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع: " أنّ النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه في
ليلة، وكان يغتسل عند كل واحدة منهن: فقيل له: يا رسول الله ألا تجعله
غسلها واحد فقال: هو أذكى وأطيب وأطهر ". هذا حديث لما خرجه أبو
داود (1) قال: وحديث أنس أصح من هذا ولما ذكره أبو محمد الإشبيلي من
عند النسائي سكت عند وكيع وذلك أبو الحسن عليه بقوله: لا يصح فإنّه من
رواية يقولون عن معمر عن قتادة، ومن جهة صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري وقال: لم يروه عن الزهري إلا صالح عن حمّاد أنبأ عبد الرحمن هذا
فمنهم من يقول: ما ذكرناه ومنهم من يقول: عبد الرحمن بن أبي رافع
كذلك ذكره أبو داود من رواية موسى بن إسماعيل عن حماد وموسى والناس
بحماد وتعرفه بحديثه، وهكذا ذكره البخاري في تاريخه قال عبد الرحمن بن
أبي رافع عن عمته عن أبي رافع: " طاف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نسائه في ليلة " (2) .
قال شهاب: عن حماد بن سلمة وقال عبد الله ابن محمد: عن عارم عن
حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبى رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع
قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناوليني الذراع " (3) . وقاّل عفان ويزيد بن هارون وحماد: ثنا
ابن أبي رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه،
وزعم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتختم في يمينه حديثه في البصريين، وقال بن أبي
حاتم: عبد الرحمن بن أبي رافع روى عن عبد الله بن جعفر وعن عمته سلمى
وروى عنه حماد بن سلمة ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن
__________
(1) حسن. رواه أبو داود: الطهارة، باب " 85 "، (ح/219) .
(2) صحيح. رواه النسائي: (1/143) . وأبو داود (ح/218) بلفظ: " طاف على نسائه
في غسل واحد ".
(3) رواه ابن سعد (7/45) ، وأحمد (3/484، 485) والمجمع (8/311) والبداية بلفظ:
" ناولني ذراعها ".(1/747)
معين قال عبد الرحمن بن أبي رافع الذي بروى عنه حماد صالح فإن كان
الأمر هكذا أعني أنّه عبد الرحمن/بن أبي رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال
عفان ويزيد فإن عمته سلمى أخت لأبي رافع وهى لا تعرف له وإن كانت
غيرها فخالها لا يعرف، وإن كان الأمر عاما وقع في السند عند النسائي من
أنّه حفيد لأبي رافع وسلمى بخت لأبي رافع، ويكون حالها حينئذ أخفى وما
من ذلك شيء يعرف فإنّ أبا رافع مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتوشته امرأتان كلّ
واحدة منهما اسمها سلمى، إحداهما: أمة. والأخرى: زوجه فأُمّه سلمى مولاة
صفية بنت عبد المطلب روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبت لأمر فيه يرويه حارثة بن
محمد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدّته، وكانت خادما للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكرها
هذا ابن السكن، وأمّا زوجه فسلمى مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن أبي خيثمة:
زوّجه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مولاته وشهدت سلمى هذه خيبر وولدت له عبيد الله بن
أبي رافع كاتب علي فما من هاتين من يكون عمّه لعبد الرحمن بن أبي رافع
ولا لحفيد أبي رافع إذ إحداهما أم لأبي رافع والأخرى زوجه، وقد كنت أظنّ
أن أبا محمد عثر في هذا على مزيد حتى رأيته كتب في كتابه الكبير بخطّه
أثر هذا الحديث بعد أن أورده من عند النسائي سلمى مولاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا
يصح أن تكون عمة لأحد من ولد أبي رافع؛ بل أما وأما جدّه. انتهى كلامه.
وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله في أبي رافع أختيه امرأتان، وأغفل ثالثة
ذكرها أبو حاتم البستي في كتاب الثقات من التابعين روى عنها القعقاع بن
حكيم وقال: هي امرأة أبي رافع. روت عن أبي رافع، الثاني: قوله لا يصح
مردود بتصحيح ابن حزم له من الطريق التي خرجها أبو داود. الثالث: ما
ذكره عن أبي محمد أنه اتبعه بخطّه في الكبير لم أره ولا شيئا منه في
الكتاب المشار إليه، والله تعالى أعلم. وفي كتاب البيهقي طاف على نسائه
أجمع في ليلة يغتسل لكل واحدة منهن غسلا. وقال الحافظ ضياء الدين: ليس
بين هذا الحديث وحديث أنس اختلاف؛ بل كان يفعل هذا مرّة وذلك أجزى،
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.(1/748)
68- باب ما جاء في الجنب ما يأكل ويشرب
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ابن علية وغندر ووكيع عن شعبة عن
الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
أراد أن يأكل وهو جنب توضأ " (1) . هذا حديث خرجه الحافظ أبو بكر بن
خزيمة في صحيحه من حديث يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ:
" كان إذا أراد أن يطعم وهو جنب غسل يديه " (2) . وصححه أيضا أبو محمد
الفارسي، ولفظ ابن حبان في صحيحه: (3) " إذا أراد أن ينام وهو جنب لم
ينم حتى يتوضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه وأكل ". ولما ذكر البيهقي (4) أن
الليث وأنّه كرواية ابن وهب عن ابن شهاب عن أبي سلمة قالت عائشة: " إذا
أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه ".- يعني: من قولها- قال: وقد قيل في هذا
الإسناد عن هذا. وحديث الأسود عن عائشة أصح، وقال أبو داود: رواه ابن
وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة مقصورا، ورواه صالح بن أبي
الأخصر عن الزهري كما قال ابن المبارك- يعني: عن يونس عن الزهري عن
أبي سلمة- إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة، ورواه الأوزاعي عن
يونس عن الزهري عن النبي، كما قال ابن المبارك، وفي كتاب العلل للخلال
عن أحمد قال عن قوله: أن يأكل قال أحمد بن القاسم: وسمعت أبا عبد الله
__________
(1) حسن. رواه أبو د أود (ح/224) والنسائي (1/138) والزفاف (37) .
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/223) . قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس وجعل
قصة الأكل قول عائشة مقصورا، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك إلا أنه قال. " عن عروة أو أبي سلمى " ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قال ابن المبارك. وابن ماجة (ح/591) ومعاني (1/128) وعبد الرزاق (1085) .
وصححه أبو محمد الفاسي وآخرون منهم الشيخ الألباني.
(3) رواه ابن حبان: (ح/231) .
وهو حديث عزيز جيد، فيه سنية غسل اليدين قبل الطعام فهو يغني عن الحديث المشهور الذي
بلفظ: " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده " وهو حديث ضعيف برقم " 168 ".
(4) صحيح. رواه البيهقي في " الكبرى " (1/203) والكنز (27435) .(1/749)
يقول: إذا أراد أن ينام فليتوضأ وضوءه للصلاة، على الحديث ثم ينام، فأمّا إذا
أراد أن يطعم فليغسل يديه ويمضمض وليطعم؛ لأنّ الأحاديث في الوضوء لمن
أراد النوم، قال: وبلغني أنّ شعبة ترك حديث الحاكم بآخره فلم يحدّث به
فيمن أراد أن يطعم؛ وذلك لأنه ليس بقوله غيره إنّما هو في النوم ولفظ
الدارقطني: " وإذا أراد أن يأكل غسل كفيه ثم أكل "، وفي لفظ: " غسل كفّيه
ومضمض فاه "، وفي لفظ النسائي (1) : " وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل
يديه ثم يأكل ويشرب ". حدثنا محمد بن عمر ثنا إسماعيل بن صبيح أنبأ أبو
أوس عن شرحبيل بن سعيد عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن الجنب هل/ينام أو يأكل أو يشرب؟ قال: " نعم، إذا توضأ وضوءه
للصلاة " ". هذا حديث خرجه، بن خزيمة في صحيحه، وفي الباب أحاديث
منها حديث عبد الله بن مالك الغافقي قال: " أكل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما طعاما، ثم
قال: استر على حتى اغتسل، فقلت له أنت جنب! فأخبرت بذلك عمر بن
الخطاب فخرج إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " انّ هذا يزعم أنك أكلت وأنت جنب،
قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت، ولا أقرأ حتى اغتسل ". وفي لفظ: " ولا
أصل حتى أغتسل ". رواه الدارقطني (2) عن ابن مخلد ثنا الصفار ثنا أبو الأسود
ثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان عنه. وحديث بشير بن نهيك عن أبي
هريرة: " كان النبي إذا كان جنبا وأراد أن يأكل أو ينام توضأ ". ذكره أبو
القاسم في الأوسط (3) وقال: لم يروه عن قتادة عن بشير إلا شعبة، وقال عن
شعبة إلا حجاج. تفرد به إبراهيم بن محمد القرفساني. وحديث عمار بن
ياسر مرفوعا: " رخص للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أن يتوضأ
وضوءه للصلاة " (4) . ذكره ابن أبي شيبة وقد تقدّم ذكره قال أبو بكر بن
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر الحاشية رقم (2) السابقة.
(2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) والطبراني (19/295) والمجمع (1/274) وعزاه
إليه في " الكبير " وفيه ابن لهيعة.
(3) حسن. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه
إسحاق بن إبراهيم القرفساني، وإسناده حسن.
(4) تقدم. وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/274) وعزاه إلى " الطبراني " وفيه
يوسف بن خالد السمتي، قال فيه ابن معين: كذاب خبيث عدو الله.(1/750)
المنذر: وممن قال هذا الحديث علي وابن عمر وعبد الله بن عمرو وروينا عن
ابن عمر قولا ثانيا وهو أنه يتوضأ وضوءه للصلاة إلا غسل القدمين. وقال
مجاهد والزهري: يغسل كفيه ويمضمض ثم يأكل. وقال مالك: يغسل يديه إذا
كان الأذى قد أصابهما. وقال أحمد وإسحاق: يغسل يديه وفاه. وقال
أصحاب الرأي: يغسل يديه ويمضمض ثم يأكل ولا يضره. وقال أبو بكر: إذا
أراد أن يطعم توضأ، فإن اقتصر على غسل فرجه ويمضمض كفاهُ زاد ابن أبي
شيبة وعائشة وأبو الضحى وشداد بن أوس وقال: إنه يصف الجنابة وابن سيرين
ومحمد بن علي والنخعي، وأما قول ابن المنذر عن مجاهد والزهري يغسل
كفيّه ويمضمض فلعله في رواية عنهما وإلا ففي المصنف بسند صحيح ثنا
وكيع عن سفيان عن زيد عن مجاهد في الجنب يأكل قال: يغسل يديه
وجمل حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري قال: الجنب إذا أراد
أن أكل غسل يديه. وأما سعيد بن المسيب فإنه قال: إن شاء الجنب نام قبل
أن يتوضأ. وقال إبراهيم في رواية مغيرة عنه: " يشرب الجنب قبل أن
يتوضأ " (1) .
__________
(1) قوله: " قبل أن يتوضأ " كذا في " الأصل " وسقطت من " الثانية ".(1/751)
69- باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة
حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرّة عن
عبد الله بن سلمة قال: دخلت على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-
فقال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي الخلاء فيقضى الحاجة ثم يخرج فيأكل معنا
الخبز واللحم، ويقرأ القرآن ولا يحجبه- وربما قال: لا يحجزه- عن القرآن
شيء إلا الجنابة " (1) . هذا حديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه: فأما أبو
داود فإنه سكت عنه لما رواه مطولا بلفظ: " دخلت على علي أنا ورجلان،
رجل منّا ورجل من بنى أسد احتسب فبايعتهما على وجها وقال: إنها علجان
فعالجا عن دينكما ثم قام فدخل المخرج ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة
فتمسح بها ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا ذلك فقال ... " الحديث. ولما خرجه
أبو عيسى (2) قال فيه: حسن صحيح وخرجه في الصحيح أبو بكر بن خزيمة
وابن الجارود في منتقاه وأبو حاتم البستي، وقال أبو عبد الله بن البيع: هذا
الحديث صحيح الإسناد والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة، ومدار
الحديث عليه وهو غير مطعون فيه، وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث
صحيح وفي الكامل قال سفيان: قال شعبة: لم يرو عمرو أحسن من هذا
الحديث وقال سعيد: لا أدرى أحسن منه عن عمرو وكان شعبة يقول: هذا
ثلث رأس مالي، وقد روى ابن سلمة عن علي وحذيفة وغيرهما هذا الحديث،
وأرجو أنه لا بأس به، وفي سؤالات الميمون لأحمد قال شعبة: ليس أحدث
بحديث أجود من ذلك، وفي فوائد ابن صخر: ورواه عن طريق يحيى بن أبي
بكير عن أبي جعفر الرازي عن الأعمش عن عمرو عن أبي البختري عن على
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/ 229) وسكت عنه كناية عن حسنه. وابن ماجة (594)
وأحمد (1/84، 124) والحاكم (4/17) والنسائي (1/144) .
قوله: " لا يحجبه ولا يحجره "، أي: لا يمنعه.
وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
(2) قوله: " أبو عيسى " سقطت من " الأولى " وأثبتناه من " الثانية ".(1/752)
قال عليه الصلاة والسلام: " اقرأ القرآن على كل حال ما لم تكن جنبا " (1) .
هذا حديث غريب جدا إن كان محفوظا لم يروه غير يحيى عن أبي جعفر
والمسور عن الأعمش وغيره عن عمرو عن ابن سلمة ومحمد أبو محمد
الإشبيلي، وقال أبو علي الطوسي: حديث علي حديث حسن صحيح. وقال
أبو الحسن: رواه أبو جعفر الرازي وجنادة ومحمد بن فضيل عن الأعمش عن
عمرو عن أبي البختري عن علي/إلا أن فضيلا وفيه والآخران رفعاه وخالفهم
أبو الأحوص فقال: عن الأعمش عن عمرو بن علي مرسلا موقوفا ورواه ابن
أبي ليلى عن عمرو على الصواب عن ابن سلمة ورواه جماعة من الثقات عن
ابن أبي ليلى كذلك وخالفهم يحيى بن عيسى الرملي فرواه عنه عن سلمة بن
كهيل عن ابن سلمة ووهم، والصواب عن عمرو بن مرّة، والقول قول من قال
عمرو عن ابن سلمة عن علي. انتهى كلامه. وفيه رد لما ذكره الحاكم فيما
أسلفناه، ولما في الكامل ثنا ابن أبي عصمة ثنا أبو طالب ثنا أحمد لم يرو
أحد: " لا يقرأ الجنب ... " غير شعبة عن عمرو عن ابن سلمة عن علي، ولما
ذكره أيضا البزار أثر حديث ابن سلمة لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو
عن ابن سلمة وكذا ما ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث النعمان بن
راشد عن أبي إسحاق عن الحرث عن على: نهاني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القراءة وأنا
جنب، ولا أقول نهاكم " (2) ، وقال: لم يروه عن النعمان إلا أبو الجراح. تفرد
به رباح بن زيد، وقال ابن أبي داود في سننه: هذه سنة تفرد بها أهل الكوفة،
وأما المضعّفون فالإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- فإنه
كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة ذكره عنه
الخطابي، وقال الشّافعي: وإن يكن أهل الحديث يثبتونه، قال البيهقي: وإنما
توقف الشافعي في ثبوته؛ لأنّ مداره على ابن سلمة وكان قد كبر وأنكر من
حديثه وعقله بعض النكرة، وإنّما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة في
__________
(1) ضعيف جدا. الكنز (2770) وابن عدي في " الكامل " (3/925) ، وضعفه الشيخ
الألباني. (ضعيف الجامع: ص 150 ح/1065) أنظر، الضعيفة: (ح/2863) .
(2) ضعيف. كذا ذكره الخطابي في معالم السنن. وضعفه أحمد بن حنبل.(1/753)
تاريخ الجعفي الكبير عن عمرو بن مرة قال: كان عبد الله- يعني: بن سلمة-
يحدّثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا نتابع في حديثه، وفي الأوسط سألت
أحمد بن أبي سلمة من روى عنه غير عمرو فقال: روى عنه أبو إسحاق
الهمداني قوله، وفي لفظ: لا أعرف روى عنه غيرهما وقال ابن نمير: هذا ليس
به قال صاحب عمرو بن مرة: لم يرو عنه إلا عمرو، والذي قال ابن معين
أصح من الذي قال أبو إسحاق هو الهمداني والذي روى عنه عمرو بن مرّة
هو من رهط عمرو بن مرة الجملي المراوي ويقال: الجهني، وقد روى أبو
إسحاق عن عبد الله بن سلمة أبي العالية الهمداني، وقال بعض الكوفيين: هذا
غير الذي روى عنه عمرو بن مرة وبمثله قاله يحيى بن معين وأبو نصر بن
ماكولا وأبو الحسن في كتاب المختلف والمؤتلف، قرأت على المسند المعمر
محمد بن عبد الحميد أخبركم أبو الحسن بن عبد الواحد أنبأ ابن طبرزد أنبأ
أبو البركات/أنبأ أبو القاسم بن حبابة أنبأ أبو القاسم، نا ابن بنت منيع أن
علي ثنا أبو داود قال: كان شعبة يقول: هو ذي أنزعه من عنقي وأضعه في
أعناقكم قد سمعت عمرا يقول: كان ابن سلمة قد كبر فكان يحدثنا فيعرف
وينكر، وأشار أبو محمد الفارسي إلى ضعف هذا الحديث، وقال أبو حاتم: في
كتاب الثقات وذكر ابن سلمة كان يخطىء، وقال أبو عبد الرحمن: يعرف
وينكر. وقال الساجي: كان يهم، ولقائل أن يقول في هذا الكلام ردّ على
الحاكم لزعمه ألا يطعن فيه ويجاب بأن الحاكم أراد طعنا موجبا لردّ حديثه،
وأمّا الحرف فهذا لا طعن، والله أعلم. ولولا قول من قال: أنّ عمر أخذ عنه
هذا الحديث بعد الكبر لكان قول من صحح على قول المضعف أرجح، ويريده
ما رواه الدارقطني موقوفا من حديث أبي العريف قال: كنّا مع علىّ في الرحبة
فخرج إلى أقصى الرحبة، فوالله ما أدرى أهو أحدث أم غائط، ثم جاء فدعا
بكوز من ماء، فغسل كفيه ثم قبضهما إليه، ثم قرأ سورا من القرآن ثم قال:
اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابة فلا ولا حرف " (1) .
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الألباني في ضعيف الجامع (ص 150 ح/1065) وعزاه إلى أبي
الحسن بن صخر في " فوائده " عن علي.(1/754)
رواه عن أبي بكر النيسابوري وأبي على الصفّار ثنا محمد بن عبد الملك
الدقيقي ثنا يزيد بن هارون ثنا عامر بن السمط ثنا أبو العريف به. وفي سنن
البيهقي من حديث عاصم البجلي عن أبي داود الظهري عن عبد الأعلى عن
عامر الثعلبي عن أبط عبد الرحمن سئل علي عن الجنب يقرأ: قال: " لا، ولا
حرف ". فهذا مما يؤكد قول من صحح الحديث ويدلّ أن له أصلا عن عليّ،
والله تعالى أعلم. قال البستي: وقد توهم غير المتبحِّر في الحديث أنّ حديث
عائشة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله على كل أحيانه " (1) . يعارض هذا وليس
كذلك؛ لأنها أرادت الذكر الذي هو غير القرآن إذ القرآن يجوز أن يُسمى
ذكرا، وكان لا يقرأ وهو جنب ويقرأ في سائر الأحوال، وقال ابن حزم:
وحديث على لا حجة. انتهى الذي قاله بعضهم وقع لنا في حديث عائشة ثنا
وكيع عن سفيان عن هشام عن أبيه عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقرأ الجنب
ولا الحائض شيئا من القرآن " (2) . رواه أبو عبد الله في تاريخه عن أحمد بن
هارون الفقيه ثنا جعفر بن سهل ثنا الحسين بن يونس ثنا وكيع به، وقال ابن
حزم: وحديث علي لها حجة فيه لمن منع الجنب من القراءة؛ لأنه ليس فيه/
نهي عن القراءة (3) وإنما هو فعل منه لا يلزم ولا بيّن عليه الصلاة والسلام. أنه
إنما يمتنع من ذلك لأجل الجنابة، وقال جاءت آثار في نهي الجنب ومن ليس
__________
انظر: (الضعيفة ح/2863) .
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/83، 163) ومسلم في (الحيض باب " 30 "
رقم " 117 ") وأبو داود (18) والترمذي (3384) وصححه. وابن ماجة (302) وأحمد
(6/70، 153، 278) والبيهقي (1/90) وأبو عوانة (1/217) وإتحاف (6/287، 7/
110) والكنز (17980) وشرح السنة (2/44) والقرطبي (4/310) والمشكاة (456)
ومعاني (1/88، 91) والصحيحة (406) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي (131) وقال: حديث ابن عمر حديث لا نعرفه إلا من حديث
إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر. ورواه ابن ماجة (596)
والدارقطني (1/131، 117) والعلل (116) .
قلت: وعلته إسماعيل بن عياش.
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 918، ح/6364) . انظر الإرواء: 162.
(3) في " الأولى " " القمأة " وهو تصحيف، والصحيح " القراءة " كما أثبتناه من " الثانية ".(1/755)
على طهر عن أن يقرأ شيئا من القرآن، ولا يصح منها شيء، ولو صحت
كانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة- يعني مالكا- أو بعض
الآية- يعني: أبا حنيفة- لأنها كلها نهى عن القراءة للجنب جملة. حدثنا
هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش ثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن
عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يقرأ القرآن الجنب والحائض ". هذا حديث
إسناده ضعيف لما أسلفناه في إسماعيل لاسيّما وروايته هنا عن المدنيين، ورواه
أبو الحسن القطان عن أبيِ حاتم ثنا هشام به وزاد: " لا يقرأ الجنب والحائض
شيئا من القرآن ". وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش
عن موسى بن عقبة وسمعت محمدا يقول: أن إسماعيل يروي عن أهل
الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كانه ضعف روايته عنهم فيما يتفرد به،
وقال في العلل: قال محمد: لا أعرفه من حديث ابن عقبة، وقال البزار: وهذا
الحديث لا يعلم رواه عن موسى بن عقبة إلا ابن عباس ولا نعلم يروى عن
ابن عمر من وجه إلا من هذا الوجه، ولا يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائض إلا
من هذا الوجه، وفي علل الرازي: سمعت أبي وذكر معنى هذا الحديث فقال:
هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله، وفي كتاب المعرفة: وهذا حديث تفرد به
إسماعيل وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها أهل العلم الحديث وفي
السنن الكبير رواه غيره عن موسى بن عقبة ولا يصح، وفيه ردّ لما قاله في
المعرفة قبل وفي موضع آخر ليس هذا بالقوي، وفي كتاب الخلال عن عبد الله
وذكر هذا الحديث قال أبي: هذا باطل أنكر على إسماعيل- يعني: أنه وهم
من إسماعيل-، ولما رواه أبو أحمد من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن العلاء
الزبيدي الحمصي عرف بابن وبريق عن ابن عباس عن عبيد الله- يعني:
العمري- وموسى بن عقبة قال: ليس لهذا الحديث أصل من حديث عبيد الله.
انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أن سعيد بن يعقوب الطالقاني ورواه أبو
الحسن في سننه عن إيراهيم بن محمد ثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي
ثنا سعيد به ثم قال: تابعه إبراهيم بن العلاء عن/إسماعيل ورواه عن ابن
عياش كرواية إبراهيم بن العلاء فيما ذكره أبو بكر في الخلافيات الموثق عند(1/756)
أبي حاتم وغيرها وأمّا قول من قال: لا يروى عن موسى إلا من حديث
إسماعيل، ولا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، ففيه نظر؛ لما ذكره
الدارقطني في كتاب السنن ثنا محمد بن حمدويه المروزي ثنا عبد الله بن
حماد الأعلى ثنا عبد الملك بن سلمة حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن
موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: " لا يقرأ
الجنب شيئا من القرآن ". ثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن إسماعيل الجيشاني
عن رجل عن أبي معشر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئا ". وقال ابن عبد الواحد
الحافظ: روى بعض الحفاظ هذا الحديث من غير طريق إسماعيل بإسناد لا
بأن به وكأنه- والله أعلم- يريد طريق المغيرة المذكورة أنبأ وأبى ذلك
عبد الحق والبيهقي بقوله روى عن غيره ولا يصح، وأمّا قول البزار ولا يروى
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحائض إلا من هذا الوجه ففيه نظر؛ لما أسلفنا من حديث
عائشة قيل والله أعلم، ولم يذكره من حديث جابر بن عبد الله عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقرأ الحيض ولا الجنب ولا النفساء من القرآن شيئا ". رواه
الدارقطني (1) عن أحمد بن محمد أبي سهل أنبأ أحمد بن على الآباد ثنا أبو
الأشعث على بن الحسن الواسطي ثنا سليمان أبو خالد عن يحيى عن أبي
الزبير عنه وفيه ردّ لما ذكره أبو أحمد هذا ينفرد به محمد بن الفضل بن عطية
وهو متروك عند الجميع، والله أعلم. وفي هذا الباب والذي قبله أحاديث منها
حديث عبد الله ابن رواحة وكان مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية
في ناحية الحجرة فوقع عليها وفرغت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت
فخرجت فرأته على جاريته فرجعت إلى البيت فأخذت السفرة، ثم خرجت،
وفرغ فقام فلقيها تحمل السفرة قال: وأين رأيتيني؟ قالت: رأيتك على الجارية،
فقال: ما رأيتني وقال: " قد نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ أحدنا القرآن وهو
جنب " قالت: فاقرأ فقال:
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني (1/117) .(1/757)
نهانا رسول الله أن نتلوا كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع
/أنا بالهدى بعد العمى فقلوبنا به ... وضآت إن ما قال واقع
بين ما في جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المناجع
فقال: آمنت بالله وكذبت البصر " ثم غدا " على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره،
فضحك حتى بدت نواجذه ". رواه الدارقطني (1) عن ابن مخلد نا العباس بن
محمد الدوري ثنا إبراهيم بن قيس بن أحمد الحداد ثنا محمد بن سليمان
الواسع ثنا أبو نعيم ثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة قال:
كان ابن رواحة فذكره وثنا ابن مخلد ثنا القاسم بن خلف ثنا ابن عمار
الموصلي ثنا عمرو بن رزيق عن زمعة عن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس
فذكر نحوه هذا متصل لولا ضعف زمعة لكان إسناده لا بأس به على أنّ ابن
معين قال: فيه صويلح، وقال البيهقي: وروى عن ابن عباس عن زمعة كذلك
موصولا وليس بالقوي. قال: وعن عكرمة عن ابن رواحة وليس بالقوى، وقال
عبد الحق: ولا بروى من وجه صحيح يحتج به؛ لأنه منقطع وضعيف، وفي
الاستفتاء أنشدها حين قالت له: " إن الجنب لا يقرأ القرآن فاقرأ:
شهدت بأن وعد الله حق ... وإنّ النّار مثوى الكافرينا
وأنّ العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا
فقالت له صدق الله وكذبت عيني وكانت لا تحفظ القرآن، قال أبو عمر:
روينا هذه القصة من وجوه صحاح زاد غيره وتحمله ملائكة غلاظ ملائكة
الإله مسبوقينا. وحديث عبد الله بن مالك الغافقي المذكور قبل قال: " أكل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما طعاما، ثم قال: استر علي، فاغتسل فقلت له: أكنت
جنبا يا رسول الله؟ قال: نعم، فأخبرت بذلك عمر فجاء فقال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن
هذا زعم أنك أكلت وأنت جنب، قال: نعم، إذا توضأت أكلت وشربت ولا
أصل ولا أقرأ حتى أغتسل ". رواه البيهقي من حديث محمد بن عمر عن
عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة عن ثعلبة بن أبي المنكدر عن عبد الله بن
__________
(1) المصدر السابق.(1/758)
مالك به ثم قال: تابعه ابن لهيعة عن عبد الله بن سليمان. وحديث ابن لهيعة
المشار إليه خرجه الطبراني (1) في الكبير وابن نافع في معجمه وعبد الله بن
وهب/في مسنده وفي كتاب البيهقي من حديث الأعمش عن شقيق عن
عبيدة قال: كان عمر يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب قال: وهو إسناد وصحيح
وفي الخلافيات: من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم أن عمر كان يكره
أن يقرأ الجنب، قال شعبة: وحدث في صحيفتي والحائض. وحديث أبي
موسى الأشعري قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يا علي إنى أرضى لك ما أرضاه
لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ القرآن وأنت جنب، ولا أنت راكع
ولا أنت ساجد، ولا تصل وأنت عاقص شعرك، ولا تذبح بذبح الحمار ". رواه
الدارقطني (2) من حديث أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين أخبرني أبو
عاصم بن كليب الجرمي عن أبي بردة عن أبي موسى. وحديث علقمة قال:
كنا مع سلمان الخير- رضي الله عنه- في سفر فقضى حاجته، فقلنا له:
توضأ حتى نسألك عن آية من القرآن فقال: سلوني إنى لست أمسه، إنه لا
يمسه إلا المطهرون، فقرأ علينا ما أردناه. خرجه أبو عبد الله في مستدركه (3)
وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لتوقفه، وقد رواه
أيضا جماعة من الثقات عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد
عن سلمان، وذكر ابن الجوزي: أن بعضهم رفعه ولا يصح. وحديث أنس
قال: " خرج عمر متقلدا السيف، فقيل له: إن حبك واحد قد صبوا، فأتاهما
عمر وعندهما رجل من المهاجرين، فقال: وكانوا أجنابا يقرءون سورة طه،
فقال: أعطوني الكتاب الذي عندكم فاقرؤوه، وكان عمر يقرأ الكتب فقالت
له أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ، فقام عمر
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) والكنز (27463) والمجمع (1/274) وعزاه إلى
الطبراني في " الكبير " وفيه ابن لهيعة وهو علته.
(2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/119) وإتحاف (3/97) وأحمد (1/146) وعبد الرزاق
(2836) والمشكاة (903) والكنز (41877، 44002، 44059) وضعفه الشيخ الألباني.
ضعيف الجامع (ص 928 ح/6400- 1192) .
(3) صحيح. رواه الحاكم وصححه.(1/759)
وتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه ". ذكره ابن سعد في الطبقات عن إسحاق
الأرق رواه الدارقطني (1) عن محمد بن عبد الله بن غيلان ثنا الحسن بن
الجنيد وثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ثنا ابن المأدي ثنا إسحاق
الأزرق ثنا القاسم بن عثمان البصري عن أبيه عن أنس به. ولما ذكر أبو زيد
السهيلي في روضه أشار إلى أنه من أحاديث السير، وقال القشيري: وذكر ابن
إسحاق في قصة إسلام عمر بن الخطاب/أن أخته قالت له: " إنك جنب ولا
يمسه إلا المطهرون "، وهو هكذا معضل وأظنّه في ذلك تبع ابن عبد البر كأنما
لم ينظر إلى كتاب أبي الحسن وابن سعد نقضه اغتساله وكونه بسند صحيح؛
لأنّ عثمان وثّقه أبو حاتم وباقي من فيه لا نسأل عنه، وفي كتاب المعانقة
لمرتضى بن حاتم ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن حصين مشافهة
قال: أذن لي أبو الفتح محمد بن عبد الله عرف بابن النحاس أنبأ أبو الفرح
أحمد بن محمد بن أبي ذهبة ثنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن الرحماني
ثنا أبو بكر محمد بن بكران ثنا يحيى بن عبيد الله، ثنا الفضل بن عبيد الله
الهاشمي، ثنا يوسف بن محمد البغدادي، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبيدة
بن جرود حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الملك الأسدي ثنا ناهض بن
سلام ثنا محمد بن سيرين ومحمد بن كعب القرطبي ثنا أبو العباس عبد الله
بن عبد العباس فذكر سلام عمر مطولا، وفي كتاب الدلائل للبيهقي من
حديث أسامة بن زيد عن أبيه عن جدّه أسلم قال: " قال لنا عمر أتحبون أن
أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟.. " الحديث رواه عن الحمامي ثنا محمد بن
عبد الله بن إبراهيم ثنا محمد بن أحمد بن برد ثنا إسحاق الحسنى قال: ذكره
أسامة أنّ الصحيفة كان فيها: سبح لله ما في السموات وما في الأرض، وقد
استوفينا ذلك في كتابنا المسمى بالوهم الباسم في سير أبي القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك.
وحديث حكيم بن حزام قال: لما بعثني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى اليمن قال: " لا تمس
القرآن إلا وأنت طاهر ". رواه أبو القاسم في الكبير (2) عن بكر بن نفيل ثنا
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/121، 2/285) .
(2) حسن. رواه الحاكم (3/485) والدارقطني (1/123) ونصب الراية (1/198) والكنز
(2829) والطبراني (3/230، 9/33) والمجمع (1/276، 277) ، وعزاه إلى الطبراني=(1/760)
إسماعيل بن إبراهيم صاحب القوهي سمعت أبي ثنا سويد أبو حاتم ثنا مطر
الوراق عن حسان بن بلال عنه. ولما خرجه أبو الحسن قال لنا ابن مخلد:
سمعت جعفرا يقول: سمع حسان من عائشة وعمار قيل له: سمع مطر من
حسان؟ فقال: نعم. وحديث ثوبان قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يمس القرآن إلا
طاهر. والعمرة الحج الأصغر وعمرة خير من الدنيا. وما فيها. ذكره ابن القطان
من رواية علي بن عبد العزيز ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا مسعدة البصري عن
حصيب بن جحدر عن النضر بن شقي عن أبي إنّما الرحبي عنه قال: وهو
إسناد في غاية الضعف./وحديث ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يمس
القرآن إلا طاهر " (1) . رواه أبو الحسن عن الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن
محمد بن سوار ثنا أبو عاصم ثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى قال:
سمعت سالما يحدث عن أبيه فذكره وهو سند صحيح، وذلك أن أبا الحسن
ذكر حديثا من رواية سعيد هذا في كتاب الصيام وقال: إسناده صحيح، وذكر
الخطيب أنه روى عنه إسماعيل بن الفضل البلخي وابن ياسين وابن صاعد
ومحمد بن أحمد البوداني وسليمان بن موسى معروف الحال بالفقه، وممن
خرج مسلم حديثه في صحيحه ولما ذكره الجوزجاني في كتابه قال: هذا
حديث مشهور حسن، وقال الطبراني في الصغير: لم يروه عن سليمان بن
موسى إلا ابن جريح ولا عنه إلا أبو عاصم. تفرد به سعيد والله أعلم.
وحديث أبي بكر بن إسحاق الجعفي قال: ذكره أسامة عن أبيه عن جده أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتابا فكان فيه: " لا يمس القرآن إلا
طاهرا ". رواه الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري ثنا محمد بن علي وثنا
الحسن بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن هانىء ثنا الحكم بن موسى ثنا على بن
حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر، ومن هذه الطريق
خرّجه الطبراني وابن عبد البر والبيهقي في شعب الإيمان، وفي الموطأ عن
__________
= في " الكبير " و" الأوسط "، وفيه سويد أبو حاتم ضعفه النسائي وابن معين في رواية،
ووثقه في رواية. وقال أبورعة: ليس بالقوي حديثه حديث أهل الصدق.
(1) تقدم من أحاديث الباب.(1/761)
عبد الله بن أبي بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم:
" لا يمس القرآن إلا طاهرا ". ورواه أبو الحسن في الغرائب من جهة إسحاق
الطباع ومبشر ابن إسماعيل عن مالك مسندا، ورواه في الخلافيات عن أبي
بكر بن الحرث عن ابن حبان عن محمد بن سهل عن أبي مسعود عن
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده
قال: كذا في كتابه عن جده ولم يذكره غيره عن عبد الرزاق، ومن حديث
إسماعيل بن أبي أويس حدثنى ابن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر عن أمه عن
أبيهما عن جدهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره، وهو حديث لو صحح إسناده
لكان بذلك جديرا؛ فإن سليمان بن داود وهو أبو داود الخولاني الدمشقي
حاجب عمر بن عبد العزيز وكان متقدما عنده قال ابن حسان: كان ثقة
مأمونا، وقال الدارقطني:/لا بأس به، وقال البيهقي أثنى عليه أبو زرعة وأبو
حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ، وأبو بكر معروف بالسماع من
أبيه، وأبوه محمد معروف بالسماع من عمرو، وذكره بعضهم في الصحابة
لمولده سنة عشر، ويفهم من حمل قوله عن جده أنه هو، فإن كان صحيحا
فيكون فيه شامة الاتصالِ، ومنهم من حمله على جده الأعلى وهو الصحيح؛
لأنّ في الحديث كان فما أخذ عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الحديث، والله أعلم.
وحديث إسحاق ابن عيسى الطباع يعضده وإسناده أيضا صحيح لتخريج
مسلم حديثه ولمتابعة مبشر له ويزيد ذلك وضوحا قول عبد الله بن محمد بن
عبد العزيز سمعت أبا عبد الله، وسئل عن حديث الصدقات أصحيح هو؟
قال: أرجو أن يكون صحيحا، وقال أبو عمر بن عبد البر: كتاب عمرو بن
حزم كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة
يستغنى بشهرتها عن الإسناد؛ لأنه أشبه التواتر في مجيئه ليلقى الناس له
بالقبول والمعرفة، وما فيه متفق عليه إلا قليلا ومما يدلك على شهرة كتاب
عمرو وصحته ما ذكره ابن وهب عن مالك والليث بن سعد عن يحيى بن
سعيد عن سعيد بن المسيب، قال: وجد كتاب عند آل ابن حزم يذكرون أنه
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر فصار القضاء في
الأصابع إلى عشر عشر.(1/762)
وقال أبو أحمد: وأما حديث الصدقات فله أصل في بعض ما رواه معمر
عن الزهري عن أبي بكر وأفسد إسناده. وحديث سليمان بن داود مجود
الإسناد، وقال البيهقي والحديث الذي رواه- يعني: سليمان- في الصدقات
موصول الإسناد، وحسن، وقال السهيلي: قد أسند من طرق حسان أقواها
رواية ابن داود عن الزهري وأبي ذلك جماعة من الحفاظ قال الدارقطني: فإنه
لما ذكر حديث سليمان عن الزهري قال: لا يثبت عنه، وقال غير الحكم بن
موسى أنه سليمان بن أرقم، ولما روى النسائي هذا الحديث من طريق يحيى بن
حمزة عن سليمان بن داود ثم رواه من حديث يحيى عن سليمان بن أرقم
قال: هذا أشبه بالصواب، وقال ابن المديني: سليمان بن داود الذي يروى عن
الزهري حديث عمرو في الديات منكر الحديث وضعفه، وقال أبو بكر بن
خزيمة: لا يحتج/بحديثه إذا انفرد، وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى يقول:
الحكم بن موسى ثقة، وسليمان بن داود الذي يروى عن الزهري، حديث
الصدقات والديات مجهول لا يعرف، وفي رواية أبي يعلى عنه سليمان لا
يعرف ولا يصح هذا الحديث. وفي رواية الدارمي عنه: ليس بشيء، وفي رواية
ابن الدورقي عنه: شامي ضعيف. وقال أبو محمد الإشبيلي: والصحيح في هذا
الحديث الإرسال كما رواه مالك وغيره وسليمان ضعيف، وأكثر أهل الحديث
لا يأخذون هذا وأشباهه من الكتب. انتهى كلامهم. فإن كان ما قالوه عن
سليمان صحيحا فطريق إسحاق الطباع بعض على قولهم وتوهنه، والله أعلم.
وحديث معاذ بن جبل قال: قلنا يا رسول الله فقوله: " لا يمسه إلا
المطهرون ". قال: يعني: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون. قال: قلنا: فقوله كتاب
مكنون من الشرك، ومن الشياطين ذكره أبو أحمد بن عدى من حديث
إسماعيل بن زياد الموصلي ويقال: أن ابن زياد قال: وهو منكر الحديث، وعامة
ما يرويه لا يتابعه عليه أحد، وقال الجوزجاني هذا حديث باطل لا أصل له.
وذكره ابن الجوزي في كتاب المرفوعات وقال: لا بارك الله فيمن وضعها افتح
هذا الوضع. وحديث عثمان بن أبي العاص قال: كان فيما عهد إلى رسول(1/763)
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا تمس المصحف وأنت غير طاهر ". ذه ابن أبي داود في
كتابه عن أحمد بن الحباب الحميري ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الحبشي ثنا
محمد بن راشد عن إسماعيل المكي عن القاسم بن أبي بزة عنه ومحمد بن
راشد وشيخه متكلم فيهما، قال أبو محمد الفارسي: وقراءة القرآن والسجود
فيه ومس المصحف وذكر الله جائز كل ذلك بوضوء وبلا وضوء للجنب
والحائض: برهان ذلك أن هذه أفعال خير مندوب إليها أما جواز فعليها فمن
ادعى المنع منها في بعض الأحوال كلف أن يأتي البرهان، ويعد قول ربيعة
وابن المسيب وابن عباس وسعيد بن جبير وقول داود وجمع أصحابنا، وأما
مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح
فيها شيء؛ لأنها إما مرسلة وإما ضعيفة لا يستر، وإما عن مجهول وإما عن
ضعيف، والصحيح حديث ابن عباس عن أبي سفيان أنه كان عند هرقل
فجيء/بكتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بعث به دحية إلى عظيم كسرى فدفعه إلى
هرقل فقرأه فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى
هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإنى أدعوك بدعاية
الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليكم إثم
الأرمسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا
الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا
فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (1) . بهذا النبي عليه الصلاة والسلام قد بعث
كتاب فيه قرآن إلى البصري وقد اتقن أنهم يمسون ذلك الكتاب فإن ذكروا
حديث ابن عمر: " كان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو
مخافة أن يناله العدو " فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس المصحف
جنب ولا كافر، وإنما فيه أن لا ينال أهل الحرب القرآن فقط، فإن قالوا إنما
بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل بآية واحدة قيل لهم ولم يمنع عليه السلام من غيرها
وأنتم أهل قياس فإن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على
__________
(1) راجع القصة في " البداية والنهاية ".(1/764)
هذه الآية غيرها، فان ذكروا قوله يقال: لا يمسه إلا المطهرون، فلا حجة فيه؛
لأنه ليس أمرا وإنما هو خبر والرب تعالى لا يقول إلا حقا، ولا يجوز أن
يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا ببصر جلى أو إجماع متيقن، فلما رأينا
المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عز وجل لم يعِنِ المصحف وإنما
عنا كتابا آخر كما جاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (لا يمسه إلا
المطهرون) قال: الملائكة الذين في السماء. وكان علقمة إذا أراد أن يتخذ
مصحفا أمر نصرانيا فنسخه له. وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يحمل الجنب
المصحف بعلاقة وغير المتوضئ عندهم كذلك. وأبي ذلك مالك إلا إن كان
خرج أو يموت، وقال: فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير
الطاهر، قال أبو محمد: وهذه تفاريق لا دليل على صحتها، والله أعلم. وقد
أسلفنا ما يرد هذا القول وأن المرسل أسند والضعيف قوي والحمد لله وحده
لذلك، وفي المحيط يكره للجنب من كتب التفسير والسنن والفقه لعدم خلوها
عن آيات من القرآن، وفي فتاوى السمرقندي يكره للجنب/والحائض أن يكتبا
كتابا فيه آية، لأنه مس القرآن. وفي مسند الدارمي أنبأ عبيد الله بن موسى
وأبو نعيم قالا: حدثنا ابن عمرو عن ابن أبي مليكة أن عائشة رضى الله عنها:
" كانت ترقى أسماء وهى عارك " (1) وفي تفسير عبد بن حميد ثنا عبيد الله
بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس لا يمسه إلا المطهرون، قال:
الملائكة هم المطهرون من الذنوب ثنا يونس عن شيبان عن قتادة لا يمسه إلا
المطهرون، قال: ذاكم عند رب العالمين لا يمسه إلا المطهرون الملائكة، فأما
عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس وفي الروض المطهرون في هذه
الآية: هم الملائكة، وهو قول مالك في الموطأ واحتج بالآية الأخرى التي في
سورة عبس، ولكنهم وإن كانوا الملائكة فمع وصفهم بالطهارة مقرونا بذكر
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الطهارة، 103- باب الحائض تذكر الله ولا تقرأ
القرآن، (ح/ 996) .
قوله: " عارك "، أي: حائض.(1/765)
المس يقتضى أن لا يمسه إلا طاهر اقتداء بالملائكة المطهرين فقد تعلق الحكم
بصفة التطهر، ولكنّه حكم مندوب إليه وليس محمولا على الفرض، وكذلك
ما كتب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم ليس على الفرض أيضا وإن كان
الفرض فيه أتى منه في الآية؛ لأنه جاء بلفظ: النهي عن مسه على غير طهارة
ولكنه في كتابه إلى هرقل دليل على ما قلناه، وقد خالف أبو ثور وطائفة ممن
سلف منهم ابن عيينة وابن أبي سليمان إلى إباحة مسه على غير طهارة، ومما
يقوى إن المطهرين في الآية هم الملائكة إنه لم يقل المتطهرون إنما قال:
المطهرون، وفرق ما بين المتطهر والمطهر وذلك أن المتطهر: من فعل الطهور
وأدخل نفسه فيه، كالمتفقه الذي يدخل نفسه في الفقه وكذلك المتفعل في
أكثر الكلام أنشد سيبويه وقيس بن غيلان ومن بقيا. فالآدميون متطهرون إذا
تطهروا، والملائكة مطهرون خلقة، والآدميات إذا طهرت متطهرات، قال تعالى:
(فإذا تطهرن) والحور العين مطهرات قال تعالى: (لهم أزواج مطهرة)
وهذا فرق بيّن والمصطفي عليه الصلاة والسلام متطهر ومطهر ولله الحمد
والمنة. قال ابن المنذر: ورخص بعض من كان في عصرنا للجنب والحائض في
مسّ المصحف والدنانير والدراهم التي فيها ذكر الله تعالى، قال:/ثبت أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المؤمن لا ينجس ". وفي كتاب المعرفة: قال مجاهد وأنس بن
مالك: المطهرون: الملائكة. وقال أبو عبد الله الحليمي: إّنما أتى بالملائكة إلى
مسّ ذلك الكتاب؛ لأنهم مطهرون والمطهر: هو الميسّر للعبادة والمرض لها فثبت
أن المطهر من الناس هو الذي ينبغي له أن يمس المصحف، والمحدث ليس
كذلك؛ لأنه ممنوع من الصلاة والطواف والجنب والحائض ممنوعان منها ومن
قراءة القرآن؛ فلم يكن لهم حمْل المصحف ولا مسّه، وفي شرح السنة قول
أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة
القرآن وهو قول الحسن، وفيه قال سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد
وإسحاق وجوّز عكرمة للجنب قراءة القرآن وجوّز مالك للحائض قراءة القرآن
لأنّ زمن حيضها قد يطول فتمس القرآن. وقال مالك: لا يحمل المحدث(1/766)
المصحف بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر وجوز الحكم وحماد وأبو
حنيفة: حمله ومسه، وقال أبو حنيفة: لا يمس الموضع المكتوب. وكان أبو وائل
يرسل شارعة وهي حائض إلى أبي رزين لكتابة المصحف فيمسكه بعلاقته،
وكذلك رأي الشعبي. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وسلم.
تم الجزء المبارك من كتاب
الإعلام بسنته عليه الصلاة والسلام
تأليف الإمام العالم العلامة المتقن المحقق مغلطاي
تغمّده الله تعالى برحمة منه وكرمه آمين
وحسبنا الله ونعم الوكيل، يتلوه في السفر الذي يليه
باب: تحت كل شعرة جنابة، والحمد لله رب العالمين(1/767)
بسم الله الرحمن الرحيم
70- باب تحت كل شعرة جنابة
/حدثنا نصر بن على الجهضمي ثنا الحرث بن وجيه، ثنا مالك بن دينار
عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنّ تحت كل
شعرة جنابة، واغسلوا الشعر وانقوا البشر ". هذا حديث لما رواه أبو داود (1)
اتبعه الحارث حديثه منكر وهو ضعيف، كذا في كتاب اللؤلؤي وابن العبد
وعند ابن داسة هذا الحديث ضعيف، وقال أبو عيسى (2) : الحارث بن وجيه
غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد
من الأئمة، وقد تفرّد بهذا الحارث عن مالك بن دينار، وقال الدارقطني:
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/ 248) والنسائي في (الطهارة، باب " 106 ") والكنز
(27361) والخفاء (1/255، 353) .
وضعفه الشيخ الألباني انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/ 132) والمشكاة (344) والروض (704)
وضعيف أبي داود (37) .
(2) ضعيف. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة (11/78) ، 78. باب ما جاء أن تحت كلْ
شعرة جنابة، (ح/ 106) . وقال: حديث الحرث بن وجيه حديث غريب، لا نعرفه إلا من
حديثه. وهو شيخ ليس بذاك. وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد هذا الحديث عن
مالك بن دينار. ويقال: " الحرث بن وجيه " ويقال: " ابن وجبة ".
و" وجيه " بكسر الجيم وبعدها ياء تحتية مثناة، و" وجبة " بإسكان الجيم وفتح الباء الموّحدة،
والحرث هذا هو أبو محمد الراسي، ليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث. قال أبو داود:
" الحرث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ". وقال ابن حجر في التلخيص (ص/52) :
" قال الدارقطني في العلل: إنّما يروي هذا عن مالك بن دينار عن الحسن مرسلا، ورواه سعيد
ابن منصور عن هشيم عن يونس عن الحسن قال: نبئت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره. ورواه
أبان العطار عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قوله. وقال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت
. وقال البيهقي: أنكره أهل العلم بالحديث: البخاري وأبو داود وغيرهما ".(1/768)
غريب من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة. تفرد به مالك بن دينار، وقال
في كتاب العلل: وغير الحارث يرويه عن مالك عن الحسن/مُرسلا، ورواه أبان
العطار عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قوله، ولا يصح مسندا والحارث
ضعيف، وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث غريب الإسناد، وقال ابن
حزم: هذا لا يصح، ولما ذكره أبو الفرج في كتاب العلل قال: إنّما يروى عن
أبي هريرة موقوفا، وفي كتاب المعرفة لأبي بكر: وأمّا ما روى تحت كل شعرة
جنابة فقد حمله الشافعي في القديم على ما ظهر دون ما بطن من داخل
الأنف والفم، وضعّف الحارث في حكاية بعض أصحابنا عنه، وزعم أنه ليس
بثابت هو كما قال: وقد أنكره البخاري قال البيهقي: وإنّما يروى هذا الحديث
المثنى عن الحسن مرسلا، وعنه عن أبي هريرة موقوفا وسماعه من أبيِ هريرة لا
يثبت، قال في الكبير: تفرد به الحارث وقد تكلموا فيه، وقال في الخلافيات:
وهذا المتن إنما يروى عن إبراهيم، قال: كان يقال: وقد كتبناه من حديث
عائشة وأنس مرفوعا بإسنادين لا يتساويان ذكرهما ضعيفان. وحديث أبي
هريرة ليس بثابت، وفي علل الخلال قال أبو عبد الله الحارث بن وجيه: لا
أعرفه، وهذا حديث منكر إنّما يروى عن الحسن مرسلا، وأما من حديث ابن
سيرين فلا أعلمه، ولماّ سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث قال: هذا
حديث منكر والحارث ضعيف، وفي كتاب الساجي: إنْما يروى هذا عن
الحسن عن أبي هريرة من قوله، وروينا عن أبي علي الطوسي أنّه قال: يقال:
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن وجيه، ويقال: ابن وجبة وهو
شيخ ليس بذاك، وفي كتاب العقيلي وذكر هذا الحديث لا يتابع عليه وله غير
حديث منكر، ولهذا الحديث إسناد غير هذا فيه لين أيضا، وقال البزار: لا
نعلم أسند مالك عن ابن سيرين إلا هذا الحديث ولا نعلم رواه/عن مالك إلا
ابن وجيه، وقال الخطابي: هذا الحديث ضعيف والحارث مجهول، وقد يحتج
به من يوجب الاستنشاق في الجنابة. انتهى كلامه، وفيه نظر في قوله: مجهول
إن أراد العين فمن زود بما أسلفناه من قول الترمذي روى عنه غير واحد من
الأئمة، وإن أراد الحال فكذلك أيضا لما أسلفناه قبل، وفي كتاب البيهقي
والحسن لم يثبت سماعه من أبي هريرة نظرا لما أسلفناه من ثبوت سماعه منه(1/769)
قبل، والله تعالى أعلم. حدثنا هشام بن عمار ثنا يحيى بن حمزة، حدّثنى عتبة
بن أبي حكيم حدثنى طلحة بن نافع، حدّثنى أبو أيوب الأنصاري أنّ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة كفّارة لما
بينهما "، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: " غسل الجنابة؛ فإنّ تحت كلّ شعرة
جنابة " (1) . هذا حديث إسناده صحيح، عتبة شامي طبراني أزدي. روى عنه
جماعة منهم عبد الله بن المبارك وبقية بن الوليد وصدقة بن خالد ومحمد بن
سعيد بن شابور وسلمة بن علي وسعيد بن يزيد وأيوب بن حسان ومحمد بن
حرب إلا يونس وإسماعيل بن عياش وأيوب بن سويد الرملي وابن لهيعة، وإن
كان قد ضعّفه محمد بن حارث الحمصي، وقال ابن سنان: يعتبر بحديثه من
غير رواية لبقية عنه، وقال السعدي: غير محمود في الحديث، وقال ابن معين:
موثّق، وقال أبو حاتم الرازي: صالح لا بأس به، وقال مروان الطاطري وأبو
زرعة الدمشقي: كان ثقة، وقال أبو القاسم الطبراني: هو من ثقات المسلمين،
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأبو سفيان طلحة بن نافع وإن كان
تكلّم فيه بكلام مئول وهو قول/الحربيِ وذكره غيره أوثق منه، وقال يحيى:
ليس بشيء، وقال أبو زرعة: روى عنه الناس قيل له: أبو الزبير أحب إليك أم
هو؟ قال أبو الزبير أشهر فأورده بعض من حضر فيه فقال: أتريد أن أقول: هو
ثقة الثقة شعبة وسفيان، فقال: خرج مسلم- رحمه الله تعالى- حديثه في
صحيحه محتجّا به والبخاري مقرونا، وفي كتاب التهذيب روى له، وقال
الإمام أحمد: لا بأس به، وقال- ابن معين: في رواية: صالح. وقال البزار: هو
في نفسه ثقة وباقي من في الإسناد ولا يسأل عنه، وأمّا قول أبي حاتم: لم
يسمع من أبي أيوب الأنصاري شيئا فمردود بحديث ابن ماجة المصرّح فيه
بسماعه منه على لسان ثقة، والقاعدة أنّ المحدّث إذا خرج بالتحديث أو بما
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/598) .
في الزوائد: إسناده ضعيف، لأن طلحة بن نافع لم يسمع من أبي أيوب.
وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجة (ح/132) ، وضعيف أبي داود (37)
والضعيفة (3801) .(1/770)
يشابهه قيل، والله تعالى أعلم. ومن شرط أبي داود أن يذكر في الباب أصح
ما يجد ولم يذكر في متن حديث أبي هريرة المتقدم غيره، وهذا بغير شك ولا
ارتياب خير ممّا ذكره في الباب، اللهمّ إلا أن يكون ما أسنده، فلهذا ما أورده
وروى البيهقي عن يونس بن حبان، ثنا سليمان بن فروح أتيت أبا أيوب
الأنصاري فصافحته فرأى أظفاري فقال: ما هذا إلا بمسلمة عن خبر السماء
فقال: يسأل أحدكم عن خبر السماء وهو يدع أظفاره كأظفار الطير يجمع
فيها الجنابة والنتن، قال: هكذا رواه جماعة عن يونس، ورواه أبو داود
الطيالسي عن وائل بن سليم قال: أتيت أبا أيوب الأزدي، فذكره ثم قال: هذا
مرسل، أبو أيوب الأزدي عن أبي أيوب الأنصاري، حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة، ثنا الأسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان
عن علي بن أبي طالب/- رضي الله عنه- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من ترك
شعرة من جسده لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النار. قال علي فمن ثم
عاديت شعري وكان يجزّه " (1) . هذا حديث رواه أبو داود عن موسى بن
إسماعيل، ثنا حماد بلفظ: " فمن ثم عاديت رأسي "، قلنا: وقال البزار: هذا
الحديث لا نعلمه يروى عن علي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه بهذا
الإسناد، ورواه عن محمد بن معمر، ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن سلمة. وفيه
نظر؛ لما يذكره من أنّ له إسنادا غير إسناده المذكور عندها وقال عبد الحق:
يروى موقوفا عن علي وهو الأكثر وفيه نظر؛ لما يذكره بعد، قال أبو الحسن:
أعرض أبو محمد منه عما هو من الحقيقة عفته، وهي أنه من رواية حماد بن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/249) وابن ماجة (ح/599) والبيهقي في " الكبرى " (1/175، 227) وابن أبي شيبة (1/100، 155) وأحمد (1/49، 101، 133) والدارمي (1/192) والطبراني في " الصغير " (2/81) والمشكاة (ح/444) وابن عدي في " الكامل " (5/2002) .
وضعفه الشيخ الألباني. انظر له: ضعيف أبي داود (ح/38) وضعيف ابن ماجة (ح/134)
والروض (ح/704) وتخريج المختارة (ح/4310427) والإرواء في تخريج أحاديث منار
السبيل (ح/133) والضعيفة (ح/903) .
غريبه:
قوله: " كذا وكنا من النار " أي: من العذاب وهذا بالذي ترك ذلك متعمدا لو صح
الحديث. وقوله: " ثم عاديت شعري " أي: أبعدته، وقصته.(1/771)
سلمة عن عطاء وحمّاد، إنما سمع منه بعد اختلاطه، وإنّما يقبل من حديث
عطاء ما كان قبل أن يختلط، وأبو محمد بعيد هذا من (1) حاله، وإنّما ينبغي
أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل شعبة وسفيان، فأمّا جرير وخالد بن عبد
الله وابن عليّة وعلي بن عاصم وحمّاد بن سلمة، وبالجملة أهل البصرة
وأحاديثهم عنه ممّا يسمع منه بعد الاختلاط؛ لأنه قدم عليهم في آخر عمره،
وقد نصّ العقيلي عن حمّاد بن سلمة أنّه ممن يسمع منه بعد اختلاطه، وأما أبو
عوانة فسمع منه الحالين، ولماّ أورد أبو أحمد ما أنكر عليه من الحديث أو ما
خلط فيه أو ما روى عنه بعد اختلاطه أو رد في جملة ذلك هذا الحديث
انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين: الأوّل: من قول: 5 أنّ حماد بن سلمة
سمع منه بعد اختلاط لما رويناه عن البغوي أن ابن معين قال: كلّ شيء من
حديث عطاء ضعيف إلا ما كان من حديث شعبة/وسفيان وحماد بن سلمة،
فهذا ابن معين نصّ علي ابن سلمة أنه سمع منه قديما فهو صحيح. الثاني: إن
سلمنا له قوله؛ فقد وقع لنا هذا الحديث من غير رواية حماد من طريق شعبة
الذي نص على أنّه سمع منه قبل اختلاطه مطلقا وفيه نظر؛ لأن يحيى بن
سعيد قال: إنه سمع منه حديثين بعد اختلاطه عن برأ، وإن كان شعبة بينهما،
والطريق المشار إليها ذكرها أبو الحسن الدارقطني في علله إذا سئل عنه فقال:
رواه عطاء عن زاذان حدّث به عنه أرسله وشعبة وحفص بن غياث رواه عبد
الله بن رشيد عن حفص بن غياث عن الأعمش وكثير عن زاذان عن علي،
ورواه حماد بن زيد عن عطاء عن زاذان عن علي موقوفا ولذلك قال الأسود
بن عامر: عن حماد بن سلمة انتهى، فهذا كما ترى شعبة قد رواه عن عطاء،
وهو ممن قال أبو القطان: إنهّ سمع منه قبل اختلاطه كما أسلفناه، ولم يبيّن أنّه
سمع منه قبل اختلاطه كما قال محمد بن سعد يدل ذلك على صحّته، عنده
وأنه أخّره عنه قبل اختلاطه إذ لو كان بعده لبيّنه، فإنّ الأعمش وليث بن أبي
سليم تابعا عطاء عن زاذان فصح إسناده وذهب إسناده، وذكر أبو القاسم في
كتابه الأوسط، ثنا محمد بن الأعجم الصغاني ثنا جرير بن المسلم، ثنا عبد
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".(1/772)
المجيد عن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن عطاء فذكره مرفوعا، وقال: لم
يروه عن عبد العزيز بن أبي روّاد إلا ابنه. تفرد به جرير بن المسلم، فهذه
الطريق لا بأس بها أيضا؛ لأنها من رواية المكيين عن عطاء وهم ممن سمعوا
منه قبل اختلاطه، وأمّا قول الدارقطني: ولذلك قال الأسود: عن حماد، يعني:
موقوفا فيه نظر في كتاب ابن ماجة/من حديثه مرفوعا، وإنّما قول عبد الحق
يروى موقوفا على عليّ وهو الأكثر فقد أسلفنا خلاف ذلك، والله أعلم. وفي
الباب حديث عائشة من عند البخاري (1) : " ثم يخلل بيده شق رأسه الأيمن
فيدفع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر بيده اليسرى كذلك حتى
يستبرئ اليسرة ثم يصب على رأسه ". وحديث أبي ذر المذكور في صحيح
ابن حبان (2) مرفوعا: " فإذا وجدت الماء، فأمسّه بشرتك ". وقد تقدّم.
وحديث عائشة قالت: " احمرت رأسي إحمارا شديدا فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا
عائشة، إنّ تحت كلّ شعرة جنابة ". رواه الإمام أحمد في مسنده (3) من رواية
حصيف عن رجل غيره يسمى عنها. وحديث أنس بن مالك قال عليه السلام
: " خلل أصول الشعر واتق البشرة " (4) . ذكره أبو محمد بن حزم من طريق
يحيى بن عيينة عن حميد عنه، قال: ويحيى مشهور برواية الكذب فسقط-
يعني: الحديث- وفى كتاب ابن بنت منيع بإسناد صحيح عن حذيفة موقوفا
انه قال: " تحت كل شعرة جنابة فما فوقها؛ لذلك عاديت رأسي ورأسه
مجروز " (5) . رواه عن ابن الجعد، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت أبا
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في: 5. كتاب الغسل، 1. باب الوضوء قبل الغسل، (ح/
248) . أطرافه في: [ح 262، 272] .
(2) تقدم من رواية ابن حبان. وله مصادر أخرى بلفظ: " إذا وجدت الماء فأمسه جلدك "
ورواه البيهقي في " الكبرى " (1/79) والمنثور (2/168) وتلخيص (1/154) والكنز 27566،
(3) ضعيف. رواه أحمد: 1/94، 101، 133، 6/111، 254.
(4) بلفظ قريب منه: رواه البيهقي في " الكبرى " (4/261) وابن حبان (159) .
(5) بنحوه. رواه البيهقي في " الكبرى " (1/175) والمشكاة (443) وتلخيص (1/142) وشرح السنة (2/18) وعبد الرزاق (1002) وإتحاف (2/380، 381، 408) والقرطبي (5/210) والحلية (2/ 388) والكنز (27379) والذهبي (149) والخفاء (1/353) وفيه: " فبلوا الشعر ".(1/773)
البختري يحدّث عن حذيفة فذكره قوله: اتقوا البشرة، قال أبو زيد في كتاب
الأسرار: وداخل الأنف شعرة ولداخلها بشرة سمعت والذي عمر بن عيسى
يحكى عن أبي عمر غلام ثعلب ببغداد يحكى عن ثعلب أنه قال: البشرة:
الجلدة التي تقى اللحم عن الأذى، وبداخلها هذه الجلدة. انتهى كلامه، وفيه
نظر؛ لأنّ المعروف عن ثعلب ما حداه الخطابي واحتج بعضهم في إيجاب
المضمضة بقوله واتقوا البشرة، وزعم أنّ داخل الفم من البشرة/وهذا خلاف
قول أهل اللغة؛ لأن البشرة عندهم هي ما ظهر من البدن فباشره البصر من
الناظر إليه، وأما داخل الفم والأنف فهو الأدمة؛ لذلك أخبرني أبو عمر عن
أبي العباس أحمد بن يحيى، وفي صحاح أبي نصر الجوهري والجمهرة لابن
دريد البشرة والبشر: ظاهر جلد الإنسان. زاد ابن سيده ظاهره أعلا جلدة
الرأس والوجه والجسد من الإنسان وهي التي عليها الشعر، وقيل: هي التي تلي
اللحم وبشرة الأرض ما ظهر من نباتها الاشتقاق وذكره أبو زيد، وفي كتاب
الموضح للخطيب التبريزي والبشرة: ظاهر الجلد، وقال قوم: يقال للباطنة:
بشرة، وقال السراج في كتاب الاشتقاق: وذكره أبو زيد وهو غلط، وفي
كتاب أبي عبيد بن سلام البشرة: ظاهر الجلد والأدمة باطنه، وتبعه على هذا
غير واحد من الأئمة، واحتج من أوجب المضمضة والاستنشاق في الاغتسال
بحديث أبي هريرة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا
فريضة ". رواه الدارقطني (1) من جهة نزلة بن محمد الحلبي عن يوسف بن
أسباط عن سفيان عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عنه وقال: هذا باطل، ولم
يحدّث به غير نزلة وهو صحيح الحديث، قال ابن عدي: ذكرت الحديث
لعبدان فقال: هات أحاديث المسلمين إذا رأيت قوله بحلب وتركته على عمد؛
لأنه كان يكذب، قال البيهقي: وقد اعترف نزلة نفسه بكونه منكرا؛ فإنّه لما
رواه قال: وأمّا بقية هذا الحديث لم يروه متصلا غيره، وقد روى مرسلا عن
ابن سيرين بغير هذا اللفظ بإسناد صحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/: " الاستنشاق من
الجنابة ثلاثا ". وقال أبو الحسن في الأفراد: هذا غريب من حديث الثوري عن
__________
(1) منكر. رواه الدارقطني في " السنن ": (1/48، 600) .(1/774)
خالد، وإنّما يعرف هذا من رواية همام بن مسلم تفرّد به عن الثوري، وتفرد به
عنه سليمان بن الربيع، وذكره ابن الجوزي في المرفوعات، وقال: هو خلاف
الإجماع؛ إذ لمن أوجبها أن يوجب ثلاثا. وحديث هشيم عن ابن أرطأة عن
عائشة بنت عجر وعن ابن عباس قال: " إن كان من جنابة أعاد المضمضة
والاستنشاق واستأنف الصلاة ". رواه الدارقطني وقال: ليس لعائشة إلا هذا
الحديث، وكذا رواه الثوري وأبو حنيفة- رحمهما الله تعالى- عن عثمان بن
راشد عنهما، قال الشافعي: الذي يعتمد على عثمان عن عائشة، ويزعم أنّ
هذا الأمر ثابت فترك له القياس، وهما غير معروفين ببلدهما فكيف يجوز
لأحد يعلم ست حديثا ضعيفا مجهولا، ولو هي قدما معروفا معنى حديث
البشرة، وروينا في كتاب الصلاة لأبي نعيم القطب وكني ثنا يونس ثنا خالد
الحذاء قال: " أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاستنشاق من الجنابة ثلاثا " (1) . وحديث
عائشة وعلمها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغسل من الجنابة: " يا عائشة: اغسلي بدنك، ثم
تمضمضي واستنشقي، وانتثري، ثم اغسلي وجهك ... ". الحديث ذكره ابن
حزم ورده، وذكر فيه ابن عمّار بانقطاع ما بين عبيد الله بن عمير وعائشة وفي
كلامه في عمار نظر؛ لما سنبيّنه بعد إن شاء الله- تعالى- وذكره في الأسرار
بلفظ: " المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة " (2) . وقال: هو حديث
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/115) .
(2) موضوع. الخفاء (2/296) وتذكرة (23) وأسرار (319) واللآلئ (2/4) ونصب الراية
(1/78، 79) وابن القيسراني (1103) والموضوعات (2/81) وقد رواه ابن الجوزي من طريقين: فالأول: إسماعيل بن أحمد، والثاني: من طريق محمد بن الحسن بن أبي بكر المزرفي فذكره. وقال: هذا حديث موضوع لا شك فيه. فأما الطريق الأول ففيه بركة بن محمد وكان كذابا ... قال أحمد بن عدي: له أحاديث بواطيل عن الثقات وكنت ذكرت حديثه لعبدان فقال لي:
هات حديث المسلمين. كان بركة يكذب. وقال الدارقطني: هذا الحديث وضعه بركة أو
وضع له. وقال ابن حبان: كان يسرق الحديث ورّبما قلبه. قال ابن الجوزي: وقد قال أبو
الفتح الأزدي: لم يحدث به إلا يوسف بن أسباط ولا يتابع عليه، ويوسف دفن كتبه ثم
حدّث من حفظه؛ فلا يجيء حديثه كما ينبغي.
وأما الطريق الثاني: ففيه همام بن مسلم ولعله سرقه من يوسف. وقال ابن حبان: كان-(1/775)
غريب، وفي المغيث من حديث ابن السائب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان إذا اغتسل
من الجنابة مضمض واستنشق/ثلاثا " (1) . قال: وما محمد بن فضيل عن
العلاء بن المسيّب عن فضيل بن عمرو وقال: قال عمر: " إذا اغتسلت من
الجنابة فمضمض؛ فإنه أبلغ ". ثنا العقدي ثنا الزبيري عبيد الله حدّثنى جدي
أن عثمان كان إذا اغتسل من الجنابة يشوص فاه بأصبعه ثلاث مرات (2) . ثنا
عبيد الله عن أبان العطار عن قتادة عن حسان بن بلال قال: " الاستنشاق من
البول مرّة، ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا ". ثنا معتمر عن سالم عن
قتادة أنه كان يقول: مضمض من الجنابة ثلاثا.
وبنحوه ذكره في المغيث، قال: ومدار هذه الكلمة على الطهور، ثنا
عبيد الله عن شيبان عن منصور عن أبي معشر عن إبراهيم قال: كانوا
يستحبون أن يستنشقوا في الجنابة ثلاثا، قال الدبوسي: ويدل ما ذهبنا إليه ما
ذكرناه في القني وإنّ للفم حكم الظاهر فيما بيته وبين الظاهر وحكم الباطن
فيما بيته وبين الباطن حتى إذا دخل شيء فاه لم يفسد صومه كأنه وجه، والله
تعالى أعلم.
__________
= يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ويسرق الحديث فبطل الاحتجاج به. وفيه سليمان
ابن الربيع. قال الدارقطني: ضعيف غير أسماء مشايخ ويروى عنهم مناكير. قال ابن الجوزي
: ثم هذا الحديث على خلاف إجماع الفقهاء فان منهم من يوجب المضمضة والاستنشاق،
ومنهم من يوجب الاستنشاق وحدها ومنهم من يراهما سنة، ومنهم من أوجب مرة لا ثلاثا.
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": (1/68) . قلت: ولهذا الحديث طرق عديدة
جملتها صحيحة.
(2) قوله: " مرات " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/776)
71- باب ما ترى المرأة في منامها ما يرى الرجل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، ثنا وكيع عن هشام بن عروة
عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل قال: إذا رأت الماء
فلتغتسل. فقلت: فضحت النساء وهل تحتلم المرأة؟! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت
يمينك فبم يشبهها ولدها إذا ". هذا حديث خرجه الأئمة الستة (1) في كتبهم،
ورواه مالك (2) عن هشام وأرسله عنه جماعتها فذكروا/أم سلمة، واختلف
على ابن عيينة وعلي بن يونس في وصله وإرساله، فأرسله حماد بن سلمة
بأشخاص وزوج بن القاسم، ووصله بعضهم من حديثه، وأسنده يحيى بن
سعيد والغفاري وغيرهما من البصريين والكوفيين، ابن نمير وابن يسير ووكيع
وابن معونة ذكره الإسماعيلي، وفي حديث النسائي: " فضحكت أم سلمة "،
قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عن عروة أن أم سليم،
وقال به ابن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن أم سليم، وكلّ
من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة فيما علمت إلا ابن أبي الوزير وعبد الله
بن نافع فأيهّما روياه عن عروة عن عائشة عن أم سليم، وقال الدارقطني: تابع
ابن أبي الوزير على إسناده عن مالك عن حباب بن صلة وعبد الملك بن
الماجشون، وعن ابن عيسى فيما ذكره ابن رشدي في غرائب حديث مالك
عن عبد الرحمن بن أبي يعقوب بن أبي عياد عن معن ولم يذكر أبو الحسن
ابن نافع، وقال في الاستذكار: الصحيح عروة عن زينب عن أمّها لا عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4411) ومسلم في (الحيض، ح/32) وأبو داود في
الطهارة، باب " 95 " والنسائي في (الطهارة، باب " 30 ") وابن ماجة (ح/ 600) والدارمي
(1/165) وأحمد في " المسند " (6/306) وأبو عوانة (1/291) وشرح السنة (2/9) والمنتقى
(88) .
(2) رواه مالك في: كتاب الطهارة، 21. باب غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى
الرجل، (ح/ 84) .(1/777)
عائشة، وفي التمهيد: قال أبو عمرو: الحديث عند أهل العلم بالحديث صحيح
لابن شهاب عن عروة عن عائشة أيضا، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن
يعقوب ثنا وكيع ثنا هشام وثنا علي بن حشرم أنا وكيع نا هشام ح وثنا مسلم
ابن جنادة بن صيرفة ح وثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أنّ مالكا
حدّثهم كلهم عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة، قال: جاءت أم
سليم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن المرأة في المنام ترى ما برى الرجل؟ قال: "
إذا رأت الماء فلتغتسل ". قال: قلت فضحت النساء وهل تحتلم المرأة؟! فقال
النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تربت يمينك فبم يشبهها ولدها إذا ". قال الشيخ: هذا حديث
وكيع غير أنّ الدورقي لم يقل إذا، وانتهى حديث مالك عند قوله: إذا رأت
الماء ولم يذكر ما بعده من الحديث ولفظ أبي عيسى: " فهل على المرأة-
يعني: غسلا- إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل؟! قال نعم إذا هي
رأت الماء " (1) . وفي قول ابن خزيمة أن الدورقي يعقوب لم يقل به يعني: عن
وكيع إذا نظر؛ لأنّ أبا علي الطوسي روى في كتاب الأحكام من تأليفه عنه
عن وكيع بلفظ: " إذا " أورد ابن الجارود في منتقاه عن زياد بن أيوب عن
وكيع بغير ذكر " إذا " ورواه ابن حزم حدثنا محمد بن المثنى حدّثنا ابن أبي
عدي وعبد الأعلى عن سعيد بن عروبة عن قتادة عن عن أنس أنّ أم سليم
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى في منامها مما يرى الرجل؟ فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا رأت فأنزلت فعليها الغسل " فقالت أم سلمة: يا رسول
الله، أتكون هذا؟ قال: " نعم ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر،
فأيهّما سبق أو على أشبهه الولد ". هذا حديث خرجه مسلم (2) في صحيحه
عن أنس عن أم سليم حدّثت أنها سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى في منامها.
__________
(1) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة (1/209) 90. باب ما جاء في المرأة ترى في المنام ما
يرى الرجل (ح/ 122) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". وهو قول عائشة الفقهاء: أن
المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل فأنزلت أن عليها الغسل. وبه يقول سفيان الثوري
والشافعي.
(2) صحيح. رواه مسلم في: الحيض، (ح/ 30) .(1/778)
الحديث فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك، وهل يكون هذا؟! قال الجبائي:
هكذا في أثر النسخ عن الجلودي والكسائي فقالت أم سليم: وكذلك عند
ابن ماهان إلا أنه غير في بعض النسخ فقالت أم سلمة: وهو المحفوظ، وفي
لفظ له قال أسْر: جاءت أم سليم فقالت له:- وعائشة عنده- يا رسول الله،
المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام وترى في نفسها ما يرى الرجل من نفسه؟!
فقالت عائشة: يا أم سليم/فضحت النساء، تربت يمينك، فقال لعائشة: بل
أنت تربت يمينك وألت رعيها وهل يكون الشبه الا من مثل ذلك! إذا علا
ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ".
وفي لفظ له عن عائشة: أنّ امرأة سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل تغتسل المرأة
إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: " نعم ". ولفظ أبي داود (1) " يا رسول
الله، إنّ الله لا يستحى من الحق، أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل
أتغتسل أم لا. فقال: فلتغتسل إذا وجدت الماء؟ قالت عائشة: فأقبلت عليها
فقلت: أن لك وهل ترى ذلك المرأة فأقبل علي النْبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: تربت يمينك
يا عائشة ومن أين يكون الشبه "؟! وفي لفظ عن عائشة قالت: " سئل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما قال: يغتسل، وعن الرجل يرى
أن قد احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه فقالت أم سليم: والمرأة ترى
ذلك أعليها غسل؟! قال: نعم. إنما النساء شقائق الرجال " (2) . وسيأتي ذكره
عند ابن ماجة عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي كتاب العلل لأبي حاتم
ويسأل ابنه عن حديث رواه عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار عن إسحاق
__________
(1) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 95. باب في المرأة ترى ما يرى الرجل، (ح/ 237)
قال أبو داود: وكذلك روى عُقيل والزبيدي ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري، وإبراهيم
ابن أبي الوزير عن مالك عن الزهري، ووافق للزُهري مسافع الحجبي، قال عروة عن عائشة،
وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة، عن زينب بنت أبى سلمة عن أم سلمة أن أم سليم
جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 94. باب في الرجل يجد البلة في
منامه، (ح/ 236) .(1/779)
عن أنس: جاءت أم سليم وهي جدّة إسحاق فقالت: وفيه المرأة ترى ما يرى
الرجل في المنام كأنّ زوجها يجامعها أتغتسل؟! الحديث ". قال: وروى
الأوزاعي عن إسحاق عن جدّته أم سليم أنها دخلت على أم سلمة، فدخل
عليها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت له أم سليم: " أرأيت إذا رأت المرأة "؟! فقال أبو
إسحاق بن عبد الله: عن أم سليم يرسل، وعكرمة بن عمار روى عن إسحاق /
عن أنس أن أم سليم. وحديث الأوزاعي المرسل أشبه في الموصول، وفي
المصنف: نا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن ربيع عن عطاء وأبي سلمة
ومجاهد قالوا: إن أم سليم قالت: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرأة ترى في منامها ما
يرى الرجال أيجب عليها الغسل؟ قال: " هل تجد شهوة "؟ قالت: لعله.
قال: " هل تجد بللا. قالت: لعله. قال: فلتغتسل "؟ فلقيها نسوة يقلن لها:
فضحت عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في
حل إذا أو في حرام (1) .
وفي الأوسط لأبي القاسم ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا عبد الله بن عمران
الأصبهاني، ثنا أبو زهير عبد الرحمن بن معن، نا محمد بن إسحاق عن
محمد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل قال: حدّثتني أم سليم أم أنس من
فيها إلى أذني قالت: أتيت النبي- عليه السلام- وهو في بيت أمّ سلمة
فوجدت عنده رجالا فجلست حتى قاموا فدنوت منه. فقلت: يا رسول
الله، أمر يقربني إلى الله أحببت أن أسألك عنه. قال: أصبت يا أم سليم.
فقلت: ... الحديث " قال: لم يروه عن أبي أمامة إلا التيمي، ولا عن التيمي
إلا ابن إسحاق، يرويه ابن معن قال: أنا موسى بن زكريا نا عقبة بن ملزم نا
عبيد الله بن عيسى عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فذكره. قال: لم يروه عن يونس إلا عبيد الله تفرد به عقبة، حدثنا أبو بكر
بن أبي شيبة وعلي بن محمد نا وكيع عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد
بن المسيب عن خولة بنت حكيم أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة ترى
في منامها ما يرى الرجل فقال: " ليس عليها غسل حتى تنزل كما أنه ليس
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/81) ومطالب (207) والكنز (27335) .(1/780)
على/الرجل غسل حتى ينزل " (1) . هذا حديث إسناده ضعيف، ملكان على
ابن زيد بن جدعان وإن كان مسلم خرج حديثه مقرونا بثابت البناني وصحح
أبو عيسى حديثه، وكذلك أبو علي الطبري والبغوي وقال الساجي: كان من
أهل الصدق، وروى عن شعبة أحاديث صالحة أسند منها بضعة عشر حديثا،
وهو يحتمل الرواية لأنّ الأجلّة من أهل العلم حذروا مه وليس يجرى مجرى
من أجمع على نفسه في الحديث، فقد قال به ابن عيينة: وهبت كتابة ضعيفة
وقال مرة أخرى: لا يعتمد على حديثه، ومرة قال: أست منه يعنى كتاب
وجمع يده، وقال الأخرى: سمعت أبا داود يقول: قال حماد بن زيد ثنا علي
ابن زيد وكان كبير التخليط، وقال غيره عن حماد كان يقلب الأحاديث،
وذكر شعبة أنه اختلط، وقال الإمام أحمد: رجل، ويحيى بن معين: ليس
بشيء، وقال يحيى مرة: ضعيف في كل شيء ومرة: ليس بذاك، ومرة: ليس
بحجة، ومرة قال: ليس بذاك القوى، وقال أبو حاتم الحنظلي: لا يحتج به
وقال أبو زرعة: ليس بقوى ويخطئ فيكثر ذلك فاستحق الترك، وقال
العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي، وقال السعدي: واهي الحديث ضعيف
وفيه ميل عن القصد ولا يحتج بحديثه، وقال ابن أبي شيبة في تاريخه: سألت
عليا عنه فقال: هو ضعيف عندنا، وقال السرماني: وسألته يعنى أبا الحسين عن
ابن زيد فقال: أنا أثق فيه لا يترك عندي فيه لين، وقال ابن سعد: ولد أعمى
وفيه ضعف ولا يحتج به، وفي كتاب الساجي ثنا ابن المثنى قال: ما سمعت
يحيى بن سعيد القطان تحدّث عنه وفي رواية عمرو بن علي كان يحيى ينفي
الحديث عنه وقال شعبة كان رقّاعا قال أبو يحيى:/أحسب شعبة نسبه إلى
ذلك لما اختلف هو ويونس بن عبيد في قوله تعالى: " وشاهد ومشهود " فأوثقه
يونس علي بن أبي هريرة ورفعه علي، وقال وهيب. كان لا يحفظ وذكره
يعقوب بن سفيان في الضعفاء وكذلك أبو القاسم البلخي: وفي كتاب
الضعفاء لأبي العرب: مكفوف (2) ضعيف الحديث كان يتشيّع يكتب حديثه،
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/60) وأبن أبي شيبة في " المصنف " (1/81) والفتح (1/389)
وأحمد في " المسند " (6/409) والمسانيد (2/721) وصححه الشيخ الألباني.
(2) كذا ورد " بالأصل ".(1/781)
وقال السيرفي: ليس بالقوي، وقال البيهقي في سننه: لا يحتج بحديثه وبنحوه
قاله ابن طاهر: وأمّا الحافظ المنذري وأمه اضطرب حاله فيه قتادة، وحدّثنا من
رواية بقوله لا يحتج به وتارة يحسنه، وتارة يسكت عنه مهما صحت، ولذلك
فعل الترمذي وهو في هذا أعذر فإن حاله عنده بحسب الشواهد وعدمها
معتبرة بذلك ولا عذر لأبي محمد وأما تخريج مسلم له في المقرونات فليس
بمحمد ولا في المناظرات، وقد تكلّم في أبيه بعض أهل الأنساب بما استوجبه
ذكره في هذا الباب، وهو أن من ينسبه ابن تميم رهط الصديق، يقول علي بن
زيد بن عبد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تميم وقال بعضهم علي بن عبد الله بن جدعان، وقال
آخرون علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن أبي مليكة بن عبد الله بن
جدعان وزعم ابن القطان أن هذا كله ضرب من الهذيان وأن عبد الله بن
جدعان كان عقيما لا يولد له فادى رجلا سماه زهير، وكناه أبا مليكة، فولده
كلهم ينسبون إليه وفقد أبو مليكة فلم يرجع وكان عمل عصيدة (1) ثم خرج
في حاجة فلم يرجع فقيل في المثل لا أفعل كذا حتى يرجع أبو مليكة إلى
عصيدته،/وقال أحمد بن يحيى البلاذري: في كتاب أنساب الأشراف
وأخبارهم من تأليفه، قالوا: وكان عبد الله بن جدعان عقيما وادعى بنوة رجل
فسماه زهيرا وكناه أبا مليكة فولده كلهم ينسبون إلى أبي مليكة ويقال أبو
مليكة بن عبد الله بن جدعان، وبنحوه ذكره الهيثم بن عدي في تاريخه،
وذكره الخرائطي في كتاب اعتلال القلوب تأليفه من حديث هشام بن محمد
عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس عن المطلب بن أبي وداعة كانت تباعة
ابنة عامر تحت عبد الله بن جدعان فمكثت عنده زمانا فقال لها هشام بن
المغيرة المخزومي يوما في انطران ما تصنعين بهذا الذي لا يولد له فذكر حديثا
طويلا، وبنحوه ذكره أبو الفرج الأصبهاني وأبو عبيد المرزباني في الكتاب
المستنير من تأليفه، والوزير أبو القاسم في كتاب أدب الخواص أبو محمد
الرشاطي رحمهم الله تعالى، ورواه أبو عبد الرحمن في سننه وأخرج عليا من
سننه بمتابع صحّح به الإسناد وبرد حرارة الأكباد أنابه المسند الفقيه أبو محمد
__________
(1) قوله: " عصيدة " العصيدة: دقيق يُلت بالسمن ويطبخ. وجمعها عصائد.(1/782)
عبد القادر بن أبي بكر بن أيوب بقراءتي عليه أنا أبو عبد الله محمد بن
إسماعيل بن أحمد المقدسي ابنا هبة الله بن علي أنا مرشد بن يحيى ابنا أبو
الحسن محمد بن الحسين النيسابوري أنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن
زكريا بن حيوة النيسابوري قراءة عليه من لفظه أنا النسائي قال: أنبأ يوسف بن
سعيد، أنبأ جراح عن شعبة سمعت عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيّب عن
قوله فذكره، ورواه أحمد بن منيع في مسنده، ثنا حجاج حدثني شعبة من
سماع حجاج له من شعبة، وزال ما رماه به/بعض العلماء المتأخرين من أنه
يدّلس ولعلّه لم يسمعه منه عطاء بن أبي مسلم عبيد الله ويقال: أبو عثمان،
ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح البلخي الخراساني خرج مسلم حديثه في
صحيحه محتجا به، وروى عنه مالك فيما ذكره الألكائى، وقال ابن معين وأبو
حاتم: ثقة، زاد أبو حاتم يحتج بحديثه، وقال الدارقطني: ثقة في نفسه وبقية
الرجال لا يسأل لهم عن حال، وذكر أبو الحسن في العلل: أنّ عبد الوارث
رواه عن علي عن سعيد قال: سألت خالتي خولة النبي عليه الصلاة والسلام
فهذا مرسل، وقال عبد الجبار بن عمر عن عطاء: حدثتني خولة بنت حكيم
عن أم سليم الرميضاء وهي أم أنس أنها سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الجبار ضعيف
ولا يصح قوله، والحديث صحيح لخولة بنت حكيم، وفي الأوسط من حديث
علي عن سعد عن خولة وكان النبي عليه السلام تزوجها فأرجاها فيمن أرجا
فذكره وقال ابن موسى المديني في كتاب الصحابة: هي غير خولة بنت حكيم
زوج عثمان بن مظعون، ثم قال: روى حديثا ابن عباس عن عطاء رواه الثوري
عن علي بن زيد، وفي الباب حديث ثوبان قال له عليه السلام: " ماء
الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا علا مني الرجل مني المرأة؛ كان ذكرا بإذن
الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل؛ كانت ابنة بإذن الله " رواه مسلم (1) في
صحيحه. وحديث عمرو ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد بن بسر
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، باب " 8 " رقم " 34 ") والبيهقي (1/169)
والطبراني (2/88) وابن خزيمة (232) والكنز (36554) والفتح (7/372) ومشكل (3/
276) وابن كثير (4/437، 5/269) والقرطبي (61/50) والبداية (6/196) وأحمد (1/
278، 3/282) وعبد الرزاق (4 لم20) والقرطبي (91/21) والنسائي في (الطهارة، باب
" 132 ") وابن ماجة (601) . وصححه للشيخ الألباني.(1/783)
العبدي ثنا عبد الله بن عباس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
جاءت امرأة يقال لها بسرة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسول الله،/أجد ما
يرى أنها مع زوجها في المنام فقال: " إذا وجدت بللا فلتغتسل يا بسرة " (1)
وحديث أبي هريرة قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المرأة تحتلم فهل عليها غسل؟
قال: " نعم، إذا وجدت الماء فتغتسل " رواه أبو القاسم في الأوسط (2) عن
أحمد بن الحسين، نا سليمان بن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل، أنا محمد بن
عبد الرحمن البسري عن مسعر عن سعيد المقبري عنه، وحديث عائشة قالت:
" سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ قال:
" نعم ... ". الحديث ذكره أبو جعفر في المشكل (3) ، وقال: ليس بالقوى؛ لأنه
إنّما روى (4) من طريق مصعب بن شيبة ليس هو عندهم بالقوى انتهى كلامه.
وفيه نظر؛ لأن مصعب ممن وثقة غير واحد وخرج له مسلم في صحيحه
بطريق الاحتجاج، وحديث سهلة بنت سهل أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت
المرأة إذا رأت في منامها الاحتلام أتغتسل؟! فقال: إذا رأت الماء فلتغتسل "
ذكره في الأوسط (5) وقال: لم يروه عن سهلة إلا ابن هبيرة يرويه ابن لهيعة،
وأما أمّ سليم فاخلتف في اسمها اختلافا كثيرا، فمن ذلك ما ذكره الحافظ أبو
عبد الله محمد بن حسين الأنصاري المعروف بابن أبي إحدى عشرة في كتابه
الجمع بين الصحيحين سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: ربيعة، وقيل: مليكة، وقيل:
العميضاء وقيل: الرميصاء، زاد ابن سعد في طبقاته أنيقة، وقال أبو داود
السجستاني: الرميصاء أخت أم سليم من الرضاعة، واسم أم سليم مليكة كذا
قاله ابن سعد وابن الكلبي وغيرهما، واختلف في إسلامها فذكرها أبو نعيم
الأصبهاني في كتاب/الصحابة من تأليفه مستدلا بها في مسلم عن إسحاق
__________
(1) صحيح. المطالب (206) والكنز (27766) وابن أبي شيبة (1/81) .
(2) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/268) وعزله إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري، قال أبو حاتم: كان يكذب.
(3) ضعيف. كما ذكر المصنف.
(4) قوله: " يروى " وردت " بالأصل " " رأى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(5) تقدم من أحاديث الباب ص 780.(1/784)
ابن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس عن جدته مليكة، وعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لطعام صنعه، فذكر حديث الصلاة على الحصير وخالفه غير واحد، وزعموا ان
الضمير في جدّته يعود على إسحاق لا على أنس، حتى ترجم أبو عمر من
الاستيعاب باسم مليكة جدة إسحاق، ولو استدل رحمه الله تعالى بما ذكره
الحافظ أبو الشيخ بن حيان في الحادي عشر من فوائد العراقين عن أبي بكر
محمد بن جعفر الشقيري ثنا مقدم بن محمد ثنا عمر بن عبيد الله بن عمر
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: " أرسلت
جدتي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمها مليكة، فلما حضرت الصلاة فقمت إلى حصيرة
لنا " (1) فذكره فكان أصرح دلالة من جدنه الذي ذكره والله تعالى أعلم، قال
الطحاوي: فلا تعارض بين هذه الأحاديث وبن قوله يدخل الملك على النطفة
بعدما تستقر في الرحم أربعين ليلة؛ لأن ذاك يكون على المني قبل أن يكون
نطفة فما قدر الله تعالى قال أبو عمر: فيه دليل ان النساء ليس كلهن يحتلمن،
ولهذا ما أنكرت عائشة وأم سلمة سؤال أم سليم، وقد يقوم الاحتلام في بعض
الرجال فالنساء أجدر أن يعدم ذلك فيهن، وقد قيل: إن إنكار عائشة لذلك إنما
كان لصغر سنها، وكونها مع زوجها؛ لأنها لم تحض إلا عنده ولم تفقده فقدا
طويلا إلا بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: لك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأن الاحتلام
لا يعرفه النساء ولا أكثر الرجال أي: عند عدم الجماعة بعد المعرفة به فإذا
فقد/النساء أزواجهن احتلمن، والوجه الأوّل عندي أصحّ وأولى؛ لأنّ أم سلمة
فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت فدل ذلك
على أن من النساء من لا تنزل الماء في غير الجماع الذي يكون في اليقظة.
انتهى، ولقائل أن يقول: أن أم سلمة لم تمكث بعد زوجها زمانا يتأتى لها فيه
طلب الرجال، لا سيما هي- رضى الله تعالى عنها- وشغلها بالعبادة والصوم
أو تكون قالته إنكارا على أم سليم كونها واجهت بذلك اللفظ المصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدل عليه فقالت أم سليم: وغطت وجهها، وفي قوله: تربت يمينك
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب " 161 ") ومسلم في (المساجد ح/
266) ومالك في (السفر، ح/31) وأحمد (1/391، 3/ 10، 52، 59، 184، 6/42،
137، 204، 262) .(1/785)
وجهان: قال أبو عمر: أحدهما: أن يكون أراد استغنت يداك أو يمينك كانه
يعرض لها بالجهل لما أنكرت مالا ينبغي أن تنكره بخاطبها تقيد المعنى تنبيها،
وقيل في قوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم) (1) وكما يقول لمن
كف عن السؤال عما جهله أما أنت واستغنيت، عن أن تسأل عن مثل هذا
أي: لو اتصفت نفسك ونصحت لها لسألت، وقال غيره: هو كمال الشاعر
إذا أحاد قائله الله وأخزاه الله أحاد ومنه الحديث: " ويل أمة مسعر حرب " (2)
وهو يريد مدحه، وهذا كله عند قول من قال هذا القول فرارا من الدعاء على
زوجته عليه السلام تصريحا وأن ذلك غير ممكن من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندهم، وأكثر
أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء بالواو ولو كانت
بمعنى الاستغناء بالواو لقال: أتربت يمينك؛ لأن الفعل رباعي يقال: أترب الرجل
إذا استغنى وترب إذا افتقر،/وقالوا: معنى قوله: يمينك أي افتقرت من العلم بما
سألت عنه أم سليم، قال أبو عمر: إذا تربت يمينك فمعلوم من دعاء العرب
بعضهم على بعض مثل قاتله الله، وثكلته أمه، وعقرى حلفي ولليدين والفم
وغير هذا، والشبه لغتان انتهى كلامه. وفيه نظر من حيث إن أترب يستعمل
في الغناء، وليس كذلك بل يستعمل في الفقر أيضا حكاه كراع في المجرد
وابن سيده في المحكم، قال: أترب الرجل: إذا كثر ماله وأترب أيضا ولصق
بالتراب من الفقر، وكذا قاله الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب أدب الخواص
تأليفه، وأبو العلاء المصري في كتاب الأمل والوصول فيما رآه بخط الشاطبي
رحمه الله. والله تعالى أعلم-، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم
أن الرجل إذا رأى في منامه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللا إذا لا غسل
عليه، واختلفوا فيمن رأي بللا ولم يذكر احتلاما، فقالت طائفة: يغتسل روينا
ذلك عن ابن عباس والشعبي وسعيد بن جبير والنخعي، وقال أحمد: أحب
إلي أن يغتسل إلا رجل به، وقال إسحاق: يغتسل من النطقة، وروينا عن
__________
(1) صورة الدخان آية: 49.
(2) صحيح. رواه البخاري (3/257) وأبو داود في (الجهاد، باب " 167 ") وأحمد (4/331)
والبيهقي (8/221، 222، 226، 228) والنبوة (4/107، 637) والمنثور (6/78) وبداية
(4/176) وعبد الرزاق (9720) وصححه الشيخ الألباني. الإرواء (1/59) .(1/786)
الحسن البصري أنّه قال: إذا كان انتشر إلى أهله من أوّل الليل فوجد من ذلك
بللا؛ فلا غسل عليه وإن لم يكن، كذلك اغتسل وفيه قول ثالث: وهو أن لا
يغتسل حتى يوقن بالماء الدافق هكذا قال مجاهد: وهو قول قتادة، وقال مالك
والشافعي ويعقوب: يغتسل إذا علم بالماء الدّافق والله تعالى أعلم، وسيأتي له
زيادة أيضا فيما بعد إن شاء الله تعالى.(1/787)
72- باب ما جاء في غسل النساء من الجنابة
/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان، بن عيينة عن أيوب بن موسى عن
شعبة بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة قالت: قلت
يا رسول الله، إنى امرأة أشد ضفر رأسي أفأنفضه لغسل الجنابة؟ قال: " إنما
يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي عليك من الماء فتطهرين
أو قال: فإذا أنت فقد طهرت " هذا حديث رواه مسلم (1) بلفظ: " أنا
أنقضه للحيض والجنابة فقال: أراد في لفظ فأغسله من الجنابة " ورواه أبو
داود (2) عن زهير بن حرب وابن سرح، نا ابن عيينة وفيه عن عبد الله بن رافع
مولى أم سلمة عن أم سلمة أنّ امرأة من المسلمين، وقال زهير: أنها قالت
الحديث، وفي لفظ من حديث المقبري عن أم سلمة واغمزي قرونك عند كل
حفنة، والمقبري لم يسمع من أم سلمة بينهما ابن رافع ذكره أبو محمد
الإشبيلي، وتتبع ذلك عليه أبو الحسن بأنه مع ذلك من رواية أسامة بن زيد
الليثي وهو مختلف فيه، فلو أسند لقيل في حديثه: حسن لا صحيح، ورواه
أبو بكر محمد بن أحمد بن الجهم الوراق المالكي هذا السند، ولفظه عن أم
سلمة: أنّ امرأة سألتها عن الغسل فسألت لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " امرأة تشد
ضفر رأسها أفتنفضه لغسل الجنابة "؟ مثله وذكره ابن وهب في مسنده عن
أسامة بن سعيد بن أبي سعيد حدّثه أنّه سمع أم سلمة تذاكره وهذا يفيض
سماعه منه تصريحا ويحمل الواسطة بينهما على أنه رواه مرة عنها ومرة عن
ابن رافع عنها والله تعالى أعلم، ولفظ ابن خزيمة في صحيحه، وخرجه من
حديث عبد الجبار بن العلاء عن/سفيان فإذا أنت قد طهرت من غير شك،
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الحسين بن حفص الأصبهاني
عن سفيان، عن أيوب بن موسى، عن سعيد المقبري، عن أبي رافع عن أمّ
سلمة الحديث فقال: هذا خطأ إنما هو سعيد عن عبد الله بن رافع عنها،
__________
(1، 2) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/85) وأبو داود في (الطهارة، باب " 99 ")
والترمذي (ح/105) والنسائي (1/131) وابن ماجة (ح/603) وتلخيص (1/59)
والمشكاة (834) والحميدي (294) والدارقطني في " السنن " (1/114) والإرواء (1/168) .(1/788)
يعني حديث البزار، وفي كتاب الدلائل للدارقطني، أنا محمد بن علي
الصانع، عن سعيد بن منصور، عن الوليد سمعت الحسن يقول: سألت أم
سلمة يا رسول الله، إنى أمتشط فأخمر رأسي إخمارا شديدا فكيف أغتسل
للجنابة والحيضة؟ فقال: " تفيضين على رأسك ثلاث غرفات " (1) وفى لفظ
لأبي نعيم في المستخرج عن أم سلمة: " أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟
قال: " لا ". وفي السنن (2) الكبير للبيهقي من حديث ابن مهدي عن بكار
بن يحيى عن جدته قالت: " دخلت على أم سلمة، وأمّا الممتشطة فكانت
إحدانا تكون ممتشطة فإذا اغتسلت تنقض ذلك ولكنها تحفن على رأسها ثلاث
حفنات، فإذا رأت البلل على أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر
جسدها " وفي المصنف نا أبو داود عن هشام عن يحيى بن أبي كريب: أن
امرأة سألت أم سلمة فقالت: " صبي ثلاثا فقالت: إنّ شعري لن يغالب
صفي بعضه على بعض " ولفظ ابن القاسم في الأوسط (3) من حديث
الحسن عنها: " فكيف اغتسل من الجنابة والحيضة؟ " وأما ما توهمه بعضهم
من أن حديث أم سلمة مضطرب لكونه في رواية أنها سألت، وفي أخرى
امرأة من المسلمين، وفي أخرى امرأة سألتها أن تسأل فليس بشيء؛ لأن
المرأة (4) سألت لاشتراكهما في هذا، فسألت لنفسها وبين امرأة من المسلمين
أيضا، والله تعالى أعلم. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة/ثنا إسماعيل بن علية،
عن أيوب عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن
عمرو يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا أفلا
يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نغتسل من إناء
واحد فلا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات " هذا حديث رواه
مسلم (4) في صحيحه، ولفظ النسائي: " لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله
__________
(1) صحيح رواه مسلم (ح/58) .
(2) رواه البيهقي: (2/407، 7/437) .
(3) قوله: " الأوسط " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(4) صحيح. رواه مسلم (ح/59) .(1/789)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا وإذا تود موضوع مثل الصاع أو دونه نشرع فيه جميعا، فأفيض
على رأسي ثلاث مرات " ولفظ ابن خزيمة (1) : " يأمر نساءه أن ينقضن رؤوسهن
إذا اغتسلن من الجنابة فقالت: يا عجباه لابن عمرو " وهذا قد كلفهن نفيا
وفيه: " فما أزيد على ثلاث حثيات أو قال: ثلاث غرفات "، ولفظ مالك في
الموطأ وبلغه عن عائشة، وسئلت عن غسل المرأة من الجنابة فقال: ليحفن على
رأسها ثلاث حفنات لتضغث رأسها بيدها، وفي حديث جميع بن عمير
التيمي المذكور عند ابن ماجة عنها، وأمّا نحن فإنّا نغسل رؤوسنا خمس مرات
من أجل الضفر. وفي حديث عائشة بنت طلحة المذكورة عند أبي داود (2)
بسند صحيح، ثنا نصر بن علي نا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عنها
أنّ عائشة قالت: " كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
محلات ومحرمات " وفي الباب حديث رواه أبو داود فقال: نا محمد بن
عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف: وثنا محمد بن
إسماعيل عن أبيه، حدثنى ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد / قال: أنبأني
جبير عن الغسل من الجنابة أنّ ثوبان حدثهم أنهم استفتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك
فقال: " أمّا الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأمّا المرأة فلا
عليها إلا ببعضه تغرف على رأسها ثلاث غرفات " وهو حديث في إسناده
علل الأولى: ضعف محمد بن إسماعيل، الثانية: انقطاع ما بينه وبن أبيه نص
على ذلك ابن أبي حاتم بقوله: سألت أبي عنه فقال: لم يسمع من أبيه شيئا
حملوه على أن يُحدِّث محدّث، الثالثة: ضعف أبيه الذي سبق ذكرها قاله،
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/26/1) : نا وكيع عن هشام عن أبيه عن
عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الحيض: فذكره. ورواه ابن ماجة (ح/641) من طريق ابن أبي
شيبة وعلي بن محمد قالا: ثنا وكيع به.
في الزوائد: هذا إسناد رجاله ثقات. قال السندي: قلت ليس الحديث من الزوائد، بل هو في
الصحيح.
(2) سنده صحيح. رواه أبو داود (ح/254) .
غريبه: قوله: " الضمار " بكسر الضاد المعجمة وآخره دال مهملة. قال ابن الأثير: خرقة يشد
بها العضو المعروف، ثم قيل لوضع الدواء على الجرح وإن لم يشد، وقال المنذري: المراد هنا ما يلطخ به الشعر مما يلبده ويسكنه من طيب وغيره.(1/790)
والله تعالى أعلم. وحديث جابر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " في المرأة تغتسل من
حيض، أو جنابة لا تنقض شعرها " ذكره أبو محمد الأموي في كتابه من
حديث عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن عبد الحكيم عن ابن لهيعة عن
أبي الزبير عن جابر ثم قال: وهذا حديث ساقط ولو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة
لكفي سقوطا، كيف وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك به، ولم يقل فيه أبو
الزبير: حدثنا جابر أو سمعت جابرا وهو مدلس، وفي المصنف: ثنا وكيع عن
مسعر عن عثمان بن موهب عن امرأة شكت إلى عائشة الغسل من الجنابة
فقالت: " صبى ثلاثا فما أصاب وما أخطأ " نا عيسى بن يونس عن
الأوزاعي عن الزهري وعطاء أنهما قالا: لا نزجى شعرها ولكن تصب ثلاث
مرات ثم تفركه، نا ابن إدريس عن هشام عن الحسن في المرأة تغتسل قال:
يجزأها ثلاث حفنات، وإن سألت لم تنقض شعرها، نا غندر، نا شعبة؛
سألت حمادا عن المرأة إذا اغتسلت فقال: إن كانت ترى أن الماء أصابه أجزى
عنها، وإن كانت ترى أن الماء لم يصبه فلتنقضه، وقال/الحكم: تبل أصوله
وأطرافه ولا تنقضه، نا ابن خالد الأحمر عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر
قال: الحائض والجنب يصبان الماء على رأسهما ولا ينقضان، نا علي بن مسهر
عن عبيد الله، عن نافع أنّ نساء ابن عمر وأمهات أولاده كنّ يغتسلن من
الجنابة والحيض، فلا ينقضن رؤوسهن ولكن يبالغن في بلها، ثنا خالد بن يسار
ثنا جعفر بن برقان عن علي به انه سئل عن امرأة تغتسل من الجنابة والحيض
قال: ترخى الذوائب وتصب على رأسها الماء حتى يبل أصول الشعر ولا تنقض
لها رأسها. ثنا أبو خالد عن حجاج عن فضيل عن إبراهيم عن علقمة عن عبد
الله قال: تخلله بأصابعها، وقال عطاء مثله، وفي الباب أحاديث تخالف ما
تقدّم منها: حديث عائشة عند ابن ماجة بسند صحيح، نا علي نا وكيع عن
هشام عن أبيه عنها أن النبي- عليه السلام- قال لها في الحيض: " انقضى
رأسك واغتسلي " (1) وحديثها المخرج في الصحيحين (2) قالت: " أهللت مع
__________
(1) ، (2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5/221) ومسلم في
(الحج، ح/113،111) وأبو داود في (المناسك، باب " 23 ") والنسائي (5/166) وأحمد (6/
461، 246) والبيهقي (1/182، 4/346، 353، 5/105) وشرح السنة (7/81) =(1/791)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع بعمرة " فذكر الحديث في حيضها، فقالت يا
رسول الله: " هذا يوم عرفة ولم أطهر بعد، وإنّما كنت تمتّعت بالعمرة، فقال
لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انقضى رأسك، وامتشطي وأهلي بالحج، وأمسكي عن
عمرتك " قالت: " ففعلت الحديث ". قال أبو بكر البيهقي: أثره وهي إن
اغتسلت للإهلال بالحج ما كان غسلا مسنونا، وقد أمرت فيه بنقض رأسها
وامتشاط شعرها، وكأنها أمرت بذلك استحبابا كما أمرت أسماء بنت عميس
بالغسل للإهلال على النفاس استحبابا انتهى. ولقائل أن يقول ليس ذلك على
طريق الاستحباب، إنّما هو على طريق الوجوب ويوضحه حديث أنس بن
مالك/قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها
وغسلت بالخطمي والأشنان، وإذا اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ولم
تغسله بالخطمي والأشنان " ذكره البيهقي في السنن (1) الكبير عن اليسع، أنبا
أبو بكر بن إسحاق، أنبا محمد بن يونس، ثنا مسلم بن ضبيع، ثنا حماد بن
سلمة عن ثابت عنه، ورواه أبو الحسن في الإفراد عن محمد بن إسماعيل
الفارسي، عن عثمان بن حيرداد نا مسلم وأشار إلى تفرّده به عن حماد وهو
يكنى أبا عثمان بصري، وفي المصنف نا غندر عن شعبة عن بقية عن إبراهيم
أنّه كان يقول: العروس ينقض شعرها إذا أرادت أن تغتسل، نا أبو معاوية عن
الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة أنّه قال لامرأته: خللي رأسك بالماء
معناها عليه وهو مذهب أهل الظاهر، قال أبو محمد: ويلزم المرأة حل ضفائرها
وفي غسل المحيض وغسل الجمعة، والغسل من غسل الميت ومن النفاس،
والأصل في الغسل الاستيعاب بجميع الشعر، وإيصال الماء البشرة بيقين خلاف
__________
وشفع (922) وتجريد (41) وحبيب (2/14) وبداية (5/138) والموطأ (411) والتمهيد
(8/198، 203، 204، 215، 225) وابن خزيمة (2788) .
(1) ضعيف. رواه البيهقي (1/182) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (2/1/34) من طريقين عن مسلم بن صُبيح: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، تفرد به مسلم بن صبيح عن حماد، ولم نكتبه إلا من هذا الوجه.
وأخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 23/2. مسند أنس) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (2/1/37) قال حدثنا أحمد بن داود المكي: ثنا سلمة بن صبيح اليحمدي ثنا حماد بن سلمة به. وضعفه الشيخ الألباني. (الضعيفة: ح/937) .(1/792)
المسح فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص، وليس ذلك إلا في الجنابة
فقط، وقد صح الإجماع: أنّ غسل النفاس كغسل الحيض فان قيل بحديث أم
سلمة أنّ نقضه للحيضة والجنابة قال: لا. قلنا: نعم. إلا أن حديث هشام
الوارد ينقض ضفرها في الحيض زائد حكما ومثبت شرعا على حديث أم
سلمة، والزيادة لا تجوز تركها. انتهى. ولقائل أن يقول ليس بزيادة إنما هو
تعارض وإذا كان كذلك رجح حديث أم سلمة بالإجماع، وحمل حديث
عائشة على الاستحباب بل على الوجوب، قال ابن حزم: فان قيل: بأنّ عائشة
قد أنكرت على ابن عمرو نقض الضفائر قلنا: لا حجة/علينا فيه وجوه:
أحدها: أنّ عائشة لم تعن هذا إلا غسل الجنابة فقط، وهكذا يقول وان ذلك
إحالتها في آخر الحديث على غسلها مع النبي- عليه السلام- من إناء واحد،
وهذا إنما هو في غسل الجنابة لا الحيض انتهى. قد قدمنا مبينا من صحيح ابن
خزيمة أنه من غسل الجنابة فلا حاجة إلى التحرض، قال ابن حزم: الثاني: أنه
لو صحّ فيها إنما أرادت الحيض لما كان به علينا حجة؛ لانا لم نؤمن بقبول
رأيها وإنما أمرنا بقبول روايتها انتهى كلامه. وفيه نظر؛ من حيث أنّ الصحابي
إذا فسر حديثا أو بين سببه قبل قوله إجماعا، قال أبو محمد: الثالث: أنه قد
خالفها عبد الله بن عمرو وهو صاحب، وإذا وقع التنازع وجبه الرد إلي القرآن
والسنة لا إلي قول أحد المتنازعين دون الآخر والحمد لله وحده، ولقائل أن
يقول: لعلّ ابن عمرو وهو صاحب وإن وقع التنازع وجب الرد إلى القرآن
والسنة لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر والحمد لله وحده، ولقائل أن
يقول: لعل ابن عمرو المخالف رجع إلى قولها لما بلغه عداء بعض العلماء فيما
أنكرنه عائشة على الصحابة وأنهم رجعوا إلى قولها، أمّا النسخ: لم يظهر لهم
أو لتخصيص أو لنص مخالف، وأمّا الضفر: ففي الجامع ضفّرت الحبل أضفره
ضفرا وهو فتلك له أو إدخال بعضه في بعض، وبه أخذت ضفيرة المرأة وهو
ضفرها لشعرها وقال أبو محمد بن السيد في كتاب الفرق بين الأحرف
المشكلة: الضفر فتل الشعر أو نسجه، وفي المغيث لأبي موسى والضفائر الفتائل
المضفرة كالنقص بمعنى المنقوص والسلب بمعنى المسلوب وفي المطالع: هو ضم
شديد.(1/793)
73- (باب الماء من الماء)
/ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن بشار، ثنا غندر محمد بن جعفر
عن شعبة عن الحكم عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر
على رجل من الأنصار فأرسل إليه فخرج ورأسه يقطّر فقال: لعلنا أعجلناك.
قال نعم يا رسول الله. قال: " إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك،
وعليك الوضوء " هذا حديث خرجاه في صحيحيهما (1) فرواه البخاري عن
إسحاق نا النضر نا شعبة عن الحكم بلفظ: " إذا أعجلت أو أقحطت فعليك
الوضوء " تابعه وهيب قال ثنا شعبة ولم يقل غندر ويحيى عن شعبة الوضوء
، ورواه الإسماعيلي في صحيحه عن البغوي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وثنا
القاسم بن زكريا ثنا ابن مثنى ومحمد بن بشار، بن عبد الكريم نا بن بندار
والبسري وأخبرني الحسن وعمران قالا. ثنا ابن بشار قالوا. ثنا محمد بن جعفر
عن غندر ثنا القاسم أيضا ابن مثنى، نا ابن أبي عدي عن شعبة، وقال غندر:
ثنا شعبة عن الحكم قال أبو بكر: وهما عندنا عن كله هو ولا كلّهم عن غندر
فيه الوضوح والله تعالى أعلم. ورواه مسلم (2) عن أبي بكر بن أبي شيبة، نا
غدر عن شعبة، وحديث ابن مثنى وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا
شعبة ولفظه: " وعليك الوضوء "، واختلف في إسحاق هذا الذي رواه
البخاري عنه وأبو نعيم في المستخرج، ورواه من جهة إسحاق بن إبراهيم
وقال: رواه البخاري عن إسحاق الكوسج رواه عن النضر، وفي تقييد المهمل
لأبي علي في نسخة أبي محمد الأصيل ثنا إسحاق بن منصور ثنا النضر
والذي في أصل شيخ شيوخنا ابن الشيرازي / ما وضح هذا وبيّنه ولا يحتاج
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/56) والفتح (1/284) ومسلم في الحيض، ح/
83) وابن ماجة (606) وأحمد (3/26،21) ونصب الراية (1/81) والمنحة (216) ومعاني
(1/54) وابن أبي شيبة (8911) والكنز (27414) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.(1/794)
إلى التخرص والحسبان، ثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج
المروزي، فلا معدل إذا عن هذا، وفي لفظ لمسلم وخرجه من حديث عبد
الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال: " خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على باب
غسّان فصُرح به فخرج يجر إزاره.. " الحديث وفي مسند لسراج ثنا عبد
الجبار ثنا سفيان عن عمرو عن عروة بن عياض قال: قدم علينا أبو سعيد
الخدري فقال: " أرأيتم لو اغتسلت وأنا أعرف أنه كما يقولون: قالوا: لا
أخرج حتى يكون في نسك خرج ما قضى الله ورسوله، وفي لفظ: " أرأيتم
لو اغتسلت وأنا أعرف أنه مما يقولون " وفي لفظ ابن شاهين من حديث عبد
الرحمن عن أبي سعيد قال: " خرجت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين إلى قباء،
حتى إذا لحنا في بنى سالم وقف على باب غسان (1) أرأيت الرجل يعزل عن
امرأته ولم يمن ". وفي لفظ: " إذا قحط أحدكم " (2) . حدثنا محمد بن
الصباح ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن السائب عن
عبد الرحمن بن سعاد عن أبي أيوب قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء " (3) هذا
حديث إسناده ضعيف؛ للجهالة بحال عبد الرحمن بن السائب ويقال: ابن
السائبة، كذا رويناه في أحكام أبي علي الطوسي- رحمه الله تعالى-، فإنّى
لم أر عنه راويا غير عمرو بن دينار إلا وكذا ابن سعاد ويقال: ابن سقاد، ولم
يتعرض أحد لذكر حالهما فيما علمت، وأمّا ما ذكره الدارمي في مسنده عن
عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الرحمن ابن سعاد وكان
__________
(1) بياض " بالأصل ".
(2) تقدم في أحاديث الباب ص 794.
(3) صحيح. رواه أبو داود (ح/217) والترمذي (ح/112) والنسائي (1/115) وابن ماجة
(607) وأحمد (3/29، 36، 4/143، 342، 5/416، 421) والدارمي (1/194) والبيهقي
(1/167) وابن خزيمة (234) والطبراني (15614) وأبو عوانة (1/286) وحبيب (1/29)
ونصب الراية (1/80، 81) والخطيب (1/352) والمعاني (1/54، 55) وصححه الشيخ
الألباني.
قلت: وهذا التخريج من طرق صحيحة ليس من طريق المصنف. أما ما ذكر سنده المصنف فقد أشار إلي ضعفه؛ لجهالة عبد الرحمن بن السائب.(1/795)
مرضيا من أهل المدينة فلا ندرى من القائل أهو ابن السائب أم عمرو؟! فإن
كان ابن السائب/فلا نقبل قوله؛ لأنه يحتاج إلى من يعدله، وإن كان عمرو
قاله فلا ندرى أراد ابن سعاد أو ابن السائب فلمّا اتهمّ الإمام سقط الاحتجاج
به، وأيضا فهذه لفظة لا تعطى توثيقا؛ لاحتمال أن يكون مراده الدين، وقد
وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة سالمة من هذين الرجلين ذكرهما
البخاري في صحيحه، نا أبو معمر، نا أبو نعيم، نا عبد الوارث عن الحسين
ابن ذكوان المعلم البصري قال يحيى بن أبي كثير: وأخبرني أبو سلمة أنّ عطاء
ابن يسار أخبره أن زيد بن خالد الحمني أخبره أنّه سأل عثمان بن عفّان فقال:
أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة
ويغسل ذكره، وقال عثمان: سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألت عن ذلك علي
ابن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيّ بن كعب فأمروه
بذلك. فأخبرني أبو سلمة: أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو الحسن الدارقطني في كتاب العلل: وفي هذا
الموضع وهم؛ لأنّ أبا أيوب لم يسمع هذا من النبي عليه السلام، إنّما سمعه
أبي بن كعب من النبي قال ذلك هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب عن
أبي انتهى كلامه. وفيه نظر؛ لأنّ أبا أيوب قد قدمنا قوله: أنّه سمع ذلك من
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لسان أبي سلمة عن عروة، وكونه رواه بواسطة في البخاري
أيضا لا يؤثر فيما قلنا؛ لأنه يحتمل أنّه سمعه من أبي، ثم سمعه من المصطفى
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو لم يكن هذا لما جاز له أن يقول: سمعته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمّا قول/
القاضي أبي بكر (1) بن العربي- رحمه الله تعالى- في حديث أبي أيوب
هذا، والعجب من البخاري كيف ساوى بين حديث عائشة في إيجاب الغسل
__________
(1) ابن العربي العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي. جمع
وصنف، وبرع في الأدب والبلاغة، وبعد صيته، وكان متبحرا في العلم، ثاقب الذهن، موطأ
الأكناف، كريم الشمائل، مات بفاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. له
ترجمة في البداية والنهاية (12/228) ، وشذرات الذهب (4/141) وطبقات المفسرين
للداودي (2/162) ونفح الطيب (2/25) .(1/796)
بالتقاء الختانين (1) وبين حديث عثمان وأبي في نفي الغسل إلا بالإنزال؟
وحديث عثمان هذا ضعيف؛ لأنّ مرجعه إلى الحسين بن ذكوان رواه عن
يحيى بن كثير ثم قال: والحسين لم يسمعه من يحيى؛ وإنّما نقله له يحيى؛
ولذلك أدخله البخاري عنه بصيغة المقطوع، وهذه علّة وقد حوّلت حسين فيه
عن يحيى فرواه عنه غيره موقوفا على عثمان ولم يذكر فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذه
علّة ثانية، وقد خولف أيضا أبو سلمة فرواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن زيد بن خالد أنه سأل خمسة أو أربعة من الصحابة فأمروه بذلك من غير
وقع، قال: وهذه علة ثالثة ففيه نظر أمّا العلة الأولى فلأنّ البخاري رواه في
موضع آخر عن سعد بن حفص عن شيبان عن يحيى، وقال أبو الحسن
الدارقطني: حدّث به عن يحيى حسين المعلم وشيبان وهو صحيح عنهما،
ورواه ابن شاهين من حديث معاوية بن سلام أنا يحيى به، العلة الثانية: قوله:
إنّ البخاري رواه بصيغة المقطوع، وليس كذلك؛ لأن العلماء قالوا: ليس في
البخاري حديث منقطع شاهدا وسابقا فكيف بما ذكره الاحتجاج، وقد نص
العلماء على أنه قال: ذكر من غير قول أولت وما أشبه ذلك من ألفاظ الرواية
محمولة عندهم على السماع إذا عرف اللقاء والسماع، وحسين ممن عرف
ذلك مه والله أعلم؛ ولذلك أنّ أصحاب الأطراف ذكروا موضع، وقال يحيى:
هي رواية إجماع، ولهذا ساغ لهم إخراجه في مسند أبي أيوب/ولذا أخرجه
مسلم والإسماعيلي وأبو نعيم بصيغة عن، وعلي رأى جماعة عن في صحيح
مسلم متصلة، فلأنّ عند البخاري بطريق الأول لما علم من شرط، وقد وقع
لك حديث حسين المعلم هذا مصرّحا فيه بالسماع من يحيى بن أبي كثير، نا
أبو بكر محمد بن إبراهيم الطرفي، أنا يحيى بن عبد الوهاب أنبأ محمد بن
جعفر، ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ثنا عبد الوارث بن عبد الصمد،
__________
(1) وتمام لفظ الحديث: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ". رواه البخاري في " التاريخ
الكبير " (6/281) والتجريد (699) والخفاء (1/86) والخطيب (1/311، 6/282، 12/
286) وإتحاف (3/383) وأحمد (6/239) والبيهقي (11/63) وتلخيص (1/134) والعلل
(86) وابن عدي في " الكامل " (4/1635) .(1/797)
حدثنى أبي حدثني أبي ثنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير حدثنى أبو
سلمة: أنّ عطاء بن يسار اخبره أنّ زيد بن خالد أخبره أنه سأل عثمان قلت:
أرأيت إذا جامع امرأته ولم يمن؟! فقال عثمان: لا يتوضأ كما يتوضأ للصلاة،
ويغسل ذكره" سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وسألت عن ذلك علي بن أبي
طالب والزبير وطلحة وأبيا فأمروه بذلك، قال: وحدثني يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة أن عروة أخبره أنّ أبا أيوب أخبره أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول
ذلك، وفي كتاب ابن شاهين، ثنا البغوي، ثنا هارون بن عبد الله، ثنا عبد
الصمد ثنا أبي ثنا حسين المعلم بن أبي كثير فذكره، وكذا ذكره البيهقي في
السنن الكبير عن أبي بكر أحمد بن إسحاق ثنا إبراهيم بن عبد الله نا محمد
قال ثنا الحسن بن عيسى البسطامي، ثنا عبد الصمد نا أبي نا حسين حدثنى
يحيى به، وإمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة في صحيحه أيضا، وأمّا قول ابن
جرير في تهذيب الآثار، وهذا خبر عندنا صحيح سنده لا علّة فيه توهنه ولا
سبب يضعفه لعدالة رواته، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما
غير صحيح لعلّتين إحداهما: أنّ المعروف من رواية الثقات/عن عثمان أن
الختان إذا مس الختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل، والأخرى: أنّه خبر قد
رواه بعضهم عن شيبان عن يحيى، فجعله عن عطاء عن عثمان لم يجعل
بيتهما أحدا، والثالثة: أنّ يحيى كان عندهم مدّلسا، والمدلس لا يقل عندهم
من خبره إلا ما قال، ثنا وشبهه بكلام لا يجزي شيئا كما بيّناه، والثالثة
قوله: إنّ أبا سلمة خالفه زيد فغير ضار ولا منافاة بين قولهما؛ لأن أبا سلمة
إمام حافظ زاد شيئا فتقبّل منه إجماع، ولأن الصحابة المذكورين أصحاب فتيا
فلمّا سئلوا أفتوا بما عندهم من حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنّ مثل هذا لا يؤخذ
بالآراء ونشطوا مرّة أخرى فتذكروا مستندهم إن قيل لهم في ذلك فذكروه
فصار جمعا بين الرواية والفتيا والله تعالى أعلم، ويوضح ذلك ما ذكره ابن
عبد البر في الاستذكار، قال أبو عمر: وقد تدبرت حديث عثمان الذي انفرد
به يحيى فليس فيه تصريح يجاوزه الختان الختان، وأنا فيه طامع ولم يمس
الختان الختان؛ لأنه مأخوذ من الاجتماع مكنى عن الوطء، وإذا كان لذلك فلا(1/798)
خلاف حينئذ، ولو ذكر ما ذكره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في جمعه
لحديث يحيى ابن أبي كثير كان أولى ما تقدّم وهو قوله، قال أبو طالب: زيد
بن أخرم سمعت يحيى بن سعيد القطّان، وسئل عن حديث أبي أيوب فلم
يحدث به، وقال: نبأني عنه، عبد الرحمن، وقال أبو عمر في التمهيد:
وحديث أبي سلمة هذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان ولا علي
ولا من مذهب المهاجرين انفرد به يحيى وهو ثقة، إلا أنه جاء بما شذ به
وأنكره عليه، ونكارته أنّه محال أن يكون عثمان سمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما
يسقط الغسل من التقاء الختانين ثم يعني/بإيجاب الغسل، وذلك في حديث
مالك عن ابن شهاب عن سعيد أن عمر وعثمان وعائشة كانوا يقولون: " إذا
مس الختان الختان فقد وجب الغسل " (1) . وهو صحيح ولا أعلم أحدا قال:
بأنّ الغسل من التقاء الختاتين منسوخ، بل الجمهور أنّ الوضوء منه منسوخ
بالغسل ومن قال: بالوضوء منه أجازه وأجاز الغسل ولم ينكره، وقال يعقوب
بن أبي شيبة: سمعت ابن المديني وذكر حديث يحيى فقال: إسناد حسن به،
ولكنه حديث شاذ، وقال علي: قد روى عن عثمان وعلي وأبي بأسانيد جياد
أيهم أفتوا بخلافه، قال يعقوب: هو حديث منسوخ، وقال أبو بكر الأثرم:
قلت لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير يعنى هذا
فيه علّة تدفعه بها قال: نعم ما روى خلافه عنهم قال أحمد المديني: إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل، قيل له: قد كنت تقول غير هذا، قال: ما
أعلمني قلت: غير هذا قط قيل له: قد بلغنا ذلك عنك. قال: الله المستعان،
وفي صحيح الأسهل قال: ولم يذكر يعنى الراوي عليا ولم يقل أحد من الرواة
عن النبي غير الحماني إنما قالوا مثل ذلك، وليس الحماني من شرط هذا
الكتاب، وفي الباب غير ما حديث من ذلك حديث أبي هريرة- رضي الله
تعالى عنه- قال: " بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل من الأنصار فأبطأ
واحتبس فقال: ما حبسك قال: كنت أصبت من أهلي، فلما جاءني رسولك
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر ص 789.(1/799)
اغتسلت، ثم لم أحدث شيئا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الماء من الماء، والغسل
على من أنزل " رواه أبو جعفر في شرح الآثار (1) ومن جهة يزيد عن العلاء
بن محمد بن سنان، عن محمد بن عمرو عن أم سلمة عنه، وقال أبو القاسم
في الأوسط:/ورواه من حديث وقاء بن إياس الوالي سمعت سهيل وذكر أنّ
أبي صالح يذكر عن أبيه عن أبي هريرة لم يروه عن وقاء إلا أبو زهير تفرّد به
عبد الرحمن بن سلمة. وحديث رافع بن حديج قال: ناداني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل، واغتسلت وخرجت فأخبرته فقال: لا
عليك الماء من الماء " قال رافع: ثم أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك بالغسل
رواه أحمد في مسنده (2) من حديث رشيد بن سعد عن موسى بن أيوب
الغافقي عن بعض ولد رافع ولم يسمه، وقال البخاري: هذا حديث حسن وفيه
نظر؛ لأنّ رواية رشدين وحديثه لا يحسن وفيه رجل لم يسمه فهو منقطع،
وقد وقع لنا متابعا لرشدين وهو ابن لهيعة فيما ذكره ابن مساور عن موسى بن
أيوب وسمى الرجل المبهم سهلا؛ ولذا جاء في بعض الروايات مصرّحا باسمه
عن رشدين، ذكر ذلك الحافظ أبو الطاهر البغوي فقال: أنا الراوي عن أبي
الحسن أحمد بن محمد الحليمي سماعا عن أبي بكر المهندس سماعا، ثنا
محمد هو ابن زمان بن حبيب، ثنا أبو الطاهر، ثنا رشدين عن موسى بن
أيوب عن سهل بن رافع بن خديج عن أبيه فذكره، فلو حسّنه الحازمي هذه
الأمور يساغ له ذلك، والله تعالى أعلم. وحديث عائشة: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر
الناس بالغسل " رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وسيأتي الكلام عليه بعد
وحديث جابر بن عبد الله قال مرّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجل من الأنصار فخرج ورأسه
__________
(1) ضعيف. رواه الطحاوي في مشكل الآثار (1/376) وأحمد في " المسند " (3/150)
والطبراني (1/226) وعبد الرزاق (20517) وإتحاف (4/498) ومطالب (204) ومعاني (1/
54) والمجمع (1/265) وعزاه إلى أبي يعلى والبزار وفيه أبو سعد البقال وهو ضعيف.
(2) ضعيف. رواه أحمد (4/143) والمجمع (1/265، 266) وعزاه إليه وإلى الطبراني في "
الأوسط " وقال عن سهل بن رافع عن أبيه، وفيه رشدين بن سعد وهو سيء الحفظ.(1/800)
يقطر فقال:/ " لعلنا أعجلناك " قال: أجل يا رسول الله. قال: " إذا عجل
أحدكم أو أقحط، فلا يغتسل " رواه أبو جعفر (1) وشاهين في كتاب الناسخ
والمنسوخ عن أبيه عن الباغندي، ثنا أبو نعيم ثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم
عن أبي صالح عنه. وحديث أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الماء من
الماء " (2) ، رواه أيضا عن أحمد بن عمرو ثنا عبيد الله بن أسامة الحلبي، ثنا
يعقوب بن كعب، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عنه. وحديث
عبد الله بن عباس قال: أرسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل من الأنصار فأبطأ عليه
فقال: ما حبسك؟ قال: كنت على المرأة فقمت واغتسلت فقال: وما عليك
ألا تغتسل ما لم تنزل قال: فكانت الأنصار تفعل ذلك " (3) رواه ابن أبي داود
في كتاب الطهارة تأليفه عن عبد الله بن سعيد ثنا طلحة عن أبي سعيد عن
عكرمة عنه، وحديث زيد ابن ثابت الآتي في الباب بعده، وكذلك حديث
رفاعة قال أبو عمر: وفعله إذا أعجل أحدكم أو أقحط تقتضى أن يكون جوابا
لمن أقحط أو أعجل عن بلوغ التقاء الختانين، ولذلك حديث ابن شهاب عن
أبي سلمة رواه أصحابه كذلك؛ لأن قوله الماء من الماء لا يدفع أن يكون الماء
من التقاء الختانين، والله تعالى أعلم. وحديث صالح السالمي الأنصاري قلت
للنبي عليه السلام: هتفت وأنا مع المرأة قد خالطها، فلمّا أن سمعت صوتك
أجبتك منها فلما دخلت المسجد كرهت أن أدخله حتى اغتسل. فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء ". رواه أبو موسى في كتاب الصحابة من جهة ابن
إسحاق عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد عن أبيه عن جدّه أبي
سعيد/قال خرجنا مع النبي إلى مسجد ابن عمرو بن عوف، فمن تفرد به عن
سالم فذكره ثم قال: رواه ذكوان عن أبي سعيد ولم يسمه الرجل، وكذلك
أبو هريرة وابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- لم يسمياه، وحديث عبد الله
(1) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/265) وعزاه إلى البزار ورجاله ثقات الا أبا إسرائيل الملائي فإنه ضعيف لسوء حفظه، وقد وثقة بعضهم.
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 794.
(3) تقدم من أحاديث الباب(1/801)
بن غسان قال: قلت: يا رسول الله إني كنت مع أهلي فلما سمعت صوتك
أعجلت فاغتسلت فقال عليه السلام: " الماء من الماء " رواه أيضا من حديث
كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عنه، وحديث أبي عثمان الأنصاري
قال: " دق علي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد ألممت بالمرأة، فكرهت أن أخرج إليه
حتى أغتسل فأبطأت عليه فلحقته فأخبرته، فقال: أكنت أنزلت قلت: لا.
قال: أما إنه لم يكن عليك إلا الوضوء " (1) . رواه أيضا من حديث عمر بن
محمد بن الحسن، ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد عن أبيه عن أبي
سلمة عنه، ومرسل عبد الله بن عبد الله بن عقيل قال: " سلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على سعد بن عبادة ثلاثا فلم يأذن له، كان على حاجة فرجع النبي- عليه
السلام- فقام سعد سريعا فاغتسل، ثم تبعه فقال يا رسول الله: إني كنت
على حاجة فقمت فاغتسلت، فقال عليه الصلاة والسلام: " الماء من الماء ".
رواه معمر بن راشد في جامعه عنه.
__________
(1) بنحوه. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/264) وعزاه إلى أحمد في " مسنده "
وإسناده حسن. ولفظه:
قلت يا نبي الله: إني كنت مع أهلي، فلما سمعت صوتك أقلعت فاغتسلت. فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الماء من الماء ".(1/802)
74- باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان
حدثنا علي بن محمد وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قالا: ثنا الوليد ابن
مسلم ثنا الأوزاعي، أنبأ عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فاغتسلنا ". هذا حديث خرجه أبو عيسى (1) من حديث الوليد ثم قال: ثنا
هناد ثنا وكيع عن سفيان عن عكرمة عن سعيد عن عائشة قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل " (2) . وقال: حديث عائشة حسن
صحيح، وقال في العلل الكبير: سألت محمدا عن هذا الحديث. فقال: هذا
حديث خطأ، إنما يرويه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا، وروى
الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة شيئا من قولها فأخذ
الخرقة فمسح بها الأذى، وقال أبو الزناد: وسألت القاسم بن محمد سمعت
في هذا الباب شيئا قال: لا، ورواه الشافعي عن الثقة عن الأوزاعي عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه، أو عن يحيى بن سعيد عن القاسم، قال البيهقي:
كذا رواه الربيع بالشّك، ورواه المزني عنه فقال عبد الرحمن بن القاسم: بلا
شك، ولذلك قاله ابن خزيمة عن المزني، ورواه حرملة عن الشّافعي عن الوليد
بن مسلم، والوليد بن يزيد عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بغير شك، وعاب
أبو محمد الإشبيلي على الترمذي تصحيح حديث ابن زيد بقوله، وذكره
الترمذي من حديث ابن زيد وقال فيه: حسن صحيح، ولم يقل في علي: شيئا
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/108) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (ح/
608) وأحمد (2/178) وابن أبي شيبة (1/89) وتلخيص (1/134) والبيهقي (1/163)
وابن عدي في " الكامل " (4/1653) وتجريد (699) والخطيب (1/311، 6/282) ورواه
الشافعي في اختلاف الحديث (7/90) عن إسماعيل بن إبراهيم عن علي بن زيد بإسناده
ورواه أيضا فيه وفي الأم (7/31) عن سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب:
" أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين؟ فقالت عائشة: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا التقى الختانان، أو مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل ". وصحح إسناده الشيخ أحمد
شاكر، والشيخ الألباني.
(2) انظر: الحاشية السابقة.(1/803)
وأكثر الناس يضعفه، وقال أبو الحسن: عليه بأنه لم يصب في اعتراضه؛ لأن اعتلال
البخاري عليه بأنه يروى مرسلا بعلة فيه، ولا اتصال قول القاسم: أنه لم يسمع في
هذا الباب شيئا؛ فإنه قد يعنى به شيئا يناقض هذا الذي رويت لابُد من حمله على
ذلك لصحة الحديث المذكور عنه من رواية ابنه وهو الثقة المأمون والأوزاعي، أما
الوليد بن مسلم وإن كان مدلسا ومسوما، فأنه قد قال/فيه ذكر ذلك الدارقطني،
وذكر أيضا طريقا آخر عن الأوزاعي هو منه صحيح أيضا، قال أبو الحسن ثنا أبو
بكر النيسابوري، ثنا العباس بن الوليد بن يزيد، أبنا أبي قال: سمعت الأوزاعي قال:
ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة: " إنما سئلت
عن الرجل يجامع المرأة فلا ينزل؟ فقالت: فعلته أنا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاغتسلنا جميعا "
قال الدارقطني: رفعه الوليد بن مسلم، والوليد بن فريد، ورواه بشر بن بكر وأبو
المغيرة وعمرو بن أبي سلمة، نا محمد بن كثير المصيصي ومحمد بن مصعب
وغيرهم موقوفا انتهى. الوليد ثقة من أكابر أصحاب الأوزاعي وكان
الأوزاعي، يقول: عليكم به فإن كتبه صحيحة أو كلاما هذا بمعناه، وقال
أيضا: ما عرض علي كتاب أصح من كتاب الوليد، وقال فيه دحيم: صالح
الحديث وابنه العباس ثقة صدوق، وقد ذكر جميعهم سماع بعضهم من بعض
فصح الحديث، وإن كان حديث الترمذي معترضا عنده من طريق الوليد بن
مسلم، فقد صح من طريق ابن فريد- رحمه الله تعالى- انتهى كلامه. وفيه
نظر من حيث إغفاله ما قاله علي بن عيسى من تصحيح حديث ابن جدعان
على ما ذكر، ولهذا أن عبد الحق لما ذكره في أحكامه الكبرى أفرده من
حديث الأوزاعي من عند النسائي محققا تصريح الترمذي لحديث ابن جدعان،
وأبو عيسى في ذلك كما قيل، ومالك حكاه لأبي محمد في فهمه لا
الترمذي بزعمه؛ لأنه لم يصحح حديثه كما صححه أبو علي الطوسي في
أحكامه من غير متابع ولا شاهد، ولذلك المعرى في شرح السنة، ولا قال ما
يؤذن بذلك إنما قال: حديث عائشة صحيح وهذا ما لا خلاف/فيه، ولو أراد
هذا الحديث لأشار كعادته، وقال: هذا وإن شئت لم أقل ذلك أيضا في
حديث الأوزاعي المبدأ بذكره عنده لا من طريق غيره المصححة؛ لما نقله عن
شيخه وهو في الغالب سمع كلامه حذر العدة بالعدة، ولا يقال: لعله صح(1/804)
حديث ابن جدعان هذا ما عضده من الشاهد قبله تنصيصه على خطابه، والخطأ لا
يصلح عنده للشواهد، وفي المعرفة عورض الشافعي في هذه المسألة بمصعب بن
جدعان، وأنّ حديثه هذا ليس مما يثبت أهل الحديث فعارضهم برجوع إلى وأنّ
ذلك لا يكون إلا عن توفيق، قال أبو بكر: والأمر على ما قالاه جميعا غير
أنّ حديث عائشة هذا ما ثبت من جهة أخرى، ولما رواه أبو القاسم في
الأوسط من حديث عاصم عن عثمان بن مرة عن السّائب عن عروة عنها
مرفوعا قال: لم يروه عن عثمان إلا عاصم، فهذا رجل رفعه عنها الرواية الوليد
ابن مسلم وأغفل ذكره الدارقطني فلم يذكره حتى عدّد الواقعتين والدافعين،
وأمّا قول الحافظ التستري إنّ حديث الأوزاعي موقوفا لم يسنده عائشة بغير
صواب؛ لأنها قالت: فعلته أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا موضوع إجماعا، ولهذا
الحديث إسناد صحيح ذكره مسلم من جهة عبد الله فقال: ثنا محمد بن مثنى
ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا هشام بن حسان ثنا حميد بن هلال عن
أبي بردة عن أبي موسى وثنا ابن مثنى ثنا عبد الأعلى، وهذا حديثه ثنا هشام
ابن حسان عن حميد بن هلال قال: ولا أعلمه إلا عن أبي بردة عن أبي
موسى الأشعري قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال
الأنصاريون: لا يجب الغسل/إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: إذا
خالط فقد وجب الغسل، قال: فقال أبو موسى: أنا أشفيكم من ذلك، فقمت
فاستأذنت على عائشة فقلت لها: يا أمّاه أو يا أم المؤمنين، إنى أريد أن أسألك
عن شيء، وإنى استحييت فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا
أمك التي ولدتك، فإنّما أنا أمّك، قلت: فما يوجب الغسل على الحبير
سقطت؟ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس
الختان الختان فقد وجب الغسل " كذا خرجه مسلم (1) في صحيحه بلفظ
الشك أعني قوله: ولا أعلمه إلا من أبي بردة لم يذكر رواية الأنصاري هل
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه مسلم في (الحيض، ح/87،ْ 88) والبخاري (1/80) وأحمد
(2/234) والدارمي (1/194) والدارقطني (1/113) وابن خزيمة (227) وشرح السنة (1 / 4)
والمشكاة (430) ونصب الراية (1/82) والخطيب (2/74) وتلخيص (1/134) والحلية (6/
275) والإرواء (1/163) .(1/805)
هي لهذه لفظا وشكا أو ليس مثلها؟ فلما أردنا علم ذلك ليسلم الحديث من هذه
الشائبة، وليعلم هل يخاف هذه فيما يؤثر أم لا؟ يوجد نا أبو بكر بن خزيمة خرجها
بلفظ مسلم، وسواء عن ابن مثنى عنه، وكذلك أبو العباس السراج في مسنده وأبو
نعيم الحافظ رحمه الله تعالى والبيهقي في سننه ولفظه: فأتيت عائشة فقالت: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان ". ولفظ أبو نعيم:
" إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغسل ". ورواه مسلم أيضا
من طريق فيه لطيفة، وهي رواية صحابي عن تابعية فقال: ثنا هارون بن معروف،
وهارون بن سعيد الأيلي، ثنا ابن وهب أخبرني عياض بن عبد الله عن أمّ كلثوم
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إنّ رجلا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجامع
أهله ثم يكسل هل عليها الغسل؟ وعائشة جالسة فقال رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنى
لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل " (1) . وليس لقائل أن يقول: هو من رواية أبي الزبير
عن جابر من غير تصريح بالسماع، ولا هو من رواية الليث عنه، وذلك مشعر
بالانقطاع، وإن كان عند مسلم فإنه ينفع في المناظرة لا في النظر؛ لأنه وقع لنا
طريق يصرح فيها بالسماع ذكرها الحافظ أبو بكر الخطيب فيما رويناه عنه في
كتاب رواية الصحابة عن التابعين من حديث الإمام أحمد بن حنبل، ثنا
موسى بن داود ثنا عبد الله عن أبي الزبير أخبرني جابر به في الموطأ عن يحيى
بن سعيد عن ابن المسيّب أن أبا موسى سأل أنا عائشة فقال: " الرجل يصيب
أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان؛ فقد وجب
الغسل " (2) . فقال أبو موسى: لا أسأل عن هذا أحدا بعدك، وكذا ذكره
موقوفا، وقال في المعرفة: هذا إسناد صحيح إلا أنه موقوف، ورواه أبو قرّة
موسى بن طارق عن مالك عن يحيى مرفوعا، قال أبو الحسن في الغرائب: لم
يسنده عن مالك غير أبي قرة، وفي مسند أبي قرة ذكر سفيان عن محمد بن
عجلان عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا مثله، وقد وقع لنا ما يشعر بأن ابن
المسيب رواه عن أبي موسى عنها، ذكر ذلك أبو جعفر الطحاوي من حديث
__________
(1) صحيح. رواه مسلم (272) والبيهقي في " الكبرى " (1/164) وابن السني (ح/610)
ومعاني (1/55) وأبو عوانة (1/289) .
(2) تقدم في أحاديث الباب ص 803.(1/806)
أسد عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد قال ة ذكر أصحاب النبي:
" إذا التقى الختانان " فأتى أبو موسى عائشة فذكره، وقال البيهقي: لم يروه مرفوعا
غير ابن جدعان، وهو لا يحتج به، والله تعالى أعلم. وقال ابن عمر في
الاستذكار: وروى علي بن زيد عن سعيد قال: " نازع أبو موسى قوما من
الأنصار فقالوا: الماء من الماء. فانطلقت أنا وهو حتى دخلنا على عائشة ".
وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن/عبد الله بن رباح عن عبد العزيز بن
النعمان (1) عنها: " كان عليه السلام إذا التقى الختانان اغتسل " (2) . والأول
وإن لم يكن مسندا؛ فإنه يدخل في المسند بالمعنى والنظر، وفي شرح السنة
هذا حديث حسن صحيح، لكن جريانه على توهمه كما بينا أنّ مثله لا يصح
سندها ورواه الحسن عن أبيه من طريق لا بأس بها فرفعه بنحوه، قال أبو
القاسم في الأوسط (3) : لم يروه عن سالم الخياط عن الحسن إلا الوليد بن
مسلم، وفي كتاب الطحاوي من حديثه عن ابن أبي داود عن عباس بن
الوليد البرنام، ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي
__________
(1) قوله: " النعمان " وردت " بالأصل " " العمير " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه أحمد (6/123، 227) وبهذا اللفظ الذي ذكره المصنف عن عائشة
صحيح، فقد رواه القاسم بن محمد عنها قالت: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل،
فعلته أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
رواه الترمذي (1/23) وابن ماجة (ح/608) بسند صحيح عنها.
ورواه مسلم (1/187) وغيره من طريق أخرى عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعا من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه.
ورواه الخطيب من طريق أخرى عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعا من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظ الترجمة،
وروايته (1/311، 6/283) .
(3) رواه الطبراني في " الأوسط " (1/9/2) وقال: " لم يروه عن عمرو إلا أبو حنيفة، ولا عنه
إلا عبد الله " وهو وشيخه ضعيفان، ولكن للحديث زيادات منها ما هو حسن بمجموع طرقها
عن عمرو بن شعيب.
ورواه الطحاوي (1/35) ورواه البيهقي (1/163) بإسناد صحيح، وهو عند مسلم (1/189)
بنحوه، وفي صحيح سنن أبي داود (ح/209) كلهم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة وبه
زاد: " أنزل أو لم ينزل ".(1/807)
حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال: إني لجالس عند
عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، هذا زيد بن ثابت يفتى النّاس
في الغسل من الجنابة برأيه. فقال عمر: أعجل به، فجاء زيد فقال عمر: قد بلغ من
أمرك أن تفتى الناس فقال له زيد: ما أفتيت برأيي، ولكن سمعت من أعمامي شيئا
فقلت به. فقال من أي أعمامك؟ فقال: من أبي وأبي أيوب ورفاعة بن رافع.
فالتفت عمر فقال: ما تقول في هذا؟ قال: فقلت: إنّا لكنّا نفعله على
عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا نغتسل. قال أسألتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟ قلت: لا.
قال علي بالناس فاتفق الناس أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا ما كان من
علي ومعاذ بن جبل فقال علي: لا أحدا أعلم بهذا من أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأرسل إلى حفصة فقالت: لا علم لي. فأرسل إلى عائشة فقالت: إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل جد فخطب عمر وقال: لئن أخبرت بأحد
يفعله ثم لا/يغتسل فحكمه عقوبة " (1) ورواه أيضا من حديث ابن لهيعة عن
يزيد عن أبي وجيه سمعت عبيد بن رفاعة يقول: ثنا في مجلس عمر بغير
ذكر أبيه، ورواه أيضا عن روح بن الفرح عن يحيى بن بكير، عن الليث
حدثنى معمر عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، والله تعالى أعلم. وذكر هذه
القصة من حديث عبد الأعلى أيضاً الإمام أبو بكر محمد بن هارون في
مسنده عن يحيى بن إسحاق، ثنا ليث بن سعد عن يزيد عن معمر وفيه فقال
عمر: " إنّ الأمر لا يصلح. وقال معاذ: يا أمير المؤمنين: إن هذا الأمر لا
يصلح " وذكر أحمد بن منيع في الروايات في مسنده باختلاف قريب وفيه:
فجاء زيد فكلما رآه عمر قال ابن عدي نفسه قد بلغت أن تفتى الناس برأيك،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/266) وعزاه إلى أحمد في " مسنده "
والطبراني في " الكبير " ورجال أحمد ثقات إلا ابن إسحاق مدلس وهو ثقة، وفي الصحيح
طرف منه، زاد الطبراني في " الكبير " " ثم أفاضوا في العزل فقالوا: لا بأس فسار رجل
صاحبه فقال: ما هذه المناجاة فقال أحدهما يزعم أنها الموؤدة للصغرى فقال علي: إنها لا
تكون موؤدة حتى تمر بسبع تارات قال الله عز وجل: (ولقد خلفنا الإنسان من سلالة من طين
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين) إلى قوله: (فتبارك الله أحمسن الخالقين) قال: فترقوا على قول
علي بن أبي طالب انه لا باس به.(1/808)
وفيه قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يأتنا من الله تحريم ولم يكن
من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عني قال: ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم ذلك قال: لا أدرى وهو
معارض لما ذكره مالك عن يحيى عن عبد الله بن كعب عن محمود بن لبيد
أنه سأل زيد بن ثابت أن أُبيّا فرغ عن ذلك فبل أن يموت، وسيأتي في
صحيح البستي ثنا علي بن الحسين بن سليمان، ثنا إبراهيم بن يعقوب
الجرجاني، ثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة، ثنا أبو مرة قال حدثنا الحسين بن
عمران عن الزهري سألت عروة في الذي يجامع ولا ينزل؟ قال: على الناس
أن يأخذوا الأمر من أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثتني عائشة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر
الناس بالاغتسال " قال:/عن ابن مهران قالا: ثنا مبشر الحلبي عن محمد بن
غسان عن أبي حازم، وقال البيهقي: إسناده صحيح موصول، خبرنا على طريقة
الفقهاء في صحة السند، وهذا كان يصلح أن يكون دليلا لولا ما قاله ابن أبي
حاتم وسأل أباه عنه فقلت: يعرف هذا الحديث، فقال: ما يعرف أصلا يعني
والله تعالى أعلم هذه الرواية لا أصل الحديث بدليل ما ذكره ابنه، سمعت
أبي وذكر الأحاديث المروية في الماء من الماء من حديث أبي أيوب عن أبي
وأبي صالح وأبي سعيد، فقال: هذا منسوخ بحديث سهل عن أبي، وقال
الحازمي: يشتبه أن يكون الزهري أخذه عن أبي حازم وذكر البستي في
صحيحه شيئا شفي به النفس وأزال به اللبس أن هذا الخبر رواه معمر عن
الزهري من حديث غندر فقال: أخبرني سهل ورواه عمرو بن الأرت عن
الزهري فقال: حدثني بعض من أرضى عنه سهل، ويشبهه أن يكون الزهري
سمع الخبر من سهل كما قاله غندر وسمعه عن بعض من يرضاه عن سهل
فرواه مرة عن سهل ومرة عن الذي رضيه عنه، وقد تتبعت طرق هذا الحديث
على أن أجد أحدا رواه عن سهل فلم أجد في الدنيا أحدا رواه إلا أبا حازم
يشبه أن يكون المبهم هو والله تعالى أعلم. وقال موسى بن هارون: قد روى
ابن حازم هذا الخبر عن سهل، وأظن ابن شهاب سمعه منه؛ لأنه لم يسمعه
من سهل، وقد سمع من سهل أحاديث، فإن كان سمعه من أبي حازم فإنه
عدل رضى وبنحوه ذكره البيهقي في المعرفة، وقال أبو عمر: إنما رواه ابن(1/809)
شهاب عن أبي حازم عن سهل، وهو حديث صحيح ثابت بنقول العدول الثقات
له ذكره في الاستذكار، ويفهم من كلام ابن حبان أن محمد/بن جعفر تفرّد
بقول الزهري أخبرني سهل، وليس كذلك كما ذكر أبو جعفر في كتابه الناسخ
والمنسوخ، نا أحمد بن يونس ثنا محمد بن شاذان ثنا يعلى بن المبارك عن يونس
عن الزهري حدثنى سهل، وكذا ذكره يعني: ابن مخلد، فقال: ثنا أبو كريب، نا
ابن المبارك عن يونس به فيما ذكره أبو الحسن القطان وقال: إن صحّ ما ذكره كان
متصلا. وذكره الحافظ ضياء الدين في الأحاديث المختارة من حديث يونس عن
الزهري عنه، وذكر ابن الحصار في تقريب المدارك: أنّ أبا داود قال: النّاس
كلّهم رووه عن الزهري عن سهل إلا عمرو ابن الحارث فإنّه أدخل بينهما
رجلا، ويرون أنّ الرجل أبا حازم، وأمّا قول ابن حبان: لم أر أحدا في الدنيا
رواه عن سهل إلا أبا حازم. فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه من تصريح
الزهري بسماعه من سهل هذا الحديث، وفي لفظ الطحاوي مسنده إلى أبي
إنّما كان الماء من الماء في أول الإسلام، فلما أحكم الله الأمر نهي عنه، وقال
ابن أبي حازم: وعلى الجملة الحديث محفوظ عن سهل عن أبىِّ، وقال
البيهقي: أنبأ أبو علي بن شاذان، أنبا حمزة بن محمد بن العباس، ثنا الدوري
عن عثمان بن عمر، ثنا يونس الأيلي عن الزهري أنّ رجلا من الأنصار يتهم
أبا أيوب وأبا سعيد كانوا يفتون الماء من الماء، وأنّه ليس على من أتى امرأته
فلم ينزل غسل، فلما ذكر ذلك لعمر ولابن عمر وعائشة أنكروا ذلك وقالوا:
" إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " فقال سهل بن سعد- وكان قد
أدرك النبي عليه السلام وهو ابن خمس عشرة سنة-: حدثنى أُبيِ بن كعب
فذكره، وقال الشّافعي: وإنّما بدأت بحديث أبي؛ لأنّ فيه دلالة على أنّه سمع
الماء من الماء من النبي/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمع خلافه فقال به: ثم لا أحسبه تركه إلا
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعده ما نسخه، قال: وهذا أثبت إسناد ورواه أبو شيبة في
مصنفه عن سهل بن يوسف، نا شعبة عن سيف بن وهب عن أبي حرب بن
أبي الأسود الديلي عن عميرة بن شربي عن أبي بن كعب قال: " إذا التقى
متلقاهما من وراء الختان وجب الغسل " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا الفضل
بن دكين عن هشام الدستوائي عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي(1/810)
هريرة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جلس الرجل بين شعبها الأربع، ثم جهدها
فقد وجب الغسل " هذا حديث أخرجوه (1) إلا الترمذي ولما رواه البخاري عن
معاذ بن فضالة ثنا هشام ح، وثنا أبو نعيم عن هشام قال: تابعه عمرو بن
مروان عن شعبة مثله يعني: المخرج عند مسلم عن محمد بن عمرو بن جبلة،
عن ابن أبي عدي وعن ابن المثنى عن وهب بن جرير كلاهما عن عمرو عنه
قال البخاري: وقال موسى: ثنا أبان ثنا قتادة أنبأ الحسن مثله يعنى المخرج عند
البيهقي من حديث عثمان وهمام بن يحيى عنه، ولفظه: " ثم أجهد نفسه فقد
وجب الغسل أنزل أو لم ينزل " وهو أسلم من حديث مطر عن قتادة، ولفظ
أبي داود: " التزق الختان الختان ". ولفظ أبي عبد الرحمن: " بين شعبها ".
ورواه أيضا من حديث أشعث عن ابن سيرين، ثم ذكر أنّ شعبة وهشام وأبان
وأبا عوانة رووا يعنى كما تقدّم، ولذلك قاله يزيد بن صريح (2) عن ابن أبي
عرفة عن قتادة وخالفه عبد الأعلى عن سعيد فأسقط أبا رافع، ووقفه ورواه
الليث عن قتادة مرفوعا لم يذكر أبا رافع وتابعه/سعيد بن بشير عن قتادة
ورواه حماد بن سلمة عن قتادة وحبيب بن الشهيد وحميد الطويل عن الحسن
عن أبي هريرة موقوفا، ورواه مطر عن الحسن عن أبي رافع مرفوعا لم يختلف
عليه، واختلف عن يونس بن عبيد فرواه نصر بن علي عن عبد الأعلى عن
يونس مثل رواية مطر، وخالفه حميد بن الحسن ومحمد بن مثنى فقالا: عن
عبد الأعلى عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا؛ ولذلك رواه يزيد بن
زريع وأبو مروان الغساني يحيى بن زكريا وشعبة تفرد به النّضر بن محمد عن
شعبة عن يونس مرفوعا لم يذكر أبا رافع، ولما ذكره ابن شاهين من هذه
الطريق قال فيه: صحيح غريب، قال أبو الحسن: ورواه الثوري مرفوعا بإسقاط
الحسن، ورواه جرير بن حازم بإسقاط الحسن عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه ابن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/80) ومسلم في (الحيض، 87، 88) وأحمد
(2/234) والدارمي (1/194) والدارقطني (1/113) وابن خزيمة (227) وشرح السنة (1/4)
والمشكاة (430) ونصب الراية (1/82) والخطيب (2/74) وتلخيص (1/134) والحلية (6/
275) والإرواء (1 / 163) .
(2) قوله: " صريح " وردت " بالأصل " " تصريع " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.(1/811)
جدعان وأبو هلال الراسبي وخالد بن رواح عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا،
وقال يحيى القطان والنضر بن شميل عن أشعث عن الحسن عن أبيِ هريرة
مرفوعا، وخالفهم عيسى بن يونس فرواه عن أشعث عن ابن سيرين مرفوعا،
ورواه عبد الأعلى عن هشام عن الحسن عن عائشة مرفوعا، ورواه عبد الأعلى
عن هشام عن الحسن عن عائشة مرفوعا، وخالفه مخلد بن حسين فرواه عن
هشام عن محمد بن أبي هريرة عن عائشة وكلاهما وهم، والصحيح عن
الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة، وفي لفظ عنده من طريق صحيحة
رجحها ابن القطّان على طريق مسلم؛ لأنّ طريقه فيها نظر وهذه سالمة مه:
" إذا غشي الرجل امرأته فكان بين شعبها الأربع، ثم اجتهد فقد وجب الغسل
أنزل أو لم ينزل " (1) . وفي كتاب الإسماعيلي وقاسم بن أصبع فيما ذكره عبد
الحق في الكبرى " والتزق الختان بالختان "، وفي لفظ لابن/أبي شيبة في
مصنفه: " إذا جلسها بين فروجها الأربع " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو
معاوية عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا التقا الختانان، وتوارت الحشفة؛ وجب الغسل " (2) . هذا حديث لو
قال قائل: إسناده جيّد لكان مصيبا؛ لما أسلفناه من حال حجاج بن أرطأة، وأنّ
العجلي قال فيه: جائز الحديث وأنّ ابن خزيمة قال: لا أحتج به إلا مما قال أنبا
وسمعت، وقال عطاء: هو سيد شباب أهل العراق، وقال الحاكم: وثقة شعبة
وغيره من الأئمة، وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: صدوق، وقال: ابن
عدي: يكتب حديثه، لكن يعارض هذا القائل فإنّ جماعة قالوا عنه: كان
يدلس عن العزرمي عن عمرو بن شعيب، وهذا الحديث مخرجه من حديث
محمد بن عبد الله العزرمي عن عمرو، فلعل ابن أرطأة: اشتبه عنه، ولو صح
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (2/28) والكنز (44859) والفتح (1/395) وعبد الرزاق
قلت: وهذه الروايات بألفاظ متقاربة المعنى. قلت: وطريق سند المصنف صحيحة من الضعف.
(2) صحيح، وإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/ 611) وأحمد (2/178) وابن أبي شيبة (1/89) .
قلت: وعلْته الحجاج بن أرطأة فهو مدلس. ولكن له شاهد صحيح رواه مسلم وغيره من
وجوه أخر.(1/812)
ذلك ما ذكره ابن وهب في مسنده أنبأ الحارث بن شهاب عن محمد بن عبيد الله
عن عمرو بلفظ: سئل أنس ما يوجب الغسل فقال: " إذا التقى الختانان، وغابت
الحشفة؛ وجب الغسل أنزل أو لم ينزل " (1) فصار هذا حديث في غاية الضّعف؛ لما
ذكرناه من حال العزرمي؛ ولهذا قال عبد الحق: وذكره من المدونة هذا إسناد
ضعيف جدا، والصحيح حديث مسلم (2) ، وذكره الطبراني في الأوسط من
حديثه عن عبيد الله بن محمد الصفار التستري، ثنا يحيى بن غيلان، ثنا عبد
الله بن مربع عن أبي حنيفة عن عمرو به، وقال: لم يرفعه عن عمرو بن
شعيب إلا أبو حنيفة، ولا عن أبي حنيفة إلا عبد الله بن مربع، تفرّد به يحيى
بن غيلان انتهى كلامه. وفيه/نظر؛ لما أسلفناه من غير أبي حنيفة رفعه والله
تعالى أعلم، وفي الباب حديث رافع بن خديج: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر به
فناداه؛ فخرج إليه فمشى السعة حتى المسجد، ثم انصرف فاغتسل ثم رجع
فرآه النبي عليه السلام، وعليه أثر الغسل فسأله النبي عليه السلام عن غسله؟
فقال: سمعت بذاك وأنا أجامع امرأتي فقمت قبل أن أخرج فاغتسلت فقال له
النبي عليه السلام: " إنّما الماء من الماء، ثم قال النبي عليه السلام: " ليس
ذاك إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل " (3) . رواه الطبراني في الكبير
من حديث رشدين بن سعد عن موسى بن أيوب عن سهل بن رافع بن حديج
عن أبيه به معاذ قال عليه السلام: " إذا جاوز الختان الختان فقد وجب
الغسل ". ذكره الشيرازي من حديث غندر عن عبد القدوس بن الحجاج أنبأ
ابن أبي مريم ثنا حبيب بن عبيد عنه، وحديث بلال بن رباح أنه قال للنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا رسول الله إذا خالطت أهلي فاختلفنا ولم أمن أغتسل؟ قال: نعم "
ذكره أبو القاسم في الأوسط (4) وقال: لم يروه عن بلال إلا شرحبيل بن
السمط، ولا عن شرحبيل إلا ابن محيرز، ولا عن ابن محيرز إلا علي بن أبي
__________
(1) إسناده ضعيف. نصب الراية (1/84) .
(2) قوله: " مسلم " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/ 264. 165) وعزاه إلى أحمد في
" مسنده " والطبراني في " الكبير " وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف.
(4) ضعيف. المصدر السابق (1/267) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد=(1/813)
جبلة تفرّد به حمزة بن ربيعة، وروى ذلك عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة
قال: " إذا غابت المدورة فقد وجب الغسل " رواه في المصنف (1) عن ابن علية عن
حبيب بن شهاب عن أبيه عنه، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله
قال: " أمّا أنا فإذا بلغت ذلك منها اغتسلت " ثنا وكيع عن مسعر عن عبيد بن
خالد عن علي وعن غالب بن الهديل عن إبراهيم عن علي قال: " إن جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل "، ثنا حفص عن حجاج/عن أبي جعفر قال:
اجتمع المهاجرون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أنّ ما أوجب الحدّ أو الجلد أو
الرجم أوجب الغسل، ثنا غندر عن شعبة عن أبي عبد الله الشامي قال:
سمعت النعمان بن بشير يقول في الرجل إذا كسل فلم ينزل قال: يغتسل، ثنا
ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: أمّا أنا فإذا
خالطت أهلي اغتسلت، قال النووي: وعليه الجماعة، قال ابن المنذر: وبه
قال شريح وعبيدة ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور
وأصحاب الرأي ومن تبعهم، ولا أعلم اليوم فيه من أهل العلم اختلافا وبه
نقول: قال أبو عمر: وقد قيل: معنى الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة؛
لأنّه لا يجب الغسل في الاحتلام إلا مع إنزال الماء وهذا مجتمع عليه، روى
شريك عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة "؛ لأنّه لا يجب الغسل في الاحتلام
إلا مع إنزال الماء، وهذا ما اجتمع عليه. روى شريك عن أبي الجحاف داود
بن أبي عوف عن عكرمة عن ابن عباس قال: " الماء من الماء في الاحتلام " (2) .
قال أبو عمرو: اختلف أصحاب داود في هذا فمنهم من قال بما عليه الجمهور،
__________
= بن إسماعيل بن علي الوساوسي وهو ضعيف.
(1) قوله: " المصنف " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 81. باب ما جاء أن الماء من الماء، (ح/112) .
وقال: سمعت ابن الجارود يقول: سمعت وكيعا يقول: لم نجد هذا الحديث إلا عند شريك.
وقال: وفي الباب عن عثمان بن عفْان وعلي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة وأبي أيوب وأبي
سعيد: عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " الماء من الماء ".(1/814)
ومنهم من قال: لا غسل إلا بإنزال الماء الدافق، وجعل في الإرسال الوضوء انتهى
كلامه. وفيه نظر لما ذكره عياض، ولا نعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا
الأعمش وداود بن على الأصبهاني فهذا يبين لك أنّ الخلاف ليس من أصحاب
داود، وقال أبو محمد: الأشياء الموجبة غسل الجسد كله إيلاج الحشفة، أو إيلاج
مقدارها من الذكر الذاهب الحشفة أو الذاهب أكثر من الحشفة في فرج المرأة الذي
هو مخرج/المولد منها بحرام أو بحلال إذا كان تعمّد أنزل أو لم ينزل، وممن روى
عنه الغسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن إنزال فذكر الذين ذكرهم ابن المنذر
وزاد الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وحمزة بن عمرو
الأنصاري، وأنكر البغوي في شرح السنة ذهاب سعد بن أبي وقاص إلى الغسل
وقال: وكذلك أبو أيوب وأبو سعيد الخدري ورافع بن خديع، وفي صحيح الجعفي
قال أبو عبد الله: الغسل أحوط، وذلك الأخر إنّما بيّنا اختلافهم. قال ابن التين:
رويناه بفتح الخاء وضبط في بعض الكتب بكسرها كأنه يقول: هذا الأخر من
فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو ناسخ لما قبله، وقال القاضي أبو بكر في قول البخاري:
والغسل أحوط: كأنّ البخاري يرى أنّ الغسل مستحب، وقال أبو الوليد بن
رشد في كتاب القواعد: لما وقع الإجماع أنّ مجاوزة الختانين يوجب الحدّ.
وقيل: هو أن يكون الموجب للطهر، وحكوا أنّ هذا القياس مأخوذ من الخلفاء
الأربعة، وقال ابن القصار: رجع التابعون، ومن بعدهم على الأخذ بحديث:
" إذا التقى الختان ". وإذا صحّ الإجماع بعد الخلاف كان مسقطا للخلاف
قبله، ويصير ذلك إجماعا، وإجماع الإعصار حجة عندنا كإجماع الصحابة،
قال النووي: ومنهم من حمل قوله: " الماء من الماء ". على ما إذا باشرها دون
الفرج، واختلف في الشعب الأربع، فقيل: هما اليدان والرجلان، وقيل:
الرجلان والفخدان، وقيل: الرجلان والشفّران، واختار عياض نواحي الفرج.
قوله. ثم جهدها، قال ابن العربي: هو من الجهد بفتح الجيم، قال الخطابي:
يعنى حضنها، وقال غيره: بلغ مشقها، وفي الإكمال: الأولى بلغ جهده في
عمله فيها، وهو إشارة إلى الحركة،/وقال ابن الأعرابي: الجهد من أسماء
النكاح. ولذا ذكره ابن القطان في كتاب أسماء النكاح؛ من تأليفه، قال
القرطبي: وعلى هذا يكون جهدها أي: نكحها، وقوله: فلم يمن يقال بضم(1/815)
الياء وإسكان الميم وهي اللغة الفصيحة ويقال: فتح الياء وبضم الياء مع فتح الميم
وتشديد النون حكاه عياض، يقال: أمنى منى إذا أنزل المنى قال تعالى: (أفرأيتم ما
تمنون) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/816)
75- باب من احتلم ولم ير بللا
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن خالد عن العمرى عن عبيد الله
عن القاسم عن عياش عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى
بللا ولم ير أنّه احتلم اغتسل، وإذا رأى أنه احتلم ولم ير بللا، فلا غسل
عليه " (1) . هذا حديث خرجه أبو عيسى (2) عن أحمد بن منيع ثنا حمّاد بن
خالد بلفظ: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد بللا ولا يذكر احتلاما، قال:
يغتسل ". وعن الرجل يرى أنه قد احتلم فلم يجد بللا قال: " لا غسل عليه "،
قالت أم سلمة: يا رسول الله، هل على المرأة ترى ذلك غسل؟ قال: " نعم إن
النساء شقائق الرجال " (3) . وقال: إنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر
وعبد الله ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث، ولماّ ذكره
الطوسي في أحكامه ضعفه بعبد الله العمرى، وكذلك ولما رواه أبو القاسم في
الأوسط عن حديث مقدام بن داود عن أبي الأسود عن عروة والقاسم بن
محمد عنها قال: لم يروه عن القاسم إلا عبيد الله بن عمرو/أبو الأسود فتفرد
عن عبيد الله آخره عبد الله وعن أبي الأسود وابن لهيعة انتهى وهو كلام
مخلص الترمذي؛ لأنّ بعضهم اعترض عليه برواية الأسود ولا يصلح ذلك؛
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 112. باب من احتلم ولم ير بللا، (ح/
112) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) إسناده ضعيف. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 82- باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى
بللا، ولا يذكر احتلاما، (ح/113) .
قال أبو عسى: وإنما روى هذا الحديث عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر: حديث عائشة
في الرّجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما. وعبد الله بن عمر ضعّفه يحيى بن سعيد من قبل
حفظه في الحديث.
وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بله أن يغتسل. وهو قول سفيان الثوري وأحمد. وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنّما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نُطفة. وهو قول الشافعي وإسحاق، وإذا رأى احتلاما ولم ير بلة فلا غُسل عليه عند عامة أهل العلم.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/ 236) وأحمد في " مسنده " (6/256) .(1/817)
لأنّ قوله تفرد به عبيد الله عن أخيه صحيح، ولو كان قال: تفرد به عبد الله
مطلقا لجاء عليه الاعتراض هذا والله تعالى أعلم، قال أبو عمر في الاستذكار:
وقد روى هذا المعنى يعني: وجد أنّ الماء في النوم ملخصا من أخبار الآحاد
العدول مرفوعا، ورواه عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة بلفظ: " إنما
النساء شقائق الرجال "، ولما ذكره الإشبيلي ردّه بالعجري المتقدّم الذكر، ثم
قال: وهذا اللفظ: إنّما النساء شقائق الرجال، وروى من حديث أنس بن مالك
إسناد صحيح، وقد روى ذلك أبو الحسن من فعله، وقال: والحديث المشار إليه
ذكره البزار فقال: ثنا عمر بن الخطاب ثنا محمد بن كثير ثنا الأوزاعي عن
إسحاق بن عبد الله عن أنس: جاءت أم سليم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
" يا رسول الله، المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام؟! فقالت أم سلمة فضحت
النساء يا أم سليم فقال: إذا رأت ذلك فلتغتسل فقالت أم سلمة: وهل للنساء
من ماء؟ قال: نعم إنّما من شقائق الرجال " (1) ، قال: وهذا حديث قد رواه
جماعة عن أنس، ولا يعلم أحد جاء بلفظ إسحاق عن أنس انتهى كلامه وفيه
نظر؛ من حيث تقديره كلام أبي محمد على صحة هذا الحديث ولا صحة
به؛ لأن راويه محمد بن كثير بن أبي عطاء الصغاني الثقفي مولاهم المصيصي
قال أبو جعفر العقيلي: هو من صنعاء دمشق، وقال أبو محمد بن الأكفاني:
هو من مصيصة دمشق وأنكر ذلك بعض العلماء وإن/كان الحسن بن الربيع
قال: هو اليوم أوثق الناس، وكان يكتب عليه ابن معين فقال: كان
صدوق (2) ، وفي رواية: ثقة وقال ابن سعد لشابا بالشّام ونزل المصيصة وكان
ثقة، وذكره ابن حبّان من الثقات وقال: يخطىء ويغرب. وقال صالح بن
محمد: حزرة هو صدوق كثير الخطأ فقد قال فيه البخاري: لين جدا وضعّفه
أحمد وقال: بعث إلى اليمن وأتى بكتابه فرواه، وقال عبد الله بن أحمد:
ذكره أبي فضعّفه جدا، وضعّف حديثه عن معمر جدا وقال: هو منكر
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/310) والنسائي (1/112، باب غسل المرأة ترى في
منامها ما يرى الرجل) والدارمي (ح/764) وأبو عوانة (1/290) .
(2) قوله: " صدوق " وردت " بالأصل " " صدرة " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/818)
الحديث، أو قال: يروى أشياء منكرة، وقال عبد الرحمن: سئل أبي عنه، فقال.
دفع إليه كتاب الأوزاعي من حديث كان مكتوبا ثنا محمد بن كثير فقرأه إلى
آخره يقول: ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي وهو محمد بن كثير المصيصي،
وأنّه حدّثه عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال: نظر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر
وعمر ... الحديث فقال: كنت اشتهي أن أرى هذا الشيخ، والآن لا أحب أن
أراه؛ ولذلك قاله علي بن المديني في علله الكبرى، وقال ابن سعد: ويذكرون
انه اختلط في آخر عمره، وقال ابن عدي: له روايات عن معمر والأوزاعي
خاصة لا يتابعه عليها أحد، وقال العقيلي: وقد حدث معمر بمناكير لا يتابع
منها على شيء، وذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء له، وقال ابن سعد:
توفي في أواخر سنة ست عشرة ومائتين في خلافة عبد الله بن هارون؛ ولذا
قاله الحافظ أبو يعقوب القراب بعد تضعيفه وزاد السبع عشرة مضت من ذى
الحجة زاد البخاري يوم السبت، وبنحوه ذكره ابن قانع في تاريخه ويعقوب بن
سفيان، وخالف أبو داود فقال: حكاه الآجري مات سنة ثمان عشرة أو سبع
عشرة، قال: ولم/يكن يفهم الحديث فتبيّن بهذا صحة ما قلناه والله تعالى
أعلم، قال أبو سليمان الخطابي: ظاهر الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى
البلّة (1) ، وإن لم يتيقّن أنّه الماء الدافق، وروى هذا القول عن جماعة من
التابعين منهم: عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن حنبل: أعجب أبي أن
يغتسل الرجل به، وقال أكثر أهل الأدب: لا يجب عليه الاغتسال؛ حتى يعلم
انه بلل الماء الدافق، واحتجوا أن يغتسل من طريق الاحتياط، ولم يختلفوا أنّه
إذا لم ير الماء وإن كان قد رأى في النوم أنّه أحتلم فإنه لا يجب عليه
الاغتسال، وقوله: النساء شقائق الرجال. عليه الاغتسال وقوله: " النساء شقائق
الرجل " أي: الظاهر هم وأمثالهم في الخلق والطباع فكأنهن تنقض من الرجال
ولا قد خلقت من آدم عليه السلام، وفيه من الفقه إثبات القياس، وإلحاق
حكم النظر بالنظير وأنّ الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء، وفيه
ما دل على فساد قول أهل الظاهر: أنّ من اعتق شركا له في جارية بينه وبين
__________
(1) قوله: " البلْة " بكسر الباء وتشديد اللام: الندوة وضبطها البعض بفتح الباء، وهو لحن.(1/819)
شريكه وكان موسرا؛ فإنه لا يقوم عليه نصيف شريكه ولا يعتق الجارية؛ لأنّ
الحديث إنّما ورد في العبد دون الأمة، والله تعالى أعلم.(1/820)
76- باب ما جاء في الاستتار عند الغسل
حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري وأبو جعفر عمرو بن علي الفلاس
ومجاهد بن موسى قالوا: أنبأ عبد الرحمن بن مهدى ثنا يحيى بن الوليد
أخبرني محل بن خليفة حدثني أبو الشيخ قال: كنت أخدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان
إذا أراد أن يغتسل قال: ولّنى فأولّيه قفاي أنشر الثّوب فأستره به " (1) /. هذا
حديث سبق الكلام على صحة سنده في باب بول الصبي الذي لم يطعم،
وسبق أنّ البزار قال في ذاك: لا نعلم أبا الشيخ روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا
الحديث، وذكر ابن ماجة بعده حديث أم هانىء في سبحة الضحى، وسيأتي
ذكره في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى. حدثنا محمد بن عبيد بن ثعلبة
الجماني ثنا عبد الحميد أبو يحيى الجحاني، ثنا الحسن بن عمارة عن امتثال بن
عمرو وعن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
يغتسلن أحدكم بأرض فلاة ولا فوق سطح لا يواريه؛ فإن لم يكن يرى فإنه
يُرى " (2) . هذا حديث جمع ضعفاء وانقطاعا عبد الحميد أبو يحيى الحماني
وإن وثّقه ابن معين وخرج عند البخاري في صحيحه، وقال ابن عدي: يكتب
حديثه فقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل، وقال ابن سعد: كان ضعيفا وشيخه
الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي مولاهم أبو محمد الكوفي روى عن
جماعة من التابعين وروى عنه جماعة كثيرة، وإن كان عيسى بن يونس قال
فيه: شيخ صالح، وقال الفلاس: رجل صالح صدوق، وأثنى عليه يزيد بن
هارون بما سنذكره بعد فقد قال البخاري: قال لي أحمد بن سعيد: سمعت
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/613) .
قوله: " ولنى " أي: ظهرك، وتولية القفا لئلا يقع نظره عليه.
(2) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة (ح/615) . في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف
الحسن بن عمارة. وقيل: أجمعوا على ترك حديثه. وأبو عبيدة قيل: لم يسمع من أبيه عبد الله
ابن مسعود وضعفه الشيخ الألباني. انظر: ضعيف الجامع (ص 917، ح/6356) ، والضعيفة (ح/ 4818) ، وضعيف ابن ماجة (ج/135) .
قوله: " أرض فلاة " أي: مفازة.(1/821)
النضر بن شميل عن شعبة قال: أفادى الحسن بن عمارة عن الحكم، قال
أحمد: أحسبه قال سبعين حديثا فلم يكن لها أصل، وقال لي عبد الله بن
محمد: قيل لابن عيينة: أكان ابن عمارة يحفظ؟ فقال: كان له فضل وغيره
أحفظ منه، وسئل عنه عبد الله بن المبارك فقيل: لم تركت حديثه؟ فقال:
خرّجه عندي سفيان، وسفيان الثوري وشعبة فيقول لهم: تركت حديثه، وفي
تاريخ / ابن المبارك: كان لا يحفظ، وفي لفظ: ما كنا نثق بحفظ الشيخ، وقال
أبو داود الطيالسي: قال لي شعبة في بيت جرير بن حازم فقل له: لك أن
تروى عن الحسن فإنه يكذب. قلت لشعبة: كيف ذاك؟ قال: ثنا عن الحسن
بأشياء لم يكن لها أصل، ويحدّث بأحاديث وضعها، وقال النضر بن شميل:
قال الحسن: الناس كلّهم في حل إلا شعبة، وقال أبو طالب: قال أحمد بن
حنبل: هو متروك الحديث؛ أحاديثه موضوعة لا يكتب حديثه، وقال ابن أبي
خيثمة عنه: ليس حديثه شيء، وفي رواية: يكذب، وقال مكي بن عبدان:
سمعت مسلما يقول: هو متروك الحديث، ومثله قاله عبد القوى في تاريخه
وعلى بن الجنيد والرازي، وقال عبد المؤمن بن خلف: سألت أبا علي صالح بن
محمد عنه فقال: لا يكتب حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو
حاتم: سمعت الحميدي يقول: رمس (1) على بن عمارة، وقال عبيد الله بن
علي بن المديني: سمعت أبي وذكره فقال. ما احتاج إلى شعبة فيه أمر ما بين
من ذلك فقيل له: كان يغلط فقال: نعم، وذهب إلى أنه كان يضع الحديث،
وقال الدارقطني: متروك الحديث، وقال أبو أحمد: ما أقرب قصة إلي ما قال
عمرو بن على أنّه كثير الوهم والغلط، وقد قيل: إنّ الحسن كان صاحب مال،
وتحول الحكم بن عيينة إلى منزله فخضه بما لم يخص به غيره وهو إلى
الضعف أقرب منه إلى الصدق، وقال ابن حبان: كان يدلس عن الثقات بما
يسمع من الضعفاء، ثم يسقط بسماع الضعفاء ويروى عن الثقات، وقال
الساجي: ضعيف الحديث متروك وقد ترك حديثه، سمعت ابن المثنى يقول: ما
سمعت يحيى ولا عبد الرحمن/يحدثان عنه بشيء، ولما ولى المظالم قال
__________
(1) قوله: " رمس ": دفنه وسوى عليه الأرض.(1/822)
الأعمش: ظالم ولى المظالم، فبعث إليه بأثواب ونفقة فلمّا أصبح قال: هكذا
ولى مظالمنا من يعرف حقوقنا، وقال ابن سعيد: كان ضعيفا في الحديث،
ومنهم ممن لا يكتب حديثه، وقال الحري: غيره أوثق منه وذكر الحاكم في
تاريخ نيسابوري قال يزيد بن هارون: الويل لشعبة والله إنّى لأخشى أن يكون
قد لقى ولا في الأخرة بما صنع بابن عمارة، وأنّ أهل بيت الحسن يدعون الله
تعالى عليه حتى الساعة، وكان والله خيرا من شعبة لو أنى وجدت أعوانا
لأسقطت شعبة، قال الحاكم: هذا كلام المشايخ الذين لا يعرفون الجرح
والتعديل فوالله شعبة كان على الحق في جرحه ابن عمارة، والحق معه وشعبة
إمام لا يسقط بكلام أحد من الناس، وهذا الكلام لا أعرف له راويا عن يزيد
غير إبراهيم بن عبد الله الرباطي ويقال: الحمال، وقال الطحاوي: قال جرير بن
عبد الحميد: ما ظننت أنى أعيش إلى زمان يحدّث فيه عن محمد بن إسحاق
ويسكت فيه عن ابن عمارة، وقال البزار: سكت أهل العلم عن حديثه، وقال
الجوزجاني: ساقط، وقال الفلاس: كثير الخطأ والوهم متروك، وذكر أبو جعفر
العقيلي في كتاب الضعفاء وقال أبو بشر الدولابي: ثنا عبد الله بن أحمد عن
أبيه قال: كان وكيع إذا وقفه على حديث ابن عمارة قال آخر عليه، قال أبو
بشر: وكان ابن عيينة يضعفه، ولما ذكره أبو العرب في كتاب الضعفاء قال:
قال لي مالك بن عيسى: إنّ أبا الحسن الكوفي ضعف ابن عمارة وترك أن
يحدّث عنه، وأمّا الانقطاع فهو فيما بين أبي عبيدة وابنه نصّ على ذلك شعبة
وعمر بن مرّة وأبو حاتم الرازي وأحمد بن حنبل في رواية الحضرمي/عن ابنه
عنه وقد تقدّم ذلك قبل، وفي الباب حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم قال
عليه الصلاة والسلام: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة
المرأة " (1) . وحديث ميمونة قالت: " وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء وسترته
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/74) وأبو داود في (الحمام، باب " 3 " والترمذي (ح/
2793) . وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. والبيهقي (7/38) وابن أبي شيبة (6/101)
والحاكم (1/158) ، وشرح السنة (9/02) ، والمشكاة (3100) ، والفتح (9/338) ، وابن خزيمة
(72) ، وابن عدى في " الكامل " (2/745) ، والكنز (13052) .(1/823)
واغتسل " (1) . رواه أيضا أبان. وحديث يعلى بن أمية: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى
رجلا يغتسل بالبراز، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " ان الله جل
وعز حيي ستير يحب الحياء والتستر؛ فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ". رواه أبو
داود (2) من جهة عبد الملك العزري عن عطاء عن يعلى، وخرجه الإمام
أحمد (3) بلفظ: " فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوارى بشيء ". ولما سئل ابن
أبي حاتم فقال: المتصل محفوظ. قال: ليس بذاك، وفي كتاب الخلال عن
أحمد: هذا حديث منكر، وقال الدارقطني: أنا أنكره؛ لأنهم رووه عن عطاء
مرسلا، ووصله أسود. وحديث أبي هريرة قال عليه السلام: " إذا اغتسل
أحدكم بعضا من الأرض، فمن استطاع أن لا يغتسل بعضا من الأرض فإن
كان لابد فاعلا فليخط خطا " (4) . قال أبو القاسم في الأوسط: ورواه من
حديث الزهري عن أبي سلمة عنه، ولا يروى هذا الحديث عن الزهري إلا
هذا الإسناد، تفرد به عبد المجيد بن أبي رواد يعني: عن مروان بن سالم عن
محمد بن عقيل عن الزهري. وحديث عائشة قالت: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن دخول الحمامات، ثم رخّص للرجال أن لا يدخلوها إلا في الإزار ". رواه
أبو داود (5) بسند جيد وإن خالف عبد الحق. وحديث عبد الله بن عمرو أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ستفتح لكم أرض العجم وتستخدمون فيها بيوتا
يقال لها: الحمامات فلا يدخلها/الرجال إلا بالأزر " (6) ، وذكره أيضا من
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/245) ، والترمذي (ح/103) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وابن ماجة (ح/589) ، والدارقطني (1/114) ، والبيهقي (1/177، 184) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/4012) ، والمشكاة (744) ، والجوامع (4809) ، وكحال (2/
52) ، وصفة (91) .
(3) رواه أحمد: (4/224) .
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/269) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط" وفيه مروان بن سالم وهو منكر الحديث.
(5) سنده حسن. رواه أبو داود (ح/ 4009) ، والبيهقي (7/308) .
(6) حسن. رواه أبو داود (ح/ 4011) ، والزفاف (60) ، والبيهقي (7/309) ، والموضح (1/
363) ، وحسنه الشيخ الألباني.(1/824)
حديث الإفريقي عن عبد الرحمن بن نافع عنه. وحديث طاوس عن ابن عباس
قال عليه السلام: " احذروا بيتا يقال له: الحمام. قالوا يا رسول الله، يبقى
الوسخ! قال: فاستتروا ". رواه البزار، وقال عبد الحق: هو أصح حديث في هذا
الباب على أن الناس يرسلونه عن طاوس، وأمّا ما خرجه أبو داود في هذا فلا
يصح منه شيء؛ لضعف إسناده. وحديث ميمونة قالت: " وضعت للنبي- عليه
السلام- ماء فسترته فاغتسل " (1) ذكره السراج في مسنده بإسناد صحيح عن
إسحاق بن إبراهيم أنبأ موسى الفارسي ثنا زائدة عن الأعمش عن سالم بن أبي
الجعد عن كريب عن ابن عباس عنها. وحديث ابن عباس قال: " كان عليه
السلام يغتسل من وراء الحجرات فما رأى عورته أحد قط " (2) وفي لفظ: " إن
الله نهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين
الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين: الغائط والجنابة والغسل، فإذا
اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجذمة حائط " (3) . رواه أيضا من
حديث حفص بن سليمان عن عكرمة بن يزيد عن مجاهد. وحديث أنس بن
مالك قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أراد أحدكم أن يدخل الماء لا يلق ثوبه حتى
توارى عورته في الماء ". رواه أحمد (4) من حديث ابن جدعان عنه وهو
معارض بقوله عليه السلام: " لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرا " (5)
__________
(1) مرسل. رواه البيهقي (7/309) والعلل (2209) والترغيب (1/144) والمجمع (1/277)
وعزاه إلى البزار والطبراني في " الكبير " إلا أنه نال: " قالوا يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض " ورجاله عند البزار رجال الصحيح إلا أن البزار قال: رواه الناس عن طاوس مرسلا.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/269) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه مسلم الملائي وقد اختلط في آخر عمره.
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/862) ، وعزاه إلى البزار وقال: لا يروى
عن ابن عباس إلا من هذا الوجه وجعفر بن سليمان لين، قلت: جعفر بن سليمان من رجال
الصحيح وكذلك بقية رجاله والله أعلم. فائدة: جعفر بن سليمان ليس هو الضبعي الذي
أخرج له مسلم وإنما هو حفص بن سليمان، وهو ضعيف بمرة فكأنه تصحف على الشيخ.
غريبة: قوله: " الخدم " الأصل، أراد بقية حائط أو قطعة حائط.
(4) رواه أحمد: (3/262) .
(5) ضعيف. رواه ابن عدي في " كامله "، وإتحاف السادة المتقين. (2/401) .(1/825)
ذكره أبو أحمد في كامله وضعفه، وروى عن ابن وهب عن ابن مهدى
عن خالد بن حميد عن بعض أهل الشّام أنّ ابن عباس لم يكن يغتسل في
بحر ولا بنهر (1) إلا وعليه إزار، فإذا سئل عن ذلك قال:/إن له عامرا.
وحديث الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن لا تجدوا
متواري، فإن لم تجدوا فليخط أحدكم كالدائرة ثم يسمى الله ويغتسل فيها "
رواه أبو داود (2) في كتاب المراسيل، وبسنده أيضا قال عليه السلام: " لا
يغتسلن أحدكم إلا وتريه إنسان لا ينظر البصر ". وهو قريب منه يعلمه.
وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده يرفعه: " إذا اغتسل أحدكم
فليستتر ولو بجوار ذكره " (3) . رواه السلمي في كتاب الطبقات من حديث
الدوري عن محمد بن يوسف الأشيب نا عاصم ثنا عبد السلام عنه.
وحديث برد عن مكحول عن عطية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه قال: " من اغتسل
بليل في فضاء فليتحارز على عورته، ومن لم يفعل فأصابه لمم فلا يلومن إلا
نفسه ". ذكره ابن بطال. وحديث أبي هريرة مرفوعا: " وكان موسى- عليه
السلام- يغتسل وحده ... " الحديث وفي موضع آخر: " كان موسى- عليه
السلام- حييا ستيرا لا يكاد أن يرى من جلده شيء " (4) . ولقائل أن يقول:
اغتسل موسى عليه السلام عريانا كان في خلوة بعيدة على بني إسرائيل
حتى رأوه عريانا فبرأه الله مما قالوا ويزيد ومرّ ما روى البخاري (5) : " أن
أيوب عليه السلام كان يغتسل عريانا " وهما من الذين أمر الله تعالى أن
يقتدى هم فيجوز لنا أن نغتسل عراة في خلوة لما ثبت في هذين الحديثين،
وما أسلفناه من الأحاديث في أنه لا يغتسل عريانا في خلوة تحمل على
__________
(1) قوله: " بنهر " وردت " بالأصل " " بنقص " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) مرسل. رواه البيهقي (1 / 199) وإتحاف (2/402) .
(3) روى طرفا منه. أبو داود في (الحمامات ح/4012) والنسائي (1/200) والبيهقي (1/
198) وجرجان (374) والكنز (27362) .
(4) المنثور (5/223) والشفا (1/294) والطبري (22/37) وابن كثير (6/474) والمجمع (7/
93) وعزاه إلى البزار وفيه علي بن زيد وهو ثقة سيء الحفظ، وبقية رجاله ثقات.
(5) صحيح. رواه البخاري في (الغسل، باب " 20 " والتوحيد، باب " 25 "،، والأنبياء، باب
" 2 ") والنسائي في (الغسل، باب " 7 ") وأحمد (2/314) .(1/826)
الاستحباب أو ترد رسالها وضعف سندها، وبهذا قال: مالك والشافعي
وجمهور العلماء إلا ابن أبي ليلى محتجا بما قدّمناه كذا ذكره ابن بطال
وفيه/نظر لما ذكره، وأبو البركات عبد السلام بن تيمية وقد نص أحمد
على كراهة دخول الماء بغير إزار قال إسحاق: والإزار أفضل لقول الحسن
والحسين- رضي الله تعالى عنهما- وقد قيل لهما في دخولهما الماء
وعليهما بردان، قال: إن للماء سكانا، قال إسحاق: وإن تجرّد رجونا أن لا
يكون إنه. وحديث جابر عن النبي- عليه السلام-: " لا تدخلوا الحمام إلا
بمئزر " (1) قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: الحسن بن بسر روى عن
زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر حديثين منكرين " زكاة الجنين " (2) ،
" ولا تدخلوا الحمام إلا بمئزر " فقلت له: هما عند حماد بن شعيب عن أبي
الزبير، فقال: حماد ضعيف. وحديث حبان بن حوزة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" نهينا أن نرى عوراتنا ". ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث
معاذ بن حسان عن إبراهيم بن محمد الأسلمي عن من حدّث سعد عنه ثم
قال: أمّا هو حبان بن حمزة صحف به ابن عبدان وغيره.
__________
(1) ضعيف. وتقدم انظر ص 824.
(2) ضعيف. رواه الخطيب (8/412) ، وإتحاف (6/70) ، والطبراني في " الصغير " (1/11) والخفاء (2/ 502) والعلل (1641) وابن عدي في " الكامل " (1/406، 2/443، 660، 733، 3/931، 1293، 4/1545، 6/2403) والحاكم (4/411) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 447، ح/3046) .(1/827)
77- باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي
حدثنا محمد بن الصباح أنبأ سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عبد الله بن الأرقم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أراد أحدكم الغائط وأقيمت
الصلاة فيبدأ به " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في صحيحه من حديث
مالك عن هشام بلفظ إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة وقال أبو
عبد الله وخرجه من حديث زهير عن هشام هذا حديث صحيح عن شرط
الشيخين ولم يخرجاه وله شهود بأسانيد صحيحة فذكر حديث ثور عن يزيد
بن شريح/عن أبي هريرة. وحديث عائشة المذكور في الصحيح، ولا معنى
لذكره عنده بإسناده إلا أن وهم فيه ولو أراد التنبيه عليه لذكره مقطوعا
كعادته، وقال في موضع آخر: هذا حديث صحيح من جملة ما قدّمت ذكره
من تفرد التابعي عن الصحابة، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح،
وقال في العلل: سألت محمدا عنه فقال: رواه وهب عن هشام عن أبيه عن
رجل عن ابن الأرقم فكان هذا أشبه عندي، قال أبو عيسى: رواه مالك وغير
واحد من الثقات عن هشام عن أبيه عن ابن الأرقم لم يذكروا فيه عن رجل،
وفي سنن أبي داود روى وهب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو حمزة هذا
الحديث عن هشام عن عروة عن رجل حدّثه عن ابن الأرقم، وأكثر الذين
رووه عن هشام قالوا كما قال زهير يعني: لسقوط الرجل، وقال أبو نعيم
الحافظ: رواه السخستياني والثوري وشعبة والحمادان ومعمر وابن عيينة وابن
إسحاق وهمام وزهير وزائدة ومرجا بن رجاء وأبو معاوية وحفص وابن نمير
وأبو شهر ووكيع وأبو أسامة ومحمد بن بشر وعبدة وأبو ضمرة في آخرين
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/616) وتجريد (654) والموطأ (159) وابن خزيمة (1652)
ومشكل (2/403) والأخيرين بلفظ: " إذا أراد أحدكم الخلاء وأقيمت الصلاة ".
وصححه الشيخ الألباني.(1/828)
مثله عن هشام، ورواه وهيب وشعيب بن إسحاق وابن جريج في بعض
الروايات عنه فقالوا: عن رجل. قال: ورواه أيضا أبو الأسود عن عروة بلفظ:
" إذا حضرت الصلاة وكان بأحدكم الغائط فليبدأ به، ثم ليصل بعد ولا يأتي
الصلاة وهو يدافع " (1) . رواه عن سليمان نا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى
ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الأسود به وخرجه إمام الأئمة في صحيحه من حديث
أيوب عن هشام بغير واسطة، ولفظه عن عبيد الله بن أرقم وكان يؤم قومه فما
قد/أقيمت الصلاة فقال: ليصل أحدكم فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إذا حضرت الصلاة وحضر الغائط فابدأو بالغائط " (2) . ورواه أبو علي في
أحكامه عن محمد بن عبد الله المقري عن ابن عيينة بلفظ: " وكان يؤم
أصحابه في سفر إلى مكة فأقيمت الصلاة ". وصححه ورجحه أبو حاتم الرازي
في كتاب العلل وصححه أيضا ابن حزم، وفي التمهيد لم يختلف عن مالك
في إسناده ولفظه، واختلف فيه عن هشام وبايع مالكا جماعة، وقال البزار: لا
نعلم ابن أرقم روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا، ورواه بغير واسطة أبو القاسم في
الأوسط من حديث زفر بن سليمان عن الثوري، وقال: لم يروه عن زفر إلا
عبيد الله بن أبي عنان من حديث قيس بن سعد عن هشام، وقال: لم يروه
عن قيس إلا جرير بن حازم، ولا عن جرير إلا ابنه وهب تفرد به محمد بن
عبد الكريم العبدي، وأمّا ما ذكره الحافظ ابن عساكر في كتاب الأطراف من
قوله: رواه ابن ماجة في كتاب الصلاة عن محمد بن الصباح أنبأ سفيان وقرره
على ذلك المزمى فيشبه أن يكون وهما منهما لما أسلفناه ولأني لم أر لهذا في
كتاب الصلاة، ذكر والله تعالى أعلم. حدثنا بشر بن آدم ثنا زيد بن الحباب نا
معاوية بن صالح عن السفر بن بشير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى أن يصلى الرجل وهو حاقن " (3) . هذا حديث إسناده
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم (1/257، 352، 4/66) ، وابن خزيمة (932) ، والكنز (20064) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) صحيح. وتقدم.(1/829)
صحيح على شرط ابن حبان يزيد بن شريح روى عنه حبيب بن صالح
ومحمد بن الوليد الزبيدي وأبو الراهوية وثور بن يزيد الكلاعي ويزيد بن
الحمصي،/قال: بقية بن الوليد هو من صالحي أهل الشام وثقة ابن حبان، وقد
تقدّم تصحيح الحاكم إسناد حديثه ولفظه عند أبي الحسن: " ولا يدخل بيتا إلا
بإذن، ولا يؤمن إمام فيخص نفسه بالدّعاء " (1) . والراوي عنه روى عنه عبد الله
ابن رجاء الشيباني أيضا، وإن كان الدارقطني قال: لا يعتبر به فقد وثّقه ابن
حبان وباقي من فيه حديثهم في الصحيح، وأمّا قول الدارقطني وسئل عنه
خالفه يعني: السفر ثور بن يزيد فرواه عن يزيد بن شريح عن أبي حيى يعني:
المؤذّن عن ثوبان عن النبي- عليه السلام- والله تعالى أعلم بالصواب. فليس
ترجيحا لأحد القولين على الآخر، ولو رجّح أحدهما على الآخر قلنا: يحتمل
أن يكون يزيد عنده في هذا حديثان، وإنّما ترجيح أبي عيسى حديث أبي حيى
على حديث السفر بقوله أثره، وقد روى هذا عن معاوية بن صالح عن السفر
عن يزيد عن أبي أمامة، وروى عن يزيد بن شريح عن أبي هريرة، وحديثه عن
أبي حيى أجود إسنادا وأشهر فليس حكما منه على حديث معاوية بضعف ولا
وهن كاله قال: هما جيّدان وأحدهما أجود من الآخر، وهذا موضوع اللغة
والعرف، ولكن لا جودة في إسناد الترمذي لكنه من حديث إسماعيل بن
عياش وإن كان من حديث عن الشّاميين، وقد قدّمنا ذكر من جوّد هذا
الحديث وسيأتي تكملته إن شاء الله تعالى. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو
أسامة عن إدريس الأدوي عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا
يقوم أحدكم إلى الصلاة وبه أذى " (2) . هذا حديث رواه أبو داود مطولا عن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود: (ح/09) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 379، ح/2465) . وقد عزاه الألباني إلى أبي داود
والترمذي من حديث ثوبان.
انظر: المشكاة 1070، وضعيف أبي داود 11.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/618) في الزوائد: رجال إسناده ثقات وابن أبي شيبة (2/
422) والكنز (20060) . وصححه الشيخ الألباني.(1/830)
محمود/ بن خالد ثنا أحمد بن علي ثنا ثور عن يزيد بن شريح عن ابن حيي
المؤذن عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم
الآخر أن يصلى وهو حقن حتى يتخفّف " (1) . قال: " ولا يحل لرجل يؤمن
بالله واليوم الآخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن
فعل فقد خانهم " (2) . وقال: هذا من سنن أهل الشام لم يشر لهم فيها أحد،
وخرجه أبو عبد الله في مستدركه من حديث شعيب بن إسحاق عن ثور عن
يزيد عن أبي هريرة مختصرا وصحح إسناده كما تقّدم، وفي الاستذكار زيادة
وهو حاقن جدا، قال أبو عمر: هو حديث ضعيف؛ لضعف إسناده منهم من
يجعله عن أبي هريرة ومنهم من جعله عن ثوبان، وأظن أبا عمر إنما رقى بحال
أبي حيي المؤذن، ويوضح ذلك ما قاله في التمهيد وروى يزيد بن شريح عن
أبي حيي عن أبي هريرة الحديث، وهو خبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم
بالحديث. وحديث أبي عبد الله المبدأ بذكره صحيح الإسناد على شرط،
والعجب من أبي عيسى كيف يحكم على حديث ابن عياش بالجودة على
هذا؟! اللهم إلا أن يريد حديث يزيد عن أبي حيي وهو الأشبه، والله تعالى
أعلم. وفي الباب حديث عائشة قالت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى وهو يجد في
بطنه شيئا ". ذكره أبو القاسم في الأوسط (3) وقال: لم يروه عن أبي معشر-
__________
(1) تقدم. قبل الحاشية السابقة ص 828.
(2) تقدم. قبل الحاشية السابقة ص 829.
(3) ضعيف. بلفظه. العلل (237) وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) بلفظ: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلى وهو يجد من الأذى شيئا ". وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وعلته أبو معشر السندي وهو:
نجيح أبو معشر السندي، مشهور، عن أصحاب أبي هريرة مشهور، ليس بالعمدة قال ابن معين: ليس بالقوي، كان أميا يُتقى من حديثه بالسند، وقال أحمد: " كان بصيرا بالمغازي ". وقال ابن مهدي " تعرف وتنكر ". وقال النسائي والدارقطني: " ضعيف ". وقال البخاري " منكر الحديث ". وروى عنه محمد بن بكار، وقال: تغير حتى كان يخرج منه الريح ولا يدرى. وقال ابن معين: " ليس بشيء ".(1/831)
يعني عن هشام بن عروة عن أبيه عنها- إلا محمد بن بكار الزبرقان، وحدث
المسور بن مخرمة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يصلين أحدكم وهو يجد من الماء
شيئا ". يعني: الغائط والبول. رواه أبو القاسم في الأوسط (1) من حديث
الزهري/عن عبد الله بن عبيد الله عنه قال: لم يروه عن الزهري إلا ابن أخيه
محمد بن عبيد الله تفرد به الواقدي. وحديث ابن موسى موقوفا: " لا يدافعن
أحدكم الغائط والبول " (2) . قال ابن أبي حاتم: أتاه عنه وابن أبي بكر بن عياش
رواه عن سليمان التيمي عن أسلم قال: قعد أبو موسى بحد سنذكرها فقال
أبي: أبو بكر يخطىء في هذا الحديث، إنما هو أسلم العجلي عن أبي قال:
فرأيته جعل أبو موسى يعلّم الناس سننهن ودينهم فقال: فرأيته (3) ولا يدافعن
أحدكم في بطنه غائطا ولا بولا فذكره مطولا، أنبأ به الشيخان فخر الدين
المعاري ونور الماراني قراءة عليهما، أنبأ عبد الرحمن بن مكي قراءة عليه أنا
جدي الحافظ قرأة عليه أنا أبو القاسم محمد بن محمد بن مخلد قراءة عليه،
أنبأ أبو علي الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا ابن علية فذكره. وحديث عمران
القطان عن هشام عن ابنه قال: أقام عبد الله بن عمر ذات يوم الصلاة فقال
لرجل من القوم: تقدّم فصلّ فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا كان
أحدكم زر فلينصرف فليتوضأ " (4) . ذكره أيضا وقال: لم يروه عن عمران إلا
محمد بن بلال. وحديث ثوبان عند أبي داود، ومن حديث حبيب بن صالح
عن يزيد بن شريح عن أبي حيي عنه بنحو حديث أبي هريرة وقال فيه
الترمذي: حسن. وقال في كتاب الفرد: الذي تفرد به من هذا الحديث أن
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه الواقدي وهو ضعيف.
(2) بنحوه رواه ابن عدي في " الكامل ": (6/2413) .
(3) قوله: " فرأيته " وردت " بالأصل " " قرأته " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتاه.
(4) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/89) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
و" الصغير " ورجاله موثقون.
غريبه: قوله: " زرا " أي: الذي حبس بوله.(1/832)
يخص نفسه بالدعاء، ورواه ثور عن يزيد عن أبي هريرة عن النبي- عليه
السلام، ورواه معاوية بن صالح عن السفر عن يزيد عن أبي أمامة. وحديث
أنس بن مالك/أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يصل أحدكم وهو يدافع
الأخبثين " (1) . ذكر أبو عمر في التمهيد: أنه روى عن مالك عن الزهري عنه
مناكير، وهو حديث لا أصل له من حديث مالك وهو باطل موضوع الإسناد.
وحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من وجد في بطنه زرا
فلينصرف حتى يفرغ من حاجته ثم يعود إلى صلاته ". ذكره الإمام أحمد في
مسنده (2) وقال ابن أبو حاتم: أما أرضى أن يكون هذا من كلام علي موقوف،
وقال أبو القاسم في الأوسط لا يروى عن على ولا هذا الإسناد تفرّد به ابن
لهيعة. وحديث سلمان قال: " من وجد في بطنه زرا من بول أو غائط
فلينصرف غير متكلم ولا واغ ". ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: وقال: هو
إسناد مقلوب، قال أبو عمر: اختلف العلماء فيمن صلى وهو حاقن فقال ابن
القاسم- عن مالك-: إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإنى أحبّه أن يعيد في
الوقت وبعده، وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن: يكره أن يصلى
وهو حاقن، وصلاته مع ذلك جائزة إن لم يترك شيئا من فراغها، وقال الثوري:
إذا خاف ألا يسبقه البول قدم رجلا وانصرف، وقال الطحاوي: لا يختلفون
انه لو شغل عليه بشيء من أمر الدنيا لم يستحب له الإعادة، وكذلك إذا
شغله البول، قال أبو عمر: أحسن شيء روى مسندا في هذا حديث ابن أرقم،
وحديث عائشة يعنى: " لا يصلى أحدكم بحضرة طعام " (3) وسيأتي في موضعه
إن شاء الله تعالى، قال: وحديث أبي حيي المؤذن- إن صحّ- كان معناه حاقنا
__________
(1) رواه البيهقي (3/72) والكنز (20072) . ورواه أبو داود (ح/89) وحسنه. بلفظ " لا
يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يُدافعه الأخبثان ".
(2) العلل: (185، 590) . وراجع الحاشية قبل السابقة.
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/67) والبيهقي (3/73) والفتح (2/242) والمشكاة (1057)
وتلخيص (2/321) ونصب الراية (2/101) وإتحاف (3/89، 39، 98، 181) والفتح (2/160، 9/
247) والمغني عن حمل الأسفار (1/156) ، 175) والمسير (9/167، 197)(1/833)
جدا لم يتهيأ له أكمل صلاته على/وجهها، وقد أسلفنا قبل من عنده نقطة
حاقنا جدا فلا حاجة إلى التحرص، وعن ابن عباس قال: لئن صلى وهو في
ناحية مني أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه، ذكره الترمذي وجاءت فيه
رخصة عن النخعي وطاوس وقال ابن عمر: الذي يقول به أنه لا ينبغي لأحد
أن يفعله فان فعله وسلمت له صلاته أجزأت عنه وبئس ما صنع، والله تعالى
أعلم.(1/834)
78- باب في المستحاضة التي قد عدّت أيام أقرائها قبل أن يستمر لها الدم
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قال: أنبأ أبو أسامة عن عبيد الله
بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت: " سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت: إني استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا، ولكن دعى قدر الأيام
والليالي التي كنت تحيضين " قال أبو بكر في حديثه: " وقدرهنّ من الشّهر ثم
اغتسلي، واستنفري بثوب وصلّى " (1) هذا حديث ظاهر إسناده صحيح لا علّة
فيه، وذاك أوقع المنذري حتى سكت عنه ولم يتكلّم إلا على رواية إذا خلفت
ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل، قال: وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول،
وأنا أعلم غفر الله له أن الحديث كله معلول بما رمى به هذه الرواية لا سيّما
وهو على كتاب أبي داود يتكلم وأبو داود هو المعلل للحديث يبيّن لك ذلك؛
ليسوق لفظه ثنا عبد الله بن سلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار
عن أم سلمة: أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فاستفتت/لها أم سلمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لتنظر عدد الليالي والأيام التي
كانت تحيض من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك
من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستنفري بثوب ثم لتصل " (2) . ثنا
قتيبة ويزيد بن خالد بن عبد الله نا وهب ثنا الليث بن سعد عن نافع عن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 115. باب ما جاء في المستحاضة التي قد
عدى أيام إقرائها قبل ان يستمر بها الدم (ح/623) . وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " واستنفري " الاستنفار: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنا،
وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها. فتمنع بذلك سيل الدم. وهو مأخوذ من ثفر الدابة،
الذي يجعل تحت ذنبها.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/274) والنسائي في (الطهارة، باب " 133، والحيض، باب " 3 ")
وأحمد (6/320) والدارمي (1/200) والبيهقي (1/332، 333، 334) والدارقطني (1/207،
217) وشرح السنة 2/142) وشفع (114) والمشكاة (559) وتلخيص (1/169) والحلية (9/
157) والشافعي (216، 311) .(1/835)
سليمان بن يسار: " أن رجلا أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر
معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل ". ثنا عبد الله بن سلمة ثنا
أنس الناس- يعني: ابن عياض- عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن
رجل من الأنصار: " أن امرأة كانت تهراق الدماء- قدر يعني: الليث- قال: فإذا
خلفهن وحضرت الصلاة فلتغتسل ". وساق معناه ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن
مهدي، ثنا صخر بن جرير به عن نافع إسناد الليث بمعناه، قال: " فلتترك الصلاة
قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتسد فرجها بثوب ثم تصل ". ثنا
موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن سليمان عن أم سلمة بهذه القصة
قال فيه: " فلتدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك تسد فرجها بثوب وتصل "،
قال أبو داود: سمى المرأة التي كانت استحاضت حماد بن زيد عن أيوب في
هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش فهذا كما رواه أبو داود (1) من أن
الحديث من طرقه كلها منقطع فيما بين سليمان وأم سلمة، وأنه لم يسمعه
منها فيختص بعض أنقاطه لعلة هي شاملة له كله لا وجه له والله تعالى أعلم،
وهذا هو الاصطلاح في الحديثين فإن الحكم للزائد؛ ولهذا أن أبا عمر لما ذكر
حديث مالك رواية/الليث في الصواب، وقال البيهقي: هذا حديث مشهور
أودعه مالك في الموطأ إلا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة، وقال الطحاوي:
هو حديث فاسد الإسناد لم يسمعه سليمان من أم سلمة، إنما حدثه عنها به
رجل مجهول، وفي علل الدارقطني: رواه عبيد الله ومالك عن سليمان عن أم
سلمة، ورواه موسى بن عقبة وابن أخيه عن إسماعيل بن إبراهيم عن نافع عنه
أن رجلا أخبره عن أم سلمة، ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى عن عقبة
عن مرجانة عن أم سلمة، وقال لصخر بن جويرية عن نافع عنه عمن لم يسمه
عن أم سلمة، ورواه ابن أرطأة عن نافع عنه مرسلا ورواه حماد بن زيد وابن
__________
(1) ضعيف. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 107. باب في المرأة تستحاض، ومن قال:
تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض، (ح/275) .
قلت: وعلته: (1) الانقطاع فيما فين سليمان وأم سلمة.
(2) وأن سليمان لم يسمع من أُم سلمة.(1/836)
علية عن أيوب عنه أنّ فاطمة لم تذكر أم سلمة، ورواه قتادة عنه أن فاطمة بنت أبي
حبيش أسنده عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي سننه رواه عبد الوارث عن أيوب عنه بغير
واسطة قال: ورواه وهب عن أيوب كذلك، وكذا ذكره ابن الحصار في تقريب
المدارك. وحديث هشام عن أبيه (1) عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش
أصح من هذا، وأمّا قول الدارقطني: عن صخر عمن لم يسمه بعد قوله: ورواه
ابن عقبة، وابن أخيه عن رجل مميزا بين اللفظين وإن كان لعلهما واحدا، فقد
وقع لنا حديث صخر في كتاب مسائل عبد الله لأبيه أحمد ثنا بن مهدى عن
صخر ابن جويرية عن نافع عن سليمان: أنه حدّثه رجل عن أم سلمة فذكره،
وبنحوه ذكره ابن الجارود. وأما قوله: أنّ موسى أدخل في حديثه عن نافع
رجلا فقد أبى ذلك أبو العباس السراج، فذكره في مسنده/عن إسحاق بن
إبراهيم قال: قلت لأبي قرة: اذكر موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان عن أم
سلمة الحديث فأقر به؟ وقال: نعم، كذا نقله من أصلنا الذي هو بخط ابن
الجيّار الحافظ واستظهرت (2) شيخه أخرى قديمة، والذي في سنن قرة
السكسكي كما قاله الدارقطني، والله تعالى أعلم. قال البيهقي: وحديث
هشام عن أبيه عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش أصح من هذا يعني:
قول أبي داود هما حماد والمرأة فاطمة، قال له البيهقي: وفيه دلالة على أنّ
المرأة التي استفتت لها أم سلمة غيرها، ويحتمل إن كانت تسميتها صحيحة
في حديث أم سلمة أنّها كانت لها حالتان في مدة استحاضتها حالة يميز فيها
بين الزمنين، وحالة لا تميز فيها بين الزمنين، وروى أبو سلمة هذا الحديث عنها
دون التسمية أنبأ أبو عبد الله ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن إسحاق
ثنا إسحاق بن محمد العزرمي أنبأ عبد الله بن عمر عن النّضر عن أبي سلمة
عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في المستحاضة: " تنظر عدد الأيام التي كانت
تحيضهن ثم تغتسل وتصلى " (3) . وبنحوه قال الخزرجي في كلامه على الموطأ،
__________
(1) قوله: " أبيه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، باب (107) ، (ح/274) .(1/837)
وذكر القشيري: أنّ أسد بن موسى رواه عن الليث كرواية مالك، ورواه أسد أيضا
عن أبي خالد الأحمر عن ابن أرطأة عن نافع كذلك، وهو مخالف لما أسلفناه عن
حجاج من عند الدارقطني، وأما اقتصار الدارقطني أنّ مالكا، وعبيد الله روياه عن
نافع عن سليمان عنها، فقد ذكر ابن الجارود: أنّ يحيى بن سعيد وغيره تابعوا
مناكير عبيد الله، وذكر ابن وهب في مسنده ثنا مالك والليث بن سعد وابن
سمعان عن نافع عن سليمان عن أم سلمة/فذكره، وذكر الحربي في علله: أنّ
تسعة من أصحاب نافع رووه، فأدخل ليث وجرير به وصخر وموسى بن عقبة
ابن سليمان وأم سلمة رجلا مجهولا، ولم يذكر هذا الرجل عبيد الله ومالك
وحجاج وجرير، ورواه أيوب عن سليمان ورواه عن أيوب خمس لم يقل عن
أم سلمة- إلا وهب وابن أبي عروبة- وأرسله الباقون، ولم يسمعه سليمان
من أم سلمة بينهما رجل مجهول لم يسم إلا أنهم ذكروا الإقراء- وجعلوه
حيضا وذكرو الأسفار، وأمّا قول ابن ماجة: وقال أبو بكر في حديث إلى
آخره، فقد أخلّ من حديثه بشيء وذلك أنه رواه عن المصنف والمسند عن ابن
نمير وأبي أسامة ثم قال: إلا ابن نمير وأنه قال: أنّ أم سلمة استفتت النبي
فقالت: امرأة تهراق الدم فقال: " تنظر قدر الأيام والليالى التي كانت تحيض أو
قدرهن من الشهر ". ثم ذكر مثل حديث أبي أسامة حدثنا علي بن محمد وأبو
بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن
الزبير عن عائشة قالت: " جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
يا رسول الله إنّى امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ ما إنّما ذلك عرق
وليس بالحيضة فاجتنبي الصلاة أثر محيضك ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة
وإن قطر الدّم على الحصير " (1) . حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسماعيل بن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/84) ومسلم في الحيض، ح/62) وأبو داود (ح/
282) والترمذي (ح/125) والنسائي (1/124، 184، 186) وابن ماجة (621) وعبد الرزاق
(1165) وابن أبي شيبة (1/125، 126) ومعاني (1/103) والحاكم (4/56) وشفع (115)
وتلخيص (1/167) وابن سعد (8/17) والحميدي (160) والجوامع (7700) وأبو عوانة (1/
319) والموطأ (61) والصحيحة (301) .
غريبه: قوله: " استحاض " الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه. وانه يخرج من عرق يقال له: العاذل. و" عرق " هذا العرق هو المسمى بالعاذل. و" أدبرت " المراد بالإدبار=(1/838)
موسى ثنا شريك عن أبي القطان عن عديّ بن ثابت عن أبيه عن جدّه عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة
وتصوم وتصلى ". هذان الحديثان لماّ خرجهما أبو داود (1) قال: وحديث
عدي،/والأعمش عن حبيب وأيوب أبي العلاء- يعني: عن ابن شبرمة- عن
امرأة مسروق عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل حديث حبيب كلها ضعيفة لا
تصحّ، ودلّ على ضعف حديث الأعمش عن حبيب؛ أنّ هذا الحديث أوقفه
حفص ابن غياث، وأنكر حفص بن غياث هذا الحديث مرفوعا، وأوقفه أيضا
أسباط عن الأعمش موقوفا على عائشة، ورواه أبو داود عن الأعمش مرفوعا
أوّله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كلّ صلاة، ودلّ على ضعف حديث
حبيب هذا؛ أنّ رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل
صلاة في حديث المستحاضة، وروى أبو اليقظان عن عدى عن أبيه عن أمّه،
وفي كتاب ابن العبد: ورواه أبو اليقظان عن أبيه وهو ضعيف جدا وعمار
مولى بنى هاشم عن ابن عباس، وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة
وفراس ومجالد عن الشعبي حديث قمير (2) عن عائشة تتوضأ لكل صلاة.
ورواه داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة تغتسل كل يوم. وروى
هشام عن عروة عن أبيه: " المستحاضة تتوضأ لكل صلاة " " (3) . وهذه الأحاديث
كلها ضعيفة زاد ابن العبد أحاديث الوضوء- إلا حديث قمير وحديث عمار
مولى ابن هشام وحديث هشام بن عروة عن أبيه- والمعروف عن ابن عباس
الغسل، وفي موضع آخر قال يحيى ابن سعيد لرجل: احك عنى أنّ هذا
__________
انقطاع الحيض.
قلت: وقد علق الشيخ الألباني في " ضعيف الجامع " (ص 84، ح/624) وقال: " صحيح " إلا
قوله: " وإن قطر ... " انظر: الإرواء 208، وصحيح أبي داود 280، 312: ق.
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/281) من حديث طويل. وابن ماجة (ح/625) وابن عدي في
" الكامل " (4/1327، 5/1814) والمجمع (1/281) ونصب الراية (1/201، 202) .
وصححه الشيخ الألباني. قوله: " إقرائها " أي أيام حيضتها.
(2) قوله: " قمير " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) مسند ابن حبيب (2/40) ونصب الراية (1/202) .(1/839)
الحديث لا شيء يعنى حديث حبيب عن عروة، ولما خرج أبو عيسى (1) حديث
عدي قال: هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وسألت محمدا عن هذا
الحديث فقلت: جدّ عدى ما اسمه، فلم/يعرف محمد اسمه وذكرت له قول
يحيى بن معين أنّ اسمه دينار فلم يعبأ به، وقال في التاريخ الأوسط: حديث
عدي عن أبيه عن جدّه وعن أبيه عن على في المستحاضة لا يصح، وقال أبو
زرعة البصري في تاريخ دمشق: عمرو بن أخطب هو جدّ عدي بن ثابت
وعروة بن ثابت، وقال في العلل: سألت محمدا عنه فقال: لا أعرفه- إلا من
هذا الوجه وقلت لابن معين: هو عدى بن ثابت بن دينار فلم يعرفه ولم يعدّه
شيئا، وفي كتاب الاستيعاب: دينار الأنصاري أفرد الرواية عنه ثابت وهو جدّ
عدى بن ثابت حديث في المستحاضة يضعفونه، وفي كتاب الطوسي: جدّ
عدي مجهول لا يعرف، ويقال اسمه دينار ولم يصح، قال الحافظ ضياء
الدين: وقد ضعف غير واحد هذا الإسناد لأجل أبي اليقظان، وفي كتاب
الطهارة لابن أبي داود قال: حديث عدى بن ثابت معلول، وفي أفراد
الدارقطني تفرد به شريك عنه، وفي إيضاح الأشكال لأبي الفضل المقدسي أنبا
أبو سعد أنبا البرقاني (2) قال: قلت لأبي الحسن شريك عن أبي اليقظان عن
عدى بن ثابت عن أبيه عن جدّه كيف هذا الإسناد قال: ضعيف قلت من
جهة من؟ قال: أبو اليقظان ضعيف، قلت: فترك، قال: لا يخرج ورواه الناس
قديما قلت له: عدي بن يزيد الخطمي وثابت من قال قد قيل ابن دينار، وقيل:
انه، يعني جدّه أبو أمّه عبد الله بن يزيد الخطمي، لا يصح من هذا كلّه شيء،
قلت: فيصح أنّ جدّه أبا أمّه هو عبد الله، بن يزيد الخطمي قال: كذا زعم
ابن معين. انتهى كلامه، ويفهم منه تفرد ابن معين بما ذكره وليس كذلك
لمتابعته على قوله من ذلك أنّ ابن حبان لما ذكره قال عدي بن/ثابت
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/126) وابن ماجة (ح/625) عن أبي بكر بن أبي شيبة
وإسماعيل بن موسى. والدارمي (1/202) عن محمد بن عيسى. وأبو داود (1/120.119)
عن محمد بن جعفر بن زياد وعثمان بن أبي شيبة: كلْهم عن شريك، وهو شريك بن عبد الله
النخعي قاضي الكوفة. وصححه الشيخ الألباني.
(2) قوله: " البرقاني " وردت " بالأصل " " البراني " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.(1/840)
الأنصاري: يروى عن البراء إلى أمه عبد الله بن يزيد، وقال ابن أبي حاتم عدي بن
ثابت الأنصاري وجده أبي أمّه عبد الله بن يزيد ومعهما على ذلك غير واحد.
منهم الباجي والكلاباذي، وأما قول ابن الجسد فيما ذكره أبو موسى المدني في
كتاب الصحابة من تأليفه عندما يرجم بابن ثابت وقال: هو عدي بن ثابت بن
عازب بن أخي البراء بن عازب فلم يصنع شيئا؛ لأنه لم يجد له متابعا، ولأنّ
جماعة مثيرة في بنى طفر من ولد قيس بن الخطيم الشّاعر كذا ذكره الكلبي
وأبو عبيد بن سلام وابن حزم وأبو عمر والمبرد، وزعم أبو نعيم الحافظ: أن
اسم جده قيس الخطمي وهو على مخالفة الحماء الفقير أقرب إلى الصواب،
وأما ذكره الحافظ المنذري أنّه لا يعلم جدّه قال: وكلام الأئمة يدل على ذلك
فغير صواب، وأمّا ما قاله الحافظ الدمياطي أنّ صوابه عدى من أبان بن ثابت
فلعمري يحتمل أن يكون جيدا لولا قول ابن سعد في كتاب الطبقات، وولد
ثابت بن قيس بن الخطيم أبانا وأمّه أم ولد وعمر أو محمد أو يزيد قتلوا يوم
الحرة جميعا، وليس لهم عقب، فهذا كما ترى ابن سعد جزم بأن أبانا لا
عقب له، وبمثناه ذكره ابن الكلبي في جمهرة الجمهرة، ثم ذكر ابن سعد عديا
في طبقات الكوفيين وسمى إياه ثابت إلا الجماعة، وخرج ابن ماجة حديثا في
كتاب الصلاة عن عدى بن ثابت عن أبيه عن جدّه، وقال: أرجو أن يكون
متصلا وهذا قال الحربي في كتاب العلل ليس لجد عدى بن ثابت صحة،
وقال السرى في تاريخه: لم نجد من يعرف جدّه معرفة صحيحه ذكر بعضهم
أنّه عدى بن ثابت بن قيس بن الخطمي وقيس لا يعرف له/إسلام، وقيل: إنّ
جدّه لأمه عبد الله بن يؤيد الخطمي، كذا جاء في الحديث، ولا ينبغي أن
ينسب إلى جدّه لأمّه، فينبغي أن يوقف وينسب ويترك الحديث على ما روى
والله تعالى أعلم، ولا معدل عن هذه الأقوال إلا بقولين لا يتطرّق إليه
الاحتمال، ويشبه أن يكون الموضع له رواية عن أبيه عن جدّه، وجدّه على هذا
يكون قيسا الشاعر ولم يسلم هو أيضا عدل، يعارضه قول ابن سعد المذكور،
وأبي عمر: لا أعلم لثابت هذا رواية، ويؤيّده عدم وجداني أبانا في كتاب من
الكتب مذكورا، والذي يتجه من هذه الأقوال على ما فيه قول أبي نعيم أو
قول ابن معين كلاهما، ولأن قيسا الخطمي معروف في الصحابة ويعرب بجد(1/841)
عدي، وكذلك دينار فيما ذكره أبو عمر وابن رافع وابن أبي حاتم الرازي وفي
كتاب الحيض لأحمد أنبأ شريك عن أبي اليقظان عن عدى عن أبيه عن على
مثله، وكذا هو في كتاب المصنف، وفي سؤالات مهنأ سألت أبا عبد الله عن
حديث الأعمش عن حبيب عن عروة في المستحاضة فقال ليس بصحيح، قال
قلت: من قبل من الخطأ، قال: من قبل الأعمش؛ لأن حبيبا لم يحدّث عن
عروة بن الزبير بشيء. قال: قلت لأحمد: قال يحيى بن سعيد هو شبه لا
شيء، قال: نعم هو كذلك، وقال الدوري: سمعت يحيى قال أبو بكر بن
عياش بالكوفة- إلا ثلاثة أنفس حبيب وحماد بن أبي سليمان- قلت ليحيى:
حبيب قال: نعم. إنّما روى حديثين أظن يحيى يريد معد ويعني المستحاضة
والقبلة، وفي كتاب السنن الكبير للبيهقي، وأمّا رواية حبيب في شأن فاطمة
فإنها ضعيفة، وقال في المعرفة: وهذا حديث ضعيف ضعّفه يحيى بن سعيد
القطّان وابن المديني وابن معين وسفيان الثوري (1) ، وحبيب لم يسمع من عروة
بن الزبير شيئا، وقد تقدم في باب القبلة من أمر هذا الحديث شيء كثير، وأنّ
أبا داود ثبت لحبيب سماعا/من عروة بن الزبير عن عائشة، ولذا شبه وكيع
عند ابن ماجة عن الأعمش وإن ثبت هذا فيكون إسناده صحيحا على شرط
الشيخين، وأصله في الصحيحين بلفظ: أن فاطمة سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
" إنى استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة. قال: لا إنّ ذلك عرق ولكن دعى
الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلى " (2) . وفي لفظ:
" ما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب
قدرها فاغسلي عنك الدم وصلى ". وذكر الدارقطني أنّ محمد بن عمرو بن
علقمة رواه عن الزهري، فأتى به بلفظ أغرب فيه وهو قوله: " ان دم الحيض دم
أسود يعرف " (3) . وفي كتاب المسائل لعبد الله قال: سمعت أبي يقول: كان
ابن أبي عدي ثنا بهذا عن عائشة ثم تركه بعد، وقال الحاكم: هذا حديث
__________
(1) قوله: " للثوري " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. متفق عليه. وقد تقدم من أحاديث الباب.
(3) ضعيف. رواه النسائي (1/123، 185) ومشكل (3/306) والدارقطني (1/207)
والبيهقي (1/325) بلفظ: " ان دم الحيضة أسود ".(1/842)
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال أبو حاتم: لم يتابع ابن عمرو على هذه
الرواية، وقال ابن القطان: وهذا فيما أرى منقطع، وذلك أنه حديث انفرد بلفظ
محمد بن عمرو عن الزهري عن فاطمة: " إنها كانت تستحاض ". فهو على هذا
منقطع؛ لأنّه قد حدّث مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه عن عائشة فيما بين عروة
وفاطمة فاتصل، فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة، أعني. أن يحدّث به من
حفظه مرسلا ومن كتابه متصلا، فأمّا هكذا فهو موضع نظر، وأبو محمد إنّما ساق
الرواية المنقطعة؛ فإنّه ساقه عن فاطمة فالمتصلة إنما هو عن عائشة أنّ فاطمة، وإذا
نظر هذا في كتاب أبي داود وتبيّن منه أنّ عروة إنّما أخذ ذلك عن عائشة/لا من
فاطمة، هذا ولو قد رأى أنّ عروة يسمع من فاطمة، وقد يظن به إسماع منها
بحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكر بن عبيد الله عن المنذر عن
عروة أنّ فاطمة حدّثته أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فشكت إليه الدم فقال لها:
" إنما ذلك عرق ". الحديث، وهذا لا يصح فيه سماعه منها؛ للجهل بحال
المنذر، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه فقال: مجهول ليس بالمشهور، ذكره
هكذا أبو داود وهو عند غيره معنعن لم يقل عنه أنّ فاطمة حدّثته، ولذلك
حديث سهل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة قال حدثتني فاطمة أنها
أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها أمرت فاطمة الحديث فإنه مشكوك في
سماعه إياه من فاطمة أو أسماء وفي متن الحديث ما أنكر على سهل وعدمها
ساقه حفظه وطهر أثر بغيره عليه وكان قد تغيّر ذلك أنه أحال فيه على الأيام،
وذلك أنّه قال: فأمرها أن تقعد، والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم
والقروء عن عروة فيه رواية أخرى لم يشك فيها بأن التي حدّثته بنى أسماء
رواها علىّ بن عاصم عن سهيل عند الدارقطني فيرى قصتها إنّما يرويها عروة
أما عن عائشة وإمّا عن أسماء، وقد قلنا أنه ولو صح أنّ عروة بينها وبينه فيه
عائشة، وزعم ابن حزم: أنّ عروة أدرك فاطمة ولم يستبعد أن يسمعه من حاله
ومن ابن عمه، وهذا عندي غير صحيح، ويجب أن يزاد في البحث عنه،
وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب ابن أسد وعروة بن الزبير بن العوام بن
__________
= قلت: وقد ذكره المصنف قوله ابن القطان في هذا الحديث وقوله: أنه يرى أنه حديث
منقطع الإسناد.(1/843)
خويلد بن أسد فهي في تعدد (1) الزبير انتهى كلامه وفيه نظر من حيث غصبه
الجناية برأس سهيل في الإحالة/على الأيّام وليس هو بمنفرد بذلك لما في
صحيح البخاري (2) ثنا أحمد بن أبي رجاء أبو أسامة سمعت هشام بن عروة
أخبرني عن عائشة أنّ فاطمة سألت وفيه: " تدع الصلاة قدر الأيّام التي كنت
تحيضين فيها ". الحديث ... فهذا كما ترى الإحالة على الأيام من غير رواية فلا
مدخل لسهيل في هذا السند، وأمّا حجّه ابن حزم فليست جيدة؛ لأنه لم يرد
الحقيقة لتعزرّها والله تعالى أعلم، وفي رواية عند أبي داود عن أسماء قالت:
" قلت يا رسول الله: إنّ فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت ". الحديث قال أبو
داود (3) . رواه مجاهد عن ابن عباس لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين
الصلاتين وفي سؤالات أبي طالب قال أحمد: وقيل له في حديث عائشة قال
عليه السلام لفاطمة: " وفي الصلاة أيّام اقرائك " (4) . فقال: هذا خطأ، كل من
روى أيام اقرائك فقد أخطأ، وعائشة تروى عن النبي عليه السلام اقرائك،
ومعنى الإقراء: الإطهار، وإّنما روى علقمة على ما سمع من عمرو أن أهل
الكوفة لا يعرفون إلا قول عبد الله فجعلوه الإقراء، والأعمش كان يضبط هذا
كأنّ الحيض عندهم الاقراء فرووه، وأمّا أهل المدينة فلا يقولون الاقراء إّنما
يقولون أيام حيضك: " وما كانت تحبسك حيضتك " (5) . وأمّا ما زعمه ابن
عساكر ومن بعده كالمنذري والقشيري وغيرهما: من أنّ ابن ماجة خرج
حديث عائشة هو والجماعة من حديث هشام عن أبيه عنها في الطهارة فيه
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".
(2) تقدّم من أحاديث الباب ص 842.
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1- كتاب الطهارة، 110. باب من قال تجمع بين الصلاتين
وتغتسل لهما غسلا، (ح/296) .
قال أبو داود: ورواه إبراهيم عن ابن عباس وهو قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد.
(4) تقدم. رواه القرطبي في " تفسيره " (2/10) وتلخيص (1/170) وابن كثير (1/397)
وكشاف (19) وشرح السنة (9/207) والدارقطني (1/212) .
(5) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/65، 66) وأبو داود (ح/279) والنسائي في
(الطهارة، باب " 331 "،، والحيض، باب " 3 ") .(1/844)
نظر؛ لأنّ ابن ماجة/يخرج فيه إلا حديث حبيب عن عروة المذكور قبل، وقال
ابن عبد البر: هذا الحديث أصح حديث روى في هذا الباب، وقاله أيضا أبو محمد
الإشبيلي، وقال ابن مندة في صحيحه بعد إخراجه/من حديث مالك عن هشام:
هذا إسناد مجمع على صحته، قال: وهو حديث مشهور عن هشام صحيح رواه
أيوب والثوري وشعبة وزائدة وابن نمير وسعدان بن يحيى وكلّها مقبولة على ذم
الجماعة، وقال أبو معاوية وحماد في حديثهما: قال عروة: يغتسل الغسل الأول، ثم
يتوضأ لكل صلاة، ولفظ أبي عوانة: " فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب
قدرها فاغسلي عنك الدم " (1) . وفي لفظ لابن مندة: " اغتسلي وصلى " (2) . وعند
الترمذي قال أبو معاوية في حديثه فقال: " توضئ لكل صلاة حتى يجيء ذلك
الوقت " (3) . وقال فيه: حسن صحيح، وعند الدارقطني: " فإذا أدبرت فاغسلي
عنك الدم ثم اغتسلي " (4) . زاد أبو معاوية قال هشام قال لي ثم: " توضئ لكل
صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". وفي لفظ لأبي عبد الرحمن: " فإذا أدبرت
فاغسلي عنك الدم وتوضئ، فإنما ذلك عرق وليس بالحيضة ". قيل له: فالغسل،
قال: ذلك لا شك فيه، وفي لفظ البيهقي: " فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئ ".
وضعف هذه اللفظة لمخالفة سائر الرواة عن هشام قال: ولم يذكر أحد عن
هشام وتوضئ إلا حماد بن زيد، وفي موضع آخر: ليس محفوظة، وفيه نظر لما
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/84، 87، 90) ومسلم في (الحيض، ح/62) وأبو
داود في (الطهارة، باب " 9 ") والنسائي (1/117) وأحمد (6/83 ن، 194) والبيهقي (1/
324، 325، 327، 329، 330، 136، 170، 331، 343) والحاكم (1/174) وتلخيص
(1/133) وإتحاف (2/384) والشّافعي (310) ومعاني (03/11) وابن أبي شيبة (1/125) .
(2) فتح الباري: (1/425) .
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/125) . وقال: هذا حديث حسن ورواه مالك في الموطأ (1/79
800) والبخاري من طريق مالك (1/308) . ورواه ابن سعد (8/178) عن وكيع بن الجراح،
والدارمي (1/198) عن جعفر بن عون. ورواه البخاري أيضا من طريق ابن عيينة وأبي أسامة
وزهير بن معاوية (1/357، 360، 363) كلهم عن هشام بن عروة. ورواه مسلم بأسانيد من
طريق هشام (1/103) . ورواه أبو داود (1/114.113) من طريق زهير ومالك عن هشام.
ورواه النسائي (1/45، 65) عن إسحاق بن إبراهيم عن عبدة ووكيع وأبي معاوية.
(4) رواه النسائي (1/181) ونصب الراية (1/203) وإتحاف (2/384) .(1/845)
ذكره ابن حبان في صحيحه من حديث أبي حمزة فذكر حديث أبو عوانة عنه
بها، ورواه من حقه أبي حمزة عن هشام به ثم قال: ذكر الخبر المرخص قول ابن
عمر: أن هذه اللفظة تفرد بها أبو حمزة، فذكر حديث أبو عوانة عنه بها، ورواه من
حفظه أبي حمزة السكرى عن هشام عن أبيه مرسلا بلفظ " فاغتسلي عند طهرك
وتوضئ عند كل صلاة " (1) . وروى الحسن بن زياد هذه اللفظة عن أبي حنيفة عن
هشام مرفوعا، قال البيهقي: والإشكال فيما حكاه عنه ابن الجوزي في التحقيق،
والصحيح أن هذه الكلمة من قول عروة مستدلين/بقول هشام قال: أي بم يتوضأ،
وليس ذلك بينّ في الأدراج لما أسلفنا قبل من حديث النسائي وغيره، ولما يأتي بعد
من عند الدارمي أيضا مقرون لا يمكن أن يقول هذا من نفسه، إذ لو قاله هو كان
لفظه: ثم يتوضأ لكل صلاة، ولم يقل توضئ مشاكلا لما قبله من لفظ الأمر والله
تعالى أعلم، ويفهم من قول البيهقي وروى اللؤلؤي تفرده بذلك، وليس الأمر على
توهمه كلامه فقد تابعه عن أبي حنيفة المقري " وأبو نعيم فيما ذكره الطحاوي
بلفظ: " فاغتسلي لطهرك ثم توضئ عد كل صلاة " (2) . وزر بن الهذيل فيما
ذكره الحافظ أبو الشيخ في فوائد الأصبهاني عن سالم بن عصام عن عمه
محمد بن المغيرة عن الحكم بن أيوب عنه، وتابع أبا حنيفة عليها أيضا يحيى
بن هاشم ورواه الحارث بن أبي أسامة عنه ثنا هشام وقال أبو عمر في التمهيد:
ورواية أبي حنيفة عن هشام عن أبيه عن عائشة مرفوعا لرواية يحيى بن هاشم
سواء، قال أبو عمر في التمهيد: " وتوضئ لكل صلاة " ولذلك " رواه حماد بن
سلمة عن هشام أيضا بإسناده مثله، وحماد في هشام ثبت، وفي موضع آخر:
وحديث فاطمة فيه ردّ على من أوجب الوضوء على المستحاضة، فإذا أحدثت
المستحاضة (3) حدثا معروفا لعقاد لزمها له الوضوء وأما دم استحاضتها فلا
يوجب وضوءا لأنه لدم الجرح السائل، وكيف يجب من أجله وضوء وهو لا
ينقطع، ومن كانت هذه من سلس البول والمذي لا يرتفع لوضوئه حدثا؛ لأنه
__________
(1) رواه البيهقي: (1/344) .
(2) الإرواء: (1/146) .
(3) قوله: " الاستحاضة " وردت " بالأصل " " الإحاضة " وهو تحريف والصحيح ما أثبتناه.(1/846)
لا يتهمه إلا وقد حصل ذلك الحدث في الأغلب انتهى كلامه، وفيه تناقض لما
أسلفنا من قوله: أن الوضوء في حديث عائشة صحيح، وهو من أطراف
حديث عائشة المذكور فلا يزداد/على من قال به والله تعالى أعلم، وأمّا قول
البيهقي أنّ أبا حمزة السكرى رواه عن هشام مرسلا فيشبه أن يكون وهما؛
لأن البستي ذكره في صحيحه فقال: ثنا محمد بن على بن الحسن سمعت
أبي ثنا أبو حمزة عن هشام عن أبيه عن عائشة أنّ فاطمة بنت أبي حبيش
فذكرها وفيه " فإذا أدبرت فاغتسلي وتوضئ لكل صلاة ". ثم قال: وروى ذكر
الحسين المرخص قول من زعم أنّ هذه اللفظة تفردّ بها أبو حمزة وأبو حنيفة،
أنبأ محمد بن أحمد بن النصر في عقب خبر أبي حمزة ثنا محمد بن علي
بن سفيان سمعت أبي ثنا أبو عوانة هشام عن أبيه عن عائشة سئل عليه
الصلاة والسلام عن المستحاضة فقال: " تدع الصلاة أيامها ثم تغتسل غسلا
واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة " (1) . وفي لفظ الإسماعيلي في صحيحه فإذا
أقبلت الحيضة فلتدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وتتوضئي لكل صلاة
ولفظ الدارمي وخرجه في مسنده عن حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة:
" فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئ وصلى ". قال هشام وكان أبي
يقول: " تغتسل الغسل الأوّل ثم ما يكون بعده ذلك فإنها تطهر وتصلى "، وفي
لفظ لأحمد (2) : " ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وصلى ". وأمّا قول الشّافعي
ذكر الوضوء عندنا غير محفوظ، ولو كان محفوظا كان أحب إلينا من
القياس، ذكره البيهقي وقال: هو كذلك ففيه نظر لما أسلفناها ولما في الأوسط
لأبي القاسم نا محمد بن المرزبان ثنا محمد بن حكيم الرازي نا هشام بن
عبيد الله نا ابن معاذ خالد البلخي عن محمد بن عجلان عن هشام عن أبيه
عن عائشة قال عليه السلام: " المستحاضة تغتسل مرة ثم تتوضأ يعنى لكل
__________
(1) تقدّم. رواه الترمذي (ح/126) والبيهقي (1/346) والمشكاة (560) ونصب الراية (1/
201، 202، 204) والطبراني في " الصغير " (2/149) والمسير (1 / 258) . ولفعل:
" تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم
وتُصلى " وبلفظ المصنف. انظر: الكنز (26747) .
(2) رواه أحمد: (6/204) .(1/847)
صلاة " (1) . وقال: لم يروه عن ابن عجلان إلا ابن معاذ تفرد به هشام، قال أبو
عمر: فيه دليل على أنّ المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل؛ لأن النبي لم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لا يأمرها بغيره، وفيه ردّ لمن رأى عليها الجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد،
والمغرب والعشاء بغسل واحد، ويغتسل للصبح؛ لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمر حابش
من ذلك في هذا الحديث، وفيه ردّ لمن قال بالاستظهار يومين أو ثلاثا وأقل أو
أكثر، غريبه أمّا القرء فذكر الأصمعي أن الحجازيين من الفقهاء ذهبوا إلى أنه
الطهر، وفي مذهب العراقيين: إلى أنه الحيض، وكل واحد من القولين شاهد
من الحديث واللغة، أمّا حجة الحجازيين من الحديث: فما روى عن عمر
وعثمان وعائشة وزيد بن ثابت- رضي الله تعالى عنهم- أنهم قالوا: الاقراء
الاطهار، وأمّا حجتهم من اللغة فقول ميمون:
وفي كل عام أنت جاسم ... غزوة تُشد لأقصاها غيرهم
غير إنكار مورثه مالا وفي الحي ... رفعة لما ضاع فيها من قروء لنا
وأمّا حجة العراقيين من الحديث بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمستحاضة: " اقعدي عن
الصلاة أيّام اقرائك". وأما حجتهم من اللغة فقول الزاجر: مأرب ذى ضعن
على فارض له قروء كقروء الحائض، قال ابن السيد وحكى يعقوب بن السكين
وغيره من اللغويين أنّ العرب تقول: أقرأت المرأة إذا طهرت وأقرأت إذا
حاضت، وذلك أنّ القرء في كلام العرب معناه الوقت، فلذلك صلح للطهر
والحيض معا، ويدل على ذلك قول مالك بن خالد الهذلي: شيت سيت القصر
عقر بيني شليل إذا هبت لقاربها الرياح، وقد احتج بعض الحجازيين لقولهم
بقوله تعالى: (ثلاثة قروء) فأثبت لها في ثلاثة، فدل ذلك على أنّه أراد
الاطهار، ولو أراد الحيض فقال ثلاث قروء فأثبت لها في ثلاثة فدّل ذلك على
__________
(1) رواه ابن عدي في " الكامل ": (6/2431) بلفظ: " المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر ".
والطبراني في " الصغير " وفيه " من قرء إلى قرء ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " بلفظ الطبراني (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " و" الصغير " من حديث ابن عمرو بن العاص، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس.
وقوله: " القرء " من الأضداد، يقع على الطهر وعلى الحيض، ولذلك اختلف الفقهاء فيه.(1/848)
أنّه أراد الاطهار، ولو أراد الحيض لقال تعالى ثلاث قروء من الحيض مؤنثة،
وهذا لا حجة فيه عند أهل النظر، إنما الحجة لهم فيما قدمناه/وإنما لم يكن
فيه حجة؛ لأنه لا شكّ أن يكون القرء لفظا يذكر يعنى به المؤنث، ويكون
يذكر ثلاثة محلا على اللفظ دون المعنى، كما يقول العرب: جاء في ثلاثة
أشخاص وهم يعنون نساء العرب فحمل الكلام تارة على اللفظ وتارة على
المعنى ألا ترى إلى قراءة " القرابلي قد جاءتك أيأتي بكسر القاف وفتحها، وفي
كتاب الأضداد ليعقوب: وقال أبو عمرو الشيباني: فقال دفع فلان إلى فلان
خازت مقبرها مشدّد مهموز يعنى أن تحيض عنده ويطهر للاستبراء وجمعه:
قروء، قال الأصمعي: ومنه يقال أقرأت الريح: إذا جاءت لوقتها، وأهل الحجاز
يقولون: ذهبت عنك القرء مخففة بغير همز يريدون وقت المرض، قال: ومن
جعله الطهر، احتج لقول أبي عبيدة: أقرأت النجوم بالألف معناه: غابت، وفيه
قروء المرأة فيمن زعم أنه طهرها لغيبة الدّم عند الطهر، لأنها خرجت من
الحيض إلى الطهر كما خرجت النجوم بين الطلوع إلى المغيب، وقالوا: ما
قرأت الناقة مدّا قط مقصور بغير ألف، ومنه قرأ ومن ذلك قرء المرأة فيمن زعم
أنه طهرها، قال يعقوب: وسمعت أبا عمرو الشيباني يقول: الاقراء أن يقرى
الحية سمها، وذلك إنّما تصونه أي تجمعه شهرا فإذا وفي لها شهرا قرأت
ومحت سمها، ولو أنها لدغت شيئا في أقرائها لم يظنه ولم يبل سمّها،
ويقال: قد أقرأ سُمّها إذا اجتمع وقوله: يستنفر قال الجوهري: استنفر الرجل
بثوبه إذا ردّ طرفه بيّن رجليه إلى حجرته واستنفر الكلب بدنه أي: جعله بين
فخذيه، قال الزبرقان بن بدر: تعدو الذباب على من لا كلاب له/ويبقى
مريض المستنفر الحامي، وقال الهروي: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة توثق
طرفها من حقب تشدّه على وسطها بعد أن تحثي كرسفا فيمنع بذلك الدم،
ويحتمل أن يكون مأخوذا من نقر الدابة تشدّه كما يشدّ الثفر تحت الذنب،
ويحتمل أن يكون مأخوذا من الثفر يريد به فرجها وإن كان أصله للسباع فإنه
استعير والله تعالى أعلم، وفي الإلباس أثفر الدابة مثفار يرمى لسرجه (1) إلى(1/849)
مؤخره، ومن المجاز استثفرت المستحاضة تلجمت، قال ابن عباس: والاستحاضة
هو جريان الدم من الفرج في غير أوانه من عرق يقال له العازل بخلاف
الحيض لخروجه من قعر الرحم.
__________
(1) قوله: " لسرجه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/850)
79- باب ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام حيضتها
حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة بن
الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: استحيضت
أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع سنين فشكت
ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذه ليست بالحيضة، وإنما هو عرق فإذا
أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلى، قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة ثم تصلى، وكانت تقعد في مركن لأختها زينب
بنت جحش حتى أنّ حمرة الدم لتلعو الماء ". هذا حديث خرجه الأئمة
الستة (1) ، وفي كتاب الدارقطني وقال الليث بن سعد عن يونس عن الزهري/
عن عمرة عن أم حبيبة: لم يذكر عائشة، ولذلك رواه معاوية بن يحيى عن
ابن شهاب ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عنه بلفظ: " أن زينب
بنت جحش استحيضت ". ووهم في قوله زينب، ورواه إبراهيم بن نافع وجعفر
ابن برقان عن الزهري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا، ورواه سهيل عن الزهري عن
عروة عن أسماء بنت عميس أنها استحيضت وقال الإمام العلامة أبو إسحاق
إبراهيم الحربي الصحيح قول من قال أم حبيب ملاها وأنّ اسمها حبيبة بنت
جحش، ومن قال أم حبيبة (2) أو زينب فقد وهم، والحديث صحيح من
حديث الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة، وكذلك قاله أبو الحسن البغدادي
الحافظ وقبلهما قاله الواقدي: بعضهم يغلط فيروى أنّ المستحاضة حبيبة بنت
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/327) ومسلم في (الحيض، ح/334) وأبو داود
(ح/ 288. 292) والترمذي (ح/129) وصححه. والنسائي (الحيض، باب ذكر الاستحاضة،
وإقبال الدم، وابن ماجة (ح/ 626) والدارمي (ح/ 768) وأحمد (6/194) والبيهقي (1/323،
325، 344) والدارقطني (1/206) والإرواء (1/213.146) .
غريبه: قوله: " مركن " إجانة يغسل فيها الثياب.
(2) قوله: " حبيبة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/851)
جحش ويظن أنّ كنيتها أم حبيبة وهي يعنى المستحاضة حبيبة أم حبيب بنت
جحش، وفي صحيح الإسفراييني: أنّ هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق
فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة واذا أدبرت فاغتسلي ثم صلّى، قالت عائشة
فكانت تغتسل عند كلّ صلاة وكانت تقعد في مركن " كذا أورده من حديث
بشر بن بكر عن الأوزاعي، وقال عقيبه ثنا إسحاق الطحان أنبأ عبد الله بن
يوسف ثنا أهشم بن حميد ثنا النعمان بن المنذر والأوزاعي وأبو معبد عن
الزهري بنحوه، وفي كتاب أبي داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن
الزهري بسنده: " استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن
عوف سبع سنين فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا
أدبرت فاغتسلي وصلى ". وقال أبو داود: لم يذكر هذا الكلام أحد/من
أصحاب الزهري غير الأوزاعي، وقد رواه عن الزهري عمرو بن الحارث
والليث ويونس وابن أبيِ ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن
إسحاق وابن عيينة لم يذكروا هذا الكلام، وإّنما هذا لفظ حديث هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة قال: وزاد ابن عيينة فيه أيضا أمرها أن تدع الصلاة
أيّام إقرائها وهو وهم من ابن عينية،، وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه
شيء من الذي زاد الأوزاعي في حديثه، وتابعه على هذا البيهقي انتهى، وفيما
سقناه من عند أبي عوانة يرد قوله، وذلك أنّ النعمان وأبا معبد وافقا الأوزاعي
وإن لم يسق لفظهما؛ لأن قوله ونحوه ليس صريحا في ذلك فنظرنا فإذا
النسائي ذكر لفظ الهيثم فقال: أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معبد وهو
حفص بن غيلان عن الزهري أخبرني عروة وعمرة عن عائشة
قالت: " استحيضت أم حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن وهي أخت زينب
بنت جحش واستفتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه فقال لها: إن هذه ليست بالحيضة،
ولكن هذا عرق فإذا أدبرت الحيضة، فاغتسلي وصلى وإذا أدبرت اتركي لها
الصلاة، قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تغتسل
أحيانا في مركن في حجرة أختها فتصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما يمنعها ذلك من
الصلاة " (1) . وخرجه الطحاوي بنحوه وزاد ولكنه عرق متعة إبليس، وروى أبو
__________
(1) تقدّم وهو حديث الباب ص 843.(1/852)
داود من حديث عكرمة أن أم حبيبة بنت جحش: " استحيضت فأمرها النبي
عليه السلام أن تنظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلى فإن رأت شيئا من ذلك/
توضأت وصلت ". قال أبو داود: وقال القاسم بن مبرور: وهو ابن أخت طلحة
ابن عبد الملك الأيلي عن يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم
حبيبة بشا جحش، وكذلك روى معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة
وربما قال معمر عن عميرة عن أم حبيبة بمعناه، ولذلك رواه إبراهيم بن سعد
وابن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة، وقال ابن عيينة في حديثه: لم
يقل أن النبي عليه السلام أمرها أن تغتسل نا محمد بن إسحاق بن المثنى ثنا
أبي عن زينب عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة: " أنّ أم حبيبة استحيضت
سبع سنين فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة ". ولذلك
رواه الأوزاعي قال فيه: قالت عائشة: " وكانت تغتسل لكل صلاة ". ورواه ابن
إسحاق عن الزهري به: " استحيضت أم حبيبة في عهد النبي عليه السلام فأمرها
بالغسل لكل صلاة ". ورواه أبو داود (1) والطيالسي، ولم أسمعه منه عن
سليمان بن كثير عن الزهري به فقال لها عليه السلام: " اغتسلي لكل صلاة ".
ورواه عبد الصمد عن سليمان قال: " توضئ لكل صلاة ". قال أبو داود: وهذا
وهم من عبد الصمد، والقول قول أبي الوليد، وفي المعرفة قال الليث: لم
يذكر ابن شهاب أنّ النبي أمر أم حبيبة أن تغتسل ولكنه شيء فعلته هي. قال
الشّافعي: ورواه غير الزهري فرفعه ولكنه عن عمرة والزهري أحفظ، وقد روى
فيه شيئا يدل على أن الحديث غلط وهو متروك الصلاة قدر إقرائها وعائشة
تقول: الاقراء طهارة وقد تقدم يعنى هذا عن أحمد من قبل، وقال الحربي:
روى هذا الحديث عن الزهري أحد عشر نفسا وقالوا: ستة أقاويل: الأول: قول
ليث وسليمان بن ليث/عن عروة عن عائشة، والثالث: قول ابن أبي ذئب:
__________
(1) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (109) ، (ح/292) . قال أبو داود ورواه أبو
الوليد الطيالسي ولم أسمعه منه: عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغتسلي لكل صلاة " وساق الحديث، قال أبو داود: ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: " توضئي لكل صلاة " قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد.(1/853)
عروة وعميرة، والرابع: قول الأوزاعي عن عمرة عن عائشة، وقد اختلف
أصحاب الأوزاعي، فقال الوليد كما قال: ليث، وقال أبو المغيرة: عروة وعمرة
فقال ابن أبي ذئب، والخامس: قول عمرة عن أم حبيبة، والسادس: قول يونس
ومعاوية عن أم حبيبة وأرسله إبراهيم بن نافع وجعفر، واختلفوا في اسم هذه
المرأة فقال: ليست أم حبيبة، ووافقه الأوزاعي ومعاوية وإبراهيم ويونس، وهؤلاء
وهموا عن الزهري، وقال سفيان حبيبة ووافقه إبراهيم بن سعد وابن أبي ذئب
ومعمر، وهذا هو الصواب هي حبيبة بنت جحش تكنى أم حبيب أخت حمنة
بنت جحش، وكانت ممن أوهم في اسمها عرال عن عروة وقتادة عن عروة
وأبو بكر بن محمد عن عروة عرال وقتادة وهشام، فلم يختلف أصحاب عرال
يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة (1) أنهما قالا: أم حبيبة، وكذا قاله قتادة،
فأما هشام فقال: شعيب وحماد عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت
زينب بنت جحش التي كانت تحت ابن عوف وزينب لم تكن تحته إنّما كانت
تحت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تستحاض، وقال ابن جريج عن هشام عن أبيه عن عائشة
عن زينب أنها رأت زينب بنت جحش مثل قول شعيب، وحماد زاد عن
عائشة، وقال المفضل عن هشام عن أبيه عن زينب عن أمها: أنّها رأت أم
حبيب بنت/جحش فزاد عن أنّها وأصاب في قوله أم حبيب، ورواه يزيد بن
حماد عن أبي بكر بن محمد عن عمرة فقال: أنّ أبي حازم عن أم حبيبة بنت
جحش، فأوهم أيضا وقال بكر بن نفير: عن أم حبيب فأصاب ووافقه ابن عمر
وعكرمة اللهم إلا أن تكون أم حبيبة وأم حبيب كان عندهم سواء، والصواب
من هذا كلّه قول من قال أم حبيب وهي زينب وحمنة المستحاضة أيضا إلا أن
أم حبيب حبيبة كانت لها أيّام معروفة، وحمنة ليست أيّامها أو اختلفت عليها،
وفي السنن للبيهقي عن عكرمة عن أم حبيبة أنها كانت تستحاض وكان
زوجها يغشاها، وعنه حمنة أنّها كانت مستحاضة وكانت زوجها يجامعها،
ويذكر عن ابن عباس أنه أباح وطئها وهو قول ابن المسيب أو الحسن وعطاء
وسعيد بن جبير وغيرهم، وقال عبد الله: سئل أبي عن وطئ المستحاضة فقال:
ثنا وكيع عن سفيان عن غيلان.
__________
(1) قوله: " ربيعة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/854)
80 - باب ما جاء في البكر أن إذا ابتدأت مستحاضة وكان لها أيام حيض ونسيتها
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون أنبأ شريك عن عبد الله بن
محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمّه عن عمران بن
طلحة عن أمه حمنة بنت جحش أنها استحيضت على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فأتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إنى استحضت حيضة بكرة شديدة قال لها:
أحشى كرسفا قالت له إنّه أشدّ من ذلك إنّي أثج ثجا قال: تلجمي وتحيضي
في كل شهر في علم الله ستة أيام وسبعة أيام ثم اغتسلي غسلا فصلى
وصومي ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين وأخرّى الظهر وقدمي العصر واغتسلي
لهما غسلا، وأخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي لهما غسلا وهذا أحب
الأمرين/إلي " (1) . هذا حديث لما رواه أبو داود عن زهير بن محمد بن أبي
سمينة وغيرهما نا عبد الملك بن عمر وعن ابن عقيل بلفظ: " أو أربعا وعشرين
وأيامها وصومي فإنّ ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض
النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهنّ وإن قويته على أن تؤخِّري
الظهر وتعجلي العصر فتغتسلي فتجمعين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين
المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين مع الفجر
فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا أعجب
الأمرين إلي " (2) . قال: وروى هذا الحديث عمرو بن ثابت عن ابن عقيل
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/627) وأحمد (6/440) وابن أبي شيبة (1/128) ومشكل
(3/300) وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " احتشى كرسفا " أي ضعيه موضع الدم لعله يذهب. و" الأثج " من الثج وهو جرى الدم والماء جريا شديدا. وجاء متعديا أيضا بمعنى الصب. وعلى هذا يقدر المفعول. أي: صب الدم، وعلى الأول، نسبة إلى دم نفسها للمبالغة، كأن النفس صارت عن الدّم سائل. و" تلجم " أي اجعلي ثوبا كاللجام للفرس. أي اربطي موضع الدم بالثوب.
(2) رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 109. باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة،
(ح/287) . قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة فقلت: هذا=(1/855)
قال: قالت حمنة: فقلت: هذا أعجب الأمرين. أبي: لم يجعله قول النبي عليه
السلام، وسمعت أحمد بن حنبل يقول: في الحيض حديث ثالث في نفسي
منه شيء يعني هذا، قال أبو داود وعمرو بن ثابت بن أمضى: حبيب غيّر لغته
وابن عقيل ضعيف أنبأ أحمد بن صالح عن عتبة بن صالح عن عتبة بن سعد
عن يونس عن الزهري عن عمرة عن أم حبيبة هذا الحديث وهي حمنة، وعن
زياد بن أيوب عن هشام عن ابن بشر عن عكرمة أن أم حبيبة استحيضت
بنحوه، ولما رواه أبو عيسى (1) عن ابن بشار عن العقدي قال فيه حسن
صحيح، قال: ورواه عبيد الله بن عمرو البرقي وابن جريج وشريك وابن عقيل
إلا أن ابن جريج كان يقول: عمر بن طلحة والصحيح عمران، وسألت
محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن، وهكذا قال أحمد بن
حنبل: هو حديث حسن صحيح وهو معارض لما ذكرناه قبل، وفي العلل: قال
محمد إلا أنّ/إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم ولا أدرى سمع منه ابن عقيل
أم لا، وسئل عنه الرازي ووهنه ولم يقو إسناده وخرجه الحاكم من حديث
عبيد الله البرقي وفيه: " صبي إذا رأيت أنّك قد طهرت واسعات تصل ثلاثا
وعشرين ليلة وأيامها وصومي " وفيه قال عليه السلام: " وهذا أعجب الأمرين
إلي ". ثم قال قد اتفق الشيخان على إخراج حديث المستحاضة عن عائشة
وليس فيه هذه الألفاظ التي في حديث حمنة رواية ابن عقيل، وهو من
أشراف قريش وأكثرهم رواية غير أنهما لم يحتجا به وشواهده حديث الشعبي
عن قمير عن عائشة، وحديث أبي عقيل عن لهيعة عنهما وذكرها في هذا
الموضع، وخرجه أبو الحسن الطوسي في أحداثه من حديث شريك وقال فيه:
__________
= أعجب الأمرين إلي، لم يجعله من قوله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعله كلام حمنة، قال أبو داود: وعمرو
بن ثابت رافضي رجل سوء، ولكنه كان صدوقا في الحديث، وثابت بن المقدام رجل ثقة،
وذكره عن يحيى بن معين. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسه منه
شيء.
(1) صحيح. رواه الترمذي في: " أبواب الطهارة، 95. باب ما جاء في المستحاضة أنها تجمع
بين الصلاتين بغُسل واحد، (ح/ 128) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
العقدي: بالعين المهملة والقاف المفتوحتين.(1/856)
حسن صحيح، وقال أبو جعفر في المشكل: هو من أحسن الأحاديث المروية
في هذا، وصححه أيضا أبو محمد الإشبيلي، وقال الخطابي: وهو قول بعض
العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك، وقال أبو بكر
البيهقي: تفرد به ابن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به، وقال ابن مندة:
وحديث حمنة تحيض في علم الله ستا أو سبعا لا يصح عندهم من وجه من
الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه. انتهى كلامه
وفيه نظر؛ لأن الترمذي ذكر أن الحميدي وأحمد وإسحاق كانوا يحتجون
بحديثه، وأي إجماع مع مخالفتهم، وقد أسلفنا قول البخاري وغيره في
تصحيح حديث مع تفرده به، وليس لقائل أن يقول كيف يحتج به أحمد وقد
قال إن في قلبه من حديثه شيء؛ لأنه لم يرد الاختلاف في الحكم إلا النظر
في/الإسناد قاله ابن عبد البر، وأمّا قول البخاري إبراهيم بن محمد قديم ولا
أدرى سمع منه ابن عقيل أم لا ففيه نظر؛ لأن ابن عقيل روى عن جماعة من
الصحابة، وتوفي سنة خمس وأربعين ومائة بعد سن عاليه، وإبراهيم توفي سنة
ست عشرة ومائة فيما حكاه غير واحد منهم علي ابن المديني وأبو عبيد بن
سلام وخليفة بن خياط فتبيّن ومالها ما ترى من العرب التسرع للرواية لا سيما
وبلدهما المدينة يجمهما والبخاري لم يقل لم يسمع منه خبرها إنما هو استبعاد
تفرد به ما ذكرنا، وأما قول أبي عمر بن عبد البر والأحاديث في إيجاب
الغسل على المستحاضة لكل صلاة، وفي الجمع بين الصلاتين وفي الوضوء
لكل صلاة مضطربة كلها فليس بشيء؛ لأن اضطراباتهما لا يضرّها لصحة
سندها، والحديث إذا صح من طريق لا يؤثر في صحته اختلاف لفظ من
طريق أخرى غير صحيحة، بل يكون الحكم للصحيحة على غيرها والله تعالى
أعلم، وأما قول علي بن المديني حمنة بنت جحش هي أم حبيبة تكنى بذلك
حكاه عنه عمرو بن سعيد الدارمي تابعه عنه أكثرهم بقوله: أحفظ أربع نسوه
في هذا من الزهري، وقد ركن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتبين من نسائه أم حبيبة وزينب
بنت جحش وتبين من تنبه زينب أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة فقد خالفهما
يحيى بن معين فزعم: أن المستحاضة المكناه أم حبيبة بنت جحش ليست
بحمنة، وهذا عن الواقدي أنّ من قال: هذا غلط، ولذا قاله: أبو عمرو، وأما(1/857)
قول البيهقي: وحديث ابن عقيل يدلّ أنّها غير أم حبيبة وكان ابن عيينة ربما
قال في حديث عائشة حبيبة بنت جحش، وهو خطأ إنما هي أم حبيبة لذلك
قاله أصحاب/الزهري سواه فكذلك أيضا لما قدمناه من كلام الحربي وغيره،
وأنّ الصواب ما خطأه هنا، وقد ذكر الحميدي عنه، وكذا قاله الطبراني في
المعجم الكبير، وحمنة هذه كانت تحت طلحة بن عبيد الله وأنها ولدت له
محمدا وعمران قاله الزبير بن بكار، وليست أخت أم حبيبة قاله الحاكم في
الإكليل، وبنحوه ذكره شيبان في كتاب الطبقات وأحمد بن يحيى البلاذري
وابن سعد والكلبي وأبو عبيد في كتاب النسب وغيرهم، وهو مما يصح قول
ابن عقيل عن أمه حمنة، وأمّا قول العسكري حمنة بنت جحش هي أم حبيبة
وأخت زينب بنت جحش كانت تحت ابن عوف وأنّها هي التي استحيضت
وأصحاب الحديث على أنّ حمنة هي التي استحيضت وهي أم حبيبة فيردّه ما
حكاه عن الجمحي وهي وإن تعمّدت وما أسلفناه والله تعالى أعلم، قال
الشّافعي: وإن روى في المستحاضة حديث مُعلق فحديث حمنة بيّن أنه اختيار
وأنّ غيره يجري منه، وفي باب الاستحاضة أحاديث: من ذلك حديث جابر
ابن عبد الله: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر المستحاضة بالوضوء عند كل صلاة ". قال أبو
القاسم في الأوسط (1) : لم يروه عن أبي أيوب الإفريقي يعنى عن ابن عقيل
إلا أبو يوسف القاضي، وحديث الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جدّه قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " المستحاضة تغتسل من قرء إلى قرء ". قال: لم يروه عن
الأوزاعي إلا مسلمة بن كلثوم تفرد به عبد بن جياد، وحديث فاطمة بنت
قيس قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المستحاضة/فقال: " تعتد أيام أقرائها
ثم تغتسل لكل طهر ثم تحشى وتكلئ " (2) . قال: لم يروه عن ابن جريج يعنى
عن ابن الزبير عن جابر عنها إلا جعفر بن سليمان وقال: وهي فاطمة بنت أبي
حبيش قيس، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: ليس هذا بشيء، وقال البيهقي: لا
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به.
(2) صحيح. رواه الطبراني في " الصغير " (1/86) . وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/
280) وعزاه إليه، ورجاله رجال الصحيح.(1/858)
يقوم عليه الحجة، وتقدّم حديث عائشة أنّ فاطمة جاءت إليها، وقال فيه أبو
عبد الله: حديث صحيح ولم يخرجاه، وحديث سودة بنت زمعة قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تجلس فيها ثم
تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ لكل صلاة " (1) قال: لم يروه عن الحكم يعنى
ابن عيينة عن أبي جعفر عنها إلا العلاء بن المسيب، ولا عن العلاء إلا حفص
بن غياث تفرد به الحسن بن عيسى، وحديث أسماء جاءت جارية إلى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " اشتكيت من حيض. قال: كيف؟ قالت: يأخذني فإذا
تطهرت منها عاودتني قال: إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا " (2) . ذكره البيهقي من
حديث حرام بن عثمان عن ابن جابر عن أبيه وضعفه بحرام، قال الشّافعي:
الحديث عن حرام هو حديث لا يصح، وفي الاستذكار: لا يوجد إلا بهذا
الإسناد، وحرام متروك الحديث مجمع على طرحه، وفي رواية أبي بكر بنت
الجهم المالكي: جعله من مسند جابر بن عبد الله، وحديث زينب بنت أم
سلمة " أنّ امرأة كانت تهراق الدم وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي " خرجه أبو داود (3)
عن أبي معمر عن عبد الوارث عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة قال: أخبرتني زينب قال البيهقي خالفه/يعني جسنا هشام
الدستوائي، فأرسله عن يحيى فجعل المستحاضة زينب، وأنّها كانت تعتكف
مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي تهريق الدم، قال: ويروى من وجه آخر عن عكرمة
بخلاف هذا أنّ أمّ حبيبة وهو منقطع، وقال الرازي: وقال المعلم عن أبي
سلمة: أخبرتني زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة وهو مرسل، وفي المصنف: ثنا
عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة أنّ امرأة وهو مرسل، وفي
المصنف ثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة قالت: رأيت ابنة
__________
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه جعفر عن سودة ولم أعرفه.
(2) تقدم من أحاديث الباب.
(3) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (109) ، (ح/293) .(1/859)
جحش، وكانت مستحاضة تخرج من المركن والدّم عاليه ثم تصلى، وحديث
زينب بنت جحش أنها قالت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّها مستحاضة فقال: " تجلس أيّام
أقرائها وتغتسل وتصليها جميعا وتغتسل للفجر ". رواه النسائي (1) عن سويد عن
ابن المبارك عن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها، ولما ذكره
البيهقي أعلّه بامتناع عبد الرحمن من رفعه؛ وذلك أنه قيل له عن النبي عليه
السلام قال: لا أحدثك عن النبي عليه السلام بشيء قاله النضر بن شميل
وغيره عن شعبة انتهى، وحديث النسائي المذكور يقضى على قوله، وأمّا امتناع
عبد الرحمن من رفعه؛ فلأنّه سمع فأمرت فيما بقى له بأن يقول: فأمرها النبي
عليه السلام؛ لأنّ اللفظ الأول ليس بصريح في النسبة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل هو
مسند بطريق اجتهادي فليس له أن ينقله إلى ما هو صريح، ولا يلزم من
امتناعه من صريح النسبة إلى الشيء أن لا يكون مرفوعا على ما هو معروف
من أنّ هذه الصيغة مرفوعة، وفي صحيح البخاري (2) ما يوضحه عن عائشة أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اعتكف واعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فرّبما
وضعت الطست تحتها من الدم ". وكلام أبي داود/الكافة كما نقله الآحاد
العدول، ولا مخالف فيه إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة،
وأمّا علماء السلف والخلف قاطبة بالأمصار: فكلّهم على أن الحائض لا تصلّى
ولا تقضى الصلاة أيام حيضها إلا أنّ من السلف من كان يأمر الحائض بأن
تتوضأ عند وقت الصلاة وتذكر الله تعالى، ولتستقبل القبلة ذاكرة لله جالسه
روى ذلك عن عقبة بن عامر، وقال: كان ذلك من هدى نساء المسلمين في
حيضهن، وقال عبد الرزاق: قال: نعم بلغني أنّ الحائض كانت تؤمر بذلك
عند كل وقت صلاة، وابن جريح عن عطاء لم يبلغن ذلك وإنه لحسن، قال
ابن عمرو: وهو متروك عند جماعة الفقهاء بل يكرهونه، قال أبو قلابة: سألنا
__________
(1) ضعيف. رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 135. باب ذكر الاغتسال من الحيض (1/
119.118) . قلت: والحديث معلول بالرفع.
(2) صحيح. رواه البخاري في (الحيض، باب " 10 " والدارمي (ح/ 877) وأحمد (6/131،
137، 172) .(1/860)
عنه فلم نجد له أصلا، وقال سعيد بن عبد العزيز: ما نعرفه، وإنا لنكرهه. قوله:
فاغسل عنك الدم: هو أن تغتسل عند أدبار حيضها وإقبال استحاضتها كما
تغتسل الحائض عند رؤية كليهما؛ لأنّ المستحاضة طاهرة ودمها دم عرق كدم
الجرح السائل، وهذا إنّما يكون في امرأة تعرف دم حيضها من دم استحاضتها،
قال أبو عمرو: وكان مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يوجبه عليها
كما لا يوجبه من سلس البول، وممن أوجبه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه
والأوزاعي (1) وهؤلاء كلّهم ومالك منهم لا يرون عليها غسلا غير مرّة واحدة
عند إدبار حيضها وإقبال استحاضتها ثم تغسل عنها الدم وتصلى ولا تتوضأ إلا
عند الحدث عن مالك وهو قول عكرمة وأيوب، وكذلك التي تقعد أيامها
المعروفة ثم تستطهر عند مالك ولا تستطهر عند غيره تغتسل أيضا عند أيامها
واستطهارها،/ولا شيء عليها إلا أن تحدث حدثا يوجب الغسل، وأمّا عند
الشافعي وأبي حنيفة والثوري ومن ذكرنا معهم: فتتوضأ لكل صلاة على
حسب ما ذكرنا، وذهبت طائفة من العلماء: إلى أن الغسل لكل صلاة واجب
على المستحاضة للأحاديث السابقة؛ ولأنه لا يأتي عليها وقت صلاة إلا وهي
فيه شاكة هل هي حائض أو طاهر، مستحاضة أو هل طهرت في ذلك الوقت
بانقطاع دم حيضها أم لا فواجب عليها الغسل للصلاة، وهذا أيضا عن علي
وابن عبّاس وابن الزبير وسعيد بن جبير وهو قول ابن علية، وقال آخرون:
عليها أن تجمع بين كلّ صلاتين كما تقدم، وروى ذلك عن ابن عباس وعلي
وهو قول النخعي وعبيد الله بن شدّاد، وقال آخرون: تغتسل كل يوم مرة في
أي وقت شاءت من النهار أسنها، رواه معقل الخثعمي عن علي، وقال آخرون:
تغتسل من طهر، رواه مالك في الموطأ عن ابن المسيب، وكان مالك يقول: ما
أرى الذي حدثنى به من طهر أنّ طهر الآخر وهم، قال الخطابي: ما أحسن ما
قال مالك ولا أعلمه قولا لأحد (2) من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر،
وفيه نظر لما قال أبو عمر ليس لوهم؛ لأنه صحيح عن سعيد معروف من
__________
(1) قوله: " الأوزاعي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) قوله: " لأحد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه(1/861)
مذهبه رواه عند جماعة، وهو قول سالم وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري
وروى مثله عن ابن عمرو أنس ورواه عن عائشة، وقد روى سعيد بن المسيب
في ذلك مثل قول مالك والفقهاء.(1/862)
81- باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدى قالا:
ثنا/سفيان عن ثابت بن هرمز أبي المقدام عن عدىّ بن دينار عن أم قيس بنت
محصن قالت: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن دم الحيض يصيب الثوب قال:
" اغسليه بالماء والسدر وحكيه ولو بضلع " (1) . هذا حديث خرجه أبو حاتم في
صحيحه عن محمد بن عمر الحمداني عنه، وقال: قوله عليه السلام: " اغسليه
بالماء " أمر فرضي، وذكر السدر والحك بالضلع أمر ندب وإرشاد، وقال أبو
الحسن ابن القطان: وهو حديث في غاية الصحة، وعاب على أبي مُحمد
قوله: الأحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر، قال: وهو قد يفهم
منه أنّ حديث أم قيس هذا يروى على وجهين: أحدهما: فيه ذكر الضلع
والسدر، والآخر: لا يذكر ذلك فيه وهي الطرق الصحيحة، والوجه الآخر: أنّ
الأحاديث الصحاح من غير روايتها ليس منها ذلك، فلو كان الأول كان مال
الحديث بالاضطراب وترجيح أحد روايته على الأخرى وإذ كان الوجه الثاني
فذلك لا يكون تضعيفا له إذا صح طريقه فاعلم إلا أن إنه إنما يعني هذا الوجه
أعني: أنّ غيره من الأحاديث كحديث أسماء ليس فيه ذلك، وحديث أم
قيس المذكور مثبت اللفظ صحيح الإسناد، ولا أعلم له علّة، والعجب أنه أورد
قبله حديث ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر، وهو عنى ما أنكر عليه زوجها
هشام فلم يقل أبو محمد فيه شيئا بل سكت عنه، ثم ذكر هذا بعده، وهو
أحق بأن يصحح فلم يبال: وقال فيه: ما ذكرناه والله تعالى أعلم، ولما ذكره
عبد الحق في الكبير أتبعه عدي: لا أعلم روى عنه إلا ثابت، وقد وثقة
النسائي فكان يلزم أبا الحسن ألا يصححه كما فعل في حديث عمرو بن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 628) ، والدارمي (1/240) ، وابن حبان (ح/ 235) ،
وعبد الرزاق (1226) وابن خزيمة (227) ، والحلية (7/123) ، والكنز (27283) .
وصححه الشيخ الألباني. (الإرواء: 1/197) .
غريه: قوله: " ولو بضلع " أي: بعود وهو في الأصل واحد أضلاع الحيوان. أريد به العود المشبه به.(1/863)
نجدان ونظائره لكونهم لم يرو عنهم/إلا واحد، وإن كان قد وثّق كما سبق،
والله أعلم، ولفظ العسكري في كتاب الصحابة حليه بضلع واسقيه ماء
وسدر "، وفي لفظ: قال عبد الرحمن- يعني ابن مهدي- الحل مثل الغسل.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن هشام بن عروة عن
فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
دم الحيض يكون في الثوب قال: " اقرضيه واغسليه وصلى فيه " (1) . هذا حديث
خرجه الأئمة الستة في كتبهم، ولفظ البخاري سألت امرأة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت:
يا رسول الله أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيض كيف تصنع؟
قال: " إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرضه ثم لتنضحه ثم لتصل
فيه " (2) . ولفظ مسلم (3) " يصيب ثوبها من دم الحيضة قال: تحته ثم لتقرضه
بالماء ثم تصلي فيه "، وفي لفظ لأبي داود (4) : من حديث محمد بن إسحاق
تصلى فيه: " قال: تنظر: فإن رأت فيه دما فلتقرضه بشيء من ماء، ولتنضح ما
لم ير ولتصلي فيه ". وفي لفظ حبيبة: " ثم اقرضيه بالماء ثم انضحيه "، وزعم في
الفرد أنه حديث تفرد به أهل المدينة، وفي لفظ الترمذي (5) : " اقرضيه بماء ثم
رشيه " ولفظ ابن خزيمة (6) : " كيف تصنع بثيابها التي كانت تلبس، يقال: إن
رأيت منها شيئا فلتحكه ثم لتقرضه شيء من ماء، وتنضح في سائر الثوب ماء
وتصلي فيه "، وفي لفظ: إن رأيت فيه ماء فحكِّيه "، وفي لفظ: " ثم رشي
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/629) ونصب الراية (1/207) وابن أبي شيبة (1/95) .
وصححه الشيخ الألباني.
غريبه: قوله: " اقرضيه " من القرض. وهو أن تقبض بإصبعين على الشيء ثم تغمز غمزا جيدا.
وفي النهاية: القرض الدلك بالأصابع، مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره.
(2-3-4) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب 300 "، والوضوء، باب " 63 ")
ومسلم في (الطهارة، ح/110) وأبو داود في (الطهارة، باب " 130 "، ح/360) .
(5) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الطهارة، 104. باب ما جاء في غسل دم الحيض من
الثوب، (ح/138) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
(6) صحيح. رواه ابن خزيمة: (276) والدارمي (1/197، 239) .
وصححه الشيخ الألباني. (الصحيحة: 1/539) .(1/864)
وصلى فيه "، وفي لفظ: " تنضحيه وتصلى فيه "، ولفظ أبي نعيم: " لتحكه ثم
لتقرضه بالماء، ثم لتنضحه، ثم لتقرضه بالماء، ثم تنضحه، ثم لتصلى فيه " (1) .
حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث/عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: " إن
كانت إحدانا لتحيض ثم لتقرض الدم من ثوبها عند طهرها فتغتسله وتنضح
على سائره ثم تصلى فيه ". هذا حديث تفرد ابن ماجة (2) به موقوفا وإسناده
صحيح، وفي الصحيحين (3) : " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن
أصابه شيء من دم بلّته بريقها ثم تضعه بظفرها "، وفي كتاب أبي داود (4)
بسند فيه ضعف: يغسله فإن لم يذهب أثره فليقرضه بشيء من صفرة قالت:
كنت أحيض عند النبي ثلاث حيضات جميعا لا أغسل لي ثوبا ". ورواه
الدارمي في مسنده بسند جيّد، وفي لفظ لأبي داود: " أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكساء
فلبسه، ثم خرج يصلي الغداة، ثم جلس: فقال رجل: يا رسول الله هذه لمعة
من الدم، فقبض إلى يأتليها فبعث بها إلي مصروره في يد الغلام، فقال:
اغسلي هذه وأجفّيها ثم أرسلي بها إلي "، فقلت: فجاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف
النهار وهي عليه " (5) . وحديث أبي هريرة: أنّ خولة بنت يسار أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقالت: يا رسول الله: ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه، قال: " فإذا
طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلى فيه، قالت يا رسول الله: إن لم يخرج
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (6/345) ، والبيهقي (1/13) وأبو عوانة (1/206) .
(2) صحح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة 1181. باب في ما جاء في دم الحيض
يصيب الثوب، (ح/630) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 9 ") ومسلم في (الطهارة، ح/110)
وأبو داود (ح/358) والترمذي (ح/138) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقد اختلف أهل
العلم في الدم يكون على الثوب فيصلى فيه قبل أن يغسله. ومالك في (الطهارة، ح/103) .
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 130. باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في
حيضها، (ح/357) .
(5) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 140. باب الإعادة من النجاسة تكون في
الثوب، (ح/388) .(1/865)
أثره؟ قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره ". ورواه الإمام أحمد (1) ، وفي تاريخ
ابن أبي خيثمة في الأوسط: ثنا أبو داود وثنا علي بن ثابت عن الوازع بن
نافع عن ابن سلمة عن خولة بنت يسار قالت: قلت: يا رسول الله، ست
جعله من مسنده، وفي كتاب الطبراني عن يحيى بن إسحاق عن عثمان بن
أبي شيبة ثنا علي بن ثابت الجوري عن الوازع عن أبي سلمة/عن خولة بنت
حكيم فذكره والله أعلم، والوازع تركه جماعة منهم النسائي، وحديث امرأة
من غفار قالت: أردفني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حقيبة رحله قالت: فوالله لتركب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم منى،
وكانت أول حيضة حضتها قالت: فتقبضت إلى الناقة أو استحييت، فلما
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي ورأى الدم قال: مالك لعلك نفست، قلت: نعم.
قال: " فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء واطرحي فيه ملحا، ثم
اغسلي ما أصاب الحيضة من الدم، ثم عودي لمركبك ". قالت: فلما أفتح
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر رضخ لنا من الفئ، قالت: وكانت لا تطهر إلا جعلت
في طهورها ملحا، وأوجبت به أن يجعل في غسلها حتى ماتت " (2) . أنبأ به
أبو الحسن بن الصلاح رحمه الله تعالى بقراءتي عليه، ثم الحافظ أبو علي
البكري، أنبأ أبو عبيد الله محمد بن محمد بن عاصم أنبأ الشيوخ أبو طاهر
روح وأبو الفضل بن عباس أنبأ أبو الرجاء الداري وأبو سعيد محمد بن
عبد الواحد قالوا: أنبأ الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة-
رحمه الله تعالى- بجميع كتاب المردفين، قال: أنبأ أبو الحسن على بن محمد
ابن على بن محمد السيرافي ثنا القاضي أبو عبد الله أحمد بن إسحاق بن
حرمان النهاوندي ثنا محمد بن عبد الرزاق، نا سليمان ثنا محمد بن عمرو
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (364، 380) والبيهقي (8/402) والفتح (1/334) والإرواء (1/
189) والصحيحة (ح/298) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/313) والبيهقي (2/407) وبداية (4/204) .
غريبه: قوله: " حقيبة " بفتح الحاء المهملة هي كل ما شد في مؤخْر رحل أو قتب، والرحل: هو المركب للبعير، وهو أصغر من القتب، وقال ابن الأثير: الحقيبة: هي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب.(1/866)
الرازي ثنا سلمة- يعني ابن فضيل- ثنا محمد يعنى ابن إسحاق عن سليمان
ابن سحيم عن آمنة بنت أبي الصلت عنها، قال ابن منده: وأنبأ محمد بن
أحمد بن محمد بن عبد الرحيم أنبأ عبد الله بن محمد المقري ثنا ابن أبي
عاصم، ثنا أحمد بن محمد بن مبارك/ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي
ثنا ابن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن آمنة بنت أبي الصلت الغفارية
قالت: أتيت النبي عليه السلام في نسوة من بنى غفار فقلنا: يا رسول الله قد
أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا، وهو يسير إلى خيبر. فنداوي الجرحى
ونعين المسلمين ما استطعنا فقال: " على بركة الله " فخرجنا معه، وكنت جارية
حديثة السنن، فأردفني عليه السلام على حقيبة راحلته "، واعترض ابن القطّان
على سكوت أبي محمد عنه وإبرازه من إسناده منه بقوله، ولم يتقدّم له فيها
شيء ولا يعرف لها غير هذا، ولا هي مذكورة في غيره، وزعم بعضهم: أنها
آمنة بنت الحكم كان الحكم اسم لأبي الصلت، وأنها أم سليمان كذا قاله أبو
الوليد بن الفرض في كتابه، ولم يحصل بهذا كله في حدّ من يحتج برواية،
وضبط اسمها آمنة بألف مطولة قبلها همزة مفتوحة وميم مكسورة بعدها نون،
وكذا وقع ذكرها في سير ابن إسحاق وكتاب أبي داود، وخالف في ضبط
اسمها أبو بكر بن ثابت فقال في كتابه التلخيص، باب الفرق بالتذكير
والتأنيث مع الاتفاق في الحروف، فذكر في هذا الباب: أمية بن أبي الصلت
الشاعر وآمنة بنت أبي الصلت هذه، وروى حديثها المذكور من عند ابن
إسحاق، ثم من طريق الواقدي بزيادة أم علي بن أبي الحكم في نفس الإسناد
بين سليمان بن سحيم وأمية المذكورة، ثم جعله من روايتها عن النبي ولم
يذكر الجارية إلا أنها صاحبة القصة فكان أمية على رواية الواقدي صحابية،
وشيء من هذا لم يثبت، ولو جهدت جهدك لم تجد فيه إلا ما قلناه من أنّها
مجهولة، وكذلك الغفارية المذكورة ليس ينبغي أن يقبل قولها عن نفسها أنها
صحابية، كما لا تقبل قول أحد عن/نفسه أنه ثقة والله تعالى أعلم. انتهى
كلامه وفيه نظر من وجوه: الأوّل: قوله: ولا يعرف لها غير هذا، ولا أنها
مذكورة في غيره وليس كذلك؛ لأنّ ابن عبد البر ذكر أنّ لها حديثا عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا في القدر رواه عنها ابنها سليمان، الثاني قوله: أنّها مجهولة،(1/867)
مردود بأمرين: الأوّل: برواية اثنين عنها، سليمان ابنها، وأمّ علي الثاني: كونها
صحابية (1) معروفة بالصحبة، قال النسوي: أمية بنت قيس أبي الصلت الغفارية
لها صحبة، وهي ممن بايعت النبي- عليه الصلاة والسلام-، وكذا ذكرها
البلاذري في تاريخه وابن حبان والدارمي في أنسابه، ولما ذكرها ابن سعد في
الطبقات الكبرى، قال: أسلمت وبايعت بعد الهجرة، وشهدت مع النبي-
عليه الصلاة والسلام- خيبر، وزاد في حديثها بعد قولها: وصح لنا من الفئ
ولم يسهم لنا وأخذ هذه القلادة التي في عنقي وأعطانيها وعلقها بيده في
عنقي، فوالله لا تفارقني أبدا، فكانت في عنقها حتى ماتت وأوصت أن تدفن
معها.
الثالث: قوله: اسمها كذلك وقع في سير ابن إسحاق، والذي رأيت في
السير بخط عبد الله بن ربيع الحافظ شيخ أبي محمد بن حرام مضبوطا بياء
مثناة من تحت، وقد كتب أحمد بن دراح العطلى في الحاشية عن آمنة- يعني
بنون- وفي نسخة أخرى بخطه أمية بن أبي الصلت من غير تسمية، وكذا هو
في نسخة أخرى مغربية جيّدة الضبط قديمة بياء مثناة من تحت، وكذا هو في
كتاب الإكليل لأبي عبد الله الحاكم النسخة التي عليها خطّه وقرأها عليه
البيهقي وغيره من العلماء، الرابع: قوله في الغفارية إنّها مجهولة لا يقبل قولها
عن نفسها غير جيد؛ لأنها صحابية معروفة الصحابة، والاسم سماها السهيلي
ليلى،/قال: ويقال: هي امرأة أبي ذر فلئن كانت ليلى فقد روى عنها غير آمنة
وهو برئ من القسم الثعلبي فيما ذكره أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه وأبو
القاسم في معجمه الكبير، وقال أبو حاتم البستي في كتاب الصحابة: وشرطه
ذكر من روى دون غيرهم ليلى الغفارية كانت تغزو مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولما
ذكرها أبو عمر في استيعابه بنحوه زاد راويا آخر وهو محمد بن القاسم
الطائي، وذكر لها حديث غير المذكور، وهو قول النبي- عليه الصلاة
والسلام- لعائشة: " هذا علي بن أبي طالب أوّل النّاس إيمانا " ولئن كانت امرأة
أبي ذر، فلا حاجة لنا إلى تعريفها لشهرتها الخامس: ترك إعلاله الحديث
__________
(1) قوله: " صحابية " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/868)
بدخلو على بين سليمان وأمه إذ هي مجهولة العين والحالة، وأظنّه إنما ترك ذاك
لكونه جاء على لسان بن أبي سيرة وهو ممن لا يعتمد على قوله ولو كان ثقة
لكان إعلاله الحديث بهذه العلّة حسن، وليس لقائل أن يقول سليمان ثقة
مجمع عليه، وروى عن أمه وليس مدلسا فلا اعتبار ممن أدخل بينهما راويا
لاحتمال أن تكون ماتت وهو صغير كما جرى (1) لأبي عبيدة بن عبد الله
وغيره، أو يكون سمع منها ولم يسمع هذا بعينه فسمعه عنها هذا إذا صرّح
بالسماع منها، وهنا فلم يصرح به والله تعالى أعلم، السادس: قوله أنّ الغفارية
صاحبة القصة، وقد قدمنا عن ابن مندة أنها هي صاحبتها لا غيرها وهذا كلّه
مشيا على مذهبه، وما استلزمه وإلا فلنحن في غنية عن هذا جميعه؛ لأنّ من
كان مذكورا في كتب الصحابة كفينا مؤنته سواء شهد له التابعي بالصحبة أو
لم يشهد له، وسواء روى عنه واحد أو أكثر، هذا هو المعمول عليه والجاري،/
وأمّا إعراض المنذري عن كلّ من تقدّم ذكره وتضعفيه لحديث محمد بن
إسحاق فغير حسن؛ لأنه ممن لا يضعف به الأحاديث لا سيّما هو فإنّه فعل
ذلك في غير حديث صححه أو سكت عنه، وهو من روايته وأحيانا ينبّه عليه
فما أدرى ما يوجب ذاك وليس بقائل أن يقول العلة بصحته بما عضده من
متابعات وشواهد؛ لأنّه لم يقل ذلك ولو قاله ما قبل منه إلا بإبرازه ذكر ذاك
لكي يعلم هل المتابع أهل لذلك أم لا، هذا هو الاصطلاح ولسنا من يحسن
الظن به أو الحرص في إبرازه ولا صدوره والله تعالى أعلم، وحديث الحسن
عن أبيه عن أم سلمة: " أنّ إحداهن يتبعها القطرة من الدم فإذا أصاب إحداكن
ذلك فلتنفثه برقيها ". رواه الدارمي (2) من حديث أبي بكر الهذلي وهو ضعيف
وفي الأوسط (3) لأبي القاسم من حديثه عن أحمد بن زهير ثنا علي بن
السكن ثنا محمد بن ربيعة العلائي ثنا المنهال بن خليفة عن خالد بن سلمة
__________
(1) قوله: " جرى " سقطت من " الأصل " وكذا أثبتناه.
(2) قوله: " الدارمي " والحديث الذي رواه بإسناده سقط من " الأصل " إلا كلمات بسيطات،
وعليها أتممنا لفظ الحديث.
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/282) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
ورجاله موثقون.(1/869)
عن مجاهد عنها قالت: " كانت إحدانا تحيض في الثوب وإذا كان يوم طهرها
غسلت ما أصابه ثم صلت فيه، وإنّ إحداكن اليوم تفرغ خادمها فتغسل ثوبها
يوم طهرها ". لم يروه عن مجاهد إلا خالد تفرد به المنهال، ورواه ابن خزيمة
في صحيحه عن أحمد بن أبي شريح الرازي أنبأ ابن أحمد ثنا المنهال بلفظ،
وقيل لهما: " كيف كنتن تضعن ثيابكن إذا أطمثت على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قالت: " إنّ كنا لنطمث في ثيابنا أو في دروعنا فما نغتسل منه لا أثر ما أصابه
الدم " الحديث. غريبه، قوله: تضلع بضاد معجمة، قال ابن الأعرابي: الضلع
العود هاهنا، وقال الأزهري: الأصل ضلع الجنب، ويقال للعود الذي فيه عرض
واعوجاج ضلع شبيها / بالضلع، وفي ديوان الأدب: في باب فعل بكسر بالفاء
وفتح العين الضلع واحد الأضلاع والضلع أيضا الجبيل (1) المنفرد، وأنبأ ابن
سيده فقال: هو الجبيل الصغير الذي ليس بالطويل: وقيل: هو جبل مسروق
طويل وقيل: هو الحبل مشد وأمّا قول القشيري في روايتنا يخطئ من جهة
ابن حيوة عن النسائي بصلع بالصاد المهملة، وفي الحاشية: الصلع بالصاد
المهملة المجرد وقع في مواضع بصاد معجمة ولعلّه تصحيف؛ لأنه لا معنى
يقتضى تخصيص الضلع وأمّا الحجر فيحتمل أن يحمل ذكره على غلبة الوجود
واستعماله في الحك فيشبه أن يكون وهما انتهى ما ذكرنا قبل يوضح ذلك،
ويبين أنّه غير مصحف والتصحيف ما أجده وبخط غير معروف ولعلّه إن صحّ
كون الصلع بضم الصاد المهملة، وذلك أنّ أبا نصر حكى في صحاحه
والصلاع بالضم والتشديد العريض من الصخرة الواحدة، وكذلك الصلع لأنه
مقصود منه، وقال الأصمعي: الصلع الذي لا ينبت وأصله من صلع الرأس،
وكذا ذكره ابن سيدة في محكمه، وفي الجامع: والضلع الحجر والذي في
الحديث رقاع يصلح، قيل: هو الحجر، وقيل: هو الأرض التي لا تنبت فتعيّن
أن المرتع للكاتب ما فسر به هذا الحديث هنا فيوهمه هناك أيضا، وليس
صحيحا؛ لأنّ عامة الأصول إنما فيها ضلع بالمعجمة كما سبق فإنه ليس بالضلع
الذي هو العظم والله تعالى أعلم أما قوله اقرضيه، قال أبو موسى المديني-
__________
(1) قوله: " الجبيل " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/870)
رحمه الله تعالى- يعني ادلكيه بأطراف أصابعك وأظفارك مع صب الماء حتى
يذهب أثره وقرضه إذا قبضته بإصبعك على جلده ولحمه فأملنه وقصوصه
شتمته وتناولته باللسان، وقال المرى: سألته امرأة عن دم الحيض قرصة بالماء
أي/قطعة، قال المنذري: وقد روى مخففا ومثلا ومعناهما واحد قوله حبسته
بتاء مثناه من فوق معنى الحك والقشر والحيض أصله عند اللغويين السيلان،
يقال: حاض الوادي إذا سال، قال الأزهري: وغيره الحيض جريان دم المرأة في
أوقات معلومة مرضية رحم المرأة بعد بلوغها، ومخرجه عقب الدم، يقال:
حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا: فهي حائض كذا ذكره أبو
العباس في صحيحه وفي الصحاح: يالها قال الشاعر:
* كحائضة يرى بها غير طاهر *
وفي كتاب السبكي عن كتاب الراعي: هو اجتماع فرج المرأة، وفي شرح
الصحيح الترمذي: سمى بذلك تشبيها بالحيض وهو ماء أحمر يخرج من شجر
السمر يقال من ذاك حاضت السمرة، وفي المحكم يجمع على حيض
وحوائض، ويقال: امرأة طامث بالمثلثة والمثناة وطامث ودارس وعارك وضاحك
وضاحك وكابر ومعصر ونافث وطامي بالهمزة بمعنى واحد، حكاه الهروي
والقاضي أبو بكر بن العربي وغيرهما، وذكر الجاحظ في كتاب الحيوان: أنّ
الأرنب يحيض، وكذلك الخفاش واختلف النّاس في أول من حاض فزعم
بعضهم: أنّ أوّل ما كان على بنى إسرائيل ورد لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا شيء
كتبه الله على بنات آدم " (1) وقال تعالى: (وامرأته قائمة فضحكت) قال قتادة
وغيره: حاضت.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحج، ح/120) والفتح (1/400) .(1/871)
82- باب الحائِض لا تقضى الصلاة
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا علي بن مسهر عن سعيد بن عروبة عن/
قتادة عن معاذة عن عائشة: أن امرأة سألتها أتقضى الحائض الصلاة؟ قالت لها
عائشة: أحرورية أنت قد كنا نحيض عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم نطهر ولم يأمرنا
بقضاء الصلاة ". هذا حديث اجتمع على تخريجه الأئمة الستة (1) بلفظ: " فكنا
نؤمر بقضاء الصوم ولم نؤمر بقضاء الصلاة "، وفي كتاب البخاري: ثنا موسى
بن إسماعيل ثنا همام ثنا قتادة قال: حدثتني معاذة فهذا يوضح لك صحة
سماع قتادة من معاذة، خلافا لمن أنكره وهو شعبة وأحمد وابن معين كما
أسلفناه قبل، وفي صحيح مسلم ما يوضح أنّ السائلة هي معاذة نفسها، وفي
الباب حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الصحيحين (2) مرفوعا وفيه:
" أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلنا بلى قال: فذاك من نقصان دينها "
وحديث ابن عمر مرفوعا من عند مسلم (3) بنحوه وفيه: " تمكث الثلاثة والأربع
لا تصل "، وقال فيه حسن صحيح غريب، قولها: أحرورية تعني: الخوارج،
ويسمون المرأة والمحكمة والمارقة، قال الإمام أبو الحسن بن أحمد بن إسحاق
البشري في كتابه افتراق الأمة: وهي ترضى بجميع هذه الألقاب إلا
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 20 "، ومسلم في (الحيض، ح/68)
وأبو داود (ح/ 262) والترمذي (ح/ 130) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في
(الحيض، باب " 17 ") ، والصيام، باب " 64 ") ، وابن ماجة (ح/631) ، والدارمي (ح/988) ،
وأحمد 06/32، 94، 97، 120، 143، 185، 231) .
غريبه: قوله: " أحرورية أنت " أي خارجية أنت. والحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء، وهو موضع قريب من الكوفة وكان عندهم تشدّد في أمر الحيض. شبهتها بهم في تشددهم في أمرهم وكثرة مسائلهم وتفننهم بها. وقيل: أرادت أنها خرجت عن السنة كما خرجوا عنها أ. هـ السندي.
(2) صحيح. رواه البخاري في (الحيض، باب " 6 "،، والصوم، باب " 41 ") .
(3) لم أقف في مسلم هذا اللفظ. ولكنه في (الإيمان ح/132) بلفظ: " تمكث الليالي ما
تصل ". وأورده ابن حجر في الفتح (4/192) وتلخيص (1/163) .(1/872)
بالمسارقة (1) فإنها تأباه وهم الذين خرجوا على علي- رضي الله عنه-
بحروراء ممدودة، وحكى بعضهم القصر أيضا بعد مناظرة ابن عباس إيّاهم
ورجوع الغين فقال: على ما نسميكم قال: أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء،
قال أبو العباس في الكامل: والنسبة إلى مثل حروراء حروراوى وأحكم،
ولذلك كل ما كان في آخره ألف التأنيث الممدودة، ولكنه ينسب إلى البلد
يجدن الزوائد فقيل الحروري، قال الصلتان العبدي: يعنى فيما أرى أمه شهرت
سبقها وقد زيد في شرطها الأصبحي،/وحرورية وأزرق يدعو إلى الزرقي،
فمثلنا ابنا مسلمون على دين صديقنا والنبي وذكر الشهرستاني أنهم كانوا
بحروراء من ناحية الكوفة، ورأسهم عبد الله بن الكوار عتاب بن الأعور،
وعبد الله بن وهب الراسبي، وعروة بن جرير، ويزيد بن عاصم، وحرقوص بن
زهير البجلي، وكذا ذكر جماعة من العلماء: أنّ حروراء قرب الكوفة منهم أبو
الحسن بن المدائني في كتاب أخبار الخوارج، وأبو جعفر الطبري، وابن أعثم في
كتاب الفرج تأليفه، وأبو محمد الرباطي، وابن أبي حازم وابن الخزار، وزاد
السمعاني على ميلين من الكوفة، وأمّا ما ذكره إمام الإسلام أبو القاسم
عبد الرحمن بن محمد في كتاب الفرق بين الفرق من أنّ حروراء موضع
بالشّام فيشبه أن يكون وهما لما أسلفنا من كلام الأئمة، وتفرده فيما أعلم هذا
القول؛ ولأنّ عليا إنّما كان بالكوفة وقتالهم له كان هناك ولم يأت أنّه قاتلهم
بالشام؛ ولأنه بعد فراغه إنّما كان يرسل إليهم رجلا بعد آخر ليظهر لهم
شبهتهم والله تعالى أعلم، وأمّا قول الشهرستاني أن رأسهم كان ابن الكوار
وغيره فهو غير صواب لما ذكره من أسلفنا قوله كان رئيسهم ابن الكوار
وحرقوص، وإنما الذين عددهم كانوا رؤوسا في قومهم كبارا، قال الشهرستاني:
وكبار فرقهم ستة الأزارقة، والصغرية، والنجدات، والفجاردة، والإماضية،
والثعالبة والباقون فروع وهم البيهية، والضليّة، والميمونية، والحمرية، والخلفية،
والأطرافيّة، والشّيعية، والحازمية، والأحبشة، والمعتدية، والراشدية، والشيبانية،
والمكرمية، والمعلومية، والحفصية، والحارثية، واليزيدية، والزيادية، ويجمعهم القول
__________
(1) كذا ورد هذا السياق " بالأصل ".(1/873)
عن عثمان/وعلي ومقدمون ذلك على كل طاعة يصححون المناكحات إلا
على ذلك، ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف
السنة، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلا وإن احتيج إليه فيجوز أن
يكون عبدا أو حرا أو نبطيا، أو فارسيا، وحكى القرطبي أنهم يرون على
الحائض قضاء الصلاة إذ لم تسقط عنها في كتاب الله تعالى على أصلهم في
ردّ السنة على خلاف بينهم في هذه المسألة، وقد أجمع المسلمون على
خلافهم وأنه لا صلاة تلزمها، ولا قضاء عليها، وقيل: أنّ عائشة إنما قالت لها
ذلك لمخالفتهم السنة وخروجهم عن الجماعة، فخافت عليها عائشة فقالت لها
ذلك؛ لأنّ السنّة بخلاف ما سألت، وحكى عن سمرة أّنه كان يأمر أهله
بقضاء الصلاة في الحيض فأنكرت عليه أم سلمة، وذكر النووي رحمه الله
تعالى إنّها لا تقضى في زمنه الحيض شيئا إلا ركعتي الطواف.(1/874)
83- باب الحائض تتناول الشيء من المسجد
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عائشة
قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناوليني الخمرة من المسجد فقلت إنى حائض
فقال: ليست حيضتك في يدك ". هذا حديث خرجه مسلم (1) في صحيحه
وخرّج أيضا حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يا عائشة ناوليني
الخمرة " (2) الحديث، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث ثابت بن عبيد
عن القاسم عنها/أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ناوليني الخمرة " قال ورواه البيهقي عن
عائشة فقال حديث ثابت عن القاسم أحب إلي، وذلك أن البيهقي يدخل بيته
وبين عائشة عروة، وربّما قال: حدّثتني عائشة وبين البيهقي لا يحتج بحديثه
وهو مضطرب الحديث حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد نا وكيع
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدنى رأسه إلي
وأنا حائض وهو مجاور تعنى معتكفا فأغسله فأرجّله ". هذا حديث خرجه
الجماعة (3) في كتبهم من حديث الزهري عن عروة حدثنا محمد بن يحيى ثنا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/12) والنسائي (1/146، 192) وابن ماجة (ح/
632) وحبيب (2/38) .
وصححه الشيخ الألباني.
(2) المصدر السابق لمسلم: (ح/13) .
غريبه: قوله: " الخمرة " قال الهروي وغير هذه هي السجادة، وهو ما يضع عليها الرجل جزء
وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص. وقال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها
المصلى. وسميت خمر لأنها تخمر الوجه، أي: تغطيه. وأصل التخمير التغطية، ومنه خمار
المرأة. والخمر؛ لأنها تغطى العقل.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، ح/2،، والاعتكاف، باب 3،25 "،،
ولباس، باب " 76 " ورواه مسلم في (الحيض، ح/6، 7، 9) وأبو داود (ح/ 2469.2467)
والترمذي (ح/ 804) وصححه. والنسائي في (الحيض، باب ترجيل الحائض رأس زوجها وهو
معتكف في المسجد، وباب غسل الحائض رأس زوجها) ، ومالك في (الطهارة، باب " 28 "، ح/ 102) وابن ماجة (ح/ 633، 1778) واحمد (6/262) والطبري (6/102) وابن كثير (1/
325) وابن أبي شيبة (02/21) والتمهيد (8/322) والمسانيد (2/748) .(1/875)
عبد الرزاق أنبأ سفيان عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة قالت: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن ". هذا حديث
خرجاه في صحيحهما (1) ، وفي الباب حديث ميمونة بنت الحارث: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع رأسه في حجر إحدانا فتتلو القرآن وهي حائض ويقوم
إحدانا لخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض ". رواه أبو عبد الرحمن من
حديث سفيان عن منبوذ بن أبي سليمان، ويقال ابن سليمان الموثق عبد بن
معين البستي (2) عن أمه وهي مجهولة الحال لم يرو عنها غير ابنها فيما أعلم،
ولفظ أبي قرة السكسكي في مسنده: ذكر ابن جريج في حديثه أخبرني منبوذ
عن أمه أنها أخبرته عن ميمونة سمعتها تقول لابن عباس: " أي بني وأين
الحيضة من اليد كانت إحدانا ". الحديث وحديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كان في المسجد فقال يا عائشة ناوليني الثوب فقالت: إني/حائض فقال: إن
حيضتك ليست في يدك " (3) . ذكره في المحلى من حديث يحيى بن سعيد عن
يزيد بن كيسان وأبي حازم عنه وصححه، وحديث أم سلمة قالت: " دخل
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صرحه بالمسجد مناديا بأعلى صوته إنّ المسجد لا يحل لجنب
ولا حائض ". ذكره ابن ماجة (4) بعد هذا في باب اجتناب الحائض المسجد
فقال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي عيينة
عن أبي الخطاب الهجري عن مجدوح الهذلي عن جسرة قالت: أخبرتني أم
سلمة به وذكرته هنا اختصارا، وهو حديث قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا
زرعة وذكره بلفظ: " لا يصلح هذا الجنب ولا حائض إلا للنبي وأزواجه وعليّ
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 3 ") ومسلم في (الحيض، ح/15)
وأبو داود (ح/ 260) ، وابن ماجة (ح/ 634) ، وأحمد (6/68، 254) ، وعبد الرزاق (1252)
والمسانيد (2/453) ، والكنز (27445) .
(2) قوله: " البستي " وردت " بالأصل " " البنى " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) تقدم من أحاديث الباب ص 867.
(4) ضعيف. رواه ابن ماجة في " سننه " (ح/645) . في الزوائد: إسناده ضعيف. محدوج لم
يوثق، وأبو الخطاب مجهول. وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/137) ، وضعيف أبي داود (ح/31) .(1/876)
وفاطمة ". قال: يقولون: عن خيرة عن أم سلمة، والصحيح عن عائشة، قال أبو
محمد: وقد روى قلت عن جدّه عن عائشة غير أنه لم يذكر النبي وأزواجه،
وقال البخاري في تاريخه: محدوج عن جسرة فيه نظر، وقال ابن جرير: أما
محدوج فساقط يروى المعضلات عن جسرة، وأبو الخطاب، مجهول فسقط
هذا الجند، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى ثنا معلى بن
أسد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا إلا قلت ابن خليفة. حدثتني جسرة بنت
دجانة قالت: سمعت عائشة تقول: جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوه بيوت أصحابه
شارعة في المسجد فقال: " دعوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل النبي عليه
السلام فلم يصنع القوم شيئا وجاء أن ينزل فيهم رخصه، فخرج إليهم فقال:
دعوا هذه البيوت عن المسجد، فإنى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ". ولما
رواه أبو داود (1) قال: هو فليت العامري، ورواه محمد في تاريخه الكبير/عن
موسى ثنا عبد الواحد عن فليت أبي حسان عن جسرة بزيادة إلا لمحمد وآل
محمد، وقال يحيى بن سعيد: عن سفيان عن فليت العامري، وقال ابن
مهدي: عن سفيان عن فليت سمع جسرة ودهثمة وعند جسرة عجائب، وقال
عروة: عن عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام: " سدوا الأبواب إلا باب أبيِ
بكر " (2) . وهذا أصح، وقال ابن حزم: فليت غير مشهور ولا معروف بالثقة،
وفي موضع آخر وحديثه بمعنى هذا باطل، وقال أبو سليمان الخطابي وضعفوا
هذا الحديث فقالوا فليت روايته مجهولة، ولا يصح الاحتجاج بحديثه (3) ، وقال
البغوي في شرح السنة: بحديثه، وقال البغوي في شرح السنة: ضعف أحمد
هذا الحديث؛ لأن رواية فليت وهو مجهول انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لرواية
الثوري وعبد الواحد اللذين سبق ذكرهما عنه، وقال الإمام: ما أرى به بأسا،
وهو معارض لما ذكره البغوي، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال البرقاني: وقلت له
يعنى الدارقطني: فليت بن خليفة عن جسرة، قال: من أهل الكوفة صالح،
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 92. باب في الجنب يدخل المسجد، (ح/ 232)
(2) رواه ابن أبي عاصم (2/579) وتغليق (1085، 1086) .
(3) قوله: " بحديثه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/877)
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات فهاتان الجهالتان الحال والعين قد زالتا ولله
الحمد، وقال أبو محمد الأشبيلي: وذكر حديث عائشة لا يثبت من قبل
إسناده، قال ابن القطّان: ما رآه عنى في تضعيفه هذا الحديث إلا فليت، وذكر
بعض ما أسلفناه من تحسين حاله، وجسرة وثّقها الكوفي فقال تابعية ثقة، وقول
البخاري: عندها عجائب لا يكفي لمن يسقط بها ما روت، ويجئ على نظر
أبي محمد أن تكون مشهورة مقبولة لرواية اثنين عنها فليت وقدامة بن عبد الله
العامري الهزلي، ولم أقل فيه صحيح، وإنّما أقول إنّه حسن، وكلامه يعطى أنّه
ضعيف فاعله انتهى وزاد عبد الغني بن سرور في/الرواة عنها محدوجا،
وذكرها ابن حبان في كتاب الثقات فهو إذا صحيح على شرطه أيضا والله
تعالى أعلم، وأما قول البزار أثر حديث: " إن تعذّبهم فإنهم عبادك " (1) . ومن
حديث قدامة العامري عن جسرة عن عائشة لا تعلم حدّث عن جسرة غير
قدامة مردود بما قدّمناه، ودجانة بكسر الدال المهملة لا غير قاله ابن حبيب في
كتاب العقل من الزمخشري في كتابه المستقصى في الأمثال، بخلاف النظائر
فإنه مثلث الدال حكاه الليلي، وحديث كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لم يكن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمرّ فيه إذا
كان جنبا ". ذكره ابن حزم وضعّفه بمحمد بن الحسن من رمى له وكثير بقوله
هما مذكوران بالكذب، وليس كما زعم أبو محمد؛ لأنّ كثيرا ممن وثّقه أبو
زكريا يحيى بن معين في رواية ابن أبي حمزة وفي رواية معاوية بن صالح،
وخرّجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة له حديثا في صحيحه وكذلك الحاكم، وقال
محمد بن عبيد الله بن عمار: هو ثقة، وذكره البستي في الثقات، وخرّج له
حديثا في صحيحه، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ما أرى به بأسا، وقال
أبو الحسن فيما نقله عنه أبو العرب: حجازي ثقة ولم أر أحدا رماه بكذب،
ولا شدُّوا القول فيه والّذي رمى به قول أبي عبد الرحمن في تمييزه وذكره
وهو ضعيف، وقال أبو زرعة: ليّن، وفي رواية عن ابن معين ليس بشيء، وفي
رواية: ليس بذاك القوي، وقال ابن جرير الطبري هو عندهم لا يحتج بنقله،
__________
(1) صحيح. رواه الطبراني (10/177) والمسير (2/566) وشرح السنة (4/26) .(1/878)
وحديث أنس بن مالك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سدوا هذه الأبواب فإني لا أحل
المسجد " (1) ... الحديث وفيه فقال بعض الناس: " سدوا الأبواب إلا باب أبي
بكر " (2) ،/فقال: " إنى رأيت على أبوابهم ظلمة وعلى باب أبي بكر نورا قال:
فكانت الأخيرة أعظم عليهم من الأولى " (3) . ذكره ابن عدى من حديث
كاتب (4) الليث وهو منكر الحديث عنه عن يحيى بن سعيد عن أنس، وقد
جاءت أحاديث معارضة هذه: منها حديث عائشة: " أن سعدا رمى في الحلة
فضرب له النبي- عليه السلام- جنبا في المسجد ليعوده من قرب، وإنّ دمه
سال من خرجه حتى دخل حيا القوم " (5) . وحديثها عن وليدة " كان لها في
المسجد جنبا أو خفش " وهما في الصحيح، وكذا حديث ابن عمر: " كنت
شابا عزبا وكنت أبيت في المسجد في عهد النبي عليه السلام "، وحديث
عثمان ابن أبي العاص: " أنّ وفد ثقيف قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتى لهم
المسجد حتى تكون أرق لقلوبهم ". خرجه ابن خزيمة (6) في صحيحه، وكذا
حديث جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا
يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) (7) . إلا أن يكون عبد الواحد من أهل
الذمة، وحديث عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال عليه
الصلاة والسلام: " لا يصلح في المسجد مقيما ولا ضيفا ". ذكره الحافظ أبو
نعيم في كتاب المساجد (8) من تأليفه، وحديث: " المؤمن لا ينجس جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا ". وقد تقدم (9) ذكرهما، وذكر زيد بن أسلم: أن
الصحابة كانوا يجنبون وهم في المسجد، ذكره ابن المنذر، وعن عطاء بن يسار
__________
(1، 2) تقدما من أحاديث الباب.
(3) انظر: الكنز: (35686) .
(4) أورد المصنف " كلمة " تحت هذا الرقم " غير واضحة " وقال: هذا منكر.
(5) قوله: " القوم " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(6) وكذا قوله: " ابن خزيمة " كما سبق في حاشية " 3 ".
(7) سورة التوبة آية: (28) .
(8) انظر: كتاب المساجد لأبي نعيم.
(9) تقدم في بابه.(1/879)
قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلسون في المسجد مجنبون
فيتوضئوا وضوءهم للصلاة، وعن جابر قال: كان يمر أحدنا في المسجد جنبا
محتارا، ذكرهما سعيد بن منصور في سننه، وحديث ثمامة وقال: " /وربطه
مشركا في المسجد "، عند مسلم: " وأنّ أهل الصفة كانوا يبيتون في المسجد "،
ولا شك أنّ فيهم من يحتلم، ولم يأت أنهم نهوا عن ذلك وفي المصنف ثنا
هشيم، عن العوام: " أنّ عليا كان يمِر في المسجد وهو جنب "، وعن أبي
عبيدة يمِر ولا يجلس فيه ثم فسر: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " وعن هشام
الجنب والحائض يمران في المسجد، وقال بكر: قلت للحسن: تصيبني الجنابة
فاستطرق المسجد أو آخذ من قبل دار عبد الله بن عمر قال: بل استطرق إذا
كان أقرب، وفي الأشراف: ورخّص في المرور ابن مسعود وابن عبّاس وابن
المسيّب وابن جبير، وهذا هو الملجى لأهل الظاهر بأن جوّزوا لهما دخول
المسجد وكذلك النفساء، قال أبو محمد؛ لأنه لم يأت نهي عن شيء من
ذلك، وأمّا الشافعي ومالك وأبو حنيفة: فمنعوهم مطلقا، قال أبو حنيفة: وإن
اضطروا إلى ذلك تيمموا ومروا، وقال أحمد وإسحاق: الجنب إذا توضأ لا
بأس أن يجلس في المسجد.(1/880)
84- باب ما جاء للرجل من امرأته إذا كانت حائضا
حدثنا عبد الله بن الجراح ثنا أبو الأحوص عن عبد الكريم عن عبد الرحمن
ابن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت: " كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر في فور حيضها ثم يباشرها، وأيكم ملك أربه كما كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك أربه " (1) . وحدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ثنا
عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير عن
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " كانت إحدانا إذا حاضت/
أمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأتزر بإزار ثم يباشرها ". هذا حديث خرجه الأئمة
الستة (2) في كتبهم، ولفظ محمد: " كنت أغتسل أنا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء
واحد كلانا جنب فكان يأمرني أن أأتزر فقلت: تأمرني وأنا حائض، وكان
يخرج رأسه وهو معتكف واغتسله وأنا حائض " (3) ، وفي لفظ: " أن تتزر في
فور حيضها ثم يباشرها، وفي لفظ أبي داود: (4) " ثم يضاجعها "، ولما ذكره ابن
عساكر أغفل ما صدر به ابن ماجة، وذكر السندين بعده وهو في جماعة من
الأصول كما تراه والله تعالى أعلم، ولما خرج أبو عبد الله في مستدركه:
" وأيكم يملك أربه " (5) . الحديث من حديث عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (الحيض، باب " 5 "، والصوم، باب " 23 ") ، ومسلم في (الحيض، ح / 273) ، وأبو داود (ح / 273) وفيه " يأمرنا في فوح حيضنا " والفوح: بفتح الفاء وسكون الواو وآخره حاء مهملة. قال الخطابي: فوح الحيض: معظمه وأوله. والترمذي (ح / 132) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. وابن ماجة (ح/635، 636) ، وأحمد (6 / 40، 42، 44، 98، 113، 126) .
غريبه: قوله: " أربه " بكسر فسكون أو بفتحتين بمعنى الحاجة. أي: إنه كان غالبا لهواه أو شهوته.
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) رواه أبو عوانة: (1 / 313) .
(4) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب (106) ، (ح / 268) ولفظه: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يُضاجعها زوجها، وقال مرة يباشرها.
(5) قلت: وهذه لفظة من " حاشية الحديث " رقم " 1 " المتفق عليها.(1/881)
الشيباني عبد الرحمن عن أبيه قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه بهذا اللفظ؛ إنما أخرجا في الباب حديث منصور عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة: " كان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر إحدانا إذا كانت
حائضا أن تتزر ثم يضاجعها " (1) . وما شعر أن مسلما روى هذا اللفظ من
حديث علي بن مسهر، أنبأ أبو إسحاق عن عبد الرحمن، به سواء في كتاب
ابن حزم عنها من طريق ضعيف: " كانت تنام مع النبي عليه الصلاة والسلام
وهي حائض وبينهما ثوب" (2) ، وفي لفظ عنها: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عما
يحل للرجل من امرأته قال: " ما فوق الإزار " (3) ، وفي الأوسط من حديث قُرة
عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: " طرقتنى الحيضة وأنا مع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فراشه فانسللت حتى وقفت بالأرض فقال: ما شأنك؟ فأخبرته إنى
حضت فأمرني أن أشد على إزاري إلى أنصاف/فخذي وأن أرجع " (4) وفيه
من حديث ابن أبي مليكة عن عبيد بن عمير عنها قالت: " جاءت امرأة إلى
النبي عليه الصلاة والسلام فسألته ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض،
فقال: ما فوق السرة " (5) ، وقال: لم يروه عن ابن خيثم يعنى عن ابن أبي
مليكة إلا القاسم تفرد به مقدم بن محمد، وفي كتاب الدارمي من حديث
يزيد بن السرى عنها: " كان النبي عليه الصلاة والسلام يتوشّحني وأنا حائض
ويصيب من رأسي وبيني وبينه ثوب " (6) ، وفي كتاب التمهيد من حديث ابن
لهيعة أنّ قرط بن عون سألها: أكان النبي عليه الصلاة والسلام يضاجعك
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/268) والنسائي في (الطهارة، باب " 177 "، والحيض، باب
" 12 ") وأبو عوانة (1/309) ومعاني (2/165، 166) وابن عدي في " الكامل " (2/649)
والكنز (27713) .
(2) ضعيف. رواه ابن عبد البر في: " التمهيد ": (3/166) .
(3) صحيح. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/281) وعزله إلى أبي يعلى ورجاله رجال
الصحيح.
(4) صحيح. رواه أحمد بنحو (4/65، 5/64، 378) وله شواهد صحيحة.
(5) صحيح. رواه الخطيب في " تاريخه " (6/139) . وله شواهد صحيحة.
(6) صحيح. رواه أحمد (6/ 187، 219) والبيهقي (1/312) . وله شواهد صحيحة.(1/882)
وأنت حائض، قالت: نعم إذا شددت علي إزاري، وذلك إذ لم يكن لنا إلا
فراش واحد، فلما رزقنا الله تعالى فراشين اعتزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) ثم قال:
لا يروى إلا من طريق ابن لهيعة، وليس بحجة، وفي الموطأ (2) عن ربيعة: " أن
عائشة كانت مضطجعة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوب واحد، وإنها وثبت وثبة
شديدة فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مالك لعلك نفست ... " الحديث قال ابن الحصار:
هذا مقطوع لا تعذر على إسناده من حديث عائشة فيما علمت، وفي لفظ
للنسائي (3) : " تزر بإزار واسع ثم تلتزم خدرها وندبيها "، وفي الأوسط: " كنت
أغطّى سفلى ثم يباشرني " (4) ، وقال: لم يروه عن نافع إلا ابن أرطأة ولا عن
حجاج إلا عمرو بن أبي قيس وحفص بن غياث، وفي حديث آخر " يضاجعني
وأنا حائض ثم نغتسل جميعا من إناء واحد " (5) ، وقال: لم يروه عن يحيى السقا
إلا الحارث بن مسلم/حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا
محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة قال، عن أم سلمة قالت: " كنت مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لحافة فوجدت ما يجد النساء من الحيضة فانسللت من اللحاف فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنفست؟ قلت: وجدت ما يجد النساء من الحيضة قال: ذاك
ما كتب على بنات آدم، قالت: فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعالى فادخلي معى في اللحاف، قالت: فدخلت معه ". هذا
حديث خرجاه في صحيحهما (6) ، وفي كتاب الدارمي زيادة " وكانت هي
__________
(1) قلت: ذكره المصنف وعزاه إلى " التمهيد " وهو معلول؛ بابن لهيعة. انظر: التمهيد (3/161) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه مالك (ص 58، ح/94 من كتاب الطهارة والبخاري في
) الحيض، باب " 4 " ومسلم في (الحيض، ح/5) .
قول: " مالك " أي: أي شيء حديث لك حتى وثبت.
(3) رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 180. باب مباشرة الحائض 01/151) .
(4) ضعيف. تاريخ أصفهان: (1/268) .
(5) ضعيف. رواه ابن عبد البر في " التمهيد " (3/162) ، ولفظه: " كان يضاجع أم سلمة وهي
حائض ".
وراجع: سنن الدارمي (1/260، ح/1045) .
(6) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح / 298، 322، 323) ، ومسلم في (الحيض، ح/
62) ، والنسائي في (الطهارة، باب مضاجعة النساء) .(1/883)
والنبي عليه السلام يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة وكان يقبلها وهو
صائم ". حدثنا الخليل بن عمرو ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن
أبي سفيان عن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سألتها كيف كنت تصنعين مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحيض قالت: " كانت إحدانا في فورها أوّل ما تحيض
تشدّ عليها إزارا إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) .
هذا حديث إسناده صحيح، وفيه طريقة ثلاثة من الصحابة يروى بعضهم عن
بعض، الخليل كتب عنه جماعة منهم: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن هارون
الفلاس، وعلي بن إسحاق زاطيا وهاشم بن زكريا، ومحمد بن سلمة حديثه
في صحيح مسلم، وسويد بن قيس تقدّم ذِكْرنا له، وإن البستي: وثقة وفي
الباب غير ما حديث، من ذلك: حديث ميمونة: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا/أراد أن
يباشر المرأة من نسائه أمرها فأتزرت وهي حائض " (2) . وقع لنا عاليا أنبأ به
الإمام تاج الدين بن دقيق العيد أنبأ ابن الحميري، أمّا السلمي أنبأ الثقفي ثنا
ابن مأثومة ثنا محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن سمعان نا أسباط بن
محمد عن الشيباني عن عبد الله بن شدّاد عنها، وهو مخرج في الصحيح،
وفي كتاب النسائي (3) من حديث ندبة عن مولاتها ميمونة وهي مرسية
بالجهالة: " إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين والركبتين يحتجز به "، ولما
ذكر الحافظ ضياء الدين حديث ميمونة هذا في أحكامه أشار إلى أنّه عند
أحمد وأبي (4) داود والنسائي، وكذلك المنذري وغفلا عمّا أسلفناها وحديث
__________
(1) رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 121. باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا،
(ح/638) . قال السنديْ: الحديث صحيح معنى، وإن بحث في الزوائد هذا الإسناد بأن فيه
محمد بن إسحاق، وهو يدلس، وقد رواه بالعنعنة.
(2) صحيح. رواه البخاري (1/83) ، وأبو داود (2167) ، وأحمد (6/336) ، والبيهقي (1/
311، 7/191) ، والطبري 02/227) ، وابن كثير (1/379) ، والمنثور (1/259) ، والتمهيد
(3/169، 5/262) ، والكنز (18340) .
(3) رواه النسائي في: 1. كتاب الطهارة، 180. باب مباشرة الحائض (1/151. 152) .
(4) رواه أبو داود في 1. كتاب الطهارة، باب قوله: " ندبة " بفتح نون ودال جميعا آخره=(1/884)
عمير مولى عمر بن الخطاب قال: " جاء نفر من أهل العراق إلى عمر فقال لهم
عمر: أيأذن خيثم قالوا: نعم. قال: ما جاء بكم؟! قالوا: جئنا نسأل عن ثلاث،
قال: وما هن، قالوا: صلاة الرجل في بيته تطوعا ما هي؟ وما يصلح للرجل
من امرأته وهي حائض؟ وعن الغسل من الجنابة؟ فقال: لقد سألتموني عن
ثلاثة أشياء ما سألني عنهن أحد منذ سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهن، أما
الحائض: فما فوق الإزار وليس له ما تحته "، وذكر يأتي في الحديث وفي لفظ:
" ألا يطلعن إلى ما تحته حتى تطهر "، رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في
مسنده (1) وهو ضعيف، كذا قاله ابن حزم وهو غير صحيح؛ لأنه ممن وثقة
العجلي وأبو حاتم البستي وصحح أبو عيسى له حديثا، وخرّج له ابن الجارود
في منتقاه من طريق ضعيفه، ومن طريق أخرى منقطعة يقرّ على ذلك ابن
حزم، وحديث حكيم بن حزام عن عمه عبد الله بن سعد أنّه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض قال:/ " لك ما فوق الإزار ". ذكره أبو
داود (2) وأصله عند ابن ماجة. وحديث عكرمة عن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ". رواه أبو داود (3) إسناد
صحيح عن موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن أيوب عنه، وحديث عبد الله بن
عباس: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر أم سلمة وعلى قبلها ثوب يعنى وهي
حائض ". أنبأ به المسد المعمر أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف المصري
أنبأ أم أحمد زينب الحرانية قرات عليها وأسمع أنبأ ابن طراز وأنبأ أبو غالب
إلينا أنبأ أبو الغنايم بن المأمون أنبأ أبو القاسم أنبأ أبو بكر عبد الله بن سليمان
__________
= موحدة، وقيل بسكون الذال، وحكى: بضم النون وسكون الدال. وقال ابن حزم في المحلى:
أبو داود يروى هذا الحديث عن الليث فقال: ندبة بفتح النون والدال، ومعمر يرويه ويقول: ندبة بضم النون وإسكان الدال، ويونس يقول: بدية بالباء المضمومة والذال المفتوحة والياء المشددة، وحكى المزي في التهذيب قولا آخر: أنها بدنة بفتح الباء الموحدة والدال المهملة بعدها نون.
(1) بنحوه أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/281) مختصرا، وعزاه إلى أبي يعلى من
حديث عاصم بن عمر. ورجاله رجال الصحيح.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/212) والموضح (1/111) وإتحاف (10/230) والمنثور (1/
259) والبيهقي (1/312) . قلت: وأصله عند ابن ماجة.
(3) إسناد صحيح. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، باب: " 106 "، (ح/272) .(1/885)
بن الأشعث ثنا هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى
ابن أبي كثير عن عكرمة عنه، وذكره ابن حزم من طريق عبد الرحمن بن
سليمان عن محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس، أنه سئل عما يحل من
المرأة الحائض لزوجها فقال: سمعنا والله تعالى أعلم إن كان قاله رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو كذلك " يحل له ما فوق الإزار "، ورد لعدم تحقق ابن عباس إسناده
وما أسلفناه يقضى عليه والله تعالى أعلم، وحديث معاذ سألت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقال: " ما فوق الإزار والتعفف
عن ذلك أجل "، رواه أبو داود (1) من حديث بقية عن سعد الأفطس، وقال:
ليس بالقوي، وقال ابن حزم: هذا خبر لا يصح؛ لأنه عن بقية وليس بالقوى
عن الأعطش، وهو مجهول، ورواه أبو القاسم في الكبير (2) من حديث
إسماعيل بن عياش، قال حدثنى سعيد بن عبد الله/الخزاعي عن عبد الرحمن
ابن غنم عن معاذ به فخرجا من الإسناد، وحديث كريب مولى اين عباس قال
سمعت أم المؤمنين تقول: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضطجع معى وأنا حائض
وبيني وبينه ثوب " (3) . ذكره ابن وهب في مسنده من حديث مخرمة عن أبيه
عنه. وحديث أبي ميسرة قال: قالت أم المؤمنين: " كنت أتزر وأنا حائض، ثم
أدخل مع النبي عليه السلام في لحافه ". رواه الدارمي في مسنده (4) بإسناد
صحيح عن عبد الصمد ثنا شعبة عن أبي إسحاق عنه، وحديث زيد بن أسلم
أنّ رجلا سأل النبي- عليه الصلاة والسلام- ما يحل لي من امرأتي وهي
حائض، قال: " ليشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " ذكره مالك في الموطأ (5)
(1) ضعيف. رواه أبو داود (ح/ 213) والمشكاة (552) والكنز (44896) والمنثور (1/260)
وابن كثير (1/379) قلت: وعلته بقية بن الوليد.
(2) قلت: ورواية الطبراني معلولة أيضا بإسماعيل بن عياش.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/4) والبيهقي (1/311) وأبو عوانة (1/310) .
(4) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الوضوء، 107. باب مباشرة الحائض، (ح/ 1048) .
(5) ضعيف. رواه مالك في: 2. كتاب الطهارة، 26. باب ما يحل للرجل من امرأته وهي
حائض، (ح/ 93) . قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا رواه بهذا اللفظ مسندا؛ ومعناه صحيح
ثابت.-(1/886)
وقال أبو عمر في التمهيد: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث مسندا بهذا اللفظ،
ومعناه صحيح ثابت والله تعالى أعلم، قوله: أنفست بفتح النون يعني. حضت
هكذا الرواية، قال الحري: نفست المرأة ونفست إذا ولدت ونفست بالفتح
أيضا لا غير حاضت، وفي أفعال ابن طريف عكسه نفست المرأة بضم النون
إذا ولدت، ونفست ونفست بضم النون وفتحها إذا حاضت، وكذا حكاه ابن
القوطية أيضا، وحكى الزمخشري أن اللحياني قال في نوادره: نفست المرأة
تنفس بكسر الماضي والمستقبل مثل حسب يحسب وإخواته وليس ذلك
بمعروف، فقال أبو علي الفارسي في التذكرة: وأصله من الشقق والانصداع،
فقال: تنفست القوس إذا تشققت، وقال ابن درستويه في شرحه للفصيح: إنمّا
سُمّى الدم نفسا لنفاسه في البدن وقوام الروح والبدن به، وحكى ابن عدليس
أنّ الحائط يقال لها نفسا، وبوّب البخاري على هذا باب من سمّى النفاس
حيضا ورد عليه،/وقيل: الصواب أن نقول: باب من سمّى الحيض نفاسا،
وكأنه أراد حكم هذا الحكم هذا في منع الصلاة أو لاشتراكهما لغة، كما
تقدّم قولها: إذ انسللت، قيل: لأنها خافت وصول شيء من الدم إليه، أو
تعددت نفسها ولم ترضها للمضاجعة عليه السلام، أو خافت نزول الوحي
وسفله يحركها عمّا هو فيه فلهذا أخفت انسلالها، والأرب فيه لغتان قال
الجوهري: أرب، وأربة، وإرب، ومأربه، وهي: الحاجة، زاد القزاز والجمع: آراب
ومشارب، ومنه قول عائشة: كان أملككم لاربه أي لحاجته، ولا رتبة وهي
الحاجة أيضا، زاد اللحياني في نوادره: والماربة بفتح الراء وكسرها وضمها
الحاجة، اختلف العلماء في مباشرة الحائض، فأجاز مالك وأبو حنيفة والشّافعي
في أصح الأقوال ما فوق الإزار، وهو قول ابن المسيب وسالم والقاسم وطاوس
__________
وقال الزرقاني: رواه أبو داود عن عبد الله بن سعد الأنصاري.
ورواه أبو داود بإسناد فيه ضعيف في: 1. كتاب الطهارة، باب (82) ، (ح/213) . وتقدمت
رواية أبي داود.(1/887)
وشريح وقتادة وسليمان بن يسار والأوزاعي، وقال أحمد وإسحاق ومحمد بن
الحسن وداود وأصبع وبعض أصحاب الشافعي: ليستمتع منها بما دون الفرج،
وهو قول ابن عباس والنخعي والشعبي والحسن وعكرمة والثوري معلّقا- بقوله
عليه الصلاة والسلام- حديث أنس الذي في الصحيح: " اصنعوا كل شيء إلا
النكاح " (1) . قال ابن حزم: وأما حديث عائشة: " كنت إذا حضت نزلت عن
المثال إلى الحصير فلم تغرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يدن منى حتى أطهر "، فخبر
ساقط وقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) (2) . والمحيض في اللغة: قد
يكون موضع الحيضة، وهو الفرج وهذا فصيح معروف، فتكون الآية حينئذ
موافقة لخبر أنس، وهذا هو الذي صح عمن جاء عنه في ذلك شيء من
الصحابة، قال مسروق: سألت عائشة: ما يحل لي من/امرأتي وهي حائض
قالت: " كل شيء إلا الفرج ". وعن علي وابن عباس وأبي طلحة: " فاعتزلوا
النساء في المحيض " قال اعتزلوا نكاح فروجهن، وهو قول أم سلمة ومسروق
وعطاء وغيرهم، وأما مؤاكلة الحائض ومضاجعتها وقبلتها، فأمر مجمع عليه
فيما حكاه محمد بن جرير في كتاب تهذيب الآثار إلا ما شهد به عبيدة
السلماني.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/16) ، وابن ماجة (ح/644) ، والمشكاة (525) ،
وأحمد (3/132) ، وتلخيص (1/164) ، وابن عساكر في " التاريخ " (3/58) ، وابن كثير (1/
378) ، ومعاني (3/38) ، والكنز (44894) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) سورة البقرة آية: 222.(1/888)
85- باب النهي عن إتيان الحائض
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد ثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة
عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهيجامي عن أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من أتى حائضا أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما
أنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". هذا حديث لما خرجه أبو عيسى (1) قال: لا يعرف
إلا من حديث حكيم عن أبي تميمة عن أبي هريرة، وإنّما معنى هذا عند أهل
العلم على التغليظ، فقد روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " من أتى حائضا
فليتصدق بدينار " (2) ، فلو كان إتيان الحائض كفرا لم يؤمر فيه بالكفارة،
وضعّف محمد هذا الحديث من جهة إسناده، وقال في العلل: سألت محمدا
عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من هذا الوجه، وضعف الحديث جدا، وقال
البخاري في التاريخ الكبير وذكر حكيما بهذا الحديث وهذا حديث لم يتابع
عليه ولا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة، وفي كتاب العقيلي: هذا
رواه جماعة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة موقوف، وقال
الطوسي في أحكامه: هذا حديث يضعف من قبيل إسناده، وقال/عبد الحق
في الكبرى: لا يصح، وقال أبو أحمد بن عدي: حكيم يعرف بهذا الحديث
وليس له غيره إلا اليسير، وقال البزار: حكيم بصرى حدّث عنه عوف وابن
سلمة ولكن في حديثه شيء؛ لأنه حدّث عن حماد بحديث منكر، قال ذلك:
في مسند عياض بن حماد، وقال محمد بن يحيى: قلت لابن المديني: حكيم
الأثرم من هو؟ قال: أعيانا هذا، وفي رواية عنه: لا أدرى من أين هو؟ روى
عنه عوف الأعرابي وسعيد بن عبد الرحمن، وفي كتاب ابن المرقى عن ابن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/135) . وقال أبو عيسى: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث
حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وإنما معنى هذا عند أهل العلم على التغليظ.
وابن ماجة (639) ، وأحمد (2/408، 476) ، والدارمي (1/259) ، والترغيب (3/291) ،
والمشكاة (551) ، وإتحاف (5/3756) ، وتلخيص (3/180) ، والمنثور (1//260) وابن كثير
(11/386) ، والقرطبي (3/95) . قلت: والحديث إسناده متصل. وصححه الشيخ الألباني.
(2) انظر: سنن الترمذي: عقب الحديث السابق.(1/889)
معين: هو ضعيف، رأى ذلك البستي فذكره في كتاب الثقات، وسمّى إياه
أيضا حكيما ونسبه بصريا وضعه بالرواية عن الحسن الهناد ذكر حديثه في
الصحيح وكذلك ابن الجارود، وفي كتاب الآجري سألت أبا داود عن حكيم
الأثرم فقال: ثقة حدّث يحيى بن سعيد عن حماد بن سلمة عنه، وقال
النسائي في كتاب التمييز: ليس به باس ولو سلم الحديث من شائبة الانقطاع
لكل قول من صححه صحيحا والله تعالى أعلم على أنّ ابن سعد يؤخذ من
كلامه اتصاله، وذلك؛ أنه لماّ ذكر طريق بن مجالد في الطبقة الثانية من
البصريين الذين رووا عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأبي بن كعب وأبي
موسى وصفه بالثقة، وقال توفي سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن
عبد الملك ومن أدرك مثل هؤلاء فلا يبعد سماعه من أبي هريرة، على أنّ
البخاري لم يجزم بعد سماعه منه حرصا منه على قاعدته مع أنه ليس مدلسا،
ولقبه له ممكن فعنعنة تحمل على السماع حتى يأتي ما يمنع ذلك صريحا والله
تعالى أعلم، وسيأتي له إن شاء الله تعالى شواهد ومتابعات في كتاب النكاح
وكلام العقيلي لا يؤثر في صحة هذا الحديث فإنه غيره.(1/890)
86- باب في كفارة من أتى حائضا
/حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد ثنا محمد بن جعفر وابن أبي
عدى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدّق بدينار أو بنصف دينار ".
هذا حديث لما رواه أبو داود (1) قال: هكذا الرواية الصحيحة دينار أو نصف
دينار، وربما لم يرفعه شعبة ثنا عبد السلام بن مطهر نا جعفر يعنى سليمان عن
علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال:
" إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار ". قال أبو
داود (2) وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم، وعنه من حديث
شريك عن خصيف عن النبي عليه السلام: " إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض
فليتصدق بنصف دينار " (3) . وكذا قال علي بن بذيمة عن مقسم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مرسل، وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
عن النبي- عليه الصلاة والسلام- قال: " امرأتان تتصدق بخمس دينار يعنى
معضلا " (4) ، ولما خرجه النسائي في عشرة النساء فيما ذكره ابن عساكر، وجه
المزي ولم أره في المكان المذكور من المختار الكبير، قال شعبة: أمّا حفظي
فمرفوع، وقال: فلأنّ فلان لا يرفعه، وخرجه أيضا عن الحسن الزعفراني عن
محمد عن الصباح عن إسماعيل بن زكريا عن عمرو بن قيس عن الحكم بن
مقسم عن ابن عباس قال: " واقع رجل امرأته وهي حائض الحديث ... " /، وفي
لفظ إن كان الدم غبيطا، وفي كتاب الحيض لأحمد قال أبو عبد الله: لم
__________
(1) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 105. باب في إتيان الحائض، (ح/264) .
قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار، ورّبما لم يرفعه شعبة.
(2) حسن. رواه أبو داود في: 1. كتاب الطهارة، 105. باب في إتيان الحائض، (ح/265) .
قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم.
(3) المصدر السابق: (ح/266) .
(4) المصدر السابق.(1/891)
يرفعه عبد الرحمن ولا بهذا عن شعبة، وفي السنن للبيهقي في إسناده أبي
عبد الله قال أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه: جملة هذه الأخبار مرفوعة
وموقوفة يرجع إلى عطاء العطار وعبد الحميد وأبي أمية وفيهم نظر، وأمّا قول
البيهقي: وقيل عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موقوفا فإن كان
محفوظا فهو من قول ابن عباس يصح ففيه نظر؛ لأنّ إسناده عنده صحيح
رواه عن أبي بكر القاضي عن أبي العباس الأصم عن محمد بن إسحاق
الصنعاني عن أبي الجواب عن الثوري عنه، وأبو الجواب حديثه في صحيح
مسلم. وفي كتاب للجوزقاني وذكره من حديث الوليد بن مسلم حدثنى
عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن علي بن بذيمة سمعت سعيد بن جبير
يحدّث عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ضعيف نسمته هذا " (1) . حديث منكر
تفرد به عبد الرحمن وهو ضعيف جدا، وفي كتاب الحلال قال أحمد: لو
صح الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنّا نرى عليه الكفارة، قيل له: في نفسك منه
شيء؟ قال. نعم؛ لأنه من حديث فلان أظنه قال عبد الحميد: وقيل:
عبد الرحمن بن مهدى قيل لشبعة: إنك كنت ترفعه قال: إنى كنت مخبوبا
فصححت، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عنه قال: اختلفت فيه الرواية، ولم
يسمعه الحكم من مقسم، وسمعت أبا زرعة يقول: لا أعلم قتادة روى عن
عبد الحميد شيئا ولا عن الحكم، وقال أبو سليمان الخطابي: وقال أكثر
العلماء: لا شيء عليه وليستغفر الله، وزعموا: أنّ هذا الحديث مرسلا وموقوفا
على ابن عباس، ولا يصح متصلا مرفوعا، والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة
بشغلها،/وقال ابن المنذر: هذا حديث في سنده اضطراب، فإن ثبت قلنا به
وإن لم يثبت قلنا به وإن لم يثبت لم يقل به، وقال عبد الحق في الكبرى: لا
يصح، ولما ذكره في الوسطى عاب على أبي عيسى قوله روى موقوفا على ابن
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/282) من حديث ابن عباس، قال:
جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أصبت امرأتي وهي حائض فأمره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعتق نسمة، وقيمة النسمة يومئذ دينار. قال الهيثمي: ورواه الترمذي وغيره خلا عتق النسمة وعزاه إلى الطبراني في " الكبير " وفيه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهو ضعيف.(1/892)
عباس، ولم يتعرض لضعفه وهو لا يروى بإسناد يحتج به، وقد روى فيه
يتصدق بخمس دينار وعند أبي داود: " يعتق نسمة " (1) ، قال: وفيه النسمة
يومئذ دينار ولم يخص في إتيان الحائض، وما من دم ذكره النسائي عن ابن
عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يصح في إتيان الحائض إلا التحريم، ولما ذكره أبو
محمد من حديث مقسم عن ابن عباس: " إن كان الدم غبيطا فدينار وإن كان
فيه صفرة نصف دينار ". ردّه؛ بأنّ مقسما ليس بالقوى فسقط الاحتجاج به،
ومن جهة شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: " فتصدّق
بنصف دينار "، ثم قال خصيف وشريك كلاهما ضعيف، ومن جهة الأوزاعي
عن يزيد أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مرسلا يتصدّق بخمسي
دينار ردّه بالإرسال ورده البيهقي بالانقطاع، ومن جهة عبد الكريم أبي المخارق
قال: وهو حديث باطل، ومن جهة عبد الملك بن حبيب ثنا أصبع ابن الصّرح
عن الشعبي عن زيد بن عبد الحميد عن أبيه أنّ عمر وطئ جارية له فإذا بها
حائض فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تصدق بنصف دينار " (2) . وحديث عبد الملك
أيضا عن المكفوف عن أيوب بن حوط عن قتادة عن ابن عباس مرفوعا:
" فليتصدق بدينار أو بنصف دينار "، ثم قال كيف بهذا سقوطا كونهما من
رواية عبد الملك كيف وفيهما غيره، أما الشعبي فلا تدرى من هو وضع ذلك
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي: أبواب الحيض، 103. باب ما جاء في الكفّارة في ذلك، (ح/
137) . وقال: حديث الكفارة في إتيان الحائض قد رُوى عن ابن عبّاس موقوفا ومرفوعا. وهو
قول بعض أهل العلم. وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقال ابن المبارك: يستغفر ربه، ولا كفّارة
عليه. وحديث ابن عباس هذا في كفّارة إتيان الحائض قد روى بأسانيد كثيرة، وبألفاظ مختلفة،
واضطربت فيه أقوال العلماء جدا. وقد وجدت له نحوا من خمسين طريقا أو أكثر، وذكرها
مفصلة يطول بها الأمر كثيرا. ومداره في أكثر الأسانيد على مقسم مولى ابن عباس عن ابن
عباس. وهو الجادة في روايته. ورواه بعضهم من طريق عكرمة عن ابن عباس، وليس بالثبت،
لضعف رواته عن عكرمة وقد يكون هذا شاهدا فقط لحديث مقسم.
قلت: ورواية الترمذي: " ليس بها غبيطا " وبلفظه: رواه الدارمي (ح/1111) .
(2) ضعيف. جامع المسانيد: (1/1096) .
قلت: به من لا يعرف.(1/893)
فهو مرسل، وأمّا المكفوف فلا يعرف من هو وابن حوط/ساقط، ومن حديث
الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن علي بن بذيمة عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا: " يعتق نسمة "، ورد بأن رواية غير الوليد
موسى بن أيوب وهو ضعيف، وكذلك ابن جابر قال: فسقطت جمع الآثار
في هذا الباب. انتهى كلامه وفيه نظر: من حديث بن عبد الملك: ثم بابن أبي
المخارق، وإن كان له في ذلك سلف وهو ما رواه روح بن عبادة عند الطبراني
عن سعيد بن أبي عروبة عن عبد الكريم بن أبي أمية كما قاله أبو الوليد
الوتيتني وغيره من أنه الجزري لا ابن أبي المخارق والله تعالى أعلم، وقال أبو
عمر بن عبد البر: وهذا حديث مضطرب، ولا تقوم بمثله حجة، وقال الشافعي
رحمه الله: فإن أتى رجل امرأته حائضا أو بعد ولية الدم ولم يغتسل
فليستغفر الله تعالى ولا يعد، وقد روى فيه شيء لو كان ثبتا أخذنا به، لكنه لا
يثبت مثله، وفي المعرفة لأبي بكر: وذكر حديث مقسم فاعله لوقف شعبة له
ورواية شريك بقوله وكان شريكا شكّ في رفعه، ورواية عبد الكريم أبي أمية
تارة عن مقسم وتارة عن عكرمة وأبو أمية لا يحتج به، ورواه يعقوب بن
عطاء وهو لا يحتج به عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا ورواه عطاء بن
عجلان، وهو ضعيف موقوفا يتصدّق بدينار وإن لم يجد بنصف دينار، وكذا
رواه علىّ بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجذري عن مقسم عن ابن عباس،
وضعّف ابن القطّان حديث خصيف به، ولما ذكر أبو الفرج: حديث ابن عباس
في تحقيقه، ضعفه، وقال الغزالي: هو حديث ضعيف، وقال الشيخ محى الدين
رحمه الله تعالى وذكره: هذا حديث ضعيف باتفاق الحفاظ، ولما ذكره أبو
الحسن في كتاب الغرائب قال: غريب من حديث عمرو بن/ قيس الملائي عن
الحكم عن عبد الحميد تفرد به عمر بن شهيب، وقد روى عن جماعة من
السلف ما يؤذن بأنه غير صحيح منهم الشعبي، وسئل عن فاعل فقال: ذنب
أتاه ليستغفر الله ويتوب إليه ولا يعود، وقال جبير: ذنب أتاه وليس عليه كذا
رواه، وقال القاسم: يعتذر إلى الله ويتوب، وقال عطاء: يستغفر الله وليس عليه
شيء، وكذا قاله ابن أبي ملكية، وعن أبي قلابة أن رجلا أتى أبا بكر فقال:(1/894)
رأيت في المنام كأني أقول قال: تأتى امرأتك وهي حائض؟ قال: نعم قال: اتق
الله ولا تعدو عن ابن سيرين، وسئل عن ذلك قال: يستغفر الله تعالى، وقال
إبراهيم: ذكره الدارمي في مسنده (1) قال ابن المنذر به، وقال عطاء ومكحول
والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب ومالك والليث
والثوري والنعمان ويعقوب، وأما المصححون فالإمام أحمد بن حنبل في رواية
أبي داود عنه أنه قال: ما أحسن حديث عبد الحميد في كفارة الحيض، قيل
له: تذهب إليه؟ قال: نعم، وفي رواية الميموني عنه عبد الحميد ولى الكوفة
لعمر بن عبد العزيز والفاسي قديما قد حملوا عنه وليس به بأس، وقال الحربي:
هذا الحديث اختلف فيه أصحاب شعبة فرفعه يحيى وغندر ومعاذ ووهيب وابن
أبي عد ووثقه وكيع وابن مهدى، وحكى عنه ابن مهدى كتب في رفعه
كالمجنون، فصححت أنّى رجعت إلى الفاقة، فإن ذلك من قول شعبة صحيحا،
فكأنه رجع عن رفعه وبعض، يريد عبد الحميد ورفعه وبعض روح أيضا
عبد الحميد وافقه، وجعل مكان مقسم عكرمة، وعبد الحميد هو ابن أخي عمر
ابن الخطاب، أمّه: ميمونة بنت وهبة، ولاه عمر بن عبد العزيز الكوفة، وكان
أبو الزناد كاتبه، وكان من أحسن الناس وجها روى عنه بكر بن الأشج وزيد
ابن أبي أنيسة وغيرهما، وأمّا حديث/حماد بن الجعد عن قتادة عن الحكم
عن عبد الحميد عن مقسم، وحديث ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحكم عن
عبد الحميد عن مقسم لم يذكر عبد الحميد والحكم يوجب أن يكون القول
قول حماد بن الجعد؛ لأنّه زاد قال: واختلف أصحاب الحكم، فرفعه إسماعيل
ابن مسلم وسفيان بن حسين ورقية ووثقه الأعمش والمسعودي وأبو عبد الله
الشعرى وابن أبي ليلى وخالد، وأرسله خصيف فكان اتفاقه في هذا الحديث
أثبت عندي، واختلف أصحاب خصيف، فرفعه شريك وإسرائيل، وأوقفه ابن
سعيد ومعمر، وأرسله الثوري وابن جريج، وقول حماد عن عكرمة وهم بيّن
فالحكم يوجب أن يكون القول قول شريك وإسرائيل، واختلف أصحاب
عبد الكريم، فكان ممن وثقة ابن عيينة وأبان وحجاج وأبو جعفر وابن جريج
__________
(1) المصدر السابق للدارمي: (ح/1112) . قلد وهذا حديث صحيح.(1/895)
وأرسله أبو الأحوص، فالقول قول من رفعه لكثرتهم، وعبد الكريم هذا غيره
أوثق منه، وأمّا حديث علي بن الحكم والثوري عن علي بن بذيمة عن مقسم
فأسده علي بن الحكم، وأرسله الثوري، ولما ذكره أبو جعفر في شرح المشكل
وذكر بعده حديث عمر أنه كانت له امرأة تكره الجماع فوقع عليها وهي
حائض فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تصدق بخمس دينار " (1) . قال: والأحاديث
الأولى أولى من هذا البيت رواتها ولتجاوزهم في المقدار، ولما ذكره الحاكم من
حديث مسدد ثنا يحيى عن شعبة عن الحكم مرفوعا ولفظه: " بدينار أو نصف
دينار " (2) . قال: هذا حديث صحيح فقد احتجا جميعا بمقسم، فأما عبد الحميد
فمأمون ثقة وشاهده ودليله ما ثناه علي بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق
القاضي ثنا عبد السلام بن مطهر ثنا علي بن جعفر بن سليمان عن على بن
الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس قال:/ " إذا
أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار " (3) . قد أرسل
هذا الحديث وأوقف أيضا، ونحن أصلنا الذي أصلناه أنّ القول قول الذي
يسنده، ويصل إذا كان ثقة، وذكره أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني
الحافظ في باب صحاح الأحاديث ومشهورها، وكذلك ابن الجارود في منتقاه،
وقال ابن أبي داود في كتاب الطهارة: هذه سنة تفرد بها أهل المدينة
وعبد الحميد من ولد عمر بن الخطاب ثقة مأمون، وفي كتاب حرب الكرماني
قيل لإسحاق أو قال قائل: كيف يتصّدق بدينار ونصف دينار، قيل له في
ذلك في حديث ابن عبدة بيان ما سألت حيث قال: " إن كان الدم غبيطا
فدينار وإن كان فيه صفرة فنصف دينار فخمس دينار على قدر رقّة الدّم
وغلظه " (4) . وربّ طهارة من بعده، وفرق بينهما من لا يغلط ولا يسهو، فمن
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء112. باب من قال: عليه الكفارة، (ح/11110) .
(2) المصدر السابق: (ح/1106) ولفظه: " عن ابن عباس، في الذي يأتي امرأته وهي حائض
يتصدق بدينار. أو نصف دينار ". شك الحكم. قلت: وهذا حديث صحيح.
(3) صحيح. رواه الدارمي في: كتاب الوضوء " 112. باب من قال: عليه الكفارة، (ح/1108) .
(4) تقدم من أحاديث الباب.(1/896)
رغب عن هذه السنة الصحيحة فقد أخطأ، وينبغي للمسلم إذ جاءه مثل هذا
وأشباهه عن النبي- عليه الصلاة والسلام- وأصحابه من سعده أن يقبله
بقبول حسن، وقال الحافظ أبو الحسن ابن القطان رحمه الله تعالى: وأمّا
زعمهم أن متن الحديث بالجملة لا بالنسبة إلا رواية راو بعينه مضطرب وذلك
عندي خطأ من الإعلال، والصواب هو أن ينظر رواية، وكل راو بحسبها
ويعلم ثنا يخرج عنه فيها فإن صح من طريق قبل، ولو كانت له طرق أخرى
ضعيفة، وهم إذا قالوا هذا روى فيه بدينار وروى بنصف دينار فباعتبار صفات
الدم، وروى باعتبار أوّل الحيض وأخره، وروى بخمس دينار وروى بعتق نسمة
والتحقيق لا يضرّه، ونحن نذكر الآن كيف/هو صحيح بعد أن قال يحتمل
قوله دينارا ونصف دينار ثلاثة أمور، أحدها: أن يكون تخييرا، ويبطل هذا بأن
يقال: إنّما يصح التخيير بين شيئين، أمّا من فعل الشيء أو بعضه فمحال أو
حكم التخيير أن يكون بين شيئين أو أشياء حكما واحدا، فإذا خيرّ من الشيء
بعضه كان بعض أحدهما متروكا بغير يدك، والأمر الثاني: أن يكون شكا من
الراوي، والثالث: أن يكون باعتبار حالتين وهذا هو الذي يتعين منها، وننبه بأن
عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم
البخاري ومسلم، ووثّقه النسائي والكوفي وبحق له، فقد كان محمود السيرة
في إمارته على الكوفة لعمر ضابطا لما يرويه ومن دونه في السند لا يسأل
عنهم، ويستنكر على سمعك من بعض المحدّثين أنّ الحديث في كفارة من أتى
حائضا لا يصح فليعلم أنّ لا عيب له عندهم إلا الاضطراب زعموا، فمِمّن
صرح بذلك أبو علي بن السكن قال: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه،
ولا يصح مرفوعا ولم يصححه البخاري وهو صحيح من كلام ابن عباس
انتهى، فيقول: والرجال الذين رووه مرفوعا ثقات، وشعبة إمام أهل الحديث قد
ثبت في رفعه إيّاه، فمن رواه عنه مرفوعا يحيى القطّان وناهيك به وغندر، وهو
أخصّ النّاس به، ورواه سعيد بن عامر عن شعبة فقال: عن الحكم عن
عبد الحكيم عن مقسم عن ابن عباس قوله شعبة، أما فمرفوع وقال: فلان
وفلان إنه كان لا يرفعه فقال له بعض القوم: نا بسطام ثنا بحفظك ودعنا من(1/897)
فلان وفلان، فقال: والله ما أحب لي حديث بهذا أو سئلت أو أن عمرت في
الدنيا عمر نوح عليه السلام في قومه، فهذا غاية التثبت أو أن أوثّق أهل
الأرض فخالفه/فيه فوقفه على ابن عباس كان ما إذا لبس إذا روى الصحابي
حديثا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجوز له بل يجب عليه أن يتقلّد مقتضاه فيقضى (1) به،
هذا قوة للخير لا توهين له فإن قلت: فكيف بما ذكر ابن السكن ثنا يحيى
وعبد الله بن سليمان وأوهم قالوا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة
بالإسناد المقدّم مثله موقوفا، وقال رجل: إنّك كنت ترفعه قال لي كنت مجنونا
فصححت، قلنا: نظن أنه لما أكثر عليه في رفعه إيّاه يؤتى رفعه لا لأنه موقوف
لكن أبعاد الثقة عن نفسه، وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شك في رفعه
في ثاني حال موقفه، فإن كان هذا فلا يبالى أيضا بل لو نسي الحديث بعد أن
حدّث به لم يضرّه، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أنّ
غيره من أهل الثقة والأمانة قد رواه عن الحكم مرفوعا، كما رواه شعبة فيما
تقدّم وهو عمرو بن قيس الملائي قال فيه عن الحكم ما قال شعبة من رفعه إيّاه
إلى أن لفظ فأمره أن يتصدّق بنصف دينار ولم يذكر دينارا، وذلك لا يضرّه
فإنّه إنّما حكى قصة معينة قال فيه: " واقع رجل امرأته وهي حائض فأمره النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتصدّق بنصف دينار ". ذكره النسائي (2) فهذه حال يجب فيها
نصف دينار وهو مؤكد لما قلناه من أن دينار أو نصف دينار إنما هو باعتبار
حالين لا تخيير وشك، ورواه أيضا مرفوعا هكذا عن عبد الحميد بن
عبد الرحمن عن قتادة وهو من هو قال النسائي أنا حشيش بن أصرم ثنا روح
وعبد الله بن بكر ثنا ابن أبي عروبة عن قتادة عن عبد الحميد به مرفوعا،
بدينار أو بنصف دينار، إلا أنّ الأظهر في هذه الرواية أنه شك من الراوي في
هذه القضية بعينها فهذا شأن حديث مقسم،/وإن تقدّم عنه فيه وقفا وإرسالا
وألفاظا أخر لا يصح منها شيء غير ما ذكرناه، وأمّا ما روى عن خم دينار
__________
(1) قوله: " فيقضى " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه النسائي في: الطهارة، باب (182) ما يجب على من أتى حليلته في حال
حيضتها (1/153) .(1/898)
أو عتق نسمة فما منها شيء يقول عليه فلا يعتمد في نفسه ولا يطعن به على
حديث مقسم، والله تعالى أعلم. انتهى كلامه. وفي قوله ابن حزم مقسم ليس
بالقوى فسقط الاحتجاج به نظر؛ لأنه من حديث في الصحيحين على سبيل
الاحتجاج وأثنى عليه غير واحد من الأئمة، وفي قول الدارقطني: تفرد به عمر
بن شبيب يعنى عن الملائي نظر لما أسلفناه من كتاب النسائي، وأما قول ابن
السكن فمردود؛ بأن البخاري لم يخرج ولم يصحح كل حديثه وقال:
أسقيت كتابي من مائة ألف حديث صحيحة، وإنما خرجت هنا ما أجمعوا
عليه فلا حجة إذا في عدم تصحيح البخاري له، وأمّا قول النووي فمردود بما
قدّمنه أيضا، وأما ما أعله به أحمد فمعارض بما تقدم ولعله ظهر له ذاك بعد
وأمّا تضعيف الجوزقاني؛ فلرواية خاصة بدليل ما ذكره بعد، ويؤكد صحته قول
جماعة من السلف به منهم الحسن قال: " عليه عتق رقبة أو عشرين صاعا
لأربعين مسكينا " (1) ، وقال عطاء: " يتصدق بدينار " (2) ، وفي رواية: " بنصف
دينار " (3) ، وقال الأوزاعي " بخمس دينار "، ذكره الدارمي (4) وزاد ابن المنذر
وقتادة وإسحاق والنخعي وسعيد بن جبير وهو قول محمد بن الحسن وأحمد
بن حنبل، وفي كتاب الماوردي قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم صار كافرا
مرتدا فإن فعله ناسيا أو جاهلا بتحريمه أو بوجود الحيض أو مكرها فلا إثم
عليه ولا كفارة، وإن تعمّدا الموطئ عالما بما سبق فقد ارتكب كبيرة يجب
عليها التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي رحمه الله تعالى: وليشبه أن
يكون خطره ذلك لما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن/أبي هريرة قال
__________
(1) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء، باب " 112 "، (ح/1117) ، قلت: " ولم يذكر فيه أو
عشرين صاعا لأربعين مسكينا ".
(2) صحيح. المصدر السابق: (ح/1118) .
(3) حسن. رواه الترمذي (ح/136) ، وأبو داود (ح/264) ، والنسائي (1/153. كتاب
الطهارة، باب ما يجب على من أتى حيلته في حال حيضها. والدارمي (ح/ 1109) انظر
تعليق الشيخ شاكر على الترمذي 1/244 - 245. فقد أطال في تصحيحه وأجاد.
(4) صحيح. رواه الدارمي في: الوضوء باب " 112 " كحل/1110) .(1/899)
عليه السلام: " من وطئ امرأة وهي حائض فقضى بينهما ولد فأتى به جزام فلا
يلومن إلا نفسه " (1) . قاله أبو القاسم في الأوسط ولم يروه عن الزهري إلا
الحسن بن الصلت من أهل الشّام تفرد به محمد بن أبي السدى.
__________
(1) ضعيف رواه أبو للعباس الأصم في " حديثه " (ج 2 رقم 147) ، والطبراني في " الأوسط " (1/ 169/ 1) وابن عدي في الكامل " 4/1454) ، والمجمع (4/299) . والحديث أعله الهيثمي (4/ 299) ببكر. وضعفه النسائي وقال الذهبي: " قد حمل النّاس عنه وهو مقارب الحديث ".
وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ح/757) .(1/900)
87- باب في الحائض كيف تغتسل
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد ثنا وكيع عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها وكانت حائضا: " انقضي شعرك
واغتسلي " (1) ، وقال علي في حديثه: " انقضى رأسك" (2) . هذا حديث تقدم
ذكره، وأن إسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو في مسند العربي مطولا:
لأخرجنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة جميعا، قالت: فقدمت
بمكة وأنا حائض فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " انقضي رأسك ". وهو في الصحيح أيضا، حدثنا محمد بن
بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إبراهيم بن مهاجر سمعت صفية تحدّث
عن عائشة أنّ أسماء سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الغسل من الحيض، فقال:
" تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها
فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ
فرصة من مسكة فتطهر بها "، قالت أسماء كيف أتطهر بها قالت عائشة:
كأنها تخفي ذلك تتبعي بها أثر الدم. قالت/وسألت عن الغسل من الجنابة،
فقال: " تأخذ إحداكن ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور حتى
تصب الماء على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض الماء على
جسدها. فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن
في الدّين ". هذا حديث خرجاه في صحيحيهما (3) وفي لفظ مسلم: " أن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/641) ، وابن أبي شيبة (1/79) ، والكنز (27762) .
وصححه الشيخ الألباني. الصحيحة (188)
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/86، 2/172، 3/4، 5/5/221) ، ومسلم في
(الحج، ح/111، 113) ، وأبو داود في (المناسك، باب " 23 ") ، والنسائي (5/166) ، وابن
ماجة (641) ، وفيه " شعرك "، وأحمد (6/164، 246) ، والبيهقي (1/182، 4/346، 353،
05/15) ، وشرح السنة (781) ، وشفع (9122) ، وتجريد (41) ، وحبيب (2/14) ، والموطأ
(411) ، وتمهيد (8/198، 203، 204، 215، 225) ، وابن خزيمة (2788) .
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/315) ، مسلم في (الحيض، ح/61) والنسائي في
(الطهارة، باب " 160 ") ، وابن ماجة (ح/642) ، وأحمد (6/147، 148، 188) .=(1/901)
أسماء بنت شكل "، وتبعه على ذلك غير واحد، منهم: أبو العباس العراقي في
أطرافه، وابن بشكوال، وأبو الفضل بن طاهر في الإيضاح، وابن الأثير في
استدراكه على أبي عمرو، وابن ميمون، وأبو موسى المديني في معرفة
الصحابة، ولماّ ذكرها ابن فرقول ضبط اسم أمّها بكاف ساكنه، وأكثر النّاس
على فتحها، وأمّا ابن الجذري فإنّه اضطرب كلامه، فذكر في مشكل
الصحيحين: أنها ابنة شكل، وقال في التلقيح في بنت يزيد بن السكن: وقال
الخطيب أبو بكر: هي أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء، وتبعه على
ذلك غير واحد، حتى قال الحافظ الدمياطي: هذا هو الصحيح؛ لأنه ليس في
الأنصار من اسمه شكل مستدلا بقول البخاري في هذا الحديث " أنّ امرأة من
الأنصار " وهي شهادة على النفي؛ لأنّ مسلما أثبتها، وتبعه من أسلفناه أو ظهر
لهم ما ظهر له فذكروه لا لمتابعته، وأيا ما كان فلا يدفع وإلا بدليل واضح،
وكون الخطيب خالف ذلك لا يقتضى له الاحتمال أن تكونا امرأتين سألتا عن
أمر واحد كما تقدّم نظائره، أو يكون الخطيب هو الواهم من اللام إلى النون
إلى غير ذلك من الاحتمالات، ويوضحه أنّ ابن سعد والطبراني وغيرهما
ذكروا ابنة يزيد بأحاديث ليس فيها هذا، وفرق ابن مندة بين أسماء بنت يزيد
وبين ابنة شكل، وكذا غيره، وذكر أبو موسى هذا الحديث في ترجمة/ابنة
شكل ويزيد ذلك وضوحا، وسترى مسلما في التفرد ما ذكره أبو بكر بن أبي
شيبة في مسنده، كرواية مسلم سواء في كتاب المستخرج لأبي نعيم الحافظ
كذلك عن أبي جعفر محمد بن محمد ثنا الحسن بن محمد بن حاتم ثنا
الوليد بن شجاع ثنا أبو الأحوص (1) عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية عن
عائشة، قالت: دخلت أسماء بنت شكل " الحديث ". قال أبو داود في كتاب
التفرد عن إبراهيم بن مهاجر: فرصة ممسكة، قال مسدد كان أبو عوانة يقول:
فرصة، وكان أبو الأحوص (2) فرصة انتهى، وقوله: فرصة يعني: بكسر الفاء
__________
= وصححه الشيخ الألباني. قلت: وأسماء هي امرأة صحابية من الأنصار، يقال لها أسماء
بنت شكل، وليست بأسماء بنت أبي بكر أخت عائشة.
الفرصة: قطعة من قطن أو صوف. وممسكة: أي مطلية بالمسك.
(1) قوله: " الأحوص " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) و " الأحوص " هنا وردت " بالأصل " " الأخرص " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/902)
وسكون الراء هذا هو المشهور، وهي القطعة من الصوف أو غيره، يقال:
فرصت الشيء بمعنى قطعه بالفراص، وأنكر أبو محمد بن قتيبة ذلك، وقال:
إنما هي قرضة بالقاف والضاد المعجمة وهي القطعة، وقال بعضهم: قرصة بفتح
القاف وسكون الراء ثم صاد مهملة، أي: شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف
الإصبعين، وقوله. من مسك وهو دم الغزال المعروف، وقال بعضهم: من مسك
بفتح الميم أي جلّد عليه شعر، قال عياض: وهي رواية الأكثرين، وأنكرها ابن
قتيبة وقال: المسك لم يكن عندهم من السعد بحيث يمتهنونه في هذا، وليس
فيه ما يتميّز من غيره فيمضى به قال: وإنّما أراد فرصة من شيء صوف أو
قطن أو خرقة ونحوه، وقال بعضهم: أراد قطعة من جلد عليها صوف،
والصواب: الأوّل وتدلّ عليه الرواية الأخرى فرصة ممسكة بضم الميم الأولى
وفتح الثانية وتشديد السين مع فتحها أي: قطعة من صوف ونحوها مطيبة
بالمسك وروى بعضهم: ممسكة بضم الميم الأولى وسكون الثانية وسين مخففة
مفتوحة، وقيل: مكسورة أي من الإمساك، وفي بعض الروايات: خذي فرصة
ممسكة فتحمل بها وقيل: أراد/بالممسكة الحلق التي أمسكت كثيرا كان أراد
أن لا يستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به؛ ولأنّ الحلق أصلح لذلك،
ووقع في كتاب عبد الرزاق يعني بالفرصة، وقال بعضهم: هي الذريرة، وزعم
المحاملي الشافعي: أنه يستحب للمغتسلة من الحيض والنفاس أن تطيب جمع
المواضع التي أصابها الدم من بدنها، والحكمة في ذلك: تطييب المحل ورفع
الرائحة الكريهة، وقيل: لأنه أسرع إلى علوق الولد، واختلف في وقت
استعمالها لذلك، فقال بعضهم: بعد الغسل، وقال آخرون قبله، وفي صفة
الاغتسال أحاديث سبق ذكرها، ومنها حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن
سالم خادم النبي عليه السلام قال: " إنّ أزواج النبي عليه السلام تجعلن رؤوسهن
أربع فروق، فإذا اغتسلن جمعهن على وسط رؤوسهن ولم ينقضهن ". رواه في
الأوسط (1) ، وقال: لم يروه عن جعفر إلا عمرو بن هارون، ولا يروى عن
سالم إلا بهذا الإسناد.
__________
(1) تقدم في بابه. كما ذكر المصنف.(1/903)
88- باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها
حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن المقدام بن شريح
عن أبيه عن عائشة قالت: " كنت أتعرّق العظم وأنا حائض، فيأخذ رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فيضع فمه حيث كان فمي وأنا حائض ".
هذا حديث أخرجه مسلم (1) في صحيحة وفي لفظ النسائي (2) : " يدعوني
فآكل معه وأنا عارك وكان يأخذ، العرق فيقسم على فيه فآخذه/منه ثم أضعه،
فيأخذه فيعترق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق ويدعو
بالشّراب ". فذكر بقية ذلك. حدثنا محمد بن يحيى ثنا الوليد ثنا حماد بن
سلمة عن ثابت عن أنس " أن اليهود كانوا لا يجلسون مع الحائض في بيت
ولا يؤاكلوها ولا يشاربوها قال: قد قيل ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله عز وجل:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) . فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا الجماع ". هذا حديث خرجه مسلم (3)
بزيادة، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا
فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالا: يا رسول الله:
إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا تنكحهن فتمعر وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننا
أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هديّة من لبن إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/14) .
غريبة: قوله: " أتعرق العرق " هو العظم الذي عليه بقية من لحم. هذا هو الأشهر في معناه. وقال أبو عبيد: هو القدر من اللحم. وقال الخليل: هو العظم بلا لحم. وجمعه: عُراق، بضم العين: ويقال: عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم باسنانك.
(2) صحيح. رواه النسائي في: للطهارة، باب: " 177 "، والحيض، باب " 15 ".
ورواه أحمد: (6/127، 192) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: الحيض، 1 ح/16) .
قوله: " المحيض " المحيض الأوْل المراد به الدم. والثاني قد اختلف فيه. فقيل: إنه الحيض ونفس الدم. وقال بعض العلماء هو الفرج. وقال الآخرون: هو زمن الحيض. وقوله: " قد وجد عليهما " أي: غضب عليهما، ولم يجد عليهما أي: لم يغضب.(1/904)
فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما، وذكر الإمام أبو الحسن
علي بن أحمد الواحدي في كتابه، أسباب النزول الذي قرأته على أبي الهون
القاهري رحمه الله تعالى عن ابن المعتز أنبأ أبو الفضل أحمد بن طاهر المنهى
عنه قال: أنبأ أبو بكر محمد بن عمر الخشاب أنبأ أبو عمرو بن حمدان أنبأ أبو
عمران موسى بن العباس ثنا محمد بن عبد الله بن زيد القردوانى حدثنى أبي
عن أبي سابق ابن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في قوله عز وجل:
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) . قال: وقال المفسرون: كانت العرب
في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يسكنوها في
بيت كفعل المجوس، فسأل أبو الدحداح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله تعالى الآية، وفي
الباب حديث/عبد الله بن سعد، وسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مؤاكلة الحائض، فقال:
" واكلها " رواه ابن ماجة (1) في موضع آخر، وقال فيه الطوسي: حسن غريب،
وهو قول عامة أهل العلم، واختلفوا في فضل طهورها، وأما العرق: فهو عظم
عليه لحم، وقيل. العرق الذي قد أخذ أكثر لحمه، والعراق: العظم بغير لحم،
والعرق القذرة من اللحم، وجمعها عراق وهو من الجمع العزيز، وله نظائر قد
أحصيتها في المخصص، وحكى ابن الأعرابي في جمعه عراق بالكسر وهو
أقيس وأنشد بيت ضيفي في عراق ملس، وفي شمول عرضت للنجس أي
بلس من الشحم والنجس الريح التي فيها غيره وعرق العظم يعرقه عرقا
واعتراقه لكل ما عليه ذكره ابن سيّده، وفي الجمهرة: وعرق العظم أعرقه
واعرقه، وفي الصحاح: والعرق بالفتح مصدر قولك عرقت العظم أعرقه بالضم
عرقا وتعرقا إذا أكلت ما عليه من اللحم.
وقال. اكف لساني عن صديقي فإن أحيا إليه فإنّى عارق كل معرقي،
وفي الجامع. عرقت العظم واللحم أعرقه عرقا، واعترقه اعتراقا مثله، وكذا
تعرقته تعرقا وأعرقت فلانا عرقا من لحم أعطيته إيّاه، والعراق الذي قد أخذ عنه
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/ 651) ، والترمذي (ح/ 133) ، وقال: هذا حديث حسن غريب
وأحمد (4/342، 5/293) ، والدارمي (ح/ 1073) ، والمنثور (1/259) ، والحلية (9/50،
51) ، وابن عساكر في " التاريخ " (7/437) ، والكنز (27704) . وصححه الشيخ الألباني.(1/905)
اللحم هذا قول الخليل، وقال غيره: العراق القذرة من اللحم، وقيل: هو العظم
الذي عليه اللحم، يقال له: عرق وعراق، وكذا قال اللحتاني من اللحم عرق
وعراق، وقيل: العراق جمع العرق، كما قالوا: ظير وظوار، وهم يقولون: هذه
ثريدة كثيرة العراق يريدون قدر اللحم.. وهو غلط على قول من قال: العراق
العظم بغير لحم، وقال غيرهم: إذا كان في القطعة سميت عراقا، وإذا لم يكن
منها عظم فهي بضعة، وفي الحديث: " دخل على أم سلمة فتناول عرقا " (1) .
فدلّ على أنّ العرق عظم عليه لحم، ومما يدل على أنه يكون بغير لحم حديث
جابر:/ " فكأني أنظر إليه وفي يده عرق ينتهشه " (2) ، فالعراق هنا العظم وقد
عرى من اللحم، وقالوا: يدلّ على أنّ العراق العظم بغير لحم، وقول الراجز:
وهو يطير والطير عن زرع له: " عجبت من نفسي زمن أشقاقها " ومن طرأ
والطير عن أرزاقها في سنة قد كشفت عن ساقها حمرا يبدى اللحم عن
عراقها، والموت في عنقي وأعناقها، فإنّما يريد برئ اللحم عن عظامها، والعرب
تقول: هذا كلّه، تريد به مرّة اللحم بالعظم ومرة العظم بغير لحم كما تقول:
في العراق على ما قدمناه وأكثر قولهم أنّ العراق اللحم والعراق بعظم،
والمعارق من العظام الذي أكل لحمه، ولذلك قال الشاعر: ولا تهدى بعروق
العظام، وكذلك يقولون: رجل معروق ومعترق إذا لم يكن على وجهه لحم،
ويقال ذلك للمهزول، ومنه قول رؤبة: يذكر امرأة ورجلا غول نضدي بسنتي
معترق، فمعترق: شديد الغض من اللحم، وتعرقت ما على العظم مثل عرقت،
وقال: تعرقته إذا أخذت نسمة اللحم بأسنانك، وأما السؤر: بالهمزة فهو ما
بقى من الشراب وغيره في الإناء، كذا ذكره ثعلب، وذكر ابن درستويه: أنّ
العامة: لا تهمز، وتركها الهمز ليس بخطأ ولكن الهمز أفصح.
__________
(1) تقدم. في باب ترك للوضوء مما مست النار.
(2) بنحوه رواه أحمد: (6/319) .(1/906)
89- باب ما جاء في الحائض ترى الكدرة، والصفرة بعد الطهر
حدثنا محمد بن يحيى، نا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي عن
يحيى بن أبي بكر عن أبي سلمة عن أم بكر أنها أخبرته أنّ عائشة قالت: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال: " إنّما هي عرق أو
عروق " (1) ، قال محمد بن يحيى/يريد بعد الطهر بعد الغسل، هذا حديث لما
ذكره الإسماعيلي الحافظ في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير، ورواه عن
الحسن بن سفيان، وابن أبي حسان، ثنا أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم
الدمشقي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن
عائشة به، قال: أدخل بعضهم في هذا إلا بحديث ابن أبي سلمة، وعائشة أم
بكر انتهى، ويقال: أم أبي بكر مجهولة الحال، والعين، وأبو سلمة صحيح
السماع من عائشة لا ينكره أحد فلو صرح هنا بالسماع لكان الحديث
صحيحا، حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق ابنا معمر عن أيوب عن ابن
سيرين (2) ابن عن أم عطية قالت: " لم نكن نرى للصفرة والكدرة شيئا " (3) ثنا
محمد بن يحيى، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي، ثنا وهيب عن أيوب عن
حفصة عن أم عطية قالت: " كنّا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا " (4) قال محمد
ابن يحيى وهيب: أولاهما عندنا بهذا. هذا حديث رواه البخاري (5) في
صحيحه بالإسناد المتقدّم كما نراه موقوفا، وزاد أبو (6) داود، وبعد الطهر،
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في " سنه " (ح/646) . في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
ورواه البيهقي (1/337) .
وصححه الشيخ الألباني. غريبه: قوله: " يريبها " أي يوقعها في الشك، والاضطراب.
(2) قوله: " سيرين " سقطت من " الأصل "، وأثبتناه من " إسناد ابن ماجة ".
(4،3) صحيح. رواه ابن ماجة موقوفا في: 1. كتاب الطهارة، 127. باب ما جاء في الحائض
ترى بعد الطهر الصفرة، والكدرة، (ح/647) . وصححه الشيخ الألباني.
(5) صحيح. رواه البخاري في: الحيض، باب " 25 ".
(6) رواه أبو داود: (ح/307، 308) .
إسناده ضعيف.(1/907)
وهذه الزيادة لما خرّجها أبو عبد الله حكم بصحتها على شرط الشيخين، ولما
ذكره أبو نعيم في مستخرجه عن أبي عمر، وابن حدران عن الحسن بن سفيان
عن إبراهيم بن الحجاج، ثنا وهيب عن أيوب موهما أن البخاري خرجه عن
حفصة، وقال: وعن محمد بن سيرين مثله، قال الأزدي: كذا قال مثله، ولم
يذكر النص، والحديث معروف عن ابن سيرين، وليس فيه بعد الطهر، وهو
الصحيح المشهور، وتكليف بعضهم الجواب عن عدم تخريج البخاري/لحديث
حفصة ما لا يجزئ شيئا قال: إمّا أن يكون لم تصل طريقه إليه من جهة
يرضاها، أو لأنّ طريق محمد أصحّ عندها وأما تخريج الحاكم حديث ابن
سيرين بلفظ البخاري في مستدركه فيشبه أن يكون وهما لما أسلفناه ولفظ
الدارقطني في السنن كما لا نرى التربة بعد الطهر شيئا، وهى الصفرة،
والكدرة، وفي كتاب ابن بطال بعد الغسل، وقال: رواه حماد بن سلمة عن
قتادة عن حفصة عنها، وفي الباب حديث عائشة- رضى الله تعالى عنها-:
" ما لنّا بعد الصفرة والكدرة شيئا "، خرجه البيهقي (1) في الكبير من حديث
محمد بن كثير عن الزهري عن عروة عنها ثم قال: وهذا إسناد ضعيف ذكره
وروى بإسناد أمثل من ذلك ثم ذكره من حديث أبي النضر عن محمد ابن
راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء عنها: " إذا رأت المرأة الدم فلتمسك عن
الصلاة حتى تراه أبيض كالقصة فإذا رأت ذلك فلتغتسل، ولتصل فإذا رأت
بعد ذلك صفرة أو كدرة فلتتوضأ، ولتصل، فإذا رأت بعد ذلك صفرة أو
كدرة فلتتوضأ، ولتصل، فإذا رأت ماء أحمر فلتغتسل، ولتصل " (2) موقوف،
وذكره ابن حزم من حديث قاسم بن أصبع. ثنا ابن وضاح، ثنا موسى بن
معاوية، ثنا وكيع عن أبي بكر الهذلي عن معاذ عنها. ما كنا نعد الصفرة،
والكدرة حيضا " (2) ، وقال عبد الله بن أحمد حدثنى أبي، ثنا ابن مهدى عن
__________
(1) رواه البيهقي: (1/337) . وإسناده ضعيف.
(2) قوله: " موقوف " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. وتقدم من حديث عائشة. فلت: ورواه الدارمي من حديث أم عطية: (ح/871،
865) وأبو داود (ح/308.307) والنسائي (1/186 - 187. " في كتاب الحيض، باب
الصفرة والكدرة ".(1/908)
حماد بن سلمة عن قتادة عن أم الهذيل عن عائشة به، قال أبي: إنّما هي
حفصة عن أم عطية، وزعم بعض من ألّف شرط للبخاري أنّ أبا محمد بن
حزم ذكره في كتابه محتجا به، وقال هو في غاية الجلالة، ويشبه أن يكون
وهما منه على أبي محمد، وأتى له الاحتجاج به، ورواته عنده أبو بكر الهذلي
سلمى بن عبد الله بن سلمى، وهو كذاب متروك/ الحديث منكر لا يحتج به
قال ذلك غير واحد منهم غندر، والنسائي، وابن الجنيد، وإنّما قال أبو محمد
بن حزم ما نقله عنه في حديث أنس بن سيرين. " استحيضت امرأة من آل
أنس فأمروني فسألت ابن عباس فقال: ما أمارات الدم! فإذا كان الحمراني فلا
تصل فإذا رأت الطّهر، وله ساعة من نهار فلتغتسل، وتصلى "، وحديث أبي
بكر ذكره في معرض الخلاف لا الاحتجاج، وفي البخاري (1) معلّقا: " وكن
النساء يجئن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرفس فيه الصفرة فتقول لا تعجلن
حتى ترين القصة البيضاء، وفي الموطأ نسبه صحيح من رواية علقمة بن أبي
علقمة أبي علقمة بلال عن أمه مولاة عائشة عنها، وأمّه اسمها مرجانة، ذكرها
أبو حاتم في كتاب الثقات وأمّا قول النووي: هذا صحيح لكونه تعليقا عند
البخاري بغير كتاب كما بينّاه للناس في التعليق من الخلاف: اللهم إلا أن
يضم إليه ما ذكرناه من بيان سنده، وصحته، والله تعالى أعلم، وأمّا قول
صاحب تقرا المدارك إثر سند مالك هكذا أخرجه البخاري يعني مسندا
فوهم لما أسلفناه، وأما ابن حزم فقال: قد خولفت أم علقمة من ذلك عن
عائشة بما هو أقوى من روايتها، وفي الموطأ (2) بسند صحيح وهو عند
البخاري (3) علّق أيضا عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن ابنة زيد بن
__________
(1) رواه البخاري تعليقا في: 6. كتاب الحيض، باب " 19 " إقبال المحيض وإدباره
غريبه: قوله: " القصة " بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض. والقصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض، ويتبيّن بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى انه يعرف بالجفوف بأنّ القطة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض.
قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر.
(2) رواه مالك في: 2. كتاب الطهارة، 27. باب طهر الحائض، (ح/98) .
(3) رواه البخاري " تعليقا " في: 6. كتاب الحيض، 19. باب إقبال المحيض وإدباره.(1/909)
ثابت: أنّه بلغها أنّ نساءكُن يدعون بالمصابيح في جوف الليل، ينظرنّ إلى
الطهر: فكانت تعيب ذلك عليهنّ وتقول: ما كان النِّساء يصنعن هذا، عمّة
ابن أبي بكر اسمها عمرة بنت حزم، قال ابن الحذاء: وإن كانت عمّة جدّه
فهي عمة له أيضا، وليشبه أن يكون لها صحبة، وقد روت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حديثا وذكرها أبو عمر في الاستيعاب، وابنه زيد ليشبه أن تكون أم سعد
المذكورة/عند ابن عبد البر في الصحابيات، وقد روى البيهقي ما يشدّه من
جهة محمد بن سليمان بن خلف عن علي بن حجر عن إسماعيل عن عبّاد
بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة: أنها كانت تنهى
النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلا في المحيض " الحديث، وهذان الأثران ذكرهما
أبو عمر كما في الموطأ، ولم يتعرض للكلام بشيء عليهما بشيء ألبتة،
وحديث زينب: " كنا لا نعد الصفرة، والكدرة شيئا " (1) ، ذكره أبو حامد في
وسيطه، قال أبو عمر: اختلف قول مالك في الصفرة، والكدرة، ففي المدونة إذا
رأته في أيام حيضها، أو في غير أيّام حيضها فهو حيض، وإن لم تر ذلك دما،
وفي المجموع إذا رأته في أيّام الحيض أو في أيّام الاستظهار فهو كالدّم، وما
رأته بعد ذلك فهو استحاضة، وهذا قول صحيح إلا أنّ الأوّل أشهر، وقال
الشّافعي، والليث، وعبيد الله بن الحسن هما في أيام الحيض حيض، وهو قول
أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضا إلا بأثر الدم،
وهو قول داود أن الكدرة، والصفرة لا تعد حيضا إلا بعد الحيض لا قبله، قال
البيهقي: وروينا عن عائشة بنت أبي بكر أنها قالت: " اعتزلن الصلاة ما رأيتن
ذلك حتى ترين البياض خالصا "، وهذا أولى مما روى عن أم عطية؛ لأنّ عائشة
أعلم بذلك منها، ويحتمل أن يكون مراد أم عطية بذلك إذا زادت على أكثر
الحيض، انتهى. قد روينا. عن عائشة موافقتها والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) تقدم من أحاديث الباب انظر ص 899.(1/910)
90- باب النفساء تجلس
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ثنا شجاع بن الوليد عن علي بن عبد الأعلى
عن أبي سهل عن مُسة الأزدية عن أم سلمة قالت: " كانت تجلس النفساء على
عهد رسول الله/صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يوما، وكنا نطلى وجوهنا بالورس من الكلف "،
هذا حديث رواه أبو داود (1) من حديث ابن المبارك عن يونس بن نافع عن
كثير بن زياد، قال: حدثتني الأزدية قالت: " حججت فدخلت على أم سلمة
فقالت يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة المحيض
فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقعد في النفاس أربعين
ليلة لا يأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء صلاة النفاس " (2) ، قال محمد بن حاتم: اسمها
مسّة، وتكنى أم بسة، وقال فيه أبو عيسى: لا يعرفه إلا من حديث أبيِ سهل
عن مسّه الأزدية عن أم سلمة، واسم أبي سهل كثير بن زياد، وقال محمد بن
إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة، ولم يعرف محمد الحديث
إلا من حديث أبيِ سهل، زاد في العلل: ولا أعرف لمسة غير هذا الحديث،
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ولا أعرف في معناه
غير هذا يعني حديث الأزدية قال: وشاهد بابناه أبو جعفر فذكر حديث مسّه،
وفي قوله: ولا أعرف في معناه غير نظرات أراد شيئا لما ذكره بعد هو من
الأحاديث، وإن أراد الصحة فالصحيح، والله تعالى أعلم، قال أبو علي
الطوسي: لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل، ولما ذكره البيهقي اتبعه تحسينا
بحاله، وكذلك الخطابي، وقال في الخلافيات: أبو سهل لي له ذكر في
الصحيحين، وذكره ابن حبان في المجروحين واستحب بجانبه ما انفرد به، وقال
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/311) من طريق زهير. وابن ماجة (ح/648) من طريق شجاع
ابن الوليد. وكلاهما من حديث أم سلمة رضى الله عنها. والترمذي (ح/139) ورواه أحمد
(6/303) وشرح السنة (2/136) والإرواء (1/222) وأصفهان (2/93) .
غريبه: قوله: " الورس " نبت أصفر يصبغ به، ويتخذ منه صباغ الوجه. و" الكلف بفتح الكاف
واللام. شيء يعلو الوجه كالسمسم.
(2) حسن. رواه أبو داود في. 1. كتاب الطهارة، 119. باب ما جاء في وقت النفساء، (ح/312) .(1/911)
الأزدي: حديث مسة أحسنها يعني الأحاديث التي في الباب وعاب ذلك عليه
أبو الحسن القطان بقوله: أم مسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا يعرف في
غير هذا الحديث غيرها، وهذا ضعيف الإسناد وهى علّته/ومنكر المتن فإنّ
أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما منهنّ من كانت نفساء أيّام كنّ معه إلا خديجة وزوجيتها
كانت قبل الهجرة (1) فإذن لا معنى لقولها: " كانت المرأة من نساء النبي-
عليه الصلاة والسلام- تقعد في النفاس أربعين ليلة "، إلا أن تريد بنسائه غير
أزواجه من مات، وقريبات، وسرية، مارية- انتهى كلامه، وفيه نظر في
مواضع: الأوّل: قوله: أنّ مسّه لا يعرف عينها، وليس هو بأبي حذرة هذا
القول فقد سبقه إلى ذلك ابن حزم، وهو قول مردود بقول ابن حبان روى
عنها غير واحد منهم الحكم بن عيينة، وفي الخلافيات: روى عنها العزرمي،
وزيد بن علي بن الحسين، الثاني: عصبة الجنابة برأس مسّة، وسكوته عن
غيرها، وهو أبو سهل وإن كان ابن معين وثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به فقد
قال أبو حاتم بن حبان حين ذكره في كتابه يروى عن الحسن وأهل العراق
مقلوبات، الثالث: ما ادّعاه في مسّة من النكارة فمردود بمجيئه من غير طريقها
كما سنذكره بعد- إن شاء الله تعالى-، وفي لفظ الدارقطني (2) : " أنّ أم
سلمة سألته- عليه الصلاة والسلام- كم تجلس المرأة إذا ولدت؟ قال: أربعين
يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك "، رواه من حديث العزرمي عن الحكم عن
مسّه، ورواه ابن وهيب في مسنده عن الحارث بن نبهان عن محمد عن أبي
الحسن عنها، وفي كتاب الضعفاء لابن حبّان: روى كثير بن زياد عن الحسن
عن أم سلمة: " كان النساء يقعدن على عهد النبي- عليه السلام- بعد
نفاسهن أربعين ليلة وأربعين يوما، وكنّا نطلى على وجوهنا الورس من
الكلف " (3) ، وهو إسناد جيد، أو سلم من انقطاع ما بين الحسن وأم سلمة فإنّ
__________
(1) قلت: بل في الجاهلية قبل الوحي.
(2) رواه الدارقطني: (1/220) من طريق زهير عن علي بن عبد الأعلى، ورواه أيضا من طريق يعقوب بن إبراهيم عن شجاع بن الوليد.
(3) قلت: وقد زعم ابن حزم في المحلى (2/203) أن أكثر النفاس سبعة أيام فقط، وقاس ذلك
على أيام الحيض، وإن لم يعترف انه قياس، بل أغرب فزعم أن دم النفاس دم حيض!! =(1/912)
أبا حاتم شكّ فيه، وكثير تقدم الكلام عليه،/حدثنا عبد الله بن سعيد ثنا
المحاربي عن سلام بن سليم عن حميد عن أنس قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (1) . هذا حديث رواه
أبو أحمد بن عدي عن سلام، وقال: هو متروك الحديث، وقْال عبد الحق هو
حديث معتل بسند متروك، وقال أبو الحسن الدارقطني في سننه: لم يروه عن
حميد غير سلام، هذا وهو سلام الطويل، وهو ضعيف يعني سلام بن سلم،
ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن سالم أبو عبد الله التميمي السعدي الخراساني
الطويل ساكن المدائن، وإن كان أبو عبد الله قد قال فيه: ثقة، وصحح حديثه
في مستدركه فقد قال فيه يحيى ضعيف لا يكتب حديثه، وقال مرّة: ليس
بشيء، وفي رواية ابن أبي شيبة عنه له أحاديث مناكير، وضعفه ابن المديني
جدا، وقال أحمد: منكر الحديث، وقال البخاري، والرازي: تركوه، وقال
عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب، وقال النسائي، وعلي بن الجنيد،
والأزدي متروك الحديث، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروى عن الثقات
الموضوعات كأنه كان المتعمّد لها، وفي كتاب ابن العرب: قال أبو الحسن:
سلام ضعيف الحديث لا يكتب حديثه، وفي كتاب العقيلي عن الأعين قال:
سمعت أبا نعيم يضعفه، وذكره السيرفي في الضعفاء وكذلك الساجي، وأبو
القاسم البلخي، وقال البيهقي: لا يحتج بحديثه، وقال الحربي: غيره أوثق منه،
وذكره الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم، ولما ذكر ابن الجوزي هذا
الحديث في علله ردّه بسلام، وكذلك أبو الفضل بن طاهر في كتاب التذكرة،
وفي الباب حديث عائشة- رضى الله تعالى عنها- قالت: " وقت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنفساء أربعين يوما/إلا أن ترى الطهر قبل ذلك " (2) ، ذكره أبو الفرح
البغدادي في كتاب العلل من حديث حسين ابن عكوان عن هشام عن أبيه
عنها، وقال: لا يصح، وقال ابن حبان: حسين يضع على هشام وغيره لا يحل
__________
= وهذا الذي قاله لم نجد مثله عن أحد من العلماء.
(1) رواه الحاكم (1/176) والبيهقي (1/343) والمجمع (1/281) من حديث جابر، وعزاه
إلى الطبراني في " الأوسط " وفيه أشعث بن سوار، وثقة ابن معين واختلف في الاحتجاج به.
(2) انظر: الحاشية السابقة(1/913)
كتب حديثه، وحديث عثمان بن أبي العاص قال: " وقت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
للنساء في نفاسهن أربعين يوما " (1) ذكره أحمد بن عدي، وقال: لا يصح فيه
أبو بلال، وعطاء بن عجلان وهما متروكان، وذكره أبو الحسن الدارقطني من
رواية عمر بن هارون عن أبي بكر الحنفي عن الحسن أن امرأة عثمان لما
خرجت من نفاسها تزيّنت فقال عثمان. أخبرك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرنا أن نعتزل
النساء أربعين يوما " (2) . ثم قال. رفعه عمر بن هارون، عنه وخالفه وكيع يعني:
فرواه موقوفا، وكذلك رواه أشعت ويونس، بن عبيد، وهشام، واختلف عن
هشام، ومبارك بن فضالة فرووه عن الحسن عن عثمان موقوفا، وكذلك روى
عن عمرو بن عباس، وأنس وغيرهم من قولهم، ولما ذكره في منتقاه موقوفا ثم
قال: وأسنده أبو بكر الهذلي عن الحسن، وقال الحاكم هذه سنة غريبة فإن
سلم هذا الإسناد من أبي بلال فإنّه مرسل فإن الحسن لم يسمع من عثمان بن
أبي العاص، وله شاهد بإسناد مثاله، وقال عبد الحق: حديث معتل بإسناده
متروك، وحديث معاذ بن جبل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا نفاس دون أسبوعين
ولا نفاس فوق أربعين فإن رأت النفساء الطهر دون الأربعين صامت، وصلّت
ولا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين " (3) ، خرجه أبو أحمد من حديث محمد بن
سعيد المصلوب في الزندقة عن عبد الرحمن بن غنم عنه، وقال الدارقطني: لم
يروه غير ابن سعد، وهو متروك الحديث يريد الدارقطني/هذا المتن بطوله، وإلا
فقد رواه من طريق آخر مختصرا من غير رواية، ورواه الحاكم من حديث
محمد بن عبد السلام، ثنا بقية أخبرني الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن نسى
عن ابن غنم به ثم قال: قد استشهد مسلم، وفيه: وأمّا الأسود فإنه شامي
معروف، والحديث غريب في الباب وحديث عائشة أن النبي- عليه السلام-
قال: " وقّت للنفساء أربعين يوما " (4) ، خرجه أحمد بن حنبل في كتاب الحيض
عن حبار بن علي عن شيخ قد سمّاه عن ابن أبي مليكة عنها، وحديث
__________
(1) تقدما من أحاديث الباب.
(2) مرسل. رواه الدارقطني: (1/220) .
(3) ضعيف جدا. نصب الراية: (1/192) .
(4) صحيح. رواه الدارقطني: (1/221) .(1/914)
عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تنظر النفساء أربعين يوما
فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهرة، فإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة
المستحاضة تغتسل وتصلّى فإن بان عليها الدم توضأت لكل صلاة " (1) ، ذكره
ابن عدى وردّه بابن علامة وغيره، ولما ذكره الحاكم قال عمرو بن حصين،
وابن علامة ليسا من شرطنا، وإنما ذكرت هذا الحديث شاهدا متعجبا، وقال أبو
محمد الأزدي حديث معتل بسند متروك، وحديث عابد بن عمرو، وكان ممن
بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة: " أن امرأته نفست، وأنها رأت الطهر بعد
عشرين ليلة، فتطهرّت، ثم أتت فراشه، فقال: ما شأنك؟ قالت: قد طهرت،
قال: فضربها برجله. وقال: إليك فلست بالذي تقربيني عن ديني حتى يمضى
لك أربعون ليلة "، ذكره الدارقطني (2) من حديث الجلد بن أيوب، وهو ضعيف
عن أبي إياس عن معاوية بن قرّة عنه، وحديث جابر بن عبد الله قال: " وقت
للنفساء أربعين يوما "، ذكره أبو القاسم في الأوسط (3) عن أحمد بن حامد، ثنا
عبيد بن حيان، ثنا سليمان بن حبان أبوّ خالد الأحمر عن الأشعث بن سوار
عن أبي الزبير عنه، وقال: لم يروه/عن أشعث إلا ابن خالد، وحديث عمر بن
الخطاب بمثله، قال ابن حزم: في إسناده جابر الجعفي، وهو كذاب، وأثر عن
ابن عباس قال: " تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها "، ذكره الدارمي (4) في
مسنده بسند صحيح عن أبي الوليد الطيالسي، ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن
يوسف بن ماهك عنه، وبنحوه ذكره ابن الجارود في منتقاه، وعن عطاء قال
إن كانت لها عادة وإلا جلست أربعين ليلة، وعن الحسن أنه قال: في النفساء
ترى الدم تتربص (5) أربعين ليلة ثم تصلى، وفي أحكام أبي على الطوسي أجمع
أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أنّ النفساء تدع الصلاة
__________
(1) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/221) .
(2) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/222) .
(3) تقدم من أحاديث الباب. والحديث ضعيف ص 914.
(4) صحيح. رواه الدارس في: 1. كتاب الوضوء، 98. باب وقت النفساء وما قيل فيه، (ح/
(5) قوله: " تتربص " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/915)
أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإنّها تغتسل وتصلى فإذا رأت الدم
بعد الأربعين، فإنّ أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول
أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان، وابن المبارك، وأحمد، ويروى عن الحسن أنه
قال: أنّها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تر الطهر، ويروى عن عطاء بن أبي
رباح ستين يوما، وهو قول الشّافعي، وفي كتاب الإجماع لابن المنذر: وأكثر
النفاس عند أصحابنا شهران، وإن طهرت ليومين أو أقل من يوم اغتسلت
وصلّت، وحديث عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " النفساء إذا تطاول بها الدم
تمسك أربعين ثم تغتسل " ذكر البيهقي في الخلافيات (1) وقال: إسناده ضعيف،
وقال: وروى من وجه آخر ضعيف، وفي لفظ: أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أكثر
الحيض عشرة وأقلّه ثلاثة ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء (2) ورُدّ بالحسين
ابن عكوان، وحديث زيد بن ثابت قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا يكون الحيض
أقل من ثلاثة وأكثر من عشرة " ذكره الدارقطني في السنن (3) ، وحديث/معاذ
ابن جبل قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لا حيض أقل من ثلاث ولا فوق عشرة "
ذكره العقيلي، وردّه محمد بن الحسن الصدفي بأنه مجهول وحديثه غير
محفوظ، وذكره ابن عدى أيضا من حديث محمد بن سعيد المصلوب، وفي
كتاب السنن الكبير البيهقي من حديث الأسود عن عبادة بن ليث عن
عبد الرحمن بن غنم عن معاذ مرفوعا: " إذا مضى للنساء سبع ثم رأت الطهر
فلتغسل ولتصل " (4) ، وفي رواية بقية، ثنا علي عن الأسود، وهو أصح وإسناده
ليس بالقوي، قال ابن مندة: واستدل بعضهم لقول النبي- عليه الصلاة
والسلام- قال الحافظ القشيري: وأما الذي يذكره الفقهاء من قعودها في رواية
أبي سعيد الخدري شطر عمرها أو شطر دهرها لا تصل فقد طالبته كسرا فلم
__________
(1) ضعيف راجع الخلافيات للبيهقي.
(2) ضعيف، انظره المجروحين (1/245) وابن القيسراني في " الموضوعات " (137) ونصب
الراية (1/192) .
(3) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/209) .
(4) ضعيف رواه الحاكم (1/176) والدارقطني (1/221) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ص 101، ح/704) . وانظر: (الضعيفة: 633) .(1/916)
أجده في شيء من الكتب الحديثة، ولم أجد له إسنادا بحال، ولما ذكره ابن
عدى حديث سليمان بن عمرو عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول
الحيض عشر، وحدّثنا آخر قبله، وهذان الحديثان رفعهما سليمان بن عمرو،
وإن كان إبراهيم كاتب ابن زكريا راوي الحديث الثانى فيه ضعف فإنّه خير
من سليمان بن بكير، وحديث مكحول عن زيد بن ثابت يرفعه لا يكون
الحيض أقل من ثلاث ولا أكثر من عشر، ذكره البيهقي في الخلافيات، وقيل:
عن مكحول، وحديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الحيض
ثلاث وأربع " (1) ذكره سعيد بن عمرو البردعي في سؤاله لأبي زرعة. قلت:
هارون بن زياد الفسوي، قال: لا أعرفه، قلت: روى عن الأعمش عن إبراهيم
عن علقمة عن عبد الله فذكر هذا الحديث فقال: هذا باطل، وروى حديث
العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي/الدرداء وأبي هريرة مرفوعا: " تنتظر
النفساء أربعين يوما "، ذكره ابن عدي (2) ، وردّه بالإرسال، وحديث عبد الله
بن عمرو قال- عليه السلام-: " الحائض تنتظر ما بينها، وبن عشر فإن رأت
الطهر، فهي طاهر، وإن جاوزت العشر، فهي مستحاضة تغتسل وتصلى "،
ذكره أبو القاسم عن الأوسط (3) وقال: لم يروه عن عبدة بن أبي لبابة يعني
عن عبد الله بن ماهان عن ابن عمرو إلا ابن علامة تفرد به عمرو بن حصين،
وأمّا أقلّ الحيض، وأكثره ففيه أحاديث منها حديث مكحول عن أبي أمامة
الباهلي، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يكون الحيض للجارية والثيّب التي قد
يئست من الحيض قال: من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة أيام، فإذا رأت الدم
فوق عشرة أيام فهي مستحاضة فما زاد على أيام أقرائها مضت، ودم الحيض
أسود قاتم، ودم المستحاضة أصفر رقيق، فان بان عليها فلتحشى كرسفا "، رواه
الدارقطني (4) من حديث عبد الملك عن العلاء بن كثير، وقال عبد الملك:
__________
(1) ضعيف. رواه ابن عدى في " الكامل ": (2/598) .
(2) مرسل رواه ابن عدى في " الكامل " (5/1861) والحاكم (1/176) ونصب الراية (1/205، 206) .
(3) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/280) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه عمر بن الحصين وهو ضعيف.
(4) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/209) .(1/917)
مجهول، والعلاء ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا،
وقال البخاري: العلاء عن مكحول ينكر الحديث، وفي المعرفة: وروى من
أوجه كلّها ضعيفة، وقال الطبراني في الأوسط: لم يروه عن مكحول إلا
العلاء وحديث مكحول عن واثلة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقل الحيض ثلاثة
أيام وأكثره عشرة أيام " (1) رواه أيضا، وقال حماد بن المنهال يعني راويه
مجهول، ومحمد بن أحمد بن أنس ضعيف، وحديث أنس بن مالك أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية
وتسعة، فإذا جاوزت العشر فهي مستحاضة "، ذكره ابن عدى في كامله (2) من
جهة الحسن بن شبيب عن أبي يوسف/عن الحسن بن دينار عن معاوية بن
قرّة عنه، وردّه بالحسن بن شبيب، وقال البيهقي في الخلافيات: هذا حديث
باطل، ورواه الدارقطني في سننه من حديث الجلد بن أيوب موقوفا، قال
المرادي: سئل أبو عبد عن حديثه هذا فضعفه وقال: هذا من قبيل الجلد ابن
أيوب قيل ده: فإن محمد بن إسحاق رواه عن أيوب عن أبي قلابة قال: لعلّه،
وليس هذا حديث الجلد ما أراده سمعه إلا من الحسن بن دينار، وقال
إسماعيل بن إبراهيم: ما سمعت ابن المبارك ذكر أحدا إلا يوم أن ذكره عنده
الجلد، فقال أنس: حديث الجلد وما الجلد ومن الجلد، وفي سؤالات حرب:
ورأيت أحمد لا يصحح حديث الجلد بن أيوب في الحيض، وكذلك كان
إسحاق يضعف (3) هذا الحديث ولا يذهب إليه ولا يذهب إليه، وقال ابن
المديني: قال حماد بن زيد: فإنّ هنا شيخ يعني الجلد لا يدري من الحائض من
المستحاضة حتى صحّ الحديث، وقوله: الثلث والخمس إلى العشر، وفي
سؤالات الميموني: قلت لأبي عبد الله ثبت عن أحد من أصحاب رسول الله
__________
(1) ضعيف، وتقدم. رواه الخطيب: (9/20) والمجمع: (1/280) ونصب الراية: (1/191،
192) والمنثور: (1/258) والطبراني: (8/152) والمتناهية: (1/384) .
(2) ضعيف. رواه ابن عدي في: " كامله ": (5/1861) .
(3) قوله: " يضعف " غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/918)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " في الحيض عشرة أيام أو خمسة عشر " (1) ؟ قال: لا يثبت عنه،
قلت: حديث أنس قال أمر يش قال سفيان بن عيينة حديث الجلد محدث لا
أصل له، وفي المعرفة للبيهقي، روى حديث الجلد من أوجه ضعيفة أخرى: عن
أنس مرفوعا وموقوفا، وليس له عن أنس أصل إلا من جهة الجلد، وفيه سرقة
هؤلاء الضعفاء، وقال الشّافعي لمن يناظره: نحن وأنت لا نثبت بمثل حديث
الجلد، ويستدل غلط من هو أحفظ منه بأقلّ من هذا، وفي تاريخ أبي زرعة:
أنّ أمّ ولد لأنس بن مالك استحيضت قال أنس بن سيرين: فأمروني أن أسأل
ابن عباس قال أبو زرعة: فسمعت أحمد بن صالح يحتج هذه القصة، ويرد
بها/ما يروى عن أنس ما رواه الجلد، وقال: ولو كان هذا صحيحا عن أنس
لم يؤمر ابن سيرين أن يسأل ابن عباس، قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن أحمد
فحديث معاوية بن قرة عن أنس في الحيض صحيح، فلم يره صحيحا إذ ردّوا
المسألة إلى ابن سيرين ليسأل ابن عباس، ولم يدفع لقاء أنس بن سيرين،
وسؤاله ابن عباس وفي كتاب الدارمي (2) ، ثنا محمد بن يوسف قال سفيان:
بلغني عن أنس أنه قال: " أفي الحيض ثلاثة أيام "؟ فسأل عبد الله أنأخذ بهذا؟
قال: " نعم إذا كان عادتها "، وفي كتاب حرب قال إسحاق: معناه وإن لم
يكن الإسناد لما ضعفه حماد بن زيد وغيره، أنّه جعل الغالب من إقراء الحيض
دون العشر، وسيرها مستحاضة بعد العشر، ولم يجعل أيضا الحيض عشر أو
لكن جعل ذلك اختيارا على معنى الاحتياط، وكتب في حديث الجلد على
ضعفه لا يكون الحيض أكثر من العشر، وأحسن الناس سياقة له يسر عليه فإنه
قال: تغتسل وتقوم بعد العشر، ولم يقل إنها بعد العشر غير حائض ولا
حائض، ولما ذكر ابن الخدري من كتاب التعليق حديث أنس بن مالك، وأتى
أمامة وواثلة بن معاذ بن جبل قال: ليس فيها ما يصح، وحديث أبي سعيد
وعلي يرفعانه أقلّ الحيض ثلاث، وأكثره عشر وأقل ما بين الحيضتين خمسة
عشر ذكرها الخطيب من حديث أبي داود النخعي، وكان وضاعا أنه قيل له
أي شيء تعرف في أقلِّ الحيض وأكثره وما بين الحيضتين من الطهر؟ فقال: الله
__________
(1) قال المصنف: لا يثبت لا أصل له. قلت: يعني موضوع.
(2) تقدم من أحاديث الباب ص 916.(1/919)
أكبر حدثنى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثنا أبو
طوالة عن أبي سعيد وجعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه، وأمّا الورس فهو
نبت يزرع باليمن زرعا، ولا يكون بغيرها، ولا يكون شيء منه بريا، ونباته
مثل نبات السمسم فإذا جف عِنْد/ أدركه تفتت سنابله وهى خرائطه وأمكنته
فينفض منه الورس، ويزرع سنة فيجلس عشر سنين أي يقيم في الأرض ينبت
ويثمر، وأجوده حديثه، وسمّى الباردة، وهي التي لم يعتق شجرها، والعتيقة منه
ما تقادم شجره قال الشاعر:
يصف القطا كدر كان عيونها ... يداس بها روس حديث وكركم
فبين جودة حديثه، ومنه جنس يسمى الحبش، وفيه سواد، وهو أخر الورس
وللعرعر، ورس ولا يكون إلا في عرعرجفت من ذاقها فتؤخذ بين لحائها
وللصميم (1) ورس إذا فرك أنفرك ولا خير فيه، ولكنه يغشى به الورس
وللرمث (2) ورس وذلك في آخر الصيف إذا انتهى منتهاه اصفر صفرة شديدة
حتى يصفر منه ملابسة فيقال أورس الرمث فهو وارس، ولم يقولوا: ورس كما
لم يقولوا: مورس، وكان المراد بوارس أنه ذو ورس كما قيل في ذى التمر
تامر، وقد قيل: وريس كما قيل: وارس، قال الشاعر: "في مزبلات روحت
صفرته " بنواضح يقطرن غير وريس أي غضة حديثه النبات، وإنما يورس إذا بلغ
نهاية، وقال الأصمعي: أورس الشجر إذا ورق، وأنقل المرضع فهو ناقل، ولم
يعرف غيرهما، وزعم بعض الرواة أنه يقال: أورس فهو مورس، وهذا غير
معروف إنّما هو قياس، وقال بعض الثقات: ورس فهو وارس، وقال أبو عبيدة:
بلد عاشب، ولا يقولون أعشب، وناقل الرمث، وقد أنقل وأورس الرمث وقد
أورس فيقولون في النعت على فعل، وفي الفعل على أفعل وهكذا كما
تكلّمت به العرب قاله أبو حنيفة: وفيه نظر لما نذكره بعد ففي كتاب القانون
للشيخ الرئيس: هو شيء أحمر قاني شبيه بسحيق الزعفران، وطبعه حارا يابس
ينفع من الكلف والنمش، وفي كتاب الجامع / لابن البيطار، قال إسحاق بن
عمران: الورس صنفان حبشي وهندي فالحبشي أسود وهو مرذول والهندي
__________
(1، 2) الصميم والرمث: نباتات يخرج منهما الورس.(1/920)
أحمر قان، ويقال: أن الكركم عروقه يؤتى بها من الصين، ومن بلاد اليمن،
وله حب كحب الماش، وأجوده الأحمر الجيّد القليل الحب اللين في اليد القليل
النخّالة، وما كان على لون البنفسج الجيّد الخارج عن الحمرة القليل شمه،
والشّم: شيء دقيق ليّن يتعلّق باليد إذا دخلت في وعائه، وقال: غير الورس
حار يابس في أوّل الثانية قابض له قوة صابغة، وصبغه أصفر بحمرة، ويجلو
وينقع الكلف إذا طلى به ومن البهق الأبيض، وقال غيره: كأنه نشارة روس
البابونج، لونه لون زهر العصفر، وأخبرني الثقة ممن سكن بلاد الحبشة أنه ينزل
على نوع من الشجر لم يعرفه، ويجمعونه في أوانه لقطا، ويستعملونه، وليس
بنبات مزروع كما زعم، والورس عندهم يأتي به الحبشان إلى مكة، ولا
يعرفون الورس في بلاد المغرب ألبتة، وإن الذي يسمى بالورس ببلاد الأندلس
وما والاها فليس من الورس سبب، ولا بسبب وإنّما هو شيء يتكوّن من خرائر
البقر.(1/921)
91- باب في الصلاة في ثوب الحائض
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن ابن طلحة بن يحيى عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي،
وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلي مرط لي، وعليه بعضه "، هذا حديث
خرجه (1) مسلم في صحيحه، ورواه أبو القاسم في الأوسط (2) من حديث أبي
حصين عن أبي صالح الحفي عنها بلفظ: " يصلى وعليه طائفة من ثوبا وأنا
حائض " قال: لم يروه عن أبي حصين/إلا قيس وزائدة، حدثنا سهل بن أبي
سهل، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا الشيباني عن عبد الله بن شدّاد عن ميمونة أنّ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى وعليه مرط عليه بعضه وعليها بعضه وهى حائض " (3) ،
هذا حديث له أصل في الصحيحين، وقد تقدّم الكلام عليهما قبل.
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/74) وأبو داود (ح/370) وابن ماجة (ح/652،
وأحمد (6/204) . غريبه: قوله: " مرط " المرط كساء من صوف أن خز، ويكون إزارا ورداء.
(2) صحيح. وبنحوه رواه أحمد: (6/250) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (الصلاة، ح/273) وأبو داود (ح / 369) وابن ماجة (ح/ 253) .
وصححه الشيخ الألباني.(1/922)
92- باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، ثنا وكيع عن سفيان عن
عبد الكريم عن عمرو بن سعيد عن عائشة أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها،
فاختبأت مولاة لها، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حاضت "؟ فقالت: نعم. قال فشق لها
من عمامته فقال: اختمري بهذا " (1) . هذا حديث إسناده جيد، ولولا ما في
عبد الكريم بن أبي أمية من الكلام، لكان صحيح التوثيق أبو حاتم البستي
عمر، والله تعالى أعلم، وقال ابن أبي حاتم. وسأل أبا زرعة فقال: روى ابن
أبي ليلى عن عبد الكريم عن سعيد بن عمرو عن عائشة إذا حاضت فقال أبو
زرعة: هما يرويه الثوري أصح، وسألت أبي عنه فقال: هو عمرو بن سعيد
المعلي، ولما ذكر ابن عساكر عمرا هذا نسبه أبي العاص، وتبعه على ذلك
الشيخ جمال الدين وكانّ ما قال، أبو حاتم أشبه، وإن كان كما قاله فهو رجل
مجهول لا يعرف حاله. حدّثنا محمد بن يحيى ثنا أبو الوليد ثنا حماد بن
سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " لا يقبل صلاة حائض إلا بخمار " (2) ، هذا حديث لما
خرجه أبو عيسى (3) بلفظ: الحائض المرأة البالغ " قال: حديث عائشة حسن/،
ولفظ ابن خزيمة (4) ، وخرّجه في صحيحه: " لا يقبل الله صلاة امرأة قد
حاضت إلا بخمار "، وخرجه ابن الجارود في منتقاه، وصححه ابن حزم،
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/654) . في الزوائد: في إسناده عبد الكريم، وهو ابن المخارق.
ضعفه الإمام أحمد بن حنبل وغيره؛ بل قال ابن عبد البر: مجمع على ضعفه. وضعفه الشيخ
الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/140) وحجاب المرأة (ص 45) .
قوله: " اختمري هذا " أي غطى رأسك به.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/641) وابن ماجة (ح/655) وابن أبي شيبة (2/230) والتمهيد
(6/368) وشرح السنة (2/436) وتلخيص (1/279) ونصب الراية (1/295) . وصححه
الشيخ الألباني. الإرواء (1/214، 295، 303) .
(3) رواه الترمذي في: أبواب الصلاة، 160. باب ما جاء: " لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار "،
(ح/377) . وقال: " هذا حديث حسن ". وقال: وقوله: " الحائض " يعني المرأة البالغ، يعني إذا
حاضت.
(4) صحيح. رواه ابن خزيمة: (775) .(1/923)
وخرجه ابن حبان باللفظين جميعا وحسنه الطوسي، وقال أبو داود: رواه سعيد
بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن بلفظ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زاد في كتاب التفرّد،
وحديث ابن سيرين عن عائشة عن النبي- عليه السلام- بلفظ آخر، ولفظه
عن الطوسي عن محمد بن سيرين: أنّ عائشة نزلت على صفية أم طلحة
الطلحات فرأت بنات لها فقالت: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل وفي حجرتي
جارية فألقى لي حقوة فقال: شقّيه شقّين فأعطى هذه نصفا والفتاة التي عند
أم سلمة نصفا فإنى لا أراهما إلا قد حاضتا، أو إنّى لا أراهما إلا قد حاضتا "،
فقال أبو داود (1) : وكذلك رواه هشام عن ابن سرين انتهى، وابن سيرين لم
يسمع من عائشة شيئا قاله ابن أبي حاتم عن أبيه، ولما ذكر الأزدي حديث
صفية قال: هكذا رواه حماد، ورواه شعبة وسعيد بن بشير عن قتادة موقوفا،
وأمّا قول عبد الحق صفية بنت طلحة فخطأ، والصواب أم طلحة، كذا هو في
كتاب أبي داود الذي نقله منه رواية اللؤلؤي وابن العبد وابن واشة، وعاب أبو
الحسن عليه بسكوته عنه قال: وقد نظن به أنه تبرأ من عهدته بعض التمري
بإبرازه سنده وليس كذلك، وما ذكره إلا لتستقم له الاختيار عن عائشة، وفي
لفظ للبيهقي (2) عنها أنها قالت: " ما ظهر منها الوجه والكفان " (3) ، وفي الباب
حديث رواه قيس بن الربيع عن الأعمش، حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع
عن الحسن عن أمّه أنها قالت: دخلت على أم حبيبة بنت أبي سفيان وهى
تصلى في درع وخمار فلما أن صلّت قالت: هاتى الملحفة يا جارية " قال أبو
حاتم: هذا/خطأ إنما هو دخلت على أم سلمة وكانت خادما لها " والخطأ ليس
من قيس؛ لأنه لا يعلم أبا سفيان روى عن الحسن شيئا، وقصة أم حبيبة عندي
أنّ الخطأ لعلّه من الأعمش، وفي الموطأ (4) عن محمد بن زيد بن معد عن أمه
أنها سألت أم سلمة ماذا تصلى فيه المرأة من الثياب فقالت: تصلى في الخمار
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/642) . وقال أبو داود: وكذلك رواه هشام عن ابن سيرين.
والبيهقي (6/57) وابن أبي شيبة (2/22) وأحمد (6/96، 238) .
(2) رواه البيهقي: (2/226) .
(3) المصدر السابق.
(4) رواه مالك في: 8- كتاب صلاة الجماعة، 10. باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع
والخمار، (ح/36) قال ابن عبد البر في الاستذكار: هو في الموطأ موقوف ورفعه عبد الرحمن
ابن عبد الله بن دينار محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة.(1/924)
والدرع السابغ الذي يحجب ظهور قدميها "، قال أبو عمر: هذا هو الصحيح
من قول أم سلمة، وقد ذكره أبو داود (1) مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديث أبي
قتادة قال عليه السلام: " لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارى زينتها، ولا
من جارية بلغت المحيض حتى تختمر " رواه أبو القاسم في الأوسط (2) عن
محمد بن أبيِ حرملة؟ ثنا إسحاق ابن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، ثنا
عمرو بن هاشم التستري الأوزاعي إلا عمرو بن هاشم تفرد به إسحاق.
وحديث يحيى بن جابر أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
رؤوسهم " (3) ، فذكر الحديث قال: " وامرأة قامت إلى الصلاة وأذنها بادية "
ذكره أبو داود في المراسيل، وحديث عبد الله بن عمر، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف تصنع
النساء بذيولهن قال: " يرخين شبرا " (4) ، فقالت: إذا تنكشف أقدامهنّ قال:
" فترخيه ذراعا لا يزدن عليه "، قال فيه الترمذي (5) : حسن صحيح، وحديث
عن ميمونة: " أنها كانت تصلى في الدرع والخمار ليس عليها إزار "، رواه
__________
(1) حسن. ورواه أبو داود في: 2. كتاب الصلاة، 82- باب في كم تصلى المرأة، (ح/640)
قال أبو داود: روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن
جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة لم يذكر أحد منهم
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قصروا به على أم سلمة رضى الله عنها.
غريبة: قوله: " الدرع " درع المرأة قميصها، وهو مذكر. و" السابغ " الساتر.
(2) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/52) ، وعزاه إلى الطبراني في " الصغير " و" الأوسط " وقال تفرد به إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله موثقون.
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/360) ، وقال: هذا حديث حسن غريب. وقد صححت هذا
الحديث؛ لأن أبا غالب ثقة، فقد وثقة موسى بن هارون الحمال والدارقطني وغيرهما، وفي
التهذيب: " حسن الترمذي بعض أحاديثه وصحح بعضها ". والبيهقي (3/128) وضعف أبا
غالب. والطبراني (8/341، 343) ، والمنثور (2/154) ، وشرح السنة: (3/404) ، وابن أبي
شيبة (4/307) ، والترغيب (1/314) ، 3/29) وللكنز (43797، 43924) .
(4) مرسل. كما ذكر المصنف في عزوه لأبي داود.
(5) صحيح. رواه الترمذي: (ح/ 1731) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ومسلم في (الزينة،
باب تحريم جر الثوب خيلاء) والنسائي: (8/209) ، وأحمد: (6/6/315) ، والفتح: (01/
259) ، وإتحاف: (8/347) ، وعبد الرزاق: (1731) .(1/925)
مالك (1) عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بشر بن سعيد
عن عبيد الله الخولاني، وكان في حجر ميمونة عنها، وزعم الدارقطني أنّ الثقة
هذا هو/ليث بن سعد، وقد أخطأ من رفعه، وحديث أسامة بن زيد: أنه كسا
امرأته قبطية. فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مرها فلتجعل تحتها غلالة فإنى أخشى أن
ينصف غطائها " (2) ، ذكره البيهقي في المعرفة من حديث ابن عقيل عن محمد
ابن أسامة عن أبيه، وحديث عطاء قال: " إذا صلّت الأمة غطت رأسها وعينيها
بخرقة أو خمار "، كذلك كن يصنعن على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكره
عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه قال: ثنا الثوري عن جابر به وعن أم
ثور عن زوجها بشر قالت قلت لابن عباس: في كم تصل المرأة من الثياب؟
قال: " في درع وخمار " وعن الأوزاعي عن مكحول عمن سأل عائشة في كم
تصل المرأة من الثياب؟ فقالت له: سل علي بن أبي طالب ثم ارجع إلي
فأخبرني فأتى عليا فسأله فقال: في الخمار والدرع السابغ فرجع إلى عائشة
فأخبرها فقالت: صدق " (3) ، وفي المصنف لأبي بكر عن مجاهد: " أيما امرأة
صلّت ولم تغط شعرها لم يقبل الله لها صلاة "، وفي الاستذكار: " لا تصلى
المرأة في أقل من أربعة أثواب "، وهذا لم يقله غيره فيما علمت، وعن ابن
جريج قال: تقنع الأمة رأسها في الصلاة، وعن سليمان بن موسى إذا حاضت
المرأة لم يقبل لها صلاة حتى تختمر وتوارى رأسها، قال أبو عمر: وروى ذلك
أيضا عن عروة وعكرمة وجابر بن زيد وإبراهيم والحكم وحماد، وهو قول
فقهاء الأمصار، قال ابن حزم: لم يخف علينا ما روى عن عمر- رضى الله
تعالى عنه- في خلاف هذا، وعن غيره يعني من التفرقة بين الحرّة والأمة،
ولكن لا حجة في قول أحد دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين الحرّة والأمة، ولكن لا
حجة في قول أحد دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا تنازع السلف وجب الردّ إلى
ما افترض الله الرّد إليه من القرآن والسنة/وليس فيهما فرق بينهما؟ والله تعالى
أعلم، قال أبو عمر: والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق؛ أنّ على المرأة
أن تغطى جسمها كلّه بدرع صفيق سابغ وتخمر رأسها فإنّها كلّها عورة إلا
__________
(1) صحيح. رواه مالك في: 8. كتاب صلاة الجماعة، 10. باب الرخصة في صلاة المرأة في
الدرع والخمار، 3/37) . وقد روى موقوفا.
(2) صحيح. رواه الطبراني: (1/123) .
(3) صحيح. رواه البيهقي: (2/232) .(1/926)
وجهها وكفيها، واختلفوا في ظهور قدميها فقال مالك، والليث بن سعد:
تسترهما في الصلاة، قال مالك: فإن لم تفعل أعادت ما دامت في الوقت،
وقال الشافعي: ما عدا وجهها وكفيها عورة فإن انكشف ذلك منها في
الصلاة أعادت، وقال أبو حنيفة: قدمها ليس بعورة فإن صلت وقدمها مكشوفة
لم تعد، وروى عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال:
كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها، وقال به غيره إلا أحمد بن حنبل في
رواية انتهى كلام ابن عمر، وفيما نقله عن الشافعي نظر؛ لما ذكره الترمذي
عنه، قال الشافعي: وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفان صلاتها جائزة.(1/927)
93- باب الحائض تختضب
حدثنا محمد بن يحيى، ثنا حجاج يزيد بن إبراهيم، ثنا أيوب عن معاذة
أن امرأة سألت عائشة قالت: " تختضب الحائض؟ فقالت: كنا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ونحن نختضب فلم يكن ينهانا عنه " (1) ، هذا حديث إسناده صحيح على
شرط الشيخين، وفي كتاب الحيض لأحمد بن حنبل بسند صحيح أيضا، ثنا
عبد الرحمن عن حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله عن رافع: " أنّ نساء ابن
عمر وأمّهات أولاده كن يختضبن وهنّ حيض " (2) .
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 133. باب الحائض تختضب، (ح/656) .
في الزوائد: هذا الإسناد صحيح، وحجاج هو ابن مهال، وأيوب هو السختياني: وصححه
الشيخ الألباني.
(2) إسناده صحيح. رواه الدارس في: كتاب الوضوء 110. باب في المرأة الحائض تختضب
والمرأة تصلي في الخضاب، (ح/1094) .(1/928)
94- باب المسح على الجبائر
حدثنا محمد بن أبان البلخي؟ ثنا عبد الرزاق ثنا إسرائيل عن عمرو بن
خالد، عن زيد بن علي عن أبيه عن جدّه عن علي قال: " انكسرت إحدى
زندي فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأمرني أن أمسح على الجبائر " (1) هذا حديث
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: هذا حديث باطل لا أصل له وعمرو
ابن خالد متروك الحديث، وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن حديث
عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، عن
حديث المسح على الجبائر، فقال: باطل، ليس هذا بشيء من حدّث بهذا؟
قلت: ذكروه عن صاحب الزهري، تكلّم فيه بكلام غليظ في سؤالات
عبد الله. سمعت رجلا يقول ليحيى: تحفظ عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي
إسحاق عن علي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه مسح على الجبائر " (2) . فقال: هذا
حديث باطل، ما حدّث به معمر قط، وسمعت يحيى يقول على بدنة مجللة
مقلّدة: إن كان معمر حدّث هذا فهذا باطل، ولو حدّث بهذا عبد الرزاق كان
حلال الدم. من حدّث بهذا عن عبد الرزاق؟ قالوا: محمد بن يحيى قال: لا
والله ما حدّث به معمر، وعليه حجة، من هذا يعني المسير إلى مكة، إن كان
معمر حدّث بهذا قط. قال عبد الله: وهذا الحديث يرويه أيضا إسرائيل عن
عمرو بن خالد: وهو لا يرى حديثه شيئا، وقال أبي: متروك وروى عن زيد
مع الجبائر، وقال العقيلي وذكر هذا الحديث: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به،
__________
(1) ضعيف جدا. رواه ابن ماجة في: 1. كتاب الطهارة، 134. باب المسح على الجبائر، (ح/
657) .
في الزوائد: في إسناده عمر بن خالد. كذبه الإمام أحمد وابن معين. وقال البخاري: منكر
الحديث. وقال قال وكيع وأبو زرعة: يضع الحديث وقال الحاكم: يروى عن زيد عن علي
الموضوعات.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/141) .
(2) باطل. رواه الدارقطني (1/205) ، والخطيب (11/511) بلفظ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح
على الجبائر " انظر: كلام علاء الدين مغلطاي المذكور في المتن.(1/929)
وفي تاريخ نيسابوري: وقال العلائي سئل ابن معين وأنا حاضر، أتحفظ (1) عن
معمر عن أبي إسحاق عن الحرب عن علي في المسح على الجبائر؟ فقال
يحيى: لا والله الذي لا إله إلا هو، ما حدّث معمر بهذا قط، فقال له/
الرجل: ثنا به محمد بن يحيى النيسابوري ثنا عبد الرزاق عن معمر قال: فثبت
يحيى على قوله، وقال الحاكم. ذكرت هذا على العجب فإنّا لا نعرفه من
حديث محمد بن يحيى عن عبد الرزاق، ولا يحفظ في الجبائر من حديث
عمر بن خالد عن زيد عن أمامة، وفي الخلافيات: هذا حديث لا يثبت وقال
ابن حزم: هذا خبر لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه؛ لأنه انفرد به أبو خالد
عمرو بن خالد، وهو مذكور بالكذب وقال عبد الحق: هذا حديث لا يصح،
قال أبو الحسن: لم يرد في تعليله على هذا، أو أنه لكان عند من يعلم حال
عمرو، وإنما ذكرته الآن باعتبار حال من لا يعلمه، فاعلم أنّه أحد الكذابين،
قال إسحاق بن راهويه: كان يضع الحديث، وقال ابن معين: هو كذّاب غير
ثقة، ولا مأمون، يعني: أبا خالد القرشي الهاشمي مولاهم، أصله كوفي انتقل
إلى واسط، قال البخاري: منكر الحديث، وقال الإمام أحمد: متروك الحديث
ليس بشيء، وفي رواية كذّاب، يروى عن زيد بن علي عن الزبان نسخه
موضوعة بكذب، وقال الدارقطني: كان كذابا وفي رواية الزبان عنه متروك،
وقال وكيع: كان في جوارنا، يضع الحديث فلما فطن له تحول إلى واسط،
وقال أبو زرعة: كان وضّاعا، وفي كتاب الأجري: سألت أبا داود عن عمرو
ابن خالد فقال: ليس بشيء، وقال الساجي: هو منكر الحديث، وقال: كان
يحيى بن سعيد قرب أمر الحسن بن ذكوان، قال: أظنّه ليس به بأس كأنه ورقة
عن عمر، وفى (2) كتاب العقيلي قال أبو عوانة: كانه يشترى الكتب من
الصيادلة، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: متروك الحديث ليس ثقة ولا يكتب
حديثه، وفي الباب حديث رواه ابن عمر أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كان يمسح على/
الجبائر " ذكره الدارقطني (3) من حديثه عن أبي بكر الشّافعي نا أبو عمارة
__________
(1) قوله: " أتحفظ " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) قوله: " وفى " وردت " بالأصل " " روق " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) ضعيف جدا. رواه الدارقطني: (1/205) والخطيب (11/115) .(1/930)
محمد بن أحمد بن المهدي نا عبدوس بن مالك العطار ثنا شبابة ثنا ورقة عن
أبي نجيح عن مجاهد عنه، ثم قال: ولا يصح مرفوعا وأبو عمارة ضعيف جدا،
وبنحوه قاله أبو الفرج في علله المتناهية، قال أبو حنيفة: المسح على الجبائر
سنة، ونال أبو يوسف ومحمد فرض للحديث، ولأنه قد عفي عن غسل ما
تحته، فخرج ملحفة فنزع الجبائر فيتحول إليه حكمه، كما في الخسف، إلا أنّ
أبا حنيفة، يقول: الوضوء ثابت بكتاب الله تعالى، ولا يمكن الزيادة عليه إلا
بمثله؛ لأن الزيادة تجرى مجرى النسخ عندنا، ولأنه شطر من الوضوء، والوضوء
بنفسه ثابت متيقن، ولا يمكن إثبات شطر منه بخبر الواحد والقياس، وإنما أثبتنا
الخف محلا للمسح بأخبار مشهورة قريبة من التواتر؛ وأبو حنيفة يأمر بالمسح
على الجبائر عملا بخبر الواحد، ولكن لا يفسد بتركه هذا، كالطواف بالبيت
يؤمر فيه بالطهارة عملا بخبر الواحد، ولكن لا يفسد بدونها، ذكره أبو زيد
في الأسرار، قال ابن المنذر: هو قول ابن عمر وعطاء وعبد الملك بن عمير
والنخعي والحسن ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور المزني.(1/931)
95- باب اللعاب يصيب الثوب
حدثنا على بن محمد ثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن محمد بن زياد
عن أبي هريرة قال. رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن بن على عليهما السلام
على عاتقه ولعابه يسيل عليه " (1) هذا حديث إسناده على رسم الصحيح، وفي
الباب حديث أنس: " انّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزق في ثوبه " رواه البخاري (2) وحديثه (3) /
أيضا: " أنه عليه السلام رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه، ثم قال بطرف
ثوبه فسبق فيه " الحديث رواه أيضا من حديث أبي هريرة: " فتفل في ثوبه عليه
السلام ثم مسح بعضه على بعض " رواه مسلم (4) وحديث عمرو بن خارجة
قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى وهو على راحلة وهي تقصع بحرّتها ولعابها
يسيل بين كتفي " الحديث رواه أبو عيسى (5) وصححه، وحديث مروان بن
الحكم والمسور: " أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الحديبية " فذكر الحديث وفيه:
" وما تنخم عليه الصلاة والسلام نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك
بها وجهه وجلده " (6) . وحديث أبي رافع عن أبي هريرة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/658) وأحمد (2/279، 406، 447، 467) .
وصححه الألباني.
(2) صحيح. رواه البخاري في (الوضوء، باب " 7 ") وأبو داود في الطهارة، /389) وابن ماجة (ح/ 4201) وأحمد (3/24) وتمام لفظه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بزق في ثوبه وحك بعضه ببعض ".
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/417) ومسلم في (المساجد، ح/53050) وأبو داود
(ح/479) من حديث ابن عمر. قال أبو داود: رواه إسماعيل وعبد الوارث عن أيوب، ومالك
وعبيد الله وموسى بن عقبة عن نافع، نحو حماد، إلا انه لم يذكروا الزعفران ورواه معمر عن
أيوب وأثبت الزعفران فيه، وذكر يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع الخلوف. والنسائي في
(المساجد باب " 32، 35) وابن ماجة (ح/ 763) ومالك في (ح/ 1397) .
(4) صحيح. رواه مسلم في: (المساجد، ح/53) .
(5) صحيح. رواه الترمذي: (ح/ 2121) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. غريبه: قوله: " تقصع " القصع: المضغ بعد الدسع، وهو نزع الجرة من الكرش إلى الفم يقال: دسعت بجرتها ثم قصعت بها.
(6) صحيح. رواه البخاري تعليقا الوضوء. 7. باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب=(1/932)
بزق في ثوبه " (1) قال مهنأ: سألت أحمد عن القاسم ثنا مهران فقال: ثقة وما
أعرف له غير حديث واحد عن أبي رافع فذكره قال: وهذا أبو رافع الصائغ
وحديث أبي سعيد: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزق في ثوبه ثم دلكه " (2) . قال عبد الله
عن أبيه لم يرفعه إلا عبد الصمد بن عبد الوارث، وفي كتاب الميموني عن
أحمد، نحن لا نرى بالبزاق بأسا، هو نظيف. أليس يروى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" بزق في ثوبه "؟! وقال أبو القاسم في الأوسط (3) : لم يروه عن حماد بن سلمة
يعني عن ثابت عن أبي نضرة عن أبي سعيد إلا عبد الصمد، قال ابن القطان
هذا يدل على طهارة البزاق، والمخاط، وهو أمر مجمع عليه لا أعلم فيه اختلافا
إلا ما روى عن سلمان الفارسي وأنّ الحسن بن حيى كرهه في الثوب، وفي
كتاب الطحاوي: أن الأوزاعي كره أن يدخل سواكه في وضوئه. انتهى حديثه
وسلمان المشار إليه قال فيه الجوزجاني: باطل ورواته عنه محمد بن عطية، لم/
يسمع فيه شيئا فعلى هذه لا يثبت إلى سليمان فيما نقل عنه، وما حكاه عن
ابن حيى يحمل على التقدير، وسيأتي لهذا زيادة أيضا في كتاب الحج إن
شاء الله تعالى.
__________
- وأحمد 41/329، 330) .
(1) راجع الحاشية السابقة.
(2) راجع الحاشية رقم (1) السابقة.
(3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/19) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
ورجاله رجال الصحيح.(1/933)
96- باب المج في الإناء
حدثنا سويد بن سعيد ثنا سفيان بن عيينة عن مسعر، وثنا محمد بن
عثمان بن كرامة ثنا أبو شامة عن مسعر عن عبد الجبار بن وائل عنه أبيه، قال:
" أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدلو فمضمض منه، فمج فيه مسكا أو أطيب من المسك،
واستنثر خارجا من الدلو " (1) . هذا حديث لولا انقطاعه لحكمنا بصحة إسناده
على الصحيح، فإن ابن معين قال: لم يسمع عبد الجبار من أبيه شيئا من
الرواية، وقد ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وفي سؤالات الكناني لأبي حاتم
عبد الجبار سمع من أبيه شيئا قال: لم يسمع من أين وقال. ابنه عنه في الجرح
والتعديل: روى عن أبيه مرسلا، ولم يسمع منه، وهو مما استدركناه عليه في
كتاب المراسيل تأليفه؛ لذكره له في موضعين وأغفله في موضع هو أنسب
منهما، وقال البخاري: قال لي محمد بن حجر: ولد بعد أبيه بستة أشهر،
وقال قطن: والحسن بن عبيد الله بن عبد الجبار؛ سمعته لي ولا يصح سماعه
من أبيه وهو في بطن أمه، ومات أبيه قبل أن يولد، حدثنا أبو مروان إبراهيم
ابن سعد عن الزهري عن محمود بن الربيع: " وكان قد عقل مجة مجها
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دلو من بئر لهم ". هذا حديث خرجه البخاري (2) في
صحيحه بزيادة مجهّا: " في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو ". وفي الباب
حديث أبي موسى عند البخاري (3) : " دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/بقدح من ماء فغسل
يديه ووجهه، ومجّ فيه ثم قال لهما: اشربا وأفرغا على وجوهكما أو ذلك "
__________
(1) ضعيف رواه ابن ماجة (ح/659) في الزوائد: إسناده منقطع؛ لأن عبد الجبار بن وائل لم
يسمع من أبيه شيئا. قاله ابن معين وغيره وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة. (ح/142)
غريبه: قوله: " فمج فيه " أي رمى به في الدلو. و" استنثر " في النهاية: نثر إذا امتخط. واستنثر استفعل منه. أي: استنشق الماء ثم استخرج ما في الأنف، فنثره. وقيل: هو تحريك النثرة وهى كعرف الأنف.
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/ 189) وابن ماجة (ح/ 660) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه البخاري (ح/ 196) .(1/934)
يعني أبا موسى وبلالا ففعلا قال: فنادتهما أم سلمة من وراء الستر، وحديث
السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: " يا
رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح برأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ،
فشربت من وضوئه " (1) ، وحديث أبي جحيفة: " توضأ عليه السلام، فجعل
الناس يأخذون من فضل وضوء فيتمسحون به " (2) خرجهما البخاري، وأمر
جرير بن عبد الله أهله أن يتوضأ بفضل سواكه.
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (ح/5670) ومسلم في الفضائل، ح/111) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري في (ح/ 187) ومسلم في (الصلاة، ح/253) وأحمد
(4/307، 308) .(1/935)
97- باب النهى أن يرى عورة أخيه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن الحباب عن الضحاك بن عثمان ثنا
زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا ينظر الرجل إلى عورة الرجل "
هنا حديث خرجه مسلم (1) في صحيحه بزيادة. ولا يفضى الرجل في ثوب
واحد، ولا نفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ". وقال أبو القاسم في
الأوسط: لم يروه عن ابن أسلم إلا الضحاك تفرد به ابن أبي فديك (2) ، وزيد
ابن حباب، ولا يروى عن أبي سعيد إلا هذا الإسناد حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن
مولى لعائشة قالت: " ما نظرت أو ما رأيت فرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط " قال أبو
بكر: كان أبو نعيم يقول عن مولاة لعائشة: هذا حديث خرجه ابن ماجة (3)
أيضا في كتاب النكاح، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى هناك، ورواه
الطبراني/في الأوسط عن أحمد بن زكريا ثنا شاذان ثنا بركة بن محمد
الحلبي ثنا يوسف بن أسباط ثنا الثوري عن ابن جحادة عن قتادة عن أنس
عنها به، وقال: لم يروه إلا بركة بن محمد، وفي الباب حديث بهز بن حكيم
عن أبيه عن جده قال: قلت يا رسول الله عوراتنا ما يأتي منها وما نذر قال:
" احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " قلت: فإذا كان القوم
بعضهم في بعض؟ قال: " ان استطعت أن لا يراها أحد فلا تريها " قلت: فإذا
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الحيض، ح/74) وأبو داود في (الحمام، باب " 3 ") والترمذي (ح/
2793) وابن ماجة (ح/661) والبيهقي (7/98) وابن أبي شيبة (6/101) والحاكم (1/158)
وشرح السنة (0/29) والمشكاة (3100) والفتح (9/338) وابن خزيمة (72) وابن عدى في
" الكامل " (2/745) والكنز (13052) .
(2) قوله: " فديك " وردت " بالأصل " " قهر " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/662) . في الزوائد: هذا إسناد ضعيف.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/143) والإرواء (1812) والمشكاة (3123)
وآداب الزفاف (34) والروض (809) ومختصر الشمائل (308) .(1/936)
كان أحدنا خاليا؟ قال: " والله تبارك وتعالى أحق أن يستحي منه " خرجه أبو
داود (1) ، وحديث أبو هريرة قال: " رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل
عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنهم ما يبلغ نصف
الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فجمعه بيده كراهية أن ترى عورته " خرجه
البخاري (2) ، وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا زوج أحدكم عبده أمته، أو أجيره، فلا ينظر إلى شيء من عورته يريد
الأمة " خرجه أبو داود (3) وسيأتي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى زيادة في
كتاب الصلاة.
__________
(1) حسن. رواه أبو داود: (4017) والترمذي (2794) وحسنه وابن ماجة (1920) وأحمد
(5/3، 4) والبيهقي (1/199، 2/225، 7/94) والحاكم (4/180) وشرح السنة (13/5)
ونصب الراية (4/225) والخفاء (1/59) والخطيب (26113) والفتح (1/86) والإرواء (6/ 12) .
(2) صحيح. رواه البخاري في: (الصلاة، ح/442) .
(3) ضعيف. رواه أبو داود (ح/ 4113، 4114) والبيهقي (3/226، 229، 7/94)
والدارقطني (1/230) والمشكاة (3111) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف الجامع (ح/ 533، ص 76) .(1/937)
98- باب من اغتسل من الجنابة فبقى من جسده لمعة لم يصبها الماء
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن منصور ثنا يزيد بن هارون ابنا
مسلمة بن سعيد عن أبي علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس: " أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسل من جنابة، فرأى لمعة لم يصبها الماء فقال: نجمّته فبلّها عليه " (1)
وقال إسحاق في حديثه: " فعصر شعرة عليها ". هذا حديث سأل الأثرم عنه
أحمد فقال: ذاك ولم يُصحّح سنده فيما أرى ضعف رواية أبي علي حسين
ابن قيس الملقب حنشار، وهو/وإن كان حصين بن نمير قال: هو شيخ
صدوق، وقال البزار: لين الحديث روى عنه سليمان التيمي في قصة الثوم،
وقال حنش: عنده أحاديث صالحة، عن عكرمة عن ابن عباس وخرج الحاكم
حديثه في مستدركه، فقد قال الإمام أحمد: هو متروك الحديث، ضعيف
كذاب وترك حديثه، وله حديث واحد حسن رواه عنه التيمي، وقال ابن
معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: ضعيف، وقال العقيلي: وله غير حديث لا
يتابع عليه ولا يعرف إلا به، وفي كتاب ابن جرير: غير متروك، وقال
البخاري: أحاديثه منكرة جدا لا تكتب، وقال النسائي والدارقطني: متروك
الحديث، وقال في التمييز: ليس بثقة، وقال ابن عدي: هو إلى الضعف أقرب
منه إلى الصدق، وقال الجوزجاني في أحاديثه: منكرة جدا، وقال إسماعيل
القاضي عن علي بن المديني: ليس هو عندي بالقوى، وكذلك البلخي وقال
الساجي: ضعيف الحديث؟ متروك يحدّث بأحاديث بواطيل. حدثنا سويد بن
سعد ثنا أبو الأحوص عن محمد بن عبد الله عن الحسن بن سعد عن أبيه عن
علي رضى الله تعالى عنه قال: " جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني اغتسلت
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/ 663) .
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/ 144) . غريبه: قوله: " اللمعة " القدر اليسير من الجلد غاير لونه باقي الجسم، لعدم وصول الماء إليه. و" الجمة " الشعر الطويل النازل على المنكبين. فعصره على ما لم يصبه الماء من الجسد.(1/938)
من الجنابة وصليت الفجر ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه الماء،
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو كنت مسحت عليه بيدك أجزأك " (1) هذا حديث
رجال، إسناده كلهم في الصحيح إلا سعد بن معبد، فإنّ ابن حبان ذكره في
الثقات، وقد سبق الكلام على هذا الباب قبل، والحمد لله وحده وسيأتي له
تكملة إن شاء الله تعالى.
__________
(1) ضعيف رواه ابن ماجة (ح/664) . في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لضعف محمد بن
عبيد الله.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح/145) وتخريج المختارة (445) .(1/939)
99- باب من توضأ فترك موضعا لم يصبه الماء
/حدثنا حرملة بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب نا جرير بن حازم عن قتادة
عن أنس، أنّ رجلا أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد توضأ وترك موضع الظفر لم يصبه
الماء، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ارجع فأحسن وضوءك ". هذا حديث لما ذكره أبو
داود (1) قال: وليس هذا الحديث بمعروف، ولم يروه إلا ابن وهب وحده، وفي
كتاب ابن داسة: هذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم، ولم يروه إلا
ابن وهب، وقال الدارقطني: تفرد به جرير عن قتادة ولم يروه عن غير ابن
وهب، فكذا قاله أبو القاسم في كتابه: الأوسط، وقال البيهقي في الخلافيات:
هذا حديث إسناده صحيح، رواته كلّهم مجمع على عدالتهم وبنحوه قاله
عبد الحق وذكره أبو عوانة في صحيحه، ولما ذكر ابن حزم حديث عمر في
هذا الباب قال: لا يصح؛ لأنّ أبا قلابة لم يدرك عمرو، وأبو سفيان ضعيف،
وحديث أنس أحسن منه. حدثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب وثنا ابن حميد
ثنا زيد بن الحباب قالا: ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن عمر بن
الخطاب قال: " رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا توضأ، فْترك موضع على قدمه، فأمره أن
يعيد الوضوء والصلاة قال: فرجع " (2) هذا حديث خرجه مسلم (3) رحمه الله
تعالى في صحيحه عن سلمة بن شبيب ثنا الحسن بن محمد بن أعن ثنا
معقل عن أبي الزبير بلفظ: " ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثم صلى " وفي
كتاب الصحيح لأبي عوانة وذكره فيه " بأنه رجع ثم صلى "، وفيه أيضا من
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/31) من حديث عمر بن الخطاب وأبو داود (371)
من حديث أنس بن مالك. قال أبو داود: وهذا الحديث ليس بمعروف عن جرير بن حازم، ولم
يروه إلا ابن وهب، وقد روى عن معقل بن عبيد الله الجزري، عن أبي الزبير، عن جابر، عن
عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه قال: " ارجع فأحسن وضوءك ". وابن ماجة (ح/665) من حديث
أنس. وأحمد (1/21، 23، 3/146) ، والبيهقي (1/70) ، وابن خزيمة (164) ، والحلية (8/
033) ، ونصب الراية (1/36) ، وجرجان (402) ، وأصفهان (11/23) ، والإرواء (11/27) .
(2) صحيح رواه ابن ماجة: (ح/666) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه مسلم في (الطهارة، ح/31) .(1/940)
حديث مغيرة بن سعلاب عن الوازع بن نافع عن سالم عن أبيه عن عمر عن
أبي بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- قال: " كنت جالسا عند النبي/
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء رجل قد توضأ وبقى على ظهر قدمه مثل ظفر النخامة فقال له
النبي: ارجع فأتم وضوءك ففعل " (1) ، انتهى. وقال عبد الحق عند ذكره غيره.
وحديث عمر واضح إسنادا، وأجل معنى من هذا، فدلّ أنّ الحديث إنّما رواه
عمر عن أبي بكر، وقد جمع بينهما أحمد بن عبيد الصغّار في مسنده من
حديث ابن عمر عنها مرفوعا، ولما ذكره الطبراني في الأوسط قال: لا يروى
عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث، فزاد
أبي نوح عن شعبة عن إسماعيل عن أبي المتوكل قال: توضأ عمر وبقى على
ظهر رجله لمعة لم يصيبها الماء، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الوضوء، فقال أبو
المتوكل: لم يسمع من عمر، وإسماعيل: هذا لا بأس به، ولما ذكر في
الخلافيات هذا المتوكل قال: إسناده جيد، وقد تقدّم كلام أبي محمد في
حديث عمر، قال الحافظ أبو الفضل الهروي: إنّما نعرف من حديث ابن لهيعة
عن أبي الزبير بهذا اللفظ وابن لهيعة لا يحتج به وهو خطاء عندي؛ لأن
الأعمش رواه عن أبي سفيان عن جابر جعله من قول عمرو قال البيهقي:
ورواه أبو سفيان عن جابر بخلاف ما رواه أبو الزبير، ورواه خالد الحذاء عن
أبي قلابة عن عمر مثله، وقد روى عن عمر ما دلّ أنّ أمره بالوضوء كان على
طريق الاستحباب، وإنّما الواجب غسل تلك اللمعة فقط، وفي الباب حديث
خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رأى رجلا
يصلى وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي أن يعيد
الوضوء والصلاة ". رواه أبو داود (2) من حديث بقية/عن خمير عنه، وقال ابن
حزم: لا يصح وهو مرسل، ورده أبو محمد الأشبيلي ببقية، واستدرك عليه ابن
القطان الإرسال، وقال البيهقي: هو حديث مرسل، وأعلّه بعض الحفاظ من
__________
(1) صحيح. الكنز (26810) ، والدارقطني (1/108، 109) ، وتلخيص (1/95) ، وللعقيلي
(4/182) .
(2) مرسل. رواه أبو داود: (ح/175) . قال ابن حزم: رده أبو محمد الإشبيلي ببقية.(1/941)
المتأخرين؛ بأنّ بقية وإن كان حديثه في الصحيح فعنعنة لا تقبل لتدليسه، وفي
ذلك نظر لما قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله هذا يعني حديث خالد إسناد
جيّد قال: نعم. قلت لأبي عبد الله: إذا قال رجل من التابعين حدثنى رجل
من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمه والحديث صحيح قال: نعم انتهى، والذي
عليه المحدّثون قاطبة: أنّ جهالة (1) اسم الصحابي غير قادحة في الإسناد لا
سيما مع شهادة التابعين المعروف له الصحبة، وهو قول مسند من كلام ابن
القطان، وذهل عنه في هذا الموضع، وأمّا من أعلّه بتدليس بقية فمردود؛
لتصريح أبي عبد الله الحاكم في مستدركه لقول بقية ثنا بحر فذكره، وفي
مراسيل أبي داود من حديث العلاء بن زياد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّه اغتسل، فرأى
لمعة على منكبيه لم يصبها الماء فأخذ خصلة من شعر رأسه فعصرها على
منكبه، ثم مسح يده على ذلك المكان، قال ابن حزم وأبو الفرج ابن الجوزي:
وقد أسند عن العلاء عن رجل من الصحابة والصحيح مرسل أبي داود،
وحديث حميد بن مسعدة عن أبي سلمة عن أبيه قال: " أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلت: يا رسول الله إنّ أهلي يغار علي إذا أنا وطئت جواري. قال: " ولم تعلن
ذلك "، قلت: من جهة الغسل قال: " وإذا كان ذلك منك فاغسل رأسك عند
أهلك وإذا حضرت الصلاة فاغسل سائر بدنك " (2) . ذكره الإسماعيلي في
جمعه لحديث مسعر من جهة إسماعيل بن يحيى وهو متروك الحديث عن
مسعر عنه، ولما/ذكره البيهقي في الخلافيات ردّه بضعف إسناده، وحديث ابن
عمر: " إنّه توضأ وبقى على رجله قطعة لم يصبها الماء فأمره النبي عليه الصلاة
والسلام أن يعيد الوضوء " (3) ذكره في الخلافيات وردّه بالانقطاع، قال: وقد
روى عن ابن عمر نفسه موقوفا وإسناده جيّد، وحديث ليث عن عبد الرحمن
ابن سابط عن أبي أمامة أو أخي أبي أمامة: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوما على
أعقاب أحدهم مثل موضع الدرهم أو مثل موضع ظفر لم يصبه الماء ". الحديث
ذكره البيهقي في سننه، وحديث ابن مسعود: " أنّ رجلا سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) قوله: " جهالة " وردت " بالأصل " " نخالة " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) موضوع. كما ذكر المصنف.
(3) قلت: وذكره في الخلافيات وردة بالانقطاع كما ذكر المصنف. والحديث " ضعيف ".(1/942)
بغسل ذلك المكان ثم يصلي ". ذكره البيهقي (1) من رواية عاصم بن عبد العزيز
الأشجعي، وهو ضعيف.
__________
(1) ضعيف ولم أقف عليه في " السنن الكبرى ".(1/943)
100- باب مواقيت الصلاة
حدثنا محمد بن الصباح وأحمد بن سنان قالا: ثنا إسحاق بن يوسف
الأزرق أنبأ سفيان ح وثنا علي بنُ ميمون البرقي ثنا علي بن ميمون البرقي (1)
ثنا مخلد بن يزيد عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبيه قال: جاء رجل إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن وقت الصلاة. فقال: " صل معنا هذين اليومين، فلمّا
زالت الشّمس أمر بلالا فأذّن ثم أمر فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية،
ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشّمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غابت
الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع
الفجر فلما كان من اليوم الثاني أمره، فأذن الظّهر فأبرد بها فأنعم أن يبرد بها،
ثم صلّى العصر والشّمس مرتفعة أخّرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل
أن يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث/الليل، وصلى الفجر فأسفر
بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة، فقال الرجل: أنا يا رسول الله قال
وقت صلاتكم بين ما رأيتم ". هذا حديث أخرجه مسلم (2) في صحيحه، وقال
أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وبنحوه قاله الطوسي في
أحكامه، ويشبه أن تكون الغرابة جاءته من جهة تفرد علقمة عن سفيان به
وهو الذي حكاه أبو عيسى في كتاب العلل عن البخاري حديث بريدة
حسن، ولم نعرفه إلا من حديث سفيان، وقال البزار: لا يعلم روى هذا
الحديث عن شعبة إلا حرمي ولا عن الثوري إلا إسحاق بن يوسف، ففي هذا
دلالة على أنّ شعبة رواه أيضا وسيأتي متابعة الجراح لهما، ولما خرجه الحافظ
أبو بكر بن خزيمة (3) في صحيحه قال: لم أجد في كتابي عن الزعفراني
المغرب في اليوم الثانى ثنا بندار ثنا حرمي بن عمارة ثنا شعبة عن علقمة بن
__________
(1) قوله: " البرقي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/176) ، والبيهقي (ح/ 667) ، وأحمد (5/349) ،
وتلخيص (1/176) ، والمشكاة (582) ، والدارقطني (1/262) ، وتلخيص (1/175) .
(3) ضعيف. رواه ابن خزيمة: (323) .(1/944)
مرثد عن سليمان عن أبيه عن النبي- عليه الصلاة والسلام- في المواقيت لم
يزدنا بندار على هذا، قال بندار: فذكرته لأبي داود، فقال صاحب هذا
الحديث: ينبغي أن تكثر عليه، قال بندار: فمحوته من كتابي، قال أبو بكر.
ينبغي أن يكثر على أبي داود حيث غلط، وأن يضرب بندار عشرة حيث محا
هذا الحديث من كتابه؛ لأنه صحيح على ما رواه الثوري أيضا عن علقمة، ثنا
عن حرمي محمد بن يحيى ثنا علي بن عبد الله ثنا حرمي بن عمارة عن
شعبة بالحديث بتمامه وقال البزار: ولما ذكره أبو القاسم في الأوسط من طريق
الجراح بن الضحاك عن علقمة بن يزيد قال له ولأحاديث قبله لم يرو هذه
الأحاديث عن الجراح الأعلى بن أبي بكر تفرّد به نوح عن أنس حدثنا محمد
بن رمح المصري أنا الليث بن سعد عن ابن شهاب/أنّه كان قاعدا على مباشر
عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة، ومعه عروة بن الزبير، فأخرّ عمر
العصر شيئا، فقال له عروة: إمّا أن جبريل نزل فصلى أمام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة قال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول:
سمعت أبا مسعود يقول سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نزل جبريل فأمّنى
فصلّيت معه ثم صليت معه، ثم صليِت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه
يحس بأصابعه خمس صلوات ". هذا حديث خرجه الشيِخان (1) في
صحيحيهما: " بلفظ أن عم أخّر الصلاة يوما، فدخل عليه عروة فأخبره أنّ
المغيرة بن شعبة أخرّ الصلاة يوما وهو بالعراق، فدخل عليه أبو مسعود
الأنصاري، فقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أنّ جبريل عليه الصلاة
والسلام نزل فصلّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم صلى فصلّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر
خمسا ثم قال هذا أمرت فقال عمر: يا عروة اعلم ما تحدّث به، وأنّ جبريل
عليه السلام هو أقام لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مواقيت الصلاة، قال عروة: كذلك كان
بشير بن أبي مسعود يحدّث عن أبيه ". وفي لفظ لمسلم (2) : " أنّ عمر أخر
__________
(1) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (4/137) ، ومسلم (425) ، وأبو داود (ح/393) ، وابن
ماجة (668) ، والشفع 1291) ، والمشكاة (584) ، والبداية (1/45) ، والطبراني (17/295) ،
والحميدي (451) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/166) .(1/945)
الصلاة لم يقل العصر ". وفي حديث ابن ماجة (1) تصريح بأن ابن شهاب
شهد قصة عروة مع عمرو بسماع عروة من بشير، وعندهما: ليس كذلك
لقول ابن شهاب: أن عمر أخر، فدخل عليه عروة، فقال: كذلك كان بشير
يحدّث عن أبيه، قال أبو عمرو: حديث ابن شهاب هذا متصل عند أهل العلم
مسند صحيح؛ لأنّ مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض معلومة مشهورة، وإن
كان ظاهر مسافة في رواية مالك يدلّ على الانقطاع، وممن ذكر مشاهدة/ابن
شهاب للقصة عند عمر مع عروة في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب
معمر والليث وشعيب بن أبي حمزة وابن جريج، وذكر عبد الرزاق عن معمر
عن الزهري قال: كنّا مع عمر فذكر بلفظ: "إن جبرائيل نزل فصلى فصلى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلي النّاس معه "، وفيه " إن الصلاة التي أخرها المغيرة هي
العصر أيضا، وفيه: " إن جبريل صلى بالنبي الخمس في أوقاتهن مرّة واحدة لا
مرتين فقال له عمر: انظر ما تقول يا عروة أو أنّ جبريل هو سنّ وقت الصلاة
بعلامة حتى فارق الدنيا ". وفي لفظ للحاكم من حديث أسامة بن زيد عن ابن
شهاب عن عروة قال: سمعت بشيرا يحدّث عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه
" كان يصلى العصر، والشمس بيضاء مرتفعة، لم ير الرجل حين ينصرف منها
ذي الحليفة، وهي على ستة أميال قبل غروب الشمس ". ثم قال: قد اتفقا (2)
على حديث بشير في أخر حديث الزهري عن عروة بغير هذا اللفظ، وفي
كتاب الحازمي وذكر هذه الزيادة هذا إسناد رواته كلهم ثقات، والزيادة من
الثقة مقبولة، وفي مصنف أبي داود (3) من حديث أسامة عن الزهري بسنده
__________
(1) انظر الحاشية قبل السابقة.
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/145، 9/128) ، ومسلم في (المساجد، ح/192) ،
وأحمد (3/223) ، والنسائي (1/253) ، وابن أبي شيبة (1/327) ، وشرح السنة (9/202) ،
والتمهيد (6/181) ، والمشكاة (295) ، ومعاني (1/191) ، وابن عساكر في " التاريخ " (4/
413) ، والكنز (21782) .
(3) صحيح. رواه أبو داود في: 2. كتاب الصلاة، 1. باب في المواقيت (ح/ 394) . قال أبو
داود: وكذلك روى عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ثم صلى بي المغرب، يعني من الغد،
وقتا واحدا، وكذلك روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان بن عطية عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدْه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه ابن ماجة (ح/ 866) والبيهقي=(1/946)
عن أبي مسعود سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: نزل جبرائيل عليه السلام، فأخبرني
بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت معه يحسب بأصابعه خمس صلوات،
فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى الظهر حين نزول الشمس، وربّما أخّرها حين
يشتد الحرور، ورأيته يصلي العصر، والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن يدخلها
الصفرة، فينصرف الرجل من الصلاة، فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس
ويصلى المغرب حتى تسقط الشمس، ويصلى العشاء حين يسود الأفق، ورّبما
أخرّ حتى يجتمع النّاس، وصلى الصبح مرة بغلس. ثم صلى مرّة أخرى فأسفر/
بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد أن يسفر ". ثم
قال: روى هذا الحديث عن الزهري معمر ومالك وابن عيينة وشعيب والليث
ابن سعد، وغيرهم لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ولم يفسروه، قال
الخزرجي: وهذا إسناد حسن، ولما خرجه أبو القاسم في الأوسط قال: لم يرو
هذا الحديث عن أسامة إلا يزيد بن أبي حبيب تفرد به الليث ولم يجز أحدا
ممن روى هذا الحديث عن الزهري إلا أسامة، ولما خرجه ابن خزيمة في
صحيحه قال: هذه الزيادة لم يقلها أحد غير أسامة بن زيد، وفي هذا الخبر
كالدلالة على أنّ الشفق البياض لا الحمرة؛ لأن في الخبر، ويصلي العشاء حين
يسود الأفق وإنّما يكون ذلك بعد ذهاب البياض الذي يكون بعد سقوط
الحمرة، والواجب في النظر إذا لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ الشفق: الحمرة،
وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ أوّل وقت العشاء: إذا غاب الشفق أن لا يصلى
العشاء حتى يذهب بياض الأفق؛ لأنّ ما كان معدوما فهو معدوم حتى يعلم
لونه بيقين وذكر الخطيب في كتاب الفصل: أنّ أسامة وهم فيه؛ لأنّ قصة
المواقيت ليس من حديث أبي مسعود، ولما ذكر الدارقطني رواية أسامة هذا
قال: أدرجه في حديث ابن أبي مسعود، وخالفه يونس وابن أخي الزهري
فروياه عن الزهري قال: بلغنا أنّ النبي- عليه السلام- يذكر مواقيت الصلاة
بغير إسناد، قال: وحديثهما أولى بالصواب ورواه هشام عن أبيه في رواية
حمرة عن رجل من الأنصار عن النبي لم يسمه، ورواه حبيب بن أبي مرزوق
__________
(1/364) وابن خزيمة (352) .(1/947)
وأبو بكر بن حزم عن عروة عن أبي مسعود إلا أنّ أبا بكر قال فيه عن عروة:
حدثنى أبو مسعود/أو بشير بن أبي مسعود وكلاهما قد صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ووهم في هذا القول، والصواب قول الزهري عن عروة عن بشير، ورواه أبو
بكر عن ابن حزم عن أبي مسعود وردّه بالانقطاع، قال أبو عمر: ورواية أبي
بكر عن ابن حزم فيها الصلاة موقوف وروى ذلك من طريق علي بن عبد
العزيز، قال أحمد بن يونس: نا أيوب بن عتبة نا أبو بكر، وأمّا قول ابن خزيمة
لم يثبت أنّ الشفق الحمرة، فكأنه ميز إلى ما ذكره الدارقطني في سننه عن
عبادة وشداد بن أوس وأبي هريرة وابن عمر وكلها ضعيفة، وأمّا قوله أو بشير
بن أبي مسعود حديث وكلاهما قد صحب نفسه أن يكون أخذه من كتاب
ابن حبان، فإنّه لما ذكر حديث عروة قال عن بشير: قال سمعت النبي فذكره،
وفي الباب حديث أنس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن جبرائيل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حين زاغت الشمس عن رأسه، قال: قم فصل الظهر أربعا، ثم أتاه حين كان
ظلّ كلّ شيء مثله، فقال: قم فصلى العصر أربعا، ثم أتاه حين غابت الشفق،
فقال: قم فصل فقام فصلى العشاء أربع ركعات، ثم أتاه حين برق الفجر،
فقال: قم فصل فقام فصلى الفجر ركعتين، ثم تركه حتى إذا كان الغد أتاه
حين كان الظل مثله فقام فصلى الظهر أربعا، ثم أتاه حن كان ظِلّه مثليه
فقال: قم فصل. فقام فصلى أربعا، ثم أتاه حين غابت الشمس فقال: قم فصل
فصلى المغرب ثلاثا، ثم تركه حين أظلم، ثم أتاه فقال: قم فصل فقام فصلى
العشاء أربعا، ثم أتاه حين أسفر، فقال: قم فصل الفجر ركعتين ثم قال: ما بين
هذه الصلوات وقت " (1) . ذكره الدارقطني في كتاب العلل عن علي بن الفضل
البلخي أنبأ محمد بن عامر قرأه حدثكم/معاذ عن زفر عن يحيى بن سعيد
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عنهم، وحديث ثابت بن معدان أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أتاني جبرائيل مرتين، فصلى الظهر حين مالت الشمس قيد
الشراك ". فذكره مولى ابن قتيبة في كتاب غريب أصناف الأحكام وما يتعلّق
بها من الحلال والحرام، وحديث جابر بن عبد الله قال: " جاء جبرائيل إلى
__________
(1) الكنز: (19256) . قلت: وقد ذكره الدارقطني في: " كتاب العلل ".(1/948)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا كان في الرجل مثله جاء
به (1) للعصر، فقال: قم يا محمد فصلى العصر، ثم مكث حتى إذا غابت
الشمس سواء مكث حتى إذا ذهب الشفق جاءه، فقال: قم فصلى العشاء،
فقام فصلاها، ثم جاءه حين مطلع الفجر بالصبح، فقال: قم يا محمد فصل،
فقام فصلى الصبح، ثم جاءه من الغد حين كان في الرجل مثله، فقال: قم يا
محمد فصل فصلى العصر، ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا
لم يزل عنه فقال: قم فصلى فصلى المغرب، ثم جاءه العشاء حين ذهب ثلث
الليل فقال: قم فصلِّي فصلّى العشاء، ثم جاءه الصبح، ثم قال: ما بين هذين
وقت كلّه " (2) . رواه ابن خزيمة والبستي في صحيحيهما، وفي كتاب البغوي
وحديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي- عليه الصلاة والسلام- وهو
حديث حسن صحيح غريب، وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث
جابر، وصححه ابن عبد الرحمن النسائي أيضا فيما ذكره ابن الخطاب، ولما
ذكره الطوسي في أحكامه من حديث الدورمي عن إبراهيم بن شماس ثنا ابن
المبارك عن حسين بن على حدّثنى وهب بن كيسان به قال: قال الدورمي:
أكثر أحمد بن حنبل من إبراهيم بن شماس، ولما/ذكره أبو عمر قال: هو
حديث متصل حسن، ولما ذكره أبو محمد الأشبيلي سكت عنه مصححا له،
وقال ابن القطّان: هو يجب أن يكون مرسلا؛ لأن جابر لم يذكر من حدّثه
بذلك، وهو لم يشاهد وذلك صبيحة الإسراء، لماّ علم من أنه أنصارى إنّما
صحب بالمدينة وابن عباس وأبو هريرة اللذان رويا قصة إمامة جبرائيل فليس
يلتزم في حديثهما من الإرسال ما في رواية جابر؛ لأنهما قالا: أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذلك وقصه عليهما، وذكره الطبراني في الأوسط من حديث عطاء
بلفظ: " سأل رجل النبي عليه السلام عن وقت الصلاة فلما زالت الشمس أذّن
بلال بالظهر ". الحديث، وقال: لم يروه عن المطعم بن المقدام، يعني. عن عطاء
إلا رباح بن الوليد تفرّد به مروان بن محمد، وذكره في موضع آخر عن
__________
(1) قوله: " جاء به " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) صحيح. رواه الحاكم. (1/195) وقال: لم يخرجاه.(1/949)
عبد الله بن الحسن ثنا محمد بن العلاء الهمداني ثنا زيد بن حبان ثنا خارجة
بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، قال: حدثنى حسين بن بشير بن
سلام عن أبيه قال: دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر فقلت صلِ بنا كما
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى فقال: كان يصلى الظهر ". الحديث قال: " ثم
صلى من الغد الظهر ". فذكره مطولا، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح
مشهور من حديث ابن المبارك، والشيخان لم يخرجاه لعّلة حديث الحسين بن
علي الأصفر، وقد رواه عبد الرحمن بن أبي الموالى وغيره وله شاهدان مثل
الفاطة (1) عن جابر، فذكر حديث برد بن سنان عن عطاء بن أبي رباح،
وحديث عبد الكريم عن أبي الزبير وحديث ابن عياش أن جبرائيل أتى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى به الصلوات وقتين إلا المغرب، قال أبو عبد الله أثر تخريجه من/
حديث أبي بكر بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن الحارث ومحمد بن عمرو
عن حكيم بن حيكم عن نافع بن حبيب عنه: هذا حديث صحيح الإسناد
رواه الثوري وعبد العزيز الدراوردي عن عبد الرحمن بن الحارث وهذا من
أشراف المقبولين في الرواية، وحكيم بن حكيم هو ابن عباد بن حنيف (2)
وكلاهما مدنيان، ولما خرجه الترمذي (3) من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد
عن ابن الحارث قال: أخبرني ابن عباس قال: حديث ابن عباس حسن
صحيح، وخرجه الحافظ أبو بكر بن خزيمة في صحيحه وابن الجارود في
منتقاه وقال البغوي في شرحه: هذا حديث حسن وابن حبان البستي، ولما
خرجه الطوسي في أحكامه حسنه، وكذلك ابن عبد البر زاد: وهو متصل،
__________
(1) كذا في " الأصل " " الفاطة " وهو صحيح.
(2) قوله: " ضيف وردت " بالأصل " " خصيف" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) صحيح. رواه الترمذي في: 2. أبواب الصلاة، 1. باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ح/ 149) . وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". ورواه أحمد في المسند عن عبد الرزاق وعن أبي نعيم: كلاهما عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث بن عياش (رقم 3082،3081 ج 1 ص 333) ، ورواه مختصرا عن وكيع عن سفيان (رقم 3322 ج 1 ص 354) . ورواه ابن الجارود (ص 79.77) عن أحمد بن يوسف عن عبد الرزاق عن سفيان. ورواه الحاكم (1/ 193) من طريق سفيان ومن طريق عبد العزيز بن محمد كلاهما عن عبد الرحمن بن الحرث وسفيان هو الثوري، وعبد العزيز هو الدراوردي.(1/950)
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبيس بن مرحوم
عن حاتم بن إسماعيل عن ابن عجلان عن محمد بن كعب عن ابن عباس،
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: جبرائيل، وذكرت لهما قصة المواقيت فقال أبو زرعة:
وهم عيسى في هذا الحديث، وقال أبي: أخشى أن يكون وهم فيه عبيس،
فقلت لهما: فما علّته؟ قالا: رواه عروة من الحفاظ عن حاتم عن عبد الرحمن
بن الحارث عن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم عن نافع عن ابن
عباس، قالا: وهذا هو الصحيح، وسمعت أبي يقول: مرّة أخرى أخشى أن
يكون هذا الحديث هذا الإسناد موضوع، وأمّا تصحيح الترمذي حديث ابن
أبي الزناد ففيه نظر؛ لما أسلفناه من ضعفه الذي سلم منه إسناد حديث الحاكم
فمن بعده، وقال الدارقطني في الأفراد به: روى عن عثمان بن الأسود عن
عبد الرحمن ابن الحارث عن حكيم عن نافع وهو مردود بما أسلفناه، وما رواه
ابن إسحاق عن عقبة/بن مسلم مولى بنى تميم عن نافع بن جبير، وكان نافع
كثير الرواية عن ابن عباس قال: لما فرضت الصلاة الحديث، وزعم بعض
العلماء من المتأخرين أنه منقطع قال: الاحتمال أن يكون نافع وصف بكثرة
الرواية عن ابن عباس؛ لأنه رواه هنا عنه، وقد استوفينا ذكر ذلك في كتابنا
المسمى بالزهر الباسم، وبينا أنه متصل والله تعالى أعلم، وحديث أبي موسى
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أتاه سائل، فسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا،
قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم
أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار وهو
كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب
حن وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخرّ الفجر
من الغد حين انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم
أخّر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخّر العصر حتى
انصرف منها، والقائل يقول: قد أحمرت الشّمس، ثم أخرّ المغرب حتى كان
عند سقوط الشفق، ثم أخرّ العشاء حتى كان ثلث الليل الأوّل، ثم أصبح
فدعا السائل، فقال: الوقت بين هذين ". خرجه مسلم (1) في صحيحه، قال
__________
(1) تقدم.(1/951)
الترمذي عن البخاري: هو حديث حسن وعند أبي داود (1) وصلى العصر وقد
اصفرت الشمس، أو قال أمسى، وحديث أبي هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هذا جبرائيل جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى له صلاة الصبح حتى طلع
الفجر، ثم صلى له الظهر حين زاغت الشمس، ثم صلى له العصر حين رأى
الظل مثله، ثم صلى له المغرب حين غربت الشمس، وحل فطر الصائم ثم
صلى العشاء/حين ذهب شفق اللّيل، ثم جاءه الغد فصلى له الصبح فأسفر
بها قليلا، ثم صلّى له الظهر حين كان الظلّ مثله، ثم صلى العصر حيث كان
الظل مثليه، ثم صلى له المغرب بوقت واحد حين غربت الشمس، وحلّ فطر
الصائم، ثم صلى له العشاء حين ذهب ساعة من الليل، ثم قال: الصلاة ما بين
صلاتك أمس، وصلاتك اليوم ". رواه النسائي (2) بإسناد صحيح، ولما خرجه
الحاكم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد قدمت له شاهدين، وحديث له
شاهد آخر صحيحا على شرط مسلم، رواه أبو المرصية عن يوسف بن عميس
نا الفضل ابن موسى نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي جرير به،
وحكى الترمذي عن البخاري: أنّه حديث حسن، ورويناه في مسند السراج
من حديث عبد الله بن حمزة الترمذي، ثنا عبد الله بن نافع عن عمر بن عبد
الرحمن بن أسيد عن محمد بن عمارة عنه بزيادة " ثم صلّى بي الصبح حتى
أسفر، ثم قال: هذه صلاة النبيين من قبلك يا محمد فالزم "، ورواه ابن حبان
في صحيحه مختصرا من حديث الأعمش عن أبي صالح عنه، وفي كتاب
الصلاة لأبني نعيم الفضل: ثم انصرف بالفجر حين ما أرى من السماء نجما،
ونسب عمر بن عبد الرحمن فقال ابن زيد بن الخطاب: وحديث أنس بن
مالك: " أنّ رجلا أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن وقت الصلاة الغداة وفيه: " ما بين
هذين وقت ". رواه السراج في مسنده بسند صحيح، وفي مراسيل أبي داود
عن الحسن في صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلف جبرائيل وصلاة الناس خلف النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسر في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من
__________
(1) انظر: الحاشية (ص 945) .
(2) رواه النسائي في: 6. كتاب المواقيت، 5. آخر وقت الطهر (2/ 249 - 250) .(1/952)
العشاء وجهر في/الصبح والأولين عن المغرب والأولين من العشاء "، ووصله
الدارقطني من حديث أنس: " أنّ جبرائيل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين زالت الشمس،
فأمره أن يؤذّن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم ". وذكر الأسرار في صلاة
العصر، قال الإشبيلي: والمرسل أصح، قال أبو إسحاق في كتابه الوهم
والإيهام: لم يبيّن لحديث أنس علّة، وهو حديث يرويه محمد بن سعيد بن
جدار عن جرير بن حازم عن قتادة عنه، ومحمد هذا مجهول، ويرويه عنه أبو
حمزة إدريس بن يونس بن ساق المعزر ولا يعرف أيضا، وحديث عبد الله بن
ثعلبة الأنصاري عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلى
الفجر يوما فغلس بها ثم صلاها بعد فأسفر بها، ثم قال: ما بينهما وقت " (1) .
ذكره في الأوسط من حديث الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن
ثعلبة، وقال: لم يروه عن الزهري إلا عبد الرحمن بن نمر النخعي تفرد به
الوليد ومسلم، وحديث مجمع بن جارية: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن مواقيت
الصلاة تقدم وأخبر وقال: بينهما وقت ". ورواه الدارقطني عن أبي مخلد قال:
ثنا جعفر بن أبي عمير الطيالسي ثنا أبو يعلى محمد بن الصلت الثوري ثنا
الوليد بن مسلم ثنا ابن نمير عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة
عن عبد الرحمن بن يزيد عن عمّه مجمع به، وقال الحاكم: هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وعبيد الله هذا هو ابن عبد الله بن
ثعلبة بن أبي صخر الدوري. وحديث ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني
جبرائيل عليه السلام حين طلع الفجر "، وذكر الحديث وقال: " في وقت المغرب
ثلاث ركعات "، وذكر الحديث بطوله،/ورواه الدارقطني في كتاب السنن (2)
من طريق ضعيفة عن ابن صاعد والحسين بن إسماعيل وأبي شيبة قالوا: ثنا
__________
(1) رواه أبو داود بسند حسن كما قال النووي وابن حبان في " صحيحه " (279) وصححه
الحاكم والخطابي والذهبي وغيرهم. " انظر صحيح أبي داود " (ح/417) والعمل هذا الحديث هو الذي عليه جماهير العلماء، من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، ومنهم الإمام أحمد: أن التعجيل بصلاة الفجر أفضل، لكن ذكر ابن قدامة في " المقنع " (1/105) رواية أخرى عن الإمام أحمد: " ان أسفر المأمون فالأفضل الإسفار ".
(2) ضعيف. رواه الدارقطني (1/259) ، ونصب الراية (1/226) ، والمجروحين (3/41) .(1/953)
حميد بن الربيع ثنا محبوب بن الجهم بن واقد مولى حذيفة بن اليمان نا
عبد الله بن عمر عن نافع عنه به، وأمّا ابن الصواف ثنا الحسن فهو ابن حماد
البزار ثنا الحسن بن حماد بيجاوة ثنا ابن علية عن ابن إسحاق عن عيينة بن
مسلم عن نافع عنه قال: لما فرضت الصلاة " نزل جبرائيل عليه السلام على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى به الظهر وذكر المواقيت، وقال: فصلى به المغرب حين غابت
الشّمس، وقال في اليوم الثاني: فصلى به المغرب حين غابت الشمس " وحديث
أبي سعيد الخدري ذكره أبو عمر في التمهيد (1) وحسنه، وحديث عمرو بن
حزم ذكره أبو علي الطوسي، وحديث البراء بن عازب ذكره أبو القاسم في
الأوسط عن أحمد الحولاني نا الحسن بن إدريس نا عبد الصمد بن عبد العزيز
الداراني عن عمرو بن أبي قيس عن ابن أبي ليلى عن حفصة بنت عبيد عن
عمّها البراء قال: " أتى النبي عليه الصلاة والسلام رجل فسأله عن وقت الصلاة
فلم يرد عليه شيئا، فأمر بلالا فأقام الصلاة بغلس، حتى إذا كان من الغد
أخرها حتى أصبح جدا، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى، ثم قال أين السائل: عن
الوقت صلّ ما بينهما ". وقال: لا يروى (2) هذا الحديث عن البراء إلا بهذا
الإسناد تفرد به ابن أبي ليلى، وحديث أبي بكر بن حفص قال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن الله تبارك وتعالى بعث إلي جبرائيل عليه السلام يعلمني مواقيت الصلاة
فذكر مثل حديث ابن عباس إلا أنه قال: في الفجر في اليوم الثاني فلما أضاء
الفجر وعرف الناس بعضهم بعضا أمرني بصلاة الفجر، ثم قال: " يا نبي الله
وقت الصلاة بين هذين " (3) . ذكره الفضل بن/دكين في كتاب الصلاة عن
أبان عن عبيد الله البجلي عنه. وحديث الحسن- يعني: ابن علي- أنّ رجلا
سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مواقيت الصلاة فصلى النبي- عليه الصلاة والسلام-
صلاة الصبح بغلس، حتى إذا كان من الغد أسفر جدا، فقال: أين السائل عن
الصلاة ما بين هذين صلاة (4) ". رواه أيضا عن أبي الأشهب عنه. وحديث
__________
(1) حسن. رواه ابن عبد البر في التمهيد: (8/74، 82) .
(2) قوله: " يروي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. انظر، مسند أبي حنيفة: (1/294) .
(4) صحيح، رواه البيهقي في " الكبرى ": (1/362، 365) .(1/954)
عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره أبو عمر بن عبد البر، وحديث أبي
مسعود: " إن جبرائيل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث دللت الشمس "، يعني: زالت، ثم
ذكر المواقيت، وقال: ثم أتاه جبرائيل حين غابت الشّمس فقال: قم فصل
فصلّى، وقال ثم أتاه من الغد حيث غابت الشمس وقتا واحدا، فقال: قم
فصل فصلى " (1) ذكره أبو الحسن في سننه عن عثمان بن أحمد الدماق ثنا
أحمد بن على الخزاز ثنا سعيد بن سليمان بن سعد وبه ثنا أيوب بن عتبة ثنا
أبو عمرو بن حزم عن عروة عن الزبير عن أبي مسعود عن أبيه إن شاء الله
تعالى به، وقد تقدم كلام ابن عبد البر فيه قبل، وحديث بسر بن معاذ قال:
فصليت أنا وأبي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولى عشر سنين، وكان النبي عليه السلام
إمامنا، وكان جبرائيل إمام النبي- عليه السلام-، والنبي- عليه السلام- ينظر
إلى خيال جبرائيل عليه السلام، شبه ظل سحابه إذا تحرّك الخيال ركع النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) ، ذكره أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث جابر بن عبد الله
العقيلي عنه، وقال: لا يعرف إلا من هذا الوجه من رواية أهل بلخ، ولم يكن
عند بشر غير هذا، والميقات: الوقت المعروف للفعل والموضع، يقال: هذا
ميقات أهل الشام/الموضع الذي يحرمون منه ويقول وقته فهو موقوت إذا بين
للفعل وقتا، ومنه قوله تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا) (3) . أي: مفروضا في الأوقات، والتوقيت: تجديد الأوقات وقته ليوم
كذا مثل أجلته، وقرئ " إذا الرسل أقتت "، ووقتت مخففة، وأقتت لغة مثل
وجوه وأوجه، والمواقيت مفعل من الوقت، قال الفجاج والجامع الناس ليوم
الموقت، قاله أبو نصر، وزاد في الأساس شيء موقيت حدود الهلال ميقات
الشهر والآخرة ميقات الخلف، وفي الجامع: الوقت اسم واقع على الساعة من
الزمان، والحين، والجمع: أوقات وأنكر ابن العين على أبي عبد الله البخاري
قوله وقته عليهم بأن قال: رويناه بالتشديد، وإنما هو بالتخفيف، ويدل على
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/230) .
(2) انظر: كتاب الصحابة لأبي موسى.
(3) سورة النساء آية: 103.(1/955)
صحة قوله تعالى " موقوتا " إذ لو كان مشددا لكان موقتا، وأمّا الشفق: فهو
الحمرة التي ترى في السماء بعد غيوب الشّمس وهما شفقان (1) : أحدهما
الحمرة والآخر البياض الذي يرى في المغرب فآخر وقت العشاء الأخرة وقت
لغيبه قال تعالى: (فلا أقسم بالشفق) (2) . وقد ذكر بعض أهل اللغة: أن
الشفق إنّما هو الحمرة واحتج بالاشتقاق؛ لأنّ العرب تقول: ثوب مشفق إذا
صبغ بالحمرة ناله ألوان، وفي الصحاح: الشفق بقية ضوء الشّمس وحمرتها في
أوّل الليل إلى قرب من القمة، وقال الخليل: الشفق الحمرة من غروب الشمس
إلى وقت العشاء الآخرة، وزعم أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى: أنّ الحمرة
هو قول أكثر أهل اللغة، وفقهاء الحجاز، والبياض قول أهل العراق، وحكى
مثله عن مالك والأوّل هو المشهور من قوله، وقال بعض أهل اللغة: الشفق
يطلق عليهما جميعا، وقال بعضهم: الحمرة غير الفانية، والبياض غير الناصع
الاسم (3) يتناولها/يعني: الخلاف في الحكم بإذا يتعلّق بالأول وبالثاني، وفي
كتاب التلخيص لأبي هلال: والشفق حمرة وبياض ليس لحكم، قال أبو عمر
بن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أنّ الصلاة إنما
فرضت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء،
ولكنهم اختلفوا في حينها، حين فرضت، فروى عن عائشة: إنّما فرضت
ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا، وأقرت صلاة الحضر
على ركعتين، ومن رواة حديثهما هذا من يقول زيد فيها بالمدينة وأقرت صلاة
السفر من الحفين، وهو أصح من حديث العشري وغيره، وأصح من حديث
ابن عباس. انتهى. وقال: روى عن سليمان وغيره ما يوافق روايتهما من ذلك
حديث: " فرضت الصلاة ركعتين " (4) ، فصلاها عليه السلام بمكة حتى قدم
__________
(1) قوله: " شفقان " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) سورة الانشقاق آية: 16.
(3) قوله: " الناصع " وردت " بالأصل " " القاطع " وهو تحريف والصحيح الأول.
(4) صحيح بشواهد. رواه النسائي (1/225) والمشكاة (1348) ، والمجمع (2/156) . وعزاه
إلى في " الأوسط " وفيه عمرو بن عبد الغفار وهو متروك، وللحديث شاهد صحيح من حديث
أبي هريرة، وعزله إلى أبي يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.(1/956)
المدينة وصلاها بالمدينة كما شاء الله تعالى، وزيد في صلاة الحضر ركعتين،
وتركت صلاة السفر على حالها، ذكره في الأوسط عن محمد بن أحمد بن
أبي خيثمة قال: رفع أبي جعفر بن عياش كتابه فكتب فيه: ثنا عمرو بن
عبد الغفار عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عنه، وقال: لم يروه عن عاصم
إلا عمر ولا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد، وفي المعجم الكبير: ثنا علي
بن المبارك ثنا إسماعيل بن أويس حدثنى سليمان بن بلال عن سعد بن سعيد،
قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم زيد
في صلاة الحضر، وقال عمر: وبذلك قال الشعبي وميمون بن عمران ومحمد
ابن إسحاق، وروى عن ابن عباس: إنما فرضت في الحضر أربعا وفي السّفر
ركعتين، فيما ذكره في الأوسط من طريق ابن أرطأة عن يحيى بن عبيد بن
عمر الهمداني عنه، وقال: لم يروه عن يحيى إلا الحجاج، ولا عن حجاج إلا
عمران القطان. تفرد به محمد بن بلال، قال أبو محمد: ولذلك قال نافع بن
حبيب، وكان أحد علماء قريش بالبيت وأيام العرب والفقه وأصوله. وحديث
ابن عباس: " إنما فرضت أربعا إلا المغرب والصبح ". ولذلك قال الحسن بن أبي
الحسن في رواية: وهو قول ابن جريج، وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث
السرى وغيره ما يوافق ذلك وهو قوله: " إن الله تعالى رفع على النساء
الصوم "، وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال:/ " فرضت
الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين " (1) . قال: ويختلفوا أنّ جبرائيل-
عليه السلام- هبط صبيحة ليلة إلا في عند النزول يعلم النبي الصلاة. ثنا ابن
شيبان ثنا قاسم بن مانع ثنا أحمد بن زهير ثنا هدبة بن خالد عن همام عن
قتادة، قال: أخبرنا الحسن أنه ذكر له: " أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي إنّ
الصلاة جامعة ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بهم الظهر أربع
ركعات يؤم جبرائيل محمدا، ويؤم محمد الناس يقتدى محمد بجبرائيل،
ويقتدى الناس بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسمعه فيهن قراءة، ثم سلّم جبرائيل على
محمّد، ومحمد على النّاس، فلما سقطت الشّمس نودي إنّ الصلاة جامعة
__________
(1) ضعيف. رواه النسائي: (3/118) . قلت: في إسناده عبد الرحمن بن أبي ليلى.(1/957)
ففزع النّاس، واجتمعوا إلى نبيّهم فصلّى بهم الظهر أربع ركعات لا يسمعهم
فيهن قراءة وهى أخفت، يؤم جبرائيل محمدا عليهما السلام، ويؤم محمد
الناس، ويقتدى محمد بجبرائيل عليهما السلام، ويقتدى النّاس بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثم سلّم جبرائيل على محمد، وسلّم محمد على النّاس، فلما غابت الشمس
نودي الصلاة جامعة " (1) الحديث، وقد تقدّمت الإشارة في أنّ جبرائيل لم
يصل الصلوات الخمس بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مرة واحدة وهو دان، وقد احتج من
زعم: أن جبرائيل عليه السلام صلى في اليوم الذي ليلة الإسراء مرة واحدة
للصلوات، وهذا ظاهر الحديث، واحتجوا أيضا بما ذكره عبد الرزاق عن ابن
جريج، قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الليلة التي
أسرى فيها نبينا لم يتركه جبرائيل حتى زاغت الشّمس، وصلّى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بالنّاس وطوّل الركعتين الأوليين، ثم قصّر الباقيتين " (2) الحديث، وفي كتاب
الطبراني من حديث ياسين الزيّات عن أشعث عن الحسن عن أبي هريرة وأبي
سعد قالا: " أوّل صلاة فرضت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظّهر " (3) ، وفي الدلائل
للبيهقي عن علي: " أوّل صلاة ركعناها العصر " (4) . وهو معارض لما تقدّم لو
صح إسناده، قال أبو عمر قوله: " الصلاة جامعة "؛ لأنه لم يكن فيها أذان،
وإنّما كان الأذان بالمدينة بعد الهجرة بعام، وحديث نافع بن جبير هذا مثل
حديث الحسن وهو ظاهر حديث مالك، والجواب عن ذلك ما تقدّم ذكرنا له
من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين، قد اقتصر على أنّ هذه
الآثار منقطعة؛ لأنّ فيها أنّ الصلاة فرضت في الحضر أربعا، لا ركعتين على
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (2/220، 4/90) ، والفتح (2/533، 538) ، والبخاري (2/23) ،
وتغليق (407) ، وإتحاف (3/430) ، والتمهيد (8/41) .
(2) الحاشية للسابقة.
(3) ضعيف جدا أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/293) وعزاه إلى الطبراني في
" الأوسط " وفيه ياسين الزيات وهو متروك.
(4) ضعيف. المصدر السابق. وعزاه إلى البزار في " مسنده " والطبراني في " الأوسط " من حديث على، وفيه أبو عبد الرحيم ولم أجد في رجال الكتب غيره " وفي الميزان مجهول، وإن كان هو خالد بن يزيد فهو ثقة من رجال الصحيح.(1/958)
خلاف ما زعمت عائشة، وقال بذلك: جماعة، ورووا حديث عائشة وإن كان
إسناده صحيحا، ويجاب أنّه لا حاجة لنا إلى أصل الفرض إلا عن طريق
العصر، ولا وجه لقول من قال: إنّ حديثهما يعارضه القرآن وهو قوله تعالى:
(إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) (1) .
ونداء جميع العلماء على أن لا يكون قصّر من ركعتين في شيء في السّفر في
الإثنين؛ لأن حديث عائشة وضح أنّ الصلاة نريد فيها في الحضر، ومعلوم أنّ
الغرض فيها كان بمكة شرفها الله تعالى وعظّمها، وأنّ الزيادة كانت بالمدينة،
وأنّ سورة النساء متأخرة ولم يكن القصر مباحا إلا بعد تمام الفرض، وذلك
يعود إلى معنى واحد في أنّ القّصر إنّما ورد بعد تمام الصلاة، ولا حاجة لنا إلى
أصل الفرض اليوم؛ لأنّ الإجماع منعقد بأنّ صلاة العصر ثابتة أربعا وبالله
التوفيق، وذكر الحربي أنّ الصلاة قبل الإسراء كانت عند غروب الشّمس،
وصلاة قبل طلوعها لقوله تعالى: (وسبح بحمد ربّك بالعشي والإبكار) (2) .
وقال يحيى بن سلام: مثله، فعلى هذا: يحتمل قول زيد في صلاة الحضر،
فتكون الزيادة في الركعات، وفي عدد الصلوات ويكون قولها: " فرضت
الصلاة ركعتين " (3) أي قبل الإسراء، وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم:
ابن عباس انتهى، ومثله ذكره ابن الجوزي في كتاب الوفاء عن محمد بن
أحمد بن البراء، وأما قول أبي بشر الدولابي في تاريخه: وروى عن عائشة
وأكثر الفقهاء: أنّ الصلاة فرضت بتمامها/فمحمول على إتمام العدد لا
الركعات والله تعالى أعلم، وفي قوله- عليه الصلاة والسلام- " ما بين هذين "
وقف أراد به تعليم الأعرابي بأن الصلاة تجوز في آخر الوقت لمن ليس أو كان
له عذرا، وخشى منه عليه السلام أن يظنّ أنّ الصلاة في آخر الوقت لا تجزئ،
وزعم الأصيلي. أنه قال: لم يصح عند مالك، حيث الوقتين لم يخرّجه
(1) سورة النساء آية:101.
(2) سورة غافر آية: 55.
(3) ضعيف جدا. المشكاة (1348) ، والمجمع (2/156) ، وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط "
وفيه. عمرو بن عبد الغفار وهو متروك.(1/959)
البخاري، وسأله الترمذي لِم يخرجه أبي الحسن أنه قال: حديث الوقتين لم
يخرجه البخاري، وسأله الترمذي لِم لم تخرجه، وقد رواه قتيبة عن مالك؟!
فقال البخاري: انفرد به قتيبة، قال أبو الحسن: أراد البخاري أن قتيبة غريب
رحّال يذكر عن الليث شيئا لم يذكره غيره وأهل مصر أعلم بمالك وأعرف
بحديثه، وإلا فقتيبة ثقة حافظا وذكر غيره أنّ مثل هذا لا يرويه خبره لثقة
انتهى، وقدمنا حديث الوقتين مصححا قبل والله تعالى أعلم.(1/960)
101- باب وقت صلاة الفجر
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت: " كان نساء المؤمنات يصلين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم
يرجعن إلى أهلهن فلا يعرفهن أحد من الغلس ". هذا حديث خرجه الأئمة
الستة (1) في كتبهم. حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي ثنا أبي عن
الأعمش وعن إبراهيم عبيد الله، والأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) . قال:
يشهده ملائكة الليل والنهار ". هذا حديث لما رواه الترمذي (2) عن عبيد عن
أبيه/عن الأعمش وعن على بن حجر عن علي بن مسهر عن الأعمش، قال:
وزاد ابن مسهر عن أبي سعيد، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه
الحاكم (3) من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد
مرفوعا، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي
تفسير ابن أبي حاتم من جهة ابن إسحاق قال: وذكر الزهري عن سلمان الأغر
عن أبي هريرة يرفعه، قال: يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المواقيت، باب " 27 "، والآذان، باب " 163،
165 ") ، ومسلم في (المساجد، ح/232) ، وأبو داود (ح/ 423) وفيه: " فنصرف النساء متلفعات بمروطهن "، والترمذي 1 ح/153) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (المواقيت، باب " 25 "، والسهو، باب " 101 ") ، وابن ماجة (ح/669) ، ومالك في (الصلاة، ح/4) ، وأحمد (6/37، 179، 248، 259) . غريبه: وقوله: " متلفعات " بفاء بعدها عين مهملة، هو بمعنى متلففات بفاءين. قال ابن الأثير: أي متلففات بأكسيتهن، واللفاع ثوب يجلل به الجسد كله، كساء كان أو غيرها وتلفع الثوب: إذا اشتمل به. و" المروط " جمع مرط، بكسر الميم وإسكان الراء، وهو كساء يكون من صوف أو خز.
(2، 3) صحيح. رواه الترمذي (ح/135) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (ح/
670) ، وأحمد (2/474) ، والحاكم (1/1210 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه. والمشكاة: (635) ، والفتح (2/36) ، وابن خزيمة (1474) ، والحاوي (2/256) ،
وابن كثير في " التفسير " (5/99) ، والطبري (51/94) ، والقرطبي (10/306) . قوله: "وقرآن
الفجر " أي صلاة الفجر بالنصب، عطف على مفعول أقم. في قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك
الشمس " أو على الإغراء، قال الزجاج: وإنما سميت قرآنا لأنه ركنها.(1/961)
الصبح، فإذا فرغ الإمام صعدت ملائكة الليل وأقامت ملائكة النهار، وروى
أيضا من جهة ابن جريج عن عطاء، قال: تشهده الملائكة والجن، وروى ابن
المنذر بسنده إلى أبي عبيدة أنّ عبد الله كان يقول: يتداول الحرسان من
ملائكة الله، حارس الليل، وحارس النهار عند طلوع الفجر: " واقرءوا إن
شئتم " و" قرآن الفجر ". ثنا علي بن عبد العزيز ثنا ابن المقري ثنا مروان ثنا
جبير عن الضحاك في هذه الآية قال: تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار
الذين يشهدون أعمال بنى آدم، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا
الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا نهيك بن مريم الأوزاعي ثنا مغيث بن سمى
قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلمّا سلم أقبلت على ابن
عمر فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأبي بكر وعمر، فلما طعن عمر، أسفر بها عثمان (رضي الله تعالى عنهم) ،
هذا حديث إسناده صحيح، مغيث بن سمى أبو أيوب الشامي روى عنه
جماعة، منهم: عطاء بن أبي رباح، وأبو بكر عمرو بن سعيد الأوزاعي، وزيد
بن واقد، ومحمد بن يزيد الرحبي، وعبد الرحمن/بن يزيد بن جابر أدرك
الناس أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما ذكره وهو عن نفسه وقال الوليد عن الأوزاعي
عن نهيك ابن مريم: لا بأس به عن مغيث بن سمى، وهؤلاء رجال الشام ليس
فيهم إلا ثقة، وقال ابن معين كان صاحب لب كأبي الخلد ووهب بن منبه،
وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: دمشقي ثقة، وذكره البستي في
كتاب الثقات وخرج حديثه في صحيحه، وكذا فعله. حدثنا محمد بن
صالح، أنبأ سفيان بن عيينة عن ابن عجلان سمع عاصم بن عمر بن قتادة
وجده بدري يخبر عن محمود بن الربيع عن رافع بن حديج أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " أصبحوا بالصبح فإنّه أعظم للأجر أو لأجركم " (1) . هذا حديث قال فيه
أبو عيسى: حسن صحيح، وذكره البستي في صحيحه، وقال أبو علي
الطوسي: يقال هو حديث حسن صحيح، وقال البغوي: هو حديث حسن،
__________
(1) صحيح. رواه أبو داود (ح/424) ، والترمذي (ح/154) . وقال: هذا حديث حسن صحيح،
وابن ماجة (ح/672) ، واحمد (3/465) والطبراني (4/396) ، وأبن عساكر في "التاريخ " (1/
302، 3/304) ، والكنز (19286، 19287، 22024) .(1/962)
ولفظ أبي داود: " أسفروا بالصبح " وصححه الفارسي، وقال محمود هو ابن
الربيع بن لبيد: وهذا مردود إجماعا؛ لأنّ ابن الربيع غير ابن لبيد، وقال منها،
قلت لأبي عبد الله: حدثوني عن محمد بن بكار عن حفص بن عمر عن
محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " (1) ، فقال ليس بصحيح إنما هو عن محمد
بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن رافع بن حديج، وقال أبو محمد الأزدي:
هذا حديث يدور بهذا الإسناد عن عاصم، وهو ثقة عنه عن أبي زرعة وابن
معين، وقد ضعّفه غيرهما، وقد روى بإسناد آخر عن أبي رافع، وحديث عاصم
أصح، وروى عن غير رافع، وحديث رافع من طريق عاصم أحسن، قال ابن
القطان: أمّا قوله: وضعفه غيرهما فأمر لم أعرفه، بل هو ثقة كما ذكر عن ابن
معين وأبي زرعة، وكذلك/قال النسائي وغيره: ولا أعرف أحدا ضعفه ولا
ذكره في جملة الضعفاء، وقد ترك أن بين أنه من رواية ابن إسحاق، وأن
يورده من رواية ابن عجلان بدلا منه عند أبي داود وليس هو معنية في قوله،
وقد روى بإسناد آخر إلى رافع، وإنما يفتى بذلك إسناد آخر ليس من طريق
عاصم، وأما طريق عاصم هذا فصحيح، ولم يصححه بقوله أصح، وإنّما هو
عنده حسن فاعلمه انتهى، وممن وثقة أيضا: الشيخان بتخريج حديثه، وابن
سعد بقوله: كان ثقة كثير الحديث عالما، وقال البزار: هو ثقة مشهور، وذكره
البستي في كتاب الثقات، وقد جمع سفيان بن عجلان وابن إسحاق في
كتاب الطبراني الكبير رواه عن إبراهيم بن واثلة ثنا محمد بن المغيرة ثنا
النعمان ثنا سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان به، ورواه عن
عاصم أيضا عبد الحميد بن جعفر قال الطبراني: نا محمد بن عبدوس بن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/154) ، والنسائي (1/272) ، وأحمد (4/142، 143، 5/
429) ، والبيهقي (1/457) ، والطبراني (4/295) ، وشرح السنة (2/196) ، والمشكاة (614) ،
ونصب الراية (1/235، 237) ، والميزان (1080) ، ولسان (11/487) ، والفتح (2/5) ، والكنز
(19274 ن، 19277، 19282، 19283، 19284) ، وتلخيص (182) ، وابن حبان
(264) وابن أبي شيبة (0/321) ، وابن عدي في " الكامل " (1/339) .
(1) ضعيف أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/315) من حديث بلال، وعزاه إلى-(1/963)
كامل نا إبراهيم بن راشد الآدمي ثنا معلى بن عبد الرحمن عن عبد الحميد
به، قال: وثنا أبو معن ثابت بن نعيم النوحي ثنا آدم بن أبي إياس نا شعبة عن
أبي داود عن زيد بن أسلم عن محمود بن لبيد به، وزاد في الأوسط: لم يروه
عن شعبة إلا آدم وبقية، إلا أنّ بقية رواه عن شعبة عن وارد البصري، وقد قيل
إنه وارد بن أبي هند، ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن هشام بن سعد
حدثنى زيد بن أسلم عن محمود به، ورواه النسائي فيما ذكره بعضهم عن آدم
ولم أر هذا والذي رأيت أنه قال في الكنى: أبو داود أيوب بن سعيد عن زيد
بن أسلم عن محمود بن لبيد عن رافع بن حديج، قاله محمد بن يحيى عن
آدم، وفي السنن ثنا الجوزجاني نا ابن أبي مريم ثنا أبو غسان محمد بن مطرف
عن زيد بن أسلم/عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمد بن لبيد عن رجال
من الأنصار أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الحديث، وهو مما وقع لنا عاليا مدرجين
من كتاب الطبراني لرواية له عن إسحاق بن إبراهيم القطان عن سعيد بن أبي
مريم، ورواه ابن عدي في الكامل من جهة رفاعة بن عبد الرحمن بن رافع عن
أبيه عن جدّه، وقال: لا نعرف رفاعة، وقال البخاري: فيه نظر، وقال
عبد الرحمن: سألت أبي عن حديث رواه أبو نعيم عن إبراهيم بن مجمع عن
أبي هريرة يعني هذا بزيادة قدر ما سفر القوم، فقال أبي: ثنا هارون بن معروف
وغيره عن أبي إسماعيل أنّ عمر بن سليمان المؤذن عن أبي هريرة، فقال: روى
أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث عن أبي نعيم عن ابن مجمع، وسمعنا
كتاب إبراهيم بن إسماعيل كلّه عن أبي نعيم فلم يكن لهذا فيه ذكر، وقد ثنا
غير واحد عن المعرور، قلت لأبي: الخطأ من أبي نعيم أو من أبي بكر! قال:
أرى قد تابع أبا بكر رجل آخر، فْعلى هذا بدل الخطأ من أبي نعيم أراد أبا
إسماعيل المؤدب لغلط في شبه إلى ابن مجمع، وفيما أوردناه ردّ لما قاله
الأشبيلي، وقد يروى بإسناد آخر أتى رافع، وتقرير أبي الحسن، ذلك ويشبه أن
يكون مسند الأشبيلي في تضعيف عاصم ما قيل كلّ عاصم في حفظه شيء
وليّن كان إيّاه فغير نافع له؛ لأن العمومات لا يستدل بها إلا برأينا من أطلق
كابن معين وغيره عاد فوثّق الذي عمم فيه القول والله تعالى أعلم، وفي الباب
حديث بلال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسفروا بالفجر فإنّه أعظم الأجر ". رواه(1/964)
البزار في مسنده (1) من طريق أيوب بن سيار القائل به، أنه ليس/بشيء عن
محمد بن المنكدر عن جابر عن أبي بكر عنه، ورواه الطبراني (1) في مسنده
وبلفظ: " يا بلال أصبحوا بالصبح فإنه خير لكم "، وحديث عبد الله بن مسعود
قال يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أسفروا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر " (2) . رواه أبو
القاسم من حديث الثوري عن شعبة عن زبيد عن مرة عنه، وحديث جابر بن
عبد الله قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤخر الفجر ". رواه الطحاوي (3) من طريق
يزيد بن سنان عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن ابن عقيل عنه،
وحديث أبي طريف الهذلي: "انه كان مشاهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محاصر أهل
الطائف فكان يصلى صلاة الفجر لو أن إنسانا رمى بنبله أبصر مواقع نبله " (4) .
ذكره أيضا من حديث ذكره ابن إسحاق عن الوليد بن عبد الله ابن أبي
سميرة كذا ذكره، ويشبه أن يكون وهما، لما رواه العسكري في معرفة
الصحابة، عن ابن أبي داود ثنا محمود بن آدم ثنا بشر بن السرى نا زكريا
بلفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى بنا صلاة المغرب " (5) . ولذا قال أبو عمر حديثه
في صلاة المغرب والله تعالى أعلم، وحديث زيد بن أسلم عن أنس بن مالك
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أسفروا بصلاة الصبح يغفر لكم " (6) ، أخرجه الهروي في
معجمه، ولفظه في الموضوعات: " من نور بالفجر نور الله قلبه وقبره وقبلت
صلاته " (7) . ورده بأبي داود النخعي، وفي كتاب النسائي: " سئل النبي عليه
__________
" البزار " والطبراني في " الكبير " وفيه أيوب بن سيار وهو ضعيف.
(1) ضعيف. رواه الطبراني: (1/321، 336) .
(2) ضعيف. رواه الطبراني (10/220) ، والمجمع (1/315) وعزاه إليه في " الكبير " وفيه معلى
بن عبد الرحمن الواسطي، قال الدارقطني: كذْاب وضعْفه الناس، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا
بأس به، قلت: قيل له: عند الموت ألا تستغفر الله، قال: ألا أرجو أن يغفر لي وقد وضعت في
فضل علي سبعين حديثا. وأصفهان (1/743، 2/263، 329) : والكنز (19275، 19280،
19281) والإرواء (1/284) .
(3) شرح معاني الآثار: (1/178) .
(4) المصدر السابق.
(5) الحاشية السابقة.
(6) بنحوه رواه الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 236) بلفظ: " أسفروا بصلاة الفجر فإنّه أعظم للأجر ".
(7) موضوع. الموضوعات، (2/86) ، والكنز (19290) ، وتنزيه (2/76) ، والفوائد (15) .(1/965)
السلام عن وقت صلاة الغداة ما بين هاتين أو هاتين وقت " (1) . وحديث علي
قال: " صلى بنا النبي عليه السلام صلاة الفجر يوما بغلس وبسفر " (2) ، الحديث
بطوله سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: راوية أبو خالد عمرو بن خالد/
الواسطي وهو ضعيف الحديث جدا، وكتاب أبي جعفر من طريق علي بن
ربيعة قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: " أسفروا أسفروا "، ومن حديث
شجاع بن الوليد عن داود الأودي عن أبيه يزيد قال: " كان علي بن أبي
طالب يصلى بنا الفجر، ونحن نتوقا الشّمس مخافة أن تكون قد طلعت "،
وفي كتاب أبي نعيم نا سعيد بن عبيد البسطامي عن علي بن ربيعة سمعت
عليا يقول: نا ابن البنّاح: " أسفروا أسفروا بالفجر ". وثنا سفيان عن حبيب بن
أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي
موسى " أن صلّ الفجر إذا نوّر النور ". قال: وكان عمر بن مسلم يقول: كان
سويد، قال: " كان على سفر حتى تكاد الشمس تطلع ". وثنا سفيان بن غفلة
يسفر بالفجر إسفارا شديدا، وقال: وقال ابن أناس: سمعت سعيد بن جبير
يقول لمؤذّنه: " نور نور "، ونا سفيان عن شيخ قال كان الربعي بن خيثم يقول
لمؤذنه: " نور نور "، قال أبو نعيم: ورأيت سفيان يسفر بصلاة الغداة، ومن
حديث زهير بن حرب عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهيب
قال: " صلى بنا عمر صلاة الصبح، فقرأ بسورة إسرائيل والكهف، حتى جلت
انظر إلى جدار المسجد هل طلعت الشمس ". ومن حديث عبد الرحمن بن
زيد قال: " كنا مع عبد الله بن مسعود، فكان يسفر بصلاة الصبح ". ومن
حديث جبير بن معمر قال: " صلى بنا معاوية بن أبي سفيان الصبح بغلس ".
قال أبو الدرداء: أسفروا بهذه الصلاة فإنه أفقه لكم إنّما يريدون أن يجلوا
الحق "، ونبأ ابن خزيمة عن القعنبي عن عيسى بن يونس عن الأعمى عن
إبراهيم قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شيء ما اجتمعوا على
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في: 6. كتاب المواقيت، 23. باب أول وقت الصبح (1/271.270) .
(2) صحيح بشواهده. رواه النسائي في: 6. كتاب المواقيت، 5. باب التغليس في السفر، (1/
272.271) .(1/966)
التنوير، وحديث أبي شعبة الطحان جاء الأعمش عن أبي الربيع الحنظلي قال:
كنت مع/ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن أصلى معك الصبح ثنا، فألتفت
فلا أرى وجه جليس ثم أحبانا سفر " قال كذلك رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصليها، وحديث أبي حارثة وقد تقدّم، وحديث صفوان بن المعطل لما
شكى (1) زوجته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه ما يصلى الصبح حتى تطلع الشمس،
فقال له النبي- عليه الصلاة والسلام-: " إذا استيقظت فصل " وهو مخرج في
الصحيح (2) وسيأتي، وحديث معاذ قال بعثني النبي- عليه الصلاة والسلام-
إلى اليمن، فقال: " إذا كان الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق
القوم ولا تملّهم، وإذا كان الصيف فأسفروا بالفجر، فإن الليل قصير أو الناس
ينامون فأمهلهم حتى يدركوا " (3) . رواه البغوي في شرحه من حديث يوسف
بن أسباط عن المنهال بن جراح عن عبادة عن ابن غنم عنه، وفي كتاب
الضعفاء لابن حبان: وروى سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري عن ابن عون
عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه: " يا بلال أسفر بالصبح فأنه أعظم
للأجر " (4) ، ثم قال: وليس هذا من حديث ابن عون ولا ابن سيرين، وإنّما هذا
المتن من حديث رافع فقط، وسعيد يروى عن ابن عون ما ليس من حديثه.
انتهى كلامه وفيه نظر لما أسلفناه والله تعالى أعلم، وحديث أبي الدرداء يرفعه:
" أسفروا بالفجر تفقهوا ". ذكره الحافظ أبو إسحاق بن إبراهيم بن محمد في
مسند أبي الدرداء جميعه عن أبي زرعة نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي
نا محمد بن شعيب سمعت سعيد بن سنان يحدّث، وتقدّم حديث ابن لبيد
عن رجال من الأنصار وحديث ابن عباس وحديث أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا تزال/أمتي على الفطرة. ما أسفروا بالفجر " ذكره أبو القاسم في
__________
(1) قوله: " شكى " وردت " بالأصل " " سكة " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه أحمد (3/80) ، والبيهقي (4/303) ، والحاكم (1/436) ، وابن حبان
(956) ومشكل (2/ 424) ، والبداية (8/146) ، والكنز (383/2) ، وصححه الشيخ الألباني.
والصحيحة (4/135)
(3) جامع المسانيد (56212) ، وجرجان (247)
(4) تقدم انظر ص 966(1/967)
الأوسط (1) من حديث عبد العزيز بن رفعي عن أبي سلمة عنه، وقال: لم يروه
عن عبد العزيز إلا حفص بن سليمان، تفرد به عمر بن عون، وسيأتي أيضا
حديث أبي بردة الأسلمي. غريبه: قوله: بغلس، يعني: اختلاط أضياء الصبح
بظلمة الليل، وفي الصحاح: هو ظلمة آخر الليل، قال الأخطل: " كذبتك
عينك أم رزيت بواسط غلس الغلام من الرباب خيالا "، وقوله: أسفر، قال أبو
عمرو: يعني أمّنا، قال ابن خالوية: ولذلك بشر وابتسم، وانفجر عمود الصبح
وضحك، وهذه غير مستعملة، وحكى القزاز وابن عويس في كتاب الصواب:
سفر بغير ألف، وحكاه أيضا ابن القطاع بقوله: سفر الصبح وأسفر، رأى
الأصمعي إلا سفر قاله ابن درستويه، كل ذلك راجع إلى أصل واحد، يقال:
أسفرت البيت: إن كشفْته أو كنسه سفرا، وسفرت الريح السحاب، وسفرت
النّار الظلمة، وفي الصحاح: معنى: أسفروا بالفجر أي: صلوها بسفرين، ويقال:
طولها إلى الأسفار، وأسفر وجهه حسنا، أي: أشرق والإسفار الاخسار، وحكى
ابن القوطية: سفرت الشمس: طلعت، وإكراه سفر كشفت وجهها، وأسفر
الشيء: صار القوم في أسفار الصبح، وزاد ابن طريف. وأسفر الليل انقضى
وانكشفت ظلمته، قال بعض الخوارج: إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم
وهم ركوع، وفي الأساس في فصل الحقيقة: وخرجوا في السفر في بياض
الفجر، ورحنا فسفر بياض قبل الليل وبقى عليل سفر من نهار، ومن المجاز:
وجه مسفر، مشرق سرورا " وجوه يومئذ مسفرة "، وفي الفصيح: وقد سفرت
المرأة، إذا ألقت خمارها عن وجهها، والرجل عمامته/، وهى مسافرة وأسفر
وجهها إذا أضاء وكذلك الصبح، وفي العرنين قيل: المكاتب سافر؛ لأنه يبن
الشيء ويوضحه، وفيه أسفار الصبح، وفي الكتاب المغيث لأبي موسى: أسفر
الصبح انكشف، ومنه الحديث: " أسفروا بالصبح ". قال الخطابي: يحتمل أنّه
حين أمروا بالتغليس بالفجر كانوا يصلونها عند الفجر الأول رغبة في الأجر،
__________
(1) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/315) ، من حديث أبي هريرة، وعزاه
إلى " البزار " والطبراني في " الكبير " وفيه حفص ابن سليمان، ضعفه ابن معين والبخاري، وأبو حاتم، وابن حبان، وقال ابن خراش: كان يضع الحديث، ووثقه أحمد في رواية، وضعف في أخرى.(1/968)
فقيل أسفروا بها أي: أخروها إلى ما بعد الفجر يصلونها عند الفجر الأوّل
رغبة في الأجر " (1) ، قال أبو موسى: ويدلّ على صحة قول الخطابي حديث
بقية عن عبد الرحمن بن رافع عن جدّه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لبلال: " نور بالفجر
قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم " (2) . ويدل أيضا فعله عليه الصلاة والسلام،
فإنه كان يغلس بها إلا يوما واحدا على ما روى، فلو كان الأسفار أفضل لما
كان يختار التغليس عليه، قاله الخطابي: فإن قيل: فإن صلاتهم قبل الوقت لا
تجزئهم أصلا، قيل لذلك: هؤلاء إنّهم لا يفوتهم لوائهم: " كالحاكم إذا اجتهد
فأخطأ كان له أجر وإن أخطأ " (3) . وقيل: إنّ الأمر بالإسفار إنّما جاء في الليالي
المقمرة التي لا يبيّن فيها جيدا؛ فأمروا بزيادة تبيّن فيه، قاله أبو حاتم بن حبان
والله عزّ وجلّ أعلم، وقد اختلف العلماء في وقت الفجر المختار، فذهب أبو
حنيفة وسفيان بن سعيد وأكثر العراقيين: إلى أنّ الأسفار أفضل، قالوا: وهو قوة
الضوء قال في المحيط: إذا كانت السماء مصحبة بالأسفار أفضل إلا للحاج
فالمراد لغة، فهناك التغليس أفضل، وفي المبسوط: الأسفار بالفجر أفضل من
التغليس في الأوقات كلّها، قال الطحاوي: إن كان من غرمه التطويل شرع
بالتغليس ليخرج في الأسفار، قال: وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه، قال:
وحديث الأسفار ناسخ لحديث التغليس،/وقال الدبوسي: لا يدع التأخّر لمن
ينام في بيته بعد الفجر، بل يحضر المسجد لأوّل الوقت، ثم ينتظر الصلاة
ليكون له ثواب المصلى بانتظارها، ويكف عن الكلام بالكينونة في المسجد، ثم
يصلى لآخر الوقت، ولو صلى الأوّل الوقت قبل ما يمكنه المكث والمقام إلى
طلوع الشّمس، بل ينتشر بعد الفراغ لحديث الدنيا، وذهب الشافعي وأحمد
وإسحاق والليث والأوزاعي وأبو ثور وداود ومالك في الصحيح عنه: إلى أنّ
__________
(1) تقدّم. ورواه الطبراني: (4/331) .
(2) قوله: فرغبة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) قلت: ولفظ الحديث: " إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ".
رواه الدارقطني (1/273) ، وابن عدي في " الكامل " (13/183) ، وتلخيص (4/180) ، والنبوة
(7/185) ، والبداية (7/280، 14/139) ، وأحمد (2/187) .(1/969)
التغليس أفضل، قال ابن المنذر: وقد روينا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وأبي موسى وابن الزبير وابن عمر، وأبي هريرة أخبارا تدل على أنّ التغليس
بالصلاة أفضل من تأخيرها انتهى. قد ذكرنا عن علي ما يخالف هذا وكذلك
عن عمر بن الخطاب، وأما آخر وقتها، فمذهب الجمهور: أنه طلوع الشمس،
قال القرطبي: وهو المشهور من مذهب مالك، قال: وعلى هذا لا يكون لهما
عنده وقت ضرورة ولا يؤثم تارك الصلاة إلى ذلك الوقت تعمدا، وروى ابن
القاسم وابن عبد الحكم عنه أنّ أخر وقتها الأسفار الأعلى، فعلى هذا يكون ما
بعد الأسفار وقت لأصحاب الأعزار، ويؤثم من أخرّ إلى ذلك الوقت وعن
أبي سعيد الإصطخري: من صلاها بعد الأسفار الشديد كان قاضيا لا مرديا
وإن لم تطلع الشمس، ومن الأشراف أجمع أهل العلم على أنّ: مصلى الصبح
بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه مصليها في وقتها، وقال في الإقناع:
أوّل وقت صلاة الصبح: طلوع الفجر الثانى المعترض المتطير، وآخر وقتها لغير
المعذور: الإسفار انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث جعله في الأوّل وقتا مطلقا
لغير المعذور، وللمعذور في الثانى قدّم بالمعذور/وجعله إجماعا، وقد ذكرنا قبل
أن الإجماع والله تعالى أعلم، ومن هذا القبيل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنّ للصلاة أولا
وأخر وأنّ أوّل وقت الظهر حيث نزول الشّمس، وأنّ أخر وقتها حين يدخل
وقت العصر، وأنّ أوّل وقت العصر حين يدخل وقتها، وأن أخر وقتها حين
تصفر الشّمس، وأنّ أوّل وقت المغرب حين تغرب الشّمس وأن أخر وقتها حين
يغيب الأفق، وأنّ أوّل وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق، وأنّ وقتها حين
ينتصف الليل، وأنّ أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر، وأنّ أخر وقتها حين
تطلع الشمس " رواه الترمذي (1) عن هناد عن ابن فضيل عن الأعمش عن
__________
(1) رواه الترمذي في: 2. أبواب الصلاة، 1. باب تابع منه، (ح/151) . من حديث أبيِ هريرة.
قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو. قال أبو عيسى: وسمعت محمدا يقول: حديث
الأعمش عن مجاهد في المواقيت: أصح من حديث محمد بن فُضيل عن الأعمش، وحديث
محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل. حدثنا هناد حدثنا أبو أسامة عن أبي
إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد: كان يُقال: إن للصلاة أولا وآخرا؛ فذكر نحو حديث
محمد بن فُضيل عن الأعمش، نحوه بمعناه. ورواه أحمد في المسند=(1/970)
أبي صالح عن أبي هريرة، وقال: سمعت محمدا يقول: حديث الأعمش عن
مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي
صالح عن أبي هريرة، وقال: سمعت محمدا يقول: حديث الأعمش عن
مجاهد في المواقيت أصحّ من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، وحديث
محمد بن فضيل خطأ أخطأ، فيه محمد بن فضيل، ثنا هناد ثنا أبو أسامة عن
أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن مجاهد قال: " كان يقال إن للصلاة أولا
وآخر ". فذكر نحو هذا الحديث، فقال: وهم ابن فضيل في حديثه، والصحيح
هو حديث الأعمش، وكذا قال أبو حاتم لما سأل ابنه عنه هذا أخطأ، ووهم
فيه ابن فضيل يرويه أصحاب الأعمش عن الأعمش عن مجاهد قوله، قال
الدارقطني: هذا لا يصح مسندا، ووهم في سنده ابن فضيل، وغيره يرويه عن
الأعمش عن مجاهد مرسلا وهو أصح من قول ابن فضيل، وقال أبو علي
الطوسي في أحكامه: يقال: حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح
من حديث ابن فضيل انتهى. محمد بن فضيل ممن خرج حديثه في
الصحيحين، فإذا رفع حديثا قبلت زيادته،/لا سيّما مع عدم المخالفة، ولهذا
فإنّ ابن حزم لم يلتفت إلى توهمه بغير مستند بل صححه واستدل به، وقال
ابن القطّان: لا يبعد أن يكون عند الأعمى في هذا عن مجاهد أو غيره مثل
الحديث المرفوع والله أعلم، وله شاهد في كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم
بن الفضيل عن المقبري عن أبي هريرة قال عليه السلام: " إن أحدكم ليصلي
الصلاة لوقتها وقد يركع من الوقت الأوّل ما هو خير له من أهله وماله " (1) .
__________
- (رقم 7172 ج 2 ص 232) عن محمد بن فضيل بإسناده. ورواه البيهقي في السنن (1/
376.375) وابن حزم في المحلى (3/168) من طريق ابن فضيل. وأراد الترمذي برواية
مجاهد أن يذكر إسناده ليدل على الرواية التي رآها البخاري صوابا، وهي: أن هذا الحديث
موقوف من كلام مجاهد. وكذلك فعل البيهقي، فقد روى هذا الأثر بإسناده من طريق زائدة
عن الأعمش عن مجاهد، ثم قال: " وكذلك رواه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري وأبو
زبيد عن ابن القاسم عن الأعمش عن مجاهد ". قلت: ومحمد بن فضيل ثقة حافظ، قال ابن
المديني: كان ثقة ثبتا في الحديث، ولم يطعن فيه أحد إلا برمية بالتشيع، وليست هذه التهمة مما
يوثر في حفظه وتثبتْه.(1/971)
قال ابن الحصار: رجاله كلهم ثقات، وحديث ابن مسعود، سألت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة في أول وقتها " (2) . رواه الحافظ أبو بكر
بن خزيمة في صحيحه عن بندار، ثنا عثمان بن عمر ثنا مالك بن مغول عن
الوليد بن العزار عن أبي عمرو الشيباني عنه وابن حبان في صحيحه عن عمر
بن محمد الهمداني وإسحاق بن سفيان قالا: ثنا بندار قال: " الصلاة في أول
وقتها ". تفرّد بها عثمان بن عمرو حديث محمد بن أحمد بن رندي، ثنا
الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر بإسناده مثله، ولما ذكره ابن جرير وصححه
واستدّل به، ولما خرجه الحاكم في مستدركه عن ابن عمرو بن السماك، ثنا
الحسن بن مكرم وثنا علي بن عيسى ثنا أبو العباس محمد بن إسحاق ثنا
الحسن بن مكرم ثنا عثمان بن عمر به قال: هذا حديث يعرف بهذا اللفظ
لمحمد بن بندار عن عثمان، وبدار من الحفاظ الأثبات، بناه على بنى عيسى
في آخرين، قالوا: ثنا أبو بكر بن إسحاق ثنا بندار ويذكره قال: فقد صحّت
هذه اللفظة باتفاق بندار وابن مكرم على روايتهما عن عثمان، وهو صحيح
على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وله شواهد في هذا الباب منها: ما ثناه أبو
سعيد إسماعيل بن أحمد الجرجاني/ثنا محمد بن الحسين وثنا حجاج بن
الشّاعر ثنا علي بن حفص المديني عن شعبة عن الوليد بن العزار، سمعت أبا
عمرو ثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى ما رأى ابن مسعود قال: سألت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الأعمال أفضل؟ قال: " الصلاة في أول وقتها " (3) . ثم قال: قد روى
هذا الحديث جماعة عن شعبة، ولم يذكر هذه اللفظة- غير حجاج- عن
علىّ بن حفص، وحجاج حافظ ثقة، وقد احتج مسلم بعلي بن حفص
__________
(1) رواه القرطبي (2/165) ، والدارقطني (1/248) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (9/191) ، ومسلم في (الإيمان، ح/137) ، وأحمد (1/
418، 439، 442، 444، 5/368) ، والبيهقي (2/215) ، والحاكم (1/188) ، والطبراني
(15/24، 25، 26، 27، 28) ، ومنصور (2302) ، وأبو عوانة (1/63، 46، 343) ، وابن
أبي شية (1/316، 5/282) ، وشرح السنة (2/176) ، وابن كثير (3/356) ، والخطيب (2/
401، 4/280، 10/286) .
(3) انظر: الحاشية السابقة.(1/972)
المدائني، وفي كتاب العلل للدارقطني من حديث حماد بن زيد عن الحجاج
عن سليمان وذكر أبو عمر الشيباني أنه قال: حدثنى صاحب هذه الدار بلفظ:
" الصلاة لميقاتها الأول ". قال الحاكم: ومنها ثنا أبو سعيد يعقوب بن أحمد ثنا
الحسن بن علي محمد بن مثنى نا ابن جعفر نا شعبة أخبرني عبيد المكتب،
سمعت: أبا عمرو الشيباني يحدّث عن رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره،
الرجل هو: ابن مسعود لإجماع الرواة فيه على أبي عمرو الشيباني، ومنها ما
ثنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ثنا يحيى بن عثمان بن صالح
السهمي بمصر ثنا علي بن سعيد ثنا يعقوب بن الوليد عن عبد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال- عليه الصلاة والسلام-: " خير الأعمال الصلاة
في أول وقتها " (1) . يعقوب بن الوليد هذا: شيخ من أهل المدينة سكن بغداد
وليس من شرط هذا الكتاب إلا أنّ له شاهدا عن عبد الله، حدّثنى أبو عمرو
محمد بن أحمد بن إسحاق العدل النمري ثنا محمد بن علي بن الحسن
البرقي ثنا إبراهيم بن محمد بن صدقة العامري في كندة في مجلس إلا شيخ
ثنا محمد بن حمير الحمصي عن عبد الله بن عمر العمرى عن نافع عن ابن
عمر بمثله (2) ، ومنها ما ثنا أبو العباس محمد بن/يعقوب ثنا الدوري ثنا أبو
سلمة منصور بن سلمة الحراني ثنا عبد الله بن عمر العمرى عن القاسم بن
غنام عن جدّته الدنيا عن جدّته أم فروة، وكانت ممن بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وكانت من المهاجرات الأوائل، أنها سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسئل عن أفضل
الأعمال فقال: " الصلاة لأوّل وقتها " (3) هذا حديث رواه الليث بن سعد،
__________
(1) صحيح. بشواهده. رواه الحاكم (1/189) ، والكنز (19578) ، والقرطبي (2/165) ،
والدارقطني (1/247) .
(2) قوله: " بمثله " وردت " بالأصل " " بمثابة " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) ضعيف. رواه الترمذي (ح/170) . قال الترمذي: حديث أم فروة لا يروى إلا من
حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث واضطربوا عنه في هذا
الحديث وهو صدوق وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه، وهذا الحديث مضطرب
الإسناد، كما قال الترمذي، ولكن ليس اضطرابه من قبل عبد الله بن عمر العمري بل من قبل
شيخه القاسم بن غنام الأنصاري البياضي، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره العقيلي في
الضعفاء، وقال: " في حديثه اضطراب. والذي يظهر لي انه روى هذا الحديث عن امرأة=(1/973)
والمعتمر بن سليمان وقرعة بن سويد ومحمد بن بشر العبدي عن عبيد الله بن
عمر عن القاسم بن غنام، أما حديث الليث، فحدثناه أبو بكر بن سليمان بن
داود ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الحسن المعافري بمصر ثنا علي
بن عبد الرحمن بن غيلان ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ثنا الليث به، سمعت
أبا العباس محمد بن يعقوب سمعت أروى سمعت يحيى بن معين، يقول: قد
روى عبيد الله بن عمر عن القاسم بن غنام، ولم يرو عنه آخر وعبيد الله،
وقال أبو عيسى: وحديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله العمري
وليس هو بالقوى عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث، وقال أبو
القاسم في الأوسط: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عمر إلا قرعة بن
سويد، وفيه نظر لما أسلفناه، ولما في سنن أبي داود ثنا الخزاعي والقعنبي عنه،
وأمّا قول الحاكم وعلي بن حفص ممن احتج به مسلم، وكذا قاله في المدخل
ففيه دلالة على تفرده به دون البخاري، وليس كذلك بل قد احتجا به جميعا
فيما ذكره الباجي وابن سرور وأبو إسحاق العريني وأبو إسحاق الجياتي ومن
حفظهما نقلته، وحديث ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام: " الوقت الأول من
الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله ". رواه أبو عيسى (1) من حديث
يعقوب بن الوليد المدني عن عبد الله/بن عمر عن نافع به، ولما ذكره ابن
__________
= من أهله، هي جدته الدنيا، أو هي جدته أم أبيه، كما بيّن في بعض الروايات عن جدّته
للعليا: أم فروة، فصار يرويه تارة فيذكر الواسطة المبهمة، وبرويه أخرى فيحذفها ويقول: " عن أم فروة ". وقد وصف جدته أم فروة في بعض الروايات بأنها، كانت ممن بايع تحت الشجرة، وبأنها كانت من المهاجرات الأول (الحاكم 1/ 189، والدارقطني 10/273) . ورواه أحمد (6/ 374، 375،044) والبيهقي (1/434) ، والطبراني (10/24) ، وابن سعد (8/222) ،
واستذكار (1/91) ، وتلخيص (1/145) ، والترغيب (1/257) ، والعقيلي (3/475) .
(1) ضعيف. رواه الترمذي (ح/172) . وقال: هذا حديث غريب. ورواه الحاكم (1/189)
بلفظ: " خير الأعمال الصلاة في أوّل وقتها ". وقال: " يعقوب بن الوليد هذا شيخ من أهل المدينة، سكن بغداد، وليس من شروط هذا الكتاب إلا أنه شاهد "، وتعقبه الذهبي فقال: " يعقوب كذاب ". ورواه البيهقي (1/435) من طريق أحمد بن منيع شيخ الترمذي. ونقل عن أبي
أحمد بن عدي الحافظ أنه قال: " هذا الحديث بهذا الإسناد باطل ". ثم قال البيهقي: " هذا
حديث يعرف بيعقوب بن الوليد المدني، ويعقوب منكر الحديث ضعفه يحيى بن معين وكذّبه
أحمد ابن حنبل وسائر الحفاظ، ونسبوه إلى الوضع "، وضعفه الشيخ الألباني. انظر:=(1/974)
حبان في كتاب الضعفاء قال: تفرد به يعقوب بن الوليد وكان يضع الحديث،
وكذا ابن عدي ردّه به، وزعم: أنّ البخاري قال فيه: ليس بشيء، وقال أحمد:
كان من الكذابين الكبار، ولما ذكره عبد الحق ردّ بالعمري، وتبع ذلك عليه أبو
الحسن بأن قال: عجب أن يكون عبد الله الرجل الصالح علّة لحديث يعقوب
بن الوليد يرويه وهو كذاب، قال أبو حاتم: كان يكذب، والحديث الذي يرويه
موضوع، ورواه محمد بن حميد بن هارون عن ابن منيع عن يعقوب عن عبيد
الله مصغرا يعني: أخا عبد الله. قال ابن عدي: كذا كان ابن حميد يقول عن
عبيد الله قال: والصواب ما نبأ به ابن صاعد وابن أسباط على أنه باطل هذا
الإسناد، سواء قيل فيه عبد الله أو عبيد الله، ويعقوب هذا عامة ما يرويه من
هذه الطرق فليست محفوظة، وهو بيّن الأمر في الصلاة " والسلام أوّل الوقت
رضوان الله وآخر الوقت عفو الله " (1) .
رواه أبو الحسن في سننه من حديث الحسين بن حميد بن الربيع وهو متهم
بالكذب، وحديث أبي الدرداء قوله عليه الصلاة والسلام: " إن تعجيل الصلاة
في اليوم الدجن من صفة الإيمان " (2) . رواه ابن وهب في مسنده عن الليث
عن عمر بن شيبة المدني عن رجل حدُّثه عن أبي الدرداء به، وحديث علي
مرفوعا: " أوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ". ذكره أبو بكر في خير
المدينة من حديث موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عنه، وحديث
" أوّل الوقت رضوان الله وأخر الوقت عفو الله ". ذكره بن عدي في
الكامل (3) ، وزعم: أنّ بقية/تفرد به، قال: وهو من الأحاديث التي تحدّث بها
بقية عن المجهولين، وزاد أبو الفرج في العلل المتناهية، ومع ذلك عبد الله مولى
عثمان وعبد العزيز وهما لا يعرفان، ولفظ الطبراني في الأوسط: " من صلى
__________
ضعيف الجامع (ص 890، ح 6164) .
(1) ضعيف. رواه الدارقطني (1/246) ، وتلخيص (1/180) . قلت: عامة طرقه ضعيفة.
(2) راجع: مسند ابن وهب.
(3) ضعيف. رواه ابن عدي في " الكامل ": (2/509) .
قلت: وعلته تفرد بقية بن الوليد هذا الحديث، وهو معروف بالوضع.(1/975)
الصلاة لوقتها تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلى لغير وقتها قالت:
ضيعك كما ضيعتني " (1) . رواه من حديث عباد بن كثير عن أبي يحيى يعني
حميد الطويل عنه، وقال: لم يروه عن حميد إلا عبّاد تفرد به عبد الرحيم بن
سليم عن أبي الحون العبسي، ولفظ إسماعيل بن زياد في مسنده عن أمان عن
أنس مرفوعا: " فضل الوقت الأول من الصلاة على الآخرة كفضل الآخرة على
الدنيا ". وحديث أبي محذورة قال عليه الصلاة والسلام: " أول الوقت رضوان
الله وأوسطه رحمة الله وآخره عفو الله " ذكره ابن عدي (2) من حديث إبراهيم
بن زكريا، وهو يحدّث عن الثقات بالبواطيل، والحمل في هذا الحديث عليه
عن إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه، وفي كتاب القمولي
سمعت أبا عبد الله يقول: لا أعرف شيئا يثبت في أوقات الصلاة أو لما كذا
وأوسطها كذا، يعني مغفرة ورضوانا، فقال له رجل: ما يروى هذا ليس هذا
يثبت، وحديث عياض بن زيد العبدي سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أيها الناس عليكم
بذكر ربكم عز وجل وصلوا صلاتكم في أوّل وقتكم فإن الله تعالى يضاعف
لكم ". رواه أبو موسى في كتاب الصحابة من حديث سليمان بن داود
المسعري ثنا عثمان بن عمر عن العباس عن أبي الشيخ الهنائي عن عبد القيس
اسمه عياض فذكره، ويلتحق به أيضا ما خرجه أبو بكر بن خزيمة في
صحيحه/من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: " الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر يحرم فيه
__________
(1) رواه الطبراني (19/142) ، والترغيب (1/257) ، والمغنى عن حمل الأسفار (1/148) .
(2) انظر: الحاشية قبل السابقة.
(3) صحيح. رواه ابن خزيمة (356) ، وللبيهقي (1/457، 2/377، 4/216) ، والحاكم (1/
191، 425) ، وصححه وابن أبي شيبة (3/27) ، والدارقطني (1/268) ، والمنثور (1/200) ،
والفتح (4/136) ، والخطيب (3/58) ، وابن كثير (1/321) ، والكنز (19260، 19262، 24005) .
وصححه الشيخ الألباني (الصحيحة: ح/693) .
قال ابن خزيمة:
" في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها ". قال:=(1/976)
الصلاة ويحل فيه الطعام " (3) . رواه عن محمد بن علي بن محرز نبأ أبو أحمد
الزبيري نا سفيان عنه، وقال: في هذا الخبر دلالة على أنّ صلاة الفرض لا
تجوز قبل دخول وقتها بقوله فجر يحرم فيه الصلاة يريد صلاة الصبح، ولم يرد
أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأوّل، فقوله ويحل فيه
الطعام يريد الصيام، وحديث طلق بن علي أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ليس الفجر
بالمستطيل في الأفق، ولكنه المعترض الأحمر حسنه " (1) . منه أبو عيسى
الترمذي، وحديث مسلمة بنت خمروية قالت: قدمت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو يصلى بالنّاس الغداة، وقد أقيمت حين شقّ الفجر والنجوم شابكة في
السماء والرجال لا تكاد تعارف من ظلمة الليل " (2) .
الحديث بطوله ذكره أبو عيسى عن عبد بن حميد عن عفان بن مسلم عن
عبد الله بن حسان أنّ جدته صفية، ودحية حدّثناه عنها، وقال: لا يعرف إلا
من حديث ابن حسان، ومرسل محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان عن رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الفجر فجران فأمّا الذي يكون في الأفق كذنب المرجان فلا
يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأمّا الذي يذهب مستحيلا في الأفق فإنّه يحل
الصلاة ويحرّم الطعام " (3) ، وعن عبادة بن الصامت وشداد ابن أوس من
حديث مكحول عنهما فيما ذكره أبو الحسن البغدادي في سننه: " الفجر
فجران المستطيل والمعترض فإذا انصدع المعترض حلّت الصلاة " (4) ، وقد عبّر
عنه الشاعر بقوله فيما أنشده الثقفي، وحاكم من أعدل الحكام من بين/سام
__________
= " (فجر يحرم فيه الطعام) يريد على الصائم. (وتحل فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح؛ (وفجر
تحرم فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح، إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلى في ذلك الوقت
صلاة الصبح لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد انه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد الفجر".
(1) صحيح. رواه أحمد (4/32) ، وابن كثير في " التفسير " (1/321) .
(2) قوله: " الليل " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(3) تقدم. وهو حديث صحيح. (ص 355) .
(4) انظر: الحاشية (ص 355) .(1/977)
وأخيه حام ثم إذا نبدى عن انبسام فرق بين الحلّ والحرام. وقال آخر: وعبّر عن
الفجر الصادق والكاذب:
قد سمى اثنان بنو شروان ... ووصفا بالعدل في الزمان
والليل ينازل له فجران ... وإنّما الصادق منه الثانى(1/978)
102- باب وقت صلاة الظهر
حدثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيدِ عن شعبة عن سالم بن حرب
عن جابر بن سمرة: " أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلى الظهر إذا دحضت الشمس ".
هذا حديث خرجه مسلم (1) (رحمه الله تعالى) في صحيحه وخرجه أبو
داود (2) بلفظ: " ان بلالا كان يؤذّن الظهر إذا دحضت الشمس ". والنسائي (3)
بزيادة " وكان يقرأ بنحو من والليل إذا يغشى "، زعم ابن عساكر: أنّ أبا داود
خرجه بهذه الزيادة، وأقرّه المزي على ذلك، وليس كما زعما، فانّ لفظ أبي
داود كما سقته لك في الروايات كلها والله تعالى أعلم حدّثنا محمد بن بشّار
ثنا يحيى بن سعيد عن عوف بن أبي جميلة عن سيار بن سلامة عن أبي برزة
لعلّه الأسلمي قال: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلى صلاة الفجر التي تدعونها الظهر
إذا دحضت الشّمس ". هذا حديث أخرجه الأئمة الستة (4) في كتبهم، ولفظ
البخاري عن سيار قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة، فقال له أبي: كيف
كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلى المكتوبة؟ فقال: كان يصلى الهجيرة
التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا
إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب،/وكان
يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث
بعدها، وكان ينتقل من صلاة الغداه حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ من
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب " 33 "، ح/188) ، وابن ماجة (ح/673) ، وأحمد (5/
106) ، والتمهيد (8/88) ، والتاريخ الكبير (2/133) . غريبة: قوله: " دحضت " أي زالت.
(2) حسن. رواه أبو داود في: كتاب الصلاة، باب في وقت صلاة الظهر، (ح/403) .
(3) صحيح. ورواه النسائي في: المواقيت، باب " 16، 20 ".
(4) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/599) ، ورواه مسلم في (المساجد ح/233)
والنسائي في (المواقيت، باب " 16، 20 ") ، وابن ماجه (ح/674) ، والدارمي (ح/130) ،
وأحمد (4/423) ، وابن أبي شيبة (323،1/318) ، وشرح السنة (2/188) ، والمشكاة
(587) ، والكنز (21813) ، قوله " صلاة الهجيرة " أي صلاة الظهر.(1/979)
الستين إلى المائة، وفي كتاب الإِسماعيلي عن أبي المنهال قال: لما كان زمن
أخرج ابن زياد ووثب (1)
مروان بالشام انطلق بن أبي إلى أبي برزة، فانطلقت معه فإذا هو قاعد في
ظل علوله من قصب في يوم شديد الحر فذكره، وقال ابن أبي حاتم: سألت
أبي عن حديث رواه عثمان بن عثمان الغطفاني عن خالد الحذاء عن المغيرة بن
أبي برزة نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النوم قبل العشاء الحديث، وروى عبد
الوهاب الثقفي عن خالد عن المنهال عن أبي برزة الحديث، فقال: حديث عبد
الوهاب أشبه، ولا أعلم أحدا روى عن المغيرة بن أبي برزة إلا علي بن جدعان
انتهى كلامه، وفيه نظر؛ لما ذكره هو في كتاب الجرح والتعديل من أنّ المغيرة
روى عنه أيضا حماد بن سلمة، وكذا قاله أيضا أبو حاتم البستي في كتاب
الثقات والبخاري في تاريخه، ولما ذكر أبو الحسن في علله حديث المغيرة بن
أبي برزة قال: الصواب عن أبي منهال وحديث المغيرة عن أبيه إنما هو أسلم
سالمه الله وقال البزار حديث خالد عن المغيرة عن أبيه أحسبه وهم فيه عثمان،
والصواب خالد عن أبي المنهال، وحديث عثمان الغطفاني ذكره الإِسماعيلي
في صحيحه أنبأ الحسن بن سفيان ثنا بن مثنى حدثنى عثمان سمعت خالد به
حدثنا أبو كريب ثنا معاوية بن هشام بن مسعود قال: " شكونا إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حر الرمضاء فلم يشكنا " (2) . هذا حديث سأل الترمذي محمدا عنه،
فقال: الصحيح هو عن ابن/مسعود موقوف، وفي علل أبي الحسن اختلف
على الثوري فرواه معاوية مرفوعا، ووهم فيه معاوية، وإّنما روى الثوري عن
__________
(1) كذا أورد هذا السياق " بالأصل ".
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/189، 190) ، والنسائي في (المواقيت، باب
" 2 ") وابن ماجة (ح/676،675) ، والأول: من حديث خباب، والثاني: من حديث ابن
مسعود. في الزوائد: حديث خباب أخرجه في صحيح مسلم وسنن النسائي. والثاني: في
إسناده مقال. مالك الطائي لا يعرف. ومعاوية بن هشام فيه لين. وأحمد (5/108، 110) .
وصححه الشيخ الألباني.
غريبة: قوله: " حر الرمضاء " هي الرمل الحار بحرارة الشْمس. " فلم يشكنا " من " أشكى "
إذا أزال شكواه.(1/980)
زيد بن جبير عن خشف قال: " كنا نصلى مع ابن مسعود الظهر والجنادب
منفرة من شدة الحر ". غير مرفوع وليس لخشف إلا هذان الحديثان يعني هذا،
وحديث جعل دية الخطأ أخماسا، وقال الخطابي: خشف مجهول لا يعرف إّلا
بهذا الحديث يعني: حديث الديات، وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا
من العلة في رواته انتهى كلامه، وفيه نظر لما أسلفناه، وقال الدارقطني: هو
رجل مجهول لم يرو عنه إّلا زيد بن جبير، وقال البيهقي: خشف مجهول،
وقال أبو الفتح الأزدي: ليس بذاك، وذكره ابن حبان في الثقات، وأمّا أبوه فلم
أر أحدا عرف بحاله، وحدثنا علي بن محمد ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي
إسحاق عن حارثة بن مضرب العبدي عن خبّاب قال: " شكونا إلى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرّ الرمضاء فلم يشكنا (1) . هذا حديث إسناده صحيح، ولكنه خطأ
نصّ على ذلك ابن أبي حاتم إذ سأل أبا زرعة عنه، فقال: أخطأ فيه وكيع إنّما
هو على ما رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهيب عن
حباب، يعني بذلك: ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث زهير عن أبي
إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب، وفي آخره قال زهير: قلت لأبي
إسحاق في الظهر، قال: نعم. قلت: أي: تعجيلها قال: نعم، ورواه ابن عيينة
عن الأعمش عن عمارة عن أبي معمر عن خباب فأخطأ فيه، وقال أبو حاتم
الرازي: ليس هذا أصل ما ندرى كيف أخطأ وما أراد، وقال أبو زرعة: إنّما
أراد سفيان حديث الأعمش عن عمارة عن أبي معمر عن خبّاب أنّه قيل له:
" كيف كنتم تعرفون قراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: باضطراب لحيته ". قال عبد
الرحمن: قلت/لأبي زرعة: عنده الحديثان جميعا قال أحدهما: والآخر خطأ،
قال عبد الرحمن: ورواه شريك كرواية الأعمش قال لي: الصحيح ما روى
سفيان وشعبة، وأمّا ابن عيينة فوهم، والصحيح من حديث الأعمش عن أبي
إسحاق عن حارثة انتهى كلامه. وفْيه نظر لما ذكره عن أبي زرعة قبل. وفي
كتاب الغرائب لأبي الحسن قال ابن صاعد: لم يرو هذا الإسناد غير ابن عيينة،
قال الدارقطني. وهو غريب من حديث الأعمش عن عمارة تفرد به ابن عيينة
وهو غريب من حديث سفْيان، ورواه مسروق أيضا عن خباب وهو حديث
__________
(1) انظر: الحاشية السابقة.(1/981)
تفرد به عيسى بن أبي حرب عن يحيى بن أبي بكير عن شعبة عن حصين
والأعمش عن أبي الضحى عنه، وفي كتاب ابن المنذر الكبير ثنا عبد الله بن
أحمد ثنا خلاد بن يحيى ثنا يونس بن أبي إسحاق ثنا بن وهب عنه بلفظ:
" فما أشكانا " فقال: " إذا زالت الشمس فصلوا "، وهى زيادة صحيحة،
خلاد حديثه في صحيح البخاري، ويونس شارك أباه في عدة من شيوخه،
وقد صرح هنا بالتحديث فلعلّه حفظها لنسبه أبوه، كذا ذكره أبو الحسن بن
القطان وقد وقع لنا ذكر هذه الزيادة من حديث ابن أبي إسحاق نفسه فلا
حاجة إلى غيره، قال الحافظ العلاّمة أبو منصور محمد بن سعد البادروي في
كتاب الصحابة تأليفه: ثنا محمد بن أيوب أخبرني عبد السلام بن عاصم ثنا
عبد الرحمن بن عبد الله الدشبكي ثنا أبو جعفر عن الأعمش عن أبي إسحاق
عن سعيد بن وهب عن خباب قال: " شكونا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرمضاء
فلم يشكنا، وقال: إذا زالت فصلُّوا " (1) ، وفي كتاب الكجي: الرمضاء في
صلاة الهجير فلم يشكينا، أبو القاسم في الأوسط عن أحمد بن زهير ثنا
محمد/بن تميم الحراني ثنا أبو بكر الحنفي ثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه
عن سعيد به، وقال: لم يقل أحد ممن روى هذا الحديث عن أبي إسحاق،
" وإذا زالت الشمس فصلوا الظهر " إلا يونس تفرد به أبو بكر واسمه عبد
الكبير بن المجيد انتهى، فتبين هذا صحة هذه اللفظة، وأن إسحاق رواها عنه
ابنان، وأن ابنه أخذها عنه وعن شيخه والله تعالى أعلم، وفي الباب حديث
جابر بن عبد الله قال: " كنت أصلى الظهر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ قبضة
من الحصا لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدّة الحر ". رواه أبو (2)
داود بإسناد صحيح عن أحمد بن مسدّد عن محمد بن عمرو عن سعيد بن
الحارث به، ورواه ابن حبان في صحيحه عن جعفر بن أحمد ثنا الفلاس ثنا
عبد الوهاب الثقفي نا محمد بن عمرو بزيادة " فيجعلها في كفّه هذه ثم كفه
__________
(1) الحديث متفق عليه وتقدم بدون هذه الزيادة، أما بهذه الزيادة وهي قوله: " إذا زالت
فصلوا ". رواه البيهقي (1/439) ، ونصب الراية (1/245) ، والفتح (2/17، 7/167)
والطبراني (4/91) ، والمجمع (1/306) ، وعزاه إليه ورجاله موثقون.
(2) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/399) ، والنسائي في (التطبيق، باب " 34 ") .(1/982)
هذه فإذا بردت سجد عليها ". وقال أبو عبد الله بن حنبل: رواه محمد بن
بشر ثنا محمد بن عمرو، حدّثنى سعيد بن أبي سعيد عن جابر وأخطأ فيه،
وجود محمد بن بكار، فقال: ابن عباد بن عباد نا محمد بن عمرو بن علقمة
عن سعيد بن الحارث بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري عن جابر، وخالف
ذلك الدارقطني بقوله: رواه جماعة عن محمد بن عمرو عن سعيد بن
الحارث، وقال ابن بشير: سعيد بن أبي سعيد نسبه إلى جدّه أبي سعيد بن
المعلى وكلّهم أتى بالصواب، وأمّا قول ابن عساكر لما سلف، ولفظ أبي
القاسم في الأوسط: ورواه من حدث محمّد بن المطرز عنه: " شكونا إلى
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرّ الرمضاء فلم يشكنا " لم قال: لم يروه عن ابن المنكدر إلا بلفظ
ابن عبّاد ولا بلفظ إلا عبد المجيد بن عبد العزيز تفرد به محمد بن أبي عمرو،
وقال أبو محمد الأشبيلي في إسناد عبيدة: ولم يرو عن جابر إلا هذا الإِسناد،
ولا أسند بلفظ غير هذا الحديث، وحديث عبد الله ابن مسعود قال: " كانت
قدر صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام، وفي
الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام ". رواه النسائي (1) عن عبيدة بن حميد
الحذاء لا يحتج به وبعض ذلك في الكبير فأحسن عليه النسائي بقوله: قال
أحمد: صالح، وقال يحيى: ليس به بأس وهو الصواب؛ لأنه فيمن قال به
ابن المديني: ما رأيت أصح حديثا ولا رد إّلا منه، وفي موضع آخر: أحاديثه
صحاح، وقال أحمد: ما أحسن حديثه وأحسن الثناء عليه جدا ورفع قدره
وصحة حديثه، قال محمد: ما أدرى ما للناس وله، قال: وكان قليل السقط،
وأمّا التصحيف (2) فلا نجده عنده، وقال الساجي: صدوق، وقال ابن سعد:
كان ثقة صالح الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات وخرج الشيخان حديثه
على طريق الاحتجاج في كتابيهما، وكذلك ابن خزيمة، وابن حبان والحاكم،
وصحح حديثه علي، وخرّج الشيخان حديثه فأي حجة أعظم من هؤلاء ولم
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في (المواقْيت، 5- باب آخر وقت الظهر: 1/251) ، وأبو داود
(ح/400) .
(2) قوله: " التصحيف " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/983)
ينبه ابن القطان على هذا وهو لازم له، وحديث أم سلمة قالت: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد تعجيلا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه " (1) .
رواه أبو موسى عن علي بن نجران بن علية عن أيوب عن أبي مليكة عنها،
وقال: روى هذا الحديث عن ابن علية عن ابن جريج عن أبي مليكة عنها
نحوه، وثنا بشر بن معاذ البصري نا إسماعيل عن ابن جريج بهذا الإِسناد
نحوها وهذا/أصح، وحديث حكيم بن جبير عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت: " ما رأيت أحدا أشدّ تعجيلا للظهر من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا
من أبي بكر ولا من عمر " (2) . رواه أيضا، وقال: حسن، وقال ابن المديني
قال يحيى بن سعيد: قد تكلم شعبة في حكيم من أجل حديثه الذي رواه عن
ابن مسعود عن النبي عليه السلام: " من سأل الناس وله ما يغنيه " (3) . قال
يحيى: وروى له سفيان وزائدة، ولم يرتجى بحديثه بأسا، قال محمد: وقد
روى عن حكيم عن سعيد بن جبير عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تعجيل
الظهر، وفي كتاب العلل قال محمد: وهو حديث فيه اضطراب، ولفظ
الطوسي: " ما استليت أبا بكر ولا عمر ". وقال هذا حديث حسن، وفي
كتاب أبي نعيم قالت: " ما صلى أحد يعني الظهر إلا بعد النبي عليه الصلاة
والسلام من استعجاله لها "، وحديث زيد بن ثابت: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي (ح/161) . وقال أبو عيسى: وقد رُوي هذا الحديث عن إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة نحوه. وقال: ووجدت في كتابي: أخبرني علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج. وقال: وحدثنا بشر بن مُعاذ البصري قال: حدّثنا إسماعيل بن عُلية عن ابن جريج هذا الإسناد نحوه. وهذا أصح. انتهى كلام الترمذي. ورواه أحمد (6/289، 310) ، عن
إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة.
(2) رواه ابن عدي في " الكامل ": (2/635) .
(3) حسن. رواه الترمذي (ح/650) ، وأبو داود (ح/1626) ، وابن ماجه (1840/83) ،
وإتحاف (9/304، 309) ، والمشكاة (1847) ، والكنز (16695) ، وتمام لفظه:
" من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خُمُوش، أو خدوش، أو
كدوح "، قيل: يا رسول الله: وما يُغنيه؟ قال: " خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ".
غريبه: قوله: " الكروح ": الخدوش. وكل أثر من خدش أو عضد فهو كدح.(1/984)
يصلى الظهر بالهاجرة " (1) . وذكره الطبراني في " الكبير " وسيأتي في الصلاة
الوسطى، وحديث أنس بن مالك: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج حين زاغت
الشمس فصلى الظهر ". خرجه البخاري (2) وفي لفظ آخر: " كنا إذا صلينا
خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر " (3) ، وفي لفظ: " كنا
نصلّى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شدّة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن (4) ، من
الأرض بسط ثوبه فسجد عليه " (5) ، وفي كتاب الليثي: " كان يصلى الظهر
في الشتاء ما ندرى ما مضى من النهار أكثر أم ما بقى " (6) ، قال أبو عمرو
موسى بن العلاء راويه عن أنس كانه يصلى عند الزوال، والزوال في الصيف
إذا مالت الشمس عن كبد السماء نحو المغرب وصار الظل نحو المشرق، وأمّا
الشتاء فإذا وقفت/الشمس فذاك حين انتصف النهار، فإذا رجع الظل نحو
المشرق فهو أوّل الزوال، والشمس تقف في الشتاء إذا قصر النهار أو قارب
ذلك على تسعة أقدام إذا طال النهار، ثم ترجع ويرجع الظل نحو المشرق، فإذا
كان ذلك فهو أوّل الزوال في الشتاء، وحديث عمر موقوفا: " إذا اشتد الحرّ
والزحام فلم يقدر أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر الرجال " (7) . قال
ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا خطأ يعني رواية الحجاج عن الأعمش عن
المسيب بن رافع عن سليمان بن مسهر عن معرسة بن الحسن عنه، قال:
__________
(1) رواه أحمد (3/369، 5/183، 206) ، والبيهقي (1/434، 449، 458) ، والمجمع (1/
308) ، والمنثور (1/301) ، والحاوي (1/181) ، وابن كثير في " التفسير " (1/428) ،
والقرطبي في " التفسير " (3/209) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " (3/434) ،. والمعاني (1/
184،167) .
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/540) ، والنسائي في (المواقيت، باب " 2 " أول وقت الظهر)
ورواه أحمد (3/351) . والدارمي (ح/1206) .
(3) صحيح. رواه النسائي (2/216) ، والفتح (2/23) .
(4) بياض " بالأصل ".
(5) صحيح، انظر الكنز: (22252) .
(6) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/307) ، وعزاه إلى أحمد من رواية
موسى أبي العلاء ولم أجد من ترجمه.
(7) قوله: " الرجال " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/985)
والصحيح حديث الحسن بن الربيع نا أبو الأحوص عن الأعمى عن المسيب
عن زيد بن وهب عنه والله تعالى أعلم. غريبه قوله: دحضت الشمس يعني
تدحض وحضا ووحوضا: زالت عن وسط السماء، قاله ابن سيدة وأبو نصر
وابن القوصية (1) وتلميذه ابن طريف وابن فارس في مجمله، وابن قتيبة في
غريبه، وأبو عبيد بن سلام، والسرقسطي، والفارابي، وابن دريد، وصاحب
مجمع الرغائب، والخطابي، وأبو هلال في تلخيصه، والسكري في كتاب
النقائض، والطراز زاد يعني: حين نزول، وجعلها تدحض؛ لأنها لا تزال ترتفع
من لدن تطلع إلى أن تصير في كبد السماء ثم سخط عن الكبد للزوال،
فكأنها تزلق فلا تزال في انحطاط حتى تغرب وأبو عبيد هروي وزاد فكأنها
زلفت، ومنه قول معاوية لعبد الله بن عمرو وقاله: سمعت النبي يقول:
" يقتل عمّار الفئة الباغية " (2) . لا تزال ما بينا بهتة تدحض بها، ويروى البصار
أي تقحص برحلك فيه ولم يبيّن حقيقة ذلك أنه مجاز سوى الزمخشري، فإنه
زعم أن ذلك من المجاز لا من الحقيقة. قوله في الرمضاء فالرمض شدّة وقع
الشّمس على/الرّمل وغيره فالأرض رمضاء، وقال القزاز: وهو حر الحجارة عن
شدّة حرّ الشمس، ورمض يومنا يرمض رمضا: إذا اشتد حرّنا، وأرض رمضة
الحجارة أي: شديدة حر الحجارة: قال غيلان: معرور بأرمض الرمضاء يركنه،
وفي كتاب الهروي: والرمضاء شدّة الحر، وفي الحقيقة من كتاب الأسامي:
الرمضاء هي الحجارة التي اشتدّ عليها وقع الشمس فحميت وقد رمضت
رمضاء، وأرض رمضة فيما حكاه الزاهد عن إسناده الرمضاء: الرمل إذا
استحرت عليه الشمس، سمى شهر رمضان لموافقته حين سمى ذلك
الزمان، وأمّا الهجير فذكر القزاز: أنّ الهجر والهجرة الهاجرة نصف النهار،
واهجر القوم: إذا دخلوا في الهاجرة، قال الشاعر:
في الهجر راح القطن يهجر ... بعدما ابتكر فما تواصله سلمى
__________
(1) قوله: " القوطية " وردت " بالأصل " " القوصية " وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) رواه ابن أبي شيبة (15/293) ، وابن سعد (1/3/180) ، والفتح (13 / 42) ، والعلل
(2789) ، والبداية (6/243) .(1/986)
وما نذروا هجروا إذا ساروا في الهاجرة، قال لبيد في التهجير: وتهجير
قدان بإحرام نفسه على الهول لاحته الهموم إلا باعه، زاد الجوهري نصف
النهار إذا اشتد الحر، قال ذو الرمة: ويبدأ الغفار يكاد ارتكازها بأنّ الضحى
والهجر بالطرف يمسح يقول منه هجر النهار، قال امرؤ القيس:
فدعها رسل الهم عنك بحسرة ... كما إذا صام النهار وهجر
أو يقال آتينا أهلها بهجرين: كما يقال موصلين أي: في وقت الهاجرة،
والأصل وفي الحقيقة: من الأساس، وتهجروا. سادوا في الهاجرة، وإّنما قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو يعلم الناس ما في التهجير " (1) . فمراده- والله تعالى أعلم-
التبكير إلى كل صلاة، وروى النضر بن شميل عن الخليل أنه قال: التهجير إلى
الجمعة: التبكير لغة حجازية ذكره الهروي.
__________
(1) صحيح. رواه النسائي في: 6- كتاب المواقيت، 21- باب الرخصة في أيقال للعشاء
العتمة؟! (1/269) - وتمام لفظه: " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا
إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلم الناس ما في التّهجير لاستبقوا إليه، ولو علموا ما في
العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ".(1/987)
103 - باب الإِبراد في الظهر في لشدّة الحرّ
/ حدثنا هشام بن عمار ثنا مالك بن أنس نا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة؛ فإن شدة
الحر من فيح جهنم "، وفي لفظ: " فأبردوا بالظهر ". هذا حديث مخرج في
كتب الأئمة الستة (1) في لفظ الشيخين زيادة: " واشتكت النّار إلى ربهّا "
فقالت: يا رب، آكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس
في الصيف فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشدّ ما تجدون من الزمهرير، وفي
لفظ لأبي داود (2) في حديث عون بن عبد الله بن عتبة عنه: " نهى رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصلاة نصف النهار " (3) . قال في الأوسط: لم يروه عن عون
إلا المقبري، ولا عن المقبري إلا يزيد بن حبيب تفرد به ابن لهيعة والترمذي
بالصلاة، حدثنا أبو كريب نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
سعيد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أبردوا بالظهر؛ فإن شدّة الحر من فيح جهنم " (4) .
هذا حديث خرجه البخاري في صحيحه من حديث الأعمش، وفي كتاب
الميموني عن أحمد عن يحيى بن سعيد عنه ولفظه: " فإن شدّة الحر من فيح
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه للبخاري (1/142) ، ومسلم في (المساجد، ح/18) ، وابن أبي شيبة (1/ 324) ، وأبو داود) ج/402) ، والترمذي (ح/157) ، وصححه. والنسائي (1/248) ، وابن ماجة (ح/ 677) ، وأحمد (2/266، 462، 386، 5/176) ، والبيهقي (1/437، 438) ، وعبد الرزاق (2049) ، وابن خزيمة (329) ، والطبراني في " الصغير " (1/137) ، وشرح السنة (2/402) ، والمشكاة (590) ، ونصب الراية (1/245) ، والترغيب (4/316) ، وتلخيص (1/181) ، وتجريد (241) ، والتمهيد (5/ 1) ، واستذكار (1/126) ، والشافعي (211) .
(2) قوله: " داود " وردت بالأصل " ذر " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) ضعيف. رواه الشافعي (63) ، وابن عبد البر في " التمهيد " (4/19) . قلت: وعلة
ضعفه، تفرد ابن لهيعة به.
(4) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (4/146) ومسلم في (المساجد، ح/181) وابن
ماجة (ح/ 680) وأحمد (2/462، 4/250) وابن أبي شيبة (1/324، 325) وابن عدي في
" الكامل " (1/388) .
غريبة: قوله: " أبردوا بالصلاة ". قال ابن حجر: أي: أخروها إلى أن يبرد الوقت.(1/988)
جهنم ". قال أحمد: ما أعرف أحدا قال: نوح غير الأعمش، حدثنا محمد بن
روح نا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن
عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا
بالظهر؛ فإن شدّة الحر من فيح جهنم " (1) . حدثنا بن المصفر الواسطي ثنا
إسحاق بن يوسف عن شريك عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن
شعبة قال: كنا نصلى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الظهر بالهاجرة، قال لنا.
" أبردوا بالصلاة/فإنّ شدة الحر من فيح جهنم " (2) . هذا حديث قال فيه
البيهقي: قال أبو عيسى: فيما بلغني عنه سألت محمدا عن هذا الحديث فعدّه
محفوظا، وقال الميموني: ذاكروا أبا عبد الله بأسانيد حديث المغيرة فقال:
أسانيد جياد ثم قال خباب: يقول فلم يشكنا، والمغيرة كما ترى يروى القصتين
جميعا، وفي كتاب العلل للخلال: وكان آخر الأمرين من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما
خرجه البستي في صحيحه قال: تفرّد به إسحاق الأزرق، ولما سأل ابن أبي
حاتم أباه عن هذا الحديث قال: رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس قال:
سمعت عمر بن الخطاب قوله: " أبردوا بالصلاة " قال أبي: أخاف أن يكون
هذا الحديث يدفع ذاك قلت: فأيهما ثبت؟ قال: كانه هذا يعني حديث عمر،
ولو كان عند معن عن المغيرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحتج أن يفتقر إلى أن
يحدّث عمر موقوفا انتهى، ولقائل أن يقول- على طريقة الفقهاء- يحتمل أن
يكون قيس روى المسند والموقوف جميعا أو يذكر المرفوع بعد رواية الموقوف،
ويعضده ما ذكره هو في موضع آخر سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين
فقلت له: ثنا أحمد بن حنبل عن محمد بن إسحاق الأزرق عن شريك عن
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/142) ، ومسلم في (المساجد، ح/180) ، وابن
أبي شيبة (1/324) ، وأبو داود (ح/402) ، والترمذي (ح/157) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح. والنسائي (21/48) ، وابن ماجة (ح/677) ، وأحمد (2/266، 462، 386، 5/
176) ، والبيهقي (1/ 437، 438) ، وعبد الرزاق (2049) ، وابن خزيمة (329) ، وشرح السنة
(2/204) ، والمشكاة (590) ، ونصب الراية (1/245) ، والترغيب (4/316) ، وتلخيص (1/
181) ، والتمهيد (1/5) ، واستذكار (2/126) ، والشافعي (211) .
(2) انظر: الحاشية رقم " 3 " السابقة.(1/989)
بنان فذكر حديث المغيرة، وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدّثنا به،
وثنا أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة القعقاع عن أبي زرعة عن أبي
هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام بمثله فقال: يحيى ليس له أصل أنا نظرت
في كتاب إسحاق فليس فيه هذا، قلت لأبي: فما قولك في حديث عمارة
عن أبي زرعة الذي أنكره يحيى؟ قال: هو عندي صحيح، وثنا أحمد بن
حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق قلت لأبي: فما قال يحيى ينكر في
كتاب/إسحاق فلم يجده؟ قال: كيف نظر في كتبه كلّها إنما نظر في بعض
ورّبما كان في موضع آخر، حدثنا عبد الرحمن بن عمر ثنا عبد الوهاب
الثقفي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبردوا
بالظهر ". هذا حديث خرجه البخاري (1) في صحيحه، وفي الباب حديث
عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أبردوا بالظهر في الحر ". ذكره أبو بكر بن
خزيمة (2) عن القاسم بن محمد بن عبّاد بن عباد المهلبي ثنا عبد الله- يعني:
ابن داود الحربي- عن هشام بن عروة عن أبيه عنها، وفي كتاب الكجي ثنا
مسدد ثنا أبو داود ثنا هشام عن أبيه قال: أظُنّه عن عائشة فذكره وحديث
أبي ذر قال: كنّا مع النبي عليه الصلاة والسلام في سفر فأراد المؤذن أن يؤذّن
الظهر فقال عليه الصلاة والسلام: " أبرد ". ثم أراد أن يؤذّن فقال له: " أبرد
حتى رأينا فىء التلول " (3) . وفي رواية: حتى تساوى الفىء التلول، فقال عليه
السلام: " إن شدّة الحرّ من فيح جهنم، فإذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة ".
خرّجاه في الصحيح (4) ، قال البيهقي: كذا قاله جماعة فأراد أن يؤذن، ورواه
__________
(1) انظر: الحاشية رقم " 2 " السابقة.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة: (331) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: (المساجد، ح/184) . غريبه: قوله: " فيء التلول " التلول:
جمع تل، وهو ما اجتمع على الأرض من رمل أو تراب أو نحوهما، كالروابي والفيء لا
يكون ألا بعد الزوال. وأما الظل فيطلق على ما قبل الزوال وبعده. هذا قول أهل اللغة.
ومعنى قوله: رأينا فيء التلول، أنه أخر تأخيرا كثيرا حتى صار للتلول فيء. والتلول منبطحة
غير منتصبة. ولا يصير لها فيء، في العبادة، إلا بعد زوال الشمس بكثير.
(4) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/ 142، 162، 4/146) ومسلم في (المساجد، ح/
180، 181، 183، 184، 186) والنسائي (1/249) والترمذي (ح/ 158) وصححه=(1/990)
غندر عن شعبة: أذّن النبي عليه السلام الظهر فقال له: " أبرد "، قال: وفي
هذا كالدلالة على أنّ الأمر بالإبراد كان التأذين، وحديث أنس بن مالك:
" كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشتد البرد بكّر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة "
خرجه البخاري (1) وقد تقدم قبل ولفظ أحمد (2) بن حنبل من حديث موسى
أبي العلاء عنه، وفي لفظ بصلاة الجمعة: " كان عليه السلام يصلى صلاة
الظهر في أيام الشتاء وما يدرى ما ذهب من النهار أكثر أم ما بقي منه "،
وحديث عمرو بن/عنبسة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أبردوا بصلاة الظهر فإن
شّدة الحرّ من فيح جهنم " ذكره الطبراني في الكبير (3) من حديث عبادة بن
أبي أوفي عنه، وحديث رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه يعني نحو
حديث أبي سعيد المتقدّم، ذكره الميموني عن أحمد فقال: وروى غندر عن
شعبة عن الحجاج بن الحجاج الأسلمي عنه قال أحمد: قد سمعته من غندر
وأحسبه غلط قال مهنأ: قلت لأحمد: أكان غندر يغلط؟ قال: أليس هو من
النّاس! قال أحمد: كان الحجاج أبوه من الصحابة، وقال الدارقطني غلط غندر
في أنه لم يذكر في الإِسناد والد الحجاج، ورواه يحيى القطّان ومعاذ وخالد بن
الحارث وغيرهم عن شعبة عن الحجاج عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآه عبد الله بن مسعود، وحديث القاسم بن صفوان بن مخرمة الزهري
عن أبيه قال عليه الصلاة والسلام: " إذا اشتد الحر فأبردوا بصلاة الظهر؛ فإن
__________
وأبو داود في (الصلاة، باب " 4 " وأحمد (2/256، 318،285، 394، 462، 501، 4/
250، 262، 5/155، 162، 368،176) والبيهقي (1/438) وابن خزيمة (328، 330، 394)
وابن حبان (269) والمطالب (271) وشرح السنة (2/207) والخطيب (7/52) وابن عساكر
في " التاريخ " (7/209) وابن أبي شيبة (1/324) واستذكار (1/126) والحميدي (942)
وأبو عوانة (1/347) والشافعي (27، 211) والتمهيد (5/1) .
(1) صحيح. رواه البخاري (2/8) والبيهقي (3/191) والمشكاة (1403) والمعاني (1/ 188)
وتغليق (363) والكنز (17888) .
(2) رواه أحمد: (3/160) .
(3) ضعيف. رواه الطبراني (8/85) وأحمد (4/262) وشرح السنة (2/208) وابن عساكر
في " التاريخ " (7/209) وابن عدي في " الكامل " (6/2289، 2/706) والمجمع (1/307)
من حديث عمرو بن عنبسة، وفيه سليمان بن سلمة الخبائري وهو مجمع على ضعفه.(1/991)
شدة الحر من فيح جهنم ". رواه بن أبي شيبة (1) في مسنده عن مروان بن
معاوية عن بشير بن سليمان عنه، وهو إسناد صحيح؛ لذكر القاسم في بيان
ابن حبان (2) ، ولفظ أبي نعيم في كتاب الصلاة: " من فور جهنم "،
وحديث ابن عباس يرفعه: " الحمى من فيح جهنم " الحديث ذكره
البخاري (3) ، وحديث عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- ذكره أبو نعيم
في كتاب الصلاة من حديث محمد بن الحسن عن أسامة بن زيد عن زيد بن
أسلم عن أبيه عنه مرفوعا ذكره أبو عيسى، قال: لا يصح، وبنحوه قاله
الطوسي، وفي كتاب أبي نعيم بسند صحيح: " أزعم ". كتب بذلك إلى أبي
موسى يعني: موقوفا، وحديث أبو موسى قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبردوا/بالظهر
فإن الذي تجدون من فيح جهنم ". رواه أبو عبد الرحمن بسند صحيح من
حديث إبراهيم النخعي عن يزيد بن أوس المذكور في ثقات التابعين لابن حبان
عن ثابت بن قيس عنه، وحديث أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن
تعجيل الصلاة في اليوم الدجن من حقيقة الإِيمان ". ذكره ابن وهب في
مسنده عن الليث عن عمرو بن شيبة المدني عن رجل حدثه عنه، وحديث
عبد الرحمن بن علقمة قال: " قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد ثقيف وفيه فجلس
يحدثهم ويحدثونه فشغلوه عن صلاة الظهر ما صلاّها إلا مع العصر " (4)
ذكره أبو نعيم في كتاب الصلاة في باب الإِبراد بالظهر من حديث أبي بكر بن
عباس ثنا يحيى بن هانىء ثنا أبو حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير
__________
(1) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (1/324) والمشكاة (5910) وحبيب (1/37) وابن ماجة
(678) والعقيلي (2/281) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن حبان في " صحيحه ": (3/29) في حديث أبي هريرة.
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (46/7/1674،1) ، ومسلم في (السلام، ح/78-
81، 84) ، وابن ماجة (3473،3471) ، والمجمع (6/302) ، والطبراني (4/326، 12/230) ،
وشرح السنة (12/153) ، ومشكل الآثار (2/344) ، والمشكاة (4525) ، وابن السني (561) ،
وابن أبي شيبة (7/ 438) ، والحلية (7/161، 9/157) ، والذهبي (119، 120) ، والخطيب (6/
81) ، وابن عدي في " الكامل " (5/1680) ، والموطأ (945) . وتمام لفظه: " الحمى من فيح
جهنم فأبردوها بالماء ".
(4) ضعيف. رواه أبو نعيم في: كتاب الصلاة، باب الإِبراد بالظهر.(1/992)
عنه، وقال أبو نعيم الحافظ في معرفة الصحابة: عبد الرحمن بن علقمة الثقفي
كوفي، ويقال: ابن أبي علقمة أحد من وفد من ثقيف على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حديثه (1) عند عبد الملك بن محمد بن بشير ولفظه: " ليسألهم ويسألونه
حتى لم يصل الظهر إّلا مع العصر " رواه أبو بكر بن أبي خثيمة وأحمد بن
يونس وأبو عبيد ومحمد بن سعيد بن الأصبهاني في آخرين كلّهم عن أبي
بكر بن عياش، ورواه بعض المتأخرين فوهم في ثلاثة مواضع في هذا الحديث
ذكر في الترجمة عبد الرحمن بن علقمة روى عنه عبد الله بن محمد بن بشير
وقال: رواه ابن عياش عن يحيى بن هانىء عن حذيفة، وإنّما هو أبو حذيفة
وذكر في الحديث يحيى بن هانىء عن أبي حذيفة أصاب ولا في أبي حذيفة
ولا في عبد الله/بن محمد بن بشير وذكر بعقبه رواه أبو عمر بن البصري
عن الحارث بن عتبة عن أبي حذيفة عبد الله بن محمد عن عبد الله بن
محمد العجلي عن عبد الرحمن بن علقمة وفي كتاب رافع الأرساب للخطيب
عبد الرحمن بن علقمة وهو عبد الرحمن بن علقمة ذكره غير واحد في
الصحابة، وفي كتاب أبي إسحاق البصري، تعني عبد الرحمن بن علقمة،
ويقال: ابن علقمة أبو علقمة روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثين أحدهما: " أن وفد
ثقيف قدموا عليه " وفي سماعه منه نظر، وقال أبو حاتم: تابعي ليست له
صحبة أدخله يونس بن حبيب في المسند، وقال: لا تصح صحبته ولا يعرف
أباه حكاه عن أبي حاتم فلم أره في كتابه، وثقة عبد الرحمن بن علقمة الثقفي
روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أن وفد ثقيف قدموا عليه ومعهم هدية " روى عنه
عبد الملك بن محمد بن بشير، وقال في حرف العين: من أئمة التابعين عبد
الرحمن بن علقمة الثقفي، ويقال: ابن أبي علقمة روى عن النبي عليه الصلاة
والسلام مرسلا، وروى عن ابن مسعود وعبد الرحمن بن أبي عقيل، روى
عنه جامع بن شدّاد أبو صخرة وعون بن أبي جحيفة وأبو حذيفة فلت: أدخله
يونس بن حبيب في مسند الواحدي فأخبرت أبي بذلك فقال: هو تابعي
ليست له صحبة انتهى، وكان هذا هوْ الذي يمسك أبو إسحاق به، وهو كما
__________
(1) قوله: " حديثه " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/993)
ترى ليس رجلا واحدا بل هما رجلان لا مرية في ذلك، ولكن البخاري جمع
ذلك كله في ترجمة واحدة وكذلك العسكري، وأمّا قوله: وقال فيريد أبا
عمر، وأبو عمر ذكره في موضعين ليس بينهما ما قاله، الأول: وقد ذكر قوم
عبد الرحمن بن علقمة في الصحابة ولا يصح له/صحبة، الثاني: وفي سماعه
منه نظر قال أبو بكر بن المنذر في كتاب الإجماع (1) : أجمع أهل العلم على
أن أول وقت الظهر زوال الشمس، ودلّت السنة على أنّ آخر وقت الظهر إذا
صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وقال في كتاب
الإِشراف: واختلفوا في آخر وقت الظهر فقالت طائفة: إذا صار ظل كلّ شيء
مثله بعد الزوال وجاوز ذلك فقد خرجت وقت الظهر، هذا قول مالك
والشّافعي والثوري وأبي ثور، وقال يعقوب ومحمد: وقت الظهر من حين زوال
الشمس إلى أن يكون الظل قامة، وقال عطاء: لا يفوتك الظهر حتى تدخل
الشمس الصفرة، وقال طاوس: لا يفوت الظهر والعصر حتى يدخل الليل،
وقال قائل: إذا صار الظل قامتين فقد خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر،
وكذلك قال أبو حنيفة: قال أبو بكر: وبالقول الأوّل أقول واختلفوا في
التعجيل بالظهر في حال الحرّ فروينا عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن
يصلى الظهر حين تزيغ وتزول وصلى ابن مسعود حين زالت الشمس، وروينا
عن ابن عباس أنه قال: الظهر كاسمها تصلى بالظهر، وقال مالك: يصلى إذا
كان الظهر ذراعا، وفيه قول ثاني: وهو استحباب تأخير الظهر في شدّة الحر،
هذا قول أحمد وإسحاق، وقال أصحاب الرأي: في الصيف يجب أن يبرد
بها، قول ثالث: قال الشّافعي: تعجيل الحاضر الظهر في شدّة الحر فإذا اشتدّ
الحر أبرد بها الدم الجماعة التي تأتى من البعد حتى يبرد، فأمّا من صلّى في
بيته وفي جماعة بفناء بيته فيصليها في أوّل وقتها قال أبو بكر: خبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
على العموم فلا سبيل إلى أن يستبين من ذلك شيء، وفي كتاب ابن بزيرة:
وكره مالك أن يُصلِّى الظهر في أول الوقت وكان يقول: هي صلاة الخوارج
وأهل الأهواء، وخالف/ذلك أبو الفرج فنقل عن مالك: أنّ أوّل الوقت أفضل
__________
(1) قوله: " الإجماع " ورد " بالأصل " " الافصاع " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.(1/994)
في كلّ صلاة إلا الظهر في شدّة الحر، واختلف العلماء في الجمع بين هذه
الأحاديث، وحديث خباب فقال بعضهم: الإِبراد رخصة والتقديم أفضل،
وقال جماعة: حديث خباب منسوخ بأحاديث الإبراد، وحمل آخرون حديث
خباب على أنهم أرادوا تأخيرا زائدا على قدم الإبراد، ذكر ذلك الأثرم وأبو
جعفر الطحاوي، وقال أبو عمر في قول خباب: فلم يشكنا يعني لم يخرجنا
إلى الشكوى، وقيل: معناه ما أزال شكوانا ذكره ابن بزيرة، وفيما قدّمناه بيان
للمعنى من نفس الشّارع فلا حاجة للخوض، وذكر ابن الأنباري أنّ يونس
وأكثر النحويين زعم أنّ جهنم أعجمية لا تجر للتعريف والعجمة، وقيل: إنّه
غرى ولم يجر للتأنيث والتعريف وكان رومة يقول له جهنم بعيدة القعر، قال
الأعمش: دعوت خليلي مسجلا ودعوا له جهنام جدعا للهجين المدمم، فترك
حرفه يدل على أنه أعجمي معرب، وقال ابن عباس: فيما ذكره ابن بزيرة:
خلق الله تعالى النّار على أربعة أقسام: فنار تأكل وتشرب وهي التي خلقت
منها الملائكة، ونار تأكل ولا تشرب وهي التي في الحجارة ويقال: هي التي
رفعت لموسى عليه السلام ليلة المناجاة، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار الدنيا،
ونار جهنم تأكل لحومهم وعظامهم، ولا تشرب دموعهم ولا دماؤهم أقياحهم
بل يسيل ذلك إلى عين الخبال فيشرب ذلك أهل النار، ونار تشرب ولا تأكل
وهي النّار التي في البحر وقيل: النّار التي خلقت منها الشمس.(1/995)
104- باب وقت صلاة العصر
حدثنا محمد بن رافع، أنبا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس بن
مالك أنه/أخبره أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان يصلى العصر والشمس مرتفعة
حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة ". هذا حديث خرجاه في
الصحيح (1) ، وفي رواية لهما إلى مساوٍ في رواية البخاري وبعض العوالي من
المدينة على أربعة أميال أو نحوه، وفي لفظ أنّ أبا أمامة قال: " صلينا مع
عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم دخلنا على أنس فوجدناه يصلى العصر، وقال:
هذه صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كنّا نصلى معه " (2) وفي لفظ لمسلم (3) : " تلك
صلاة المنافق يجلس لوقت الشمس حين إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر
أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا ". وفي لفظ: " صلى لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
العصر فلّما انصرف أتاه رجل من بنى سلمة فقال يا رسول الله: إنّا نريد أن
ننحر جذورا لنا ونحب أن تحضرها، فانطلق وانطلقنا معه، فوجدنا الجذور ولم
تنحر، فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلها قبل أن تغيب الشمس " (4) .
وفي لفظ لأحمد من طريق أبي الأبيض عنه أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
يصلى العصر والشمس بيضاء محرقة " (5) قال أبو القاسم: لم يروه عن
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/145، 9/128) ، ومسلم في (المساجد، باب
" 34 "، ح/192) ، وأحمد (3/223) ، والنسائي (1/253) ، وابن أبي شيبة (1/327) ، وشرح
السنة (2/209) ، والتمهيد (6/181) ، والمشكاة (592) ، ومعاني (1/190) ، وابن عساكر في
" التاريخ " (4/413) ، والكنز (21782) .
غريبه: قوله: " العوالي " عبارة عن القرى المجتمعة حول المدينة من جهة نجدها. وأما من كان جهة تهامتها فيقال لها: السافلة. وبعد بعض العوالي من المدينة أربعة أميال، وأبعدها ثمانية
أميال، وأقربها ثمانية أميال، وأقربها ميلان وبعضها ثلاثة أميال.
(2) رواه مسلم في: المساجد، (ح/196) . (3) المصدر السابق، (ح/195) .
غرسه: قوله: " نقر " المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر.
(4) المصدر السابق، (ح/197) .
(5) صحيح. رواه أبو داود (ح/404) ، والنسائي في (المواقيت، باب " 8 ") وابن ماجة (ح/
682) ، وأحمد (3/169،131، 184، 217،214) ، والمجمع (1/305) ، والتمهيد(1/996)
الأعمش إلا عبد العزيز بن عبيد الله ولا عن عبد العزيز إّلا إسماعيل بن عياش
تفرد به سليمان بن عبد الرحمن، وفي لفظ لابن خزيمة: " إن صلاة المنافق
تنتظر حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان نقرها أربعا " (1)
وفي لفظ للدارقطني: " فأتى عشيرتي وهم جلوس فأقول ما يجلسكم صلوا
فقد صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (2) ، وفي لفظ وهم في ناحية المدينة جلوس ما
صلوا في لفظ الحاكم: صحيح إسناده كان أبعد رجلي من الأنصار من
النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار أبو لبابة: " دار أبو لبابة وأبو عبس بن جبير ومسلمة بن
حارثة / فكانا يصليان مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر ثم يأتيان قومهما وما صلوا؛
لتعجيله عليه السلام " (3) ، وفي لفظ للدارقطني: " كنا مع النبي عليه الصلاة
والسلام نصلى العصر ويسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشمس " وفي
لفظ للسراج في مسنده: " يسير الراكب إلى قباء " في كتاب أبي نعيم
الفضل موقوفا: " إذا صليت العصر ثم سرت ستة أميال حتى غروب الشمس
فذلك وقتها " ولفظ الطبراني في الأوسط: عن يحيى بن سعيد، قال قلت
لأبى: " متى كنتم تصلون العصر مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: والشمس بيضاء
نقية " (4) وقال لم يروه عن يحيى إلا عبد الله بن ميمون القداح حدثنا أبو
بكر بن أبي شيبة نا سفيان بن عينية عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
" صلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر والشمس في حجرتي لم يظهر الفىء بعد " هذا (5)
__________
= (8/10، 21) وتغليق (365) وابن أبي شيبة (1/326) وشفع (133) ومعاني (1/191)
والتاريخ الكبير (5/358) والحلية (3/111) والكنز (21781) .
(1) قوله: " أربعا، وفي " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(2) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/309) من حديث أنس بن مالك،
وعزاه إلى " أبي يعلى " و" البزار " ورجاله ثقات.
(3) المصدر السابق: (1/307-308) وعزاه إلى الطبراني في " الأوسط " و" الكبير "
ورجال الكبير ثقات إلا ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه.
(4) بنحوه. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/308) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "
ورجاله رجال الصحيح، ولفظه: " وقت العصر ما لم يحضر وقت المغرب ".
(5) صحيح. رواه ابن ماجة: (ح/ 683) . وصححه الشيخ الألباني.(1/997)
حديث رواه أيضا وفي الباب حديث رافع بن خديج عندهما، وإن كان
الجوزقاني حسنه فغير صواب من فعله قال: " كنا نصلى العصر مع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ننحر الجزور فيقسم عشرة قسم ثم يطبخ فنأكل لحما مصحا قبل
مغيب الشمس " (1) وحديث بريدة قال عليه الصلاة والسلام: " بكروا لصلاة
العصر في يوم غيم؛ فإنّه من ترك صلاة العصر حبط عمله " رواه البخاري (2)
وحديث عبد الله بن عمرو يرفعه: " وقت العصر ما لم تغرب الشمس " (3)
رواه أبو الوليد الطيالسي عن هشام بن عبد الملك ثنا همام بن يحيى عن قتادة
عن أبي أيوب المداعي المخرج حديثه عند الشيخين عنه، وحديث أبي أروى
الدوسي قال: " كنت أصلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر بالمدينة ثم أمشي إلى ذى
الحليفة فأتمم قبل أن/تغيب الشمس " (4) ذكره العسكري في كتاب الصحابة
عن محمد بن هارون الحضرمي، ثنا عمرو بن علي ثنا معلى بن أسد نا وهيب
عن أبي داود الليثي قال: حدثنى أبو أروى به، وقال: أبو أروى لا يعرف
اسمه، وذكر بعضهم أنّ اسمه ربيعة، ويقال: عبيد بن الحارث انتهى كلامه
وفيه نظر؛ لأنّ أبا أروى المسمى ربيعة بن الحارث هاشمي جدّه عبد المطلب بن
هاشم، مات قديما في خلافة عمر سنة ثلاث عشرة نصّ على ذلك ابن سعد
وغيره وأبو واقد صالح بن محمد الليثي الصغير، وقد صرح هناد في غير
موضع سماعه منه، وهو من صغار التّابعين الذين رووا عن أنس، وإن كان قال
__________
= قوله: " والشم في حجرتي " أي: ظلها في الحجرة. و" لم يظهرها الفيء " أي:
ظلها لم يصعد ولم يعملُ على الحيطان، أو لم يزل.
(1) صحيح. المشكاة (615، 635) والكنز (21787) .
(2) صحيح. رواه البخاري (1/145، 154) والنسائي (1/236) وأحمد (5/350) والبغوي
(1/246) ونصب الراية (2/479) والمنثور (1/259) والمشكاة (595) والترغيب (1/
64، 308) . والإرواء (1/276، 277) .
(3) بنحوه. رواه أحمد (2/210) والبيهقي (1/365، 367،366) والتمهيد (3/275، 8/
79، 82) وأبو عوانة (1/350، 359) ومعاني (1/150) .
(4) ضعيف. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/307) وعزاه إلى " البزار " و" أحمد "
باختصار والطبراني في " الكبير " وفيه صالح بن محمد أبو داود وثقة أحمد وضعفه يحيى بن
معين والدارقطني وجماعة.(1/998)
أبو عمر: إنّ أبا أروى هذا مات في آخر خلافة معاوية؛ فلا يتجه سماعه منه
بحال، وأيضا فقد صرّح أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستغناء وغيره بأنّ
اسمه لا يعرف، وإلى هذا احتج مسلم والدولابي وأبو عبد الرحمن النسائي
وابن أبي حاتم، قال: وسئل أبو زرعة عنه؟ فقال: لا أعرف اسمه وابن بنت
منيع، وقال: سئل ابن معين عن حديثه فكتب فوق أبي واقد ضعيف، وأبو
نعيم واليا وروى في كتاب الصحابة، وحديث جابر ذكره أبو القاسم في
معجمه الكبير وحديث أبي مسعود تقدّم ذكره، وكذلك حديث أبي برزة، قال
ابن المنذر: واختلفوا في أوّل وقت العصر؛ فكان مالك والثوري والشّافعي
وأحمد وإسحاق وأبو ثور يقولون: أوّل وقت العصر إذا صار ظلّ كلّ شيء
مثله، واختلفوا بعد فقال بعضهم: آخر وقت الظهر أوّل وقت العصر، فلو أنّ
رجلين صلى أحدهما الظهر والآخر العصر حين صار ظل كل شيء مثله لكانا
مصلين في وقتهما، قائل هذا إسحاق، وذكر عن ابن المبارك، وأمّا الشافعي
فكان يقول: أوّل/وقت العصر إذا جاوز ظل كلّ شيء مثله، متى ما كان
ذلك حين ينفصل من آخر وقت الظهر، وقد حكى عن ربيعة قول ثالث،
وهو أنّ وقت الظهر في السفر والحضر: إذا زالت الشمس، وفيه قول رابع:
وهو أنّ وقت العصر أن يصير الظل قامتين بعد الزوال، ومن صلى قبل ذلك لم
يجزه، هذا قول النعمان، وفي ذلك أخبار ثابتة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى
كلامه وفيه نظر في قوله، هذا قول النعمان يعني: وحده وأغفل كونه مرويا
عن الإِمام أحمد أيضا فيما ذكره أصحابه، وأمّا الأحاديث التي استدل بها أبو
حنيفة فكثيرة، من ذلك حديث رافع بن خديج أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان
يأمرنا خير هذه الصلاة "، ذكره الدارقطني في سننه عن أبي بكر النيسابوري
ثنا محمد بن يحيى ثنا أبو الأشعث ثنا أبو عاصم ثنا عبد الواحد بن نافع قال:
" دخلت مسجد المدينة فأذّن مؤذن بالعصر قال: وشيخ جالس فلامه " وقال:
إنّ أبي أخبرني فذكره، قال: فسألت عنه، فقالوا: هذا عبد الله بن رافع، قال
أبو الحسن بن رافع: هذا ليس بقوى، ورواه موسى بن إسماعيل عن عبد
الواحد وكنّاه أبا الرباح، وخالف في اسم ابن رافع فسمّاه عبد الرحمن ورواه
حرمي بن عمارة عن عبد الواحد هذا، فقال عبد الواحد بن منيع: مخالف في(1/999)
نسبه، وهذا حديث ضعيف الإسناد من جهة عبد الواحد هذا؛ لأنه لم يرو
عن ابن رافع غيره، وقد اختلف في اسم بن رافع هذا ولا يصح الحديث عن
رافع ولا عن غيره من الصحابة، والصحيح عن رافع وعن غير واحد من
الصحابة ضدّ هذا، وهو التعجيل بصلاة العصر والتبكير بها، وقال الترمذي:
يروى عن رافع عن النبي في تأخيره العصر/ولا يصح، وكذا قاله أبو محمد
الإشبيلي انتهى. قال ابن القطّان عليه: أبو الرباح فإنّه مجهول الحال مختلف
في حديثه، وقال الجوزقاني: هذا حديث منكر ضعيف الإسناد ولا يصح عن
رافع ولا عن غيره من الصحابة، وفيما قاله الدارقطني نظر، من حيث جعل
تسمية أبي عبد الواحد اختلافا؛ لأن موسى لم يسمه وسمّاه غيرها والنظر
الثّاني: تفرّد الراوي بالرواية عن شخص ليست مؤثرة في الصحة وعدمهما،
وإنما يأتي ذلك بالنظر إلى حالة الراوي، إن كان ثقة صح حديثه وإّلا فلا،
وعبد الواحد هذا اختلف في اسم أبيه فقيل: نافع، وقيل: منيع ذكر ذلك ابن
أبي حاتم وأبو حاتم البستي في كتاب الثقات وفيما قاله نظر؛ لأنه ذكره أيضا
في كتاب الضعفاء بأنه يروى عن أهل الحجاز المعلومات، وأهل الشام
الموضوعات لا يحل ذكره في الكتب إّلا على سبيل القدح فيه، ومن رمى
ببعض هذا خاسر الثقة ومثبت على رسل وأما قول البخاري فيه: وذكره في
الأوسط لم يتبيّن (1) أمره فلولا اضطراب كلام البستي لحكمنا بصحة إسناد
الحديث؛ لأنه ممن روى عنه جماعة ووثق، النظر الثالث: قوله لم يرو عنه غير
عبد الواحد مردود بما ذكره ابن حبان في كتاب الثقات روى عنه عبد
العزيز بن عقبة بن مسلم، ومات سنة إحدى عشرة ومائة وهو ابن خمس
وثمانين سنة زاد العراب يكنى: أبا محمد، وقال ابن جرير في سنة إحدى
ومائة: زاد ابن قانع ويقال: سنة اثنين ومائة وكنيته أبو الفضل، وجزم أبو
جعفر في كتاب التعريف يصحح التاريخ بهذين وإن كان عبد الرحمن فهو
أيضا من الثقات فلا يضر إذا كان هو أو نحوه، النظر الرابع: قوله: ولا يصح
عن أحد من الصحابة مردود؛ لما ذكره/الحاكم ثنا أحمد بن بابونة ثنا
محمد بن شاذان الجوهري ثنا المعلى بن منصور ثنا عبد الرحمن ابن سليمان
__________
(1) قوله: " يتبين " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.(1/1000)
ثنا أبو إسحاق الشيباني عن العباس بن ذريح عن زياد بن عبد الله النخعي
قال: كنّا جلوساً مع علي- رضي الله عنه- في المسجد الأعظم فجاء المؤذن
والكوفة يومئذ رصاص، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين العصر، فقال: اجلس
فجلس، ثم عاد فقال: ذلك فقال علي: هنا الكلب يعلمنا بالسنة فقام علي
فصلى بنا العصر ثم انصرفنا، فرجعنا إلى المكان الذي كنا به جلوسا فجثونا
للركب لنزول الشمس بالمغرب نرى أن هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه بعد احتجاجهما برواته، انتهى كلامه وفيه نظر من حينَ إن زياد
وابن ذريح المنفرد عنه بالرواية والعلى لم يحتجا. ولا أحدهما بواحد منهم
ومع ذلك فهم ثقات، والنخعي- وإن قال فيه الدارقطني وأبو الحسن بن
القطان: مجهول- فقد وثقة أبو حاتم ابن حبان فلو قال: صحيح الإسناد
وسكت لكان صواباً، وفي مسند ابن أبي شيبة أنّ عليَا كان يؤخر العَصر،
وما أسلفناه من عند أبي عيسى أن علي بن حجر أنبأ ابن علية عن أيوب عن
أبي مليكة عن أم سلمة:" أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أشد تعجيلا
للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه " (1) .
وما في الصحيح: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار،
ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر وفيه فيقولون: تركناهم وهم يصلون
وأتيناهم وهم يصلون (2) وهو يدل على فعل العصر آخر الوقت حتى تخرج
الملائكة وهم يصلون، ومفهوم حديث بريدة المتقدّم: " بكروا بالصلاة في
يوم الفتح وعدم التبكير في الصحو " وهذا المفهوم حجّة عند الشّافعي/463/ب - رحمه الله تعالى- وبما ذكره عبد الرزاق وإن كان منقطعَا، فأنه لا بأس
بالحجة به عند أبي حنيفة، قال سليمان بن موسى: نبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:" صلوا صلاة العصر بقدر ما يسير الراكب إلى ذي الحليفة ستة
__________
(1) تقدم. ورواه الترمذي في: أبواب الصلاة، 7- باب ما جاء في تأخير صلاة العصر، (ح/161) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المواقيت، باب " 16 "،، والتوحيد، باب " 33،23 ") ومسلم في (المساجد، ح/210) والنسائي في (الصلاة، باب " 2 ") ومالك في (السفر ح/82) (أحمد (2/275، 312، 486) .(1/1001)
أميال " (1) وبما في صحيح مسلم (2) عن عمارة بن رقبة سمعت النبي عليه
الصلاة والسلام: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع وقبل غروب يعني: الفجر والعصر"، بما سلف من حديث ابن عمرو وغيره وكلها صحاح، وما روى
مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا العصر إلى
اشتباك النجوم " (3) قال ابن حزم: لم يسند إلا من طريق الصوت بن بهرام
يعني: القاملي قال فيه ابن معين وابن حبان: ثقة، وقال ابن عينية والبخاري
وأبو حاتم: صدوق، وقال البزار: مشهور، وقال الدارقطني: لا بأس به، وصحح
الحاكم حديثه في مستدركه، وقد ذكره وهو صحيحا عن الحسن وابن سيرين
وأبي قلابة أنهم كانوا يمسون بالعصر، ومن حديث ابن شبرمة قال محمد بن
الحنفية. إنّما سميت بالعصر لتعصر، ومن حديث مصعب بن محمد عن رجل
قال: أخر طاوس العصر جدًا، فقيل له في ذلك فقال: إنّما سميت العصر،
ومن حدثنا وكيع ثنا إسرائيل وعلي بن صالح عن أبي إسحاق عن عبد
الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يؤخر العصر، قال ابن المنذر: وروى ذلك
عن أبي هريرة وابن شبرمة، وذكر أبو جعفر الطحاوي أنّ الصحابة أجمعت
على ذلك، واستدلّ أبو زيد الدبوسي في كتاب الأسرار لأبي حنيفة بقوله صلى الله عليه وسلم
: " مثلكم ومثل الأم من قبلكم كمثل رجل استأجر أجرا وفيه ثم قال:
[1/464] من يعمل إلي من العصر إلى/المغرب بقيراطين فعملتم أنتم فلستم أقلّ عملا وأكثر أجرًا " (4) فضرب قصر المدّة لقلّة العمل مثلًا قال: فجاء من هذا لأن
مدّة العصر أقصر، وإّنما تكون أقصر إذا كان الجواب كما قاله أبو حنيفة رحمه
الله تعالى، وبما رواه أبو داود (5) عن محمد بن عبد الرحمن العنبري عن
__________
(1) صحيح. رواه عبد الرزاق: (2073) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/214) .
(3) إسناده حسن. رواه أبو داود (418) وا بن ماجه (ح/689) وأحمد (4/147) والحاكم (1/190)
والبيهقي (1/370، 448) الطبراني (4/218) والمشكاة (609، 610) والمنثور (1/300) .
قوله: 5" حين تشتبك النجوم " اشتباك النجوم: هو أن يظهر الكثير منها فيختلط بعضها ببعض من الكثرة.
(4) بنحوه. رواه أحمد (2/6) وابن كثير في " التفسير "، (8/58) .
(5) حسن. رواه أبو داود (ح/408) .(1/1002)
إبراهيم بن أبي الوزير عن محمد بن يزيد السمامي عن يزيد بن عبد الرحمن عن علي بن شيبان عن أبيه عن جدّه قال: " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر مادامت الشمس بيضاء نقية "، وأمّا آخر وقت العصر فقاله أكثر العلماء: غروب الشمس، وقال الحسن بن زياد لغير الشمس إلى الصفرة في ما قال الإصطخري: إذا صار ظلّ كل شيء مثله خرج وقت العصر، وزعم الثوري أنّ العصر خمسة أوقات فضيلة واختيار، وجواز بلا كراهة، وجواز مع كراهة ووقت عذر، وفي المرغيناني والتأخير إلى تغير القرص مكروه، والفعل فيه ليس بمكروه، وأمّا الفائ فما كان بالعشي، وأمّا الظلّ فهو للشجرة وغيرها بالغداة قال الشّاعر يعني حميد بن ثور الهلالي:
فلا الظل من برد الضحى يستطعه ... ولا الفئ من برد العشي يذوق
وقال يعقوب: الفاء ما نسخ الشمس، وذكر أبو علي القالي: أنّ أبا بكر بن حبيب السهمي كان فصيحا فبينا هو قاعد في ظل قصر أوغدوة قال رجل: ما أطيب هذا الفيء، فقال بكر: ليس هذا بفيء إنّما الفئ بالعشي، وبنحوه قاله ابن دريد في الجمهرة زاد لأن الفئ زاد فنسخ الشمس، وقال ثعلب واحترت عن أبي عبيدة، قال رؤبة بن العجاج: كلما كانت عليه الشّمس فزالت فهو فيء وظل، وما لم يكن عليه شمس فهو ظل قال الليل، أمّا حكاية/عن رؤبة فقدر علي أنّ كل ما طلعت عليه الشمس ثم زالت عنه [464/ب] ، وسُمّى ظلا وفيئا ويسمى الظل قبل نصف النهار على هذا فيئا. لأن الشمس تطلع عليه ثم تزول عنه وما لم تطلع عليه الشمس نحو ظل الليل وظل الشجر وما تحت سقف ظل وليس يفئ لأنّ الشمس لا تطلع عليه ومن هذا ظل الجنة. لأنه ظل لا تطلع عليه الشمس، وقد جعل بعضهم فيئا غير أنه قيّده بالظّل قال النابغة الجعدي يصف حال أهل الجنة: فسلام الإله يغدو عليهم، وفي الفردوس: فإنّ الظلال والمغيوة والمغيية موضع الفيء، قابل ابن سيدة في المخصص والجمع: أفيأ وضيف، وأنشد العمري، لأنّ البيت أكرم أهله وأقعد في أفيائه بالأصائل، وقال ابن قتيبة: والفيء لا يكون إلا بعد الزوال ولا يقال لما كان قبله فيء، وإنّما سُمّي بالعشي فيأ. لأنه ظلّ فاء عن جانب إلى جانب أي رجع من جانب إلى جانب المشرق، والفئ هو الرجوع، قال الله تبارك(1/1003)
وتعالى: {حتى تفيء إلى أمر الله} (1) وفي شرح أدب الكتاب لأبي جعفر
أحمد بن داود الساعي عن ابن كيسان المعروف أنّ الفيء والظل واحد، وأمّا
العصر فيراد به الغدو والعشي سميت الصلاة بذلك، قال القزاز: لأنها تصلى
في أحدهما وهو آخر النهار وهم يقولون: صلاة العصر والعصر محركَا، وأمّا
العصر الذي هو الدهر فمثلث عَصر وعُصر وعِصر، ومن العصر الذي هو
العشي قول الشاعر البيت بناة وأفرعها والعناص عصرَا وقدرنا الأمل، والعرب
تسمى الليل والنهار عصرين قال الشّاعر: وأمطره العصرين حتى يملني ويرضى
بنصف الدّين والأنف راغم، وفي الصحاح قال: الكسائي يقال جاء فلان
[1/465] عصرَا أي:/بطيئَا حكاه عنه أبو عبيد رحمه الله تعالى.
__________
(1) سقط لفظ الجلالة من هذه الآية الكريمة، وكذا أثبتناه.(1/1004)
105- باب المحافظة على صلاة العصر
حدثنا أحمد بن عبدة، أنبا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علي- رضى الله تعالى عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: " ملأ لله بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى". هذا حديث خرجاه في الصحيح (1) بلفظ: " شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا "، أو قال قبورهم وقلوبهم، وفي لفظ آخر: " لما جلسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" وفي لفظ مسلم (2) : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء "، وفي حديث زان عن علي: " أوّل صلاة ركعنا فيها العصر. فقلت يا رسول الله: ما هذا؟ قال: بهذا أمرت " قال الطبراني (3) لم يروه عن أبي الحجان عن أبي عبد الرحيم الرمي عنه إلا سليمان بن كرم تفرد به حسين بن محمد المروزي، ولفظ عبد الله بن أحمد
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (4/52، 5/141،8/105) ومسلم في (المساجد، ح/202، 205، 206) ، وأحمد (1/82،113) ، والدارمي (1/280) ، والبيهقي (2/220) ، والطبراني (11/384) ، وابن خزيمة (1336) ، وابن حبان (270) ، وابن سعد (1/2/51) ، والكنز (2193، 2990) ، وأذكار (272) ، والخطيب (3/210، 14/66) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب " 6 " رقم 202، 205، 206) ، والطبراني (11/384) ، والتمهيد (4/288، 290، 291) وأبو عوانة (1/355) ، وابن أبي شيبة (2/503) ، والفتح (8/195) ، وعبد الرزاق (2192) ، والبغوي (1/245) ، والمنثور (1/303، 304) ، والكنز (4283، 4285، 2903) ، وابن خزيمة (1337) ، وشرح السنة (2/23) وزاد المسير (1/282، 9/190) ، والحلية (4/165، 5/35) والكشاف (21) ، وبداية (7/86) ، والطبري (2/344) ، وابن كثير (1/429) والقرطبي (3/213) ، وابن عساكر في " التاريخ " (1/430) .
(3) إسناده ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (1/293) وعزاه إلى " البزار"، والطبراني في " الأوسط "، وفيه أبو عبد الرحيم، فإن كان هو خالد بن يزيد فهو ثقة من رجال الصحيح، ولم أجد أبو عبد الرحيم في رجال الكتب غيره، ولم أجد أبو عبد الرحيم في الميزان، وهو مجهول.(1/1005)
فيما زاده في المسند عن أبي إسحاق الترمذي: ثنا الأشجعي عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبيدة عن علي قال: " كنا نراها الفجر، فقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: هي صلاة العصر يعني الصلاة الوسطى " (1) . ورواه السراج في مسنده عن هناد، وغيره لا وكيع عن سفيان بلفظ: أن زراً قال لعبيدة: سئل عليَا عن الصلاة الوسطى، فقال: " وكنّا نراها الصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر" (2) 0 الحديث، [465/ب] ورواه الدارقطني عن أبي عبيد محمد بن سعيد بن غالب العطار أنبا محمد بن/كثير الكوفي ثنا ًالأصلح عن عبد الله عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، قال: " أربع حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطى هي العصر، وأنّ الحج الأًكبر يوم النحر، وأنّ أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأنّ أدبار النجوم الركعتان قبل الفجر" (3) . وسئل ابن أبي حاتم أباه، عن حديث رواه شعبة عن قتادة عن أبو حسان عن عبيدة عن علي في الصلاة الوسطى، قال أبي: ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن رجل عن علي، قال أبي: الصحيح حديث شعبة، وحماد لم يضبط. حدثنا هشام بن عمار وثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنّ رسول صلى الله عليه وسلم قال: " إٍن الذي تفوته
__________
(1) بنحوه. رواه أحمد (5/12، 13) ، وابن أبي شيبة (2/503، 506) ، وابن خزيمة (1338) والكنز (4257، 4405) ، والمنثور (1/304، 6/332) ، والفتح (8/195) ، والطبري (2/344) ، والقرطبي (3/179، 210) ، وابن كثير (1/428، 430) .
(2) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب 36، رقم 202، 205، 206) ، (1/236) وأحمد (1/113، 122) ، والبيهقي (1/460، 490، 2/220) ، الطبري (11/384) ، والتمهيد (4/288، 290، 291) ، وأبو عوانة (1/355) وابن أبي شيبة (2/503) والفتح (8/195) وعبد الرزاق (2192) ، والبغوي (1/245) ، والمنثور (1/303، 304) ، والكنز (29903،4285،4283، 42990) ، وابن خزيمة (1337) ، وشرح السنة (2/233) ، والمسير (1/282، 9/190) ، وا لحلية (4/165، 5/35) ، وكشاف (21) ، وبداية (7/86) والطبري (2/344) ، وابن كثير (1/429) ، والقرطبي (1/213) ، وابن عساكر (1/430) .
(3) ضعيف. رواه أحمد (5/12، 13) ، وابن أبي شيبة (2/503، 506) ، وابن خزيمة (1338) ، وا لكنز (4257، 4405) ، وا لمنثور (1/403، 6/332) ، والفتح (8/195) ، والطبري (2/344) ، والقرطبي (3/179، 210) ، وابن كثير (1/428) ، قلت: في إسناده الحارث.(1/1006)
صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " (1) . هذا حديث خرجاه في الصحيح، زاد الكجي:" في سنة لعد وماله وهو قاعد "، رواه من جهة حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع، وأغفل الحافظ المنذري كونه مخرجًا عند النسائي من حديث سفيان آنفاً، ورواه الوليد عن الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال عليه السلام:" من فاتته صلاة العصر وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله". قاله أبو حاتم في كتاب العلل من قبل نافع، حدّثنا حفص بن عمر وثنا عبد الرحمن بن مهدى وثنا يحيى بن حليم ثنا يزيد بن هارون قالا: ثني محمد بن طلحة عن زيد عن عروة عن عبد الله، قال:" حبس المشركون النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة العصر حتى غابت الشمس، فقال: حبسونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا ". هذا حديث أخرجه مسلم (2) - رحمه الله تعالى- في صحيحه، ولفظ أبي داود/الطيالسي والسراج في مسنده عن [1/466] محمد بن طلحة عن زيد، قال عليه السلام:" صلاة الوسطى صلاة العصر "، وقال الترمذي (3) " خرجه: حسن صحيح، وفي الباب أحاديث منها حديث أبي يونس مولى عائشة قال: " أمرتني عائشة إذا كتب لها مصحفا، وقالت:
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في (المواقيت، باب" 14 "، ورواه مسلم في المساجد، ح/201) ، والنسائي (1/238) ، وا بن ماجه (ح/684) ، وأحمد (2/54، 13، 145) ، والدارمي، (1/280) ، والبيهقي (1/445) ، وابن عدي (7/2647) . ومشكل (2/12) ، وابن أبي شيبة (1/342) .
غريبة: قوله: " وتر أهله وماله! على بناء المفعول ونصب الأهل والمال أو رفعها. قيل النصب هو المشهور، وعليه الجمهور. وهو مبني على أن " وتر" بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين. والرفع على أنه بمعنى أخذ. فيكون " أهله "، هو نائب الفعل.
(2) صحيح. متفق عليه رواه مسلم في (المساجد، ح/206) ، والبخاري (6/37) وأبو داود (409) ، وابن ماجه (687، 686) ، وأحمد (1/392) ، والتمهيد (4/289) ، والمشكاة (633) وابن أبي شيبة (42،14) ، وأبو عوانة (1/356) .
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/181، 2983،182، 2985) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (5/22) ، والبيهقي (1/460) ، والمجمع (1/309) ، والفتح (8/195) ، والمنثور (1/303) ، والمشكاة (634) ، والطبراني (7/242) ، وشرح السنة (2/234) ، والكنز (19383) ، وابن كثير (1/430، 431) ، ومعاني (1/174) ، وأصفهان (2/150) ، والخفاء (2/38)(1/1007)
إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى. قال:
فلمّا بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ،
وفي كتاب المصاحف لابن أبي داود عن أحمد بن خباب نا مكي نا ابن لهيعة
عن أبي هريرة: قبيصة بن ذؤيب قال في مصحف عائشة: " حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر " (2) ، وفي كتاب ابن حزم روينا من
طريق ابن مهدى عن أبي سهل محمد بن عمرو الأنصاري عن القاسم عنها
فذكره بغير واو، وقال أبو محمد: فهذه أصح رواية عن عائشة، وأبو سهل
ثقة، وفي هذا ردّ لما قاله أبو عمر لم يختلف في حديث عائشة في ثبوت
الواو، وعلى تقدير صحته يجاب عنه بأشياء، منها: أنه من أفراد مسلم،
وحديث علي متفق عليه، الثاني: أنه من أثبت الواو امرأة ويسقطها جماعة
كثيرة، الثالث: موافقة مذهبها لسقوط الواو، الرابع: مخالفة الواو للتلاوة،
وحديث علي موافق، الخامس: حديث علي يمكن (3) فيه الجمع، وحديثهما لا
يمكن فيه الجمع إلا بترك غيره. السادس: معارضة روايتها برواية زبير الأتي
بعد، السابع: أن تكون الواو زائدة كما زيدت عند بعضهم في قوله تعالى: {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون} " (4) . وفي
قوله: {وكذلك نصرّف/الآيات وليقولوا درست} (5) . وفي قوله: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (6) . وفي قوله: {إنّ الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله} (7) ، وفي قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون
الفرقان وضياءً} (8) . وقال الأخفش! في قوله تعالى: {وحتى إذا جاؤوا
وفتحت أبوابها} . أنّ الجواب فتحت، وفيه قول جيّدح:
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/207) .
(2) الحاشية السابقة.
(3) قوله: يمكن غير واضحة) بالأصل وكذا أثبتناه.
(4) سورة الأنعام آية: 75. (5) السورة السابقة آية: 105.
(6) سورة الأحزاب آية: 40. (7) سورة الحج آية: 25.
(8) سورة الأنبياء آية: 48. (9) سورة الزمر آية: 73.(1/1008)
فلما أخرنا ساحة الحي وانتحى ... بنا ببطن خفيف ذى وكام عقيقل
وزعم بعض محققي النحاة: أنّ العطف هنا من باب التخصيص والتفضيل والتنزيه كقوله تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} (1) . وكقوله: {فيهما فاكهة ونخل رمان} (2) . وكقوله تّعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوحِ إبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} (3) . فإن قيل قد حصل التخصيص فَيَ العطف، وهو قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} (4) فوجب أن يكون العطف الثاني، وهو قوله: {وصلاة العصر} مغايرا له فيجاب بأِنّ العطف الأوّل كما قلتم، والثَّاني: للتأكيد، والبيان لما اختلف اللفظان كما تقول: جاءني زيد الكريم والعاقل، فيعطف! إحدى الصفتين على الأخرى، والله تعالى أعلم، وفي كتاب مسلم) ْ (5) من حديث شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: " نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، قال رجل كان جالسا عند شقيق له: هي إذًا صلاة العصر فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله تعالى أعلم " قال مسلَم: ورواه الأشجعي عن الثوري عن الأسود بن قيس عن شقيق عن البراء قال: قرأناها مع النبي صلى الله عليه وسلم زمانا بمثل/حديث فضيل بن مرزوق. يعني المذكور، وفي المركبات نا ابن عبدوس نا عثمان بن سعيد نا إبراهيم بن أبي الليث نا الأشجعي ولفظه: وقرأناها مع النبي- عليه الصلاة والسلام- أيامًا: حافظوا على الصلوات وصلاة العصر، ثم قرأنا: حافظوا على الصلوات وصلاة الوسطى فلا أدرى أهي هي أم لا. قال
__________
(1) سورة البقرة آية: 98.
(2) سورة الرحمن آية: 68.
(3) سورة الأحزاب آية: 7
(4) سورة البقرة آية: 238.
(5) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/208) .(1/1009)
الشيخ المجيد: وهو دليل على كونها العصر لأنه خصها وقص عليها في الأمر بالمحافظة، ثم جاء الناسخ في التلاوة متيقّنا، وهو في المعنى مشكوك فيه فيستحبّ التيقّن السابق، وهكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم أمر فواتها تخصيصًا، وحديث الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أرض قال:
في الصلاة الوسطى صلاة العصر " (1) . رواه أبو عيسى، وقال قال محمد:
قال علي بن المدينْي: حديث الحسن عن سمرة صحيح، وقد سمع منه، قال
الترمذي: وحديث سمرة في الصلاة الوسطى حديث حسن كذا رأيته في علله
من نسخة، وحكى الشيخ المجيد عنه أنه قال: حسن صحيح والله تعالى أعلم،
ولفظ الإِمام أحمد في مسنده (2) : " صلاة الوسطى صلاة العصر"، وفي لفظ
له أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة الوسطى؟ قال: هي العصر وفي آخري أن
النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسمّاها لنا
أنها هي صلاة العصر " (3) . ولفظ أبي نعيم في كتاب الصحابة أنه قال في:
" صلاة الوسطى هي صلاة العصر "، وبشدة ما خرجه الحاكم في كتابه عن
أحمد بن زياد ثنا عبد الله بن أيوب ثنا مروان بن جعفر عن محمد بن إبراهيم بن حبيب عن جعفر بن سعيد عن حبيب/بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة، قال: وهذه وصية سمرة إلى بنيه فذكرها إلى
أن قال، أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا فذكر أموراً منها، وأمرنا أن
نحافظ على الصلوات كلّهن، وأوصانا بالصلاة الوسطى، ونبأنا أنها صلاة
__________
(1) تقدم: في الحاشية رقم" 2 " (ص 413) .
(2) صحيح. رواه أحمد (5/22) ، والترمذي (ح/181، 182، 2983، 2985) ، وصححه. والبيهقي (1/460) ، والمجمع (1/309) ، وا لفتح (8/195) ، والمنثور (1/303) ، والمشكاة (634) ، والطبراني (7/242) ، وشرح السنة (2/234) ، ومعاني (1/174) ، وأصفهان (2/150) ، والخفاء (2/38) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/410) وأحمد (5/8، 6/73) ، والطبراني (5/131) ، والمنثور (1/295) ، والكنز (19066) ، والتمهيد (4/273، 2011،282) وابن حبان (282) .(1/1010)
العصر، ثم قال: هذه وصية حسنة جامعة من سمرة إلى بنيه، رواها بعضهم عن بعض، واعترض أبو الحسن بن القطّان على هذا الإِسناد وبجهالة رواته، وقد بيّنا في غير موضع أنّ الأمر ليس كما قال وأنهم معروفون، وأمّا احتجاج الترمذي على سماع الحسن بن سمرة بحديث قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال: فإنّ محمد بن سيرين سأل الحسن ممّن سمع حديث العقيقة، فقال: من سمرة وهو وإنْ كان في صحيح البخاري فقد خالفه في ذلك الله، وقد ذكر في كتاب المراسيل من تأليفه: الحسن عن سمرة ليس بصحاح إلا من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن عن سمرة حديثا يقول فيه سمعت سمرة إلا حديثاً واحدًا وهو حديث العقيقة، ولم يثبت، رواه قريش بن أنس ولم يروه غيره وهو وهم انتهى كلامه، وفيه نظر: من حيث، أنّ أبا حرّة رواه عن الحسن كذلك ذكره أبو القاسم في الكبير عن سالم بن سهل ثنا طاليس بن محمد بن السكن ثنا حفص بن عمر البخاري عنه، وحديث حفصة أم المؤمنين- رضي الله عنها- ذكره أبو عمر في التمهيد بسند صحيح، وقال في الاستذكار: اختلف في وقفه وفي ثبوت الواو فيه: أنها أمرت كاتبها فكتب مصحفًا فإذا بلغ هذه الآية يستأذنها فلمّا بلغها أمرته يكتب: " حافظوا على الصلاة الوسطى وصلاة العصر "، ورفعه/إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، وقال: ورواه هشام عن جعفر بن إياس عن رجل حدّثه عن سالم عنها، ولم يثبت الواو قال: والصلاة الوسطى صلاة العصر، وحديث أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر المخمص. وقال: " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين ". نبأ به الإِمام العلامة القدوة موسى بن علي بن يوسف القطبي الحنفي رحمه الله تعالى قرأه عليه، وأنا أسمع أنا مسند وقته عبد اللطيف ابن القسطل عن أبي الحسن الجمال أنا أبو الحسن بن أحمد أنبأ الحافظ أحمد بن عبد الله
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: صلاة المسافرين، (ح/292) . قوله: 5 بالمخمص"، قال النووي: هر موضع معروف.(1/1011)
ثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث ابن أبي أسامة لنا قتيبة نا ليث عن خير بن نعيم عن أبي هريرة عن أدي تميم الجيشاني عنه، ورواه مسلم (1) عن قتيبة على الموافقة كما روايته، ورواه أيضا عنه زهير عن يعقوب في صحيحه عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن خير، فنزل ثلاث درجات، وكأني من طريق زهير سمعته من أبي عبد الله الفراوي رحمه الله تعالى، وبن وفاته ومولدي مائة وتسعة وخمسون سنة ولله الحمد على ذلك، وإذا راويه بالإجازة فكأني سمعته من عبد الغافر الفارسي وبين وفاتيهما اثنتان وثمانون سنة، وحديث حذيفة بن اليمان المذكور عن الطبري في ذكر الصلاة الوسطى بسند صحيح عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: شغلونا عن صلاة العصر، ولم يصلها/يومئذ حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم وقلوبهم ناراً (1) . وحديث ابن عباس المذكور عند أبي القاسم بن مطير عن محمد بن عبد الله الحضرمي نا محمد بن عمران ابن أبي ليلى نا أبي ليلى عن الحكم بن مقسم وسعيد بن جبير عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: (شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قلوبهم وأجوافهم ناراً " (2) ، وزاد في الأوسطي "اللهم من شغلنا عن الصلاة الوسطى" (3) ، وكان قد نظر
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في والمساجد، والنسائي، وأحمد، والبيهقي، والطبراني، والتمهيد وأبو عوانة (1/355) ، وابن ألف شيبة (2/503) ، والفتح (8/195) ، وعبد الرزاق (2192) ، والبلوى (1/245) ، والمنثور، وابن خزيمة (1337) ، وشرح السنة، والمسير (1/282، 9/190) ، والحلية (4/165، 5/35) ، وكشاف (21) ، وبداية، والطبري، وابن كثير، والقرطبي، وابن عساكر في التاريخ، (1/430) .
(2) الحاشية السابقة.
(3) صحيح. رواه الطبراني وابن عدي فيه "الكامل" والجوامع (9898) والكنز (9901) .(1/1012)
وإذا صلاة العصر، فصلى فلمّا فرغ قال الحديث، ثم رواه عن أحمد بن عمرو القطراني نا عبد الوارث بن غياث نا أبو عوانة عن هلال بن حباب عن عكرمة عنه، ورواه ابن حزم مصححَا له موقوفا على ابن عباس: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر". بلا داود في روايته لأحمد قال: قائل النبي صلى الله عليه وسلم عدوا فلم تفرغ منهم حتى آخر العصر عن وقتها فلمّا رأى ذلك قال: "اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى أملأ بيوتهم نارَا وقبورهم نارَا لم" (1) . وفي تفسير الطبري نا علي بن مسلم الطوسي ثنا عباد بن العوام عن هلال بن حباب عن عكرمة عنه قال: خرج النبي- صلي الله عليه وسلم - في غزاة له فحبسه المشركون عن صلاة العصر، حتى مسي بها، فقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "اللهم املأ بيوتهم وأجوافهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى" (2) . وفي لفظ، قال النبي- عليه الصلاة والسلام- يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" (3) . وفي كتاب المصاحف لابن أبي داود عن أبي إسحاق: سمع عبيد بن مريم سمع ابن عباس قراءة هذا/الحرف: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر"، وفي كتاب ابن حزم من هذه الطريق بغير واو ثم قال: كذا قاله وكيع، وحديث ابن عمر المذكور عند عبد الله محمد بن يحيي بن مسندة الأصبهاني عن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم نا أبي يعقوب القمي عن عنبسة بن سعيد الداري عن أبي ليلى وليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الموتور أهله وماله من وتر صلاة الوسطى في جماعة وهى صلاة العصر" (4) .
__________
(1) صحيح. المنثور (1/304) ، والكنز (29902) ، والجوامع (9967) ، وبداية (4/109) ، والمجمع، وعزاه إلى " أحمد"، والطبري في "الكبير" و"ألأوسط" ورجاله موثقون.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في والجهاد، باب الدَعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ومسلم في "المساجد" (ح/202) والترمذي (ح/2984) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (1/135) والتمهيد (4/290) .
(3) تقدم ص 1012.
(4) ضعيف. الدر المنثور: قلت: في إسناده ابن أبي ليلى.(1/1013)
وفي تفسير أبي جعفر ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم نا أبي وشعيب بن الليث عن الليث عن- يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يرى صلاة العصر فضيلة للذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ويروى أنها الصلاة الوسطى، وكذا قاله ابن شهاب عنه، وقد تقدّم طرف منه قبل وسيأتي عنه خلافه، وحديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلاة الوسطى صلاة العصر". ذكره ابن خزيمة (1) وفي صحيحة وأبو جعفر عن أحمد بن منيع نا عبد الوهاب بن عطاء عن أبي صالح عنه، وحديث أبي هاشم بن عتبة رواه الطبري عن المثنى نا سليمان بن أحمد الواسطي ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني صدقة بن خالد نا خالد بن دهقان عن خالد بن صلام عن كهيل بن حرملة، قال سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى؟ فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن نفعنا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال: ثنا أعلم لكم ذلك، فقام فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل ثم خرج أخبرنا أنها صلاة العصر، ولما ذكر أبو موسي في كتاب الصحابة أبا هاشم هذا، قال عن عبدان له حديثان حسنان وواحد منكر انتهى، يشبه أن يكون الحديث المنكر قوله: " أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على شاربه. وقال: لا تأخذه حتى تلقاني فتوفي النبي عليه السلام قبل أن يقدم من سرية، فكان يقول لا آخذه حتى ألقاه والله تعالى أعلم"، وحديث أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس " (2) . قال أبو جعفر: ثنا به ابن المثنى عن ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن شهير بن شكل عنها، وحديث رجل من الصحابة قال: أرسلني أبو بكر وعمر
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (1338) ، وأحمد، وابن أبي شيبة والكنز (4257، 4405) ، والمنثور، والفتح (8/195) ، والطبري (2/344) ، والقرطبي (3/179، 210) ، وابن كثير.
(2) تقوم ص 1012.(1/1014)
وأنا غلام صغير إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الصلاة الوسطى؟ فأخذ إصبعي الصغيرة فقال:) هذا الفجر وقبض التي تليها فقال: هذا الظهر ثم قبض الإِبهام فقال: هذه المغرب، ثم قبض التي تليها، فقال: هذه العشاء ثم قال: أي أصابعك بقيت فقلت: الوسطي، فقال: أي الصلاة بقيت؟ قلت: العصر قال هي العصر " (1) . رواه أبو جعفر عن أحمد بن إسحاق ثنا أبو أحمد ثنا عبد السلام مولى أبي نصير، حدثنى إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بن مروان، فقال: يا فلان اذهب إلى فلان، فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى، فقال: رجل جالس أرسلني فذكره، وحديث أبي مليكَ الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصلاة الوسطى صلاة العصر" (2) . قال أبو جعفر: حدثني/محمد بن عوف الطائي، ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثنى خصم بن زرعة عن شريح بن عبيد عنه، وحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب يكتب لها مصحفًا: "إذا كتبت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فاكتبها العصر" (3) . أنبأ به العلامة أبو محمد البصري أنبأ الإمام شمس الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم، قال: ثنا داود بن ملاعبة أنبأَ القاضي أبو الفضل محمد بن عمر الأرموي أنبأ أبو جعفر بن المسلمة أنبأ أبو عمر وعثمان الآدمي ثنا الإِمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا سعد بن الصلت ثنا عمرو بن ميمون بن مهران الحرزي عن أبيه، قال: قالت: أم سلمة فذكره، وذكر ابن حزم من طريق وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة بغير واو في كتاب المصاحف، ذكره أيضًا بلفظ حديث عائشة وحفصة، عن عبد الله بن رافع أيضا، وحديث أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علي دال: " شغلونا عن صلاة العصر التي غفل عنها سليمان بن داود عليه السلام حتى
__________
(1) صحيح. رواه ابن كثير.
(2، 3) تقوم بنحوه. في صحيح مسلم: المساجد صح/207) .(1/1015)
توارت بالحجاب اشعل الله قلوبهم وبيوتهم وقبورهم نارا " (1) ، وفي لفظ قال عليه السلام: ومن ضيع وقت العصر فكأنما وتر أهله وماله " (2) ، وفي لفظ:
" فقد برئت منه الذمّة" ذكره إسماعيل بن أبي زياد الشامي في تفسيره أنبأ أبان عن أنس به، وفي تفسير النقاشي: عندما اختلفوا يعني الصحابة في شيء
ما اختلفوا في الصلاة الوسطى وشبّك بين أصابعه، وفي كتاب ابن حزم من طريق إسماعيل بن إسحاق عن محمد بن أبي بكر عن محبوب أبي جعفر عن
الحذاء عن أبي قلابة في قراءة أبى بن كعب: " صلاة الوسطى صلاة، العصر " (3) . قال: وليست/هذه الرواية بدون تلك يعني فيها الواو فقد اختلف على أبي بن كعب أيضا، ومرسل الحسن قال: قال عليه الصلاة والسلام:
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" (4) . وهي العصر، رواه أبو جعفر عن يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية عن يونس عنه مرسل الربيع، قال: "ذكر
لنا أنّ المشركين شغلوهم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى غابت الشّمس"، فقال أبو جعفر: حدثنا عن عمّار بن الحسن ثنا ابن أبي جعفر عن أبيه عن
الربيع فذكره، وبه قال أبو هريرة وابن عمر بن الخطاب وعائشة وعليّ بن أبي طالب وأمّ سلمة وابن عباس وأبي بن كعب، وروى أيضا عن أبي أيوب الأنصاري ويونس والحسن بن أبي الحسن وقتادة والزهري وعبيدة السلماني وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأحمد والشّافعي وأصحابهم، فيما
__________
(1) تقدّم بنحوه: حاشية رقم (1)) ص 428) .
(2) رواه ابن ماجة في: 2- كتاب الصلاة، 6- باب المحافظة على صلاة العصر، (ح/685) . وفيه: " إن الذي تفوته، مكان " من ضاع وقت" وصححه الشيخ الألباني.
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/2985،2983،182،181) . وقال: هذا حديث حسن
صحيح. وأحمد (5/22) ، والبيهقي (1/460) ، والمجمع، وعزاه إلى " البزار"
ورجاله موثقون. والفتح (8/195) ، والمنثور (1/303) ، والمشكاة (634) ، والطبراني (7/
242) ، وشرح السنة (2/234) ، ومعاني (1/174) ، وأصفهان (2/150) ، والخفاء (2/38) .
(4) حسن. رواه أبو داود (ح/410) ، وأحمد والطبراني (5/131) ، والمنثور (1/295) والكنز (19066) والتمهيد (4/273، 2011، 282) وابن حبان (282) .(1/1016)
حكاه بن عبد البر وعبد الله بن عباس على اختلاف وداود وجميع أصحابهم، وهو قول إسحاق بن راهوية ومشهور أهل الحديث، قال ابن حزم: ولا يصح عن علي ولا عن عائشة غير هذا أصلا، وزاد ابن المنذر وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري والضحاك بن مزاحم والسائب بن يزيد، ذكره المحاملي في أماليه، وابن مسعود وابن عمر وسمرة والنخعي وعبيد بن مريم وزر بن حبيش ومحمد ابن سيرين وسعيد بن جبير ومحمد بن السائب الكلبي ومقاتل وتلي:) والعصر إنّ الإِنسان لفي خسر (. ذكره الطبري والثعلبي، قال أبو الحسن الماوردي: وهو مذهب جمهور التابعين، وقال أبو عمر والبغوي: وهو قول أكثر أهل الأثر، وفي كتاب ابن عطية: وعلى هذا القول جمهور الناس والله تعالى أعلم، وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك ما/تظاهرت به الأخبار أنها العصر، ومنهم من قال: هي صلاة الظهر جانحاً إلى حديث زيد بن ثابت قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلى صلاة أشدّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزلت: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وقال إنّ قبلها صلاتين وبعدها صلاتين". رواه أبو داود (1) من حديث شعبة عن عمرو بن أبي حكيم سمعت الزبرقان يحدّث عن عروة عنه، وقال البيهقي في المعرفة: إسناده مختلف فيه، وأبي ذلك ابن حزم فصحّح إسناده، ورواه أبو جعفر عن زكريا بن يحيي بن أبي زائدة نا عبد الصمد نا شعبة عن عمر بن سلمان عن عبد الرحمن ابن أبان عن أبيه عن زيد في حديث رفعه قال: " الصلاة الوسطى صلاة الظهر" (2) ، وأمّا قول الترمذي: أنّ في الباب يعني العصر حديث زيد بن ثابت ثم قال: وقال زيد بن ثابت وعائشة: هي الظهر ويشبه أن يكون وهما؟ لأنّ حديثه وفتياه أنها الظهر فقط ولم أرَ له غير ذلك والله تعالى أعلم، وحديث أسامة بن زيد روى
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح 411) وشرح السنة (23612) .
(2) صحيح. المشكاة (636) والمنثور (30211) .(1/1017)
الزبرقان عن ابن عمرو بن أمية: أن رهطا من قريش من بينهم زيد بن ثابت وهم مجتمعون، فأرسلوا أبيه غلامين منهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال:
هي الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: "هي الظهر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى الظهر بالهجر ولا يكون وراءه الصف والصفّان"
والنّاس في قائلتهم وفي تجارتهم فأنزل الله تعالى: " "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لينتهيّن رجال أو لأحرّق بيوتهم" رواه أحمد (1) ،/والزبرقان لم يلق أسامة، وحديث عبد الله بن عمر، قال الطبري: ثنا ابن البرقي أنبأ نافع بن زيد حدثنى الوليد بن أبي الوليد أن سلمة بن مرّة حدّثه أنّ نفرا من قريش أرسلوا إلى عبد الله بن عمر يسألونه عن الصلاة الوسطى، فقال له: هي التي على أثر الضحى، فقالوا
له: ارجع فسأله فما زادنا إّلا عيانها، فمر بهم عبد الرحمن بن أفلح مولى عبد الله بن عمر، فأرسلوه أبيه أيضا، فقال هي التي توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القبلة وزاد في الأوسط من حديث الوليد عن عبد الرحمن بن أفلح: أنّ نفرا من الصحابة أرسلوني إلى ابن عمر، فذكره وقال: لا يروى عن أفلح عن ابن عمر إّلا بهذا الإِسناد تفرد به موسى بن ربيعة الجمحي، وحديث أبي بن كعب المستنبط رفعه، وكذا الذي قبله ذكره ابن حزم، فقال: ثنا ابن بشار ثنا
عثمان بن عمر وثنا أبو عامر عن عبد الرحمن بن قيس عن ابن أبي رافع عن أبيه وكان مولى لحفصة، قال: استكتبتني حفصة مصحفَا، وقالت: إذا أتيت على هذه الآية فأعلمني حتى أملها عليك كما أقرؤها فلما أبيت على هذه الآية أنبأتها فقالت: اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
__________
(1) صحيح. رواه أحمد (3/369، 5/183، 206) ، والبيهقي (1/434، 449، 458) ، والمجمع (1/308) ، وعزاه إلى أحمد، ورجاله موثقون ألا ان الزبرقان لم يسمع من أسامة بن زيد ولا من زيد بن ثابت والله تعالى أعلم. والمنثور (1/301) ، والحاوي (1/181) ، والكنز (4267) ، وابن كثير، والقرطبي، والبخاري في والكبير، (3/434) ، ومعاني (1/184،167) .(1/1018)
العصر فلقيت أبي بن كعب وزيد بن ثابت، فقلت: يا أبا المنذر إنّ حفصة قالت: كذا وكذا، قال: هو كما قالت: أو ليس أشغل ما يكون عند صلاة الظهر في تواضحنا وغنمنا (1) "، وبه قال أبو سعيد الخدري وابن عمر على اختلاف عنهما فيما حكاه الطبراني وزيد بن ثابت، قال ابن عبد البرّ: وهو أصح ما روى عنه في ذلك، وبنحوه ذكر ابن حزم، وزاد ابن المنذر وعائشة في قول وعبد الله بن شدّاد وأسامة بن زيد وعروة بن الزبير، ويروى عن أبي حنيفة (2) /أيضَا، ومنهم من قال في صلاة المغرب رواه أبو جعفر من حديث إسحاق بن أبي قروة عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: "الصلاة الوسطى صلاة المغرب ". ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر لانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها، ولم يعجلها، قال أبو جعفر: وجه قوله أنه يريد التوسّط الذي هو يكون صفة للشيء الذي يكون على بين الأمرين كالرجل المعتدل القامة، ومنهم من قال: هي صلاة الغداة ورواه النسائي بين حديث جابر بن زيد عن ابن عباس قال:) أدلج النبي- عليه الصلاة والسلام- ثم عرّس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها، فلم يصلى حتى ارتفعت فصلى وهي صلاة الوسطى (3) ، وفي حديث صالح وأبي الخليل عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه قال: "صلاة الوسطى صلاة الفجر" (4) ، وعن أبي رجاء قال: صليت مع ابن عباس الغداة في مسجد البصرة فقنت بنا قبل الركوع، وقال: هذه الصلاة الوسطى قال الله تعالى: {وقوموا لله قانتين} فقنت وفي لفظ: صلى بنا ابن عباس الفجر فلما فرغ.
__________
(1) تقوم بنحوه. انظر صحيح مسلم: المساجد، (ح/207) .
(2) قوله: (حنيفة غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. رواه النسائي في: المواقيت، باب 55) 1/298-299) .
غريبة: قوله:) أدلج، بالتخفيف أي سار أول الليل. " وعرس " بالتشديد أي نزل آخره. (4) قلت: الذي أورده الألباني في "ضعيف" الجامع: ص 514 ح/517 سهم بلفظ: "صلاة الوسطى أول صلاة تأتيك بعد صلاة الفجر". وعزاه إلى عبيد بن حميد في وتفسيره، عن مكحول مرسلا. وقال: "ضعيف".(1/1019)
قال: إن الله تعالى قال في كتابه: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فهذه الصلاة الوسطى وبمثله رواه أبو العالية من طريق خلاس بن عمر، وصحيحه ذكره أبو جعفر وعن أبي العالية أيضا بطريق صحيحة قال: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة ومن عمر صلاة الغداة، فقلت لرجل من الصحابة إلى جنبي بالصلاة الوسطى، قال: هذه الصلاة، قال أبو جعفر: حديث عن عمار بن الحسن نا ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع عن أبي العالية، أنه صلى مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فلمّا أن فرغوا قال: " أنها الصلاة/الوسطى قالوا التي صليتها قبل " ثنا ابن بشار نا ابن عمه ما سعيد بن بشير ثنا قتادة عن جابر بن عبد الله قال: "الصلاة الوسطى صلاة الصبح"، ثنا مجاهد بن موسى ثنا يزيد بن هارون أنبأ عبد الملك بن أبي سليمان قال: كان عطاء يرى أنها صلاة الغداة، وعنه قاله عكرمة ومجاهد بن جبير وعبد الله بن شدّاد بن الهاد والربيع عن أنس، قال أبو جعفر عنهم: إنّ الله تعالى قال أثر ذلك الوسطى: {وقوموا لله قانتين} بمعنى: قوموا فيها قانتين. قالوا: فلا صلاة مكتوبة من الصلوات الخمس فيها قنوت سوى صلاة الصبح، وبه قال عمر وابنه موسى ومعاذ فيما ذكره البغوي وعلي بن أبي طالب، قال أبو عمرو: ولم يصح عنه وصح عن ابن عباس، قال الشّافعي: وإلى هذا يذهب مالك وأصحاب الرأي، قال أبو عمرو: تبعه أصحابه ومنهم من قال هي إحدى الصلوات الخمس، ولا يعرفها بينها، وروى ذلك عن ابن عمر من طريق صحيحة، قال نافع: سأل ابن عمر رجلا عن الصلاة الوسطى يقال هي منهن فحافظ عليهن كلهن، وبنحوه قاله الربيع بن حيثم وزيد بن ثابت في رواية، وقال سعيد بن المسيب: كان أصحاب رسول الله علي فيها مختلفين، يعني: في الصلاة الوسطى وشبّك بين أصابعه، وبنحوه قاله شريح ونافع، وقال النقاش: قالت طائفة: هي الخمس ولم يبيّن أي صلاة هي، قال أبو عمرو: كل واحدة من الخمس وسطى لأنّ قبل كلّ واحدة صلاتين وبعدها صلاتين، كما قال زيد بن ثابت: والمحافظة على جميعهن(1/1020)
واجب، ومنهم من قال هي الحسن إذ هي الوسطى من الدين، كما قال عليه السلام " بنى الإِسلام على خمس " (1) . قالوا: هي في الوسطى من الخمس روى ذلك عن معاذ/وعبد الرحمن بن غنم فيما ذكره النقاش، وفي كتاب الحافظ أبي الحسن على بن الفضل: قيل ذلك لأنها وسط الإِسلام أي خياره، ولذلك عمرو في كتاب التفسير لابن أبي حاتم: ثنا أبو سعيد الأشج ثنا المحاربي وابن فضيل عن الأعمش عن مسروق أنه قال: الوسطى هي المحافظة على وقتها يعني الصلوات، وقال مقاتل بن حبان: مواقيتها ووضؤها وتلاوة القرآن فيها، والتكبير والركوع والسجود والتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
فمن فعل ذلك، فقد أتمها وحافظ عليها أنباً به محمد بن الفضل نا محمد محمد بن على بن شقيق أنبأ محمد بن مزاحم عن بكر بن معروف عنه به، وذكر أبو الليث في تفسيره عن ابن عباس نحوه، وقال المازري: هي صلاة عشاء الآخرة، وذهب العامري في شرح السنة: إلى أنّ السلف لم ينقل عنهم ولا عن أحد منهم هذا القول، قال: وقد ذكره بعض المتأخرين، وسيأتي قول
أبي الدرداء به، وناهيك به سلفًا، وذهب آخرون: إلى أنها الجمعة خاصة،
حكاية أبو الحسن الماوردي وغيره لما اختصت به دون غيرها، قال أبو الحسن
فيما ذكره في المحكم. لأنها أفضل الصلوات، ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ
إّلا أن يقوله برواية مسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: أنها الجمعة يوم الجمعة،
وفي سائر الأيام الظهر، حكاه أبو جعفر محمد بن مقسم في تفسيره، قال:
وقيل: هي صلاتان العشاء والصبح، وعزاه لأبي الدرداء لقوله: " لو يعلمون
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/9) ، ومسلم في (الإِيمان ح/20، 21) ، والترمذي (ح/2609) ، وصححه. وأحمد (2/26، 93، 120، 4/363، 364) ، والبيهقي (1/358، 4/81، 199) ، الحميدي (703) ، والطبراني (2/371، 12، 174، 309، 312) ، وابن خزيمة (309،308) ، والتمهيد (9/246، 250) ، والمشكاة (4) والمغنى عن حمل الأسفار (1/55،111) ، وابن عساكر في والتاريخ، (2/79، 91، 4/2510،30) ، وتلخيص (2/186) ونصب الراية (2/328) ، والحلية (3/62، 9/251 يا وأذكار (343، 364) ، والمنثور (1/175) ، وابن عدى (2/4/419،1660) .(1/1021)
ما في العتمة والصبح" (1) . وذهب الإِمام أبو بكر المالكي الأسهري إلى أنها صلاة العصر والصبح، وقيل: أنها الجماعة في جميع الصلوات حكاه الماوردي، وأمّا العلامة أبو الحسن علي بن محمد السخاوي فاختار أنها الوتر، وقيل: أنها/صلاة الضحى، قال الحافظ أبو محمد الدمياطي: ذاكرت فيها أحد شيوخي
الفضلاء فقال: إنني وقفت على قول من ذهب إلى ذلك، ثم تردّد فيه، وقيل: أنها صلاة العيدين، حكاه لنا من وقف عليه في بعض الشروح المطولة، وذهب آخرون إلى أنها صلاة عيد الفطر حكاه المشار أبيه أيضا وقوله صلى الله عليه وسلم " وتر أهله وماله" يعني نقص، قال ابن الأنباري فقال وترته أي: نقصه، وقيل:
أنّ الوتر أصله الجناية التي يجنيها الرجل على من قبله حميمة وأخذ ماله
فيشجه ما يلحق هذا الذي يفوته العصر ما يلحق الموفور من قبل حميمه وأخذ ماله، وزعم جار الله في أساسه: أن ذلك من باب المجاز، وقال الداودي: معناه يتوجه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله، فيتوجّه عليه الندم والأسف لتعزية الصلاة، وقيل: معناه فاته من الثواب ما يلحقه من الأسف كما يلحق من ذهب أهله وماله، وقال أبو عمر: معناه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يصير بها وتراً، قال الشيخ محي الدين: ورواه بعضهم مفتوح اللام معناه وترتى أهله وماله، وفسّره مالك بمعنى منه أهله وماله، وأمّا الوسطى فهي الخيار، قال الزمخشري: ومن المجاز هو وسط في قومه، ووسط فيهم وقد وسط وساطة، وقوم وسط وأوساط: خيار:) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ((2) . قال زهير: هم وسط يرضى الإِمام بفعلهم، وإذا نزلت إحدى الليالي بمعظم، وهو من واسطة قومه، وهو أوسط قومهم حسبًا والترتيب من أعرابي، فقال: أعطى من وسطانيه أراد من خيار الدنانير.
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري، ومسلم، وأحمد (303،2/278، 375) ، والبيهقي (1/428) وشرح السنة (2/222) ، وأبو عوانة (2/37) ، والبغوي (5/224) ، والقرطبي (3/212، 12/306) ، والخطيب (4/425) .
(2) سورة البقرة آية: 143.(1/1022)
106- باب وقت صلاة المغرب
/حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي، ثنا أبو النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: " كنا نصلى المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وأنه لينظر إلى مواقع نبله ". هذا حديث خرجاه في الصحيح (1) ، حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع: " أنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب ". هذا حديث خرجاه (2) أيضًا، ولفظ الطوسي في أحكامه وصححه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى المغرب ساعة مغيب الشمس إذا غاب حاجبها " (3) . حدثنا محمد بن يحيى ثنا إبراهيم بن موسى " عباد بن العوام عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن الأحنف عن قيس عن العباس بن عبد المطلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم " (4) . هذا حديث رواه ابن خزيمة في صحيحه (5) ، عن أبي زرعة نا
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (الصلاة، باب 185، (، ومسلم في (المساجد ح/217) ، وأبو داود (ح/416) ، وابن ماجة (ح/687) وأحمد (3/105، 114، 189، 205، 62، 265، 303، 331، 370، 382، 416، 4/142، 5/400، 405) . غريبه: قوله: " أنه لينظر إلى مواقع نبله "، أي: أنهم ورجعون بعد المغرب فيبصر أحدهم المحل الذي وقع فيه سهمه.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المواقيت، باب " 18 " (، ومسلم في (المساجد، ح/216) ، والترمذي (ح/164) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (ح/688) ، وأحمد (4/54) .
قوله:) إذا توارت بالحجاب، اشتباك النجوم هو: أن يظهر الكثير منها، فيختلط بعضها ببعض من الكثرة.
(3) حسن. رواه أبو داود (ح/417) ، وأحمد (4/51) ، والتمهيد (8/90) ، وأبو عوانة (1/360) .
(4) صحيح. رواه أبو داود (ح/418) ، وابن ماجه (ح/689) . في الزوائد: إسناده حسن. وأحمد (4/147، 5/422) ، والكنز (19415) ، والمنثور (1/300) ، وابن عدي في بالكامل، (3/968) ، وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " وحين تشتبك النجوم "، اشتباك النجوم هو: ان يظهر الكثير منها فيختلط بعضها ببعض من الكثرة.
(5) قوله: " صحيحه "، غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.(1/1023)
إبراهيم بن موسى نا عباد بن العوام عن محمد بن إبراهيم به، ويشبه أن يكون تصحيفًا من الكاتب، وصوابه عمر بن إبراهيم كما في كتاب ابن ماجه وغيره، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد، كما أخرجه من حديث أبي بكر بن إسحاق ثنا الحسن بن علي بن زياد أنبأ إبراهيم بن موسى أنبأ عباد عن عمر بن إبراهيم ومعمر عن قتادة وقال الترمذي: قد روى عنه مرفوعا وهو أصحّ، ولما سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث قال: هذا حديث منكر، وإبراهيم بن موسى من أهل الدين لم نزد شيئا في تقليله، وهذا أحق تحقيق/لأمرين، الأوّل: أنه متن معروف بهذا اللفظ رواه جماعة من الصحابة، الثاني: إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زادان التميمي الرازي أبو إسحاق الفراء الصغير لا يصلح أن يكون علّة، ولا يسئل عن حاله فأنه ممّن خرّج البخاري حديثه في صحيحه على سبيل الاحتجاج، وكان أحمد نفسه لينكر على ما يقول له الصغير، ويقول: هو كبير في العلم والجلالة، وقال أبو زرعة: هو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصحّ حديثا منه. لا يحدّث إّلا من كتابه لا أعلم أنى كتبت عنه خمسين حديثا من حفظه، وكتب عنه مائة ألف حديث، وهو أتقن وأحفظ من صفوان بن صالح، وقال أبو حاتم: من الثقات وهو أتقن من أبي جعفر الحمال، وقال الخليلي: ومن الجهابذة الحفاظ الكبار العلماء الذين كانوا بالريّ ويقرنون أحمد ويحيى، وأقرأنهما أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الفراء ارتحل إلى العراق واليمن والشّام أثنى عليه أحمد بن حنبل، ولما ذكره أبو عبد الله في تاريخه قال: ثقة مأمون، ووثَّقه النسائي وغيره، وقد أوضح ابن ماجه أمر هذا الحديث بقوله: سمعت محمد بن يحيى يقول: اضطرب النّاس في هذا الحديث ببغداد، فذهبت أنا وأبو بكر الأعين إلى العوام بن عبّاد بن العوام، فأخرج إلينا أصل أبيه، فإذا الحديث فيه، ولقائل أن يقول: لعلّ أحمد قال: يكون عمر بن إبراهيم قال فيه أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال أبو أحمد بن عديّ: يروى عن قتادة أشياء لا يوافق عليها، وقال ابن حبان حين ذكره في كتاب الثقات: يخطىء ويخالف، لأنه ممن قال فيه هو نفسه ثقة لا خبراً، أو قال يحيي بن معين: ثقة/وفوق الثقة، وقال الدارقطني: لا يترك ولا أنا أسلفنا متابعًا له وهو معمر فلا حاجة لنا إلى النظر في حاله لو(1/1024)
كان ضعيفاً، وأمّا ما وقع في أصل ابن ماجه عمرو بن إبراهيم، وكذا هو في مسند الدارمي فغير صحيح والصواب عمر والله تعالى أعلم، وفي الباب غير ما حديث، من ذلك حديث أنس بن مالك قال: " كنا نصلى المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرمى فيرى أحدنا موضع نبله ". رواه أبو داود (1) بإسناد صحيح عن داود بن شبيب عن حماد بن ثابت عنه، ولفظ ابن وهب في مسنده عن عمرو بن الحارث ويونس وابن سمعان عن ابن شهاب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدأوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب " (2) . وزعم بعضهم: أنه معارض بما رواه ابن المنيع في تاريخ نيسابور عن أبي الطيب محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا أحمد بن معاذ السلمي نا إسماعيل بن الفضل قاضى جرجان ثنا يحيى عن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن حجاب عنه بلفظ: (ما كان رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم يصلى المغرب قط حتى يفطر". لذلك، لأنه محمول على شرب الماء أو أكل ثمرة وذلك لا يكون مؤخرًا للصلاة بحال، وحديث زيد بن عبد الله قال: قدم علينا أبو أيوب غازيًا وعقبة بن عامر يومئذ على البصرة (4) ، فأخر المغرب، فقام أبيه أبو أيوب، فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة قال: شُغلنا، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجوم " (5) . رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه من حديث ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عنه، وفي لفظ: أما والله ما بي إلا/أن طن الناس إنك رأيت النبي صلى الله عليه وسلم علي يقول: " لا تزال أمتي بخير " ولما
__________
(1) إسناد صحيح. رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة، 5- باب في وقت المغرب (ح/416) .
(2) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/64) .
(3) رواه ابن عدي في " الكامل ": (1/224) ، وابن خزيمة (339) ، واللآلىء (1/15) والتمهيد (8/91) .
(4) قوله: " البصرة " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(5) تقدم انظر الحاشية رقم (4) ص 1023.(1/1025)
خرج الحاكم (1) هذا اللفظ قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال
ابن أبي حاتم عن أبيه: خولف ابن إسحاق في هذا فرواه حيوة وابن لهيعة عن
يزيد عن أسلم أبي عمران التجيبي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا
لصلاة المغرب قبل طلوع النجم " (2) . قال أبو زرعة: حديث حيوة أصح،
وحديث كعب بن مالك قال: " كان النبي عليه السلام يصلى المغرب ثم
يرجع الناس إلى أهليهم بين سلمة وهم يبصرون مواقع النبل حتى يرمى
بها " (3) . ذكره أبو القاسم في الأوسط من حديث موسى ابن أخي عن
إسحاق بن راشد عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه، وقال: لم
يروه عن إسحاق إّلا ابن أخي، ورواه في موضع آخر من حديث يحيى بن
سعيد الأنصاري عن الزهري، وقال: لم يروه عن يحيى إّلا عمر بن حبيب
القاضي تفرّد به زائدة وزكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ولما ذكره
ابن أبي حاتم في كتاب العلل عن أحمد بن عثمان الأودي نا بكر بن عبد
الرحمن نا عيسى بن المختار عن إسماعيل عن أبيه عن الزهري عن ابن
كعب بن مالك عن أبيه سأل أباه عنه، فقال: هذا خطأ إّنما يروى عن الزهري
عن ابن كعب أنّ النبي- عليه الصلاة والسلام- مرسل، وحديث أبي طريق
قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حاصر الطائف فكان يصلى ثنا البصر
حتى لو أنّ رجلاً رمى بسهم لرأى موضع نبله " (4) . قال الميموني: رواه أحمد
عن أزهر أبي القاسم الراسبي ثنا زكريا بن إسحاق عن الوليد بن عبد الله بن أبي ثميلة/قال أحمد وقال غيره: أبو شعيرة عن أبي طريف به، قال أحمد:
__________
(1) صحيح. رواه الحاكم: (1/190) وقال: " هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه ".
(2) صحيح. رواه أحمد (5/415) ، ونصب الراية (1/246) ، والكنز (19414، 19432) ،
والدارقطني (1/260) ، والعلل (506) .
(3) ضعيف. رواه الطبراني (19/63) ، ومطالب (259) . وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد، (1/311) ، وعزاه إلى الطبراني كما في المصدر الأول من هذا الحديث، وأيضًا في " الأوسط "، وفيه عمر بن
محمد القاضي ضعفه ابن معين والبخاري والنسائي وغيرهم، وقال زكريا بن يحيي الساجي كان صدوقْا
ولم يكن من فرسان الحديث، وقال ابن عدي حسن الحديث يكتب حديثه مع ضعفه.
(4) ضعيف، ان ورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/31) ، وعزاه " أحمد " وفيه الوليد بن
عبد الله بن تملية ولم أجد من ذكره، ورجال المسند في هذا الموضع ليس هو عندي الإله.=(1/1026)
صلاة البصر صلاة المغرب، وقال: ههنا قلت لأحمد: حدثوني عن عبد الأعلى بن أبي شعيرة، فقال أحمد: ما علمت أحدًا قال شعيرة، وبلغني عن بشر بن السرى أنه قال: سهيرة وكفاك به. يعني: بشرًا، رسالة عن عبد الأعلى، فقال: قد لقيناه وبشر السرى " أثبت منه، وحديث جابر بن عبد الله قال: " كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يأتي ببني سلمة ونحن نبصر مواقع النبل ". رواه أحمد (1) ، وفي كتاب الدارقطني من حديث حاتم بن عباد ثنا طلحة بن زيد ثنا جعفر بن محمد عن أبيه بلفظ: " كان عليه السلام لا ينهيه عن صلاة المغرب طعام ولا غيره " (2) . نا محمد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب نا محمد بن ميمون الزعفراني عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ذكرت لجابر تأخير المغرب من عشائه فقال: " إنّ النبي عليه السلام لم يكن ليؤخر صلاة لطعام ولا غيره " (3) . وقال أبو القاسم في الأوسط: لم يروه عن جعفر إلا محمد بن ميمون، وفيما أسلفناه ردّ عليه، وقال ابن شاهين: هذا حديث غريب، ومحمد هذا أبو حمزة الميكري وحديث السائب بن يزيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم ". رواه الدارقطني (4) أيضًا عن هارون بن معروف أنبأ ابن وهب، حدثني عبد الله بن الأسود القرشي أنّ يزيد بن خصيفة: حدّثه عنه، وحديث رجل من الصحابة من أسلم " أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجعون إلى أهليهم إلى أقصى المدينة ثم
__________
= وقال الهيثمي: ورواه الطبراني في " الكبير" فجعل مكثنا " النصر" " العصر" وهو وهم
والله أعلم، قلت الوليد هذا هو الوليد بن عبد الله بن سميرة كما رواه الطبراني، وكذا ذكره ابن حبان في الثقات، وذكر روايته عن أبي ظريف، وأنه اختلف في اسم جده والله أعلم.
(1) تقوم ص 1025.
(2) الكنز: (17932) .
(3) راجع: الحاشية السابقة.
(4) تقدم. رواه أحمد (3/499) ، والبيهقي (1/488) ، والكنز (19434) ، والمنثور (1/300) ، والطبراني (7/183) ، والمجمع (1/310) ، والخطيب (14/14) ، وابن عدي في بالكامل، (5/1701) .(1/1027)
يرمون يبصرون مواقع نبلهم. رواه النسائي (1) بإسناد صحيح عن ابن/بشار عن غندر عن شعبة عن أبي بشير قال: سمعت حسان بن بلال يعني: المولق،
عند ابن المديني وغيره يذكر عنه، وحديث زيد بن خالد الجهني قال: " كنا
نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم أنصرف حتى يأتي السوق وإنه ليرى
مواقع نبله ". رواه الطبراني في معجمه الكبير (2) من حديث صالح مولى
التوأمه عنه، وحديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى يشتبك النجوم " (3) . رواه كذا قاله المجيد من أحكامه ويشبه أن يكون وهماً؛ لأن أبا داود لم يرو حديث عقبة منفردا ولعله استنبطه من حديث أبي أيوب، وقوله: أما سمعت النبي
عليه السلام، فقال: نعم، وقد تقدم وحديث أم حبيبة بنت أبي سفيان ونحوه
ذكره أبو على الطوسي الحافظ (رحمه الله تعالى) ، وهذه الأحاديث تدلّ على استحباب تعجيل صلاة المغرب، ولا خلاف لن العلماء في ذلك إلا ما حكى
عن الشعية، وهو أمر لا يلتفت أبيه ولا أصل له ألا ما لعله يكون مأخوذا من
حديث معاذ المخرج عند ابن حبان (4) :) أنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة
المغرب ثم يرجع إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة ". ومن حديث أي نضرة
المذكور قبل عند مسلم، وذكر العصر، ثم قال: ولا صلاة بعدها حتى مطلع
الشاهد، والشاهد النجم، وهذان الحديثان يدلان على الجواز لا على الفضيلة،
ولا خلاف في ذلك، وأنا حديث عبد العزيز بن رفيع المذكور في مراسيل
أبي داود قال رسول الله علي: " عجلواْ لصلاة النهار في يوم الغيم وأخروا
__________
(1) إسناده صحيح. رواه النسائي في: 6- كتاب المواقيت، 12- باب تعجيل المغرب (1/259) .
(2) صحيح. أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد، (1/310) ، وعزاه إلى) أحمد، والطبراني
في (الكبير، وفيه صالح مولى التوأمة وقد اختلط في آخر عمره، قال ابن معين: سمع منه
ابن أبي ذئب لَبل الاختلاط وهنا من رواية ابن أبي ذئب عنه.
(3) تقدم: حاشية رقم (1، نص 449) .
(4) ضعيف. أورده الهيثمي في ومجمع الزوائد، (2/79) ، وعزاه إلى الطبري فيا الكبيرة،
رفيه بكر بن بشار ضعفه ابن محين والنسائي: ووثقه أبو عاصم النبيل وابن حبان، رجال: يخطىء.(1/1028)
المغرب " (1) . فمراده والله/تعالى أعلم استبانة غيبوبة الشّمس حتى يتمكَّن [1/477] الوقت لا بتهائه، ولهذا قال البغوي: أصح الأقوال: أنّ لها وقتين، وآخر وقتها:
إلى آخر غيبوبة الشّفق، ومذهب أبي حنيفة: أنّ وقتها ممتد إلى أن يغيب الشفق، احتجاجا بحديث عبد الله بن عمرو، والمغرب ما لم يسقط نور الشّفق، وفي رواية تورد بحديث أبي هريرة: " وأول وقت المغرب حتى تغيب الشمس وآخرها حين يغيب الشفق" (2) . وبحديث الأعرابي الذي أمره النبي عليه السلام بالصلاة معه يومين، وأنه صلى المغرب في اليوم الثاني حين كاد الشفق يغيب، إلى غير ذلك من الأحاديث، قال الدارقطني: اعتبرت الأحاديث في المواقيت عن ذكر المغرب الوقت الواحد، فبإمامة جبرئيل عليه
السلام، وأبو موسى وبريدة وغيرها يحلون الوقتين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقوله: فصار (3) متأخرا فيجب الأخذ به، وفي كتاب الإقناع لابن المنذر: آخر
وقتها أن يغيب الشّفق، لقوله عليه السلام: " لا يفوت صلاة حتى يدخل وقت
الأخرى "، وقال في الأشراف: اختلفوا في وقت المغرب، فكان مالك والأوزاعي والشّافعي يقولون: لا وقت للمغرب إّلا وقتا واحدا إذا غابت
الشمس، وفيه: قول يأتي وهو أنّ وقت المغرب إلى أن يغيب الشّفق هذا قول الثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقد روينا عن طاوس أنه قال: لا يفوت المغرب والعشاء حتى روينا عن عطاء أنه قال: لا يفوت المغرب والعشاء حتى النّهار والله تعالى أعلم، وأمّا الرافضة فمذهبهم: تأخيرها حتى يشتبك النجوم قاله الشعبي قال: وهي نزيحة يهودية.
* * *
__________
(1) مرسل. رواه أبى شيبة (2/237) ، والكنز (19416) ، وابن المبارك في الزهد (4) . (2) صحيح. نصب الراية: (1/230) .
(3) قوله:) فصار " " وردت " " بالأصل " " قنطار" وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.(1/1029)
107 - باب وقت صلاة العشاء
[477/ب]
/حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشق على أمّتي لأمرتهم بتأخير العشاء " (1) ، وفي حديث سعيد بن أبي سعيد عنه قال عليه الصلاة والسلام: " لولا أن أشق على أمتي لأخّرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل، أو نصف الليل" (2) . هذا حديث قال فيه أبو عيسى وأبو علي الطوسي وخرجاه من حديث سعيد عنه: " لأخّرت العشاء إلى ثلث الليل (3) ، ولفظ أحمد بن حنبل: لعجلت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأوّل "، ورجّحه ابن أبي حاتم بقوله: سمعت أبي، وذكر حديثا رواه مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل " (4) .
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/690) ، والنسائي (1/266) ، وأحمد (2/245) 0، البيهقي (1/35، 37) ، والشفع (62) والشافعي (13) ، والمشكاة (376) ، وتلخيص (64) ، وتغليق (666) ، وشرح السنة (1/392) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/691) ، وأحمد (4/6،114/150) ، وابن أبى شيبة (1/331) ، والكنز (19484) ، وإتحافات (264) . وصححه الشيخ الألباني.
قوله: " لولا أن أشق على أمتي " أي: لولا مخافة أو كراهة أن أشق على أمتي.
(3) صحيح. رواه الترمذي (ح/167) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد (رقم 9590،9589،7406ج 2 ص. 25، 433) من طريق عبيد الله عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبى هريرة.
ورواه أحمد أيضا لإسناد آخر (رقم 10626ج 2 ص 509) ، قال: حدثنا ابن أبى عدي عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عطاء مولى أم صفية- قال أحمد: وقال يعقوب: صبية، وهو الصواب- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله علي: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول، فأنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الرب إلى السماء الدنيا إلى طلوع الفجر، يقول قائل: ألا داع يجاب، ألا سائل يعطيه، ألا مذنب يستغفر فيغفر له ".
(4) راجع الحاشية السابقة، وتعليق الترمذي (1/312)(1/1030)
قال أبي: إنَما هو عن أبي هريرة عن النبي- عليه السلام-، ومع ذلك ففي
كتاب أبي جعفر الطبري المسمى بالتهذيب ما يشعر بانقطاع حديث سعيد وأنه
لم يأخذه عن أبي هريرة، إنَما أخذه عن عطاء عنه، وأنه رواه بسند صحيح عن أحمد بن منصور. ثنا يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق،حدثني
سعيد بن سعيد عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لولا أن أشقَ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخَّرت العشاء إلى ثلث الليل الأول، فإذا مضى ثلث الليل الأول مضى ثلث هبط الرب جل ثناؤه إلى سماء الدنيا فلم يزل هنالك حتى تطلع الفجر/يقول: قائل، ألا سائل يعطى ألا داع [478/أ] يستجاب له، ألا سقيم يستشفي فيشفي، ألا مذنب يستغفر فيغفر له " (1)
وخرج ابن حبان في صحيحه (2) قطعة منه، ورواه أبو القاسم في الأوسط من حديث إسحاق بن أبي فروة عن صفوان بن سليم عن حميد عن عبد الرحمن عنه، وقال: لم يروه عن صفوان إلا إسحاق، وذكره الدارقطني في كتاب التصحيف: أنَ عطاء هذا هو مولى أم حبيب - يعنى الموثق عند ابن حبان-، حدثنا محمد بن المثنى نا خالد بن الحارث ثنا حميد قال: سئل أنس بن مالك: " هل اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما؟ قال: نعم، آخر ليلة صلاة العشاء إلى قريب من شطر الليل، فلما صلى أقبل علينا بوجهه فقال: إنَ الناس قد صلوا وناموا وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، قال أنس: كأني أنظر إلى
بياض خاتمه صلى الله عليه وسلم ". هذا حديث خرَجاه في الصحيح (3) ، ولفظ أبي القاسم في الأوسط، وخرجه من حديث إبراهيم من ذي حمابه عن حميد: فلما فرغ خطنا فقال: " إن الناس قد صلوا ورقدوا وأنتم في صلاة ما انتظرتم الصلاة "، ثم قال: لم يروه عن إبراهيم إَلا الجراح بن مليح. تفرد به محمد بن عبيدة. حدثنا عمران بن موسى الليثي ثنا عبد الوارث ابن سعيد ثنا داود بن أبي هند
__________
(1) تقدم.
(2) صحيح. ورواه ابن حبان: (3/40) من رواية هريرة.
(3) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/155، 214) ، ومسلم في (المساجد، ح/221) ، والنسائي (1/268) ، وأبو داود (ح/422) من حديث أبي سعيد الخدري، والقرطبي (12/139) ، وآمالي الشجري (1/57) . ورواه ابن ماجة (ح/693) .(1/1031)
عن أبي ذر عن أبي سعيد قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل، فخرج فصلَى بهم، ثم قال: إن الناس قد صلوا وناموا وأنتم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا الضعيف والسقيم لأحببت أن أؤخَر هذه الصلاة إلى شطر الليل " هذا. هذا حديث خرجه أبو [478/ب] ، داود (1) عن مسدد، نا/بشر بن المفضل ثنا داود بلفظ: (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل، فقال: خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا " (2) ، فقال ... الحديث، ولفظ ابن خزيمة (3) في صحيحه-: وخرجه من حديث بندار- ثنا ابن أبي عدي عن داود حدثنا
عمران بن موسى نا عبد الوارث نا داود ح وثنا إسحاق إبراهيم بن حبيب بن الشهير نا عبد الأعلى عن داود:) خذوا مقاعدكم فإن الناس قد أخذوا مضاجعهم، فإنكم لن تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخَرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ". هذا حديث بندار، وفي الباب حديث أم أنس الأنصارية وليست بأم أنسى بن مالك-: قلت: يا رسول الله إنَ عيني تغلبني عن عشاء الآخرة، فقال- عليه الصلاة والسلام-: " عجليها يا أم أنس إذا ملأ الليل بطن كل واد فقد جاء وقت الصلاة فصلى ولا إثم عليك " (4) . ذكره أبو موسى في معرفة الصحابة، وحديث النعمان بن بشير أنه قال: (أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة،
العشاء الآخرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر الثالثة ". رواه
الحاكم (5) من حديث هيثم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عنه، ثم قال:
تابعه رقية عن أبي بشر بن حبيب زاد الدارقطني وسفيان بن حسين، قال
__________
(1) انظر: رواية أبى داود في الحاشية السابقة.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/422) ، وأحمد (3/5) ، والكنز (21851) .
(3) صحيح. رواه ابن خزيمة: (345) .
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/314) وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن، وهو متروك الحديث.
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/165) ، وأبو داود (ح/419) ، والنسائي (1/265،264) وأحمد (4/274) ، والدارقطني (1/270) ،
والتمهيد (8/94،93) .(1/1032)
الحاكم: وهو إسناد صحيح، وخالفهما شعبة وأبو عوانة، فقالا: عن أبي بشر بن ثابت عن حبيب بن سالم، ولما ذكر الترمذي حديث أبي عوانة أتبعه: نا محمد بن أبان نا ابن مهدى عن أبي عوانة بهذا الإِسناد نحوه، وحديث أبي عوانة أصح من حديث/هشيم؛ لأنّ يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي [479/أ] بشر نحو روايته عن أبي عوانة، وفي كتاب الطوسي: ثنا محمد بن يحيى الذهلي ثنا يزيد بن هارون أنبأ شعبة عن أبي بشر عن بشير عن حبيب عنه قال بلفظ: " كان يصليها بمقدار ما يغيب القمر الليلة الرابعة " (1) . قال يزيد: فقلت له: إن هيثمًا يقول ليلة الثالثة فشكّك شعبة، فقال: رابعة أو ثالثة، وهذا حديث حسن، وصحح أبو محمد الإشبيلي حديث أبي عوانة في أحكامه الكبرى، وقال مهنأ: قال لي أحدكم بخبر شعبة يرد على هيثم، فسألت أحمد: من أخطأ في الحديث؟ قال: شعبة حين يقول ليلة رابعة، وقال أحمد أيضا فيما ذكره الخلال في علله: فيضعضع لها شعبة، ولما سئل أبو زرعة عنه قال: حديث بضير صححه ابن أبي حاتم في علله ووثقه أبو زرعة لما قال: وحكم لمسددنا أتى ما أتى عن أبي عوانة بزيادة رجل في الإسناد، وزعم بعضهم: أنه معارض لما ذكره ابن أبي حاتم في موضع آخر. سمَعت أبي ... وذكر حديثا: ثنا المعبري عن يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان عن أبي يعفور عن أبيه عن النعمان بن بشير، أنه يصلى مع النبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- المغرب، ثم لا يلبث إلا يسيرا حتى يصلي العشاء، وقال: أخطأ فيه المقدمي ليس فيه النبي- عليه السلام- إنما هو: وكنا نصلى مع النعمان بن بشير ". والله تعالى أعلم.
وحديث جابر بن عبد الله، قال: خرج النبي- عليه الصلاة والسلام-
ذات ليلة وأصحابه ينتظرونه لصلاة العشاء فقال: نام النّاس ورقدوا وأنتم
تنتظرون الصلاة أما إنَّكم في صلاة منذ انتظرتموها، ولولا ضعف الضعيف وكبر الكبير لأخّرت هذه الصلاة إلى شطر الّليل "، قال أبو زرعة: وسأله ابن [479/ب] أبي حاتم عنه،/فقال: هذا حديث وهم فيه ابن معاوية - يعني: إذ رواه عن
__________
(1) رواه أحمد: (4/272) .(1/1033)
داود عن نضرة عن جابر- قلت: لم يبين الصحيح ما هو، والذي عندي أن الصحيح ما رواه وهب وخالد الواسطي عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي- عليه الصلاة والسلام-.
وحديث عبد الله بن عمر قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فخرج إلينا حتى ذهب ثلث الليل أو بعده فلا ندرى شيء شغله في أهله أو غير ذلك، فقال حين خرج: " إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن أثقل على أمتي لصليت لهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى " رواه (1) مسلم، وروى المحاربي نحوه وليس فيه: " لصليت بهم هذه الساعة "، وفي معجم ابن جميع: " أخّر صلاة العشاء حين نام النائم واستيقظ وتهجد المتهّجد، ثم خرج فأقيمت الصلاة فصلاها، وقال: لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم أن يصلوا هذا الوقت وهذا الحين " (2) . ولفظ أبي القاسم في الأوسط: " حين صلى المصلى، واستيقظ المستيقظ ونام القائمون وتهجد المتهجدون "، وحديث ابن عباس قال:) اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء، حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا فقام عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فقال: (الصلاة فخرج رسول الله كأني أنظر أبيه يقطر رأسه ماء واضعَا يده على رأسه فقال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها ... " (3) هكذا رواه أيضا، وحديث عائشة قالت:) اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر [480/أ] الصلاة، نام النساء والصبيان، فخرج فقال: ما ينتظرها من أهل/الإِسلام أحد
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/220) ، وابن خزيمة (344) ، والمشكاة (616) ومعاني (1/157) .
(2) قوله: " ولفظ "، غير واضحة " بالأصل "، وكذا أثبتناه.
(3) صحيح. رواه البخاري (1/150) ، والترمذي (167) ، والنسائي (1/266) ، وأحمد (1/221،336،28،2/28) ، والبيهقي (1/449) ، وابن خزيمة (342) ، والطبراني (11/185) ، وعبد الرزاق (2112) ، وشرح السنة (2/219) ، وإتحاف (2/350) ، والمشكاة (611) ، والمنثور (1/114) ، والكنز (19464، 19466، 21847) .(1/1034)
غيركم ". ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة قال: (وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثْلث الليل الأول ". رواه البخاري (2) وهذا لفظه، وفي لفظ له: " اهتم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نام أهل المسجد ثم خرج، فصلى فقال: إنه لوقتها لولا أن أشقْ على أمتي ولم يذكر مسلم، وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول " (3) . وروى النسائي (4) الحديث، وعنده بعد قوله بالمدينة ثم قال: " صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل "، وفي لفظ: اهتم النبي عليه الصلاة والسلام ليلة حين ذهب عامة الليل وحين نام أهل المسجد ثم خرج يصلي ثم قال: " أنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي "، وفي الأوسط من حديث محمد بن عمرو عن عبد الرحمن بن حاطب عنها قال: سئل- عليه السلام- عن وقت العشاء قال: " إذا ملأ الليل بطن كل " (5) ، وقال: لم يروه عن محمد بن عمرو إّلا جعفر بن سليمان الضبعي.
وحديث جابر بن سمرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر عشاء الآخرة ". رواه مسلم (6) ، وفي مسند مسدد: " كان- عليه السلام- يصلى الصلوات نحوَا من صلاتكم، وكان يؤخر صلاة العتمة بعد صلاتكم شيئا، وكان يخفف الصلاة " (7) ، وفي لفظ: " كان- عليه السلام- يؤخر صلاة
__________
(1) صحيح. رواه عبد الرزاق (ح/2116) ، وابن خزيمة (343) ، والمجمع (1/313) ، وعزاه إلى " البزار"، ورجاله ثقات.
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/569) .
(3) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/219) ، والنسائي (1/267) ، وأحمد (6/150) ، والبيهقي (1/367،450) ، وأبو عوانة (1/362) ، وعبد الرزاق (2114) ، والكنز (21865) . (4) انظر: الحاشية السابقة.
(5) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (1/331) ، والكنز (19476،218571857) ، وأحمد (5/365) ، والمجمع (1/313) ، وعزاه أبيه، ورجاله موثقون.
(6) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب "39"، ح/226) ، والبيهقي (1/451، 6612) (7) صحيح رواه مسلم في (المساجد، باب "39"، ح/227) ، وأحمد (5/89) ، والكنز (22842) ، والقرطبي (12/307)(1/1035)
العشاء الآخرة " (1) ، وحديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخّرت العشاء إلى ثلث الليل الأوّل " (2) . رواه أبو جعفر في تهذيب الآثار بسند صحيح عن أحمد بن منصور نا يعقوب بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق، حدثني عمى عبد الرحمن بن يسار عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عنه ولما رواه البزار (3) من [480/ب] حديث ابن إسحاق، قال:/وهذا الحديث قد روى عن النبي- عليه السلام- من وجوه ولا نعلمه يروى عن على عن النبي إلّا من هذا الوجه بهذا الإِسناد، قال الطبري: وروى شعبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" وقت العشاء إلى نصف الليل " (4) ، وفي كتاب النسائي: أنبأ عمرو بن علي ثنا أبو داود نا شعبة عن قتادة، سمعت أبا أيوب الأزدي يحدّث عن ابن عمرو فذكره مطولا، وبه قال شعبة: كان قتادة يرفعه أحيانا، وأحيانا لا يرفعه.
وحديث معاذ: قال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العتمة، فتأخر حتى ظن الظان أنه بخارج، والقائل يقول ما القول: صلّى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي- عليه السلام-، فقالوا له كما قالوا فقال:" أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضّلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ". رواه أبو داود (5) ْ من حديث حريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السلولي عنه وسكت عنه الإشبيلي مصححًا له، وعاب ذلك عليه ابن القطان، وزعم: أنّ عاصما
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (1/266) ، وأحمد (4/424،5/94) ، وابن أبي شيبة (1/330) وتغليق (259) ، والمجمع (1/314) ، وعزاه إلى الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال الصحيح. (2) تقدم في الباب الأول من الجزء الأول من كتاب الطهارة. وانظر الحاشية رقم (2) ، القادمة. (3) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/97) وعزاه إلى " البزار "، ورجاله ثقات، ولكنه في المسند عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن أبى رافع معنعن.
تقام في الباب الأول من الجزء الأول من كتاب الطهارة. وانظر: الحاشية رقم (2) ، القادمة. (4) أرواه البيهقي (1/167) وأبو عوانة (1/350) وتلخيص (1/64) ومعاني (1/156،159) ، (5) حسن. رضا أبو داو) خ/421) .(1/1036)
لا يعرف أنه ثقة، قال: وروى عن معاذ حديثين أو ثلاثة وعن عوف بن مالك وعائشة، روى عند راشد وعمرو بن قيس وأزهر بن سعد. انتهى كلامه. وفيه نظر في موضعين:
الأول: تعداده الرواة عنه وإغفاله مالك بن زياد والحسن بن حاتم الطائي وابن دريد.
الثاني: تجهيله إياه وليس كذلك؛ فأنه ممن وثقة البستي وخرج له حديثَا في صحيحه وأبو الحسن الدارقطني، وأمّا قول البزار: روى عن معاذ ولا أعلمه سمع منه، ولم يكن له من الحديث ما يعتبر به حديثه على استقامة حديثه، فيشبه أن يكون وهماً؛ لأن أبا داود صرح بسماعه منه هذا الحديث/في [481/أ] رواية ابن العبد واللؤلؤي وابن داسة، وحكى جماعة: أنه سمع من عمر خطبة بالحاسر- والله تعالى أعلم-. ووصفه ابن سعد بصحبة ابن حيل، وتقدّم حديث أبي برزة كان لا يبالي بعض تأخيرها، قال: يعني العشاء إلى نصف الليل، وحديث محمد بن سرقة عن محمد بن المقلّد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه خرج ذات ليلة، وقد أخّر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة، والناس ينتظرونه في المسجد، فقال: "ما تنتظرون ... " الحديث. رواه أبو القاسم في الأوسط (1) ، وقال: لم يروه عن محمد بن سوقة إلّا عبد الله بن عمرو بن مرة. تفرد به الغنم بن الحكم المقري، وحديث زيد بن خالد الجهني. ذكره الترمذي- رحمه الله تعالى- واختلف العلماء في وقت العشاء المستحب، وغيره، فروى عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة: أن آخّر وقتها إلى ثلث الليل كأنه يعني الفاضل، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب مالك لغير أصحاب الضرورات، واستحب لمساجد الجماعات أن لا يتعجلوها في أوّل وقتها إذا كان ذلك غير مضر بالناس، وذهب أبو حنيفة: إلى أنّ آخر وقتها ما لم يطلع الفجر الثانى، قال ابن راشد: وهو قول داود أخذًا بحديث أبي قتادة إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى،
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد "، (1/312) ، وعزاه إلى الطبراني في " الثلاثة "، ورجاله ثقات.(1/1037)
قالوا: وهو عام ومتأخَر عن حديث إمامة جبرائيل، فهو ناسخ ولو لم يكن ناسخًا لحصل التعارض، قال في المبسوط وهو إجماع لم يخالف فيه غير الإصطخري؛ فإنه قال: آخر وقتها إلى الثلث، وفي النصف يخرج الوقت وتكون الصلاة بعده قضاء، وقال ابن حبيب: آخر وقتها النصف الأوَل، ومشهور مذهب مالك: أنه أخَر الثلث الأول، وفي رواية ابن وهب عنه مذهب [418/ب] أبي حنيفة وهو المروي/عن ابن عباس، وذهب النخعي إلى أنه أخَر الربع الأوَل، وأنكر القرطبي أن يكون له مستندا في ذلك، وفي كتاب الأشراف لأبي بكر: وكان النخعي يقول: آخر وقتها إلى نصف الليل، وبه قال الثوري وابن المبارك وإسحاق وأصحاب الرأي وأبو ثور، قال: واختلفوا في التعجيل بها، فروينا عن ابن عباس أنه قال: " تأخيرها أفضل ويقرؤون زلفًا من الليل "، وعن ابن مسعود:) أنه كان يؤخر العشاء "، وهو قول ابن جبير وعمر في رواية وعمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشَافعي، وقال قائلون: تعجيلها أفضل استدلالا بالأجناس التي فيها تعجيل الصلاة في أوائل وقتها، وممن قال بذلك؛ عمر بن الخطاب، ورواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة عنه قال: دخلت أنا وابن عمر المسجد حين تعشى، فقال: ما منعه أن يأمر مؤذنه أن يقيم الصلاة؟ قلت: الساعة الآن؟ قال: نعم. كان إذا تعشى صلى ". وثنا سفيان عن ثور عن مكحول قال: كان عبادة بن الصامت وشدَاد بن أوس إذا غابت الحمرة ببيت المقدس صلَيا العشاء والله- سبحانه وتعالى- أعلم.
* * *(1/1038)
108- باب ميقات الصلاة في الغيم
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ومحمد بن الصباح، قالا: ثنا الوليد بن
مسلم ثنا الأوزاعي، حدثنى يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر
عن بريدة الأسلمة قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة. فقال: بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاته صلاة العصر حبط عمله ". هذا حديث أخرجه البخاري (1) في صحيحه/عن مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا يحيي بن [428/أ] أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المليح قال: " كنا مع بريدة في غزوة في يوم غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر ... " الحديث، وكذا قاله النسائي عن
عبيد الله بن سعيد عن يحيي بن سعيد عن هشام وأحمد عن يحيى بن سعيد الإسماعيلي عن ابن ناجية عن الفلاس وعن القاسم بن زكريا عن ابن مثنى،
كَلاهما عن يحيى وعن المسعر وابن ناجية عن أبي الأشعث عن يزيد بن
زريع، قال يحيى وابن أبي عدي ويزيد: ثنا هشام عن يحيى وأبو مسلم بن
الكجي بن إبراهيم نا هشام به، وابن خزيمة عن أحمد بن عبدة نا أبو داود نا
هشام، وثنا الحسين من حديث أبو عمار ثنا النضر بن شميل عن هشام
فذكره، قال ابن عساكر: كذا قال الأوزاعي عن أبي المهاجر- يعني: أنّ
المحفوظ في هذا هو أبو المهلب -، كذا نصّ عليه غير واحد من الأئمة حين
قال البستي: وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى، فقال عن أبي المهاجر:
وإنّما أبو المهلب عم أبي قلابة الحربي، وذكر الحافظ ضياء الدين المعري أنّ ابن حبان وهم أيضا في هذا، وقال: والصواب: أبو المليح عن بريدة- والله تعالى أعلم-، قال المهلب بن أبي صفرة: معنى هذا من فاتته فوات مضيع منها وكان معضل وقتها مع قدرته على أدائها فحبط عمله في الصلاة خاصة، أي: لا يحصل له أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة، وقال
__________
(1) صحيح. أورده الألباني في الإرواء، (1/277،276) ، وعزاه إلى البخاري وابن ماجه (ح/694) ، وأحمد (5/361) ، والبيهقي (1/441) ، وابن حبان (256) ، والترغيب (1/277،276) ، وابن أبى شيبة (2/237) ، وابن عدي في " الكامل، (3/1038)(1/1039)
غيره: معناه تركها جاحداً، فإذا فعل ذلك، قد كفر وحبط عمله، ورد: بأن
ذلك يقال في سائر الصلوات فلا مزية لها إذَا، وقال ابن بريدة: هذا على وجه التغليظ، وقال ابن التيمي: معناه: كاد أن يحبط، وترك المشار إليه محمول
[4821/ب] ، على التأخير، ويجوز أن يراد به: لا يصليها مطلقَا تهاونًا بها، والله/تعالى أعلم بالصواب.
* * *(1/1040)
109- باب من نام عن الصلاة أو نسيها
حدثنا نصر بن عاصم الجهضمي، ثنا يزيد بن زريع ثنا حجاج ثنا صاده
عن أنس بن مالك قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغفل عن الصلاة أو يرقد عنها، قال: يصليها إذا ذكرها " (1) ، ثم علاه درجة من طريق غير صحيحة فقال: ثنا جبارة بن المفلس ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن نسى صلاة فليصليها إذا ذكرها ". هذا حديث خرجه الأئمة الستة (2) في كتبهم، زاد الشيخان: " لا كفارة لها إلا ذلك أقم الصلاة لذكرى "، وفي لفظ لمسلم (3) : " إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصليها إذا ذكرها. فإن الله تعالى يقول: أقم الصلاة لذكرى "، ولفظ أبي داود (4) " للذكرى "، وفي لفظ للنسائي (5) " أو يغفل عنها فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ". وفي حديث محمد بن جعفر بن الحسن بن المستفاض أبي الحسن الزباني زيادة، أو إذا استيقظ، رواها عن محمد بن أحمد بن الخير ثنا عبد الله يعنى بن يزيد المقري لا أبو عوانة وأبو جري نصر بن طريف وحمّاد بن سلمة وهمّام بن يحيى في آخرين عن قتادة إذا ذكرها أو إذا استيقظ، نبأ بذلك المسند المعمر أمن الدين أبو الفضل عبد المحسن بن أحمد بن محمد قرأه عليه، وأنا أسمع أنبأ الإِمام أبو خالد أنبأ القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الفضل أنبأ أبو الحسن علي بن المسلم السلمي ثنا أبو
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة في: 2- كتاب الصلاة، 10- باب من نام عن الصلاة أو نسيها، (ح/695) . وصححه الشيخ الألباني.
(2-3-4- هـ (صحيح. متفق عليه. أورده الألباني في " الإرواء " (1/291) ، وعزاه إلى البخاري ومسلم في (المساجد، ح/315) ، وأبو داود (ح/442) ، والنسائي (1/296،293) ، وابن ماجة (ح/696، 297) ، والترمذي (ح/178) ، وصححه. وأحمد (3/243، 269) ، والبيهقي (2/218، 03،456330،4) ، وأبو عوانة (1/385) ، وابن خزيمة (993) ، والطبراني (18/180) ، وعبد الرزاق (2244) ، وشرح السنة (2/241، 305) ، والمشكاة (484) ، ومثال (1/187) ، والنبوة (4/273) ، والتمهيد (6/388،297) .(1/1041)
نصر الحسين ابن محمد بن أحمد بن الحسين بن طلاب أنبأ أبو الحسين
محمد بن أحمد بن جميع الساني، وزعم بعض من يتكلم في العلل/من المتأخرين: أن قتادة مدلس ولم يصرح هنا بالسماع، وذلك غير مقبول منه إلا
إذا صرح، قال: ولا الثقات إلى قول من قال: إذا كانت العنعنة من مدلس في الصحيح، قلت: لاحتمال اتصالها من طريق أخرى، ويجاب عن ذلك، بأنه
قد صرح بسماعه إياه من طريق صحيحة ذكرها الإِسماعيلي في صحيحه عن
محمد بن عمران وأبي عبد الله الصوفي، ثنا على بن الجعد وأخبرني همام نا
قتادة ثنا أنس نحوه وقال الحافظ أبو العباس الطرمي: إسناد الآية عن قتادة فيما ذكره هدبة عنه، وفي حديث الشعبي عنه قال: من يكلأنا الليلة، فقلت: أنا،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام الناس ونمت فلم استيقظ إلا بحر الشمس، فقال عليه السلام: " يا أيها الناس إن هذه الأرواح غارية في أجساد العباد يقبضها الله إذا شاء ويرسلها إذا شاء فاتصف أجرَا يحكم على رسلكم، فقضينا حوائجنا على رسلنا وتوضأنا وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ثم صلى ركعتي الفجر قبل الصلاة ثم صلى بنا " أنبأ به المسند شرف الذين يحيى بن المقدس قراءة عليه عن الإِمام بهاء الدين الشافعي أنبأ شهدة قراءة عليه أنبأ أبو منصور بن حريسة أنبأ الرقاني أنبأ الإِسماعيلي أنبأ محمد بن الحسن المحاس أنبأ أبي ثنا عقبة عنه
فذكر ما حدثنا حرملة بن يحيى نا عبد الله بن وهب ويونس عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: " أن رسول الله حين فعل من
غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركه الكراء عرس، وقال لبلال: أَكْلأ لنا الليل
فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يقارب الفجر،
واستند بلال إلى راحلة مواجبة الفجر، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستند إلى [483/ب] راحلة فلم يستيقظ بلال، ولا أحد من أصحابه حتى/ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظَا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي بلال؟ فقال
بلال أخذ بنفسي الذي بنفسك بأبي أًنت وأمي يا رسول الله، قال: اقتادوا
فاقتادوا رواحلهم شيئَا، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة
فصلى بهم الصبح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: من نسى صلاة(1/1042)
فليصليها إذا ذكرها فإن الله تعالى، قال: أقم الصلاة لذكري، قال. وكان ابن
شهاب يقرؤها للذكرى ". هذا حديث خرجه مسلم (1) ، بزيادة " ليأخذ كل
رجل منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان فنعلنا، ثم دعا
بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتن ثم أقيمت الصلاة فصلى بهم الغداة "؛ وفي
لفظ لأبي داود (2) عن موسى بن إسماعيل ثنا إبان نا معمر عن الزهري في هذا الخبر قال: فقال- عليه الصلاة والسلام -: تحولوا من مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة قال: فأمر بلالا فأذّن فأقام وصلى ". قال أبو داود رواه مالك وابن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق لم يذكر أحد
منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم أحد إَلا الأوزاعي
وأبان العطار عن معمر، وزاد في رواية أبي الطيب الأسناني ثنا موصل ثنا الوليد عن الأوزاعي يعني عن الزهري به، ولما رواه أبو عيسى (3) عن محمود بن غيلان عن النضر بن شميل عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري
بلفظ: " فأقام الصلاة ثم صلى على صلاته للوقت ثم مكث ثم قال: أقم
الصلاة لزكري ". قال هذا حديث غير محفوظ رواه غير واحد من الحفاظ
عن الزهري عن سعيد أنَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة،/وذكر [1/484) أبو الحسن في علله أنَ الأوزاعي رواه مرفوعا من رواية هشام بن خالد عن
الزبير بن مسلم، وكذلك ابن عيينة في رواية عبد الجبار بن العلاء عنه عن
الزهري، ومالك الإِمام فيما رواه القدامى وابن أخي بن وهب عن عمه عنه
قال: والمحفوظ هو المرسل وبنحوه، وذكره في غرائب مالك والله تعالى أعلم،
وأمَا قول أبي داود لم يسنده أحد منهم يعني المسلمين إلا الأوزاعي وإبان
فمردود بقول ابن عمرو قد وصله محمد بن إسحاق، وفي قول الدارقطني:
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/309) . غريبه: قوله:" أكلأ لنا " أي ارقبه
واحفظه واحرسه. ومصدره الكلاء. و" اقتادوا "، أي قورواء واحلكم لأنفسكم آخذين
بمقاصدها.
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/436)
(3) قوله " عيسى " وردت " بالأصل " " غيلان "، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه(1/1043)
وابن أخي ابن وهب عن عمه إشعار اًنه منفرد بذلك، وهو وإن كان حديثه في صحيح البخاري فقد تكلم فيه غير واحد بكلام فيه إقراع، فقد قدمنا إسناده من حديث حرملة عنه، وخرجه مسلم من حديث أحمد بن صالح عنه أيضًا، فهذا كما ترى غير واحد من الثقات وصله فترجح لذلك قول مسلم والله تعالى أعلم، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق لا بأس به، يشهد لمن وصله لا وله فيها للزهري ولا لسعيد أنبأ بها المسند المعمر محمد بن أبي بكر رحمه الله تعالى قراءة عليه أنبأ سيدة قراءة عليها عن الإِمام أبي سعيد بن الصغار وزينب ابنة عبد الرحمن الشعرية أنبأ وجه بن طاهر قراءة عليه أنبأ الأستاذ أبو القاسم القشيري قراءة عليه أما أبو الحسين أحمد بن محمد الحفان أنبأ أبو العباس محمد بن إسحاق بن مهران السراج أنبأ جعفر بن عبد الله بن عمر الحلواني نا مروان عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: عرسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس. فقال رسول [484/ب] الله صلى الله عليه وسلم: " ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته، فإن هذا/مكان حضر فيه الشيطان فسار غير بعيد " (1) ، ثم نزل، قال أبو العباس: وثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثني أبي ثنا يزيد به، وزاد قال: فسرنا ساعة ثم دعا بماء فتوضأ ثم ركع ركعتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة، وفي كتاب المعرفة للبيهقي: فوتها الله أو كرها، وضعف هذه الزيادة بحفص بن العطان وابن أبي العطان يشبه أن يكون غير المذكور عند السراج؛ لأني لم أر أحدا نسبه كما نسبه هو ولا جمع بين النسبتين والله تعالى أعلم. حدثنا أحمد بن عبدة ابن أنبأ حماد بن زيد عن ثابت عن عبيد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: ذكروا تفريطهم في النوم فقال: ناموا حتى طلعت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها ولوقتها من الغد " (1) . قال عبد الله بن رباح فسمعني
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، باب "555" رقم 310) ، وأحمد (2/429) ، والبيهقي (2/218،484) ، وابن أبى شيبة (2/64) ، والكنز (20151، 22688)
(2) صحيح رواه في (المساجد، ح/311) ، وأبو داود (ح/437) ، والنسائي (1/394) ،=(1/1044)
عمران بن الحصين، وأما الحديث فقال: يا فتى انظر كيف تحدث فإنى شاهد للحديث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فما أنكر من حديثه شيئا، هذا حديث خرجه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن هارون بن إسحاق نا ابن فضيل عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، وعن محمد بن أبي صفوان الثقفي نا نمير يعني ابن أسد، نا حماد بن سلمة أنبأ ثابت الطامي به ورواه مسلم (1) عن شيبان ابن فروح ثنا سليمان يعنى بن المغيرة نا ثابت بلفظ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله تعالى غدًا فانطلق الناس لا يلوى أحد على أحد قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم/يسير حتى إبهار الفيل، وأما ابن جنبة، قال: [458/أ] فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته إذا كان من آخر السحر، مال ميلة هي أشد من الميلتين حتى كاد ينحضل فأتيته فدعمته فرفع رأسه قال: من هذا قلت أبو قتادة. قال: متى كان هذا مسيرك منى قال: قلت: مازال هذا مسيري منذ الليلة قال: حفظك الله بما حفظت نبيك ثم قال: هل ترانا نخفي على الناس ثم قال هل ترى من أحد قلت: هذا راكب آخر ثم قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب- قال: فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله والشمس في ظهره. قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس، فنزل ثم دعا بميضأة كانت معى فيها شيء من ماء ثم قال لأبي قتادة احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها بناء ثم أذن بلال بالصلاة
__________
= وابن ماجة (ح/698) ، البيهقي (1/376، 2/216) ، وابن خزيمة (989) ، والمشكاة
(604) ، والتمهيد (8/75) ، وتلخيص (1/177) ، والدارقطني (1/386) ، والكنز (20149) ، والقرطبي (10/29) ، غريبه. قوله "جامين رواء"، أي مسترحين قد رووا من الماء والرواء ضد العِطاش جمع ريان وريا، مثل عطشان وعطشى " فأدلجنا " أي سرنا الليل كله "مزادتين"، المزادة أكبر من القربة "موتمة" أي. ذات أيتام "تنضرج من الماء" أي تنشق
(1) صحيح رواه مسلم في المساجد (ح/311)(1/1045)
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم، وقال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم " وركبنا معه. قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا. قال: ما لكم في أسوة ثم قال: أنه ليس في النوم تفريط، إنّما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيئ وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال ما ترون الناس صنعوا. قال ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيّهم. فقال أبو بكر، وعمر: رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن [485/ب] ليخلفكم وقال الناس:/إن رسول صلى الله عليه وسلم الله بين أيديكم، فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا. قال: فانتهينا إلى النّاس حتى امتدّ النهار وحمى كلّ شيء وهم يقولون: يا رسول الله هلكنا عطشَا. فقال لأهلك عليكم. ثم قال: أطلقوا إلي غمري. قال: ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليه، فقال عليه السلام: أحسنوا الملأ كلهم ستروا قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقى غيري، وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ثم صبّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشرب فقلت لا حتى تشرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ساقى القوم آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وأتى الناس الماء مّن جامين روآءَ قال: فقال عبد الله: إنى لأحدّث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر أيّها الفتى كيف تحدّث، فإنّى أحد الركب تلك الليلة. قال: فقلت فأيّنا علم بالحديث قال: ممن أنت قلت: من الأنصار قال: حدّث فأنت أعلم بحديثكم قال: فحدّثت القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أنّ أحدَا أحفظه كما حفظته، وخرج البخاري (1) قطعة منه في كتاب التوحيد عن ابن سلام ثنا عن هشيم عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه وعن عمران بن ميسرة ثنا محمد بن فضيل ثنا حصين بلفظ: (فقال بعض القوم: لو عرست ثنا يا رسول الله
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/154) ، وشرح السنة (2/307) ، ونصب الراية (1/283)(1/1046)
قال أخاف أن تناموا عن الصلاة فقال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسنده ظهره إلى راحلته فغلبه عيناه فنام/فاستيقظ النبي وقد طلع حاجب، الشمس، [486/أ] فقال: يا بلال أين ما قلت قال ما ألقيت على نومة مثلها قط قال: "إنّ الله قبض أرواحكم حين شاء ورّدها عليكم حين شاء، قم يا بلال فأذّن بالناس بالصلاة، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس قام فصلى " (1) . وفي سنن الكجي، فقال عمران: أي من احفظ فإني شاهد القوم، وفي لفظ لأبي داود: ثنا على بن نصر ثنا وهب بن جرر ثنا الأسود بن شيبان ثنا خالد بن شُمير قال: قدم علينا عبد الله بن رباح فحدثنا قال ثنا أبو قتادة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء بهذه القصة يعني حديث حماد عن ثابت قال: فلم يوقظنا إلا الشَّمس طالعة، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:) رويدَا رويدَا (يعني إذا تعالت الشمس قال: " من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما "، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما فركعهما ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة فنودي بها، فصلى بنا فلما انصرف قال:) ألا إنا نحمد الله ألا لم يكن في شيء من أمور الدنيا شغلنا عن صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله، فأرسلها متى شاء فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صبحا فليقض معهما مثلها " (2) . ثنا عمرو بن عوف نبا خالد عن حصين عن أبي قتادة عن أبيه في هذا الخبر، قال: فقال: " إن الله تعالى قبض
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/154، 9/170) ، وأبو داود (439) ، والنسائي (2/106) ، وأحمد (5/307) ، البيهقي (1/2،216/404) ، وشرح السنة (2/307) ، والجوامع (4897) ، والمنثور (5/329) ، وابن أبي شيبة (2/66) ، والكنز (20152،22686) ، ونصب الراية (1/283) ، وصفة (142)
(2) حسن. رواه أبو داود في: 2- كتاب الصلاة، 10- في من نام عن الصلاة أو نسيها، (ح/437) .
قلت: خالد بن شمير- بالشين المعجمة مصغرا- وفي بعض النسخ " ابن سمير" بالإهمال، وهو تحريف، ولم يرو عن خالد إلا الأسود بن شيبان كما قاله الخزرجي.
غريبه: قوله: " وهلين " في فزعين، وتقول: وهل الرجل يوهل - من باب علم- إذا فزع لشيء يصيبه.(1/1047)
أرواحكم حيث شاء قم فأذّن بالصلاة فقاموا وتطهروا حتى إذا ارتفعت
الشَمس نام صلي الله عليه وسلم ثنا هناد ثنا سُبر عن حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: " فتوضأ حين ارتفعت الشمس فصلى [486/ب] بهم "./ثنا العباس العنبري ثنا سليمان بن داود نا سليمان يعني ابن المغيرة عن ثابت عن ابن رباح عن أبي قتادة قال عليه السلام: "ليس في النوم تفريط إنَما التفريط في أليقظة أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى " (1) ، وفي حديث يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن رباح زيادة،
فقلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء، فقال: "فأتني بها فأتيته بها فقال
سواهبها " فتوضأ القوم، وبقى في الميضأة جرعة وفيه فقال النبي: " ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمرد دنا بي " (2) ، وفيه فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها، وفيه وبقى من الميضأة نحو ممَا كان فيها وهم يومئذ ثلاث مائة، قال حماد: وثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن رباح عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد فيه قال: " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، وإذا عرس قرب الصباح وضع رأسه على كفه
أليمين وأقام ساعدة" (3) . أنبأ بذلك الإِمام الدوامة المسند شمس الدين
محمد بن الحسن بن علي بن محمد الشافعي- رحمه الله- قراء عليه، وثنا
أسمع ثنا المسند أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم قراءة عليه عن أي محمد
المبارك بن الطباخ أنبأ الشيخ السديد أبو الحسن عبد الله بن محمد بن أحمد قراءة عليه أنبأ جدي الإِمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي قراءة عليه أنبأ عليَ بن محمد بن عبد الله العدل ببغداد أنبأ أبو جعفر محمد بن
__________
(1) صحيح. رواه مسلم في (المساجد، ح/311) ، وأبو داود (ح/441) ، والنسائي (1/294) ، وابن ماجه (ح/698) ، البيهقي (1/376، 6/212) ، وابن خزيمة (989) ، والمشكاة (604) ، وا لتمهيد (8/75) ، وتلخيص (1/177) ، والدارقطني (1/386) ، والقرطبي (10/29) ،
والكنز (20149) .
(2) رواه أحمد (5/298) والكنز (32178) .
(3) صحيح. رواه أحمد (5/298) ، والإتحاف (4/331) ، والكنز (18151) ، وبداية (6/115)(1/1048)
عمرو بن البحتري الدرداء؛ ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ثنا يزيد ابن هارون فذكره، وفي مسند السراج: " إذا عرس بليل توسد يمنيه، وإذا عرس بعد الصبح نصب ساعده/وصيا وعمد بها إلى الأرض ووضع رأسه على كفه " (1) . [487/أ] ولما أخرجه أبو عبد الله في مستدركه، قال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه وفيه نظر؛ لأن أم سلمة ليس على شرط البخاري، وفي إثبات حديث عمران بن حصين المخرج في الصحيحين (2) قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرسنا، فقلنا: أعيننا حتى بزغت الشمس. قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر، وكنّا لا نوقظ النبي عليه السلام من منامه إذا نام حتى يستيقظ ثم استيقظ عمر فقام عند نبي الله فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه فرأى الشمس قد بزغت. قال: " ارتحلوا "، فسار بنا حتى ابيضت الشمس فنزل فصلَى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا، فلمّا انصرف قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا فلان ما منعك أن تصلى معنا "، قال: يا نبي الله أصابتني جنابة فأمره بالتيمم فصلى، ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء فذكر قصة المرأة التي معها مزادتان، وفي المستدرك (3) من حديث الحسن عنه: " نمنا عن صلاة الفجر حين طلعت الشمس فأمر المؤذن فأذن الفجر حين طلعت الشمس فأمر المؤذن فأذّن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام المؤذَن فصلى الفجر". وقال صحيح على ما قدمنا ذكره، وصح سماع الحسن وعمران، وأفاد به الركعتين ولم يخرجاه وله شاهده بإسناد صحيح فذكر حديث جدَ يحيى بن سعيد حين صلى ركعتين الفجر بعد الصلاة وإقراره عليه السلام على
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/96، 4/232) ، ومسلم) ص/475) ، والطبراني (18/138) ، والنبوة (6/.3)
غريبه: قوله: " المزادتان "، المزادة أكبر من القربة. والمزادتان حمل بعير. سميت مزادة لأنه يزاد فيها من جلد آخر من غبرها.
(3) صحيح. رواه الحاكم: (1/274) . وقال: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".(1/1049)
ذلك، وفي لفظ للدارقطني (1) من حديث الحسن: " فصلى ركعتي الفجر حتى إذا أمكنا الصلاة صلينا "، وفي لفظ لأحمد (2) : " سرنا مع النبي عليه [487/ب] السلام فلما كان في آخر الليل عرس فلم يستيقظ/حتى أيقظتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دمثا إلى طهوره. قال: فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يسكنوا ثم ارتحلوا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالا فأذّن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا، فقالوا يا رسول الله ألا يفدها في وقتها من الغد؟ قال: أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم "، وخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى ثنا يزيد بن هارون أنبأ هشام عن الحسن عنه بزيادة: " إنّما التفريط في اليقظة " (3) ، وفي هذا دليل لما قاله البخاري فيما حكاه عنه الترمذي لا يتابع ابن رباح على هذا يعني قوله فليقض معها مثلها، لأنّ عمران كان حاضرا ولم يذكرها، قال ابن رباح عن أبي قتادة في إعادة الصلاة، وفي تاريخ البخاري الصغير: لا يتابع ابن رباح في قوله ولوقتها من الغد، قال: وخالف فيه سليمان بن المغيرة عن ثابت، فقال: ليس التفريط لمن لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت صلاة أخرى، ولا يصح هذا الخبر عند أهل البصرة، ورواه حميد ومبارك عن بكر عن ابن رباح عن أبي قتادة: " ليس في النوم تفريط "، كما قدمناه من عند ابن ماجه (4) وإن كان ابن عساكر ومن بعده أغفلاه فغير صواب، وزعم البيهقي في المعرفة: أن هذه اللفظة تفرد بها الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير عن ابن رباح، قال: ولم يتابعه على هذه الرواية ثقة، والصواب حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن ابن رباح يعني المتقدم، فحمله خالد: على الوهم، وقد صرّح في حديث
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني: (1/383) .
(2) صحيح. رواه أحمد: (1/259) .
(3) ضعيف. رواه أحمد (5/298، 305) ، وكنز (20154، 20161، 22682) واستذكار (1/39) .
(4) صحيح. رواه ابن ماجة في: 2- كتاب الصلاة، 10- باب من نام عن الصلاة أو نسيها، (ح/698) . وصححه الشيخ الألباني(1/1050)
عمران بذلك، وفي حديث ابن رباح وسوقه له عند عمران دلالة على كون
القضيتين واحدة والله تعالى أعلم، وقال أبو عمر: وقول خالد/في هذا حبيش [1/488] الأمر وهم عند الجميع؛ لأنه كان في موته وهي سريه لم يشهدها للنبي- عليه
الصلاة والسلام-، وقال ابن حزم: وقد خالف خالداً من هو أحفظ منه،
وحديث عتبة بن عامر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك،
فاسترقد لما كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس قدر رمح
فقال: " ألم أقل لك يا بلال " وفي آخره: " فانتقل رسول الله عليه من ذلك
المنزل غير بعيد ثم صلى ثم سار بقية يومه وليلة، فأصبح بتبوك " (1) ، رواه
البيهقي في الدلائل من حديث عبد الله بن مصعب بن مسطور عن أبيه عنه،
وحديث ابن مسعودي قال: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا، فنزلنا دهاشَا
من الأرض فقال: من يكلؤنا؟ قال بلال: ثنا. قال: إذا تنام قال: لا تنام حتى
طلعت الشمس، فاستيقظ فلان وفلان منهم عمر. فقال: امضوا. فاستيقظ
النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون فلما فعلوا. قال: هكذا افعلوا
لمن نام أو نسى ". رواه أبو داود (2) بسند صحيح عن ابن مثنى عن ابن جعفر
عن جامع بن شدَاد (3) قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي القمة قال: سمعت
ابن مسعود به، وخرجه الكيش عن عمرو بن مرزوق ابن المسعودي عن جامع
بلفظ: لما رجع من الحديبية، فقال عبد الله أنا: قال إنك تنام مرتين أو ثلاثة.
قال: بت فحرست حتى كان في وجهي الصبح فأدركني ما قال النبي فقمت الحديث، وحديث عمر بن أمية الضمري (4) قال:) كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها
في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: تنحوا عن هذا/المكان قال: ثم أمر بلالًا فأذن ثم توضئوا (488/ب)
__________
(1) بنحوه. الدر المنثور: (2/225، 5/13) .
(2) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/447) .
(3) قوله: " شدْاد " غير واضحة " بالأصل " وكذا أثبتناه.
(4) قولهم " الضمري " وردت " بالأصل " " الغتري " وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه(1/1051)
وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلال فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح ". خرجه أبو داود (1) بسند صحيح من حديث عبد بن يزيد عن حيوة بن شريح عن عباس بن عباس أن كليب بن صبح حدثه أن الزبرقان حدّثه عن عمّه عمرو فذكره، قال: حدثنا إبراهيم ابن الحسن ثنا حجاج يعنى بن محمد نا حريز وثنا عبيد بن أبي الوزير هنا مشير الحلبي هنا حريز بن عثمان حدثني يزيد بن صليح عن ذي مجز، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قال: " فتوضأ يعني النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر وضوحا لم يَلِثْ منه التراب، ثم أمر بلالًا فأذّن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين عجّل، ثم قال لبلال أقم الصلاة ثم صلى وهو غير عجل " (2) . قال عن حجاج عن يزيد بن صليح حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة، وقال: عبيد يزيد بن صبح ثنا مؤمل بن الفضل الحراني ثني الوليد ثنا حريز بن عثمان عن يزيد بن صالح عن ذي مخبر بن أخي النجاشي في هذا الخبر قال: فأذّن وهو عجل وهو إسناد صحيح لتوثيق يزيد بن صبيح، قال ابن عساكر: والنضر يفتى وهو الصواب عند أبى حاتم البستي رحمه الله تعالى، ولفظ الطبراني في الأوسط: " كنا مع النبي في في سرية فتقدم الناس فقال: هل لكم أن نهجع هجعة فقالوا نعم. فقال: من يكلؤنا الليلة قال: ذو مخبر، فأعطاه خطام ناقة، وقال: لا يكن لكع قال: فانطلق غير بعيد فأرسلتها مع ناقتي مرعيان فغلبتني عيني، فما أيقظني ألا حر الشمس على وجهي، فنظرت يمينا وشمالاً فزعًا، وإذا أنا بالراحلين غير بعيد فأخذتهما، ثم جئت أدنا القوم فأيقظته ثم سألته أصليتم؟ /فقال: لا، وأيقظ الناس بعضهم بعضاً حتى استيقظ النبي عليه السلام " (3) . رواه عن أبي سرعة
__________
(1) إسناده صحيح. رواه أبو داود (ح/444) .
(2) حسن. رواه أبو داود (خ/445) .
قلت: يزيد بن صالح أو يزيد بن صليح مصغر صلح وفي بعض النسخ " يزيد بن صبح " وهو تحريف، وعبيد بن أبي الوزير يقال فيه عبيد الله أيضا.
(3) صحيح. أورده الهيثم في " مجمع الزوائد " (1/319) من حديث ذي مخبر. وقال الهيثمي: " روى أبو داود طرفا منه " وعزاه إلى أحمد والطبراني في " الأوسط "، ورجال أحمد ثقات. قلت: ورواه أبو داود في: سننه بإسناد حسن. (ح/445) .(1/1052)
ثنا علي بن عباس قال: "أدلج رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم يصلى حتى ارتفعت الشمس فصلى "، وقد تقديم في ذكر الصلاة الوسطى، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زمعة عن حديث رواه عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس قال: خرج النبي في سفر فأعرب من الليل من قدم، فلم يستيقظ إلا بالشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذن ثم صلى الركعتين " (1) . فقالا: هذا خطأ أخطأ فيه عبيدة، ورواه جماعة فقالوا عن تميم بن سلمة عن مسروق قال: "كان النبي عليه الصلاة والسلام " مرسل فقط قلت لهم: الوهم ممن هو؟ قالا: من عبيدة، وحديث سمرة بن جندل: "أن رسول الله علي كان يأمرنا إذا نام أحدنا عن الصلاة أو نسيها حش يذهب حينها الذي يصلي فيه أن يصليها مع النبي صلي الله عليه وسلم يليها من الصلاة
المكتوبة " (2) ، رواه أبو بكر البزار من حديث يوسف بن خالد السمتي وهو ذاهب الحديث عن جعفر بن سعد بن سمرة عن حبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن جده، ومرسل عمرو بن عليه الثقفي قال: "لما نام رسول الله علي عن صلاة الغداة، استيقظ فقال: لنغيظن الشيطان كما أغاظنا فصلى يومئذ بسورة المائدة في صلاة الفجر" (3) . وحديث أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي قال: وكنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر فنزلنا نزلاء فناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم/وأمر بلالاً فادن وتوضئوا وصلوا [489/ب] الركعتين، ثم أقام بلال، فصلى بنا النبي- صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-
__________
(1) صحيح. أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد" (1/321) وعزاه إلى أحمد، و"أبي يعلى" وقال: "ما يسرني به الدنيا" و"البزار" والطبراني عن يزيد بن سلط زياد عن تميم بن سلمة عن مسروقة عن ابن عباس، ورجال ألف يعلى ثقات.
(2) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/321) وعزاه إلى "البزار" والطبراني في "الكبير" وفيه يوسف بن خالد السمني وهو كذاب.
(3) متصل رواه ابن المبارك في "الزهد": (12)(1/1053)
ثم نبأ بما كائن إلى يوم القيامة، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه ". رواه الطبراني في الكبير (1) عن طالب بن قرة الأزدي أبا محمد بن عيسى الطبّاع ثني أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن يزيد بن أبي مريم عن أبيه به ونبا محمد بن إسحاق بن إبراهيم ثنا به أبي وثنا الحسن بن إسحاق التستري نبا عثمان بن أبي شيبة قالا: ثني جرير عن عطاء به، وحديث جبير بن مطعم: " أنّ رسول الله صلي الله عليه وسلم علي كان في سفر فقال: من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الفجر فقال بلال ثنا فاستقبل مطلع الشمس فضرب على أذانهم حتى أيقظهم حرّ الشمس ثم قاموا فنادوا ركابهم ثم توضئوا وأذّن بلال ثم صلوا ركعتين الفجر ثم صلوا الفجر " (2) . رواه أيضا عن علي بن عبد العزيز حجاج بن منهال وابن عائشة، ونبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل نا هدية بن خالد قالوا: ثني حماد بن سلمة عن عمرو بن منير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه به، وحديث أبي جحيفة السوائل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره الذي ناموا فيه وطلعت الشمس. فقال: إنكم كنتم أمواتا، فرد الله تعالى أبيكم أرواحكم، فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ، ومن نسى صلاة فليصلها إذا ذكر " (3) . رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن الفضل بن لكن عن عبد الجبار بن أبي جحيفة عن أبيه به، ومرسل زيد بن أسلم قال: "عرَس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة ووكل بلالا أن يوقظهم آلاف فرقد بلال ورقدوا
__________
(1) صحيح. رواه الطبراني: (12/288) .
(2) صحيح. رواه الطبراني (2/179) ، واستذكار (1/110) . وباللفظ السابق وفيه " الصحيح" مكان " الفجر". ورواه النسائي (1/298) ، وأحمد (1/494، 4/81، 90) ، والمنثور (5/329) ، والتمهيد (5/252، 254) ، والكنز (2280) ، ونصب الراية (2/159) ، ومعاني (465،1/401) .
(3) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (14/162،2/64) ، واستذكار (1/109) ، والمنثور (4/294، 5/329) ، والتمهيد (5/258) ، والكنز (20160، 22684) ، والعقيلة (2/347) ، ولسان (3/1711) ، والمجمع (1/322) وعزاه إلى " أبو يعلى" والطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات.(1/1054)
حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس " الحديث رواه مالك/في الموطأ (1) ومرسل عطاء بن أبي رباح: " أن النبي عليه السلام لما نام ليلة التعريس واستيقظ صلى ركعتين في معرسه ثم ساروا" (2) . رواه ابن أبي شيبة، وفي كتاب عبد الرزاق عن ابن جريج، أخبرني سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار: أنّ التعريس كان في غزوة تبوك وأنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمر بلالاً فأذّن في مضجعه ذلك بالأول ثم مشوا قليلاً ثم أقاموا فصلوا الصبح" (3) ، وحديث قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنام حتى طلعت الشمس فأمر بلالاً فأذن ثم توضأ فصلوا ركعتين ثم صلوا الغداة". رواه الدارقطني (4) في سننه عن الحسين بن إسماعيل ثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم نا عبد الصمد بن النعمان نا أبو جعفر الرازي عن يحيي بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه، وفيه انقطاع بينهما، بين بلال وسعيد والله تعالى أعلم، وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي ينسى الصلاة قال: "يصلى إذا ذكر" خرجه في الأوسط (5) عن موسى بن هارون نا إسحاق بن راهوية أنبأ معاذ بن هشام حدثنى أبي عن عامر الأحوص عن الحسن عنه، وقال: لم يروه عن عامر إّلا هشام تفرد به معاذ، وحديث ميمونة بنت سعد أنها قالت: يا رسول الله افتنا عن رجل نسى الصلاة حتى طلعت الشمس أو غربت ما كفارتها قال: "إذا ذكرها فليصلها وليحسن صلاته وليتوضأ وليحسن وضوءه فذلك كفارة ". رواه أبو القاسم (6) من حديث عبد
__________
(1) مرسل. رواه مالك في: وقوت الصلاة، (ح/26) .
(2) تولى: "ساروا" وردت "بالأصل" "شاورهم" وهو تحريف، والصحيح الأولى.
(3) ضعيف جدا. بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (32311) وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" وفيه سهل بن فلان الفزاري عن أبيه وهو مجهول.
(4) ضعيف. رواه الدارقطني: (1/381) . قلت: إسناده منقطع.
(5) ضعيف. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (32211) من حديث عمران، وعزاه إلى الطبراني، وفيه محمد بن موسى بن أي نعيم ضعفه ابن معين، ووثقه أبو حاتم وابن حبان، وقال حمد بن عنان: ابن أبي نعيم صدوق.
(6) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/323) من حديث ميمونة، =(1/1055)
الحميد بن يزيد عن أمة بنت عمر بن عبد العزيز عنها. غريبه: التعريس:
النزول في المعهد أي: حين كان من ليل أو نهار، وقال زهير: وعرسوا ساعة في كتب اسمه ومنهم بالتسوميات معترك، ويروى صبحوا قليلا ويعرس أي: [490/ب] ينزل أول الليل، قيل: والتعريس النزول في آخر الليل،/وعرّس المسافر: نزل في وجه السحر ذكره ابن سيّده، زاد في الصحاح: وأعرسوا لغة فيه قليلة والموضع معرس ومعرس، والقفل يقال: قفل الجند من الغزو إلى أوطأنهم قفلاً
وقفولًا، وهذا وقت القفل، ورأيت القفل أي: القفال. كما يقال القفل للقاعدين عن الغزو وأقفلهم الأمير ذكره في باب الحقيقة من كتاب الأساس، وفي الجامع: يقفلون ويقفلون منهم، فقال جمع: قافل ولا يكون القافل إلا ليرجع إلى منزله ووطنه وقول امرئ القيس:
نظرت إليها والنجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشت لقفال
إّنما وريد نظرت إلى نارها تشب لقفال والنجوم كأنها مصابيح رهبان وذلك آخر الليل، فإذا كانت النار تشب في هذا الوقت دلّ على كثرتها في أوّل الليل، وسموا القافلة من ذلك، أنهم يرجعون إلى أوطأنهم ولا يسمون عند الذهاب قافلة، وإنّما ذلك اسم عند الرجوع على ما ذكرنا، وفي شرح الفصيح لابن هشام، وإن كانت خارجة فهي الصائبة سميت بذلك على وجه القفال، وفي الاصطلاح: قفلوا هم قفولًا وقفلاً، وحكى مكي عن الخليل: قفلت الجند بغير ألف، قال أبو عمرو بن عبد البر: في هذه الأخبار ما يدلّ ا! عمومه كان مرة واحدة، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ثلاث مرات وقال القاضي أبو الفضل: حديث أبي قتادة غير حديث أبي هريرة وكذلك حديث عمران، ومن الدليل على أنّ ذلك وقع مرتين؛ لأنه قد روى أنّ ذلك كان، من الحديبية وفي رواية بطريق مكة، والحديبية كانت في السنة السادسة، وإسلام عمران وأبي هريرة الراوي حديث، قفوله من خيبر كأنَّ بها في السنة السابعة بعد الحديبية، وهما كثنا حاضرين الواقعة، ولو احتج محتج لترجيح قول من
__________
= وعزاه إلى الطبراني في "الكبير" وفي إسناده مجاهيل.(1/1056)
زاد على الثلاث لو قال به قائل لكان مصيباً. لأنّ في حديث أبي هريرة/ [491/أ] حين قفل من غزوة حنين بالحاء المهملة كذا نص عليه الأصيلي، وغلط من قاله بالمعجمة، وحديث أبي قتادة قال أبو الوليد الباجي: يدلّ أنه من خيبر، وصرح في حديث ابن مسعود بأنه كان بالحديبية، وحديث عقبة وعطاء مصرّح بتبوك، وحديث ذى مخبر مصرح بأنه في سرية مبهمة، وكذلك اختلاف أسماء الكالئين، والمستيقظين فرأيت على المسند بقية المشايخ علي بن الحسن بن على بن محمد بن عبد القوي الأنصاري- رحمه الله تعالى- أخبرنا شيخ الإِسلام مفتى المسلمين أبو الحسن علي بن القدوة أبي العباس أحمد بن علي، أنبأ أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير عن أبي عبد الله محمد بن أبي محمد عبد الله التميمي أنبأ القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض سماعًا، قال فإن قلت فما نقول في نومه صلي الله عليه وسلم يوم الوادي وقد قال: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" (1) فاعلم أنّ للعلماء في ذلك أجوبة: منها: أنّ المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما ندر من غيره بخلاف عادته، ويصحح هذا التأويل قوله- صلى الله عليه وآله وسلم- في الحديث نفسه: "إن الله تعالى قبض أرواحنا" (2) ، وقول بلال فيه: ما ألقيت على نومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنّما يكون منه لأمر يريده الله؟ لإثبات حكم، وتثبيت سنة، وإظهار شرع، وكما قال قال الحديث الآخر لوَ شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعدكم الثانى أنّ قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه؛ لما روى: " أنه كان محروساً (3) ، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع خطيطه ثم
__________
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (2/67) ، ومسلم في (لصلاة المسافرين، ح/125) ، والترمذي (ح/439) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. والوسائط (3/234) ، وأحمد (6/104) ، وابن خزيمة (49) ، وتلخيص (3/135) ، ومشكل (4/135) ، واستذكار (1/99) ، والشمائل (144) ، والشفا (409،2/349،1/189) ، والتمهيد (6،209،5/208/393،392) .
(2) صحيح. رواه القرطبي (15/262) ، والشفا (2/349، 351) ، واستذكار (08/1181،1) . (3) قوله: "محروساً وردت "بالأصل" "محروما"، وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
__________(1/1057)
يصلى ولا يتوضأ" (1) ، وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوء منذ قيامه من [491/ب] النوم فيه مع نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على/مزيه بمجرّد النوم، إذ أصل ذلك الملامسة للأهل أو بحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه نام حتى سمعت خطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلَى ولم يتوضأ، وقيل لا ينام قلبه من أجل الوحي، وأنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس، وليس هذا من قفل القلب، وقد قال- عليه السلام-: إن الله قبض أرواحنا، ولو شاء ردها إلينا" (2) ، في حين غير هذا فإن قيل: فلولا عادته من استغراق النوم؛ لما قال لبلال: أكلأ لنا الصبح، فقيل في الجواب: أنه كان من شأنه- عليه السلام- التقليس بالصبح، ومراعاة أوَل الفجر لا تصح ممن نامت عينيه، إذ هو ظاهر يدرك بالجوارح الظاهرة فوكل بلالاً بمراعاة أوّله؛ ليعلمه بذلك كما لو شغل بشغل غير النوم عن مراعاته، وزعم بعضهم أن قوله- عليه السلام-: "ارتحلوا" (3) ، أو أخَر الصلاة، معارض بقوله فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، ويجاب بأنَ الارتحال إَنما كان بسبب الشيطان الذي كان بذاك الوادي، وهذا من المغيبات التي لا يطلع عليها إلها الأنبياء- عليهم السلام-، وقيل أنه الأمر بالارتحال منسوخ بقوله: وأقم الصلاة لذكرى" كذا قاله ابن حزم، وهو قول غير صحيح؟ لأنه الآية مكيّة فكيف يوجه النسخ بها هنا، والنسخ لا يصح قبل وروده، وتعلَق الخفيون بهذا على أنه الصلاة لا تقتضي عند طلوع الشمس، وأجيب بأجوبة أحدها قوله فلم يوقظهم ألا حر الشمس، وهذا وقت مسوغ للصلاة إجماعًا.
الثاني: أنهما كان ارتحالهم، لأجل الشيطان أو لأجل الغفلة كما أسلفناه كما نهى- عليه السلام- عن الوضوء من بئر ثمود، وكنهيه عن الصلاة بأرض بابل.
الثالث: روى عطاء بن أبي رباح أن النبي- عليه الصلاة والسلام-:
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/202) ، وأحمد (1/245) ، والبيهقي (1/121، 122) .
(2) انظر: الحاشية السابقة.
(3) قوله: "ارتحلوا" غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.(1/1058)
"ركع ركعتين في معرسة/ثم صار " وبنحوه ذكره، وبخبر فيما أسلفناه، [492/أ] والوقت الجائز فيه الصلاة النافلة يجوز فيه الفريضة إجماعًا، وقال ابن حزم:
واستسكن بعضهم قوله فليقص معها وليصليها من الغد لوقتها أو فلصلها إذا ذكرها، ومن الغد للوقت، وأنهم قالوا: يا رسول الله، أنقضها لميقتها من الغد ونصلي كذا، وكذا صلاة. قال: لا. وليس كذلك بل هو صحيح متفق المعنى، وإنما يشكل من هذه الألفاظ قوله: مثلها، وإذا توصل فلا إشكال فيه؟ لأن الضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور ألا بدليل فالضمير في معها راجع للغداة لا للصلاة، أي: فليقضى مع الغداة بمثل هذه الصلاة، أي: تصلى بلا زيادة عليها، أي: فليؤد ما عليه من الصلاة مثل ما يفعل كل يوم، فتتفق الألفاظ كفها على معنى واحد انتهى، قال ابن عبد البر: قد اختلف العلماء في النفس والروح هل هما شيء واحد أو شيئان؟ لأنه قد جاء في الحديث:
"إن الله قبض أرواحنا" (1) ، وفي حديث سعيد قال بلال: "أخذ بنفسي
الذي أخذ بنفسك " (2) ، فقال جماعة من العلماء: هما شيء واحد، ومن
حجتهم قوله تعالى: {الله يتوفي الأنفس حين موتها} (3) الآية، وذكر عن
ابن عباس، وسعيد بن جبير في هذه الآية أنهما قالا: بقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا يتعارف ما شاء الله أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مُسمى نفس الآية كما ترى، فقالا: بقبض الأرواح، وقد جاءت بلفظ الأنفس، وقال آخرون: النفس غير الروح، واحتجوا بان النفس مخاطبة منهية مأمورة، واستدلوا بقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} (4) ، وقوله: {أن تقول نفس يا حسرتى} (5) قالوا: والروح لا تخاطب ولا تؤمر، ولم ينه في شيء من القرآن، وتأولوا: قول بلال أخذ بنفسي أي أخذ بنفسي من النوم/ما أخذ [492/ب]
__________
(1) انظر: الحاشية رقم "1" السابقة.
(2) صحيح. وتقدم. رواه ابن ماجه (ح/697) . وصححه الشيخ الألباني.
(3) سورة الزمر آية: 42.
(4) سورة الفجر آية: 27.
(5) سورة الزمر آية: 56(1/1059)
بنفسك في التفسير سنية عن ابن جريج في قوله تعالى: {الله يتوفي
الأنفس} قال: في جوف الإنسان، روح ونفس وبينهما في الجوف مثل
شعاع الشمس فإذا توفي الله الَأنفس كانت الروح في جوف الإِنسان، فإذا
أمسك الله نفسه أخرج الروح من جوفه، وإن لم يمته أرسل نفسه أبيه فرجعت إلى مكانها قبل أن يستيقظ، قال ابن جريج: وأخبرت عن ابن عباس نحو هذا الخبر، وقال وهب أنّ أنفس الآدميين كأنفس الدواب التي تشتهي وتدعو إلى الشر، ومسكن النفس البطن، إلا أنّ الإنسان فُضِّل بالروح، ومسكنه الدماغ، فإذا انحدرت الروح إلى النّفس، والَتقيا بأمّ الإنسان، فإذا استيقظ رجعت الروح إلى مكانها، ويعتبر ذلك بانك إذا كنت نائَماً، فاستيقظت، كان كلّ شيء إلى رأسك، وعن عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك: النفس جسد مجدّ طلق الإنسان، والروح كالماء الجاري واحتج بقوله تعالى: {الله يتوفي الأنفس} ، قَال: ألا ترى؟ أنّ النّائم قد توفي الله نفسه وروحه صاعدة ونازلة أنفاسه قيام، والنفس تسرح في كل وادي، وترى ما تراه من الرؤيا، فإذا أذن الله في ردها إلى الجسد عادت واستيقظ بعودتها جميع أعضاء الجسد حرّك السمع والبصر وغيرهما من الأعضاء، قال: والنفس غير الروح، والروح كالماء الجاري في الجنان، وإذا أراد الله إفساد ذلك البستان منع منه الماء الجاري
فيه فماتت حياته لذلك الإنسان، قال أبو عمرو والله أعلم بالصحيح، وما
ذكرناه من الحجج فليس بحَجة واضحة، ولا هو ما يقطع بصحته، لأنه ليس فيه خبر صحيح يقطع العدو، ويوجب الحجة، ولا هو مما يدرك بقياس، ولا استنباط، بل العقول تعجز عن علم ذلك، وقد يضع العرب النفس موضع [493/أ] الروح والروح موضع/النفس، فيقولون: خرجت نفسه وفاضت نفسه، وخرجت روحه إما لأنهما شيء واحد قوة لأنهما شيئان متصلان لا يقوم أحدهما دون الآخر، وقد يسمون الجسد نفساً، ويسمون الدم جسداً، قال النابغة: وما ارتد على الأنصاب من جسد يريد من دم، وقال ذو الرمة:
فجعل الجسد نفسًا يقابل الروح من نفس إذا احتضرت؛ وغافر الذنب
زحزحة ان عن النار، وقال آخر فجعل الدم نفسا يسيل على حدّ انطباع نفوسنا
__________
(1) قوله: "زحزح" وردت "بالأصل" "زخر" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتاه.(1/1060)
وليست على غير السيوف تسيل، ويقال للنفس نسمة قال- عليه السلام- "إنّما المؤمن طائر" (1) يعني روحه، وذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة في كتاب معرفة الروح، والنفس تأليفه، أنّ بعضهم قال: أرواح الخلق كلّها مخلوقة، وهو مذهب أهل الجماعة والأثر، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة " (2) ، وقال بعضهم: الأرواح أمر من أمره تعالى أخفى (3) الله حقيقتها وعلمها عن الخلق، واحتجوا بقوله تعالى: {قل الروح من أمر ربى} (4) ، وقال بعضهم الأرواح نور من نور الله تعالى، وحياة من حياته، واحتجوا بقوله- عليه السلام-: "إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم نورًا من نوره " (5) ، ثم اختلفوا في الأرواح هل تموت بموت الأبدان والأنفس أولًا تموت؟ فقالت طائفة: الأرواح لا تموت ولا تبلى واحتجت بقوله عليه السلام: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر. وقال بعضهم: الأرواح تموت ولا تبلى وتبلى الأبدان، واحتجوا بحديث: الصور، وقالت جماعة: الأرواح على صور الخلق لها أيد وأرجل وأعين وسمع، وقال بعضهم: الأرواح تعذب كما تعذب الأجسام، واحتجوا بقوله تعالى: {إنّ
__________
(1) صحيح. رواه النسائي (08/14) ، وابن ماجة (ح/4271) ، وأحمد (3/455، 456) ، ومنحة (740) ، وابن كثير (8/27) ، والحلية (19/56) ، والإتحاف (5/23، 1/3870) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (4/305) ، وتجريد (467) ، وبداية (14/225) ، وحبيب (2/305) ، وتجريد (467) ، وبداية (1/2254) ، وحبيب (2/68) ، وتمهيد (5/248) ، والكنز (42691) . وصححه الشيخ الألباني. (2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (4/162) ، ومسلم في (البر والصلة، ح/159، 160) ، وأبو داود صح/4834) ، وأحمد (2/295، 527، 539) ، والطبراني (6/323، 10/283) ، وشرح السنة (13/57) ، والمشكاة (5003، 5004) ، والخطب في " تاريخه " (3/329، 4/351) ، والحلية (1/198، 4/67، 110) ، وأصفهان (1/238، 2/94) ، وصفة (365) ، وابن كثير (2/5/370،77،1/303،302) ، والمغنى عن حمل الأسفار (2/159) ، والدور (13) ومسند الشهاب (274) .
(3) قوله: "أخفى" وردت "بالأصل" "أحين" وهو تحريف والصحيح ما أثبتناه.
(4) سورة الإسراء آية: 85.
(5) صحيح. رواه أحمد (2/176، 197) ، والحاكم (3011) . وقال: "صحيح" وافقه الذهبي. وابن حبان (1812) ، والمنحة (57) ، وجري (175) ، وإتحاف (521110، 491111) ، وعاصم (1/107، 308،111، 2/633) ، والمشكاة (101) ، والجوامع (4816) . وصححه الشيخ الألباني.(1/1061)
كتاب الفجار} (1) ، قالت طائفة: تعذب الأرواح والأبدان جميعًا، وكذلك
تنعم، وقالت طائفة: تبعث الأرواح؟ لأنها من حكم السماء ولا تبحث
[493/ب] الأبدان/لأنها من حكم الأرض، وهذا كلام مستحيل، وقال بعضهم: تبعث الأرواح ونفس لله لها أجساماً من الجنة، وهو مثل الذي قبله، وقالت طائفة:
للمؤمن ثلاثة أرواح، وللكافر والمنافق روح واحدة، وقال بعضهم: للصديقين
خمسة أرواح، وقال بعضهم: الروح روحانية خلقت من الملكوت، فإذا صفَّت
رجعت إلى الملكوت وقال بعضهم!: الروح روحان روح اللاهوتية، وروح الناسوتية، وقال بعضهم: الأرواح لاهوتية، والنفس أرضية طينية نارية، وقال
بعضهم: الأرواح تتناسخ، وتنتقل من جسم إلى جسم، وهذا شر الأقاويل
وأبعدها من الأثر، وقالت طائفة: وهم أهل الأثر: الروح غير النفس، وقوام
النفس بالروح ولا عدو أعدى لابن آدم من نفسه، لا تريد ألا الدنيا، والروح عكسها، وقد جعل الهوى تبغا للنفس، والشيطان مع النفس والهوى والملك
مع العقل والروح، وذكر ابن الحباب في كتاب معرفة الروح عن ابن عباس
مرفوعا: واستغربه أن للبهائم، والكفار ثلاثة أرواح: روح الشهوة، وروح القوة،
وروح البدن، والمؤمن يزيد عليهم بروح الإِيمان، قال ابن المنذر: من نام عن
صلاة أو نسيها، صلاها متى استيقظ أو ذكر، روى ذلك عن علي وروى
معنى ذلك عن غير واحدة من الصحابة، وبه قال: النخعي، وأبو العالية،
والشعبي، والحكم، وحماد بن مالك، والأوزاعي، ومحمد بن إدريس الشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور- رضي الله عنهم أجمعين-، قال القرطبي: في
الحديث دليل على وجوب القضاء على النائم والناسي كثرت الصلاة أو قلت،
وهذا مذهب العلماء كافة، وقد حكى خلاف شاذ عن بعضهم فيمن زاد
[494/أ] على خمس صلوات أنه لا يلزم قضاء/وأما من تركها عامداً، فالجمهور وجوب القضاء وفيه خلاف عن داود أبي عبد الرحمن الأشعري، وقال
الثوري: وهو قول شذ به بعض أهل الظاهر، وفي كلامه نظر؛ لأن داود فمن
بعده قالوا به، الثاني: ان أبا محمد بن حزم ذكر أنه أيضا قول عمر بن
__________
(1) سورة المطففين آية: 7(1/1062)
الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان، وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد، وبديل العقيلي، ومحمد بن بشير، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم فأيّ شذوذ مع هؤلاء؟ وفي صحيح ابن خزيمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة تلك الصلاة التي قد نيم عنها أو نسيها من الغداة لوقتها بعد قضائها عند الاستيقاظ أو عند ذكرها أمر فضيلة لا أمر عزيمة، وفريضة إذ النبي- عليه السلام- قد أعلم أنّ كفارة نسيان الصلاة أو النوم عنها أن يصليها النائم عند الاستيقاظ، وأمر النسيان إذا ذكرها، واعلم ان لا كفارة لها إّلا ذلك، وأما الحديث الذي ذكره الجوزقاني من طريق أبي عاصم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أم سلمة قال: دخل شاب من أهل الطائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أضعت صلاتي فما جبلتي؟ قال: "من صلى ليلة الجمعة ثمان ركعات، قرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، مرة قل هو الله أحد فإذا سلمت صلى على النبي الأمي ألف مرة فإن الله يجعل ذلك كفارة لصلاتك، ولو تركت صلاة ما بنى سنة وضر الله لك الذنوب كلها" (1) ، الحديث بطوله فحديث باطل نصت عليه الموضوعات وهو مخالف لقوله: "لا كفارة إّلا ذلك "، ولحديث جابر بن عبد الله: أن رجلًا قال يا رسول الله: إنى تركت صلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقضي ما تركت " فقال/كيف أقضى؟ قال: "صل مع كل صلاة صلاة مثلها "، [494/ب] قال يا رسول الله قبل أم بعد؟ قال: "لا بل قبل " (2) هذا حديث كريب لم يكتبه ألا بهذا الإِسناد يعني قوله: ثنا أحمد بن نصر ثنا عبيد الله بن أبي عبد الله بن مندة أنبأ أبو الميموني محمد بن عبد الله بن أحمد بن مطرف المديني تريد عسقلان، ثنا أبو ذهل عبد الله بن محمد العازي بعسقلان ابنا محمد بن سلم بن عبد الله الزاهد بعسقلان، أنبأ القاسم بن معين ثنا ابن المسيب، ثنا عطاء بن أبي رباح فذكره، وذكر الدبوسي عن محمد بن الحسن في الأصل أن النبي- عليه السلام- أذَّن للفجر وأقام ليلة التدريس قال: ومن روى خلافه
__________
(1) باطل. كما ذكر المصنف.
(2) موضوع. اللآلئ المصنوعة (2/13) والموضوعات (2/102) .(1/1063)
يحمل على أنّ الراوي لم يحضر الأذان، وروى أبو يوسف سنده ان النبي- عليه السلام- أذّن وأقام لقضاء ما فاته يوم، وفي حديث مالك بن الحويرث أنه قال له: ولصاحب له:! إذا سافرتما فأذنا وأقيما " (1) ، والمسافر مستغنى عن أعلام الناس ودعائهم في موضع لا قوم به، والله تعالى أعلم، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
* * *
(1) بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/255،2/64) ، من حديث أبي هريرة، وعزاه إلى "البزار" وإسناده حسن. ولفظه: "إذا سافرتم فيؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم وإذا أمكم فهو أميركم".(1/1064)
110- باب الصلاة في العذر والضرورة
حدثنا محمد بن الصباح، ثنا عبد العزيز عن محمد الدراوردي، أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بشر بن سعيد عن الأعرج يحدّثونه عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها "، هذا حديث خرجه الشيخان (1) في صحيحهما، حدثنا أحمد ابن عمرو بن السرج وحرملة بن يحيى المصريان قالا: ثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة/أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " هذا حديث خرجه مسلم (2) - رحمه الله تعالى- بزيادة والسجدة إنّما هي الركعة، حدثنا أحمد بن الحسن ابنا عبد الأعلى، ثنا يعمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعني فذكر نحوه هذا قطعة من الحديث الأوّل، يدل على ذلك أنّ أبا العباس الطرقي ذكرهما في ترجمة واحدة، وأما البخاري ففرّق بينهما كما فعل ابن ماجه، وزعم ابن عساكر أنّ ابن ماجة خرّجه عن جميل عن عبد الأعلى عن معمر وعن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمّار عن سفيان عن الزهري به، وأقره على ذلك المزي، ويشبه أن يكون وهمًا، فإنّ ابن ماجة ليس فيه إلا ما رأيت، واستظهرت بنسخة أخرى،
__________
(1) صحيح، متفق عليه. أورده الألباني في "الإرواء" (1/272) ، وعزاه إلى البخاري ومسلم في (المساجد، ح/165) ، وأبو داود (ح/412) ، وابن ماجة (ح/699، 700) ، وأحمد (2/254، 282) ، البيهقي (1/368) ، وعبد الرزاق (2224) ، وأبو عوانة (1/371) .
(2) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في (المساجد، ح/164) ، والترمذي (ح/186) ، وصححه. وابن ماجه صح/699، 700) ، والبيهقي (1/378، 379) ، وأبو عوانة (1/372) ، ونصب الراية (1/228) ، وحبيب (1/45) .(1/1065)
والله تعالى أعلم، ولفظ البخاري: (1) : "من أدرك من الصبح ركعة"، وفي لفظ لمسلم (2) : "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها"، ولفظ النسائي (3) : " فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته"، وفي لفظ لأبي داود: "إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر" (4) ، وفي مسند السراج من حديث أبي غسان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: "من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس، ثم صلى ما بقى بعد غروب الشمس، فلم يفته العصر، ومن صلى سجدة واحدة من الصبح قبل طلوع الشمس، ثم صلى ما بقى بعد طلوع الشمس لم يفته الصبح "، وفي لفظ: " من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس، وركعة بعد ما تطلع فقد أدرك" (5) ، وفي لفظ: " من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته" (6) ، وفي لفظ: "من أدرك ركعة
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) صحيح. رواه مسلم (423) ، وأبو داود في (الجمعة، باب 345،) ، البيهقي (02/3،03387،22) ، وموطأ (105) ، وشفع (942،411) ، وشرح السنة (2/249) ، وعبد الرزاق (3369) ، والتمهيد (7/63، 65، 71) ، ومشكل (3/105) ، والفتح (2/57) ، والعقيلي (4/398) .
(3) صحيح. رواه النسائي (1/274) ، والترمذي (ح/524) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو عوانة (2/80) وابن ماجه (1122) وأحمد (265،2/241، 375،280) والبيهقي (3/203) وابن خزيمة (1849) ، ومشكل (3/105) ، والخطيب (3/39) ، والتمهيد (7/63) ، وابن عساكر في "التاريخ" (5/203) .
(4) صحيح. رواه النسائي (21/57) ، والبيهقي (1/378) ، وصححه الشيخ الألباني. الصحيحة (5/258) .
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/186) ، والنسائي (1/273) ، وابن ماجة صح/699، 700) ، وابن حبان (283) ، والخطيب (8/455) ، والحديث نسبه المجد في المنتقى لأحمد وأصحاب الكتب الستة. وانظر نيل الأوطار (1/22- 23) ورواية محمد بن الحسن) ص 128) .
قال الحافظ في الفتح (2/46) : "نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر".
(6) بنحوه. رواه النسائي (1/257) ، وأحمد (2/348، 459) ، والتمهيد (3/273) ، ومعاني (1/150) .(1/1066)
من/الجمعة فليصل معها أخرى" (1) ، وفي لفظ: " من صلى سجدة واحدة من العصر قبل غروب الشمس، ثم صلى ما بقى بعد غروب الشمس فلم يفته العصر " (2) ، وفي لفظ: " من أدرك قبل طلوع الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة ومن أدرك قبل غروب الشمس سجدة فقد أدرك الصلاة (3) ، وفي حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة: " من أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركهما " (4) ، نا يوسف بن موسى، نا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوف قال: " من أدرك ركعتين "، هكذا قال: " من العصر قبل أن تغرب الشّمس فقد أدرك الصلاة "، وعند أبي عمر من حديث إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم عن الأعرج: " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، وصلى الأخرى بعد طلوع الشمس فقد، أدرك ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس، وصلى أخرى بعدما غربت الشمس فقد أدرك " (5) ، ولفظ: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها " (6) ، وفي كتاب ابن خزيمة من
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني (2/11) ، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/192) وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" وفيه إبراهيم بن سليمان الدماس ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه ابن ماجة (ح/1123) ، وليس فيه قوله "ألا أن يقضى ما فاته". وصححه الشيخ الألباني. الارواء (3/84) .
(2) صحيح. رواه أبو عوانة (1/358) ، ونصب الراية (1/228) .
(3) صحيح. رواه أحمد: (2/399) .
(4) صحيح. رواه أحمد: (2/462) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/202) ، والخطيب (7/401) ، وابن خزيمة (984) ، والنسائي (1/257) ، والكنز (19272) ، ومعاني (1/150) . (5) صحيح. رواه مسلم في "المساجد" ح/163) والموطأ (6) والشفع (143) وشرح السنة (2/248) والتمهيد (3/270، 5/214، 6/402، 7/66) واستذكار (1/92) والبيهقي (1/368، 376، 386) . وصححه الشيخ الألباني. الارواء (1/273) .
(6) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في (المساجد، ح/163) ، وأحمد (42/62) ، والبيهقي (386،379،1/368) ، وابن أي شيبة (11/874) ، وابن حبان (283) ، والشافعي (27) ، وأبو عوانة (1/358، 373) ، واستذكار (1/41، 54، 78، 102) ، ونصب الراية (1/228) ، والتمهيد (4/5،3/270،296/7/651،21! 7/8) .(1/1067)
حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن أبي هريرة: "من أدرك ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس أو ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك " (1) ، وخرجه أيضاً من حديث سهيل عن أبيه، وفي لفظ للنسائي (2) : " من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها " وفي لفظ: "من أدرك من الجمعة أو من غيرها فقد تمت صلاته " (3) ، وفي لفظ: "إذا أدرك أحدكم أول السجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإن أدرك أوّل السجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع/الشمس فليتم صلاته العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته " (4) ، ولفظ الدارقطني (5) : "من أدرك ركعة من الصلاة قبل أن يقيم الإِمام صلبه فقد أدركها "، وروي سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أنّ النبي- عليه السلام- قال: " من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضى ما فاته " (6) . وفي كتاب ابن عدى من حديث نوح بن مريم عن الزهري: "من أدرك الإمام جالسًا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة وفضلها " (7) ، ورواه بكر بن بكَار عن ياسين الزيات عن الزهري عن سعيد، وأبي سلمة عنه يرفعه: "من
__________
(1) صحيح. رواه ابن خزيمة (984) ، والتاريخ الكبير (2/201) ، والخطيب (8/455) ، والنسائي (1/257) ، والكنز (19272) ، ومعاني (1/150) .
(2) صحيح. رواه النسائي (1/274) ، وأبو عوانة (2/80) وابن عدي في "الكامل" (4/1593) ، والتمهيد (7/63) ، وابن عساكر في "التاريخ" (5/203) .
(3) صحيح. رواه الحاكم (1/291) ، والمطالب (632،631) ، والكنز (129108،21128،2121) ، والبيهقي (3/203) ، والخطيب (1/2571) .
(4) صحيح. رواه النسائي (21/57) ، والبيهقي (1/378) ، والصحيحة (25/58) .
(5) صحيح. رواه الدارقطني (1/374) ، البيهقي (3،2/89/0302،22) ، ونصب الراية (1/228، 229) ، وابن خزيمة (1595) ، واستذكار (1/80) ، وأبو عوانة (2/.! 81) ، والإرواء (2/261) .
(6) صحيح. رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) .
(7) صحيح. رواه الدارقطني (2/12) ، والكنز (10697) قلت: وله شواهد صحيحة.(1/1068)
أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسَا صلى الظهر أربعاً" (1) . وفي رواية قال- عليه السلام- " من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً أو قال الظهر"، وفي لفظ لعلي بن ظبيان: " ومن نام عن صلاة فليصلها إذا ذكرها" (2) ، ولفظ يحيى بن حميد البصري عن قرّة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أبي سلمة عنه: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإِمام صلاته" (3) ، ثم قال: وهذا زاد في متنه صلاته، وهذه الزيادة يقولها يحيي ولا أعرف له غيره، وروى يزيد بن عياض، وهو متروك عن أبي حازم عن ابن المسيب: " من أدرك سجدة فقد أدرك الركعة "، وفي حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن الزهري؛ ومكحول عن أبي سلمة عنه " فقد أدرك الفضيلة ويتم ما بقى ". قال: وابن ثوبان ضعيف، وفي الاستذكار: وروي عبيد الله بن عبد المجيد أبو عليه الحنفي عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عنه مرفوعا: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل " (4) ، وهذا ولا أعلم أحدَا قاله عن مالك غيره، وروى/عمار بن مطر عن مالك عن الزهري [496/ب] عن أبي سلمة عنه لذلك، من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها، وهذا أيضَا لم يقله عن مالك غيره، وهو مجهول لا يحتج به، وروي نافع عن يزيد عن سرين بن الهاد عن عبد الوهاب عن أبي بكر عن ابن
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجة (ح/1121) في الزوائد: في إسناده عمر بن حبيب متفق على ضعفه. والمشكاة (1419) وابن عدي في "الكامل" (7،6/2190،2/646،1/28/245،682642، 2741) . وصححه الشيخ الألباني.
(2) صحيح. رواه ابن أبي شيبة (2/64) ، واستذكار (1/115) ، والتمهيد (248،5/214، 6/403) ، والمسانيد (2/633) .
(3) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في (المساجد، ح/161، 162) ، والموطأ (10) ، والبيهقي (03/23) ، وأبو عوانة (1/372، 2/8، 79، 80) ، والشافعي (69) ، والمشكاة (1412) ، واستذكار (1/77، 78) ، والإرواء (3/90) ، والصحيحة (3/186) .
(4) رواه ابن عبد البر في "التمهيد " (7/64) ، واستذكار (1/77) . رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) ، وليس فيه "الفضيلة".(1/1069)
4961/بن
شهاب عن أبي سلمة عنه مرفوعا: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك
الصلاة وفضلها " (1) ، وهذا أيضا لم يقله أحد عن ابن شهاب غيره، وليس
ممن يحتج به على أصحاب بن شهاب، وقد روى هذا الحديث الليث بن سعد
عن ابن الهاد عن ابن شهاب فلم يذكر في الإِسناد عبد الوهاب، ولا جاء
بهذه اللفظة أعنى قوله وفضلها، ولما ذكر الأشبيلي هذا في الأحكام الكبرى
وثق رواته عن نافع، وهو النَّصر بن عبد الجبار، وفي المشكل للطحاوي، وأكثر
الرواة لا يذكرون هذه اللفظة، وهو الأظهر، وفي سنن الكجي: " من أدرك
من صلاة ركعة فقد أدركها " (2) ، وفي مسند البزار من حديث أبي بكر بن
أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن سعيد
وأبي سلمة عنه قال: " من أدرك ركعة من الصلاة كلها فقد أدركها كلها
إّلا أنه يقضى ما فاته" (3) ، وفي حديث هشام بن سعد الذي قرأته على المسند
المعمر عبيد الله بن على بن شبل- رحمه الله تعالى- أخبركم الإمام أبو عبد
الله محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عمران الأنصاري قراءة عَليه عن أبي
جعفر محمد بن أحمد الصيدلاني أنبأ أبو منصور محمد بن إسماعيل الصيرفي
قراءة عليه، وأنا حاضر، أنبأ أبو بكر محمد بن عبد الله، بن شاذان أنبأ أبو بكر
عبد الله بن محمد بن فورك، أنبأ أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد السلام التميمي أنبأ الإمام أبو نعيم الفضل بن دكين بجميع كتاب الصلاة عن
[497/أ] هشام بن سعد، َ نا/زيد بن أسلم قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من أدرك ركعتين قبل أن تغرب الشمس، وركعتين بعدما غابت الشمس فلم يفته العصر " (4) ، قال أبو نعيم: نا شيبان عن يحيي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أدرك أحدكم أوَّل سجدة من صلاة
__________
(1) الحاشية السابقة.
(2) تقدم ص 1068.
(3) تقدم ص.1068
(4) صحيح. رواه النسائي (1/257) ، وأحمد (2/462) ، والبخاري في "التاريخ الكبير"
(02/21) ، والخطيب (7/8/4/45501) ، وابن خزيمة (984) ، ومعاني (1/150) ، والكنز(1/1070)
العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك أوَّل سجدة من صلاة
الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " (1) ، وفي المستدرك على شرط الشيخين: "من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم
صلاته " (2) ، ولما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا اللفظ فقلت له: ما حال هذا
الحديث؟ فقال فقد روى هذا الحديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن
فروة ابن تميم عن أبي هريرة، ورواه همام بن يحيى عن قتادة عن النضر بن
أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال: إنى أحسب الثلاثة كلها صحاح،
وقتادة كان واسع الحديث، وأحفظهم سعيد بن أبي عروبة قبل أن يختلط ثم
هشام ثم همام، وقال في موضع آخر: سألت أبي عن حديث رواه عثبر
وجرير عن الأعمى عن أبي صالح عن أبي هريرة: " من أدرك من العصر
ركعة قبل أن تغيب الشّمس" (3) 0 الحديث لا يرفعه، قال لي: ورواه شعيب بن
خالد ومحمد بن عباس العامري، وعمر بن أبي قيس، وسفيان الثوري من
رواية السلمان بن عبد السلام عنه فقالوا كلّهم عن النبي صلي الله عليه وسلم، قال أبي: والصحيح عندي موقوت، وفي موضع آخر رواه الثوري، وجرير بن عبد
الحميد، وأبو بكر بن عياش عن الأعمى فوقفوه، وفي الباب حديث عمر بن
الخطاب، وأبي سعيد الخدري المذكورين عند البخاري (4) ، وحديث رواه أبو
داود (5) عن ابن شدّاد، ثنا/أبو عوانة عن يعلي بن عطاء عن معبد بن هرمز [497/ب] عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجلاً من الأنصار الموت فقال: (إنّى
__________
(1) صحيح. رواه البخاري (1/146) ، وشرح السنة (2/250) ، والمشكاة (602) ، ونصب الراية (1/228) ، والكنز (20662) .
(2) صحيح. رواه النسائي (1/273) ، والدارقطني (2/84) ، والكنز (19270) . ورواه الحاكم وصححه. على شرط الشيخين.
(3) صحيح. مسند ابن حبيب: (1/45) قلت: الحاشية رقم (3،2) شاهدان لهذا الحديث.
(4، 5) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (1/151) ، ومسلم في (المساجد، ح/163) ، وأبو داود (ح/412) ، وأحمد (2/462) ، البيهقي (1/368، 379، 386) ، وابن أبي شيبة (11/874) ، وابن حبان (283) ، والشافعي (27) ، وأبو عوانة (1/358، 373) ، واستذكار (1/41، 54، 78، 102) ، ونصب
الراية (1/288) ، والتمهيد (1/296، 3/270، 5/214! 7/65! 8/77!.(1/1071)
محدثكم حديثَا ما أحدثكموه إلا احتسابا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر حديثا فيه: فان أتى المسجد وقد صلوا بعضاً، وبقى بعض خلى ما أدرك، وأتم ما بقى"، قال عبد الحق في الكبرى: معبد لا أعلم روى عنه إّلا يعلى بن عطاء، وحديث جابر قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة" (1) ، "ومن أدرك الإِمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة" (2) ، ذكره أبو أحمد من حديث كثير بن شنطير القائل فيه أحمد صالح، وابن معين ثقة عن عطاء عنه، وحديث عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها " (3) ، ذكره أيضا في ترجمة يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمير عن يحيي بن سعيد عن نافع عنه، وقال: هذا بهذا لا أعلمه إّلا من هذا الوجه، والحديث غير محفوظ، وذكره في باب إبراهيم بن عطاء الثقفي الواسطي عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن سالم عن أبيه، وقال: وهذا عن يحيي عن الزهري غير محفوظ، وإنّما يعرف من حديث بقية عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: وإبراهيم هذا ضعيف، وقال في باب بقية: خولف بقية في سنده ومتنه، فأمّا الإِسناد قبله عن سالم، وإنما هو عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، والمتن بقوله: " من صلى الجمعة"، والثقات رووه عنه فلم يذكروا الجمعة، ولما سئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث، قال: هذا حديث منكر، ورواه النسائي بسند صحيح عن أبي سلمة قال- عليه السلام-: "من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدرك إلا أنه يقضى ما فاته" (4) ، وزعم أنّ الأثر/في شرح المسند أنّ النسائي رواه عن ابن عمر مرفوعاً، ويشبه أن يكون وهمَا، قال الشّافعي: إذا أدرك المصلى من وقت الصلاة ركعة أتمّ ما بقى منها وإن خرج الوقت، وأبيه ذهب مالك وأحمد وإسحاق، وكان أبو ثور يقول: إنّما
__________
(1) صحيح. رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (7/63) ، واستذكار (1/77) .
(2) صحيح. رواه الدارقطني (2/12) ، والكنز (10697) .
(3) ضعيف. رواه النسائي (1/274) ، وأبو عوانة (2/80) ، وابن عدي في "الكامل" (4/1593) ، والتمهيد (7/63) ، وابن عساكر في "التاريخ" (05/23) .
(4) صحيح. رواه النسائي (1/275) ، والإرواء (3/89) .(1/1072)
ذلك لمن نام أو سها ولو تعمّد ذلك أحد كان مخطئا (1) مذمومًا بتفريط، وقد
روى ذلك عن الشافعي، وقال أبو حنيفة يصح ذلك في العصر دون الصبح،
وأما الركعة التي يكون بها مدركا، فعند أبي حنيفة، والشّافعي، والأوزاعي،
ومالك وأحمد وإسحاق إذا أدرك الإِمام راكعَا فكبر وركع قبل أن يرفع الإِمام
رأسه فقد أدرك، وهو قول علي، وابن مسعود، وزيد، وابن عمر الأشهب فأنه
قال: لا يكون مدركا ألا أن يجزم قبل ركوع الإِمام وقبل تمَكُّن يديه من
ركبتيه، وإن أدركه راكعَا فاتته الركعة، ولا يعتد بها سواء كبر قبل أن يرفع
رأسه أم لا، وهو قول أبي هريرة، وقال الليث بن سعيد: إذا جاء والناس
ركوع أجْزأه وإن لم يدرك الركوع، إذا كبَّر قبل أن يرفع الإمام رأسه ويركع
بعد ذلك كيف ما أمكنه، وتبع الإِمام ويعتد بالركعة، وقال الَشعبي إذا انتهيت
إلى الصف المؤخر ولم يرفع رأسه وقد رفع الإمام رأسه لْقد أدركته؟ لأن
بعضهم أئمة بعض، وذكر ابن هريرة أن ابن أبي ليلى، والثوري، وزفر قالوا: إذا
كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الصلاة، وليركع قبل أن رفع الإمام
رأسه، وقال قتادة، وحميد إذا رفع يديه على رأسه قبل أن يرفع الإِمام رَأسه
فقد أدرك، وإن رفع الإِمام رأسه قبل أن يضع يديه عل ركبتيه فأنه لا يعتد
بها، وقال ابن سيرين: إذا أدركت تكبيرة يدخل بها في الصلاة، وتكبيرة
للركوع فقد أدركت تلك الركعة، وتأوّل أبو حنيفة هذا الحديث على من
صار/أهلاً للوجوب كالصبي إذا بلغ وشبهه أو أنه منسوخ بالنهي عن الصلاة [498/ب] في هذين القضيتين، قال: لأنّ النهي أبداً يطرأ على الأصل الثابت، قال أبو حنيفة في المشكل: ومن الحجة لأهل العراق الذين يوجبون بإدراك تكبيرة
الإِحرام ما فوق ذلك من الوقت ما روى عن النبي- عليه السلام-: "أنَ
المسلم إذا توضأ ثم عمد إلى المسجد قال: فإن أدرك الجماعة غفر له ما تقدّم
من ذنبه، وإن أدرك منها بعضها، وسبق ببعض يقضى ما فاته فأحسن ركوعه وسجوده وكان كذلك، فإن جاء القوم قعود كان كذلك "، وهذا الذي
ذكرناه هو وجه النصفة في هذا الباب، وإذا لم يعلم المتأخّر من الحديث
__________
(1) قوله: "مخطئا، غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.(1/1073)
فيجعل ناسخًا للآخر كان الأولى أن يجعل هذا الحديث الذي احتج به العراقيون ناسخًا للحديث الآخر، لأن فيه زيادة فضل فلا يصح أن يكون هو المنسوخ؛ لأن الله تعالى إذا تفضل على عباده بثواب يبنيه على عمل يعملونه لم ينسخه بقطع ذلك الثواب عنهم ولا ينقصه منه ألا بذنب يستحقُّونه كما قال تعالى: {فبظُلم مَن الذينَ هادُوا حرمنا عَلَيهِم طَيبات أُحلت لَهُم} (1) ، والله تعالى أعلم، قالً أبو محمد بن حزم: هذا الحديث متأخر عن خبر المنهي؛ لأن أبا هريرة متأخر الصحبة، وأخبار النهى رواها عمر بن الخطاب وعمر بن عنبسة وإسلامهما قديم، انتهى كلامه. وفيه نظر، من حيث ان الغالب ورود النهى على الإباحة، وأيضًا فقد أسلم هذين، وتأخر إسلام أبي هريرة، ولا يثبت نسخه لاحتمال أن يكون قال ذلك قبل موته بشهر أو سبعة، فلما نقدوا التاريخ طلبنا شيئًا ليس يسرى به في أحد الجانبين فوجدنا عمر بن الخطاب، وإن كان قديم الصحبة فأصحبه إلى وفاته، فيحتمل أن يكون/سمعه بآخرة وعمرو بن عبسة كذلك في قدم الإِسلام لكنه سار إلى بلاد قومه قبل فرض الصلاة فكان يقول: ثنا رابع الإِسلام ثم قدم قبل فتح مكة فتبيّن أن رواية للنهى كانت بعد صحبة ثانيا، فإذا كان كذلك كان متأخّرا عن إسلام أبي هريرة يقيناً، ثم إنّ جماعة من السلف قالوا به منهم: كعب بن شجرة، ونام ابن له عن الفجر حتى طلعت الشمس، قال: فقمت أصلى فدعاني كعب فأجلسني حتى ارتفعت الشمس، وابيضَّت ثم قال: قم فصل ذكره أبو محمد بن حزم من جهة الثوري عن سعيد بن إسحاق بن كعب عن عشرة عنه وأبو بكرة بضع بن الحارث فيما حكاه ابن المنذر، وأمّا قوله: وأحاديث النبي رواها هاتان فغير صحيح؟ لأن جماعة غيرهم رووها، ويأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى عن الموضع اللائق بهذا الكتاب.
__________
(1) سورة النساء آية: 160.(1/1074)
111- باب النهى عن النوم قبل صلاة العشاء
وعن الحديث بعدها
حدثنا محمد بن بشار يعني، فذكر حديث أبي برزة المتقدّم الذكر في الصحيح قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو نعيم وثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر قالا: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: " ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها " (1) . هذا حديث إسناده صحيح عبد الله بن عبد الرحمن قال فيه ابن معين: صالح، ووثقه ابن حبان، وخرج مسلم حديثه في المتابعات وخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان عن حميد بن مسعدة عن جعفر بن سليمان عن هشام عن أبيه قال: " سمعتني عائشة وثنا أتكلّم بعد العشاء فقالت: يا عروة ألا تريح كاتبيك فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم [499/ب] يكن ينام قبلها ولا بالحديث بعدها" (2) ، وخرجه ابن وهب في مسنده بسند صحيح عن ابن بكير عن بكير عنها: سئل عليه السلام عن الإنسان يرقد عن العشاء قبل أن يصل قال: " لا نامت عينيه لا نامت عينيه " (3) . وفي فوائد الإِمام إسماعيل بن عبد الله ميمونة: ثنا عبد الله بن الزبير ثنا ابن وهب عن معوية عن أبي عبد الله عنها مرفوعا: " لا سمر إلا الثلاثة مصل أو مسافر أو عروس" (4) . ويشبه أن يكون اللفظ الذي حدّث به ابن ماجه لفظ بندار لا
__________
(1) صحيح. رواه ابن ماجه (ح/702) . غريبه: قوله: "السمر" الحديث بالليل. وروى بسكون الميم على أنه مصدر. وأصل السمر ضوء القمر. سمّي به حديث الليل لأنهم كانوا يتحدثون فيه.
(2) انظر: سنن الترمذي (4/311) بعد الحديث رقم: "168".
(3) صحيح. رواه مالك في: الصلاة، (ح/2) .
(4) ضعيف. رواه الترمذي (ح/2730) ، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. والطبراني (1/2680) ، وأحمد (1/444) ، وشرح السنة (2/194) ، والكنز (21479) ، والفتح (1/213) ، والحلية (14/98) .(1/1075)
لفظ أبي نعيم؛ لأنّ أبا نعيم ذكر هذا الحديث في كتاب الصلاة تأليفه بهذا الإِسناد، ولفظه: "ما نام قبل العشاء" والله تعالى أعلم. حدثنا عبد الله بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب وعلى بن المنذر قالوا: ثنا محمد بن الفضل ثنا عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله، قال: حدّث لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "السمر بعد العشاء". هذا حديث خرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ثنا هدية ثنا همام عن عطاء وذكره ابن خزيمة في صحيحه أيضًا عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ثنا محمد بن فضيل وثنا يوسف بن موسى ثنا محرز كلاهما عن عطاء به، قال: وسمعت محمد بن معمر يقول: قال عبد الصمد يعني بالحديث الذي ذكره الطوسي في باب الرخصة في السمر بعد العشاء ويشبه أن يكون وهمًا، وفي كتاب الكجي من حديث خيثمة عن رجل عن ابن مسعود قال عليه السلام: " لا سمر إلا لمصلى أو مسافر " (1) ، ولفظ ابن أبي حاتم في كتاب العلل: " نهى عن السمر والحديث بعد العشاء " (2) ، وفي الباب حديث أبي هريرة رفعه "أنه كره النوم قبل العتمة ". رواه السراج في مسنده بسند صحيح عن أبي الأحوص محمد بن الهيثم ثنا نعيم بن حمّاد ثنا إبراهيم ابن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عنه،/ومرسل مجاهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نامت عين رجل نام قبل أن يصلى العشاء " (3) . رواه أبو نعيم في كتاب الصلاة عن إسماعيل بن عبد الملك البصري عنه، وحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن النوم قبلها والحديث بعدها " (4) . رواه أبو الطاهر محمد بن عبد الله الدهلي في الثالث والعشرين من أبناء (5) الدارقطني عليه عن محمد بن
__________
(1) انظر: الحاشية رقم "2" السابقة.
(2) انظر: كتاب العلل لابن أبي حاتم.
(3) مرسل. انظر: كتاب الصلاة لأبي نعيم.
(4) ضعيف. رواه أحمد (4/423) ، وابن أي شيبة (2/280) ، والطبراني (11/96) ، والخطب (9/193) ، والمجمع (1/315) وفيه أبو سعيد بن عود المكي ولم أجد من ذكره.
(5) كذا "بالأصل".(1/1076)
عبدوس عن حجاج بن يوسف وإبراهيم بن سعد عن أبي أحمد الدسري عن أبي سعيد بن عوف عن مجاهد عنه، وحديث أنس بن مالك عوضني الله تعالى عنه قال: " كنا نجتنب الفرش من قبل صلاة العشاء ". ذكره ابن بطال قال: وكان ابن عمر يسب الذي ينام قبل العشاء، وفي كتاب أبي نعيم الفضل: ثنا أبو عاصم الثقفي حدثني يزيد العصر قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال إنى أقوم فإذا انصرفت من المغرب عدت إلى أهلي فنمت حتى أقوم إلى صلاة العشاء فقال: لا قال يا أبا عبد الرحمن، أُوكِلُ رجلاً يكون في المسجد، فإذا أذّن المؤذّن جاءا فأعلمني فتوضأت ثم شهدت الصلاة قال ويلك تأمرني، إن آمرك أن تنام قبل أن تصلّى فلا. ثنا عيسى بن قرطاس سمعت مجاهدًا يقول مثل ذلك، وزاد فيه إذا كنت لا بُدّ فصلّه قبل أن تنام وثنا معشر قال: سألت يزيد العصر أسمعت ابن عمر كره النوم قبل العشاء؟ قال: نعم، قال ابن بطال: وكتب عمر بن الخطاب لا ينام أحد قبل أن يصليها، فمن نام فلا نامت عينه، وكره ذلك أبو هريرة وابن عباس وعطاء وإبراهيم ومجاهد وطاوس ومالك والكوفيون، وحكى الترمذي عن ابن المبارك أكثر الأحاديث على الكراهة، وسيأتي ما يخالفه لاسيّما قول أبي عيسى بعد قليل، وأكثر أهل الحديث على/الرخصة، قال أبو جعفر الطحاوي: إنّما كره النوم [500/ب] قبلها لمن خيف عليه فوات وقتها وفوات الجماعة، وأمّا من وكّل بنفسه من يوقظه لوقتها فمباح له النوم، واحتجوا بفعل ابن عمر، وأنه كان يرقد قبلها ليس ينهى تحريم بفعل الصحابة لكن الأخذ بظاهر الحديث أنجى وأحوط، وقال الليث: قول عمر: فمن رقد بعد المغرب فلا نامت عينه، إن ذلك بعد ثلث الليل الأول، قال أبو جعفر: يحمل الكراهة على أنها بعد دخول وقت العشاء والإِباحة قبل دخول وقتها انتهى كلامه، وفيه نظرة لما أسلفناه عن ابن عمر من سعة النوم، وإن وكّل من يوقظه، ولو احتج بحديث عائشة قالت: " اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء حتى ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان " (1) ، وبحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب: "أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
__________
(1) صحيح. رواه البخاري في (المواقيت، باب "225" ح/566 والأذان، باب "16، 162،) والتمني، باب "9"، والنسائي في (الصلاة باب "19"، والمواقيت، باب 21،=(1/1077)
شغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا، فأتى المسجد ثم استيقظا فخرج علينا عليه السلام وفيه وكان ابن عمر لا يبالى قدّمها أم أخّرها إن كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وقد كان يرقد قبلها" (1) ، وبحديث ابن عباس قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العشاء حتى رقد الناس واستيقظوا ورقدوا واستيقظوا" (2) 0 الحديث ذكر ذلك البخاري وبحديث أنس بن مالك قال: "كان الصحابة ينتظرون الصلاة مع الرسول فيصفون صفوفهم ثم يقومون فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ فيصلون " (3) ، وقد تقدّم ذكره في باب الطهارة، وبحديث أبي بكر الحنفي عن سفيان عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عبد الله عن جدّه عن على: " أنه كان يتعشى ثم يلتف في ثيابه فينام قبل [501/أ] أن يصلي العشاء". سأل أين/فعله صلى الله عليه وسلم؟ على أن كراهية الحديث بعد العشاء إنّما لا ينفعه فيه دنيا ودينَا، ويخطر ببالي أن كراهية- صلى الله عليه وآله وسلم- بالاشتغال بالسمر، لأنّ ذلك يثبط عن قيام الليل إذا اشتغل أوّل الليل بالسمر ثقل عليه النوم آخر الليل فلم يستيقظ وإن استيقظ لم ينشط للقيام، وحديث أوس بن حذيفة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا ويحدّثنا يعني بعد العشاء وكان أكثر حديثه تسكيه قريش " (4) . ذكره ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وزعم أنّ أباه قال: حديث أبي برزة أصح منه، وروى ابن بطال بسند يبلغ به أبا موسى قال: أتيت عمرا كُلِّمه في حاجة بعد العشاء فقال: هذه الساعة؟ قلت له: شيء من النفقة، قال: نعم، فكلّمته ثم ذهبت لأقوم. فقال: اجلس فقلت الصلاة. فقال: أنا في صلاة فلم نزل جلوسا حتى طلع الفجر، وفي صحيح مسلم (5) عنه قال:) كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معى في السفينة نزولا
__________
= والدارمي (خ/1213) وأحمد (6/34) .
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (المواقيت، باب "24") ، ومسلم في والمساجد، ح/221) ، وأبو داود (ح/199) ، وأحمد (2/88) .
(2) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (ح/566) ومسلم في (المساجد ح/638) والنسائي في (المواقيت، باب 205، والدارمي (ح/1213) .
(3) تقدم في باب الطهارة.
(4) إسناده ضعيف. جامع المسانيد: (2/291) .
(5) صحيح. متفق عليه. رواه مسلم في والمساجد، ح/224) ، والبخاري(1/1078)
في بقيع بطحان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكان يتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم. قال أبو موسى. فرافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأصحابي، وله بعض الشغل في أمره حتى اهتم بالصلاة حتى انتهى الليل، ثم خرج فصلى بهم فلما قضى صلاته، قال لمن حضره: على رسلكم أعلمكم، وأبشروا أنّ من نعمة الله تعالى عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلى هذه الساعة غيركم، أو قال ما صلى هذه الصلاة الساعة غيركم"، وحديث أنس بن مالك: "أخر النبي عليه السلام العشاء ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم جاء فصلى لنا ثم خطبنا، فقال: إلا أن الناس قد صلوا/وناموا وإنكم لن [501/ب] تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ". ذكره البخاري (1) ، وحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق: " ان أباه تعشى عند النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم لبث حتى صُلِّيت العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشَّى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله. فقالت له امرأته: ما حبسك عن أَضيافك. قال: أو ما عشَّيتهم. قالت: أبوا حتى تجيء، فاحتلت فقال: يا غنثر فجدَّع وسبَّ- وقال: كلوا لا هنيئا فوالله لا أطعمه أبدا " (2) 0 الحديث بطوله.
* * *
__________
= وابن سعد في "الطبقات" (1/4/79) .
قوله: انزولا في بقيع بطحان، نزولاً منصوب على أنه خبر كان. أي كنا نازلين في بقيع بطبحان. والبقيع من الأرض المكان المتسع. قال ابن الأثير: ولا يسمى بقيعا إلا وفيه شجر أو أصولها. وبطحان مواضع معينة، واد بالمدينة.
(1) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري (214،1/155) ، ومسلم في (المساجد، ح/222) ، والنسائي (1/268) ، وأبو داود في (الصلاة، باب (17) ، والقرطبي (12/139) ، وأمالي الشجري (1/57) ، وأحمد (3/182، 348) ، وابن خزيمة (353) ، والجوامع (5980) ، وابن أبي شيبة (1/403) ، والكنز (19462، 21730) .
(2) صحيح. رواه البخاري (ح/602) والفتح (2/90) .(1/1079)
112- باب النهى أن يقال صلاة العتمة
حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح، ثنا سفيان عن عبد الله بن أبي
لبيد (1) عن أبي سلمة عن ابن عمر سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله
وسلم- يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم فأنها العشاء وأنهم
يعتمون بالإبل". هذا حديث خرجه مسلم في صحيحه (2) ، وفي لفظ: " فأنها
في كتابَ الله العشاء وأنها تعتم محلاب الإبل " (3) . وفي كتاب النسائي: (4)
"على اسم صلاتكم هذه فأنهم يعتمون عَلى الإبل "، وفي رواية سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " على المنبر فذكره "، وَلفظ ابن خزيمة: " أنهم يعتمون على الإبل أنها صلاة (5) العشاء ". حدثنا يعقوب بن حميد بن
كاسب، ثنا المغيرَة بن عبد الرحمن عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي
هريرة وثنا يعقوب بن حميد ثنا ابن أبي حازم عن عبد الرحمن بن حرملة عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنّ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال:
"لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم " (6) ، زاد ابن حرملة "فأنها هي
[502/أ] العشاء/وإنما يقولون: العتمة لاعتمامهم بالإِبل " (7) . هذا حديث إسناده
__________
(1) قوله: "لبيد" وردت "بالأصل " "لبيث" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه مسلم في "المساجد، ح/228) ، وأبو داود (4984) ، وابن ماجة (704، 705) ،
وأحمد (2/10، 19) ، والشفع (138) ، والشافعي (28) ، والمنثور (5/75) ، وإتحاف (3/352) ،
والمطالب (276) ، والكنز (19468، 19469، 19507) ، والفتح (2/43، 44، 45) .
(3) صحيح. رواه مسلم في: المساجد، (ح/229) .
(4) صحيح. رواه النسائي: (1/270) .
غريبة: قوله: "لا تغلبنكم الأعراب" معناه: ان الأعراب يسمونها العتمة، لكونهم يعتمون بجلاب الإبل، أي: يؤخرونه إلى شدة الظلام، وإنما اسمها في كتاب الله العشاء. وقوله: "وهم يعتمون بالإبل" أي:
يدخلون في العتمة، وهى ظلمة الليل، بالإِبل أي بسبب الإِبل وحلبها.
(5) صحيح. رواه ابن خزيمة (349) ، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/147) ، وأحمد
(5/55) ، وأذكار (333) ، وفيه: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم".
(6) انظر: الحاشية رقم "1" السابقة.
(7) إسناده صحيح. رواه أبو عوانة: (1/369) .(1/1080)
صحيح، ولفظ الطبراني في الأوسط وخرجه من حديث محمد بن إبان نا عمار بن خالد نا على بن عمران عن ابن عجلان: "لا تغلبنكم أهل البادية على اسم صلاتكم سماها الله العشاء ويسمونها العتمة " (1) ، وفي الباب حديث ابن بريدة عن عبد الله المزني يعني: ابن المغفل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب " (2) . ويقول الأعراب أنبأ العشاء ذكره البخاري، وفي كتاب الإِسماعيلي، وذكره من حديث أبي مسعود أنبأ عبد الصمد ثنا أبي عن حسين المعلم عنه حديث أبي مسعود يدل على أنه في صلاة العشاء الآخرة، وكذلك روى عن ابن عمر في العشاء الآخرة قال المهلب: إنّما كره ذلك؟ لأنّ التسمية من الله ورسوله، قال الله تعالى: "وعلّم آدم الأسماء كلها" (3) وقال تعالى: "ومن بعد صلاة العشاء" (4) . قال القرطبي: فكأنه إرشاد إلى ما هو الأولى وليس على جهة التحريم، ولا على أنّ تسميتها بالعتمة لا تجوز لما ثبت أنه عليه السلام أطلق عليها ذلك يعني قوله: "ولو تعلمون ما في العتمة والصبح " (5) . وغير ذلك من الأحاديث، قال البخاري: والاختيار أن يقول العشاء، وقد ورد تسميتها بذلك في آثار عنه- صلى الله عليه وآله وسلم- في غير ما حديث صحيح، وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وابن عباس وعمر بن الخطاب وعائشة وأبو موسى الأشعري وغيرهم، وقال: وكانت الأعراب تحلب عند شدّة الظلمة حلبة، وتسميتها العتمة نصار بشير كابني حسين، وهى الحلبة وهي الصلاة فنهى عن ذلك ليرتفع الاشتراك وحيث أمن الاشتراك جاز الإِطلاق، وزعم
__________
(1) صحيح. مسند الحميدي: (638) .
(2) انظر: الجاثية رقم (4) السابقة.
(3) سورة البقرة آية: 31.
(4) سورة النور آية: 58.
(5) صحيح. متفق عليه. رواه البخاري في (الأذان، باب (9، 93،32!، والمواقيت، باب ة 20،، والشهادات باب "30") ، ومسلم في (الصلاة، ح/129) ، والنسائي في والمواقيت، باب "22"،، والأذان، باب "31" (، ومالك في (الجماعة، ح/6،، والنداء، باب "3" (، وأحمد (3،002/6/278،533،375،83) .(1/1081)
[502/ب] بعض العلماء: ان النبي عليه السلام خاطب بالعتمة/من لا يعرف العشاء أو استعمل لفظة العتمة؛ لأنه أشهر عندهم، ولأنهم على المغرب وفي المحكم عتمت الإبل تعتم وتعتم واعتمت واستمعت: غلبت عشاء بّنما كانوا يطلقون العشاء، وَهو من الإبطاء والتأخير، قال أبو محمد الحدلمي: فيها ضوى قد رّد من اعتامها، والعتَمة: ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشفق، واعتم القوم وعتموا: ساروا في ذلك الوقت، أو أورادُّوا أو أمدُّوا، أو عملوا أي عمل كان، وقيل: العتمة، وقيل: صلاة العشاء الآخرة سمّيت بذلك لاستعمالهم لعتمها، والعتمة بقية الليل يضيق به تلك الساعة، وعتمة الليل: إظلامه، وقوله: طيف ألم بذى سلم لسرى عتم بين الخيم، يجوز أن يكون على حذف الهاء، كقولهم: هو أبو عذرها: فقوله:
ألا ليت شعري هل ينظر خلّة ... عبادي على الهجران أم هو يائس
وقد يكون من البطء أي: يسرى ببطأ، وقد عتم الليل يعتم عتمًا واعتم أظلم وعتمة الإِبل: رجوعها من المرض بعدما مسي، وقيل: ما ضمن أربع فقيل عتمة ربع أين قدر ما يحتبس في عشائه، وقول الأعشى: نجوم الشتاء العاتمات الغوامض، يعني: بالعاتمات التي تظلم من الغبرة التي في السماء وذلك في الحدب؛ لأن نجوم السماء أشد ثمة إضاءة لنفاء السماء والله تعالى أعلم.
* * *(1/1082)
113- أبواب الأذان والسنة فيه
باب بدء الأذان
حدثنا أبو عبيد محمد بن عبيد بن ميمون المدني، ثنا محمد بن سلمة الحداني ثنا محمد بن إسحاق نا محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بالبوق وأمر بالناقوس فتحت قارى عبد الله/بن زيد في المنام قال: رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران [503/أ] يحمل ناقوسًا، فقلت له يا عبد الله تبيع الناقوس؟ قال: ما تصنع به؟ فقلت: أنادي به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك، قلت: وما هو؟ قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، فخرج عبد الله بن زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى، قال: يا رسول الله، رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا فقص عليه الخبر، فقال عليه السلام: إن صاحبكم قد رأى رؤيا، فأخرج مع بلال إلى المسجد فألقها عليه ولينادى بلال فأنه أندى صوتًا منك، قال: فخرجت مع بلال إلى المسجد فجعلت ألقيها عليه، وهو ينادى بها فسمع عمر بن الخطاب بالصوت فخرج فقال: يا رسول الله، والله لقد رأيت مثل الذي رأى". قال أبو عبيد: فأخبرني أبو بكر الحكمي أن عبد الله بن زيد الأنصاري قال في ذلك: أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام حمدا على الأذان كثيرًا إذا أتاني به البشير من الله فأكرم به لدىَّ بشيراً في ليال ولا بهن ثلاثاً كلما جاء زادني توقيرًا " (1) . هذا حديث خرجه ابن خزيمة (2) في صحيحه عن محمد بن عيسى ثنا سلمة يعني: ابن الفضل عن محمد بن إسحاق، قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدمها إنما يجتمع الناس أليه
__________
(1) صحيحه. رواه ابن ماجه (ح/706) . وصححه الشيخ الألباني.
غريبة: قوله: "البوق" قرن ينفخ فيه فيخرج منه صوت. و"الناقوس" خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها. و"أندى" أفعل تفضيل من النداء. أي: أرفع.
(2) صحيح. رواه ابن خزيمة: (373) .(1/1083)
[503/ب] للصلاة الحديث، وفي آخره، فقال عليه السلام: "فلله الحمد فذلك أثبت"./قال محمد بن إسحاق: حدثنى بهذا الحديث محمد بن إبراهيم عن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه بهذا الحديث، ثنا محمد بن يحيي ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثنى محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه حدثنى أبو عبد الله بن زيد، قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس فعمل ليضرب به للناس في الجمع للصلاة فذكر الحديث بطوله، بمثل حديث سلمة بن الفضل سمعت محمد بن يحيى يقول: ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الآذان خبر أصح من هذا؟ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد ثنا محمد بن يحيي في عقب حديثه ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: فذكر محمد بن مسلم الزهري عن ابن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه بهذا الخبر، قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "إن هذه لرؤيا حق إن شاء تعالى ثم أمر بالبادين فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك " (1) ، وفي موضع آخر قال: هذا صحيح من جهة، ومحمد بن عبيد الله بن زيد سمعه من أبيه، ومحمد بن إسحاق قد سمعه من التيمي وليس هو محاولة ابن إسحاق، وخرج أحمد حديث سعيد عنه في مسنده، وفيه كما ترى انقطاعان، الأوّل: تباين الزهري وابن إسحاق، والثاني: فيما بين سعيد وعبد نصّ على الثانى البيهقي، وذكر الأخرم عنه أنه قال: أنا أذهب في الأذان إلى حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، وخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى ثنا الناقد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن/ابن إسحاق فذكره، وفي آخره ثم استأخر غيره بعبد قال: تقول إذا أقيمت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا اله الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله الا الله، وذكر أبو عيسى (2) مختصرا بلفظه: "فأنه أندى وأمدّ صوتًا منك فألق عليه ما قيل لك وليناد بذلك". وعن سعيد بن يحيي الأموي، ثنا أبي ثنا
__________
(1) انظر: الحاشية السابقة.
(2) صحيح. رواه الترمذي: (ح/189) . وقال: هذا حديث حسن صحيح.(1/1084)
ابن إسحاق، ثم قال: حدثنا عبد الله بن زيد حديث صحيح، وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول (1) ، فذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإِقامة مرة، وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه، ويقال: ابن عبد ربّ، ولا يعرف له عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- شيئا يصح اّلا هذا الحديث الواحد في الأذان، وفي كتاب المعرفة عنه سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هو عندي حديث صحيح، ولما ذكر الخطابي حديث ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، قال: وروى هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة وهذا الإسناد أصحها، وقال أبو على الطوسي الحافظ وخرجه في أحكامه عن الذهليَ ثنا يعقوب ثنا أبي به مطولاً، وفي آخره فكان بلال يؤذّن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال: فجاء مدعاة ذات غداة إلى صلاة الفجر فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تمّ قال: فصرّح بلال بأعلا صوته: "الصلاة خير من النوم" (2) . قال ابن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين في صلاة الفجر، فقال: حديث عبد الله بن زيد حسن صحيح، وذكره ابن الجارود في منتقاه، وقال البيهقي: هذا خبر موصول،/وقال أبو محمد الإشبيلي: هو خبر صحيح. وقال أبو الخطاب: هو خبر متواتر الطرق، ولفظ أبي داود وخرجه من حديث أبي بشر عن أبي عمير عن أنس عن عموتة له من الأنصار قال: " اهتم النبي- عليه الصلاة والسلام- للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا أرادها أذّن بعضهم بعضاً فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع
__________
(1) صحيح. قال الترمذي: وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإِقامة مرة مرّة. وعبد الله بن زيد هو ابن عبد ربه، ويقال ابن عبد ربه، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح ألا هذا الحديث الواحد في الأذان.
نقل ابن حجر في الإِصابة (4/72) كلام الترمذي هذا، ثم قال: "وقال ابن عدي: ولا نعرف له شيئا يصح غيره. وأطلق غير واحد ليس له غيره. وهو خطأ، فقد جاءت عنه عدة أحاديث، ستة أو سبعة، جمعتها في جزء". ثم نقل أن له في سنن النسائي حديثا، وهو في المستدرك للحاكم (3/336) . وذكر حديثا آخر عن التاريخ الكبير للبخاري، وهو في طبقات ابن سعد) ج 3 ق 2 ص 87) ، والمسند (4/42) .
(2) صحيح. رواه أحمد (3/458، 409) والبيهقي (1/422) ، والمجمع (1/330) ، والكنز (490957،2312، 231888) ، وشرح السنة (2/262) ، والتاريخ الكبير للبخاري (1/194) ، وأسرار (231) .(1/1085)
يعني: الشيور فلم يعجبه، وقال: هو من أمر اليهود، قال: فوصف له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد الله بن ربه وهو مهتم لهم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فأرى الأذان في منامه قال قعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا رسول الله، إنى كبير نائم ويقظان إذ أتاني آت ناداني الأذان قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومَا. قال: ثم أخبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: ما منعك أن تخبرنا، فقال سبقني عبد الله، فاستجيب فقال عليه السلام: يا بلال، قم فانظرنا يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله قال: "فأذن بلال" (1) قال أبو بشر: فحدثني أبو عمير أن الأنصار تزعم أنّ عبد الله لولا أنه كان مريضًا يومئذ لجعله النبي عليه السلام مؤذّنَا، قال ابن عبد البر: روي عن النبي عليه السلام، في قصة عبد الله بن زيد في بدأ الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة متقاربة، وكلها متفق على أمره، والأسانيد في ذلك متواترة من وجوه صحاح، وفي موضع آخر حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر حديث أبي عمر هذا، قال أبو داود: رواية الزهري عن سعيد عن عبد الله قال فيها ابن إسحاق: الله أكبر مرتين، وقال معمر: و/يونس عن الزهري الله أكبر لم يثنى. ونا عمرو بن مرزوق نا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، قال: وثنا أصحابنا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " لقد أعجبني أن يكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة حتى لقد هممت أن أبثّ رجالا في الدور ينادون الناس لحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالَا لها يقومون على الآطام ينادون المسلمين لحين الصلاة حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا " قال: فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول، إنى لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كان عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم نام فقال مثلها إّلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن يقولوا: لقلت أنى كنت يقظان غير نائم فقال عليه السلام: "أراك الله خيراً "، وقال ابن مثنى: "لقد أراك الله خيرا" (2) ، وثنا ابن مثنى عن أبي داود وثنا نصر بن المهاجر ثنا يزيد بن هارون عن المسعودي عن عمرو بن مرّة عن ابن أبي ليلى
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/498) .
(2) حسن. رواه أبو داود (ح/506) .(1/1086)
عن معاذ بن جبل قال: "أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وفيه قال نصر: فجاء عبد الله بن زيد رجل من الأنصار، فقال فيه: واستقبل القبلة فذكر التأذين والإقامة". قال أبو عيسى: عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، وكَذا قاله ابن المديني في العلل الكبير والبيهقي، وتبعهم على ذلك أبو محمد الإشبيلي وأبو الحسن ابن القطان، وقول عبد الرحمن ثنا أصحابنا، قال المنذري: إن كان أراد الصحابة فهو قد سمع من جماعة منهم، فيكون الحديث مسندًا وإّلا فهو مرسل وما يدرى رحمه الله أن الطحاوي قال في شرح الآثار: ثنا علي بن شيبة ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو عنه قال: حدثني أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم أنَ عبد الله بن زيد/الأنصاري رأى الأذان في المنام فذكره، وكذا ذكره ابن خزيمة في صحيحه، وكذا هو في كتاب أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جمر بن حبان الحافظ عن عبدان ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو، وعن عبد الرحمن قال: ثنا أصحاب محمد أنّ عبد الله بن زيد به، فصحّ إسناده على هذا والله تعالى أعلم.
ولما ذكره ابن جرير من عند ابن وضّاح موسى بن معاوية، قال وكيع: هذا إسناد في غاية الصحة من أسانيد الكوفيين، وابن أبي ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة وأدرك بلالا وعمر رضى الله عنهما، وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن إبراهيم بن محمد عن أبي جابر البياضي عن سعيد بن المسيب عنه أنه بينا هو نائم إذ رأى رجلًا معه خشبتان قال: فقلت له في المنام إن النبي- عليه السلام- يريد أن يشترى هذا من العودين يجعلهما ناقوسًا يضرب به للصلاة، قال: فالتفت إلى صاحب العودين برأسه، وقال: أفلا أدلكم على ما هو خير من هذا، فبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالتأذين، قال أبو عمر: لا أحفظ ذكر الخشبتين إلا في حديث أبي جابر يعني هذا، ومرسل مالك عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد أن يتخذ خشبتين لجمع الناس للصلاة، ولفظ أبي قرة في سننه وخرجه من حديث أبي جابر يا رسول الله، إني قطيع الصوت فقال: علم بلال ... الحديث، ولفظ الدارقطني في سننه من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ: قال ابن زيد يا رسول الله، رأيت في المنام كأنّ رجلا نزل من السماء على جزم الحائط، فأذّن مثنى مثنى"،(1/1087)
وفي كتاب أبي الشيخ: فلما كان قبل الفجر غشيني النعاس فرأيت رجلاً قام على [506/أ] سطح المسجد وأتى بين النائم و/اليقظان، فجعل إصبعيه في أذنيه وفي المعجم الكبير لابن مطير: من حديث ابن أبي ليلى غشية ولم يسمع منه، فجاء المسلمون سراعا يرون أنه فزع ثم جاء عمر فقال: "والله إنه لطائف طاف بي". وذكر أبو نعيم الحافظ ان محمد بن إسحاق رواه أيضا عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن محمد بن زيد، ورواه زيد بن حباب عن محمد بن عمرو بن سهل عن عبد الله بن محمد بن زيد عن أبيه أو عمه عن عبد الله، ورواه إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن شعيب بن عبادة الأنصاري عن ابن عبد الله بن زيد عن أبيه، ولفظ العسكري في كتاب الصحابة: "أمر رجالاً يقومون على الأطام فيرفعون المسرح ويبشرون الناس بالصلاة حتى رأيت". الحديث، وذكر أبو حامد الغزالي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "القه على بلال قال عبد الله: يا رسول الله، ائذن لي مرة واحدة فأذنت بإذنه، فلمًا سمع عمر صوتي خرج يجر"، رواه زياد الغوراني فأذنت الظهر ولم أر له في كتب الحديث ذكر ألا من أسلفناه من حديث سعيد بن المسيب عن عبد الله فبلغه النبي، فأمره بالتأذين وهو شاهد له والله تعالى أعلم، حدثني محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي نا أبي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم للصلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى، فأرى النداء تلك الليلة رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب، فطرق الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال فأتى به. قال الزهري: وزاد بلال في نداء صلاة الغداة،/الصلاة خير من النوم فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم. قال عمر: يا رسول الله، قد رأيت مثل الذي رأى ولكنه سبقني، (1) . هذا حديث قال فيه ابن شاهين: حديث غريب إن كان
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/707) . في الزوائد: في إسناده محمد بن خالد: ضعفه محمد وابن معين وأبو زرعة وغيرهم.
وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/148) وقال: "بعضه صحيح ".
قوله: "يهمهم" همه الأمر وأهمه، إذا أوقعه في الهم. أي يوقعهم في التعب والشدة.(1/1088)
عبد الرحمن حفظه، وقد خالفه أصحاب الزهري يونس وشعيب ومعمر ومحمد بن إسحاق وابن جريح، فرووه عن الزهري عن سعيد أن الناس كانوا في عهد النبي- عليه الصلاة والسلام- يجتمعون إلى الصلاة قبل أن يؤمروا بالتأذين فذكر حديث ابن زيد، وقد خرج أهله من حديث ابن جريج أخبرني نافع ان ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، وليس ينادى بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك فقال بعضهم: اضربوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل بوق اليهود، فقال عمر: أو لا تبعثون رجلًا ينادى بالصلاة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال قم فناد بالصلاة" (1) . ولما خرجه أبو عيسى قال فيه: حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، قال ابن مندة: هذا إسناد مجمع على صحته، وفي لفظ لأبي عوانة (2) في صحيحه: "فأذن بالصلاة "، ولما خرجه ابن خزيمة (3) في صحيحه اتبعه ثنا بندار بخبر غريب، قال: ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال: "إن بلالا كان يقول: أشهد أن لا إلى إلا الله، حي على الصلاة، فقال له عمر: قل في أثرها أشهد ان محمدًا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "قل كما أمرك عمر". ورواه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن محمد بن يحيي نا بندار بلفظ: كان يقول أول ما يأذن: أشهد أن لا إلى إلا الله، حي على الصلاة "، وقد ورد عنده/بلفظ آخر ذكره الطبراني [507/أ] في الأوسط (4) من حديث طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عن
__________
(1) صحيح. رواه الترمذي في: أبواب الصلاة، (ح/190) . وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث ابن عمر".
وحديث ابن عمر رواه أيضا البخاري (2/65-66) ومسلم في (الصلاة، ح/1) والنسائي (1/02 1-103) ، وأحمد في المسند) رقم 6357 ج 2 ص 148) . ويظهر ان القاضي أبا بكر بن العربي نسي انّ هذا الحديث في الصحيحين، فاعترض على تصحيح الترمذي إياه، فقال (1/307) : "وعجب لأبي عيسى يقول: حديث ابن عمر صحيح! وفيه: ان النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالأذان لقول عمر، وإنما أمر به لقول عبد الله بن زيد، وإنما جاء عمر بعد ذلك سمعه! ". (2) صحيح. رواه أبو عوادة: (26/326) .
(3) ضعيف. رواه ابن خزيمة (362) والكنز (23150) .
(4) ضعيفة جدا. أورده الهيثم في "مجمع الزوائد " (1/329) وعزاه إلى الطبراني=(1/1089)
سالم عن أبيه: "لما أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله أبيه الأذان فنزل به فعلمه بلالا". وقال: لا يروى هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به طلحة
تفرد به محمد بن ماهان الواسطي عنه، وفي الباب حديث أنس بن مالك
قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم سعى رجل في الطريق فنادى الصلاة الصلاة، فاشتد ذلك على الناس فقالوا: لو اتخذنا
ناقوسًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك للنصارى"، فقالوا: لو اتخذنا بوقاً. فقال عليه السلام: "ذاك لليهود، فأمر بلالا أن يشفع الأذان وأن يوتر
الإِقامة" (1) . ورواه الطبراني عن أبي الأطهراني ثنا عبد الله بن يوسف الجبيري
ثنا روح عن عطاء ابن أبي ميمونة عن خالد عن أبي قلابة عنه، وأصله في الصحيحين وسيأتي، وحديث أبي عمير عن عمومة من الأنصاري المذكور
قبل من كتاب أبي داود رحمه الله تعالى، وكذا حديث معاذ بن جبل
وحديث ابن جرير الهذيلي عن أبي حنيفة عن علقمة بن يزيد عن ابن بريدة
عن أبيه: ان رجلا من الأنصار مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو حزين وكان الرجل ذا طعام يجتمع أبيه، ودخل مسجده يصلى فبينما هو كذلك إذ نعس، فذكر
قصة الأذان، فقال النبي عليه السلام لما أخبره: قد أخبرنا بمثل ذلك أبو بكر
فأمر بلالَا أن يؤذِّن بمثل ذلك، وقال الطبراني (2) : لم يروه عن علقمة إّلا أبو
حنيفة، وحديث عبيد الله بن زيد بن عبد ربه أخي عبد الله قال: " أراد النبي
[507/ب] صلي الله عليه وسلم أن يُحدِّث في الأذان، فجاء عبد الله فقال: إنّى رأيت/الأذان فقال: فقم فألقه على بلال، فقال يا رسول الله، إني أريتهما وأنا كنت أريد أن أذن قال. أقم أنت ". رواه المديني في معرفة الصحابة (3) من حديث سهل بن
__________
= في "الأوسط" وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع.
(1) صحيح. رواه البخاري (ح/605) . وذكر مسلم إسناده في حديث داود في كتاب الصلاة، باب في الإِقامة، (ح/508) ورواه الدارمي (ح/1195) .
(2) صحيح. أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/329) ، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" وفيه من تكلم فيه وهو ثقة. وتتمة لفظه: "فأتاه آت في النوم، فقال: قد علمت ما حزنت له، قال: فذكر قصة الأذان".
(3) قوله: "الصحابة" غير واضحة "بالأصل" وكذا أثبتناه.(1/1090)
الديلمي نا عبد السلام بن مطهر، نا أبو سلمة الأنصاري عن عبد الله بن محمد بن زيد عنه. وقد ورد في بدأ الأذان حديث يدل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الإسراء، أنبا به المسند المعمر الرحلة أبو التقي صالح الأشعري- رحمه الله تعالىَ- قراءة عليه وثنا أسمع أن مسند عصره أبو العباس ابن عبد الدايم قراءة عليه أنبأ يحيي بن محمود الثقفي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد الحافظ، بجميع كتاب الترغيب والترهيب أنبأ أبو عثمان بن حمدان حدثنى أبو عبد الله محمد بن الحسين ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن نا سلمة بن شبيب نا يونس بن موسى الشّامي البصري ثنا الحسن بن حماد الكوفي عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب، قال: " لما أراد الله تبارك وتعالى أن يعلّم رسوله الآذان أتاه جبريل- عليه السلام- بدابة يقال لها: البراق فاستصعب عليه، فقال يا جبريل أئتي بدابة الين من هذه، فآتاه بدابة يقال لها برقة، فذهب يركبها، فاستصعب عليه أيضا، فقال لها جبريل: اسكني برقة فما ركبك عبد أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فانتهت به إلى الحجاب الذي يلي الرحمن، فخرج من وراء الحجاب ملك، فقال عليه السلام لجبريل: من هذا؟ فقال: جبرائيل والذي بعثك بالحق إنّى لأقرب الخلق مكانا وما رأيت هذا الملك منذ خلقت قبل ساعتي هذه، فقال الملك الله أكبر فسمعت من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر./فقال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي؟ إذ لا إله إلّا أنا، ثم قال الملك: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدًا، ثم قال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح قد قامت الصلاة فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي ودعي إلى عبادتي ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقيل من وراء الحجاب: لا إله إلا أنا ثمّ أخذ الملك بيدي فأقمت أهل السماء فيهم آدم ونوح" (1) . قال ان بو جعفر محمد بن
__________
(1) ضعيف. أورده الهيثم في "مجمع الزوائد" (1/328- 329) وعزاه إلى البزار،=(1/1091)
علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد صلي الله عليه وسلم الشرف على أهل السماء والأرض، قال أبو القاسم الجوزي: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن عثمان بن مخلد ثنا أبي وذكره أبو الشيخ في كتاب الأذان عن زياد بن المنذر فذكره، قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي إّلا بهذا الإسناد، وزياد بن المنذر به شعبة، وقد روي عنه مروان بن معاوية وغيره، وقالَ أبو علي الجياني: واختلف في هذا الحديث أن يكون صحيحَا لما يعضده ويشاكله من أحاديث الإسراء، بنحوه ذكره الحافظ أبو زيد السهيلي، وزاد تخصيص عنها تحصل أنّ معاني الصلاة كلّها أو أكثرها قد جمعها حديث الإِسراء، ورواه ابن شاهين عن أحمد بن محمد بن هارون ثنا موسى بن سنان بن عبد الرحمن نا يونس بن موسى عن الحسن بن حماد عن زياد عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي رافع عن على بلفظ: قال عليه السلام: " يا علي إن الله تعالى علمني الصلاة وعلمني الأذان". فذكره بطوله وأشار إلى ضعفه.
[508/ب] قال: وثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف ثنا/حصين عن منده بن أبي طريف عن محمد بن بشير عن محمد بن الحنفية عن على قال: "كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به لما كان في السماء حضرت الصلاة فأذّن جبرائيل" (1) 0 الحديث وثنا أحمد بن يونس بن أرقم ثنا سعيد بن دينار عن زياد بن المنذر حدثنى العلاء قال: قلت لابن الحنفية: كنا نتحدّث أنَّ الأذان رؤيا رآها رجل من الأنصار ففزع وقال: وقد عمدتم إلى أحسن دينكم، فزعمتم أنه كان رؤيا هذا والله الباطل، ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما عرج انتهى إلى مكان من السماء وقف وبعث الله عز وجل ملكًا ما رآه أحد في السماء قبل ذلك اليوم، فعلّمه الأذان وذكر ما في الحديث، ففي هذا ردّ لما ذكره البزار وأبو القاسم، وحديث عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال
__________
= وفيه زياد بن المنذر وهو مجمع على ضعفه.
(1) ضعيف جدا. بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/329) وعزاه إلى الطبراني "الأوسط" وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع.(1/1092)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أسرى بي إلى السماء الدنيا أذن جبرائيل عليه السلام وظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت بهم" (1) . ذكره أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ عن جعفر بن محمد بن نمير ثنا على بن أحمد السواق ثنا محمد بن حماد بن زيد الحازمي ثنا عابد بن حبيب الهروي عن هشام عن أبيه عنها، وحديث ابن عباس قال: "علم النبي صلى الله عليه وسلم الأذان حين أسرى به ورآه رجل من الأنصار في منامه". رواه أيضًا عن أحمد بن محمد بن سعيد ثنا يعقوب بن يوسف الضبي ثنا أبو جنادة (2) عصين بن المخارق ثنا عبد الصمد بن علي عن أبيه عنه، وفي كتاب أبي الشيخ: كتب أبينا على بن الحسن بن سلم الرازي ثنا مسروق ثنا إبراهيم ابن المنذر، حدثني عبد العز-نر بن عمران عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين/عن عكرمة عنه قال: [509/أ] الأذان نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فرض الصلاة: {يأيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إذَا نودي للصلاة مِن يَومِ الجُمُعةِ فاسْعَوا إلَى ذِكْرِ الله} (3) انتهى، وفيه إشكال؟ لأنّ فرض الصلاة كان بمكة، وسورة الجمعة مدنية إجماعًا، حكاه أبو العباس المفسر الضرير في كتاب التنزيل وغيره، اللهم إّلا أن يريد صلاة الجمعة ما مطلق الصلوات؛ لأنّ فريضة الجمعة إنما كانت بالمدينة والله تعالى أعلم، وحديث سالم عن أبيه "لما أسرى بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى السماء أوحى إليه الأذان فنزل فعلمه بلالا" (4) . رواه أيضًا عن محمد بن محمود الأنباري ثنا محمد بن ماهان، حدثنى عثمان نا أبي ثنا طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عنه، وهو مردود؛ بأنّ الإِسراء الذي فرضت فيه الصلاة كان بمكة والبادين بالمدينة إجماعا، وحديث عبيد بن عمير الليثي قال: "ائتمر النبي- صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه- للاجتماع للصلاة، فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر في المنام
__________
(1) 1لحاوي: (2/259) .
(2) قوله: "جنادة" وردت "بالأصل" "الجنازة" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(3) سورة الجمعة آية: 9.
(4) ضعيف جدا. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/329) من حديث ابن عمر، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" وفيه طلحة بن زيد ونسب إلى الوضع.(1/1093)
أن لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا بالصلاة فذهب عمر إلى النبي- عليه الصلاة والسلام- ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما رأى عمر الا بلال يؤذن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حين أخبره بذلك: "قد سبق بذلك الوحي" (1) . ذكره ابن إسحاق في سيره عن ابن
جريج قال لي عطاء: سمدت عبيدا به، قال السهيلي: وقد عرفت رؤيا ابن
زيد ولم تعرف رؤيا عمر- رضي الله تعالى عنه-، وفي مسند الحارث ابن
[509/ب] أبي أسامة: "أوّل من أذّن بالصلاة جبرائيل في السماء/الدنيا، فسمعه عمر وبلال فسبق عمر بلالا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال سبقك لها عمر" (2) . وحديث عبد الله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم عليه السلام في الحج: "وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر" (3) . قال: فأذّن رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه أبو الشيخ عن كتاب على بن مسلم نا مسروق نا إبراهيم بن المنذر نا عبد العزيز بن عمران عن ابن المؤمل عن ابن الرهين عنه، قال السهيلي: الحكمة بتخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؛ فلأن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قد أريه ليلة الإسراء فوق سبع سماوات، وهذا أقوى من الوحي، فلما تأخّر فرض الأذان إلىَ المدينة وأراد أعلام النّاس لوقت الصلاة يلبث الوحي حتى رأى عبد الله الرؤيا فواخت ما رآه عليه السلام، فلذلك قال: أنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، وعلم حينئذ أنّ مراد الله تعالى بما أراه في السماء أن يكون سنة في
الأرض، وقوى ذلك موافقة، رؤيا عمر مع أنّ السكينة تنطلق على لسان عمر،
واقتضت الحكمة الإِلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من التنويه بعده والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على لسان غيره أنوه وأفخم
لشأنه وهو معنى قوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} . وهو معنى ما ذكره
القاضي أبو بكر بن العربي والشيخ أبو العباس القرطبي، زاد: ويحتمل ألهم لماّ
__________
(1) ضعيف. رواه عبد الرزاق (1775) والمنثور (2/294) والبداية (3/233) .
(2) الفتح: (2/78) .
(3) صورة الجمعة آية: 27(1/1094)
تفاوضوا في الأذان كان عبد الله وعمر غائبين فلمّا قدما وجد المفاوضة، فقال
عبد الله ما قال، وتلاه عمر، ولما رأى عمر قبول الرؤيا وصحتها قال: لا
تنادون إلى الصلاة/فقال عليه السلام لبلال: "قم" وقال عياض: ظاهر قول [510/أ] عمر أولا يبعثون رجلاً ينادى بالصلاة ليس على صفة الأذان الشرعي، بل إخبار بحضور وقتها، قال النووي: وهذا الذي قاله أبو الفضل محتمل ومتعيّن، فقد صحّ في حديث ابن زيد أنه رأى الأذان في المنام، فجاء إلى النبي
عليه السلام يخبره فجاء عمر فقال: "والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل
الذي رأى ". فهذا ظاهر أنه كان في مجلس آخر، فيكون الرافع الإعلام أولاً
ثم رأى ابن زيد الأذان فشرعه النبي عليه السلام بعد ذلك إمّا بوحي، وإمّا
باجتهاده على مذهب الجمهور، وليس هو عملا بمجرد المنام، هذا ما لا شك
فيه انتهى، وفي هذا كله ذهول عن قول عمر: لقد رأيت مثل ما رأى ولكنه
سبقني ويحمل قوله أّلا تناودن إلى الصلاة على الأذان الشرعي؛ لأنه قال مثل
ما رأى عبد الله، وعبد الله رأى الأذان مفصلا وأخبر به كذلك، ولأنه قد
وافقهما على رؤياهما سبعة من الصحابة في تلك الليلة أيضًا حكاه صاحب
المبسوط، وفي كتاب الغزالي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً من الصحابة قد رأى كلّهم مثل ذلك، ولأنا قدمنا في صحيح أبي عوانة فأذّن بالصلاة؛ ولأنه لا خلاف أنهم كانوا قبل ذلك يؤذّن بها، بقولهم: الصلاة جامعة، ذكره ابن سعد عن ابن المسيب أو بقولهم الصلاة الصلاة كما قدّمنا، وفي قوله: قم
يا بلال حجّه لمشروعية الأذان قائمًا، وأنه لا يجوز الأذان قاعدًا وهو مذهب
العلماء كافة إلا أبا ثور، فأنه جوّزه، ووافقه أبو الفرح فيما ذكره أبو الفضل،
واستضعفه النووي لوجهين: أحدهما: المراد بالنداء هنا الإِعلام، الثاني: المراد قم
واذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة/، وليس فيه غرض للقيام في حال [510/ب] الأذان، قال: ومذهبنا المشهور أنه سنة فلو أذّن قاعدًا بغير عذر صحّ أذانه لكن فاتته الفضيلة، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء، وفي كتاب الإِشراف: أجمع مملّ من يحفظ عنه المعلم: أنّ من السنة أن يؤذّن المؤذن قائماً، وروينا عن أبي زيد الصحابي، وكانت رجله أصيبت في سبيل الله أنه أذّن وهو قاعد، وفي
كتاب أبي الشيخ عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه قال: حق وسنة(1/1095)
مسنونة أّلا يؤذّن إلا وهو قائم طاهر، وقول الصحابي: وهو من السنة يدخل في المسند، وأمّا قول أبي عمير: لولا أنّ ابن زيد كان مريضا لأمره النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بالأذان ومردّه ما ذكره الدارقطني، قال عبد الله: أنا رأيته أريده، قال له أنس: فأقم أنت وسيأتي ذكره أيضَا، وفي كتاب المحيط: وإن أذّن لنفسه فلا بأس بأن يؤذن قاعدَا من غير الناس، فإن أذّن قاعدا لغير عذر صح أذانه وفاتته الفضيلة، وكذا لو أذّن قاعداً مع قدرته على القيام صحّ أذانه، فأمّا إذا أذّن على غير وضوء، فقد جوّزه إبراهيم قال: لا بأس أن يؤذّن على غير وضوء ثم ينزل فيتوضأ، وعن قتادة أنه كان لا يرى بأسَا أن يؤذّن الرجل وهو على غير وضوء، فإذا أراد أن يقيم توضأ، وعن عبد الرحمن بن الأسود: أنه كان يؤذّن على غير وضوء، وعن الحسن: لا بأس أن يؤذّن غير طاهر ويقيم وهو طاهر، وعن حماد: أنه كان لا يرى بأسَا أن يؤذّن الرجل وهو على غير وضوء، وكره ذلك جماعة، قال عطاء: الوضوء فرض وسنة، وفي حديث الزهري قال أبو هريرة: " لا يؤذّن إلا متوضئ " (1) ، ولما رواه الترمذي عن يونس عن الزهري مرسلا قال هذا أصح ورواه البيهقي (2) من حديث الزهري) * (.
[511/أ] /ما من يوم يمضى ... منا إلا أمضى منا قَرنًا
قال أبو زكريا: وهذا البحر يسمى الغريب، والمشتق، وركض الخيل، وقطر الميزاب.
وفي رواية:
إن الدنيا قد غرتنا ... واستهوتنا واستلهتنا
يا بن الدنيا مهلًا مهلَا ... زن ما يأتي وزنًا وزنًا
__________
(1، 2) ضعيف. رواه الترمذي (ح/200) ، والبيهقي (1/397) ، وتلخيص (3/46) ، والكنز (20965) ، وضعفه الشيخ الألباني. (ضعيف الجامع: ص 911، ح/6317) . راجع الإرواء
(*) سقط بالأصل.(1/1096)
وعبد الله بن يزيد لم أر أحدَا ذكره في الشعر، ولا ألم بذكره، والله تعالى أعلم.
تم الجزء بحمد الله وعونه،
يتلوه- إن شاء الله تعالى- في الجزء الذي بعده
قوله- رحمه الله تعالى- ونفع بعلمه: باب الترجيع في الأذان، وصلى الله- تعالى- على سيدنا محمد النبي الأمي
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً،
وحسبنا الله ونعم الوكيل،
ولا حولي ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
آمين
* * *(1/1097)
/بسم الله الرحمن الرحيم
[512/أ] الترجيع في الأذان
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن يحيى، ثنا أبو عاصم، أنبأ ابن جريج
قال: أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة عن عبد الله بن محيرز
وكان يتيمَا في حجر أبي محذورة بن معين حتى جهّزه إلى الشام، فقلت لأبي محذورة: أي عم أبي خارج إلى الّشام، وإنّى أسأل عن تأذينك، فأخبرني أن
أبا محذورة قال: خرجت في نفر فكنّا ببعض الطريق، فأذّن مؤذن رسول الله
صلي الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فسمعنا صوت المؤذّن، ونحن عنده متنكَبُون، فصرخنا نحكيه نهزأ به، فسمع رسول الله
فأرسل إلى قومنا فأقعدونا بين يديه، فقال: "أيكم الذي سمعت صوته
قد ارتفع؟ فأشار إليَ القوم كلهم، وصدقوا فأرسل كلّهم وحبسني وقال لي:
" قم فأذّن "، فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبقى على [512/ب] رسول الله صلي الله عليه وسلم/التأذين هو نفسه فقال: قل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، ثم قال لي: ارجع فمد من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، أشهد أن محمدَا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على
الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين
قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية
أبي محذورة ثم أمرّها على وجهه من بين يديه على كبده، ثم بلغت يد
رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- سرة أبي محذورة ثم قال رسول
الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " بارك الله لك وبارك عليك " فقلت: يا
رسول الله، أمرتني بالتأمين بمكة؟ قال: " نعم قد أمرتك "، فذهبت كل شيء
كان لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- من كراهية، وعاد ذلك كله
محبة لرسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فقدمت على عتاب بن أسيد(1/1098)
عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة على أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال وأخبرني ذلك من أدرك أبا محذورة على ما أخبرني عبد الله بن محيرز" (1) . ثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان ثنا همام بن يحيى عن عامر الأحوص ثنا مكحولَا حدّثه أن ابن محيرز حدّثه أن أبا محذورة حدّثه قال: " علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة فذكره" (2) ، هذا حديث خرجه مسلم (3) مختصراً من حديث عن أبي محيرز فذكر: الله أكبر/ [513/أ] في أوله مثنى مثنى، وأبو عوانة من حديث ابن المديني عن معاذ بن هشام عن أبيه وابن مندة من حديث عبيد الله بن عمر عنه، وأما تخريج الحاكم (4) له من جهة عبد الله بن سعيد عن معاذ ففيه نظرة لكونه في مسلم، وقال ابن القطان: والصحيح عن عامر في هذا الحديث إنما هو تربيع البكر في أوله، كذلك رواه عن عامر جماعة منهم: عفان بن سعيد بن عامر وحجاج. ورواه عن هؤلاء الحسن بن علي. ذكر ذلك أبو داود عنه فكذلك يصحّ؛ فيكون الأذان تسع عشرة كلمة، وقد قيده بذلك في نفس الحديث كما قيد الإِقامة ليبلغ سبع عشرة كلمة، وقد وقع في بعض روايات مسلم لهذا الحديث مربعَا وهى التي ينبغي أن نستفيد من صحته وذكره البيهقي في كتابه. انتهى كلامه وفيه نظر، وذلك أنه يسقط منه هكذا رجل، وبيانه هو أن أبا داود إنما رواه عن الحسن بن على عن عفان بن سعيد بن عامر وحجاج عن همام عن عامر،
__________
(1) صحيح. رواه أبن ماجة (ح/708) والبيهقي (3/11) والحاكم (1/310) وصححه ابن خزيمة (1161) وابن حبان (656) .
وصححه الشيخ الألباني. غريبه: قوله: "متنكبون" من تنكّب عنه، أي: عدل عنه، أي: معرضون متجنيون.
(2) صحيح. رواه أبو داود (ح/502) والترمذي (ح/192) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (الأذان، باب " 4 " (وابن ماجة (ح/708) وأحمد (3/409، 6/401) والدارمي (ح/1197) كلهم من طريق عامر الأحول. وفي كثير من هذه الروايات ذكر ألفاظ الأذان والإِقامة تفصيلا.
(3) صحيح. رواه مسلم في: الصلاة، (ح/6) .
(4) انظر: الحاشية رقم (1) السابقة.(1/1099)
وكذا رواه أبو عيسى- وسيأتي- ورواه ابن سعد في كتاب الطبقات عن
سعيد بن عامر وعفان عن همام بن يحيى عن عامر- والله تعالى أعلم-،
ولهذا إنّ أبا عمر حكى عن ابن السكن تفرد همام بروايته، ورواه أبو عيسى (1)
من حديث إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال:
أخبرني أبي وجدي جميعَا عن أبي محذورة، وعن أبي موسى عن عفان عن همّام عن مكحول به مختصرَا وقال: حسن صحيح، وكذا قاله في العلل حين ذكره بكماله، ولفظ ابن خزيمة (2) ، وخرجه من حديث مكحول أن رسول الله صلي الله عليه وسلم "أمر نحواً من عشرين رجلا فأذنوا وعجبة صوت أبي محذورة، فعلمه فعلمه [513/ب] الأذان وعلمه الإقامة مثنى مثنى "./وعن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك مؤذن المسجد الَحرام قال: حدثني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة: " أن النبي- عليه السلام- أقعده فألقى عليه الأذان حرفا حرفا " قال بشر بن معاذ قال لي إبراهيم هو مثل أذاننا هذا، فقلت له: أعد علي قال أبو بكر بن خزيمة بن عبد العزيز لم يسمع هذا الخبر من أبي محذورة وإّنما رواه عن ابن محيرز عن أبي محذورة، وقال الدورقي في أوّل الأذان: الله أكبر الله أكبر، ويأتي حديثه مثل لفظ حديث بندار عن أبي عاصم، وهكذا رواه روح عن ابن جرير عن عثمان بن السائب عن أم عبد الملك ابن أبي محذورة عنه قال في أول الأذان الله أكبر الله أكبر ثم نقله أربعاً، ورواه أبو عاصم وعبد الرزاق
عن ابن جريج وقال في أول الأذان: الله أكبر أربعَا، قال الحافظ أبو بكر: خبر أبي محذورة ثابت صحيح من جهة النقل، وفي سؤالات الأثرم: قيل لأبي عبد الله: حديث أبي محذورة صحيح؟ قال: أما ثنا فلا أدفعه، وذكره ابن الجارود في منتقاة وحكى أبو عمر عن الشّافعي: أنه يقول في أوّل الأذان: الله أكبر
__________
(1) انظر: الحاشية رقم (1) السابقة ص 1099.
(2) الحاشية المذكورة السابقة، والتلخيص (1524) . قلت: وفي المدونة (1/57-58) حكى ابن القاسم ألفاظ الأذان والإِقامة عن مالك ثم قال: "قال ابن وهب: قال ابن جريج: قال عطاء: ما علمت تأذين من مضى يخالف تأذينهم اليوم، وما علمت تأذين أبي محذورة يخالف تأذينهم اليوم، وكان أبو محذورة يؤذن في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى أدركه عطاء وهو يؤذن".(1/1100)
أربعًا، وزعم أن ذلك محفوظ من رواية الحفاظ الثقات في حديث ابن زيد وأبي محذورة وهذه ريادة يجب (1) قبولها، والعمل بها عندهم في آل أبي محذورة إلى وفاته، وفي كتاب الإقناع لابن المنذر: والأذان الذي علّم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أبا محَذورة ولم يزل عليه الحرمين قديمًا وحديثًا إلى يومنا هذا: التربيع، وقال الحافظ أبو عليا الطوسي في كتاب الأحكام، وذكره يقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال أحمد بن سنان: هذا الحديث أصل في هذا الباب فأمّا الإقامة فلا يختلف على واحدة واحدة إذ علّمها النبي-/صلى الله عليه وآله وسلم- أبا محذورة وأمر بها بلالا، وقد روى حديث أبي محذورة من غير وجه، وعليه العمل بمكة، قال البغوي في شرح السنة: هذا حديث صحيح، ولفظ النسائي (2) : " خرجت عاشر عشرة، فسمعناهم يؤذنون للصلاة، فأرسل أبينا فأذّنا رجلاً رجلاً فكنت آخرهم " زاد الكجي: وكان ذلك في الحجرة"، وقد تقدّم من عند ابن خزيمة ما يردّه- والله تعالى أعلم- ورواه أبو حاتم في صحيحه بلفظ: فكنا في بعض طريق حنين وفي آخره، قال ابن جريج: وأخبرني غير واحد من أهلي خبر أبي محذورة هذا، وفي كتاب النسائي وابن خزيمة قال ابن جريج: أخبرني هذا الخبر كله عثمان بن السائب عن أبيه، وعن أم عبد المالك آنفا سمعنا ذلك من أبي محذورة، وزعم ابن القطان أن عثمان وأباه وأمه مجهولون، وهو مردود بما ذكرنا، قال ابن حبان (3) أنبأ الفضل ابن الحباب ثنا مسدد ثنا الحارث ابن عبيد بن محمد بن عبد الملك ابن أبي محذورة عن أنه عن جدّه قال: قلت يا رسول الله:) علمني سنة الأذان (قال: فمسح مقدّم رأسي وقال: "تقول فذكره مرجعًا، ثم قال: فإن كانت صلاة الصبح. قلت. " الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لما واعترض أبو محمد الإشبيلي على هذا الحديث بقوله: هذا يرويه الحارث بن عمير عن محمد بن عبد الملك عن أبيه عن جدّه، ولا يحتج بهذا الإِسناد، وقال في
__________
(1) قوله: 5 يجب، وردت "بالأصل" و"عيب" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) صحيح. رواه النسائي في: 7- كتاب الأذان، باب "5"
(3) صحيح رواه ابن حبان (3/96، خ/1680)(1/1101)
البكري: الحارث بن عبيد يضعف، وقد روى عنه ابن محمد، وقال: هو من شيوخنا وهو كلام جيّد واعترض ابن القطّان على الأوّل، وهؤلاء عن الثاني وأصاب؛ لأنّ كلامه على الوسطى لا الكبرى ولكنه غالبا بين الصواب/وعدمه منها، قال: لأنه لم يبين عليه قال: وهي الجهل بحال محمد بن عبد الملك ولا يُعلم وروى عنه أبي الحارث، وهو أيضا ضعيف. قاله ابن معين، وقال فيه أيضًا: مضطرب الحديث، وكذا قاله ابن حنبل، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال عمرو بن علي: سمعت ابن مهدى يحدث عنه، وقال: كان من شيوخنا، وما رأيت خيرا، فأمّا عبد الملك ابن أبي محذورة فقد روى عنه جماعة منهم: ابنه محمد والنعمان بن راشد وابنا ابنيه: إبراهيم بن عبد العزيز عن عبد الملك، وإبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك. انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث أنّ الحارث خرّج له مسلم في صحيحه على طريق الاحتجاج، وقال الساجي: كان صدوقا، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، واستشهد به البخاري في موضعين من كتابه، وأمّا ما ذكره عن أحمد فقد جاء عنه خلافه، قال أحمد بن حميد: سألت أبا عبد الله عنه فقال: لا أعرفه، قلت: يروى عن هود بن شهاب؟ قال: لا أعرفه، قلت: روى عن هود عن ابن عباد عن أبيه عن جدّه عن عمر على أبيات بعرفات؟ فقال: نعم، هذا يروى عن عباد من غير هذا الوجه، وقد جاء هذا الحديث بهذا اللفظ من حديث غيره رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يزيد بن سنان، نا أبو عاصم وأشار الطحاوي في المشكل إلى بيوته، ورواه أبو داود (1) عن الحسن بن علي، نا أبو عاصم وعبد الرزاق عن ابن جريج، أخبرني عثمان بن السائب، أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن النبي- عليه السلام- بنحو هذا الحديث- يعني حديث الحارث بن عبيد- وفيه: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير/من النوم في الأول من الصحيح، قال أبو داود: ثنا النفيلي ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة، سمعت جدّي عبد الملك يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول: ألقى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- الأذان فذكره، وفيه: فكان يقول في الفجر: فالصلاة خير من النوم وهو أيضا إسناد
__________
(1) حسن. رواه أبو داود (ح/500) .(1/1102)
صحيح، قال: وثنا محمد بن داود ثنا زياد- يعني ابن يونس- عن نافع بن عمر الجرحى عن عبد الملك بن أبي محذورة عن عبد ألله بن محيرز عنه فذكر مثل حديث ابن جرير عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه، ورواه النسائي عن عمرو بن علي ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان عن أبي جعفر عن أبي سليمان عن أبي محذورة قال: "كنت أؤذن لرسول ألله صلي الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فأقول إذا وليت في ألآذان الأول حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم" ثني عمرو بن علي ثنا يحيي وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان بهذا الإسناد بحق، وقال عبد الرحمن بن مهدي: وليس بأبي جعفر الفراء، وأمّا ابن حزم فذكره في كتابه مصححا له، وقال: عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان كذا رأيته بأبياء بعد اللام وكأنه تصحيف من النسخة، وصوابه: سلمان، واسمه همام، وزعم المزي أن أبا جعفر هذا هو الفراء، وأنت ترى ابن مهدى نص على أنه ليس به، ولو كان الفراء لكان سندا صحيحا- والله تعالى أعلم-، ورواه أبو الشيخ عن إبراهيم بن محمد بن الحارث ومحمود بن أحمد بن الفرح ومحمد قالوا: ابنا إسماعيل بن عمرو البجلي، أنبأ الثوري، وفي آخره: " فدعاني عليه السلام فمسح يده على رأسي" ثنا إبراهيم/بن محمد بن الحسن ثنا كلمة بن الخليل الكلاعي ثنا مروان ثنا النعمان عن عبد الملك بن أبي محذورة عن ابن محيرز الشّافعي عن أبي محذورة: "أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- علمه ألآذان وأمره أن يقول في الآذان الأول من الصبح: الصلاة خير من النوم، مرتين" (1) وثنا الوليد بن أبان ثنا يعقوب بن سفيان نا موسى بن إسماعيل ثنا محمد بن راشد عن عبد الملك عن بن محيرز عن أبي محذورة: "أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أمره أن يؤذِّن لأهل مكة وأن يدخل في أذانه في الغداة الصلاة خير من النوم" (2) ، وفي هذا أيضا ردّ لما تقدّم من قول البيهقي في المعرفة: حديث أبي محذورة منقطع، ولما يفهم أيضا من قول أبي الشيخ في موضع
__________
(1) قوله: 9 "وثنا" أي "وحدثنا" سقطت من "الأصل" وكذا أثبتناه.
(2) تقدم- انظر سنن ابن ماجه (ح/8، 7) والحديث صحيح كما أقر الشيخان محمد فؤاد عبد الباقي والألباني ص1099.(1/1103)
آخر أن الحق شيء سأل ابن أبي محذورة عن التثويب فقال كان في أذان بلال، وفي سنن الدارقطني (1) بسند صحيح، ثنا أحمد بن العباس ثنا عباد بن الوليد أبو بدر ثنا الحماني ثنا أبو بكر بن عياش عبد العزيز بن رفيع قال: سمعت أبا محذورة يقول: كنت غلاما صبيها فأذنت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يوم حنين الفجر فلما بلغت "حي على الفلاح" قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحق فيها: الصلاة خير من النوم"، وقال ابن المنذر جاء الحديث عن أبي محذورة أنه قال: قال لي النبي صلي الله عليه وسلم "إذا أذنت الصبح فقل: الصلاة خير من النوم" (2) وأمّا قول الشيخ في المهذَب: لم يحك أبو محذورة الترجيع، فمردود بما قدّمناه- والله تعالى أعلم-، وفي كتاب النسائي بسند صحيح آخر "أذان أبي محذورة لا إله إلا الله" (3) ، ولما ذكره في الأوسط قال/: لم يروه عن هشام إلا ابنه. تفرد به ابن راهويه، قال ابن عبد البر: والتثويب في أذان أبي محذورة محفوظ معروف مشهور عند العلماء، وذهب مالك وأصحابه إلى أنّ التكبير في أوّل الأذان مرتين، قال: وقد روى ذلك من وجوه صحاح في أذان أبي محذورة وفي أذان عبد الله بن زيد، والعمل عندهم بالمدينة على ذلك في آل سعد القرظ أي: زمانه، ويؤيّده ما أسلفناه من عند الترمذي وأبي داود، وروى أبو بكر بن الجهم المالكي من طريق عماد بن سعد القرظ عن أبيه أنه سمعه يقول: أنّ هذا الأذان أذان بلال، فذكره مثنى، قال: والإقامة واحدة واحدة ويقول: قد قامت الصلاة، وكذا حديث أبي أمامة وسهلَ قال: سمعت معاوية يقول: "إذا كبرَ المؤذن اثنين كبّر اثنين، وإذا تشهّد اثنين تشهد اثنين، ثم التفت فقال: هكذا سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول عند الأذان" (4) ، وسيأتي له مزيد بيان- إن شاء الله تعالى- قال ابن المنذر في الأَشراف: لم
__________
(1) صحيح. رواه الدارقطني (1/237) والطبراني (7/209) والحلية (8/310) والكنز (20973) .
(2) جامع المسانيد: (2/493) .
(3) بنحوه. أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، (1/331) من حديث سويد بن غفلة، وفيه "آخر أذان بلال، وعزاه إلى الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات.
(4) صحيح. رواه الخطب في وتاريخه،: (2/188) .(1/1104)
يختلف مالك والشافعي إلا في أوّل الأذان، وقال سفيان وأصحاب الرأي: الأذان على حديثا عبد الله بن زيد مربعا، وقالت طائفة: الاختلاف في هذا من جهة المباح، وقال أحمد بن حنبل: إن رجع فلا بأس، وإن لم يرجع فلا بأس، وكذلك قال إسحاق غريبه: قوله الله أكبر ذكر، فثبت أنّ أهل العربية اختلفوا في معنى أكبر فقال أهل اللغة: معناه كبروا واحتجوا بقول الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتًا دعائمه أعز وأطولُ
أراد دعائمه عزيزة طويلة/واحتجوا بقول الآخر بمعنى رجال أن أموت وإن أمت، فذلك سبيل لست فيها بأوحد أراد لست فيها بواحد، واحتجوا بقول معن بن أوس:
لعمرك ما أدرى وإنى لأرجل ... على أينا تعدوا المنية أؤل
أرادوني لوصل واحتجوا بقول الأحوص عنه:
يا بيت هالكة التي أتغزل ... حذوا لعدى وبه الفؤاد صوكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما أبيك مع الصدود لأميل
أراد لمائل واحتجوا بقول تعالى: {وهو أهون عليه}
قالوا: فمعناه وهو هين عليه، قال ابن الأنباري في الكتاب الزاهر قال أبو العباس، وقال النحويون- يعني الكسائي والفراء وهشامَا- الله أكبر معناه: أكبر من كل شيء، فحذفت من؛ لأن أفعل خبر كما يقول: أبوك أفضل، وأخوك أعقل، فمعناه أفضل وأعقل من غيره، واحتجوا بقول الشاعر:
إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراح لنا ألا ووجهك أنور
أراد: أنور من غيره، وقال معن بن أوس:
فما بلغت كف امرء متناول بها ... المجد إلا حيث ما نلت أطول
ولا بلغ المهدون نحوك مدحة ... ولو صدقوا لها الذي فيك أفضل(1/1105)
أراد أفضل من قولهم قال: وأجاز أبو العباس: الله أكبر، الله أكبر، واحتج بأن الأذان سمع وقفاً لا إعراب فيه لقولهم: حي على الصلاة حي على الفلاح، ولم يسمع على الصلاة والفلاح فكان الأصل فيه: الله أكبر بتسكين الراء فألقوا على الراء فتحة الألف من اسم الله تعالى، وانفتحت الراء وسقطت الألف، كما قال تعالى: {آلم * الله لا إلى إلا هو}
أن الأصل فيه- والله أعلم- {آلم * الله} بتسكين الميم، فألقيت فتحة الألف على الميم، وسقطت إلا أن قال/: سمعت أبا العباس يقول: من يحذف في مواضع الأخبار، ولا يحذف في مواضع الأسماء من قال: أخوك أفضل لم يقل: إن أفضل أخوك، وإنما حدثت في مواضع الأخبار لأن الخبر يدل على أشياء غير موجودة في اللفظ، واعترض أبو إسحاق الزجاجي على أبي بكر؛ فإن هذا الذي حكاه عن ثعلب غير صحيح، واعتلاله غير مستقيم، وذكر كلاما طويلا أهمل فيه التنبيه عن البيتين الآخرين، وأنهما ليسا في ديوان معن وإنما هما ثابتان في ديوان الخنساء تمدح أخًا لها، حتى لقد استشهد العلماء بذلك في كلامهم، قال ابن محيط في كتاب البديع المنظوم تصنيفه: براعة الاستهلال أن يبتدي بما يدل على المقصود بالنظم الأول، كما قالت الخنساء تطري أخا لها: ولا مدحه إلا وذا المد أجمل، وما بلغت نف (1) إمرء ... البيتين، وقوله: أشهد أن لا أله ألا الله قال أبو بكر: معناه عند أهل العربية أعلم أنه وأبين أن لا أله إلا الله، الدليل على هذا قوله تعالى: {ما كان للمُشركين أن يَعمُرُوا مَسَاجد الله شَاهِدينَ عَلَى أنفُسِهم بِالكفر} (2) وذلك أنهم لما جحدوا نبوة النبي- صلى الله عليه واله وسلم- كانوا قد بينوا على أنفسهم الضلالة والكفر، قال حسان- رضى الله تعالى عنه-: نشهد أنك عبد المليك أرْسلت، ومن ذلك لهم: شهد الشاهد عند الحاكم معناه: قد بين له وأعلمه الخبر الذي عنده، وقال أبو عبيدة: معناه: قضى الله تعالى، قال ابن الأنباري: وقول ابن العباس أحسن مشاكله، لكلام العربي قال الزجاجي: ليس
__________
(1) كذا في " الأصل": "نف"، كما أثبتناه.
(2) سورة التوبة آية: 17(1/1106)
حقيقة الشهادة ما ذكره، ولو كان معنى الشهادة البيان والإعلام لما كذب الله تعالى المنافقين في قوله {وقالوا نشهد/إنك لرسول الله} لأن البيان والإعلام إنما هو باللسان لا بالقلب، فقد قالوا بلسانهم وأعلموا، فكذبهم الله تعالى لأنّ الشهادة في هذا الموضع إنّما هي تحقق الشيء وتيقّنه، وكذّبهم الله تعالى؛ لأنهم أبينوا خلاف ما أظهروا، فقد تكون الشهادة على ضروب وأصلها تحقق الشيء وتيقّنه من شهادة الشيء أي: حضوره؛ لأن من شاهد شيئا فقد تيقّنه علما، واستعملت في موضعين آخرين أحدهما: الإقرار بالشيء، والآخر البيان والإظهار، فمن البيان والإظهار: ما ذكر في قوله تعالى: {شاهدين على أنفسهما بالكفر} (1) فأما شَهادة الشاهد في الحقوق فإنّما هي أخبار منه عما شاهده وتيقنه وأحضر للوقوف معاينة وسماعا، وأمّا الإقرار فما كان يؤخذ به المشركون في صدر الإسلام عن الدعاء أبيه، وهو أنهم كانوا يقاتلون حتى يستشهدوا فيحصن مالَه وتحقن دمه، فإنّما كان يراد منهم الإقرار بهذا، ألا ترى أن المنافقين كانوا على عهد رسول الله- عليه السلام- يقولون هذا، ويقرون به في الظاهر تبصيرهم حكم المسلمين ويبطنون خلافه، وأما الرسول، فمعناه في اللغة: الذي يتابع أخبار الذي بعثه، أخذ من قول العرب: قد جاءت الإِبل رسلا إذا جاءت متابعة، قال الأعشى:
عريسقي ديار الناقد أصبحت غرضا وزورا أعنف عنها القود، والرسل القود: الخيل، والرسل: الإِبل المتابعة، ويقال في تثنيته رسولان وفي جمعه: رسل، ومن العرب من يوجد في موضع التثنية والجمع فيقول: الرجلان رسولك والرجال رسولك، قال الله تعالى: {إنا رسولا ربك} (2) وفي موضع آخر: {إنا رسول رب العالمين} (3) والأول خرج الكلام فيه على الظاهر، لأنه أخبار عن موسى وهارون- عليهما السلام- والثاني قال يونس/وأبو عبيدة
__________
(1) الآية السابقة.
(2) سورة طه آية: 47.
(3) سورة الشعراء آية: 16(1/1107)
وحده لأنه في معنى الرسالة، كأنه قال: "أنا رسالة رب العالمين" واحتج يونس بقول الشاعر:
فأبلغ أبا بكر رسولا شريعة ... فمالك بابن الحضرمي وماليا
ويقول الآخر:
ألا من يبلغ عنى حقاقا رسولا ... يثبت اهلك منتهاها
أراد رسالة شريعة، واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر:
لقد كذب أبو أشوذ ما بحث ... عندهم برسولا أرسلتهم
وقال الفراء: إنما وجد لابنه اكتفي بالرسول من الرسولين واحتج بقول الشاعر الليثي:
* وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخير
أرادوا خير الرسل فاكتفي بالواحد من الجمع.
قال أبو بكر: وفصحاء العرب أهل الحجاز ومن والاهم يقولون: أشهد أن محمدا رسول الله، وجماعة من العرب يقولون: من الألف عينا فيقولون أشهد أنّ محمدا رسول الله، قال أبو بكر: ان نشدنا أبو العباس قال: أنشدنا الزبير بن بشار قال:
أبو شاء لهند عن تصارحنا ... ولست أنسى هوى هند وتنساني
وقال قيس بن الملوح المجنون:
أبا شبه (1) ليلى لا تراعى ... فإنني لك أبيوم من وحشية تصديق
فعيناك عيناها وحيدك حيدها ... سوى عن عظم الساق منك دقيق
أراد سوى أن فأبدل من الهاء يمينا، وقال أيضا: فما هجرتك النفس يا ليلى عن قلى فلتزولا عن قل منك نصيبها أتضرب ليلى عن ألم بأرضها. وما ذنب ليلى عن طوى الأرض ذنبها، أراد أن، قال أبو بكر وفي قولهم:
__________
(1) كذا ورد هذا السياق "بالأصل".(1/1108)
أشهد أنّ محمدا رسول الله ثلاثة أوجه، الوجه المجتمع عليه: أن محمد يجوز أن محمد رسول الله، وأن محمدًا رسول الله، على أنني (1) أقول: ولا يجوز أن تبدّل عن الألف أو انكسرت عينًا إنّما يفعل ذلك بها إذا انفتحت/قال أبو إسحاق الزجاجي ليس ما ذكره في إثبات الرسول صحيحًا، ولو كان كذلك ما جاز لهم في أول مجيئه أبيهم أن يقول: إنّي رسول الله أبيكم ولابنه لم يتابع أبيهم بعد بأخبار، ولا يدري إلى ما يكون تعديل كان لا يقع عليه في الحال الأولى اسم رسول، ولا تجب له حجة على تأويله هذا، ولكان من أرسل إنسانًا في حاجة واحدة إلى آخر لم ينفذه قط، وفي غيرها لم يجز للمرسل أن يقول لصاحبه المنفذ أبيه أنى رسول فلان أبيك، وهذا غلط بيّن يدفعه استعمال الكتابة ذلك غير منكرين له، وإنّما الرسول بمعنى المرسل المنفذ من أرسلت أي: أنفذت وبعثت ولذلك قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} (2) وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} (3) ، ولذلك قيل في معناه: مبعوث، وإنّما غلط أبو بكر؟ لأنه رآه على مقول فتوهمه فما جاء على مقول، ولا يكون ذلك إلا لتكرار الفعل: نحو ضروب وشبهة من الأسماء المبنية من الأفعال للمبالغة، وليس كذلك وإنما هو اسم بغير تكثير الفعل بمنزلة عمود، وعنود، وعجوز، فهو وإن كان مشتقًا، فأنه يجرى مجرى الأسماء المختصة في الاستعمال، والدليل على صحة ما قلنا، قول سيبويه: أجمع النحويون من البصريين: أزيد أنت أبيه رسول؟ قالوا: برفع زيد لأن رسولا اسم لا يجرى مجرى الفعل، فكأنك قلت: أزيد أنت له عجوز؟ ولو كان من تلك الأسماء الجارية مجرى الفعل للمبالغة لنصبت أزيد أنت له ضروب، وأزيد أنت له شكور، وكذلك ما أشبهه، وهذا بيّن واضح. انتهى. أنشد المبرد في كامله: وحبيب في حماسة الوسطى لبعضهم:
وما هجرتك النفس بأمي أنها قلتك ولا إن قل منك نصيبها
__________
(1) قوله: {أنني} وردت "بالأصل" "يعنى" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.
(2) سورة الفتح آية: 28.
(3) سورة إبراهيم آية: 4.(1/1109)
ولكنهم يا أملح الناس أولعوا يقول إذا ما جئت هذا حبيبها
وقرأهما السّمّري لنصيب، قال: ويقال هما لمعاد، وأما قوله حي على
الصلاة فذكر الفراء: ان حي في كلام العرب معناها: هلم وأقبل، وفتحت أبياء من حي بسكونها وسكون أبياء التي قبلها، كما قالوا: البيت، ولعل أبو بكر ومنه قول ابن مسعود:) إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر ((1) معناه: اقبلوا على ذكر عمر، وفيه ست لغات: حي هلا بالتنوين، الثاني: فتح اللام بغير تنوين الثالث: تسكين الهاء وفتح اللام بغير تنوين، الرابع: فتح الهاء وسكن اللام، الخامس: حي هلا السادس: حي هلا على عمر، قال الزجاجي: أما الوجه الخامس بالنون فهو الأول بعينه. لأن التنوين والنون سواء، إما الفلاح
فذكر جماعة من أهل اللغة: هلموا إلى الفوز، قال أبو بكر: وقالوا: يقال قد
أفلح الرجل إذا فاز وأصاب خيرا، من ذلك الحديث الذي يروى) واستفلحي
برأيك (أي: فوزي برأيك قال لبيد: أعقلي إن كنت لما تعقلي: ولقد أفلح
من كان عقل، وقال تعالى: {وأولئك هم المفلحون} (2) وقال آخرون
حي على الفلاح معناه: هلموا إلى البقاء أي: أقبلوا إلى سبب البقاء في الجنة، قالوا: والفلح والفلاح عند العرب البقاء أنشدنا أبو العباس:
لكل هم عن الهموم سعة ... والمشي والصبح والفلاح سعة
قال لبيد: لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح، وقال عبيد
الحج ما شئت فقد يدرك بالضعف، وقد يخدع الأرنب فهذا من الفوز، وقال أصحاب البقاء: معنى قوله تعالى:) وأولئك هم المفلحون} يعني الباقون في الجنة والفتح/، والفلاح عند العرب: السحور انتهى كلامه ولم يتبع عليه الزجاجي شيئا، ومما ينبغي أن يتبع عليه أمور: الأول: إطلاقه الفلاح البقاء، وأهل اللغة يقيدونه بالبقاء في النعيم، والخير قاله ابن سيده، وقال في التنزيل: {وقد أفلح المؤمنون} أي: نالوا البقاء الدائم في الخير، والفلاح، والفوز بما يغبط به وفيه صلاح الحال، الثاني: قوله من ذلك الحديث الذي يروى إلى
__________
(1) كشف الخفاء: (1/90)
(2) سورة البقرة آية: 5(1/1110)
آخره وليس وهو بحديث (1) إنّما هو من ألفاظ الطلاق من أيام الجاهلية، قال ابن سيده والنجرمي: وأمّا قول الهروي في الغريبين: وفي حديث ابن مسعود إذا قال الرجل لامرأته استفلحي برأيك، فليس حديثا مرفوعا للنبي عليه السلام هل هو أثر هذا هو الاصطلاح، وأيضا فيجوز أن يكون قاله حاكيا عن العرب في الجاهلية؟ إذ ليست هذه اللفظة موضوعة للكناية عن الطلاق إجماعا الثالث: ولئن سلّمنا له قوله فليست هذه اللفظة بالحاء، وإن كان غيره سبقه إلى ذلك، وإنما هي الجيم كذا ذكره الزمخشري في الأساس، وأمّا قوله أنشدنا أبو العباس فذكر البيت وفيه لا فلاح معه فليس كذلك أنشده أبو العباس بن محمد بن- يزيد، وأحمد بن يحي فيما رأيت من مالية إنّما فيهما ألا يتابعه، وكذا أنشده أبو الفرح، وأبو علي العافي، وغيره، وذكر الحافظ أبو القاسم الجوزي فيما رويناه عنه في كتاب الترغيب والترهيب: أنَّ قول المؤذِّن الله أكبر أي: الله أعظم، وعمله أوجب، فاستعملوا بعمله واتركوا غيره، وقوله أشهد أن لا إله إلا الله أي: أشهد أنه واحد لا شريك له، ومعناه أنّ الله يأمركم بأمر فاتبعوه (2) فأنه لا ينفعكم أحد إلا الله، ولا ينجيكم أحد من عذابه/إن لم تؤدوا أمره، وقوله أشهد أن محمدا رسول الله أي: أشهد أنّ محمدا أرسله أبيكم لتؤمنوا به وتصدقوه، ومعناه: قد أمركم بالصلاة والجماعة فاتبعوا ما أمركم به، وقوله حي على الصلاة أي: أسرعوا إلى أداء الصلاة، ومعناه: حان وقت الصلاة فلا تؤخّروها عن وقتها، وقوله حي على الفلاح أي: أسرعوا إلى النجاة والسعادة، ومعناه أن الله تعالى قال وقوله: الله أكبر أي: الله أعظم وأجلّ، وعمله أوجب فلا تؤخِّروا عمله، وقوله لا إله إلا الله أي: اعلموا أنه واحد لا شريك له، ومعناه أخلصوا أو ابتغوا بصلاتكم وجه الله تعالى.
__________
(1) قلت: وكذا لم أجده حديثا.
(2) قوله: "فاتبعوه" وردت "بالأصل" "فاتبعني" وهو تحريف، والصحيح ما أثبتناه.(1/1111)
114- باب السنة في الأذان
حدثنا هشام بن عمار نا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤذن رسول الله صلي الله عليه وسلم علي قال: حدثني أبي عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه، وقال له: أنه أرفع لصوتك (1) هذا حديث أشار أبيه البخاري (2) في صحيحه بقوله: {ويذكر عن بلال أنه جعل أصبعيه في أذنيه} ولما ذكر الإشبيلي. حدثنا بهذا الإِسناد من عند أبي أحمد أتبعه بقوله: حديث أبي داود (3) والترمذي (4) أصح- يعني الذين في معنى ذلك الحديث- وهو حديث الاستدارة في الأذان، وسيأتي إن شاء الله تعالى قال أبو الحسن فإن كان هذا الكلام منه تضعيفا- وهو الظّن- فاعلم أن علّته هي أن عبد الرحمن المذكور وأباه وجدّه كلّهم لا يعرف له حال، وفي باب عبد الرحمن ذكره أبو أحمد/وعنده مجهولة كما قلناه. انتهى كلامه، وفيه نظر في موضعين، الأول: أبو محمد نفسه بيّن ضعف هذا الإسناد في موضع آخر من هذا الباب بعينه، فلا حاجة إلى تحرص أبي الحسن وظَنّه، وذلك أنه لما ذكر حديث أمر بلال أن يجعل أصبعيه في أذنيه: واتبعه ولم يذكر أبو أحمد في عبد الرحمن هذا جرحًا ولا تعديلا، وأما ابن حاتم فذكر تضعيفه عن ابن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/710) . في الزوائد: رواه الترمذي بإسناد صححه. وإسناد المصنف ضعيف لضعف أولاد سعد. والطبراني في الصغير (2/142) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجه (ح/149) انظر: الإرواء (231) ، والمشكاة (653) ، والروض (333) ، والثمر المستكاب.
(2) رواه البخاري "تعليقا" في: الأذان، باب (19)
(3) حسن. رواه أبو داود: (ح/520) . ولفظه: "عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلي الله عليه وسلم بمكة وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج بلال فأذن فكنت أتتبع فمه ههنا وههنا، قال: ثم خرج رسول صلي الله عليه وسلم وعليه حلفة حمراء بُرُوى يمانية قِطري، وقال موسى قال: رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذّن، فلما بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح، لَوَى عُنقه يمينا وشمالا ولم يستدر، ثم دخل فأخرج العنزة، وصدق حديثه.
(4) رواه الترمذي: (ح/197) . وقال: (وهذا حديث حسن صحيح) وعليه العمل عند أهل العلم: يستحبون أن يُدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان.(1/1112)
معين، فهذا كما ترى أبو محمد بينّا حاله عندها، وذهل عنها أبو الحسن، وفي قول ابن معين في عبد الرحمن: ضعيف يعني: بالنسبة إلى غيره لأنه ليس جرحا مفسدا لا سيما وقد عارضه من نصّ على عدالته وهو أبو حاتم بن حبّان، وزعم أبو إسحاق الصيرفي أنّ أبا عبد الله الحاكم ذكر له في مستدركه حديثا صحّح إسناده، وروى عنه جماعة، منهم معن بن عيسى وعبد الله بن الزبير الحميدي ومعلي بن منصور وإبراهيم بن موسى وعبد الرحمن المديني ويعقوب بن حميد بن كاسب وإسماعيل بن أبي عويس ومحمد بن الحسن المخزومي في آخرين، فيما ذكره أبو نعيم وغيره فذال عنه بحمد الله تعالى جهالة الحال والعين كما ترى، الثاني: عمار بن سعد ذكره ابن منده في كتاب الصحابة، وزعم أنّ له رؤية، وأبي ذلك أبو نعيم بقوله: إذ ذكره في كتاب الصحابة له رؤية فيما ذكره بعض المتأخرين وأخرج له هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعد، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الرحمن، حدثني أبي عن جدّي أن رسول الله كله: " كان إذا خرج إلى العيد سلك على دار سعد بن أبي وقاص، ثم على أصحاب الفساطيط (1) قال الحافظ: وجدّه هو/سعد، وليس لعمار صحبة ولا رواية، إلا عن أبيه سعد، وحدّث به عن ابن كاسب مجودّا غير واحد، منه ما، ثنا سليمان، ثنا عليه بن سعيد، ثنا يعقوب بن كاسب، ثنا عبد الرحمن بن سعد عن عمّار بن سعد عن عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد وعن عمار وعمر بن سعد أبنى حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم عن سعد القرط أن النبي- عليه السلام-: ما كان يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في المطر لما (2) انتهى، ولقائل أن يقول: الذي قاله ابن
__________
(1) ضعيف. رواه ابن ماجه (ح/1298) . في الزوائد: هذا الإسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن وأبيه، كما نبه عليه في الزوائد. والطبراني في الصغير، (2/142) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيفة ابن ماجه (ح/266) انظر: الروض/335.
غريبه: قوله: "الفساطيط" هي الخيام الكبيرة، ويظهر أنها- هنا- كانت لعرض البضائع، والسلع على الناس.
(2) رواه مالك في: السفر، (ح/5) .(1/1113)
مندة لا يدفعه ما ذكره أبو نعيم لأنا عهدنا الصحابة المشهورين بالصحبة رووا عن التابعين، لهذا فلمّ يقل ابن مندة أن له صحبة، إنما قال: له رؤية وبينهما فرق معلوم، وإن كانت اسم الصحبة شاملة لهما فيما ذكره أبو عمر وغيره، فيجوز أن يروى حديثَا واحداَ مرفوعاَ عن النبي وآخر عن التابعين، ولا سيما والحديث المستشهد به على صحبة ليس هو المستشهد به على نفيها- والله تعالى أعلم-، ولئن سلمنا لأبي نعيم قوله: لا صحبة له، وأنه في عداد التابعين الذين ينظر في حالهم، فنظرنا في ذلك فوجدنا الحافظ أبا حاتم البستي ذكره في كتاب الثقات ووصفه برواية ابنه سعد عنه، وزاد ابن سرور عمر بن حفص أيضَا، وزاد ابن أبي حاتم: عمر بن عبد الرحمن بن أسيد بن زيد بن الخطاب، وزاد البخاري في الكبير: محمد بن عمار بن حفص، وقد وقع لنا هذا الحديث من طريق صحيحة على شرط البستي رواها أبو الشيخ عن محمد بن عبد الله بن رستة وابن أبي عاصم قالا: ثنا ابن كاسب ثنا عبد الرحمن بن سعد عن عبد الله بن محمد وعمر وعمار بن حفص عن آبائهم/عن أجدادهم عن بلال أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- قال له: {إذا أذنت فاجعل إصبعيك في أذنيك فأنه أرفع لصوتك} (1) عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرط وثقة وأباه ابن حبان، وذكر البيهقي في كتاب المعرفة حديثَا لعمر بن حفص وحسنه، ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث هشام بن عمار ثنا عبد الرحمن بن سعد حدثني أبي عن جدّه بلفظ: {أنّ رسول الله صلي الله عليه وسلم} أمر بلالا أن يدخل أصبعيه في أذنيه قال: فأنه أرفع لصوتك " (2) " وأن بلالا كان يؤذن مثنى مثنى " وتشهّده مضعف وإقامته مفردة (3) ، و"قد قامت الصلاة" مرة واحدة وأنه: " كان يؤذن للجمعة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا كان الفيء مثل الشراك " (4)
__________
(1) تقدم. ص 1112 الحاشية رقم (1) (2) الحاشية السابقة.
(3) ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/731) . في الزوائد: إسناده ضعيف، لضعف أولاد سعد. ومعناه في صحيح البخاري
ضعيف. رواه ابن ماجة (ح/1101) .
(4) ضعيف. أورده الهيتمي في ومجمع الزوائد، (2/183) وعزاه إلى الطبراني في (الكبير) وفيه.(1/1114)
وأن النبي صلي الله عليه وسلم: "كان إذا خرج إلى العيد سلك على دار سعد بن أبي وقاص، ثم على أصحاب الفساطيط ثم يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة، ثم خطب على الناس، ثم انصرف من الطريق الآخر من طريق بنى زريق، وذبح ضحية عند طرف الزماق بيده بشفرة، ثم يخرج إلى دار عمار بن ياسر ودار أبي هريرة إلى البلاط (1) وكان عليه السلام يذهب ماشيا ويرجع ماشيا " (2) وكان عليه السلام يكبر بين أصفاف الخطبة، ويكثر التكبير بين أصفاف الخطبة، ويكثر في خطبة العيدين (3) {وكان عليه السلام إذا خطب في الحرب خطب على قوس، وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا} (4) ، ووجدنا الحديث شاهدا صحيحا رواه أبو عبد الله/في مستدركه من حديث أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: "رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعيه في أذنيه، ورسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- في قبة حمراء من أَدَم " الحديث قال وهو صحيح على
__________
= عبد الرحمن بن سعد بن عمار وهو ضعيف. وضعفه الشيخ الألباني. "ضعيف ابن ماجة" (ح/227) .
غريبة: قوله: " الشراك" أحد سيور النّعل التي تكون على وجهها، ويخرج من جانبها الإِبهام.
1) تقدم ص 1113 الحاشية رقم (1) ، قوله: "البلاط" بالفتح، الحجارة المفروشة في الدار غيرها. واسم لموضع بالمدينة.
(2) رواه الطبراني (10/357) وإتحاف (3/389) .
(3) صحيح. رواه أبن ماجة (ح/1287) والحاكم (3/607) وصححه. وصححه الشيخ الألباني.
(4) ضعيف. رواه أبن ماجة (ح/1107) والبيهقي 6/31، 2) والقرطبي 115/181) . وضعفه الشيخ الألباني. ضعيف ابن ماجة (ح / 228) ، والضعيفة 9681) ، والروض النضير 3361) .
(5) صحيح. رواه الترمذي (ح/197) . وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم من حديث أبي حنيفة بألفاظ زائدة، وقال: قد أن أخرجاه إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الآن سبعين في الأذنين والاستدارة، وهو صحيح على شرطهما.
غريبه: يمينا وشمالا. و" الأدم" لما بالهمزة والدّال المهملة المفتوحتين، وهو جمع " أديم "، وقيل: اسم جمع، والأديم: الجلد ما كان، وقيل: الأحمر، وقيل: هو المدبوغ.(1/1115)