قلت: ليس كما قال؛ بل حاله معروف، قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألتُ يحيي عنه فقال: ثقة، وذكره ابنُ حبان في كتاب، "الثقات"، وصحح له الحاكم حديثا عن المغيرة بن شعبة؛ ولكن تصحيح الحاكم فيه نظر؛ لأن ابن حبان لما ذكره في الثقات قال: روى عن حكيم- إن كان سمع منه- وصرح دُحيم لما ذكره ووثقه بِقوله: لم يلق حكيم بن حزام.
فإن قيل: روى عبد الرزاق في " مصنفه " من حديث أسيد بن عبد الرحمن أن شاعراً جاء إلى النبي- عليه السلام- وهو في المسجد قال: أنشدك يا رسول الله؟ قال: " لا" قال: بلى، فقال له النبي - عليه السلام-: "فاخرج من المسجد " فخرج فأنشد، فأعطاه- عليه السلام- ثوباً وقال: هذا بدل ما مَدحت به ربّك. قلنا: ذكره عبد الرزاق من حديث ابن أبي يحيي شيخ الشافعي- وفيه كلام شديد-، عن ابن المنكدر، عنه.
فإن قيل: روى أبو نعيم من حديث جبير بن مطعم: " لا تُسل السيوفُ، ولا تُنتر النبلُ في المساجد، ولا تنشد فيها الأشعار". قلنا: سنده ضعيف.
فإن قيلِ: روى أبو أحمد الجرجاني في "كامله" من حديث ابن عباس: " نزهو المساجدَ ولا تتخذوها طرُقاً، ولا تمر فيه حائض، ولا يقعدُ فيه جنب إلا عابر سبيل، ولا ينتر فيه نبل، ولا يُسل فيه سيف، ولا يضربُ فيه حد، ولا ينشدُ فيه شعر، فان أنشد فقل: فض الله فاك". قلنا: رواه جويبر بن سعيد، وهو ضعيف عن الضحاك، ولم يَسْمع من ابن عباسٍ.
فإن قيل: روي عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: نَهى - صلى الله عليه وسلم - أن ينشدَ الشعرُ في المَسْجد. قلنا: رَفَه أبو أحمد بالفرات بن السائب.
قوله: " ونهى عن التحلق قبل الصلاة " أي: عن اتخاذ الحلقة، وفي(4/413)
رواية: " نهى عن الحَلَقِ"- بفتح الحاء وفتح اللام- جمع الحلقة- بسكون اللام- مثل هَضْبة وهَضَب. وفي " المحكم ": الحلْقة: كل شيء استدار كحلقة الحديد والفضةَ والذهب، وكذلك هو في الناس، والجمع: "حلاق " على الغالب، و" حلَق " على النادر، و "الحلَق " عند سيبويه: اسم للجمع؛ وليس يجمعُ؛ لأن " فَعْلة" ليست مما يكسر على فَعَلِ. وقد حكى سيبويه/ في الحلقة فتح اللام. وأنكرها ابن السكيت وغيره. وقال اللحياني: حلْقة الباب وحلَقته بإسكان اللام وفتحها. وقال كراع: حَلْقة القوم وحَلَقتهم. وحكى يونس عن أبي عمرو: " حَلَقة" في الواحد بالتحريك، والجمع "حلقات ". وقال الجوهري: الجمع "حلَق " على غير قياس. وقال كراع: الجمع "حَلَق " و"حِلَق" و"حِلاق".
وقال الخطابي (1) : وكان بعض مشايخنا يرويه أنه نهى عن الحَلْق
- بسكون اللام- وأخبرني أنه بقي أربعين سنة لا يحلق رأسه قبل الصلاة، فقلت له: إنما هو الحِلق جمع الحلقة. فقال: قد فرجت عني وجزاني خيراَ، وكان من الصالحين. وإنما كره الاجتماع قبل الصلاة للعلم والمذاكرة، وأمر أن يشتغل بالصلاة، وينصت للخطبة والذكر، فإذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك ". والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
209- باب: اتخاذ المنبر
أي: هذا باب في بيان اتخاذ المنبر للخطبة.
1051- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن عبد القاري القرشي قال: حدثني أبو حازم بن دينار، أن رجالاً أتوا سهلَ بن سعدِ الساعدي، وقد امْتَرُوا في المِنبرِ مم عُوده، فسألُوهُ
__________
(1) معالم السنن (1/ 213) .(4/414)
عن ذلك، فقال: والله إني لأعرفُ مما هو، ولقد رَأيتُهُ أولَ يوم وُضِعَ، وأوَل يَوم جَلَسَ عليه رسولُ الله، أرسلَ رسولُ الله إلى فُلانة- امرأة قد سماهَا سهلٌ - أنْ مُرِي غُلامَك الَنجَّار أن يَعملَ لي أعَواداً أجْلسُ عليهن إذا كَلَمتُ الناسَ، فأمرتْهُ، فعَمَلَهَا من طَرفاءَ الغابةِ، ثم جَاء بَها، فأرْسَلَتْهُ إلى رسولِ الله- عليه السلام- فأمَر بها فوُضعَتْ هاهنا، فرأيْتُ رسولَ اللهِ صلي عليها، وَكبر عليها، ثم رَكَعَ وهو عليهاَ، ثم نَزَلَ القَهْقَرِيَ فسجَدَ في أصل المنبرِ، ثم عَادَ، فلما فَرِغَ أقبلَ على الناسِ فقال: " أيُّهَا الناسُ، إنما صَنَعْت هَذا لتأتَمُّوا بي، ولِتَعْلَمُوا صَلاتِي " (1) .
ش- عَبْد- بالتنوين- والقاري- بالتشديد- وقد ذكرنا ترجمته، وأبو حازم: سلمة بن دينار.
قوله: "وقد امتروا" جملة حالية من الضمير الذي في " أتوا " أي: وقد شكوا في المنبر مم عوده؟ أي: من أيّ شيء كان عوده؟ و" المنبر " من نبرت الشيء أنبره نبراً، رفعته، ومنه سمي المنبر.
وقوله: " مم " أصله: " من ما "، ومنه: "عَمَّ يَتَسَاءَلُون"هو (2) فلما أدغمت الميم في الميم حذفت الألف للتخفيف.
قوله: " أرسل رسول الله إلى فلانة امرأة" وفي رواية جابر في " صحيح البخاري " وغيره: أن المرأة قالت: " يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئاَ تقعد عليه؟ فإن لي غلاماً نجاراً "، وهذه الرواية في ظاهرها مخالفة لرواية سهل، والجمع بينهما أن المرأة عرضت هذا أولاً على رسول الله، ثم بعث إليها النبي- عليه السلام- يطلب تنجيز ذلك.
قوله: " أن مري " أن " تفسيرية مثل قوله تعالى: "فَأوْحَيْنَا (3) إِلَيْهِ
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الخطبة على المنبر (917) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة (544) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: الصلاة على المنبر (739) .
(2) سورة النبأ: (1) .
(3) في الأصل: " وأوحينا".(4/415)
أنِ اصْنَع الفُلكَ " (1) و"مُرِي " أصله اءمري، وقد عرف في موضعه،
ووزن " مُري " عُلي، واختلف في اسم النجار، فقيل: باقول. قال ابن
الأثير: كان روميَا غلاما لسعيد بن العاص، مات في حياة النبي- عليه
السلام- ويقال: باقوم، وذكر أبو إسحاق الطليطلي في كتاب " الصحابة"
أن اسمه قبيصة المخزومي، قال: ويقال: ميمون. قال: وقيل: صُبَاح
غلام العباس بن عبد المطلب. زاد ابن بشكوال، وقيل: ميناء، وقيل:
إبراهيم. قوله: " من طرفاء الغابة " " الطرفاء "- بفتح الطاء، وسكون الراء
المهملتين- وهي ممدودة: شجر من شجر البادية، واحدها طرفة- بفتح
الراء- مثل قصبة وقصباء. وقال سيبويه: الطرفاء واحد وجمع. وفي
رواية: " من أثل الغابة". وقال أبو زياد: من العضاه أثل، وهو طوال
في السماء سلب، ليس له ورق ينبت، مستقيم الخشب، وخشبه جيد،
يحمل إلى القرى فتبنى عليه بيوت المدر، وورقه هدب دقاق، وليس له
شوك، ومنه تصنع القصاع والأواني الصغار والكبار والمكاييل والأبواب [2/81 - ب] وهو النضار، وقال أبو عمرو: هو أجود الخشب/ للآنية، وأجود النضار الورسي لصفرته، ومنبر رسول الله نضار، وفي "الواعي ":
الأثلة خمصة مثل الأشنان ولها حب مثل حب التنوم، ولا ورق لها،
وأنما هي أشنانة يغسل بها القصارون، غير أنها ألين من الأشنان. وقال
القزاز: هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء وليس به، وهو أجود منه
عوداً، ومنه تصنع قداح المَيْسر.
وقال الخطابي: هو شجر الطرفاء.
وقال ابن سيده: يشبه الطرفان إلا أنه أعظم منه، و "الغابة "- بغير
معجمة وباء موحدة-: أرض على تسعة أميال من المدينة، كانت إبل
النبي- عليه السلام- مقيمة بها للمرعى، وبها وقعت قصة
__________
(1) سورة المؤمنون: (27) .(4/416)
العرنيين الذين أغاروا على سرحه. وقال ياقوت: بينها وبين المدينة أربعة أميال.
وقال البكري في "معجم ما استعجم": هما غابتان عليا وسفلى. وزعم محمد بن سهل الأحول أن الغابة من (1) أعراض البحرين، وهي غير المذكورتين. وقال الزمخشري: الغابة بريد من المدينة من طريق الشام. قال الواقدي: ومنها صنع المنبر. وقال محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: كان عباس بن عبد المطلب يقف على سَلع فينادي غلمانه وهم بالغابة فيُسمِعُهم، وذلك من آخر الليل، وبين الغابة وبين سلع ثمانية أميال، وفي "الجامع": كل شجر ملتف فهو غابة، وفي "المحكم ": الغابة: الأجمة التي طالت ولها أطراف مرتفعة باسقة. وقال أبو حنيفة: هي أجَمةُ القصب، قال: وقد جعلت جماعة الشجر غاباً مأخوذ من الغيابة، والجمع غابات وغاب.
قوله: " ثم نزل القهقري " وهو الرجوع إلى خلف، وذلك لئلا يولي ظهره إلى القِبْلة. قال العلماء: كان المنبر ثلاث درجات كما صرح به مسلم في روايته: "فنزل النبي- عليه السلام- بخطوتين إلى أصل المنبر، ثم سجد في جنبه "، وفيه دليل على أن الصلاة لا تبطل بالخطوتين ولا بالخطوة؛ ولكن الأولى تركه إلا لحاجة، فإن كان لحاجة فلا كراهة فيه كما فعل النبي- عليه السلام-، وفيه دليل أيضا أن الفعل الكثير بالخطوات وغيرها إذا تفرق لا تبطل؛ لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة، ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل، وفي والإكليل، للحاكم عن يزيد بن رومان: كان المنبر ثلاث درجات، فزاد فيه معاوية لعلة، قال: جعله ست درجات، وحوله عن مكانه، فكسفت الشمس يومئذ. قال الحاكم: وقد أحرق المنبر الذي عمله معاوية، ورد منبر النبي - عليه السلام- إلى المكان الذي وضعه فيه. وفي "الطبقات": كان
__________
(1) مكررة في الأصل.
27. شرح سنن أبي داود 4(4/417)
بينه وبين الحائط ممر الشاة. وقال ابن التين: وهو أول منبر عمل في الإسلام. وذكر ابن سعد وغيره: أن المنبر عمل سنة سبع. ويقال: سنة ثمان. ولما قام النبي- عليه السلام- عليه حن الجذع الذي كان يخطب عليه كالعُشارِ؛ لأنه- عليه السلام- كان يخطب إليه قائماً قبل أن يتخذ المنبر. وعن عائشة- رضي الله عنها-: " وضع النبي- عليه السلام- يده على الجذع وسكنه، غار الجذع فذهب. وعن الطفيل بن أُبي بن كعب، عن أبيه قال: كان النبي- عليه السلام- يصلي إلى الجذع إذ كان المسجد عريشاً، وكان يخطب إلى ذلك الجذع فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هل لك أن نجعل لك منبراً تقوم عليه يوم الجمعة، وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك؟ قال: " نعم "، فصنع له ثلاث درجات هي على المنبر، فلما صنع المنبر وضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله، وبدأ الرسول أن يقوم (1) فيخطب عليه، فمر إليه فلما جاز الجذع الذي كان يخطب إليه غار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي- عليه السلام- لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده، ثم رجع إلى المنبر، فلما هُدم المسجد أخذ ذلك أبيُّ بن كعب، فكان عنده إلى أن بَلِيَ وأكلته الأرضة، فعادَ رُفَاتاً، رواه الشافعي، وأحمد، وابن ماجه.
قوله: "ولتعلموا صلاتي" بفتح العين، واللام المشددة، أي: ولتتعلموا، فحذفت إحدى التائين للتخفيف، فبين- عليه السلام- أن [2/82 - أ] صعوده/ المنبر وصلاته عليه إنما كان للتعليم، ليرى جميعُهم أفعاله- عليه السلام-، بخلاف ما إذا كان على الأرض، فإنه لا يراه إلا بعضهم ممن قرب منه- عليه السلام-. وقال ابن حزم: وبكيفية هذه الصلاة قال أحمد، والشافعي، والليث، وأهل الظاهر. ومالك، وأبو حنيفة: لا يجيز إنه.
قلت: ذكر صاحب "المحيط" أن المشي في الصلاة خطوة لا يبطلها،
__________
(1) كذا، ولعلها: "وبدا للرسول أن يقوم".(4/418)
وخطوتين وأكثر تبطلها، فعلى هذا ينبغي أن تفسد الصلاة على هذه الكيفية، ولكنا نقول: إذا كان ذلك لمصلحة ينبغي أن لا تفسد صلاته، ولا تكره أيضا عند أبي حنيفة كما هو مذهب الشافعي، كما في مسألة من انفرد خلف الصف وحده، فإن له أن يجذب واحداً من الصف إليه ويصطفان، فإن المجذوب لا تبطل صلاته، ولو مشى خطوة أو خطوتين، وبه صرح أصحابنا في الفقه.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. فالبخاري أخرجه في باب الصلاة على المنبر، ومسلم في باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.
1052- ص- نا الحسن بن على، نا أبو عاصم، عن ابن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي- عليه السلام- لما بدَنَ قال له تميمٌ الداريُ: ألا اتَخذُ لك منبراً يا رسولَ الله يَجْمَعُ- أو يَحملُ- عظَامَكَ؟ قال: "بلى. " فاتَخَذَ لَه مِنبراً مِرْقَاتيَنِ (1) .
ش- أبو عاصم الضحاك بن مخلد البصري، وابن أبي رواد عبد العزيز، واسم أبي رواد: ميمون المكي.
قوله: " لما بدن" بتشديد الدال أي: كبر وأسن.
قوله: "مرقاتين " المرقاة: الدرجة، أي: اتخذ له منبراً درجتين، ونصبها على أنها بدل من المنبر، وهي من رَقيتُ في السلم- بالكسر- رقياً ورقياً إذا صعدت، وارتقيت مثله. قال الجوهري: والمرقاة - بالفتح-: الدرجة، فمن كسرها شبهها بالآلة يعمل بها، ومن فتح قال: هذا موضع يفعل فيه، فيجعله بفتح الميم مخالفاً.
فإن قيل: ما التوفيق بين الحديثين؟ فإن في حديث مسلم كما ذكرنا
__________
(1) تفرد به أبو داود.(4/419)
ثلاث درجات، وفي هذا الحديث مرقاتان وهما درجتان؟ قلنا: الذي قال: "مرقاتين" كأنه لم يعتبر الدرجة التي يجلس عليها، والذي روى ثلاثاً اعتبرها. وفي "طبقات ابن سعد" من حديث أبي هريرة وغيره قالوا: كان النبي- عليه السلام- يخطب يوم الجمعة إلى جذع قائماً فقال: " إن القيام قد شق عليَّ " فقال له تميم الداريُّ: ألا أعمل لك منبراً كما رأيتُه بالشام؟ فشاور النبيّ- عليه السلام- المسلمين في ذلك، فرأوا أن يتخذه، فقال العباس بن عبد المطلب: إن لي غلاماً يقال له كلاب أعملُ الناس، فقال النبي- عليه السلام-: " مره أن يعمله "، فعمله درجتين ومقعداً، ثم جاء به فوضعه في موضعه.
وفي كتاب ابن التين: عمله غلام لسعد بن عبادة. وفي " دلائل النبوة" لأبي نعيم: "صُنع للنبي- عليه السلام- كرسي أو منبر" الحديث.
210- باب: موضع المنبر
أي: هذا باب في بيان موضع المنبر.
1053- ص- نا مخلد بن خالد، نا أبو عاصم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمي قال: كان بين مِنبرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الحائطِ كَقَدْرِ مَمَر الشَاةِ (1) . ش- يزيد بن أبي عبيد مولى كلمة بن الأكوع.
والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وابن سعد في "الطبقات "، وفيه من السنة أن لا يلزق المنبر بالحائط حتى لا يكون متخللاً بين الصف في الصلاة.
* * *
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة (497) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: دنو المصلي من السترة (263/ 509) . "(4/420)
211- باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال
أي: هذا باب في بيان الصلاة يوم الجمعة قبل زوال الشمس.
1054- ص- نا محمد بن عيسي، نا حسان بن إبراهيم، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي الخليل، عن أبي قتادة، عن النبي- عليه السلام- أنه كَرِهَ الصلاةَ نصفَ النهار إلا يومَ الجمُعَة، وقال: "إن جَهنمَ تُسَجرُ إلا يومَ الجُمُعَةِ" (1) .َ
ش- حسان بن إبراهيم الكرماني أبو هشام قاضي كرمان. سمع: سعيد بن مسروق، ويونس بن يزيد الأيلي، وليث بن أبي سليم، والثوري، وغيرهم. روى عنه: عفان بن مسلم، وابن المديني، ويحيى ابن أيوب، وإسحاق بن شاهين، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. مات سنة ست وثمانين ومائة، وله مائة سنة. / روى له: البخاري، ومسلم (2) . [2/82 - ب]
وأبو الخليل اسمه: صالح بن أبي مريم الضبعي البصري. روى عن: أبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري مرسلاً. وسمع: عبد الله بن الحارث، وأبا علقمة الهاشمي، وعكرمة، ومجاهداً. روى عنه: أيوب، وقتادة، ومطر. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) . وأبو قتادة الحارث بن ربعي.
قوله: " تسجر" أي: توقد، وسجرت التنور إذا حميته، والسجور:
ما يوقد به التنور.
قوله: " كره الصلاة نصف النهار" والمراد منه: وقت الزوال، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن الصلاة وقت الزوال مكروهة كراهة تحريم، وعلل هاهنا على الكراهة بقوله: "إن جهنم تسجر"، وهذا مثل قوله: "ابردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم "، وذلك أن وقت الزوال
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1185) . (3) المصدر السابق (13/ 2837) .(4/421)
وقت شدة الحر، وفي ذلك الوقت تسجر جهنم، وتكون شدة حر ومشابهة بنار جهنم، فلا يشتغل بالصلاة في مثل ذلك الوقت.
قوله: " ألا يوم الجمعة" استثناء من قوله: "تسجر " أي: إلا يوم الجمعة لا تسجر فيه جهنم، فلا تكره فيه الصلاة نصف النهار، هذا حاصل معنى الحديث، وهو من جملة متمسك من يجوز الجمعة قبل الزوال، وهو مذهب أحمد وغيره كما ذكرناه، فلذلك بوب أبو داود بقوله: "باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال ".
قلت: يمكن أن يُنزل الحديث على معنى أحسن من ذلك، وهو أن يكون المراد من قوله: "نصف النهار" بعد الزوال من غير تأخير، وهو أول وقت الظهر، أطلق عليه النصف باعتبار قربه منه، ويكون معنى كراهة الصلاة في ذلك الوقت لأجل شدة الحر من فيح جهنم، ولأجل تسجير جهنم فيه، فيكون التأخير من ذلك الوقت إلى وقت البرودة مستحباً كما قال: "ابردوا بالظهر " الحديث. ويكون المراد من قوله: "كره الصلاة" هي صلاة الظهر، ويكون معنى قوله: "إلا يوم الجمعة": لا تكره الصلاة في ذلك الوقت، يعني: في أول الوقت الذي يلي الزوال من غير تأخير، لعدم العلة الموجبة للكراهة، وهي تسجير جهنم، فتكون الصلاة في وقتها بعد الزوال بهذا التقدير، وح (1) لا يستقيم التبويب على الحديث؛ لأن التبويب في الصلاة قبل الزوال، وهذه صلاة بعد الزوال لما قلنا، ولا يبقى أيضا مستندا لمن يجور الجمعة قبل الزوال، فافهم.
ص- قال أبو داود: وهو مرسل. مجاهد أكبر من أبي الخليل، وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة.
ش- أي: الحديث مرسل، ومجاهد بن جبر كبر منه في العمر، وقد ذكرنا أن أبا الخليل روى عن مجاهد كما ذكره في " الكمال "،
__________
(1) أي: " وحينئذ ".(4/422)
وأبو الخليل لم يسمع من أبي قتادة، وفي بعض النسخ: "لم يلق أبا قتادة".
* * *
212- باب: وقت الجمعة
أي: هذا باب في بيان وقت صلاة الجمعة.
1055- ص- نا الحسن بن علي، نا زيد بن حباب، حدثنيِ فليِح بن سليمان، حدثني عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سمعتُ أنس بن مالك يقولُ: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُصلي الجُمُعَةَ إذا مَالَتِ الشمس" (1) ش- أي: إذا زالت الشمس. وأخرجه البخاري، والترمذي، وقال البخاري: وكذلك يذكر عن عمر، وعلي، والنعمان بن بشير، وعمرو ابن حريث. وقال ابن المنير في "شرحه": إنما بت الحكم مع الاختلاف في صحتها قبل الزوال، لضعف مأخذ القائل بذلك، وإطراح مستنده.
1056- ص- نا أحمد بن يونس، نا يعلى بن الحارث قال: سمعتُ إياسَ بنَ سلمةَ بنِ الأكوعِ يحدثُ عن أبيه قال: كُنا نُصَلي معَ رسولِ الله ثم ننصَرِفُ وليسَ للحِيطَانِ فيْء (2) .
ش- يعلى بن الحارث المحاربي أبو حرب، ويقال: أبو الحارث. روى عن: إياس بن سلمي، وغيلان بن جامع، وبكر بن وائل. روى عنه: محمد بن فضيل، ووكيع، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس (904) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت الجمعة (503، 504) .
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية (4168) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: صلاة الجمعة حيث تزول الشمس (31/86) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة (1390) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في وقت الجمعة (1100) .(4/423)
عبد الرحمن بن مهدي: هو من ثقات مشيخة الكوفيين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
[2/83 - أ] وإياس بن سلمة بن الأكوع الأسلمي/ أبو سلمة، ويقال: أبو بكر الحجازي المديني. سمع: أباه. روى عنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ويعلى بن الحارث، وعكرمة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. توفي بالمدينة سنة تسع عشرة ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وليس للحيطان فيء" الواو فيه للحال، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، والظل يطلق على ما قبل الزوال وبعده، والمعنى: أنه كان يصلي حين تزول الشمس من غير تأخير، وكانت حيطانهم قصيرة، ولا يظهر لها فيء إلا بعد رمان. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1057- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد قال: كنا نَقِيلُ ونَتَغَدى بعدَ الجُمُعَةِ (3) .
ش- احتج بهذا الحديث الإمام أحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال، وهو محمول عند غيره على أن المراد التبكير، فإنهم كانوا يتركون في ذلك اليوم القائلة والغداء لتشاغلهم بغسل الجمعة والتهجير، وفي صحيح مسلم: "كنا نجمّع مع النبي- عليه السلام- إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء ".
* * *
213- بَاب: النداء في يوم الجمعة
أي: هذا باب في بيان النداء في يوم الجمعة، والنداء الأذان.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7111) .
(2) المصدر السابق (3/ 590) .
(3) البخاري: كتاب الاستئذان، باب: القائلة بعد الجمعة (6279) .(4/424)
1058- ص- نا محمد بن سلمة المرادي، نا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني السائب بن يزيد: أن الأذَانَ كان أولُه حين يَجلسُ الإمامُ على المنبرِ يومَ الجُمُعَة في عَهدِ النبي- عليه السلام-، وأبي بَكَرٍ، وعُمَر، فلما كَان خلافةُ عُثماَنَ، وكَثُرَ الناسُ، أمَرَ عُثمانُ يومَ الجُمُعَة بالأذَانِ الثالثِ، فافنَ به علىَ الزَّوْرَاءِ، فَثبتَ الأمرُ على ذلك (1) .
ش- ابن وهب: عبد الله، ويونس بن يزيد، وابن شهاب الزهري. والسائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود الكندي، ويقال: الأسدي، ويقال؛ الليثي، ويقال: الهذلي. وقال الزهري: هو من الأزد عداده في كنانة. رُوي له عن رسول الله خمسة أحاديث، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بأربعة. روى عنه: الزهري، وعمر بن عطاء بن أبي الخُوار، وغيرهم. توفي بالمدينة سنة إحدى وتسعين، وهو ابن ثمان وثمانين. روى له الجماعة (2) .
قوله: " بالأذان الثالث، إنما سُمي ثالثا باعتبار كونه مزيدا؛ لأن الأول هو الأذان عند جلوس الإمام على المنبر، والثاني هو إقامة الصلاة، والثالث عند دخول الوقت. وأطلق الأذان على الإقامة من قبيل قوله - عليه السلام-:" بين كل أذانين صلاة لمن شاء" (3) يعني: بين الأذان والإقامة، وإنما أولناه هكذا حتى لا يلزم أن يكون الأذان ثلاثاً، ولم يكن كذلك، ويلزم أيضا أن يكون في الزمن الأول أذانان، ولم يكن إلا أذان واحد، فالأذان الثالث الذي زاده عثمان هو الأول اليوم، فيكون الأول
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة (912) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أذان الجمعة (516) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الأذان للجمعة (1391) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنُة فيها، باب: ما جاء في الأذان يوم الجمعة (1135) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 105) ، وأسد الغابة (2/ 1 32) ، والإصابة (2/ 2 1) .
(3) يأتي برقم (1252) من حديث عبد الله بن مغفل.(4/425)
هو الأذان الذي كان في زمن النبي- عليه السلام- وزمن أبي بكر وعمر عند الجلوس على المنبر، والثاني هو الإقامة، والثالث الأذان الذي زاده عثمان: " فأذن به على الزوراء" وهو موضع بالسوق في المدينة قرب المسجد، وقال الداودي: هو مرتفع كالمنار. قال القاضي عبد الوهاب في " المعونة ": للجمعة أذانان، أحدهما عند الزوال، وهو [الذي] ، أُحْدث في زمن عثمان لما كَثُرَ الناس، واحتيج إلى زيادة في إعلامهم، والآخر عند جلوس الإمام على المنبر، قال: ويؤذن لها على المنار كما كان على عهد النبي- عليه السلام-، وأما أذانهم جميعاً بين يدي الإمام وهو على المنبر، مما أحدثه بعض بني أمية.
ثم اختلفوا في الأذان المعتبر الذي يحرم عنده البيع، ويجب السعي إلى الجمعة، فقال الطحاوي: نقول: هو الأذان الذي عند المنبر بعد خروج الإمام، فإنه الأصل الذي كان على عهد رسول الله، وكذلك في عهد أبي بكر وعمر، فلما كثُر الناس في عهد عثمان زادوا النداء على الزوراء، وهو الذي نبدأ به في زماننا، وأما أذان السنة فهو بدعة أحدثها الحجاج بن يوسف. وروى الحسن، عن أبي حنيفة، أن المعتبرَ في وجوب السعي، [2/83 - ب] وحرمة البيع الأذانُ على المنارة؛ لأنه لو/ انتظر الأذان عند المنبر يفوته أداء السنة، وسماع الخطبة، وربما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيداً من الجامع. وقال ابن حزم: روينا من طريق عكرمة، عن ابن عباس: لا يصح البيع يوم الجمعة حين ينادَى بالصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع. وقال عطاء: تحرم الصناعات كلها والرقاد، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتاباً. وقال الزجاج: البيع من وقت الزوال من يوم الجمعة إلى انقضاء الصلاة كالحرام. وقال الفراء: إذا أذن المؤذن حرم البيع والشراء؟ لأنه إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء. وعن الضحاك: إذا زالت الشمس يحرم. وكان عمر بن عبد العزيز يمنع الناس البيع يوم الجمعة إذا نودي بالصلاة. وعن مجاهد: من باع شيئاً بعد زوال الشمس يوم الجمعة فإن بيعه مردود.(4/426)
قلت: مذهب أبي حنيفة وصاحبيه وزفر والشافعي: أن البيع وقتُ النداء يجوز مع الكراهة. وقال أحمد وداود ومالك في رواية: لا يصح. وقال ابن التين: كل من لزمه النزول للجمعة يحرم عليه ما يمنعه منه من بيع، أو نكاح، أو عمل. قال: واختلف في النكاح والإجارة، قال: وذكر القاضي أبو محمد أن الهبات والصدقات مثل ذلك. وقال ابن قدامة: ولا يحرم غير البيع من العقود كالإجارة، والصلح، والنكاح، وقيل: يحرم. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1059- ص- نا النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: كان يُؤَذَّنُ بين يَدَيْ رسولِ اللهِ إذا جَلَسَ على المنبر يومَ الجُمُعَةِ على بابِ المسجدِ، وأبي بَكرٍ، وعُمَرَ، ثم ساق (1) حديثً يونُسَ (2) .
ش- لم يكن في زمن النبي- عليه السلام- منار وهو المأذنة، ولا في زمن أبي بكر، وعمر، وأما في زمن عثمان فقد أذن على الزوراء كما قلنا، ثم في زمن بني أمية ومَن بعدهم حدثت المآذن والمنائر، حتى جعلت في مسجد النبي- عليه السلام- أربع مآذن.
قوله: " ثم ساق حديث يونس " أي: حديث يونس بن يزيد الذي رواه عن الزهري المذكور آنفاً.
1060- ص- نا هناد بن السري، نا عَبْدة، عن محمد- يعني: ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " ساق نحو حديث ".
(2) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الأذان يوم الجمعة (912) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أذان الجمعة (516) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الأذان للجمعة (1391) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الأذان يوم الجمعة (1135) .(4/427)
إسحاق- عن الزهري، عن السائب قال: لم يكنْ لرسول الله إلا مُؤَذّن واحدٌ: بلال ثم ذكرَ معناه (1) .
ش- عبدة بن سليمان.
قوله: " بلال " عطف بيان من قوله: " إلا مؤذن". وقال ابن حبيب: كان النبي- عليه السلام- إذا دخل المسجد رَقَى المنبر فجلس، ثم أذن المؤذنون، وكانوا ثلاثة، يؤذنون على المنار واحداً بعد واحد، فإذا فرغ الثالث خطب. قال: والذي فعله النبي- عليه السلام- أحق أن يتبع. قلت: هذا معارض لما رواه أبو داود. وقال ابن المُنيّر في " شرح البخاري": يمكن أن يجمع بينهما بأن المراد بالمؤذن الواحد في خبر السائب، أن هذا التنبيه في حكم مؤذن واحد، لاتحاد وقت تأذينهم وسببه ومقصوده؛ وإنما يتعدد الأذان حقيقة إذا اختلف المقصود منه وتعدد سببه، وأما إذا أوقع جماعة أذاناً مجتمعين أو متراسلين في وقت واحد، فإنه أذان واحد في الحقيقة، وإن تعدد المؤذنون.
1061- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد بن أخت نمر أخبره قال: ولم يكنْ لرسولِ اللهِ غيرُ مُؤَذنٍ واحد. وساقَ هذا الحديثَ وليمس بتمامِهِ (2) .
ش- صالح بن كيسان، والسائب بن يزيد كان يعرف بابن أخت النمر، واسم أم السائب: عُلية بنت شريح بن الحضرمي، ومخرمة بن شريح خاله.
قوله: " وساق هذا الحديث " أي: ساق ابنُ فارس الحديث المذكور، وليس سوقه بتمام الحديث.
* * *
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) انظر تخريج الحديث قبل السابق.(4/428)
214- باب: الإمام يكلم الرجل في خطبته
/ أي: هذا باب في بيان الإمام إذا كلم الرجل وهو يخطب. [2/84 - أ]
1062- ص- نا يعقوب بن كعب الأنطاكي، نا مخلد بن يزيد، نا ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال: " لما اسْتَوَي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الجُمُعَة قال: "اجلسوا"، فسمِعَ ذلك ابنُ مسعود فجلَسَ على باَب المسجدِ، فَرآهُ رسولُ الله- عليه السلام- فقال: " تَعَاَلَ يا عبدَ اللهِ بنَ مسعُودٍ " (1) .
ش- مخلد بن يزيد الجزري الحراني أبو يحيي، أو أبو الحسن، أو أبو خالد. روى عن: ابن جريج، ومسعر، والثوري، وغيرهم. روى عنه: النفيلي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: الجماعة إلا الترمذي. مات سنة ثلاث وتسعون ومائة (2) .
وعطاء بن أبي رباح، وجابر بن عبد الله.
والحديث يدل على أنه- عليه السلام- تكلم لابن مسعود قبل شروعه في الخطبة، فلم يطابق التبويب عليه.
ص- قال أبو داودَ: هذا يُعرفُ مرسل، إنما رَواه الناسُ عن عطاءَ، عن النبي- عليه السلام-، ومخلد هو شيخ.
ش- أي: هذا الحديث يُعرفُ مُرسل؛ لأنه رُوي عن عطاء، عن النبي- عليه السلام-.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن هشيم قال: أنا حجاج، عن عطاء:
أنه كان لا يرى بأساً بالكلام حتى يخطب، وإذا فرغ من الخطبة حتى يتكلم في الصلاة.
وأخرج عن الزهري قال: كان رسول الله ربما كلم في الحاجة يوم الجمعة فيما بين نزوله من منبره إلى مصلاه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 3458) .(4/429)
وعن الحسن ومحمد بن سيرين أنهما كانا لا يريان بأساً أن يتكلم فيما
بين نزوله إلى أن يكبر.
وأخرج أيضا بإسناده عن أنس قال: كان رسول الله ينزل يوم الجمعة
من المنبر، فيقوم معه الرجل فيكلمه في الحاجة، ثم ينتهي إلى مصلاه فيصلي.
قوله:"ومخلد هو شيخ" أي: مخلد بن يزيد الجزري، وأشار بقوله هو شيخ إلى أنه عَدله، وذلك لأن ألفاظ التعديل على مراتب: الأولى: قال ابن [أبي] حاتم: إذا قيل للواحد: إنه " ثقة، أو " متقن " فهو ممن يحتج بحديثه، وقال ابن الصلاح: وكذا إذا قيل: "ثبت " أو " حجه". الثانية: قال ابن [أبي] حاتم: إذا قيل: إنه " صدوق " أو " محله الصدق، أو " لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه. الثالثة: قال ابن [أبي] حاتم: إذا قيل: " شيخ " فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية. الرابعة: قال: إذا قيل: "صالح الحديث" فإنه يكتب حديثه بلا اعتبار.
* * *
215- باب: الجلوس إذا صعد المنبر
أي: هذا باب في بيان جلوس الإمام إذا صعد المنبر.
1063- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري، نا محمد الوهاب- يعني: ابن عطاء- عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان النبي- عليه السلام- يَخْطُبُ خُطبتينِ: كان يَجْلسُ إذا صعَدَ المِنبرَ حتى يَفْرغُ. أراهُ (1) المُؤَذنُ، ثم يَقُومُ فيخطُبُ، ثم يَجلِسُ فلا يَتكَلمُ، ثم يَقُومُ فيخطُبُ (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " أراه قال ".
(2) تفرد به أبو داود.(4/430)
ش- العُمري: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وفيه مقال وقد بيناه. قو له: " أراه" أي: أظنه.
قوله: " المؤذن " مرفوع لأنه فاعل.
قو له: " يفرغ " وقوله: " أراه " معترض بينهما.
قوله: " ثم يجلس " أراد به الجلسة الفاصلة بين الخطبتين. قال القاضي:
ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة. وعن الحسن البصري، وأهل الظاهر، ورواية ابن الماجشون عن مالك: أنها تصح بلا خطبة. وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا
قائماً لمن أطاقه. وقال أبو حنيفة: تصح قاعداً، وليس القيام بواجب.
وقال مالك: هو واجب، لو تركه أساء وصحت الجمعة. وقال أبو حنيفة
ومالك والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سُنَة ليس بواجب/ ولا شرط [2/ 84 - ب] ومذهب الشافعي أنه فرض، وشرط لصحة الخطبة. وقال الطحاوي:
لم يقل هذا غير الشافعي. وقال الشيخ محيي الدين: ودليل الشافعي:
أنه ثبت هذا عن رسول الله مع قوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي ".
قلت: ثبوت هذا عن النبي- عليه السلام- لا يستلزم الفرضية،
غاية ما في الباب يكون سُنَّة؟ لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب،
وقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي " لا يتناول الخطبة؛ لأنها ليست
بصلاة حقيقة. وقال ابن بلال: رُوي عن المغيرة بن شعبة، أنه كان لا
يجلس في خطبته. ولو كان فرضاً لما جهله، ولو جهله ما تركه مَن
بحضرته مِن الصحابة والتابعين، ومن قال: إن الجلسة بين الخطبتين
فريضة لا حجة له؛ لأن القعدة استراحة للخطيب، وليست من الخطبة،
والمفهوم من كلام العرب أن الخطبة اسم للكلام الذي يخطب به لا للجلوس، ولم يقل بقول الشافعي غيره، وهو خلاف الإجماع، ولو(4/431)
قعد في خطبتيه جازت الجمعة ولا فضل، فكذا إذا قام موضع القعود. وفي "نوادر الفقهاء" لابن بنت نعيم: أجمعوا أن الإمام إذا خطب للجمعة خطبة لا جلوس فيها أجزأته صلاة الجمعة، إلا الشافعي فإنه قال: لا تجزئه إلا أن يخطب قبلها خطبتين بينهما جلسة، وإن قَلت. ويؤيد قول الجماعة: ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: ثنا حميد بن عبد الرحمن- هو الرُؤاسي- عن الحسن- يعني: ابن صالح- عن أبي إسحاق- هو السبيعي- قال: رأيت عليا يخطب على المنبر، فلم يجلس حتى فرغ. وهذا سند صحيح على شرط الجماعة، ورواه عبد الرزاق، عن إسرائيل بن يونس، أخبرني أبو إسحاق، فذكر بمعناه. والعجب من الشافعي كيف جعل الخطبتين والجلسة بينهما فرضاً بمجرد فعله - عليه السلام-، ولم يجعل الجلوس قبل الخطبة فرضاً، وقد صح أنه - عليه السلام- فعله، وقال الشافعي أيضا: لو استدبر القوم في خطبته صحت مع مخالفته فعله- عليه السلام-.
* * *
216- باب: الخطبة قائماً
أي: هذا باب في بيان الخطبة حال كونه قائماً.
1064- ص- نا النفيلي، نا زهير، عن سماك، عن جابر بن سَمُرةَ: أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يَخطُبُ قَائماً، ثم يَجْلسُ، ثم يَقُومُ فيخْطُبُ قَائماً، فَمَنْ حَدثكَ أنه كان يَخطُبُ جَالساً فقد كَذَبً، والله (1) صليتُ مَعه أكثرَ من ألفَيْ صَلاةِ (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "فقد والله ".
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة (862) ، النسائي: كتاب العيدين، باب: قيام الإمام في الخطبة (573 1) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الخطبة يوم الجمعة (1105) .(4/432)
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد، وزهير بن معاوية، وسماك بن
حرب.
قوله: "والله صليت معه " أي: مع رسول الله- عليه السلام-،
وهذا محمول على المبالغة؛ لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل في نيف
وأربعين سنة، وهذا القدر لم يُصَفه رسول الله. وقال الشيخ محيي
الدين: " المراد الصلوات الخمس لا الجَمعة ". قلت: سياقُ الكلام ينافي
هذا التأويل، فافهم. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
1065- ص- نا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة- المعنى- عن
أبي الأحوص، ثنا سماك، عن جابر بن سَمُرَةَ قال: كان لرسولِ اللهِ خُطبتانِ
يَجلِسُ (1) بينهما، يَقْرأ القُرآنَ، ويُذَكِّرُ الناس (2) .
ض- أبو الأحوص: سلام بن سليم.
قوله: " ويذكر الناس " من التذكير، أي: يعظهم ويأمرهم،
وينهاهم، ويعدهم، ويُوعِدُهم، ونحو ذلك. وقال الشيخ محيى الدين:
فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقراءة. قال الشافعي: لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى، والصلاة على رسول الله
فيهما والوعظ، وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، ويجب قراءة آية من
القرآن في إحديهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح. وقال مالك، وأبو حنيفة، والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم، والجواب عنه ما ذكرناه. واستدل البيهقي على وجوب التحميد أيضا بقوله- عليه السلام-: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع ".
قلت: على تقدير ثبوته لو دل على وجوب التحميد لدل/ على [2/85 - أ] وجوبه في كل أمر ذي بال، ولا نعلم أحدا يقول بذلك، ثم ذكر حديث
عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة:
__________
(1) في سنن أبي داود: "كان يجلس".
(2) انظر التخريج السابق.
28 * شرح سنن أبي داود 4(4/433)
" كل خطبة ليس فيها شهادة كاليد الجذماء"، في " باب ما يستدل به على وجوب التحميد في الخطبة"، ثم قال: عبد الواحد من الثقات الذين يقبل منهم ما تفردوا به.
قلنا: هو موثق مخرج له في الصحيح، ومع ذاك تكلم فيه جماعة. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود الطيالسي: عَمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها، وقد عرف أن الجرح مقدم على التعديل، ولئن سلمنا فذكره ليس بمناسب في هذا الباب؛ لأن الشافعي لا يقول بفرضيتها في الخطبة، ثم قال:" باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي- عليه السلام- في الخطبة" ذكر فيه عن مجاهد في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكْرَكَ} (1) قال: لا أذكَرُ إلا ذُكِرتَ: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
قلنا: قوله: "ورَفَعْنَا " خبر لا عموم فيه، وقد أريد به كلمة الشهادة ونحوها، فلا يلزم إرادة غير ذلك، وتفسير مجاهد أيضا مفسر بكلمة الشهادة، إذ يلزم من تعميمه الخُلفُ في الخبر.
فإن قلت: يجعل خبراً بمعنى الأمر. قلت: إن جعل الأمر فيه للوجوب لزم فيه مخالفة الإجماع، إذ لا نعلم أحداً يقول بوجوب ذكره - عليه السلام- كلما ذكر الله تعالى، وإن جعل للاستحباب بطل الاستدلال، ثم ذكر حديث أبي هريرة: " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا فيه ربهم، ولم يصلوا على نبيهم إلا كانت تِرةٌ عليهم ".
قلنا: في سنده صالح مولى التوأمة اختلط في آخر عمره، وتكلموا فيه. وقال البيهقي في "باب الغُسل من غَسْل الميت ": ليس بالقوي. ثم على تقدير ثبوت حديثه، في دلالته على وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام- نظر، وعلى تقدير صحة دلالته على ذلك لا يخص الجمعة، فافهم.
__________
(1) سورة الشرح: (4) .(4/434)
وقال الشيخ محيي الدين في شرح هذا الحديث: وقال أبو حنيفة ومالك- في رواية-: يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها.
قلنا: لا نسلم أنه ضعيف؛ لأنه اشتهر في الكتب عن عثمان، وذكره أيضا الإمام القاسم بن ثابت السرَقُسْطي في كتاب " غريب الحديث ": رُوي عن عثمان أنه صعد المنبر فارتج عليه فقال: الحمد لله، إن أول كل مَركب صَعْب، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش تأتكم الخَطَبةُ على وجهها، ويعلمُ الله إن شاء الله. وقال صاحب "المحيط ": أراد به الخطباء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين تكون على كثرة المال مع قبح الفعال، وأنا إن لم كن قائلاً مثلهم، فأنا على الخير دون الشر، وأما أن يُريد بهذه المقالة تفضيل نفسه على الشيخين فلا. فهذا عثمان- رضي الله عنه- قد اكتفى بقوله:" الحمد لله"، ونزل وصلى وكفى به قدوة. وحديث جابر: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1066- ص- نا أبو كامل، نا أبو عوانة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رَأيتُ النبي- عليه السلام- يخطُبُ قَائماً، ثم يَقْعُد قَعْدَةَ لا يَتكلمُ. وساقَ الحديثَ (1) .
ش- أبو كامل فضيل بن الحسين الجَحدري، وأبو عوانة: الوَضاح. قوله: " ثم يقعد" أراد به القعدة التي بين الخطبتين.
* * *
217- باب: الرجل يخطب على قوس
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يخطب وهو يتوكأ على قوس.
1067- ص- نا سعيد بن منصور، نا شهاب بن خِراش، حدثني
__________
(1) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق.(4/435)
شعيب بن رُزَيْقٍ (1) الطائفي قال: جَلستُ إلى رجلِ له صُحبة من رسول الله يقالُ له الحكمُ بنُ حَزْنٍ الكُلَفِي، فَأنشأ يُحدثنا قال: وَفدتُ إلى رسولَ الله - عليه السلام-/ سابعَ سَبعة أو تاسعَ تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسولً الله، زُرْنَاكَ فادعُ اللهَ لنا بخير، فَأمَرَ بنا- أَو أمرَ لنا- بشيء من التمرِ، والشأنُ إذَ ذاك دُون. فأقَمْنَا بها أياًما شَهِدْنَا فيها الجمُعَةَ مع رسوَل اللهِ، فقامَ مُتوكِّئاً على عَصاً أو قوس، فحَمدَ الله، وأثْنَى عليه كلمات خفَيفات (2) طيبات مُباركات، ثم قال: " أيها اَلناسُ، إنكم لن تُطيقُوا- أَو لَن تَفْعًلُوا- كُل مال أمِرْتُم به، ولكن سَدِّدوا وأبْشِرُوا (3) .
ش- شهاب بن خِراش بن حوشب بن يزيد أبو الصلت الواسطي ابن أخي العوام بن حوشب، أصله كوفي، انتقل إلى الشام وسكن فلسطين، نزل الرملة. سمع: قتادة، وعمه العوام بن حوشب، وشعيب بن رزيق، وغيرهم. روى عنه: عثمان بن سعيد بن كثير، وهشام بن عمار السلمي، وسعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. قال ابن المبارك: ثقة. وقال أحمد: لا بأس به. روى له: أبو داود (4) . وشعيب بن رُزيق- بتقديم الراء المهملة-: الطائفي أبو شيبة الثقفي المقدسي، يُعد في الشامين، سكن طرسوس، ثم سكن فلسطين. روى عن: الحسن البصري، وعطاء الخراساني، وعثمان بن أبي سودة. روى عنه: الوليد بن مسلم، وعثمان بن سعيد، ويحيي بن يحيي النيسابوري، وغيرهم. قال الدارقطني: ثقة. وقال رحيم: لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي (5) .
والحكم بن حزن الكافي، وفد على النبي- عليه السلام-، وشهد
__________
(1) في سنن أبى داود: "زريق " خطأ.
(2) في الأصل: "خفيات" وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 1/ 2776) . (5) المصدر السابق (12/ 2750) .(4/436)
خطبته وحكاها، وليس له غير ذلك. روى عنه: شعيب بن رزيق الطائفي. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " سابع سبعة" حال من الضمير الذي في " وفدت"، أي: حال كوني أحد السبعة الذين وفدوا إلى رسول الله- عليه السلام-، أو أحد التسعة.
قوله: " والشأن إذ ذاك دون " جملة حالية، والمعنى: والحال حينئذ دون أراد به قلة الأقوات وعدم السعة في الدنيا.
قوله:" سَددُوا " يعني: اقتصدوا واعملوا شيئاً لا تُعابون عليه، فلا تفرطوا في إرساله، ولا تشميره، وقال ابن الأثير: " أي: اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة، وهو القصد في الأمر، والعدل فيه ". قوله: " وأبشروا " وفي بعض النسخ الصحيحة: " ويسروا".
وفيه استحباب الخدمة إلى الوفود، واستحباب التوكي على نحو عصى
في الخطبة، واستعمال عمل اليسر في الأمور، وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن ابن حباب، عن يزيد بن البراء، عن أبيه: أن النبي- عليه السلام- خطبهم يوم عيد وفي يده قوس أو عصى، وعن طلحة بن يحيي قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب وبيده قضيب. ص- قال أبو داودَ: ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا.
أش،- أشار به إلى أنه كان مشككاً في بعض شيء منه، فلما تبين له ذلك من بعض أصحابه قال: ثبتني، بمعنى: أزال شكي، وجعلني متثبتاً
1068- ص- نا محمد بن بشار، نا أبو عاصم، نا عمران، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياش، عن ابن مسعود- رضي الله عنه-: أن
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 319) ، وأسد الغابة (2/ 34) ، والإصابة (1/ 343) .(4/437)
رسولَ الله- عليه السلام- كان إِذا تَشَهدَ قال: " الحمدُ لله نَستَعِينُه ونَستَغْفرُهُ، ونَعوذُ بالتَه من شُرُور أنفُسنَا، من يهْده اللهُ فلا مُضل لَه، ومن يُضْللَْ فلا هَادي له، َ وأشهدُ أنْ لَا إله إَلا الله، وأشَهَدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، مرسَلَهُ بالحَقِّ بَشيراً ونَذيراً بين يَدَيِ الساعَة، مَن يُطِع اللهَ ورسولَهُ فقد رَشَدَ، ومن يَعْصِهِمَا فَإنه لا يضُر إلا نفسَه، ولا يَضُر اللهَ شَيْئاً" (1) (2) .
ش- أبو عاصم النبيل، وعمران بن داور القطان البصري.
وعبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري النجاري المدني أخو يحيى بن سعيد. روى عن: جده، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعمران بن أبي أنس، ونافع، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وشعبة، وحماد بن سلمة، وقتادة، وغيرهم. مات سنة تسع وثلاثين [2/86 - أ] ومائة. روى/ له الجماعة (3) .
وأبو عياض روى عن: عبد الله بن مسعود. روى عنه: عبد ربه بن قيس، وذكر الدارقطني في " رجال مسلم ": أبو عياض عن ابن عمر. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
قوله: " نستعينه " أي: نطلب العون منه.
قوله: " ونستغفره " أي: نطلب المغفرة منه، فإنه أهل للمغفرة.
قوله: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا " إنما استعاذ من شرور النفس؛ لأن النفس أمارة بالسوء، ميالة إلى الهوى، والأغراض الفاسدة.
قوله: " أرسله " أي: أرسل الله محمداً بالحق.
قوله: " بشيراً " أي: مبشراً بالجنة لمن أطاع الله في الآخرة، وفي الدنيا بالنصرة، و "نذيراً" من النار، يعني: مخوفاً لمن عصى الله، وهما
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: "وقد كان انقطع من القرطاس".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 1/ 3739) .
(4) المصدر السابق (34/ 7557) .(4/438)
منصوبان على الحالية، والأولى أن ينتصبا على المفعولية، لأن "أرسل " يتعدى إلى اثنين.
قوله: " بين يدي الساعة" أي: القيامة، وذلك لأنه- عليه السلام- خاتم الأنبياء والرسل، وظهوره في الدنيا من أشراط الساعة على ما ثبت عنه- عليه السلام-: " بعثت أنا والساعة كهاتين".
قوله: " فقد رشد " أي: اهتدى.
قوله: " ومن يعصهما " أي: ومن يعص الله ورسوله، وبعض الناس كرهوا أن يشرك بين الله وغيره في الضمير، وقد ورد في هذا الحديث ما يرد هذا المذهب حيث قال: "ومن يعصهما".
قوله: " ولا يضر الله شيئاً " انتصاب " شيئاً" على أنه مفعول به، ويجوز أن تكون في موضع مصدر، أي: ولا يضر الله قليلاً من الأشياء. وهذا الحديث وما بعده إلى آخر الباب ليس بمطابق للترجمة. وقد أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه بأتم منه في خطبة النكاح، وفي " مختصر السنن " في إسناده عمران بن دَاوَر أبو العوام، قال عفان: كان ثقة، واستشهد به البخاري. وقال ابن معين والنسائي: ضعيف الحديث. وقال يحيى مرة: ليس بشيء. وقال يزيد بن زريع: كان عمران حرورياً، وكان يرى السيف على أهل القِبْلة. وداور: آخره راء مهملة.
1069- ص- نا محمد بن سلمة المرادي، أنا ابن وهب، عن يونس:
أنه سألَ ابنَ شهاب عنِ تشهد رسول الله يومَ الجُمُعَة، فذكر نحوه وقال: "ومن يَعْصِهِمَا فقدت غَوى "، وَنسألُ الله رد بنا أن يَجعلَنَا ممن يُطيعُهُ، ويُطِيعُ رَسُولَه، وَيتبِعُ رِضْوَانَهُ، ويَجْتَنِبُ سَخَطَهُ، فإنما نحنُ به وله (1) .
ش- يونس بن يزيد.
قوله: " فذكر نحوه" أي: نحو الحديث المذكور. وقال زيادة عليه:
__________
(1) تفرد به أبو داود.(4/439)
"ومن يعصهما فقد غوى " إلى آخره، أي: فقد ضل، وهو بفتح الواو من غَوَى يغوِيَ غَيا وغَوَايَة فهو غاوٍ وغوٍ. قال الجوهري: الغي: الضلال والخيبة. وقال غيره: الغي: الانهماك في الشر. وأما غوِي يغوَى بالكسر في الماضي والفتح من الغاية، فمصدره غوي، يقال: غَوِي الفصيل: إذا لم يرو من لين أمه حتى يموت. وقال القاضي: وقع في رواية مسلم بفتح الواو وكسرها والصواب الفتح.
قوله: " فإنما نحن، " أي: ملتجئون به، أو موفقون به.
قوله: " وله " أي: نحن عبيد له، وهذا مرسل.
1070- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن سفيان بن سعيد، حدَّثني عبد العزيز بن رفيع، عن تميم الطائيِ، عن عديِ بن حاتم: أن خَطِيباً خَطَبَ عندَ النبي- عليه السلام- فقال: من يُطِع اللهَ وَرسُولَه (1) ... ومَنْ يَعْصهمَا، فقال: " قُمْ- أَوْ اذهبْ- بِئْسَ الخَطِيبُ (2) " (3) .
ش- يحيي القطان، وسفيان بن سعيد الثوري، وتميم بن طرفه الطائي الكوفي.
وعدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي بن ربيعة بن جَرْول بن ثُعَل بن عمرو بن الغوث بن طيء الطائي، يكنى أبا طريف، قدم على النبي- عليه السلام- في شعبان سنة تسع، رُوي له عن رسول الله- عليه السلام- ستة وستون حديثاً، اتفقا منها على ثلاثة أحاديث، وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه: قيس بن أبي حازم، ومصعب بن سعد بن أبي وقاص، وأبو إسحاق السبيعي، وسعيد بن جبير، والشعبي، وجماعة آخرون. نزل الكوفة ومات بها
__________
(1) في سنن أبي داود: " من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن ... ".
(2) في سنن أبي داود: " بئس الخطيب أنت".
(3) أبو داود: كتاب الأدب، باب رقم (4981) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة (84/ 870) ، النسائي: كتاب النكاح، باب: ما يكره من الخطبة (6/ 90) .(4/440)
زمن المختار، وهو ابن مائة وعشرين سنة، سَنَةَ تسع وستين. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وفيه:" بئس الخطيب أنت "
وكذا أخرجه أبو داود في " كتاب الأدب "، قال القاضي وغيره: إنما أنكر
- عليه السلام- لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف
تعظيماً لله تعالى بتقديم اسمه، كما قال- عليه السلام- في الحديث
الآخر: " لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل: ما شاء
الله ثم شاء فلان "/ والصواب: أن سبب النهي أن الخُطَبَ شأنُها البسط 2/86 - ب] والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز، وما ذكره القاضي ضعيف
لأن التشريك في الضمير قد تكرر في الأحاديث، منها في الحديث المذكور
في رواية ابن مسعود، ومنها قوله: " أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما
سواهما" وغير ذلك. وقد قيل: إن إنكاره- عليه السلام- وقوفه على
قوله: " ومن يعصهما"، واحتج به المفسرون على تخطئة الوقف على
غير التام.
قوله: " بئس الخطيب " قد مر مرة أن" بئس " من أفعال الذم، كما أن
"نعم " من أفعال المدح، و" الخطيب" مرفوع بإسناد الفعل إليه، والمخصوص بالذم محذوف في هذه الرواية، أي: " أنت " كما قلنا.
وهو مبتدأ وخبره قوله: " بئس الخطيب".
1071- ص- نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن
خُبَيْب، عن عبد الله بن محمد بن معن، عن أبنت (2) الحارث بن النعمان
قالته: مَا حَفظتُ "ق" إلا منْ فِي رسول الله- عليه السلام- يَخْطُبُ (3)
بها كُل جُمُعَةِ، قالت: وَكَانَ تَنُورُ رسولِ اللهَ وَتَنَورُنَا واحداً (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 141) ، وأسد الغابة
(4/ 8) ، والإصابة (2/ 468) .
(2) في سنن أبي داود: " بنت ".
(3) في سنن أبي داود: " كان يخطب ".
(4) مسلم: كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة (51/ 873) ، النسائي:
كتاب الجمعة، باب: القراءة في الخطبة (107/3) .(4/441)
ش- خُبَيْب- بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء- ابن عبد الرحمن بن خُبَيْب بن يساف الأنصاري قد مر غير مرة.
وعبد الله بن محمد بن معن المديني. سمع: أم هشام بنت حارثة بن النعمان. روى عنه: خُبَيْب. روى له: مسلم، وأبو داود (ا) .
وأم هشام بنت الحارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد الأنصارية النجارية، روت عنها عمرة، روى لها مسلم حديثين، وأبو داود، وابن ماجه، ولم يُسمها (2) .
قوله: "ما حفظت "ق " " أي: " سورة ق "، "إلا من فِي رسول الله " أي: من فمه المباركة "يخطب بها كل جمعة" وإنما اختارها من بين السور لاشتمالها على البعث والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة، وفيه دليل لاستحباب قراءة "ق " أو بعضها في كل جمعة. قوله: "وكان تنور رسول الله وتنورنا واحداً"، وفي رواية مسلم: "وكان تنورنا وتنور رسول الله واحداً "، وأشارت به إلى شدة حفظها ومعرفتها بأحوال النبي- عليه السلام-، وقربها من منزله، والتنور التي تخبز فيها الخبز. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
ص- قال أبو داود: قال روح بن عبادةَ، عن شعبةَ قال: ابنت (3) حارثة
ابن النعمان. وقال ابن إسحاق: أم هشام بنت حارثة بن النعمان.
ش- روح بن عبادة أبو محمد البصري، عن شعبة بن الحجاج قال في روايته: "ابنت حارثة بن النعمان ". وقال محمد بن إسحاق في روايته: " أم هشام بنت حارثة "، ولم يبين كل منهما اسمها، وفي رواية مسلم: "عن أخت لعمرة "، ولا يضر ترك تسميتها لأنها صحابية، والصحابة كلهم عدول.
1072- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن سفيان، حدثني سماك، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3548) .
(2) المصدر السابق (35/ 8018) . (3) في سنن أبي داود: "بنت".(4/442)
جابر بن سمرة قال: كانت صَلاةُ رسولِ اللهِ قَصْداً، وخُطبَتُهُ قَصْداً، يَقْرأ آياتٍ من القُرآنِ، ويُذَكرُ الناسَ (1) .
ش- أي: ليست طويلة ولا قصيرة، ومثله القصد من الرجال، والقصد في المعيشة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وفيه من السُّنَّة تخفيف الخطبة وتخفيف الصلاة؛ لأن تطويلهما يثقل على الناس، ولا سيما إذا كان القوم كُسالَى.
1073- ص- نا محمود بن خالد، نا مروان، نا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عمرةَ، عن أختها قالت: مَا أخَذْتُ "ق " إلا مِن فِي رسولِ اللهِ، كان يَقْرَؤُهَا فِي كُل جُمُعَةٍ (2) .
ش- مروان بن معاوية، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وعمرة هي أخت
أم هشام بنت حارثة بن النعمان، وقد تقدم ذكرها.
ص- قال أبو داود: كذا رواه يحيى بن أيوب، وابن أبي الرجال، عن يحيى بن سعيد، عن عمرةَ، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان.
ش- أي: كذا روى الحديث يحيى بن أيوب الغافقي المصري.
وابن أبي الرجال اسمه: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري المدني، كان ينزل بعض ثغور الشام. روى عن: أبيه، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وعمارة بن غزية. روى عنه: يحيي بن صالح الوحاظي، والحكم بن موسى،
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة (866) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قصد الخطبة (507) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها (1417) .
(2) انظر الحديث قبل السابق.(4/443)
وعبد الله بن يوسف التنيسي، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له
النسائي (1) ، وأبو الرجال كنية والده محمد.
1574- ص- نا ابن السرح، نا ابن وهب قال: أخبرني يحيي بن أيوب،
عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن أخت لعَمرةَ بنت عبد الرحمن كانت
أكبر منها بمعناه (2) .
ش- عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية المدنية، [2/87 - أ] سمعت عائشة، وأم هشام/ بنت حارثة بن النعمان، وقد ذكرناها مرة. قوله: " كانت أكبر منها " أي: كانت أخت عمرة أكبر من عمرة.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.
* * *
218- باب: رفع اليدين على المنبر
أي: هذا باب في بيان رفع اليدين على المنبر.
1575- ص- نا أحمد بن يونس، نا زائدة، عن حصين بن عبد الرحمن قال: رأى عمارةُ بن رؤيبةَ بشر بن مروان وهو يَدْعو في يوم جُمُعَة فقال عمارةُ: قَبحَ الله هاتينِ اليدينَِ. قال زائدةُ: قال حصين: حدثني عمارة قال: لقد رَأيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبرِ ما يَزيدُ على هذه - يعني: السبابةَ التي تَلِي الإِبهامَ (3) .
ش- زائدة بن قديمة، وعمارة بن رؤيبة الصحابي قد ذكرناه، وبشر ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، تولى الكوفة من جهة أخيه عبد الملك بن مروان في سنة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3813) .
(2) انظر الحديث السابق.
(3) مسلم: كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة (874) ، الترمذي: كتاب الجمعة، باب: ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر (515) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الإشارة في الخطبة (3/ 108) .(4/444)
إحدى وسبعين بعد مقتل مصعب بن الزبير، ثم أضاف عبد الملك إليه البصرة في سنة ثلاث وسبعين بعد أن عزل خالد بن عبد الله عنها، فارتحل إليها بشر واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث، ثم تولى البصرة والكوفة وغيرهما الحجاج بن يوسف في سنة خمس وسبعين من جهة عبد الملك، بحكم وفاة أخيه بشر بن مروان.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وفيه من السنة أن
لا ترفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك والشافعي، وغيرهما، وحكي عن بعض المالكية وبعض السلف إباحته؛ لأن النبي- عليه السلام- رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى، وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض.
1076- ص- نا مسدد، نا بشر، نا عبد الرحمن- يعني: ابن إسحاق- عن عبد الرحمن بن معاوية، عن ابن أبي ذباب، عن سهل بن سعد قال: مَا رَأَيتُ رسولَ الله شَاهراً يديه قَط يَدعُو على منبرِه ولا غيرِه (1) ، ولكن رَأَيتُه ُيقول هكذا، وأشَارَ باَلسبابةِ، وعَقَدَ الوُسْطَى بَالإبَهام (2) .
ش- بشر بن المفضل، وعبد الرحمن بن إسحاق بن الحارثِ القرشي المدني.
وعبد الرحمن بن معاوية أبو الحويرث الزرقي الأنصاري مدني، حليف بني نوفل بن عبد مناف. روى عن: نافع، ومحمد بن جبير، وعثمان ابن أبي سليمان. روى عنه: عبد الرحمن بن إسحاق، والثوري، وشعبة، وغيرهم. روى له: أبو داود (3) .
وابن أبي ذباب عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب الدولي. روى عن: أبي هريرة، وسهل بن سعد. روى عنه:
(1) في سنن أبي داود: "ولا على غيره".
(2) تفرد به أبوه داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3962) .(4/445)
مجاهد، وعكرمة، وعبد الرحمن بن معاوية. قال ابن معين: هو ثقة. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " شاهراً يديه " من شهرت الأمر أشهره شهراً وشهرة، وشهر سيفه سله، والمعنى: ما رأيته مَادا يديه بالدعاء.
قوله: " يدعو " في محل النصب على الحال.
قوله: " ولا غيره" يعني: ولا غير منبره.
وهذا يدل على أن لا ترفع اليد بالدعاء في كل الأحوال، ولكن لا يلزم من عدم رؤيته هو ترك رسول الله رفع يديه على المنبر أو غيره في بعض الأوقات، أن لا يشرع رفع اليد عقيب الدعاء، وقد وردت أخبار كثيرة في رفع اليد عقيب الدعاء لما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، ولكن السُنَّة في الخطبة أن لا يرفع لما ذكرناه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة، نا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري قال: رفع الأيدي يوم الجمعة بدعة.
ونا سهل بن يوسف، عن ابن عون، عن محمد قال: أول من رفع يديه في الجمع عبيد الله بن عبد الله بن معمر.
ونا ابن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر فرفع الناس أيديهم. فقال مسروق: قطع الله أيديهم.
* * *
219- باب: اقتصار الخطب
أي: هذا باب في بيان اقتصار الخطب، وفي بعض النسخ: "باب إقرار الخطب " (2) . من أقصر واقتصر وأقصر سواء.
__________
(1) المصدر السابق (15/ 3376) .
(2) كما في سنن أبي داود.(4/446)
1077- ص- نا محمد بن عبد الله بن نمير، نا أبي، نا العلاء بن صالح،
عن عدي بن ثابت، عن أبي راشد، عن عمار بن ياسر قال: أمَرَنَا رسولُ الله
- عليه السلام- بإِقْصَارِ الخُطَبِ (1) .
ش- أبو راشد لم يسم ولم ينسب، روى/ [عن] عمار بن ياسر [2/87 - ب] روى عنه: عدي بن ثابت، روى له: أبو داود (2) .
وروى أبو بكر بن أبي شيبة: نا ابن نمير، عن العلاء بن صالح، عن
عدي بن ثابت قال: أنا أبو راشد قال: صلينا [مع] عمار فتجوز في الخطبة، فقال رجل: قد قلت قولا شفاء لو أنك أطلت؟ فقال: إن رسول الله نهى أن نُطيل الخطبة.
ونا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس قال: قال عبد الله: أحسنوا هذه الصلاة، وأقصروا هذه الخطب. ونا أبو الأحوص، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كانت
خطبة النبي- عليه السلام- قصداً، وصلاته قصداً. ورواه أبو داود كما
ذكرناه. ونا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: إن
قِصر الخطبة وطول الصلاة مئنة من فقه الرجل.
1078- ص- نا محمود بن خالد، نا الوليد، أخبرني شيبان أبو معاوية،
عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة السُوَائي قال: كان رسولُ الله لا
يُطِيلُ المَوْعِظَةَ يَومَ الجُمُعَةِ، إنما هُن كلمات يَسِيرات (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 7353) .
(3) تفرد به أبو داود.(4/447)
ش- الوليد بن مسلم، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية البصري.
قوله: "إنما هن" الضمير يرجع إلى "الموعظة" باعتبار الكلمات.
وقوله: "يسيرات" صفة للكلمات. وفي بعض النسخ "يسيرة".
* * *
220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة
أي: هذا باب في بيان القرب من الإمام عند الخطبة يوم الجمعة، وفي بعض النسخ: "عند الموعظة" (1) ، والأول أصح.
1079- ص- نا علي بن عبد الله، نا معاذ بن هشام قال: وجدتُ في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعْه منه. قال قتادة، عن يحيي بن مالك، عن سمرة بن جندب أن نبي الله- عليه السلام- قال: "احْضرُوا الذكرَ، وادْنُوا من الإمَام، فإن الرجل لا يَزالُ يَتَبَاعَدُ حتى يُؤَخرُ في الجنة، وإن دَخَلَهَا" (2)
ش- يحيي بن مالك أبو أيوب الأردي العتكي البصري.
قوله: " احضروا الذكر" أي: الخطبة، "وادنوا" أي: اقربوا من الإمام.
قوله: "فإن الرجل " تعليل لاستحباب الدنو من الإمام.
قوله: " حتى يؤخر في الجنة" أي: حتى يؤخر في الدخول في الجنة وإن دخلها. وفي إسناده انقطاع.
* * *
221- باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث
أي: هذا باب في بيان الإمام إذا قطع الخطبة لأمر يحدث له.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(4/448)
1080- ص- نا محمد بن العلاء: أن زيد بن حباب حدثهم قال: نا حسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: خَطَبَنَا النبي - عليه السلام- فأقبلَ الحسنُ والحسينُ- رضي الله عنهما- عليهما قَمِيصَانِ أحْمَرَان يَعْثُرَانِ وَيَقُومَان، فَنزلَ فأخَذهمَا، فَصَعَدَ بهما (1) ثم قال: "صَدَقَ اللهُ: "إنَّمَا أمْوَالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فتْنَة" (2) ، رَأيتُ هَذينِ فلم أصْبرْ"، ثم أخَذَ في خُطبَتِهِ (3) " (4) .َ
ش- الحسين بن واقد المروزي أبو عبد الله، مولى عبد الله بن عامر بن كُريزِ قاضي مرو. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وأبي الزبير المكي، وثابت البناني، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وابن المبارك، ويحيى بن واضح، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. مات سنة تسع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (5) . قوله: " عليهما قميصان، جملة اسمية وقعت حالاً بدون الواو من قبيل قولهم: كلمته فوه إلى فِي.
قوله: " فنزل " أي: فنزل رسول الله من المنبر، " فأخذهما فصعد بهما" المنبر.
وبهذا استدل أصحابنا أن الكلام لا يقطع الخطبة ولا يفسدها؛ لأنها شرط للجمعة وليس بركن، حتى لو خطب محدثاً أو جنباً جاز، ولكنه يكره، وعند أبي يوسف والشافعي لا يجوز إذا خطب جنباً.
__________
(1) في سنن أبي داود: "بهما المنبر".
(2) سورة التغابن: (15) .
(3) في سنن أبي داود:"أخذ في الخطبة ".
(4) الترمذي: كتاب المناقب، باب: مناقب الحسن والحسن- عليهما السلام- (3774) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه
من الخطبة وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة (1412) ، وكتاب صلاة العيدين، باب: نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة (1584) ، ابن ماجه: كتاب اللباس، باب: لبس الأحمر للرجال (3600) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1346) .
29 * شرح سنن أبي داوود 4(4/449)
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد.
* * *
222- باب: الاحتباء والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان الاحتباء والحال أن الإمام يخطب يوم الجمعة، والآن نُفسر الاحتباء. 1081- ص- نا محمد بن عوف، نا المقرئ، نا سعيد بن أبي أيوب،
عن أبي مرحوم، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه: أن رسولَ الله نَهَى
عن الحبوَةِ يَومَ الجُمُعَةِ والإمامُ يَخْطُبُ (1) .
[2/88 - أ] ش- المقرئ عبد الله بن يزيد المقرئ المدني، وسعيد بن/ أبي أيوب مقلاص المصري.
وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون المديني المَعَافري، أصله من الروم،
سكن مصر، وقيل: اسمه يحيي بن ميمون. روى عن: سهل بن معاذ
ابن أنس الجهني، وعلى بن رباح اللخمي، وإسحاق بن ربيعة. روى
عنه: يزيد بن محمد القرشي (2) ، وسعيد بن أبي أيوب، وابن لهيعة.
قال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا
يحتج به. وقال أبو نصر بن ماكولا: هو زاهد يعرف بالإجابة والفضل.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب
(2) كذا ذكره المصنف فيمن روى عنه، وذكره فيه تهذيب الكمال، فيمن روى عنه أبو مرحوم، وذكر محققه أنه جاء في حاشية النسخة تعقيب للحافظ المضي على صاحب "الكمال" نصه: "كان فيه روى عنه يزيد بن محمد الدمشقي، وكذلك في كتاب ابن أبي حاتم، وذلك وهم، وأنما يروي هو عن يزيد بن محمد كما ذكرنا، وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عنه".(4/450)
توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وسهل بن معاذ بن أنس أبو أنس الجهني. روى عن: أبيه. روى عنه: إسماعيل بن المعافري، والليث بن سعد، وأبو مرحوم، وغيرهم. قال ابن معين: هو ضعيف. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
ومعاذ بن أنس الجهني الصحابي، عداده في أهل مصر، روى عنه ابنه سهل، وقال في "الكمال ": وسهل بن معاذ لين الحديث، إلا أن أحاديثه حسان في الرغائب والفضائل. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: "نهى عن الحبوة " بالضم والكسر، وحُبية بالياء أيضا، والاحتباء: أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بعمامته أو بثوب أو منديل، وقد يكون الاحتباء باليد عوض الثوب؛ وإنما نهى عن ذلك يوم الجمعة؛ لأنه يجلب النوم، ويعرض طهارته للانتقاض، ويلحق به في الكراهة الاستناد إلى الحائط أو غيره؛ لأنه في معنى الاحتواء وأكثر.
والحديث: أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وأخرج ابن أبي شيبة [في] كراهة الاحتواء: عن الأوزاعي، عن مكحول وعطاء والحسن البصري. وأخرج عن ابن عمر أنه كان يحتوي والإمام يخطب، وكذا عن سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وعطاء، والحسن، ومحمد بن سيرين، وعكرمة بن خالد، وعمرو بن دينار، وأبى الزبير، وأخري عن نافع أيضا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3410) .
(2) المصدر السابق (12/ 2621) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 366) ، وأسد الغابة (5/ 93 1) ، والإصابة (3/ 426) .(4/451)
1082- ص- نا داود بن رُشيد، نا خالد بن حيان الرقي، نا سليمان بن عبد الله بن الزَّبْرِقان، عن يعلى بن شداد بن أوس قال: شَهِدتُ مع معاويةَ بيتَ المَقدسِ، فَجمَّعَ بنا، فنظَرتُ فإذا جُلُّ مَنْ في المَسجد أصحابُ النبيِّ - عليه السلام-، فَرَأيْتُهُم مُحْتَبِينَ والإِمَامُ يَخْطُبُ (1) .
ش- رُشيد- بضم الراء- وقد ذكرناه.
وخالد بن حيان- بالياء آخر الحروف- الرقي أبو يزيد الكندي مولاهم الخراز- بعد الخاء راء ثم زاي- سمع: سليمان بن عبد الله بن الزبرقان، وجعفر بن برقان، وفرات بن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، والنفيلي، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات بالرقة سنة إحدى وتسعين ومائة. وقال الدارقطني: لا بأس به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وسليمان بن عبد الله بن الزبرقان، ويقال: ابن عبد الرحمن بن فيروز. روى عن: يعلى بن شداد بن أوس. روى عنه: خالد بن حيان، ويحيى بن سلام البصري. روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
قوله: " فجَمَعَ بنا " أي: فصلى بنا صلاة الجمعة.
ص- قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب.
ش- قد ذكرنا عن ابن أبي شيبة أنه روى عن أبي خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يحتبي والإمام يخطب.
ص- وأنس بن مالك، وشريح، وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب.
ش- روى أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الأعلى، عن معمر، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1601) .
(3) المصدر السابق (12/ 2534) .(4/452)
الزهري، عن سعيد بن المسيب، أنه كان يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب.
وشريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي أبو أمية الكوفي، ويقال:
شريح بن شرحبيل، ويقال: ابن شراحيل، ويقال: إنه من أولاد الفرس
الذين كانوا باليمن، أدرك النبي- عليه السلام- ولم يلقه، وقيل:
لقيه. قال ابن معين: كان في زمن النبي- عليه السلام- ولم يسمع منه،
استقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة، وأقره علي بن أبي طالب، وأقام
على القضاء بها ستين سنة، وقضى بالبصرة سنة. روى عن: عمر،
وعليّ، وابن مسعود، وزيد بن ثابت/، وغيرهم. روى عنه: ابن [2/88- ب] سيرين، وإبراهيم النخعي، والشعبي. روى له: النسائي حديثا من
رواية الشعبي عنه. توفي سنة ثمان وسبعين، وعنه: وليت القضاء
لعمر، وعثمان، وعليه، ومعاوية، ويزيد بن معاوية، ولعبد الملك إلى
أيام الحجاج، فاستعفيت الحجاج، وكان لي عشرون ومائة سنة. وعاش
بعد استعفائه الحجاج سنة ثم مات (1) .
وصعصعة بن صُوحان- بضم الصاد وبالحاء المهملتين- ابن حجر بن
الحارث العبدي أبو عمرو، أو أبو طلحة، أو أبو عكرمة الكوفي، أخو
زيد بن صوحان. سمع: علي بن أبي طالب، وشهد معه صفين،
وعبد الله بن عباس. روى عنه: أبو إسحاق الطبيعي، وغيره. توفي
بالكوفة في خلافة معاوية. وقال ابن سعد: وكان ثقة قليل الحديث.
روى له: النسائي، وابن ماجه (2) .
ص- وإبراهيم النخعي، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد.
ش- ابن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، رأى أنس بن مالك،
وسمع: أباه، وعميه عامراً ومصعباً، ونافعاً وغيرهم.- روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2725) .
(2) المصدر السابق (13/ 2876) .(4/453)
الزهري، ومالك بن أنس، وابن عيينة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة أربع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا أبا داود (1) . ص- ونعيم بن سلامة.
ش- السبئي، يروي عن ابن عمر، وكان على خاتم عمر بن عبد العزيز، يروى عن الأوزاعي، ذكره ابن حبان في " الثقات ".
ص- قال: لا بأس بها.
ش- أي: قال نعيم بن سلامة: لا بأس بالحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.
ص- ولم يَبلغُني أن أحَداً كَرِهَهَا إلا عُبادة بن نُسَي.
ش- يجوز أن يكون فاعل " لم يبلغني" أبا داود، وكذا قال في "مختصر السنن" فقال: قال أبو داود (2) : "لم يبلغني ". ويجوز أن يكون الفاعل نعيم بن سلامة. وقد ذكرنا أن أبا بكر بن أبي شيبة نقل الكراهة عن مكحول، وعطاء، والحسن البصري.
ونُسَي- بضم النون، وفتح السن، وتشديد الياء، وقد ذكرناه.
* * *
223- باب: الكلام والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان الكلام يوم الجمعة، والحال أن الإمام يخطب.
1083- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسولَ اللهِ قال: "إذا قُلتَ أنصِتْ والإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (3/ 478) .
(2) في الأصل: "ابو عبادة" خطأ، وما أثبتناه من مختصر السنن (2/ 21) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب (934) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة (11/ 851) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الإنصات للخطبة يوم الجمعة (3/ 104) ، =(4/454)
ش- سعيد بن المسيب.
قوله: " والإمام يخطب " الواو فيه للحال.
قوله: " فقد لغوت" أي: " (1) قلت: اللغو، وهو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود. وقيل: معناه: ملت عن الصواب. وقيل: تكلمت بما لا ينبغي. وفي رواية: "فقد لغيَت" قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة، وإنما هو "فقد لغوت". قال أهل اللغة: لغا يلغو، كغزا يغزو. ويقال: لغى يلغى، كعمى يعمى لغتان، والأول أفصح، وظاهر القراَن يقتضي الثانية التي هي لغة أبي هريرة، قال الله تعالى: "وَقَالَ الَّذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لهذَا القُرآن وَالغَوْا فِيه " (2) وهذا من لغة يلغى، ولوَ كان من الأول لقالَ: والغُوا بَضم العين. وقال ابن السكيت وغيره: ومصدر الأول اللغو، ومصدر الثاني اللغي. ففي هذا الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا عما سواه؛ لأنه إذا قال: أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف وسماه لغواً، فغيره من الكلام أولى؛ وإنما طريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه، فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن.
واختلفوا فيه هل هو حرام أم مكروه كراهة تنزيه؟ فهما قولان للشافعي. قال القاضي: قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة. وحكي عن النخعي والشعبي وبعض السلف أنه لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن. قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟ فقال الجمهور: يلزمه. وقال النخعي، وأحمد- وهو أحد قولي الشافعي-: لا يلزمه".
وقال صاحب "المحيط ": وإن كان بعيدا عن الخطيب لا يستمع،
__________
= ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الاستماع للخطبة والإنصات لها (1110) .
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (138/6) .
(2) سورة فصلت: (26) .(4/455)
قيل: يقرأ القرآن في نفسه، وقيل: يسكت، وهو الأصح؛ لأنه مأمور
[2/89- أ] بالاستماع والإنصات/، فإن عجز عن الاستماع لم يعجز عن الإنصات فلزمه، والحكم بن زهير كان يناظر في الفقه وهو من كبار أصحابنا ".
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " قوله: " والإمام يخطب " دليل على
أن وجوب الإنصات والنهي عن الكلام إنما هو في حال الخطبة، وهذا
مذهبنا ومذهب مالك والجمهور. وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات
بخروج الإمام ".
قلت: أخرج أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه" عن عليّ، وابن
عباس، وابن عمر أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام.
وأخرج عن عروة قال: إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة.
وروى مالك في " الموطأ": عن الزهري قال: خروجه يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام.
وحديث أبي هريرة: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1084- ص- نا مسدد، وأبو كامل قالا: نا يزيد، عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " يَحْضُرُ الجُمُعَةَ ثَلاثةُ نَفَرٍ: رَجُلُ حَضَرَها يَلغُو فهو (2) حَظُّه منها، وَرجُلٌ حَضَرَها يَدْعُو، فهو رَجُلٌ دَعَا اللهَ عَز وجل، إِن شَاءَ أعْطَاهُ واِن شَاءَ مَنَعَهُ، ورَجُلٌ حَضَرَهَا بإنصَات وسُكُوت، ولم يَتَخَط رَقَبَةَ مُسلمٍ، ولم يُؤْذ أحداً، فَهِيَ كَفارَةٌ إلىَ اَلجُمُعَةً التي تَلِيهَاً وزيادةُ ثلاثة أيامٍ، وذلك بأن اللهَ عز وجل يقولُ: "مَن جَاءَ بِالحَسًنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا" (3) " (4) . ش- أبو كامل الجحدري، ويزيد بن زريع البصري.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 139) .
(2) في سنن أبي داود: "وهو".
(3) سورة الأنعام: (160) .
(4) تفرد به أبو داود.(4/456)
وحبيب بن أبي قُرَيبة أبو محمد المعلم البصري، ويقال: حبيب بن زيد مولى مَعْقِلِ بن يسار، واسم أبي قريبة زائدة. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وهشام بن عروة. روى عنه: يزيد بن زريع. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
قوله: " فهو حظه منها " أي: لغوه نصيبه من الجمعة، والمعنى: ليس
له نصيب من ثواب الجمعة.
قوله: " فهي كفارة" أي: هذه الجمعة تكون كفارة لذنوبه إلى الجمعة الآتية
مع زيادة ثلاثة أيام، ليكون عشرة أيام؛ لأن كل حسنة بعشر أمثالها بالنص.
* * *
224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ
أي: هذا باب في بيان استئذانِ المحدثِ الإمَامَ، وليس في الحديث ما يدل على الترجمة، ولا له خصوصية بباب الجمعة.
1085- ص- نا إبراهيم بن الحسن الِمصيصي، نا حجاج قال: قال ابن جرير: أخبرني هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت: قال النبي- عليه السلام-: " إِذا أحْدثَ أَحدُكُم في صَلاِتهِ فليأخذْ بأنفِهِ، ثم ليَنْصَرِفْ" (2) .
ش- الحجاج بن محمد الأعور، وابن أريج عبد الملك.
قوله: " فليأخذ بأنفه " وذلك ليوهم القوم أن به رعافاً، وهذا من باب الأخذ بالأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح من الأمر، والتورية بما هو أحسن، ولا يدخل هذا في باب الزيادة والكذب. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1108/5) .
(2) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن أحدث في الصلاة كيف ينصرف؟ (1222) .(4/457)
ص- قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة، وأبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام-، لم يذكرا عائشةَ.
ش- أشار بهذا إلى أن حماد بن سلمة، وأبا أسامة حماد بن أسامة رويا هذا الحديث مرسلاً.
* * *
225- باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان ما إذا دخل الرجل المسجد والإمام في الخطبة.
1086- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عمرو- وهو ابن دينار- عن جابر: أن رَجُلاً جَاءَ يَومَ الجُمُعَة والنبيُّ- عليه السلام- يَخْطُبُ فقال: "أصَفيْتَ يَا فُلانُ؟ " قال: لا، قال. " قُم فَاركَع" (1) .
ش- أخرجه الجماعة، وفي رواية: "قم فصل الركعتين"، وفي رواية: " صل ركعتين "، وفي رواية: "أركعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: " اركع"، وفي رواية: أن النبي- عليه السلام- خطب فقال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين"، وفي رواية: قال: "جاء سليك " لما يجيء الآن، وفي رواية لمسلم: "وليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"، وزاد فيه ابن حبان في " صحيحه ": وقال له: " لا تعد لمثل ذلك". قال ابن حبان: يريد الإبطاء لا الصلاة، [2/89 - ب] بدليل أنه جاء في الجمعة الثانية/ نحوه فأمره بركعتين مثلهما، ثم أخرجه كذلك.
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين (930) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب (875) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب (510) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب (103/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب (1112) .(4/458)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب، استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما، وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليستمع الخطبة. وحكي هذا المذهب أيضا عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين. قال القاضي: قال مالك، والليث، وأبو حنيفة، والثوري، وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما. وهو مروي عن: عمر، وعثمان، وعليّ- رضي الله عنهم-، وحجتهم: الأمر بالإنصات للإمام، وتأولوا هذه الأحاديث أنه كان عرياناً، فأمره رسول الله بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه، وهذا تأويل باطل يرده صريح قوله: " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب، فليركع ركعتين، وليتجوز فيهما"، وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه".
قلت: أما أصحابنا فإنهم لم يأولوا الأحاديث المذكورة بهذا الذي ذكره حتى يشنع عليهم هذا التشنيع، بل أجابوا بجوابين، الأول: أن النبي - عليه السلام- أنصت له حتى فرغ من صلاته، والدليل عليه ما رواه الدارقطني في " سننه " (2) من حديث عبيد بن محمد العبدي، ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس قال: دخل رجل المسجد ورسول الله- عليه السلام- يخطب، فقال له النبي- عليه السلام-: "قم فاركع ركعتين "، وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته. ثم قال: أسنده عبيد بن محمد ووهم فيه.
ثم أخرجه (3) عن أحمد بن حنبل: ثنا معتمر، عن أبيه قال: جاء رجل والنبي- عليه السلام- يخطب فقال: لا يا فلان، أصليت؟ " قال: لا، قال: رقم فصل"، ثم انتظره حتى صلى، قال: وهذا المرسل هو الصواب.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (164/6)
(2) (15/2) .
(3) (16/2) .(4/459)
وقال ابن أبي شيبة: نا هشيم، أنا أبو معشر، عن محمد بن قيس:
أن النبي- عليه السلام- حيث أمره أن يصلي ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه، ثم عاد إلى خطبته.
والثاني: أن ذلك كان قبل شروعه- عليه السلام- في الخطبة، وقد بوب النسائي في "سننه الكبرى" على حديث سليك قال: " باب الصلاة قبل الخطبة "، ثم أخرجه عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء سليك الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له- عليه السلام-: " أركعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: " قم فاركعهما".
" (1) وذكر أبو محمد عبد الحق في " أحكامه " قال: وروى أبو سعد (2) الماليني في "كتابه " عن محمد بن أبي مطيع، عن أبيه، عن محمد بن جابر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " لا تصلوا والإمام يخطب ". قال ابن القطان في "كتابه": وأبو سعد (2) الماليني اسمه: أحمد بن محمد، وهو الذي روى عن ابن عدي كتابه "الكامل" قال: وأبو محمد عبد الحق لم ير كتابه، ذكر ذلك هو عن نفسه ".
1087- ص- نا محمد بن محبوب، وإسماعيل بن إبراهيم- المعنى- قالا: نا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وعن أبي صالح، عن أبي هريرة قالا: جَاءَ سُليكٌ الغَطفاني ورَسولُ الله يَخْطُبُ فقال له: " أصَلَّيْتَ؟ " (3) قال: لا، قال: " صَل رَكْعتي"، تَجَوّزْ فيهما (4) .
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 204) .
(2) في الأصل، وفي نصب الراية: " أبو سعيد " خطاب.
(3) في سنن أبي داود: " أصليت شيئا؟ ".
(4) مسلم: كتاب الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب (59/ 875) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب (1114) .(4/460)
ش- محمد بن محبوب البصري.
وإسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن الهذلي الهروي أبو معمر القطيعي، نزيل بغداد يعرف بالمقعد، وبابن أبي الحجاج. سمع: إبراهيم بن سعد، وهشيم بن بشير، وحفص بن غياث، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو يعلى الموصلي، وروى النسائي عن رجل عنه، وسئل ابن معين عنه قال: مثلُ أبي معمرٍ لا يُسألُ عنه، أنا (1) أعرفه يكتب الحديث وهو غلام، ثقة مأمون. توفي ببغداد في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ومائتين (2) .
وأبو سفيان طلحة بن نافع الواسطي، وأبو صالح/ ذكوان الزيات، [2/90 - أ] وجابر بن عبد الله.
وسليك (3) بن هُدْبة، ويقال: ابن عمرو الغطفاني له صحبة، وهو بضم السين المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره كاف، وهُدْبَة- بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وبعدها باء موحدة، قوله: " تجوز فيهما " أي: خفف وأسرع فيهما، وقيل: هو من الجوز القطع والسير. والحديث: أخرجه مسلم من حديث جابر فقط، وابن ماجه بالإسنادين.
1088- ص- نا أحمد بن حنبل، نا محمد بن جعفر، عن سعيد، عن الوليد أبي بشر، عن طلحة: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن سُلَيكاً جَاءَ-
__________
(1) في الأصل: " إنه "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 416) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (128/2) ، وأسد الغابة (2/ 441) ، والإصابة (2/ 72) .(4/461)
فذكر نحوه. زاد: ثم أقْبَلِ على الناس قال: "إذا جَاءَ أحدُكُم والإمَامُ يَخطُبُ، فَليُصَل رَكْعتينِ يَتَجوزْ فِيهما" (1) .
ش- محمد بن جعفر غُندر البصري، وسعيد بن أبي عروبة، والوليد ابن مسلم أبو بشر العنبري، وطلحة بن نافع أبو سفيان.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور. والحديث أخرجه مسلم.
* * *
226- باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة
أي: هذا باب في بيان تخطي رقاب الناس يوم الجمعة.
1089- ص- نا هارون بن معروف، نا بشر بن السرِي، نا معاوية بن صالح، عن أي الزاهرية قال: كنَا مع عبد الله بنِ بُسرِ صَاحب النبي- عليه السلام- يَومَ الجُمُعَة، فَجَاءَ رجل يَتَخَطَىَ رِقَابَ الناسِ، فقاَل عبدُ الله بنُ بُسْر: جَاءَ رجل يَتَخًطَى رِقَابَ الناسِ يَومَ الجُمُعَةِ والنبي- عليه السلاَم- يَخْطبُ، فقال له رسولُ الله: " اجْلِسْ، فَقَدْ آذَيتَ " (2) .
ش- بشر بن السري البصري أبو عمرو الأفْوهُ، سمي به لأنه كان يتكلم بالمواعظ، سكن مكة. روى عن: حماد بن سلمي، ومعاوية بن صالح، والثوري، وغير هم. روى عنه: هارون بن معروف، ويعقوب ابن حميد، والعباس بن يزيد، وغيرهم. قال أحمد: [متقن. وقال ابن] معين: ثقة. مات سنة خمس وتسعين ومائة. روى له الجماعة (3) . وأبو الزاهرية: حُدير بن كُريب الحمصي.
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: التحية والإمام يخطب (59/ 875) .
(2) النسائي: كتاب الصلاة، باب: النهي عن تخطي رقاب الناس والإمام على المنبر يوم الجمعة (3/ 103) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/689) .(4/462)
قوله: " فقد آذيت " يعني: بتخطي رقاب الناس، وقد جاء فيها "وأنَيْت " أي: أخرت المجيء وأبطأت فيه. ومنه قيل للمتمكث في الأمر: متأن. وهذا الحديث يدل على أنه- عليه السلام- لم يأمر لذلك الرجَل بالصلاة، بل أمره بالجلوس. وأخرجه النسائي.
* * *
227- باب (1) : من ينعس والإمام يخطب
أي: هذا باب في بيان من ينعس والحال أن الإمام يخطب.
1090- ص- نا هناد بن السري، عن عبدةَ، عن ابن إسحاق، عن نافع،
عن ابن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- يقولُ: " إذا نَعَسَ أحدُكُمْ وهو في المَسجدِ فليَتَحَولْ مِن مًجْلِسِهِ ذلك إلى غَيْرِهِ" (2) .
ش- عبدة بن سليمان الكوفي.
قوله: " فليتحول " أمره بذلك لأنه إذا تحول حصل له من الحركة ما ينفي الفتور المقتضي للنوم، وأخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفيه: " إذا نَعَس أحدكم يوم الجمعة"، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا. وقال أيضا: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب قال: سمعت رجلاً يخطب يقول: قال محمد: إن النوم في الجمع من الشيطان، فإذا نعس أحدكم فليتحول".
وأخرج عن ابن عمر قال: إذا نعست يوم الجمعة والإمام يخطب فتحول.
وعن ابن سيرين أنه كان إذا خشي أن ينعس في الجمعة تحول.
وعن الحسن قال: قال رسول الله: "النوم أو النعاس في الجمعة من الشيطان، فإذا نعس أحدكم فليتحول".
__________
(1) في سنن أبي داود: 5 باب الرجل ينعس. . . ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه (526) .(4/463)
وعن طاوس قال؛ لان تختلف السياط على ظهري، أحب إليّ من أن أنام والإمام يخطب يوم الجمعة.
* * *
228- باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر
أي: هذا باب في بيان الإمام يتكلم بعد نزوله من المنبر.
1091- ص- نا مسلم بن إبراهيم، عن جرير- وهو ابن حازم- لا أدري كيف قاله مسلم أولاً، عن ثابت، عن أنس قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- يَنزِلُ من المِنبر، فَيَعْرضُ له الرجلُ في الحاجة فَيَقُومُ معه حتى يَقْضِيَ حَاجَتَه، ثم يَقُومُ فيصَلِّي (1) .
ش- ثابت البناني.
[2/90 - ب] وفي الحديث دليل على أن الاشتغال بقضاء/ حاجة أحد بعد الفراغ من الخطبة قبل الصلاة والكلام، لا يضر الخطبة، ولا الصلاة. وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داودَ: والحديثُ ليسَ بمعْرُوف عن ثابت، وهو مما تَفَرد به جريرُ بنُ حازمٍ.
ش- وكذا قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جرير بن حازم، سمعت محمداً- يعني: البخاري- يقول: وهم جرير ابن حازم في هذا الحديث، وقال: وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء وهو صدوق. وقال الدارقطني: تفرد به جرير بن حازم عن ثابت. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا ابن علية، عن بُرد بن سنان، عن الزهري قال:
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر (517) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر (1418) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام عن المنبر (1117) .(4/464)
كان رسول الله- عليه السلام- ربما كلم في الحاجة يوم الجمعة فيما بين نزوله من منبره إلى مصلاه.
* * *
229- باب: من أدرك من الجمعة ركعة
أي: هذا باب في بيان من أدرك من صلاة الجمعة ركعة.
1092- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أدرَكَ رَكعة من الصلاة فَقَدْ أدْرَكَ الصلاة " (1) .
ش- أي: أدرك حكم الصلاة أو وجوبها أو فضلها، وقد تكلمنا فيه مستوفى في بابه، والحديث أخرجه الجماعة، وقد روى البيهقي حديث يحيى بن أيوب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن شهاب، عن أبى سلمة، عن أبي هريرة: من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى، فإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً. وبهذا أخذ الشافعي، أن الرجل إذا أدرك الإمام في الجمعة في التشهد يصلي أربعاً، وبه قال مالك، وأحمد، ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: يبني على الجمعة، " ثبت في " الصحيح " من قوله- عليه السلام-: " فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا". والحديث المذكور معلول؛ لأن يحيي الغافقي قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الأثري عن أحمد: ليس بشيء. ولئن سلمنا فالاستدلال به وبأمثاله
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الصلاة ركعة (580) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أدرك ركعة من الصلاة
فقد أدرك تلك الصلاة (607) ، الترمذي: كتاب الجمعة، باب: فيمن يدرك
من الجمعة ركعة (524) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: من أدرك ركعة
من الصلاة، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة (1122) .
30 * شرح سنن أبي داود 4(4/465)
هو من باب المفهوم، وهو ليس بحجة عند الأكثرين، ولئن سلمنا فالاستدلال بما ذكرنا أوْلى؛ لأن من أدرك الإمام ساجداً أو جالساً يُسمى مدركاً، فيقضي ما فاته أو يُتمه، وهو ركعتان، فكيف يؤمر بأربع، ومعنى قوله: " أدركهم جلوساً" أي: بعد التسليم. وأيضاً هذه زيادة من رواة ضعفاء فلا تقبل.
* * *
230- باب (1) : ما يقرأ في الجمعة
أي: هذا باب في بيان ما يقرأ في صلاة الجمعة.
1093- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا أبو عوانة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، أن رسولَ الله - عليه السلام- كان يَقْرَأ في العيدَينٍ، ويوْمَ الجُمُعَة بـ "سبح اسْمَ ربكً الأعْلَى"، و "هَلْ أتَاكَ حَديثُ الَغَاشية" قال: "ربماَ اجْتمَعا في يوم واحد فَقَرَأ فيهما (2) .
ش- أبو عوانة الوضاح، وحبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير.
وفيه استحباب القراءة بالسورتين المذكورتين في العيدين والجمعة، وفي الحديث الآخر القراءة في العيد بـ "ق" و "اقتربت" وكلاهما صحيح، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجمعة: "الجمعة، و"المنافقون" وفي وقت "سبح" و "هل أتاك" وفي وقت يقرأ في العيد "ق" و "اقتربت" وفي وقت "سبح" و "هل أتاك ". والحديث: أخر له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب ما يقرأ به ... ".
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الجمعة (878/62) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في العيدين (533) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: ذكر الاختلاف على النعمان بن بشير في القراءة في صلاة الجمعة (1424) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة العيدين (1281) .(4/466)
1094- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير: ماذا كان يَقْرَأ به رسولُ الله يومَ الجُمُعَة على إثر سُورَة الجُمُعَة فقال: كان يَقْرَأ بـ "هَلْ أتَاكَ حدِيثُ الغاشَيَةِ" (1) .ً
ش- ضمرة بن سعيد بن أبي حنه- بالنون- واسمه: عمرو بن غُزية ابن عمرو بن عطية بن خنسا بن مبذول بن غنم بن مازن بن النجار المازني المدني الأنصاري. سمع: أبا سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأبان ابن عثمان بن عفان، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة. روى عنه: مالك ابن أنس، وزياد بن سعد، وابن عيينة، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين، وأبو حاتم: هو ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) . / والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. [2/91 - أ]
1095- ص- نا القعنبي، نا سليمان- يعني: ابن بلال- عن جعفر، عن أبيه، عن ابن أبي رافع قال: صلي بنا أبو هُرَيرةَ يَومَ الجُمُعَة، فَقَرَأ بسُورَة الجُمُعَة، وفي الركعة الآخرة: "إذا جَاءك المُنَافِقُونَ " قال: فَأدْركَتُ أبا هريرةَ حين انْصَرًفَ فقَلتُ له: إنك قَرَأتَ بسُورتين كان علي يَقرأ بهما بالكُوفَة. قال أبو هُرَيرةَ: فإني سَمعْتُ رسولَ الله- عليهَ السلامَ- يَقْرأ بهما يَومَ الجُمعَةِ (3) .
ش- جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الجمعة (878/63) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: ذكر الاختلاف على النعمان بن بشير في القراءة في صلاة الجمعة (1423) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في القراءة في الصلاة يوم الجمعة (1119) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2939) .
(3) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في صلاة الجمعة (1 877/6) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة (519) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في الصلاة يوم الجمعة (1118) .(4/467)
- رضي الله عنهم-، وابن أبي رافع هو عبيد الله، وأبو رافع مولى رسول الله اسمه: إبراهيم، وقيل: أسلم، وقد ذكرناه غير مرة، والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1096- ص- نا مسدد، عن يحيى، عن شعبة، عن معبد بن خالد، عن زيد بن عقبة، عن سَمُرةَ بن جندب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَقْرأ في صَلاة الجُمُعَةِ بـ (سبَح اسْمَ ربكَ الأعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حديثُ الغَاشِيَةِ) (1) . ش- يحيى القطان، ومعبد بن خالد الكوفي القاضي، وزيد بن عقبة. روى عن: سمرة بن جندب. روى عنه: معبد بن خالد، وعبد الملك ابن عمير، وابنه سعيد بن زيد، ذكره ابن حبال: في " الثقات ".
وهذا الذي ذكره أبو داود يسمى إسناداً معنعناً، وهو عن يحيى، عن شعبة إلى آخره. قال بعض العلماء: هو مرسل، والصحيح الذي عليه العمل- وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول- أنه متصل بشرط أن يكون المُعنعنَ غير مُدَلس، وبشرط إمكان لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهمَ بعضاً، وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف، منهم من لم يشترط شيئا من ذلك، وهو مذهب مسلم، ادعى الإجماع عليه، ومنهم من شرط ثبوت اللقاء وحده وهو مذهب علي بن المديني، والبخاري، وأبي بكر الصيرفي، والمحققين وهو الصحيح، ومنهم من شرط طول الصحبة، وهو قول أبي المظفر السمعاني، ومنهم من شرط أن يكون معروفاً بالرواية عنه، وبه قال أبو عمرو المُقرئ، فافهم.
* * *
231- باب: الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يأتم بالإمام وبينهما حائط.
__________
(1) النسائي: كتاب الجمعة، باب: القراءة في صلاة الجمعة (3/ 111- 112) .(4/468)
1097- ص- نا زهير بن حرب، نا هشيم، أنا يحيي بن سعيد، عن عمرةَ، عِن عائشةَ قالت: صلي رسولُ الله- عليه السلام- في حُجرَتِه والناسُ يأتمونَ به مِن وَرَاءِ الحُجْرَةِ (1) .
ش- قال البخاري: حدثنا عبدة، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن عمرةَ، عن عائشةَ: كان رسول الله يصلي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير؟ فرأي الناس شخص النبي- عليه السلام-، فقام ناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلس رسول الله فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: "إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل ".
ثم اختلف العلماء في الإمام يكون بينه وبين القوم طريق أو حائط، فأجاره أنس بن مالك، وأبو هريرة، وابن سيرين، وسالم، وكان عروة يصلي بصلاة الإمام وهو في دار بينها وبين المسجد طريق. وقال مالك: لا بأس أن يصلي وبينه وبينه (2) نهر صغير أو طريق، وكذلك السفن المتقاربة يكون الإمام في إحداها، ذكره ذلك طائفة. ورُوي عن عمر بن الخطاب: إذا كان بينه وبين الإمام طريق أو حائط أو نهر فليس هو معه. وكره الشعبي، وإبراهيم أن يكون بينهما طريق. وقال أبو حنيفة: لا تجزئه إلا أن تكون الصفوف متصلة في الطريق، وبه قال الليث، والأوزاعي، وأشهب.
قوله: "من وراء الحجرة" يعني: في المسجد، كما ورد هكذا في رواية.
* * *
__________
(1) البخاري بنحوه: كتاب الأذان، باب: إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة (729) .
(2) كتب فوقها: " صح".(4/469)
232- باب: الصلاة بعد الجمعة
أي: هذا باب في بيان أحكام الصلاة بعد صلاة الجمعة.
[2/91 - ب] 1098- ص- نا محمد بن عبيد، وسليمان بن داود- المعنى- قالا:
نا حماد بن زيد، نا أيوب، عن نافع: أن ابنَ عُمَرَ- رضي الله عنهما- رَأى رَجُلاً يُصلي رَكْعتينِ بعدَ الجُمُعَة (1) في مَقَامه فَدَفَعَهُ وقال: أتُصَلي الجُمُعَةَ أربعاً؟ " وكان عبدُ الله يُصَلي يومً الجُمُعَة رَكْعَتين في بَيته وبقولُ: هكذا فَعَلَ رسولُ الله- عليه السلَام- (2) .ً
ش- أيوب السختياني.
وإنما أنكر ابن عمر على ذلك الرجل؛ لأنه أوصل الركعتين بالجمعة من غير فصل بكلام ونحوه؛ ولأنه خالف فعل الرسول- عليه السلام- في زعمه؛ لأنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله.
1099- ص- نا مسدد، نا إسماعيل، أنا أيوب، عن ناِفع قال: كان ابنُ عُمَرَ يُطيلُ الصَلاةَ قَبلَ الجُمُعَة، وبُصَلي بعدها ركعتين في بيْته، ويُحَدثُ أن رسولَ الله- عليه السلام- كاَن يَفعَلُ ذلك (3) .
ش- إسماعيل ابن عُلية.
وأخرجه النسائي بنحوه، وأخرج ابن أبي شيبة، عن نافع قال: كان ابن عمر يُهَجًرُ يوم الجمعة، فيطيل الصلاة قبل أن يخرج الإمام.
ونا شريك، عن عمرو بن عثمان قال: قال عمر بن عبد العزيز: صلً قبل الجمعة عشر ركعات.
__________
(1) في سنن أبي داود: "يوم الجمعة".
(2) النسائي: كتاب الجمعة، باب: إطالة للركعتين بعد الجمعة (3/ 113) .
(3) انظر الحديث السابق.(4/470)
ونا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يصلون قبلها أربعاً.
وروى ابن ماجه بإسناده عن ابن عباس قال: كان النبي- عليه السلام- يركع من قبل الجمعة أربعاً، ولا يفصل في شيء منهن. ورواه الطبراني في "معجمه" وراد فيه: وأربعاً بعدها. وسنده واهِ جداً؛ لأن فيه مبشر ابن عبيد وهو معدود في الوضاعين، وفيه حجاج وعطية وهما ضعيفان. وروى الطبراني (1) أيضا بإسناده إلى ابن مسعود قال: كان رسول الله يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً.
وروى أيضا في" معجمه الوسط" (2) بإسناده إلى علي قال: كان رسول الله ... نحوه سواء، وراد: يجعل التسليم في آخرهن ركعةَ. وروى عبد الرزاق في"مصنفه": أنا معمر، عن قتادة: أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات، وبعدها أربع ركعات.
وقال الترمذي: ورُوي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً.
قلت: وبه أخذ أبو حنيفة، ومحمد، فإن السنة عندهما أربع قبل الجمعة، وأربع بعدها.
1100- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخُوَار: أن نافع بن جبير أرسلَه إلى السائب بن يزيد بن أخت نمر يسألُهُ عنْ شيء رَأى (3) منه معاويةُ في الصلاة فقال: صليتُ (4) معه في المَقْصُورَةِ، فلما سلّمتُ قُمتُ في مَقَامِي فصليتُ، فلما
__________
(1) المعجم الأوسط (4/ 3959)
(2) (2/ 1617) . (3) في صحيح مسلم: "راَه".
(4) في سنن أبي داود: "صليت معه الجمعة ".(4/471)
دَخَلَ أرْسَلَ إلَي فقال: لا تَعدْ " صَنَعْتَ! إذا صليتَ الجُمُعَةَ فلا تَصِلهَا بصلاة حتى تَكًلمَ أو تَخْرُجَ، فإن نبي الله- عليه السلام- أمَرَ بذلك، أن لا تُوصلَ صلاة بصلاةِ حتى يَتَكَلمَ أو يخْرج (1) " (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام.
وعمر بن عطاء بن أبي الخوار المكي. روى عن: ابن عباس، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن عياض، وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن أمية، وابن جريج. قال ابن معين، وأبو زرعة: هو ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود (3) . والخوار بضم الخاء المعجمة.
ونافع بن جبير بن مطعم.
قوله: " صليت معه في المقصورة" فيه دليل على جواز اتخاذها في المسجد إذا رآها ولي الأمر مصلحة، قالوا: أول من عملها معاوية بن أبي سفيان حين ضربه الخارجي. قال القاضي: واختلفوا في المقصورة، فأجازها كثير من السلف، وصلوا فيها، منهم: الحسن، والقاسم بن محمد، وسالم، وغيرهم. وكرهها: ابن عمر، والشعبي، وأحمد، وإسحاق. وكان ابن عمر- رضي الله عنهما- إذا حضرت الصلاة وهو في المقصورة خرج منها إلى المسجد. قال القاضي: وقيل: إنها تصح فيها الجمعة إذا كانت مباحة لكل أحد، فإن كانت مخصوصة ببعض الناس، ممنوعة من غيرهم لم يصح فيَها الجمعة، لخروجها عن حكم الجامع. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن يزيد/ قال: رأيت أنس أبن مالك يصلي في المقصورة المكتوبة مع عمر بن عبد العزيز، ثم يخرج علينا منها. وكذا أخرج فعل ذلك عن: الحسن، وعلي بن الحسين، وأبي القاسم، والسائب بن يزيد، ونافع.
__________
(1) في سنن أبي داود: "تتَكلم أو تخرج".
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: الصلاة بعد الجمعة (73/883) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 2/ 4286) .(4/472)
قلت: وفي هذا المعنى إذا جمع الأمير جنده في حصن، وغلق بابه، ولم يأذن فيه للعامة. قال في "التحفة": إن فعلها على وجه الشهرة جارت فيه الجمعة. وقال في "المحيط": الإذن على سبيل الاشتهار شرط، حتى لو أغلق الأمير باب قصره وصلى فيه بجنده لا يجوز، وإن فتح باب قصره وأذن للناس بدخوله جار ويكره.
قوله: "أمر بذلك، أن لا توصل صلاة " فيه دليل على استحباب التحول من موضع الفريضة لأجل النافلة، والأفضل أن يتحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره.
قوله: " حتى يتكلم " دليل على أن الفصل يحصل بالكلام أيضا، ولكن بالانتقال أفضل. والحديث: أخرجه مسلم.
1101- ص- نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزمة المروزي، نا الفضل ابن موسى، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبيِ حبيب، عن عطاء، عن ابن عمر قال: إذا كانَ (1) بمكةَ فصلي الجُمُعَةَ تَقَدم فَصلي رَكعتين، ثم تَقَدمَ فَصلي أَربعاً، وإذا كان بالمَدينة صلى الجُمُعَة، ثم رَجَعَ إلى بيته فًصلي ركعتين ولم يُصَل في المَسجد، فَقيلَ له، فقالَ: كان رسولُ الله يفعلُ ذلك (2) .َ
ش- الفضل بن موسى السًينَاني المروزي قد مر ذكره، وعطاء بن أبي رباح.
فإن قيل: ما الحكمة من صلاة ابن عمر هكذا؟ قلت: قدْ أجاب هو بأن رسول الله كان يفعل ذلك، ولكن بقيت الحكمة من فعل رسول الله - عليه السلام-، فلعلها تكون أنه- عليه السلام- اختار بيته للتنفل في المدينة لئلا يخلى عن الصلاة، وأما في مكة فلم يكن له بيت فيها للإقامة،
__________
(1) في سنن أبي داود: "كان إذا كان".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها (523) .(4/473)
فكان المسجد الحرام أوْلى، والظاهر أنه- عليه السلام- لم يفعل هذا إلا عام الفتح؛ لأن الجمعة ما شرعت إلا (1) في المدينة، فافهم.
1102- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهيرح، ونا محمد بن الصباح البزاز، نا إسماعيل بن زكرياء، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله " قال ابن الصباح (2) : (مَن كان مُصَلياً بعدَ الجُمُعَة فليُصَل أربعاً) وتم حديثه، وقال ابن يونس: "إذا صليتُمُ الجُمُعَة فَصَلُّوَا بَعدها أربعاً"، قال: فقال لي أبي: يا بُنَي، فإذا (3) صليتَ في المسَجد رَكعتين، ثم أَتيتَ المَنزلَ- أو البيتَ- فَصَل ركعتين (4) .
ش- زهير بن معاوية، وإسماعيل بن زكرياء الخُلقاني أبو زياد الكوفي، وسهيل بن أبي صالح ذكوان السمان.
قوله: "وتم حديثه " أي: حديث محمد بن الصباح.
قوله: "قال: فقال" أي: قال سهيل: قال لي أبي، وفي رواية مسلم: " إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً" وفي رواية: "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً" وفي رواية: "من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً "، ورواه الترمذي أيضا والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم.
قلت: وهو قول أبي حنيفة، ومحمد، وقال أبو يوسف: يصلي أربعا بتسليمة، وركعتين آخرين بتسليمة أخرى.
__________
(1) في الأصل: " إلى ".
(2) في سنن أبي داود: " ابن الصباح قال: ... ،.
(3) في سنن أبي داود: " فان".
(4) تفرد به أبو داود.(4/474)
وأخرج ابن أبي شيبة عن وكيع، عن زكرياء، عن محمد بن المنتشر، عن مسروق قال: كان يصلي بعد الجمعة ستاً ركعتين وأربعاً. وعن علي بن مسهر، عن الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه: أنه كان يصلي بعد الجمعة ست ركعات.
وعن هشيم، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن قال: قدم
علينا ابن مسعود، فكان يأمرنا أن نصلي بعد الجمعة أربعاً، فلما قدم
علينا علي- رضي الله عنه- أمرنا أن نصلي ستاً، فأخذنا بقول علي،
وتركنا قول عبد الله، قال: كان يصلي ركعتين ثم أربعاً. وفي هذه الأحاديث استحباب سنة الجمعة بعدها أربعاً، أو ستاً، أو ركعتين أيضا، وأقلها ركعتان، وأفضلها أربع؛ لأنه- عليه السلام- كان يصلي في كثر الأوقات أربعاً، والدليل عليه أنه أمرنا بهن، وحثنا عليهن، وهو أرغب في الخير، وأحرص عليه، وأولى به.
/ فإن قيل: " لا يكون واجباً لوجود الأمر؟ قلت: نبه- عليه [2/92- ب] السلام- على عدم الوجوب بقوله: "من كان منكم مصلياً "، ولكن الأحاديث تدل على أنها سنة مؤكدة.
1103- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عنِ سالم، عن ابن عمر قال: كان رسولُ الله يُصلي بعدَ الجُمُعَةِ ركعتين في بيتِهِ (1) .
ش- أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي:
حديث حسن صحيح. وليس في حديث الترمذي: "في بيته ".
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل الجمعة (521) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: عدد الصلاة بعد الجمعة في المسجد (3/ 113) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسمنة فيها، باب: ما جاء في الصلاة بعد الجمعة (1131) .(4/475)
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث عبد الله بن دينار القرشي، مولى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-. وقال الترمذي: وقد رُوي عن نافع، عن ابن عمر أيضا، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد.
1104- ص- نا إبراهيم بن الحسن، نا الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء، أنه رَأى ابنَ عُمَرَ يُصَلي بعدَ الجُمُعَة، فيَنمَازُ عن مُصَلاهُ الذي صلي فيه الجُمُعَةَ قَلِيلاَ غيرَ كَثِيرِ. قال: فَيَرَكَعُ رَكَعتين. قال: ثم يَمشِي أنفَسَ من ذلك، فَيركَعُ أربعَ رَكَعَات. قلتُ لعطاءَ: كم رَأيتَ ابنَ عُمَرَ يصنعُ ذلك؟ قال: مِرَاراً (1) .
ش- عطاء بن أبي رباح.
قوله: " فينمازُ " معناه: يفارق مكانه الذي صلى فيه، وهو من قولك: مررت الشيءَ من الشيء. إذا فرقت بينهما.
قوله: " أنفسَ من ذلك " يريد أبعد قليلا فيه استحباب التحول من مقام الفرض، واستحباب الست بعد الجمعة، وبه أخذ أبو يوسف والثوري. ص- قال أبو داود: رواه محمد الملك بن أي سليمان ولم يُتِمهُ.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزَمي الكوفي، ولكن لم يتمه.
* * *
233- باب: صلاة العيدين
أي: هذا باب في بيان أحكام صلاة العيدين، سُمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة، وأصله عبود، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وجمعه أعياد، وإنما لم يجمع على أعواد حتى لا يلتبس بالأعوام التي هي
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها (523) .(4/476)
جمع عود الخشب والذي يُضرب به، ويجمع على عيدان، والعَود بالفتح المُسنُّ من الإبل، وجمعه "عِوَده ".
1105- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حميد، عن أنس قال: قَدمَ رسولُ الله المدينةَ ولهم يَومان يَلعَبُونَ فيهِمَا، فقال: " ما هَذَان اليومَان؟ لا قالوا: كنَا نَلعَبُ فيهما في الَجَاهلية، فَقالَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: "إنَ الله تعالىَ قَدْ أبدَلَكُمْ بِهِمَا خيراً مَنهما: يومَ الأضحَى، ويومَ الفِطرِ " (1) . ش- حماد بن سلمة، وحميد الطويل.
وكانت أهل الجاهلية يلعبون في يومين كل سنة، ويعملون ما لا يرضى
به الله تعالى، فلما ظهر الإسلام، أبدل الله منهما هذين اليومين اللذين يظهر فيهما تكبير الله تعالى وتحميده وتوحيده ظهوراً شائعاً يغيظ المشركين، وقيل: إنهما يقعان شكراً على ما أنعم به من أداء العبادات التي وَقتَهَا، فعيد الفطر شكراً لله تعالى على إتمام صوم رمضان، وعيد الأضحى شكراً لله تعالى على العبادات الواقعة في العشر، وأعظمها إقامة وظيفة الحج. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي.
* * *
234- باب: وقت الخروج إلى العيد
أي: هذا باب في بيان وقت الخروج إلى صلاة العيد.
1106- ص- نا أحمد بن حنبل، نا أبو المغيرة، نا صفوان، نا يزيد بن خُمَيْر الرحبي قال: خرج عبد الله بن بُسْر صاحبُ النبي- عليه السلام- مع الناسِ في يَوْم عيدِ فِطر أو أضْحَى، فَأنكَرَ إبطاءَ الإِمَام، وقال (2) : إنَّا كُنَّا قَد فَرغْنَا ساعتنا هذه. وذلَك حين التسبيح (3) .
ش- أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي الشامي.
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة العيدين (3/ 179) .
(2) في سنن أبي داود: "فقال".
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في وقت صلاة العيدين (1317) .(4/477)
وصفوان بن عمرو بن هِرَم السكسكي أبو عمرو الحمصي. سمع: عبد الله بن بُسر، وشريح بن عبيد، ويزيد بن خُمَيْر، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، والوليد بن مسلم، وأبو المغيرة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. مات سنة خمس وخمسين ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
ويزيد بن خُمَير- بالخاء المعجمة المضمومة- أبو عمر الشامي الرحبي، نسبة إلى رَحَبَة- بفتح الراء، والحاء المهملة، والباء الموحدة- وهو رَحَبة [2/93 - أ] ابن زَرْعَة بن سَبَأ الأصغر، بطن من حمير، والرحبة أيضا/ مدينة على الفرات بين الرقة وعانة، ويقال لها رحبة مالك بن طوق الثعلبي. روى عن: عبد الله بن بُسر، وخالد بن معدان، وطاوس بن كيسان، وغيرهم. روى عنه: صفوان بن عمرو، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث صدوق. روى له الجماعة (2) .
وعبد الله بن بُسْر السُلَمى المازني، من بني مازن بن منصور بن عكرمة أبو صفوان، زارهم النبي- عليه السلام- وأكل عندهم، ودعى لهم، رُوي له عن رسول الله حديثان، روى له البخاري حديثا واحدا، ومسلم آخر، روى عنه: محمد بن عبد الرحمن بن عوف اليحصبي، وراشد ابن سعد المقرائي، وحُدَيْر بن كريب، وجماعة آخرون. مات بالشام سنة ثمان وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين، وهو آخر من مات من أصحاب النبي- عليه السلام- بالشام، روى له الجماعة (3) . وبُسْر: بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وفي آخره راء.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2888) .
(2) المصدر السابق (32/6983) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 267) ، وأسد الغابة (3/ 186) ، والإصابة (2/ 281) .(4/478)
قوله: "وذلك حين التسبيح " أي: وقت جوار التسْبيح، أي: صلاة السبحة، وهي صلاة الضحى، والحديث: أخرجه ابن ماجه أيضا.
وقال أبو بكر: نا ابن علية، عن أيوب، عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي الصبح في مسجد رسول الله، ثم يغدو كما هو إلى المصلى. ونا وكيع، عن عمران، عن أبي مجلز قال: ليكن غدوك يوم الفطر من مسجدك إلى مصلاك.
ونا حاتم بن إَسماعيل، عن هشام بن عروة قال: كان عروة لا يأتي العيد حتى تستعلي الشمس.
ونا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن محمد بن علي وعامر وعطاء قالوا: لا تخرج يوم العيد حتى تطلع الشمس.
* * *
235- باب: خروج النساء في العيد
أي: هذا باب في بيان حكم خروج النساء في العيد، وفي بعض النسخ: "باب خروج النساء إلى العيدين ".
1107- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن أبوب، ويونس، وحبيب، ويحيي بن عتيق، وهشام- في آخرين- عن محمد، أن أم عطيةَ قالت: أَمَرنا رسول الله- عليه السلام- أن نُخْرِجَ ذَوَاتَ الخُدُورِ يَومَ العيد. قيل: فالحيضُ؟ قالَ: " ليَشْهَدْنَ الخيرَ ودَعوةَ المسلمين". قال: فقاَلتَ امرأة: يا رسولَ الله، إِنْ لم يَكُن لإحداهن ثوب كيف تَصنعُ؟ قال: "تُلبِسُها صَاحبتها طائفةً من ثَوِبهَا " (1) .
__________
(1) البخاري: كتاب العيدين، باب: خروج النساء والمحيض إلى المصلى (974) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال (10/ 9) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء في العيدين (539) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: اعتزال الحيض مصلى الناس (1558) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء في العيدين (1308) .(4/479)
ش- حماد بن سلمي، وأيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وحبيب ابن الشهيد البصري، ويحيي بن عتيق البصري، وهشام بن حسان، ومحمد بن سيرين، وأم عطية: نُسَيْبةُ بنت كعب، ويقال: بنت الحارث. قوله: " ذوات الخدور " أي: ذوات الستور، واحدها خدْر، وهي الستور التي تكون للجواري والأبكار في ناحية، وقيل: الخدور: البيوت، والخدر: البيت. ويقال: الخدر سرير عًليه ستر، وهذا كان في ذلك الزمان لأمنهن عن المفسدة، " (1) بخلاف اليوم، ولهذا صح عن عائشة: "لو رأى رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المساجد، كما مُنِعَت نساءُ بني إسرائيل" فإذا كان الأمر قد تغير في زمن عائشة حتى قالت هذا القول، فماذا يكون اليوم الذي ظهر فيه الفساد في الصغير والكبير، والبر والبحر؟! وقال القاضي: واختلف السلف في خروجهن للعيدين، فرأى ذلك جماعة حَقا عليهن، منهم: أبو بكر، وعلى، وابن عمر، وغيرهم. ومنهم من منعهن ذلك، منهم: عروة، والقاسم، ويحي الأنصاري، ومالك، وأبو يوسف. وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه أخرى".
قلت: الفتوى على المنع، وأن خروجهن حرام، ولا سيما في الديار المصرية.
قوله: " قيل: فالحُيضُ؟ " الحيض- بضم الحاء وتشديد الياء- جمع حائض، وارتفاعه على أنها فاعل فعل محذوف، والتقدير: فهل تشهد الحيض؛ قال- عليه السلام-: "ليشهدن" أي: ليحضرن " الخير" أي: مجامع الخير ودعاء المسلمين، وحلق الذكر، والعلم، ونحو ذلك. قوله: " تلبسها صاحبتها" بالرفع على الفاعلية، والمعنى: تلبسها عارية من الثياب التي لا تحتاج إليها.
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (178/6- 179) .(4/480)
قوله: " طائفة" أي: شيئاً من ثوبها مثل الجلباب/ والخمار والمقنعة، [2/93 - ب] ونحو ذلك. والحديث: أخرجه الجماعة.
1108- ص- نا محمد بنِ عُبيد، نا حماد، نا أيوب، عن محمد، عن
أم عطية بهذا الخبر قال: ويعْتزِلُ الحُيضُ مُصَلى المسلمين. ولم تذكرِ " الثوبَ " (1) .
ش- أي: بالخبر المذكور، ولم تذكر فيه قضية الثوب.
ص- قال: وحدث عن حفصة، عن امرأة تحدثه، عن امرأة أخرى
قالت: قيل: يا رسولَ اللهِ، فذكر معنى موسى (2) في الثوبِ.
ش- أي: حدث محمد بن سيرين، عن أخته حفصة بنت سيرين.
وهذه الرواية فيها امرأتان مجهولتان، ولكن القرائن تدل على أن المراد من
المرأة الثانية هي أم عطية.
قوله: " فذكر معنى موسى " أي: ذكر محمد معنى حديث موسى بن إسماعيل في الثوب.
1109- ص- نا النفيلي، نا زهير، نا عاصم الأحول، عن حفصة بنت
سيرين، عن أم عطية قالت: وكنا نُؤمرُ " بهذا الخبر (3) .
ش- أي: كنا نؤمر بأن نخرج ذوات الخدور- الحديث.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في سنن أبي داود: "معنى حديث موسى ".
(3) البخاري: كتاب العيدين، باب: خروج النساء والمحيض إلى المصلى (974) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين
إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال (10/889) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء في العيدين (540) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: اعتزال المحيض مصلى الناس (3/ 181) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في خروج النساء في العيدين (1307، 1308) .
531 شرح سنن أبي داوود 4(4/481)
قوله: "بهذا الخبر " إشارة إلى الخبر المذكور أولاً، وروى أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" قال: نا أبو أسامة، عن هشام، عن حفصة، عن أم عطية قالت: أمرنا رسول الله- عليه السلام- أن نخرجهن يوم الفطر، ويوم النحر. قالت أم عطية: فقلنا: أرأيت إحداهن لا يكون لها جلباب؟ قال: "فلتلبسها أختها من جلبابها".
ص- قالت: والحُيضُ يكُن خَلفَ الناسِ، فَيُكبرْنَ مع الناسِ.
ش- أي: قالت أم عطية. وفيه دليل على جواز ذكر الله للحائض والجنب، وإنما يحرم عليهما القرآن.
1110- ص- نا أبو الوليد، ومسلم قالا: نا إسحاق بن عثمان، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته أم عطية: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما قَدمَ المدينةَ جَمَعَ نسَاءَ الأنصارِ في بيت، فأرسلَ إلينا عمرُ بنُ الخطابِ فَقام على الباب، فسلّم عًلينَا، فَرَددنَا عليه السلام، ثم قال: أنا رسولُ رسول الله إليكُن، وأَمَرَنَا بالعيدين أن نُخرِجَ فيها الحيضَ، والعُتقَ، ولا جُمُعَةَ علَينا، ونَهانَا عن اتباع الجنًائزِ (1) .
ش- أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم القصاب.
وإسحاق بن عثمان الكِلابي أبو يعقوب البصري. سمع: ميمون الكندي، والحسن البصري، وإسماعيل بن عبد الرحمن، وغيرهم. روى عنه: أبو الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وحجاج بن نُصير. قال ابن معين: هو صالح. وقال أبو حاتم: ثقة، لا بأس به. روى له: أبو داود (2) .
قوله: (وأمرنا) من كلام أم عطية، لا من كلام عمر، بقرينة قوله:
"ولا جمعة علينا ونهانا".
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 370) .(4/482)
قوله: " بالعيدين" أي: في العيدين. قوله: " أن نخرج" في محل النصب على المفعولية، أي: أمرنا بأن نخرج، أي: ب"خراج الحُيض، هذا على تقدير نصب " الحُيض " على
أنه مفعول نُخرج، وإذا رفع على أنه فاعل " نُخرج" يكون التقدير:
أمرنا بخروج الحيض.
قوله: "والعُتق " عطف على "الحيض " في الحالين، وهي جمع
عاتق، وهي التي قاربت الإدراك، وقيل: بل هي المدركة، وقيل: هي
التي لم تَبْن من والدتها ولم تزوج، وقد أدركت وشبت، وإنما سميت به
لأنها أكرم ما تكون عند أهلها وأجمل، والعتيق الكريم الرافع من كل
شيء، وقيل: سميت بذلك لأنها عتقت عن خدمة أبويها ولم تملك بعدُ
بنكاح، وقيل: عاتق: شابة. وعن ابن الأعرابي قال: قالت جارية من
الأعراب لأبيها: اشتر لي لُوطاً أغطى به فُرعلى، فإني قد عُتقِتُ، تريد:
قد أدركت، والفرعِل: الشعر، واللوط: الإزارُ.
قوله: " ولا جمعة علينا" ليس بثابت في غالب النسخ.
* * *
236- باب: الخطبة في يوم العيد
أي: هذا باب في بيان الخطبة في يوم العيد 1111- ص- نا محمد بن العلاء، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري ح، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري قال: أخْرَجَ مَرْوانُ
المنبرَ في يَوم عيد، فَبدأ بالخُطبَة قبلَ الصلاة، فقامَ رجل فقال: يا مَرْوَانُ،
خًالَفْتَ السنةً، أخْرَجْتَ المنبرً في يَوم عيد ولم يكنْ يُخْرجُ فيه، وَبَدأتَ
بالخُطبة قبلَ الصلاة، فقال/ أبو سعيد الخَدًري: مَنْ هَذَا؟ قاَلوَا: فلانُ [2/94 - أ] ابنُ فلاَنٍ، فقال: َ أما هَذَا فقد قَضَىً ما عليهِ، سمعتُ رسولَ اللهِ(4/483)
عليه السلام- يقولُ: (مَنْ رَأى منكم مُنكَراً فاسْتطاعَ أن يُغيرَهُ بيده فليُغيرْهُ بيده، فإن لم يَسْتَطِعْ فبلسَانِهِ، فإن لم يَستطعْ فبقَلبِهِ، وذاك أضعفُ الإِيَمَانِ) (1) .
ش- مروان بن الحكم بن أبي العاص أبو عبد الملك، أو أبو القاسم،
أو أبو الحكم، وفي " صحيح مسلم ": أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم العيد مروان. وقيل: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة، ولا ينتظرون الخطبة. وقيل: بل ليدرك الصلاة من تأخر وبَعُدَ منزلُه، ولا يصح عن عمر هذا. وقيل: أول من بدأ بها عثمان، ولا يصح أيضا، وقيل: أول من فعل ذلك معاوية، وقيل: إن زياداً أول من فعله، يعني: بالبصرة، وقيل: أول من فعله مروان، يعني: بالمدينة كما تقدم، وكذا ذكره الترمذي، وذلك كله في أيام معاوية لأنهما من عماله، وفعله ابن الزبير آخر أيامه. وعلل بعضهم فعل بني أمية أنهم لما أحدثوا في الخطبة من سَب من لا يحل سبه، فكان الناس يتفرقون لئلا يسمعوا ذلك، فأخروا الصلاة ليحبسوا الناس، والذي ثبت عن رسول الله، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلى- رضي الله عنهم- تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، وعده بعضهم إجماعاً.
__________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب: في خبر ابن الصائد (4340) مختصراَ دون القصة، ومسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (78/ 49) ، الترمذي: كتاب الفتن، باب: ما جاء في تغير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب (2172) ، النسائي: كتاب الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان (8/ 111، 112) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1275) ، وكتاب الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4013) .(4/484)
قوله: "أما هذا فقد قضى ما عليه " أي: ما عليه من الواجب من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأن قدرته كانت هذا المقدار، وقول أبي سعيد هذا بمحضر من الصحابة، والجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان، ويثبته أيضا احتجاجه بقوله: "سمعت رسول الله- عليه السلام- يقول" الحديث. وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان، وأن ما حُكي عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح.
فإن قيل: كيف تأخر أبو سعيد عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ قلنا: يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضراً أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة، فأنكر عليه الرجل، ثم دخل أبو سعيد وهُمَا في الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضراً من الأول لكن خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره، فسقط عنه الإنكار، ولم يخف ذلك الرجل شيئاً لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك، أو أنه ما خاف وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا، بل مستحب، ويحتمل أن أبا سعيد هَم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد، ثم إنه جاء في الحديث الآخر الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في "باب صلاة العيد " أن أبا سعيد هو الذي جبذ بيد مروان حين راَه يصعد المنبر، وكانا جاءا معاً، فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحديهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد، والله أعلم. وقوله: "فقد قضى [ما] ، عليه" تصريح بالإنكار أيضا من أبي سعيد. قوله: " فليغيره بيده " هذا أمر إيجاب بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم، فإن قيل: قال الله تعالى: "عَلَيكُمْ أنفُسكُمْ لا يَضُركم مَّا ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " (1) قلنا: هذا لا
__________
(1) سورة المائدة: (105) .(4/485)
يخالف ما ذكرناه؛ لأن المعنى: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: "وَلا تَزِرُ وَازِرَة وِزْرَ أخْرَى" (1) ، وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل، لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول، ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وإذا ترك (2) الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ولا يشترط فيه أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: [2/94 - ب] أن يأمر نفسه وينهاها/، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟ ولا يختص أيضا بأصحاب الولايات، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين.
قوله: "فليغيره بيده، فإن [لم] يستطع " إلى آخره، إشارة إلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قوله: "فبقلبه " أي: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر، لكنه هو الذي في وسعه.
قوله: " وذاك أضعف الإيمان " معناه: أقله ثمرة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1112- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، ومحمد بن بكر قالا: أنا ابن جريج قال: أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: إن النبي- عليه السلام- قام يومَ الفطرِ فَصلي، فَبَدَأ بالصلاة قبلَ الخُطبة، عبر خَطَبَ الناسَ، فلما فَرغَ نبي اللهِ- عَليه السلام- نَزَلَ، فَأتَىَ النساءَ فَذَكرَهُن
__________
(1) سورة الإسراء: (15) .
(2) كذا.(4/486)
وهو يَتوكأ، على يد بلالٍ، وبلال بَاسط ثوبَه يُلقينَ (1) فيه النساءُ الصَدَقةَ، قال: تُلقِي المرأةُ فَتَخًهًا، ويُلقِيَنَ ويُلقِينً، وقال ابنَ بكر: فَتَختهَا (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام.
ومحمد بن بكر بن عثمان البُرْساني- بضم الباء الموحدة- أبو عثمان،
أو أبو عبد الله، وبُرْسان من الأزد، البصري. سمع ابن جريج، وشعبة، وهشام بن حسان، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وعليه بن المديني، وابن بشار، وابن المثنى، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو داود: ثقة. وقال أحمد: هو صالح الحديث. مات بالبصرة في ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة (3) .
وعطاء بن أبي رباح.
قوله:" فذكرهن" بتشديد الكاف أي: وعظهن.
قوله: "ويُلقين (4) فيه النساء " من قبيل كلوني البراغيث.
قوله:" فتخها" " ا"فتخ": بفتح الفاء والتاء المثناة من فوق، وفي آخره خاء معجمة، جمع فَتَخَة- بالتحريك- وهي حلقة من فضة لا فص لها، فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، وقيل: هو الخواتيم الكبار، وقيل: الفتخة حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها، وربما اتخذ لها فص كالخاتم، وقيل: جلجل لا جرس له. قال ابن السكيت: تلبس في أصابع اليد. وقال ثعلب: قد تكون في أصابع الرجل.
__________
(1) في سنن أبي داود: " تلقي".
(2) البخاري: كتاب العيدين، باب: موعظة الإمام النساء يوم العيد (978) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (5 88/ 3) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5092) .
(4) كذا بالواو، وفي المتن "يلقين" بدون الواو.(4/487)
قوله: " ويلقين ويلقين " بالتكرير، أي: ويلقين كذا، ويلقين كذا، وفيه جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف على ثلث مالها، هذا مذهب الجمهور. وقال مالك: لا تجوز الزيادة على ثلث مالها إلا برضا زوجها. وفيه دليل أن الصدقات العامة إنما يصرفها في مصارفها الإمام، وكان النبي- عليه السلام- يفرقها على المحتاجين كما كانت عادته في الصدقات المتطوع بها.
قوله: " وقال ابن بكر " أي: قال محمد بن بكر في روايته: " فَتَخَتهَا"بالإفراد، وفي رواية عبد الرزاق: "فَتَخَها" بالجمع. والحديث: أخرجه النسائي.
1113- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة ح، ولا محمد بن كثير، أنا شعبة، أنا أيوب، عن عطاء قال: أشهدُ على ابنِ عَباس، وشَهِدَ ابنُ عَباس على رَسول الله، أنه خَرَجَ يَومَ فطر فَصَلَّى، ثم خَطَبَ، ثم أتَى النساءَ ومعه بلال. قال اَبنُ كثير: أكْبَرُ عِلم شُعبةَ: فَأمَرَهُنَّ بالصدقَةِ، فَجَعَلنَ يُلقِين" (1) . ش- أيوب السختياني، وعطاء بن أبي رباح.
قوله:" قال ابن كثير " أي: محمد بن كثير.
قوله: "يُلقين " أي: الصدقة في ثوب بلال، وفيه من الاستحباب: للإمام أن يأتيهن بعد الفراغ من خطبة العيد، ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب عليه مفسدة.
قلت: بعيد في هذا الزمان عدم ترتب الفساد، لعموم الفتنة والفساد، وقلة الخير في النساء، ولا سيما في نساء مصر.
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: عظة الإمام النساء وتعليمهن (98) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: أول الكتاب (2/ 884) ، النسائي: كتاب العيدين، باب: الخطبة في العيدين بعد ما جاء الصلاة (1568) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1273) .(4/488)
1114- ص- نا مسدد، وأبو معمر عبد الله بن عمرو قالا: نا عبد الوارث،
عن أيوب، عن عطاء، عن ابن عباس بمعناه قال: فَظَن أنه لم يُسْمِع النساء،
فَمَشى إِليهن ومعه بِلال (1) فَوَعَظَهُن وَأَمَرَهُن بالصدقَة، فكانت المرأةُ تُلقي
القُرْطَ والخَاتَمَ في ثَوبِ بِلال (2) .
ش- مسدد بن مسرهد، وعبد الله بن عمرو المقعد البصري، وعبد الوارث بن سعيد.
قوله: "بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.
قوله:" فظن أنه " أي: ظن رسول الله أنه لم يسمع النساء خطبته، فمشى إلى جهتهن.
قوله:" تُلقِي القُرط/ والخاتم " القُرْط- بضم القاف، وسكون الراء- 2/95 - أ]
ما علق في شحمة الأذن من ذهب كان أو غيره. قال ابن دريد: كل ما علق في شحمة الأذن فهو قرط، سواء كان من ذهب أو خرز، ويجمع على قِراط كرمح ورماح، وقِرَطه كخُرجْ وخِرَجة، وأقرطة جمع جمع، أي: جمع أقراط جمع قُرْط. والخاتم فيه أربع لغات: فتح التاء، وكسر ها، وخاتام، وخَيْتام.
1115- ص- نا محمد بن عبيد، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن
عطاء، عن ابن عباس في هذا الحديث قال: فَجَعَلَتِ المرأةُ تُعْطي القُرْطَ والخَاتَمَ، وجَعَلَ بلال جعَلُهُ في كسًائه، قال: فَقَسَمَهُ علَى فُقَرَاء المسلمين (3) .
ش- لأنها صدقة ومَصرفها الفقراء. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه.
__________
(1) في سنن أبي داود: "وبلال معه ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر الحديث السابق.
32 * شرح سنن أبى داوود 4(4/489)
1116- ص- نا (1) الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا ابن عيينة، عن أي جَنَاب، عن يزيد بن البراء، عن أبيه، أنً النبي- عليه السلام- نُووِلَ يومَ العِيدِ قَوْساً فَخَطَبَ عليه (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام، وسفيان بن عيينة، وأبو جناب- بفتح الجيم والنون- الكلبي، اسمه: يحيي بن أبي حية- بالياء آخر الحروف- واسمه: حي، وقد ذكرنا ترجمته مستوفى، والله أعلم بالصواب. ويزيد ابن البراء بن عازب الأنصاري الحارثي. روى عن: أبيه. روى عنه: عدي بن ثابت، وأبو جناب. روى له: أبو داود، والنسائي.
قوله: " نُووِلَ" من المناولة، أي: أعطي قوساً فخطب وهو متوكئ عليه.
وليس هذا الحديث بثابت في بعض النسخ، وفي بعضها عقيب هذا الحديث " (3) باب يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر ".
نا هشام بن عمار، نا الوليد. ونا الربيع بن سليمان، نا عبد الله بن يوسف، نا الوليد بن مسلم، نا رجل من القرويين (4) - وسماه الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة- سمع أبا يحيي عبيد الله التيمي، يحدث عن أبي هريرة، أنه أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي- عليه السلام- صلاة العيد في المسجد، ولم يثبت هذا الباب في غالب النسخ في هذا الموضع، فكأنه هاهنا في نسخة اللؤلؤي.
* * *
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: "باب يخطب على قوس ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) يأتي برقم (244) ، نص/ 512) .
(4) في الأصل: "العدويين " خطأ.(4/490)
237- باب: ترك الأذان في العيد
أي: هذا باب في بيان أن العيدين ليس فيهما أذان ولا إقامة.
1117- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عنِ عبد الرحمن بن عابس قال: سَألَ رجل ابنَ عَباسِ: أشَهدتَ العِيدَ مَعَ رسول الله؟ قال: نعم، ولولا مَنزِلَتِي منه ما شَهِدتُه من الصَغَرِ، فَأتَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اَلعَلَمَ الذي عندَ دارِ كَثيرِ بنِ الصلت، فَصلي ثم خَطَبَ ولم يَذْكُرْ أذَاناً ولا إِقَامةَ، قال: ثم أمَرَ بالَصدقَة، قال: فَجَعَلنَ (1) النساءَ يُشِرْنَ إلى آذَانهن وحُلُوقِهِن، قال: فَأمَرَ بلالاً فَأتَاهُن، ثم رَجَعَ إلى النبي- عليه السلام- (2) .
ش- سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن عابس النخعي الكوفي.
قوله: "أشهدت " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: "العلم الذي عند دار كثير بن الصلت " العلم- بفتح العين واللام-: المنار والجبل والراية والعلامة، وكثير بن الصلت هو أبو عبد الله، ولد في عهد رسول الله، وله دار كبيرة بالمدينة قبلة المصلى للعيدين، وكان اسمه قليلاً فسماه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كثيراً، وكان يُعد في أهل الحجار.
قوله: "فجعلن النساء " من قبيل أكلوني البراغيث.
قوله: " يُشِرْن " من الإشارة. وفيه فوائد؛ الأولى: أن الصبي إذا ملك نفسه، وضبطها عن اللعب، وعقل الصلاة، شُرعَ له حضور العيد وغيره.
__________
(1) في سنن أبي داود: "فجعل ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: عظة النساء وتعلمهن (98) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (2/ 884) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الخطبة في العيدين بعد الصلاة (3/ 184) .(4/491)
الثانية: المستحب أن يُصلَّي العيد في الصحراء.
الثالثة: أن الخطبة بعد الصلاة.
الرابعة: ليس في العيدين أذان ولا إقامة، وهو مذهب الأئمة وجماعة الفقهاء. قال الشعبي والحكم وابن سيرين: الأذان يوم الفطر ويوم الأضحى بدعة. وقال ابن المسيب: إن أول من أحدثهما في العيد معاوية. وقيل: زياد. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا سلام أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: لا أذان ولا إقامة في العيدين، ولا قراءة خلف الإمام.
الخامسة: المستحب للإمام أن يأمر بالصدقة. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي.
[2/95 - ب] 1118- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن جريج، عن الحسن/ بن مسلم، عن طاوس، عن ابنِ عباسِ: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صلي العِيدَ بلا أذان ولا إِقَامةِ، وأبا بكرٍ، وعُمَر أو عثمانَ، شَك يحيى (1) .
ش- يحيي القطان، والحسن بن مسلم بن يَنَّاق المكي.
قوله: " وأبا بكر " أي: وأن أبا بكر وعمر.
قوله: "أو عثمان، شك من يحيي القطان. والحديث: أخرجه ابن ماجه مختصراً، ولم يذكر غير النبي- عليه السلام-.
1119- ص- نا عثمان بن أي شيبة، وهناد- وهذا لفظه- قالا: نا أبو الأحوص، عن سماك- يعني: ابن حرب- عن جابر بن سَمُرَةَ قال:
__________
(1) البخاري: كتاب العيدين، باب: الخطبة بعد العيد (962) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين (1/ 884) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيدين (1274) .(4/492)
صليتُ مَعَ رسولِ الله- عليه السلام- غَيرَ مَرَّة ولا مَرتينِ العِيدينِ بغيرِ أذان ولا إِقَامةٍ (1) .
ش- هناد بن السري، وأبو الأحوص سلام بن سليم. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، وصح عن جابر: لا أذان يوم الفطر، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء. هذا ظاهره يخالف ما يقوله الشافعية، أنه يستحب أن يقال: الصلاة جامعة.
* * *
238- باب: التكبير في العيدين
أي: هذا باب في بيان التكبير في صلاتي العيدين.
1120- ص- نا قتيبة، نا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: أن رسولَ الله- عليه السلام- كان يُكبر في الفطرِ والأضْحَى: في الأولَى سَبْعَ تكبِيرَاتٍ، وفي الثانيةِ خَمْس" تَكبَيرَات (2) " (3) .
ش- قتيبة بن سعيد، وعبد الله بن لهيعة ولا يحتج بحديثه، وعُقيل - بضم العين- بن خالد الأيلي.
اعلم أن العلماء اختلفوا في تكبيرات العيدين، فقال الشافعي: هي سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام، وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة العيدين (7/ 887) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة (532) .
(2) في سنن أبي داود: (وفي الثانية خمساً) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التكبير في العيدين (536) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1279) .(4/493)
وقال مالك وأحمد وأبو ثور وإسحاق والزهري والأوزاعي كذلك؛ لكن سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الإحرام، رُوي ذلك عن: أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، والثوري: خمس في الأولى، وأربع في الثانية. وهو قول ابن مسعود. وقال الحسن: يكبر في الأولى خمساً، وفي الأخرى ثلاثاً سوى تكبيرتي الركوع. وعن علي أنه كان يكبر في الفطر إحدى عشرة: ستاً في الأولى، وخمساً في الآخرة، يبدأ بالقراءة في الركعتين، وخمساً في الأضحى: ثلاثاً في الأولى، وثنتين في الآخرة، يبدأ بالقراءة في الركعتين. وعن ابن عباس: كان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولي، وستاً في الآخرة. واستدل الشافعي بحديث عائشة هذا، " (1) وأخرجه ابن ماجه أيضا، والحاكم في "مستدركه " (2) وقال: تفرد به ابن لهيعة. وقد استشهد به مسلم في موضعين، قال: وفي الباب عن عائشة، وابن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، والطرق إليهم فاسدة، وذكر الدارقطني في " علله أن فيه اضطراباً، فقيل: عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الزهري، وقيل: عنه، عن عُقيل، عن الزهري، وقيل: عنه، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة. وقيل: عنه، عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال: والاضطراب فيه من ابن لهيعة. وقال الترمذي في "علله الكبرى": سألت محمداً عن هذا الحديث فضعفه وقال: لا أعلم رواه غير ابن لهيعة".
قلت: ابن لهيعة ضعفه جماعة، وقال البيهقي في " باب منع التطهر بالنبيذ": ضعيف الحديث لا يحتج به. والعجب منه أنه مع اعترافه بهذا
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 216) .
(2) (1/ 298) ، وأخرجه كذلك أحمد (6/ 1 70) ، والدارقطني (2/ 46) .(4/494)
القدر يروى حديثه أيضا في باب الاحتجاج لمذهبه، في باب تكبيرات العيدين، ونَذكر مستند أبي حنيفة وباقي مستند الشافعي إن شاء الله تعالى عن قريب.
1121- ص- نا ابن السرح، أنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن
خالد بن يزيد، عن ابن شهاب بإسناده ومعناه، قال: سوى تكْبيرَتَي الركُوع (1) .
ش- ابن السَرْح أحمد بن عمرو بن السرح، وعبد الله بن وهب،
وعبد الله بن لهيعة، وخالد بن يزيد الإسكندراني المصري.
قوله:"بإسناده" أي: بإسناد حديث ابن شهاب ومعناه، وقال فيه: "سوى تكبيرتَي الركوع".
1122- ص- نا مسدد، نا المعتمر قال: سمعت عبد الله بن
عبد الرحمن الطائفي، يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص قال: قال نبيُ الله- عليه السلام-: " التكبيرُ في الفطرِ
سَبْع [في الأولى] (2) وخمس فَي الأخْرَى (3) ، والقراءةُ بعدهما كِلتَيْهِمَا" (4) .
/ ش- المعتمر بن سليمان [2/96 - أ] وعبد الله بن عبد الرحمن بن يَعْلى بن كعب أبو يعلى الطائفي الثقفي.
سمع: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن الشريد، وعمرو بن شعيب، وغيرهم. روى عنه: معتمر بن سليمان، والثورة، وابن المبارك،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "الآخرة".
(4) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1278) .(4/495)
وغيرهم. قال أبو حاتم: ليس بقوي، لين الحديث. وقال ابن معين: هو صالح. روى له: مسلم في المتابعات، والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود (1) .
(2) والحديث رواه ابن ماجه أيضا، والدارقطني (3) وزاد فيه: "وخمس في الثانية سوى تكبير الصلاة". ورواه البيهقي (4) أيضا وقال: وحديث عبد الله بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في هذا الباب صحيح. وقال النووي في "الخلاصة": قال الترمذي في " العلل ": سألت البخاري عنه فقال: هو صحيح.
قلت: هذا الحديث من جملة مستندات الشافعي، فلذلك تكلف البيهقي في صحته، ولم يلتفت إلى ما قيل في الطائفي، ولا في عمرو ابن شعيب. وقال ابن القطان: والطائفي هذا ضعفه جماعة منهم ابن معين.
1123- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع، نا سليمان- يعني: ابن حيان- عن أبي يعلى الطائفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - عليه السلام- كان يُكبر في الفِطرِ في (5) الأولَى سَبعاً، ثم يَقرأ، ثم يكبرُ، ثم يَقُومُ فيكبرُ أربعاً، ثم يقرأ، ثم يركعُ (6) .
ش- سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وأبو يعلى هو عبد الله بن عبد الرحمن المذكور آنفاً.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3388) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 216- 217) .
(3) سنن الدارقطني (2/ 48) .
(4) السنن الكبرى (3/ 215) .
(5) كلمة " في " غير موجودة في سنن أبي داود.
(6) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يكبر الإمام في صلاة العيدين (1278) .(4/496)
ص- قال أبو داود: رواه وكيع، وابن المبارك قالا: سبعاً وخمساً.
ش- أي: روى الحديث المذكور وكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا وكيع، نا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي - عليه السلام- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة: سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة.
1124- ص- نا محمد بن العلاء، وابن أبي زياد- المعنى، المعنى (1) قريب- قالا: نا زيد- يعني: ابن حباب، عن عبد الرحمن بن ثوبان، عنه أبيه، عن مكحول، أخبرني أبو عائشةَ جليسٌ لأبى هريرةَ: أن سعيدَ بن العاصِ سَألَ أبا مُوسى الأشعري وحذيفةَ بنَ اليمان: كيفَ كان رسولُ الله يُكبرُ في الأضْحَى والفطر؟ فقال أبو مُوسى: كاَنْ يكبرُ أربعاً تكبيرَهُ على الجَنائز، فقال حذيفة: صدَقَ، فقال أبو موسى: كذلك كُنتُ أكبرُ في البصرة حيث كنتُ عليهم. قال أبو عائشةَ: وأنا حاضر سعيدَ بنَ العاصِ (2) .
ش- ابن أبي زياد: عبد الرحمن بن أبي الزياد، وريد بن الحباب الكوفي التيمي، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي- بالنون- الدمشقي، وأبوه ثابت بن ثوبان الدمشقي. روى عن: أبي هريرة مرسلاَ، وسمع: ابن المسيب، وابن سيرين، والزهري، ومكحولاً، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة، وغيرهم. قال ابن معين: ضعيف. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: دمشقي لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي سنن أبي داود مرة واحدة.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 812) .(4/497)
ومكحول أبو عبد الله الدمشقي، وأبو عائشة مولى سعيد بن العاص لا يعرف اسمه.
وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عثمان، أو أبو عبد الرحمن. قال ابن سعد: قبض النبي- عليه السلام- وسعيد ابن تسع سنين، وكان من أشراف قريش، جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان، واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا طبرستان فافتتحها، ويقال: إنه افتتح جرجان أيضا في خلافة عثمان. سمع: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعائشة. روى عنه: ابناه يحيي وعمرو، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير. مات سنة تسع وخمسين. روى له: الترمذي (1) .
قوله: " تكبيرها" أي: كتكبيره على الجنائز.
قوله: "حيث كنت عليهم " أي: حيث كنت واليا عليهم. والحديث:
أخرجه أحمد في "مسنده" (2) ، و " (3) استدل به ابن الجوزي في التحقيق" لأصحابنا، ثم أعله بعبد الرحمن بن ثوبان قال: قال ابن معين: هو ضعيف. وقال أحمد: لم يكن بالقوي، وأحاديثه مناكير.
قال: وليس يُروى عن النبي- عليه السلام- في تكبير العيدين حديث [2/96 - ب] صحيح. وقال في "التنقيح": عبد الرحمن بن ثوبان/ وحقه غير واحد. وقال ابن معين: ليس به بأس. ولكن أبو عائشة قال ابن حزم فيه: مجهول. وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 8) ، وأسد الغابة (2/ 1 39) والإصابة (2/ 47) .
(2) (4/ 6 1 4) ، وكذلك البيهقي (3/ 289) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 215) .(4/498)
قلت: هذا الحديث من جملة مستندات أصحابنا، وليس فيه ما يرد الاستدلال؛ لأن عبد الرحمن بن ثوبان وثَّقه غير واحد كما قال صاحب "التنقيح "، وأما أبو عائشة فإن أبا داود أخرج له وسكت عنه، وأدنى المرتبة أن يكون حديثه حسناً، وقال البيهقي: خُولفَ رواته في موضعين: في رفعه، وفي جواب أبي موسى، والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي- عليه السلام-، كذا رواه السبيعي، عن عبد الله بن موسى، أو ابن أبي موسى، أن سعيد بن العاص أرسل ... إلى آخره.
قلت: سكوت أبي داود يدل على أنه مرفوع؟ لأن مذهب المحققين أن الحكم للرافع؛ لأنه راد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه تأدب مع ابن مسعود، فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده فيه حديث عن النبي - عليه السلام- فذكره مرة أخرى. ومن مستندات أصحابنا ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن علقمة، والأسود: أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعاً تسعاً، أربع قبل القراءة، ثم يكبر فيركع، وفي الثانية يقرأ، فإذا فرغ كبر أربعا، ثم ركع.
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدَّثنا هشيم، أنا مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التكبير في العيدين تسع تكبيرات: خمس في الأولى، وأربع في الآخرة، ويوالي بين القراءتين.
قلت: وقد روي عن غير واحد من الصحابة نحو هذا.
ومنها: ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا إسماعيل بن
أبي الوليد، نا خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث قال: شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات، ووالى بين القراءتين.(4/499)
قال: وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا، فسألت خالداً: كيف فعل ابن عباس، ففسر لنا كما صنع ابن مسعود في حديث معمر والثوري، عن أبي إسحاق سواء.
قلت: هذه شواهد لرواية ثوبان المتقدمة، وذكر البيهقي عن ابن مسعود
أنه قال: التكبير في العيدين خمس في الأولى، وأربع في الثانية، ثم قال: هذا رأي من جهة عبد الله. والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولي أن يتبع.
قلت: هذا لا يثبت بالرأي. قال أبو عمر في " التمهيد": مثل هذا
لا يكون رأياً، ولا يكون إلا توقيفاً؛ لأنه لا فرق بين سبع وأقل وكثر من جهة الرأي والقياس. وقال ابن رشد في "القواعد": معلوم أن فعل الصحابة في ذلك توقيف، إذ لا يدخل القياس في ذلك. وقد وافق ابن مسعود على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، على أنه نقل عن أحمد ابن حنبل: ليس يُروى في التكبير في العيدين حديث صحيح؛ وإنما عمل المسلمون بقول ابن عباس؛ لأن أولاده الخلفاء أمَروهم بذلك، فتابعوهم خشية الفتنة لا رجوعاً عن مذاهبهم، واعتقاداً لصحة رأي ابن عباس في ذلك.
فإن قيل: ما تقول فيما " (1) أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده عمرو بن عوف المزني: أن رسول الله- عليه السلام- كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة. قال الترمذي: حديث حسن، وهو أحسن شيء رُوي في هذا الباب. وقال في "علله الكبرى": سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح منه، وبه أقول؟
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 217- 218) .(4/500)
قلنا: " (1) قال ابن القطان في "كتابه": وهذا ليس بصريح في التصحيح، فقوله: "هو أصح شيء في الباب" يعني: أشبه ما في الباب وأقل ضعفاً، قوله:"وبه أقول " يحتمل أن يكون من كلام الترمذي، أي: وأنا أقول أن هذا الحديث أشبه ما في الباب. قال: ونحن وإن خرجنا عن ظاهر اللفظ، ولكن أوجبه أن كثير بن عبد الله عندهم متروك، قال أحمد بن حنبل: كثير بن عبد الله/ لا يساوي شيئاً. وضرب على حديثه في " المسند "، ولم يحدث به. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال النسائي، والدارقطني: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الشافعي: هو ركن من أركان الكذب. وقال ابن حبان: يَرْوي عن أبيه، عن جده نسخة موضوعا لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل التعجب. وقال ابن دحية (2) في"العلم المشهور": وكم حسن الترمذي في كتابه من أحاديث موضوعة، وأسانيد واهية، منها هذا الحديث، فإن الحسن عندهم ما نزل عن درجة الصحيح، ولا يُرَد عليه إلا من كلامه، فإنه قال فيه علله " التي في كتابه " الجامعة. والحديث الحسن عندنا ما رُوي من غير وجه، ولم يكن شاذاً ولا في إسناده من يتهم بالكذب " (3) .
* * *
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 217- 218) .
(2) في الأصل: ابن ماجه" وما أثبتناه من نصب الراية، والمشهور أن "العلم المشهور" لابن دحية لا ابن ماجه، وتتمة اسمه في " فضائل الأيام والشهور ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(4/501)
239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر
أي: هذا باب في بيان ما يُقرأ في عيد الأضحى وعيد الفطر، أي:
في صلاتيهما.
1125- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عُمَر بنَ الخطاب سَألَ أبَا واقدٍ الليثي: مَاذَا كان يَقرأ به رسولُ الله في الأضْحَى والفطرِ؟ قال: كان يَقرأ فيهما بـ {ق وَالقُرآن المًجيد} و {اقْتَرَبًت الساعَةُ وَانشَق القَمَر} (1) .ًَ
ش- أبو واقد اسمه: الحارث بن عوف على المشهور، وقيل: الحارث بن مالك. وقيل: عوف بن الحارث بن أسد بن جابر المدني، شهد بدراً، رُوي له عن النبي- عليه السلام- أربعة وعشرون حديثاً، اتفقا على حديث واحد، ولمسلم آخر. روى عنه: أبو مرة مولى عقيل، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وجماعة آخرون. وقد شهد اليرموك والجالية، وقيل: إنه وُلد في العام الذي ولد فيه ابن عباس، كذلك ذكر أبو حسان الأيادي، وفي هذا وفي شهوده بدراً نظر، جاور بمكة سنة، ومات بها سنة ثمان وستين، ودفن في مقبرة المهاجرين بفَخ. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ما يقرأ في صلاة العيدين (14/ 891) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في العيدين (535) ، النسائي: كتاب العيدين، باب: القراءة في العيدين (3/ 183- 184) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة العيدين (1282) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 215) ، وأسد الغابة (6/ 325) ، والإصابة (4/ 5 1 2) .(4/502)
وهذا الحديث مرسل؛ لأن عبيد الله لا سماع له من عمر، والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولكن مسلماً ذكره متصلاً أيضا من رواية فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن أبي واقد قال: " سألني عمر "، وعبيد الله أدرك أبا واقد بلا شك.
فإن قيل: كيف سأل عمر عن هذا ومثله لا يخفى عليه هذا؟ قلنا: لعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا، أو يكون دخل عليه شك، أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك ب "سبح " و"الغاشية" فأراد عمر الاستشهاد عليه بما سمعه أيضا أبو واقد.
ثم الحكمة من قراءته- عليه السلام- هاتين السورتين كونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية، وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث، وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر، والله تعالى أعلم.
* * *
240- باب: الجلوس للخطبة
أي: هذا باب في بيان الجلوس لأجل الخطبة.
1126- ص- نا محمد بن الصباح البزاز، نا الفضل بن موسى السينَاني
نا ابن جرير، عن عطاء، عن عبد الله بن السائب قال: شَهدتُ مع رَسُول الله العيدَ، فَلَما قَضَى الصلاةَ قال: "إِنَّا نَخطُبُ، فَمَنَ أحَبَّ أنْ يَجْلَس للخُطبَةِ فَليَجلِس، وَمَن أحَبَّ أن يَذهبَ فَليَذهبْ " (1) .
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين (185/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في انتظار الخطبة بحد الصلاة (1290) .(4/503)
ش- من ذلك قالت العلماء: إن الخطبة في صلاة العيد ليست بشرط، حتى لو تركها لا يضر بخلاف الجمعة.
ص- قال أبو داودَ: هذا يُروي مُرْسَل (1) .
ش- معناه: أن الصواب أن يكون الحديث مرسلاً عن عطاء، عن النبي- عليه السلام-، وليس المعنى أن هذه الطريقة التي خرجه بها مرسلة، يدل عليه كلام النسائي أيضا، قال: هذا خطأ والصواب مرسل وأخرجه ابن ماجه أيضا.
* * *
241- باب: الخروج إلى العيد في طريق
ويرجع في طريق آخر (2)
أي: هذا باب في بيان مخالفة الطريق في الخروج إلي العيد.
1127- ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الله- يعني: ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ الله أخَذَ يَومَ العيد في طَريق، ثم رَجَعَ في طَرِيقِ أخْرَى (3) " (4) .
9 [2/97 - ب] ش- عبد الله بن عمر بن/ حفص العُمري، وفيه مقال كما ذكرنا، وقد أخرج له مسلم مقروناً بأخيه عبيد الله بن عمر، وأخرج البخاري في
"صحيحه" من حديث سعيد بن الحارث، عن جابر- وهو: ابن عبد الله-
قال: "كان النبي- عليه السلام- إذا كان يوم عيد خالف الطريق".
__________
(1) في سنن أبي داود: "هذا مرسل عن عطاء" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(2) كلمة "آخر" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "آخر".
(4) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الخروج يوم العيد من طريق والرجوع من غيره (1299) .(4/504)
وقال: تابعه يونس بن محمد، عن فليح، عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح.
اختلف في معنى مخالفة الطريق، فقيل: ليشهد له الطريقان. وقيل: ليتصدق على أهلهما. وقيل: لأن الزحام كان في الطريق الأعظم وهو الذي مضى فيه؛ لأنهم كانوا يرصدونه فيه، فأراد أن يخفف على الناس. وقيل: لأن الطريق الذي يغدو فيه أطول؛ لأن الثواب يكثر بطول الطريق إلى العبادة. وقيل: كان يحب أن يساوي بين أهل الطريقين ليتبركون به، ويسرون بمشاهدته، وينتفعون بمسألته. وقيل: كان يقصد بذلك غيظ المنافقين، ويريهم كثرة عدد المسلمين. قال الشافعي: وأحِب ذلك للإمام والمأموم.
واختلف في فعل ذلك بعد الرسول- عليه السلام-، فقيل: إذا عقلنا معنى ما فعله رسول الله، وكان المعنى باقياً، أو لم نعقل معناه، فإنا نقتدي به فيه، فأما إذا عقلنا معناه ولم يكن باقياً لم نفعله. وقيل: بل نقتدي به فيه وإن زال معناه. وقد وقع في بعض النسخ الحديث الذي يأتي في الباب الذي يأتي.
1128- ص- نا حمزة بن نُصَير، نا ابن أبي مريم، نا إبراهيم بن سويد،
نا أنيْس بن أبي يحيي، أخبرني إسحاق بن سالم مولى نوفل بن عدي، أخبرني بكر بن مبشر الأنصاري أنه قال: كُنتُ أغْدو مع أصحابِ رَسول الله إلى المُصلي يَومَ الفِطرِ ويومَ الأضْحَى، فَنَسْلُكُ بَطنَ بَطحَانَ حَتى نًأتِيً المُصلي، فَنُصلي مع رسول الله، ثم نَرْجِعُ من بَطنِ بَطحَانَ إلى بُيُوتِنَا (1) .َ
ش- لم يذكره عبد العظيم في "مختصر السنن " إلا في "باب إذا لم
__________
(1) تفرد به أبو داود.
33. شرح سنن أبي داود 4(4/505)
يخرج الإمام للعيد" (1) ، وليس بمناسب، بل المناسب ما ذكرناه كما هو وقع في النسخ الصحيحة، وأخرجه البيهقي في "سننه" وابن منده في "معرفة الصحابة" والبكري في "معجمه".
حمزة بن نُصير بن الفرج أبو عبد الله. روى عن: ابن أبي مريم. روى عنه: أبو داود، والنسائي. مات سنة خمس وخمسين ومائتين (2) .
وابن أبي مريم: سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد المصري.
وإبراهيم بن سويد بن حَيَّان المديني. روى عن: هلال بن زيد، وعبد الرحمن بن مخبر، ويزيد بن أبي عبيد، وغيرهم. روى عنه: ابن أبي مريم، وابن وهب. قال أبو زرعة: ليس به بأس. روى له: البخاري، وأبو داود (3) .
وأنَيْس بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم أبو يونس المدني، واسم أبي يحيي سمعان، وقال البخاري: هو أخو محمد وعبد الله. سمع: أباه، وصفوان بن عيسى، وإسحاق بن سالم. سمع منه: مكي بن إبراهيم، ويحي القطان وكان يُثبتُه. وروى عنه: إبراهيم بن سويد،
__________
(1) وكذا في سنن أبي داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1518/7) وفيه: "حمزة بن نصير بن حمزة بن نصير الأسلمي المصري" وقال محققه: وقال المؤلف متعقبا الحافظ ابن عساكر في حاشية نسخته: قال صاحب النبل: حمزة بن نصير بن الفرج أبو عبد الله، روى عنه دن. والصحيح في نسبه ما ذكرناه، هكذا نسبه ابن يونس في تاريخه. وقال أبو داود في أواخر العيدين: "حدثنا حمزة ابن نصر المصري". ونصير بن الفرج طرسوسي، وهو من أقران حمزة بن نصير هذا، ولا يصح أن يكون أباه" ا. هـ.
(3) المصدر السابق (2/ 180) .(4/506)
وغيره. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست وأربعين ومائة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وإسحاق بن سالم مولى بني نوفل بن عدي، روى عن: أبي هريرة.
وسمع: بكر بن مبشر الأنصاري، والمغيرة بن نوفل. روى عنه: أنَيْس
ابن أبي يحيي. روى له: أبو داود (2) .
وبكر بن مبشر بن جبر (3) الأنصاري المديني. روى عنه: إسحاق بن
سالم. قال عبد الرحمن: له صحبة. روى له: أبو داود (4) .
قوله: "بطن بطحان " بطحان- بفتح الباء الموحدة، وسكون الطاء-:
اسم وادي للمدينة، والبطحانيون منسوبون إليه، وكثرهم يضمون الباء.
قال ابن الأثير: ولعله الأصح. وفي بعض النسخ: " فنسلك طريق بطحان، ثم نرجع من بطن بطحان"، فإن كان طريقها من غير بطنها يكون فيه اختلاف الطريق، وان كان هو هو فليس فيه اختلاف الطريق، وكذا في النسخة الأولى ليس فيه اختلاف الطريق.
* * *
242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد
أي: هذا باب في بيان ما إذا لم يخرج الإمام إلى المصلى لصلاة
العيد، لعدم ثبوته في أول النهار، يخرج من غده إلى المصلي ويصلي ولا
يترك.
/ 1129- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة عن جعفر بن أبي وحشية [2/98 - أ]
__________
(1) المصدر السابق (3/571) .
(2) المصدر السابق (2/ 353) .
(3) تصحف في أسد الغابة والإصابة إلى "خير".
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 165) ، وأسد الغابة (1/ 241) ، والإصابة (1/ 164) .(4/507)
عن أبي عمير بن أنس، عن عمومة له من أصحاب النبي- عليه السلام-: أن رَكْباً جَاءوا إلى النبي- عليه السلام- يشْهَدُونَ أنهم رَأوُ الهِلالَ بالأمْسِ، فأمَرَهُم أن يُفْطِرُوا، وإذا أصبَحُوا أن يَغْدُوا إلى مُصَلاهُم (1)
ش- أبو عُمَيْر هو عبد الله بن أنس بن مالك- رضي الله عنه-.
قوله: "عن عمومة" العمومة جمع عم، كالخؤولة جمع خال. والركب جمع راكب، والمراد منه: الجماعة، ويقال: الركب اسم من أسماء الجمع كالنفر والرهط.
ويستفاد من الحديث فائدتان: الأولى: إذا شهد جماعة برؤية الهلال بالأمس وجب الإفطار.
والثانية: يصلون صلاة العيد من الغد.
وقال صاحب الهداية: فإن غم الهلال، وشهدوا عند الإمام بالهلال بعد الزوال، صلى العيد من الغد؛ لأن هذا تأخير بعذر وقد ورد فيه الحديث، فإن حدث عذر يمنع الناس من الصلاة في اليوم الثاني لم يصلها بعده؛ لأن الأصل فيها أن لا تقضى إلا أنا تركناه بالحديث، وقد ورد بالتأخير إلى اليوم الثاني عند العذر.
قلت: أشار بقوله: "وقد ورد فيه الحديث " إلى حديث أبي عمير هذا. " (2) وأخرجه أبن ماجه أيضا، ورواه الدارقطني وقال: إسناده حسن. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه "، والنسائي أيضا، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " من حديث سعيد بن عامر، ثنا سعيد، عن
__________
(1) النسائي: كتاب العيدين، باب: الخروج إلى العيدين من الغد (3/ 180) ، ابن ماجه: كتاب الصيام، باب: ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال (1653) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 211- 212) .(4/508)
قتادة، عن أنس بن مالك: " أن عمومة له شهدوا عند النبي- عليه السلام- على رؤية الهلال، فأمرهم النبي- عليه السلام- أن يخرجوا للعيد من الغد " قال الدارقطني في "علله": هذا حديث اختلف فيه، فرواه سعيد بن عامر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، وخالفه غيره من أصحاب شعبة، فرووه عن شعبة، عن أبي بشر، عن أبي عمير ابن أنس، عن عمومته، عن النبي- عليه السلام-، وكذلك رواه أبو عوانة، وهشيم، عن أبي بشر، وهو الصواب. وقال ابن القطان في "كتابه": وعندي أنه حديث يجب النظر فيه، ولا يُقبل إلا أن تثبت عدالة أبي عمير، فإنه لا يعرف له كثير شيء، وإنما له حديثان أو ثلاثة لم يروها عنه غير أبي بشر، ولا أعرف أحداً عرف من حاله ما يوجب قبول روايته، ولا هو من المشاهير المختلف في ابتغاء مزيد العدالة على إسلامهم، وقد ذكر الباوردي حديثه هذا وسماه في " سَنده" (1) : عبدَ الله، وهذا لا يكفي في التعريف بحاله، وفيه مع الجهل بحال أبي عمير كون عمومته لم يُسمّوا، فالحديث جدير بأن لا يقال فيه صحيح. والجواب عن هذا: ما قاله النووي في "الخلاصة": هو حديث صحيح، وعمومة أبي عمير صحابة لا تضر جهالة أعيانهم؛ لأن الصحابة كلهم عدول، واسم أبي عُمير: عبد الله، وهو أكبر أولاد أنس- رضي الله عنه- " (2) .
وقال الخطابي (3) : "وحديث أبي عمير صحيح فالمصير إليه واجب، وإلى هذا ذهب الأوزاعي، والثوري، وأحمد، وإسحاق في الرجل لا
__________
(1) في نصب الراية: "مسنده".
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) معالم السنن (1/ 218) .(4/509)
يعلم بيوم الفطر إلا بعد الزوال. وقال الشافعي: إن علموا بذلك قبل الزوال خرجوا وصلى الإمام بهم صلاة العيد، وإن لم يعلموا إلا بعد الزوال لم يصلوا يومهم، ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقت إذا جار ذلك الوقت لم يعمل في غيره: وكذلك قال مالك، وأبو ثور، ثم قال الخطابي: سُنَة رسول الله أولى.
قلت: أشار بهذا إلى تضعيف قول الشافعي، وأن السُنة هي الأوْلى للاتباع والعمل.
* * *
243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة التطوع بعد صلاة العيد.
1130- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، نا عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابنِ عباسِ- رضي الله عنهما- قال: خَرجَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَومَ فطر فَصلي ركعتين لم يُصَل قَبْلَهَا ولا بَعْدَهَا (1) ، ثم أتَى النساءَ ومعَهُ بلالَ، ً فَأمَرَهُن بالصدقَة، فَجَعَلَتِ المَرْأةُ تُلقِي خُرصهَا وسِخَابَهَا (2) .َ
__________
(1) في سنن أبي داود: "قبلهما ولا بعدهما".
(2) البخاري: كتاب العيدين، باب: الخطبة بعد العيد (964) ، كتاب العيدين، باب: الصلاة قبل العيد وبعدها (989) ، مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب: ترك الصلاة قبل العيد ويعدها في المصلى (13/ 884) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء لا صلاة قبل العيد ولا بعدها (537) ، النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الصلاة قبل العيدين وبعدها (193/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل العيد ويعدها (1291) .(4/510)
ش- الخُرص- بضم الخاء المعجمة، وسكون الراء، وبصاد مهملة-: حلقة صغيرة، وهي من حُلي/ الأذن يكون من الذهب [2/98 - ب] والفضة، وقيل: هو القرط يكون فيه حبة واحدة في حلقة واحدة. وفيه لغة أخرى: "خِرص" بكسر الخاء. والسخاب- بكسر السين المهملة، وبعدها خاء معجمة، وبعد الألف باء موحدة- قال البخاري: القلادة من طيب أو مسك. وقيل: هو خيط يُنظم فيه خرز، ويلبسه الصبيان والجواري، وفيه قلادة من مسك (1) وقرنفل ومحلب ليس فيها من الجوهر شيء. والحديث: أخرجه الجماعة، واستدل به مالك في أنه تكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين، وقال الشافعي وجماعة من السلف: لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها. وقال الأوزاعي، وأبو حنيفة، والكوفيون: لا تكره بعدها وتكره قبلها. وقال الشيخ محيي الدين: ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها، والأصل: أن لا منع حتى يثبت. قلت: روى ابن ماجه في "سننه" بإسناده إلى أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. ورواه البيهقي أيضاً.
* * *
(1) في الأصل: " سك" كذا.(4/511)
244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان يوم مطر ولم يقدروا على الخروج إلى المصلى، يصلونه في المسجد.
1131- ص- نا هشام بن عمار، نا الوليد ح، ونا الربيع بن سليمان، نا عبد الله بن يوسف، نا الوليد بن مسلم، نا رجل من الفرويين (1) - وسماه: الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة- سمِع أبا يحيي عبيد الله التيمي، يحدث عن أبي هريرة: أنه أصَابَهُم مَطَر فِي يوم عيد فَصلي بهم النبي- عليه السلام- صَلاةَ العِيدِ في المَسْجِدِ (2) .ًَ
ش- الوليد بن مسلم، والربيع بن سليمان الجيزي الأعرج، وعبد الله ابن يوسف التنيسي المصري. وعيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان. روى عن: أبي يحيي عبيد الله (3) التيمي. روى عنه: الوليد بن مسلم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وأبو يحيي: عبيد الله بن موهب التيمي. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: ابنه يحيي، وعيسى المذكور. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
والحديث: أخرجه ابن ماجه.
__________
(1) في الأصل: "العدويين".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيد في المسجد إذا كان مطر (1313) .
(3) في الأصل: "عبد الله" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4636) .
(5) المصدر السابق (19/ 3655) .(4/512)
245- جِماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها
أي: هذا جماع أنواع صلاة الاستسقاء وتفريعها، وجِماع الشيء
- بكسر الجيم-: جمعه، والمعنى: هذا الذي يجمع أبواب صلاة الاستسقاء، وفي بعض النسخ: " باب تفريع صلاة الاستسقاء " والاستسقاء: طلب السُّقْيا- بضم السين، وسكون القاف-: المطر.
1132- ص- نا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ بالناسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلى بهم ركْعتينِ، جَهَرَ بالقِرَاءَة فيهما، وحَوَلَ رِدَاءَهُ، ورَفَعَ يَديهِ فَدَعَا واسْتَسْقَى، واستقبل القِبْلَةَ (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وعم عباد هو: أبو محمد عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني الصحابي. ثم الكلام في أصل الاستسقاء وكيفيته، أما أصله: فأجمع العلماء على أنه سُنَّة. وأما كيفيته: فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: السُنَّة: أن يصلي الإمام ركعتن بجماعة كهيئة صلاة العيد. وقال أبو حنيفة: الاستسقاء استغفار ودعاء. وقال صاحب " الهداية ": ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا جاز. وذكر في (المحيط) قول أبي يوسف مع أبي حنيفة. واستدلت
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: تحويل الرداء في الاستسقاء (34, 39) ، مسلم: كتاب الاستسقاء، باب.
(2) ، (894) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (556) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء (3/ 157) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1267) .(5/5)
الجماعة بهذا الحديث وأمثاله، واستدل أبو حنيفة بما رواه البخاري، ومسلم، عن أنس: " أن رجلاً دخل المسجد في يوم جمعة ورسول الله
قائم يخطب وقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل،
فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: " اللهم أغثنا!
اللهم أغثنا! " الحديث (1) .
[2/99- أ] ولا معارضة/ بين الأحاديث , لأنه- عليه السلام- تارة استسقى في خطبة الجمعة، وتارة صلى ركعتين، ولهذا قالت الشافعية: الاستسقاء
ثلاثة أنواع: أحدها: الاستسقاء بالدعاء في غير صلاة.
الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة، أو في أثر صلاة مفروضة، وهو
أفضل من النوع الذي قبله.
والثالث- وهو أكملها-: أن يصلي ركعتين ويخطب خطبتين.
ثم الحديث مشتمل على ثلاثة أشياء: الأول: أن يصلي ركعتين.
والثاني: أن يجهر بالقراءة فيهما، وهو مستحب عندهم، وأجمعوا أنه
لا يؤذن لها ولا يقام، واختلفوا هل تكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد؟ فقال به الشافعي، وابن جرير،
ورُوي عن ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وقال الجمهور: لا يكبر. واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك، وخيَّره داود
بين التكبير وتركه.
والثالث: تحويل الرداء، فقال مالك: يقلب الإمام والقوم أرديتهم.
وقال محمد: يقلب الإمام دون القوم، وبه قال الشافعي، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقلب لا الإمام ولا القوم.
وقال الشيخ محيي الدين: قال أصحابنا: يحوله في نحو ثلث
__________
(1) يأتي قريباً(5/6)
الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبْلة، قالوا: والتحويل شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغياث والخِصْب، ومن ضيق الحال إلى سعته.
والحديث: أخرجه الجماعة.
وقوله: "جهر بالقراءة فيهما" للبخاري خاصة.
1133- ص- نا ابن السرْح، وسليمان بن داود قالا: أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، ويونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عَمه- وكان من أصحاب النبيِّ- عليه السلام- يقولُ: خَرجَ رسولُ الله يوما يَسْتَسْقِي، فحول إلَى الناسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللهَ. قال سليمان بن داودَ: واسْتَقْبَلَ القبْلةَ، وَحَولَ رِدَاءَهُ (1) ، ثم صلى ركْعتينِ. وقال ابن أي ذئب: وَقَرأ فيهماَ. زاد ابن السرحْ: يُرِيدُ الجَهْرَ (2) .
ش- ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن، ويونس: ابن يزيد. وروى أحمد في " مسنده " من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد قال: فخرج رسول الله - عليه السلام- يستسقي فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القِبْلة فدعا، فلما أراد أن يدعو قبل توجهه إلى القِبْلة حول رداءه ". وأخرجه الدارقطني في " سننه ": عن يحي بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن أبي بكر به بلفظ:" فخطب الناس، ثم استقبل القِبْلة " إلى آخره.
1134- ص- نا محمد بن عوف قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث- يعني: الحمصي- عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن محمد ابن مسلم بهذا الحديث بإسناده لم يذكر " الصلاة " قال: وحَولَ رِداءَهُ،
__________
(1) في الأصل " ردايه "
(2) انظر الحديث السابق.(5/7)
فَجَعَلَ عِطَافَهُ الأيْمَنَ على عَاتِقِهِ الأيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأيْسَرَ على عَاتِقِهِ الأيمن، ثم دعا اللهَ (1) .
ش- عمرو بن الحارث بن الضحوك الحمصي الزبيدي، وعداده في الكلاعيين. روى عن: عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي. روى عنه: محمد بن عوف الحمصي، وإسحاق بن إبراهيم الزبيدي الحمصي. روى له: أبو داود (2) .
وعبد الله بن سالم الأشعري أبو يوسف الوُحاظي (3) اليحصبي الحمصي. روى عن: محمد بن زياد الألهاني، وإبراهيم بن أبي عبلة، وابن جرير، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وأبو مسهر، وأبو المغيرة. مات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (4) .
والزبيدي هو: محمد بن الوليد، ومحمد بن مسلم: الزهري.
قوله: " عطافه الأيمن " أراد بالعطاف جانب ردائه الأيمن، والعطاف والمِعْطف: الرداء، وقد تعطف به، واعترف، وتعطفه، واعتطَفه، وسمي عطافي لوقوعه على عِطْفي الرجل وهما ناحيتا عنقه , وإنما أضاف العِطاف إلى الرداء , لأنه أراد إحدى شقي الأعطاف، فالهاء ضمير الرداء، ويجور أن تكون للرجل، فافهم.
1135- ص- نا عتيبة بن سعيد، نا عبد العزيز، عن عُمارة بن غزية، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن/ زيد قال: استَسْقَى رَسولُ اللهِ- عليه
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 2/ 2339) .
(3) في الأصل: " أبو يوسف بن الوحاظي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 1/ 3285) .(5/8)
السلام- وعليه خَميصَةٌ له سَوْدَاءُ، فأراد رسولُ الله أن يأخذ بأسْفَلِهَا فيجْعَلُه أعلاهَا، فلما ثَقُلَت قَلَبَهَا على عاتِقِهِ (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
قوله: " وعليه خميصة " الواو فيه للحال، والخميصة: ثوب خز أو صوف معلمة، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء مُعلمة، وجمعها الخصائص.
1136- ص- نا النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة نحوه قالا: نا حاتم بن إسماعيل، نا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليدُ بن عتبة- قال عثمان: ابن عقبة: وكان أميرُ المدينة- إلى ابنِ عباس اسْألُه عن صَلاةِ رسولِ اللهِ- عليه السلام- في الاستسْقاء فَقال: خَرجَ رسول الله مبتذلاً مُتَوَاضِعاً مُتَضَرعاً حتى أتَى المصلى- زاد عَثمانُ: فَرَقِي على ا! منبرَ، ثم اتفقا- ولم يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هذه، ولكن لم يَزَلْ في الدُعَاء والتضَرع والتكْبِيرِ، ثم صلى ركعتينِ كما يُصلِّي في العِيدِ (2) .
ش- حاتم بن إسماعيل الكوفي.
وهشام بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدينة أخو عبد الرحمن. روى عن: أبيه. روى عنه: الثوري، وحاتم بن إسماعيل. وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه إسحاق، روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة مرسلاً. روى
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (558) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها (1/563) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1266) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3/ 6567) .(5/9)
عنه: ابنه هشام، وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: أبو داود،- والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان والي المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان، ولابن عمه يزيد، وكان جوادا حليماً
قوله: " قال عثمان: ابن عقبة " أي: قال عثمان بن أبي شيبة: الوليد ابن عقبة بالقاف.
قوله: " متبذلا " حال من الرسول، وكذا قوله: " متواضعا متضرعا " حالان مترادفان أو متداخلان، والتبذل: ترك التزين والتهيوءِ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.
قوله: " فرقي على المنبر " المحفوظ " فرقى " بكسر القاف في الماضي وفتحها في المستَقبل، ورواه بعضهم: " فرقى " بفتح القاف، وقيل: إن فتح القاف مع الهمزة لغة شيء، والأول أعرف والشهر.
قوله: " ثم اتفقا " أي: النفيلي وعثمان.
قوله: " كما يصلي في العيد " قال الخطابي (2) : وفي هذا دلالة على أنه يكبر كما يكبر في العيدين، وإليه ذهب الشافعي، وهو قول ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول.
والجواب عن هذا: أن المراد من قوله: " كما يصلي في العيد " يعني في العدد والجهر بالقراءة، وفي كون الركعتين قبل الخطبة.
فإن قيل: " (3) قد روى الحاكم في " المستدرك " (4) ، والدارقطني (5) ثم البيهقي في السنن " (6) ، عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن
__________
(1) المصدر السابق (2/ 364) .
(2) معالم الحق (1/ 220) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 240- 241) .
(4) (1/ 326) .
(5) (2/66) .
(6) (3/348) .(5/10)
عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن طلحة قال: فأرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنَة الاستسقاء، فقال: سُنَة الاستسقاء سُنَة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله قلب رداءه فجعل يمينه على يساره، وشماله على يمينه، وصلى ركعتن، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأت " سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى "، وقرأ في الثانية: "هَلْ أتَاكَ حَديثُ الغَاشيَة " وكبر فيها خمس تكبيرات ". انتهى. قال الحاكم: صَحيح الإَسنَاد ولم يخرجاه. قلنا: الجواب عنه من وجهن: الأول: أنه ضعيف، فإن محمد بن عبد العزيز هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس له حديث مستقيم. وقال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": يَرْوي عن الثقات المعضلات، وينفرد بالطامات عن الإثبات، حتى سقط الاحتجاج به. وقال ابن قطان في. " كتابه ": هو أحد ثلاث إخوة كلهم ضعفاء: محمد، وعبد الله، وعمران بنو عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وأبوهم عبد العزيز مجهول الحال فاعتل الحديث بهما.
والثاني: أنه معارض بحديث رواه الطبراني في " معجمه الوسط " (1) :
نا مسعدة بن سعد/ العطار، ثنا إبراهيم بن المنذر، أنا محمد بن فليح، [2 / 100] حدَّثني عبد الله بن حسين بن عطاء، عن داود بن بكر بن أبي الفرات، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك: " أن رسول الله استسقى فخطب قبل الصلاة، واستقبل القِبْلة، وحول رداؤه، ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة ".
وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داودَ: والإخبار للنفيلي والصواب: ابن عتبة.
ش- الإخبار- بكسر الهمزة- أراد به قوله: " قال: أخبرني أبي ".
__________
(1) (9/9108) .(5/11)
قوله: " والصواب: ابن عتبة " يعني , الصواب في الوليد " ابن عتبة " بالتاء المثناة من فوق. وقول عثمان: " عقبة " بالقاف خطأ.
* * *
246- باب: في أي وقت يحول رداءه (1)
أي: هذا باب في بيان وقت تحويل الرداء، ولفظ الباب ليس بثابت في بعض النسخ.
1137- ص- نا (2) القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أنه سمع عبادَ بن تميم يقول: سمعتُ عبدَ الله بنَ زيد المازني يقول: خَرَجَ رسولُ اللهِ إلى المصلى فاسْتَسْقَى، وحَولَ رِدَاءه حين اسْتَقْبَلَ القبلةَ (3) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأَنصاري.
وقال الخطابي (4) : قد اختلفوا في صفة التحويل، فقال الشافعي: ينكس أعلاه أسفله، وأسفَله أعلاه، ويتوخى أن يجعل ما على شقه الأيمن على شقه الأيسر، ويجعل الجانب الأيسر على الجانب الأيمن. وقال أحمد بن حنبل: يجعل اليمين على الشمال، ويجعل الشمال على اليمن، وكذلك قال إسحاق، وقول مالك قريب من ذلك.
وقال الخطابي (4) : إذا كان الرداء مربعا نكسه، وإن كان طيلساناً مُدوراً قَلَبَه ولم ينكسه.
وقال أصحابنا: إن كان مربعا يجعل أعلاه أسفله، وأن كان مدورا يجعل الجانب الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن.
1138- ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا سليمان- يعني: ابن بلال- عن يحيى، عن أبي بكر بن محمد، عن عباد بن تميم: أن عبدَ اللهِ بنَ زبدٍ أخبَرَهُ
__________
(1) في سق أبي داود: " ... أدامه إذا استسقى ".
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(3) انظر الحديث الآتي.
(4) معالم السنن (1/ 219- 220) .(5/12)
أن النبي- عليه السلام- خَرَجَ إلى المصلى يَسْتَسْقي، وأنه لَمّا أرادَ أن يَدْعُوَ اسْتَقْبلَ القِبلةَ، ثم حَوَّلَ رِدَاءَهُ (1) .
ش- يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد ذكرنا أن حكمة التحويل: التفاؤل بتغيير الحال، وقد جاء ذلك مصرحا في " مستدرك الحاكم " من حديث جابر وصحَحه، وفيه: " وحول رداءه ليتحول القحط "، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه "، وفي " السؤالات للطبراني " من حديث أنس: " وقلب رداءه لكي يُقْلب القحط إلى الخِصْب ". وفي " مسند إسحاق بن راهويه ": " لتتحول السنة من الجدب إلى الخِصْب "، ذكره من قول وكيع.
* * *
247- باب: رفع اليدين في الاستسقاء
أي: هذا باب في بيان رفع اليدين في الاستسقاء.
1139- ص- نا محمد بن سلمه المرادي، نا ابن وهب، عن حيوة، وعُمَر بن مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عميرِ مولى بني آَبِي اللحم: أنه رَأى النبي- عليه السلام- يَسْتَسْقِي عندَ أحْجَارِ الزَّيْت قَرِيباً من الزورَاءِ، قَائِماً يَدْعُو، يَسْتَسْقِي رافعا يديه قِبَلَ وَجْهِهِ، لا يُجَاوِز بهما رَأسَه (2) .
ش- عبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح.
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء (105) ، مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء أول كتاب صلاة الاستسقاء
(2/ 894) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (556) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: خروج الإمام إلى المصلى (3/ 55 1، 56 1، 57 1، 58 1، 163، 164) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1267) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (557) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: كيف يرفع (3/ 158) .(5/13)
وعمر بن مالك الشرعبي المعافري المصري. روى عن: خالد بن
أبي عمران، وصفوان بن سليم، ويزيد بن الهاد. روى عنه: ابن
لهيعة، وابن وهب. قال أبو زرعة: صالح الحديث. وقال أبو حاتم:
شيخ لا بأس به، ليس بالمعروف. روى له: مسلم، وأبو داود (1) .
وابن الهام هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهند المدني. ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القيمي.
وعمير مولى آبِي اللحم الغفاري، شهد مع النبي- عليه السلام-
خيبر، رُوي له عن رسول الله سبعة أحاديث، أخرج مسلم منها حديثا
واحدة. روى عنه: يزيد بن أبي، عبيد، ومحمد بن زيد بن المهاجر.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبي اللحم- بمد الهمزة- اسم فاعل من أبى، اسمه: الحويرث بن
[2/ 100 - ب] . اجمع عبد الله الغفاري/، وقيل: عبد الله بن عبد الملك، وقيل: خلف بن عبد الملك. قتل يوم حنين شهيدا سنة ثمان من الهجرة، قيل له آبِي اللحم
لأنه كان لا يأكل اللحم. وقيل: لا يأكل ما ذبح على النصب. وقيل:
إن هذا اسم لبطن من بني ليث بن غفار، ومولى عمير من هذا البطن،
فهو نُسِب إلى هذا الرجل الذي سُمِي به البطن المذكور.
قوله: " عند أحجار الزيت " هو موضع بالمدينة كان هناك أحجار عَلا
عليها الطريق فاندفنت، وهي بفتح الزاي، وبعدها ياء آخر الحروف
ساكنة، وتاء ثالث الحروف.
قوله: " قريبا من الزوراء " بفتح الزاي، وسكون الواو، وبعدها راء
ممدودة، وهي موضع عند صدوق المدينة مرتفع كالمنار، والزهراء ستة
مواضع هذا أحدها.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4299) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 490) ، وأسد الغابة (4/ 284) ، والإصابة (3/ 38) .(5/14)
قوله: " قبل وجهه " بكسر القاف وفتح الباء. فيه من السُنَة رفع اليدين إلى وجهه، ولا يجاوز بهما رأسه كما فعله رسول الله. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي من حديث عمير مولى آبِي اللحم، عن آبِي اللحم. وقال الترمذي: كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا يعرف له عن النبي- عليه السلام- إلا هذا الحديث الواحد.
1140- ص- نا ابن أبي خلف، نا محمد بن عبيد، نا مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله قال: أتَت النبيَّ- عليه السلام- بَوَاكي فقال: " اللهم اسْقنَا غَيْثاً مُغيثاً مَريئاً مَرِيعاً نَافعاً غيرَ ضار، عاجلاً غير آجلٍ". قال: فَأطبقت علَيهم السمَاء (1) .
ش- ابن أبي خلف: محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن عبيد ابن أبي أمية الكوفي، ومسعر بن كدام.
ويزيد بن صهيب الفقير أبو عثمان الكوفي، روى عن: عبد الله بن عمرو (2) ، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري. روى عنه: الحكم ابن عُتَيْبة، ومسعر، والمسعودي، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) . قوله: " أتت النبي- عليه السلام- بواكي " بالباء الموحدة المفتوحة، هكذا هي الرواية المشهورة. وقال الخطابي (4) : رأيت النبيَّ- عليه السلام- يُواكي "- بضم التاء آخر الحروف - قالت: معناه: التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكل على العصا وهو التحامل عليها ". قال بعضهم: والصحيح ما ذكره الخطابي.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " عبد الله بن عمر بن الخطاب ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7007) .
(4) معالم السنن (1/ 220) .(5/15)
قلت: الصحيح: الرواية المشهورة بالباء الموحدة، وهكذا روى عن ابن الأعرابي وغيره: " أتت النبي- عليه السلام- بَواكي "، وكذلك ذكره البحار في " مسنده " فقال: حدَثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، وعلي بن الحسين الدرهمي قالا: نا محمد بن عبيد قال: نا مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر: أن بواكي أتوا النبي- عليه السلام-، فقالوا: ادع الله أن يَسْقينَا " الحديث، وفي بعض الطرق: عن يزيد الفقير عن جابر قال: أتت هوازن النبي- عليه السلام- فقال: " اللهم اسقنا " الحديث.
قوله: " غيثاً " أي: مطراً
قوله: " مغيثاً " من الإغاثة، وهي الإعانة.
قوله: " مريئاً " أي: هنيئاً صالحاً كالطعام يَمْرُؤ. معناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغَرْق، ونحوهما. ويقال: مراني الطعام وأمْراني إذا لم يثقل على المعدة، وانحدر عنها طيباً قال الفراء: يقال: هناني الطعام ومَرَاني، بغير ألف، فإذا أفردوها عن هَنَاني قالوا: أمْراني. قلت: يحتمل أن تكون هنا بلا همزة، ومعناه: مدرارا من قولهم: ناقة مَرِيٌ، أي: كثيرة اللبن، ولا أُحققه رواية.
قوله: " مريعاً " بفتح الميم، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها عين مهملة، أي: مخصباً ناجعاً من مرع الوادي مراعةً، يقال: مكان مريع، أي: خصِيبْ، ويروى بضم الميم من أمرع المكان، إذا أخصب، ويروى بالباء الموحدة من أربع الغيث إذا أنبت الربيع، ويروى بالتاء المثناة من فوق، أي: يُنبت الله فيه ما ترتع فيه المواشي، وفي كلامهم: غيث مُرْبع مُرْتع.
قوله: " فأطبقت عليهم السماء " أي: أطبقت عليهم المطر، من قولهم: أطبق عليه الحمى وهي التي تدوم فلا تفارق ليلاً ولا نهاراً ويحتمل أنه أراد: أصابتهم السماء بالمطر العام، والمستعمل في هذا الباب(5/16)
التطبيق، يقال: طَبقَ الغيم تطبيقا إذا أصاب ماؤه جميع الأرض، يقال: مطر طبْقٌ، أي: عام، ومنه الحديث: " اللهم اسقنا غيثا طبقا " أي: مالئاً للَأرض.
/ 1141- ص- نا نصر بن عليه، نا يزيد- يعني: ابن زريع - نا سعيد، [2/ 101 - أ] عن قتادة، عن أنس: أن النبي - عليه السلام- كان لا يرْفَعُ يديه في شَيء من الدعاء إلا في الاسْتِسْقاء فإنه كانَ يَرفعُ يديه حتى يُرَى بَياضُ إَبِطيهِ (1) .ً ش- سعيد بن أبي عروبة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. فإن قيل: قد روى " رفع اليدين في الدعاء " جماعة من الصحابة، وقد قال الشيخ محي الدين (2) : ثبت رفع يديه- عليه السلام- في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي كثر من أن تحصى، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثا من الصحيحين وذكرتها في " شرح المهذب " في أواخر باب الصلاة. انتهى.
وقد رُوي عن أنس أيضا حديث يعارض هذا، وهو حديث السبعين الذين بعثهم رسول الله- عليه السلام-، وكان فيهم خاله حرام وفيه: فقال أنس: لقد رأيت رسول الله كلما يُصلي الغداة رفع يديه يدعو عليهم. قلنا: التوفيق بينهما أنه يحتمل أن يكون أنس- رضي الله عنه- أراد أن النبي- عليه السلام- كان لا يرفع يديه رفعا يبالغ فيه إلا في الاستسقاء، وذلك لما في الجدب من عموم الجهد، وشموله للجمع الكثير، فأما في غيره من الدعاء للجماعة اليسيرة، أو للواحد من الناس
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: رفع الإمام يديه في الاستسقاء (1031) ، مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء (7/ 896) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: كيف يرفع؟ (3/ 58 1) ،ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من كان لا يرفع يديه في القنوت (1180) .
(2) شرح صحيح مسلم (6/190) .(5/17)
فكان يرفع يديه لهم رفعا دون ذلك، ويؤيد هذا التأويل ما رواه الأوزاعي، عن سليمان بن موسى قال: لم يُحفظ من رسول الله أنه رفع يديه الرفع كله إلا في ثلاثة مواضع: الاستسقاء، والاستنصار، وعشية عرفة، ثم كان بعده رفعا دون رفع.
وجواب آخر: أنه لم يره رفع وقد رآه غيره، فيُقدَّم المثبتون في مواضع كثيرة، وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك.
1142- ص- نا الحسن بن محمد الزعفراني، نا عفان، نا حماد، أنا ثابت، عن أنس: أن النبي- عليه السلام- كان يستسْقي هكذا، ومد يَديه، وجَعلَ بُطُونَهُمَا مما يَلِي الأرضَ حتى رأيتُ بَياضَ إِبطَيْهَِ (1) .
ش- الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني أبو علي البغدادي، نسبة إلى درْب الزعفران فيها. سمع: ابن عيينة، وعفان بن مسلم، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، والبغوي. قال النسائي: ثقة. مات سنة ستين ومائتين في رمضان (2) .
وحماد بن سلمي، وثابت البناني.
ومن هذا الحديث قالت جماعة من العلماء: إن السُنَة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه: أن يرفع يديه، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله، جعل بطن كفيه إلى السماء. قوله: " بياض إبطيه " وكان هذا من جماله- عليه السلام-، فإن كل إبط من سائر الناس متغير اللون , لأنه مغموم ِمِرْواح، وكان منه- عليه السلام- أبيض عطراً والحديث: أخرجه مسلم مختصرا بنحوه.
1143- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد،
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء (7/ 896) مختصراً.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1270) .(5/18)
عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني مَنْ رَأَى النبي- عليه السلام- يَدْعُو
عندَ أحْجَارِ الزيتِ بَاسِطاً كَفيْهِ (1) .
ش- عبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني، ومحمد
ابن إبراهيم التيمي، وفيه مجهول.
1144- ص- نا هارون بن سعيد الأيلي، نا خالد بن نزار، حدثني
القاسم بن مَبرور، عن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
قالت: شكي الناسُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فأمَرَ بمِنبَرِ فَوُضِعَ له في المُصلى، وَوَعَدَ الناس يوطأ يَخْرجُونَ فيه، قالت عائشةُ: فَخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكن حين بَدَا حَاجِبُ الشمْسِ، فَقَعَدَ على المنبرِ، فَكبرَ وحَمدَ اللهَ، ثم قال:
" إنكم شَكَوْتُم جَدْبَ ديارِكُمْ، واسْتئْخَارَ الَمَطَرِ عن إبانَ زَمانه عنكُم، وَقَدْ
أمًرَكُمُ اللهُ تعالى أن تَدْعُوهُ وَوَعَدكم أنْ يَسْتَجيب (2) لكم "، ثم قال:
" الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، الرحمَنِ الرحيمَ، مَالكَ يَوْم الدِّينِ، لا إله إلا اللهُ
يفعلُ ما يُريدُ، اللهم أَنتَ اللهُ لا إله إلا أنَتَ الغني ونحنُ الفُقَراء، أنزِلْ علينا
الغيثَ، واجْعَلْ ما أنزلتَ لنا قُوةً وبَلاغاً إلى حين " ثم رَفعَ يَديه فلم يَزَلْ في
الرفع حتى بَدَا بياضُ إِبِطيهِ، ثم حَولَ إلى الناسِ ظًهْرَهُ، وقَلَبَ- أو حَولَ-
رِاءَه وهو رَافع يديه ثم (3) أقبلَ على الناسِ، ونَزَل فَصلى ركعتين، فأنشأ
اللهُ عَز وجَل سَحَابةً، فرَعَدَتْ وبَرَقَتْ، ثم أمطَرَتْ بطش الله/ فَلم يأتِ [2/101-ب] مسجِدَه حتى سَالَت السيولُ، فلما رَأى سُرْعَتَهُمْ إلى الكَنِّ ضًحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجذُهُ فقال: " أشهدُ أن اللهَ على كُلِّ شَيْء قَديرَ، وأني عبدُ الله ورسولُهُ، (4) .
ش- هارون بن سعيد بن الهيثم بن محمد بن الهيثم بن فيروز الأيلي
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " ووعدكم أن الله يستجيب " وهو سبق قلم، وقد ذكره في الشرح بدون لفظ الجلالة.
(3) مكررة في الأصل.
(4) تفرد به أبو داود.(5/19)
أبو جعفر السعدي، مولى عبد الملك بن عطية السعدي، وهم من أهل أيلة، وكانوا من قَبْلُ [من أهل] (1) بلبيس. روى عن: عبد الله بن وهب، وأنس بن عياض، وخالد بن نِزار، وأشهب. روى عنه: مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم، وسئل عنه فقال: شيخ. توفي سنة ثلاث وخمسة ومائتين، وولد بعد السبعة ومائة (2) . وخالد بن نِزار بن مغيرة بن سليم الأيلي، من أهل أيلة، أبو يزيد الغساني. روى عن: مالك بن أنس، وياسين بن خلف المكي، وأيوب ابن سُوَيد الرملي، والقاسم بن مبرور الأيلي. روى عنه: ابنه طاهر، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن صالح المصري، وغيرهم. توفي سنة اثنتين عشرين ومائتين. روى له: أبو داود (3) .
والقاسم بن المبرور بن أخي طلحة بن عبد الملك، ويونس بن يزيد. قوله: " قحوط المطر " أي: حَبْسَه وإقلاعه، والقحط: الجدب.
قوله:" حين بدا حاجب الشمس " أي: حرفها الأعلى من قرنيها، وحواجبها: نواحيها، وقيل: سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان، وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولاً ولا يسعى جميع نواحيها حواجب.
قوله:" واستئخار المطرب " أي: تأخر المطر، من استأخر استئخارا. قوله: وعن إبان زمانه " بكسر الهمزة، وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف نون، أي: وقت زمانه، والنون أصلية. وقيل: هي رائدة من ألف الشيء إذا تهنا للذهاب.
قوله: "عنكم " متعلق بقوله: " واستئخار المطر ".
__________
(1) زيادة من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6515) . (3) المصدر السابق (8/ 1657) .(5/20)
قوله: " ووعدكم أن يستجيب لكم " وهو قوله تعالى: {ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) .
قوله: " الغيث " أي: المطر.
قوله: " قوة " أراد به المطر النافع , لأنه سبب لنبات الأرزاق، والأرزاق سبب لقوة بني آدم.
قوله: " وبلاغا إلى حين " أراد به المطر الكافي إلى وقت انقطاع الحاجة والاستغناء عنه.
قوله: " فرددت وبرقت " رعدت السماء وبرقت، وأرعدت وأبرقت، لغتان. معنى رعدت: صوتت، وأسند صوت الرعد إلى السحابة مجازاً باعتبار كونه مجاوراً لها، والرعد ملك يزجر السحاب، وزجره تسبيحُه، قال الله تعالى: {وَيُسبحُ الرعْدُ بحَمْده} (2) ، ومعنى برقت: خرج منها برق، والبرق للرعد أيضاً، قال اَلشَافعي: أخبرنا الثقة أن مجاهداً قال , الرعد ملك، والبرق أجنحته.
قوله: " ثم أمطرت " هكذا هو بالألف، مطرت وأمطرت لغتان، ولا التفات إلى قول من قال: لا يقال: أمطر بالألفِ إلا في العذاب.
قوله: " إلى الكون " الكن- بكسر الكاف وتشديد النون-: ما يرد الحر والبرد من الأبنية، والمساكن، وقد ظننته كنه كنت، والاسم: الآن. قوله: " ضحك " وضحكه- عليه السلام- تعجبا منهم، حيث اشتكوا أولا، من عدم المطر، فلما سُقُوا هربوا طالبين الكن.
قوله: " حتى بدت نواجذه " أي: حتى ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة، ويقال: النواجذ: الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، وقيل: الأضراس والأنياب، والأشهر أنها أقصى الأسنان.
__________
(1) سورة غافر: (60) .
(2) سورة الرعد: (13) .(5/21)
قوله: " أشهد أن الله على كل شيء قدير " استعظام منه لقدرة الله تعالى، حيث أنزل الغيث حتى سالت السيول بعد ما كانت الأرض جدبا.
قوله: " وإني عبد الله " اعتراف بالعبودية، وإظهار للتذلل والخضوع. قوله: " ورسوله " إظهار بأن قبول دعائه من ساعته لأجل أنه رسول الله، وأنه مؤيد من عند الله.
ويستفاد من الحديث: أن الإمام الأعظم يخرج بالناس إلى المصلى في زمن القحط، ويستسقي، ويخرج معهم مقتداهم وكبيرهم الذي اشتهر بينهم بالزهد والورع , لأن مَن هذه صفته يكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وأن تعيين اليوم ليس بشرط فيه، وأنهم يخرجون بالنهار، وأن يخطب لهم الإمام، وأن ينصب له منبرا أو يخطب على موضع مرتفع، وأن يكون وجهه وقت الدعاء إلى الجماعة، وأن تكون الخطبة قبل الصلاة وهو المفهوم من الحديث، ومذهب أبي يوسف، ومحمد، والشافعي بعد [2/ 102 - أ] الصلاة، والجواب عن الحديث/ أنه محمول على بيان الجوار، والمستحب: تقديم الصلاة لأحاديث أخر. وأن يذكر الغيث في دعائه، وأن يرفعون (1) أيديهم غاية الرفع، وأن يحول الإمام ظهره إلى الناس بعد الدعاء ويُقلبُ رداءه، وأن يصلي بالناس ركعتين، وابن الضحك إلى بدو النواجذ جائز.
ص- قال أبو داودَ: هذا حَديث غريب، إِسنادُهُ جيد أهلُ المدينة يقرءون: " مَلكِ يَوْم الدينِ " وإن هذا الحديثَ حجة لهم.
ش- الغريب: هو الذي ينفرد به الرجل من أئمة الحديث. وقد ذكرناه في أول الكتاب.
قوله:" إسناده جيد " لأن رواته جناد، ولهذا قال الحاكم في "المستدرك " بعد أن رواه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه ابن حبان أيضا في " صحيحه " في النوع الثاني عشر من القسم الخامس. قوله: " أهل المدينة " إلى آخره، بدون واو العطف، على أنه كلام
__________
(1) كذا، والجادة " يرفعوا ".(5/22)
ابتدائي، واستدل أهل المدينة على قراءتهم: " ملك يوم الدين " بإسقاط الألف بهذا الحديث، وقرئ " مالك " بالألف، وملك على لفظ الماضي. 1145- ص- نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك. ويونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس- رضي الله عنه- قال: أصَابَ أهلَ المدينة قَحْط على عَهْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يَخْطُبُنَا يومَ جُمُعَة إذ قَامَ رَجل فقال: يا رسوله الله " (1) هَلَكَ الكُرَاع، هَلَكَ الشاءُ، فادع اللهَ أن يَسْقِيَنَا، فَمَدَ يَدَهُ وَدَعَا، قال أنس: وإن السماءَ لَمثْلِ الزجاجَة، فَهَاجَتِ ريح، ثم أنشأتْ سَحَابَةً، ثم اجتمعَ (2) ، ثم أرسلًت السماءُ عًزَالِيهَا فخرجْنَا نَخُوضُ المَاءَ حتى أتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فلم يزَلِ المَطَرُ إلى الجُمُعَة الأخْرَى، فَقَامَ إليه ذلك الرجلُ أو غيرُه، فقال: يا رسولَ الله، تَهَدمَتَ البُيُوتُ، فادع اللهَ أن يَحْبسَهُ، فَتَبَسم رسولُ الله ثم قال: " حَوَالينَا ولا علينا "، فَنظرتُ إلى السحَابَةِ تتصَدع حَولَ المدينةِ كأنه إِكْلَيل.
ش- (الكراع" يذكر ويؤنث، وهو في البقر والغنم بمنزلة الوصيف للفرس والبعير، وهو مستدق الساق، وقيل: الكراع اسم لجميع الخيل. والشيء جمع شاة، والشاة من الغنم تذكر وتؤنث، ونقول: فلان كثير الشاة والبعير، وهو في معنى الجمع , لأن الألف واللام للجنس، والغنم أيضا اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعاً والسبل كالغنم في جميع ذلك.
قوله: " لمثل الزجاجة " شبهها بالزجاجة لشدة يبسها وعدم رطوبتها، هكذا قاله بعضهم.
قلت: الأولى أن يكون وجه التشبيه الصفاء والخلو من السحب،
وهذا أنسب في هذا المقام.
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود. (2) في سجن أبي داود: " اجتمعت ".
(3) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا (1021)(5/23)
قوله: " فهاجت ريح " أي: ثارت وقامت من الهيجان.
قوله: " ثم أنشأت سحابة " نشأت السحابة تنشأ، إذا ابتدأت في الارتفاع، وأنشأتها الريح.
قوله: " عزاليها " بكسر اللام جمع العزلاء، وهي فم المزادة الأسفل الذي يصب منها الماء عند تفريغك، والمزودة: الزاوية، والعزلاء ممدودة وتثنيتها عزلاوان، وقد قيل في الجمع عزالَى- بفتح اللام- مثل: الصحارِي والصحارَى، والعذارِي والعذارَى، شبه اتساع المطر واندفاقه بالذي يخرج من فم المزادة.
قوله: " حوالينا ولا علينا " أي: أنزله حوالي المدينة حيث مواضع النبات لا علينا في المدينة، ولا في غيرها من المباني والمساكن، يقال: رأيت الناس حوله، وحوالَيْه، وحواله، وحوليه، أي: مُطِيفين به من جوانبه، وهو من الظروف المتصرفة اللازمة للإضافة، وقال الركني في " شرحه ": ومن الظروف اللازمة للإضافة: " حَوالُ " وتثنيته، و" حَولُ " وتثنيته وجمعه، نحو: امشي حوله، وقوله- عليه السلام-: " حوالينا ولا علينا"، وقوله تعالى: {فَلَفا أضرا صكا مَا حَوْلَهُ} (1) ، وامشي حولَيْه، وأحْوَاله.
قوله: " تتصدع " أي: تتفرق وتتقطع، يقال: صَدْعتُ الرداء، إذا شققته.
قوله: " كأنه إكليل " يريد: أن الغيم تقشع عنها، واستدار بآفاقها، وكل ما أحاط بشيء فهو إكليل، وشممت التاج إكليلاً، وهو بكسر الهمزة. والحديث أخرجه البخاري مختصراً
1146- ص- نا عيسى بن حماد، أنا الليث، عن سعيد المقبري، عن [2/ 102 - ب] شريك بن عبد الله،/ عن أنس أنه سمعه " يقول " ... وذكر نحو حديثِ
__________
(1) سورة البقرة: (17) .(5/24)
عبد العزيز، قال: فَرَفَعَ رسولُ اللهِ يديه بحذاءَ وجْهِهِ، وقال: " اللهم اسْقِنَا" وساقَ نحوه (1) .
ش- عيسى بن حماد المصري، والليث بن سعد، وشريك بن عبد الله ابن أبي نمر القرشي المدني.
قوله: " وساق نحوه " أي: حديث عبد العزيز بن صهيب. وأخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه.
1147- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحي بن سعيد، عن عمرو بن شعيب: أن رسول الله- عليه السلام- كان يقول ح، وثنا سهل بن صالح، لا علي بن قادم، نا سفيان، عن يحيي بن سعيد، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان النبيُّ- عليه السلام- إذا اسْتَسْقَى قال: " اللهم اسْقِ عبَادَكَ وبَهَائمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِي بَلَدَكَ الميِّتَ " هدفا لفظُ حديثِ مالكَ (2) .
ش- سهل بن صالح بن حكيم البزار (3) أبو سعيد الأنطاكي. روى عن: إسماعيل ابن علية، وأبي خالد الأحمر، وإبراهيم بن حبيب بن الشهيد. روى عنه: أبو داود، وأبو حاتم الرازي وقالت: ثقة، والنسائي وقالت: لا ناس به (4) .
وعليّ بن قادم الخزاعي الكودي. روى عن: سفيان الثوري، وعبيد الله بن مسهب، وعليه بن صالح. روى عنه: سهل بن صالح،
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الاستسقاء في المسجد الجامع (1013) ، مسلم: كتاب الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء (8/ 897) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: متى يستسقي الإمام؟ (3/ 154) ، وباب: كيف يرفع؟ (3/ 159) ، باب: ذكر الدعاء (3/ 161) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: " البزاز " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2613) .(5/25)
ويوسف بن موسى القطان، وأبو بكر بن أبي شيبة. قال أبو حاتم: محله الصدق. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
قوله: " وانشر رحمتك " أي: ابسطها علينا.
قوله: " هذا لفظ حديث مالك " أشار به إلى الذي ذكر فيه: عن عمرو ابن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
***
248- باب: صلاة الكسوف
أي: هذا باب في بنان صلاة الكسوف. روى جماعة: أن الكسوف يكون في الشمس والقمر، وروى جماعة فيهما " بالخاء "، وروى جماعة في الشمس بالكاف وفي القمر بالخاء، والكثير في اللغة وهو اختيار الفراء: أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر. يقال: كسفت الشمس، وكسَفها الله، وانكشفت، وخسف القمر، وخسَفه الله، والخسف.
1148- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا إسماعيل ابن علية، عن ابن جريح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير قال: أخبرني من أصَدِّقُ- فَظَنَنَّا (2) أنه يُريدُ عَائشةَ- قالتْ: كَسَفَت الشمسُ على عَهدِ رسولِ الله، فقامَ النبيُّ تحليه السلام- قياما شَديدا يَقومُ بالناسِ، ثم يركعُ، ثم يَقومُ، ثَم يَركعُ، ثم يَقومُ، ثم يَركعُ (3) ، فَرَكَعَ رَكعتينِ في كلِّ ركعة ثلاثُ رَكَعَاتٍ، يركع الثالثةَ ثم يَسجدُ، حتى إن رجالا يومئذ ليُغْشَى عليهًم مما قامَ بهم، حتى إنَّ سجَالَ الماء لَتُصَب عليهم، يقولُ إذا ركع (4) : " اللهُ كبر"، وإذا رفع: " سًمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه " حتى تَجَلَتِ الشمسُ، ثم قال: " إِنَّ الشمس والقَمرَ
__________
(1) المصدر السابق (21/ 4122) .
(2) في الأصل: " فظنننا "، وفي سنن أبي داود: " وظننت "
(3) في الأصل: " يقوم ثم يركع " أربع مرات، وهو خطأ.
(4) في الأصل: " إذا رفع " خطأ.(5/26)
لا يَنكَسفَان لمَوْت أحَد ولا لحَياته , ولكنهما آيَتَان من آيات الله، يُخَوَفُ بهما عِبَادهُ، فَإذا كَسَفَا فاَفْزَعُواَ إلى اَلَصلاةِ " (1) .
ش- عبيد بن عمير بن قتادة المكي.
قوله:" حتى إن سجال الماء " السجال جمع سَجل- بفتح السين المهملة، وسكون الجيمَ- وهو مذكر، وهو الدلو الذي فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سَجل، وقيل: لا يقال لها سَجل إلا مملوءة، صالا فهو دلو.
قوله: " حتى تجلت الشمس " أي: حتى انكشفت.
قوله: " لموت أحد " أي: لأجل موت أحد، وهذا رد لما قالوا: " كسفت لموت إبراهيم ". وقد كان صادف كسوف الشمس موته، ويقال: هذا رد لكلام الضُّلال من المنجمين وغيرهم، ابنهما لا يكسفان إلا لموت عظيم أو لحدوث أمر عظيم ونحو ذلك.
قوله: " ولا لحياته " أي: ولا ينكسفان لأجل حياة الحد، وهي عبارة عن ولادة أحد.
أو له: " آيتان " أي: علامتان.
قوله:" يخوف بهما " أي: بكسوفهما.
قوله: " فافزعوا إلى الصلاة " أي: الجأوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي بنحوه.
واعلم أن صلاة الكسوف رويت على الوجه كثيرة، ذكر أبو داود منها جملة، وذكر البخاري ومسلم جملة، وغيرهما جملة.
وقال الخطابي (2) : وقد اختلفت الروايات في هذا الباب، فرُوي أنه
__________
(1) مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (6/ 902) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر من صلاة الكسوف (3/ 130) .
(2) معالم الحق (1/ 222) .(5/27)
[2/ 103 - أ] ركع ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات (1) ،/ ورُوي أنه رفعهما في ركعتين وأربع سجدات، ورُوي أنه ركع ركعتين في ست ركعات والربع سجدات، ورُوي أنه ركع ركعتين في عشر ركعات والربع سجدات. وقد ذكر أبو داود أنواعا منها ويشبه أن يكون المعنى مي ذلك أنه صلاها مرات وكرات، وكان إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته، وزاد في عدد الركوع، ماذا قصرت نقص من ذلك، وحذا بالصلاة حذوها، وكل ذلك جائز، يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : واعلم أن صلاة الكسوف أجمع العلماء على أنها سُنة، ومذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء: إنه يسن فعلها جماعة، وقال العراقيون: فرادى. واختلفوا في صفتها، فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرها، وسواء تمادى الكسوف أو لا، وبهذا قال مالك، والليث، وأحمد، وأبو ثور، وجمهور علماء الحجاز، وغيرهم. وقال الكوفيون: هما ركعتان كسائر النوافل. وقال: واتفق العلماء على ابنه يقران الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة، واختلفوا في القيام الثاني، فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني. واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف، فقال الشافعي، وإسحاق، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث: يستحب بعدها خطبتان. وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك.
قلت: قال صاحب " الهداية ": إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة، في كل ركعة ركوع واحد. وقال الشافعي: ركوعين، له ما روت عائشة، ولنا رواية ابن عمر، والحال كشف على
__________
(1) في الأصل: " سجدتان " كذا.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 198 - 200) .(5/28)
الرجال لقربهم فكان الترجيح لروايته، ويطول القراءة فيهما ويخفي، وقالا: يجهر. وعن محمد مثل قول أبي حنيفة، ويدعو بعدها حتى تنجلي الشمس، ويصلي بهم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، وإن لم يحضر صلى الناس فرادى تحرزا عن الفتنة، وليس في كسوف القمر جماعة، وليس في الكسوف خطبة. انتهى.
هذا حاصل مذهب أبي حنيفة في هذا الباب.
قوله: " وله ما روت عائشة " وهو الذي رواه الجماعة عن عروة، عن عائشة لما يجئ الآن، وتعلق الشافعي أيضا بحديث جابر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص.
قوله: " ولنا رواية ابن عمر " ليس هذا ابن عمر بل هو ابن عمرو بن العاص، وإنما هذا تصحيف من الكاتب، وقد روى رواية ابن عمرو: أبو داود، والنسائي، والترمذي في " الشمائل " لما نذكره عن قريب. وتعلق أبو حنيفة أيضا برواية سمرة بن جندل رواها أبو داود، والنسائي، وبرواية الحسن عن أبي بكرة أخرجها البخاري قال: وخسفت الشمس على عهد رسول الله، فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين فانجلت الشمس فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله " وإنهما لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , ولكن يخوف الله بهما عباده، فإذا كان ذلك فصلوا حتى يكشف ما بكم ". ورواه النسائي أيضا وقال فيه: " فصلى بهم ركعتين كما تصلون "، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقال فيه: " فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم "، ووهم النووي في " الخلاصة " فعزا هذا الحديث للصحيحين , " أنما انفرد به البخاري. وتعلق أيضا برواية عبد الرحمن بن سمرة أخرجها مسلم قال: وكنت أرْتمِي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله في كسوف الشمس، قال: فانتهيتُ إليه وهو رافع يديه، فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حضر عنها، فلما حضر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين ". وفي لفظ قال:" فأتيته وهو قائم في الصلاة، رافعا يديه(5/29)
فجعل يسبح ويحمد ويهلل " إلى آخره. وظاهر هذين الحديثة أن الركعتين بركوع واحد، وقد تكلفوا للجواب عنهما فقال النووي: قوله: سب " وصلى ركعتين " يعني: في كل ركعة قياما وركوعا/. وقال القرطبي: يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة، وسكت عن الأخرى.
قلت: وفي هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره، وهو لا يجوز إلا بدليل، وأيضا فلفظ النسائي: " كما يصلون "، وابن حبان: " مثل صلاتكم " يرد ذلك، وتأوله المازري على أنها كانت صلاة تطوع لا كسوف، فإنه إنما صلى بعد الانجلاء، وابتداؤها بعد الانجلاء لا يجوز، وضعفه النووي بمخالفته للرواية الأخرى قال: بل يحمل قوله: " فانتهيت إليه وهو رافع يديه " على أنه وجده في الصلاة كما في الرواية الأخرى: " فأتيته وهو قائم في الصلاة " وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميما للصلاة، فتمت جملة الصلاة ركعتين، أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء، وهذا لا بد منه جمعا بين الروايتين، وذكر القرطبي ما ذكره المازني أيضا ثم قال: لكن ورد في أبي داود عن النعمان بن بشير قال: وكسفت الشمسِ على عهد رسول الله، فجعل يصلي ركعتين، ويسأل عنها حتى تجلت الشمس " قال: وهو معتمد قوي للكوفية , غير أن أحاديث الركعتين في كل ركعة أصح وأشهر، ويحمل هذا على أنه بين الجواز وذاك هو السنة.
قلت: وقد غفل القرطبي عن حديث أبي بكرة عند البخاري كما تقدم، وفيه: " فصلى بهم ركعتين "، وتعلق أبو حنيفة بحديث قبيلة الهلالي أيضا رواه أبو داود لما نذكره عن قريب.
قلت: الصواب عندي أن لا يقال: اختلفوا في صلاة الكسوف، بل تخيروا، فكل واحد منهم تعلق بحديث ورآه أوْلى من غيره بحسب ما أدى اجتهاده إليه في صحته وموافقته للأصل المعهود في البواب الصلاة، فأبو حنيفة تعلق بأحاديث الجماعة الذين ذكرناهم ورآها أوْلى من رواية عائشة وابن عباس، لموافقتها القياس في أبواب الصلاة، على أن في(5/30)
روايتهما احتمالا، وهو ما ذكره محمد بن الحسن في صلاة الأثر، فقال: يحتمل أنه- عليه السلام- أطال الركوع زيادة على قدر ركوع سائر الصلوات، فرفع أهل الصف الأول رءوسهم ظنا منهم أنه- عليه السلام- رفع رأسه من الركوع، فمن خلفهم رفعوا رءوسهم، فلما رأى أهل الصف الأول رسول الله راكعا ركعوا، فَمَنْ خلفهم ركعوا، فلما رفع - عليهما السلام - رأسه من الركوع رفع القوم رءوسهم، ومَن خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعه، فرووه على حسب ما وقع عندهم، ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف، وعائشة- رضي الله عنها- كانت واقعة في صف النساء، وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت، فنقلا كما وقع عندهما، فيحمل على هذا توفيقا بين الروايات.
***
249- باب: من قال: أربع ركعات
أي: هذا باب في بيان من قال: إن في صلاة الكسوف أربع ركعات. 1149- ص- نا أحمد بن حنبل، نا يحيي، عن عبد الملك، لا عطاء، عن جابر بن عبد الله قال:- كَسَفَت الشمسُ على عهدِ رسول الله، وكان ذلك اليوم (1) الذي مات فيه إِبراهيمُ ابْنُ رسول الله- عليه السلامَ-َ فقال الناسُ: إنما كَسَفَتْ لِمَوْت إِبراهيمَ (2) ، فقام النبي- عليه السلام- فَصلى بالناسِ ست رَكَعَات فِي أَربع سَجَدَات، كبرَ، ثم قَرَأ فَأطالَ القِراءةَ، ثم رَكَعَ نَحواً ممرا قَامَ، ثم رفعَ رأسَه فَقَرَأ لُهنً القِراءَة الأولَى، ثم رَكَعَ نحوا مما قامَ، ثم رَفَعَ رأسَه فَقَرَأ قِراءة " (3) الثالثةِ لحُونَ القِرَاءةِ الثانية، ثم رَكَعَ نحوا مما قَامَ، ثم رَفعَ رَأسَه فانْحَدرَ للسجُودِ فَسَجَدَ سَجْدتَينِ، ثَم قَامَ فركعَ ثلاثَ ركعاتٍ
__________
(1) في سنن أبي داود:" وكان ذلك في أليوم ".
(12 في سنن أبي داود: " إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم ".
(3) في سنن أبي داود:" القراءة ".(5/31)
قبلَ أن يَسْجُدَ لَيْسَ فيها رَكعة إلا التي قبلها أطولُ من التي بعدَهَا إلا أن
رُكُوعَه نحو من قيامه، قال: ثم تَأخرَ في صَلاته فَتَأخرَت الصفُوفُ معه،
ثم تَقَدمَ فقام في مَقَاَمَه، وتَقدمت الصفُوفُ فًقًضَى الصَلاةَ وقد طَلَعت الشمسُ، فقال: " يا أيهَا الناسُ، إِن الشمسَ والقمرَ آيَتانِ من آيتان الله عَزَّ
وجَلُّ، لا يَنكَسفَانِ لمَوْت بَشَرٍ، فإذا رَأيْتُم شيئا من ذلك فَصَلُّوَا حَتى
تَنْجَلِيَ " وساقَ بقيَةَ الحدَيثِ (1) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي (2) ،
[2/ 104 - أ] / وعطاء بن أبي رباح.
قوله: " إبراهيم ابن رسول الله " أمه: مارية القبطية، ولد في ذي الحجة
سنة ثمان، وتوفي سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهراً هذا هو الأشهر
وقيل: ستة عشر شهراً وقيل: سبعة عشر شهراً وقيل: ستة عشر
شهرا وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام. وتوفي يوم
الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر، وقد صحت الأحاديث
أن الشمس كسفت يوم وفاته.
فإن قيل: الكسوف في الشمس إنما يكون في الثامن والعشرين أو
التاسع والعشرين في آخر الشهر العربي، فكيف يكون ووفاته في العاشر،
وأجيب بأن هذا التاريخ يحكى عن الواقعي ذكره بغير إسناد، فقد تكلموا
فيما يسنده فكيف فيما يرسله؟ وقال الذهبي: لم يقع ذلك ولن يقع،
والله قادر على كل شيء.
قوله: " فصلى بالناس ست ركعات " يعني: في كل ركعة ثلاث
ركعات. وقد قال بعض الشافعية: إنما أخذنا بقول عائشة لأن فيه زيادة،
والأخذ بالزيادة أوْلى، فيرد عليهم هذا الحديث , لأن الزيادة فيه أكثر،
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي لمجلس في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (10/ 904) .
(2) في الأصل: " العزرمي " خطأ.(5/32)
وكذا الحديث الذي أخرجه مسلم أيضاً: " انه صلاها في كل ركعة أربع ركعات "، وكذا الحديث الذي رواه أبو داود: " أنه صلاها في كل ركعة خمس ركعات "، وقد قيل: إن هذا بحسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الركوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسط اقتصد فيه واعترض على هذا بأن طولها ودوامها لا يعلم من أول الحال، مع كون النبي- عليه السلام- في المسجد لا يكاد يحقق أمرها، ولا رُوي ابنه برز إليها في الصحراء، ويمكن أن يجاب عنه بأنه قد يكون- عليه السلام- اطلع في كل صلاة على حالها بوحي من الله، أو إخبار ملك له، اهو إلهام من الله تعالى، ولا يحتاج إلى مشاهدة، ولا خروج إلى الصحراء، وقال بعضهم: صلى النبي- عليه السلام- صلاة الكسوف غير مرة وفي غير سنة، فروى كل واحد ما شاهده من صلاته، وضبطه من فعله. قوله: " ثم ركع نحو " قام " انتصاب " نحوا " على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: ثم ركع ركوعا نحواً، أي: مثلاً مما قام.
قوله: " فقرأ قراءة الثالثة " أي: الركعة الثالثة.
قوله: " فانحدر " أي: نزل للسجود.
قوله: " إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه "- ارتفاع " نحوٌ " على أنه خبر ما أنّ، أي: مثل وشبيه من قيامه، أو قريب من قيامه.
قوله: " ثم تأخر وتأخرت الصفوف معه " فيه دليل على أن العمل القليل
لا يبطل الصلاة.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا: الثلاث المتتابعات تبطلها، ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية.
قلت: مذهب أبي حنيفة: أن ثلاث خطوات تبطلها، وكذا خطوتين
لا الخطوة، إلا إذا كانت متفرقة، فلا تبطلها ولو كانت ثلاثاً
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 209) .
3، شرح منن أبى داود 5(5/33)
قوله: " حتى تنجلي " أي: تنكشف. والحديث: أخرجه مسلم بطوله.
1150- ص- لا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل، عن هشام، نا أبو الزبير،
عن جابر قال: كَسَفَتِ الشمسي على عَهد رسول الله- عليه السلام- في يَوم
شَديد الحَرِّ، فَصلى رسولُ الله بأصْحَابه، فأطَالً القيام حتى جَعلُوا يَخِرونَ،
ثم رَكًعَ فأطَالَ، ثم رَفَعَ فَأطَالً، ثم ركًعَ فأطَالَ، ثَم رَفَعَ فأطَالَ، ثم سَجَدَ سجدتين، ثم قَامَ فَصَنَعَ نَحواً من ذلك، فكان أرْبَعُ رَكَعَات وَأرْبَعُ سَجَدَات
وساقَ الحديث (1) .
ش- إسماعيل ابن علية، وهشام بن حسان، وأبو الزبير: محمد بن
مسلم بن تدرس.
قوله: " يخرون " أي: يقعون. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
1151- ص- نا ابن السرح، نا ابن وهب ح، ونا محمد بن سلمه
المعادي، نا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروةُ بن الزبير،
عن عائشةَ زوج النبيِّ- عليه السلام- قالتْ: خَسَفَت الشمسُ في حياة
رسول الله- عليه السلام-، فَخَرَجَ رسولُ الله- عليه السَلام- إلى الْمَسجدَ
فَقَامَ فًكَثرً، وَصُفَّ الناسُ وَرَاءَهُ فَاقْتَرَأ رسوَلُ الله- عليه السلام- قراءةً
طَوِيلَةً، ثم كبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً، ثم رَفَعَ رأسَه فقال: " سَمِعَ الله لمن
[2/ 104 - ب] حَمدَهُ / ربنا ولك الحمدُ ما، ثم قَامَ فاقْتَرَأ قرَاءَةً طَوِيلةً، هي أَدْنَى من القِرَاءَة الأوَلَى، ثم كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعا طَوِيلا، هو أَدْنَى من الرُّكُوع الأوَّل، ثم قال
" سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، رَبَّنا ولك الحمدُ ما ثم فَعلَ في الركعة الأخْرَى مثلَ
ذلك، فاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَات، وانْجَلَتِ الشَمسُ قَبلَ أن
يَنْصَرِف (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب الكسور، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة
الكسوف من أمر الجنة والنار (9/ 904) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب:
كيف الخطبة في الكسوف؟ (3/ 152) .
(2) البخاري: كتاب الكسوف، باب: خطبة الإمام في الكسوف (1046) ،(5/34)
ش- عبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد.
قوله: " فاقترأ " بمعنى: قرأ.
وفيه من الفوائد: إثبات صلاة الكسوف، واستحباب فعلها في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، وقيل: إنما يخرج إلى المصلى لخوف فواتها بالانجلاء لسُنَة المبادرة بها، وفيه: استحباب الجماعة، وتجوز فُرَادَى، وفيه: الجمع بين التسميع والتحميد للأمام، وهو حجة أبي يوسف، ومحمد، والشافعي. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1152- ص- نا أحمد بن صالح، نا عنبسة، نا يونس، عن ابن شهاب قال: وكان كثير بن عباس يُحدثُ أن عبد الله بنَ عباس كان يحدثُ لا أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- صلى في كُسُوف الشمسِ " مثلَ حَديث عُروةَ، عن عائشةَ، عن النبي- عليه السلام-، أنفه صلى ركعتين في كلّ رَكعة ركعتين (1) .ًَ ش- عنبسة بن خالد، ويونس بن يزيد الأيلي.
وكثير بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي المدينة. روى عن: أبيه، وأخيه عبد الله بن العباس. روى عنه: الأعرج، والزهري. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي. وكنيته: أبو تمام، وُلِدَ سنة عشر قبل وفاة النبي- عليه السلام- بأشهر، وليست له صحبة (2) .
__________
= مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (3/ 901) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (561) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر منه عن عائشة (3/ 130) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (1263) .
(1) البخاري: كتاب الكسوف، باب: صحة الكسوف جماعة (1052) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (907) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: كيف صلاة الكسوف؟ (3/ 128) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 4947) .(5/35)
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1153- ص- نا أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبو مسعود، نا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن أبي جعفر الرازي قال أبو داودَ: وحُدّثت حديثا (1) عن عمر بن شقيق قال: نا أبو جعفر الرازي- وهذا لفظُهُ وهو أتمُّ- عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: انكشفت الشمسُ على عهدِ رسول الله- عليه السلامِ-، وإن النبي- عليه السلامِ -َ صلى بهمْ فَقَرَأ بسورة منه الأُوَل وَرَكَعَ خمْسَ رَكَعَات، وسَجَدَ سَجْدتنِ، ثم قًامَ الثانيةَ فَقَرَأ سُورة من الَطُّوَل، ورَكَعَ خَمْسَ ركًعَات وسَجَدَ سَجدتيْ، ثم جَلَسَ كما هو مُسْتَقْبِلَ القبلَة، يَدْعو حتى انجلَى كُسُوفُهَا (2) .
ش- محمد بن عبد الله بن أبي جعفر عيسى بن ماهان. روي عن: أبيه، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم. روي عنه: أبو مسعود، ومحمد بن أيوب، وأبو حاتم الرازيون، وسئل عنه أبو حاتم فقال: صدوق. روي له: أبو داود (3) . وأبوه: عبد الله بن عيسى بن ماهان، روي عن: أبيه، وأيوب بن عتبة، وشعبة، وغيرهم. روي عنه: ابنه محمد، ومحمد بن عيسى بن الطباع، والحسن بن عمر، قال محمد بن حميد: سمعت من عبد الله ابن أبي جعفر عشرة آلاف حديث فرميت بها. وقال ابن عدي: وبعض حديثه لا يتابع عليه. روي له: أبو داود (4) .
وجده: عيسى (5) بن أبي عيسى ماهان كذا قال يحي بن معين، وحاتم بن إسماعيل، وقال يونس بن بكير: اسمه: عبد الله بن ماهان، أصله من مركز (6) ، سكن الري، وقيل: كان مولده بالبصرة. سمع:
__________
(1) كلمة " حديثا " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5335) .
(4) المصدر السابق (4 1/ 3208) .
(5) مكررة في الأصل.
(6) في الأصل:" مرو "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال.(5/36)
عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، وابن المنكدر، وغيرهم.
روى عنه: ابنه عبد الله، وشعبة، ووكيع، وغيرهم. وقال محمد بن
سعد: كان ثقة، وكذلك قال ابن معين: وعنه يكتب حديثه ولكنه يخطئ
وفي لفظ: صالح. وقال ابن عمار: ثقة. وقال أبو زرعة: شيخ يهم
كثيراً وقال زكرياء بن يحيى الساجي: صدوق ليس بمتقن. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعمر بن شقيق بن أسماء الجرمي (2) البصري. روى عن: إسماعيل
ابن مسلم، وأبي جعفر الرازي. روى عنه: روح بن عبد المؤمن،
ويحيى بن حكيم. قال ابن عدي: هو قليل الحديث. روى له
أبو داود (3) .
والربيع بن أنس البكري الخراساني. سمع: أنس بن مالك، وأبا
العالية، والحسن البصري. روى عنه: سليمان التيمي، والأعمش، والثوري، وأبو جعفر الرازي، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله:
بصري ثقة. وقال أبو حاتم: هو صدوق. توفي في سدود قرية من قرى
مرة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وأبو العالية: رفيع بن مهران البصري.
/ قوله: " من الطّويل لما بضم الطاء، وفتح الواو، جمع الطُولَى، مثل [2/ 105 - أ] الكُبَر في الكُبْرى، والسبع الطُّوَل هي البقرة، وآل عمران، والنساء،
والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة. وقال النووي في لا الخلاصة لا:
هذا الحديث لم يضعفه أبو داود، وهو حديث في إسناده ضُعْ ". قلت:
سكوت أبي داود يدل على أنه ليس بضعيف، إذ لو كان عنده ضعيهما لَلَوَّح
عليه.
__________
(1) المصدر السابق (33/ 7284) .
(2) في الأصل: " المخرمي "
(3) المصدر السابق (21/ 4258) .
(4) المصدر السابق (9/ 1853) .(5/37)
1154- ص- نا مسدد، نا يحيي، عن سفيان، نا حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام-: أنه صلى في كُسُوف (1) فَقَرَأ ثوم رَكَعَ، ثم قَرأ ثم رَكَعَ، ثم قَرَأ ثم رَكَعَ، ثم قَرَأ ثم رَكَعَ، ثم سَجَدَ، والأخْرى مِثلهَا " (2) -
ش- أي: الركعة الأخرى مثل الركعة الأولى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي،
1155- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، لا الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد (3) العبدي ثم (4) من أهلِ البصرة، أنه شَهِدَ خُطبةً يوما لسَمُرَةَ بنِ جندبا قال: قال سَمُرَةُ بنُ جُندبٍ: بينمَا أنا وغُلام من الأنصارِ نَرْقِي غرَضَين لنا حتى إذا كانتا الشمسُ قيدَ رُمْحينِ أو ثلاثة في عينِ الناظِرِ من الأفُقِ اسوُدَتْ حتى آضَتْ كَأنها تنومة، فقالَ أحدُنا لصاحبه: انطلِقْ بنا إلى المسجد فو الله ليُحْدثَن شَأنُ هذه الشمسِ لرسولِ الله- عليه السلام- في أمته حَدَثنا، قال "َ فَدَفَعْنَا فإذا هو بَارِز، فاسْتَقَدمَ فصَلىَ، فقام بنا كأطوَلِ ما قَامً بنا في صَلاة قَط، لا نَسمعُ له صوتاً قال: ثم رَكَعَ بنا كأطوَلِ ما رَكَعَ بنا في صَلاة قط، ً لا نَسمعُ له صوتاً قال (5) : ثم سَجَدَ بنا كأطوَلِ ما سَجَدَ بنا في صَلاةً قط، لا نَسمعُ له صَوتاً، قال (5) : ثم فَعَلَ في الركْعةِ الأخرى مثلَ ذلك، قال: فَوَافَقَ تَجَلِّيَ الشمسِ جُلُوسُه في الركْعَةِ الثانيةِ، قال: َ ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " كسوف الشمس ".
(2) مسلم: كتاب صلاة الكسوف، باب: ذكر من قال: إنه ركع ثمان ركعات في أربع سجدات (908) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (560) ، النسائي: كتاب صلاة الكسوف، باب: كيف صلاة الكسوف (3/ 128، 129) .
(3) كتب فوقها " معا "، أي: بفتح العين المهملة وكسرها.
(4) كلمة " ثم " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.(5/38)
سَلَّمَ (1) فحمدَ اللهَ، وأثنى عليه، وشَهدَ أنْ لا إله إلا الله، وشَهدَ أنه عبدُ الله ورسولُهُ، ثم سًاقَ أحمدُ بنُ يُونُسَ خُطبًةَ النبيِّ- عليه السلام- (2) .
ش- زهير بن معاوية.
والأسود بن قيس العَبْدي، وقيل: البجلي أبو قيس الكوفي. سمع: جندي بن عبد الله التجلي، وسعيد بن عمرو بن سعيد، وشقيق بن عقبة. روى عنه: الثوري، وابن عجينة، وشعبة، وزهير بن معاوية، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وثعلبة بن عباد العادي البصري. سمع: سمرة بن جندل. روى عنه: الأسود بن قيس. روى له: أبو ما،. د، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وعبَاد بكسر العن وتخفيف الباء الموحدة، له صحبة، ويقال: فيه عَباد بفتح العين وتشديد الباء؟ والأول أشهر.
قوله:" بينما " قد مر الكلام فيه غير مرة، أن أصله " بَيْن " فزيدت فيه "ما" وأن بينا وبينما ظرفا زمان بمعنى المناجاة، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والجواب هاهنا.
قوله: " نَرْمي غَرضين " الغَرض- بفتح الآن، والراء-: الهَدفُ. قوله: " قيدَ رمحين " بكسر القاف، يقال: قِيلَ رمح، وقاد رمح، وقاب رمح، أي: قدر رمح.
قوله: " حتى آضت" أي: رجعت وصارت، من آل يوفر أيضاً
__________
(1) في سنن أبي داود:، ثم سلم، ثم قام فحمد،.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صفة القراءة في الكسوف (562) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر (3/ 140) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصحة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (1264) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 506) .
(4) المصدر السابق (4/ 844) .(5/39)
قوله: " تَنُّومةٌ " بفتح التاء ثالثة الحروف، وتشديد النون وضمها، وبعدها واو ساكنة وميم: نَوع من نبات الأرض فيها، وفي ثمرها سواد قليل، ويقال: هو شجر له ثمر كَمِدُ اللون.
قوله: " فإذا هو بارز " من البروز وهو الظهور. وقال الخطابي (1) : "هذا تصحيف من الراوي، وإنما هو بأزز، أي: بجمع كثيرِ، تقول العربُ الفصحاء منهم: أزز، والبيْت منهم أزَز، إذا غصَ بهم لكثرتهم ". قوله: " لا نسمع له صوتا ما هذا دليل على ابنه لم يجهر بالقراءة، وفي قول عائشة أيضا: " فحَزرتُ قراءته " دليل على أنه لم يَجهْر، وفيه حجة لأبي حنيفة. والذي روى البخاري ومسلم عن عائشة، أن النبي- عليه السلام- جهر في صلاة الكسوف لبنان الجواز، ويُحتمل أن يكون جهرَ مرةً وخَفَتَ أخرى.
قوله: " فوافق تجلي الشمس جلوسُه " / ارتفاع جلوسه على أنه فاعل وافق ومفعوله قوله: " تجلي الشمس ". والحديث: أخرجه الترمذي مختصراً، والنسائي مُطولا ومختصرات، وابن ماجه مختصرات، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
1156- ص- نا موسى بن إسماعيل، لا وُهَيب، عن (2) أيوب، عن أبي صلابة، عن قبيلة الهلالي قال: كَسَفَتِ الشمسي على عهد رسولِ الله - عليه السلام- فَخَرَجَ فزعا يَجُرُّ ثَوبَه وأنا معه يومَئذ بالمدينة، فصًلى رَكْعتين فأطَالَ فيهما القيام، ثم انصرَفَ وانجلت، فقال: "إنما هذه الآياتُ يُخَوف اللهُ بها، فإذا رَأيْتُمُوهَا فَصَلوا كأحدَث صَلاة صَلَيْتُمُوهَا من المَكْتُوبَةِ " (3) .ش- وُهَيب بن خالد، وأيوب السختياني، وأبو صلابة: عبد الله بن زيد الجرمي.
__________
(1) معالم الحق (1/ 223) .
(2) في سنن أبي داود:" حدثنا ".
(3) أخرجه النسائي: كتاب صلاة الكسوف، باب: الأمر بالدعاء في الكسوف (3/ 144) .(5/40)
وقبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن أبي ربيعة الهلالي، وفد على النبي- عليه السلام-، ورُوي له عنه ستة أحاديث. ربكما له مسلم حديثا واحداَ مقرونا بزهير بن عمرو الهلالي. ربكما عنه: كنانة بن نعيم، وأبو عثمان المهدي، وابنه قطن بن قبيحة، وأبو قرابة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " وهيب عن أيوب " وفي بعض النسخ: " وهيب أظنُّه عن أيوب " وليس في نسخة ابن الأعرابي لفظ " أظنه " وهي الصحيحة.
قوله: " فزعا " حال من الضمير الذي في " فخرج "، وكذا قوله: " يجرّ ثوبيه " حال، وكذا قوله: " وأنا معه ".
قوله: " إنما هذه الآيات " أي: العلامات، وهي إشارة إلى كسوف الشمس وغيره نحو: خسوف القمر، والزلزلة، وهبوب الريح الشد [يد] ة، والظلمة الشديدة، مع هذه كلها تشرع الصلاة، فلذلك قال: " فإذا رأيتموها " أي: تلك العلامات " فصلوا " لله تعالى " كأحدث صلاةٍ صليتموها من المكتوبة " بمعنى: أن آيةً من هذه الآيات إذا وقعت مثلاً بعد الصبح تصلى، ويكون في كل ركعة ركوعين، وإن كانت بعد المغرب يكون في كل ركعة ثلاث ركعات، دان كانت بعد الرباعية يكون في كل ركعة أربع ركوعان (2) ، ويجور أن يكون المراد الجهر والإضرار في الزراعة، بمعنى: أن آية من هذه الآيات إذا وقعت عقيب صلاةٍ جهرية، تصلى ويجهر فيها بالقراءة، وإن وقعت عقيب صلاةٍ سرية، تُصلى ويخافت فيها بالقراءة، والحديث رواه النسائي، والحاكم فيه المستدرك " بالسند المذكور، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه البيهقي أيضا بالسند المذكور ثم قال: سقط بين أبي قرابة وقبيلة
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 254) ، وأسد الغابة (4/ 383) ، والإصابة (3/ 222) .
(2) في الأصل: " ركعات ".(5/41)
رجل، وهو هلال بن عامر، وقال النووي في " الخلاصة ": وهذا لا يقدح في صحة الحديث.
1157- ص- نا أحمد بن إبراهيم، نا ريحان بن سعيد، نا عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر، أن قبيصةَ الهلالي حَدثه، أَن الشمسَ كَسَفَت- بمعنى موسى (1) - قال: حتى بَدَت النجوم (2) .
ش- ريحان بن سعيد بن المثنى بن معدان أبو عصْمة الناجي السامي (3) البصري، إمام مسجد عَبَّاد بن منصور. سمع: شعبة، وعباد بن منصور. روى عنه: أحمد بن إبراهيم، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المدينة، وغيرهم. توفي بالبصرة سنة ثلاث أو أربع ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
وعباد بن منصور أبو سلمي الناجي، وأيوب: السختياني، وأبو قلابة: عبد الله وهلال بن عامر، وقيل: ابن عمرو بصري، روى عن: قبيصة ابن مخارج. روى عنه: أبو قرابة. روى له: أبو داود.
قوله: " بمعنى موسى " أي: بمعنى حديث موسى، قال: " حتى بَدت " أي: ظهرت " النجوم ".
***
250- بَابُ: القراءة في صلاة الكُسُوف
أي: هذا باب في بنان القراءة في صلاة الكسوف.
1158- ص- نا عُبَيد الله بن سَعْدَ، حدثني عمي، نا أبي عن محمد ابن إسحاق، حدثني هشام بن عودة. وعبد الله بن أبي سلمي، عن سليمان
__________
(1) في سنن أبي داود: " بمعنى حديث موسى ".
(2) تفرد به أبو داوود.
(3) في الأصل: " الشامي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1943) .(5/42)
ابن يسار، كل (1) قد حدثني عن عروة، عن عائشة قالت: كَسَفَت الشمسَ على عهدِ رسول الله، فَخرجَ رسولُ الله/ فصلى بالناسِ، فرقاً فَحَزَرْت [2/ 106 - أ] قراءتَه فَرُئِيتُ (2) أنه قَرَأ سُورَةَ (3) البقَرة- وسَاقَ الحديثَ- ثم سَجَدَ سَجدتينِ، ثم قَامَ فأطَالَ القراءةَ فحزَرْتُ قِراَءته فَرُئِيتُ (2) أنه قَرأ سُورةَ (3) آل عِمْرانَ (4) .
ش- عُبيد الله بن سَعْد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الفضل، نزِيلُ سامرَّاء، وهو ابن أخي يعقوب بن إبراهيم بن سعد. سمع: عمه يعقوب، وروح بن عبادة. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر الباغندي، وغيرهم. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق، مات في ذي الحجة سنة ستين ومائتين (6) .
وعمه: يعقوب بن إبراهيم الزهري قد ذكرناه، ووالد يَعْقُوب: إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم قد ذكر مرةَ.
وعبد الله بن أبي سلمي واسمه: ميمون الماجشون التيمي، مولى آل المنذر القيمي المدني. روى عن: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر ابن ربيعة، وعبد الله بن عبد الله بن عمر. روى عنه: يحمى بن سعيد الأنصاري، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن إسحاق بن يَسار. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (7) .
أو له: " فحزرت " أي: قدرت.
قوله: " فَرُئِيت " على صيغة المجهول في الموضعين بمعنى: ظننتُ، وفيه حجة لأبي حنيفة أيضاً وروى أحمد في " مسنده " بإسناده إلى ابن
__________
(1) في سنن أبي داود:" كلهم ".
(2) في سنن أبي داود: " فرأيت ".
(3) في سنن أبي داود: " بسورة "
(4) تفرد به أبو داود.
(5) صح.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3637) .
(7ر0 المصدر السابق (15/ 3314) .(5/43)
عباس قال: " صليت مع النبي- عليه السلام- الكسوف فلم أسمع منه فيها حرفا من القراءة " ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، وأبو نعيم في " الحلية "، والطبراني في " معجمها " والبيهقي في " المعرفة "
1159- ص- نا العباس بن الوليد بن مَزْيَد، أخبرني أبي، نا الأوزاعي، أخبرني الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسولَ الله- عليه السلام- قَرأ قِراءةَ طَوِيلةَ فَجَهَرَ بها، يعني في صَلاةِ الكُسُوفِ (1) .
ش- أبوه: الوليد بن مَزْيَد- بالزاي- البَيْروتي.
وفيه حجة لأبي يوسف ومحمد والشافعي. وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه.
1160- عن- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، [عن أبي هريرة والصواب] (2) عن ابن عباسِ قال: خَسَفَت الشمسُ فصلى رسولُ اللهِ- عليه السلام- والناسُ مَعه، فقامَ قِياما طَوِيلاً بنحوِ من سُورَةِ البَقَرةِ، ثم رَكَعَ وسَاقَ الحديثَ (3) .
ش- أي: بمثل من سورة البقرة، وهذا يدلّ أيضا على أنه- عليه السلام- خافَت بالقراءة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائيّ.
****
__________
(1) تفرد به أبو داود
(2) غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة (1052) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه السلام في صلاة الكسوف
من أمر الجنة والنار (17/ 907) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: قدر القراءة في صلاة الكسوف (3/ 146) .(5/44)
251- بَاب: ينادي فيهَا بالصّلاةِ
أي: هذا باب في بنان النداء، أي: الإعلام بصلاة الكسوف.
1161- ص- نا عمرو بن عثمان، نا الوليد، نا عبد الرحمن بن نمِر، أنه
سَألَ الزهريَ، فقال الزهري: أخبرني عروةُ، عن عائشة قالت: كَسَفَت الشمسُ فأمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جميع رَجُلاً فناسَ أنه الصلاةَ جَامِعَةً (1) .
ش- الوليد بن مُسلم الدمشقي.
وعبد الرحمن بن نمِر أبو عمرو اليحصبي الشامي الدمشقي. روى عن: الزهري. روى عنه: الوليد بن مسلم. قال ابن معين: هو ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس بقويّ، لا أعلم روى عنه غير الوليد بن مسلم وسليمان بن كثير. وقال رحيم: هو صحيح الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " أن الصلاة جامعةً " " لأن " بفتح الهمزة وتخفيف النون للتفسير،
و" الصلاة " نصر على أنه مفعول لفعل محذوف، والتقديرُ أقيموا الصلاة، أو ائتُوها، و" جامعة " نصت على الحال من " الصلاة "، أي:
حال كونها جامعةً للناس، والحديث أخرجه مسلم مطر،، وأخرجه البخاريّ ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وهذا استحسنه العلماء للإعلام، وقد قلنا: إنه ليس فيها الأذان والإقامة.
***
252- بَابُ: الصدَقة فيها
أي: هذا باب في بنان الصدقة في صلاة الكسوف.
1162- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عروة،
عن عائشة- رضي الله عنها-: أن النبي- عليه السلام-/ قال: لا الشمسُ [2/ 106
__________
(1) مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (4/ 901) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3981) .(5/45)
والقمرُ لا يَخْسفَان لمَوْت أحَد ولا لحياته، فإذا رَأيْتُم ذلك فادْعُوا الله عمر وَبَئ، وكبِّر وا وَتُصَدَّقوا " (1) .
ش- " ذلك " أي: الخسوف، " فادعوا الله "، وفي رواية: " فاذكروا الله ".
قوله: " وتصدقوا " أطلق ذلك ليتناول جميع أنواع الصدقات، وسواء كانت قليلة أو كثيرة، وإنما المرد بها لأن الصدقات تدفع البلاء والعذاب، والكسوف والخسوف من جملة الآيات المنذرة بالعذاب. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي مُطولا.
***
253- بَابُ: العِتْق فِيهَا
أي: هذا باب في بنان العتق في صلاة الكسوف.
1163- ص- نا زُهَير بن حرب، نا معاويةُ بن عَمرو، نا زائدة، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماءَ قالت: كان النبي- عليه السلام- يأمُرُنَا (2) بالعَتَاقَةِ فِي صَلاةِ الكُسُوفِ (3) .
ش- زائدة بن قديمة، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير ابن العوام، زوجة هشام بن عروة، وقد ذكرت، وأسماء بنت أبي بكر الصديق.،
قوله:" بالعَتاقة " بفتح العن يقال: أعتق العبد يعتِق- بكسر التاء- عتقا وعَتاقا وعَتَاقةً وعاتقٌ، وأعتقته أنا، وهذا الأمر للاستحباب
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: لا تنكشف الشمس لموت أحد ولا لحياته (1058) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: (29/ 915) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس (3/ 125) .
(2) في حق أبي داود: " يأمر ".
(3) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: من أحب العتاقة في كسوف الشمس (1054) .(5/46)
لترغيب الناس في الخير، كما أمرهم بالصَدقة. والحديث أخرجه البخاري.
***
254- بَابُ: مَنْ قَال: يَركَعُ رَكعَتيْن
أي: هذا باب في بنان قول من قال: يركع ركعتين في صلاة الكسوف. 1164- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثني الحارثُ بن عمير البصري، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشير قال: كَسَفَت الشمسُ على عهد رسول الله- عليه السلام- فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعتينِ رَكْعتيَنِ ويَسأل عَنها حتىَ انْجَلَت (1) .
ش- الحارث بن عمير البصري أبو عمير، نزيل مكة. روى عن: أيوب السختياني. روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو أسامة، وابن عيينة، ويعلى بن عبيد، وأحمد بن أبي شعيب، إبراهيم بن محمد الشافعي، وابنه: حمزة بن الحارث. وقال ابن معين: ثقة- وقال أبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة، رجل صالح. وقال ابن حبان: كان ممن يَرْوي عن الإثبات الأشياءَ الموضوعات. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، واستشهد به البخاري (2) . والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقال البيهقي: هذا مرسل، أبو صلابة لم يسمع من النعمان.
قلت: صرح فيه الكمال بسماعه من النعمان. وقال ابن حزم: أبو قرابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه. وصرح ابن عبد البر بصحة هذا الحديث وقال: من أحسن حديث ذهب إليه الكوفيون حديث
__________
(1) النسائي: كتاب الكسور، باب: نوع آخر (3/ 141) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (1262) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1036) .(5/47)
أبي قلابة عن النعمان، فصار قول البيهقي: " لم يسمعه منه " دعوى بلا
دليل.
1165- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن عطاء بن السائب،
عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو قال: انكَشفَت الشمسُ على عَهْد رسولَ الله
- عليه السلام-، فَقَامَ رسولُ الله لم يَكَدْ يَرْكَعُ ثم رَكَعِ، فلم يَكًدْ يَرْفَع ثم
رَفَعَ، فلم يَكَدْ يَسْجُدُ ثم سَجَدَ، فَلم يَكَد ْيَرفعُ ثم رَفع، فلم يَكَدْ يَسجدُ ثم
سَجَدَ، فلم يَكَدْ يرفعُ ثم رَفَعَ، وفَعَلَ في الركْعَة الأخْرَى مثلَ ذلك، ثم نَفَخ
في آخِرِ سُجُودهِ فقال: " أف أف "، ثم قالَ: لا رَبِّ، ألَمْ تَعدْنِي أن لا
تعَذبهُم وأنا فِيهم؟ ألَمْ تَعدْنِي أن لا تُعَذبهم وهم يَسْتَغفِرُونَ؟ " فَفَرخَ
رسولُ اللهِ من صلاِتهِ وقد أَمْحَصَتِ الشمسُ، وساقَ الحديثَ (1) .
ش- أبوه السائب بن مالك الثقفي، ويقال: الأشعري، ويُقال:
السائب بن يَزيد أبو يَحْيى، وهو والد عطاء. سمع: عليه بن أبي طالب
وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه: ابنه عطاء،
وأبو إسحاق الطبيعي. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " لم يكد يرفع " يعني: لم يكد في القيام واقفا زمانا طويلاً ثم
ركع، فلم يكد يرفع رأسه، بمعنى: أنه أطال في الركوع.
قوله: " ثم رفع " أي: ثم رفع رأسه من الركوع وسجد فلم يكد
يَسجد، ووقف زمانا طويلاً ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه من السجدة،
وقعد زمانا طويلاً، ثم رفع رأسه، وفعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل
في الركعة الأولى.
قوله:" ثم نفخ في آخر سجُوده " فسر النفخ بقوله: " فقال: أف [2/ 107 - أ] أف" / بتسكين الفاء، و " أف " لا تكون كلاما حتى تشددَ الفاء، فتكون
__________
(1) النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر (3/ 137) ، باب: القول في السجود في صلاة الكسوف (3/ 149) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2173) .(5/48)
على ثلاثة أحرُف من التأفيف، وهو قولك: " أف لكذا "، فأما " أف " والفاء خفيفة فليس بكلام، والنافخ لا يُخْرِجُ الفاءَ مُشددةً، ولا يكادُ يُخرجُها فاء صادقةً من مخرجها، ولكنه يفشيها من غير إطباق الشفة على الشفة، وما كان كذلك لا يكون كلاما، وبهذا استدل أبو يوسف على أن المصلي إذا قال في صلاة " أفْ " أو " أهْ " أو " أخ " لا تفسد صلاته. وقال أبو حنيفة ومحمد: تفسدُ لأنه من كلام الناس، وأجابا أن هذا كان ثم نسِخ.
قوله: "وقد أمحصَت الشمس " معناه: انجلت من الإمحاص، وأصل المحص: الخلوص، وقد محصته محصا إذا خلصته، وانمحص هو إذا خلص وقد تدغم فيقالُ افحص، ومنه تمحيص الذنوب وهو التطهير منها، وتمحص الظلمة انكسافها وذهابها، وفي رواية: " محضت الشمس " بالضاد المعجمة، والمعنى: نَصَع لونها، وخلُص نُورُها، وكل شيء خَلُص حتى لا يشوبُه شيء يُخالِطه فهو مَحْض.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وأخرجه الحاكم في! المستدرك " وقال: صحيح ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب. قلت: قد أخرج البخاري لعطاء حديثا مقرونا بأبي بشر، وقال أيوب: هو ثقة.
1166- ص- نا مسدد، نا بشر بن المفضل، نا الجُرَيري، عن حيان بن عمير، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بينا أنا أتَرَفَى بأسْهُمِي (1) في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خَسَفَت الشمسُ، فَنَبَذتُهن وقلتُ: لأنظُرَن ما أحْدِثَ لرسولَ اللهِ في (2) كُسُوفِ الشمسِ اليومَ؟ فانتهيتُ إليه وهو رَافع يدَيْه يُسبحُ ويَحْمَدُ ويُهَللُ ويدْعُو، حتى حسرة عن الشمس، فَقرأ بسورَتين ورَكعً ركعتينِ (3) .ً
__________
(1) في سنن أبي داود: " بينما أنا أترمي بأسهم ".
(2) سقطت كلمة " في " من سنن أبي داود.
(3) أخرجه مسلم: كتاب الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة الكسوف (26 / 913) =
4 5 شرح سنن أبي داوود 5(5/49)
ش- الجُرَيري هو سعيد بن إياس البصري، وحيان- بالياء آخر الحروف- بن عمير الجُريري أبو العلاء.
وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العَبْشمي، يكنى: أبا سَعيد، أسلم يوم فتح مكة، وصحب النبي- عليه السلام- وغزا خراسان في زمن عثمان بن عفان، وهو الذي افتتح سِجدتان وكابل. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام- أربعة عشر حديَثا، اتفقا منها على حديث واحد، وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه: عبد الله بن عباس، وابن سيرين، وابن المسيب، والحسن البصري، وحيان بن عمير، وغيرهم. مات سنة خمسين بالبصرة. روى له: الجماعة (1)
قوله: " أترمى" بتشديد الميم، قال يَعقوبُ: خرجتُ أترمي إذا خرجت تَرْمي في الأغراض، أو في أصول الشجر، وخرجتُ أرتمِي إذا رميتُ القنَصَ، وتَرامَى الرَجُلان. وقال الشيخ محيي الدين: يقال: أرْمي وأرْتَمي وأترامَى وأترَمى.
قوله: " فنبذتهن " أي: ألقيتُهن.
قوله: " حتى حَسِرَ عن الشمس " أي: حتى جَلى الكسوف عنها، وهو بفتح الحاء، وكسر السن المهملتين وأخرجه مسلم، والنسائي.
***
255- بَابُ: الصلاة عند الظلمة ونحوها
أي: هذا باب في بنان الصلاة عند اشتداد الظلمة ونحوها، مثل الزلزلة، والريح الشديدة، والمطر العظيم، ونحو ذلك.
= النسائي: كتاب الكسوف، باب: التسبيح والتكبير والدعاء عند كسوف الشمس (3/ 124) .
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 402) ، وأسد الغابة (3/ 454) ، والإصابة (2/ 400) .(5/50)
1167- ص- نا محمد بن عمرو بن جَبَلة بن أبي رواد، نا حَرَمِي بن
عمارة، عن عُبَيد الله بن النضر، حدثني أبي قال: كانت ظُلمَة على عهدِ
أنس بن مالك، قال: فأتيتُ أنسَ بنَ مالك (1) فقلت: يا أَبَا حَمزةَ، هل كانَ
يُصيبكُم مثلُ فذا على عهدِ رسولِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: مَعَاذَ اللهِ، إن كانتْ الرَّيحُ
لَتَشْتَد فَنُبَا "رُ المَسْجِدَ مَخَافَةَ القِيامَةِ (2) .
ش- محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد البصري. روى
عن: غندر، وأبي عامر العقدي، ومسلم بن قتيبة، وأبي عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والحسن بن سفيان (3) .
وحرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي مولاهم أبو روح. سمع:
شعبة، وقرة بن خالد، وغيرهم. روى عنه: عبيد الله بن عمر القواريري، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. قال ابن معين: صدوق (4) .
وعبيد الله بن النضر أبو النضر القيسي من ولد قيس بن عباد. سمع:
أباه. وروى عن: أنس بن مالك. روى/ عنه: أبو عاصم، وحرمي [2/ 107 - ب] ابن عمارة، وابن المبارك، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له:
أبو نا ود، والترمذي (5) .
وأبوه: النضر- بالنون والضاد المعجمة- القيسي. روى عن: أنس
ابن مالك. روى عنه: ابنه: عبيد الله. روى له: أبو داود.،
والترمذي (6) .
قوله: " أن كانت الريح لتشتد " " إن " مخففة من مثقلة، والأصل: إنه
كانت الريح لتشتد، واللام فيه للتأكيد.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فأتيت أنسا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5511) .
(4) المصدر السابق (5/ 1169) .
(5) المصدر السابق (19/ 3690) .
(6) المصدر السابق (29/ 6423) .(5/51)
قوله: " فنبادر " أي: نسارع.
قوله: " مخافة القيامة " نصب على التعليل.
ويستفاد من الحديث: أن الصلاة تشرع للظلمة، وللريح الشديدة ونحوهما. وحكى البخاري في " التاريخ ": أن هذا الحديث فيه اضطراب.
***
256- بَابُ: السُّجُود عند الآيات
أي: هذا باب في بيان السجود عند العلامات.
1168- ص- نا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، نا يحيى بن كثير، نا سلمُ بن جَعْفر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: مَاتَتْ فُلانة بعضُ أزواج النبي- عليه السلام-، فَخَر ساجداً فقيل له: تَسْجُدُ (1) هذه الساعَة؟ فقال: قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: " إذا رَأيْتُمْ آيَةً فاسْجُدُوا " وَأفي آية أعْظَمُ مِن ذهاب أزْوَج النبي- عليه السلام- (2) "؟
ش- محمد بن عثمان بن أبي صفوان بن مروان بن عثمان بن أبي العاص الثقفي البصري. روى عن: أمية بن خالد، وعبد الرحمن ابن مهدي، وابن أبي عدي، ويحيى بن كثير. روى عنه: أبو داود، والترمذي، وأبو حاتم- وقال: بصري ثقة-، والنسائي (3) .
ويحيى بن كثير بن درهم البصري أبو غسان العنبري مولاهم، أصله خراساني، رأى معاوية بن مرة، وطاوسا، وسمع قولهما. وروى عن: عمران بن حديد، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: خالد بن الحارث،
__________
(1) في سنن أبي داود: " أتسجد ".
(2) الترمذي: كتاب الملتهب، باب: فضل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم (3891) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5457) .(5/52)
وعمرو بن علي، ومحمد بن عثمان، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (1) .
وسلم بن جعفر الأعمى أبو جعفر. روى عن: الحكم بن أبان، والجريري، والوليد بن كثير. روى عنه: يحيى بن كثير أبو غسان، ونعيم بن حماد وقال: كان ثقةً. روى له: أبو داود، والترمذي (2) . والحكم بن أبان العدني أبو عيسى.
قوله: " إذا رأيتم آية " أي: علامة، وهي بإطلاقها سائر الآيات المخوفة، مثل الريح الشديدة، والظلمة الشديدة، والزلزلة، والسيل العظيم، والنار العظيمة، ونحو ذلك، ويندرجُ تحت فعل ابن عباس - رضي الله عنه- جواز السجدة عند موت عالم كبير مقتدى، أو سلطان عادل , لأن موت مثل هؤلاء من الآيات. والحديث أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريبٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الموصلي: سلم بن جعفر متروك الحديث، لا يحتج به. وذكر له هذا الحديث. قلت: سكوت أبي داود أدناه يدلُ على أن الحديث حسنٌ كما قال به الترمذي، وسلم بن جعفر قال يحيى بن كثير العنبري: كان ثقة.
***
تفريعُ أبواب صَلاةِ المُسَافر
أي: هذا تفريع أنواع صلاة المسافر، وفي بعض النسخ: " أبواب صلاة المسافر " بدون لفظ تفريع.
257- بَابُ: صَلاةِ المُسَافِر
أي: هذا باب في بيان صلاة المسافر، وفي بعض النسخ: " باب في فرض صلاة المسافر "
1169- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عرو
__________
(1) المصدر السابق (31/ 6904) .
(2) المصدر السابق (11/ 2425) .(5/53)
ابن الزبير، عن عائشة قالت: فُرِضَتِ الصلاةُ رَكْعتين ركعتين في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فأقرَتْ صَلاةُ السَّفرِ،! زِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ (1) .
ش- قال أبو إسحاق الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها، ويشهد له قوله سبحانه: {وسبِّحْ بحَمْد ربكَ بِالعَشِي وَالإبكَار} (2) ، وقال يحيى بن سلام مثله، وقد كانَ الإسرَاء وفرض الصلواَت اَلخمس قبل الهجرة بعام، فعلى هذا يحمل قول عائشة: " فزيد في صلاة الحضر " أي: زيد فيها حتى كملت خمسا، فيكون الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات، ويكون قولها:" فرضت الصلاة ركعتين " أي: قبل الإسراء، وقد قال بهذا طائفة من السلف منهم ابن عباس. وقال بعضهم: لم يوجد هذا في أثر صحيح. {2/ 108 - ب] وقال بعضهم: يجوز/ أن يكون معنى " فرضت الصلاة " أي: ليلة الإسراء حين فرضت الصلوات الخمسُ، فرضت ركعتهن ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك، وهذا هو المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة. وممن رواه هكذا الحسن والشعبيّ، أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقد ذكره أبو عمر، وقد ذكره البخاري من رواية معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر رسول الله إلى المدينة ففرضت (3) أربعا " وقال بعضهم: فرضت الصلاة ركعتين، يعني: إن اختار المسافر أن يكون فرضه ركعتين فله ذلك، وإن اختار أن يكون أربعا فله ذلك. وقيل: يحتمل أن يريد بقولها: "فرضت الصلاة " أي: قدرت، ثم تركت صلاة السفر على هيئتها في المقدار لا في الإيجاب،
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء (350) ، مسلم: كتاب صلاها المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها
(685) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة (1/ 225) .
(2) سورة غافر: (55) .
(3) في الأصل: " فرضت "، وما أثبتناه من صحيح البخاري.(5/54)
والفرض في اللغة بمعنى التقدير. وقال الخطابي (1) : " هذا قول عائشة عن نفسها وليست برواية عن رسول الله- عليه السلام- ولا بحكاية لقوله. وقد رُوي عن ابن عباس مثل ذلك عن (2) قوله، فيحتمل أن يكون الأمر في ذلك كما قالاه , لأنهما عالمان فقيهان، قد شهدا زمان رسول الله وصحباه، وإن لم يكونا شهدا أول زمان الشريعة وقت إنشاء فرض الصلاة على النبي- عليه السلام-، فإن الصلاة فرضت عليه بمكة، ولم تلق عائشة رسول الله إلا بالمدينة، ولم يكن ابن عباس في ذلك الزمان [في سن] (3) مَنْ يَعْقل الأمور، ويَعْرف حقائقها، ولا يبعد ابن يكون قد اتخذ هذا الكلام عن عائشة، فإنه قد يفعلُ ذلك كثيرا في حديثه، وإذا فتشت عن كثر ما يرويه كان ذلك سماعا عن الصحابة، ماذا كان كذلك، فإن عائشة نفسها قد ثبت عنها أنها كانت تُتم في السافر وتصلِي أربعا وقال الشيخ محيي الدين (4) : معنى " فرضت الصلاة ركعتين " لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجبَ المصير إليها، والجمع بين دلائل الشرع، ثم ذكر تتميم عائشة الصلاة في السفر وكذلك عثمان، وقول عروة ابنها تأولت كما تأول عثمان، وقال: اختلف العلماء في تأويلهما، فالصحيح الذي عليه المحققون ابنهما رأيا القصر جائزا والإتمام جائزاً فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام. وقيل: لأن عثمان إمام المؤمنين، وعائشة أمهم، فكأنهما في منازلهما، وأبطله المحققون بأن النبي- عليه السلام- كان أوْلى بذلك منهما، وكذلك أبو بكر وعمر، وقيل: لأن عثمان تأهل بمكة، وأبطلوه بأن النبي- عليه السلام- سافر بأزواجه وقصر، وقيل: فعل ذلك من اجل الأعراب الذين حضروا معه، لئلا يظنون " أن فرض الصلاة ركعتان أبدأ حضرا وسفراً وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي- عليه
__________
(1) معالم السنن (1/ 224- 225) .
(2) كذا، وفي " المعالم " " من "
(3) زيادة من " المعالم ".
(4) شرح صحيح مسلم (5/ 195) .
(5) كذا، والجاد ة " يظنوا ".(5/55)
السلام- بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان كثر مما كان. وقيل: لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج، وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث، وقيل: كان لعثمان اعرض بمِنَى، وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي الإتمام والإقامة. والصواب الأولُ، ثم مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح، وشرط بعض السلف كونه سفر خوف، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو غزوة، وبعضهم كونه سفر طاعةِ. قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون: لا يجوز في سفر المعصية، وجوزه أبو حنيفة، والثوري، ثم اختلفوا أن القصر رخصة أو عزيمة، فقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه عزيمة، وقال الشافعي ومالك وأحمد: رخصة. واستدلوا بحديث أخرجه مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب الحديث لما نذكره عن قريب. وبما أخرجه الدارقطني عن عمر بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة: لأن النبي- عليه السلام- كان يقصرُ في الصلاة ويتم ويُفطِر [2/ 108 - ب] ويَصُوم ". قال الدارقطني: إسناده صحيح./ وقد رواه البيهقي عن طلحة بن عمرو ودلهم بن صالح والمغيرة بن زياد- وثلاثتهم ضعفاء- عن عطاء، عن عائشة، قال: والصحيح عن عائشة موقوف.
واستدلّ أصحابنا بقول عائشة: وفرضت الصلاة ركعتين " الحديث أخرجه البخاري ومسلمٌ والنسائي، وبما رواه مسلم أيضا عن مجاهد عن ابن عباس قال: " فرض اللهُ الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعاتِ، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة " رواه الطبراني في ومعجمه " بلفظ: وافترض رسول الله ركعتين في السفر كما افترض في الحضر أربعا" وبما رواه النسائي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر قال: " صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غيرُ قَصْرِ على لسان محمد- عليه السلام- ". ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين، من القسم الثالث، ولم يقدحه بشيء، ولكن اعترضه(5/56)
النسائي في " سننه " بأن فيه انقطاعا فقال: وابن أبي ليلى لم يَسمعْه من عمر.
قلت: حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى منْ عمر، وصرَّح في بعض طرقه فقال: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عمر بن الخطاب فذكره. ويؤيدُ ذلك ما أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن الحسن بن واقد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال: حْرجت مع عمر بن الخطاب فذكره. والجواب عن الحديث نذكره في موضعه الآتي.
وأما الجواب عن الحديث الثاني أنه مُعارضٌ بحديث أخرجه البخاري ومسلم- عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر قال: " صحبت رسول الله - عليه السلام- في السفر، فلم يزدْ على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعَتيْن حتى قبضه الله، وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: " لَقَدْ كَان لَكُمْ فِي رَسُول الله أسْوَةٌ حَسَنَة " (1) ، وإليه ذهب أكثر علماء السلف، وفقهاء الأمصارَ إلَى أن القصر واجب، وهو قول عمر وعليّ وابن عمر وجابر وابن عباس، ورُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة، وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من صلى في السفر أربعا. وقاد مالك: يعيد ما دام في الوقت. وقال أحمد: السُّنَّة ركعتان، وقال مرة أخرى: أنا أحب العافية في هذه المسألة. وقال الخطابي: " والأوْلى أن يقصر المسافر الصلاة لأنهم أجمعوا على جوازها إذا قصر، واختلفوا فيها إذا أتم، والإجماع مُقدم على الاختلاف ".
1170- ص- نا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: نا يحيى، عن ابن جرير ح، ولا خُشَيْشٌ، نا عبد الرزاق، عن ابنِ خريج، حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، عن عبد الله بن بَابيْه، عن يَعْلى بن أمية قال: قلتُ
__________
(1) سورة الأحزاب: (21) .(5/57)
لعمرَ بنِ الخطاب: إِقْصَارُ (1) الناسِ الصلاةَ اليومَ، وإنَّما قالَ اللهُ عز وجَل: {إنْ خفْتُمْ أن يًفْتِنَكُمُ الَذينَ كَفَرُوا} (2) فقدْ ذهبَ ذلك اليومُ، فقال: عَجبْتُ مَما عَجبْتَ منه، فذَكَرْتُ ذلك لرسول الله فقالَ: " صَدَقَةٌ تصدق اللهُ بها عَليكُم فاقْبلوا صَدَقته " (3) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن جريج.
وخُشَيْشُ- بضم الخاء المعجمة، وبشينين معجمتين أولهما مضمومة، وبينهما ياء آخر الحروف ساكنة- ابن أصْرم أبو عاصم. روى عن: عبد الرزاق، وأبي عاصم النبيل، والفريابي، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال: ثقة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (4) . وعبد الرزاق بن همام.
وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار المكي القرشي، يلقب القَس لعبادته. روى عن: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله ابن بابيه. روى عنه: يوسف بن ماهك، وابن جريج. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة إلا البخاري ". وعبد الله بن بَابَيْه وباباه وبابِي الكل واحد، المكي، مولى آل حجير ابن إهاب المكي. سمع: عبد الله بن عُمر، وابن عَمرو، وجبير [بن] مطعم، ويعلى بن أمية. روى عنه: عمرو بن دينار، وأبو الزبير،
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورأيت إبصار الناس الصلاة، " إنما ".
(2) سورة النساء: (101) .
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها (686) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: سورة النساء (3034) ، النسائي: كتاب تقصير الصلاة في السفر (3/ 116- 117) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: تقصير الصلاة في السفر (1065) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1690) .
(5) المصدر السابق (17/ 3874) .(5/58)
وقتادة، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى/ له الجماعة [2/ 109 - إلا البخاري (1) .
ويَعْلى بن أمية بن أبي عُبيدة بن همام بن الحارث بن بكر أبو خلف،
أو أبو خالد، أو أبو صفوان، وأمه منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، ويقال: يعلى بن مُنْية- بضم الميم، وسكون النون، وبعدها ناء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث- أسلم يوم فتح مكة، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع رسول الله، وكان يسكن مكة. رُوي له عن رسول الله ثمانية وعشرون حديثا، اتفقا على ثلاثة أحاديث. روى عنه: ابنه: صفوان بن يعلى، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى له الجماعة (2)
قوله: "إقصارُ الناس الصلاة اليوم " " إقصار " مصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله: " الصلاة " و" اليوم " نصب على الظرفية، وهو مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: إقصار الناس الصلاة لماذا؟ أو لأيِ شيء؟ ونحو ذلك، والحال أن الله قد قال: {أنْ خِفْتُمْ أن يَفْتنَكُمُ الذِين كَفَروا} فقد ذهب ذلك اليوم، والمعنى: أن الحكم ينتهي بانتهاءَ علته.
قوله: " صدقة " مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أي: القَصْر في السفر صدقة تصدق الله بها عليكُم. واستدل الشافعي به أن القصر رخصة وليس بعزيمة، وقد أخرجه ابن حبان بلفظ:" فاقبلوا رخصته ". قلنا: الحديث دليل لنا , لأنه أمر بالقبول فلا يَبْقى له خيارُ الردّ شرعاً إذ الأمر للوجوب.
فإن قيل , المتصدقُ عليه يكون مختارا في قبول الصدقة كما في المتصدق من العباد؟ قلنا: معنى قوله: " تحقق الله بها عليكما حكم عليكم ,
__________
(1) المصدر السابق (14/ 3172) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 661) ، وأسد الغابة (5/ 523) ، والإصابة (3/ 668) .(5/59)
لأن التصدق من الله فيما لا يحتمل التمليك، يكون عبارةً عن الإسْقاط، كالعفو من الله، وفي الحديث فوائد أخرى، الأولى: جواز قول تصدق الله علينا، واللهم تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر. الثانية: جواز القصر في غير الخوف.
الثالثة: أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه دليلهُ، يسأله عنه. والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان.
1171- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا:
نا ابنُ جريج قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بن أبي عمار يُحدث، فذكر نحوه (1) . ش- محمد بن بكر بن عثمان البصري.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
ص- قال أبو داود: رواه أبو عاصم وحماد بن مَسْعدة كما رواه ابن بكر.
ش- أي: روى الحديث أبو عاصم النبيل وحماد بن مَسْعدة كما رواه محمد بن بكر.
وحماد بن مَسْعدة أبو سعيد البصري التميمي، وقيل: التيمي، ويقال:
[مولى] بأهلة. روى عن: هشام (2) بن عروة، وحميد الطويل، ويزيد بن، أبي عبيد، وعبد الله بن عون، وابن عجلان، ومالك بن انس. روى عنه: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن المثنى، وابن بشار، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. توفي بالبصرة في جمادى سنة اثنتين ومئتين. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في الأصل: " هاشم "خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1488) .(5/60)
258- بَابُ: مَتَى يَقْصُر المُسَافِرُ
أي: هذا باب في بنان قصر المسافر متى يكون؟
1172- ص- نا ابن بَشار، ثنا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن يحيى بن
يزيد الهُنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قَصْرِ الصلاة؟ فقال أنس: كان
رسولُ الله إذا خَرجَ مَسيرَ ثلاثة أميال أو ثَلاثة فَرَاسِخَ- شك (1) شعبةُ
شك (1) - يُصَلِّي رَكعتينَ (2) .َ
ش- محمد بن بشار.
ويحيى بن يزيد أبو نصر الهُنائي، ويقال: أبو زيد البصري. روى
عن: أنس بن مالك. روى عنه: شعبة، وإسماعيل ابن علية، وعتبة بن
حُميد. قال أبو حاتم: شيخ. روى له: مسلم، وأبو داود (3) .
والهُنائي- بضم الهاء-: نسْبة إلى هُناءة بن مالك بطن من الأزد،
وهم الجهاضم، وهم بالبصرة.
قوله: " ثلاثة أميال " الأميال جمعُ ميلٍ، وهو ثلث الفرسخ،
والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة، وهي ذراع ونصف بذراع العامة، وهو
أربع وعشرون إصبعا. وقال الشيخ محيى الدين: " والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة، والإصبع ست شعيرات
معرضات معتدلات ".
وقال الخطابي (4) : " إن ثبت هذا الحديث/ كانت الثلاثة الفراسخ [2/ 109 - ب] حداً فيما يقصر إليه الصلاة إلا أني لا أعْرف أحداً من الفقهاء يقولُ به،
وأما مذاهب الفقهاء فإن الأوزاعي قال: عامة الفقهاء يقولون: مسيرة يوم
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي سنن أبي داود: " شعبةُ شك "، وعند مسلم: وشعبة الشاك ".
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين (12/ 691) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 6947) .
(4) معالم السنن (1/ 226) .(5/61)
تام، وبهذا نأخذ. وقال مالك: يقصر من مكة إلى عُسْفان وإلى الطائف وإلى جُدة، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق، وإلى نحو ذلك أشار الشافعي حين قال: ليلتين قاصدتين، ويُروى عن الحسن والزهري قريب من ذلك قالا: يقصر في مسيرة يومين، واعتمد الشافعي في ذلك قول ابن عباس حين سئِل، فقيل له: يقصر إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة، وإلى الطائف، ورُوي عن ابن عمر مثل ذلك، وهو أربعة بُرد، وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام ".
قلت: قال داود وأهل الظاهر: يجوز في السفر الطويل والقصير حتى
لو كان ثلاثة أميالٍ قصَر. وقال الشيخ محيي الدين في تفسير هذا الحديث (1) : " هذا ليس [على] سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة , لأن الظاهر في أسفاره - عليه السلام - أنه ما كان يسافر سفرا طويلاً، فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يُسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر ونحو ذلك، فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدان على جواز القصر من حين يخرج من البلد، فإنه حينئذ يسعى مسافرا " انتهي.
وقال النمري: يحيى بن يزيد شيخ من أهل البصرة، وليس مثله ممن يحتمل أن يحمل مثل هذا المعنى الذي خالف فيه جمهور الصحابة والتابعة، ولا هو ممن يُوثقُ به في ضبط مثل هذا الأصل، وقد يحتمل أن يكون أراد ما تقدم ذكره من ابتداء قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال.
قلت: يحيى بن يزيد قد نص البخاري وغيره أنه سمع من أنس بن مالك، ولم يذكروا فيه طعناً والحديث قد أخرجه مسلم في " صحيحه " من روايته، وهو والحديث الذي بعده محمولان على أنه أرادَ ابتداء القصر
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/ 200 - 201) .(5/62)
في السفر الطويل، وحديث أنس الثاني جاء مفسرا أنه كان في حجته صلى الله عليه وسلم.
1173- ص- نا زهير بن حرب، نا ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن مَيْسرة، سمع أنس بن مالك يقولُ: صليتُ مع رسولِ الله "عليه السلام- الظُّهرَ بالمدينةِ أربعا والعَصرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكعتينِ (1) .
ش- سفيان بن عيينة.
وإبراهيم بن ميسرة الطائفي سكن مكة وحديثه في أهلها. سمع: أنس ابن مالك، وطاوس بن كيسان، ووهب بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، وابن جريج، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. مات قريبا من سنة ست وثلاثين ومائة (2) .
قوله: " بذي الحليفة " ذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينهما ستة أميال، ويقال: سبعة، وهذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، ولا حجة لهم في ذلك , لأن المراد به حين سافر- عليه السلام- إلى مكة في حجة العدل صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة، فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة غاية سفره، فلا دلالة فيه قطعاً وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يُفارق بنيان بلده أو خيام قومه، إن كان من أهل الخيام، هذا مذهب العلماء كافةً إلا رواية ضعيفة عن مالك، أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السافر قصر قبل خروجه، وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: يقصر إذا خرج من موضعه (1089) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين وقصرها (11/ 690) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التقصير في السفر (546) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: عدد صلاة الظهر في السفر
(1/ 235) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 255) .(5/63)
يدخل الليل. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
***
259- بَابُ: الأذانِ في السَّفر
أي: هذا باب في بيان الأذان في السفر، وفي بعض النسخ: " المسافر يؤذن "
[2/ 110- ب] / 1174- ص- نا هارون بن مَعْروف، نا ابن وهب، عن عَمرو بن الحارث، أن أبا عُشانَة المعَافِري حدثه، عن عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- يَقُولُ: " يَعْجَبُ رَبكَ من رَاعي غَنَمِ في رَأسِ شَظيَّة للجًبَلِ (1) ، يُؤَذن بالصلاة ويُصَلِّي، فيَقولُ الله: انَظُرُوا إلى عبدي هذا " يُؤَذِّنُ ويُقيمُ للصلاة (2) ، يَخافُ مني، قد كَفَرْتُ لعبدي، وأدخَلتُه الجنةَ" (3) .َ
ش- عبد الله بن وهب.
وأبو عُشانَة- بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، وبعد الألف نون- اسمه: حَيُّ- بالحاء المهملة- ابن يُؤمن- بضم التاء آخر الحروف- ابن حُجَيل بن حديج- بضم الحاء المهملة- ابن أسعد المصري المعافري. سمع: عبد الله بن عمرو بن عمرو بن العاص، وعُقْبة بن عامر الجهني، ورويفع بن ثابت الأنصاري، وأبا اليقظان. روى عنه: الحارث بن يزيد الحضرمي، وأبو قبيل، وعَمْرو بن الحارث، وابن لهيعة، وغيرهم. قال ابن حَنبل: ثقة، وكذا قال ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى: له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " بجبل "
(2) في سنن أبي داود: " ويقيم الصلاة ".
(3) النسائي: كتاب الأذان، باب: الأذان لمن يصلي وحده (2/ 20) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1583) .(5/64)
قوله:" يَعْجبُ رَبك " التعجبُ إعظامُ أمرِ لخفاء سببه، وهو محال على الله تعالى , لأنه لا يخفى عليه أسْبابُ الأشياء، ويكون إسناد هذا الفعل إلى الله مجازا، والمعنى: يَعظمُ ويكبرُ عند الله فعلُ هذا الراعي، فيكون هذا من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم , لان التَعظيم والتكبير من لوازم التعجب , لأن من عجب من أمرِ يُعظم ذلك الأمر ويكبِرْه (1) . قوله: " في رأس شظية " الشَظية- بفتح الشن المعجمة، وكسر الظاء المعجمة، وفتح الياء آخَر الحروفَ المشددة- هي القطعةُ المرتفعة من رأس الجبل، والشظِية الفِلْقة من العصا ونحوها وجمعها شَظايا. وهذا الحديث رجال إسناده ثقات، وإنما أخرجه في هذا الباب , لأن الرعيان غالبا يَبْعدُون من المُدُن مَسافةَ السفر، فإذا أذنوا وصلوا يحصل لهم هذا الثواب العظيم، ويفهم أيضا أن الأذان سُنَة في حق المسافرين.
***
260- بَابُ: المُسَافر يُصَلِي وهو يَشُكّ فِي الوَقتِ
أي: هذا باب في بيان المسافر الذي يُصلِي الصلاة والحال أنَه يشكُ في
الوقت.
1175- ص- نا مسدد، هنا أبو معاوية، عن المسْحاج بن موسى قال: قلتُ لأنس بن مالك: حدثنا ما سَمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كُنا إذا كُنَّا معه النبيِّ- عليه السلام- في السفَر فقلنا: زَالَتَ اَلشمسُ، أو لم تَزُلْ، صَلّي الظُّهرَ فارْتَحَلَ (2) ، (3) .
ش- أبو معاوية محمد بن حازم الضرير.
__________
(1) بل أجمع السلف على ثبوت العجب لله، عجبا يليق به سبحانه، من غير تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} اعتقاد أهل السُنَة والجماعة، وانظر مجموع الفتاوى (3/ 138 وما بعدها) .
(2) في سنن أبي داود: " ثم ارتحل "
(3) تفرد به أبو داود.(5/65)
والمسحاج- بكسر الميم وسكون السين المهملة، وفتح الحاء المهملة، وفي آخَره جيم- ابن موسى الضبي الكوفي، أخو سماك بن موسى. سمع: أنس بن مالك. روى عنه: أبو معاوية، ومغيرة، ومروان بن معاوية، وجرير بن عبد الحميد. قال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به (1) .
ومعنى الحديث: أنه- عليه السلام- كان يُصلي الظهر في السفر في أول الوقت جدا من غير تأخير، حتى كانوا يَشكون في زوال الشمس، وإنما كان يُبادر عليه السلام لأجل المَسِير.
1176- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن شعبة، حدثني حمزة العائذي رجل من بني ضبة- قال: سمعت أنس بن مالك يَقولُ: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم إذا نَزَل منزلا لم يَرْتَحِلْ حتى يُصَلي الظهرَ، فقالَ له رجل فإن (2) كان بِنصْفِ النهارِ؟ قال: وإِنْ كان بِنصفِ النهارِ (3) .
ش- يحيى القطان.
وحمزة بن عَمرو العائذي- بالذال المعجمة- أبو عمر الضبي، وعائذ الله من فئة. روى عن: أنس بن مالك، وعمر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، والقمة بن وائل. روى عنه: ابنه عمرو، وعوف الأعرابي، وشعبة بن الحجاج. قال أبو حاتم: هو شيخ. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
قوله: " وإن كان بنصف النهار " المراد به: أول الوقت، وأول الوقت يطلق عليه نصف النهار، وليس المعنى: أنه كان يصلي قبل الزوال. والحديث أخرجه النسائي.
__________
11) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5898) .
(2) في سنن أبي داود: " وإن "
(3) النسائي: كتاب المواقيت، باب: تعجيل الظهر في السفر (1/ 248) . (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1511) .(5/66)
261- باب: الجمعُ بين الصَّلاتين
أي: هذا باب في بنان حكم الجمع بَيْن الصلاتين.
/ 1177- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن [2/ 110 - ب] أبي الطُفيل عامر بن واثلة، أن معاذ بن جبل أخبرهم، أنهم خَرَجُوا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَة تَبُوك، فكانَ رسولُ الله- عليه السلام- يَجْمَع بين
الظهرِ والَعَصْرِ والمَغربَ والَعشاءِ، فأخرَ الصَلاةَ يوماً، ثم خَرَجَ فَصلى
الظهرَ والعصرَ جميعا، ثم دَخَلً ثم خَرَجَ فَصلى المغربَ والعِشاءَ جَمِيعاً! 2) .
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس.
وأبو الطفيل عامر بن واثلة. ويقال: عمرو بن واثلة، والصحيح عامر
ابن واثلة بن عبد الله بن عمرو (2) بن جحش، ويقال: خميس (3) بن
جري (4) بن سَعْد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الليثي، ولد عام
أحُد، وأدرك ثمان سنين من حياة النبي- عليه السلام-، روي له عن
رسول الله تسْعة أحاديث. وروى عن: عليّ بن أبي طالب، وكان من
شيعته، وروى عن: معاذ بن جبل. روى عنه: سعيد الحريري، والزهري، وأبو الزبير المكي، وغيرهم، سكن الكوفة، ثم أقام بمكة
حتى مات بها سنة مائة، وهو آخر من مات من جميع أصحاب النبي
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز الجمع بين الصلاتين (52/ 706) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر (1/ 285) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجمع بين صلاتين في السفر (1070) .
(2) في الاستيعاب وأسد الغابة: " عمير بن جابر" وفي تهذيب الكمال والإصابة كما عندنا.
(3) في الاستيعاب: " عُميس " وفي أسد الغابة: " حميس "، وفي الإصابة: " جهيش "، وفي تهذيب الكمال كما عندنا.
(4) في الاستيعاب:" حدي "، وفي أسد الغابة: " جدي "، وفي تهذيب الكمال والإصابة كما عندنا.(5/67)
- عليه السلام-. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " في غَزْوة تبوك " وكانت في سنة تسع، وتبوك- بفتح التاء المثناة من فوق، وضم الباء الموحدة -: بليدة بين الحجْر والشام، وبها عين ونخيل، وقيل: كان أصحابُ الأيكة بها، وتمسك الشافعي- رضي الله عنه- بهذا الحديث وبما يشابهه في جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر.
وقال الخطابي (2) : " في هذا بيان واضح أن الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة وبغير المزدلفة جائز، وفيه أن الجمع بين الصلاتين لمن كان نازلاً في السفر غير سائر جائز، وقد اختلف الناس في الجمع بين الصلاتين في غير يوم عرفة بعرفة والمزدلفة، فقال قوم: لا يجمع بين صلاتين، وتصلى كل واحدة منهما في وقتها، يُروى ذلك عن إبراهيم النخعي، وحكاه عن أصحاب عبد الله، وكان الحسن ومكحول يكرهان الجمع في السفر بين الصلاتين. وقال أصحاب الرأي: إذا جمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر إلى آخر وقتها، وعجل العَصْر في أول وقتها، ولا يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، ورووا عن سَعْد بن أبي وقاص، أنه كان يجمع بينهما كذلك. وقال كثير من أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، إن شاء قدم العصر، وإن شاء أخر الظهرَ على ظاهر الأخبار المروية في هذا الباب، هذا قول ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبد الله، وطاوس، ومجاهد، وبه قال الشافعي وإسحاق بن راهويه. وقال أحمد بن حنبل: إن فعل ذلك لم يكن به بأس ".
قلت: واستدل أصحابنا بما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 14) ، وأسد الغابة (3/ 145) ، والإصابة (4/ 113) .
(2) معالم السنن (1/ 227 - 228) .(5/68)
ابن مسْعود قال: مَا رأيت رسول الله- عليه السلام- صلى صلاةً لغير وقتها إلا بجمع، فإنه جَمعَ بين المغرب والعشاء بجمَعْ، وصَلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها ".
وبما رواه مسلم عن أبي قتادة، أن النبي- عليه السلام- قال: " ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى". والجواب عن الأحاديث الواردة في الجمع بَين الصلاتين في غير عرفة وجَمْع ما قاله الطحاوي في " شرح الآثار": أنه صَلى الأولى في آخر وقتها، والثانية في أول وقتها، لا أنه صلاهما في وقت واحدٍ، وقَوِيَ ذلك بما رواه ابن مسعود وأبو قتادة المذكور الآن، ثم قال: ويُؤيدُ ما قلنا ما أخرجه مسلم (1) عن ابن عباس قال: " صَلى رسولُ الله- عليه السلام- الظهر والعَصْر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر "، وفي لفظ قال: " جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مَطر " قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته. قال: ولم يقُلْ أحد منا ولا منهم بجواز الجمع في الحضر، قال: فدل على أن معنى الجمع ما ذكرناه من تأخير الأولى وتعجيل الآخرة. قال: وأما عرفة وجمع فهما مَخصوصتان بهذا الحكم.
فإن قيل في حديث ابن عمر: " إذا جد به السيرُ جمعَ بَين/ المغرب [2/ 111 - ب] والعشاء بعد أن يغيبَ الشَفَقُ "، وهذا صريح في الجَمْع في وقت إحدى الصلاتين.
وقال الشيخ محيي الدين: وفيه إبطال تأويل الحنفية في قولهم أن المراد بالجمع: تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الثانية إلى أول وقتها، ومثله في حديث أنس: " إذا ارتحل قبل أن تزيغَ الشمسُ أخر، لظهرَ إلى وقت العصر، ثم نزل فجمعَ بينهما "، وهو صريح في الجمع في وقت
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.(5/69)
الثانية، والرواية الأخرى أوضح دلالة، وهي قوله: "إذا أراد أن يَجمَع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما"، وفي الرواية الأخرى: " ويؤخر المغرب حتى يجْمع بينها وبين العشاء حين يَغيبَ الشفقُ ".
قلنا: أمّا الجوابُ عن الأول أن الشفق نوعان: أحمر وأبيض، كما اختلف العلماء من الصحابة وغيرهم فيه، ويحتمل ابنه جمعَ بينهما بعد غياب الأحمر، فيكون المغربُ في وقتها على قول مَنْ يقول الشفقُ هو الأبيض وكذلك العشاء تكون في وقتها على قول من يقول الشفق هو الأحمر، ويُطلقُ عليه أنه جمع بينهما بعد غياب الشفق، والحال أنه قد صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في تفسير الشفق، وهذا الجواب مما فُتِحَ عليكَ من الفيض الإلهي، وفيه إبطاء لأبطال تأويل الحنفية. والجواب عن الثاني: أن معنى قوله: " أخر الظهر إلى وقت العصري أخره إلى آخر وقته الذي يتصل به وقت العصر، فيصلي الظهر في آخر وقته، ثم يصلنا العصر متصلاً به في أول وقت العصر، فيطلق عليه أنه جمع بينهما لكنه فعْلاً لا وقتا.
والجواب عن الثالث: أن أول وقت العصر مختلف فيه - كما عرف - وهو إما بِصَيْرُورَةِ ظل كل شيء مثله أو مثليه، فيحتملُ ابنه أخر الظهرَ إلى أن صار ظل كل شيء مثله، ثم صلاها، وصلى عقابها العصر، فيكون قد صلى الظهر في وقتها على قول مَنْ يَرَى أن آخر وقت الظهر بصيرورة ظل كل شيء مثليه، ويكون قد صلى العصر في وقتها على قول من يرى أن أول وقتها بصيرورة ظل ط كل شيء مثله، ويَصدُقُ على مَنْ فعل هذا أنه جمع بينهما في أول وقت العصر، والحال أنه قد صلى كل واحدة منهما في وقتها على اختلاف القولين في أول وقت العَصْر، وبمثل هذا لو فعل المقيم يجوز، فضلاً عن المسافر، الذي يحتاج إلى التخفيف.
والجوابُ عن الرابع مثل الجواب عن الأول، فافهم.(5/70)
قيل: قد ذكر البيهقي في باب " الجمع بين الصلاتين في السفر" (1)
عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه سار
حتى غاب الشفق إلى آخره، ثم قال: ورواه معمر عن أيوب، وموسى
ابن عقبة، عن نافع، وقال: في الحديث: " أخر المغربَ بعد ذهاب الشفق، حتى ذهب هوى من الليل، ثم نزل فصلى المغرب والعشاء الحديث. قلنا: لم يذكر سنده ليُنظر فيه، وقد أخرجه النسائي بخلاف
هذا فقال: أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن
موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: "كان- عليه السلام- إذا
جَد به أمر أو جد به السَيْرُ جمع بين المغرب ولعشاء ".
وأخرج الدارقطني في " سننه " من حديث الثوري، عن عبيد الله بن
عُمر وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر:" كان
- عليه السلام- إذا جذ به السيرُ جمعَ بين المغرب والعشاء ".
فإن قيل: قد قال البيهقي: ورواه يزيد بن هارون، عن يحيى بن
سعيد الأنصاري، عن نافع، فذكر أنه سار قريبا من ربع الليل، ثم نزل
فصلى. قلنا: أسنده في " الخلافيات " من حديث يزيد بن هارون بسنده المذكور، ولفظه:" فسرْنا أمنالا، ثم نزل فصلى " قال يحيى: فحدثني
نافع هذا الحديث مرةً أخرى فقال: " سرْنا حتى إذا كان قريبا من ربع
الليل نزل فصلى"، فلفظهُ مضطرب كما ترى، قد رُوي على وجهين،
فاقتصر البيهقي في" السنن " على ما يُوافقُ مقصوده.
وحديث معاذ أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1178- ص- نا سليمان بنن داود العتكي، نا حماد، نا أيوب، عن نافع،
أن ابن عمر اسْتُصْرِخَ على صَفيةَ- وهو بمَكةَ- فسَارَ حتى فَربت الشم
وبَدْتِ النجُومُ،/ فقال: أن الَنبيَّ- عليهم السلام- كان إذا عَجِلً به أمر في [2/ 111 - ب]
__________
(1) كتاب الصلاة (3/ 159) .(5/71)
سَفَر جَمَعَ بين هَاتينِ الصلاتَينِ، فسَارَ حتى غَابَ الشفَقُ، فَنَزَلَ فَجَمَعَ بينهمَا (1) .
ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني.
وفي بعض النسخ: " نا حماد- يعني: ابن زيد- نا أيوب" وفي بعضها: " عن أيوب "، ولا فرق بين " حدَّثنا " و" عن " عند الجمهور إلا إذا كان الراوي مُدلسا، فحينئذ " عَنْ " لا يدل على الاتصال، فافهم. قوله: " استُصْرِخ " على بناء المجهول، يُقال: استصرخ الإنسان، وبه إذا أتاه الصارخُ، وهو المُصوت يُعلمِه بأمرٍ حادثٍ يستعين به عليه، أو ينعي له مَيْتا، والاستصراخ: الاستغاثة.
قوله: " وبدت " أي: ظهرت النجومُ، وقد ذكرنا الجواب عن هذا الحديث. وأخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن عمر، عن نافع، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي من حديث سالم بن عبيد الله بن عمر، عن أبيه بمعناه أتم منه. وقد أخرج المُسْنَدَ منه بمعناه مسلم والنسائي من حديث مالك، عن نافع.
وصفية بنت أبي عبيد بن مَسْعود الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد الكذاب، امرأة عبد الله بن عمر بن الخطاب، رأت عمر بن الخطاب، وابنه: عبد الله، وروت عن عائشة. روى عنها: نافع مولى ابن عمر، وعبد الله بن دينار، وقال نافع مرةً: عن حفصة أو عن عائشة. قال أحمد بن عبد الله: هي مدنية ثقفية ثقة. روى لها: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وعمرت أزيد من ستين عاما (2) .
1179- ص- نا يزبد بنُ خالد بن يزبد بن عبد الله الرملي الهمداني،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (35/ 7875) .(5/72)
نا المفضلُ بن فضالة، والليثُ بن سَعْد، عن هشام بن سَعْد، عن أبي الزْبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل، أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان في غَزوة تَبُوك إذا زَاغت الشمسُ قبلَ أن يَرْتَحِلَ جَمَعِ بين الظهرِ والعَصْرِ، وإن تَرَحلً قبلَ أن تَزِيَغَ الشمسُ أخرَ الظهرَ حتى ينزِلَ للعَصْرِ، وفي المغرب مثلُ ذلك: إنْ غَابَ الشَقُ (2) قبلَ أنْ يَرْتَحِلَ جَمَعِ بين المغرب والعشاء، وإن ارْتَحَلَ (3) قَبلَ أن تَغيبَ الشمسُ أَخرَ المغرب حتى يَنزِلَ للَعشَاءَ، ثَم جمَعَ بينهما (4) .َ
ش- معنى " زاغت ": مَالَت.
قوله: " وإن ترَحل " وفي بعض النسخ: " وإن ارتحل "، وكلاهما بمعنىً، وقد حكي عن أبي داود أنه أنكر هذا الحديث، وحكي عنه أيضا أنه قال: ليس في تقديم الوقت حديث قائم.
ص- قال أبو داود: رواه هشامُ بنُ عُروةَ، عن حسينِ بنِ عبد الله عن كُرَيب، عن ابنِ عباس، عن النبيِّ- عليه السلام- نحوَ حديثَ المفَضل واللَيْثً.
ش- أي: روى هذا الحديث هشام بن عروة بن الزبير، عن حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبي عبد الله، عن كريب مولى ابن عباس. وحسين هذا لا يحتج بحديثه. قال ابن المديني: تركتُ حديثه. وقال أبو جعفر العقيلي: وله غير حديث لا يُتابع عليه. وقال أحمد بن حنبل: له أشياء منكرة. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: هو ضعيف يكتب حديثه، ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال النسائي: متروك الحديث.
__________
(1) في سجن أبي داود: " يرتحل ".
(2) في سنن أبي داود: " إن غابت الشمس ".
(3) في سجن أبي داود: " يرتحل ".
(4) انظر الحديث (1177) .(5/73)
وقال السعدي: لا يُشتغلُ بحديثه. وقال ابنُ حبان: يَقْلبُ الأسانيدَ، ويَرْفعُ المراسيلَ. توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له: ابن ماجه. وقال ابن سَعْد: وكان كثير الحديث، ولم أرهم يحتجون بحديثه.
1180- ص- نا قتيبة، نا عبد الله بن نافعِ، عن أبي مَوْدود، عن سليمان ابن أبي يحيى، عن ابن عمر قال: مَا جَمَع رسولُ اللهِ بينَ المغربِ والعِشاءِ قَط في سَفَرٍ (1) إلا مَرة (2) .
ش- عبد الله بن نافع أبو محمد المدني الصائغ، وأبو مَوْدود هذا اسمه: عبد العزيز بن أبي سليمان المدَني، وسليمان بن أبي يحيى، يروي عن ابن عمر، روى عنه ابن عجلان، كذا ذكره ابن حبان في "الثقات ". ص- قال أبو داود: هذا يُروى عن أيوب، عن نافع موقوف (3) على ابنِ عُمرَ، أنه لم يُرَ ابنُ عُمر جَمعَ بينهما قَط إلا تلكَ الليلةِ، يعني: ليلةَ اسْتُصْرِخَ على صَفيَّةَ.
ش- أي: هذا الحديث يُروى عن أيوب السختياني، عن نافع مولى ابن عمر.
قوله: " موقوف " مرفوع بإسناد يُرْوى إليه.
قوله: " ليلة استصرخ " أراد به الليلة التي جاء إليه الناعِي بصفية امرأة ابن عمر.
[2/ 112 - ب] صِ- ورُوي من حديث مكحول، عن نافع: أنه رَأى/ ابنَ عُمرَ فَعلَ ذلك مرة أو مَرَتينِ.
ش- مكحول بن زير الدمشقي، وهذا أيضا مَوْقوفٌ.
ص- وروى عاصم بن محمد، عن أخيه، عن سالمِ. ورواه ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " السفر ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " موقوفا ".(5/74)
أبي نجيع، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، أن الجَمعَ بينهما كان من ابنِ عمرَ بعد غُيُوبِ الشفَقِ (1) .
ش- عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المدني أخو أبي بكر وعُمر وزيد. روى عن: أبيه، وإخوته: عُمر وَواقد، ومحمد بن المنكدر. روى عنه: وكيع، وإسحاق الأزرق، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
وأخوه هنا هو: عُمر بن محمد بن زيد القرشي، نزل عسقلان الشام. روى عن: أبيه، وجده، وعم أبيه سالم، وزيد بن أسلم، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وابن وهب، وابن عيينة، وابن علية، وأخوه عاصم. قال أحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي بعسقلان مُرابطا. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وسالم هو: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقد ذكرناه، وابن أبي نجيح اسمُه: عَبْد الله.
وإسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب الأسدي، أسد خزيمة المديني. سمع: عطاء بن يَسَار. روى عنه: ابن أبي نجيح، وسعيد بن خالد (4) القارطي. وقال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (5) .
والحديث رواه البيهقي في " سننه " وقال: عاصم بن محمد رواه عن أخيه عمر بن محمد، عن سالم، عن ابن عمر كرواية الذين رووا عن
__________
(1) قول أبي داود هذا قد ذكر في سنن أبي داود عقب حديث رقم (1188)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 3027) .
(3) المصدر السابق (1 2/ 4303) .
(4) في الأصل: " سعيد بن حاتم " خطأ.
(5) المصدر السابق (3/ 460) .(5/75)
نافع، عن ابن عمر، أن الجمع بينهما كان بعد غيوب الشفق، ولذا ذكره في " الخلافيات "
قلت: إسناده فن " سنن الدارقطني" بخلاف هذا، فإذا أخرجه من جهة عاصم بن محمد، عن أخيه عمر، عن نافع، عن سالم، عن ابن عمر. وجاء هذا الحديث عن سالم، عن (1) ابن عمر من وجه آخر بخلاف هذا. قال النسائي (2) : أنا عَبْدة بن عبد الرحيم، أنا ابن شميل، ثنا كثير بن قَارَوَندَا قال: سألنا سالم بن عبد الله عن الصلاة في السفر، فقلنا: أكَانَ عبدُ الله يجمعُ بين شيء من الصلوات في السفر؟ فقال: لا، إلا بجَمع، ثم انتبه (3) فقال: كانت تحته صفية فأرسلت إليه أني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فركب وأنا معه، فأسْرع السَيْر حتى حَانت الظهر، فقال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فسار حتى إذا كان بين الصلاتين نزل، فقال للمؤذن: أقم، فإذا سَلمتُ من الظهر فأقم مكانك، فأقام فصلى الظهر ركعتين، ثم سلم، ثم أقامَ مكانه فصلى العصرَ ركعتين، ثم ركب فأسْرعَ السيْرَ حتى غابت الشمسُ، فقال له المؤذنُ: الصلاةَ يا أبا عبد الرحمن، فقال: كفعلتك الأولى، فسارَ حتى إذا اشتبكت النجومُ نزل، فقال: أقْم فإذا سَلمْتُ فأقمْ، فأقام فَصلى المغربَ ثلاثا، ثم أقام مكانه وصلى العِشاء الآخرة" (4) . وهذا سند جيد رجاله ثقات.
1181- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد
__________
(1) وضعت علامة الإلحاق في الأصل، إشارة إلى إلحاق كلمة " عن "، ولم تكتب في الحاشية.
(2) كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء (1/ 288) ، وانظر: (1/ 282) .
(3) في سنن النسائي: " أتيته " كذا.
(4) في سنن النسائي زيادة: " ثم سلم واحدة تلقاء وجهه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا حضر أحدَكم أمرا يخشى فوته، فليصل هذه الصلاة ".(5/76)
ابن جبير، عن عبد الله بن عباس قال: صَلَّى رسولُ الله الظهرَ والعَصرَ جميعا، والمغربَ والعِشاءَ جميعا في غَيرِ خَوف ولا سَفَرِ " (1) .
قال مالك: أرَى ذلك كان في مطَرِ.
ش- " جميعا " نصب على الحال بمعنى مجتمعتين.
قوله: " أرى ذلك " على صيغة المجهول، أي: أظن فعل رسول الله ذلك في وقت مطرٍ.
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وليس فيه كلام مالك، وقد تكلمت العلماء فيه، فأؤَله بعضهم على أنه جمع بعذر المَطر.
وقال الخطابي (2) : " وقد اختلف الناس في جواز الجمع بين الصلاتين للممطور في الحضر، فأجازه جماعة من السلف، رُوي ذلك عن ابن عمر، وفعله عروة بن الزبير، وابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو سلمة، وعاقة فقهاء المدينة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، غير أن الشافعي اشترط في ذلك أن يكون المطر قائما في وقت افتتاح الصلاتين معاً، وكذلك قال أبو ثور، ولم يشترط ذلك غيرُهما، وكان مالك يرى أن يجمع الممطور في الطين، وفي حال الظلمة، وهو قول عمر بن عبد العزيز. وقال الأوزاعي وأصحاب/ الرأي: يصلي الممطور كل صلاة في وقتها. [2/ 112 - ب]
قلت: هذا التأويل ترده الرواية الأخرى " من غير خوف ولا مطرٍ ". وأؤله البعْض على أنه كان في غيم، فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن أول وقت العصر دخل فصلاها، وهذا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصْر، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (54/ 705) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الجمع بين الصلاتين
في الحضر (1/ 290) .
(2) معالم الحق (1/ 229) .(5/77)
وأؤله البعضُ على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها، فصارت صُورة جمع.
قلت: هذا هو الصواب، ولا وجه له غير ذلك، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذا ضعيف، أو باطل , لأنه مخالف للظاهر , لأنه لا مخالفة فيه لا ظاهرا ولا باطنا، يظهر ذلك بالتأمل. وأوله البعض على أنه كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار.
وقال الشيخ (1) محيى الدين (2) : " وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار لتأويله لظاهر الحديث، ولأن المشقة أشد فيه من المطر ". قلت: هذا أيضا ضعيفٌ , لأنه مخالف للظاهر، وتقييده بعذر المرض ترجيح بلا مرجح، وتخصيص بلا مخصصٍ، وهو باطل.
ص- قال أبو داودَ: رواه حمادُ بنُ سَلَمةَ (3) ، عن أبى الزبير. ورواه قرةُ ابنُ خالد، عن أبي الزبير قال: في سَفْرَة سَافَرَهَا (4) إلى تَبوك.
ش- أي: روى الحديث المذكورً حمادُ بن سلمة، ً عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس.
قوله: " ورواه قرةُ بن خالد " حديث قرة هذا رواه مُسلم " في " صحيحه " عن ابن عباس، " أن رسول الله جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعَصْر، والمغرب والعشاء" (6) . 1182- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن حبيب، عن سعيد، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جَمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ والعصَرَ والمغربَ والعشاءَ بالمدينة منْ غَير خَوْت ولا مَطَرٍ، فقيلً لابنِ عَباسٍ: ما أرَادَ إلى ذلك؟ قَال: أرادَ أنه لَا يُحْرِجً أمته لم 6) .
__________
(1) في الأصل: " الشيخ ".
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 218) .
(3) في سنن أبي داود: " ورواه حماد بن سلمه نحوه ".
(4) في سنن أبي داود: " سافرناها ".
(5) كتاب " صلاة المسافرين " باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (705/ 51) .
(6) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الجمع بين الصلاتين فيه =(5/78)
ش- حبيب بن أبي ثابت الكوفي، وسعيد بن جبير.
والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
قال الخطابي (1) : " هذا حديث لا يقول به كثر الفقهاء، وإسناده جيد، ألا ما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يَقولُ به، ويَحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعتُ أبا بكر القتال ويحكيه عن أبي إسحاق المركزي. قلا ابن المنذر: ولا معنى بحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار , لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه، وهو قوله: " أراد أن لا يحرج أمته " وحكي عن ابن سيرن أنه كان لا يرى بأسا أن. يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة، أو شتاء (2) ما لم يكن يتخذه عادة. وتأوله بعضهم على أن يكون ذلك في حال المرض؟ وذلك لما فيه من إرفاق المريض، ودفع المشقة عنه، فحمْلُه على ذلك أولى من صرفه إلى مَن لا عذر له ولا مشقة عليه من الصحيح البدن، المنقطع العذر.
وقد اختلف الناس في ذلك، فرخص عطاء بن أبي رباح للمريض في الجمع بين الصلاتين، وهو قول مالك وأحمد بن حنبل. وقال أصحاب الرأي: يجمع المريض بين الصلاتين، إلا أنهم أباحوا ذلك على شرطهم في جمع المسافر بينهما، ومنع الشافعي من ذلك في الحضر ألا للممطور. قلت: كل تأويل أهلوه في هذا الحديث يَرفه قولُ ابن عباس: " أرادَ
أن لا يُحْرجَ أفتحه " ما خلا التأويل الذي أوله الطحاوي، على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، وتقديم الأخرى لأول وقتها، على ما تأويله أبو الشعثاء جابر بن زيد، وعمرو بن دينار في "وصحيح مسلم ". وقال الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديث أجمعت الأمم (3) على
__________
= الحضر (49/ 705) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر (187) ، وهو صحيح، النسائي: كتاب المواقيت،
باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (1/ 290) .
(1) معالم السنن (229/1- 230) . (2) في معالم السنن:" أو شيء " (3) كذا.(5/79)
ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمْع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة.
قلت: هذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسْخه. وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، فإن جماعة ذهبوا إلى العمل بظاهره، وآخرين أولوه كما ذكرناه، والصواب ما قاله الطحاوي.
[2/ 113 - أ] / 1183- ص- نا محمد بن عُبيد المحاربي، نا محمدُ بن فُضَيْل، عن أبي عن نافع وعَبْد الله بن واقد، أن مُؤِذنَ ابنِ عُمرَ قال: الصلاةَ قال: سرْ (1) ! حتى إذا كانَ قبلَ غُيُوب الشفَق نزَلَ فَصَلَّى المغْربَ، ثم انتظَرَ حتى كًابَ الشفقُ فصلى (2) العشاءَ، َ ثم قالَ: إِن رسولَ الله كان إذا عَجلَ به أمر صَنعً مثلَ الذي صَنَعْتُ، فسًارَ في ذلك اليوم والليلةِ مَسِيرَةَ ثَلاث (3) . ش- أبوه فُضيل بن غزوان بن جرير الكوفي الضبي، مولاهم أبو الفَضْل. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، ونافع مولى ابن عُمر، وأبي إسحاق السبيعي، وغيرهم. روى عنه: ابنه محمد، والثوري، وابن المبارك، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل وابن معين: ثقة. روى له الجماعة (4) .
وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. روى عن: النبي- عليه السلام- مُرسلا. وسمع: جده عبد الله ابن عمر، وعَمه عبد الله بن عبد الله بن عمر. روى عنه: الزهري، وسَعْد بن إبراهيم، وفضيل بن غزوان، وغيرهم. أخرجَ له مسلم حديثا واحدا مرسلاً في الأضحية، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) في سجن أبي داود: " سر سرْ! ".
(2) في سجن أبي داود: " وصَلىَ ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4766) .
(5) المصدر السابق (6 1/ 3636) .(5/80)
قوله:" قبل غيوب الشفق "، وفي بعض النسخ: " قبل غروب الشفق " وهذا الحديث فيه تصريح على أن الجمع بين الصلاتين هو الجمعُ فعلا لا وقتا، ومُؤكد لتأويل الطحاويّ وغيره من أصحابنا.
ص- قال أبو داودَ: رواه ابنُ جابرٍ، عن نافعٍ نحو هذا بإسناده.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الله بن جابر أبو حمزة البصري، عن نافع مولى ابن عمر نحو هذا الحديث بإسناده.
1184- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا عيسى، عن ابن جابر بهذا المعنى (1) .
ش- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
قوله: " بهذا المعنى " إشارة إلى معنى الحديث المذكور.
ص- ورواه عبدُ الله بنُ العَلاء بنِ زَبْر، عن نافعِ قال: حتى إذا كان عندَ ذهابه الشفقِ نَزَلَ فجَمَعَ بينهما. َ
ش- أي: روى هذا الحديث عَبدُ الله بن العلاء بن زَبْر، عن نافع الحديث. والرواية الصحيحة ما رواه فُضيلِ بن غزوان وابن جابر، عن نافع، ولئن سلمنا فالمعنى عند قرب ذَهاب الشفق أو بعد ذهاب الشفق الأحمر،! ما قررناه مرةً مستوفى.
1185- ص- لا سليمان بن حرب ومسدَّد قالا: نا حمادٌ ح، ولا عمرو ابن عون، أنا حماد بن زبد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زبد، عن ابن عباس قال: صلى بنا رسولُ الله بالمدينة ثَمَانيا وسَبْعا: الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ (2) .
ش- الظاهر والعصر بيان لقوله: " ثمانيا "، والمغرب والعشاء بيان
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: الجمع في السفر بين المغرب والعشاء (1107) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر (49/ 705) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المقيم (1/ 286) .
6 " شرح سنن أبي داوود 5(5/81)
0
لقوله: " وسبعا " , لأنهما سبع ركعات، وهذا أيضا محمول على الجمع فعلاً لا وقتا، يؤيده ما جاء في رواية مسلم: " قلتُ يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهرَ وعجل العَصْرَ، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال (1) : وأنا أظن ذلك!. وفي البخاري بمعناه. وأدرج هذا الكلام في الحديث في كتاب النسائي. قلت: فاعل قوله: " قلت، هو عمرو بن دينار. وأبو الشعثاء كنية جابر بن زيد، فافهم.
الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
ص- ولم يقل سليمان ومُسدد: " بنا ".
[ش]- أي: لم يَقلْ سليمانُ بن حرب ومسدد بن مُسرهد- كلاهما من شيوخ أبي داود- في روايتهما: " صلى بنا" بل قالا: " صلى رسولُ الله " بلا لفظ " بنا "
ص- قال أبو داود: ورواه صالح مولى التَوأمَة، عن ابن عباس قال: "في غَيرِ مطرٍ "
ش- أي: روى هذا الحديث صالح عن ابن عباس، وقال في روايته: في آخر الحديث: " في غير مطرٍ "
وصالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجُمحي وهو صالح ابن أبي صالح المدني، وقال أبو زرعة: هو صالح بن صالح بن نبهان، وكنية نبهان أبو صالح مولى التوأمة، ويكنى هو بأبي محمد مولى ابنة أمية ابن خلف، والتوأمة كانت معها أخت لها فسميت هذه التوأمة، وسُميت الأخرى باسم آخر. سمع: أبا هريرة، وزيد بن خالد، وابن عباس. روى عنه: ابن أبي ذئب، والثوري، وعمارة بن غزية، وابن جريج، وغيرهم. قال ابن معين: صالح مولى التوأمة ثقة حجة. قيل: إن مالك بن أنس ترك السماع منه؟ قال: إنما أدركه مالك بعد ما كبر وخرف، والثوري إنما أدركه بعد ما خرف، فسمع منه أحاديث منكرات،
__________
(1) في الأصل: " قاله "، وما أثبتناه من صحيح مسلم.(5/82)
ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف، ومن سمع منه قبل أن
يختلط فهو ثبت. وقال أبو زرعة: مدني ضعيف./ وقال أبو حاتم: [2/ 113 - ب] ليس بقوي. روى له: ابو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
1186- ص- نا أحمد بن صالح، نا يحيى بن محمد الجَازِي (2) ، نا
عبد العزيز بن محمد، عن مالك، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم غابَتْ له الشمسُ بمكةَ، فجَمَعَ بينهما بسَرِفَ (3) .
ش- يحيى بن محمد بن عبد الله بن مهران الجازي بالجيم والزاي (2)
- وهو مرفأ السفن- الحجازي. روى عن: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد العزيز الليثي، وعبد الله بن خالد. روى عنه: احمد
ابن صالح المصري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وهارون الحمَّال. قال البخاري: يتكلم فيه. وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأبو الزبير المكي، وجابر بن عبد الله.
قوله: " فجمع بينهما " أي: بين المغرب والعشاء.
قوله: " بسَرفَ" بفتح السن، وكسر الراء المهملتين، وبعدها فاء،
وهي لا تنصرف للعلمية والتأنيث. والحديث أخرجه النسائي.
1187- ص- لا محمد بن هشام جارُ أحمد بن حنبل، نا جعفر بن
عون، عن هشام بن سعد قال: بينهما عَشْرةُ أميال، يعني: بين مكةَ وسَرِف (5)
ش- محمد بن هشام بن عيسى القصير أبو عبد الله المَروذي، سكن
بغداد في جوار أحمد بن حنبل، وحدَّث عن هُشيم بن بَشِير،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2842) .
(2) كذا " بالزاي "، وفي مصادر ترجمتها بالراء " وهو الجادة.
(3) النسائي: كتاب المواقيت، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر (1/ 287) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6913)
(5) انظر الحديث السابق.(5/83)
وأبي معاوية الضرير، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. سمع منه: احمد بن حنبل، ويحيى بن معين. وروى عنه: أبو داود، والنسائي، والبخاري. قال الخطيب: وكان ثقة. مات ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين (1) . وذكر غيره أن سرف على ستة أميال من مكة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: اثنا عشر.
1188- ص- نا عبد الملك بن شعيب، نا ابن وهب، عن الليث قال: ربيعة- يعني: كتب إليه- حدثني عبدُ الله بن دينار قال: غَابَت الشمسُ وأنا عندَ عبد الله بنِ عُمرَ فَسِرْنا، فلما رَأيْنَاهُ قد أمْسَى قلنا: الصلاة. فسارَ حتى غَابَ الشَفق وتَصَوبت النُّجُومُ، ثم إنه نَزَلَ فَصلى الصلاتَينِ جميعا، ثم قال: رَأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذا جَد به السَّيْرُ صلى صلاتِي هذه، يقَولُ: يَجْمَعُ بَيْنهما بَعد َلَيْلٍ (2) .ْ
ش- ربيعة: ابن أبي عبد الرحمن المدني.
قوله:" وتصوبت النجوم " أي: تنكسر، وصوب يده أي: خفضها، وصاب المطر إذا نزل.
قوله: " إذا جدَّ به السيْرُ " يقالُ: جَد به الأمرُ وأجد وجدّ فيه وأجد إذا اجتهد واهتم به، وأسرع فيه من جدَّ يجِدّ ويجُدُّ بالضم والكسرة. والجواب عنه قد ذكرناه.
ومعنى قوله: " بعد ليل " بعد دخول ليل، ومن غروب الشمس يُطلقُ دخول الليل.
ص- (3) قال أبو داود: ورواه عاصم بن محمد، عن أخيه، عن سالم. ش- أي: روى هذا الحديث عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أخيه عمر، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 6565) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) تقدم هذا النص والذي بعده عقب الحديث رقم (1180) .(5/84)
ص- ورواه ابن أبي نجيح، عنِ إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب، أن الجَمعَ بينهما كان مِن ابنِ (1) عمر بعدَ غيُوبِ الشفقِ.
ش- قد تقدم هذا بعيْنه عن قريب فليراجع فيه.
1189- ص- نا قتيبة وابن موهب- المعنى- قالا: نا المفضل، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذا ارْتَحَلِ قبلَ أن تَزِيغَ الشمسُ أخرَ الصلاةَ (2) إلى وَقْت العصر، ثم نَزَلَ فَجَمَع بينهما، فإن زَاغَت الشمسُ قبلَ أَن يرْتَحلَ صًفَى الَظهْرَ، ثم رَكِب (3) ، (4) .َ
ش- ابن مَوْهب: يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوْهب الهمداني الرملي، والمفضل بن فضالة، وعُقيل- بضم العين- ابن خالد الأموي.
قوله: " أن تزيغ " أي: أن تميل.
قوله: " أَخر الصلاة " وفي نسخة: " أخر الظهرَ".
قوله: " فجمع بينهما " أي: فعلاً لا وقتا يؤيده قوله: " فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب " حيث لم يُصَلَّ العَصْر، بل أخرها إلى وقتها.
1190- ص- لا سليمان بن داود المهري، نا ابن وهب، أخبرني جابر
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ابن عمر كان بعد.... "
(2) في سنن أبي داود: " الظهر"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) جاء في سنن أبي داود زيادة: " قال أبو داود: كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة ".
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس (1111، 1112) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب: جوار الجمع بين الصلاتين في السفر (46/ 704) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء (1/ 287) .(5/85)
ابن إسماعيل، عن عُقيل بهذا الحديث بإسناده قال: ويُؤَخرُ المغْرِبَ حتى يَجْمعَ بينها وبينَ العِشَاءِ حين يغيبُ الشفقُ (1) .
ش- جابر بن إسماعيل الحَضْرمي المصري، روى عن: عُقيل بن [2/ 114 - أ] خالد/. روى عنه: عبد الله بن وهب. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وليس في حديث البخاري قوله: " ويؤخر المغرب " إلى آخره.
1191- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أي الطفيل عامر بن واثلة، عن معاذ بن جبل، أن النبيَّ- عليه السلام- كان في غَزْوَة تَبُوك إذا ارْتَحَلَ قبلَ أَن تَزِيغَ الشَّمْسُ أخَّرِ الظهرَ حتى يَجْمَعَهَا إلى العصرِ، فيصليها جَميعا، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ زيغ الشمس صلَّى الظهرَ والعَصرَ جميعا، ثم سَارً، وكان إذا ارْتَحَلَ قبلَ المغرب أَخَّرَ المغربَ حتى يُصليها مع العِشَاءِ، وإذا ارْتَحَلَ بعْدَ المغربِ عَجَّلَ الَعِشَاءَ فَصَلاهَا مع المغربِ (3) .
ش- قد تقدم ما يُشابه هذا من طريق القعنبي، عن معاذ. وأخرجه
الترمذي.
ص- قال أبو داود: لم يرو هذا الحديثَ إلا قتيبةُ وحده.
ش- أشار به إلى أن قريبة بن سعيد تفرد به، ولهذا قال الترمذي: حديث حسن غريب، تفرد به قتيبةُ، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيرُه. وذكر أن المعروفَ عند أهل العلم حديثُ معاذ من حديث أبي الزبير - يَعني: الحديث [الذي] ذكر في أول الباب- وقال أبو سعيد بن يونس
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 865) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين (553) .(5/86)
الحافظ: لم يُحدًث به إلا قتيبةُ، ويقال: إنه غلِط، وأن موضعَ يزيد بن أبي حبيب أبو الزبير، وذكر الحاكم أن الحديث موضوع. وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون، وحكي عن البخاري أنه قال: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سَعْد حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبتُه مع خالد المدائني. قال البخاري: وكان خالد المدائني يُدخل الأحاديث على الشيوخ. انتهى. وخالد المدائني هذا هو أبو الهيثم خالد ابن القاسم المدائني، متروك الحديث. وقال ابن عدي الجرجاني: له عن الليث بن سَعْد غير حديث منكر، والليث بريء من رواية خالد عنه تلك الأحاديث.
***
262- بَابُ: قصر القراءة في السفرِ فِي الصلاةِ (1)
أي: هذا باب في بيان قصر القراءة في الصلاة في السفر، وفي بعض النسخ: " باب في قدر القراءة في الصلاة في السفر ".
1192- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: خَرجْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَر، فَصَفي بنا العِشَاءَ الآخرَةَ، فَقَرأ في إِحْدَى الركعتين ب {التيَنِ وَالزيتون} (2) .
ش- أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه، وفي " علل ابن أبي حاتم " عن ابن عمر بسند ضعيف: فصلى النبي - عليه السلام- صلاة الغداة بالناسِ في السفر، فَقرأ: {قُلْ يا أيهَا
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب قصر قراءة الصلاة في السفر".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الجهر في العشاء (767) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في العشاء (175/ 464) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة العشاء (310) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة فيها بالتين والزيتون، كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الركعة الأولى من صلاة العشاء الآخرة (1000) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة العشاء (834) .(5/87)
كَافِرُون} ، و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ، ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن وربعه ".
وروى ابو داود في " فضائل القرآن " في حديث عقبة بن عامر: " صلى بهما صلاة الصبح " أي: بالمعوذتين لما سيجيء إن شاء الله تعالى، وكان ذلك في السفر.
وروى ابن حبان في " صحيحه " عن عقبة بن عامر، أن النبي- عليه السلام- " أمَهم بالمُعوذتين في صلاة الصبح "، وكذلك رواه الحاكم في "مستدركه " وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه أحمدُ في " مسنده "، والطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مُصنفه ". ولفظه عن عقبة بن عامر الحمصي قال: " كنت مع النبي - عليه السلام- في سفر، فلما طلع الفجر أذن وأقام، ثم أقامني عن يمينه، ثم قرأ بالمعوذتين فلما انصرف قال: كيف رأيت؟ قال: قلت: قد رأيت نا رسول الله، قال: فاقرأ بهما كلما (1) نمت، وكلما قمت " وأخرج أيضا عن المَعرُور بن سُويد قال: خرجنا مع عمر حجاجا وصلى بنا الفجر، فقرأ بـ {ألم تر} ، و {لإيلاف} . وعن إبراهيم قال: كان أصحاب رسول الله يقرءون في السفر بالسُور القصار.
***
263- بَابُ: التَّطَوُّع فِي السَّفَر
أي: هذا باب في بنان التطوع في السَفر.
1193- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا الليثُ، عن صَفْوان بن سُلَيم، عن أبي بُسْرةَ الغفاري، عن البراء بن عازب الأنصاري قال: صَحبْتُ رسولَ الله [2/ 114 - ب] صلى الله عليه وسلم ثَمانيةَ عَشَرَ سَفَراً/، فما رَأيْتُه تَرَكَ رَكْعتينِ إِذا زَاغَتَ الشمس قَبْلً الظهرِ (2) .
__________
(1) في الأصل: " كما "، وانظر المسند (4/ 144) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في السفر (550) .(5/88)
ش- أبو بُسْرَة- بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وفتح الراء، وتاء تأنيث- روى عن: البراء بن عازب. روى عنه: صفوان ابن سُليم. روى له: أبو داود، والترمذي وقال: سألت محمدا عنه فلم يَعْرفه، ولم يعرف اسمَه. وذكره ابن حبان في " الثقات " (1) .
قوله: " إذا زاغت الشمسُ " أي: إذا مالت الشمس قبل الظهر، يعني: قبل فرض صلاة الظهر.
واختلف العلماء في التنفل في السفر، فمذهب ابن عمر منعه بالنهار جملة، وجوازه بالليل على الراحلة والأرض. وعامّة السلف وأئمة الفتوى على جوازه بالليل والنهار، على الراحلة والأرض. وقال الترمذي: ورُوي عن ابن عمر، أن النبي- عليه السلام- كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعْدها. ورُوي عنه، عن النبي- عليه السلام- أنه كان يتطوع في السفر. ثم اختلف أهل العلم بعد النبي- عليه السلام-، فرأى بعض أصحاب النبي- عليه السلام- أن يتطوع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها. ومعنى مَنْ لم يتطوع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله في ذلك فضل كبير، وهو قول كثر أهل العلم، يختارون التطوع في السفر. انتهى.
والحديث أخرجه الترمذي، وقال: غريب.
1194- ص- نا القعنبي، نا عيسى بن حرص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه قال: صَحبْتُ ابنَ عُمر في طَريق، قال: فَصلى بنا ركعتين ثم أقبلَ، فَرأى أنَاسا (2) قياما فقال: ما يصنعُ هؤلاء؟ قلت: يُسبِّحُون. قال: لو كُنتُ مُسبحا أتْمَمْتُ صَلاتي! يا ابنَ أخِي! إِنيَ صَحبتُ رسولَ اللهِ في السفَرِ فلم يَزِدْ على رَكعتينِ حتىَ قَبَضَهُ اللهُ، وصَحبتُ أبَا بكرِ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 7223) .
(2) في سنن أبي داود: " ناسا ".(5/89)
فلم يَزدْ علَى رَكعتينِ حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحبتُ عُمَرَ فلم يَزدْ على رَكعتينِ حتى قَبَضَهُ الله، وصَحبْتُ عثمَانَ فلم يَزدْ على رَكعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وقد قالَ الله: {لَقَدْ كَانَ لَكمْ فِي رَسُولِ اللهِ أسْوَة حَسَنَة} (1) ، (2) .
ش- عيسى بن حفص عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أبو زياد القرشي العدوي المدَني، عم عبيد الله بن عمر العمري. سمع: أباه، وسعيد بن المسيح، والقاسم بن محمد، وعطاء بن أبي مروان. روى عنه: سليمان بن بلال، ويحيى القطان، ووكيع، والقعنبي. قال أحمد ويحيى: هو ثقة. مات سنة تسع وخمسين ومائة، وهو ابن ثمانين سنة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه: حفص بن عاصم قد ذكره مرةً.
قوله: " يُسبحون " أي: يتنفلون، والمُسبح ُ: المتنفل بالصلاة، والسبحة: صلاة النفل.
قوله: " لو كنت مُسبحا أتممت صلاتي " معناه: لو اخترت التنفل لكان إتمام فريضتي أحب إلي، ولكني لا أرى واحدا منهما، بل السنة القصر، وترك التنفل، ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض: كسُنَة الظهر والعصر وغيرهما من المكتوبات، وأما النوافل المطلقة فقد كان ابن عمر يفعلها في السفر. وروى هو عن النبي- عليه السلام- أنه كان يفعلها، كما ثبت في مواضع في " ألصحيحين " عنه، وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة، فتركها
__________
(1) سورة الأحزاب: (21) .
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: من لم يتطوع في السفر (1101) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها (8/ 689) ، النسائي: كتاب التقصير، باب: ترك التطوع في السفر (1457) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التطوع في السفر (1071) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4621) .(5/90)
ابن عمر وآخرون، واستحبها الجمهور، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وحجة الجمهور: الأحاديث العامة المطلقة في نَدْب الرواتب، وحديث صلاته- عليه السلام- الضحى يوم الفتح بمكة، وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس، والتباس على النوافل المطلقة، ولعل النبي- عليه السلام- كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، فإن النافلة في البيت أفضل، أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها، وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أوْلى، فجوابه: أن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف، فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير، أن شاء فعلها وحصلَ ثوابها، دان شاء تركها ولا شيء عليه.
قوله: " وصحبت عثمان فلم يزِد على ركعتين "/ وفي الحديث الآخر: [2/ 115 - أ] " ومع عثمان صدرا من خلافته،، وفي رواية: " ثمان سنين أو ست سنين" وهذا هو المشهور، أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتأمل العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منَى، والروايات المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته، محمولة عَلى الإتمام بمِنَى، وقد فسر عمران بن حصين في روايته أن إتمام عثمان إنما كان في مِنَى.
واعلم أن القصر مشروع بعرفات، بمزدلفة، ومِنَى للحاج من غير أهل مكة، وما قرب منها، ولا يجور لأهل مكة ومَن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب: أبي حنيفة، والشافعي، والأكثرين، وقال مالك: يقصر أهل مكة، ومنَى، بمزدلفة، وعرفات، فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسكَ، وعند الجمهور علته السفر. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه مختصراً ومطولا
***(5/91)
264- باب: التطوع على الراحلة والوتر
أي: هذا باب في بنان التطوع على الراحلة.
قوله: " والوتر" عطف على التطوع، أي: الوتر على الراحلة، والراحلة: المركب من الدواب.
1195- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهِاب، عن سالم، عن أبيه، قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسبحُ على الراحِلَة أي وَجْهٍ تَوَجهَ، ويوتِرُ عَلَيها، غيرَ أنه لا يُصَلي عليها المَكْتُوبَةَ " (1) .
ش- عبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم-.
قوله:" يسبح " أي: يتنفل، والسبحة: النافلة من الصلوات، أما التطوع على الراحلة فليس فيه خلاف، وأما الوتر فقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز الوتر على الراحلة. وقال النوعي: كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض. وقال الثوري: صل الفرض والوتر بالأرض، وإن أوترت على راحلتك فلا بأس، وممن رخص في الوتر على الراحلة: عطاء، ومالك، والشافعي، وأحمد، وروي ذلك عن: علي، وابن عباس، وابن عمر، وكان مالك يقول: لا يصلى على الراحلة إلا في سفر يقصر فيه الصلاة. وقال الأوزاعي، والشافعي: قصير السمو وطويله في ذلك سواء يصلي على راحلته. وقال الأوزاعي: يصلي الماشي على رحله كذلك، يومئ إيماء، قال: وسواء كان مسافرا أو غير مسافر يصلي على دابته، وعلى رحله إذا خرج عن بلده لبعض حاجته. وقال صاحب " المحيط ": الصلاة على الراحلة أنواع ثلاثة: فريضة، وواجب،
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به (1094، 1095) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (700/ 39) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الوتر على الراحلة (1684) .(5/92)
وتطوع، أما الفرض لا يجوز على الدابة إلا من ضرورة، وهو تعذر
النزول لخوف زيادة مرض، أو خوف العدو، والسبع، فيجوز أن يصلى
على الراحلة خارج المصر لإيماء، ويجعل السجود أخفض من الركوع،
وكذلك الصلاة الواجبة، كصلاة الجنازة، والتطوع الذي وجب قضاؤه
بالإفساد، وكالوتر عند أبي حنيفة، وكذلك الصلاة المنذورة، وسجدة
التلاوة متى وجبت على الأرض، لا تجوز على الدابة , لأنها وجبت
كاملة، فلا يتأدى بما هو ناقص، وأما التطوع فيجوز على الدابة خارج
المصر مسافراً كان أو مقيما، يومئ حيثما توجهت الدابة، ولا يمنعه نجاسة
السرج والركابين، ونجاسة الدابة مطلقا، وأما المصر فلا يجوز فيه عند
أبي حنيفة، وعند محمد يجوز ويكره، وعند أبي يوسف يجوز ولا يكره،
وبه قال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي، وهو محكي عن
أنس بن مالك.
قوله: " ويوتر عليها " أي: على الراحلة. قال الشيخ محي الدين (1) :
" فيه دليل لمذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور أنه يجوز الوتر
على الراحلة في السفر حيث توجه، وأنه سُنة ليس بواجب "، والجواب
لأبي حنيفة: إن الوتر لما ثبت وجوبه عنده بأحاديث سنذكرها في بابه
التحق بالفرض، فلا يجوز على الدابة كالفرض، وقوله: " إنه سُنَة
ليس بواجب " غير مسلم , لأن الوتر كان فرضا عليه- عليه السلام-
ومع هذا صلاه على الراحلة، فلا يلزم من وتره عليها أن يكون سنة
لأنه يجوز أن يصح فعله هذا له دون غيره، وليس كذلك النفل , لأنه
مبني على السهولة، والتوسع، ولهذا يجوز قاعدا مع القدرة على القيام.
والحدِيث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1196- ص- نا مسدد، نا ربعيُّ بن عبد الله بن البارود، حدثني عمرو
ابن أبي الحجاج، حدَّثني الجارود بن أبي سبرة،/ حدثني أسد بن مالك: [2/ 115 - ب]
__________
ــ
(1) شرح صحيح مسلم (5/ 211) .(5/93)
" أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سَافَرَ فَأرَادَ أن يَتَطَوعَ اسْتَقْبَلَ بناقَتِهِ القِبلةَ فكَبرَ، ثم صلى حيث وَجهَهُ رِكَابُه " (1) .
ش- ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهذلي البصري. سمع: عمرو بن أبي الحجاج [روى] عن: جده الجارود. روى عنه: يزيد بن هارون، ومسدد، ونصر بن قديد، والصلت بن مسعود. قال يحيى: صالح. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود (2) .
وعمرو بن أبي الحجاج، وقيل: ابن الحجاج. روى عن: الجارود ابن أبي سبرة. روى عنه: ربعي المذكور. روى له: أبو داود (3) . وجارود بن أبي سبرة، ويقال: ابن سبرة، الهذلي أبو نوفل البصري، واسم أبي سبرة: سالم بن سلمة. روى عن: طلحة بن عبيد الله، وأنس بن مالك. روى عنه: قتادة، وعمرو بن أبي الحجاج، وربعي بن عبد الله. قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود (4) . قوله: " حيث وجهه " أي: حيث وجه النبي ركابه، وركابه مرفوع على الفاعلية، وبه استدل أبو حنيفة أنها لا تجوز في المصر , لأن الشرع ورد به خارج المصر، وأطلق أبو يوسف الجواز اعتبارا بخارج المصر.
1197- نا القعنبي، عن مالك، عِن عمرو بن يحيى المازني، عن أي الحُباب سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال:، رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - عليه السلام-[يُصَلي] على حِمارٍ، وهو مُتَوَجّة إلى خيبَرَ" (6) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1851) .
(3) المصدر السابق (21/ 4344) .
(4) المصدر السابق (4/ 882) .
(5) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(6) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: جوار صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت (700) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: الصلاة على الحمار (2/ 60)(5/94)
ش- سعيد بن يسار أبو الحباب المدني، أخو أبي مِزْرَد، واسم أبي مزرد: عبد الرحمن بن يسار الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي - عليه السلام- وقيل: مولى شقران، وقيل: مولى الحسن بن علي. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، وابن عباس، وعائشة، وزيد بن خالد الجهني. روى عنه: سعيد المقبري، ويحيى الأنصاري، وابن عجلان، وعمرو بن يحيى المازني، وغيرهم. قال أبو زرعة: مديني ثقة. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست عشرة ومائة، وهو ابن ثمانين. روى له الجماعة (1) .
والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وقال النسائي: عمرو بن يحيى
لا يتابع على قوله: " يصلي على حمار "، وإنما هو على راحلته، ويقال: قد غَلَطَ الدارقطني عمرو بن يحيى في ذلك، والمعروف:" على راحلته "، و" على البعير ".
وقال الشيخ محيي الدين (2) : " والصواب: أن الصلاة على الحمار من فعل أنس- كما ذكره مسلم- عن أنس بن سيرين، قال: " استقبلنا أنس ابن مالك حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار، ووجهه من ذا الجانب- يعني عن يسار القِبلة- فقلت: رأيتك تصلي لغير القِبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله- عليه السلام- فعله لم أفعله "، ويقال في تغليط رواية عمرو بن يحيى نظر , لأنه ثقة، نقل شيئا محتملاَ، فلعله كان الحمار مرة، والبعير مرة، أو مرات، لكن يقال: إنه شاذ، فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير، والراحلة، والشاذ مردود، وهو المخالف للجماعة ".
قلت: وقد أخرج الدارقطني " وغرائب مالك "عن مالك، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2385) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 211 - 212) .(5/95)
الزهري، عن انس، قال: " رأيت النبي- عليه السلام- وهو متوجه
إلى خيبر على حمار يصلي، يومئ إيماء ".
قوله: " متوجه إلى خيبر " وفي رواية مسلم: " موجه " بدون التاء،
بمعنى متوجه أيضا، وهي بلد بني عنزة في جهة الشمال والشرق عن
المدينة، على نحو ست مراحل، وخيبر بلغة اليهود: الحصن، وقيل:
أول من سكن فيها رجل من بني إسرائيل، اسمه: خيبر، فسميت به،
ولها نخيل كثير، وكان في صدر الإسلام دارا لبني قريظة، والنضير.
1198- ص- نا عثمان بنِ أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن
أبي الزبير، عن جابر، قال: " بعَثَني رسولُ اللهِ في حَاجَة، قال: فَجئْتُ وهو
يُصَلِّي على رَاحِلَتِهِ نَحوَ المشرِقِ، اَلسُجُودُ أخْفَضُ مِن الرُكُوع " (1) .
ش- الألف واللام في السجود، والركوع بدل من المضاف إليه،
والتقدير: سجوده أخفض من ركوعه، وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه أتم منه. وفي حديث الترمذي: والتقدير
: سجود أخفض من الركوع، وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان
في " صحيحه " في النوع الأول من القسم الرابع، عن أبي الزبير، عن
جابر قال: " رأيت النبي- عليه السلام- يصلي النوافل على راحلته في
[2/ 116 - أ] كل وجه، يومئ إيماء، ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين "./ وأخرج البخاري، عن جابر، قال: " كان النبي- عليه السلام- يصلي على
راحلته حيث توجهت به، فإذا أراد الفريضة نزل، فاستقبل القِبْلة ".
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة (36 / 540) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة على الدابة حيثما توجهت به (351) ، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 6) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي يسلمُ عليه كيف يرد؟ (1018) .(5/96)
265- باب: الفريضة على الراحلة من غير عُذر
أي: هذا باب في بيان صلاة الفريضة على الراحلة من غير عذر.
1199- ص- نا محمود بن خالد، نا محمد بن شعيب، عن النعمان ابن المنذر، عن عطاء بن أبي رباح، أنه سأل عائشةَ: " هَلْ رُخِص للنساء أن يُصلينَ عَلَى الدَوَاب"؟ قالتْ: لَم يُرَخصْ لَهُنَّ في ذَلكَ فِي شدَّة، وَلا رَخَاءٍ لما (1) .ًً ش- محمود بن خالد أبو يزيد الدمشقي، ومحمد بن شعيب بن شابور الدمشقي.
والنعمان بن المنذر: أبو الوزير الغساني، وقال أبو بكر الخطيب: اللخمي. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، وسالم ابن عبد الله بن عمر، والزهري، ومكحول. روى عنه: الهيثم بن حميد، ويحيى بن حرملة، ويحيى بن حمزة، ومحمد بن شعيب. قال ابو زرعة: دمشقي ثقة. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " في ذلك " أي: في فعل الصلاة على الدواب. وقال الدارقطني: تفرد به النعمان بن المنذر، عن سليمان بن موسى، عن عطاء.
ص- قال محمد: هذا في المكتوبةِ.
ش- أي: قال محمد بن شعيب المذكور: قول عائشة هذا في الفرائض، وأما النوافل فتجوز لهن يضأ أن يصلين على الدابة، في شدة ورخاء.
***
266- باب: متى يتم المسافر؟
أي: هذا باب في بنان وقت إتمام المسافر صلاته.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6449) .
7، شرح سنن أبي داود 5(5/97)
1200- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد ح، ونا إبراهيم بن موسى، أنا ابن علية- وهذا لفظه- أنا علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين قال: " غَزوتُ معَ رسولِ الله، وشَهِدتُ معه الفَتْحَ، لْأقامَ بمكةَ ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً، لا يُصَلِّي إلا رَكْعتينِ، يقولُ: نا أهْلَ البَلَدِ، صَلُّوا أربعا، فإِنّا سَفْر (1) " (2) .
ش- حماد بن سلمة، وإبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء، وإسماعيل ابن علية، وعلي بن زيد البصري أبو الحسن الأعمى، وأبو نضرة المنذر بن مالك العبدي.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المسافر لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلد، أو قرية خمسة عشر يوما، أو أكثر، صان نوى أقل من ذلك قصر.
فإن قيل: استدلالكم بهذا لا يتم. قلنا: استدلالنا بهذا " (3) أن المسافر إذا دخل بلداَّ، أو قرية لا يزال على حكم السفر ما لم ينو الإقامة، وأما تعيين المدة بخمسة عشر يومأ، فلما روى الطحاوي، عن ابن عباس، وابن عمر، قالا: " إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر ليلة، فأكمل الصلاة بها، صان كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها ".
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه ": ثنا وكيع، ثنا عمر بن فر، عن مجاهد نا أن ابن عمر كان إذا اجمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم الصلاة". وأخرجه محمد بن الحسن في كتابه " الاَثار " (4) : أخبرنا أبو حنيفة، هنا موسى بن مسلم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فإنا قوم سفره "
(2) الترمذي بنحوه: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التقصير في السفر (545) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 83 1- 84 1) .
(4) باب: الصلاة في السفر (ص/ 34) .(5/98)
قال:" إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمس عشرة يوما فأتم
الصلاة، وإن كنت لا تدري فاقصر "، وقدرها الشافعي بأربعة أيام، فإن
نواها صار مقيما، ويرده حديث أنس، قال:" خرجنا مع النبي- عليه
السلام- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى
المدينة، قيل: كم أقمتم بمكة؟ قال: أقمنا بها عشراً " أخرجه الأئمة
الستة (1) ، ولا يقال: يحتمل بأنهم عزموا على السفر في اليوم الثاني،
أو الثالث، واستمر بهم ذلك إلى عشر , لأن الحديث إنما هو في حجة
الوداع، فتعين أنهم نووا الإقامة كثر من أربعهّ أيام، لأجل قضاء النسك،
نعم، كان يستقيم هذا أن لو كان الحديث في قصة الفتح، والحاصل أنهما حديثان، أحدهما: حديث ابن عباس: " أن رسول الله أقام بمكة تسع
عشرة يقصر الصلاة " رواه البخاري (2) ، وكان في" الفتح " صرح بذلك
في بعض طرقه:" أقام بمكة عام الفتح " (3) ، والآخر حديث أنس المذكوَر، وكان في حجة الوداع. قال المنذري في " حواشيه ": حديث
أنس مخبر عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة- شرفها الله- في حجة
الوداع، فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة/ وهو يوم الأحد، [2/ 116 - ب] وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة من التنعيم،
ثم طاف النبي- عليه السلام- طواف الوداع سحرا قبل صلاة الصبح من
يوم الأربعاء، وخرج صبيحته وهو الرابع عشر. فأما حديث ابن عباس
وغيره، فهو إخبار عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة زمن الفتح.
انتهى (4) .
وقال الخطابي في تفسير حديث عمران (5) " هذا العدد جعله
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير (1080) .
(3) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 150) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) معالم السنن (1/ 1 23- 232) .(5/99)
الشافعي حداً في القصر، لمن كان في حرب يخاف على نفسه العدو، وكذلك كان حال رسول الله أيام مقامه بمكة، فأما في حال الأمن فان الحد عنده في ذلك أربعة أيام، فإذا أزمع مقام أربع أتم الصلاة، وذهب في ذلك إلى مقام رسول الله بمكة في حجه، وذلك انه دخلها يوم الأحد، وخرج يوم الخميس، كل ذلك يقصر الصلاة، وكان مقامه أربعة أيام، وقد روي عن عثمان بن عفان، أنه قال: " من أزمع مقام أربع فليتم " وهو قول مالك بن أنس، وأبي ثور. وقال الأوزاعي: إذا أقام اثنتي عشرة ليلة أتمم الصلاة، وروي ذلك عن ابن عمر. وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا عزم مقام عشر أتم الصلاة، وأما أحمد بن حنبل ف! نه لا يجد ذلك بالأيام والليالي، ولكن بعدد الصلوات، قال: إذا أجمع المسافر لإحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر، فإذا عزم على أن يقيم كثر من ذلك أتم، وهذا، قريب من قولا عالك، والشافعي، إلا أنه رأى تحديده بالصلوات أحوط وأحصر، فخرج من ذلك زيادة صلاة واحدة على مدة أربعة أيام ولياليها. وقال ربيعة قولاً شاذا: إن من أقام يوما وليلة أتم الصلاة ".
قلت: قوله: " وكذلك كان حال الرسول أيام مقامه بمكة " غير صحيح , لأن الله تعالى قال: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمنين} (1) ، وكيف يكون خائفا؟ وأما تحديده بأرَبعة أيام فيرده حديث أنسً كما ذكرناه مستوفى.
والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: حديث حسن. ورواه الطبراني
في " معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود الطيالسي (2) ، والبزار في" مسانيدهم " (3) ، ولفظ الطيالسي قال: " ما سافرت مع رسول الله سفرا قط إلا صلى ركعتين حتى يرجع،
__________
ـ
(1) سورة الفتح: (27) .
(2) (ص/ 115) .
(3) وأخرجه كذلك أحمد (4/ 430، 431، 432، 440) ، والبيهقي في سننه (3 / 135، 153) .(5/100)
وشهدت معه: حنين، والطائف، فكان يصلي ركعتين، ثم حججت معه واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم قال: يا أهل مكة، أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عمر واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم قال: أتموا الصلاة، فإنا قوم سفر، ثم حججت مع عثمان، واعتمرت، فصلى ركعتين، ثم إن عثمان أتم ". انتهى.
وزاد فيه ابن أبي شيبة: " وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة، لا يصلي إلا ركعتين "، وقال فيه: " وحججت مع عثمان سبع سنين من إمارته، فكان لا يصلي إلا ركعتين ثم صلاها بمِنَى أربعاً ". قوله: " فإنا سفر " بفتح السن، وسكون الفاء جمع سافر، كصحب وصاحب، ويجمع على أسفار أيضا، وأسفر، والمسافرون بمعنى واحد. 1201- ص- نا محمد بن العلاء، وعثمان بن أبي شيبة- المعنى واحد- قالا: نا حفصِ، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أقَامَ سَبعْ عَشْرَةَ بمكةَ يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
ش- حفص بن غياث الكوفي، وعاصم بن سليمان الأحول.
والحديث رواه البيهقي (2) أيضاً وقال النووي في " الخلاصة ":
وإسناده على شرط البخاري.
ص- قال ابن عباس: " وَمَنْ أقَامَ سبعَ عَشْرَةَ قَصَرَ، وَمَن أقَامَ أكْثَرَ أتَمَّ ". ش- مدة الإقامة التي ينويها المسافر سبعة عشر يوما عند ابن عباس في رواية، وفي رواية أخرجها الطحاوي عنه: " خمسة عشر يوما " مثل مذهب أبي حنيفة وقد ذكرناها.
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في التقصير (1080) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة (549) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة (1075) .
(2) الست الكبرى (3/ 151) .(5/101)
ص- قال أبوِ داود: قال عباد بن منصور: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " أقَامَ تِسعْ عَشْرَةَ ".
ش- وكذا أخرجه: البخاري، والترمذي، وابن ماجه.
1202- ص- نا النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: " أقَامَ رسولُ اللهِ بمكةَ عَامَ الفَتْح خَمْس عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
[2/ 117 - ب] ش- هذه رواية ضعيفة، وبعضهم أرسلها، وأخرجها:/ النسائي، وابن ماجه، والبيهقي.
ص- قال أبو داود: روى هذا عبدةُ بنُ سليمانَ، وأحمدُ بنُ خالد الوَهْبي، وسلمةُ بنُ الفضلِ، عن ابنِ إسحاقٍ (2) هذا الحديثَ، لم يذكرواً فيه ابنَ عَبَّاسٍ
ش- أشار بهذا إلى أن الرواية المذكورة رويت أيضا مرسلة، واختلف على محمد بن إسحاق، فَرُوي عنه مسندا كما مر، ومرسلا كهذه الرواية. 1203- ص- نا نصر بن علي، أخبرني أبي، نا شريك، عن ابن الأصبهاني، عن عكرمة، عن ابن عباس: " أن النبي - عليه السلام - أقَامَ بمكَّةَ سَبع عَشْرَةَ، يُصَلي رَكْعتينِ " (3) .
ش- قد تقدمت هذه الرواية بعينها، ولكن الإسناد مختلف- كما ترى- ونصر بن عليّ أبو عمرو البصري.
وأبوه: علي بن نصر بن علي أبو الحسن الكوفي الكبير. روى عن: شعبة، وقرة بن خالد، وخالد بن قيس، وغيرهم. روى عنه: أبو نعيم، ومعلى بن أسد، وابنه نصر. قال ابن معين: ثقة. وقال
__________
(1) النسائي: كتاب تقصير الصلاة (1454) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة (1076) .
(2) في سنن أبي داود: " أبي إسحاق " خطأ.
(3) تفرد به أبو داود.(5/102)
أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد: صالح الحديث، أثبت من أبي معاوية. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبخاري في " المغازي " (1) .
وشريك بن عبد الله.
وابن الأصبهاني عبد الرحمن بن عبد الله (2) الأصبهاني الكوفي الجهني، كان منزله بالكوفة، ويتجر إلى أصبهان، وله بالكوفة عقب. روى عن: أنس بن مالك، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه: شعبة، والثوري، وشريك، وأبو عوانة، وغيرهم. قال أبو زرعة: كوفي ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن معين: ثقة (3) .
فإن قيل: ما التوفيق بين هذه الروايات؟ قيل له: التوفيق بينها أن يكون من قال: " سبعة عشر يوما " لم يعد يوم الدخول، ويوم الخروج، ومن قال: " تسعة عشر، عدهما، ومن قال: "ثمانية عشر" عد أحدهما. 1204- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم- المعنى- قالا: ثنا وهيب، لا يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك قال: " خَرَجْنَا مَعِ رسول الله- عليه السلام- من المَدينة إلى مَكةَ، فكانَ يصلي ركعتين حتى رَجَعْنا إلَى المَدِينةِ، فقلنا: هَل أقَمْتُمَ بهَا شَيئا؟ قال: أقَمْنَا بها عَشْرا " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4144) .
(2) في الأصل: " عبد الرحمن بن سليمان" خطأ، ولعله انتقل بصر المصنف إلى اين أخيه محمد بن سليمان بن عبد الله ".
(3) المصدر السابق (17/ 3879) .
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: ما جاء في تقصير الصلاة (1081) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها (15 / 693) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كم تقصر الصلاة (548) ، النسائي: كتاب التقصير، باب: تقصير الصلاة في السفر (1437) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة؟ (1077) .(5/103)
ش- وهيب بن خالد.
ويحيى بن أبي إسحاق، واسم أبي إسحاق: زيد بن الحارث، وهو
عم يعقوب، وأحمد ابني إسحاق الحضرميين. سمع: أنس بن مالك، وسليمان بن يسار، وسالم بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: ابن سيرين، والثوري، وحماد بن سلمة، وجماعة آخرون. قال يحيى: ثقة. مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحديث أنس هذا يخبر فيه عن مدة مقامه- عليه السلام- بمكة في حجة الوداع، فإنه دخل مكة صبح رابعة من ذي الحجة، وهو يوم الأحد وخرج صبح يوم الأربعاء الرابع عشر، وقد قررناه مرة عن قريب، وهو الحديث الذي يرد مذهب الشافعي في تقديره مدة الإقامة بأربعة أيام، وأخرجه الجماعة، وقال محيي الدين في شرح هذا الحديث (2) : " معناه أنه أقام في مكة وما حواليها، لا في نفس مكة فقط، فقدم مكة في اليوم الرابع، فأقام بها الخامس، والسادس، والسابع، وخرج منها في الثامن إلي مِنَى، وذهب إلى عرفات في التاسع، وعاد إلى منى في العاشر، فأقام بها الحادي عشر، والثاني عشر، ونفر في الثالث عشر إلى مكة، وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته في مكة وحواليها عشرة أيام، وكان يقصر الصلاة فيها كلها، ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول، والخروج يقصر، وأن الثلاثة ليست إقامة.
قلت: هذا الكلام الذي قرره لا ينهض حجة لمذهبهم، بل في نفس الأمر حجة عليهم، سلمنا أنه إذا نوى الإقامة دون أربعة أيام لا تصح نيته فيقصر، ولكن لا نسلم صحتها أيضا إذا نوى أربعة، أو خمسة، أو ستة، فمن أين يفهم من الحديث انه إذا نوى أربعة أيام، أو خمسة أن نيته
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 3/ 6783) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/ 202) .(5/104)
صحيحة، وكذلك استئناء يومي الدخول والخروج لا يفهم من الحديث،
بل هو مجرد كلام من الخارج، بل صريح الحديث يرد صحة نية الإقامة
بأربعة- كما قررناه مستوفى- فافهم، فإنه موضع مناقشة./ وقال [2/ 117 - ب] ، الحسن بن صالح: إذا نوى إقامة عشرة أيام يتم، واستدل بهذا الحديث
وهذا أنسب من غيره من وجه، تأمل تدر.
1205- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، وابن المثنى، وهذا لفظ ابن المثنى،
قالا: نا أبو أسامة، قال ابن المثنى: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن
علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده: " أنَّ عَليا كان إذا سَافَرَ سَارَ بَعْدَ مَا
تَغْرُبُ الشمسُ حتى تكادُ أن تَظلِمَ، ثم يَنزِلُ فًيُصَلِّيَ المغرِبَ، ثم يَدْعُو
بعَشَائه، فَيَتَعَشَّى، ثم يُصَلِّي العِشاءَ، ثم يَرْتَحِلُ، ويقولُ: هكذا كان
رسولُ اللهِ يَصْنَعُ " (1) .
ش- هذا الحديث والذي بعده ليس لهما مناسبة بترجمة الباب، ولهذا
قال أبو علي: ليس هذا الحديث في كتابي، ولكن كان في الأصل موجوداً، وابن المثنى محمد، أحد شيوخ أبي داود، وأبو أسامة حماد بن
أسامة.
وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو محمد، وأمه: خديجة بنت علي بن الحسين، يلقب دافن. روى عن: أبيه، عن جده. روى عنه: ابنه عيسى بن عبد الله، وابن المبارك، وأبو أسامة، وغيرهم. قال ابن سعد: مات آخر زمن أبي جعفر روى له: أبو داود (2) .
وأبوه محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يروي عن عليّ بن أبي طالب. روى عنه: يحيى بن
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب الصلاة.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3546) .(5/105)
سعيد الأنصاري، والثوري. كنيته: أبو عبد الله، وأمه: أسماء بنت عقيل بن أبي طالب، وكثر روايته عن أبيه، وعليّ بن الحسن (1) . وجده: عمر بن علي بن أبي طالب، ذكره ابن حبان. أيضاً في
" الثقات "، وقال: يروي عن: أبيه، روى عنه: ابنه محمد بن عمر، قتل سنة سبع وستين، أمه: أم النجوم بنت جندب بن عمرو، وفي " الكمال " قال أحمد بن عبد الله: هو تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " بعَشائه " بفتح العين، وهو اسم ما يتعشى به من الطعام.
ص- وقال عثمان: عن عبد الله بن محمد بن عمر بنِ عليّ، وروى أسامة بن زيد، عن حفص بن عبيد الله: " أن أنَساً كانَ يَجْمعُ بينهما حين يَغِيبُ الشفق، وبقولُ: كان النبيُّ- عليه السلام- يَصْنَعُ ذلكَ "
ش- قد تقدم بمعناه في باب: " الجمع بين الصلاتين "، وذكره هاهنا تعليقاً.
وحفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك. سمع: جده أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأسامة بن زيد الليثي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا ندري سمع من أبي هريرة، وجابر، ولا يثبت له السماع إلا من أبيه. روى له الجماعة (3) .
ص- وروايةُ الزهري عن أنسِ، عن النبي- عليه السلام- مثله.
ش- أي: مثل ما ذكر من رواية حرص بن عبيد الله.
***
(1) المصدر السابق (26/ 5496) .
(2) المصدر السابق (1 2/ 4289) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1396) .(5/106)
267- باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر؟
أي: هذا باب في بيان حكم القصر لمن يقيم بأرض العدو.
1206- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى
ابن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر بن عبد الله،
قال: "؟ لَامَ رسولُ اللهِ بتَبُوكَ عِشْرِينَ يوما يَقْصُرُ الصلاةَ " (1) .
ش- محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أبو عبد الله القرشي العامري،
مولاهم المدني. سمع: ابن عمر، وابن عباس، وأبا هريرة، وجابر
ابن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وغيرهم. روى عنه: الزهري،
ويحيى بن أبي كثير، ويزيد بن خصفة، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة.
روى له الجماعة (2) .
ومن هذا قال أصحابنا: الغزاة المحاصرون الكفارَ لا يكْمِلون وإن أقاموا
سنة، وكذلك إن حاصروا أهل البغي في دار الإسلام، وعن أبي يوسف:
إن كانوا في مدينة في البيوت صاروا مقيمين، وفي الفسطاط لا، وقال
زفر: إن كانت الشوكة لهم صاروا مقيمين، والمواضع الصالحة للإقامة هو
موضع لُبث وقرار في العادة نحو الأمصار والقرى، وأما المفازة،
والجزيرة، واَلسفينة، والرباط فليس بموضع للإقامة حتى إن أهل الخلاء في
المفازة كالأعراب، والأكراد، والتراكمة الذين يسكنون في الأخبئة، والفساطيط لا يصيرون مقيمين وإن نووا الإقامة، وعن أبي يوسف/ في [2/ 118 - أ] رواية: يصيرون مقيمين، وعليه الفتوى، ولو ارتحلوا عن موضع
إقامتهم، وقصدوا موضعا آخر للإقامة، وبينهما مسيرة سفر يصيرون
مسافرين في الطريق، وكذا صاحب السفينة، والملاح، لا يصير مقيماً
بإقامته في السفينة، إلا أن يكون قريبا من وطنه.
ص- قال أبو داود: غيرُ معمرِ لا يُسنده (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5393) .
(3) قي سنن أبي داود: " غير معمر يرسله لا يسنده ".(5/107)
ش- أي: غير معمر بن راشد لا يسند هذا الحديث، ورواه البيهقي في " المعرفة "، وقال: تفرد معمر بروايته مسنداً، ورواه علي بن المبارك، وغيره، عن يحيى، عن ابن ثوبان، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً، وقال النووي في " الخلاصة ": هو حديث صحيح الإسناد، على شرط البخاري ومسلم، ولا يقدح فيه تفرد معمر، فإنه ثقة، حافظ، فزيادته مقبولة.
***
268- باب: صلاة الخوف
أي: هذا باب في بيان صلاة الخوف، وفي بعض النسخ: " أبواب صلاة الخوف، وما فيها من الاختلاف ".
ص- " مَنْ رَأى أن يُصَلي بهم وهم صَفَّانِ، فيكبِّرُ بهم جميعاً ثم يَركعُ بهم جميعا، ثم يَسجدُ الإمامُ والصفُّ الذي يليه، والآخرون قيام يَحْرُسُونَهم، فإذا قَامُوا سَجَدَ الآخرون الذين كانوا خَلفَهُم، ثم تَأخَّرَ الصفّ الذي يليه إلى مَقام الآخرينَ، وتَقدمَ الصف الأخيرُ إلى مَقَامِهِم، ثم يَركعُ الإمامُ، ويركعون جميعا، ثم يَسْجُدُ ويَسْجُدُ الصفّ الذي يَليه، والآخرون يَحْرُسُونَهم، فإذا جَلَسَ الإمَامُ والصف الذي يليه سَجًَد الَآخَرُونَ، ثم جَلَسُوا جميعا، ثم سَلَّمَ عليهَم جَمِيعاً ".
قال أبو داودَ: هذا قولُ سفيان.
ش- الواو في قوله: " وهم صفان " للحال، ووقع في بعض النسخ:
" وهم صفين "، ونسب إلى نسخة الأصل فما أظنه صحيحاً، بل تصحيفا من الكاتب، فإن التزمنا صحة ذلك، ووقوعه على هذا الوجه، وليس له وجه غير أن يكون نصبا على الحال، ويكون ذو الحال محذوفا خبراً للمبتدأ، والتقدير: " وهم يقومون صفين "، أو على المفعولية، والتقدير: توهم يجعلون صفين ".
قوله: " والآخرون قيام " أي: قائمون.(5/108)
قوله: " يحرسونهم " حال من الآخرين.
قوله: " هذا قول سفيان" أي: سفيان الثوري.
وقال الخطابي (1) : لا صلاة الخوف أنواع، وقد صلاها رسول الله-
عليه السلام- في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة، يتوخى في كلها ما
هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة، وهي على اختلاف صورها
مؤتلفة في المعاني ".
قلت: ذكر ابن القصار المالكي أن النبي- عليه السلام- صلاها في
عشرة مواطن. انتهى. وذكر مسلم أربعة أحاديث، كل حديث يدل على
صورة، وذكر ابو داود ثمان صور على ما نبينه- إن شاء الله تعالى-
وذكر غيره صوراً أخرى يبلغ مجموعها ستة عشر وجهاً، والمختار أن هذه
الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها، وفيها تفصيل، وتفريع مشهورة في
كتب الفقه، ثم إن كل إمام من أصحاب المذاهب اختار صورة من
الصور، وجعلها مذهبا لنفسه.
1207- ص- نا سعيد بن منصور، نا جرير بن عبد الحميد، عن
منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقي، قال: " كُنَّا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُسْفَانَ، وعَلَى المُشْركينَ خالدُ بنُ الوليد، فَصَلَّيْنَا الظهرَ، فقال المُشْرَكُوَن:
لَقد أصَبْنَا غرة، لقدَ أَصَبْنَا غَفْلَةَ، دو كنَا حَمَلنَا عَلَيهم وهم في الصلاة "
فَنَزَلَتْ آيةُ الَقَصْر بين الظهرِ والعَصرِ" فلما حَضَرَتِ العصرُ قامَ رسولُ اَلله
- عليه السلام- مسْتَقبلَ القبْلَةِ، والمُشْرِكُون أمَامَه، فَصَفَّ خَلفَ رسولِ اللهَ
- عليه السلام- صَف، وصَفَّ بَعد ذلك الصفِّ صَف آخَرُ، فَرَكَعَ رسولُ
اللهِ، وَرَكَعُوا جَميعاً، ثم سَجَدَ وسَجَدَ الصف الذين يَلُونَه، وقَاِل أن الآخَرُونَ يَحْرُسُونَهم، فلَما صَلَّى هَؤُلاء السجْدَتين وقَامُوا، سَجَدَ الآخرون الذين
كانوا خَلفَهم، ثم تَأخَّرَ الصفُّ الذي يَليه إلَى مَقَام الآخَرينَ، وتقدمَ الصفّ
الأخِيرُ إلى مَقَام الصف الأوَّلِ/ ثم رَكَعً رَسولُ اللهِ- عليه السلام- ورَكَعُوا [2/ 118 - ب]
__________
(1) معالم السنن (1/ 233) .(5/109)
جميعا، ثم سَجَدَ وسَجدَ الصف الذي يَليه، وقَامَ الآَخرونَ يَحْرُسُونَهم، فلما جَلَسَ رسولُ الله والصف الذي يَليه سًجَدَ الآخرُوِنَ، ثم جَلَسُوا جميعا، فَسلمَ عليهم جميعاً، فَصَلاهَا بِعُسْفَان، وَصَلاهَا يوم بنِي سُلَيْمٍ " (1) .
ش- منصور بن المعتمر.
وأبو عياش الزرقي الأنصاري، اختلف في اسمه، فقيل: عبيد بن معاوية بن صامت بن زيد (2) بن خلدة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة ابن غضب بن مالك بن جشم بن الخزرج، وقيل: زيد بن الصامت، وقيل: عبد الرحمن، وهو فارس حُلوةَ، وهو فرس كان له، شهد مع رسول الله بعض غزواته. روى عنه: أبو صالح السمان، ومجاهد بن جبر. عاش إلى زمن معاوية، ومات بعد الأربعين. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بعُسْفان " بضم العين، وسكون السين المهملتين، وبفاء وألف، ونون: قرية جامعة، بها منبر، على ستة وثلاثين ميلا من مكة، وذكرتُ في كتاب " البلدان " أنها على مرحلة من خُليصٍ في الجنوب، ومن عُسفان إلى بطن مَر ثلاثة وثلاثون ميلا، وسميت " عُسفان " لتعسف السيول فيها، وكانت صلاة النبي- عليه السلام- صلاة الخوف بعُسفان سنة أربع من الهجرة، وكانت هي غزوة بني لحيان، وهكذا ذكر البيهقي في " الدلائل "، وأما ابن إسحاق فإنه ذكرها أنها كانت في جمادى الأولى من سنة ست من الهجرة بعد الخندق، وبني قريظة، وهو الأشبه مما ذكره البيهقي. وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن وهب ابن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: " أول ما صلى رسول الله- عليه السلام- صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعدُ بعُسفان، بينهما أربع سنين "، وقال: وهذا عندنا أثبت من غيره.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في أسد الغابة: " يزيد ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 130) ، وأسد الغابة (6/ 235) ، والإصابة (4/ 142) .(5/110)
قلت: أما غزوة ذات الرقاع فقد ذكرها ابن إسحاق أنها كانت بعد غزوة بني النضير بشهرين، وغزوة بني النضير كانت في سنة أربع، ولكن البخاري قد ذهب إلى أن ذلك كان بعد خيبر، واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها، وقدومه إنما كان ليالي خيبر، صحبه جعفر وأصحابه، وكذلك أبو هريرة قد قال: " صليت مع رسول الله في غزوة نجد صلاة الخوف ".
قوله: " لقد أصبنا غرة، بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء، وهي الغفلة، والمعنى: أنهم كانوا غافلين عن حفظ مقامهم، وما هم فيه من مقابلة العدو.
قوله: " فنزلت آية القصر " وهي قوله تعالى: {وإِذَا ضَرَبْتُم فِيِ الأرْضِ فَلَيْسَ عَليكُمْ جُنَاح أن تَقْصُرُوا مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُوا} الآية (1) ، " وقال على- رضي الله عنه-: " نزل قوله: {أنْ خِفْتُم} بعد قوله:- {أن تَقْصرُوا منَ الصلاة} بسنة في غزوة بني أسد، حين صلى رسول الله الظهر، قالَ بعضهمَ: هلا شددتم عليهم، وقد أمكنوكم من ظهورهم! فقالوا: بعدها صلاة أحب إليهم من آبائهم وأولادهم، فنزل: {أنْ خِفْتُم} إلى قوله: {عَنَابا مهِينا} لشرع صلاة الخوف.
قوله: " وصلاها يوم بني سليم " وفي رواية أحمد (2) ، قال: " فصلاها رسول الله مرتين، مرة بعُسفان، ومرة بأرض بني سليم "، وهذا الحديث أخرجه: الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح، إلا أن بعض أهل العلم بالحديث يشك في سماع مجاهد من أبي عياش، ثم ذكر الحديث بإسناد جيد، عن مجاهد، قال: حدَّثنا أبو عياش، وبين فيه سماع مجاهد من أبي عياش، وبهذه الصورة أخذ سفيان الثوري، كما قال أبو داود: هذا قول سفيان.
__________
(1) سورة النساء: (101) .
(2) المسند (4/ 59) .(5/111)
ص- قال أبو داود: روى أيوبُ، وهشامٌ، عن أبي الزبير، عن جابرِ، هذا المعنى، عن النبيِّ- عليه السلام-.
ش- أي: روى أيوب السختياني، وهشام بن عروة، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر بن عبد الله، هذا المعنى، عن النبي - عليه السلام-.
ص- وكذلك رواه داودُ بنُ حُصَينِ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث داود بن حصين أبو سليمان المدني، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله عنه- وهذا موقوف.
[2/ 119 - أ] / ص- وكذلك عبدُ الملكِ، عن عطاءَ، عن جابرٍ.
ش- أي: كذلك رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عطاء ابن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، وهذا موقوف أيضاً.
ص- وكذلك قتادةُ، عن الحسنِ، عن حِطانَ، عن أبي موسى فعلَه.
ش- أي: كذلك روى قتادة بن دعامة، عن الحسن البصري، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى الأشعري فعله، يعني أنه فعله بأن صلى بمثل الصورة المذكورة.
ص- وكذلك عكرمةُ بنُ خالدٍ، عن مُجَاهدٍ، عن النبيِّ- عليه السلام-. ش- أي: كذلك روى عكرمة بن خالد، عن مجاهد بن جبر، عن النبي- عليه السلام- وهذا مرسل.
ص- وكذلك هشامُ بنُ عُروةَ، عن أبيه، عن النبيِّ- عليه السلام-.
ش- أي: وكذلك رواه هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن النبي- عليه السلام- وهذا أيضاً مرسل، والحاصل: أن هذا الحديث روي بطرق مختلفة ما بين: مرفوع، وموقوف، ومرسل. ص- وهو قولُ الثوريِّ.
ش- أي: المذكور من الصورة التي بينها حديث أبي العياش الزرقي هو(5/112)
اختيار سفيان الثوري، ومذهبه. وقال أبو داود: هو أحوط الصور. قلت: إنما كانت هذه الصورة أحوط الصور , لأنها رويت بطرق كثيرة - كما ذكرناه- والفقهاء لما رجح بعضهم بعض الروايات على بعض احتاجوا إلى ذكر سبب الترجيح، فتارة يرجحون بموافقة ظاهر القرآن، وتارة بكثرة الرواية، وتارة بكون بعضها موصولا، وبعضها موقوفا، وتارة بالموافقة للأصول في غير هذه الصلاة، وتارة بالمعاني، كما أن أبا حنيفة اختار حديث ابن عمر، وروايته , لأنها توافق الأصول في أن قضاء الطائفة بعد سلام الإمام- لما سنبينه إن شاء الله تعالى-
***
269- باب: مَن قال: يقومُ صف مع الإمام وصفّ وُجَاه العدوِّ
أي: هذا باب في بيان قول من قال في صلاة الخوف: يجعل صفان: صف يقوم مع الإمام، وصف تجاه العدو.
ص- فيُصَلّي بالذين يَلُونَهُ رَكعةً، ثم يَقُومُ قَائما حتى يُصَلّيَ الذين معه رَكْعةً أخْرَى، ثم يَنْصَرفوا فَيَصُفُّوا (1) وجَاه العَدُوً، وَتجيءُ الطائفةُ الأخْرَى فَيُصَلِّي بهم رَكعةً، وَيثْبتُ جَالسا، فَيُتمّونَ لَأنفُسِهِم رَكَعةً أخْرَى، ثم يُسَلِّمُ بهم جميعاً. َ
ش- " يلونه " أي: يلون الإمام.
قوله: نا وِجاه العدو " بكسر الواو وضمها، أي: قبالتهم.
قوله: " وتجيء الطائفة " الطائفة: الفرقة والقطعة من الشيء، تقع على القليل والكثير، لكن الشافعي قال: أكره أن تكون الطائفة في صلاة الخوف أقل من ثلاثة، فينبغي أن تكون الطائفة التي مع الإمام ثلاثة فكثر، والذين في وجه العدو كذلك.
وقال الخطابي (2) : " وإلى هذه الصورة ذهب مالك، والشافعي إذا كان العدو من ورائهم ".
__________
(1) في سنن أبي داود:، " ثم ينصرفون فيصفون ".
(2) معالم السنن (1/ 233) .
8 هـ شرح عند أبى داوود 5(5/113)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وبهذا أخذ مالك، والشافعي، وأبو ثور، وغيرهم،، ولم يذكر ما ذكره الخطابي.
1208- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن كبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خَوَّات، عن سهل بن أبي حثمةَ " أن النبي- محليه السلام- صلى بأصْحَابه في خَوْف، فَجَعَلَهُم خَلفَهُ صَفين، فَصلى بالذينَ يَلُونَهُ رَكْعةً، ثم قَامَ فَلًم يَزَلْ قَائما حتى صلى الذين خَلفَهم رَكْعةً، ثم تَقَدمُوا، وتأخر الذين كَانُوا قُدَامَهُم، فَصَلَّى بهم النبي- عليه السلام - رَكعةً، ثم قَعَدَ حتى صلى الذين تَخَلفُوا رَكْعةً، ثم سلم " (2) . ش- صالح بن خوات- بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الواو، وفي آخره تاء مثناة من فوق- ابن جبير بن النعمان الأنصاري المدني. روى عن: سهل بن أبي حثمة. روى عنه: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ويزيد بن رومان (3) ، وخوات له صحبة.
قوله: " ثم سلم " وفي رواية مسلم: " سلم بهم جميعاً " والحديث أخرجه: الجماعة كلهم، ورواها مالك في " الموطأ " (4) موقوفة. وقال الترمذي ": وقال احمد: وقد روي عن النبي- عليه السلام- صلاة الخوف على أوجه، وما اعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحاً واختار حديث سهل بن أبي حكمة، وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم، قال: قد
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 125) .
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع (4129) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف (309/ 841) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف (565) ، النسائي: كتاب الصلاة (1535) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف (1259) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 4 280) .
(4) كتاب صلاة الخوف، باب: صلاة الخوف (2) .
(5) جامعه (2/ 454- 455) .(5/114)
ثبتت الروايات عن النبي- عليه السلام-/ في صلاة الخوف، فرأى كل [2/ 119 - ب] ، ما روي عن النبي- عليه السلام- في صلاة الخوف فهو جائز، وهذا
على قدر الخوف. قال إسحاق: ولسنا نختار حديث سهل بن أبي حثمة
على غيره من الروايات.
ص- قال (1) أبو داودَ: وأما روايةُ يحيى بن سعيد، عن القاسم، نحو
رواية يزيد بن رُومان، إلا أنه خَالَفه في السلام، ورواية عبيد الله نحو رواية
يحيى بن سعيد، قال: " وبثبُتُ قَائِما ".
ش- رواية يحيى بن سعيد رواها الترمذي، وقال (2) : حدثنا محمد
ابن بشار، نا يحيى بن سعيد القطان، نا يحيى بن سعيد الأنصاري،
عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن
أبي حثمة، أنه قال في صلاة الخوف، قال , " يقوم الإمام مستقبل
القبْلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو وجوههم إلى
العَدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون لأنفسهم
سجدتن في مكانهم، ثم يذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك فيركع
بهم ركعة، وسجد بهم سجدتن، فهي له ثنتان، ولهم واحدة، ثم
يركعون ركعة، ويسجدون سجدتين ".
قال أبو عيسى: قال محمد بن بشار: سألت يحيى بن سعيد عن هذا
الحديث؟ فحدثني، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، ثن
أبيه، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي- عليه السلام- بمثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، وقال لي يحيى بن
سعيد: اكتبه إلى جنبه، ولست أحفظ الحديث، ولكنه مثل حديث يحيى
ابن سعيد، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لم يرفعه يحيى
ابن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد، هكذا رَوى أصحاب
__________
(1) جاء هذا النص في سنن أبي داود بعد حديثين، وذكر محققه أنه موجود في النسخة الهندية في كلا الموضعين.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف (565) .(5/115)
يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفا، ورفعه شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم.
قوله: " نحو رواية يزيد بن رومان " وهي التي رواها القعنبي عن مالك، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمَّن صلى مع رسول الله - عليه السلام- فذكر نحوه، ورواها الترمذي أيضاً معلقة، وعن مالك: حديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إليّ.
ويزيد بن رومان القرشي الأسدي، مولاهم أبو روح المدني مولى اَل الزبير بن العوام. روى عن: عبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وصالح بن خوات. روى عنه: أبو حازم المديني، والزهري، وهشام بن عروة، ومالك بن أنس، وجماعة آخرون. قال محمد بن سعد: توفي سنة ثلاثين ومائة، وكان عالما كثير الحديث ثقة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ورواية عبيد الله نحو رواية يحيى بن سعيد " أي: رواية عبيد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب مثل رواية يحيى بن سعيد الأنصاري المذكورة، إلا أنه قال في روايته: " ويثبت قائما " يعني الإمام، بعد أن يركع بهم ركعة يثبت قائما إلى أن يركعوا لأنفسهم، ويسجدوا لأنفسهم سجدتين في مكانهم، ثم يذهبون إلى مقام الطائفة التي تجاه العدو، ويجيء أولئك فيركع بهم، إلى آخر ما بينا.
***
270- باب: مَن قال: إذا صلى ركعة
أي: هذا باب في بيان من قال: إذا صلى الإمام ركعة بإحدى الطائفين.
ص- " وثبت قائماً أَتَموا لأنفُسهم ركعةَ، ثم سَلمُوا، ثم انصَرَفُوا، فكانوا وِجَاهَ العَدُوَّ "، واختُلفَ في السَلَام.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 6986) .(5/116)
ش- أي:: ثبت الإمام حال كونه قائماً، حتى تتم الطائفة الأولى لأنفسهم ركعة، ثم يسلموا , لأنهم كملوا صلاتهم، حيث صلوا مع الإمام ركعة، وصلوا لأنفسهم ركعة أخرى، فإذا سلموا انصرفوا قبالة العدو.
قوله: " واختلف في السلام " أي: في سلام الطائفة الأولى بعد أن يتموا لأنفسهم، لما نبينه الآن في الحديث.
1209- ص- نا (1) القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوَات، أن سهل بن أبي حثمةَ الأنصاري، حدثه: " أن صَلاةَ الخَوْف أن يَقُومَ الإمَامُ وطائفة مِن أصحَابِه، وطَائفة مُوَاجهَةُ العَدُوِّ، فيركَعُ الإمَامُ رَكعة، وَيسجُدُ بالذين معه، ثم يًقومُ، فإذا اسْتَوًى قائماً ثبَتَ قائماً، وأتمُوا لأنفُسهم الركعةَ البَاقيةَ، ثم سَلَمُوا، وانصَرَفُوا، والإمَامُ قَائم، فكَانوا وِجَاهَ الَعًدوِّ، ثم يُقْبِلُ الآخَرُونَ الذين لمِ يُصَفُوا، فَيُكبِّرُوا وَرَاءَ/ 1 الإمام، فَيَرْكعُ، ويَسْجُدُ بهم، ثم يُسَلمُ، فَيَقُومُون فَيَرْكَعُونَ [2/ 120 - أ] لأنفُسِهِمْ الركَعةَ البَاقِيةَ، ثم يسَلِّمُونَ " (2) .
ش- هذا حديث موقوف.
1210- ص- نا القعنبي، عن مالك، دن يزيد بن رُومان، عن صالح ابن خوَّات: " عَمنْ صَلَّى مِع رسولِ الله- عليه السلام- يَومَ ذَات الرقاع صَلاةَ الخَوْفِ، أن طَائفَة صَفتْ مَعَهُ، وَطائفَة وِجَاهَ العَدُو، فَصَلَّى بالَتي مَعه رَكعة، ثم ثبَتَ قائماً، وَأتَمُوا لأنفُسِهِم، ثم انصَرَفُوا، وصَفوا وِجَاه العَدُوَ، وجَاءَت الطَائفَةُ الأخْرَى، فَصلى بهمُ الركعَةَ التي بَقيَتْ من صَلاِتهِ، ثم ثَبَتَ جَالِسا، وَأتَموا لأنفُسِهِمْ، ثم سلم بهم " (3) .
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(2) انظر الحديث قبل السابق.
(3) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع (4129) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف (841) ، النسائي: في كتاب صلاة الخوف.(5/117)
ش- ذات الرقاع غزوة مشهورة كانت سنة خمس من الهجرة، بأرض غطفان من نجد، سميت ذات الرقاع ش لأن أقدام المسلمين نقبت من الحَفَا، فلفوا عليها الخرق، هذا هو الصحيح في سبب تسميتها، وقد ثبت هذا في " الصحيح " (1) ، عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- وقيل: سميت به لجبل هناك يقال له: الرقاع , لأن فيه بياضا، وحمرة، وسوادا، وقيل: سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع، وقيل: لأن المسلمين رقعوا راياتهم، ويحتمل أن هذه الأمور كلها وجدت فيها.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : " وشرعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، وقيل: في غزوة بني النضير". والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
ص- قال مالك: وحديثُ يزيدَ بن رومانَ أحب ما سمعتُ إِلي.
ش- إنما قال ذلك لأنه أشد موافقة لظاهر القرآن، لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصلاة فَلتَقُمْ طَائِفَةٌ منْهُم معَكَ} الآية (3) فجعل إقامة الصلاة لهم كلها لا بعضها، وفي غير هذه الصورة إنما يقيم لهم الإمام بعض الصلاة لا كلها، ومعنى قوله: {فإذَا سَجَدُوا فَليَكُونُوا من وَرَائكُم} (3) أي: إذا صلوا، ثم قال: {ولتَأَتِ طَائفَةٌ أخْرَى لَمْ يُصًلوا فًليُصَفُوا مَعَكَ} (3) ، فكان دليل مفهومه: أن هؤلاءَ قد صدوا، وقوله: {فليُصَلُّوا مَعَكَ} مقتضاه تمام الصلاة، وهو على قول غيره.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة ذات الرقاع (4128) بلفظ: " خرجنا معه النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ونحن في ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنَقبَتْ أقدامنا، ونقِبَتْ قدمايَ، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخِرَقً، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا. وحدث
أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره؟ كأنه
كره أن يكون شيء من عمله أفشاه ".
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 128) .
(3) سورة النساء: (102)(5/118)
لا يصلون معه إلا بعضها، وقد ذكر الطائفتين، ولم يذكر عليهما قضاء، فدل أن كل واحدة منهما قد انصرفت عن كمال الصلاة.
قال الخطابي (1) : وهذا أحوط للصلاة , لأن الصلاة تحصل مؤداة على سننها في استقبال القِبْلة، وعلى مذهب غيره يقع الاستدبار للقِبْلة، ويكثر العمل في الصلاة ".
***
271- بَابُ: مَن قال: يكبرون جميعاً وإن كانوا مستدبري القبْلة
أي: هذا باب في بيان قول من قال: تكبر الجماعة جميعاً مع الإمَام: الذين معه، والذين تجاه العدو، وإن كانوا مستدبرين القِبْلة، فلا يضرهم ذلك، لأجل الضرورة.
ص- ثم يصلي بمَنْ مَعَهُ رَكعة، ثم يأتُونَ مَصاف أصْحَابِهم، وَيَجيءُ الآخَرُونَ فَيَرْكَعُونَ لَأنْفُسهِم رَكْعة، ثم يُصَلي بهم رَكعة، ثم تقْبِلُ الطائفَةُ التي كانتْ مُقَابلَةَ (2) الَإمَام فَيُصَلُونَ لأنفُسِهِم رَكعةً، والإمَامُ قَاعد، ثَم يُسَلمُ بِهِم كلهِمَ (3) .
ش- " المَصَاف "- بفتح الميم، وتشديد الفاء- جمع مصف، وهو موضع الحرب الذي تكون فيه الصفوف، وأما المُصَاف- بضم الميم- فهو بمعنى المقابل، يقال: مصاف العدو، أي: مقابلهم.
قوله: " مقابلة الإمام "، وفي بعض النسخ: " كانت مقابلي الإمام ". 1211- ص- نا الحسن بن علي، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا حيوة وابن لهيعة، قالا: نا أبو الأسود، أنه سمع عروة بن الزِبير، يحدث عن مروان بن الحكم، أنه سأل أبا هريرة: " هَلْ صَليْتَ مَع رسول الله صَلاة الخَوْفِ؟ قال أبو هُريرةَ: نَعم، فقال مَرْوانُ: مَتَى؟ فقال أبو هريرةً: عَامَ
__________
(1) معالم السنن (1/ 234) .
(2) في سنن أبي داود: " مقابل "
(3) في سنن أبي داود: " كلهم جميعاً ".(5/119)
غَزْوَة نَجْد، قامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى صَلاةِ العَصْرِ، فقَامَتْ معه طَائفَة،
وطَائَفَة أخرَى مُقَابِلَ العَدوِّ، وظُهُورُهُم إلى القبْلَة، فَكَبَّرَ رسول الله
وكَبَّرُوا (1) جميعاً، الذين معه والذين مُقَابِلِي (2) العًدوًّ، ثم رَكَعَ رسولُ اللهَ
رَكْعَة وَاحدة، ورَكَعَت الطائفَةُ التي معه، ثم سَجَدَ، فسجدَت الطَّائفةُ التيَ
تَلِيه، والآَخَرُونَ قيام مُقًابلِيَ العَدُوّ، ثم قَامَ رسولُ الله، وقَامَتَ الطَّائَفَةُ التي
مَعَهُ، فذهبُوا إلىَ العَدو، فَقَابَلُوهُم، وأَقْبَلَت الطائَفَةُ التي كَانتَ مُقَابلِي
[2/ 120 - ب] ، العَدُوّ، فَرَكَعُوا وسَجَدوا/ ورسولُ الله قَائِمٌَ كما هو، ثم قَامُوا، فَركَعَ رسولُ اللهِ رَكْعَة أخرى، وركَعُوا معه، وسًجَدَ وسَجَدُوا معه، ثم أقْبَلَتِ (3)
التي كانتْ مُقَابلِي العَدُوِّ، فَرَكَعُوا وسَجَدوُا، ورَسولُ الله قَاعد، ومَنْ
مَعَه (4) ، ثم كانَ السَّلامُ، فَسَلَّمَ رسولُ اللهِ، وسَلَّمُوا جميعاً، فكَانَ لَرَسُول الله
رَكْعَتين (5) ، ولِكُلِّ وَاحِدة (6) من الطائِفَتينِ رَكعة ركعَة " (7) .
ش- أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ المدني، وحيوة بن
شريح، وعبد الله بن لهيعة، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن، يتيم
عروة بن الزبير.
قوله: " غزوة نجد " هي غزوة ذات الرقاع , لأن ذات الرقاع هي في
النجد، والفرق بين هذه الصورة، والصورة التي قبلها، أن الصورة التي
قبلها ليس فيها استدبار القِبْلة، وليس فيها تكبير القوم كلهم مع الإمام،
بخلاف هذه الصورة، ولكنهما مشتركتان في أن سلام الإمام مع القوم
جميعاً فافهم. والحديث أخرجه: النسائي أيضاً
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكبروا "
(2) في سنن أبي داود: " مقابل "
(3) في سنن أبي داود: " أقبلت الطائفة التي "
(4) في سنن أبي داود: " ومن كان معه "
(5) في سنن أبي داود: " ركعتان "
(6) في سنن أبي داود: " رجل "
(7) النسائي: كتاب صلاة الخوف (3/ 173)(5/120)
1212- ص- نا محمد بن عمرو الرازي، نا سلمة، حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الِزِبير، ومحمد بن الأسود، عن عروة ابن الزبير، عن أبي هريرة قال:" خرجْنَا مَعَ رسول الله إلى نَجْد حَتى إذَا كُنا بذَاتِ الرِّقَاع من نَخْلٍ لَقِيَ جَمْعا مِن غَطفَانَ " فَذكَر معناه وً لفظَه على غير لَفظ حَيوةَ، وَقال فيه: حين رَكَعَ بمن معه، وسَجَدَ، قال: " فلَمَا قَامُوا مَشوا القًهْقَرى إلى مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ " ولم يذكروا " اسْتِدْبَارَ القِبلةِ " (1) . ش- سلمة بن الفضل.
قوله: " إلى نجد " النجد هي: الناحية التي بين الحجاز والعراق، قال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى (2) طريق الكوفة، وما وراء ذلك إلى أن يشارف أرض البصرة فهو نجد، وما بين العراق وبين وجرة، وعمرة الطائف نجد، وما كان وراء وجرة إلى البحر فهو: تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز.
قوله: " من نخل " بفتح النون، وسكون الخاء المعجمة، وبعدها لام، هي بنجد من أرض غطفان.
قوله: " مشوا القهقرى " وهو: الرجوع إلى الورى، وفي مشيهم هكذا لا يكون استدبار القِبْلة.
1213- ص- قال أبو داود: وأما عبيد الله بن سعد فحدثنا، قال: نا عمي، قال: نا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أن عروة بن الزبير حدثه، أن عائشة حدثته بهذه القصة، قالت: " كَبرَ رَسولُ الله- عليه السلام- وكَبَّرَت الطَائفَةُ الذين صَفُّوا معه، ثم رَكَعَ فَرَكَعُوا، ثَم سَجَدَ فَسَجَدوا، ثم رَفَع فَرَفَعوا، ثم مَكَثَ رسولُ الله- عليه السلام- جَالِسا، ثم سَجَدُوا هم لأنفُسهِم الثانيةَ، ثم قَامُوا فَنَكَصوا على أعْقَابهِم يَمْشُونَ القَهْقَرَى حتى قَاموا مِن ود رَاِئِهِم، ونجا صك الطائفَةُ الأخْرَى، فَقَامُوَا فَكَبرُوا، ثم رَكَعُوا لأنفُسِهِم، ثم سَجدَ رسولُ اللهِ، َ فسَجًدُوا معه، ثم
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مكررة في الأصل.(5/121)
قَامَ رسولُ الله، وَسَجَدُوا لأنفُسهِم الثانيةَ، ثِمِ قَامَت الطائفَتان جميعاً، فَصَلُّوا معَ رسولِ الله، فرَكَعَ فَرَكًعُوا، ثم سَجد فَسَجًدوا جميعاً، ثم عَادَ فسجَدَ الثانيةَ، وسجًدُوا معه سَرِيعا كأسْرعَ الإِسْرَاع جَاهدَاً، لا يألون سرَاعا، ثم سَلَّمَ رسولُ الله، فسَلَّمُوا (1) ، فقَامَ رسولُ الله، وقدَ شَارَكَهُ الناسُ فيَ الصَّلاةِ كلهَا " (2) .َ
ش- عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف الزهري، وعمه يعقوب بن إبراهيم، وابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار.
قوله: " فنكصوا على أعقابهم " أي: رجعوا إلى ورائهم، والنكوص: الرجوع إلى وراء، وهو: القهقرى، من نكص ينكص، فهو ناكص. قوله: " الثانية لما وفي بعض النسخ: " الباقية ".
قوله: " سريعا " حال من الضمير الذي في قوله: " سجدوا معه " أي: مسرعين مستعجلين
قوله: " كأسرع الإسراع " صفة لقوله: " سريعاً " تدل على المبالغة في السرعة.
قوله: " جاهداً " نصب على أنه صفة أيضاً لقوله: " سريعاً "، وفي نفس الأمر كلاهما صفة للقوم، والتقدير: مسرعين بالجهد، وبذل الوسع، أو مسرعين مجتهدين في السرعة وغايتها.
قوله: " لا يألون " أي: لا يقصرون، من آلى يألو.
قوله: " سراعا " حال من الضمير الذي في " لا يألون " أي: لا يقصرون حال كونهم مسرعين، والسراع جمع سارع، كالقيام جمع قائم، وفي هذه الصورة شارك القوم الإمام، ما خلا التكبيرة الأولى.
***
__________
(1) في سنن أبي داود: " وسلموا ".
(2) تفرد به أبو داود.(5/122)
/ 272- باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعة [2/ 121 - أ]
أي: هذا باب في بيان قول من قال: يصلي الإمام بكل طائفة ركعة
واحدة.
ص- ثم يُسَلّمُ، فيقومُ كلُّ صف، فَيُصَفُونَ لأنفُسِهِم رَكعةً.
ش- أي: ثم يسلم الإمام، فيقوم كل صف فيصلون لأنفسهم ركعتهم التي بقيت، فالطائفة الأولى يصلون ركعتهم الباقية، بلا قراءة لأنها لاحقة، والطائفة الثانية يصلون ركعتهم الباقية بقراءة. لأنها مسبوقة، وهذه الصورة مذهب أبي حنيفة، وأصحابه.
1214- ص- نا مسدد، نا يزيد بن زريع، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى بِإِحْدَى الطَائفتين رَكعة والطَائفَةُ الأخْرَى مُوَاجهَةُ العَدُوَ، ثم انَصَرَفُوا، فَقَامُوا في مَقام أوَلئِكَ، فَجَاء (1) أولئك، فَصلى بهم رَكعةً أخرى، ثم سَلَمَ عَلَيْهِم، ثم قَامَ هَؤُلاءِ فَقَضَوا رَكْعَتَهُم، وقَامَ هؤلاءِ فَقَضوا رَكْعَتَهُم " (2) .
ش- أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، ولفظ البخاري: نا غزوت مع رسول الله قِبَل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين "، وأصحابنا أخذوا بقول ابن عمر، وقول ابن مسعود، وسنذكر الفرق بينهما، دائما اختاروا هذا لأن الرواية عنهما لم تتعارض،
__________
(1) في سنن أبي داود: " وجاء "
(2) البخاري: كتاب صلاة الخوف، باب: صلاة الخوف (942) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الخوف (839) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الخوف (564) ، النسائي: كتاب صلاة الخوف (3/ 171) .(5/123)
والرواية عن سهل بن أبي حثمة متعارضة، فإن بعضهم روي عنه مثل مذهبنا أيضاً، وأيضاً إن حذيفة أقام صلاة الخوف بطَبَرَسْتان بجماعة من الصحابة على نحو ما قلنا، ولم ينكر عليه أحد، فكان إجماعا على أن فيما تمسك به الشافعي ما يدل على كونه منسوخا , لأن فيه أن الطائفة الثانية يقضون ما سبقوا به قبل فراغ الإمام، ثم يسلمون معه، وهذا كان في ابتداء الإسلام، أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته، ثم يتابع الإمام، ثم نسخ، ولهذا لم يأخذ أحد برواية أبي هريرة.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه نافع، وخالد بنُ مَعدانَ، عن ابن عُمرَ، عن النبي- عليه السلام-.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث نافع مولى ابن عمر، وخالد بن معدان الكلاعي الحمصي، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " وقال: نا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال:" صلى رسول الله صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ذهبوا، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة ". انتهى.
وكذلك رواه خالد بن معدان، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- وهذا من تعاليق أبي داود.
[ص-] وكذا (1) قول مسروق، ويوسف بن مهران، عن ابن عباس. ش- قول مسروق بن الأجدع الكوفي رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن مغيرة، عن الشعبي، عن مسروق، أنه قال: " صلاة الخوف: يقوم الإمام ويصفون خلفه صفين، ثم يركع الإمام، فيركع الذين يلونه، ثم يسجد بالذين يلونه، فإذا قام تأخر هؤلاء الذين يلونه، وجاء الآخرون فقاموا مقامهم، فركع بهم، وسجد بهم، والآخرون قيام، ثم يقومون فيقضون ركعة ركعة، فيكون للإمام
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكذلك ".(5/124)
ركعتين في جماعة، ويكون للقوم ركعة ركعة في جماعة، ويقضون الركعة".
وكذا روي، عن غندر، عن شعبة، عن عليّ بن زيد، عن يوسف
ابن مهران، عن ابن عباس مثلُ ذلك، ويوسف بن مهران ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يروي عن ابن عباس، روى عنه: عليّ بن زيد ابن جدعان.
ص- وكذلك روى يونسُ، عن الحسنِ، عن أبي موسى، أنه فَعَلَهُ.
ش- أي: كما رُوي عن ابن عباس، روى يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، عن أبي موسى الأشعري، أنه فعله، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه "، قال: نا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن: " أن أبا موسى صلى بأصحابه بأصبهان، فصلت طائفة منهم معه،/ وطائفة مواجهة العدو، فصلى بهم ركعة، ثم نكصوا، وأقبل الآخرون يتخللونهم، فصلى بهم ركعة، ثم سلم، وقامت الطائفتان، فصلتا ركعة ركعة ".
***
273- باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعة
أي: هذا باب في بيان من قال: يصلي الإمام بكل طائفة ركعة.
ص- ثم يُسَلَمُ، فَيَقُومُ الذين خَلفَهُ، فَيُصَلونَ رَكعةَ، ثم يَجِيءُ الآخَرُونَ
إلى مَقَام هؤلاءِ، فَيُصَلُّون رَكعةً.
ش- هذه الصورة هي بعينها مثل الصورة الأولى، ولكن بينهما فرق
يسير، وهو أن قضاء القوم في الصورة الأولى التي هي من حديث ابن
عمر في حالة واحدة، ويبقى الإمام كالحارس وحده، وفي هذه الصورة
التي/ هي في حديث ابن مسعود كان قضاؤهم متفرقا على صفة صلاتهم، [2/ 12 1- ب] وبهذا الفرق أيضاً يفرق بين الحديثين، وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر على
ما في حديث ابن مسعود، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه- كما ذكرناه-.(5/125)
1215- ص- نا عمران بن ميسرة، نا ابن فضيل، نا خصيفٌ، عن
أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، قال: " صَلَّى (1) رسولُ الله صَلاةَ الخَوْف فَقَامُوا صَفا خَلفَ رَسول الله، وَصَفٌّ مُسْتَقْبل العَدُوّ، فَصلَّى بهَمُ النبيُّ - عليهَ السلام- رَكعةً، ثم جَاءً الآَخَرُونَ، فَقَامُوَا مَقَامَهُمْ، واسْتَقْبَلِ هَؤلاء العَدُوَّ، فَصلى بهمُ النبي- عليه السلام- رَكعةً، ثم سَلَمَ، فَقَام هَؤلاءَ فَصَفُوا لأنفُسِهِم رَكعةً، ثم "سَلَّمُوا، ثم ذهبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أولئكَ مسْتَقْبليَ العَدُو، وَرَجعً أولئكَ إلى مَقَامِهِم، فَصَلوا لأنفُسِهِم رَكعةً، ثم سًلّمُوا " (2) . ش- عمران بن ميسرة أبو الحسن المنقري البصري، روى عن:
عبد الوارث بن سعيد، ومعتمر بن سليمان، وحفص بن غياث، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود (3) . وابن فضيل: محمد بن فضيل الكوفي، وخصيف- بضم الخاء المعجمة-: ابن عبد الرحمن، قد ذكر مرة، وأبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن مسعود.
قوله: " فقاموا صفاً " أي: مصطفين خلف رسول الله.
قوله: " وصف" أي: وقام صف مستقبل العدو، بمعنى قبالة العدو.
قوله: " مستقبلي العدو " نصب على الحال، وأصله: " مستقبلين العدو " (4) ، فلما أضيف سقطت النون، والحديث رواه البيهقي أيضاً، وقال: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وخصيف ليس بالقوي.
قلت: أبو عبيدة ثقة، اخرج له البخاري محتجاً به في غير موضع، وروى له: مسلم، وغيره، وخصيف وثقه ابو زرعة الرازي، وفي " الكمال " قال ابن معين: ثقة. وقال النسائي: صالح. وقال ابن سعد: كان ثقة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " صلى بنا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4508) .
(4) في الأصل: " مستقبلين للعدو"(5/126)
1216- ص- نا تميم بن المنتصر، أنا إسحاق- يعني: ابن يوسف- عن شريك، عن خُصَيف بإسناده ومعناه، قال: " فكَبرَ نَبي الله- عليه السلام- فَكَبَّرَ (1) الصَفانِ جميعاً " (2)
ش- إسحاق بن يوسف الأزرق، وشريك بن عبد الله، وفي هذه الرواية تكون المشابهة للأصول أقوى وكثر، فافهم.
ص- قال أبو داودَ: رواه الثوريُ بهذا المعنى، عن خُصيفٍ.
ش- أي: روى هذا الحديث سفيان الثوري بهذا المعنى، عن خصيف. ص- وَصلى عبدُ الرحمن بنُ سَمُرَةَ هكذا، إلا أن الطُّائفَةَ التي صلى بهم رَكعةً، ثم سَلُّم، مَضَوْا إلى مقَام أصْحَابهم، وجاءَ هؤلاءَ، فصَلوا لأنفُسِهِمْ رَكعةً، ثم رَجَعوا إلى مَقَام أولئكَ، فصَلوَا لأنفُسِهِم رَكعةً ".
ش- عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب القرشي الذي غزا خراسان في زمن عثمان بن عفان، وهو الذي افتتح سِجِسْتان، وكابُلَ، وهذا معلق. ص- نا بذلك مسلم بن إبراهيمِ، نا عبد الصمد بن حبيب، أخبرني أبي:
" أنهم غزَوْا معَ عبدِ الرحمنِ بنِ سمُرَةَ كَابُلَ، فَصلى بنا صَلاةَ الخَوْف ". ش- عبد الصمد بن حبيب، ويقال: ابن عبد الله بن حبيب الأزدي العَوْفِي البصري، سكن بغداد. روى عن: أبيه، ومَعْقِل القَسْمَلِي، وسعيد بن طهمان. روى عنه: مسلم بن إبراهيم، وبُهْلُولُ بن إسحاق. قال البخاري: في الحديث، ضعفه أحمد. وقال أبو حاتم: حديثه ليس بالمتروك، يحول من كتاب الضعفاء. وقال ابن معين: ليس به بأس. روى له أبو داود (3) .
وأبوه حبيب بن عبد الله الأزدي البصري. روى عن: سنان بن سلمي. روى عنه: ابنه عبد الصمد. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكبر ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3428) .
(4) المصدر السابق (5/ 1093) .(5/127)
قوله: " كابُلَ " بضم الباء الموحدة، ناحية من ثغور طخارستان، ولها
مدن، ولها عود وزعفران، وهليلج , لأنها متاخمة للهند، نسب إليها
غير واحد من الرواة، ولها ذكر في الفتوح، وذكرت في كتاب " الأقاليم
والبلدان ": إن كابُلَ من عمل باميان، وفيها المسلمون، وكفار الهنود،
وهي فرضة للهند، وقال في " القانون ": قلعة كابُلَ مستقر ملوك
الأتراك، كانوا، ثم البراهمة، وينسب إليها الأهليلج، وليس بها شيء
منه، ولكن لما كانت فرضة للتجار، يقصد فيها بالأهليلج وغيره، وفي
غربيِّها غزنة.
ثم ذكر هذا الخبر في هذا الباب يدل على أن عبد الرحمن بن سمرة [2/ 122 - أ] صلى/ صلاة الخوف، مثل قول ابن مسعود- رضي الله عنه-. ***
274- باب: من قال: يصلي بكل طائفة ركعة، ولا يقضون
أي: هذا باب في بيان قول من قال: يصلي الإمام بكل طائفة ركعة،
ولا يقضون بعد ذلك الركعة الباقية.
1217- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن سفيان، حدَّثني الأشعث بن
سليم، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زَهْدَمِ، قال: " كُنا معَ سعيدِ بنِ
العاصِ بِطَبَرسْتَانَ، فقامَ فقالَ: أَيُّكُم صَلَّى معَ رسول الله صَلاةَ الخَوْف؟
فقالَ حذَيفةُ أَنا، فَصلى بهؤلاءِ رَكْعةً، وبهؤلاءِ رَكْعةً، ولَم يَقْضُوا " (1) .
ش- يحيى القطان، وسفيان الثوري، والأشعث بن أبي الشعثاء سليم
الكوفي.
والأسود بن هلال المحاربي أبو سلام الكوفي. سمع: عمر بن
الخطاب، وعبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة.
روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأشعث بن سليم، وحميد بن زياد.
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة الخوف (3/ 167 - 168) .(5/128)
قال ابن معين: ثقة. مات سنة أربع وثمانين. روى له البخاري، ومسلم، وأبو نا ود، والنسائي (1) .
وثعلبة بن زهدم- بالزاي- اليربوعي، قال البخاري: يقال: له صحبة، ولا يصح حديثه في الكوفيين. وقال عبد الرحمن: يقال: له صحبة، وذكره في " الكمال " في الصحابة (2) .
وسعيد بن العاص قد ذكرناه مرة، وكان عثمان استعمله على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها، وهي بفتح الطاء، والباء الموحدة، والراء، وسكون السن المهملة، وبالتاء المثناة من فوق، وبعد الألف نون، وهي بلاد كثيرة المياه، والأشجار، والغالب عليها الغياض، وأبنيتها بالخشب، والقصب، وهي بلاد كثيرة الأمطار، ويرتفع منها إبريسم يعم الآفاق، وغالب خبزهم الأرز، وهي شرقي كيلان، وإنما سميت بذلك , لأن " طبر " بالفارسية الفأس، و" استان " الناحية، ومن كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن يقطع الأشجار من بين أيديهم بالطبر، فسميت بذلك طبرستان، أي: ناحية الطبر، ومن بلادها رؤيان خرج منها جماعة من أهل العلم، وناتل، والأرجان، وويمة، وآمل، وهي أكبر مدينة بطبرستان، ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ومَامْطير خرج منها جماعة من أهل العلم. والحديث أخرجه النسائي. وقالَ الخطابي (3) : قد تأوله قوم من أهل العلم على صلاة شدة الخوف. وروي عن جابر بن عبد الله أنه كان يقول في الركعتين في السفر: ليستا بقصر، إنما القصر واحدة عند القتال. وقال بعض أهل العلم في قول الله تعالى: {فلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أن يَفْتِنَكُمُ الذِينَ كَفَرُوا} (4) ، إنما هو أن يقصر
__________
(1) انظر ترجمتَه في: تهذيب الكمال (3/ 508) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 202) ، وأسد الغابة (1/ 286) ، والإصابة (1/ 199) .
(3) معالم السنن (1/ 235) .
(4) سورة النساء: (101) .
9هـ شرح سنن أبي داوود 5
-(5/129)
ويصلي ركعة واحدة عند شدة الخوف، وكان إسحاق بن راهويه يقول: أما عند المسايفة فتجزئك ركعة واحدة، يومئ بها إيماء، فإن لم تقدر فسجدة واحدة، فإن لم تقدر فتكبيرة , لأنها ذكر الله- عَر وجَلَّ-. وروى عن: عطاء، وطاووس، والحسن، ومجا هد، والحكم، وحماد، وقتادة، في شدة الخوف ركعة واحدة، يومئ بها إيماء، فأما سائر أهل العلم، فإن صلاة شدة الخوف عندهم لا تنقص من العدد شيئا، ولكن تصفَى على حسب الإمكان ركعتين، أي وجه توجهوا إليه، رجالا وركبانا، يومئون إيماء، وروى ذلك عن: عبد الله بن عمر، وبه قال النخعي، والثوري، وأصحاب الرأي، وهو قول مالك، والشافعي. ص- قال أبو داود: وكذا رواه عبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ، ومجاها، عن ابنِ عباسٍ.
ش- أي: كذا روى هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ومجاهد بن جبر، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- وأخرجه النسائي من حديث أبي بكر بن أبي الجهم، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عنه، وفيه: " فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا لا. ص- وعبدُ اللهِ بنُ شقيقٍ، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ- عليه السلام-. ش- أي: وكذا روى عبد الله بن شقيق العقيلي، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-، وقوله: "عن النبي " متعلق بكل واحد من [2/ 122 - ب] أبي هريرة، وابن عباس لأن رواية/ ابن عباس أيضاً مرفوعة، كما أخرجها النسائي مرفوعة.
ص- وبزيدُ الفقيرُ، وأبو موسى (1) جميعاً عن جابر، عن النبيِّ- عليه السلام- (2) .
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد قوله: " وأبو موسى ": " قال أبو داود: رجل من التابعين ليس بالأشعري "
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا قوله: " وقد قال بعضهم عن شعبة في حديث يزيد الفقير: إنهم قضوا ركعة أخرى ".(5/130)
ش- أي: وكذا روى يزيد الفقير، وهو يزيد بن صهيب ابو عثمان الكوفي، وأبو موسى رجل من التابعين، وليس بأبي موسى الأشعري، وفي حديث بعضهم عن جابر: " أنهم قضوا ركعة أخرى " وفي " المصنف " (1) : نا وكيع، ثنا المسعودي، ومسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله، قال: " صلاة الخوف ركعة ركعة ".
قوله: " جميعاً " حال من " يزيد وأبي موسى،، بمعنى مجتمعين.
ص- وكذلك رواه سِمَاك الحنفي، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " فكَانتْ للقوم رَكعةَ رَكعةَ، وللنبيِّ- عليه السلام- رَكعتين ".
ش- أي: وكذلك روى الحديث سماك بن الوليد أبو زميل الحنفي، اليمامي، عن عبد الله بن عمر. قال احمد، ويحيى: سماك ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى عنه: الأوزاعي، ومسعر، وشعبة، وغيرهم. وروى له: مسلم، والترمذي، وابن ماجه، وهذا معلق كالروايات الماضية.
ص- وكذلك زيدُ بنُ ثابتِ، عن النبيّ- عليه السلام-.
ش- أي: كذلك روى زيد بن ثابت الأنصاري، عن النبي- عليه السلام- قال: " فكانت للقوم ركعة، وللنبي- عليه السلام- ركعتين وأخرجه النسائي، وذكره أبو داود معلقا
1218- ص- نا مسدد، وسعيد بن منصور، قالا: ثنا أبو عوانة، عن بكير بن ا "خنس، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: " فَرَضَ اللهُ الصلاة على لسَان نَبيكُم صلى الله عليه وسلم في الحَضَر أربعاً وفي السَفَر رَكعتين، وفي الخَوْف رَكعًة (2)
__________
(1) ابن أبي شيبة (2/ 463) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها (5/ 687) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة =(5/131)
ش- أبو عوانة الوضاح.
وبكير بن الأخنس الكوفي السدوسي، ويقال: الليثي. روى عن: أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، ومسعر، والأعمش، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
وقوله: " وفي الخوف ركعة " محمول على أنه مع الإمام، حتى لا يكون مخالفاً لغيره من الأحاديث الصحيحة.
***
275- باب: قول من قال: يصلي بكل طائفة ركعتين
أي: هذا باب في بيان قول من قال: يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين، ويكون للإمام ح (2) أربعا.
1219- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة، قال: نا صلى رَسولُ الله في خَوف الطهْر، فَصُف بعضُهم خَلفَهُ، وبَعْضُهُم بإزَاء العَدو، فَصلى (3) رَكعتينِ، ثم سلم، فانطلَقَ الذين صفُوا معه، فَوَقَفُواَ مَوْقَفَ أصْحَابِهِم، ثم جَاءَ أولئكَ، فَصَلُّوا خَلفَهُ، فَصَلَّى بهم رَكعتين، ثم سَلًّمَ، فكانتْ لِرَسُولِ اللهِ أربعاً ولأصْحَابِهِ ركعتين ركعتين " (4) .
__________
= (455) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: تقصير الصلاة في السفر (1068) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 760) .
(2) أي: " حينئذ ". (3) في سنن أبي داود: " " فصلى بهم ركعتين ".
(4) النسائي: كتاب صلاة الخوف (3/ 178) .(5/132)
ش- الأشعث بن عبد الملك الحُمْراني الأعمى، والحسن البصري، وأبو بكرة نفيع بن الحارث، وقد ذكرناه.
قوله: " فكانت لرسول الله أربعا " أي: كانت الصلاة في حق رسول الله أربع ركعات، وفي حق أصحابه ركعتين ركعتين، " (1) قال المنذري في "مختصره ": قال بعضهم: كان النبي- عليه السلام- في غير حكم سفر، وهم مسافرون، وقال بعضهم: هذا خاص بالنبي- عليه السلام- لفضيلة الصلاة خلفه. وقال الخطابي، والنووي: وفيه دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنقل، ويعترض عليه بأنه لم يسلم من الفرض كما في حديث جابر، وقيل: إنه- عليه السلام- كان مخيراً بين القصر والإتمام في السفر، فاختار الإتمام، واختار لمن خلفه القصر، وقال بعضهم: كان في حضر ببطن نخلة على باب المدينة، ولم يكن مسافراً، وإنما كان خوف فخرج منه محترسا.
قلت: يتقوى هذا بحديث أخرجه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي: أخبرنا الثقة ابن علية، أو غيره، عن يونس، عن الحسن، عن جابر: " أن النبي- عليه السلام- كان يصلي بالناس صلاة الظهر في الخوف ببطن نخلة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت طائفة أخرى، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم ".
وأخرج الدارقطني: عن عنبسة، عن الحسنة، عن جابر: " أن النبي
- عليه السلام- كان محاصراً لبني محارب، فنودي بالصلاة " فذكر نحوه/، والأول أصح، إلا أن فيه شائبة الانقطاع، فإن شيخ الشافعي [2/ 123 - أ] مجهول، وأما الثاني ففيه عنبسة بن سعيد القطان، ضعفه غير واحد، وقال غيره: لم يحفظ عن النبي- عليه السلام- أنه صلى صلاة الخوف قط في حضر، ولم يكن له حرب قط في حضر إلا يوم الخندق، ولم تكن نزلت صلاة الخوف بعد، ولما ذكر الطحاوي
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 247) .(5/133)
حديث أبي بكرة المذكور قال: يحتمل أن يكون ذلك كان [في] وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول الإسلام، حتى نهى عنه، ثم ذكر حديث ابن عمرة أن النبي- عليه السلام- نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين "، قال: والنهي لا يكون إلا بعد الإباحة (1) .
والحديث أخرجه: النسائي، وليس فيه فتوى الحسن.
ص- وبذلك كان يفتي الحسن.
ش- أي: بمثل ما ذكر كان يفتي الحسن البصري. لأنه على قضية التعديل، وعبرة التسوية بين الصلاتين، لا يفضل فيها طائفة على الأخرى، بل كل يأخذ قسطه من فضيلة الجماعة، وحصته من بركة الأسوة.
ص- قال أبو داود: وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث.
ش- أي: بالطريق المذكور يكون في صلاة المغرب للإمام ست ركعات , لأنه يصلي بكل واحدة من الطائفتين ثلاث ركعات كاملة، فيكون له ست، وللقوم ثلاث ثلاث.
ص- وكذلك رواه يحيى بن أبى كثير، عن أبى كلمة، عن جابر، عن النبي- عليه السلام-.
ش- أخرجه مسلم عن أبي سلمي، عن جابر، قال: " أقبلنا على رسول الله حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله، قال: فجاء رجل من المشركة وسيف رسول الله معلق بشجرة، فأخذه فاخترطه، ثم قال لرسول الله: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، قال: فتهدده
__________
(1) ألي هنا انتهى النقل من نصب الراية.(5/134)
أصحاب رسول الله، فأغمد السيف، وعلقه، قال: ثم نودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله أربع ركعات، وللقوم ركعتين،، وأخرجه البخاري تعليقا، واستدل صاحب " الهداية " بهذا الحديث أن الإمام إذا كان مقيماً، صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعتين. ص- وكذلك قال سليمان اليشكري: عن جابر، عن النبي- عليه
السلام-.
ش- سليمان بن قيس اليشكري البصري، روى عن: جابر بن عبد الله. روى عنه: قتادة، وعمرو بن دينار. قال أو زرعة: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: جالس سليمان اليشكري ص برأ، وسمع منه، وكتب عنه صحيفة، وتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، وروى أبو الزبير، وأبو سفيان، والشعبي، عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة. روى له: الترمذي، وابن ماجه (1) .
***
276- باب: صلاة الطالب
أي: هذا باب في بيان صلاة من يطلب العدو، ليقتله.
1220- ص- نا عبد الله بن عمرو أبو معمر، نا عبد الوارث، نا محمد ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: " بَعَثَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بنِ سفيان الهُذِلي- وكان نحو عُرَنَةَ وَعَرَفَات، قال (2) : اذهب فاقْتُلهُ، قَال: فرأيتُه وحَضَرَتْ صلاةُ العصرِ، فقلتُ: ً إنه لأخَافُ أن يكونَ بينِي وبينه ما أنْ أؤَخرَ الصلاةَ، فانطلقتُ أمْشي، وأنا أصلي، أومئُ إيماءً نحوه، فلما دنَوْتُ منه، قال لي: مَنْ أنتَ؟ قلتَ: رَجُل من العَربِ، بَلَغَنِي أنك تَجْمَعُ لهذا الرَّجُلِ، فَجِئتُكَ في ذَاكَ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2556) .
(2) في سنن أبي داود:" فقال"(5/135)
قال: إني لَفِي ذَاكَ، فمشيتُ معه سَاعة، حتى إذا أمكَنَنِي عَلَوْته بسيْفِي حتى بَرَدَ " (1) .
ش- عبد الوارث بن سعيد، ومحمد بن جعفر بن الزبير بن العوام. وابن عبد الله بن أنيس هذا هو: عبد الله بن عبد الله بن أنيس، جاء ذلك مبينا في رواية محمد بن سلمة الحراري، عن محمد بن إسحاق، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يروي عن أبيه في ليلة (2) [2/ 123 - ب] / القدر. روى عنه: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي (3) .
وعبد الله بن أنيس بن أسعد (4) بن حرام بن حبيب بن مالك، عداده في جهينة، شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، ولم يشهد بدراً، وشهد أُحُداً، والخندق، وما بعدها من المشاهد مع رسول الله، وبعثه رسول الله سرية وحده، روي له عن رسول الله- عليه السلام- أربعة وعشرون حديثا، روى له مسلم حديثا واحدا في ليلة القدر. وروى عنه: جابر بن عبد الله، وأبو أمامة الباهلي، ومن التابعين: بسر (5) بن سعيد، وبنوه: عطية، وعمرو، وضمرة، وعبد الله بنو عبد الله. مات سنة أربع وخمسين. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (6) .
قوله: " بعثني رسول الله إلى خالد بن سفيان "، وكان خروجه من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجره، وذكره البيهقي في " الدلائل " تلو مقتل أبي رافع، وذلك أنه لما
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قوله: " في ليلة " مكررة في الأصل.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/ 7739) .
(4) في الأصل: " سعد "، وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(5) في الأصل: " بشر " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 258) ، وأسد الغابة (3/ 179) ، وا لإصابة (2/ 278) .(5/136)
بلغه- عليه السلام- أن خالد بن سفيان (1) قد جمع لرسول الله- عليه السلام- فبعث إليه عبد الله وحده، فقال: " يا رسول الله، صفه لي، فقال: إذا رأيته هبته، وفرقت منه، وذكرت الشيطان، قال: وكنت لا أهاب الرجال، فاستأذنت رسول الله أن اقفل، فأذن لي، فأخذت سيفي، وخرجت، حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش، فعرفته بنعت رسول الله، وهبته، وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي، وأنا أصلي، أومئ إيماء نحوه "، وفي رواية: " برأسي " "فقال: مَن الرجل؟ فقلت: من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد، فجئتك لأكون معك، قال: أجل، إني لأجمع، فمشيت معه وحدثته، واستحلى حديثي، وتفرق عنه أصحابه، حتى إذا هدأ الناس وناموا، اغتررته فقتلته، وأخذت رأسه، ثم دخلت غاراً في الجبل، وضَرَبَتِ العنكبوتُ علي، وجاء الطالب فلم يجدوا شيئاً، فانصرفوا، ثم خرجت فكنت أسير الليل، وأتوارى بالنهار، حتى قدمت المدينة، فوجدت رسول الله في المسجد، فلما رآني قال: افلح الوجه، قلت: أفلح وجهك يا رسول الله، فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع- إلي عصا، وقال: تحضر بهذه في الجنة، فكانت عنده، فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا، وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم ".
قوله: " نحو عُرنة وعرفات " عرنة- بضم العين المهملة، وبالراء المفتوحة- وسكنها بعضهم، والأول أصوب، وبعدها نون مفتوحة، وتاء تأنيث، وبطن عرضة هو بطن الوادي الذي فيه المسجد، والميل كله، وهو من الحرم. وقال الشافعي: عرفة ما جاوز وادي عربة، وليس بالوادي، ولا المسجد من عينة، وعرفات علم للموقف، سمي بجمع كأس رعيت.
__________
(1) في الأصل: " سفيان بن خالدة " كذا.(5/137)
فإن قيل: لِمَ لم يمنع الصرف، وفيها السببان: التعريف، والتأنيث؟ قلت: التأنيث فيها لايح (1) ، إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، صاما بتاء مقدرة كما في سعاد، فالتي في لفظها ليست للتأنيث، وإنما هي والألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها , لأن اختصاص هذه التاء بالجمع المؤنث مانعة من تقديرها، وإنما سميت بذلك لأنها وصفت لإبراهيم- عليه السلام- فلما أبصرها عرفها، وقيل: الْتَقَى آدم وحواء فيها فتعارفا، وقيل: لأن الناس يتعارفون فيها.
قوله: " ما أن أؤخر الصلاة " كلمة " ما " اسم لقوله: " أن يكون " أعني: فاعله، وخبره قوله: " بيني وبينه "، وكلمة " أن " زائدة، وزعم الأخفش أن " أن " تجيء زائدة مع كونها تنصب المضارع، كما تجر من، والباء الزائدتان الاسم.
قوله: " إني لفي ذاك " أي: في جمع الناس لأجل محمد.
قوله: " علوته بسيفي " أي: ضربته به.
قوله: " حتى برد " أي: مات، وهو بفتح الراء.
[2/ 124 - أ] وقال الخطابي (2) في هذا الحديث: واختلفوا/ في صلاة الطالب. قال عوام أهل العلم: إذا كان مطلوبا كان له أن يصلي إيماء، وإذا كان طالبا نزل إن كان راكبا، وصلى بالأرض راكعاً، وساجداً، وكذلك قال الشافعي، إلا أنه شرط في ذلك شرطا لم يشترطه غيره، وقال: إذا قَل (3) الطالبون عن المطلوبين، وانقطع الطالبون عن أصحابهم، فيخافون عودة المطلوبين عليهم، فإذا كان هكذا كان لهم أن يصلوا يومئون إيماء، قال الخطابي: وبعض هذه المعاني موجودة في قصة عبد الله بن أنيس. وقال صاحب " المحيط ": والطالب إن كان راكبا لا يجور صلاته على الدابة لعدم ضرورة الخوف في حقه، وإن كان مطلوباً فلا بأس بأن يصلي
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: الا يخرج"
(2) معالم السنن (1/ 236) .
(3) في الأصل: " أنقل "، وما أثبتناه من معالم السنن.(5/138)
وهو سائر , لأن السير فعل الدابة حقيقة، وإنما أضيفت إليه معنى مسيره، فإذا جاء العدو انقطعت الإضافة إليه بخلاف ما لو صلى وهو يمشي، حيث لا يجوز , لأن المشي فعله حقيقة، وهو مناف للصلاة، والحديث أخرجه: أحمد، والبيهقي بأتم منه.
***
277- باب: تفريع أبواب التطوع وركعات السُّنَّة
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع التطوع، وفي بيان ركعات السُّنَّة، وفي بعض النسخ:" باب في ركعات السُّنَة ".
1221- ص- نا محمد بن عيسى، نا ابن علية، نا داود بن أبي هند، حدَّثني النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال النبي- عليه السلام-: " مَنْ صَلَّى في يَومِ ثنْتَي عَشْرَةَ رَكْعةَ تَطَوعاً بَنَى اللهُ له (1) بِهِنَّ بَيتاً في الجَنةِ " (2) .
ش- ابن علية: إسماعيل.
والنعمان بن سالم الطائفي. روى عن: عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير، وعمرو بن أوس، وغيرهم. روى عنه: سماك، وشعبة، وداود بن أبي هند، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " بُني له.
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن (728) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له من الفضل (415) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة (3/ 262، 263) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في ثنتا عشرة ركعة من السُنة (1141) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6441) .(5/139)
وعمرو بن أوس الثقفي المكي. روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق، وعنبسة بن أبي سفيان. روى عنه: عمرو بن دينار، ويعلى بن عطاء، والنعمان بن سالم، مات قبل سعيد بن جبير، وقتل سعيد سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة (1) . وعنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أخو يزيد، ومعاوية، وأم حبيبة زوج النبي- عليه السلام- أبو الوليد، ويقال: أبو عثمان. سمع: أخته أم حبيبة. روى عنه: عمرو بن أوس، ومكحول، وشهر بن حوشب، وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) . واستدل صاحب " الهداية "، وصاحب " ألمحيط "، وغيرهما بهذا الحديث أن السنن المؤكدة في الصلوات الخمس اثنتا عشرة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وزاد الترمذي، والنسائي: " أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الغداة "، وللنسائي في رواية: " وركعتين قبل العصر" بدل! وركعتين بعد العشاء!، وكذلك عند ابن حبان في " صحيحه" في النوع الأول من القسم الأول، رواه عن ابن خزيمة بسنده، وكذلك رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وجمع الحاكم في لفظه بين الروايتين، فقال فيه: " وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد العشاء "، وكذلك عند الطبراني في " معجمه ".
1222- ص- نا أحمد بن حنبل، نا هشيم بن بشير، أنا خالد ح، ونا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا خالد- المعنى- عن عبد الله بن شقيق، قال: سألتُ عَائشةَ عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطَوع؟ فقالت:! كان يُصَفي قبلَ الظهرِ أربعا في بَيتِيَ، ثم يَخْرج فَيُصَلي بالناسِ، ثم يَرْجِعُ إلى بَيتِي،
__________
(1) المصدر السابق (1 2/ 4329) .
(2) المصدر السابق (22/ 4535) .(5/140)
فَيُصَلّى رَكعتينِ، وكان يصلي بالناسِ المغربَ، ثم يَرْجِعُ إلى بيتِي فَيُصَلِّي رَكعتينِ، وكان يُصَلِّي بهمُ العِشَاءَ، ثم يَدْخُلُ بيتي فَيُصَلِّي رَكعتينِ، وكان
يُصَلّي مِن اللَيلِ تسَعَ رَكَعات، فيهن الوترُ، وكان يُصَلِّي لَيلاً طَوِيلاً قائماً،
ولَيلاً طوِيلاً جالسا، فإذا قَرًأ وهو قَائمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وهو قَائمٌ، وإذا قَرَأ
/ وهو قَاعدُ رَكَعً وسَجَدَ وهو قَاعد، وكَان إذا طَلَعَ الفَجْرُ صلى ركعتين، ثم [2/ 124 - ب] يَخْرُجُ فَيُصًفَي بالناسِ صَلاةَ الفَجرِ " (1) .
ش- خالد الحذاء.
واستفيد من الحديث فوائد:
الأولى: " (2) استحباب النوافل الراتبة في البيت، وهو قول الجمهور،
وسواء في ذلك راتبة فرائض النهار والليل، وقال جماعة من السلف
الاختيار (3) فعلها في المسجد كلها. وقال مالك، والثوري: الأفضل
فعل نوافل النهار الراتبة في المسجد، وراتبة الليل في البيت، ودليل
الجمهور هذا الحديث، وأمثاله، وفيه التصريح بأنه- عليه السلام- صلى
النوافل الراتبة في بيت عائشة.
الثانية: استحباب الصلاة بالليل.
الثالثة: تأخير الوتر.
الرابعة: جواز صلاة التطوع قاعداً، مع القدرة على القيام.
الخامسة: كره قوم لمن افتتح الصلاة قاعداً أن يركع قائماً واحتجوا
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب (17) ، (125 / 738) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل
(439) ، النسائي في الكبرى: كتاب الصلاة.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (6/9) .
(3) في الأصل: " للاختيار "، وما أثبتناه من شرح صحيح مسلم.(5/141)
بهذا الحديث، وخالفهم آخرون، وأجازوا ذلك، واحتجوا بحديث عائشة: " أن رسول الله- عليه السلام- كان يصلي جالساً، فيقرأ وهو جالس، فماذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين، أو أربعين آية، قام فقرأ وهو قائم، ثم يركع ". الحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وهو محمول على أن عائشة رأته فعل هذا مرة، وفعل هذا مرة، فأخبرت بهما، وأما لو افتتح النافلة قائماً ثم أراد الجلوس من غير عذر جاز عند أبي حنيفة. وقال ابو يوسف، ومحمد: لا تجزئه، والمسألة معروفة في الفقه. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصراً، ومطولاً.
1223- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:
" أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي قَبْلَ الظهرِ ركعتين، وبعد ركعتين، وبعدَ المغرب ركعتين في بَيْته، وبعدَ صَلاة العشاء رَكعَتين، وكان لا يُصلي بعدَ الجُمُعَةَِ حتى يَنصرِفَ، فَيُصَلِّي ركعتين " (1) .
ش- أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
واعلم أن اختلاف الأحاديث في أعداد النوافل الراتبة محمول على توسعة الأمر فيها، وان لها أقل وأكثر، فيحصل أقل السنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل.
1224- ص- لا مسدد، نا يحيى، عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة: " أن النبيَّ- عليه السلام- كان لا يدع أربعاً قَبلَ الظهرِ،! رَكعتينِ قبلَ صَلاةِ الغَدَاةِ " (2) .
ش- يحيى القطان.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: التطوع بعد المكتوبة، مسلم: كتاب الصلاة، باب: فضل السنن الراتبة (882/ 71) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصلاة بعد الظهر (2/ 119) .
(2) البخاري: كتاب التهجد، باب: الركعتان قبل الظهر (1182) ، النسائي: كتاب صلاة الليل، باب: المحافظة على الركعتين قبل الفجر (3/ 251) .(5/142)
وأبوه: محمد بن المنتشر أبو إبراهيم ابن أخي مسروق بن الأجدع. سمع: ابن عمر، وعائشة، وعمرو بن شرحبيل أبا ميسرة (1) . روى عنه: ابنه إبراهيم، وسماك بن حرب، ومجالد بن سعيد. روى له: الجماعة (2) . والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
***
278- باب: ركعتي الفجر
أي: هذا باب في بيان ركعتي الفجر، يعني سُنَّته، وليس في غالب النسخ ذكر لفظ الباب.
1225- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن جريج، حدثني عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قالت: " إِن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لم يكنْ على شَيء من النوَافِلِ أشدُ مُعَاهدةً منه على الركْعتينِ قبلَ الصُبحَ " (3) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن جريج، وعطاء بن أبي رباح، وعبيد- بضم العين- ابن عمير بن قتادة المكي.
قوله: " أشد معاهدة " أي: حفظاً، ورعاية، وملازمة، ولذلك (4) قال الحسن البصري: إن سُنَة الصبح واجبة، والصواب قول الجمهور: إنها سُنَّة. والحديث: أخرجه مسلم، والبخاري.
***
279- باب: تخفيفها
أي: هذا باب في بيان تخفيف ركعتي الفجر.
1226- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا زهير بن معاوية نا يحيى
__________
(1) في الأصل: " وعمر بن شرحبيل وأبا ميسرة " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5629) .
(3) البخاري: كتاب التهجد، باب: تعاهد ركعتي الفجر (1163) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب ركعتي سنَة الفجر 0 0 0 (724/ 94) ، النسائي: كتاب الصلاة وتحفة (11/ 16321) .
(4) في الأصل: " وبذلك "(5/143)
ابن سعيد، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشةَ، قالت: " كانَ رسولُ الله يُخَفِّف الركعتين قبلَ صَلاة الفجر حتى إني لأقُولُ: هَلْ قَرَأ فيهما بِأمِّ القُرآنَ؟! " (1) .
ش- يحيى بن سعيد الأنصاري.
ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري المدني، ابن أخي عمرة (2) ، عامل عمر بن عبد العزيز. روى عن: سالم بن عبد الله بن عمر، وابن كعب، وعمته (3) عمرة، والأعرج، وغيرهم. روى عنه: يحيى الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وابن عجينة، وغيرهم. توفي سنة أربع وعشرين ومائة. روى له: الجماعة (4) .
وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد، وقد ذكرناها مرة.
قوله: " حتى إني لأقول " إلى آخره، دليل المبالغة في التخفيف، والمراد:
[2/ 125 - أ] / المبالغة بالنسبة إلى عادته- عليه السلام- من إطالة صلاة الليل، وغيرها من نوافله، وليست فيه دلالة لمن قال: لا يقرأ فيهما أصلاً كما حكى الطحاوي، والقاضي عن جماعة أنهم قالوا: لا يقرأ فيهما أصلاً، وقد ثبت في " الصحيح ": " أن رسول الله كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يا أيهَا الكافِرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} وقوله: " لا صلاة إلا بقراءة ". فإن قيل: إذا أطالهما المصلي هل يكره؟ قلت: قال بعض السلف:
لا يكره إطالتهما، ولعلهم " أرادوا أنها ليست محرمة، ولم يخالَف في استحباب التخفيف.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر (1165) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سنة الفجر (724/ 92) ، النسائي: كتاب الصلاة، وكتاب الافتتاح، باب: تخفيف ركعتي الفجر (2/ 156) .
(2) في الأصل: " أخو عمرة " خطأ.
(3) في الأصل: " وأخته ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5399) .
(5) في الأصل: " ولعله ".(5/144)
1227- ص- نا يحيى بن معين، نا مروان بن معاوية، نا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: " أن النبي- عليه السلام- قَرَأ في رَكْعَتَي الفجرِ: {قُلْ يأَيُّهَا الكافِرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} (1) ". ش- يزيد بن كيسان، أبو إسماعيل اليشكري، ويقال: أبو منير الكوفي. سمع: أبا حازم الأشجعي، ومعبدا أبا الأزهر. روى عنه: يحمى القطان، ومروان بن معاوية، وأبو خالد الأحمر، وغيرهم. قال يحمى القطان: ليس هو ممن يعتمد عليه، هو صالح متوسط. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو حازم هذا اسمه: سلمان الأشجعي، وقد ذكرناه.
وفيه فائدتان، الأولى: إن في سُتة الفجر قراءة.
والثانية: إن المستحب تخفيفهما. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1228- ص- نا أحمد بن حنبل، نا أبو المغيرة، حدثني عبد الله بن العلاء، حدثني أبو زيادة عبيد الله بن زياد الكندي، عن بلال، أنه حدثه: "أنهُ أتَى رسولَ الله ليُؤْذنَهُ بِصلاة الغَداة، فَشَغَلَتْ عَائشةُ بلالاً بأمْر سَألَتْهُ عنه حتى فَضَحهُ الصُبحُ، فأصبح جَدا، قاَل: فَقَامَ بلالٌ، فآذنه بالصلَاة، وتَابَعَ أذَانَهُ فلم يَخْرج رسولُ الله، فلَما خَرجَ صلى بَالناسِ، وأخبرَه أن عائشةَ شَغَلَتْهُ بأمر سَألتْهُ عنه حتى أصبح جدا، وأنه أبْطأ عليه بالخُروج، فقال: إني كُنتُ رَكَعْتُ ركعتي الفجرِ، فقال: َ يا رسولَ الله، إنك أصبحت جدا؟ قاتل: لو أَصْبَحْتُ أكْثَرَ مما أصبحتُ لَرَكَعْتُهُمَا، وَأحْسَنتُهُمَا، وَأَجْمَلتُهُمَاَ " (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتي سُنًة الفجر والحث عليهما وتخفيفهما والمحافظة عليهما وبيان ما يستحب أن يقران فيهما (98 ً/ 726) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في ركعتي الفجر ب {قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} (944) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ في الركعتين قبل الفجر (1148) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7041) .
(3) تفرد به أبو داود
10هـ شرخ منن أبى داوود 5(5/145)
ش- أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي.
وعبيد الله بن زيادة أبو زيادة البكري، ويقال: الكندي الدمشقي. روى عن: بلال، وأبي الدرداء. روى عنه: عبد الله بن العلاء بن زبر، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " حتى فضحه الصبح " أي: دهمته فضحة الصبح، والفضحة: بياض في غيره، وقد يحتمل أن يكون معناه: إنه لما تبين له الصبح جدا ظهرت غفلته عن الوقت، فصار كمن يفتضح بعيب يظهر منه، وقد رواه بعضهم: " فصحه الصبح " بالصاد المهملة، ومعناه: بان له الصبح، ومنه الإفصاح في الكلام، وهو الإبانة باللسان عن الضمير.
قوله: " لركعتهما " يدل على أنها لا تترك، وأنها سُنَّة مؤكدة.
قوله: " وأحسنتهما " إحسانهما كناية عن تكميل أركانها، وفروضها،
وإجمالهما كناية عن ترتيب أفعالها، وأقوالها.
1229- ص- نا مسدد، نا خالد، نا عبد الرحمن- يعني: ابن إسحاق المدني-، عن ابن زيد، عن ابن سيلان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَدَعُوهُمَا وإنْ طَرَدَتكُمُ الَخَيْلُ " (2) .
ش- خالد الحذاء، وعبد الرحمن بن إسحاق-، ويقال: عباد بن إسحاق المدني، وقد بيناه، وابن زيد اسمه: محمد بن زيد بن المهاجر ابن قنفد التيمي الجدعاني المدني، وقد ذكرناه مرة، وابن سيلان اسمه: عبد ربه بن سيلان، جاء مبينا في بعض طرقه، وقيل: هو جابر بن سيلان. وقال ابن حبان، وقد ذكره في " الثقات ": عبد ربه بن سيلان، يروي عن: أبي هريرة، عداده في أهل المدينة، وهو الذي يقال له: عبد ربه الدوسي. روى عنه: محمد بن مهاجر، وسِيلان بكسر الشن المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وآخره نون.
قوله: " لا تدعوهما " بفتح الدال، أي: لا تتركوهما، أي: ركعتي
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3636) .
(2) تفرد به أبو داود.(5/146)
الفجر، " وإن طردتكم الخيل " أي: الفرسان، وهذا كناية عن المبالغة،
وحث عظيم على مواظبتهما، وبه استدل أصحابنا أن الرجل إذا انتهى إلى
الإمام في صلاة الفجر، وهو لم يصل/ ركعتي الفجر، إن خشي تفوته [2/ 125 - ب] ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد، ثم يدخل
ولا يتركهما، وأما إذا خشي فوت الفرض فحينئذ دخل مع الإمام، ولِم
يصل , لأن فوات الجماعة أعظم، والوعيد بالترك ألزم، بخلاف سُنة
الظهر حيث يتركها في الحالين , لأنه يمكن أداؤها في الوقت بعد الفرض
في القول الصحيح. وقال عبد الحق في " أحكامه " بعد أن ذكر هذا
الحديث من جهة أبي داود بن سيلان: هذا هو عبد ربه وليس إسناده بالقوي. انتهى. وقال ابن القطان في " كتابه ": وعلته الجهل بحال ابن سيلان، ولا ندري اهو عبد ربه بن سيلان، أو جابر بن سيلان؟ فجابر
ابن سيلان يروي عن ابن مسعود، روى عنه: محمد بن زيد بن مهاجر،
كذا ذكره ابن أبي حاتم، وذكره الدارقطني فقال: يروي عن أبي هريرة،
روى عنه: محمد بن زيد بن مهاجر، وأيهما كان فحاله مجهول لا
يعرف، وأيضاً فعبد الرحمن بن إسحاق هو الذي يقال له: عباد المقرئ،
قال يحيى القطان: سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه، وقال أحمد: روى
أحاديث منكرة.
قلت: أما عبد ربه بن سيلان فقد ذكره ابن حبان في " الثقات "- كما
ذكرناه- وأما (1) عبد الرحمن بن إسحاق فقد أخرج له مسلم، ووثقه
ابن معين، واستشهد به البخاري، وإنما لم يحمَدُوه في مذهبه، فإنه كان
قدرنا منعوه من المدينة، فأما رواياته فلا بأس بها، كذا قاله البعض،
وروى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " بإسناده إلى ابن عمر، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تتركوا ركعتي الفجر، فان فيهما الرغائب ".
__________
(1) مكررة في الأصل.(5/147)
1230- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا عثمان بن حكيم، أخبرني سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عباس: " أنَّ كثيرا مما كانَ يَقْرَأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في رَكْعَتَي الفجر بـ {أمَنَّا بالله وَمَا أنزلَ إِلَيْنَا} وهذه الآية (1) ، قال: هذهَ في الركعة الأولَىَ، وفي اَلركَعة الآخرة ب {أمَنَّا بالله وَاشْهَدْ بأنا مُسْلِمُوَن} (2) " (3) .ًًَ
ش- سعيد بن يسار هو: ابن أبي الحسن البصري، أخو الحسن البصري. سمع: عبد الله بن عباس، وأبا هريرة. روى عنه: عوف الأعرابي، ويحيى بن أبي إسحاق، وعليّ بن عليّ الرفاعي. توفى قبل الحسن سنة مائة. روى له الجماعة (4) .
ويستفاد من الحديث: أن قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة في ركعتي الفجر سُنَّة، وأن قراءة هاتين الآيتين، أو سورة {قُلْ نا أيها الكافرُون} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} ومستحبة. وقال مالك وجمهور أصحابه: َ لا يقرأ غير الفاتحة. وقال بعض السلف: لا يقرا شيئاً- كما سبق- وكلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لهما. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي
1231- ص- نا محمد بن الصباح، لا عبد العزيز بن محمد، عن عثمان بن عمر- يعني: ابن موسى- عن أبي الغيث، عن أبي هريرة: " أنه سَمعَ النبي- عليه السلام- يَقْرَأ في رَكْعَتي الفجرِ: {قُلْ آمَنا بالله وَمَا أنزلَ عَلَينَا} ، وفي الركَعة الآخِرَةِ (6) بَهذه الآية: {ربنا آمَنَّا بمَا أنزَلتً وَاتبعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشاهدين} (7) أَو {أنا أرْسَلنَاكَ بالحَق بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أصْحَابِ الجًحِيم} (8) شَك الدَرَاورْدِيُّ " (9) .
__________
(1) سورة البقرة: (136) .
(2) سورة آل عمران: (52) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب ركعتي الفجر (727/ 99) ، النسائي: كتاب الافتتاح (945) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيَب الكمال (11/ 2385) .
(5) سورة البقرة: (136) .
(6) في سنن أبي داود: " الأخرى ".
(7) سورة آل عمران: (53) . (8) سورة البقرة: (119) .
(9) تفرد به أبو داود.(5/148)
ش- عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
وعثمان بن عمر بن موسى التيمي، المدني. روى عن: أبان بن عثمان، والزهري، وأبي الغيث، وغيرهم. روى عنه: الدراوردي، وابنه عمر بن عثمان، ومحمد بن راشد. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو الغيث مولى ابن المطيع اسمه: سالم مشهور باسمه وكنيته، روى عن: أبي هريرة، روى له: الجماعة (2) .
قوله: " شك الدراوردي " أي: عبد العزيز الدراوردي بين قوله: {رَبّنا آمَنَّا بمَا أنزَلتَ} وبين قوله: {إنَّا أرْسَلنَاكَ بِالحَقِّ} الآية، ويفهم من الحديثَ أن الجهر بقراءة النوافل الراتبة بالليل غير مكروه.
***
280- باب: الاضطجاع بعدها
أي: هذا باب في بيان حكم الضجعة بعد سُنَة الفجر.
1232- ص- نا مسدد، وأبو كامل، وعبيد الله بن عمر بن ميسرة، قالوا: لا عبد الواحد، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:/ " إِذَا صلى أحَدُكُم الركعتين قَبلَ الصبح فَليَضْطَجِعْ [2/ 126 - أ] على يَمينِه "، فقال له مَرْوَانُ بنُ الحكم: أمَا يُجْزِئُ أَحَلَنَا مَمْشَاه إلى المسِجد حتى يَضطَجِعِ على يَمينه؟ قال عُبيد الله في حديثه: قال: لا، قال: لْبَلِغً ذلك ابنَ عُمر، فقال: كثَرَ أبو هريرةَ عَلى نَفْسه، قال: فقيلَ لابنِ عُمَر: هل تُنكِرُ شيئاً مما يَقولُ؟ قال: لا، ولكنه اجْتَرَأ وً جَبُنَّا، قال , فَبَلَغَ ذلك أبا هُريرةَ، قال: فما فَنبِي إِنْ كُنتُ حَفِظتُ وَنَسُوا! " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3849) .
(2) المصدر السابق (10/ 2163) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الاضطجاِع بعد ركعتي الفجر (420) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: ما جاء في الرجعة بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر (1199) .(5/149)
ش- أبو كامل فضيل الجحدري، وعبد الواحد بن زياد، وأبو صالح ذكوان السمان.
قوله: " ممشاه، أي: مشيه، وهو مصدر ميمي.
قوله: " قال عبيد الله " أي: عبيد الله بن عمر القواريري.
قوله: " كثر أبو هريرة على نفسه " كناية عن القول. لا يعني.
قوله: " وجبنا " من الجبن وهو الخوف، وذهب طائفة من العلماء إلى
أن الضجعة بعد ركعتي الفجر لسُنَّة، وممن كان يفعلها أبو موسى الأشعري، ورافع بن خديج، وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الضجعة إنما كان يفعلها- عليه السلام- للراحة من تعب القيام، وكرهها ابن عمر، وحكى ابن مسعود نحوه، وكرهها إبراهيم النخعي، وقال بعضهم: اضطجاعه- عليه السلام- بعد الركعتين إنما كان في الغِب لأنه كان أكبر عمله أن يصليهما إذا جاءه المؤذن للإقامة، وقال بعضهم: إن كان قام الليل فاضطجع استحماما لصلاة الصبح فلا بأس به، وقال القاضي: ذهب مالك، وجمهور العلماء، وجماعة من الصحابة إلى أنه بدعة، وقال: ولم يقل أحد في الاضطجاع قبلهما: إنه لسُنَّة، وكذا بعدهما، قال: وذكر مسلم، عن عائشة: "فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع" (1) ، فهذا يدل على انه ليس لسُنَّة، وأنه تارة كان يضطجع قبل، وتارة بعد، وتارة لا يضطجع.
وقال الشيخِ محيي الدين (2) : والصحيح، أو الصواب: أن الاضطجاع بعد "مُنَّة الفجر سُنَّة، لحديث أبي هريرة: لا إذا صلى أحدكم " الحديث، رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. قال الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
فهذا حديث صحيح صريح في الأمر بالاضطجاع، وأما حديث عائشة بالاضطجاع بعدها وقبلها، وحديث ابن عباس قبلها فلا يخالف هذا،
__________
(1) يأتي في الحديث الآتي.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 20 - 21) .(5/150)
فإنه لا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعدها، ولعله- عليه السلام- ترك الاضطجاع بعدها في بعض الأوقات بيانا للجواز لو ثبت
الترك، ولم يثبت، فلعله كان يضطجع قبلُ وبعدُ، وإذا صح الحديث في
الأمر بالاضطجاع بعدها مع روايات الفعل الموافقة للأمر به تعين المصير
إليه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لم يجز رد بعضها، وقد أمكن
بطريقين اشرنا إليهما، أحدهما: أنه اضطجع قبلُ وبعدُ، والثاني: أنه
تركه بعد في بعض الأوقات لبيان الجواز.
قلت: قد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا
الوجه، وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا استحبابا. انتهى. وقد
قيل: إن أبا صالح لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة فيكون منقطعا
واخرج ابن أبي شيبة: عن مجاهد، قال: صحبت ابن عمر في السفر والحضر، فما رأيته اضطجع بعد ركعتي الفجر.
وعن سعيد بن المسيب: رأى عمر رجلاً اضطجع بعد الركعتين،
فقال: أحصبوه، أو ألا أحصبتموه، وعن إبراهيم قال عبد الله: ما بال
الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة، أو الحمار، إذا سلم
فقدم فصلى، وعن أبي مجلز، قال: سألت ابن عمر عن ضجعة الرجل
على يمينه بعد الركعتين قبل صلاة الفجر؟ فقال: يتلعب بكم الشيطان.
وعن إبراهيم: هي ضجعة الشيطان. وعن أبي الصديق الناجي قال:
رأى ابن عمر قوماً اضطجعوا بعد ركعتي الفجر، فأرسل إليهم،
فنهاهم، فقالوا: نريد بذلك السنة، فقال ابن عمر: ارجع إليهم
فأخبرهم أنها بدعة. وعن إبراهيم، قال عبد الله: ما هذا التمرغ بعد
ركعتي الفجر كتمرغ الحمار؟!
1233- نا يحيى بن حكيم، لا بشر بن عمر،/ نا مالك بن أنس، [2/ 126 - ب] أبي النضير، عنِ أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشةَ- رضي
الله عنها- قالت: " كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَضَى صَلاتَهُ من آخرِ اللَيلِ نَظَرَ، فإنْ كُنتُ مستيقظة حَدثنِي، وإن كنتُ نَائمةً أيقَظَنِي، وصلى اَلركعتينِ، ثم(5/151)
اضْطَجَعَ حتى يأتيَهُ المُؤَذنُ فَيُؤْذنَهُ بصَلاةِ الصبحِ، فَيُصَلِّي رَكعتين خَفيفتين، ثم يَخْرُج إلي الصَلاةِ (1) " (2) .
ش- يحيى بن حكيم أبو سعيد البصري المقوم، أحد شيوخ أبي داود. وروى عنه: النسائي أيضاً، وقال: ثقة حافظ، وابن ماجه. مات سنة ست وخمسين ومائتين (3) .
وبشر بن عمر بن الحكم بن عقبة الزهراني (4) الأزدي أبو محمد البصري. سمع: مالك بن أنس، وشعبة، وهمام بن يحيى، وغيرهم. روى عنه: علي بن المدني، ومحمد بن المرزوق، وابن المثنى، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة. توفي بالبصرة في شعبان سنة تسع ومائتين، وصلى عليه يحيى بن كثم، وهو يومئذ يلي القضاء بالبصرة ".
قوله: " حتى يأتيه المؤذن " فيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن راتب للمسجد.
قوله: " فيؤذنه " أي: يعلمه، وفيه جواز إعلام المؤذن للإمام بحضور الصلاة، وإقامتها، واستدعائه لها.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع (1161) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (743) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء
من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1/ 102) (تحفة الأشراف 12/ 17711) .
(2) جاء في سنن أبي داود حديث ولم يرد عندنا، وهو: حدَّثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن زياد بن سعد، عمن حدَّثه ابن أبي عتَّاب أو غيره، عن أبي سلمة قال: قالت عائشة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت نائمة اضطجع، وإن كنت مستيقظة حدَّثني".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الخط ل (31/ 6814) .
(4) في الأصل:" الزهري "
(5) المصدر السابق (4/ 701) .(5/152)
قوله:" فيصلي ركعتين خفيفتين " هما سُنَة الصبح، وفيه دليل على تخفيفهما، وقد سبق. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
1234- ص- نا العباس العنبري، وزياد بن يحيى، قالا: نا سهل بن حماد، عن أبي مكين، نا أبو الفضل- رجل من الأنصار- عن مسلم بن أبي بكرة، عنِ أبيه، قال: " خَرَجْتُ مَعَ رَسول اللهِ- عليه السلام- لِصَلاةِ الصبح، فكَان لا يَمُر برَجُل إلا نَاداهُ بالصلاة، أَو حَركًهُ برجْله " قال زياد: قال: حدثنا أبو الفضيلَ (1)
ش- العباس بن عبد العظيم البصري العنبري.
وزياد بن يحيى بن [زياد بن] حسان الغساني ابو الخطاب البصري البكري. روى عن: زياد بن الربيع، وحاتم بن وردان، وسهل بن حماد، وغيرهم. روى عنه: الجماعة، وابن صاعد، وابن خزيمة، وغيرهم. قال أبو حاتم، والنسائي: ثقة. مات سنة أربع وخمسين ومائتين (2) .
وأبو مكين: نوح بن ربيعة الأنصاري مولاهم البصري. سمع:
أبا صالح السمان، ونافعا مولى ابن عمر، ومسلم بن أبي بكرة، وغيرهم. روى عنه: سهل بن حماد البصري الدلال، والحكم بن أبان، ووكيع، وأبو الوليد الطيالسي، ويحيى القطان، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبو الفضل- رجل من الأنصار- روى عن: مسلم بن أبي بكرة. روى عنه: أبو مكين نوح (4) بن ربيعة. روى له: أبو داود (5) .
قلت: هو غير مشهور
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 2073) .
(3) المصدر السابق (30/ 6492) .
(4) في الأصل: " أبو مكي نوفل ".
(5) المصدر السابق (34/ 7570) .(5/153)
ومسلم بن أبي بكرة: نفيع بن الحارث الثقفي البصري. روى عن: أبيه. روى عنه: عثمان الشحام، وسعيد بن سلمة، وسعيد بن جمهان. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وفيه من السنة: إيقاظ النائمين في وقت الصلاة.
قوله: " قال زياد " أي: زياد بن يحيى المذكور، قال أبو مكين: حدثَّنا ابو الفضيل بالتصغير.
***
281- باب: إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر
أي: هذا باب في بيان من أدرك الإمام في صلاة الصبح والحال أنه لم يصل ركعتي الفجر.
1235- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عاصم، عن عبد الله ابن سرجس، قال: " جَاءَ رَجُل والنبيُّ- عليه السلام- يصَلِّي الصُّبحَ فَصَلَّى الرَّكْعتينِ، ثم دَخلَ مَعَ النبي- عليه السلام- في الصَّلاة، فلمّا انصَرَفَ قال: نا فلانُ، أيتهُمَا صَلاتكَ التي صَلَّيْتَ: وَحْدَكَ أو التيَ صَلَّيتَ مَعَنَا؟ " (2) .
ش- حماد بن زيد، وعاصم بن سليمان الأحول.
قوله: " أيتهما صلاتك؟ " استفهام على سبيل الإنكار، ومعناه: النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة. وقال الشيخ محيي الدين (3) : فيه دليل على أنه لا يصلي بعد الإقامة نافلة، وإن كان يدرك الصلاة مع الإمام، ورَد على من قال: إن علم أنه يدرك الركعة الأولى، أو الثانية يصلي النافلة.
__________
(1) المصدر السابق (27/ 5917) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: كراهية الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن (67/ 712) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: فيمن يصلي ركعتي الفجر والإمام في الصلاة (867) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ماصات في هذا أقيمت الصلاة فلا صلاة ألا المكتوبة (1152) .
(3) شرح صحيح مسلم (5/ 2245) .(5/154)
قلت: اختلف العلماء فيمن دخل المسجد لصلاة الصبح فأقيمت الصلاة، هل يصلي ركعتي الفجر، أم لا؟ فكرهت طائفة أن يركع ركعتي الفجر في المسجد، والإمام في صلاة/ الفجر، محتجين بهذا الحديث، [2/ 127 - أ] وبقوله- عليه السلام-: , إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " لما يجيء الآن، وروي ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة، وسعيد بن جبير، وعروة، وابن سيرين، وإبراهيم، وعطاء، هو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقالت طائفة: لا بأس أن يصليها خارج المسجد إذا تيقن أنه يدرك الركعة الأخيرة مع الإمام، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه، والأوزاعي، إلا أن الأوزاعي أجار ذلك أن يركعهما في المسجد، وقال الثوري: إن خشي فوت ركعة دخل معه، ولم يصلهما، وإلا صلاهما في المسجد، وعند الظاهرية أنه يقطع صلاته إذا أقيمت الصلاة، وفي " الجلاب ": يصليهما وإن فاتته الصلاة مع الإمام إذا كان الوقت واسعاً، وروى أبو نعيم: عن طاوس إذا أقيمت الصلاة وأنت في الصلاة فدعها، وروى عبد الرزاق عن سعيد بن جبير: اقطع صلاتك عند الإقامة.
والجواب: إن إنكاره- عليه السلام- وصله إياها بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصل بينهما بشيء يسير، وهذا مثل ما نهى من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعا في مكان واحد، حتى يتكلم، أو يتقدم، والدليل على ما قلنا: إنه- عليه السلام- مر بابن بحينة وهو يصلي بين نداء الصبح، فقال: الا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر، واجعلوا بينهما فصلاً" فظهر بهذا أن الذي كرهه رسول الله لابن بحيرة وصله إياها بالفريضة في مكان واحد من غير أن يفصل بينهما بشيء يسير، وفيما ذهبنا إليه جمع بين الفضيلتين: فضيلة السنَة، وفضيلة الجماعة، وكيف وقد قال- عليه السلام-: " لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل " (1) . وعن ابن مسعود: " أنه دخل المسجد، وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي
__________
(1) تقدم قريبا(5/155)
الفجر إلى أسطوانة بمحضر حذيفة وأبي موسى ". وقال ابن بطال: ورُوي مثله عن عمر بن الخطاب، وأبي الدرداء، وابن عباس. وعن ابن عمر: " انه أتى المسجد لصلاة الصبح، فوجد الإمام يصلي، فدخل بيت حفصة، فصلى ركعتين، ثم دخل في صلاة الإمام "، وروى البيهقي من طريق حجاج بن نصير، عن عباد بن كثير، عن ليث، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، إلا ركعتي الفجر "، وقال البيهقي: هذه الزيادة لا أصل لها، وحجاج، وعباد ضعيفان.
قلت: قال يعقوب بن شبة، عن يحيى بن معين: كان شيخاُ صدوقاً - يعني الحجاج- وأما عباد فوثقه يحمص بن معين، فقال: عباد الرملي الخواص ثقة، وحديث عبد الله بن سرجس أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1236- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا حماد بن سلمة، ونا أحمد بن حنبل، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن ورقاء ح، ونا الحسن بن عليّ، نا أبو عاصم، عن لبن جريج ح ونا الحسن بن عليّ، نا يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن أيوب ح، ونا محمد بن المتوكل، نا عبد الرزاق، نا زكرياء بن إسحاق، كلهم عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أقِيمَتِ الصلاة فَلا صَلاةَ إِلا المَكْتُوبَةُ " (2) .
ش- هذه خمس طرق تتصل إلى عمرو بن دينار، ومحمد بن جعفر البصري غندر، وورقاء بن عمر اليشكري الكوفي، أبو بشر. سمع:
__________
(1) تقدم قريباً
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن (63/ 710) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (421) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب:
ما يكره من الصلاة عند الإمامة (864) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1151) .ًًًً(5/156)
زيد بن اسلم، وعمرو بن دينار، ومسلما الأعور، وغيرهم. روى عنه: شعبة، ووكيع، وابن المبارك، وغير هم. قال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: الجماعة، وأبو عاصم النبيل، وأيوب السختياني، وعبد الرزاق بن همام، وزكرياء بن إسحاق المكي. وقد ذكرنا أن المراد من [ ... ] (1) .
***
/ 282- باب: من فاتته متى يقضيها؟ [2/ 127 - ب]
أي: هذا باب في بيان من فاتته سُنَّة الفجر، متى يقضيها؟
1237- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، لا عبد الله بن نمير، عن سعد بن سعيد، حدثني محمد بن إبراهيمِ، عن قيس بن عمرو، قال: " رَأى النبيّ -عليه السلام- رجلا يُصَلّي بعد صَلاة الصُبْحِ ركعتين، فقال رسولُ الله - عليه السلام-: صَلاةُ الصبح رَكعِتينَ (2) ، فقالَ الرَّجُلُ: إني لَمْ أكُن صَليتُ الركعتين اللّتيَن قَبلَهُمَا، , فصليتهما الآن، فَسَكَتَ رسولُ الله- عليه السلام- " (3)
ش- سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري، أخو يحيى، وعبد ربه. روى عن: أنس بن مالك، والسائب بن يزيد، وعمرو بن ثابت، وغيرهم. روى عنه: أخوه يحيى، والحسن بن صالح بن حي، وعبد الله بن نمير، وابن جرير، وغيرهم. قال الحمد بن حنبل، وابن معين: ضعيف. توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) بيض له المصنف قدر أربعة أسطر وربع.
(2) في سنن أبي داود: " ركعتان " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد الفجر (422) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيهما (1154) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2208) .(5/157)
ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي.
وقيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار الأنصاري المدني، هو جد يحيى، وسعد، وعبد ربه، بني سعيد بن قيس المدنين الفقهاء. روى عنه: محمد بن إبراهيم التيمي، وقيس بن أبي حازم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فقال رسول الله: صلاة الصبح ركعتين؟ " معناه: أتصلي صلاة الصبح ركعتين؟ وفي بعض النسخ: صلاة الصبح ركعتان على الابتداء والخبر، ولكن الجملة في مقام الاستفهام على سبيل الإنكار، ثم بين الرجل أنهما سُنَة الفجر، ولم يكن صلاها.
وقال الخطابي (2) : فيه بيان أن من فاتته الركعتان قبل الفريضة أن يصليهما بعدها قبل طلوع الشمس، وأن النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إنما هو فيما يتطوع به الإنسان إنشاء وابتداء، دون ما كان له تعلق بسبب، وقد اختلف الناس في وقت قضاء ركعتي الفجر، فروي عن ابن عمر، أنه قال: " يقضيهما بعد صلاة الصبح "، وبه قال عطاء، وطاوس، وابن جرير، وقالت طائفة: يقضيهما إذا طلعت الشمس، وبه قال القاسم بن محمد، وهو مذهب: الأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال أصحاب الرأي: إن أحب قضاهما إذا ارتفعت الشمس، فإن لم يفعل فلا شيء عليه , لأنه تطوع. وقال مالك: يقضيهما ضحى إلى وقت زوال الشمس، ولا يقضيهما بعد الزوال. انتهى.
قلنا: يعارض ما قاله الخطابي ما أخرجه: البخاري، ومسلم من
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 234) ، وأسد الغابة (4/ 438) ، والإصابة (3/ 255) .
(2) معالم السنن (1/ 238) .(5/158)
حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله - عليه السلام- يقول: " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس"، فإن قوله: " لا صلاة " لنفي جنس الصلاة، فيتناول جميع الصلوات، ولكن النهي لحق الفرض، ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت، فلم يظهر في حق الفرائض فجازت الفوائت، وفيما وجب لعينه، كسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة، وظهر في غير ذلك سواء يتطوع به الإنسان ابتداء، أو كان له سبب، على أن الحديث إسناده ليس بمتصل، فإن محمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس، وروى الترمذي لإسناده عن قيس، قال: خرج رسول الله فأقيمت الصلاة، فصليت معهم الصبح، ثم انصرف النبي- عليه السلام- فوجدني أصلي، قال: مهلاً نا قيس، أصلاتان معاً! " قلت: نا رسول الله، إني لم كن ركعت ركعتي الفجر، قال: فلا إذا "، ثم قال الترمذي: حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه إلا من حديث سعد بن سعيد، وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس. انتهى (1) .
وأيضاً فإن سعد بن سعيد ضعيف- كما ذكرناه الآن-.
وقوله: " وقال أصحاب الرأي" إلى آخره، كلام من لا رأي له، ونقل مذاهب الناس على غير أصلها، فإن مذهب أصحاب أبي حنيفة أن سُنَن الفجر لا- ـح (2) ، إما أن تفوت مع الفرض، أو تفوت وحدها، فإن فاتت مع الفرض فإنها تقضى إلى الزوال، بلا خلاف/ بين أصحابنا، [2/ 128 - أ] لان فاتت وحدها وكذلك تقضى عند محمد إلى وقت الزوال. والحديث أخرجه: ابن ماجه أيضاً.
1238- ص- ثنا حامد بن يحيى، قال: قال سفيان: كان عطاء بن أبي رباح يحدث ب! ذا الحديث، عن سعد بن سعيد (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر (422) .
(2) كذا، ولعلها بمعنى: " لا تخرج ".
(3) انظر التخريج المتقدم.(5/159)
ش- حامد بن يحيى بن هانئ البلخي، وسفيان هو ابن عيينة. وقال الترمذي: قال سفيان بن عيينة: سمع عطاء بن أبي رباح، من سعد بن سعيد هذا الحديث.
ص- قال أبو داود: رواه عبد ربه (1) ، ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرسلاً، أن جدهم زيدا صلى مع النبي- عليه السلام- (2) .
ش- أي: روى هذا الحديث عبد ربه، ويحيى ابنا سعيد بن قيس بن عمر و، 1 لأنصاريون، المدنيون، الفقهاء.
***
283- باب: الأربع قبل الظهر وبعدها
أي: هذا باب في بيان السنة الأربع قبل صلاة الظهر، والأربع التي بعدها.
1239- ص- نا مؤمل بن الفضل، لا محمد بن شعيب، عن النعمان، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، قال: قالت أم حبيبة زوج النبي - عليه السلام-: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ حَافَظَ عَلَى أربع رَكَعَات قَبلَ الظهرِ، وَأرْبَعٍ بَعْدَهَا حُرِّمَ عَلَى النارِ " (4) .
ش- النعمان بن منذر الغساني.
اختلف في الأربع التي قبل الظهر، هل هي بتسليمة واحدة، أم بتسليمتان، فعندنا بتسليمة واحدة، وعند الشافعي بتسليمتين، احتج هو بحديث ابن عمر الذي ذكر في أبواب التطوع، واحتج أصحابنا بحديث أبي أيوب الأنصاري الذي يأتي الآن، وهو صريح أنه ليس فيهن إلا
__________
(1) في سنن أبي داود: " وروى عبد ربه ".
(2) في سنن أبي داود زيادة: " بهذه القصة ".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب منه آخر (427) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة ... (3/ 265) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء فيمن صلى قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا (1160) .(5/160)
تسليمة واحدة، وحديث ابن عمر ليس بأربع، وإنما هو ركعتان صلاهما - عليه السلام- بيانا للجواز، وأما الأربع التي بعد الظهر فالثنتان منها مؤكدة، وتكميلها أربعاً مستحب، وينبغي أن تكون بتسليمة واحدة، قياساً على الأربع التي قبلها، ولأنها من نوافل النهار، فالأربع بتسليمة أفضل. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وذكر أبو زرعة، وهشام- بن عمار، وأبو عبد الرحمن النسائي، أن مكحولا لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، وصحَّحه الترمذي من حديث أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، والقاسم هذا اختلف الناس فيه، فمنهم من يضعف روايته، ومنهم من يوثقه. ص- قال أبو داود: رواه العلاء بن الحارث، وسليمان بن موسى، عن مكحول مثله (1) .
ش- أي: روى هذا الحديث العلاء بن الحارث الدمشقي، وسليمان ابن موسى الأشدق الدمشقي، عن مكحول الدمشقي مثل ما ذكر.
1240- ص- نا ابن المثنى، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، قال: سمعت عبيدة عن إبراهيم، عن ابن منجاب، عن قرثع، عن أبي أيوب، عن النبي - عليه السلام- قال: " أرْبَع قَبلَ الظهر، ليسَ فيهن تَسْليم، تُفْتَحُ لَهن أبوابُ السماءِ " (2) .
ش- محمد بن المثنى.
وعُبيدة- بضم العن المهملة، وفتح الباء-: ابن معتب ابو عبد الكريم الكوفي. روى عن: إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي وائل. روى عنه: الثوري، وشعبة، وهشيم، وغيرهم. قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابو زرعة: ليس بقوي، وقال: عمرو بن علي
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن مكحول بإسناده مثلهِ ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في الأربع ركعات قبل الظهر (1157) .
11هـ شرح سنن أبي داود 5(5/161)
سيء الحفظ، ضرير، متروك الحديث. وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه (1) .
وإبراهيم بن يزيد النخعي.
وابن منجاب اسمه: سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي. روى عن: أبيه، وقزعة (2) بن يحيى، وقرثع الضبي. روى عنه: إبراهيم النخعي، وضرار بن مرة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
ومنجاب بكسر الميم، وسكون النون، وبالجيم، وفي آخره باء موحدة. وقرثع الضبي، روى عن: سلمان الفارسي، حدثنا، وعن أبي موسى، حدثنا، وعن أبي أيوب الأنصاري، حدثنا، وروى عن: رجل، عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-. روى عنه: علقمة بن قيس، وسهم بن منجاب. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وقرثع بالقاف، والراء، والثاء المثلثة، والعين المهملة.
[2/ 128 - ب] قوله: " تفتح لهن " اللام فيه للتعليل، أي: لأجل/ صلاتها تفتح أبواب السماء، ويصعد عمله ذاك إليها، وهذا الحديث حجة على الشافعي في أن الأربع عنده بتسليمتان (5) ، وقد ذكرناه.
ص- قال أبو داود: فبلغني، عن يحيى بن سعيد القطان لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت (6) بهذا الحديث.
ش- أشار بهذا إلى تضعيف عبيدة بن معتب المذكور، وقال زهير بن معاوية: عن يحمى، وذكر حديث عبيدة الضبي، حديث أبي أيوب:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3760) .
(2) في الأصل: " أو قزعة ".
(3) المصدر السابق (12/ 2625) .
(4) المصدر السابق (23/ 4863) .
(5) كذا.
(6) في حق أبي داود: " لحدثت عنه بهذا"(5/162)
" من صلى قبل الظهر أربعاً " أكتبه؟ قال: لا يكتب، لا يكتب، أما إنه من عتيق حديثه، قال: وكان يحيى، وعبد الرحمن لا يحدثان عن عبيدة. ص- قال أبو داود: عبيدة ضعيف، وابن منجاب هو سهم.
ش- أي: اسم ابن منجاب المذكور في سند الحديث المذكور سهم، بفتح السن المهملة، وسكون الهاء، وفي آخره ميم، وقد بيناه.
***
284- باب: الصلاة قبل العصر
أي: هذا باب في بيان صلاة النفل قبل فرض العصر.
1241- ص- نا أحمد بن إبراهيم، نا أبو داود، نا محمد بن مهران القرشي، حدثنى جدي أبو المثنى، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ الله امْرأ صِّلَى قَبلَ العَصْرِ أربعاً " (1) .
ش- أحمد بن إبراهيم الدورقي، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن مهران القرشي. روى عن: جده أبي المثنى. روى عنه: أبو داود الطيالسي. روى له: أبو داود، وأبو المثنى اسمه: ْ مسلم بن المثنى المؤذن القرشي الكوفي.
وبهذا الحديث اخذ العلماء أن السُّنَّة قبل العصر أربع، وقال صاحب " المبسوط ": إن التطوع قبل العصر حسن , لأن كون الأربع من السنن الراتبة غير ثابت , لأنها لم تذكر في حديث عائشة، ولم يرو انه- عليه السلام- واظب على ذلك، واختلف في فعله إياها، فرُوي انه صلاها أربعاً، ورُوي أنه صلاها ركعتين، فإن صلى أربعاً كان حسنا. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
1242- ص- نا حرص بن عمر، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الأربع قبل العصر (430) .(5/163)
عاصم بن ضمرة، عن علي- رضي الله عنه-: " أن النبي- عليه السلام- كان يُصَلي قَبلَ العَصرِ ركعتين، (1) .
ش- أبو إسحاق السبيعي.
وعاصم بن ضمرة السلولي الكوفي. سمع: علي بن أبي طالب. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وأبو إسحاق، وقال: ما حدَّثني بحديث قط إلا عن علي، وقال علي بن المديني، وأحمد بن عبد الله: هو ثقة، مات في سنة أربع وسبعين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأخرج الترمذي، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: " كان النبي- عليه السلام- يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين " (3) وقال: حديث علي حديث حسن، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر، واحتج بهذا الحديث، قال: ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم يعني (4) التشهد، ورأي الشافعي وأحمد: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يختارَان الفصل في الأربع قبل العصر.
***
285- باب: الصلاة بعد العصر
أي: هذا باب في بيان صلاة النفل بعد فرض العصر.
1243- نا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بنِ الحارث، عن بكير بن الأشج، عن كريب مولى ابن عباس: " أن عبدَ اللهِ بن عباس، وعبدَ الرحمنِ بنَ أزهر، والمسورَ بنَ مَخْرَمَةَ أرسَلُوهُ إلى عَائشةَ زوج النبي- عليه السلام- فقالواَ: اقْرَأ عليها السلامَ مِنا جميعاً وسَلهَا عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 3012) .
(3) كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الأربع قبل العصر (429) .
(4) في الأصل: " بعد "، والتصويب من جامع الترمذي.(5/164)
الركعتينِ بعدَ العصرِ، وقل: إِنَا أخْبِرْنَا أَنك تصليها، وقد بَلَغَنَا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عَنْهُمَا، فدخلتُ عَليها، فَبَلغْتُهاَ ما أَرسلُوني به، فقالت: سَلْ أمًّ سلمةَ، فخرجتُ إليهم، فأخبرتُه" بقولِهَا، فَرَفُوني إلي أمَ سَلَمَة، بمثلِ ما أرسلوني به إلى عَائشةَ، فقالت أمِّ سَلَمَة: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عنهما، ثم رأيتُهُ. يصليها، أمَّا حين صَلاهَا فإنه صلى العَصْرَ، ثم دَخَلَ - وعندي نسْوَة مِن بَنِي حَرَامِ، من الأنصارِ- فَصَلاهَا (1) ، فأرْسَلتُ إليه الجَاريةً، فَقلتُ: قُومِي بجنْبه، فَقُولِي له: تَقُولُ أمُ سَلَمَةَ: يا رسولَ الله، أسْمَعُكَ تَنْهَاهُنَّ عَن (2) هاَتيَنِ الركعتينِ، وأَرَاكَ , تصليها؟ / [2/ 129 - أ] فإن أشَارَ بيده استأخري (3) عنه، قالت: ففعلت الجارية , فأشارَ بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: " يا بنْتَ أبي أمية، سألتِ عن الركعتَيْن بعد العَصْر، إِنه أَتَى (4) ناس من عَبْد القًيْس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهُما هاتانِ " (5) .
ش- كريب: ابن أبي مسلم القرشي الهاشمي مولى عبد الله بن عباس. وعبد الرحمن بن أزْهر: ابن عوف، ابن أخي عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، شهد مع رسول الله حُنينا، وقيل: هو ابن عم عبد الرحمن بن عوف، وقال النمري: وقد غلط فيه من جعله ابن عم عبد الرحمن بن عوف، وقال في " الكمال": يكني أبا جُبير، شهد مع النبي- عليه السلام- حينئذ، وروى عنه حديث شارب الخمر بحنين.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فصلاهما ".
(2) في سنن أبي داود: " تنهى عن ".
(3) في سنن أبي داود: " فاستأخري ".
(4) في سنن أبي داود: " أتاني ".
(5) البخاري: كتاب المواقيت، باب: إذا كُلم وهو يصلي فأشار بيده (1233) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: معرفة الركعتين التين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر (834) .(5/165)
روى عنه: ابنه: عبد الله، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وكريب مولى ابن عباس. مات قبل الحرة. روى له: أبو داود (1) .
والمسْور بن مخرمة: ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، يكنى أبا عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان، وأمه: الشفاء بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، له ولأبيه صحبة من النبي- عليه السلام-. توفي رسول الله وهو ابن ثمان سنين، وقد سمع من رسول الله وصح سماعُه منه، روي له عن رسول الله اثنان وعشرون حديثا , اتفقا على حديثين. وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بحديث، روى عنه: أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وعلي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيّب، وجماعة آخرون. قتل بمكة مع ابن الزبير سنة ثلاث وسَبْعن ودفن بالحَجُون، ويُقالُ: أصابه المنجنيق وهو يُصلي في الحجر، فمكث خمسة أيام ثم مات، ومات في ربيع الآخر سنة أربع وستين وهو يومئذ ابن ثلاث وستين، وولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وكان مروان ولد معه في تلك السنة. روى له الجماعة (2) . قوله: " أرسلوه " أي: أرسلوا كُريبا.
قوله: " إنا أخبرنا " على صيغة المجهول.
قوله: " من بني حرامٍ " - بحاء وراء مهملتين مفتوحتين - وبنو حرام في الأنصار منهم: جابر بن عبد الله وغيره، ويشبه أن تكون احترزت بقولها: " من الأنْصار" من غيرهم , فإن في العرب عدة بطون يقال لهم: بنو حرام. قال ابن دريد: في العرب بطون ينسبون إلى وحرام ": بطن في تميم، وبطن في جذام، وبطن في بكر بن وائل. وذكر غيره أن في خزانة حراماً وفي عُذرة حراماً وفي بَلي حراماً وبالبصرة قبيلة يُقال
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 406) ، وأسد الغابة (3/ 424) ، والإصابة (2/ 389) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/ 416) ، ولسد الغابة (5/ 175) ، والإصابة (3/ 419) .(5/166)
لها: بنو حرام، نُسب إليها جماعة، منهم: أبو محمد القاسم بن علي
الحريري الحرامي مصَنف " المقامات "، وبالكوفة- أيضاً- خطة تُنْسب
إلى بني حرام من تميم.
قوله: " يا بنت أبي أمية " خطاب لأم سلمة، واسمها: هنْد بنت
أبي أمية- واسمُه: حذيفة، ويقال: سهيل- بن المغيرة بن عبد الله بن
عمر بن مخزوم، ويعرف بزاد الراكب، ومعناه: أنه كان إذا سافر لم
يتزود معه أحد، وسقي بهذا- أيضاً- زرعة بن الأسود بن الصلت بن
أسد بن عبد العزى بن قصي، ومسافر بن أبي عَمرو بن أمية بن
عبد شمس، وكان هذا خلقا من أخلاق أشراف قريش، فلم يسئم بذلك
غير هؤلاء الثلاثة , ذكره الزبير بن بكار.
وهذا الحديث هو عمدةُ الشافعية في أن الصلاة التي لها سبب لا تكره
في وقت النهي , وإنما تكره ما لا سبب لها، وأن السنن الراتبة إذا فاتت
يستحب قضاؤها , وهو الصحيح عندهم. وقال الشيخ محيي الدين (1) :
وليس لنا أصحّ دلالة منه، ودلالته ظاهرة.
قلنا: هذا كان خاصا بالنبي- عليه السلام- والدليل على ذلك: ما
رواه الطحاوي (2) ، عن ابن شيبة قال: نا يزيد بن هارون: أنا حماد بن
سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن أم سلمة قالت: صلى
رسول الله- عليه السلام- العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت:
يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها، قال: (قدم عليَّ/ مالا [2/ 129 - ب] فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر الآن "، قلت: يا
رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: " لا ". فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث أحدا (3) أن يصليهما بعد العصر قضاء عما كانَ يصليه بعد
الظهر، فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 121) .
(2) شرح معاني الآثار (1/ 306) .
(3) في الأصل: " أحدْ ".(5/167)
فليس لأحد أن يصليهما بعد العَصْر، ولا أن يتطوع بعد العصر- أيضاً- وهذا هو النظر- أيضاً- وذلك أن الركعتين بعد الظهر ليْستا فرضا، فإذا تُرِكتَا حتى تُصلَى بعد صلاة العصر، فإن صُلنا بعد ذلك فإنما تطوعَّ بهما مُصَليهما في غير وقت تطوعَّ، فلذلك نُهينا أن نصلي بعد العصر تطوعا، وجعلنا هاتين الركعتين وغيرهما من سائر التطوع في ذلك سواء.
وبهذا التقرير بطل كلام الشيخ محيي الدين في شرح الحديث المذكور:
" الأصل: الاقتداء به- عليه السلام- وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به "، ولا دليل أعظم من هذا، ولا أصْرَحُ ولا أقْطَع للنزاع. وقولُ البيهقي: " أن هذه رواية ضعيفة " ليْس بصحيح , فإن حماد بن سلمة لا يُسأل عنه لجلالته، والأزرق وثَّقه غيرُ واحد، وخرج البخاري حديثه محتجاً به، وذكوان وثقه غيرُ واحد وصحّحوا حديثه. وهنا شيء آخرُ يلزمهم: وهو حانه- عليه السلام- كان يداوم عليها، وهم لا يقولون به في الصحيح الأشْهر، فإن عُورِضوا يقولون: هذا من خصائص رسول الله، ثم في الاستدلال بالحديث يقولون: الأصل: عدم التخصيص. وهذا كما يُقال: فلان مثل الظليم يَسْتجملُ عنْد الاسْتطارة ويَسْتطيرُ عنْد الاستحمال.
ويستفاد من الحديث فوائد أخرى، الأولى: يستحب للعالم إذا طلب منه تحقيق أمر مُهم، ويعلم أن غيره أعلم وأعرف بأصْله أن يرشد إليه إذا أمكنه.
الثانية: الاعتراف لأهل الفضل بمزيتهم.
الثالثة: من أدب الرسول أن لا يستقل بتصرف شيء لم يؤذن له فيه
فإن كريباً لم يستقل بالذهاب إلى أم كلمة حتى رجع إليهم.
الرابعة: قبول خبر الواحد والمرأة مع القدرة على التبين، بالسماع من لفظ رسول الله- عليه السلام-.
الخامسة: لا بأس لإنسان أن يذكر نفسه بالكنية إذا لم يعرف إلا بها.(5/168)
السادسة: ينبغي للتابع إذا رأى من المتبوع شيئاً يُخالفُ المعروف من طريقته، والمعتاد من حاله، يَسألُه بلطف عنه، فإن كان ناسنا رجع عنه، وإن كان عامدا وله معنى مخصص عَرَّفه للتابع واستفاده.
السابعة: إشارة المصلي بيده ونحوها من الأفعال الخفيّة لا تبطل الصلاة. الثامنة: فيه إثبات لسُنَة الظهر بعدها.
التاسعة: إذا تعارضَت المصالح والمهمات بدئ بأهمها , ولهذا بدأ النبي
- عليه السلام- بحديث القوم في الإسلام، وترك سُنَّة الظهر حتى فات وقتها , لأن الاشتغال بإرشادهم وهدايتهم وقومهم إلى الإسلام أهم. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
***
286- بَابُ: مَنْ رَخّصَ فِيهمَا إذا كانَت الشمسُ مُرْتفِعةً
أي: هذا باب في بيان قول من رخّص في الركعتين بعد العصر إذا كانتِ الشمس مرتفعةً.
1244- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عند وَهْب بن الأجدع، عن علي - رضي الله عنه - أن النبي- عليه السلام- نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة (1) .
ش- وهب بن الأجدر: الهمداني الخارجي (2) . سمع: عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب. روى عنه: الشعبي، وهلال بن يسار. قال ابن سَعْد: كان قليل الحديث. روى له: أبو داود، والنسائي (3) . قد استدل بعضهم بهذا الحديث أن ركعتي الظهر إذا فاتتا يصليهما بعد
__________
(1) النسائي: كتاب المواقيت، باب: الرخصة في الصلاة بعد العصر (574) .
(2) في الأصل:" الجارفي " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6748) .(5/169)
العصر إذا كانت الشمس مرتفعة، وكذا سائر النوافل التي لها سبب. والحديث الصحيح: وهو قوله- عليه السلام-: " لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس " يَردُّ هذا وأمثاله، وقد حمله بعضُهم على أن النهي عن الصلاة الواجبة مثل الفائتة ونحوها، فإنه لا يكره فعلها بعد العصر بالإجماع , ولكن ما دامت الشمس مرتفعة، فإذا اصفرت الشمس أو دنت للغر [و] ب يكره ذلك- أيضاً-. والحديث أخرجه: النسائي.
1245- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ قال: كان رسول الله- عليه السلام- يُصلي في إثرِ كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصرَ (1) .
[2/ 130 - أ] ش-/ هذا- أيضاً- صريح، ودال قطعي على انه لا صلاة بعد صلاتي الفجر والعصر سواء كان لها سبب ابو لم يكن.
1246- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا أبان: لا قتادة، عن أبي العالية،
عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مَرضيّون فيهم عمر بن الخطاب - وأرضاهم عندي: عُمر- أن نبي الله- عليه السلام- قال: " لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمسُ، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمسُ، (2)
ش- أبان: ابن يزيد العطار، وأبو العالية: الرياحي، اسمه: ربيع
ابن مهران البصري، وقد مرّ.
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب الصلاة.
(2) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (581) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها (286/ 826) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب:
ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر (183) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح (561) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنًة فيها، باب: النهي عن الصلاة بعد الفجر وبعد العصر (1250) .(5/170)
قوله: " شهد عندي " معناه: بينوا لي وأعلموني به، قال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} (1) . قال الزجاج: معناه: بَين. وقال السَفاقُسي: اختلف العلماء في تأويل نهيه- عليه السلام- عن الصلاة بعد الصبح والعَصْر. قال أبو طلحة: المراد بذلك: كل صلاة , ولا يثبتُ ذلك عنه. وقال ابن حزم: إن قوما لم يروا الصلاة أصلاً في هذين الوقتين. وقال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها. وقال أصحابنا: ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين الفوائت، وسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة , لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت، فلم تظهر في حق الفرائض وفيما وجب بعينه كسجدة التلاوة وكذا صلاة الجنازة , لأنها ليست بموقوفة على فعل العبد , ولكن يظهرُ في حق المنذور , لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته وفي حق ركعتي الطواف وفي الذي شرع فيه ثم أفسده , لأنَ الوجوب لغيره وهو ختم الطواف وصيانة المؤدّي.
فإن قيل: شغل الوقت كله: تقديري، وأداء النوافل: تحقيقي. قلنا: الفرض التقديري أقوى من النفل التحقيقي، ولا يظهر النهي في حق مثله من الفرض. وقال ابن بطال: تواترت الأخبارُ والأحاديث عن النبي - عليه السلام- أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وكان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير , فدل أن صلاته- عليه السلام- الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته. قلت: وكذا قال الماوردي وغيره: إنه من خصوصياته- عليه السلام-، وقد مر الكلام فيه آنفا. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
1247- ص- نا الربيع بن نافع: لا محمد بن مهاجر، عن العباس بن
__________
(1) سو ر آل عمران: (18) .(5/171)
سالم، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عَمرو بن عَبَسة السُلَمي أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمعُ؟ قال: " جوفُ الليل الآخرُ فصَل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم اقصرْ حتى تطلع الشمسُ فترتفع قيْسَ رُمْح أوْ رمحن , فإنها تطلع بَيْن قرني شيطان وتُصفي لها الكُفارُ ثم صَل ما شئتَ , فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدلَ الرمحُ ظله ثم اقصرْ، فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمسُ فصَل ما شئت , فإن الصلاة مشهودة حتى تصفي العصرَ، ثم اقصرْ حتى تَغرُب الشمسُ , فإنها تغربُ بين قرني شيطان، وتُصلي (1) لها الكفارُ " وقص حديثاً طويلاً. قال العباس: هكذا حدثني أبو سلام، عن أبي أمامة إلا أن أخطئ شيئاً لا أريدهُ فأستغفر الله وأتوبُ إليه (2) .
ش- عباس بن سالم: ابن جميل بن عمرو بن ثوابة (3) بن الأخنس ابن مالك بن النعمان بن امرئ القيس اللخمي الدمشقي. روى عن: أبي سلام، وأبي إدريس الخولاني، ومدرك بن عبد الله الأزدي. روى عنه: محمد بن مهاجر الأنصاري. قال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وأبُو سلام: ممطور الأعرج الباهلي، وأبو أمامة: صُدي بن عجلان الباهلي الصحابي.
وعمرو بن عَبَسَة- بفتح العن والباء الموحدة والسين المهملة- بن عامر ابن خالد بن غاضرة بن عتاب السلَمي، يكنى: أبا نجيح، قدم على النبي- عليه السلام- مكة، ثم قدم عليه المدينة مهاجراًَ، وكان رابع أربعة في الإسلام، وهو أخو أبي ذر الغفاري لأمه، وأمهما: رمْلة بنت الوقيعة بن حرام بن غفار، روي له عن رسول الله- عليه السلام-
__________
(1) في سنن أبي داود:" ويصلى ".
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في انتظار الفرج وغير ذلك (3573) . (3) في الأصل: " بوانة "
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3121) .(5/172)
/ ثمانية وثلاثون حديثاً، روى له مسلم حديثاً واحداً، روى عنه: [2/ 130 - ب] أبو أمامة، وابن مسعود، وسهل بن سَعْد الساعدي، وجماعة آخرون،
نزل الشام وسكن حمْص إلى أن مات. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله:" أي الليل أسمعُ؟ " أي: أيُ أجزاء الليل؟ أو أي أوقات الليل
اقربُ إلى الاستجابة؟ وضع السمع موضع الإجابة مجازا كما في قوله:
" سمع الله لمن حمده ".
قوله:" جوفُ الليل الآخر " ارتفاع " جوف " على الابتداء، وخبره
محذوف , والتقدير: جوف الليل الآخر اسمع: أرْجى وأقربُ للإجابة،
وارتفاع " الآخر " على أنه صفة للجَوْف، والمراد منه: ثلث الليل الآخر
وهو الجزء الخامس من أسداس الليل.
قوله: " مشهودة " يعني: تشهدها الملائكة. " مكتوبة " يعني: تكتب
أجرها للمُصلي.
قوله: " ثم اقصرْ حتى تطلع الشمس " أي: ثم احبسْ نفسك عن
الصلاة إلى طلوع الشمس , وهذا بعمومه يتناوَل ماله سبب وما لا سببَ
له.
قوله: " قيْسَ رمح " أي: قدر رمح في رأي العين، يقال: قيْس
وقاس وقيد وقاد وقاب بمعنى، وقد تقدم مثله غير مرة.
قوله: " فإنها تطلع بين قرني شيطان " قد ذكرنا أنه بمعنى جانبي رأسه؟
وذلك أنه يقابل الشمس حين طلوعها، ويَنْتصبُ دونَها حتى يكون طلوعها
بين قرنَيْه، فينقلب سجودُ الكفار للشمس عبادة له , وهذا هو المعنى الحقيقية، وذكرنا فيه وجوها أخرى في كتاب " الصلاة ".
قوله: " حتى يَعْدل الرمح ظله " هو إذا قامت الشمس قبل أن تزول،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/498) ، وأهلا الغابة (4/ 251) ، والإصابة (3/ 5) .(5/173)
فإذا تناهى قِصر الظل فهو وقت اعتداله، وإذا أخذ في الزيادة فهو وقت الزوال.
قوله: " ثم اقصر" عام يتناول يوم الجمعة وغيره، واستثنى الشافعي حالة الاستواء يوم الجمعة.
قوله: " فإن جهنم تسجّر " أي: تُوقدُ، وأراد به الإبْراد بالظهر , لقوله
- عليه السلام-: " أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم ". واختلف في جهنم: اسم عربي أو عجمي؟ فقيل: عربي مشتق من الجهومة , وهي كراهة المنظر، وقيل: من قولهم: بئر جَهْنام أي: عميقة، فعلى هذا لم تصرف للعلمية والتأنيث. وقال الأكثرون: هي عجميّة معربة، وامتنع صرفها للعلمية والعجمة.
قوله: " فإذا زاغت " أي: مالت.
قوله: " قال العباس " أي: ْ العباس بن سالم المذكور. والحديث أخرجه: الترمذي مختصراً بمعناه، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد اخرج مسلم طرفاً منه في أثناء الحديث الطويل.
1248- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا وهيب: نا قدامة بن موسى، عن أيّوب بن حُصَين، عن أبي علقمة، عن يَسَار مولى ابن عمر قال: رآني ابن كمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: نا يسَار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصَلي هذه الصلاة فقال: " ليبلغ شاهدكم غائبكم! لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتَيْن، (1) .
ش- وُهَيب: ابن خالد البصري.
وقدامة بن موسى: ابن عمر (2) بن قدامه بن ملعون. روى عنه:
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: لا صلاة بعد طلوع الفجر ألا ركعتين (419) ، ابن ماجه: كتاب المقدمة، باب: من بلغ علما (235) .
(2) في الأصل: أعمرو " خطأ "(5/174)
يحيى بن سعيد الأنصاري، وحفص بن غياث (1) ، ذكره ابن حبان في " لثقات " وقال: مات [سنة] ثلاث وخمسين ومائة، وكان إمام مسجد رسول الله (2) .
وأيوب بن حصين: التميمي. روى عن: يَسار بن نمير العدوي مولى عبد الله بن عمر. روى عنه: قدامة بن موسى. روى له: أبو داود (3) . وأبو علقمة: الهاشمي مولى عبد الله بن عباس، وقد ذكرناه.
ويَسَار- بفتح الياء آخر الحروف- بن نُمير- بضم النون- القرشي العدوي مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه: أبو أمامة، وأبو علقمة. قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " إلا سجدتن " أي: ركعتين؟ وهما ركعتا الفجر. وروى الترمذي هذا الحديث، ولفظه: الا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين "، ثم قال: ومعنى هذا الحديث: إنما يقول: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وحفصة قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة ابن موسى "، وروى عنه غير واحد، وهو ما اجتمع عليه أهل العلم (6) : كرهوا أن يصلي الرجل/ بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. [2/ 131 - أ]
__________
(1) في الأصل:" عمان ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4860) .
(3) المصدر السابق (25/ 5156) .
(4) المصدر السابق (32/ 7074) .
(5) ذكر الحافظان ابن حجر في " التلخيص " (1/ 201- 202) ، والزيلعي في نصب الراية (1/ 256) طرقا لهذا الحديث من غير طريق قدامة. وقال الزيلعي: " وكل ذلك يعكر على الترمذي في قوله:" لا نعرفه إلا ضيق حديث قدامة ".
(6) قال الحافظ في " التلخيص " (1/ 202) : " تنبيه: دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب" فإن الخلاف فيه مشهور، حكاه ابن المنذر وغيره،=(5/175)
وأخرجه ابن ماجه- أيضاً-، وذكره البخاري في " ألتاريخ الكبير" وساق اختلاف الرواة فيه.
1249- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، ومسروق قالا: نشهَدُ على عائشة أنها قالت: ما من يوم يأتي على النبي- عليه السلام- إلا صلى بعْد العَصْر ركعتين (1) .
ش- أبو إسحاق: السبِيعي، والأسْود: ابن يزيد النخعي، ومَسْروق: ابن الأجدع.
واختلفوا في معنى الحديث , فقالت طائفة: إنه صلى بعد العصر تبيينا لأمته أن نَهْيه- عليه السلام- عن الصلاة بعد الصبح وبعد العَصْر على وجه الكراهة، لا على التحريم. وقالت طائفة: الأصل فيه: أنه صلاها يوما قضاءَ لفائت ركعتي الظهر، وكان عليه السلام إذا فعل فعلاَ واظب عليه ولم يقطعه فيما بعد. وقالت طائفة: إنه- عليه السلام- مخصوص بذلك , وهذا هو الأشهر.
وقال الطحاوي (2) بعد أن روى هذا الحديث: فذهب قوم إلى هذا وقالوا: لا بأس أن يصلي الرجل بعد العصر ركعتين هما من السنَّة عندهم , واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، فخالفهم أكثر العلماء في ذلك وكرهوها، واحتجوا في ذلك بما حَدثنا علي بن معبد قال: نا عبيد الله ابن موسى العبْسي قال: نا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن معاوية أرسل إلى أم كلمة يسألها عن الركعتين اللتين ركعهما
__________
= وقال الحسن البصري: لا بأس به. وكان مالك يرى أن يفعله من فاتته صلاة بالليل. وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر المروزي"
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها (593) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر (835) ، النسائي: كتاب المواقيت باب (36) .
(2) شرح معاني الآثار (1/ 301) .(5/176)
رسول الله- عليه السلام- بعد العصر فقالت: نعم صلى رسول الله عندي ركعتين بعد العَصْر فقلت: أُمرت بهما؟ قال:" لا، ولكني أصليهما بعد الظهر، فشُغِلتُ عنهما فصليتها الآن ".
وحديث عائشة هذا: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1250- ص- نا عُبَيد الله بن سَعْد: نا عمي: نا أبي، عن ابن إسحاق،
عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ذكوان مولى عائشة أنها حدّثته أن رسولَ الله- عليه السلام- كان يُصلي بعدَ العَصْر ويَنْهى عنها، ويُواصل وبَنْهى عن الوصال (1) .
ش- عبيد الله بن سَعْد: ابن إبراهيم، وعمه: يعقوب بن إبراهيم، وأبو عمه: إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي، ومحمد: ابن إسحاق بن يَسار.
وذكوان: أبو عمرو مولى عائشة أم المؤمنين. سمع: عائشة. روى عنه: علي بن الحُسين، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والأزرق بن قيس، وكانت عائشة دبّرته وقالت: إذا واريتني فأنت حر، قال عروة: كان ذكوان غلام عائشة يوم قريشا وخلفه عبد الرحمن بن أبي بكر , لأنه أقرؤهم للقرائن. قال محمد بن عمر: مات ليالي الحرة، وقال حضهم: أحسبُه قتل بالحرة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو د أود، والنسائي (2) .
وهذا الحديث ينطق بأن صلاته- عليه السلام- بعد العصر كانت من خصائصه، كما أن الوصال كان من خصائصه , فلذلك كان ينهى عنهما، وهذا يرد قول مَنْ يدعي عدم التخصيص كالبيهقي والنووي وغيرهما، ودَعْوَى عدم التخصيص مع هذا الحديث مُكابرة، فافهم.
***
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1815) .
12 " يطرح سنن أبي داوود 5(5/177)
287- بَابُ: الصَّلاةِ قبْل المَغْرِب
أي: هذا باب في بيان الصلاة قبل المغرب.
1251- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين
المعلم، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن عبد الله المزَني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"صلّوا قبل المغرب ركعتين "، ثم قال: " صلوا قبل المغرب ركعتين لمنْ
شاء" خَشْيةَ أن يتخذها الناسُ سُنَّة (1) .
ش- عبد الله بن مُغفل المُزني.
اختلف السلف في التنفل قبل المغرب , فأجازه طائفة من الصحابة
والتابعين والفقهاء , وحجتهم: هذا الحديث وأمثاله، وروي عن جماعة
من الصحابة وغيرهم أنهم كانوا لا يصلونها. وقال إبراهيم النخعي: هي
بدْعة. والصحيح: أن الحديث محمول على أنه كان في أؤل الإسلام
ليتبيّن خروج الوقت المنهي عن الصلاة فيه بمغيب الشمس، وحل فعل
النافلة والفريضة، ثم التزم الناس المبادرة لفريضة المغرب لئلا يتباطأ الناس
[2/ 131 - ب] بالصلاة عن وقتها الفاضل. وأخرجه/ البخاري بنحوه.
1252- ص- نا (2) عبد الله بن محمد النفيلي: نا ابن عليّة، عن
الجريري، عن عبد الله بن بُرَيْدة، عن عبد الله بن مُغفّل قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة، بَيْن كل أذانين صلاة لمن شاء " (3) .
ش- ابن عليّة: إسماعيل، والجُريري: سعيد بن إياس النضري.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد بالليل والتطوع، باب: الصلاة قبل المغرب (1183) .
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: كم بين الأذان والإقامة (624) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: بين كل أذانين صلاة (304 / 838) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب (185) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الصلاة بين الأذان والإقامة (680) ، ابن ماجه كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الركعتين قبل المغرب(5/178)
قوله: " بين كل أذانين " أرادَ بهما: الأذان والإقامة حملاً أحد الاسمين على الآخر، والعربُ تفعل ذلك كقولهم: الأسودان: التمر والماء، والأسود أحدهما، ومنه: الأبوان، والعُمران، والقمران.
قلت: يجوز أن يطلق على الإقامة الأذان من حيث أنها إعلام للحاضرين كما أن الأذان إعلام للغائبين. وقال الشيخ محيي الدين (1) : وهذه الأحاديث فيها استحباب ركعتين بين الغروب وصلاة المغرب، وفي المسألة وجهان لأصحابنا، أشهرهما: لا يُستحب، وأصحهما عند المحققين: يستحب لهذه الأحاديث، وبه قال أحمد، وإسحاق.
قلت: وعند أبي حنيفة وأصحابه: لا يستحب ذلك؛ بل ذهب بعضهم إلى كراهته، وبه قال مالك وكثر الفقهاء , لأن استحبابها يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا. وقد قال بعضهم: إن هذه الأحاديث منسوخة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1253- ص- نا محمد بن عبد الرحيم البرقي: أنا سعيد بن سليمان:
نا منصور بن أبي الأسود، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك قال: صليتُ الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله، قال: قلت لأنس: أرآكُم رسولُ الله؟ قال: نعم رآنا فلم يأمرنا ولم يَنْهنا (2) .
ش- سعيد بن سليمان: ابن نشيط، أبو عثمان الواسطي، سكن بغداد، يُعْرف بسَعدَوَيْه. سمع: َ الليث بن سعد، ومنصور بن أبي الأسود، وهشام بن بشير، وغيرهم. روى عنه: ابن معين، والوليد بن شجاع، ومحمد بن عبد الرحيم البرقي الرزاز، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة، مأمون. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 123) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب (302/ 836) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2291)(5/179)
ومنصور بن أبي الأسود: الليثي. روى عن: المختار بن فلفل، والأعمش، ومغيرة بن مقسم، وغيرهم. روى عنه: سعيد بن سليمان، ومحمد بن الصلت، ومعن بن عيسى البزاز، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " أرآكم رسول الله؟ " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " فلم يأمرنا " يدل على أن هذه الصلاة ليست بمُستحبة.
وقوله: " ولم ينهنا " يدل على أنها مُباحة، ولا ينتهض هذا دليلاً لمن يدعي استحباب هذه الصلاة. وأخرجه مسلم.
1254- ص- نا محمد بن بشار: نا محمد بن جعْفر: نا شعبة، عن أبي شعيب، عن طاوس قال: سئل ابن عُمر عن الركعتين قبل المغرِب فقال: ما رأيتُ أحدا على عَهْد رَسُول الله- عليه السلام- يُصَليهما، ورخّص في الركعتين بعد العَصْر (2) .
ش- يُسْتفادُ منه حكمان , الأول: عدم استحباب الركعتين بعد الغروب قبل المغرب، والثاني: كراهة الركعتين بعد صلاة العَصْر، وهو مذهب الجمهور من الصحابة ومَن بعدهم من العلماء من السلف والخلف.
ص- قال أبو داود: سمعتُ يحيى بن معين يقولُ: هو شعيب- يعني: وهم شعبةُ في اسمِه.
ش- قال يحيى بن معين: وهم شعبة بن الحجاج في تسمية شعيب، فذكره بالكنية، وليس كذلك , بل هو شعيب. روى عن: طاوس، وروى عنه: شعبة. روى له: أبو داود.
***
__________
(1) المصدر السابق (28/ 6189) .
(2) تفرد به أبو داود.(5/180)
288- بَابُ: صَلاة الضُّحَى
أي: هذا باب في بيان صلاة الضحى , والضحى- بالضم والقَصْر-: ارتفاع أول النهار، وكذلك الضحوة، ويقال: الضحى فوق الضحوة، وبه سميت صلاة الضُحى.
1255- ص- نا أحمد بن منيع، عن عباد بن عباد ح، ونا مسدد: نا حماد بن زيد المعنى، عن واصل، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يَعمُر، عن أبي ذر، عن النبي- عليه السلام- قال:، يُصْبحُ على كل سُلامَى من ابن آدم صَدقة، تسليمُه على مَنْ لقي صَدقة، وأمرُه بالمعْروف صَدَقة، ونهيهُ عن المنكر صدقة، وإماطتُه الأذى عن الطريق صَدَقة، وبُضْعَتُه (1) أهلَه صدَقة، ويجزئ (2) من ذلك كلِه: ركعتان/ من الضحى " (3) [2/ 132 - أ] . ش- عباد بن عباد: ابن المهلب المهلبي البَصْري.
وواصل: مولى أبي عُيينة بن المهلب بن أبي صفرة البصري. روى عن: أبي الزبير المكي، ويحيى بن عقيل الخزاعي، ولقيط. روى عنه: هشام بن حسان، وحماد بن زيد، وشعبة، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ويحيى بن عُقيل- بضم العين- الخزاعي البصري، نزل مرو. سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، ويحْيى بن يعمر. روى عنه: سليمان التيمي، ومنصور بن زاذان، وواصل مولى
__________
(1) في حق أبي داود: " وبضعة " وذكر المصنف أنها نسخة.
(2) كتب فوقها: " معاً " أي بفتح الباء وضمها.
(3) النسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6666) .(5/181)
أبي عُيينة، والحسن بن واقد. قال ابن معين: ليس به بأسٌ. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو ذر: جُندب بن جنادة.
قوله: " يُصبحُ على كل سُلامى "- بضم السين وتخفيف اللام- وهي عظام الأصابع والأكف والأرجل , هذا أصله، ثم استعمل في سائر عظام الجسَد ومفاصله. وفي " صحيح مسلم ": أن رسول الله قال: " خلق الإنسان على ستين وثلثمائة مفصل، على كل مفصل صَدقةٌ ". وقيل: السلامى: جمع سُلامِيَةٍ، وهي الأنملة من أنامل الأصابع، وقيل: واحده وجمعه سواء، وقد جمع على سُلامَيات، وقيل: السّلامي: كل عظم مجوف من صغار العظام.
وقوله: " يصبح " (2) من أصبح من السم (3) ، الذي يقترن مضمون الجملة بالوقت الخاص نحو قولك: أصبح زيد عالما، بمعنى: حصلت له هذه الصفة في هذا الوقت الخاص، وكذلك المعنى هاهنا يحصل لكل سلامى هذه الصفة في الوقت الخاص.
وقوله: " صدقة " مرفوع لإسناد " يُصبح " (2) إليها.
قوله: " تسليمُه " مبتدأ، وخبره: قوله: " صدقةٌ "، وهذا إلى آخره بيان للإجمال الذي في صدر الكلام , وإنما أطلق على السلام صدقةً باعتبار أنه إيصال أُنْسٍ وأمْن من جهته إلى المُسلم عليه كما أن الصدقة إيصال بِرّ إلى الفقير، فكما أن الفقير ينتفعُ بالمُتصدق به، فكذلك المُسلَّم عليه ينتفع بالسلام من وجهين , الأول: أنه يأمن قلبُه من جهته , لأن الذي في قلبه المكر لأحد أو إيصال الشر إليه لا يبتدئ بالسلام، والثاني: أنه يحصل له ثوابٌ بردّ سلامه، الذي هو سَببٌ لحصول ذلك الثواب، فيُنفعُ به يوم القيامة.
قوله: " وأمرُه بالمعروف " هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله
__________
(1) المصدر السابق (31/ 6887) .
(2) في الأصل: " تصبح " خطأ.
(3) كذا.(5/182)
تعالى، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات، وهو من الصفات العالية، أي: أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه، والمعروف: النَصَفةُ وحُسْن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس، والمنكر: ضد ذلك جميعه.
قوله: " وإماطتُه الأذى " أي: إزالته؟ من أمَاط يُميط. وهذا عام يتناول كل أذى يحصل للناس عن الطريق، ويَنْدرجُ فيه عزْلُ الولاة الظلمة الفسقة والحكام الرُّشَاة، والذين يتولون الوظائف الدنيّة بالبرطيل، والجُهال من الحكام , فإنهم كلهم أذًى، وأي أذىً في طريق المسلمين وطريق الشرع؟! وكذلك يندرج فيه قطاع الطريق والسعاة الذين يَقْعدُون على طريق المسلمين، ويأخذون منهم المكس، فكل هؤلاء أذى في الطريق، وإماطتهم صدقة، وأي صدقة!
قوله: " وبُضْعَتُه أهلَه صدقة " وفي بعض النسخ: " بُضْعَة "- بضم الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة- والمعنى: مُباشرته أهله صدقةٌ، والبُضع يطلق على عقد النكاح والجماع والفرج. وانتصاب " أهله " على أنه مفعول المَصْدر المُضاف إلى فاعله.
قوله: لا ويجزئ لما بفتح الياء وضمها , فالضم من الإجزاء، والفتح من جزى يجزي أي: كفى، والمعنى: يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء , إذ الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسَد. وفيه دليل على عظم فضل الضحى، وكبْر مَوْقعها، وأنها تصح ركعتين.
قوله: " من الضحى " كلمة " من " بمعنى " في" أي: في الضحى، كما في قوله تعالى: {أفَا نُوديَ للصَّلاة مِن يَوم الجُمُعَة} (1) أي: في يوم الجمعة، ويجوز أن يكونن بَمعناهَ، والمعنى: ابتداؤها من وقت الضحى.
__________
(1) سورة الجمعة: (9)(5/183)
ص- وحديث عباد أتم، ولم يذكر مُسدد الأمر والنهي، زاد في حديثه:
وقال كذا وكذا.
، [2/ 132 - أ] ش-/ أي: حديث عباد بن عباد أتم , لأنه ذكر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يذكر مسدد ذلك في حديثه.
ص- وزاد ابن منيع في حديثه: قالوا: يا رسول الله، أحدُنا يَقضي
شهوتَه وتكون له صدقةٌ؟ قال: " أرأيت لو وَضعها (1) في غير حلِّها أَلم
يكن يأثمُ؟ ".
ش- أي: زاد أحمد بن منيع وهو أحد شيوخ أبي داود. وفيه إشارة
إلى صحة قول من يقول بالقياس، فافهم.
1256- ص- نا وَهْبُ بن بَقيّة: أنا خالد، عن واصل، عن يحيى بن
عُقيل، عن يحيى، عن أبي الأسْود الدُؤَلي قال: بينما نحن عنْد أبي ذر قال:
تُصبح (2) على كل سُلامىِ من أحدكم في كل يوم صدقةٌ، فله بكُلً صَلاة
صدقةٌ وصيامٍ صدقةٌ، وحج صدقة وتسبيح صدقة وتكبير صدقةٌ وتحميدً
صدقةٌ، فعدّ رسول الله من هذه الأعمال الصالحة ثم قال: " يَجْزئ أحدَكمً
من ذلك ركعتا الضُّحى " (3) .
ش- خالد: ابن عبد الله الواسطي، وواصل: مولى أبي عُيينة، وقد
مر الآن ذكره- وأبو الأسْود: ظالم بن عمرو، وقيل: عَمرو بن سفيان،
وقيل: عمرو بن ظالم، وقيل: سارق بن ظالم، وقيل: ظالم بن
سارق، وقد ذكرناه مرةً. والدؤلي- بضم الدال وبعدها همزة مفتوحة
على مثال العُمَري، وقيل فيه غير ذلك.
__________
(1) في الأصل: " وضعتها " وما أثبتناه من سجن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " يصبح"
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة الضحى.. إلخ (84/ 7307) ، النسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء.(5/184)
قوله: " فله بكل صلاة " أي: فله بمقابلة كل صلاة " صدقة " بمعنى: ثوابُ صدقة، وكذلك التًقدير في الباقي.
قوله: " يجزئ " أي: يكفي " أحدكم "، وهو منصوب على أنه مفعول " يجزئ "، والفاعل: قوله: " ركعتا الضحى ". والحديث أخرجه: مسلم ولكن الألفاظ مختلفة.
1257- ص- نا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب، عن يحيى بن أيوب، عن زبّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه أن رسول الله- عليه السلَام- قال: " مَنْ قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يُسبّح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيراً غُفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البَحْر " (1) .
ش- عبد الله: ابن وهب، ويحيى بن أيوب: الغافقي المصري. وزبان- بفتح الزاي والباء الموحدة المشددة- بن فائد- بالفاء- المصري الحَمراوي- بفتح الحاء المهملة- وهي محلة بطرف فسطاط مصر، كان على المظالم بمصر أيام عبد الملك بن مروان. روى عن: سهل بن معاذ بن أنس- نسخة-. روى عنه: يحيى بن أيوب، ورشدين (2) بن سعد، وابن لهيعة. قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: شيخ ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وسَهْل بن معاذ ذكرناه، وهو ضعيف. وأبوه: معاذ بن أنس الصحابي عداده في أهل مصر.
قوله: " حتى يُسبح " أي: يتنفل " ركعتي الضحى ".
قوله: " وإن كانت " أي: خطاياه " أكثر من زبد البحر " يعني: إذا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " رشد ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1953) .(5/185)
فرضت أَجْساماً وأعياناً، ويجوز أن يكون كناية عن كثرة الذنوب على سبِيل المبالغة.
فإن قيل: الواو في قوله: " وإن كانت " عطف على ماذا؟ قلت: عطف على محذوف تقديرُه: إن لم يكن مثل زبد البحر، وإن كانت مثل زبد البَحْر.
1258- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع: نا الهَيثم بن حميد، عن يحيى ابن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة أن رسول اللْه صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في إثر صلاة لا لغوَ بينهما: كتابٌ في عليين" (1) .
ش- يحيى بن الحاًرث: أبو عمرو المقرئ إمام جامع دمشق، والقاسِمُ: ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الدمشقي، وأبو أمامة: صُدَي بن عجلان الباهلي.
قوله: " صلاةٌ " مبتدأ، وإن كانت نكرةً , لأنها تخصصت بالصفة، وخبرُه: قوله:" كتابٌ " أي: مكتوبٌ أي: مما يكتبُ في عليين , وهي لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش، فيها أعمال المؤمنين، وقيل: أعلى الجنان، وقيل: السماء السابعة، وقيل: قائمة العرش اليمنى، وقيل: سدرة المنتهى، وهو جمع لا واحد له ولا تثنية، وقيل: واحده: علِي، وقد قررناه مرة مستوفًى. والأثر: بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الَهمزة وسكون الثاء بمعنىً، يُقال: إِثْر الشيء، أي: عقيبُه، وجئتُ في أثَره، أي: عقيبه. واللغو: الكلام الباطل وما لا يُعْنَى، وقد ذكرنا الاختلاف في الاحتجاج بحديث القاسم هذا.
1259- ص- نا داود بن رُشيد: نا الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز،
[2/133-أ] / عن مكحول، عن كثير بن مرة أبي شجرة، عن نعيم بن هَمار قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: " قال الله عز وجَل: يا ابن اَدمَ، لا تعجزني من أربع ركعاتٍ في أول نهارك كفِكَ آخره " (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الضحى (475) .(5/186)
ش- داود بن رُشيد- بضم الراء، وفتح الشن- وقد ذكر مرة. والوليد: ابن مسلم الدمشقي، وسعيد بن عبد العزيز: الدمشقي، فقيه أهل الشام بعد الأوزاعي، ومكحول: الدمشقي، وكثير بن مرة أبو شجرة: الحمصي.
ونعيم بن همار- بفتح الهاء وتشديد الميم، وفي آخره راء- ويقال:
ابن هبار- بالباء الموحدة موضع الميم- ويقال: ابن هدار- بالدال المهملة-، ويُقال: ابن همام- بميمين-، ويقال: ابن خمار- بالخاء المعجمة-، ويقال: ابن حمار- بكسر الحاء المهملة، وفي آخره راء- الغطفاني الشامي. روى عنَ: النبي- عليه السلام- حديثا واحدا , كذا قال صاحب " الكمال "، وقال غيره: وقع لنا أحاديث كثيرة من روايته. روى عنه: كثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وقيس الجذامي الشامي، وقيْس هذا لا يُنْسب. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " لا تعجزني " - بضم التاء -؛ وهذا مجاز كنايةٌ عن تَسْويف العبد عمله لله تعالى , والمعنى: لا تُسَوّف صلاة أربع ركعاتٍ لي في أول نهارك أكفك آخر النهار من كل شيء: من الهموم والبلايا ونحوهما، و" أكفك " مجزوم لأنه جواب النهي. والحديث أخرجه: الترمذي، عن أبي الدرداء، وأبي ذرّ، عن رسول الله، عن الله عَزَّ وجَلَّ أنه قال: "ابن آدم، اركعْ لي من أول النهار أربع ركعات أكفك آخره "، وقال: هذا حَديث حَسن غريب. انتهى. وفي إسناده: ابن عياش وفيه مقال، ومن الأئمة من يُصحح حديثه في الشاميين، وهذا الحديث شامي الإسْناد. وحديث نعيم بن هبار: قد اختلفت الرواية فيه اختلافا كثيرا، وحمل العلماء هذه الركعات على صلاة الضحى، وقال بعضهم: النهار يقع عند أكثرهم على ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. وإخراج
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 558) ، وأسد الغابة (5/ 350) ، والإصابة (3/ 569) .(5/187)
أبي داود والترمذي في صلاة الضحى يدل على أَن المراد منها: صلاة الضحى.
1260- ص- نا أحمد بن صالح، وأحمد بن عمرو بن السَرحْ: نا ابن وهب: حدثني عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، عن أم هانئ بنْت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى (1) يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يُسلم من كل ركعتَيْن (2) .
ش- مَخْرمة بن سليمان: الوالبيَ , ووالبة: حي من بني أسدٍ بن خزيمة المديني. سمع: السائب بن يزيد، وعبد الرحمن الأعرج، وكريبا (3) مولى ابن عباس. روى عنه: مالك بن أنس، وعَبْد ربه بن سعيد، وعياض بن عبد الله الفهري، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن سَعْد: قتلَتْه الحَرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة ً. روى له الجماعة (4) .
وأم هانئ: فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب، أخت علي- رضي
الله عنه-. وقال أحمد: اسمُها: هند؛ والأول أكثر، روي لها عن رسول الله ستة وأربعون حديثا , اتفقا على حديث واحدٍ. روى عنها: أبو مرة مولى أخيها عقيل، وقيل: مولاها، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى لها الجماعة (5) .
__________
(1) كذا، وهي غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (1323) .
(3) في الأصل: " كريب "
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5830) .
(5) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 503) ، وأسد الغابة (7/ 404) ، والإصابة (4/ 503) .(5/188)
قوله: " يوم الفتح " أي: فتح مكة. وقال البيهقي: غزا رسولُ الله
غزوة الفتح- فتح مكة- فخرج من المدينة في رَمضان ومعه من المسلمين
عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف سنة من مَقدمه المدينة،
وافتتح مكة لثلاث عشرة بقين من رمضان. ً
قوله: " سبحة الضحى " أي: صلاة الضحى. وقد اختلفت الروايات
في عدد صلاة الضحى- كما ترى- وذلك بحسب اختلاف الحال والمكان
والحديث أخرجه: ابن ماجه.
ص- قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: إن رسولَ الله صلى بوم الفتح
سبحة الضحى، فذكر مثله.
ش- أي: مثل الحديث المذكور، فذكره مُعلقا.
ص- قال ابن السَرْح: إن أم هانئ قالت: دخَلَ علي رسولُ الله- عليه
السلام-، ولم يذكر سبحة الضحى بمعناه.
ش- أي: بمعنى الحديث المذكور، ولم يذكر أحمد بن السَرْح (سبحة
الضحى) , وإنما قال: (صلى ثمان ركعاتِ) فذكره مُعلقاً.
1261- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، / عن عَمْرو بن مُرّة، عن [2/133-ب] ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي- عليه السلام- صلى الضحى غير أم هانئ , فإنها ذكرت أن النبيِ- عليه السلام- يوم فتح مكة
اغتسل في بيتها وصلى ثمان ركعات، فلم يره أحد صلاهن بعدُ (1) .
ش- عبد الرحمن: ابن أبي ليلى الأنصاري.
قوله: " بعد " أي: بعد ذلك اليوم. والحديث أخرجه: البخاري،
ومسلم، والترمذي، وابن أبي شيبة، ولفظه: نا وكيع: نا ابن
أبي خالد، عن أبي صالح مولى أم هانئ، عن أم هانئ قالت: دخل
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: صلاة الضحى في السفر (1176) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى (336) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الضحى (474) .(5/189)
رسول الله- عليه السلام- بيتي يوم فتح مكة، فوضعت له ماء فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعاتٍ صلاة الضحى لم يصلهن قبل يومه ولا بعده.
1262- ص- نا مسدد: نا يزيد بن زُريع: نا الجُريري، عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة: هلِ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلي الضُحى؟ قالت (1) : لا، إلا أنْ يجيء من مغيبه، قلت: هل كان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقْرِنُ بَيْن السُوَر (2) ؟ قالَتْ: مِن المُفَصّلً (3) .
ش- الجُريري: سعيد بن إياس.
قوله: " من مغيبه " المغيب- بفتح الميم- مَصْدر، تقول: غاب عنه غَيبا وغَيبةً وغيابا وغُيوبا ومغِيباً , والمعنى: إلا أن يرجع من سفره. والجمع بين حديث عائشة في نفي صلاته- عليه السلام- الضحى وإثباتها: هو أن النبي- عليه السلام- كان يُصليها في بعض الأوقات لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تفرض (4) - كما ذكرته عائشة- وتأويل قولها: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه " ما رأيتُه كما قالت في الرواية الأخرى: " ما رأيت رسول الله يصلي سُبْحة الضحى "، وسببه: أنه-عليه السلام- ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، وقد يكون في ذلك مسافراً، وقد يكون حاضراً ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها: " ما رايته يُصليها " - كما في رواية مسلم- وكذا يصح قولها: " لا "- كما في رواية أبي داود- أو يكون معنى قولها: " لا ما رأيته يُصليها ": ما يداوم عليها؛ فيكون نفياً للمداومة، لا لأصلها، والله أعلم.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقالت ". (2) في سنن أبي داود: " السورتين" (3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة الضحى ... (75/ 717) ، النسائي: كتاب الصوم، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عائشة فيه (4/ 152) .
(4) في الأصل: " تعرض "(5/190)
فإن قيل: قد صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة. قلنا: هو محمول على أن صلاتها في المسجد، والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة؛ لا أن أصلها في الثبوت ونحوها مذموم. أو يقال: قوله: " بدعة " أي: المواظبة عليها؛ لأنه- عليه السلام- لم يواظب عليها خشية أن تفرض، وهذا في حقه- عليه السلام-، وأما في حقنا: فقد ثبت استحباب المحافظة بحديث أبي الدرداء وأبي ذر وقد يقال: إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي- عليه السلام- الضحى وأمره بها، وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى , وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود، وابن عمر. قال أبو بكر بن أبي شيبة: نا وكيع: لا شعبة، عن توبة العنبري، عن مورق العجلي قال: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: صلاها عمر؟ قال: لا. قلت: صلاها أبو بكر؟ قال: لا. قلت: صلاها النبي- عليه السلام-؟ قال: لا أخال.
نا وكيع: نا ابن أبي خالد، عن الشعبي، عن ابن عمر قال: ما صليت الضحى مذ أسلمت، إلا أن أطوف.
نا ابن علية، عن الجُريري، عن الحكم بن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى وهو مستند ظهره إلى حجرة النبي- عليه السلام- فقال: بدعة، ونعْمت البدعةُ.
ونا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة قال: لم يخبرني أحد من الناس أنه رأى ابن مسعود يصلي الضحى.
قوله: " يَقْرِنُ بين السُوَر" من قرَن بين الشيئين: إذا جمع بينهما، ومضارعُه: يقرن بكسر الراء- والمفصل: السبع السابعُ من القرآن , سمي به لكثرة فصوله؛ وهو من سورة محمد، وقيل: من سُورة الفتح، وقيل: من سورة قاف إلى آخر القرآن. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي مختصرا ومُطولا.
1263- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن(5/191)
الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أنها قالت: ما سبح رسول الله سُبْحة الضحى قط، وإني لأسبحها / وإن كان رسولُ الله لَيدعُ العملَ وهو يُحِبُّ أن يعْمل به خَشْية أن يَعْمل به الناس فيُفْرض علَيْهم (1) .
ش- " ما سبح " بمعنى: ما تنفل , والسبحَة: النافلة.
قوله: " وإني لأسبحها " أي: أصليها، وفي رواية: " لأسْتَحبّها " من
الاستحباب.
قوله: " وإن كان " " إن " مُخففة من مُثقلة، وأصلُه: إنه كان رسولُ الله، واللام في " لَيدعُ " للتأكيد أي: ليتركُ , والواو في " وهو يُحب " للحال، وانتصاب " خشية " على التعليل.
قوله: " أن يعمل به الناس " " أن " مَصْدرية، ومحلها الجر بالإضافة , والمعنى: خشية عمل الناس به.
قوله: " فيُفرض " عطف على " أن يعمل ". والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم. وقد أخرج مسلم في " الصحيح " من حديث عائشة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- يُصلي الضحى أربعاً ويزيدُ ما شاء اللهُ. وقد مرّ وجه الجمعْ بينهما عن قريب، فمَعْنى قولها: أما سبح، يعني: مواظباً عليها ومُعْلِناً بها.
1264- ص- نا ابن نفيل، وأحمد بن يونس قالا: لا زهير: نا سماك قال: قلت لجابر بن سَمُرة: أكنتَ تُجالسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، فكان لا يَقومُ من مُصلاه الذي علىَ فيه الغداة حتى تَطلع الشمسُ فإذا طلعت قَامَ (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: من لم يصل الضحى، ورآه واسعا (1177) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة الضحى (718) .
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد (670) ، وأعاد القصة الأخيرة في كتاب الفضائل، باب: فضائل النبي صلى الله عليه وسلم (2322) ، النسائي ": كتاب السهو، باب: قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم (3/ 80) .(5/192)
ش- ابن نفيل: عبد الله بن محمد النفيلي، وزهير: ابن معاوية، وسماك: ابن حَرب.
قوله: " كنتَ " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " كثيرا لما نصب على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: جلوساً كثيرا ًبمعنى: مجالسا كثيرةً. ويُستفادُ من الحديث: استحباب الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس , وليس للحديث مناسبة للباب. وأخرجه مسلم، والنسائي بنحوه.
* * *
289- بَابُ: صَلاةِ النهارِ
أي: هذا باب في بيان صلاة النهار النافلة.
1265- ص- نا عمرو بن مرزوق: أنا شعبة، عن يَعْلى بن عطاء، عن علي بن عبد الله البارِقي، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- قال: " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى " (1) .
ش- علي بن عبد الله البارقي: الأزدي أبو عَبْد الله الأسْدِي- بسكون السين-، وبارق جَبَل نَزلهُ سَعْدُ بن عَدي بن حارثة بن عَمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزْد، فسُموا به. سمع: عبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عباس. روى عنه: مجاهد، وأبو الزُبير المكي، وقتادة، وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " مثنى " خبر عن قوله: " صلاة الليل "، و " مثنى " الثاني تأكيد , لأنه داخل في حده , إذ معناه: اثنين اثنين، اثنين اثنين.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (597) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: كيف صلاة الليل (1665) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (1322) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4098) .
13* شرح سنن أبى داود *(5/193)
واستدل الشافعي، ومالك، وأحمد بهذا الحديث أن النوافل بالليل والنهار أفضلها مثنى مثنى. وقال أبو يوسف، ومحمد: بالليل: مثنى مثنى، وبالنهار: أربع أربع. وقال أبو حنيفة فيهما: أربع أربع , أما الليل: فلحديث عائشة: " صلى أربعاً فلا تسأل عن حُسنهن وطولهن " لما يجيء تمامُه إن شاء الله تعالى في " باب صلاة الليل "، وأما النهار: فلحديث نعيم بن همار ونحوه. وحديث ابن عمر: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: اختلف أصحابُ شعبة في حديث ابن عمر , فرفعه بعضهم، ووَقَفه بعضُهم، وقال: والصحيحُ ما (1) روي عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- أنه قال: " صلاة الليل مثنى مثنى ". وروى الثقات عن عبد الله بن عُمر، عن النبي- عليه السلام-، ولم يذكروا فيه صلاة النهار. وقال النسائي: هذا الحديث عندي خطأُ.
وقال الخطابيّ (2) : روى هذا عن ابن عمر: نافع، وطاوس، وعبد الله ابن دينار لم يذكر فيها أحد صلاة النهار , وإنما هو " صلاة الليل مَثنى مثنى " إلا أن سبيل الزيادات أن تقبل. وقد قيل: وسُئل البخاري عن حديث يَعلى بن عطاء أصَحيح هو؟ فقال: نعم.
قلت: لا يلزم من ذلك صحّة هذه الزيادة، فيكون قوله: " نعم " راجعاً إلى قوله: " صلاة الليل مثنى مثنى ".
1266- ص- نا ابن المثنى: نا معاذ بن معاذ: نا شعبة: حدثني عبد ربه ابن سعيد، عن أنس بن أبي أنس، عن عبد الله بن نافع، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب، عن النبي- عليه السلام- قال: " الصلاة مثنى مثنى وأن (3) تشَهدَ في كل ركعتين وأن تَبْأسَ (4) وتمسكنَ وتقنع بيديك وتقول: اللهم اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج (5) " (6) .
__________
(1) في الأصل: "مما "، وما أثبتناه من جامع الترمذي. (2) معالم السنن (1/ 241) . (3) في سنن أبي داود: " بأن تشهد " وأشار المصنف إلى أنها نسخة.
(4) في الأصل: " تبأيس "، وما أثبتناه من الشرح وسنن أبي داود.
(5) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (1325) . (6) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " سئل أبو داود عن صلاة الليل مثنى؟ قال: إن شئت مثنى، وإن شئت أربعاً"ْ.(5/194)
ش- عبد ربه بن سعيدٍ: / ابن قيس الأنصاري، أخو يحيى، وقد [2/134-ب] مر ذكره مُستوفى.
وأنس بن أبي أنس: واسم أبي أنس: مالك بن أبي عامر الأشجعي،
حليف عثمان بن عبد الله القرشي التيمي من أهل المدينة، يروى عن:
أبيه. روى عنه: مالك بن أنس، وهو الذي روى عنه الزهري فقال:
حدثنا أنس بن أبي أنس، عن أبيه، عن أبي هريرة في فضل رمضان ة
كذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (1) .
وعبد الله بن نافع: ابن العَمْياء. روى عن: عبد الله بن الحارث،
وقيل: عن ربيعة بن الحارث , والصحيح: عبد الله. روى عنه: عمران
ابن أبي أنس، وقد خالفه شعبة , فرواه عن عبد ربه، عن أنس بن
أبي أنس، عن عبد الله بن نافع. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وعبد الله بن الحارث: ابن نَوْفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم
ابن عبد مناف ابو محمد القرشي الهاشمي المدني، وأمه: هند بنت
أبي سفيان بن حرب. سمع: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان،
وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وغيرهم (3) . روى
عنه: ابناه: عبد الله وإسحاق (4) ، وأبو سلمة، وأبو إسحاق، وعمر
ابن عبد العزيز، وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة: هو ثقة. توفي
سنة أربع وثمانين بعُمان. روى له الجماعة (5) .
ومطلب: ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 564) . (2) المصدر السابق (16/3608) (3) في الأصل: " وابنه عبد الله وغيرهم "، والصواب أن ابنه عبد الله روى عنه كما سيذكر المصنف بعدُ.
(4) في الأصل: " ووإسحاق ".
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 281) ، وأسد الغابة (3/ 207) ، والإصابة (3/ 58) .(5/195)
القرشي الهاشمي، ويقال: هو عبد المطلب بن ربيعة، هو ابن عم النبي - عليه السلام-. روى عنه: عبد الله بن الحارث بن نوفل. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه , إلا أنه قال: مطلب بن أبي وداعة؛ وهو وهم (1) .
قوله: " وأن تشَهّدَ " أي: وان تتشهد , حذفت إحدى التاءين للتخفيف، وفي غالب النسخ الصحيحة: " أن تشهد " - بدون واو العطف- فوجهُه: أن يكون بدلاً من قوله: " مثنى " أو يكون في محل النصب بنزع الخافض، والتقدير: بأن تشهدَ.
قوله: " وأن تَبأسَ " أي: وأن تُظهر البُؤسَ والفاقة , وَهو من بَئس الرجلُ- بالكسْر- يَبْأسُ بؤسا وبَئيساً اشتدَّتْ حاجتُه فهو بَائس، قالَ الله تعالى: " وأطعموا البَائِسَ الفَقِيرَ" (2) .
قوله: " وتمَسَكَنَ " أي: تُظهر المسكنةَ , وهي من السكون والوقار، والميم مزيدة فيها.
قوله: " وتُقنِع " من إقناع اليدين , وهو رفعهما في الدعاء والمَسْألة. قوله: " اللهم، معناه: يا الله، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: " ذلك " إشارة إلى ما ذكر من الأمور.
قوله: " خداج " أي: ناقص في الأجر والفضيلة؛ والخداج مصدر على حذف المضاف أي: ذات خداج أو يكون وضعها بالمصدر نفسه مبالغة كقوله: "فإنما هي إِقبال وإدْبار". والحديث أخرجه: النسائي، وابنُ ماجه. وقال الخطابي (3) : أصحاب الحديث يغلطون شعبة في رواية هذا الحديث , قال البخاري: أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع: قال:
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/447) ، وأسد الغابة (3/ 8 0 5) ، والإصابة (2/ 430) .
(2) سورة الحج: (28) . (3) معالم السنن (1/ 241) .(5/196)
عن أنس بن أبي أنس، وإنما هو: عمران بن أبي أنس، وقال: عن عبد الله ابن الحارث، وإنما هو: عبد الله بن نافع، عن ربيعة بن الحارث، وربيعة بن الحارث هو ابن المطلب، فقال هو: عن المطلب. والحديث عن الفضل بن عباس، ولم يذكر فيه الفضْل، ورواه الليث على الصواب عن عبد ربه بن سعيد، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الله ابن نافع بن العَمْياء، عن ربيعة بن الحارث، عن الفضل بن عباس، عن النبي- عليه السلام- قال: وهو حديث لا يُتابَعُ عليه ولا يُعرفُ سماع بعضهم من بعض.
* * *
290- بَابُ: صَلاةِ التَّسْبِيح
أي: هذا باب في بيان صلاة التسبيح , وإنما سميت صلاة التسبيح لأن مُصلِيها يُسبح الله فيه بعد الفراغ من القراءة وفي الركوع، وعند رفع رأسه من الركوع، وفي السجود، وبين السجدتين على ما يجيء بيانه الآن إن شاء الله تعالى.
1267- ص- ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري: نا موسى ابن عبد العزيز: لا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي - عليه السلام- قال للعباس بن عبد المطلب: " يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ أَلا أجيزُكَ؟ (1) / أَلا أفعلُ بك (2) ؟ عَشْرَ خصال [2/135-ب] إذا أَنْتَ فعلتَ ذلك غفر اللهُ لَك ذنبَك أوله وآخرَه وقديمَه وحدِيثَه وخطأه وعمدَه صغيرَه وكبيرَه سره وعَلانِيتَه، عشرُ خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كُلّ ركعةَ فاتحة الكتاب وسورةً، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعةٍ وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا اللهُ، والله كبرُ
__________
(1) في سنن أبي داود: " أحبوك "، وذكر المصنف أنها رواية.
(2) كذا، وقد ذكرها في الشرح " لك "، وذكر أنه في رواية " بك "، وهي المذكورة في سنن أبي داود.(5/197)
خمس عشرة مَرةً، ثم تركعُ فتقولُها وأنتَ راكع عشراً، ثم ترفع رأسكَ من الركوع فتقولُها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفعُ رأسك من السجود فتقولها عشراً َ، ثم تسجدُ فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراًً فذلك خمسٌ وسَبْعون في كلِ ركعة، تَفْعل ذلك في أربع ركعات إن استطعتَ أن تُصليها في كل يوم مرةً فافعًلْ، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرةً، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرةً، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرةً، فإن لم تفعَلْ ففي عُمرك مَرة " (1) .
ش- عبد الرحمن بن بشر بن الحكم: ابن حبيب بن مهران العبدي، أبو محمد النيسابوري. سمع: ابن عُيينة، ويحيى القطان، وموسى بن عبد العزيز، وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو حاتم، وجماعة آخرون. وقال صالح بن محمد: صدوق. وقال الحاكم: العالِم ابن العالِم ابن العالِم. توفي سنة ستين ومائتين (2) .
وموسى بن عبد العزيز: أبو شعيب اليماني العدني القِنباري. سمع: الحكم بن أبان العدني. روى عنه: عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، ومحمد بن أسد. قال ابن مَعين: ما أرى به بأساً (3) .
والقِنْباري: نسبة إلى قِنبار- بكسر القاف، وسكون النون، وبعدها
باء موحدة مفتوحة، وبعد الألف راء- وهو ليف الجوْز الهندي، يقال لمن يَفْتله ليحزز به المراكب البحرية: قنْباري. ورأيتُ في بعض المواضع أنه نسبة إلى قُنبارَةَ , قرية مِنْ قرى اليمنَ، وضبَطُوها بضم القاف. والحكم بن أبان: العَدني، وعكرمة: مولى ابن عباس.
قوله: " يا عماه " أصله: يا عمي، فأرادوا التخفيف فقلبوا كسرة
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة التسابيح (1387) . (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3765) .
(3) المصدر السابق (29/ 6279) .(5/198)
الميم ألفاً فصار يا عَما، ثم ألحقوه الهاء في الوقف لبيان الألف، فصار "يا عَماه ".
قوله: " ألا أعطيك " كلمة " ألا " للتَنْبيه، فتدل على تحقق ما بعدها. قوله: " ألا أمنحك " منْ منحَ يَمنحُ إذا أعْطَى، والاسم: المنْحة , وهي: العطية.
قوله: " ألا أجيزك " من أجازه يُجيزه إذا أعْطاه , والجائزة: العَطيةُ. وفي بَعْض الروايات: " ألا أحْبُوك "َ موضع " ألا أجيزك " من حَبَاه كذا وبكذا إذا أعْطاه، والحِبَاءُ: العَطيّةُ، والحَبْوَةُ- بالفتح- المَصْدرُ. قوله: " ألا أفعلُ لك " أي: "لأجلك. وفي بعض النُسخ: " ألا أفْعلُ بك " أي: أفعلُ بك خيراً.
قوله: " عشرُ خصال " مرفوع على أنه خبر مبتدإ " محذوف أي: هي عشرُ خصال، ويجوز أَن يكون انتصاب " عشر " على أن يكون مفعولَ قوله: " أفعَلُ ".
قوله: " ذلك " يَرجعُ إلى ما وَعَده به مما يبينه باعتبار التقدير.
قوله:، " أوله " لما بدل من قوله: " ذنبك " وما بعده عطف عليه.
قوله: " صغيره " نصب على البدلية- أيضاً- وكذا قوله: " سره" قوله: " عشر خصال " أي: هي عشر خصال، وهي أن تغفر له أولَ ذنبه وآخره وقديمه وحديثه وخطؤُه وعمده وصغيرُه، وكبيرُه وسره وعلانيتُه، وقد اندرج في هذا سائر أنواع الذنب، ولا يمكن أن يُقال فيه: المراد من الذنوب: الصغائر , لأنه صرح بغفران الكبيرة- أيضاً
قوله: " أن تصلي " في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: تلك العطية التي أعطيك إياها أو تلك المِنحة أو تلك الجائزة هي: أن تصلي أربع ركعات.
قوله: " فذلك خمس وسبعون " لأنه يقول أولاً خمس عشرة مرةَ ثم(5/199)
يقول: عشراً عشراً ست مرات , فذلك ستون، ويَصيرُ مع الأول خمسة وسبعين، ويصير الجميع ثلثمائة مرة؛ لأنها أربع ركعات في كل ركعة خمسة وسبعون. والحديث أخرجه: ابن ماجه.
[2/135-ب] 1268- ص- نا محمد بن/ سفيان الأبُلّي: نا حَبان بن هلال أبو حبيب: نا مهدي بن ميمون: نا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء: حدثنى رجل كانت له صحبة يُرَوْن عبد الله بن عَمرو قال: [قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ائتني غداً أحْبُوك وأثيبُك وأعْطيكَ حتى ظننت أنه يُعطيني عطيةً قال: إذا زَال النهارُ فقم فصَل أرَبع ركعاتَ، فذكر نحوه، قال: " ثم ترفعُ رأسك من السجدة (1) الثانية فاسْتَوِ جًالسا ولا تقُم حتى تَسبّح عشراً وتحمْد عشراً وتكبر عشراً وتُهلل عشراً، ثم تَصْنع ذلك في الأربع ركعات، قال: فإنك لو كنتَ أعظم أهل الأرض ذنباً كُفر لك ذلك (2) ، قلتُ: فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعةَ؟ قال: " صَلهَا من الليل وَالنهارِ " (3) .
ش- محمد (4) بن سفيان: ابن أبي الزرد الأبُلي. روى عن: حبان ابن هلال. روى عنه: أبو داود. والأبلي- بضم الهمزة والباء الموحدة وتشديد اللام-: نسبة إلى أبُلة.
ومَهْدي بن ميمون: أبو يحيى الأرْدي المَغولي مولاهم البصري. سمع: الحسن البصري، وابن سيرين، وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، وجماعة آخرون. قال أحمد وابن معين: ثقة. مات سنة سنتين وتسعين ومائة (5) .
وعمرو بن مالك: النُّكْري- بضم النون- أبو يحيى. سمع:
__________
(1) في سنن أبي داود: " يعني: من السجدة ".
(2) في سنن أبي داود: " بذلك ". (3) تفرد به أبو داود. (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5251) .
(5) المصدر السابق (28/ 6224) .(5/200)
أبا الجوزاء. روى عنه: مهدي بن ميمون، وحماد بن زيد، وابنه: يحيى بن عمرو. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . وأبو الجَوْزاء- بفتح الجيم، وبعد الواو الساكنة زاي- اسمه: أوس بن عبد الله البصري.
قوله: " يُرَوْن " على صيغة المجهول أي: يظنون عبد الله بن عمرو بن العاص.
قوله: " وأثيبك " من أثابَه يُثيبُه إثابةً أي: أعطاه جَائزةً، والاسمُ: الثواب، ويكوَن في الخير والشرَ , إلا أنه بالخير أخص! وكثر استعمالاً. قوله: " ذنباً " نصب على التمييز.
قوله: " من الليل " أي: في أي جُزْء كان من الليل والنهار، ويُستثنى منها الأوقات المكروهة.
ص- قال أبو داود: حبَان بن هلال خالُ هلال الرَأي.
ش- حَبان - بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة - بن هلال الباهلي، وقد يُقال: الكِنَاني أبو حَبيب البَصْري. روى عن: شعبة، وحماد بن سلمة، وهمام بن يحيى، وأبان بن يزيد العطار. روى عنه: عليّ بن المديني، وابن المثنى، والبخاري، وأحمد بن سعيد الدارمي، قال أحمد: إليه انتهى التثبت بالبصرة. وقال ابن معين والترمذي: ثقة. مات بالبصرة في شهر رمضان سنة ستة عشر ومائتين (2) .
وهلال الرَأي: 000 (3) .
ص- قال أبو داود: رواه المُستمر بن الريان، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عَمرو مَوْقوفٌ (4) .
__________
(1) المصدر السابق (22/ 4441) . (2) المصدر السابق (5/ 1064) . (3) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.
(4) في سجن أبي داود: " موقوفاً "، وأشار المصنف إلى أنها نسخة.(5/201)
ش- أي: روى الحديث المذكور: المستمر بن الريان الإيادي البصري،
وهو رأى أنس بن مالك، وسمع: أبا نضرة العبدي. روى عنه: يحيى
القطان، وشعبة، ومسلم بن إبراهيم، وأبو داود الطيالسي، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة. وقال ابو حاتم: شيخ ثقة. وقال أبو داود:
كان صدوقاً ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " موقوف " أي: هو موقوف على ابن عَمْرو. وفي بعض
النسخ: " موقوفاً " فيكون حالاً من الضمير الذي في " رواه " أعني:
الضمير المنصوبَ.
ص- ورواه روح بن المُسيب، وجَعْفر بن سليمان، عن عَمْرو بن مالك
النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قوله، وقال في حديث روح:
فقال حديث النبي- عليه السلام-.
ش- أي: روى الحديث المذكور- أيضاً- روح بن المُسيب، وجعفر
ابن سُلَيمان الضبعي، عن عمرو بن مالك النُّكْري- بضم النون-، عن
أبي الجوْزاء أوْس بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس " قوله " أي: قول
ابن عباس , وهذا- أيضاً- موقوف.
قوله: " وقال في حديث رَوحْ: فقال النبي- عليه السلام " أشار بهذا إلى
أنه رفعه وروح بن المُسيب 000 (2) .
[2/136-أ] / 1269- ص- نا أبو توبة الربيع ابن نافع: نا محمد بن مهاجر، عن عُرْوة بن رُوَيْم قال: حدثني الأنصاري أن رَسولَ الله- عليه السلام- قال لجَعْفر بهذا الحديث، فذكر نحوهم، قال في السجدة الثانية من الركعة الأولى كما قال في حديث مهدي بن مَيْمون (3) .
ش- عروة بن رُوَيم: أبو القاسم اللخمي الشامي الأرْدُني، وكانت له
بدمشق دار بناحية قنطرة سنان. سمع: أبا ثعلبة الخُشَني- وقال
(1) المصدر السابق (27/ 5892) . (2) تفرد به أبو داود.
(2) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.(5/202)
عبد الرحمن: لم يَسْمع-، وسمع: أنس بن مالك، وعبد الله بن الدَّيْلمي، وعبد الرحمن بن قرط. وروى عن: أبي ذر، وثوبان، وأبي كبشة الأنماري، وجابر بن عبد الله، وعبد الرحمن بن غنم، وحكيم بن معاوية مُرسلاً. وروى من طريق ضعيف عن أبي مالك الأشعري، وهشام بن عروة، والقاسم أبي عبد الرحمن. روى عنه: الأوزاعي، وأبو فروة، وزيد بن سنان الرهاوي، ومحمد بن مهاجر، وجماعة آخرون. وقال أبو حاتم: عامّة أحاديثه مراسيل. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائة بذي خُشُب، وحُمل إلى المدينة فدُفن بها. روى له: أبو داود (1) .
الأنصاريُّ: جماعة؛ ولكن المراد هاهنا: جابر بن عبد الله الأنصاري الصحابي.
قوله: " قال لجَعْفر بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور، وجَعْفر:
هو 000 (2) .
قوله: " كما في حديث مهدي بن ميمون " وهو رواية أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد أخرج حديث صلاة التسبيح: الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي رافع مولى رسول الله. وقال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أبي رافع، وقال- أيضاً- وقد رُوي عن النبي- عليه السلام- غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبيرُ شيء. وقال: وفي الباب عن ابن عباس، وعبد الله بن عَمرو، والفضل بن عباس، وأبي رافع. انتهى. وقال أبو جعفر محمد ابن عمر العقيلي الحافظ: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت. وقال غيره: وقد وقع لنا حديث صلاة التسبيح من حديث العباس بن عبد المطلب، وأنس بن مالك، وغيرهما. وفي كلها مَقال، وأمثل الأحاديث فيها: حديث عكرمة [عن] ابن عباس، وهو الذي ذكر في أول هذا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3904) . (2) بياض قدر نصف سطر.(5/203)
الباب، فإن أبا داود، وابن ماجه أخرجاه عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العَبْدي النيسابوري، وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه في " صحيحيهما " عن موسى بن عبد العزيز. قال فيه ابن معين: لا أرى به بأساً، عن الحكم بن أبان - وكان أحد العُباد وقد وثقه ابن معين، وعكرمة وإن كان قد تكلم فيه جماعة فقد وثقه جماعة، واحتج به البخاري في صحيحه ".
291- بَابُ: رَكعَتِي المَغْرب أيْنَ تُصَليانِ
أي: هذا باب في بيان أن سُنة المغرب وهمَا الركعتان بعده أين يُصَليهما الرجل، في بَيْته أم في المسجد؟ وفي بعض النسخ: " باب في ركعتي المغرب ".
1270- ص- نا أبو بكر بن أبي الأسْود: حدَّثني أبو مُطرف محمد بن أبي الوزير: نا محمد بن موسى الفطري، عن سَعْد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن جَده أن النبيَ- عليه السلام- أتى مَسجد بَني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يُسَبحُون بعدها فقال: " هذه صلاة البُيوت " (1) .
ش- أبو بكر: اسمُه: عبد الله بن محمد بن حُميد بن الأسود، أبو بكر بن أبي الأسود البَصْري قاضي همدان، وجدف: حميد ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي. سمع: مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وأبا عوانة، وأبا داود الطيالسي، وغيرهم. روى عنه: البخاري،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الصلاة بعد المغرب أنه في البيت أفضل (604) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك (3/ 198) .
تنبيه: سيذكر المصنف أن هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه، ولم يذكر صاحب التحفة (8/11107) ابن ماجه، والله أعلم.(5/204)
وأبو داود، ويعقوب بن شيبة (1) ، وأبو بكر بن أبي الدنيا. قال ابن معين: لا بأس به. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين ببغداد (2) .
ومحمد بن أبي الوزير: هو محمد بن عمر الهاشمي ابو مُطرف مولاهم البصري، أخو إبراهيم. سمع: شريك بن عبد الله النخعي، ومحمد بن موسى الفِطْري، وعبد الله بن جعفر المخرمي. روى عنه: ابو بكر بن أبي الأسْود، وأبو زيد عمر بن شبة النميري (3) . روى له: أبو داود (4) .
ومحمد بن موسى الفِطْري- بكسر الفاء وسكون الطاء- وقد مر ذكره، وسَعْد بن إسحاق: مرّ بيانه.
وأبوه: إسحاق بن كعْب بن عُجرة السالمي المديني. روى عن: أبيه. روى عنه: ابنه: سعد. روى له: أبو داود، والترمذي/، والنسائي (5) ". [2/136-ب] وكعْب بن عْجرة من بني سالم بن عوف الصحابي، قد ذكر مرةً.
قوله: " عبد الأشهل "- بالشين المعجمة- بطن من الأنصار.
قوله: " رآهم يُسَبّحون بعدها " أي: متنفلون بعد صلاة المغرب، أراد
بها سُنَّة المغرب، فقال: هذه صلاة البُيوت , لأنها أبعد من الرياء. وقد أخذ بها العلماء: أن الأفضل في السنن الرواتب وغيرها: أن تكون في البيْت. وأخرجه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والصحيح: ما روي عن ابن عمر قال: كان النبي- عليه السلام- يُصلي الركعتين بعد المغرب في بَيْته.
1271- ص- نا حُسين بنِ عبد الرحمن الجَرْجرائي: أنا طَلق بن غنام:
نا يَعْقوب بن عبْد الله، عن جعْفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير، عن
__________
(1) في الأصل: " هبة " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3529) .
(3) في الأصل:! شيبة النمري " خطاب. (4) المصدر السابق (26/5499) . (5) المصدر السابق (2/ 379) . "(5/205)
ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطيلُ القراءةَ في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرقَ أهلُ المَسْجد (1) .
ش- يعقوب بن عبد الله: ابن سَعْد القُمِّيُّ، أبو الحسن الأشعري، وهو ابن عم أشعث بن إسحاق الأشعري. سمع: جعفر بن أبي المغيرة الخُزاعيَ، وليث بن أبي سُليم، وحفص بن حُميد القُمَيَّ، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن موسى، وإسماعيل بن أبان الوراق، وأحمد بن يونس، وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) . والقُمي: نسبة إلى قم- بضم القاف وتشديد الميم- وهي بلدة كبيرة
بين أصبهان وساوَه، وكثر أهلها شِيعةٌ.
وجعفر بن أبي المغيرة: الخزاعي القُمّي. روى عن: سعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس. روى عنه: مطرف بن طريف، وأشعث بن إسحاق القُمي، ويعقوب بن عبد الله القُمي. روى له: أبو داود، والترمذي (3) . ويفهم من الحديث: أن إقامة سُنَة المغرب لا تكره في المسجد , ولكن في إسناده: يَعْقوب القُمي. قال الدارقطني: ليْس بالقوي، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء.
ص- قال أبو داود: رواه نصر للجدر ُ، عن يعقوب القومي، وأسنده مثله. ش- أي: روى الحديث المذكور: نصر المجدر، عن يعقوب بن عبد الله القمي، و" أسنده مثله " أي: أسند الحديث مثل الإسناد المذكور. ونَصْر: ابن زيد المجدر، أبو الحسن البغدادي مولى بني هاشم. روى عن: شريك بن عبد الله، ومالك بن أنس، ويعقوب القمي. روى عنه: محمد بن الصباح، ومحمد بن عيسى بن الصباح. قال ابن معين: لا بأس به. روى له: أبو داود (4) .
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب التفسير.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (93/7093) .
(3) المصدر السابق (5/ 958) . (4) المصدر السابق (29/ 6397) .(5/206)
ص- نا محمد بن عيسى بن الطباع: لا نصر المجدر، عن يعقوب مثله. ش- أي: مثل الإسناد المذكور , فرواه أبو داود أولا عن نَصْر المجدر مُعلقاًَ، ثم رواه مُسْنداً.
1272- ص- نا سليمان بن داود العَتكي، وأحمد بن يونس قالا: نا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن النبي- عليه السلام- بمعناه مُرْسلٌ (1) ، (2) .
ش- أشار بهذا إلى طريق آخر , ولكنه مُرسلٌ.
قوله: " مرسلٌ " مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف أي: هو مرسلٌ. وفي بعض النسخ: " مرسلا " بالنصب على أنه حال عن قوله: "بمعناه ". ص- قال أبو داود: سمعتُ محمد بن حُمَيد يقولُ: سمعت يَعقوب [يقول] :، كل شيء حدثتكم عن جَعْفر، عن سَعيد بن جبير، عن النبي عليه السلام- فهو مسند، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام-. ش- محمد بن حميد بن حيان: الرازي. روى عن: يحيى بن الضريس الرازي، وابن المبارك، ويَعقوب بن عبد الله القمي، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابنه: عبد الله، ويحيى بن معين، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال يحيى: ليس به بأس رازي كيس. مات سنة ثمان وأربعين ومائتين (3) .
وجَعْفر: هو ابن أبي المغيرة الذي مضى الآن ذكره.
* * *
292- بَابُ: الصَّلاةِ بَعْد العِشَاءِ
أي: هذا باب في بيان الصلاة بعد العشاء الآخرة.
1273- ص- نا محمد بن رافع: نا أبو الحُسين زيد بن الحباب العُكلي:
__________
(1) في سنن أبي داود: " مرسلاً "، وسيشير المصنف إلى أنها نسخة.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5167) .(5/207)
حدثني مالك بن مغْول: حدثني مُقاتل بن بَشير العجلي، عن شريح بن
هانئ، عن عائشة قال: سألتها عن صلاة رسول الله صِلى الله عليه وسلم فقالت: ما صلى رسول الله العِشاء قط فدخل علي إلا صلى أربعَ ركعات أو ست ركعات، ولقد مُطرنا مَرةَ بالليْل فطرحنا له نطعاً فكأني أنظرُ إلى ثقْب فيه يَنبعُ الماء منهَ، وما رأيتُهَ متقياً الأرض بشيء من ثَيابه قط (1) .
ش- مالك بن مغول. ابن عاصم بن مالك بن غَرْبَةَ بن حدثه بن
خَدِيج، أبو عبد الله البجلي الكوفي. سمع: نافعاً، مولى ابن عمر،
[2/137-أ] / والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، ومقاتل بن بشير، وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع، وزائدة، وابن المبارك، وزيد بن الحباب، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: مالك بن مغول رجل صالح مبرز في الفضل، مات سنة سبع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (2) ، ومغول: بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة.
ومقاتل بن بشير العجلي الكوفي. روى عن: شريح بن هانئ،
وموسى بن أبي موسى. روى عنه: مالك بن مغول. روى له:
أبو داود (3) .
قوله: " نِطَعاً "، بكسر النون، وفتح الطاء: وهذه لغة، وفيها ثلاث
لغات أخرى: نَطع: بفتح النون، وسكون الطاء. ونَطَع- بفتحتين-
ونِطعْ بكسر النون، وسكون الطاء.
قوله: " ينبع " أي: يخرج من نبع ينبع نبوعاً
ويستفاد من الحديث فوائد , الأولى: استحباب أربع ركعات أو ست
ركعات بعد العشاء الآخرة.
والثانية: استحباب صلاتها في البيت.
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب الصلاة.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5753) . (3) المصدر السابق (28/ 6159) .(5/208)
الثالثة: إذا وَصَل ثوب المصلي إلى الأرض التي عليها المطر أو الماء،
لا يضره ذلك.
ُ* * *
293- باب (1) : نسخ قيام الليل
أي: هذا باب في بيان نسخ حكم قيام الليل.
1274- ص- نا أحمد بن محمد المروزي ابن شبويه، حدَّثني عليّ بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: في المزمل: " قُم الليْلِ إِلا قَليلاً* نصْفَه " نَسَخَتْهَا الآيةُ التي فيها (عَلمَ أن لن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمَْ فَاقْرَءُواَ مَا تَيَسَرَ مِنَ القُرآن "، و" ناشئة اللَيل " أوله، كانت (2) صلاتُهُم لأول الليل. يَقولُ هو أَجْدَرُ أن تُحْصُوا ما فَرَضَ اللهُ عليكم من قيام (3) ذلك، إَلا أَن الإِنسانَ إِذَا نَامَ لم يَدْرِ متى يَسْتَيْقظُ، وقولُه: " أقْوَمُ قيلاً " هو أجدَرُ أَن يَفقَهَ في القُرآنِ، وقولُه: " أن لَكً في النهَارِ سَبْحاً طَوِيلا " يقولُ: فَرَاغاً طَوِيلاً (4) .
ش- علي بن حسين بن واقد القرشي مولاهم أبو الحسن المروزي، وكان واقد مولى عبد الله بن عامر بن كريز. سمع: أباه، وعبد الله بن عمر العُمري، وسليمان مولى الشعبي. روى عنه: أحمد بن شبويه، ومحمود بن غيلان، ومحمد بن رافع، وغيرهم. قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. مات سنة إحدى عشر ومائتين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
وأبوه: حسين بن واقد المروزي قاضي مرو ذكر مرةً.
__________
(1) في سنن أبي داود: " أبواب قيام الليل، باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه" (2) في سنن أبي داود: " وكانت ".
(3) في سنن أبي داود: " من قيام الليل، وذلك أن الإنسان ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 4052) . 14* شرح سنن أبى داوود 5(5/209)
ويزيد بن أبي سعيد النحوي أبو الحسن القرشي مولاهم. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وعبد الله بن بريدة (1) ، ومجاهد. روى عنه: الحسين بن واقد، وأبو حمزة السكري، وعبد الله بن سعد الدَشتكي. قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال عبد الله بن أبي داود: هو من بطن من الأزد يقال لهم بنو النحو، ليسوا من نحو العربية، ولم يرو منهم الحديث إلا رجلان: أحدهما يزيد هذا، وسائر من يقال له النحوي من نحو العربية: شيبان النحوي، وهارون بن موسى النحوي، وأبو زيد النحوي.
قوله: " في المزملِ " أي: في " سورة المزمل "، وهي مكية إلا آيتين:
" وَاصْبرْ عَلَى مَا يقُولُون وَأهْجُرْهُمْ هَجْرا جَميلا " وما بعده، وهي عشرون آَية، ومائتان وخمس وثلاثون كلمةً، وَثمانمائة وثلاثون حرفاً. المزمل أصله: المتزمل، أي: المتحمل النبوة، ويقال: المتحمل القرآن. وقال قتادة: المتلفف بثيابه، وكان- عليه السلام- في بدء الأمر يدخل ويقول لخديجة- رضوان الله عليها-: " زملوني زملوني " من ثقل أعباء النبوة.
قوله: " قُم الليل " أي: قم إلى الصلاة، أو داوم عليها، وقرئ بضم الميم وفتحها للاتباع أو التخفيف.
قوله: " إلا قليلا * نصفه " الاستثناء في " الليل "و " نصفه "، بدل من " قليلاً، وقلته بالنسبة إلى الكل، ويقال إلا قليلاً من أعداد الليالي، وقيل: شيئاً من كل ليلة. وقال وهب: ما دون المعشار. وقال الكلبي: الثلث. وقال الزجاج: تقديره: قم نصف الليل إلا شيئاً استثناء تخفيف، لتشدد الحرج في تعذر الضبط.
قوله: " أو أنقص منه " أي: من النصف قليلاً أو زد إلى الثلثين
__________
(1) في الأصل: " يزيد " خطأ. (2) المصدر السابق (32/ 6994) .(5/210)
" عليه " أي: على النصف. والحاصل: أن الأمر بالقيام وقع على
الثلثين، والثلث وقت العتمة، فكان نصف وقت القيام قليلاً / من الكل؛ [2/137-ب] لأنه ثلثه، وهو مع وقت العتمة الثلثان، والتخيير في الزيادة، والنقصان
وقع على الثلثين، وكان الرجل يقوم إلى الصبح مخافة أن لا يحفظه وكان
على رسول الله- عليه السلام- فرضاً خاصة، وقيل: على الأمة أيضاً
بمكة، فنسخ عنهم بعد سنة بالصلوات الخمس. وقال ابن عباس: إلا
التطوع. وقيل: مكث- عليه السلام- مع طائفة عشر سنين، فخفف
بقوله عَزَّ وجَل: " أنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنكَ تَقُومُ ... " منه من النصف قليلاً إلى
الثلث.
قوله: " علم أن لن تحصوه " أي: لن تحصوا تقدير الأوقات، ولن
تستطيعوا ضبط الساعات. وقال الضحاك: لن تحصوا تقدير نصفه وثلثه.
قوله: " فتاب عليكم " أي: خفف عنكم وعفى، ويقال: تاب عليكم
بالترخيص في ترك القيام.
قوله: " فاقرءوا ما تيسر من القرآن " يعني: فصلوا ما تيسر عليكم من
صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقرآن " كما عبر عنها بسائر أركانها، ولما
كان التهجد المذكور واجباً عليهم على التخيير المذكور، فعسر عليهم القيام
به، فنسخ به، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس. ويقال: اقرءُوا القرآن
في الصلاة، والأمر للوجوب. وقيل: في غيرها، والأمر للندب.
قوله: " وناشئة " الأول أوله، أي: أول ساعاته من نشأت إذا ابتدأت.
قال ابن قتيبة: ناشئة الليل ساعاته , لأنها تنشأ ساعة فساعة. وقال
ابن مسعود: ناشئة الليل قيامه، ونشأ قام بلغة الحبشة، وكان زيد
العابدين يصلي بين العشاءين ويقول: هذه ناشئة الليل.
قوله: " وأقوم قيلا " يعني: أبلغ في الخبر، وأمنع في العد. وقال
مجاهد: أصوب للقراءة، وأثبت للقلب، لسكون الأصوات، وقلة
الرياء. وقرأ الأعمش: أصوب. ويُقَال: أعجل إجابةً للدعاء.
قوله: " سبحاً طويلاً " فراغاً للنوم، وسعة للإشغال. وقال السدي:(5/211)
دعاءً كثيراً. وقال ابن زيد: تقلب للشغل، وأصله: الذهاب ومنه السباحة. وقيل: من السبحة، وهي النافلة. وقرأ يحيى بن يعمر - بالخاء المعجمة- والسبخ: النوم والفراغ، أراد به القائلة، ويقال: سبحاًَ طويلاً، أي: سكوناً طويلاً، ومنه: الحديث: " الحمى من فيح جهنم فسبحوها بالماء " أي: سكنوها بالماء.
1275- ص- نا أحمد بن محمد، نا وكيع، عن مسعر، عن سماك الحنفي، عن ابن عباس قال: لما نَزَلَتْ أولُ المزملِ كانُوا يَقُومُون نَحْواً من قيامهمْ في شَهر رَمَضَانَ، حتى نزل آخرُهَا، وكانَ بَين أَولهَا وآخِرِهَا سًنَهَ (اَ) .ً
ش- أحمد بن محمد بن موسى المروزي، ومسعر بن كدام، وسماك ابن الوليد الحنفي أبو زميل.
قوله: " حتى نزل آخرها " أي: آخر المزمل، وهو من قوله: " عَلمَ أن لَن تُحْصُوه " إلى آخره، وقد بيناه الآن. وقد صح عن عائشَة - رضي الله عنها- أنها قالت: فأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء (3) .
* * *
294- بَاب: قيام الليل
أي: هذا باب في بيان قيام الليل.
1276- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلي الله عليه وسلم " قال: " يَعْقدُ الشيطَان عَلى قَافيَة رَأس أحَدكُم إذا هو نَامَ ثَلاثَ عُقَد، يَضرِبُ مَكَاًن كُلَّ عُقْدَة عَلَيكَ ليَل طَوِيَل فَارْقُدْ، وَإِنِ اسْتَيقظَ فَذَكَرَ اللهَ أنْحَلَتْ عُقْدة، وَإِنِ تَوَضأ أنحلتْ عُقْدَة،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قطعة من حديث طويل يأتي برقم (1312) .(5/212)
فإن صلى أنْحَلَتْ عُقْدَة، فَأصْبَحَ نَشيطاً طيبَ النفسِ، وإِلا أصبحَ خَبيثَ النَفَسِ كَسْلانَ " (1) .
ش- مالك بن أنس، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، وعبد الرحمن الأعرج.
قوله: " يعقد الشيطان " قيل: هو مَثلٌ واستعارة من عقد بني آدم، وليس المراد بذلك العقد نفسه، وقيل: بل هو على ظاهره، فإن الشيطان يفعل من ذلك نحو ما يفعله السواحر من عقدها ونفثها. وقال بعضهم: هدْه العقد الثلاث هي الأكل والشرب والنوم , لأن من أكثر الأكل والشرب كثر نومه، واستبعده بعضهم لقوله: " إذا نام "، فجعلُ العُقدِ حينئذ. ويقال: هو من عقد القلب وتضميمه، فكأنه يوسوس في نفسه، ويحدثه بأن عليك ليلاً طويلاً، فتأخر عن القيام. وقيل: هو كناية / عن [2/138-أ] تثبيط الشيطان عن قيام الليل، والقافية آخر الرأس، وقافية كل شيء آخره، ومنه قافية الشعِر وآخر البيت.
قوله: " عليك ليل طويل " ارتفاع " ليل " على الابتداء، و" طويل " صفته، وخبره: " عليك " مقدماً َ، ويقال: ارتفعت على الفاعلية، والتقدير: بقي عليك ليل طويل. ورُوي " ليلا طويلاً "، وهكذا هو في " صحيح مسلم "، وهي الرواية الصحيحة المشهورة، وانتصابه على الإغراء بنومه.
قوله: " انحلت عقدة " هذه الآخرة رويت على الإفراد كاللفظتين قبله، ورويت على الجمع، والمعنى واحد؛ لأن بانحلال العقدة الأخيرة انحلت العقد، وقد وقع في حديث مسلم: " انحلت العقد ".
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد بالليل، باب: عقد الشيطان في قافية الرأس، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: ما روى فيمن نام أجمع حتى الصبح (774) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الترغيب في قيام الليل (1607، 1608) .(5/213)
قوله: " طيب النفس " يعني: لسروره مما تقدم، ورجائه في ثواب عمله، ونشاطه بزوال سحر الشيطان عنه، ورجوعه خاسئاً خائباً.
قوله: " خبيث النفس كسلان " بتأثير فعل الشيطان، وبلوغه غرضه منه، وهمه بما فاته من حزبه.
فإن قيل: قد ثبت في الحديث: " لا يقل أحدكم خبثت نفسي " فكيف وقد جاء في هذا الحديث: " خبيث النفس "؟ قلت: ذاك نهي للإنسان أن يقول هذه اللفظة عن نفسه، وهذا إخبار عن صفة غيره فلا مخالفة، وقد استفيد من هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى عند الاستيقاظ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة في " الصحيح "، ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر، لكن الأذكار المأثورة أفضل، والتحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قَلَّت , لأن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة - وهي الذكر، والوضوء، والصلاة- فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1277- ص- نا محمد بن بشار، نا أبو داود، نا شعبة، عن يزيد بن خمير قال: سمعت عبد الله بن أبي قيس يقول: قالت عائشة: لا تَدع قيامَ الليلِ" فإن رسولَ اللهِ كان لا يَدَعَهُ، وكان إِذَا مَرِضَ أو كَسِلَ صَلَّى قَاعِدا (1) .
ش- أبو داود الطيالسي، ويزيد بن خمير- بالخاء المعجمة- الشامي. وعبد الله بن أبي قيس، ويقال: ابن قيس، ويقال: عبد الله بن أبي موسى، والصحيح: عبد الله بن قيس النصري- بالنون- أبو الأسود الحمصي، مولى عطية بن عازب. سمع: عائشة زوج النبي- عليه السلام-، وعبد الله بن الزبير، وأبا ذر، وأبا الدرداء. روى عنه: محمد بن زياد الألهاني، ومعاوية بن صالح، ويزيد بن خمير، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال النسائي: ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3496) .(5/214)
قوله: " لا تدع " أي: لا تترك. ويستفاد من الحديث: استحباب صلاة الليل، وأنها تجوز قاعداً، سواء كان لأجل الضعف، أو لأجل الكسل , لأن باب النفل أوسع.
1278- ص- نا ابن بشار، نا يحيى، نا ابن عجلان، عن القَعقاع، عن أبى صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَحمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ من الليّلِ فَصَلّى، وأيقظَ امرأتَه، فإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجههَا المَاءَ، رَحِمَ الله امرأةً قَامَتْ من الليلِ فَصَلَّتْ، وَأيقظتْ زَوْجَهَا، فَإنْ أبَى نَضَحَتْ في وَجهِهِ الماءَ " (1) .
ش- ابن بشار محمد، ويحيى القطان، ومحمد بن عجلان، والقعقاع بن حكيم الكناني المدني، وأبو صالح ذكوان الزيات.
وفيه حث عظيم على قيام الليل، حتى إن من لم يقم اختيارا يقام بالإزعاج. وأخرجه النسائي، وابن ماجه.
1279- ص- نا ابن كثير، أنا سفيان، [عن مسعري] ، عن علي بن الأقمر ح، ونا محمد بن حاتم بن بزيع، نا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن علي بن الأقمر- المعنى- عن الأغر، عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا أيقظَ الرجلُ أهلَهُ من الليلِ فَصَليا، أو صَلَّى ركعتين جميعا ً، كُتِبَا في الذاكِرِينَ والذاكِرَاتِ " (2) . ش- محمد بن كثير، وسفيان الثوري، وعبيد الله بن موسى بن باذام العبسي، وشعبان بن عبد الرحمن النحوي، والأغر أبو مسلم المدني، واسمه: سلمان (3) .
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل والتطوع بالنهار، باب: الترغيب في قيام الليل (1609) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن أيقظ أهله
من الليل (1336) .
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء فيمن أيقظ أهله من الليل (1336) .
(3) جاء في تهذيب الكمال (3/318) ترجمة الأغر: " وزعم قوم أنه أبو عبد الله=(5/215)
قوله: " كتبا في الذاكرين " أي: من جملة الذاكرين، أو في ديوان الذاكرين. [2/138-ب] / ص- ولم يرفعه ابن كثير، ولا ذكر أبا هريرة، جعله في (1) كلام أبي سعيد.
ش- أي: لم يرفع الحديث المذكور محمد بن كثير، ولا ذكر فيه
أبا هريرة، وإنما جعله في كلام أبي سعيد، فجعله موقوفاً عليه.
ص- قال أبو داود: رواه ابن مهدي، عن سفيان قال: وأرَاهُ ذكر
أبا هريرة.
ش- أي: رواه عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، قال:
وأظنه ذكر أبا هريرة في روايته.
ص- قال أبو داود: حديث سفيان موقوف.
ش- روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا وكيع، عن سفيان، عن عليّ
ابن الأقمر، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: " إذا
أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ". وأخرجه: النسائي، وابن ماجه مسنداً.
1280- ص- (2) نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة زوج النبي- عليه السلام، أن النبيَّ- عليه السلام- قال: " إذا
نَعَسَ أحدُكُم في الصلاةِ فَليرقُدْ حتى يَذْهَبَ عنه النومُ، فإن أحَدَكُم إِذا
صلى وهو نَاعِس لعله يذهب يَسْتَغفِرُ، فَيَسُبُّ نَفْسَهُ " (3) .
__________
= سلمان الأغر، الذي يروي عنه الزهري وأهل المدينة، وذلك وهم ممن قاله، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله " 10هـ يعني: في ترجمة سلمان.
(1) كلمة " في " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: " باب النعاس في الصلاة ".
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الوضوء من النوم (212) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: أمر من نعس في صلاته بأن يرقد=(5/216)
ش- " نَعَس " بفتح العين.
قوله: " يستغفر" بمعنى يدعو هاهنا، قاله القاضي. وفيه حث على الإقبال على الصلاة بخشوع، وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، وهذا عام في صلاة الفرض والنفل، في الليل والنهار، وهذا مذهب الجمهور، لكن لا يخرج فريضة عن وقتها. قال القاضي: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل؛ لأنها محل النوم غالباً. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1281- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قَامَ أحدُكُم من الليلِ فاسْتَعْجمَ القُرآنُ على لِسَانِهِ، فلم يَدْرِ مَا يَقولُ فَليَضطَجِعْ " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وهمام بن منبه الصنعاني أخو وهب بن منبه.
قوله: " فاستعجم القرآن " أي: استغلق ولم ينطق به لسانه، لغلبة النعاس فصار كأن به عجمة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي.
1282- ص-[نا] ، زياد بن أيوب وهارون بن عباد الأزدي، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: حدثنا عبد العزيز، عن أنس قال: دَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ وَحَبل مَمْدُودُ بين سَاريتينِ (2) ، فقالَ: " مَا هَذَا الحَبْلُ؟ " فقيل: يا رَسولَ اللهِ، هذه حَمْنَةُ بنت جَحشٍ تُصَلي، فإذا أعْيَتْ
__________
= (2226/786) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة عند النعاس (355) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: النعاس، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في المصلى إذا نعس (1370) .
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: أمر من نعس في صلاته ... بأن يرقد (787/ 223) (تحفة/10/ 14721) .
(2) في الأصل: " سارتين ".(5/217)
تَعَلَقَتْ به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتُصَلِّي ما أطَاقَتْ، فإذا أعْيَتْ فَلتَجْلِسْ " قال زيا: فقال: " ما هَذَا؟ " قالوَا: لزَينبَ تُصَلِّي، فإذا كَسلَتْ أوْ فَتَرتْ أَمْسَكَتْ به، فقال: " حُلُوه! " فقال: َ " ليصلي أحَدُكُم نَشَاطًه، فإذا كَسلَ أَو فَتَرَ فَليَقْعُدْ " (1) .
ش- زياد بن أيوب بن زياد أبو هاشم الطوسي، يعرف ب " دَلُويه "، وإسماعيل ابن علية، وعبد العزيز بن صهيب البناني، وحَمنة- بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم، وفتح النون، وفي آخره تاء تأنيث- هي بنت جحش، أخت زينب بنت جحش، زوج رسول الله- عليه السلام- وقد ذكرناها.
قوله: " قال زياد " أي: قال زياد بن أيوب في روايته: " فقال عليه السلام: ما هذا " إلى آخره.
قوله: " فإذا كَسِلَت " بكسر السين.
قوله: " ليصلي أحدكم نشاطه " أي: قدر نشاطه فيكون انتصابه بنزع الخافض.
ويستفاد من الحديث: الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور، وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه، وفيه جواز تنفل النساء في المسجد، فإنها كانت تصلي فيه، فلم ينكر عليها، وفيه دليل على أن صلاة جميع الليل مكروهة، وهو مذهب الجمهور، وعن جماعة من
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما يكره من التشديد في العبادة (1150) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك (219/784) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الاختلاف على عائشة في إحياء الليل (1643) .(5/218)
السلف أنه لا بأس به، وهو رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
* * *
295- باب: من نام عن حزبه
أي: هذا باب في بيان حكم من نام عن حزبه، والحزب: ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة، كالورد، والحِزبُ: النوبة/ في [2/139-أ] ورود الماء.
1283- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا أبو صفوان عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان ح، ونا سليمان بن داود ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب- المعنى- عن يونس، عن ابن شهاب، أن السائِب بن يزيد وعبيد الله أخبراه، أن عبد الرحمن بن عبد قالا (1) عن ابن وهب ابن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطابً- رضي الله عنه- يقول: قال رسوَل الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَن حزبه أو عن شَيء منه فَقَرَأهُ مَا بين صَلاة الفَجرِ وصَلاةِ الظهرِ، كُتِبَ له كأنما قَرَأه مَن الليلِ! (2) .
ش- عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو صفوان الأموي. سمع: يونس بن يزيد الأيلي، وموسى بن يسار. صاحب مكحول، ومالك بن أنس، وأباه سعيداً. روى عنه: الإمام الشافعي، وأحمد، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال"
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه (142/747) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر فيمن فاته حزبه من الليل فقضاه بالنهار (581) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: متى يقضي
من نام عن حزبه من الليل (1789) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
ما جاء فيمن نام عن حزبه من الليل (1343) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 6.ِ 33) .(5/219)
وسليمان بن داود الزهراني العتكي، وابن وهب عبد الله، ويونس بن يزيد، وابن شهاب محمد الزهري، والسائب بن يزيد بن سعيد الليثي الصحابي. ومن لطائف هذا الإسناد: أن هذا صحابي قد روى عن تابعي، وهو عبد الرحمن بن عبد، ويدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر. وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الفقيه الأعمى.
وعبد الرحمن بن عبد القاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة، قبيلة مشهورة. وقال الزبير بن بكار: عَضَل والقارة ابنا رثيع (1) بن الهون بن خزيمة بن مدركة. قيل: إن له صحبة، وسمع من عمر بن الخطاب، وزيد بن سهل، وأبي أيوب الأنصاريين، وأبي هريرة. روى عنه: عروة ابن الزبير، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، ويحيى بن جعدة. قال ابن معين: ثقة. توفي بالمدينة سنة ثمانين. روى له الجماعة (2) . قوله: " قالا عن ابن وهب " أي: قال سليمان بن داود ومحمد بن سلمة: عن عبد الله، بن وهب، أنه قال: عبد الرحمن بن عبد القاري. قوله: " قال: سمعت " أي: قال عبد الرحمن بن عبد: سمعت عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه-.
قوله: " أو عن شيء منه " أي , من حزبه، وقد فسرنا الحزب الآن. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم، وزعم أنه معلل بأن جماعة رووه هكذا مرفوعاً وجماعة رووه موقوفاً. قال الشيخ محيي الدين: وهذا التعليل فاسد، والحديث صحيح، وإسناده صحيح , لأن الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين، أنه إذا رُوي الحديث مرفوعاً وموقوفاً، أو موصولا ومرسلا حكم بالوصل والرفع , لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد.
__________
(1) كذا، وفي تهذيب الكمال: " يَيثع "، وفيه أيضاً: " أيثع ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3891) .(5/220)
296- باب: من نوى القيام فنام
أي: هذا باب في بيان حكم من نوى قيام الليل فنام.
1284- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن محمد بن المنحدر، عن سعيد ابن جبير، عن رجل عنده رِضى، أن عائشة- رضي الله عنها- زوجَ النبي! عليه السلام- أخبرته، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " ما من امرئ تَكُونُ له صَلاة بلَيْلٍ فَغَلَبَهُ (1) عليها نوم إلا كُتِبَ له أجْرُ صَلاتِهِ، وكان نَوْمُه عليه صَدَقَة" (2) .
ش- الرجل الرضى هو الأسود بن يزيد النخعي، قاله أبو عبد الرحمن النسائي، والرضى بكسر الراء بمعنى: المرضي. والحديث أخرجه: النساْئي.
* * *
297- باب: أي الليل أفضل؟
أي: هذا باب في بيان أن أي أجزاء الليل أفضل للعبادة؟
1285- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: " يَنزلُ ربنا عَز وجَل كُل ليلة إلى سَماء الدنيا حين يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخِرِ، فيقوَل: مَنْ يَدْعُوني فأسْتَجًيبَ له، مَن يَسْألُنِي فأعطيه، من يَستغفِرُني فأغْفِرَ له " (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " يغلبه ".
(2) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم (3/257) .
(3) البخاري: كتاب التهجد، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل (1145) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (168/758) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: حدثنا الأنصاري، حدثنا معن (3498) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
ما جاء في أي ساعات الليل أفضل (1366) .(5/221)
ش- أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومالك في (الموطأ) ، هكذا أخرجه مسلم: " حين يبقى ثلث الليل الآخر "، وفي رواية له: " أن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ / هل من تائب؟ هل من سائل 3 هل من داع حتى ينفجر الفجر "، وفي أخرى له: " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى، هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، حتى ينفجر الصبح "، وفي أخرى له: " حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا (1) الذي يدعوني الحديث إلى آخره: " حتى يضيء الفجر "، وفي أخرى له نحوه، وفي آخره: " ثم يقول (2) : من يُقرض غير عديم ولا ظلوم "، وفي أخرى نحوه وفيه:" يبسط يديه تبارك وتعالى يُعطي ويُعرض " (3) الحديث. اعلم أن النزول والصعود، والحركة والسكون من صفات الأجسام، والله تعالى منزه عن ذلك. فقيل: معناه: ينتقل كل ليلة من صفات الجلال إلى صفات الرحمة والكمال، وقيل: المراد به نزول الرحمة والألطاف الإلهية، وقربها من العباد، أو نزول مَلك من خواص ملائكته فينقل حكاية الرب. قيل: هذا من المتشابهات (4) .
وهذا الحديث روي من طرق صحاح بألفاظ متقاربة ومعنى واحد، وأخرجه البخاري في ثلاث مواضع من " صحيحه " بلفظ: وحين يبقى ثلث الليل الآخر "، وذكر الترمذي: أن أصح الروايات: " حين يبقى
__________
(1) في الأصل: " ذي "، وما أثبتناه من صحيح مسلم.
(2) في الأصل: " يعرض "، وما أثبتناه من صحيح مسلم.
(3) لم أجد قوله: " يعطي ويُعرض " في صحيح مسلم، فالله أعلم.
(4) بل نزول الله نزولا حقيقيا يليق به سبحانه، لا تمثيل فيه ولا تعطيل، ولا تشبيه: " ليس كمثله شي وهو السميع البصير "، اعتقاد أهل السنة والجماعة، وانظر شرح حديث النزول لشيخ الإسلام ابن تيميه.(5/222)
ثلث الليل الآخر"، وصحح ذلك غيره أيضاً، وقال: كذا قال شيوخ أهل الحديث، وهو الذي تتظاهر الأخبار بمعناه ولفظه، وقد يحتمل الجمع بأن الحديثين أن يكون النزول الذي أراده النبي- عليه السلام- وعناه - والله أعلم- بحقيقته عند مضي الثلث الأول، والقول:" من يدعوني " إلى آخره في الثلث الأخير، وأحسن الألفاظ في هذا الحديث وأبعدها من سوء التأويل، ما أخرجه النسائي في " سننه " من حديث الأغر أبي مسلم قال: سمعت أبا هريرة وأبا سعيد الخدري يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديا ينادي ويقول: هل من دل يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطى" فإن قيل: ما وجه اختصاص نزول أمر الله تعالى إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟ قلت: لأنه وقت هدوء الأصوات، وانقطاع الحركات، واشتغال كثر الخلق بالنوم، والغفلة في هذا الوقت، وأنه وقت انتشار الأنوار ووقت نشور الخلائق من الموت، الذي هو النوم، فيكون وقتاً شريفاً، وكان أقرب إلى الإجابة والإعطاء والمغفرة، وان كان الله تعالى يستجيب دعوة الداعين، ويعطي سؤال السائلين، ويغفر ذنوب المستغفرين في جميع الأوقات، وأيضاً هذا حث عظيم على قيام الليل في آخره بعد كسر النوم، وبعد الفراغ عن الأشغال لأن أود الليل وقت الشغل والنوم.
***
298- باب: وقت قيام النبي- عليه السلام- من الليل
أي: هذا باب في بيان وقت [قيام] النبي صلى الله عليه وسلم من الليل.
1286- ص- نا حسين بن يزيد الكوفي، نا حفص، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: إِن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظُهُ اللهُ بالليلِ، فما يَجِئ السحَرُ حتى يَفْرغُ من جُزْئِهِ (1) " (2) .ً
__________
(1) في الأصل:" جزؤه " كذا، وفي سنن أبي داود: " حزبه "
(2) . تفرد به أبو داود.(5/223)
ش- الحسين بن يزيد بن يحيى الطحان ابو علي، وقيل: أبو عبد الله
الكوفي. روى عن: حفص بن غياث، وعبد السلام بن حرب،
وأبي خالد الأحمر. روى عنه: ابو زرعة، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. قال ابو حاتم: هو لين الحديث. مات سنة أربع وأربعين
ومائتين (1) .
قوله: " إن كان " أصله إنه كان.
قوله: " من جزئه " (2) : الجزء: النصيب والقطعة من الشيء،
وكذلك من نام عن جزئه، وقال بعضهم: إنما هو حزبه- بالحاء المهملة المكسورة- وقد ذكرنا أن الحزب من القرآن الورد، وقيل: عنى بحزبه
جماعة السور التي كان يقرأها في صلاته بالليل، وكل جماعة مؤتلفة أو
[2/ 140 - أ] متفرقة/ على شيء فهو حزب، ومنه الأحزاب، والحزب: النوبة في ورود الماء.
1287- ص- نا إبراهيم بن موسى، خبَرنا أبو الأحوص ح، ونا هناد،
عن أبي الأحوص - وهذا حديث إبراهيم- عن أشعث، عن أبيه، عن
مسروق قال (3) : سألت عائشةَ عَن صَلاة رسول الله- عليه السلام- فَقلتُ
لها: أي حِينٍ كان يُصَلي؟ قالت: كان إِذا سَمِعَ اَلصرَاخ قامَ فَصلى (4) .
ش- أبو الأحوص: سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وأشعث: ابن
أبي الشعثاء سليم بن أسود الكوفي.
قوله: " وهذا حديث إبراهيم عن أشعث " أي: حديث إبراهيم بن
موسى، عن أبي الأحول، عن أشعث
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1349) .
(2) في الأصل: " جزؤه " كذا، وفي سنن أبي داود: " حزبه"
(3) في الأصل: " قالت"
(4) البخاري: كتاب قيام الليل، باب: من نام عند السحر (1132) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (131/ 741) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: في قيام الليل (1617) .(5/224)
قوله: " إذا سمع الصراخ " أي: صياح الديك. وأخرجه: البخاري، ومسلم بنحوه أتم منه، وفيه: " إذا سمع الصارخ "، والصارخ: الديك سُمي بذلك لكثرة صياحه، ويفهم من هذا أن قيامه- عليه السلام- كان يكون في الثلث الأخير من الليل , لأن الديك ما يكثر الصياح إلا في ذلك الوقت، وإنما اختار هذا الوقت لأنه وقت نزول الرحمة، ووقت السكون وهدو الأصوات لما قلنا.
1288- ص- نا أبو تَوبة، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن
أبي سلمة، عن عائشة قالت: ما ألفَاهُ السَحَرَ عندي إلا نَائماً، تعني: النبي عليه السلام- (1) .
ش- أبو توبة: الربيع بن نافع، وإبراهيم بن سعد: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني.
قوله: " ما ألفاه السحر " يعني: ما أتى عليه السحر عندي إلا وهو نائم، من ألفيت الشيء- بالفاء- إذا وجدته، فعلى هذا كانت صلاته الليل، وفعله فيه إلى السحر. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
1289- ص- نا محمد بن عيسى، نا يحيى بن زكرياء، عن عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبد الله الدؤلي، عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة، عن حذيفة قال: كان النبيُّ- عليه السلام- إذا حَزَبَهُ أمْرٌ صَلَّى (2) .
ش- محمد بن عيسى: ابن الطباع، ويحيى بن زكرياء: ابن أبي زائدة.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: من نام عند السحر (1133) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم (132/ 742) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الضجعة
بعد الوتر وبعد ركعتي الفجر (1197) .
(2) تفرد به أبو داود.
15 هـ شرخ سنن أبي داوود 5(5/225)
ومحمد بن عبد الله الدؤلي. روى عن: عبد العزيز ابن أخي حذيفة، وعمر بن عبد العزيز. روى له: أبو داود (1) .
والدُؤلي- بضم الدال، وفتح الهمزة- نسبة إلى دُئِل بضم الدال وكسر الهمزة، ولكن بفتح الهمزة في النسبة، استثقالا للكسرة كما تقول في النسبة إلى نمر نمري، ويجوز تخفيف الهمزة فتقول الدُّولي، بقلب الهمزة واواً كما تقول في جؤن جُون.
وعبد العزيز ابن أخي حذيفة بن اليمان. وقال عبد الرحمن: أخو حذيفة. روى عن: حذيفة. روى عنه: محمد بن عبد الله الدؤلي، وحميد أبو عبد الله الفلسطيني. روى له: أبو داود (2)
وحذيفة بن اليمان الصحابي.
قوله: " إذا حزبه " بفتح الحاء المهملة، وبعدها زاي، وباء موحدة مفتوحة، أي: إذا نزل به مهم وألمّ به. ويستفاد من هذا: أن الرجل إذا نزل به أمر يهمه، يستحب له أن يصلي، وذكر بعضهم أن الحديث رُوي مرسلاً.
1290- ص- نا هشام بن عمار، نا الهقل بن زياد السكسكي، نا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عنِ أبي سلمة قال: سمعت ربيعة بن كعب الأسلمي يقول: كُنتُ أَبيتُ مع رسول الله- عليه السلام- آتيه بوَضُوئِهِ وبحاجَته، فقال: " سَلنِي! "، فقلتَُ: مُرًافَقَتَكَ في الجنة. قالَ: " أَوَ غَيْرَ ذَلك؟ َ " قلتُ: هو ذاك. قال: " فأعِني على نَفْسِكً بكَثرةِ السجودِ " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5368) .
(2) المصدر السابق (18/3484) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: فضل السجود والحث عليه (226 / 489) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: منه حدثنا إسحاق بن منصور (3416) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: فضل السجود (1137) ، و (1139) ،=(5/226)
ش- هشام بن عمار بن نُصَير أبو الوليد الدمشقي.
هقل بن زياد بن عبيد الله ابو عبد الله السكسكي الدمشقي، سكن
بيروت، كاتب الأوزاعي. سمع: الأوزاعي، والمثنى بن الصباح، ومعاوية
ابن يحيى، وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وخالد بن يحيى العمري، وعمرو بن هاشم، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، صدوق.
وقال أبو حاتم: صالح. مات ببيروت. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وربيعة بن كعب بن مالك الأسلمي أبو فراس، خدم النبي- عليه
السلام- كان من أهل الصفة، نزل بعد موت النبي- عليه السلام- على
يزيد في المدينة. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام- اثنا عشر
حديثاً، روى له مسلم حديثاً واحداً، أدرك زمن الحرة. روى عنه:
أبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عمرو بن عطاء. مات سنة ثلاث
وستين. روى له: أبو داود،/ والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) [2/ 140 - ب] " قوله: " بوَضوئه " بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " مرافقتك " أي: أسأل مرافقتك.
قوله: " أو غير ذلك " أي: أو تسأل غير ذلك؟
قوله: " قلت هو ذلك " يعني: سؤالي ذلك، يعني: ما ذكرت من
مرافقتك.
قوله: " قال: فأعني " أي: قال عليه السلام، فكأنه أشار بذلك إلى أن
كثرة الصلاة سبب لحصول ما سأله، يعني: إن أردت أن ترافقني في
الجنة، فكثر الصلاة، لتنال سؤلك. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفا منه، وليس لربيعة بن كعب
في كتبهم سوى هذا الحديث.
__________
= وكتاب قيام الليل، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (1617) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: ما يدعو به إذا انتبه من الليل (3879) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6597) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 506) ، وأسد الغابة (2/ 216) ، والإصابة (1/ 511) .(5/227)
1291- ص- نا أبو كامل، نا يزيد بن زريع، نا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنوبُهُمْ عَنِ المَضاجِعِ} إلى {ينفقُون} (1) قال: كانوا يَتَيَقَّظُونَ ما بين المغرب والعشاء يُصَلون. قال: وكانَ الحسنُ يقول: قيام الليلِ (2) .
ش- أبو كامل فضيل بن الحسن الجحدري، وسعيد بن أبي عروبة. قوله: " تَتَجَافَى " أي: ترتفع ومنه الجفا , لأنه يورث التباين، أي: يقطعهم انشغالهم بالله عَزَّ وجلّ، والدعاء له عن طيب المضجع، لما يأملون به. وقال ابن عطاء: أي: أبت جنوبهم أن تسكن على بساط الغفلة، فطلبت بساط القربة، يعني: في صلوات الليل. وقال قتادة: يعني: التنفل بين المغرب والعشاء، وهو معنى قول أنس: " كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون". وقد ورد في الحديث أنه صلاة الأوابين. قوله: " يَدْعُوِنَ رَبَّهُمْ " خوفا من سخطه، وطمعا في رضوانه: " وممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفقُون " يؤتون الزكاة. وقال قتادة: يؤتون الصدقات. وقال السدي: ينفَقون على أهله. ويقال: خوفا من عذابه، وطمعا في ثوابه. وقال: التستري: خوفا من هجرانه، وطمعا إلى لقائه. وينفقون من أموالهم في وجوه القربات.
قوله:" وكان الحسن " أي: الحسن البصري، كان يقول: المراد من قوله: " تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ ": قيام الليل.
1292- ص- نا محمد بن المثنى، نا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس في قوله: {كانُوا قَلِيلاً منَ الليْلِ مَا يَهْجَعُونَ} قال: كَانُوا يُصَلُونَ فيما بينهما: بين (3) المغربِ والعشاءِ (4) . ش- يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن أبي عدي، وسعيد بن أبي عروبة.
قوله: {كانُوا قَلِيلاً من اللَيْلِ مَا يَهْجَعُون} كلمة " ما "صلة،
__________
(1) كتبت الآية كاملة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود:" فيما بين ".
(4) تفرد به أبو داود.(5/228)
وقيل: مصدرية، أي: كانوا قليلاً هجوعهم على البدل. وقال محمد ابن علي: أي: لا ينامون عن العتمة، ويقال: صلاة ما بين العشاءين، وهو معنى قول أنس بن مالك: " كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء " وقال مطرف: قَل ليلة تأتي إلا يصلون فيها أولا وآخراً.
ص- زاد في حديث يحيى: وكذلك تتجافى جنوبهم.
ش- أي: زاد محمد بن المثنى في حديث يحيى بن سعيد: وكذلك تتجافى جنوبهم، أي: كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء.
***
299- باب: افتتاح صلاة الليل بركعتين
أي: هذا باب في بيان افتتاح صلاة الليل بركعتين.
1293- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع، نا سليمان- يعني-: ابن حيان- عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قَامَ أحدُكُم مِن الفَيلِ فليُصَلِّي ركعتين خَفِيفتَينِ " (1) . ش- الأمر فيه للاستحباب بإجماع العلماء. والحديث أخرجه مسلم.
1294- ص- نا مخلد بن خالد، نا إبراهيم- يعني: ابن خالد- عن رباح، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: " إذا " بمعناه، زَادَ: ثم ليطول بعدُ ما شاء (2) .
ش- إبراهيم بن خالد بن عبيد أبو محمد القرشي المؤذن بمسجد صنعاء، ورباح بن زيد القرشي، ومعمر بن راشد، وأيوب السختياني. قوله: " قال: إذا بمعناه " أي: قال: " إذا قام " إلى آخره بمعنى الحديث المذكور، وزاد فيه: " ثم ليطول بعد ما شاءت وهذه الرواية موقوفة. ص- قال أبو داود: رَوى هذا الحديثَ حمادُ بنُ سَلمةَ وزُهيرُ بنُ مُعاويةَ وجماعةٌ عن هشامٍ (3) أوقَفُوه على أبي هريرة، وكذلك رواه أيوبُ وابنُ عونٍ أوقفُوه على أدب هريرة.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل (198 / 768) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " عن هشام، عن محمد ".(5/229)
ش- هشام بن حسان، وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون البصري
[2/ 141 - أ] / وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا هشيم، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين قال: قال أبو هريرة: " إذا قام أحدكم من الليل فليفتح بركعتين خفيفتين ".
ص- ورواه ابن عون عن محمد قال: فيهما تَجَوَّزْ.
ش- أي: روى الحديث عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين قال
فيهما- أي في الركعتين-: تجوز، أي: تخفيف وإسراع.
1295- ص- نا ابن حنبل- يعني: أحمد- نا حجاج قال: قال ابن
جريج: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن
عمير، عن عبد الله بن حُبشي الخثعمي، أن النبيَ- عليه السلام- سُئِلَ: أيُ
الأعمالِ أفْضَلُ؟ قالَ: " طُولُ القيام " (1) .
ش- حجاج بن محمد الأعور، وعبد الملك بن جريج.
وعثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن
عبد مناف بن قصي القرشي المكي النوفلي. روى عن: ابن أبي مليكة،
وحمزة بن عبد الله، وأبي سلمة. روى عنه: إسماعيل بن أمية، وابن
جريج، وابن عيينة. قال أحمد وابن معين: هو ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وعلي بن عبد الله البارقي الأزدي، وعبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم
المكي.
[و] عبد الله بن حُبشي الخثعمي، سكن مكة ". روى عنه: محمد
ابن جبير بع مطعم، وعبيد بن عمير. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وحبشي: بضم الحاء المهملة، وسكون الباء الموحدة، وكسر الشين
المعجمة، وتشديد الياء آخر الحروف.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19 / 3819) .
(3) المصدر السابق (14/ 3220) .(5/230)
قوله: " أي الأعمال أفضل؟ قَال: طول القيام " قد مر فيما تقدم أن مثل هذا الجواب على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص، فإنه قد يقال خير الأشياء كذا، ولا يراد أنه خير جميع الأشياء من جميع الوجوه "، وفي جميع الأحوال والأشخاص بل في حال دون حال، أو يكون المراد من قوله" طول القيام" يعني: من أفضل الأعمال طول القيام، كما يقال: فلان أعقل الناس وأفضلهم، ويراد انه من أعقلهم ومن أفضلهم. ثم اختلف العلماء في النوافل أيها أفضل؟ طول القيام وإن قل الركوع، والسجود؟ أو الإكثار من الركوع والسجود؟ فقيل: طول القيام أفضل لهذا الحديث، ولما روى مسلم في "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصلاة , طول القنوت " والمراد به هاهنا القيام، وهو مذهب أبي حنيفة،،- الشافعي أيضاً. وقال صاحب " المحيط ": وطول القيام أفضل من طول الركوع والسجود، واستدل بالحديث المذكور، وقيل: الإكثار من الركوع والسجود أفضل، وإن خف , القيام، لقوله- عليه السلام- لربيعة بن كعب: " فأعني على نفسك بكثرة السجود " الحديث (1) وقد مر الكلام في هذا الباب مستوفى.
***
300- باب: صلاةُ الليل مثنى مثنى
أي: هذا باب في بيان صلاة الليل النافلة ركعتين ركعتين.
1296- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رجلاً سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صَلاة اللَّيْلِ؟ فقالَ رسولُ الله- عليه السلام-: " صَلاةُ الليلَ مَثْنى مَثْنَى، فإَذا خَشِيَ أحدُكُم الصبحَ صَلى رَكْعةً واحدةً، تُوتِرُ له مَا قَد صَلَّى " (2) .
__________
(1) تقدم قبل خمسة أحاديث.
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل مثنى مثنى (749/ 145) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: كيف الوتر بواحدة؟ (3/ 233) ، ابن "ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في صلاة الليل ركعتان (1320)(5/231)
ش- استدل به أبو يوسف ومحمد، والشافعي، ومالك، وأحمد أن صلاة الليل مثنى مثنى، وهو أن يسلم في كل ركعتين. وهذا الحديث ونحوه محمول على بيان الأفضل ولو صلى أربعا بتسليمة جاز.
قوله: " فإذا خشي أحدكم الصبح " أي: فوات صلاة الصبح " صلى ركعة واحدة " وبه استدل الشافعي أن التطوع بركعة واحدة جائز.
قوله: " توتر له ما قد صلى " أي: ما قد صلى من الركعة الواحدة "وتوتر " على صيغة المجهول، أسند إلى " ما "، والمعنى تصير له تلك الركعة الواحدة وترا. وبه استدل الشافعي على أن الإيتار بركعة واحدة جائز، وسنذكر مستندات أبي حنيفة في باب الوتر، والجواب عن هذا الحديث ما قاله الطحاوي: أن معناه صلى ركعةً في ثنتين قبلها، وتتفق بذلك الأخبار.
قلت: أشار بذلك إلى الأخبار التي وردت في أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة على ما سنذكرها إن شاء الله تعالى.
[2/ 114 - ب] والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي/ وابن ماجه.
***
301- باب: في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل
أي: هذا باب في بيان رفع الصوت بقراءة القرآن في صلاة الليل.
1297- ص- نا محمد بن جعفر الوَرَكاني، نا ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو ومولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانتْ قراءَةُ رسول الله- عليه السلام- على قَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الحُجْرة وهو فيه البَيْتِ (1)
ش- ابن أبي الزناد عبد الرحمن بن عبد الله بن أكوان المدني، وعمرو ابن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حاطب المدني.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/232)
قوله: " من في الحجرة " فاعل قوله " يسمعه " والواو في قوله " وهو " للحال. ويستفاد منه جواز رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل.
1298- ص- نا محمد بن بكار بن الرنان، نا عبد الله بن المبارك، عن عمران بن زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة، أنه قال: كانتْ قراءة النبيِّ- عليه السلام- بالليلِ يَرفعُ طَوْراً ويخفض طَوْراً (1) . ش- عمران بن زائدة بن نشيط. روى عن أبيه. روى عنه ابن المبارك، وعيسى بن يونس، ووكيع وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وأبوه زائدة بن نشيط. روى عن أبي خالد الوالبي. روى عنه ابنه عمران، وفطر. روى له: أبو داود، والترمذي (3) .
قوله: " يرفع طوراً " انتصاب " طور " َ، على المصدرية من غير لفظ فعله، يقال: فعل هذا طورًا وطورين وأطواراً، كما يقال فعل مرةً ومرتين ومرارًا. ومرات، ومعنى " يَرفع طورًا " يرفع صوته بالقراءة مرة، ويخفض مرة.
ص- قال أبو داود: أبو خالد الوالبي اسمه هرمز.
ش- الكوفي، ويقال هَرِمُ. سمع ابن عباس، وأبا هريرة، وجابر بن سمرة. وروى عن علي مرسلاً. وروى عنه المنصور بن المعتمر، والأعمش، وفطر بن خليفة. قال أبو حاتم: صالح الحديث. مات سنة مائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
والوالبي نسبة إلى والبة حي من بني أسد خزيمة.
1299- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، وعن ثابت البياني، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4490) .
(3) المصدر السابق (9/ 1951) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7337/33) .(5/233)
النبي - عليه السلام- ح ونا الحسن بن الصباح، نا يحيي بن إسحاق، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت البياني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، أن النبي- عليه السلام - خَرَجَ لَيلة فإذا هو بأبي بكرِ يصلي يَخْفض من صَوتِه , قال: ومَر بعُمرَ بنِ الخطاب وهو يُصَلِّي رَافعَا صَوْتَهُ. قال: فَلما اجْتمَعَا عندَ النبي- عليه السلام- قالَ: قال (1) النبي- عليه السلام-: " يا أبا بكْر مَرَرْتُ بك وأنْتَ تصلي تَخْفضُ صَوْتَكَ؟ " قال: قد أَسْمعتُ مَن نَاجَيْت يا رسولَ الله. قال: وقال لعمَرَ: " مَررتُ بك وأنتَ تُصَلي رَافعَا صَوْتَك؟ " قال: فقال يا رسولَ اللهِ: أوقِظُ الوَسْنَانَ وأطردُ الشيطانَ.
زاد الحسن في حديثه: فقال النبيُّ- عليه السلام-: " يا أَبا بَكْر! ارْفعْ من صوتِكَ شيئا "، وقال لعمرَ: " اخْفِضْ من صوتِكَ شيئاً " (2) .
ش- حماد بن سلمة.
ويحي بن إسحاق السَيْلَحيني أبو زكريا البلخي (3) . سمع الليث بن سعد، ويحي بن أيوب المصَرين، وحماد بن كلمة وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان القطان، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وغيرهم. قال أحمد: شيخ صالح ثقة. وقال ابن معين: هو صدوق. توفي ببغداد في سنة عشرين ومائتين. روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
والسيْلَحيني منسوب إلى سيلحين. قرية قدامة من سواد بغداد، وهي بفتح السين المهمَلة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها لام مفتوحة، وحاء مهملة مكسورة، وياء آخر الحروف ساكنة، ونون، ويقال لها أيضا سالحين، وينسب إليها سالحيني.
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قراءة الليل (447) . (3) كذا، وفي تهذيب الكمال " البجلي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6781) .(5/234)
وعبد الله بن رباح أبو خالد الأنصاري.
قوله: " مَن ناجيت " أي: مَن ناجيته، مِن ناجى يناجي مناجاة فهو مناج، والمناجي المخاطب للإنسان.
قوله: " أوقظ الوسنان " الوسن ثقل النوم، وقيل مبدؤه، وقيل: النعاس، وكذلك السنَةُ، والرجل وسنان والمرأة وسنى ووسنانة، قال ابن عرفة: السنَةُ النعاس، تبدأ في الرأس، فإذا دخل إلى القلب فهو نوم، وقال/ المفضل: السنَةُ ثقل في الرأس، والنعاس في العين، والنوم في (2/142-أ) القلب.
واختلف الناس أي المقامين أفضل؟ هل التناجي سراً مع المولى أم الجهر
لما فيه من تضاعف الأجر في تذكرة الغافل؟ وطرد العدو؟ وقال للصديق " ارفع من صوتك " حتى يقتدي بك من يسمعك، وهذا لخلوص نيته وسلامته عن الرياء، وتصديقه له في قوله: " أسمعت من ناجيت "، والسر لغيره أفضل، لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأسلم من الآفات. قوله: " زاد الحسن " أي الحسن بن الصباح، أخرجه مسنداً ومرسلاً من طريق ثابت البياني، وأخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت، عن عبد الله بن رباح مرسل.
1300- ص- نا أبو حَصين بن يحيى الرازي، نا أسباط بن محمد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلَمة، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- بهذه القصة لم يذكر: " فقال لأبي بكر. ارفعْ شيئاً " (1) ولا لعمر: (اخْفضْ شيئاً " زاد: " وقد سَمعْتُكَ يا بلالُ وأنتَ تَقرأ مِن هذه السورة ومن هذهَ السورة " قال: كَلام طيب يَجْمَعُهُ اللهُ بَعْضَه إلى بَعْض. فقالَ النبي عليه السلام - (كُلكُمْ قَد أصَابَ) (2) .
(1) في سنن أبي داود: " ارفع من صوتك شيئا ".
(2) تفرد به أبو داود.(5/235)
ش- أبو حَصِين - بفتح الحاء، وكسر الصاد- ابن يحيى بن سليمان (1) الرازي. روى عن أسباط بن محمد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن يمان، وعبد الرزاق وغيرهم. روى عنه أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وقال ابن أبي حاتم: هو صدوق ثقة، وسمعت أبي يقول لابن حصين: هل لك اسم؟ قال: اسمي وكنيتي واحد. فقلت: فأنا أسميك عبد الله. فتبسم. وسئل أبو حاتم عنه فقال: ثقة.
وأسباط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي، ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص.
قوله: " بهذه القصة " أي: القصة المذكورة.
قوله: " كلكم قد أصاب " أي: فيما فعل. ويستفاد منه جواز رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، وجواز خفضه بها أيضاً، وجواز القراءة من السور المختلفة.
1301- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن هشام بن عروة، أعن عروة، عن عائشة، أن رَجُلاً قَامَ من الليل فَقَرأ، فَرَفَعَ صَوْتَه بالقُرآن، فَلما أصْبحَ قال رسولُ الله: " يَرحَمُ اللهُ فُلانًا، كَأينْ (2) من "آية أَذكَرنِيَهَا الليلة كُنت قَد أسقطتها " (3) .
ش- " كأين " معناه معنى " كم " في الخبر والاستفهام عند البعض، ويوافقها في خمسة أمور: الإبهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير تارة وهو الغالب، نحو " وكَأيِّن مّن نبِيّ قاتل مَعَهُ رِبيونَ " (4) والاستفهام أحْرى وهو نادر، ويخالفها في خمسة أمور: أحدها أنها مركبة و " كم " بسيطة، والثاني أن مميزها مجرور ب "من " غالبًا، والثالث أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور، والرابع أنها لا تقع مجرورة خلافا للبعض، والخامس أن خبرها لا يقع مفردًا، وهو
__________
(1) في الأصل: " سلمان " خطأ.
(2) في سنن أبى داود: " كأي ". (3) تفرد به أبو داود.
(4) سورة آل عمران: (146) .(5/236)
اسم مركب من " كاف " التشبيه و " أي " المنونة، وفيها لغات كأي وكاء بوزن كاعِ، وكئ بوزن كَيْع، وكَاءْي بوزن كَعْي، وكإ بوزن كَع. ويستفاد من الحديث أن الاستماع للقراءة سُنَة. وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه، وفي رواية لمسلم " كان النبي- عليه السلام- يسمع قراءة رجل في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني أيةً كنت أْنِسيتُها ".
ويستفاد منه كراهة أن يقول نسيت آَية كذا، وهي كراهة تنزيه، لأنه يتضمن التساهل فيها، ولا يكره أن يقول أنسيتها. وفيه جواز النسيان عليه - عليه السلام- فيما قد بلَّغه إلى الأمة، وقد تقدم الكلام فيه في باب سجود السهو مستوفى.
ص- قال أبو داود: رواه هارون النحويُ، عن حماد بن سلمة في سورة آل عمران في الحروف " وكَأيّن من نَّبِي ".
ش- هارون بن موسى الأزدي العَتكي مولاهم أبو عبد الله، ويقال أبو موسى النحوي البصري الأعور، صاحب القراءة. روى عن: أبان بن تغلب وغيره. روى عنه: حماد بن زيد وغيره قال (1) أبو زرعة: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات " روى له الجماعة سوى ابن ماجه (2) . وأراد بالحروف القراءات، وأراد من لغات كأين اللغة المشهورة.
1302- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي كلمة، عن أبي سعيد قال: اعْتكَفَ رسولُ الله في المسْجِد، فَسمعهم يجهرون بالقراءَة فكَشَفَ السِّتْرَ وقال " ألا إِن كُلَكُمْ يُناجِي (3) ربهَ، فلا يُؤذيَنْ بَعْضُكُم بَعضًا، ولا يَرْفَعُ بَعْضُكُم عَلى بَعضٍ فِي القِراءَةِ " أو قال: " في الصلاةِ " (4) .
__________
(1) في الأصل: " قالت ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6530) .
(3) في سنن أبي داود: " مناج ". (4) تفرد به أبو داود.(5/237)
[2/142-ب] ، ش- عبد الرزاق/ بن همام، ومعمر بن راشد، وأبو سعيد الخدري. قوله: " ألا " للتنبيه.
قوله: " فلا يؤذين " بنون التأكيد الخفيفة. ويستفاد منه أن رفع الصوت
بالقراءة بحيث أنه يؤذي رفيقه مكروه، وأن التهدي والسكون أفضل، وأن
إقامة النفل في المسجد غير مكروهة. والحديث أخرجه: النسائي.
1303- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن عياش، عن بحير
ابن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عقبة بن
عامر الجهني قال: قال رسول الله- عليه السلام - ْ: " الجَاهِرُ بالقُرآنِ كالجاهِرِ بالصَدَقَةِ، والمُسِرُّ بالقرآنِ كالمُسِرِّ بالصدَقَةِ " (1) .
ش- إسماعيل بن عياش فيه مقال، ومنهم من يصحح حديثه عن
الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد.
وبحير- بفتح الباء الموحدة، وكسر الحاء المهملة، وسكون التاء آخر
الحروف، وفي آخره راء- ابن سعد السَّحوليُ. أبو خالد الحمصي.
سمع خالد بن معدان. روى عنه: ثور بن يزيد، وبقية بن الوليد،
ومعاوية بن صالح، وإسماعيل بن عياش وغيرهم. قال أبو حاتم:
صالح الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة. روى له: الترمذي،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والسَّحوليُّ نسبة إلى سَحول أخو الخبائْر، وهو بطن من ذي الكلاع،
وهو ابن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف.
وجه التشبيه بين الجاهر بالقراَن والجاهر بالصدقة، أن الجاهر بالصدقة
قلَّما يخلو عن الرياء، فلذلك كان الإخفاء فيها أفضل، فكذلك الإخفاء
__________
(1) الترمذي: كتاب فضائل القران، باب: (20) (2919) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: فضل السر والجهر (1663) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 642) .(5/238)
في القراءة أفضل. ووجه التشبيه بين المسر بالصدقة والمسر بالقراَن، أن المسر بالصدقة أسلم من الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، فكذلك المسر بالقراءة. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
***
302- باب: في صلاة الليل
أي: هذا باب في بيان أحكام صلاة الليل.
1304- ص- نا محمد بن المثنى، نا ابن أي عدي، عن حنظلة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت , (كان رسولُ الله - عليه السلام- يُصَلي من الليلِ عَشْرَ رَكَعات ويوتِرُ بسَجْدةَ، ويسْجُدُ سجدتي الفجرِ، فذلك ثلاثَ عشرةَ رَكعة " (1) .َ
ش- محمد بن أبي عدي، وحنظلة بن أبي سفيان المكي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " ويوتر بسجدة " أي: بركعة، وبه استدل الشافعي أن أقل الوتر ركعة، وأن الركعة الفَردةَ صلاة صحيحة. قال الشيخ محمي الدين (2) : " وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط، والأحاديث الصحيحة ترد عليه ".
قلنا: معناه يوتر بسجدة أي: بركعة وركعتين قبلها، فيصير وتره ثلاثا، ونفله ثمانيا، والركعتان للفجر فذلك ثلاث عشرة ركعة، والدليل على هذا ما رواه الطحاوي: ثنا أبو بشر الرقي، نا شجاع بن الوليد، عن
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: كيف صلاة النبي صلى الله عيه وسلم؟ (1140) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي كل في الليل وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صحيحة 128- (738) .
(2) شرح صحيح مسلم (6 بر 19) .(5/239)
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى (1) ، عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت: كان النبي- عليه السلام- لا يسلم في ركعتي الوتر.
نا ابن أبي داود، نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، عن سعيد فذكر بإسناده مثله. فأخبرت أن الوتر ثلاث لا تسليم بين شيء منهن، ثم قال الطحاوي: ثم قد رُوي عن عائشة بعد هذا أحاديث في الوتر إذا كشفت رجعت إلى معنى حديث سعيد هذا، فمن ذلك ما حدثنا صالح ابن عبد الرحمن، نا سعيد بن منصور، ثنا هشيم، أنا أبو حَرةَ، نا الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا قام من الليل افتتح صلاته ركعتين خفيفتين، ثم صلى ثمان ركعات، ثم أوتر. فأخْبرت هاهنا أنه كان يصلي ركعتين، ثم ثمانياً، ثم يوتر، فكان معنى " ثم يوتر " يحتمل يوتر بثلاث منهن ركعتان من الثمان وركعة بعدها، فيكون جميع ما صلى أحد عشر ركعة، فنظرنا فيما يحتمل من ذلك هل جاء شيء يدل علي شيء منه؟ فإذا إبراهيم بن مرزوق، ومحمد بن سليمان الباغندي قد حدثانا [2/ 143- أ] قالا: نا أبو الوليد، نا الحصين بن نافع العنبري، عن الحسن/ عن سعد بن هشام قال: دخلت على عائشة فقلت: حدثيني عن صلاة رسول الله- عليه السلام-. فقال: قالت: كان النبي- عليه السلام- يصلي بالليل ثمان ركعات، ويوتر بالتاسعة، فلما بدن صلى ست ركعات وأوتر بالتاسعة وصلى ركعتين وهو جالس، ففي هذا الحديث أنه كان يوتر بالتاسعة، فذلك محتمل أن يكون أوتر بالتاسعة مع اثنتين من الثمان التي قبلها، حتى يتفق هذا الحديث، وحديث زرارة ولا يتضادان.
ولنا دلائل أخر تدل على أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، وأن التطوع بركعة واحدة مكروه سنذكرها في " باب الوتر "، إن شاء الله تعالى. وحديث عائشة أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1305- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن
__________
(1) في الأصل: " زرارة بن أبي أوفى " خطأ.(5/240)
الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام -، أن رسول الله كان يصلي من الليل إحدى عَشْرةَ رَكْعةَ، يوتِرُ منها بَواحدِةٍ، فإِذا فَرغَ منهَا اضْطَجَعَ على شِقّه اَلأيْمَنِ (1) .
شَ- أي: بركعة واحدة مع ثنتين قبلها، فيكون نفله ثمانياً، ووتره ثلاثاً لما ذكرنا الآن، وفيه دليل على استحباب الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن.
قال الحكماء: وحكمته أنه لا يستغرق في النوم، لأن القلب في جهة اليسار فيقلق حينئذ، فلا يستغرق، وإذا نام على اليسار كان في دعة واستراحه فيستغرق. وأما الكلام في الاضطجاع قبل سُنَّة الفجر وبعدها، فقد مر مستوفى. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1306- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم، ونصر بن عاصم- وهذا لفظه - قالا: نا الوليد، نا الأوزاعي. وقال نصر: عن ابنِ أبي ذئب والأوزاعي: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالتْ: كان رسولِ اللهِ - عليه السلام- يصلي فيما بين أنْ يَفْرغُ من صَلاة العشَاء إلى أنْ يَنْصَدِعَ الفَجْرُ إحدى عَشْرةَ رَكْعةً، يُسَلمُ من كلِّ ثنتينِ، ويُوَتِرُ بَواحدَة، ويمكُثُ في سُجُوده قدرَ ما يَقرأ أحدُكُم خمسينَ آيةَ قبلَ أن يَرْفَعِ رأسَه، فإذا سَكَتَ المُؤَذّنُ بَالأولَى منِ صلاة الفجر قَامَ فَرَكَعَ رَكعتينِ خفِيفتينِ، ثمَ اضْطَجَعَ على شِقِّه الأيمنِ حتى يأتِيه المُؤَذنّ " (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عيه وسلم في الليل 00. (736/ 121) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عيه وسلم بالليل (440) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: كيف الوتر بواحدة؟ (3/ 234) ، وباب: كيف الوتر بإحدى عشرة ركعة (243/3) .
(2) البخاري: كتاب الوتر، باب: ما جاء في الوتر (994) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عيه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة (736) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: إيذان الأئمة بالصلاة (684) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلى بالليل؟ (1358) .(5/241)
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدحيم قاضي الأردن وفلسطين، ونصر بن عاصم الأنطاكي، والوليد بن مسلم، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن.
قوله: " إلى أن يَنصاع الفجر " أي: ينشق.
قوله: " وبوتر بواحدة " أي: بركعة واحدة وركعتين قبلها.
فإن قيل هذا صريح أنه أوتر بواحدة، ولئن سلمنا أنه أوتر بثلاث فكذلك هو صريح أنه بتسليمتين، لأن عائشة- رضي الله عنها- صرحت بقولها:، يسلم من كل ثنتين " فيكون هذا حجهٌ عليكم في أن الوتر ثلاث بتسليمة؟ قلنا: يحتمل أن يكون قولها " يسلم من كل ثنتين " يسلم بين كل ركعتين في الوتر وغيره، فثبت بذلك ما يذهب إليه أهل المدينة من التسليم بين الشفع والوتر، ويحتمل أن يكون كان يسلم بين كل ركعتين من ذلك غير الوتر، ليتفق ذلك وحديث سعد بن هشام الذي مضى ذكره، ولا يتضادان، مع أنه قد رُوي عن غيره في هذا خلاف ما رواه الزهري عنه، فمن ذلك ما رواه الطحاوي: [نا] يونس قال: نا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عيه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة، ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين " فهذا خلاف ما في حديث ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة.
قوله: " فإذا سكت المؤذن بالأولى " معناه: الفراغ من الأذان الأول، تريد انه لا يصلي مادام يؤذن، فإذا فرغ من الأذان وسكت، قام فصلى ركعتي الفجر، هذا هو المشهور. وسكت، بالتاء ثالث الحروف. ورواه سويد عن ابن المبارك: " سكب " بالباء الموحدة. قال بعضهم: سكب وسكت بمعنًى. وقال غيره: " سكب " تريد أذن، قال: والسكبُ الصبر، وأصله في الماء يصب، وقد يستعار ويستعمل في القول كقول القائل: أفرِغَ في أذني كلام لم أسمع مثله، والباء في قوله(5/242)
" بالأولى " بمعنى " عن " كقوله تعالى: {فاسْألْ بِه خَبِير} (1) أي: عنه ويجئ بمعنى " من " أيضًا كقوله تعالى: {عَيْنَا يَشرَبُ بهَا عبَادُ الله} (2) أي: يشرب منها، وفي بعض النسخ الصحيحة " فإذَا سَكب اَلأول " بالباء الموحدة، وبدون باء الجر في الأول، وبتذكيره، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم/ والنسائي، وابن ماجه بنحوه. [2/143- ب]
1307- ص- نا سليمان بن داود المَهْري، نا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، وعمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، أن ابن شهاب أخبرهم بإسناده ومعناه قال: وَيُوترُ بوَاحدة، ويسْجُدُ سَجدةَ قَدرَ ما يَقْرَأ أحَدُكُمِ خَمسينَ آيَة قَبلَ أن يَرْفَعَ رَأسَه، فإذًا سَكَتَ المُؤَذن من صَلاةِ الفجرِ، وتَبَين له الفَجْرُ. وساقَ معناه، وقال: بعضُهُم يَزيدُ على بعضٍ (3) .
ش- أي: بإسناد الحديث ومعناه، ويجوز أن يرجع الضمير الذي في " بإسناده " إلى ابن شهاب الزهري.
قوله: " وقال: بعضهم " أي قال سليمان بن داود، أو قال ابن وهب:
" بعضهم " أي: بعض هؤلاء المذكورين، وهم: ابن أبي ذئب، وعمرو ابن الحارث، ويونس بن يزيد.
1308- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا وهيب، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُصَلِّي من اللَيلِ ثلاثَ عَشْرةَ رَكعة، يُوترُ منها بخمس، لا يَجْلسُ في شيء من الخمسِ حتى يَجْلِسَ في الآخرة فيُسَلمُ (4) .ً
ش- استدل به الشافعي أن الإتيان بخمس ركعات جائز بتسليمة واحدة.
__________
(1) سورة الفرقان: (59) .
(2) سورة الإنسان: (6) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر (1164) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عيه وسلم ... (737) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بخمس (459) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: كيف الوتر بخمس؟ (3/ 240) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل؟ (359) .(5/243)
21/ 143 حب،
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " دلت الروايات على أن الوتر ليس مختصاً بركعة واحدة، ولا بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة، بل يجوز ذلك، وما بينه وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة، وهذا لبيان الجواز وإلا فالأفضل التسليم من كل ركعتين ".
قلنا: هذه الرواية تخالف ما رواه الزهري في قوله: " كان يصلي إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، ويسلم بين كل ركعتين " وأن ما روي عن عروة في هذا عن عائشة مضطرب. وروت العامة عنه وعن غيره عن عائشة بخلاف ذلك، فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده، وانفرد به. والحديث أخرجه الجماعة.
ص - قال أبو داود: رواه ابن نمير عن هشام نحوه.
ش- أي: روى الحديث المذكور عبد الله بن نمير الكوفي، عن هشام
ابن عروة نحوه.
1309- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يصلي بالليل ثَلاَثَ عَشْرَة رَكْعةً، ثم يُصَلِّي إِذا سَمِعَ الندَاءَ بالصبْح ركعتين خَفِيفَتينِ (2) .
ش- هذا طرف من الحديث الذي قبله.
قوله: " إذا سمع النداء " أي: الأذان.
1310- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم قالا: نا أبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عائشة، أن نبي الله- عليه السلام- كان يُصَلي من الليْلِ ثَلاثَ عَشْرةَ، كان يُصَلي ثَمانِ رَكَعَات، ويُوترُ بركْعَة ثم يصلي. قال مسلم: بعدَ الوِترِ ركعتين وهو قَاعد، فإذًا أرادَ أن يَرْكَع قامَ فَرَكَعَ، ويُصَلي بين أذانِ الفجرِ والإِقَامةِ رَكعتين (3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 20) .
(2) انظر: الحديث السابق.
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات=(5/244)
ش- أبان بن يزيد العطار، ويحيى بن أبي كثير الطائي، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " ويوتر بركعة " قال الطحاوي: يحتمل أن تكون الثمان ركعات التي أوتر بتاسعهن في هذا الحديث هو الثمان ركعات التي ذكر سعد بن هشام عن عائشة " أن رسول الله- عليه السلام- كان يصلي قبلهن أربع ركعات "، ليتفق هذا الحديث، وحديث سعد، ويكون هذا الحديث قد زاد على حديث سعد، وحديث عبد الله بن شقيق " تطوع رسول الله بعد الوتر "، ويحتمل أن تكون هذه التسع هي التسع التي ذكرها سعد بن هشام في حديثه، عن عائشة " أن رسول الله- عليه السلام- كان يصليها لما بدن " فيكون ذلك تسع ركعات مع الركعتين الخفيفتين التي كان يفتتح بهما صلاته، ثم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا بدلاً مما كان يصليه قبل أن يبدن قائمًا، وهو ركعتان، فقد عاد ذلك إلى ثلاث عشرة. وقال الشيخ محي الدين (1) : " هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي، واحمد فيما حكاه القاضي عنهما، فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا. قال احمد: لا أفعله ولا امنع من فعله. قال: وأنكره مالك " قلت: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما- عليه السلام- بعد الوتر جالسًا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالساً، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة، ولا يُغتر بقولها: " كان يصلي " فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون/ من الأصوليين، أن [2/ 144 - أ] " كان " لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض، يدل على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به، وإلا فلا يقتضيه بوضعها " انتهى. قلت: فيه نظر، لأن أهل اللغة والعربية ذكروا أن " كان " تدل على الثبات والاستمرار، وذلك عند فرقهم بين " كان "، و " صار "، وأن "صار" تدل على الحدوث والتجدد، واستشهدوا عليه بجواز القول:
__________
النبي صلى الله عيه وسلم 26 1- (738) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: إباحة الصلاة بين الوتر وبين ركعتي الفجر (3/ 251) ، وباب: وقت ركعتي الفجر (3/ 256) .
(1) شرح صحيح مسلم (21/6) .(5/245)
" كَانَ اللهُ غفُوراً رَّحيماً " وبعدم جوازها صار الله، فافهم. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
1311- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه أخبره، أنه سألَ عَائشةَ- رضي الله عنها- زَوْجَ النبيِّ- عليه السلام-: كَيفَ كَانتْ صَلاَةُ رسولِ الله في رَمَضَانَ؟ فقالتْ: مَا كان رَسُولُ اللهِ يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلا في غَيْرِه عَلى إحْدَى عَشْرةَ رَكعةً يُصَلِّي أربعًا فلا تَسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهِن، ثم يصلّي أَربعًا فلا تَسألْ عن حُسْنهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يُصَلي ثَلاثاً. قالتْ عائشةُ: فقلتُ: نا رسولَ الله أتَنَامُ قبل أَن تُوترَ؟ فقالَ: " يا عَائشةُ إن عيني تَنَامَان، ولا يَنَامُ قَلبي " (1) .َ
ش - معنى قوله: " فلا تسأل عن حسنهن " أنهن في غاية من كمال الحسن والطول، مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف. وفيه دليل للجمهور في أن تطويل القيام أفضل من تكثير الركوع والسجود، ودليل لأبي حنيفة أن التنفل بالليل أربع ركعات بتسليمة واحدة.
قوله: " إن عيني تنامان ولا ينام قلبي " هذا من خصائص الأنبياء- عليهمْ السلام- وقد تأوله بعضهم على أن ذلك كان غالب أمره، وقد ينام نادراً لحديث الوادي، فلم يعلم بفوات الصبح حتى طلعت الشمس، ومنهم من قال لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث، ومنهم من قال: نوم الوادي إنما نامت عيناه، فلم ير طلوع الشمس، وطلوعها إنما يدرك بالعين لا بالقلب، وقيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه. والصواب الأول. والحديث أخرجه الجماعة ما خلا ابن ماجه.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عيه وسلم بالليل في رمضان وغيره، مسلم: كتاب صلاة الليل، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عيه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة 126- (738) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عيه وسلم (439) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار (1795) .(5/246)
1312- ص- نا حفص بن عمر، نا همام، نا قتادة، عن زرارة بن أوفىِ (1) ، عن سعد بن هشام قال: طَلقْتُ امْرَأتِي، فأتَيْتُ المَدينةَ لأبِيعَ عَقَاراً كان لي بها، فأشْتَرِي به السلاح، وأغزو فَلَقيتُ نَفَرم من أصحَاب رسول الله - عليه السلام- فقالوا: قد أراد نَفَز مِنا ستةَ أن يَفْعَلُوا ذاك (2) فَنًهاهُمُ الَنبي - عليه السلام- وقال: " لكم فِي رسولَ الله أسْوة حَسَنَة " (3) فأتَيْتُ ابنَ عَبَّاسِ فسألته عن وِتْرِ النبي- عليه السلامَ-َ فقالَ: أدُلك علىِ أعْلَم الناسٍ بوتْرِ رسول الله- عليه السلام-؟ فَائْتِ عائشةَ! فأتَيْتُهَا فَاسْتتبعْتُ حكيمَ بن أَفْلحِ فأبَىَ " فَنَاشَدْتُه فانطَلَق معيِ، فاسْتَأذَنا على عائشةَ فقالتْ: مَن هَذا؟ قال: حكيمُ بنُ أفلح. قالت: ومَنْ مَعَك؟ قال: سعدُ بنُ هشام. قالت: هشامُ بنُ عامر الذي قتِلَ يومَ أحد؟ قال: قلتُ: نعم. قالت: نعْمُ المرء كان عَامر. قال: َ قلتُ: يا أم المؤمنَين " حَدِّثيني عن خُلُقِ رسولَ الله- عليه السَلام- " قالتْ: ألَسْتَ تَقْرأ القُرآنَ؟ فَإن خُلُقَ رسول الله كَان القُرآنُ. قال: قلتُ: حَدثيني عن قيام الليلِ! قالت: ألستَ تَقرأ الَقرآنَ (4) : {يا أيهَا المُزَّمِّلُ} قال: قلتَ: بلى! قالتْ: فإن أولَ هذه السورة نَزَلَتْ فَقَامَ أصحابُ رسولِ اللهِ حتَى انْتَفَخَتْ أقْدَامُهُم، وحُبس خَاتِمَتُهاَ في السماء اثنى عَشَرَ شَهر، ثم نَزَلَ آخِرُهَا، فَصَارَ قيام الليلِ تًطَوَّعا بعدَ فريضَة. قال: قلتُ: حَدِّثيني عن وِتْرِ النبي- عليه السلام-! قالت: كان يُوتِر بثمانِ رَكعات لا (5) يَجْلِسُ إلا في الثَّامنة، والتاسِعَةِ، ولا يُسَلمُ إلا في التاسعةِ، ثم يُصَلي رَكعتينِ وهو جَالس، فتلكً إِحدى عَشْرةَ رَكعةَ يا بُنَي. فلما أسَن، وأخَذَ اللحمُ أوْتَرَ بسبع رَكعاتِ لم يَجْلِسْ إلا في السادسةِ والسابعةِ، ولم
__________
(1) في الأصل: " زرارة بن أبي أوفى " خطأ.
(2) في " سنن أبي داود: " ذلك ".
(3) في " سنن أبي داود: " لقد كان لكم.... "
(4) كلمة " القرءان غير موجودة في سنن أبي داود ".
(5) في سنن أبي داود: " لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى، لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة ... ".(5/247)
يُسَلِمْ إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس فتلك (1) تسعُ رَكَعات يا بُني ولمِ يَقُمْ رسولُ الله لَيلة يُتمُها إلى الصباح، ولم يقرأ القراَنَ في ليلة قَط، ولم يصُمْ شَهرا يُتمه كيرَ رَمضانَ، وكانَ إِذا صلى صلاة دَاوَمَ عَلَيها، وكان إِذا غلَبَتْهُ عيناهُ منَ الليلِ بنوم صلى من النهارِ ثنْتَي عَشْرةَ رَكعة. قال: [2/ 144 - ب] فأتيت ابنَ عباسٍ / فحدثته فقال: هذا والله الحديثُ (2) ، ولو كُنتُ أكمُلهَا لأتَيْتُها حتى أشافِهَهَا به مُشافَهَة. قال: قُلتُ: لو عَلمتُ أنك لا تكلمها ما حَدثتُكَ (3) .
ش- همام بن يحيى العَوْذي البصري، وسعد بن هشام بن عامر الأنصاري ابن عم أنس بن مالك- رضي الله عنه-.
قوله: " لأبيع عقارا " العقار- بالفتح- الأرض والضياع والنخل، ومنه قولهم: ماله دار ولا عقار. ويقال أيضًا: في البيت عقار حسن. أي: متاع وأداة. وقيل: العقار الأصل من المال.
قوله: " نفر منا ستة " ارتفاع " ستة " على أنها صفة للنفر، والنفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثله.
قوله: " أن يفعلوا ذاك " أي: بيع العقار وشراء السلاح بثمنه.
قوله: " حكيم بن أفلح " من التابعة. وقد روى عن أبي مسعود الأنصاري، وعائشة. روى عنه (4) : جعفر بن عبد الله والد عبد الحميد. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" فتلك هي ".
(2) في سنن أبي داود: " هذا والله هو الحديث ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: جامع صلاة الليل (746) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: قيام الليل (3/ 199) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع (1191) بقصة الوتر فقط.
(4) في الأصل: " عنها ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1450) .(5/248)
قوله: " قالت: هشام بن عامر؟ " وكان اسمه في الجاهلية شهابًا، فغير رسول الله اسمه فسماه هشامًا (1) .
وأبوه (2) عامر بن أمية [زيد بن] الحسحاس بن مالك بن عامر
غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، واستشهد عامر يوم أحد، وسكن هشام البصرة ومات بها. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " عن خلق رسول الله " الخلق- بضم الخاء واللام، وسكون اللام- أيضًا الدين والطبعُ والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها، بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة كثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في مدح حُسْنِ الخُلُق، وكذلك في ذم سوء الخُلُق.
قوله: " فإن خلق رسول الله كان القرآن " تعني: التأدب بآدابه، والتخلق بمحاسنه، والالتزام لأوامره وزواجره.
قوله: " فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة " حكى أبو بكر الأدفوي أن قوله تعالى: {قُم الليْلَ} ليس بفرض، ولا على الوجوب عند بعضهم، وإنما هو ندب، وقيل: حتم وفرض. وقيل: حتم على رسول الله - عليه السلام- وحده. وقال غيره: لم يختلف العلماء أن فرضه قد سقط عن المسلمين إلا طائفة رُوي عنهم بقاء فرضه ولو قدر حلب شاة، وأن المنسوخ هو طول القيام، وأن القيام اليسير لم ينسخ، وذكر بعضهم أن النبي- عليه السلام- لم ينسخ عنه فرض قيام الليل، وظاهر القرآن والحديث يدل على تسوية الجميع.
__________
(1) أخرجه البخاري فيه الأدب المفردة (825) باب شهاب، من حديث عائشة قالت: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقال له: شهاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل أنت هشام " وذكره أبو داود في سننه (4956) بدون سند.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 9) ، أسد الغابة (3/ 117) ، الإصابة (2/ 248) .(5/249)
قوله: " كان يوتر بثمان ركعات " اعلم أن عائشة- رضي الله عنها- أطلقت على جميع صلاته- عليه السلام- في الليل التي كان فيها الوتر وترًا، فجملتها إحدى عشرة ركعة، منها الوتر ثلاث ركعات، قبله ست ركعات من النفل، وبعده ركعتان، فالجميع إحدى عشرة ركعة، وهذا كان قبل أن يبدن ويأخذ اللحم، فلما بدن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات، وهاهنا أيضًا أطلقت على الجميع وترًا، والوتر منها ثلاث ركعات، قبله أربع من النفل، وبعده ركعتان، فالجملة تسع ركعات. فإن قيل قد صرحت في الصورة الأولى بقولها: " لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة، وصرحت في الصورة الثانية بقولها: " لم يجلس إلا في السادسة والسابعة" ولم يسلم إلا في السابعة " قلت: هذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه، لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر ولم يسأل عن محيره، فأجابت مبينة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضًا على الثالثة بالسلام، وهذا عين مذهب أبي حنيفة، وسكتت عن جلوس الركعات التي قبلها، وعن السلام فيها، لما أن السؤال لم يقع عنها، فجوابها قد طابق سؤال السائل، غير أنها أطلقت على الجميع وترًا في الصورتين، لكون الوتر فيها، ويؤيد ما ذكرناه ما روى الطحاوي عن سعيد بن عفير قال: نا يحمى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين/ يوتر بعدهما بـ {سبِّح اسْمَ ربِّكَ الأعْلَى} و {قُلْ يا أيُّهَا الكَافرُونَ} ويقرأ في الوتر {قُلْ هوَ اللهُ أحَدٌ} و {قُلْ أعوذُ برَبّ الفَلَق} و {قُلْ أعُوذُ برَبِّ الناس} .ً
حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، نا شعيب بن يحيى، نا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة " أن النبي- عليه السلام- كان يوتر بثلاث، يقرأ في أول ركعة {سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى} وفي الثانية: {قُلْ يا أيُّهَا الكافِرُونَ} وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللهُ احد}(5/250)
والمعوذتين "، فأخبرت عمرة، عن عائشة في هذا الحديث بكيفية الوتر كيف كانت، ووافق على ذلك سعد بن هشام، وزاد عليها سعد: إنه كان لا يسلم إلا في آخرهن.
قوله: " ولو كنت كلمها " أي: عائشة.
قوله: " حتى أشافهها به " فيه دليل على طلب علوّ الإسناد، والمشافهة: المخاطبة من فيك إلى فيه.
قوله: " قال: قلت " أي: قال حكيم بن أفلح، وقوله هذا على طريق العتب له على ترك الدخول عليها، والمكافأة على ذلك بأن يحرمه الفائدة عنها، حتى يضطر إلى الدخول عليها.
فإن قيل: ما تقول في هذا الاختلاف في أعداد ركعات صلاته- عليه السلام- بالليل من سبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إلى سبع عشرة ركعة، وهي منتهاها، قدر عدد ركعات الفرض في اليوم والليلة؟ قلت: كل واحد من الرواة مثل عائشة، وابن عباس، وزيد بن خالد، وغيرهم أخبر بما شاهده، وأما الاختلاف عن عائشة، فقيل: هو من الرواة عنها، وقيل: هو منها، ويحتمل أنها أخبرت عن حالات، منها: ما هو الأغلب عن فعله- عليه السلام- ومنها: ما هو نادر، ومما اتفق من اتساع الوقت، وضيقه، والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي. 1313- ص- نا محمد بن بشار، حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن قتادة بإسناده نحوه قال: يُصَلّي ثمانِ رَكعات، لا يجلسُ فيهن إلا عندَ الثامنة، فيجلسُ، فيذكرُ اللهَ ثم يدعو، ثم يُسَلِّمُ تًسليمًا يُسمعُنَا، ثم يُصَلِّي ركعتيَن، وِهو جالس بعد ما يُسلِّمُ، ثم يصلِّي رَكعةً، فتلكَ إحدى عَشْرةَ رَكْعةَ يا بُني، فلما أسَن رسولُ الله، وأخَذَ اللحمُ أوترَ بسبعٍ، وصلى ركعتين، وهو جالس بعد ما يُسَلمْ، بمَعناه إلى " مشافهةً " (1) .
ش- يحمص بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن أبي سعيد المقبرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/251)
قوله: يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن " إلى قوله: " فلما أسن " لم يُبين فيها الوتر، غاية ما في الباب بين فيها انه صلى ركعة، فيحمل هذا على انه صلى قبلهاَ ركعتين أخريين، لتتفق الروايات، ولا يقع التضاد فيها. فإن قيل: فعلى هذا يكون الجميع ثلاث (1) عشرة ركعة، وقد صرحت عائشة- رضي الله عنها- بقولها: " فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني "، قلنا: يحتمل أنها ما وقعْت إلا على الركعة الثالثة بعد قيامه- عليه السلام- من التشهد على رأس الركعتين، فظنت انه صلى واحدة، فأخبرت بناء على ظنها أنها واحدة، فلذلك قالت: " فتلك إحدى عشرة "، وإنما أولنا هذا التأويل، لأن غالب الروايات عنها يخالف هذه الرواية، فلما أمكن الجمع بينها بهذا التأويل، صرنا إليه مع تأيده بما رُوي في الأحاديث الناطقة بأن الوتر ثلاث ركعات، وبقوله: " ثمان ركعات لا يجلس فيهن " استدل أبو حنيفة أنه إذا صلى بالليل ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز، ولا يكره.
قوله: " فلما أسن رسول الله، وأخذ اللحم أوتر بسبع " أي: سبع ركعات، أطلقت هنا أيضا على الجميع وتراً، لما فيها من الوتر ثلاث ركعات قبله أربع من النفل، وبالركعتين اللتين كان يصليهما بعده يصير الجميع تسعاً.
قوله: " إلى (2) مشافهة " أي: إلى قوله: " حتى أشافهها به مشافهة". 1314- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن بشر، نا سعيد بهذا الحديث قال: يُسلمُ تسليمًا يُسمِعُنَا، كما قال يحيي بن سعيد (3) .
ش- أي: بالحديث المذكور.
1315- ص- نا محِمد بن بشار، نا ابن أبي عدي، عن سعيد بهذا الحديث (4) ، إلا أنه قال: " ويُسلمُ تسليمةً يُسمِعُنَا " (5) .
__________
(1) في الأصل: " ثلاثة ".
(2) في الأصل " إلا ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) في سنن أبي داود: " بهذا الحديث. قال ابن بشار: بنحو حديث يحيى بن سعيد إلا أنه ... ".
(5) تفرد به أبو داود.(5/252)
ش- محمد بن أبي عدي، والحاصل أنه روى هذا الحديث من ثلاث
روايات.
1316- ص- نا علي بن الحسين الدرهمي، نا ابن أبي عدي، عن بهز
ابن حكيم، نا زرارة بن أوفى، أن عائشة- رضي الله عنها-/ سئلت عن [2/ 145- ب] صلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في جَوفِ الليلِ فقالت: " كان يُصلي صَلاةَ العشاء في
جماعة، ثم يَرجعُ إلى أهلِهِ، فيركعُ أربعَ رَكَعات، ثم يأوي إلى فِراشَه وَينامُ،
وطَهورهُ مُغَطَى عندَ رأسِهِ، وسوَاكُهُ موضوعٌ، حتى يَبْعَثَهُ الله تعالىً سَاعَتهُ
التي يَبْعَثُه من الليل، فيتسوكُ ويسبِغُ الوُضوء، ثم يقومُ إلى مُصَلاه، فيصلي
ثمانِ رَكَعات يقرأَ فيهن بأم القرآنِ، وسورة من القرآنِ، وما شاءَ اللهُ، ولا
يَقْعُدُ في شيء منها حتى يَقْعُدَ في الثامنة، ولا يُسْلمُ، ويقرأ في التاسعة، ثم
يَقْعُدُ، فيدْعُو بما شَاءَ اللهُ أن يَدْعُو، ويَسألُهُ، ويَركَبُ إليه، ويسلِّم تسَليمةً
واحدةً، شديدةً، يكادُ أن (1) يُوقِظُ أهْلَ البيْتِ من شدةِ تَسليمه، ثم يقرأ
وهو قاعدٌ بأمِّ الكتابِ، ويركعُ وهو قاعدٌ، ثم يقرأ الثانيةَ، فيركعُ، ويَسجُدُ،
وهو قاعد، ثم يَدْعُو ما شاءَ اللهُ أن يَدْعُوَ، ثم يُسلمُ، وينصرفُ، فلم تَزَلْ
تلكَ صلاةُ رسول الله- عليه السلام- حتى بَدُن فَنَقَصَ من التسع ثنتينِ
فَجَعَلَهَا إلى الست والسَبع، وركعتيه وهو قاعد، حتى قُبِضَ على ذلكَ " (2) .
ش- " طهوره " بفتح الطاء، اسم لما يتطهر به، فيه استحباب التأهب
بأسباب العبادة، قبل وقتها، والاعتناء بها.
قوله: " فيتسوك " فيه دليل على استحباب السواك عند القيام من النوم.
قوله: "ويقرأ في التاسعة " أي: الركعة التاسعة، فهذه الركعة مع ما
قبلها من الركعتين هو الوتر، وهذ عين مذهب أبي حنيفة، حيث قعد
على رأس الركعتين ولم يسلم، ثم لما صلى التاسعة التي هي الثالثة من
الوتر قعد وسلم.
__________
(1) كلمة " أن " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(5/253)
قوله: " ثم يقرأ الثانية " أي: في الركعة الثانية من الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر، وهو قاعد.
قوله: " حتى بدن " بضم الدال وتخفيفها، معناه عظم بدنه، وكثر لحمه، وأنكر هذا بعضهم وقالوا: لم تكن هذه صفته- عليه السلام-، والصواب: بدَّن بالتشديد، أي: أسن، وفي حديث عائشة ما يصحح الروايتين وذلك قولها: " فلما أسن، وأخذ اللحم "، وقد جاء في صفته - عليه السلام- " بادن متماسك "، أي: عظيم البدن، مُشَدَدَهُ، غير مهزول اللحم، ولا خوار البنية، وقولها: " وأخذ اللحم " أي: زاد لحمه على ما كان قبل، ولم يصل إلى حد السمن.
قوله: " فنقص من التسع ثنتين " أي: من التسع ركعات ركعتين.
قوله: " فجعلها " أي: فجعل التسع إلى ست ركعات، بأن كان يصلي ست ركعات، ويقعد في آخرها، ولا يسلم، ثم يصلي السابعة، ويقعد، ويسلم، فالثلاث وتر، والأربع التي قبله نفل.
قوله: " وركعتيه " عطف على المجرور، الذي قبله، والحاصل أنه كان يصلي قبل أن يبدن إحدى عشرة ركعة: ست ركعات نافلة، وثلاث وتر، وركعتان بعدهما، وبعد أن بدن كان يصلي تسع ركعات: أربع نافلة، وثلاث وتر، وركعتان بعده.
1317- ص- نا هارون بن عبد الله، نا يزيد بن هارون، أنا بهز بن حكيم، فذكر هذا الحديث بإسناده، قال: يُصلي العشاءَ، ثم يأوي إلى فراشِه، لم يذكر، الأربع ركعات، وساقَ الحديثَ، وقال فيه: فيصلي ثَمانَ ركعات، يُسَوي بينهن في القًراءة، والركوعِ، والسجود، وقال: لا يجلسُ في شًيء منهن إلا في الثامنةَ فإنه كان يجلسُ، ثم يَقُومُ، ولا يسلم (1) ، فيصليً ركعةً يُوترُ بها، ثم يُسلمُ تسليمة، يرفع بها صَوْتَهُ، حتى يُوقِظَنَا، ثم ساقَ معناه (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولا يسلم فيه "
(2) انظر: الحديث السابق.(5/254)
ش- أي: الحديث المذكور.
قوله: " يوتر بها " أي: بالركعة التاسعة، والمعنى: أنه كان يجعل الركعة التاسعة مع ركعتين قبلها وترًا.
1318- ص- نا عمرو بن عثمان، نا مروان بن معاوية، عن بهز، نا زرارة بن أوفى، عن عائشة أم المؤمنين " أنها سُئلَتْ عن صَلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان يُصَلي بالناس العشاءَ، ثمِ يَرْجِعُ إلَى أهله، فَيُصَلي أربَعًا، ثم يأوي إلى فراشه "، ثم سَاقً الحديث بطُوله، لم يذَكَرْ " سَوَّى بينهن في القرَاءةِ، والَركوَعَ، والسجودِ،، ولم يذكرْ فيً التسليم،/ حتى يُوقِظَنَا (1) . [2/ 146 - أ] ش- عمرو بن عثمان أبو حرص " الحمصي، ومروان بن معاوية الفزاري الكوفي، وبهز بن حكيم، والباقي ظاهر.
1319- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد- يعني: ابن سلمة- عن بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهم (2) .
ش- رواية زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام هي المحفوظة، وفي سماع زرارة، عن عائشة نظر، فإن أبا حاتم الرازي قال: قد سمع زرارة من عمران بن حصين، ومن أبي هريرة، ومن ابن عباس، قيل له: ومَن أيضًا؟ قال: هذا ما صح له. وظاهر هذا أنه لم يسمع عنده من عائشة، والله أعلم.
1320- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أن رسولَ الله- عليه السلام- كان يُصَلي من الليلِ ثَلاث عَشرةَ ركعة يُوترُ بسبع (3) ، أخوكما قالت (4) ، ويصلي ركعتينِ وهو جالسن، وركْعَتِي الفجَرِ بين الأذانِ والإقامَةِ (5) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " بتسع ".
(4) في الأصل: " قال "
(5) تفرد به أبو داود.(5/255)
ش- حماد بن سلمة، ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص.
قوله: " يوتر بسبع " الوتر منها ثلاث ركعات، ولكنها أطلقت عليه، وعلى غيره الوتر، لاتصال الوتر ومجاورته بتلك الركعات التي هي النفل، وإنما أولنا هذا التأويل، لتتفق الأخبار، ولا يقع فيها تضاد، فافهم.
1321- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة " أن رسولَ الله- عليه السلام- كان يُوتر بتسع رَكَعات، ثم أَوْتَر بسبع رَكَعات، ورَكَعَ ركعتين وهو جالس بعدَ الوِترِ، يقرأ فيهما، فإذا أرادَ أن يَركَعَ قامَ فركعَ، ثم سَجدَ " (1) .
ش- الكلام فيه كالكلام في الذي قبله.
ص- قال أبو داودَ: روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي (2) مثل " قال فيه: قال علقمة بنُ وقاص: يا أمه (3) ، كيف كان يصلي الركعتين؟ فذكرَ معناهُ.
ش- أي: روى الحديثين المذكورين خالد بن عبد أدنه الطحان الواسطي، مثله، أي: مثل ما روى محمد بن عمرو بن علقمة.
قوله: " نا أمه " [......] (4) .
1322- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد ح ونا ابن المثنى، نا عبد الأعلى، نا هشام، عن الحسن، عن سعد بن هشام، قال: قَدمْتُ المدينة فَدَخَلتُ على عائشةَ قلتُ: أخبريني عن صَلاة رسول الله- عليَه السلام- قالتْ: إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناسِ صًلاةَ الَعِشَاءِ، ثم يأوي إلى
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " ... الواسطي، عن محمد بن عمرو مثله "
(3) في سنن أبي داود: " يا أمتاه "
(4) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر؟(5/256)
فراشه، فينام، فإذا كان جَوفُ الليلِ قَامَ إلى حاجته، وإلِى طَهُورِهِ، فيَتَوضأ، ثَم دخَلَ المسجدَ، فَصلى ثمان ركعات يُخَيلُ إلي أَنه سوى بينهن في القراءة، والرِكوعِ، والسجود، ثم يُوتر برِكعة، ثم يُصَلِّي ركعتين، وهو جالس، ثَم يَضعُ جنْبَهْ، فربما جاءَ بلالٌ فآذنه بالصلاة ثم يغْفِي، وربما شَكَكْتُ أغفَى أولا حتى يُؤْذنَه بالصلاة، فكانتْ تلكَ صلَاتُه حتَى أسَن، ولَحُمَ، فَذَكَرتْ مِن لَحمِهِ ما شَاءَ اللهُ، وسَاقَ الحديثَ (1) .
ش- خالد بن عبد الله الطحان، ومحمد بن المثنى، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وهشام بن حسان، والحسن البصري.
قوله: " ثم يوتر بركعة " أي: مع الركعتين اللتين قبلها.
قوله: " فآذنه " بالمد أي: أعلمه.
قوله: " ويُغفِي " من أغفيت إغفاء، أي: نمت، قال ابن السكيت:
ولا تقل: غفوت.
قوله: " ولحم " بضم الحاء، تقول: لحم، الرجل فهو لحيم، إذا كان كثير اللحم في بدنه، ولحم بالكسر اشتهى اللحم، ولحمه بالفتح إذا أطعمه اللحم، والحديث: أخرجه النسائي.
1323- ص- نا محمد بن عيسى، نا هشيم، أنا حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، المعنى ح ونا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن فضيل، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس " أنه رَقَدَ عندَ النبي- عليه السلام- فَرَاهُ استيقظَ، فَتسوكَ، وتَوضأ، وهو يَقولُ: {وإِن في خَلقِ السَّمَوات والأرْضً} (2) حتَى خَتمَ السورةَ، ثم قامَ، فَصلى رَكعتين، أطالَ فيهمَا القيام، والركوعَ، والسجودَ، [ثم] انصرف فَنَامَ حتى نَفَخَ، ثم فَعَلَ ذلك ثَلاثَ مراتِ،
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر اختلاف الناقلة عن عاشقة في ذلك (3/ 220) .
(2) سورة آل عمران: (190) .
17 شرح سن أبى داوود 5(5/257)
[2/ 146- ب] ستَّ (1) رَكَعات، كلُّ ذلك يَسْتَاكُ،/ ثم يَتوضأُ ويقرأُ هؤلاء الآيات، ثم أوتَر، قال عثمان: بثلاث رَكَعات، فأَتَاهُ المؤَذنُ، فخرجَ إلى اَلصلاة، قال
ابن عيسى: ثم أَوتَر، فأتَاهُ بلالٌ، فأَذَنَهُ بالصلاة حين طَلَعَ الفجر، ثم
صلَّى (2) ركعتي الفجر، ثم خَرَجَ إلى الصلاة، ثم اَتفقا، وفو يقولُ: اللهم
اجعلْ فِي قلبي نورا، واجعلْ في لسَاني نورا، واجْعلْ في سَمْعِي نُورا
واجعْل في بَصَرِي نُورًا، واجعلْ خًلفِي نُورا وأَمَامِي نورًا، واجعلْ من
فَوقي نُورا، ومِن لمحتي نُورا، اللهم وأعْظِمْ لي نُورا (2) ".
ش- هشيم بن بشير، وحصين بن عبد الرحمن المدني.
قوله: " ست ركعات " بالنصب بدل من قوله: " ثلاث مرات لا ويجوز
الرفع من حيث العربية على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي ست
ركعات.
قوله: " قال عثمان " أي: ابن أبي شيبة.
قوله: " بثلاث ركعات " متعلق بقوله: " ثم أوتر" وهذا نص صريح
على أن الوتر ثلاث ركعات.
قوله: " قال ابن عيسى " أي: محمد بن عيسى الطباع.
قوله: " ثم اتفقا " أي: عثمان، ومحمد.
قوله: " قي قلبي نورا " إلى آخره سأل النور في أعضائه، وجهاته،
والمراد به: بيان الحق وضياؤه، والهداية إليه، فسأل " النور في جميع أعضائه، وجسمه وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته، وجملته في جهاته
الست، حتى لا يزيغ شيء منها عنه، والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وأخرجه: البخاري، ومسلم من حديث كريب، عن ابن
عباس، وسيأتي
__________
(1) في سنن أبي داود: " بست ".
(2) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء يمر صلاة الليلة 191 - (763)
النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما يستفتح به القيام
(3 / 210) .(5/258)
1324- ص- نا وهب بن بقية عن خالد عن حصين نحوه قال: "وأعظم
لي نورا " (1) .
ش- خالد بن عبد الله الواسطي، وحصين بن عبد الرحمن.
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
ص- قال أبو داود: وكذلك قال أبو خالد الدالاني، عن حبيب في هذا (2) .
ش- أبو خالد اسمه [......] (3) وحبيب بن أبي ثابت.
ص- وقال سلمةُ بن كهيل: عن أبي رِشدين، عن ابن عباس.
ش- أبو رِشدين كنية كريب مولى ابن عباس، وهو بكسر الراء، وسكون الشن المعجمة،. وكسر الدال، بعدها ناء آخر الحروف ساكنة، وفي آخره نون. واعلم أن قوله: " نا لا وهب بن بقية " إلى هاهنا ليس بموجود في بعض نسخ الأصل.
1325- ص- نا محمد بن بشار، نا أبو عاصم، نا زهير بن محمد، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن الفضل بن عباس، قال: " بت ليلة عندَ النبي- عليه السلام- لأنظُرَ كيفَ يُصلِّي، فقامَ، فَتوِضأ، وَصَلَّى ركعتين، قيامه مثلَ رُكُوعه، ورُكُوعه مثلَ سُجوده، ثم نَام، ثم اسْتَيْقظَ، فتوضأ، َ واستنثر (4) ، ثَم قَرأ بخمَسَ آيات من اًل عمرانَ {وإِن في خَلق السَّمَوات وَالأرْض وَاخْتلاف اللَّيل والنهَار} (5) فلمَ يَزَلْ يفعلُ هَذا حتىَ صَلَّى عَشرَ رَكَعاتَ، ثم قام صلى سَجدَة واحدة، في وتَرَ بها، ونَادَى المنَادِى عندَ ذلك فقام رسولُ الله بعد ما سَكَتَ المؤَذِّنُ، فصلَّى سَجدتنِ خَفيفَتينِ، ثم جَلَسَ، حتى صلى الَصُبْحَ " (6) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: " في هذا وكذلك قال في هذا الحديث ".
(3) بياض في الأصل قدر ثلث سطر.
(4) في سنن أبي داود: " واستن " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(5) سورة آل عمران: (190) .
(6) تفرد به أبي داود.(5/259)
ش- أبو عاصم: الضحاك بن مخلد، وزهير بن محمد المروزي.
قوله: " واستنثر " هو استفعل من نثر ينثِر- بالكسر- إذا امتخط، أي:
استنشق الماء، ثم استخرج ما في الأنف، وفي بعض النسخ: " واسق " موضع " استنثر " أي: تسوك، وفي بعضها: " ثم اسق ".
قوله: " ثم قرأ بخمس آيات " وفي بعض النسخ الصحيحة: " ثم قرأ
من آل عمران " بدون قوله: " بخمس آيات " وكذا لابن حزم.
قوله: " فصلى سجدة واحدة " أي: ركعة واحدة.
قوله: " فأوتر بها " أي: أوثر بتلك الركعة مع ركعتين قبلها.
قوله: " ونادى المنادي " أي: أذن المؤذن.
ص- قال أبو داودَ: خَفِيَ عَلَيَّ مِن ابن بشار بَعْضُهُ.
ش- أي: خَفِيَ عَلَي من محمد بن بشار بعضُ الحديث.
1326- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، نا محمد بن قيس
الأسدي، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:
" بت عندَ خَالتِي ميمونة، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أمْسَى، فقال: أَصلى الَغُلامُ؟ قالوا: نعم، فاضطَجَعَ، حتى إذا مَضَى من الليلِ ما شاء الله، قامَ، فَتَوضأ، ثم صلى سبْعَا، أو خَمسا، أَوْتَرَ بهن، لم يُسَلمْ إلا في آخِرِهن " (1) .
ش- محمد بن قيس الأسدي أبو نصر، ويقال: أبو الحكم الكوفي.
روى عن: الشعبي، والحكم بن عتبة، ومحارب بن دثار، وسلمة بن
كهيل وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع، وعلي بن مسهر،
[2/147- أ] / وغيرهم، وقال أحمدْ ثقة، لا يُشك فيه. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
قوله: " خالتي ميمونة " وهي بنت الحارث بن حرب أم المؤمنين، وقد
ذكرناها.
__________
(1) انظر الحديث الآتي.(5/260)
قوله: " أصلى الغلام " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " صلى سبعَا، أو خمسَا، أوتر بهن " أطلق على الجميع وترًا، والحال أن الوتر منها ثلاث ركعات، وقد مر مثل هذا في حديث عائشة.
1327- ص- نا ابن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " بت في بيت خَالتِي ميمونة بنْت الحارث، فصلى رسولُ الله العشَاءَ، ثم جاءَ، فَصلى أربَعًا، ثم نَامَ، ثم قَام يُصَلي، فَقُمْتُ عن يَسَارِه، فأدَارَني، فأقَامَني عن يَمينه، فصلى خمسًا، ثم نَامَ، حتَى سَمعْتُ غطيطَه، أو خَطيطَهُ، ثم قَامَ فَصلى ركعتين، ثم خرجَ، فصلى الغَدَاة " (1) .َ
ش- محمد بن المثنى، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وشعبة بن الحجاج، والحكم بن عتيبة.
قوله: " فصلى خمسَا " أي: خمس ركعات، منها الوتر ثلاث ركعات وإنما قلنا هكذا، لأن الرواية التي رواها كريب عنه تدل على ذلك، وهي ما رواه الطحاوي: نا المقبري، عن سعيد بن أبي أيوب، نا عبد ربه بن سعيد، عن قيس بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، أن عبد الله ابن عباس حدثه، قال: فصلى رسول الله ركعتين بعد العشاء، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر بثلاث انتهى.
فهذه جملتها إحدى عشرة ركعة، وكذلك في الحديث المذكور جملتها إحدى عشرة ركعة، لأنه صلى أولا أربعًا، ثم صلى خمسًا، ثم صلى ركعتين، فحديث كريب هذا قد بين أن الثلاث من الخمس في ذاك. الحديث هو الوتر، فافهم. قوله: " غطيطه " الغطيط صوت يخرجه النائم مع نفسه، وقال بعضهم:
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: السمر في العلم (117) ، النسائي في الكبرى.(5/261)
الخطيط بالخاء لا يعرف، وقال غيره: الخطيط قريب من الغطيط، والغين والخاء متقاربان في المخرج، وقال الجبان (1) : خَط في نومه يَخُطُّ بمنزلة غَط، والحديث أخرجه: البخاري، والنسائي.
1328- ص- نا قتيبة، نا عبد العزيز بن محمد، عن عبد المجيد، عن يحيى بن عباد، عن. سعيد بن جبير، أن ابن عباس حدثه في هذه القصة، قال: " قَامَ (2) فصلى ركعتين ركعتين، حتىَ صَلَّى ثمان (3) رَكعات، ثم أَوتَر بخمسٍ، لم (4) يجلسْ بينهن"َ (5)
ش- قتيبة بن سعيد، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي "، وعبد المجيد ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أبو وهب، ويقال: أبو محمد القرشي الزهري المدني. روى عن: ابن المسيب، وعمه أبي سلمة، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والدراوردي، وسليمان بن بلال، وغيرهم، قال ابن معين: هو ثقة وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
ويحيى بن عباد بن شيبان بن مالك الأنصاري السلمي الكوفي أبو هبيرة. روى عن: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وآخرين. روى عنه: السدي، وعبد المجيد بن سهيل، ومسعر بن كدام، وآخرون، قال النسائي: ثقة. روى له: البخاري في " الأدب " والباقون.
قوله: " ثم أوتر بخمس " أي: بخمس ركعات، ثلاث منها وتر كما قلنا، وأما قوله: " لم يجلس بينهن " فيخالفه عامة ما روى عن ابن عباس، فما روته العامة منه ومن غيره خلاف ذلك، أولى مما رواه سعيد ابن جبير وحده، وقد مر نظيره في أحاديث عائشة.
__________
(1) كذا، ولعل الجادة: " الجبائى ".
(2) في سنن أبي داود: " فقام ".
(3) في سنن أبي داود: " ثماني ".
(4) في سنن أبي داود: " ولم ".
(5) انظر: التخريج السابق.(5/262)
1329- ص- نا عبد العزيز بن يحيى الحراني، حدثني محمد بن
سلمة عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة
ابن الزبير، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله- عليه السلام- يصلي ثلاثَ
عَشْرةَ رَكعة بركعتيه قبلَ الصبح، يُصفَي ستّا مَثْنَى مَثْنى، وبوترُ بخمس، لا
يقعدُ بينهن إلا في آَخِرِهِن " (1) .
ش- قد ذكرنا أن العامة قد رووا عن عروة، وعن غيره، عن عائشة
بخلاف هذا، فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده، وانفرد به.
1330- ص- نا قتيبة، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك،
عن عروة، عن عائشة، أنها أخبرتْهُ أن رسولَ الله- عليه السلام- كانَ يُصلي من الليل ثلاثَ عَشْرةَ رَكعة بركعتي الفجرِ (2) .
ش- الليث بن سعد، ويزيد بن أبي حبيب، سويد المصري، وعراك
ابن مالك، وعروة بن الزبير.
[2/147- ب] ، / قوله: " بركعتي الفجر " أي: بسُنَة الصبح، والحديث أخرجه مسلم.
1331- ص- نا نصر بن علي، وجعفر بن مسافر، أن عبد الله بن يزيد
المقرئ أخبرهما، عن سعيد بن أبي أيوب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك
ابن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم صلى العشاءَ، ثم صَلَّى ثمان رَكَعاَت قَائمًا، وركعتين بين الأذانين، ولمَ يكُنْ يَدَعُهُمَاَ، قال جعفر بن مساَفر في حديثه: وركعتين جالساً بين الأذانين، زاد: جَالساً " (3) .
ش- الأذانان: الأذان، والإقامة.
قوله: " لم يكن يدعهما " أي: لم يكن رسول الله يترك الركعتين اللتين
بين الأذان والإقامة وقد تقدم، والحديث أخرجه البخاري.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مسلم: كتاب صلاة الليل، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.... (134/ 734) .
(3) البخاري: كتاب التهجد، باب: المداومة على ركعتي الفجر (1159) .(5/263)
1332- ص- نا أحمد بن صالح، ومحمد بن سلمة المرادي، قالا: نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: " قلتُ لعائشة: بِكَمْ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ؟ قالتْ: كان يُوتِرُ بأربع، وثلاثٍ، وستّ، وثلاث، وثمان، وَثلاث وعشر، وثلاث، ولم يكن يوتِرُ بأنقصَ من سَبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاث عَشْرة، زاد أحمد: ولم يكن يُوتِرُ ركعتينِ قبلَ الفجر، قلتُ: ما يُوتِرُ؟ قاَلت: لم يكن يدع ذلك، ولم يذكرْ أحمدُ: وست وثلاث " (1) .
ش- أطلقت عائشة- رضي الله عنها- على جميع ما صلى في الليل وترًا، فقولها: " يوتر بأربع، وثلاث " الأربع النفل، والثلاث الوتر، وجمعها سبع ركعات.
قوله: " وست وثلاث " الست نفل، والثلاث الوتر، فالجميع تسع ركعات.
قوله: " وثمان وثلاث " الثمان نفل، والثلاث وتر، فالجميع إحدى عشرة ركعة.
قوله: " وعشر وثلاث " العشر نفل، والثلاث وتر، فالجميع ثلاث عشرة ركعة، وهذه الرواية تؤيد جميع ما رُوي عن عائشة من الإيتار بواحدة، أن المراد منها واحدة قبلها ثنتان، فافهم.
قوله: " قلت: ما يوتر؟ " يعني: ما معنى: " لم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر " قالت عائشة- مفسرة: " لم يكن يدع ذلك- أي: لم يكن يترك فعل ذلك.
1333- ص- نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل بن إبراهيم، عن منصور ابن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود بن يزيد، أنه دَخَل على عائشة- رضي الله عنها- " فسَألَهَا عن صلاة رسول الله- عليه السلام- بالليلِ؟ فقالتْ: كان يُصَلي ثلاثَ عَشْرةَ رَكعةً من اللَيلِ، ثم إنه
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/264)
صلى إحدى عَشرةَ ركعةً، وتركَ ركعتين، ثم قُبضَ حين قُبضَ (1) وهو يصلي من الليلِ تسعَ رَكَعات (2) ، آخر صَلاتِهِ منَ الليلِ الوتَرُ " (3) .
ش- إسماعيل بن إبراهيمَ المعروف بابن علية.
ومنصور بن عبد الرحمن الأشل البصري. سمع الشعبي، وأبا إسحاق السبيعي. روى عنه: شعبة، وابن علية، وبشر بن المفضل، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به. وأبو إسحاق الهمداني هو عمرو بن عبد الله السبيعي.
قوله: " آخر صلاته من الليل الوتر " وهو ثلاث ركعات من التسع
وقال البيهقي: في هذا ما يدل على أنه ترك الركعتين بعد الوتر، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وأخرج مسلم طرفا منه، وهو قول عائشة: " كان رسول الله يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الو تر ".
1334- ص- نا عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان، أن كريبَاً مولى ابن عباس أخبره أنه قال: " سألت ابن عباس، كيفَ كانتْ صلاةُ رسول الله بالليل؟ قال: بت عندَهُ ليلةً وهو عندَ ميمونةَ، فنامَ حتى إذا ذهبَ ثُلُثُ اَلليل، َ أو نصْفُهُ، استيقظَ فقامَ إلى شَن فيه ماءٌ، فتوضأ، وتَوضأتُ معه، ثم قَامَ، فَقمتُ إلى جنبه على يَسارِه، فجعلَني على يمينه، ثم وضَعَ يَدَهُ على رأسي، كأنه يَمس أذُني، كأنه يُوَقظُني، فَصلى ركعتيَنِ خفيفتين، قلتُ (4) : قرأ فيهما بأم القَرآنِ في كلَّ ركَعةِ، ثم سلَّم، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قبض ".
(2) في سنن أبي داود: " وكان آخر ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.... 130- (740) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
بالليل (442) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: وقت ركعتي الفجر (3/ 256) .
(4) في سنن أبي داود: " قد ".(5/265)
صلَّى، حتى صلَّى إحدَى عَشْرةَ رَكعةً بالوترِ، ثم نامَ، فأتَاهُ بلالٌ، فقال: الصلاةَ يا رسولَ اللهِ، فقامَ فَرَكعَ ركعتين، ثم صَلَّى للناسِ " (1) .
ش- خالد بن يزيد الإسكندراني المصري، وسعيد. بن أبي هلال أبو العلاء المصري، ومخرمة بن سليمان الوالبي.
[2/148 - أ] / قوله: " إلى شَن " الشَنُّ- بفتح الشين المعجمة، وتشديد النون- القِربة الخلق، وجمعه شنان، واستدل بعض الشافعية بهذا الحديث أن كثر الوتر إحدى عشرة ركعة، وقال بعضهم: أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة. قلنا: ليس فيه استدلال صحيح على ذلك، لأنه قال: " صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، فالوتر منها ثلاث ركعات، والباقي صلاة الليل، لأن أحاديث أخر كثيرة تبين هذا المعنى، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، مختصراً ومطولاً، وقد قيل: حديث ابن عباس هذا في مبيته عند خالته ميمونة استُخرج منه ما يقارب عشرين حكماً.
1335- ص- نا نوح بن حبيب ويحيى بن موسى، قالا: نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس، قال: بتُّ عند خالَتي ميمونة " فقامَ النبيُّ- عليه السلامِ- يُصَلِّيِ من الليلِ، فَصَلَّى ثلَاثَ عشرة رَكعةً، منها ركعتا الفجر، حزَرْتُ قيامه في كلِّ رَكعة بقدْرِ {يا أيُّهَا المُزَّمِّلُ} لم يقل نوح: منها ركعتا الفجرَِ " (2) .
ش- نوح بن حبيب البَذْشِي القُومسي. سمع أبا بكر بن عياش،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث وغيره (183) ، مسلم , كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763/ 82 1- 185) ، الترمذي في " الشمائل "، النسائي: كتاب الأذان، باب: إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة (2/ 30) ، وكتاب قيام الليل، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (3/ 210) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل؟ (1363) .
(2) النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (210/3) .(5/266)
وإبراهيم بن خالد، وعبد الرزاق بن همام، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي وقال: لا بأس به، وقال الخطيب: كان ثقة توفي بقومس سنة اثنتين وأربعين ومائتين في شعبان.
ويحيى بن موسى بن عبد ربه البلخي، ومعمر بن راشد، وعبد الله بن طاوس.
قوله: " حزرتُ " أي: قدرتْ، والحديث أخرجه: النسائي.
1336- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه , أن عبد الله بن قيس بن مخرمة، أخبره عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: " لأرْمُقَنَّ صَلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَتَوسَّدْتُ عَتَبَتَهُ، أو فُسْطَاطَهُ، فَصلى رسولُ الله- عليه السَلام- ركعتين خفيفتين ثم صلى رَكعتين طَويلتين، طَويلتين (1) ، ثم صلَّى ركعتينِ، وهَما دونَ الَلتين قَبلهُما، ثم صَلَّى ركعتَينِ دون اللتينِ قبلهما (2) ، ثم أوترَ، فذلك ثلاث عشرةَ ركعةً " (3) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني قد ذكرناه، وأبوه أبو بكر بن محمد، ولي القَضاء، والإمرة، والموسم زمن سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، يقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. سمع أباه، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وغيرهم. روى عنه: الزهري، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وابناه محمد، وعبد الله، وغيرهم، قال محمد بن عمر: تَوفي سنة عشرين ومائة بالمدينة، وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان ثقة كثير الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي.
وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي
__________
(1) ذكر قوله: " طويلتين " في سنن أبي داود ثلاث مرات.
(2) ذكر قوله: " ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما " أربع مرات.
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (765/ 195) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلى بالليل (1362) .(5/267)
المطلبي المدني، اخو محمد بن قيس، وهو والد حكيم، بضم الحاء، ويقال: له صحبة من النبي- عليه السلام- روى عن زيد بن خالد الجهني، وأبيه، وعن عبد الله بن عمر. روى عنه: ابنه مطالب بن عبد الله، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وإسحاق بن يسار. استعمله عبد الملك بن مروان على الكوفة، والبصرة، واستقضاه الحجاج على المدينة. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.
قوله: " لأرمقن " أي: لأنظرن.
قوله: " فتوسدت عتبته " العتبة أسكفة الباب.
قوله: " أو فسطاطه " قال الزمخشري: الفسطاط ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق، وبه سميت المدينة، ويقال لمصر، وبصرة: الفُسطاط.
قوله: " ثم أوتر " أي: بعد أن صلى عشر ركعات، ركعتين ركعتين، وهذا صريح أن الوتر ثلاث ركعات، لأنه قال: فذلك. أي: المجموع ثلاث عشرة ركعة، وكل ما رُوي عن ابن عباس، وعائشة، وغيرهما في الوتر فمعناه هذا، لأن الأحاديث تفسر بعضها بعضًا، كما أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، والحديث أخرجه: مسلم، وابن ماجه.
1337- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس، أن عبد الله بن عباس أخبره: " أنه باتَ عندَ ميمونةَ زَوج النبي- عليه السلام-/ وهي خالتُهُ، قال: فاضطجعت. , في عَرْضِ الوسادة، واضْطَجَعَ رسولُ الله- عليه السلام- وأهلُهُ في طُولِهَا، فَقامَ رسولُ الله حتى إذا انتصَفَ الليلُ، أو قَبله بقليل، أو بَعدَه بقليل، ثم (1) استيقظ رَسولُ اللهِ، فجلَسَ يَمسحُ النومَ عن وجهِهِ بيدهِ، ثم قَرأ العَشْرَ
__________
(1) كلمة " ثم " غير موجودة في سنن أبي داود.(5/268)
آيات (1) الخواتمَ من سُورة آل عمرانَ، ثم قامَ إلى شَنٌ مُعَلقة فتوضأ منها، فأحسنَ وُضوءه، ثم قَامَ يصلي، قال عبد الله: فقمتُ فَصَنعت مثلَ ما صَنَعَ، ثم ذهبتُ فقمتُ إلى جَنبه، فَوَضَعَ رسولُ اللهِ يدَهُ اليُمنى على رأسِي، وأخذ (2) بأذُنِي يَفْتلُهَا، فَصلى ركعتين، ثم ركعتينٍ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتين، ثم ركعتينَ، ثم ركعتين، قال القعنبي: ست مِرَاتِ، ثم أوترَ، ثمِ اضطجعَ، حتى جَاءَهُ المؤَذنُ، فقامَ، فصلى ركعتينِ خفيفتينِ، ثم خَرَج فصلى الصبحَ، (3) .
ش- الوسادة هاهنا الفراش، ويحتمل أن اضطجاع ابن عباس كان في عرضها عند أرجلهم، أو رءوسهم، والعَرض هاهنا- بالفتح- ضد الطول، وقيل: الوسادة هاهنا المرفقة، والعُرض- بالضم- بمعنى الجانب، جعلوا رءوسهم في طولها، وجعل رأسه هو في الجهة الضيقة منها، والرواية الأولى كثر وأظهر من جهة المعنى.
قوله: " فجعل يمسح النوم " أي: أثر النوم، وفيه استحباب هذا.
قوله: " شن معلقه " إنما أنثها على إرادة القربة.
قوله: " وأخذ بأذني يفتلها " قيل: إنما فتلها تنبيهًا له من النعاس، وقيل: لتنبيهه لهيعة الصلاة، وموقف المأموم، وغير ذلك، ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: جواز نوم الرجل مع امرأته في غير مواقعة بحضرة بعض محارمها، وإن كان مميزًا.
الثانية: استحباب قيام الليل.
الثالثة: جواز القراءة للمحدث، وهذا بالإجماع.
الرابعة: استحباب قراءة الآيات المذكورة عند القيام من النوم.
(1) في سنن أبي داود: " الآيات ".
(2) في سنن أبي داود: " فأخذ ".
(3) انظر الحديث (1334) .(5/269)
الخامسة: جواز قول سورة آل عمران، وسورة البقرة ونحوهما.
السادسة: إحسان الوضوء، وهو إسباغه وتكميله.
السابعة: استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه.
الثامنة: استحباب الاضطجاع بعد الوتر.
التاسعة: استحباب اتخاذ المؤذن لإعلام مواقيت الصلوات.
العاشرة: جواز إتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة.
الحادية عشرة: صلاة ركعتي الفجر.
الثانية عشرة: التخفيف فيهما.
الثالثة عشر: التنفل بالليل بركعتين ركعتين.
الرابعة عشر: أن الوتر ثلاث ركعات.
***
303- باب: ما يؤمر به من القصد
أي: هذا باب في بيان ما- يؤمر به المؤمن من القصد، والقصد في الأمور في القول والفعل، هو الوسط بين الطرفين، المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط، وفي بعض النسخ " باب: ما يؤمر به من القصد في الصلاة " (1) .
1338- ص- نا قتيبة، نا الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن وسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه (2) قال: "اكْلَفُوا من العمل ما تُطيقُونَ، فإن (3) الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، فإن أحبَّ العملِ إلى اللهِ تعالى أَدوَمُهَُ، وإن قَلَّ [و] كان إذا عمل عملاً أثبته " (4) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) كذا.
(3) في سنن أبي داود:" وإن ".
(4) البخاري: كتاب الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل (6462) ، =(5/270)
ش- " اكلفوا " بفتح اللام، والهمزة فيه للوصل، من كلفت بالشيء
إذا ولعت به، وأحببته، من باب علم يعلم.
قوله: " لا يمل " بفتح الميم، قيل معناه لا يمل أبدًا، مَلِلْتُم أو لم تملوا،
وقيل: لا يمل بمعنى لا يترك، لأن من مَلَّ شيئًا تركه، فالمعنى لا يترك
الثواب ما لم يملوا من العمل، فعلى هذا يكون من باب ذكر الملزوم،
وإرادة اللازم، وقيل: لا يقطع عنكم فضله، ما لم تملوا سؤاله، فسمى
فعله مَلَلاً، وليس بملل، ولكن لتزدوج اللفظة "بأختها في اللفظ، وإن
خالفتها في المعنى، وهذا كقوله تعالى {وَجَزَاءُ سيئة سيئةٌ مثْلُهَا} (1)
وقوله تعالى: {فمَنَ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} (2) وقوله تعالى:
{ومَكرُوا وَمَكَرَ اللهُ} (3) وقال الشاعر:
ألا [لا] يجهلن أحد علينا..... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أراد فيجازيه، فسماه جهلاً، والجهل لا يفخر به/ ذو عقل، ولكنه [2/149- أ] ، على المذهب المذكور أعني: الازدواج، والمشاكلة، وقيل: معناه لا
يطرحكم حتى تتركوا العمل، أو تزهدوا في الرغبة إليه، فسمى الفعلي
مللاً وليرس بملل في الحقيقة، على مذهب العرب في وضع الفعل
موضع الفعل، إذا وافق معناه كقول الشاعر:
ثم أضحوا لعب الدهر بهم...... وكذلك الدهر يودي بالرجال
فجعل هلاكه إياهم لعبا.
قوله: " فإن أحب العمل إلى الله أدومه " أي: أثبته، و" إن قل "، وفيه
الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم، خير من كثيره الذي
__________
= مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره 215- (782) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: المصلى يكون
بينه وبين الإمام عشرة (2/ 68) ، ابن ماجه: كتاب الزهد، باب: المداومة على العمل (4238) .
(1) سورة الشورى (40) .
(2) سورة البقرة: (194) .
(3) سورة آل عمران (54) .(5/271)
ينقطع، وذلك لأن بدوام القليل تدوم الطاعة، ويثمر ذلك، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
قوله: " وكان " أي: النبي- عليه السلام- إذا عمل عملاً أثبته. أي:
داوم عليه، وواظبه، ولا يقطعه، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1339- ص- نا عبيد الله بن سعد، ناعمي، نا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي- عليه السلام- بَعَثَ إلى عُثمان بن مظعون فَجَاءَهُ، فقال: " يا عثمانُ أرَغبتَ عن سُنتي؟ قال: فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سُنتكَ أطلبُ، قالَ: فإني أنام وأصلي، وأصومُ وأفطر، وأنكحُ النسَاءَ، فاتقِ الله يا عثمانُ، فإن لأهلِكَ عليك حقا، وإن لِضيفِكَ عليك حقا، وإن لنفسِكَ عليكَ حقا، فصُمْ وأفطِرْ، وصل ونَمْ " (1) .
ش- عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري، وعمّه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، ومحمد بن إسحاق، وعثمان بن مظعون، بسكون الظاء المعجمة- القرشي الجمحي أبو السائب، وهو أول رجل مات من المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر، وأول من دفن بالبقيع، وقيل: أول من مات بعد قدوم النبي- عليه السلام- المدينة كلثوم بن الهدم، وتوفي بعده أسعد بن زرارة، والأنصار تقول: إن أسعد بن زرارة أول مدفون بالبقيع، وأما المهاجرون فيقولون: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون.
قوله: " أرغبت " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار.
قوله: " سنتك أطلب " انتصاب " سنتك " بأطلب المحذوف، الذي يفسره " أطلب " الثاني.
قوله:" فإن لأهلك عليك حقًا " المراد من الأهل الزوجة، يريد أنه إذا أدأب نفسه، ضعفت قواه، فلم يستطع لقضاء حق أهله.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/272)
قوله: " وإن لضيفك عليك حقًا " فيه دليل على أن المتطوع بالصوم إذا ضافه ضيف كان المستحب له أن يفطر، ويأكل معه، ليزيد في إيناسه، وذلك نوع من إكرامه.
1340- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: " سألتُ عائشةَ كيفَ كانَ عَمَلُ رسول الله؟ هل كانَ يَخُص شيئًا من الأيام؟ قالتْ: لا، كان عَمَلُهُ (1) ديمَةً، وأيكم يَستطيعُ ما كان رسولُ الله يستطيعُ " (2) .
ش- جرير بن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي.
قوله: " ديمة " بكسر الدال، أي: دائما متصلاً، والديمة المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه، مع الاقتصاد بديمة المطر، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
***
باب: تفريع أبواب شهر رمضان
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع شهر رمضان، واشتقاقه من الرمض بفتح الميم، وهو شدة الحر، من رمض يرمض رمضًا من باب علم يعلم، قال ابن الأثير: ومنه سمي رمضان، لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر، ورمضه انتهى.
وقيل: سمي به لأنه يرمض الذنوب بحرارة القلوب، من رَمضَ الفصيلُ: نَخُلَ من الحر، ومنه الرمضاء، أو خيره كالرمل وهو مَطر
__________
(1) في سنن أبي داود: " كان كل عمله ".
(2) البخاري: كتاب الصوم، باب: هل يخص شيئا من الأيام (1987) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره 217- (783) ، والترمذي في " الشمائل "، والنسائي في
" الكبرى ".
18، شرح سنن أبي داود 5-(5/273)
أيام الخريف، ويجمع على رمضانات، وأرمضاء، وقد قيل: إن رمضان
اسم من أسماء الله تعالى، ولهذا كرهوا أن يقال: رمضان في غير ذكر الشهور، وهذا قول أصحاب مالك أيضًا، والأصح أنه يجوز، وأن كونه
[2/49- ب] ، اسماً من (1) / أسماء الله غير صحيح، لأن أسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، والأثر الذي جاء فيه ضعيف، والشهر مشتق من الشهرة، وهي وضوح الأمر.
***
304- باب: في قيام شهر رمضان
أي: هذا باب في بيان قيام شهر رمضان، والمراد منه التراويح.
1341- ص- نا الحسن بن علي، ومحمد بن المتوكل، قالا: نا عبد الرزاق، أنا معمر، قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: " كان رسولُ اللهِ- عليه السلام- يُرَغِبُ في قيام رَمضانَ من غيرِ أن يأمُرَهُمْ بعزيمة، ثِم يقولُ: مَنْ قَامَ رمضانَ إيمانًا، واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه، فتوفي رسول الله، والأمر علىَِ ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكَر وصدرًا مَن خلافة عمر " (2) .
ش- محمد بن المتوكل العسقلاني، وعبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد.
قوله: " من غير أن يأمرهم بعزيمة " معناه لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب، ثم فسره بقوله: ثم يقول: " من قام رمضان " إلى آخره.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الترغيب في قيام رمضان 172- (759) ، الترمذي: كتاب الصوم، باب الترغيب في قيام رمضان (808) ، النسائي: كتاب الصيام، باب: ثواب من قام رمضان وصامه إيماننا واحتسابا والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك (156/4) .(5/274)
فإن قيل: ما الفرق بين قولك: قام رمضان، وقام شهر رمضان؟ قلت: الأول التعميم، بخلاف الثاني: ولما كان المراد قيام كل الشهر، قال: " من قام رمضان " ولو قال: من قام شهر رمضان احتمل أن يريد بعضه، وكذلك إذا قلت: اعتكفت رمضان، كأنك قلت: اعتكفت ثلاثين يومًا، بخلاف ما إذا قلت: اعتكفت شهر رمضان، فإنه يجوز أن يراد به العشر الأخير، ونحوه، وفيه رد أيضًا لقول من يمنع أن يقال: رمضان بدون ذكر الشهر.
قوله: " إيمانا " أي: تصديقًا بالثواب من الله تعالى، على صيامه وقيامه.
قوله: " واحتساباً " أي: محتسبًا الثواب على الله، أو ناويا بصيامه وجه الله تعالى، ثم المراد من هذا القيام التراويح، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفرداً في بيته، أو في جماعة في المسجد؟ فقال أصحابنا: والشافعي وأحمد، وبعض المالكية، وغيرهم: إن الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب، واستمر عمل المسلمين عليه، لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة العيد، وقال مالك، وبعض الشافعية، وغيرهم: الأفضل فرادى في البيت.
قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه " المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر، دون الكبائر، قال بعضهم: يجوز أن يُخَففَ من الكبائر إذا لم تصادف صغيرة. قلت: اللفظ عام، ينبغي أن يشمل الصغيرة والكبيرة، والتخصيص بلا مخصص باطل.
قوله: " فتوفى رسول الله، والأمر على ذلك " إلى آخره. معناه استمر الأمر هذه المدة، على أنّ كل واحد يقوم رمضان في بيته منفرداً حتى انقضى صدر من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب، فصلى بهم جماعة، واستمر العمل على فعلها جماعة، والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي.(5/275)
ص- قال أبو داود: كذا رواه عُقيل، ويونسُ، وأبو أويس: " من قام رمضانَ لما ور ى عُقيل: " من صَامَ رمضانَ، وقامَه ".
ش- عقيل- بضم العين- ابن خالد بن عَقيل- بفتح العين- الأيلي، وأخرج البخاري حديث عقيل، عن الزهري بلفظ القيام.
1342- ص- نا مخلد بن خالد (1) ، وابن أبي خلف- المعنى-، قالا:
نا سفيان، عنِ الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرِة يَبْلُغُ به النبي- عليه السلام-: " من صامَ رَمضانَ إيمانًا، واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذَنبهِ ومن قامَ لَيلةَ القدرِ إِيمانًا، واحتسابًا، غُفِرَ لهَ ما تَقَدمَ من ذنبِهِ " (2) .
ش- ابن أبي خلف: محمد بن أحمد بن أبي خلف، وسفيان: الثوري. فإن قيل: قوله في الحديث المتقدم: " من قام رمضان " الحديث، يغني عن قوله: " ومن قام ليلة القدر "، الحديث، قلنا: المراد من قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر، فلم يغن احدهما عن الآخر، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وأخرجه ابن [2/ 150 - أ] ماجه مختصرا/ في ذكر الصوم.
ص- قال أبو داود: كذا رواه يحيى بنُ أبي كثير، عن أبي سلمة، ومحمد بن عمروٍ، عن أبي سلمة.
ش- أي: كذا روى الحديث يحيى بن أبي كثير: صالح اليمامي، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، وكذا رواه محمد بن عمرو بن علقمة ابن وقاص، عن أبي سلمة وروى الترمذي، وقال: نا هناد، نا عبدة،
__________
(1) في الأصل: " محمد بن خالد " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من الإيمان له (38) ، مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 175- (760) ، النسائي: كتاب الصيام، باب: ثواب من قام رمضان وصام إيمانا واحتسابا، والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك
(4/ 157) ، ابن ماجه: كتاب الصوم، باب: قيام شهر رمضان (1326) .(5/276)
والمحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " من صام رمضان وقامه إيمانًا، واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا، واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه " وقال: هذا حديث حسن صحيح.
1343- ص- نا القعنبي، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أن النبي- عليه السلام- صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلَى من القَابلَة، فكَثُرَ الناسُ، ثم اجتمَعُوا منَ الليلةِ الثالثة، فَلَم يَخْرج إليهم رسولُ الله، َ فلَما أصْبَحَ قال: قد رأيتُ الذي صنَعْتُم، ولَم يَمْنَعْني من الخروج إليكم إَلا أني خَشِيتُ أن تُفْرَضَ عليكم، وذلك في رمضانَ " (1) .
ش- أخرجه: البخاري، ومسلم، وفيه جواز النافلة جماعة، ولكن الأفضل فيها الانفراد إلا في التراويح (2) ، وجوازها في المسجد، وإن كان البيت أفضل، وفيه جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته، وهذا مذهب الجمهور، إلا رواية من الشافعي، وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر أهمهما، لأنه- عليه السلام- كان رأى الصلاة في المسجد مصلحة لبيان الجواز أو أنه كان معتكفًا، فلما عارضه خوف الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخاف من عجزهم، وتركهم الفرض، وفيه أن الإمام، أو كبيرَ القوم إذا فعل شيئا خلاف ما يتوقعه تُباعه، وكان له فيه عذر يذكره لهم، تطيباً لقلوبهم، وإصلاحًا لذات البَيْنِ، لئلا يظنوا خلاف هذا، وربما ظنوا ظن السَّوء، والله أعلم.
1344- ص- نا هناد، نا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن
__________
(1) البخاري: كتاب الصوم، باب: فضل من قام رمضان، مسلم: كتاب الصلاة، باب: قيام رمضان وهو التراويح 177- (761) ، النسائي: كتاب
قيام الليل، باب: قيام شهر رمضان (3/ 202) .
(2) في الأصل: " التواريح ".(5/277)
إبراهيمِ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: " كَانَ الناس يُصَلُّون في المسجد في رمَضانَ أَوْزَاعًا، فأمرنِي رسولُ الله- عليه السلام- فَضَربتُ له حَصيرًاَ فصلَّى عليه بهذه القصة، قال (1) فيه. قالت: قال تعني النبيَّ- عليه السلام-: " أيُّها الناسُ، أمَا والله ما بتّ ليلتي هذه بحمد الله غَافِلاً، ولا خَفِيَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ " (2) .ً
ش- هنّاد: ابن السري، وعبدة: ابن سليمان، ومحمد بن عمرو: ابن علقمة، ومحمد بن إبراهيم: ابن الحارث التيمي.
قوله: " أوزاعاً " حال من الضمير الذي في " يصلون "، بمعنى متفرقين، أو جماعات متفرقة، وضروب مجتمعة بعضها دون بعض وأصله من التوزيع، وهو الانقسام، والمعنى: كان الناس يتنفلون فيه بعد صلاة العشاء متفرقين.
قوله: " حصيرًا " الحصير ينسج من السعف أصغر من المصلى، وقيل: الخمرة: الحصير الصغير الذي يسجد عليه.
قوله: " بهذه القصة " إشارة إلى ما رُوي من الحديث المذكور.
قوله: " قال فيه: قالت " أي: قال هناد في هذا الخبر: " قالت عائشة: قال، تعني " أي: تقصد عائشة النبيَّ- عليه السلام- من قولها: " قال ". قوله: " أما والله " كلمة " أما " بالفتح والتخفيف على وجهين، أحدهما أن تكون حرف استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم، والآخر أن تكون بمعنى حقًا، فأما الذي في الحديث من القسم الأول.
1345- ص- نا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: "صُمْنَا مع رسول الله رَمضانَ فلم يَقُمْ بنا شيئًا من الشهرِ حتى بَقيَ سَبع، فقامَ بنا حتى فَهبَ ثلُث الليلِ، فلما كانت السادسةُ لم يقُمْ بنا، فلما كانتِ الخامسةُ قامَ
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(5/278)
بنا حتى ذَهبَ شَطرُ الليل، فقلتُ: نا رسولَ اللهِ لو نَفلتَنَا قيام هذه الليلة؟
قال: فقال: إن الرجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينَصرِفَ حُسبتْ له قيام ليلةٍ،
قال: فلما كانت الرابعةُ لم يُقم، فلما كانت الثالثةُ جَمَعَ أهلًه ونساءَهُ والناسَ
فقامَ بنا، حتى خًشِينا أن يفوتَنَا الفلاحُ، َ قال: قلتُ: وما الفلاحُ؟ قال السَّحورُ، ثم لم يقُمْ بنا بقية الشهرِ " (1) .
ش- الوليد بن عبد الرحمن الجرشي الحمصي، مولى أبي سفيان الأنصاري، سكن دمشق، وكان على خراج الغوطة أنام هشام بن
عبد الملك. روى عن سلمة بن نفيل، وعياض/ بن غطيف، وجبير بن 21 [2/ 150 - ب] نفير. روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة، وداود بن أبي هند، ومحمد بن
مهاجر، وغيرهم، وقال أبو زرعة الدمشقي: هو قديم، جيد الحديث،
وقال ابن خراش: هو ثقة، كان فيمن قدم على الحجاج. روى له
الجماعة إلا البخاري.
قوله: " حتى بقي سبع " أي: سبع ليال من الشهر.
قوله: " فلما كانت السادسة " أي: الليلة السادسة، وهي ليلة الرابع
والعشرين من الشهر.
قوله: " فلما كانت الخامسة " أي: الليلة الخامسة، وهي ليلة الخامس
والعشرين منه.
قوله: " فلما كانت الرابعة " أي: الليلة الرابعة، وهي ليلة السادس
والعشرين من الشهر.
قوله: " فلما كانت الثالثة " أي: الليلة الثالثة، وهي ليلة السابع
والعشرين، ليلة القدر عند الجمهور، جمع رسول الله أهله ونساءه،
وجمع الناس.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصوم، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان (806) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ثواب من صلى مع الإمام (3/ 83) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان (1327) .(5/279)
قوله: " حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح " أصل الفلاح النقاء، وسمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم، ومعينًا عليه، والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
1346- ص- نا نصر بن علي، وداود بن أمية، أن سفيان أخبرهم، عن أبي يعفور. وقال داود: عن ابن عبيد بن نسطاس، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة: " أن النبيَّ- عليه السلام- كان إذا دَخَلَ العَشْرُ، أحْنا الليلَ، وشَذَ المِئْزَرَ، وأيْقظَ أهْلَهُ " (1) .
ش- داود بن أمية. روى عن معاذ بن هشام، ومعاذ بن معاذ. روى عنه أبو داود، وأبو الضحى: مسلم بن صبيح، ومسروق: ابن الأجدع. قوله: " وشد المئزر " كناية عن الجد، والتشمير في العبادة، وقيل:
هو كناية عن ترك النساء، وقيل: إن هذا من ألطف الكناية عن اعتزال النساء، وقيل: كان يجتهد في العشر لمعنيين، أحدهما: لرجاء ليلة القدر، والثاني: لأنه آخر العمل، وينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة، والمئزر بكسر الميم، والإزار ما ائتزر الرجل به من أسفله، والإزار يذكر ويؤنث، والإزارة مثله، كما قالوا: للوسادة إساد، وإسادة، وفيه من الاستحباب إحياء العشر الأخير من رمضان، ولا سيما ليلة السابع والعشرين، فيحيها بأهله، وعياله، إلى وقت السحور كما مر في الحديث السالف، والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: أبو يعفور اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس.
__________
(1) البخاري: كتاب فضل ليلة القدر، باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان (2024) ، مسلم: كتاب الاعتكاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان (7/ 1174) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب:
الاختلاف على عائشة في إحياء الليل (3/ 69) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان (1768) .(5/280)
ش- يعفور: بفتح الياء آخر الحروف، وسكون العين المهملة، وضم الفاء، بعدها واو ساكنة وفي آخره راء، واليعفور في اللغة الخشف، وولد البقرة الوحشية، ويقال: اليعافير تُيوس الظباء، وأبو يعفور كنية عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعْلبي العامري البكالي الكوفي. روى عن أبيه، والسائب بن يزيد، وأبي الضحى، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وابن المبارك، وغيرهم، قال أحمد: هو: أبو يعفور الصغير، كوفي ثقة. وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له: الجماعة (1) .
1347- ص- نا أحمد بن سعيد الهمداني، نا عبد الله بن وهب، أخبرني مسلمِ بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: " خَرَج رسولُ الله- عليه السلام- فإذا الناسُ في رَمضانَ يُصَلُّونَ في نَاحية المسجد، فقالَ: مَا هؤلاء؟ فقيلَ: هؤلاء أناس (2) ليس معهم قُرآن، وأبي بنُ كعبَ يصلي وهم يُصًلونَ بصلاته، فَقال النبيُّ- عليه السلام- أصَابُوا، ونِعْمَ فا صَنَعُوا " (3) .
ش- مسلم بن خالد بن قرقرة أبو خالد الزنجي القرشي المخزومي، مولى [عبد الله بن] سفيان بن عبد الله بن عبد الأسد. روى عن: الزهري، وعمرو بن دينار، والعلاء بن عبد الرحمن، وغيرهم. روى عنه: الشافعي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وعبد الله بن وهب وغيرهم. وإنما لقب بالزنجي، وكان أبيض مشرباً بحمرة، لمحبته التمر، ويقال: لأنه كان أشقر مثل البصلة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أبو شبل الحرقي الجهني مولاهم، والحرقة من جهينة.
قوله: " يصلون " يعني: يتنفلون بعد العشاء الآخرة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3895) .
(2) في سنن أبي داود: " ناس ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5925) .(5/281)
ص- قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقويِّ، مسلمُ بنُ خالد ضعيف [2/ 151 - أ] ش - / أشار أبو داود إلى تضعيف الحديث بقوله: " مسًلم بن خالد ضعيف " وقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، منكر الحديث، لا يكتب حديثه، لا يحتج به، تعرف وتنكر، وقال صاحب " الكمال ": وقال يحيى بن معين: ثقة. وفي رواية: ليس به بأس، وقال ابن عدي: هو حسن الحديث، وأرجو أنه لا بأس به.
***
305- باب: في ليلة القدر
أي: هذا باب في بيان ليلة القدر، سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار والرزاق والآجال، التي تكون في السَّنَة لقوله تعالى: {فيها يُفْرَقُ كُلّ أَمْر حكيمٍ} (ا) ويقال: سميت بذلك لعظم قدرها، وشَر فها.
1348- ص- نا سليمان بن حرب، ومسدد، المعنى، قالا: نا حماد، عن عاصم، عن زر قال: قلتُ لأبيِّ بن كعب: نا أَخْبرنِي عن ليلة القَدرِ نا أبا المنذر، فإن صاحبَنَا سُئِلَ عنها، فقال: من يَقُمْ الحَوْلَ يُصبْهَا، فقال: رَحمَ اللهُ أباَ عبد الرحمنَ، والله لَقَد عَلمَ أنها في رَمضان، زَادَ مسَددٌ: ولكنْ كَرِهَ أن تَتَّكلُوا، أو أَحب أن لاَ تتَّكلُواَ (2) . والله إنها لفِي رَمَضَانَ، ليلةَ سبع وعشرين، لا نَستثْنِي (3) قلتُ: أبَا المنذر، أنَى عًلمتَ ذلكَ؟ قال بالآية التي أخبرنا رسولُ الله، قلت لزِرٍّ: ما الآيةُ؟ قال: تصبحُ الشمُس صَبيحةَ تلك الليلة مثلَ الطّسْتِ، ليس لها شُعَاعٌ، حتى ترتفِعَ " (4) .
__________
(1) سورة الدخان: (4) .
(2) جاء في سنن أبي داود بعد قوله: " أن لا يتكلوا ": " لم اتفقا ".
(3) في سنن أبي داود: " لا يستثنى " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(4) مسلم: كتاب الصوم، باب: فضل ليلة القدر (762) ، الترمذي: كتاب الصوم، باب: ليلة القدر (793) ، وكتاب التفسير (3351) ، النسائي في الكبرى: كتاب التفسير.(5/282)
ش- حماد بن سلمة، وعاصم بن بهدلة، وزر بن حبيش.
قوله: " من يقم الحول " أي: جميع السنَة " يصبها ".
قوله: " رحم الله أبا عبد الرحمن " وهو كنية عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
قوله: " ليلة سبع وعشرين " أي: في ليلة سبع وعشرين، وفي بعض النسخ: " لليلة سبع وعشرين ".
قوله: " لا نستثنى " بنون الجماعة على صيغة المعلوم، ويكون هذا من كلام أبَيِّ، والمعنى لا نستثني في يميننا، وفي بعض الرواية " بالياء " على صيغة الغيبة، ويكون هذا من كلام زر، والمعنى حلف أبي ولا يستثنى في يمينه، وموضع هذه الجملة النصب على الحال، وقد عرف أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالا، وكان فعلها مضارعًا يجوز فيها الواو، وتركها، فافهم.
قوله: " أَنى علمت ذلك " أي: من أين علمت أنها ليلة سبع وعشرين؟ قوله: " قلت لزر " أي: قال عاصم: قلت لزر.
قوله: " مثل الطست " قد ذكرنا فيه لغات: طَست وطِست بالفتح والكسر، وطَس وطِس كذلك، وطَسَه وطِسَه كذلك.
قوله: " ليس لها شعاع " قيل: يحتمل أن هذه الصفة اختصت بعلامة صبيحة [الليلة] التي أنبأهم النبي- عليه السلام- أنها ليلة القدر، وجعلها دليلاً لهم عليها في ذلك، لا أن تلك الصفة مختصة بصبيحة كل ليلة قدر، كما أعلمهم- عليه السلام- أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، ً ويحتمل أنها صفة خاصة لها، وقيل في ذلك: إنه لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها، ونزولها إلى الأرض، وصعودها بما تنزلت به من عند الله، وبكل أمر حكيم، وبالثواب في الأجور، سترت أجسامها اللطيفة، وأجنحتها شعاعها، وحجبت نورها، والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي.
1349- ص- نا أحمد بن حرص، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن(5/283)
طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، عن ضمرة بن
عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: " كنتُ في مَجلسِ بني سلمةَ، وأنا أصغرُهم، فقالوا: من يَسألُ لنا رسولَ الله " يعن ليلةِ القدرِ؟ وذلك
صبيحةُ إحدى وعِشرينَ من رَمضانَ، فخرجتُ فَوافيتُ معَ رسول الله صَلاةَ
المغربِ، ثم قمتُ بباب بيتهِ، فَمَر بي، فقال: ادخلْ، فَدخلتُ، فأتِيَ
بعشائه، فرأيتُنِي (1) أكف عنه من قلَّته، فلما فَرغَ قال: نَاولُوني (2) نَعْلِي
فَقام، وَقُمتُ معه، فقال: كَأن لكَ حًاجةً؟ فقلتُ: أجلْ، أرْسَلنِي إليكَ
رَهْط من بني سلمة، يَسألُونكَ عن ليلةِ القدرِ، فقال: كم الليلةُ؟ فقال:
اثنتان وعشرون، قال: هي الليلة، ثم رَجَعَ، فقال: أو القَابلةُ، يريدُ ليلةَ
ثلاثٍ وعشرينَ " (3) .
ش- أحمد بن حفص بن الله بن رشاد السلمي السكري (4) أبو علي
النيسابوري قاضيها. سمع أباه وعبدان بن عثمان، ويحيى بن يحيى، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم
الرازي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم، توفي ليلة الأربعاء،
لثلاث خلون من المحرم (5) ، سنة ثمان وخمسة ومائتين، ودفن بعد
المغرب (6) . [2/ 151 - ب] / وأبوه حفص بن عبد الله، قاضي نيسابور. سمع إبراهيم بن طهران، ومسعر بن كدام، والثوري، وغيرهم. روى عنه: ابنه أحمد،
والفضل بن لكن، وقطن بن إبراهيم، وغيرهم. روى عنه البخاري
حديثًا واحدة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قرآني".
(2) في سنن أبي داود: " ناولني ".
(3) النسائي في (الكبرى) كتاب: الاعتكاف.
(4) قال محقق " تهذيب الكمال " (1/ 294) : " في حاشية النسخ تعليق للمؤلف:
" ذكر في نسبه السكري وأظنه وهما، لم أر كيره ذكره " ا. هـ. قلت
والقائل هو محقق التهذيب-: راجع الكمال (1/ الورقة: 167) فهو فيها
كذلك.
(5) في الأصل: والمغرب " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 27) .(5/284)
وعباد بن إسحاق هو: عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث القرشي العامري، ويقال له: عباد بن إسحاق، وقد ذكرناه مرةً، وضمرة بن عبد الله بن أنيس الجهني، ويقال: الأسلمي الحجازي. روى عن أبيه. روى عنه: الزهري، وبكير بن عبد الله الأشج، وبكير بن مسمار. روى له: أبو داود، والنسائي.
قوله: " في مجلس بني سلمة " بكسر اللام بطن من الأنصار.
قوله: " فأتي بِعَشائه " بفتح العين.
قوله: " فرأيتُني " بضم التاء، أي: فرأيت نفسي.
قوله: " من قلته " أي: لأجل قلة الطعام، والحديث أخرجه: النسائي.
وقال أبو داود: هذا حديث غريب، وعنه لم يرو الزهريُ، عن ضمرة غير هذا الحديث.
1350- ص- نا احمد بن يونس، نا زهير، نا محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن إبراهيم، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني، عن أبيه، قال: " قلتُ: يا رسولَ الله إن لي بَاديةً كونُ فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمُرْنِي بليلة أنزِلُهَا إلى هذاَ المسجد، فقال: انزلْ ليلة ثلاث وعشرين، فَقلتُ لابنه: فكيفً كان أبوكَ يصنعُ؟ َ قال: كان يدخلُ المسجدَ إذا صلى العَصرَ، فلا يخرجُ منه لحاجة، حتى يصلي الصبحَ، فإذا صَلَّى الصبحَ، وَجَدَ دابتَهُ على بابِ المسجدِ، فجلسَ عليها، فلَحِقَ بباديَتِهِ " (1) .
ش- زهير بن معاوية، ومحمد بن إبراهيم القيمي، وابن عبد الله بن أنيس، هو ضمرة المذكور آنفا.
قوله: " إن لي بادية أكون فيها " والمعنى: إنه كان يسكن في البادية في خباء.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/285)
قوله: " فقلتُ لابنه " أي: قال " محمد بن إبراهيم: قلت لابن عبد الله. 1351- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا وهيب، نا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي " عليه السلام- قال: " التَمسُوهَا في العشر الأواخر من رَمضانَ في تاسعة تَبْقَى، وفي سابعة تَبقى، وفي خَامسة تَبقَى " (1) .ً ش- وهيب: ابن خالد، وأيوب: السختياني.
قوله: " في تاسعة تبقى " هي ليلة إحدى وعشرين، " وسابعة تبقى "
هي ليلة ثلاث وعشرين " وخامسة تبقى " هي ليلة خمس وعشرين، وقال " بعضهم: إنما يصح معناه، ويوافق ليلة القدر وترًا من الليالي إذا كان الشهر ناقصًا، فأما إن [كان] كاملاً، فإنها لا تكون إلا في شفع، فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، والسابعة الباقية ليلة أربع وعشرين، على ما ذكره البخاري. عن ابن عباس، فلا يصادف واحدة منهن وتراً، وهذا على طريقة العرب في التأريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، فإنما يؤرخون بالباقي منه، لا بالماضي، هكذا ذكره بعضهم، والحديث أخرجه: البخاري، وذكر متابعة، عن ابن عباس " التمسوها في أربع. وعشرين ".
***
306- باب من قال: ليلة إحدى وعشرين
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين من رمضان.
1352- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي كلمة بن عبد الرحمن، عن أبى سعيد الخدري، قال: " كان رسولُ الله- عليه السلام- يعتكفُ العشرَ الأوْسَطَ من رَمضانَ، فاعتكفَ عَامًا حتى إذا كانت ليلةَ إحدى وعشرينَ،
__________
(1) البخاري: كتاب فضل ليلة القدر، باب: تحري ليلة القدر (2021) .(5/286)
وهي الليلةُ التي يخرجُ فيها من اعتكافه، قال: مَن كان اعتكفَ معي فليعتكفْ العَشْرَ الأواخَر، وقد رأيتُ هذه الَليَلةَ، ثم أنسيتُها، وقد رأيتُني أسجدُ صبيحتَها (1) في ماء وطِين، فالتمسُوهَا في العشرَ الأواخرِ، والتمسُوهَا في كلَ وترٍ، قال أبو سًعيد: ً فَمطرَت السماءُ من تلك الليلة، وكان المسجدُ على عَريشٍ فوكَفَ المسجدُ، فقال أَبو سعيد: فأبْصَرتْ عينَاي النبيَّ- عليه السلام- وعلى جَبهته، وأنفه أَثَرَ الماء، والطين من صبيحة إحدى وعشرين " (2) .ًً
ش- " العشر الأوسط " رواه بعضهم: " العشر الوُسُط " بضم الواو والسين، جمع واسط كبازل وبُزُل. ورواه بعضهم بضم الواو، وفتح السين جمع وسطى ككُبَرٍ وكُبرَى، وأكثر الروايات فيه/ الأوسط، كما [2/ 152 - أ] هاهنا، وقيل إنه جاء على لفظ العشر، فإن لفظ العشر مذكر.
قوله: " وقد رأيتني " بضم التاء، أي: قد رأيت نفسي.
قوله: " على عريش " أي: مظللاً بجريد ونحوه، مما يُستظل به، يريد أنه لم يكن له سقف يكن من المطر، والعريش كالبيت يصنع من سعف النخل، ينزل فيه الناس أيام الثمار، ليصيبوا منها حتى تنصرم، والعريش أيضًا الخيام، والبيوت.
قوله: " فوكَف المسجد " بفتح الكاف، أي: قطر ماء المطر من سقفه. قوله: " وعلى جبهته، وأنفه أثر الماء والطين " كان الحميدي يحتج بهذا الحديث على أن السنَة للمصلي أن لا يمسح جبهته في الصلاة، وكذا قال
__________
(1) في سنن أبي داود: " أسجد من صبيحتها ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ (669) ، مسلم: كتاب الصوم، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها 213- (1167) ، النسائي: كتاب التطبيقي، باب: السجود على الجبن (2/ 208) ، ابن ماجه: كتاب الصيام، باب: في ليلة القدر (1766) ، وتقدم برقم (871) .(5/287)
العلماء: مستحب أن لا يمسحها في الصلاة، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائْي، وابن ماجه.
1353- ص- نا محمد بن المثنى، حدثني عبد الأعلى، نا سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التمسُوها في العَشْرِ الأواخر من رَمضانَ، والتمسُوها في التاسعة، والسَابعة، والخامسة، قال: قلتُ يا أبَا سعيد إنكم أعلمُ بالعَدد منا، قال: أَجل، قلت: ما التاسعةَ، والسابعة، والخامسة؟ قال: إذا مضَت واحدة وعشرون: فالتي تليهَا التاسعة فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة " (1) .
ش- عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وسعيد بن أبي عروبة، وأبو نضرة المنذر بن مالك العبدي البصري.
قو له: " التمسوها " أي: اطلبوها.
قوله: " فالتي تليها التاسعة " جعل أبو سعيد التاسعة ليلة اثنين وعشرين، والسابعة ليلة أربع وعشرين، وهذا إذا كان الشهر ناقصًا على ما قدمناه في حديث ابن عباس، وقيل: إنما يصح لسبع بقين سواها، والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
ص- قال أبو داودَ: لا أدرِي: أخَفِيَ عَلَي منه شيء، أم لا؟
ش- الهمزة في أخفي للاستفهام.
قوله: " منه " أي: من الحديث.
***
307- باب: من روى أنها ليلة سبع عشرة
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن ليلة القدر هي في ليلة سبع عشرة من الشهر.
__________
(1) مسلم: كتاب الصوم، باب: في ليلة القدر (213- 1167) .(5/288)
1354- ص- نا حكيم بن سيف الرقي، نا عبيد الله- يعني: ابن عمرو
- عن زيد- يعني: ابن أبي أنيسة- عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابنِ مسعود، قال: قال لَنَا رِسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " اطلُبُوهَا ليلةَ سبع عَشرةَ من رَمضان، وليلةَ إحدى وعشرين، وليلةَ ثلاث وعشرين، وسكت " (1) ، (2) .
ً
ش- حكيم بن سيف الرقي أبو عمرو الأسدي مولاهم. روى عن أبي المليح، وعبيد الله بن عمرو، وداود بن عبد الرحمن العطار. روى عنه: أبو زرعة، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهم.
وعبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب الرقي. سمع عبد الملك بن عمير، وأيوب السختياني، والأعمش، وزيد بن أبي أنيسة، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وحكيم بن سيف الرقي، وسليمان بن عبد الله الرقي، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو حاتم: صالح ثقة، لا اعرف له حديثًا منكرًا، مات بالرقة سنة ثمانين ومائة. روى له: الجماعة.
وزيد بن أبي أنيسة أبو أسامة الجزري الرهاوي، واسم أبي أنيسة: زيد، كوفي الأصل، وهو غنوي مولى [بني] ، غنيِّ بن اعصر. روى عن: عطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن مرة، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، ومسعر بن كدام، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وغيرهم. قال محمد بن سعد: كان يسكن الرُها، ومات بها، وكان ثقة، كثير الحديث، فقيهًا، راوية للعلم، قال محمد بن عمر: مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبو إسحاق: السبيعي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثم سكت ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2089) .
19* شرح سنن أبى داود(5/289)
قوله: " اطلبوها " أي: ليلة القدر، وقال في " مختصر السنن ": وفي إسناده حكيم بن سيف، وفيه مقال.
308- باب: من روى في السبع الأواخر
أي: هذا باب في بيان قول من روى أنها في (1) / السبع الأواخر. [2/152
- ب]
1355- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَحَرُّوا ليلةَ القدرِ في السبع الأواخرِ " (2)
ش- أي: احرصوا على طلبها، واجتهدوا فيه، والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
***
309 - باب من قال: سبعاً وعشرين (3)
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إنها في سبع وعشرين، وهو قول الجمهور.
1356- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن قتادة: سمع مطرفًا، عن معاوية بن أبيِ سفيان، عن النبي- عليه السلام- في ليلة القدرِ، قال: " ليلةَ سبعٍ وعشرين " (4) .
ش- مطرف: ابن عبد الله بن الشخير.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا مروان بن معاوية، عن ابن أبي خالد، عن زر، قال: سمعت أُبي بن كعب، يقول: " ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ".
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) مسلم: كتاب الصوم، باب: فضل ليلة القدر 205- (1165) ، النسائي في الكبرى: كتاب الاعتكاف.
(3) في سنن أبي داود: " سبع وعشرون ".
(4) تفرد به أبو داود.(5/290)
ونا ابن إدريس، عن الأجلح، عن الشعبي، عن زر بن حبيش،
قال: سمعت أبيّاً، يقول: " ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، هي التي
أخبرنا بها رسول الله، أن الشمس تطلع بيضاء ترقرق ".
***
310- باب من قال: هي في كل رمضان
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن ليلة القدر في جميع شهر
رمضان.
1357- ص- نا حميد بن زَنْجُويه النسائي، نا سعيد بن أبي مريم، نا
محمد بن جعفر بن أبي كثير، نا موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن
سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر، قال: سُئِلَ رسولُ اللهِ وأنا أسْمعُ، عن
ليلة القدرِ؟ فقال: " هي في كلِّ رَمضانَ " (1) (2) .
شَ- حميد بن زَنْجُويه- بفتح الزاي، وسكون النورْ، وضم الجيم،
وفتح الياء- والنحاة يقولونه: زِنجويه مثل سيبويه ونحوه [ ... ] (3) .
ومحمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني، أخو
يحيى، وإسماعيل، وكثير. سمع سلمة بن دينار، وحميدا (4)
الطويل، وزيد بن أسلم، وغيرهم. روى عنه: سعيد بن أبي مريم،
ومعتمر بن سليمان، وخالد بن معدان، وغيرهم. روى له: الجماعة.
اختلف العلماء في محل ليلة القدر، فقال جماعة: هي متنقلة، تكون
في سنة في ليلة، وتكون في سنة أخرى في ليلة وهكذا، وبهذا جمع بين
الأحاديث، ويقال: كل حديث جاء بأحد أوقاتها، فلا تعارض فيها،
هذا قول مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم،
قالوا: وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: بل في كله،
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث: " قال أبو داود: رواه سفيان، وشعبة،
عن أبي إسحاق موقوفا على ابن عمر، لم يرفعاه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
(4) في الأصل: " حميد ".(5/291)
وقيل: إنها معينة لا تنتقل أبدًا، بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا
تفارقها، وعلي هذا قيل هي في السنة كلها، وهو قول ابن مسعود- رضي
الله عنه- وقيل: بل في شهر رمضان كله، وهو قول ابن عمر،
وجماعة من الصحابة، وبه قال أبو حنيفة، وقال: ليلة القدر، تكون
في شهر رمضان، لا في غيره، لكنها تتقدم وتتأخر 0 وقال أبو يوسف،
ومحمد: تكون في شهر رمضان في ليلة واحدة، لا تتقدم ولا تتأخر.
وفائدة الخلاف فيمن قال لعبده: أنت حر ليلة القدر، فإن قال ذلك
قبل دخول شهر رمضان عتق إذا انسلخ الشهر، وإن كان بعد مضي ليلة
من الشهر لم يعتق عبده حتى ينسلخ الشهر من العام القابل، لجواز أنها
كانت في الشهر الماضي في الليلة الأولى وفي الشهر الآتي في الليلة
الأخيرة، وعندهما إذا مضى ليلة من الشهر من العام القابل، فجاء مثل
الوقت الذي حلف عتق، لأن عندهما لا تتقدم ولا تتأخر، في ليلة من
الشهر في كل وقت، فإذا جاء مثل ذلك الوقت فقد تيقنا بمجيء الوقت
المضاف إليه العتق، فلهذا يعتق، كذا في " مبسوط " شمس الأئمة
السرخسي، وقيل: بل في العشر الوسط والأواخر، وقيل: في العشر
الأواخر، وقيل: يختص بأوقات العشر، وقيل: بأشفاعها، وقيل: بل
في ثلاث وعشرين، أو سبع وعشرين، وهو قول ابن عباس، وقيل:
تطلب في ليلة سبعة عشر، وإحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين،
وحُكي عن علي، وابن عباس، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وهو قول
كثير من الصحابة، وقيل: ليلة أربع وعشرين، وهو مَحكي عن بلال
/وابن عباس، والحسن، وقتادة، وقيل: ليلة سبع وعشرين، وهو قول
جماعة من الصحابة، وقيل: سبع عشرة، وهو مَحكي عن زيد بن أرقم،
وابن مسعود أيضًا، وقيل: ليلة تسع عشرة، وحُكي عن ابن مسعود
أيضًا، وحُكي عن على أيضًا، وقيل: آخر ليلة من الشهر.
واختلفوا هل هي باقية أم كانت في زمن رسول الله- عليه السلام-
خاصة، فقالت طائفة: قد رفعت لقوله- عليه السلام- حين تلاحَى(5/292)
الرجلان: " فرفعت " والصحيح بقاؤها، ودوامها إلى آخر الدهر،
للأحاديث الصحيحة المشهورة، واستدلالهم غير صحيح، لأن آخر
الحديث يرد عليهم، فإنه- عليه السلام- قال: " فرفعت فعسى أن
يكون خيراً لكم، فالتمسوها في السبع، والتسع " هكذا هو في أول
"صحيح البخاري "، وفيه تصريح بان المراد برفعها رفع بيان علم عينها،
ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها.
***
311- باب: في كم يقرأ القرآن
أي: هذا باب في بيان المدة التي يقرأ فيها القرآن.
1358- ص- نا مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، قالا: نا أبان،
عن يحيى، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو
"أن النبيَ- عليه السلام- قال له: اقْرأ القراَنَ في شهر، قال: إني أجدُ قُوةً،
قال: اقرأ في عشرينَ، قال: إِني أجدُ قوةً، قال: اقرأ في خمسِ عَشْرةَ،
قال: إني أجدُ قوةً، قال: اقرأ في عشر، قال إني أجدُ قُوةً، قال: اقرأ في
سبع، ولا تَزيدَنَّ على ذلك " (1) .
ش- أبان بن يزيد العطار، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم
التيمي.
ويستفاد من الحديث أن أنهى مدة لا ينبغي أن يتجاوزها ثلاثون يومًا،
كل يوم جزء من الأجزاء الثلاثين، فإذا قرأ كل يوم جزعاً فقد أقام ما عليه
من حق القرآن، ثم بعد ذلك يتفاوت بحسب قوة القارئ، وقدرته على
ذلك، والأولى أن يقرأ كل يوم سُبعاً، ويختم في اليوم السابع، ولا
يزيد على ذلك، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
ص- قال أبو داود: وحديثُ مسلمٍ أتمُّ.
__________
(1) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: في كم يقرأ القراَن؟ (5053، 5054) ،
مسلم: كتاب الصوم، باب: النهي عن صوم الدهر 184- (1159) .(5/293)
ش- أي: حديث مسلم بن إبراهيم أتم من حديث موسى بن
إسماعيل.
1359- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عطاء بن السائب،
عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صُمْ من كلِّ
شهر ثلاثةَ أيام، واقرأ القرآن في شهر "، فَنَاقَصَني وناقًصْتُه، فقال: " صُمْ
من كل
يومَاً، وأفطرْ يومَا "، قال عطاء: واختلفنا عن أبي، فقال بعضنا: " سبعة
أيام " وقال بَعضنَا: " خَمسًا " (1) .
ش- حماد بن سلمة.
قوله: " ثلاثة أيام " يتناول أفيَ ثلاثة كانت، ولكن قالوا: المراد منها
أيام البيض، لأحاديث أخر تدل عليها، وهي الثالث عشر، والرابع
عشر، والخامس عشر من الشهر.
قوله: " فناقصني " من المناقصة، وهي المفاعلة، وهي للاشتراك،
والمعنى هاهنا كل منهما أراد النقص في الصوم عن ثلاثة أيام، وفي القراءة
عن الشهر، وقد علم أن معنى الاشتراك في هذا الباب هو أن يكون من
غيره إليه ما كان منه إليه، كقولك: ضاربته، وقابلته.
قوله: " قال عطاء " أي: عطاء بن السائب المذكور.
قوله: " خمسَا " أي: خمسة أيام، وعطاء هذا فيه مقال كما تقدم.
1360- ص- نا ابن المثنى، حدثني عبد الصمد، نا هشام، نا قتادة، عن
يزيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: يا رسولَ الله! في كَمْ أقرأ
القرآنَ؟ قال: " في شهر " قال إني اقْوَي من ذلك، ردد أَبو موسى هذا
الكلامَ (2) ، ويناقِصه، حتى قال: " اقرأهُ في سبع "، قال: إنى أقْوَى من
ذلك، قال: " لا يَفْقَهُ من قَرَأهُ في أقل من ثلاث "
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " يردد الكلام أبو موسى ".
(3) تفرد به أبو داود.(5/294)
ش- محمد بن المثنى، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وهمام بن
يحيى، ويزيد بن عبد الله بن الشخير
قوله: " في كم أقرأ القرآن " أي: في كم يوم أختم القرآن كله.
قوله: " ردد أبو موسى " هو محمد بن المثنى.
قوله: " في سبع " أي: في سبعة أيام.
قوله: " لا يفقه " أي: لا يفهم من قرأ القرآن في أقل من ثلاثة أيام،
والمعنى أنه يفوته ما يجب أن يُراعى فيه من الترتيل، والتدبر، والتأني.
1361- ص- نا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان- خال
عيسى بن شاذان-، نا أبو داود، نا الحريش بن سُليم، عن طلحة بن
مصرف، عن خيثمة، عن (1) /عبد الله بن عمرو، قال: " قال لي رسولُ
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقرأ القرآن في شهر " قال: إنَّ بي قُوةً قال: " اقرأ في ثلاثٍ " (2) .
ش- أبو داود الطيالسي.
وحريش- بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وفي آخره شين معجمة-
ابن سليم الجعفي، ويقال: الثقفي أبو سعيد الكوفي. سمع طلحة بن
مصرف. روى عنه: أبو داود الطيالسي، وزهير بن معاوية، وعبد الله
ابن إدريس، قال أبو داود الطيالسي: ثقة، وقال ابن معين: ليس بثقة.
روى له: أبو داود، والنسائي.
وخيثمة بن عبد الرحمن الجعفي.
قوله: " إن بي قوةً " والمعنى لي قوة أقدر على أن أقرأ في أقل من
الشهر، قال: " اقرأ في ثلاث " أي: في ثلاثة أيام.
ص- قال أبو داود: سمعت أحمد- يعني: ابن حنبل- يقول: عيسى
ابن شاذان كان كيسًا (3) .
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " عيسى بن شاذان كيس ".(5/295)
ش- عيسى بن شاذان- بالشين، والذال المعجمتين- البصري نزيل
مصر. روى عنه: أبو داود.
312- باب: تحزيب القرآن
أي: هذا باب في بيان تحزيب القرآن، وتحزيب القرآن أن يجعله حزبًا
حزبًا، وقد ذكرنا أن الحزب ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة، وكذا
عن صلاة، كالورد.
1362- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس، نا ابن أبي مريم، أنا يحيى
ابن أيوب، عن ابن الهاد قال: سألَني نافع بنُ جبير بن مطعم، فقال لي: في
كَمْ تَقرأ القُرآنَ؟ فقلتُ: ما أحزبه، فقالَ لي نافعٌ: لا تقلْ: ما أحزِبُه، فان
رسولَ الله قال: " قرأتُ جُزءًا من القرآن " قال: حسبْتُ أنه ذكره عن المغيرة
ابن شعبةَ (1) .
ش- سعيد بن أبي مريم، ويحيى بن أيوب المصري، وابن الهاد هو
يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد.
قوله: " لا تقل ما أحزبه " طاهر كلامه أن لا يقال: أحزب القرآن، ولا
حزبته، ونحو ذلك، ولكن قوله- عليه السلام- قرأت جزءا من القرآن
لا يدل على نفي القول بالتحزيب، فافهم.
1363- ص- نا مسدد، نا قُرَّانُ بن تمام ح، ونا عبد الله بن سعيد، نا
أبو خالد- وهذا لفظه- عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى، عن عثمان
ابن عبد الله بن أوس، عن جده. قال عبد الله بن سعيد في حديثه: أوس بن
حذيفة، قال: " قَدِمْنَا على رسولِ الله في وَفْدِ ثقيف، قال: فنزلَت الأحلافُ
على المغيرة بنِ شعبةَ، وانزلَ رسول" الله بني مالكً في قُبة له، قاَل مسدد:
وكان في الَوَفد الذين قَدمُوا على رسولِ الله من ثقًيف، قًال: كان كل ليلة
يأتينا بعدَ العشاَءِ، يحدثناَ، قال أبو سعيدٍ: قَائمًا على رًجليه حتى يُرَاوح بينً
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/296)
رِجليه من طُوِلِ القيام، وكثرُ ما يحدثنا ما لَقيَ من قومه من قريش، ثم
يقولُ: لا سواء، كنا مستضعفين، مُستذِّلين، قالَ مسدد: بَمَكة، فلما خرجْنَا
إلى المدينة كانت سجَالُ الحرَب بيننا وبينهم، لدَالُ عليهم ويُدَالُون عَلينا؟
فلما كانت ليلةً أبطَأ عندَ (1) الوَقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأت
عنا الليلةَ قال: إنه طَرأَ علب جُزئيِ مَن القراَن، فكرهت [أن] أجيءَ حتى
أتمَهُ، قال أوس: سألتُ أصحاب رسول الله، كيف يحزَبون القرآنَ؟ قالوا:
ثَلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، [وتسع] ، وإحدى عشر ةَ، وثلاث عشرةَ،
وحزب المفصلِ وحدَه، وحديثُ أبي سعيد أتمّ " (2) .
ش- قُران- بضم القاف، وتشديد الرًاء، وفي آخره نون- ابن تمام،
أبو تمام الأسدي الكوفي، سكن بغداد. سمع هشام بن عروة، ويزيد
ابن سنان، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
منيع، والحسن بن عرفة، وأحمد بن حنبل، قال ابن سعد: قدم بغداد،
وكان ينتخس في الدواب، وكان ضعيفًا، وقال ابن معين: صدوق،
ثقة، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي.
وأبو خالد الأحمر.
وعثمان بن عبد الله بن أوس بن حذيفة الثقفي. روى عن: جده
أوس، وعمه عمرو بن أوس. روى عنه: عبد الله بن عبد الرحمن
الطائفي، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن مسلم. روى له: أبو داود،
وابن ماجه، وأوس بن حذيفة بن ربيعة بن أبي سلمة بن عَنزَة بن
أبي عوف، وهو ابن أبي أوس، وله أحاديث، منها حديث في المسح
على القدمين، وفي إسناده ضعف، وحديث في وفد ثقيف، وتحزيب
القراَن. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " فنزلت الأحلاف " الأحلاف/أحد قبيلي ثقيف، لأن ثقيفا
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في كم يستحب يختم القرآن (1345) .(5/297)
فرقتان: بنو مالك، والأحلاف، والأحلاف أيضا بطن من كلب،
والأحلاف من قريش ست قبائل: عبد الدار، وجمح، وسهم،
ومخزوم، وعدي، وكعب، لهم ذكر في حلف المطيبين، ويقال في
النسبة إليهم: أحلافي وهذا أحد ما جاء من النسب إلى الجميع، لأن
الأحلاف صار اسمًا لهم، كالأنصار صار اسمًا للأوس، والخزرج.
قلت: أصله من الحلف، وهو المعاقدة، والمعاهدة، على التعاضد،
والتساعد، والاتفاق، وقال الجوهري: الأحلاف، والحليف المحالف.
قوله: " في قُبة له " القبة من الخيام، بيت صغير مستدير، وهو من
بيوت العرب.
قوله: " وقال مسدد: وكان " أي: قال مسدد في روايته: وكان أوس بن
حذيفة.
قوله: " كان كل ليلة " أي: كان رسول الله- عليه السلام- كل ليلة
يأتينا بعد العشاء، يحدثنا، يعني: بما لقي من قومه، وغير ذلك.
قوله: " قال أبو سعيد " هو عبد الله بن سعيد الأشج، شيخ البخاري،
ومسلم، وأبي داود.
قوله: " قائمًا " حال من الضمير الذي في " يحدثنا " وقول: " قال
أبو سعيد " معترض بينهما.
قوله: " حتى يراوح بين رجليه " أي: يعتمد على إحديهما مرة، وعلى
الأخرى مرة، ومنه صلاة التراويح، لأنهم كانوا يستريحون بين
الترويحتين، وقيل: سميت التراويح، لأن المصلي يطول قيامه، فيتروح
بالقيام على إحدى القدمين.
قوله: " لا سواء " معناه لا نحن سواء، فحذف المبتدأ، والمعنى حالنا
الآن غير ما كانت عليه قبل الهجرة، ألا ترى إلى قوله: " كنا
مستضعفين مستذلين بمكة؟ ".
قوله: " قال مسدد: بمكة " أي: قال مسدد في روايته: " كنا مستضعفين
مستذلين بمكة " أي: لما كنا فيها.(5/298)
قوله: " سجال الحرب " أي: نوبها، أي: مرة لنا، ومرة علينا، من
مساجلة المستعين على البئر بالدلاء، فينزع هذا سجلاً، وهذا سجلاً،
يتناوبان بينهما السقي، فيكون هذا من ساجلت الرجل مساجلة،
وسجالاً، والسجال جمع السجل، أيضًا وهو الدلو الكبيرة.
قوله: " ندال عليهم، ويدالون علينا " يريد أن الدولة تكون لنا عليهم
مرة، ولهم علينا أخرى، والدولة: الظفر، والظهور، وقال ابن الأثير:
الدولة الانتقال من حال الشدة إلى الرخاء، وقوله: ندال من الإدالة،
وهي الغلبة، يقال: أديل لنا على أعدائنا، أي: نصرنا عليهم.
قوله: " طرأ علي جزئي " مهموز، يريد أنه كان قد أغفله عن وقته، ثم
ذكره، فقرأه، وأصله من قولك: طرأ علي الرجل، إذا خرج عليه فجأة
طروءًا فهو طارئٌ، كأنه فجئه الوقت الذي كان يؤدي فيه ورده، وجعل
ابتدائه فيه طرؤاً منه عليه، وَقد يترك الهمز فيه، فيقال: طَرَا يَطرو طُرُوا.
قوله: " قالوا: ثلاث " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي:
أحزابه ثلاث، وخمس إلى أخره.
قوله: " وحزب المفصل " والمفصل من سورة محمد، أو الحجرات إلى
أخر القراَن، وقد مر غير مرة، وقال ابن معين: إسناد هذا الحديث
صالح، وحديثه عن النبي- عليه السلام- في تحزيب القراَن ليس بالقائم.
1364- ص- نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، نا سعيد، عن
قتادة، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عبد الله- يعني: ابن
عمرو- قال: قال رسولُ الله- عليه السلام-: " لا يفقَهُ مَن قَرَأ القرآنَ في
أقلِّ من ثلاثٍ " (1) .
ش- سعيد بن أبي عروبة.
__________
(1) الترمذي: كتاب القراءات، باب: حدثنا عبيد بن أسباط بن القرشي
(2949) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في كم يستحب يختم
القرآن (1347) .(5/299)
قوله: " لا يفقه " أي: لا يفهم، وقد تقدم مثله، والحديث أخرجه:
الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث صحيح.
1365- ص- نا نوح بن حبيب، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن سماك
ابن الفضل، عن وهب بن منبه، عن عبد الله بنِ عمرو " أنه سأَلَ النبيَّ عليه السلام- في كَمْ يَقرأُ القرآنَ؟ قال: في أربعين يَوما، ثم قال: في شهر، ثم
قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرةَ، ثم قال: في عشرة (1) ، ثم
قال: في سبعٍ، لم يَنزلْ من سبعٍ " (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وسماك بن الفضل
الخولاني، اليماني الصنعاني. روى عن وهب بن منبه، ومجاهد،
وعمرو بن شعيب. روى عنه معمر. روى له: أبو داود، والترمذي.
قوله: " في كم يقرأ القرآن " أي: في كم يوم يقرأ القرآن؟ وهذا
الحديث يوافق الحديث الذي رواه أبو سلمة، عن عبد الله بن عمرو.
الذي ذكر في أول " باب في كم يقرأ القرآن "؟ في حكم أدنى المدة التي
[2 /154- ب] ، يقرأ فيها، ويخالفه في نهاية المدة، فإن هنا/ نهايتها أربعون يومًا، وهناك ثلاثون يومًا، وحكم الثلاثين يندرج تحت حكم الأربعين، فيحمل عليه، وبه قال أصحاب أبي حنيفة: أن القارئ ينبغي أن يختم القرآن في كل أربعين يومًا مرة، ولا يزيد على ذلك، أعني: في المدة، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب، وذكر أن بعضهم رواه مرسلاً.
1366- ص- نا عباد بن موسى، نا إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل،
عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: " أتى ابنَ مسعود رَجلٌ، فقال:
أني أقرأ المُفَصَّلَ في ركعةِ، فقال: أهذا كَهَذ الشعرِ؟ ونَثراًَ كنثرِ الدَّقَلِ؟
__________
(1) في سنن أبي داود: " عشر ".
(2) الترمذي: كتاب القراءات، باب: حدثنا عبيد بن أسباط (2947) ، النسائي: في الكبرى (2948) .(5/300)
لكن النبيَّ- عليه السلام- كان يقرأُ النظائر، السورتين في ركعة: (الرحمن، والنجمَ) (1) في ركعة، و (اقتربتْ والحاقة) في ركعةَ، و (الطورَ، والذاريات) في ركعة، و (إذا وقعتْ، ونونْ) في ركعًة، و (سألَ سائل، والنازعَات) في ركعة، و (ويل للمطففين، وعبسَ) فهي ركعة، و (المدثرَ، والمزملَ) في ركعة، و (هل أتَى، ولا أقسمُ ببوم القيامة) في ركعة، و (عمَ يتساءلون، والمرسلات) في ركعة، و (الدخَانَ، وإَذا الشمسُ كُورتْ) في ركعةٍ " (2) .
ش- إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وإسرائيل بن يونس، وأبو إسحاق السبيعي.
قوله: " أهَذا " الألف فيه للاستفهام، أي: أتهذ هذا كهذ الشعر، والهذ سرعة القراءة، أي: بسرعة كسرعة من يسرع في قراء الشعر. وقال الشيخ محي الدين: الهذ - بتشديد الذال- هو شدة الإسراع، والإفراط في العجلة، ففيه النهي عن الهذ، والحث على الترتيل، والتدبر، وبه قال جمهور العلماء، قال القاضي: وأباحت طائفة قليلة الهذ، وقال في: " كهذ الشعر" معناه في تحفظه وروايته، لا في إنشاده وترنمه، لأنه يرتل في الإنشاد والترنم في العادة.
قلت: انتصاب هذا على المصدر.
قوله: " ونثراً " عطف على قوله: " أهذا ".
قوله: " كنثر الدقَلِ "، الدقل- بفتح الدال، والقاف، وفي آخره لام- ثمر الدوم، وهو يشبه النخل، وله حب كبير، وفيه نوى كبير، عليه لحيمة عَفصَةٌ، يؤكل رطب، فإذا يبس صارت شبه الليف، وقيل: الدقل أردأ التمر، والبرني أجوده، وتراه ليبسه ورداءته لا يجمع، ويكون منثورًا، وقيل شبهه بتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هُزَّ.
__________
(1) في سنن أبيَ داود: " النجم والرحمن ".
(2) تفرد به أبو داود.(5/301)
قوله: " كان يقرأ النظائر " جمع نظيرة، وهي السور التي تشبه بعضها بعضًا في الطول والقصر.
قوله: " السورتين " نصب على أنه بدل من قوله: " النظائر ".
قوله: " الرحمن والنجم " يجوز بالنصب على أن يكون بدلا من السورتين، ويجوز بالرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف، تقديره وهما " الرحمن والنجم "، وكذلك الكلام في الباقي، وقد أخرج مسلم في " صحيحه " طرفًا منه في ذكر الهذ والنظائر، من حديث أبي وائل شقيق بن سلمي، عن عبد الله بن مسعود (1) .
ص- قال أبو داود: هذا تأليفُ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه-.
ش- أي: الذي ذكر من كل سورتين في ركعة على هذه الهيئة تأليف عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-، والمعنى أنه بيان للنظائر، التي كان رسول الله يقرن بينهن سورتين في ركعة، وهي عشرون سورة في عشر ركعات من المفصل.
1367- ص- نا حرص بن عمر، نا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: سألتُ أبا مسعود وهو يَطُوفُ بالبيت؟ فقال: قال رسولُ الله: " من قَرَأَ الآيتين من آخره سُورة البقرة في ليَلة كَفَتَاه " (2) ش- منصور: ابن المعتمر، وإبراهيم: النخعي.
وعبد الرحمن بن يزيد: ابن قيس النخعي أبو بكر الكوفي، أخو
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: ترتيل القراءة واجتناب الهذ (722) .
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث (4008) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: فضل الفاتحة وخواتيم صورة البقرة (225/ 807) ، الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء
في آخر صورة البقرة (2881) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما
جاء فيما يرجى أن يكفي من قيام الليل (1369) .(5/302)
الأسود بن يزيد. سمع عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وأبا مسعود البدري، وسلمان الفارسي، وعائشة، وغيرهم. روى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة.
قوله: " كفتاه " قيل: أجزأتاه عن قيام الليل، وقيل: كفتاه من كل شيطان وهامة، فلا يقربه ليلته، وقيل: كفتاه ما يكون من الآفات تلك الليلة، وقيل: معناه حسْبُه بهما فضلا وأجراً، والحديث أخرجه البخاري / ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [2/155 - أ]
1368- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أنا عمرو، أن أبا سُوِيَّةَ حدثه، أنه سمع ابن حجيرة يخبر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَن قَامِ بعشرِ آيات لم يُكتبْ من الغَافِلينَ، ومَن قام بمائةِ آيةٍ كُتِبَ مَن القَانِتين، ومن قَامَ بألفِ آلية كُتِبَ من المُقَنطَرِينَ " (1) . ش- عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وأبو سوية- بفتح السين المهملة، وكسر الواو، وتشديد الياء آخر الحروف- اسمه عبيد بن سوية من الأنصار. روى عنه: حياة، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة، توفي سنة خمسة وثلاثين ومائة.
قوله: " لم يكتب من الغافلين " أي: الغافلين عن ذكر الله تعالى.
قوله: " من القانتين " أي: المطيعين، أو الخاشعين، أو المصلين، أو الداعين، أو العابدين، أو القائمين.
قوله: " من المقنطرين " بفتح الطاء، أي: من الذين أعطوا قنطارا من الأجر. ورُوي عن: معاذ بن جبل، أنه قال: القنطار ألف ومائتا أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض. وقال أبو عبيد: القناطير واحدها قنطار، ولا تجد العربَ تعرف وزنه. وقال ثعلب: المعروف المعمول عليه عند العرب أكثر أنه أربعة آلاف دينار، وإذا قالوا: قناطير مقنطرة، فهي
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/303)
اثنا عشر ألف دينار، وقيل: القنطار ملء جلد ثور ذهبًا، وقيل: ثمانون ألفا، وقيل: هي حملة كثيرة مجهولة من المال.
ص - قال أبو داود: ابنُ حُجيرةَ الأصغرُ عبدُ الله بن عبد الرحمن بن حُجيرة.
ش- ابن حجيرة الأكبر هو عبد الرحمن بن حجيرة، والأصغر ابنه عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة. روى عن: أبيه. روى عنه: إبراهيم بن نشيط، وغيره ذكره ابن حبان في " الثقات ". روى له: النسائي في " اليوم والليلة " حديثًا واحدًا.
1369- ص- نا يحي بن موسى البلخي، وهارون بن عبد الله، قالا: نا عبد الله بن يزيد، نا سعيد بن أبي أيوب، حدثني عياش بن عباس القتباني، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: " أتَى رجل رسولَ الله، فقال: أقرِئْنِي يا رسولَ الله، فقال: " اقرأ ثلاثاً من ذَوَاتِ " الر " فقال: كَبرَتْ سنِّي، واشتد قَلبِي وغلظَ لسَانِي، قال: فاقرأ ثلاثا من ذَوَات " حم ". فقالَ: مثلَ مَقَالَتِهِ، فقال: " اقرَأ ثلاثا من المُسبحاتِ " فقال مثلَ مَقَالته، فقال الرجل: يا رسولَ اللهِ، أقرِئني سورةً جامعةً، فأقرأه النبي - عليه السًلام- {إذا زلزِلَتِ} حتى فَرغَ منها، فقال الرجلُ: والذي بَعَثَكَ بالحقِّ، لا أزيدُ عليها أبداً، ثم أدبَرَ الرجلُ، فقال النبي- عليه السلام- أفَلَحَ الرويجِلُ مَرَتِين " (1) .
ش- عبد الله بن يزيد المقرئ، وسعيد بن أبي أيوب: مقلاص المصري، وعياش- بالياء آخر الحروف المشددة، والشين المعجمة- ابن عباس المصري، وقتبان - بكسر القاف، وسكون التاء المثناة من فوق، وفتح الباء الموحدة، وفي آخره نون- مِن رُعَينٍ.
وعيسى بن هلال الصدفي المصري. روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه: عياش المذكور، وكعب بن القمة، ودراج أبو السمح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) النسائي: في عمل اليوم والليلة (716) .(5/304)
قوله: اقرأ ثلاثًا من ذوات " الر " أراد به من السور أولها " الر " [ ... ] (1)
أن قوله: " وغلظ لساني " أي: خشن.
قوله: " من ذوات حم " أراد بها من السور التي أولها " حم " وهي
سبع حواميم.
قوله: " من المسبحات " أراد به من السور التي أولها يسبح لله، أو سبح
لله [......] (2) .
قوله: " سورة جامعة " أي: لأنواع [......] (3) .
قوله: " أفلح الرويجل " الرويجل تصغير رجل على غير قياس، كأنه
تصغير راجل، وقال الجوهري: وتصغير الرجل رجيل، ورويجل أيضًا
على غير قياس.
قوله: " مرتين " أي: قالها مرتين، والحديث: أخرجه النسائي.
***
313- باب: في عدد الآي
أي: هذا باب في بيان عدد الآي، والآي جمع آية.
1370- ص- نا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، أنا قتادة، عن عباس
الجشمي، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " سُورةٌ من
القرآن ثلاثونَ آية تشفع لصاحبَهَا، حتى غُفِرَ (4) له: {تبَارَكَ الَّذي/ بيَده [2/55 - أ] الملك} (5) .
ش- عباس الجسمي يقال: ابن عبد الله. روى عن: عثمان بن
__________
(1) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
(2) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.
(3) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.
(4) في سنن أبي داود: " يغفر ".
(5) الترمذي: كتاب فضائل القرآن باب: ما جاء في فضل سورة الملك (2891) ، (1400) ، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب ثواب القرآن (3786) .
20 * شرح سنن أبي داوود(5/305)
عفان، وأبي هريرة. روى عنه: قتادة، والجريري. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " سورة " مبتدأ تخصص بالصفة، وهي قوله: " من القرآن "، وقوله: " ثلاثون آَية " صفة أخرى، وخبره " تشفع لصاحبها ".
قوله: "حتى غفرته " بمعنى إلى أن غفر له.
قوله: " تبارك الذي بيده الملك " في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي: هي {تبارك الذي بيده الملك} وهي ثلاثون آية، وألف وثلثمائة وخمس وثلاثون كلمة، وألف وثلثمائة وثلاثة عشر حرفًا، وهي سورة مكية، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن، وقد ذكره البخاري في " التاريخ الكبير " من رواية عباس الجسمي، عن أبي هريرة، كما أخرجه: أبو داود، وغيره، وقال: لم يذكر سماعًا من أبي هريرة، يريد أن عباسًا الجسمي. روى هذا الحديث عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه أنه سمعه من أبي هريرة.
***
314- باب: تفريع أبواب سجود القرآن، وكم فيه من سجدة؟ (1)
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع السجود في القرآن.
1371- ص- نا محمد بن عبد الرحيم بن البرقي، نا ابن أبي مريم، أنا نافع بن يزيد، عن الحارث بن سعيد العتقي، عن عبد الله بن منَين- من بني عبد كلال، عن عمرو بن العاص " أن النبي- عليه السلام- أقرأهُ خمسةَ عشرَ (2) سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتانِ " (3) .
ش- سعيد بن أبي مريم، والحارث بن سعيد، وقيل: ابن يزيد
__________
(1) في سنن أبي داود: " ... السجود وكم سجدة في القرآن ".
(2) في سجن أبي داود: " خمس عشرة " وهو الجادة.
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: عدد سجود القرآن (1401) .(5/306)
العُتقي، وسعيد أصح. روى عن: عبد الله بن منين. روى عنه: ابن لهيعة، ونافع بن يزيد. روى له: أبو داود، وابن ماجه حديثا واحدَا، قال أبو بكر بن أبي داود: العُتقي بطن من غافق (1) ، وعبد الله بن منير اليحصبي المصري، من بني عبد كلام. روى عن: عمرو بن العاص، وقيل: عن عبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه: الحارث بن سعيد. روى له: أبو داود، وابن ماجه، هذا الحديث، وليس له غيره، ومنين بضم الميم، وفتح النون، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره نون. قوله: " ثلاث في المفصل " وهي في سورة " والنجم "، و " إذا السماء انشقت "، و " اقرأ " وبهذا الحديث استدل الشافعي على أن في الحج سجدتن. ورواه ابن ماجه أيضا، والحاكم، وقال: قد احتج الشيخان بأكثر رواته، وليس في عدد سجود القرآن أتم منه.
والجواب عن هذا ابن عبد الله بن منين فيه جهالة، قال عبد الحق في " أحكامه ": وعبد الله بن منين لا يحتج به، قال ابن القطان: وذلك لجهالته، فإنه لا يعرف. روى عنه: الحارث بن سعيد العرقي، وهو رجل لا يعرف له حال، قال: وقد وقع لابن أبي حاتم تصحيف في اسمه، وفي نسبه، فقال: عبد الله بن منير- بالراء-، وإنما هو منين
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1020) ، وقال محققه تعليقَا على قوله " غافق ": " هكذا قال أبو بكر بن أبي داود، وقال السمعاني في " الأنساب "، وتابعه ابن الأثير في " اللباب ": بضم العين، وفتح التاء المثناة من فوقها، وفي آخرها قاف، هذه النسبة إلى العتيقين والعتقاء، وليسوا من قبيلة واحدة،
وإنما هم جمع من قبائل شتى، منهم من حَجْر حميَر، ومن كنانة مضر، ومن سعد العشيرة وغيرهم. وقال أبو علي الجياني في " تقييد المهمل " (الورقة 83) بعد أن قيده كما قيدناه: قال أبو سعيد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي: العتقاء الذين ينسب إليهم ليسوا من قبيلة واحدة، هم جمع من قبائل شتى ... ".(5/307)
- بنونين، وميم مضمومة-، وقال فيه: من بني عبد الدار، وصوابه
من بني عبد كلال، كما هو هاهنا وفي " تاريخ البخاري ": ولئن سلمنا،
فالمراد بإحدى السجدتين سجدة التلاوة، وبالأخرى سجدة الصلاة.
واعلم أن العلماء اختلفوا في عدد سجدات التلاوة، فمذهب الشافعي
وطائفة أنهن أربع عشرة سجدة، منها سجدتان في الحج، وثلاث في
المفصل، وليست سجدة " ص " منهن، وإنما هي سجدة شكر، وقال
مالك وطائفة: هن إحدى عشرة، أسقط سجدات المفصل، وقال
أبو حنيفة: هي أربع عشرة، أثبت سجدات المفصل، وسجدة " ص "،
وأسقط السجدة الثانية في الحج، وقال أحمد، وابن سريج من الشافعية،
وطائفة: هن خمس عشرة، أثبتوا الجميع، ومواضع السجدات،
معلومة. واختلفوا في سجدة " حم "، فقال مالك وطائفة من السلف
وبعض الشافعية: هي عقيب قوله تعالى: {إن كُنتُمْ إياهُ تَعْبُدُونَ} (1)
وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور: عقيب {وهُمْ لا يَسأمُونَ} (2) .
ص- قال أبو داودَ: رُوي عن أبي الدرداء، عن النبيِّ- عليه السلام-
"إحدَى عَشْرةَ سَجدة " وإسناده واهِي.
ش- هذا الحديث الذي علقه أبو داود رواه ابن ماجه، والترمذي،
وقال الترمذي: نا سفيان بن وكيع، نا عبد الله بن وهب، عن عمرو بن
الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عمر الدمشقي، عن أم الدرداء، [2/56- أ] عن أبي الدرداء، قال: " سجدت مع رسول الله/ إحدى عشرة سجدة، منها التي في النجم ". وقال الترمذي: حديث أبي الدرداء حديث
غريب، لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال، عن عمر الدمشقي.
1372- ص- نا أحمد بن عمرو بن، أنا ابن وهب، أخبرني
ابن لهيعة، أن مشْرحً بن هاران أبا مصعب، حدثه أن عقبة بن عامر، قال:
__________
(1) سورة فصلت: (37) .
(2) سورة فصلت: (38) .(5/308)
قلتُ لرسول الله- عليه السلامِ-: " في سورة (1) الحجِّ سجدتانِ؟ قال: نعم، ومن لَم يَسْجدهما, فلا يقرأهُمَا " (2) .
ش- عبد الله بن وهب، وعبد الله بن لهيعة، ومَشرح- بفتح الميم (3) ، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء، وفي آخره حاء مهملة- كذا رواه الأصمعي بالحاء المهملة، ابن هاعان بالهاء والين المهملة، أبو المصعب المعافري المصري. سمع عقبة بن عامر الجهني. روى عنه ابن لهيعة، والليث بن سعد، وعبد الله بن هبيرة، وغيرهم قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن حنبل: معروف، مات قريبا من سنة عشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وهذا الحديث أيضا من جملة مستندات الشافعي. ورواه أحمد في "مسنده"، والحاكم في " مستدركه "، والترمذي في " جامعه "، وقال ليس إسناده بالقوي، وقال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مستندا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، إنما نُقمَ عليه اختلاطه في آخر عمره، وقال في " مختصر الحق ": وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، ومشرح بن هامان، ولا يحتج بحديثيهما.
***
315- باب: من لم ير السجود في المفصل
أي: هذا باب في بيان قول من لم ير السجود في المفصل، وهو من سورة محمد إلى آخر القرآن، وقد مر غير مرة.
1373- ص- نا محمد بن رافع، نا أزهر بن القاسم، قال محمد: رأيته بمكة، نا أبو قدامة، عن مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس " أن رسولَ الله- عليه السلام- لم يَسجدْ في شيءٍ من المفصلِ، منْذُ تحولَ إلى المدينة " (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " يا رسول الله أفي سورة ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: السجدة في الحج (578) .
(3) وضبطه ابن حجر في " التقريب " بكسر الميم.
(4) تفرد به أبو داود.(5/309)
ش- أزهر بن القاسم الراسبي أبو بكر البصري، نزل مكة. روى عن: هشام الاستوائي، والمثنى بن سعيد، وأبي قدامة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ونوح بن حبيب، وقال أحمد: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وأبو قدامة: الحارث بن عبيد الأيادي، ومطر بن طهمان الوراق
أبو رجاء الخراساني، مولى عِلباء بن أحمر السلمي، سكن البصرة، كان يكتب المصاحف. روى عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وغيرهم. روى عنه: أبو قدامة، وشعبة، والحمادان،
وإبراهيم بن طهمان، وغيرهم، وقال أحمد: مطر ضعيف في عطاء، وقال أبو حاتم، وابن معين، وأبو زرعة: صالح، روى له الجماعة، إلا البخاري.
وهذا الحديث من جملة مستندات مالك، وهو حديث ضعيف، " (1) وقال عبد الحق في " أحكامه ": إسناده ليس بقوي، ويُروى مرسلاً، والصحيح حديث أبي هريرة أن النبي- عليه السلام- سجد في {إذا السَمَاءُ انشقَتْ} وإسلامه متأخر، قدم على النبي- عليه السلام- في السنة السابعة من الهجرة، وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، وأبو قدامة ليس بشيء، وأبو هريرة لم يصحب النبي- عليه السلام- إلا في المدينة، وقد رآه يسجد في الانشقاق، والقلم انتهى. وقال ابن القطان في " كتابه ": وأبو قدامة الحارث بن عبيد، قال فيه ابن حنبل: مضطرب الحديث، وضعفه ابن معين، وقال الساجي (2) : صدوق، وعنده مناكير، وقال أبو حاتم البستي: كان شيخًا صالحا، وكثر وهمه، ومطر الوراق كان سيء الحفظ، حتى كان يشبه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه ".
1374- ص- نا هناد بن السري، نا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 182) .
(2) كذا، وفي نصب الراية " النسائي " وهو خطأ كما ذكره مغلطاي.(5/310)
ابن عبد الله بن قسيط، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، قال: " قرأت على رسولِ اللهِ النجمَ فلم يسجدْ فيها " (1) .
ش- ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، بضم القاف، ابن أسامة بن عمير الليثي، أبو عبد الله المديني. سمع عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، والليث ابن سعد، وغيرهم، قال ابن معين: صالح، ليس به بأس، توفي سنة اثنين وعشرين ومائة بالمدينة،/ [2/156 - ب] روى له: الجماعة إلا ابن ماجه.
وهذا الحديث أيضًا من جملة مستندات مالك، وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، والجواب عن هذا أنه محمول على بيان جواز ترك السجود عند من يقول أنه سُنَّة، وليس بواجب، وأما الذين يقولون بوجوبه، فأجابوا عنه بأنه- عليه السلام- لم يسجد على الفور، ولا يلزم منه أنه ليس فيه سجدة، ولا فيه نفي الوجوب.
1375- ص- نا ابن السرح، أنا ابن وهب، نا أبو صخر، عن ابن قسيط، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- بمعناه (2) .
ش- أحمد بن عمرو بن السرح، وعبد الله بن وهب.
وأبو صخر حميد بن زناد الخراط، وقيل: ابن صخر، وهو ابن أبي المخارق أبو صخر المدني صاحب العباء، سكن مصر. سمع أبا كلمة ابن عبد الرحمن، ومحمد بن كعب القرظي، ونافعًا مولى ابن عمر، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وغيرهم. روى عنه: حياة بن شريح،
__________
(1) البخاري: كتاب سجود القرآن، باب: من قرأ السجدة ولم يسجد (1072، 1073) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: سجود التلاوة (577) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من لم يسجد فيه (576) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: ترك السجود في النجم (2/ 160) .
(2) انظر التخريج المتقدم.(5/311)
وابن لهيعة، وابن وهب، وغيرهم، قال أحمد: ليس به بأس، وقال ابن معين: ثقة، ليس به بأس، وفي رواية عنه: ضعيف. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
وخارجة بن زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري أخو إسماعيل، أدرك زمن عثمان بن عفان. وسمع أباه، وعمه يزيد بن ثابت، وأم العلاء الأنصارية. روى عنه سالم بن عبد الله بن عمر، والزهري، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، وغيرهم. توفي في سنة مائة بالمدينة. روى له: الجماعة.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث (2) المذكور.
ص- قال أبو داود: كان زيدٌ الإمام، فلم يسجدْ فيه (3) .
ش- الإمام منصوب، لأنه خبر كان، والمعنى ابن زيداً كان هو القارئ، والنبي- عليه السلام- كان السامع، فلم يسجد النبي- عليه السلام- لأن زيدوا حين قرأ لم يسجد، وقال الترمذي بعد أن روى الحديث المذكور: وتأمل بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما ترك النبي- عليه السلام- السجود، لأن زيد بن ثابت حين قرأ لم يسجد، فلم يسجد النبي- عليه السلام-.
***
316- باب: من رأى فيها السجود
أي: هذا باب في بيان قول من رأى في المفصل سجوده.
1376- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله " أن رسولَ الله- عليه السلام- قَرَأَ سُورةَ النجم فَسجدَ بها (4) ، وما بَقِيَ أحدٌ من القوة إلا سجدَ، فأخذَ رجل من القوة كَفّاً من
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1526) .
(2) في الأصل: مكررة.
(3) في سنن أبي داود: " فيها ".
(4) في سنن أبي داود: " فيها ".(5/312)
حَصَى، أو تراب فرفَعَهُ إلى وجهِه، وقال: يكفيني هذا، قال عبدُ الله: فلقد رأيتُه بعد ذلك قُتِلً كَافرَا " (1) .َ
ش- أبو إسحاق السبيعي، والأسود بن يزيد النخعي، وعبد الله بن مسعود.
قوله: " وما بقي أحد من القوم إِلا سجد " يعني: من المسلمين، والمشركين، قال ابن عباس، وغيره: حتى شاع ابن أهل مكة أسلموا، وقال القاضي عياض: وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود: إنها أول سجدة نزلت، قال القاضي: وأما ما يرويه الإخباريون، والمفسرون، أن سبب سجودهم ما جرى على لسان رسول الله من الثناء على آلهة المشركة، في سورة النجم، فباطل لا يصح فيه شيء لا من جهة النقل، ولا من جهة العقل، لأن مدح جهة غير الله تعالى كفر، ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله- عليه السلام-، ولا أن يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك.
قوله: " فأخذ رجل من القوم " هو أمية بن خلف، وقيل: هو الوليد ابن المغيرة، وقيل: هو عتبة بن ربيعة، وقيل: إنه أبو أحيحة سعيد بن العاص، والأول أصح، وهو الذي ذكره البخاري، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وأخرجه النسائي مختصرا.
***
317- باب: السجود في- {إذَا السماءُ انشَقَّتْ} و {اقْرَأ}
أي: هذا باب في بيان السجود في سورة الانشقاق، والعلق.
1377- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن
__________
(1) البخاري: كتاب سجود القرآن، باب: سجدة النجم (1070) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: سجود التلاوة، (576) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: السجود في " والنجم " (2/ 160) .(5/313)
ميناء، عن أبي هريرة، قال: " سَجدنَا مع رسول الله في {إذا السَمَاءُ
انشَقتْ} و {اقْرَأ باسْم ربكَ} "، (1) ، (2) .
ش- سفيان الثوري.
وعطاء بن ميناء- بكسر الميم، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح
النون- مولى ابن أبي ذباب المدني، وقيل البصري. روى عن:
[2/ 157 - أ] أبي هريرة. روى عنه: عمرو بن/ دينار، وسعيد المقبري، وأيوب بن موسى، وغيرهم. قال سفيان بن عيينة: عطاء بن ميناء البصري أبو معاذ،
من المعروفين من أصحاب أبي هريرة. روى له: الجماعة (3) .
والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي:، العمل على هذا عند كثر أهل العلم، يرون السجود في {وإذا
السمَاء انشَقتْ} و {اقرأ باسْم ربكَ} .
1378- ص- نا مسدد، نا المعتمر، قال: سمعت أبي، نا بكر، عن
أبي رافِع، قال: " صليتُ مع أبي هريرة العتمة، فقرأ {وإذا السماءُ انشَقتْ}
فسَجد، قلتُ: ما هذه السجدةُ؟ قال: سجدتُ بها خلفَ أبي القاصم صلى الله عليه وسلم
فلا أزَالُ أسجُدُ بها حتىَ أَلقَاه " (4) .
ش- معتمر بن سليمان، وأبوه سليمان بن طرخان، وبكر بن عبد الله
المدني، وأبو رافع رفيع الصائغ المدني، والحديث أخرجه: البخاري،
ومسلم، والنسائي، وهو حجة على مالك.
__________
(1) في سنن أبي داود: {واقرأ باسم ربك الذي خلق} قال أبو داود: " أسلم أبو هريرة سنة ست عام خيبر، وهذا السجود من رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر فعله ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: سجود التلاوة (578) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في السجدة في {اقرأ باسم ربك} و {إذا السماء انشقت} (573، 574) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: السجود في {إذا السماء انشقت} ، وباب: السجود في {اقرأ باسم ربك} (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 3943) .
(4) البخاري: كتاب سجود السهو، باب: سجدة {إذا السماء انشقت} (1074) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: سجود التلاوة (578) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: السجود في {إذا السماء انشقت} (2/ 161)(5/314)
318- باب: السجود في " ص "
أي: هذا باب في بيان السجود في سورة " ص ".
1379- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا وهيب، نا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " ليس " ص " من عزائم السجودِ، وقد رأيتُ رسولَ اللهِ يسجدُ فيها " (1) .
ش- وهيب بن خالد، وأيوب السختياني.
قوله: " ليس [" ص "] من عزائم السجود " أي: ليس حق من حقوقه، وواجب من واجباته، وبه استدل الشافعي أن السجدة التي في لاصق ليست بعزيمة، وإنما هي سجدة شكر، قلنا: بل الحديث حجة لنا، لقوله: " وقد رأيت رسول الله يسجد فيها " وفعله- عليه السلام- أقوى من قول ابن عباس، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: واختلف أهل العلم في ذلك، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- وغيرهم أن يسجد فيها، وهو قول سفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعضهم: إنها توبة نبي، ولم يروا السجود فيها.
قلت: ما ذكره من قول الشافعي غير محفوظ عنه، بل كان ينبغي أن يذكر قوله في قول من لم يروا فيها سجدة.
1380- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، أخبرني عمرو، عن ابن أبي هلال، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: " اقرأ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر , " ص "، فلما بَلَغَ السجدةَ نزلَ فَسجدَ، وسجدَ الناسُ معه، فلما كان يوم آَخرُ قرأها، فلما بَلَغ
__________
(1) البخاري: كتاب سجود القرآن، باب: سجدة "ص " (1069) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب السجدة في" ص " (1409) .
تنبيه: ذكر الشارح أن مسلما أخرج هذا الحديث، ولم يعزه إليه الحافظ المضي
في " التحفة " (5/ 5988) .(5/315)
السجدةَ تَشَزن الناسُ للسجود، فقال رسولُ الله: إنما هي توبةُ نبيّ، ولكني رأيتُكُم تَشزنتُمْ للسجُودِ، فَنَزَلً فَسَجدَ وسَجَدُواَ " (1) .
ش- عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وابن أبي هلال: سعيد بن أبي هلال الليثي المصري.
قوله: " تشزن الناس " معناه تأهبوا للسجود، وتهيؤا له، وأصله من الشزن، وهو القلق، يقال: بات فلان على شزن، أي: بات قلقا يتقلب من جنب إلى جنب، وقال ابن الأثير في " باب الشين مع الزاي (2) ": التشزُّن التأهب، والتهيؤ للشيء، والاستعداد له، مأخوذ من عُرض الشيء وجانبه، كأن المتشزًن يدع الطمأنينة في جلوسه، ويقعد مستوفِزًا على جانب.
قوله: " إنما هي توبة نبيل نبي " والمراد به داود- عليه السلام- والحديث أخرجه الحاكم في " المستدرك " في تفسير سورة " ص "، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقال النووي في "الخلاصة ": سنده صحيح على شرط البخاري، واستدل به الشافعي أيضًا أن سجدة لص " ليست من العزائم، وإنما هي سجدة شكر.
قلنا: هذا أيضًا حجة لنا، لأنا نقول سجدها داود- عليه السلام- توبة، ونحن مسجدها شكرًا، لما أنعم الله تعالى على داود بالغفران، والوعد بالزلفى، وحسن المآب، ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله: {وأنَابَ} بل عقيب قوله: {مآب} وهذه نعمة عظيمة في حقنا، وطمعنا في إقالة عثراتنا، وغفران ذنوبناً، وزلاتنا، فكانت سجدة تلاوة، لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها التلاوة، وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الآية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود- عليه [2/ 157- ب] السلام- وأطماعنا من نيل مثله، وكذا سجدة/ النبي- عليه السلام- في الجمعة الأولى، وترك الخطبة لأجلها، فدل على أنها سجدة تلاوة،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) النهاية: (2/ 471) .(5/316)
وأما تركه في الجمعة الثانية حيث القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة تلاوة، بل كان يريد التأخير، وهي عندنا لا تجب على الفور، على ابنه سجد أيضا، وسجد الناس معه لما تشزَّنوا له.
***
319- باب: الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير صلاة
أي: هذا باب في بيان أن الرجل يسمع آية السجدة، والحال أنه راكب، أو في غير صلاة.
1381- ص- نا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر، نا عبد العزيز
- يعني: ابن محمد- عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن نافع، عن ابن عمر " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قرأ َعامَ الفتحِ سَجدة، فسجدَ الناسُ كلُّهم، منهم الراكبُ، والساجدُ في الأرضِ، حتى إن الراكب ليسجدُ على يَدِه " (1) .
ش- عبد العزيز الدراوردي.
قوله: " عام الفتح " أي: فتح مكة سنة ثمان من الهجرة.
وبالحديث استدل الشافعي أن سجدة التلاوة تجوز راكبا، سواء سمعها من غيره، أو تلاها هو، وكذا لو تلاها على الأرض، ثم سجد لها راكبا يجور عنده، وقال أصحابنا: لا يجوز إلا فيما إذا قرأها راكبًا، وسجد لها راكبا، لأنها وجبت في ذمته كاملة، فلا تتعدى بالناقص، وأما في الصورة المستثناة، فإنه أداها كما وجبت، والواجب هو الناقص، وأما إذا قرأها راكبا فنزل على الأرض، ثم ركب فسجد لها، يجوز عندنا أيضا للمعنى المذكور، خلافًا لزفر بن هذيل، والحديث معلول بمصعب ابن ثابت، فإنه ضعفه غير واحلم من الأئمة.
1382- ص- نا أحمد بن حنبل، نا يحيى بن سعيد، ح أنا أحمد بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/317)
أبي شعيب، نا ابن نمير، المعنى عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كان رسولُ الله- عليه السلام- يقرأ علينا السورةَ، قال ابن نمير: في غير الصلاةِ ثم اتفقَا: فيسجدُ ونسجدُ معه، حتى لا يَجدُ أحللنا مكًانًا لموضع جَبهتِهِ " (1) .
ش- يحيى القطان، وعبد الله بن عمير.
قوله: " ثم اتفقا " يعني: يحيى، وابن أمير. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
ويستفاد منه أن السجدة واجبة عند قراءة آية السجدة، سواء كان في الصلاة، أو خارج الصلاة على القارئ والسامع.
1383- ص- نا أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي، أنا عبد الرزاق،
أنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " كان رسولُ الله - عليه السلام- يقرأ علينا القرآنَ، فإذا مَر بالسجدة كَبَّرَ، وسجدَ، وسجدْنَا " (2) (3) .
ش- عبد الرزاق بن همام، وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، والخرج له: مسلم مقرونًا بأخيه عبيد الله بن عمر- رضي الله عنهم-.
ويستفاد من الحديث أن سجدة التلاوة لها تكبير بدون رفع اليدين، وكذا ليس لها تشهد، ولا سلام، وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن الحسن، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير " أنهم كانوا لا يُسلمون في السجدة " وقال أصحابنا: يكبر أولاً للسجود، ثم إذا رفع رأسه يكبر أيضًا، لما روى ابن أبي شيبة بإسناده، عن الحسن، قال: لا إذا قرأ الرجل السجدة، فليكبر إذا رفع رأسه، وإذا سجد ".
__________
(1) البخاري: كتاب سجود القرآن، باب: من سجد لسجود القارئ (1075) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: سجود التلاوة (575) .
(2) في سنن أبي داود: " وسجدنا معه"
(3) تفرد به أبو داود.(5/318)
وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه " عن الحسن، قال: " ليس في السجود تسليم ".
ص- قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبُه هذا الحديث، قال أبو داود: يعجبُه لأنه كبر.
ش- أي: قال عبد الرزاق بن همام: كان سفيان الثوري إلى آخره.
***
320- باب: ما يقول إذا سجد
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل في سجوده إذا سجد للتلاوة.
1384- ص- نا مسدد، نا إسماعيل، نا خالد الحذاء، عن رجل، عن أبي العالية، عن عائشة، قالت: " كان رسولُ الله يقولُ في سجودِ القرآنِ بالليل، يقولُ في السجدة مرارا: سَجَدَ وجْهِي للذِي خَلَقَه، وشَق سمْعَه، وبَصَرَه، بحولِهِ، وقوتِهِ " (1) .
ش- إسماعيل ابن علية، وأبو العالية رُفيع بن مهران البصري.
قوله: " يقول في السجدة " بدل من قوله: " يقول في سجود القرآن ". قوله: " سجد وجهي " به استدل الزهري أن الأذنين من الوجه، والجواب: أن المراد من الوجه بجملة الذات كقوله تعالى: {كُل شَيء هَالك إلا وَجْهَهُ} (2) ويؤيد هذا أن السجود يقع بأعضاء أخر مع الوجه، وأيَضًا إن الشيء يُضاف إلى ما يُجاوره، كما يقال: بساتين البلد.
قوله: " بحوله " متعلق بقوله: " خَلَقَه ". والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث صحيح.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول في سجود القرآن (580) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الدعاء في السجود (1/ 218 - 223) . "
(2) سورة القصص: (88) .(5/319)
[2/ 158 - أ] / قلت: لم يذكر الترمذي بين خالد الحذاء واجبي العالية أحدًا، وقد ذكر أبو داود بينهما رجلا مجهولاً
***
321- باب: فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح
أي: هذا باب في بيان من يقران السجدة بعد صلاة الصبح.
1385- ص- نا عبد الله بن الصباح العطار، نا أبو بحر، نا ثابت بن
عمارة، نا أبو تميمة الهُجيمي، قال: " لما بَعثنَا الركبَ- قال أبو داودَ: يعني:
إلى المدينة- قال: كنتُ أقصُّ بعدَ صلاة الصبح فأسجدُ، فَنَهَانِي ابنُ عُمرَ،
فلم أنْتَه ثلاثَ مِرَارٍ، ثم عَادَ، فقال: أنيس صَلَّيتُ خَلفَ رسول الله، ومع
أبي بكرِ، وعُمرَ، وعثمانَ، فلم يسجدُوا حتى تَطلُعَ الشمسُ " (اَ) هو
ش- أبو بحر اسمه عبد الرحمن بن عثمان بن اسمية بن عبد الرحمن بن
أبي بكرة الثقفي أبو بحر البكراوي البصري. روى عن حميد الطويل،
وشعبة، وابن جريج وغيرهم. روى عنه: زناد بن يحيى، ومحمد
ابن بشار، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال أحمد: طرح الناس حديثه، وقال ابن معين: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: يكتب
حديثه، ولا يحتج به، مات سنة تسعين ومائة. روى له: أبو داود.
وثابت بن عمارة الحنفي، أبو مالك البصري.
وأبو تميمة طريف بن مجاهد الهجومي البصري. روى عن عبد الله بن
عمر، وأبي موسى، وأبي هريرة، وجندب بن عبد الله، وأبي عثمان النهدي. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وسليمان القيمي، وقتادة،
وخالد الحذاء، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، توفي سنة سبع وتسعين. روى له الجماعة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/320)
وتُميمة بضم التاء المثناة من فوق، وطريف بفتح الطاء المهملة، ومُجالد بضم الميم، وفتح الجيم، والهجومي نسبة إلى بني الهُجيمي بضم الهاء، وفتح الجيم، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها ميم، بطن من بني تميم بالبصرة، محلة نزلها بنو الهجوم فنسبت إليهم، وفي الرواة جماعة ينسبون إلى القبيلة، " إلى المحلة.
قوله: " لما بعثنا الراكب " وفي " مختصر السنن ": " لما بعثنا الركب "، أي: أقمناها من مبركها، وقيل: الركب تختص بالإبل، وقالت أبو داود: يعني: بالراكب أنهم بعثوه إلى المدينة يسألونهم عن سجود القرآن.
قوله: " كنت أقص " أي: كنت أعظ، والقاص هو الذي يعظ الناس، ويقص عليهم أخبار الأمم الماضي، وهذا الحديث ظاهره يحكم بأن السجدة للتلاوة تكره بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، ولكن أصحابنا وغيرهم ذكروا أنها لا بأس بها بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وبعد صلاة الصبح إلى طلوعها، فجوابهم عن الحديث أنه معلول بأبي بحر المذكور، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا هشيم، أنا داود، عن الشعبي، انه كان يقول: " إذا قرأ الرجل السجدة بعد العصر، وبعد الفجر، فليسجد ". (1)
نا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن جابر، عن سالم، والقاسم، وعطاء، وعامر ما في الرجل يقرأ السجدة بعد العصر، وقبل أن تطلع الشمس، فيسجد؟ قالوا: نعم ". نا الثقفي، عن خالد، عن عكرمة، قال: " إذا قرأتُ القرآن، فأتيت على السجدة بعد العصر، وبعد الغداة، فأسجد ". نا هشيم، عن خالد، عن عكَرمة، قال: "إنما يمنعهم من ذلك الكسل ".
***
__________
(1) في الأصول: " عن " خطأ، وانظر: المصنف (2/ 15) .
21هـ شرح سنن أبي داوود 5(5/321)
باب: تفْريع الوتر (1)
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع الوتر.
322- باب: استحباب الوتر
أي: هذا باب في بيان استحباب الوتر.
1386- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا عيسى، عن زكرياء، عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " يا أهلَ القرآنِ أوتِرُوا، فإن اللهَ وتر يحبُّ الوتر " (2) .
ش- عيسى بن يونس، وزكرياء بن أبي زائدة، وأبو إسحاق السبيعي، وعاصم بن ضمْرة الكوفي.، وعلي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- (3) . ثم اعلم أن الكلام في الوتر في مواضع، الأول: في صفته، فنقول: عن أبي حنيفة روايات. روى حماد بن زيد عنه أنه فرض. وروى يوسف ابن خالد السمتي أنه واجب. وروى نوح في ما الجامع " عنه ابنه سُنة، وبه أخذ أبو يوسف، ومحمد، وهو قول الشافعي، ومالك، وأحمد، واحتجوا بأحاديث نذكرها في موضعها، واحتج أبو حنيفة بأحاديث منها الحديث المذكور، لأكن الأمر فيه للوجوب.
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب تفريع أبواب الوتر ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء ابن الوتر ليس بحتم (453) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب الأمر بالوتر (3/ 228) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر (1169) .
(3) هذه اللفظة قد شاعت وذاعت، وملأت الدروس والأسماع، وهذا الأمر من فعلات الرافضة، وسريانه إلى أهل السنَة فيه هضم للخلفاء الثلاثة قبله، فليتنبهْ إلى مسالك المبتدعة وألفاظهم، فكم من لفظ ظاهره السلامة، وباطنه الإثم، وآخره الندامة، ولينظر تفسير ابن كثير (3/ 516) ، السنة للالكائي (4/ 1396) ، جلاء العينين للألوسي (62) ، التذكرة التيمورية (282- 283) الآداب الشرعية لابن مفلح، فهرس مجموع الفتاوى (37/ 62) .(5/322)
فإن قيل: قد قال الخطابي: تخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على
أن الوتر غير واجب، ولو كان واجبًا لكان عاما، وأهل القرآن في عُرف
الناس هم القراء، والحفاظ، دون العوام،/ قلنا: أهل القرآن بحسب [2/ 158 - ب] اللغة يتناول كل من معه شيء من القرآن، ولو كان آية فيدخل فيه الحفاظ، وغيرهم، على أن القرآن كان في زمنه- عليه السلام- معرّفا بين الصحابة، وبهذا التأويل الفاسد لا يبطل مقتضى الأمر الدال على
الوجوب، ولا سيما تكد الأمر بالوتر بمحبة الله إناه، بقوله: , فإن الله
وتر، يحب الوتري والحديث أخر له: الترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن.
فان قيل: القول بفرضية الوتر يؤدي إلى أن تكون الفرائض ستة، وأنه
خلاف الكتاب، والسُنَة، وإجماع الأمة قلنا: لا يلزم هذا أبا حنيفة،
لأنه لا يقول بفرضيته مثل فرضية الظهر مثلاً دائما يقول: بوجوبه،
والفرق بين الواجب، والفرض، كالفرق بين السماء والأرض.
الثاني: فيمن يجب عليه: فلا يختص ببعضه دون بعض كالجمعة،
وصلاة العيدين، بل يعم جميع الناس أجمع، من الحر، والعبد،
والذكر، والأنثى، بعد أن كان أهلا للوجوب، لأن ما ذكرنا من دليل
الوجوب لا يوجب الفصل.
الثالث: في بيان مقداره: فقد اختلف العلماء فيه، قال أصحابنا:
الوتر ثلاث ركعات، بتسليمة واحدة، في الأوقات كلها، وقال الشافعي
هو بالخيار، إن شاء الوتر بركعة، لان شاء الوتر بثلاث، اهو خمس، أو
سبع، أو تسع، أو إحدى عشر في الأوقات كلها، وقال الزهري: في
شهر رمضان ثلاث ركعات، وفي غيره ركعة واحدة.
وقال الخطابي: وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الوتر ركعة،
منهم: عثمان بن عفان، وسعد بن أبى وقاص، وزيد بن ثابت،
وأبو موسى الأشعري، وابن عباس، وعائشة، وابن الزبير، وهو
مذهب ابن المسيب، وعطاء، ومالك، والأوزاعي، والشافعي،(5/323)
وأحمد، وإسحاق، غير أن الاختيار عند مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، أن يصلي ركعتين، ثم يوتر بركعة، فإن أفرد الركعة كان جائرا عند الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكرهه مالك، وقال الصحاب الرأي: الوتر ثلاث، لا يفصل بين الشفع والوتر، بتسليمة، وقال سفيان: الوتر ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، إحدى عشرة، وقال الأوزاعي إن فصل بين الركعتين، والثالثة فحسن، وإن لم يفصل فحسن، وقال مالك: يفصل بينهما، فإن لم يفصل ونسي إلى أن قام في الثالثة سجد سجدتي السهو.
1387- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو حفص الأبار، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- بمعناه زاد: " فقال أعرابية ما تقولُ؟ قال: ليس لكَ، ولا لأصحابِكَ " (1) . ش- أبو حمص هذا عمر بن عبد الرحمن بن قيس الكوفي الأخبار، سكن بغداد. سمع يحيي بن سعيد الأنصاري، ومنصور بن المعتمر، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، والحسن بن عرفة، وغيرهم، وقال ابن معين: كان يعمل الأبرز فنسب إليها، وكان كوفيا، وهو ثقة، توفي ببغداد، روى له: أبو داود، وابن ماجه.
وعمرو بن مرّة: ابن عبد الله الجَملِي الكوفي، وأبو عبيدة هو ابن عبد الله بن مسعود، وقد تقدم ابنه لم يسمع من أبيه، والحديث منقطع، وأخرجه ابن ماجه أيضًا، وقد أجيب عن هذا الحديث بأنه كان قبل استمرار الوجوب.
1388- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، وقتيبة بن سعيد، المعنى، قالا: نا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الله بن راشد العوفي، عن عبد الله ابن أبي مُرّة الزوفي، عن خارجة بن حذيفة- قال: أبو الوليد: العدوي-
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر (1170) .(5/324)
قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قَدْ أمدكُم اللهُ بصلاة (1) ، وهي خير لكُم من حُمْرِ النعَم، وهي الوترُ، فَجَعَلها لكم فيما بين العًشاء، إلى طُلُوع الفجرِ " (2) .
ش- عبد الله بن راشد الصوفي أبو الضحوك المصري. روى عن: عبد الله بن أبي مُرة الزوفي. روى عنه يزيد بن أبي حبيب المصري، وخالد بن يزيد. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
والزوفي نسبة إلى زَوْف، بفتح الزاي، وسكون الواو، وفي آخره فاء، وهي قبيل من حمير بن سبإ.
وعبد الله بن أبي مرة الزَّوْفي شهد فتح مصر، واختط بها. روى عن خارجة بن حذيفة. روى عنه: عبد الله بن راشد العوفي، وزر بن عبد الله الزوفي،/ روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. [2/ 159 - أ] وخارجة بن حذيفة العدوي القرشي الصحابي سكن مصر، له هذا الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " قال أبو الوليد: العدوي " أي: قال أبو الوليد الطيالسي: خارجة بن حذيفة العدوي.
قوله: " من حُمر النَّعم " النعَم بفتحتين واحد الأنعام، وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، قال الفراء: هو ذكر لا يؤنث، يقولون: هذا نعم وارد، ويجمع على نعمان، مثل حِمل وحملان، والأنعام يذكر ويؤنث، والحُمْر- بضم الحاء، وسكون الميم- جمع أحمر، ولما كان الإبل الحُمر أعز الأموال عند العرب ذكر ذلك
__________
(1) في سنن أبي داود: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله عز وجل أمدكم بصلاة ... ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الوتر (452) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر (1168) .(5/325)
- عليه السلام-. وقال الخطابي: قوله: " أمدكم بصلاة " تدل على أنها غير لازمة لهم، ولو كانت واجبة لخرج الكلام فيه على صيغة لفظ الإلزام، فيقول: ألزمكم، أو فرض عليكم، اهو نحو ذلك من الكلام، وقد رُوي أيضًا في هذا الحديث: " إن الله قد زادكم صلاة " ومعناه الزيادة في النوافل، وذلك أن نوافل الصلوات شفع، لا وتر فيها، فقيل: أمدكم بصلاة، وزادكم بصلاة، لم تكونوا تصلونها قبلُ على تلك الصورة والهيئة، وهي الوتر، وفيه دليل على أن الوتر لا يُقضى بعد طلوع الفجر، دالنا ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وهو قول عطاء، وقال سفيان الثوري، وأصحاب الرأي: يُقضى الوتر، وإن كان قد صلى الفجر، وكذلك قال الأوزاعي.
قلنا: لا نُسلِّم أن قوله: " أمدكم بصلاة " تدل على أنها غير لازمة، ولئن سقمنا فلا ينافي ذلك دلالة دليل آخر على الوجوب، وقد جاءت أحاديث أخر تدل على الوجوب، فيتأكد حكم هذا الحديث بتلك الأحاديث، فلا يكون فيه دليل على أن الوتر لا يُقضى بعد طلوع الفجر، بل يُقضى أبدًا، على أن الحديث أعلّه ابن الجوفي في لا التحقيق " بعبد الله بن راشد، ونقل عن الدابة قطني ابنه ضعفه، وقال البخاري: لا يعرف لإسناد هذا الحديث سماع بعضهم من بعض. وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب، وأخرجه الحاكم في " المستدرك "، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، لتفرد التابعي من (1) الصحابي، ورواه الحمد في " مسنده "، والدارقطني في " سننه "، والطبراني في لا معجمه ما وابن عدي في " الكامل ".
***
323- باب: فيمن لم يوتر
أي: هذا باب في بيان الوعيد الذي جاء في حق من لم يوتر.
__________
(1) كذا.(5/326)
1389- ص- نا محمد بن المثنى، نا أبو إسحاق الطالقاني، نا الفضل بن
موسى، عن عبيد الله بن عبد الله العتكي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه،
قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " الوترُ حق، فمن لم يوتر فليسَ منَّا،
الوترُ حق فمن لم يوترْ فليسَ منَّا، الوترُ حقٌّ فمن لم يوترْ فليسَ منَّا " (1) .
ش- أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن عيسى البياني، مولاهم
الطالقاني. سمع مالك بن أنس، ومعتمر بن سليمان، وسفيان بن
عيينة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وإبراهيم بن موسى
الفراء، ويعقوب بن شيبة، وغيرهم، وقال ابن معين: ثقة، وقال
أبو حاتم: صدوق، توفي بمر [و] سنة خمس عشرة ومائتين. روى
له: أبو داود، والترمذي (2) .
قوله:" الوتر حق " أي: واجب ثابت، والدليل على هذا المعنى قوله:
" فمن لم يوتر فليس منا " وهذا وعيد شديد، ولا يقال مثل هذا إلا في
حق تارك فرض، أو واجب، ولا سيما وقد تأكد ذلك بالتكرار ثلاث
مرات، ومثل هذا الكلام بهذه التأكيدات لم يأت في حق السنن، فحينئذ
سقط ما قال الخطابي في قوله: " وقد دلت الأخبار الصحيحة على أنه لم
يرد بالحق الوجوب الذي لا يسع غيره، منها خبر عبادة بن الصامت لما
بلغه " أن أبا محمد رجلاً من الأنصار يقول: الوتر حق، فقال: كذب
أبو محمد. رُوي عن النبي- عليه السلام- في عدد الصلوات الخمس "
ومنها خبر طلحة بن عبيد الله في سؤال الأعرابي، ومنها خبر أنس بن
مالك في فرض الصلوات ليلة الإسراء ".
بيان ذلك: أن عُبادة بن الصامت/ إنما كذب الرجل في قوله كوجوب [2/ 159 - ب] الصلاة ولم يقل أحد أن الوتر واجب كوجوب الصلاة الفرض، وأما
خبر طلحة بن عبيد الله فكان قبل وجوب الوتر، بدليل أنه لم يذكر فيه
الحج، فدل على أنه متقدم على وجوب الحج، ولفظة " زادكم صلاة "
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 145) .(5/327)
مُشعِرةٌ بتأخر وجوب الوتر، وأما خبر أنس فلا يراع فيه أنه كان قبل الوجوب، والحديث أخرجه: الحاكم أيضا في " مستدركه "، وصححه. فإن قيل: في إسناده أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله، وقد تكلم فيه البخاري، وغيره. قلنا: قال الحاكم: هو ثقة، وكذا وثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صالح الحديث، وأنكر على البخاري إدخاله في الضعفاء.
1390- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد ابن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، أن رجلا من بني كنانة يُدعى المُخْدجِي. سمع رجلاً بالشام يُدعى آبا محمد، يقول: إن الوترَ واجب، قال المُخْدِجِي: فَرُحْتُ إلى عبادةَ بن الصامت، فأخبرتُه، فقال عبادة: كَذَبَ أبو محمد. سمعتُ رسولَ الله، يقولُ: َ " خمسُ صَلَوات كَتَبَهن اللهُ تعالى على العبادة، فمن جَاءَ بهن لمَ يُضيعْ منهن شيئا استخفافاً بحقِّهِن، كان له عندَ الله تعَالى عَهدا أن يُدخلَهُ الجنةَ، ومَن لم يأتِ بهن فليس له عندَ أدتها بها إنه شَاءَ عذبهُ، كان شاءَ أدخَلَهُ الجنة " (1) .
ش- ابن محيريز هو: عبد الله بن محيريز بن جحادة المكي، والمُخْدِجي - بضم الميم، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الدال المهملة، وقد فتحها بعضهم، وبعدها جيم- قيل: إن هذا لقب، وقيل: نسب إلى مخرج بطن من كنانة، واسمه رُفيع الفلسطيني، وأبو محمد أنصاري، اسمه مسعود بن زيد بن ستبيع التجاري، وله صحبة، وقيل: اسمه سعد بن أوس من الأنصار من بني النجار، وكان بدننا.
قوله: " كذب أبو محمد " أي: أخطأ، وسماه كذبًا، لأنه يشبهه في كونه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق، ويقال: هذا الرجل
__________
(1) النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس (1/ 230) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها (1401) .(5/328)
ليس بمخبر، وإنما قاله باجتهاد أداه إلى أن الوتر واجب، والاجتهاد لا يدخله الكذب، " أنما يدخله الخطأ، وقد جاء " كذب " بمعنى " أخطأ " في غير موضع، وقد ذكرنا الجواب عن هذا.
قوله: " كان له عند الله عهد " أي: موثق، ويجيء بمعنى اليمين،
والأمان، والوصية، والرعاية، والحِفاظ.
قوله: " إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة " فيه دليل أن تارك الصلاة عمدًا ليس حكمه حكم الكفار، وهو حجة على من يقتل تارك الصلاة كفرا، والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه. ورواه ابن حبان في لتصحيحه لا.
***
324- باب: كم الوتر
أي: هذا باب في بيان كمية الوتر.
1391- ص- نا محمد بن كثير، أنا همام، عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن، ابن عمر " أن رجلا من أهلِ الباديةِ سَألَ النبيّ- عليه السلام- عن صَلاة الليلِ فقال بإصْبعَيْه هكذا: مَثنى مثنى، والوترُ ركعةٌ من آخرِ الليلِ " (1)
ش- همام بن يحيى.
واستدل الشافعي بهذا الحديث أن الإيجار بركعة واحدة جائز، وقال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذا فقلدوه، وجعلوه أصلاً، وخالفهم آخرون، فافترقوا على فرقتين، فقال بعضهم: الوتر ثلاث ركعات، لا يسلم إلا في آخرهن، وقال بعضهم: الوتر ثلاث ركعات، يسلم في الاثنين منهن، وفي آخرهن، وكان قول رسول الله: " الوتر ركعة من
__________
(1) مسلم: كتائب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (749) ، النسائي: قيام الليل، باب: الوتر بواحدة (1/ 233) .(5/329)
آخر الليل " فقد يحتمل عندنا ما قال أهل المقالة الأولى، ويحتمل أن يكون ركعة مع شفع قد تقدمها، وذلك كله وتر فتكون تلك الركعة وترًا للشفع المتقدم لها، وقد بين ذلك ما قد رواه بعضهم: حدثنا يزيد بن سنان، أنا أبو عاصم، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: " أن رجلاً سأل النبي- عليه السلام- عن صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصل ركعة توتر لك صلاتك " ثم أخرج الطحاوي هذا بإحدى عشر طريقا أخرى، كلها عن النبي- عليه السلام- ولنا أحاديث أخرى تدل على أن الوتر ثلاث ركعات كالمغرب، منها ما رواه النسائي في " سننه " بإسناده إلى عائشة، قالت: " كان النبي- عليه [2/ 160 - أ] السلام- لا يُسلم/ في ركعتي الوتر ".
ومنها ما رواه الحاكم في " المستدرك " بإسناده إلى عائشة، قالت: "كان رسول الله- عليه السلام- يوتر بثلاث لا يُسلم إلا في آخرهن " وقال: إنه صحيح على شرط البخاري، ومسلم، ولم يخرجاه. ومنها ما رواه الدارقطني، ثم البيهقي، عن يحيى بن زكرياء: نا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن عبد الله ابن مسعود، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " وتر الليل ثلاث كوتر النهار: صلاة المغرب لما. قال الدارقطني لم يروه عن الأعمش مرفوعًا غير يحمى بن زكرياء، وهو ضعيف، وقال البيهقي: الصحيح، وقفه على ابن مسعود، ورفعه يحيى بن زكرياء بن أبي الحواجب، وهو ضعيف، ورواه الثوري، وعبد الله بن نمير، وغيرهما عن الأعمش، في فوقفوه انتهي.
قلت: أخرجه النسائي من حديث ابن عمر، قال: نا قريبة، عن الفضل بن عياش، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عمر، قال: [قال] رسول الله- عليه السلام-: " صلاة المغرب وتر صلاة النهار، فأوتروا صلاة الليل " وهذا السند على شرط الشيخين، وأخرجه الدارقطني أيضًا،- العني: الحديث الأول- عن إسماعيل بن(5/330)
مسلم المكي، عن الحسن، عن سعد بن هشام، عن عائشة مرفوعا نصحوه سواء.
ومنها ما رواه محمد بن الحسن في " موطئه "، عن يعقوب بن إبراهيم، أنا حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، أنه قال: " ما أجزأت ركعة قط " ورواه الطبراني في ما معجمها.
ومنها ما رواه الطحاوي: حدثنا روح بن الفرج، نا يحيى بن عبد الله ابن بكير، نا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عقبة بن مسلم، قال: " سألت عبد الله بن عمر عن الوتر؟ فقال: أتعرف وتر النهار؟ فقلت: نعم، صلاة المغرب، قال: صدقت، وأحسنت " وقال الطحاوي: وعليه يُحمل حديث ابن عمر أن رجلاً سأل النبي- عليه السلام.- عن صلاة الليل؟ فقال: لا مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فصل ركعة، توتر لك ما صليت ثم قال: معناه صل ركعة في ثنتي قبلها، وتتفق بذلك الأخبار.
ومنها ما رواه الطحاوي أيضًا: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، نا سعيد بن منصور، نا هشام، عن حميد، عن أنس، قال: " الوتر ثلاث ركعات " قال: ومذهبنا أيضا قوي من جهة النظر، لأن الوتر لايح (1) إما أن يكون فرضًا، أو سُنَة، فإن كان فرضًا فالفرض ليس إلا ركعتين، أو ثلاثا، أو أربعًا، وكلهم أجمعوا أن الوتر لا يكون ثنتي ولا أربعًا، فثبت أنه ثلاث، وإن كان لسُنَّة فأنا لم نجد لسُنَّة إلا ولها مَثَلٌ في الفرض، والفرض لم نجد فيه وترا إلا المغرب، فهو ثلاث، فثبت أن الوتر ثلاث، انتهى.
قلت: هذا الذي ذكره نظر جيد، وقد ذكر الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " من جملة الترجيحات أن يكون الحديث موافقا للقياس، ومن جملة ما يُقوي قول أصحابنا أن الحسن البصري حكى إجماع المسلمين على
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى:" لا يخرج ".(5/331)
الثلاث، على ما روى ابن أبي شيبة: حدثنا حفص، ثنا عمرو، عن الحسن، قال: " أجمع المسلمون على ابن الوتر ثلاث، لا يُسلّم إلا في آخرهن ". 1392- ص- نا عبد الرحمن بن المبارك، نا قريش بن حنان العالي، نا بكر بن وائل، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسوِلُ اللهِ- عليه السلام- " الوترُ حق على كلِّ مُسلمٍ، فمن أجب أن يُوترِ بخمس فليفعلْ، ومَن أحبَّ أن يوترَ بثلاث فليفعَل، ومن أحَبَّ أن يُوتر بواحدة فًليفعلْ " (1) .
ش- قريش بن حنان أبو بكر الًعجلي البصري من بكر بن وائل. روى عن الحسن البصري، وابن سيرين، وثابت البناني، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، ووكيع، وعبد الرحمن بن المبارك، وغيرهم. وقال أحمد: لا بأس به، وقال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود.
وبكر بن وائل بن داود الكوفي. روى عن الزهري. روى عنه: أبوه وائل بن داود، وهشام بن عروة، وقريش بن حيان، وغيرهم، قال أبو حاتم: هو صالح. روى له: الجماعة إلا البخاري.
[2/ 160 - ب] قوله: " الوتر حق على كل مسلم " هذا صَريح/ في وجوب الوتر، لأكن كلمة " على " للإيجاب، ولا سيما متعلِّقُهُ لفظ " الحق "، الذي بمعنى الثابت، ولا ينفي الوجوب مع هذا إلا مكابر معاند.
وأما الجواب عن التخيير بين الخمس، والثلاث، والواحدة، فكان قبل استمرار الثلاث، وقال الطحاوي: وقد أجمعت الأمة بعد رسول الله - عليه السلام- على خلاف ذلك، فأوتروا وترًا لا يجوز لكل من أوتر عنده ترك شيء منه، فدلّ إجماعهم على نسخ ما تقدمه من قول رسول الله، لأن الله لم يكن ليجمعهم على ضلال. والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقد وقفه بعضهم، ولم يرفعوا إلى رسول الله، ولكن هؤلاء
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر الاختلاف على الزهري (1/ 238) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع (1190) .(5/332)
الثلاثة أخرجوه مرفوضا، كما ذكرنا من رواية بكر بن وائل، عن الزهري، وتابعه على رفعه الأوزاعي، وسفيان بن حسين، ومحمد بن أبي حفصة، وغيرهم. ورواه أحمد أيضا في " مسنده "، وابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك "، وقال: على شرطهما.
***
325- باب: ما يقرأ في الوتر
أي: هذا باب في بيان ما يقرأ في الوتر.
1393- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو حفص الأبار ح، ونا إبراهيم ابن موسى، أنا محمد بن أنس- وهذا لفظه- عن الأعمش، عن طلحة، وزُبيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن أبيِّ بن كعب، "
قال: " كان رسول الله يوتر: ب {سبحِ اسم ربكَ الأعْلَى} ، وقل للذين كفروا، واللهُ الواحدُ الصَمد " (1) .
ش- أبو حفل الأبار هو: عمر بن عبد الرحمن، وقد مر عن قريب. ومحمد بن أنس القرشي العدوي مولى عمر بن الخطاب، يكنى
أبا أنس. سمع عاصم بن كليب، وسليمان الأعمش، ومطرف بن طريف، وغيرهم. سمع منه: إبراهيم بن موسى الرازي، قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: هو صحيح الحديث. روى له: أبو داود.
وطلحة بن مصرف الكوفي، وزُبيد بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب بن جُحدب أبو عبد الرحمن اليامي الكوفي. سمع: أبا وائل، وأبا الأحول، والشعبي، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وعمرو بن قيس، ومسعر بن كدام، وشعبة، وغيرهم، قال يحيى القطان: هو ثبت، وقال أبو حاتم: ثقة، مات سنة سنتين وعشرين ومائة. روى له: الجماعة.
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب (1/ 235) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما يقرأ
في الوتر (1171) .(5/333)
قوله: " وقل للذين كفروا " أراد به: {قُلْ يا أيهَا الكاَفرُونَ} وأراد بقوله: " والله الواحد الصمد " {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ يدل علَى ذلك رواية النسائي، وابن ماجه، وفي روايتهما {قُلْ يا أيها الكَافرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللهُ أحَد} . وقال الطحاوي: نا أبو بكرة، نا أبو المطرَف بن أبي الوزير، نا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه أنه صلى مع النبي- عليه السلام- الوتر فقرأ في الأولى ب {سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى} وفي الثانية {قُلْ يا أيُّهَا الكَافرُونَ} ووفي الثالثة ": {قُلْ هُوَ اللهُ احَدٌ} فلما فرغ قال: سبحان الملك القدَوس ثلاثا، ثم يمد صوته بالثالثة.
حدثنا ابن نصر، نا أبو نعيم، نا سفيان، عن زبيد فذكر مثله بإسناده. حدثنا ابن أبي داود، نا أحمد بن يونس، نا محمد بن طلحة عن زبيد فذكر مثله بإسناده غير أنه قال: وفي الثانية: قل للذين كفروا وفي الثالثة: الله الواحد الصمد- فهذا يدل على أنه كان يوتر بثلاث.
1394- ص- نا أحمد بن أبي شعيب، نا محمد بن سلمة، نا خصيف عن عبد العزيز بن جرير قال: سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنينَ: بأيِّ شيء كان يُوترُ رسولُ الله؟ فذكرَ معناه قال: وفي الثالثة ب {قُلْ هُوَ اللهَ أحَدٌ} والمُعَوذتينَ (1) .
ش- محمد بن سلمه الباهلي الحراري، ورصيف بن عبد الرحمن الحراني.
وعبد العزيز بن جريح المكي القرشي مولاهم، والد عبد الملك. روى عن عائشة أم المؤمنين، وسعيد بن جبير. روى عنه: ابنه عبد الملك، وخصيف بن عبد الرحمن. قال البخاري: لا يتابع في حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقرأ في الوتر (463) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء فيما يقرأ في الوتر (1173) .(5/334)
والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
***
326- باب: القنوت في الوتر
أي: هذا باب في بيان القنوت في الوتر.
1395- ص- نا عتيبة بن سعيد. وأحمد بن جَوَّاس الحنفيُّ قالا: حدثنا أبو الأحول، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم/، عن أبي الحَوْراء [2/ 161- أ] ، قال أبو داود: أبو الحَوْراء: ربيعة بن شَيْبان (1) ، قال: قال الحسن بن علي: علَّمَني رسولُ الله- عليه السلام- كَلمات أقولهن في الوترِ- قال ابنُ جَوّاس: في قُنوتَ الوتر-: " اللهمَّ اهْدنيً فيمَنْ هَدَيْتَ! وَعَافِنِي فيمَنْ عَافَيْتً! وتَولَّنِي فَيمَنْ تَولَّيْتَ! وباركَْ لي فيما أعطيتَ! وقني شَرَّ ما قضَيْتَ! إنك تَقْضي ولا يُقْضى عليكَ، وإنه لا يَذلُّ مَن والًيْتَ (2) . تَبَاركتَ ربنا وتَعَاليْتً " (3) .
ش- أحمد بن جَواس الحنفي: قد ذكر مرةً، وجَواس- بفتح الجيم وتشديد الواو، وفي آخره سين مهملة- وأبو الأحوص: سلام بن سليم، وأبو إسحاق: السبيعي.
وبُرَيْد- بضم الباء الموحدة وفتح الراء- ابن أبي مريم: السلولي البصري، واسم أبي مريم: مالك بن ربيعة. سمع: أباه، وأنس بن مالك، وأبا الحوْراء. روى عنه: ابنه: يحيى، وأبو إسحاق، وابنه: يونس، وشعبة، وغيرهم، قال ابن معين: كوفي ثقة، وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) هذا النص ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(2) في سنن أبي داود زيادة: " ولا يعز من عاديت " بعد قوله:" ... واليت ".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (464) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الدعاء في الوتر (3/ 248) ، ابن ماجهِ: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1178) .(5/335)
وأبو الحَوْراء- ممدود- وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، وبعدها راء مهملة، اسمه: ربيعة بن شَيْبان البصري. سمع: الحسن بن علي بن أبي طالب. روى عنه: بريد بن أبي مريم، وثابت بن عمارة الحنفي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " فيمَن هديت " أي: فيمَنْ هديَتَهم، وحذف المفعول كثير في الكلام، وكذلك حذف في " توليت " و " أعطيت ".
قوله: " وقِني " أي: احفظني " شر ما قضَيْته ".
قوله: " وإنه " أي: إن الشأن.
قوله: " مَنْ واليت " فاعل " لا يذلُّ " أي: مَنْ وَاليتَهُ بمعنى: لا يذل من كنتَ له ولنا حافظا وناصرًا.
قوله: " تباركت " أي: تعاظمتَ.
قوله: " ربنا " أي: نا ربّنا، وحرف النداء محذوف.
واستدل أصحابنا بهذا الحديث أن المستحب للقانت في الوتر: أن يقنت بهذا الدعاء، ونمو عليه- أيضًا- صاحب " الهداية " و " المُحيط ". والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي، ولا نعرف عن النبي- عليه السلام- في القنوت شيئا الحسن من هذا. ورواه أحمد في " مسنده " وابن حبان في " صحيحه " في النوع الثالث والعشرين من القسم الثاني منه، والحاكم في " المستدرك " في " كتاب الفضائل " وسكت عنه. ورواه البَيْهقي في " سننه ". ورواه في رواية بعد " واليت ": " ولا يَعزُّ مَنْ عاديت " وزادَ النسائي في رواية: " تباركتَ وتعاليتَ وصلى الله على النبيّ ". وقال النووي في " الخلاصة ": وإسنادهما صحيح أو حسَنٌ. ورواه إسحاق بن راهوَيْه، والدارمي، والبحار في مسانيدهم، قال الجزار: هذا حديث لا نعلم أحدًا يَرْويه عن النبي- عليه السلام- إلا الحسن بن علي- رضي الله عنهما-.(5/336)
1396- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهير: نا أبو إسحاق بإسناده ومعناه قال في آخره: قال: هذا يقولُ في الوترِ في القُنوتِ ولم يذكر: " أقولُهن في الوتْرِ " (1) .
ش- زهير: ابن معاوية، وأبو إسحاق: السبِيعي.
قوله: " بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث ومعناه المذكور.
1397- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن هشام بن عَمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن علي بن أبي طالب أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يقولُ في آخرِ وتْرِه: " اللهمَ إِني أعوذُ برِضَاكَ من سَخَطكَ، وبمُعَافَاتكَ من عُقُوبَتكَ، وأعُوذُ بك منك، لا أحْصِي ثناءً عليكَ أنتَ كَما أثنيت علىَ نفسِك " (2) .
ش- حماد: ابن سلمة. وهشام بن عَمرو الفزاري: روى عن: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. روى عنه: حماد بن سلمي، قال أحمد: هو من الثقات، وقال أبو حاتم: شيخ قديم ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام: بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو محمد القرشي المخزومي، أدرك عصر النبي- عليه السلام- سمعَ: أباه، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وهو أحد الرهْط الذين أمرهم عثمان بكتابة المصاحف. روى عنه: ابنه: أبو بكر، وهشام بن عمرو الوزاري، والشعبية، قال محمد بن عبد الله: هو تابعين ثقة، مات أبوه: الحارث في طاعون عَمْواس بالشام سنة ثمان عشرة، فخلف
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في دعاء الوتر (3566) ، النسائي: كتاب الوتر، باب: الدعاء في الوتر (3/ 248) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1179) .
22 هـ شرح سنن أبي داود هـ(5/337)
[2/ 161 - ب] / عمر بن الخطاب على امرأته، وكان عبد الرحمن في حجر عمر، وكان عبد الرحمن شهد الجمل مع عائشة، وتوفي في خلافة معاوية.
روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " وأعوذ بك منك " أي: أستعيذ بك من عذابك، أو ألتجئ
أليك من سخطك.
قوله: " لا أحْصي ثناء عليك " أي: لا أقدر على إحْصاء الثناء عليك.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن
سلمة. واستدلّ لنا ابن الجوزي في " التحقيق " بهذا الحديث على وجوب
القنوت في السنة كلها. فكأنه بناه على أن " كان " يقتضي الدوام.
ص- قال أبو داود: هشام أقدمُ شيخ لحماد، وبلَغني عن يحيي بن مَعين
أنه قال: لم يَرْو عنه غيرُ حمادِ بن سلمة.
ش- أي: هشام بن عَمرو الفزاري أقدم شيخ لحماد بن سلمة. وقال البخاريّ: قال أبو العباس: قيل لأبي جَعْفر الدارمي: روى عن هذا
الشيخ غير حماد؟ فقال: لا أعلم , وليس لحماد عنه إلا هذا.
قلت: أبو جعفر الدارمي هو احمد بن سعيد شيخ البخاري، ومسلم،
وأبو العباس: محمد بن إسحاق السراج.
ص- قال أبو داود: رَوى عيسى بنُ يونس، عن سعيد بن أبي عَروبةَ،
عن قتادة، عن سعيد بنِ عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عَن أبيِّ بنِ كعب،
أن رسولَ اللهِ- علليه اَلسلام- قلَتَ- يعني: في الوترِ قبلَ الركوع-.
ش- هذا الحديث الذي ذكره أبو داود مَعلَّقًا طرف من حديث قد أخرجه
النسائي في " سننه " بطوله، وقال النسائي، وابن ماجه: نا علي بن
ميمون الرقي: نا مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن زُبيد اليامي، عن
سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن أبيه بن كعب، " أن
رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يُوتر فيَقْنت قبل الركوع ". انتهى لابن(5/338)
ماجه، ولفظ النسائي: كان يوتر بثلاث: يقرأ في الأولى {سبح اسْمَ رَبك الأعْلَى} وفي الثانية {قُلْ يا أيُّهَا الكافرون} وفي الثالثة {قُلْ هوَ اللهُ أَحَدٌ} ويقنت قبل الركوع. انتهى. ورواه في " سننه الكبرى ": فإذا فرغ قال: " سبحان الملك القدوس " - ثلاث مرات- يُطيل في آخرهن، ثم قال: وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد النامي، فلم يقل فيه " ويقنت قبل الركوع ".
قلت: وبهذا الحديث استدلّ أصحابنا أن القنوت محلّه [قبل] الركوع. قلت: " (1) وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر
- رضي الله عنهم-.
أما حديث ابن مسعود: فما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " والدارقطني في " سننه " عن أبان بن أبي عياش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله ين مسعود: " أن النبي- عليه السلام- قنت في الوتر قبل الركوع ".
وأما حديث ابن عباس: فما رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه " الحلْية " عن عطاء بن مسلم: ثنا العلاء بن المسيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس قال: أوتر النبي- كليه السلام- بثلاث فقنت فيها قبل الركوع.
وأما حديث ابن عمر: فما رواه الطبراني في " معجمه الوسط ": حدثنا محمود بن محمد المروزي: نا سهل بن العباس الترمذي: نا سعيد ابن سالم القداح، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي - عليه السلام- كان يوتر بثلاث ركعات، ويجعل القنوت قبل الركوع. قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله إلا سعيد بن سالم. ومن الآثار: ما رواه الطبراني في " معجمه ": نا فضل بن محمد الملطي: نا أبو نعيم: نا أبو العُمَيْس: حدثني عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: كان
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/ 123: 125) .(5/339)
عبد الله بن مسعود لا يقنت في صلاة الغداة، وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركوع. وفي لفظ: كان لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركعة. ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة في " مُصنفه ": نا يزيد ابن هارون، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي- عليه السلام- كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع (1) .
ص- وَرَوَى عيسَى بنُ يونسَ هذا الحديثَ- أيضًا- عن فطر بن خليفة، عن زُبَيْد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عنَ أبيٍّ، عن النبي - عليه السلام- مثله.
ش- أي: الحديث المذكور. وزُبَيْد: ابن الحارث اليامي، وقد مر ذكره عن قريبٍ. وأخرج البيهقي هذه الرواية- أيضًا- وصرح فيها بذكر القنوت قبل الركوع.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور الذي فيه التصريح بأن القنوت قبل الركوع.
[2/ 162 - أ] ص- ورُوي عن حفص بن غياث، عن مسْعر، عن/ زُبَيْد، عن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبيّ بن كعْب أن رسول اللَه- عليه السلام- قنت في الوتر قبل الركوع.
ش- هذا تعليق آخر بإسنادٍ فيه التصريح بالقنوت قبل الركوع.
ص- قال أبو داود: وحديث سعيد، عن قتادة، رواه يزيدُ بن زُريعٍ، عن سَعْيد، عن قتادة، عن عَزْرَة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، عن الًنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يذكر القنوت، ولا ذُكِرَ أبي (2) .
ش- أي: حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. رواه يزيد بن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " ولا ذَكَرَ أبنا " وسيذكر المصنف أنها نسخة.(5/340)
زُريع عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عَزْرة بن عبد الرحمن الخزاعي.
قوله: " ولا ذُكِرَ أبَي " برفع " أبيّ " في بعض النسخ على إسناد الفعل المجهول أيه، أي: ولا ذكر في هذه الرواية: أبيّ بن كعب. وفي بعض النسخ: " ولا ذكر أبنا، بالنَصْب على المفعوليّة.
ص- وكذلك رواه عَبْد الأعلى، ومحمد بن بشر العَبْدي، وسماعه بالكوفةِ مع عيسى بن يونس، ولم يذكرُوا القنوتَ.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: عبد الأعلى بن عبد الأعْلى. قوله: " وسماعه " أي: سماع محمد بن بشر كان بالكوفة مع عيسى ابن يونس، كلاهما رونا عن سعيد بن أبي عروبة، وكذلك عبد الأعلى من جملة من روى عن سعيد بن أبي عروبة.
ص- وقد رواه- أيضَا- هشام الدستوائي، وشعبة، عن قتادة، لم يذكروا القنوتَ.
ش- أي: قد روى هذا الحديث- أيضًا- هشام الدستوائي، وشعبة ابن الحجاج، عن قتادة، وكلهم لم يذكروا فيه القنوت.
ص- وحديثُ زُبَيد رواه سليمانُ الأعمشُ، وشعبةُ، وعبدُ الملك بن أبي سليمان، وجريرُ بين حازم- كلهم-، عن زُبَيْد، لم يذكرْ أحد منهم القنوتَ إلا ما رُوي عن حفصة بن كنان، عن مسعرة، عن عُبيد، فإنه قال في حديثه: وأنه قَنتَ قبلَ الركوع، وَليسً هو بالمشهور رد من حديثه حفصة، يُخاف (1) أن يكون عن حفصة، عن غير مسعرٍ.
ش- العجبُ من أبي داود كيفَ يقولُ: " لم يذكر أحد منهم القنوتَ إلا ما رُوي عن حفص، عن مِسْعر، عن زُبَيْدٍ "؟ وقد روى هو ذكر القنوت قبل الركوع مِنْ حديث عيسى بن يونس، عن ابن أبي عروبة، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " نخاف "(5/341)
قال: وروى عيسى بن يونس هذا الحديث- أيضًا- عن فطْر، عن زُبيد إلى آخره، وقد رواه النسائي، وابن ماجه- كما ذكرنا- وفي إسناد حديثهما: ابن ميمون، وثقه النسائي، وأبو حاتم، ومخلّد وثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، وأخرج له الشيخان، فظهر بهذا أن ذكر القنوت عن زُبَيْد زيادة ثقة من وُجوه، فلا يصيرُ سكوت من سكت عنه حجة على مَنْ ذكره، وأما عيسى بن يونس: فقال فيه أبو زرعة: ثقة حافظ، وقال ابن المديني: بخ بخ، ثقة مأمون، وإذا كان كذلك فهو زيادة ثقة، ولا سيما جاء له شاهد وهو ما ذكرناه، فافهم.
ص- قال أبو داود: ويُروى أن ابَنا كان يَقنُتُ في النصفِ من رَمضانَ (1) . ش- ذكره أبو داود مُعلّقا، ثم ذكره بإسناده وبَيّن فيه أن النصف هو النصف الأخير من رمضان على ما يذكره الآن.
1398- ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن بكر: أنا هشام، عن محمد، عن بعض " أصحابه أن أبي بنَ كعب أمَّهم- يعني: في رمضانَ- فكان يَقْنُت في النصفِ الأخيرِ (2) من رمضانَ (3) . ش- محمد بن بكر: ابن عثمان البَصْري، وهشام: ابن حسان، ومحمد: ابن سيرين. وهذا فيه شيئان , الأول: أن فيه مجهولاً، والثاني: أنه فعلُ صحابي.
1399- ص- نا شجاعُ بن مُخلد: نا هشيم: أنا يونس بن عُبيد، عن الحسَن أن عمرَ بنَ الخطابِ جمعَ الناسَ على أبيِّ بنِ كعب، فكانَ يُصفَي لهم عشرين ليلةً، ولا يَقْنُتُ بهم إلا في النصف الباقِي، فإَذا كانت العشرُ الأوَاخَرُ تخلَّف فصَلَّى في بَيْتِهِ، فكانوا يَقُولُون: أبَقَ أبي (4) .
ش- هُشيم: ابن بَشِير. والحسن: البصري. وهذا الحديث فيه
__________
(1) في سنن أبي داود: " من شهر رمضان ".
(2) في سنن أبي داود: " الآخر ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) تفرد به أبو داود.(5/342)
شيئان , الأول: أن فيه انقطاعًا , فإن الحسن لم يدرك عمر بن الخطاب
لأنه ولد في سنة إحدى وعشرين، ومات عمر في أواخر سنة ثلاث وعشرين، أو في أول المحرم سنة أربع وعشرين، والثاني: أنه فعل
صحابي. وقال النووي في " الخلاصة ": الطريقان ضعيفان.
قلت: أراد بهما الأول والثاني.
/ ص- قال أبو داودَ: هذا يدل؟ على أن الذي ذُكرَ في القنوت ليْس [2/ 162 - ب] بشيء، وهذان الحديثانِ يدلانِ على ضعْفِ حديثِ أبي، أن النبي- عليه
السلامً- قَنَتَ في الوتر.
ش- هذا غيرُ مُسلم من أبي داود , لأن الحديث الذي ذكر في القنوت
إسناده صحيح على ما بيناه، وكيف يقال فيه: ليْس بشيء؟ والحَديثان
اللّذان أشار أيهما ضَعيفان، فكيف يدلان على ضَعْف الحديث القوي؟
وهذا المقدار عجيب منه , ولكن الرجلَ له هَفْوة، والجَوادَ له كَبْوة،
ونقل بعضهم هذا الكلام من أبي داود ثم قال: وهو مُنازعَ في ذلك.
***
327- بَابٌ: فِي الدُّعاءِ في (1) الوِتْرِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الوتر. وفي بعض النسخ: " باب
الدعاء بَعْد الوتر " وهو أصغ.
1400- ص- نا عثمان بن أبي شَيْبة: نا محمد بن أبي عبيدة: نا أبي،
عن الأعمش، عن طلحة الإيامي، عن ذَر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن
أبزى، عن أبيه، عن أبي بنَ كعبٍ قال: كان رسولُ الله إذا سَلمَ في الوترِ
قال: " سُبحانَ الملكِ القُدُوسِ " (2) .
ش- محمد بن أبي عبيدة: ابن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود، واسم أبي عبيدة: عبد الملك الكوفي المسعودي الهذلي. سمع:
__________
(1) في سنن أبي داود: " بعد "
(2) النسائي: كتاب الوتر، باب: القراءة في الوتر (3/ 245) .(5/343)
أباه. روى عنه: ابنا أبي شيبة، وأبو كريب، ومحمد بن الحسن بن إشكاب، قال ابن معين: ثقة. مات سنة خمس ومائتين. روى له: الجماعة إلا الترمذي.
وأبوه: أبو عبيدة عبد الملك بن مَعْين الكوفي. روى عن: الأعمش. روى عنه: ابنه: محمد، وابن المبارك، قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
؟ طلحة: ابن مُصرف الإيامي الهَمْداني، وذَرّ: ابن عبد الله الهَمْداني. قوله: " سبحان الملك القدوس " سبحان: علم للتسبيح كعثمان علم للرجل، وانتصابه على المصدر بفعل مضمر , كأنه قال: أبرئ الله من السُوء براءةً , واصل التسْبيح: التنزيه، والتقديس والتَبْرئة من النقائص. والقدُّوس: فُعّول، ومعناه الظاهر: المنزه عن العيوب والنقائص، وهذا (1) البناء للمبالغة، وقد تفتح القاف , وليس بالكثير، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى. والحديث: أخرجه النسائي.
1401- نا محمد بن عَوْف: نا عثمان بن سعيد، عن أبي غسان محمد ابن مصرف المدني، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد قال: قال النبي- عليه السلام-: " من نَامَ عن وترِه أو نَسيَه فليُصلِّه إذا ذَكَرهَ" (2) .ً
ش- عثمان بن سعيد: الحمْصي، وأبو سعيد: الخدري.
وهذا الحديث-أيضا- يدل عي وجوب الوتر , لأنه- عليه السلام- أمر بقضائه إذا نام عنه أو نسيَه، ولا يؤمر إلا بقضاء الواجب , وهو حجة على الشافعي في قوله: " اَلوتر لا يُقضى ". وقال صاحب " المحيط ": ولو فاته الوتر يقضي , خلافا للشافعي، أما عنده فلأنه واجب، وأما
__________
(1) في الأصل: " وهذه ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينام عن الوتر (465) ، ابن ماء: كتاب إقامة الصلاة، باب: من نام عن وتر أو نسيه معه (1188)(5/344)
عندهما: فلقوله- عليه السلام- " من نام عن وتره " الحديث. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه. وأخرجه الترمذي- أيضًا- مرسلاً، وقال: وهذا اصح من الحديث الأول، ثم قال: وقد ذهب بعض أهل العلم بالكوفة إلى هذا الحديث فقالوا: يوتر الرجلُ إذا ذكر وأن كان بعد ما طلعت الشمس. وبه يقول سفيان الثوري.
***
328- بَاب: في الوِتْر قَبْلَ النَّوْم
أي: هذا باب في بيان الوتر قبل النوم.
1402- ص- نا ابن المثنى: نا أبو داودَ: نا أبانُ بن يزيد، عن قتادة، عن أبي سعيد- من أزدِ شَنُوءةَ- عن أي هريرةَ قال: أوصَانِي خَليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدَعُهُنَّ في سَفر ولا حَضَرِ: ركعتي الضُّحَى، وصَوم ثلاثةِ أنامِ من الشهرِ، ولا أنامُ (1) إلا علَى وترِ (2) .
ش- محمد: ابن المثنى، وأبو داود: الطيالسي. وأبو سعيد: الأزْدي، من أزد شَنُوءَة. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: قتادة، حديثه في البصريين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. قوله: " أوصاني خليلي " المرادُ به: جبريل- عليه السلام- (3) ، ولا يُخالف قوله- عليه السلام- لا لو كنت متخذا من أمتي خليلا الأن الممتنع: أن يتخذ النبي- عليه السلام- غيره خليلاً، ولا يمتنع اتخاذ
__________
(1) في سنن أبي داود: " وأن لا أنام ".
(2) البخاري: كتاب التهجد، باب: صلاة الضحى في الحضر (1178) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان (721) .
(3) كذا، والقائل " أوصاني " هو أبو هريرة، وهذا يقتضي أن الموصي هو النبي صلى الله عليه وسلم(5/345)
الصحابي وغيره النبي- عليه السلام- خليلا. وفي هذا الحديث الحثُّ على ركعتي الضحى، والحث على صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يَسْتيقظ آخر الليل. وقد أخرجه البخاري، ومسلم بنحوه من حديث أبي عثمان النَّهْدي، عن أبي هريرة. [2/ 163 - أ] وأخرجه/ مسلم من حديث أبي رافع الصائغ، عن أبي هُريرة , وليس في حديثهما: " في سفرٍ ولا حضرٍ ".
1403- ص- نا عبد الوهاب بن نجْدة: نا أبو أيمان، عن صَفْوان بن عَمرو، عن أبي إدريس السَكُوني، عن جُبير بن نفير، عن أبي الدرداء: أوْصَانِي خَليلِي بثلاثِ لا أدَعُهُن لشيء: أوْصَانِي بصيام ثلاثة أيامِ من كلِّ شهرِ، ولا أَنامُ إِلا على وترِ، وتَسْبِيحةِ (1) الضُّحَى في السفرِ والَحَضَرِ (2) (3) .
ش- أبو أيمان: الحكم بن نافع البهراني الحمْصي، مولى امرأة من بَهْراء يُقال لها: أمّ سلمة. روى عن: حريز بن عثمان الرحبي، وصفوان بن عمرو، وأرطاة بن المنذر وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحمى بن معين، وأبو زرعة الدمشقي وغيرهم. توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (4) .
وصفوان بن عمرو: السكسكي الحمْصي. وأبو إدريس السَّكُوني
- بفتح السن-، روى عن: جُبير بن نفير. روى عنه: صفوان بن عمرو. روى له: أبو داود.
قوله: " لا أدعهنّ " أي: لا اتركهنّ.
قوله: " وتسبيحة الضحى " أي: صلاة الضحى. والحديث أخرجه: مسلم من حديث أبي مرة مولى أم هانئ، عن أبي الدرداء بنحوه , وليس فيه لا في الحضر والسفر "
__________
(1) في سنن أبي داود: " وبسبحة ".
(2) في سنن أبي داود: " في الحضر والسفر ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1448) .(5/346)
1404- ص- نا محمد بن أحمد بن [أبي] خلف: نا أبو زكرياء السَّيْلَحِيني: نا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رَباح، عن أبي قتادة أن النبي- عليه السلام- قال لأبي بكرٍ: " مَتى تُوتِرُ؟ " قال: أوترُ من أول الليلِ، وقال لعُمَر: " متى تُوترُ؟ " قال: آخرُ الليلِ، قال لأبي بكر (1) : " أخَذَ هَذا بالحَذَرِ " (2) وقال لعُمَرَ: " أخذَ هذا بالقوةِ " (3) .
ش- أبو زكرياء: يحيي بن إسحاق السَّيْلَحِيني، قد مرّ مرةً، وثابت: البياني، وأبو قتادة: الحارث بن ربْعي.
قوله: " أخذ هذا بالحذر " وفي نسخة صحيحة: " بالحزْم " , الحزمُ: ضَبْط الرجل أمْره والحذر من فواته، من قولهمً: حزمت الشيءَ أي: شدَدْتُه.
قوله: " أخذ هذا بالقوة " لأن الوثوق بالانتباه آخر الليل من القوة. وبه استدل أصحابنا: أن الرجل يُستحب له أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل إن وثق بالانتباه، د لا فالأفضل: أن يوتر قبل النوم.
***
329- بَابُ: وقْت الوتْرِ
أي: هذا باب في بيان وقت الوتر.
1405- ص- نا أحمد بن يُونس: نا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن مُسلم، عن مَسْروق قال: قلتُ لعائشة: مَتى كان يُوترُ رسولُ اللهِ؟ قالت: كُلُّ ذلك قد فَعلَ، أوترَ أؤلَ الليلِ ووَسطَهُ وآخِرَهُ؟ ولكن انتهى وتْرُهُ حين مَاتَ إلى السحَرِ (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال "
(2) في سنن أبي داود: " بالحزم " وسيذكر المصنف أنها نسخه.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) البخاري: كتاب الوتر، باب: ساعات الوتر (996) ، مسلم: كتاب صلاة=(5/347)
ش- أبو بكر بن عياش: ابن سالم الأسدي، قيل: اسمه: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل غير ذلك؛ وقد ذكرناه. ومُسلِم: ابن عمران البَطين الكوفي، ومسروق: ابن الأجْدع.
قوله: " كلّ ذلك " مبتدأ، وخبره: قوله: " قد فعل " أي: قد فعله. وقوله: " أوتر أول الليل " إلى آخره، بيان لقوله " كل ذلك قد فعل " والمراد من " أول الليل ": بعد صلاة العشاء الأخرة، وقد علم من ذلك: أن وقت الوتر: ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر , ففعله- عليه السلام- أول الليل وأوسطه بيان للجوار، وتأخيره إلى آخر الليل تنبيه على الأفضل لمن يثق بالانتباه، وكان بعض السلف يوترون أول الليل، منهم: أبو بكر، وعثمان، وأبو هريرة، ورافع بن خديج، وبعضهم يوترون آخر الليل، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر وغيرهم من التابعين. وأما أمره- عليه السلام- لأبي هريرة قبل النوم بالوتر: فهو اختيار منه له حين خشي أن يستولي عليه النوم، فأمرُه بالأخذ بالثقة، والترغيب في الوتر من آَخر الليل هو لمن قوي عليه، ولم تكن عادته أن تغلبه عيْناه. والحديث: أخرجه الجماعة.
1406- ص- نا هارون بن معروف: نا ابن أبي زائدة: حَدثني عُبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي- عليه السلام- قال: " بادرُوا الصبْحَ بالوِترِ " (1) .
ش- زكرياء: ابن أبي زائدة، وعُبيد الله بن عُمر العُمري.
قوله: " بادرُوا " أي: سارعوا؟ والمعنى: أوتاوا قبل أن تصبحوا.
__________
=المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (745) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: الوتر أول الليل (457) ، النسائي: كتاب الوتر، باب: الوتر
(3/ 230) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الوتر آخر الليل (1185) .
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: مبادرة الصبح بالوتر (467) .(5/348)
وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا الحديث
- أيضاً- يدل على وجوب الوتر , لأن الأمر بالمبادرة به لأجل خوف فواته
/ عن وقت الأداء , وذا من أمارات الوُجوب، والاستدلال به في أنه [2/ 163 - ب] يُقضى بعد خروج وقته باطل يُعرف بالتأمل.
1407- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث بن سَعد، عن معاويةَ بن
صالح، عن عَبْد الله بن أبي قيْس قال: سألت عائشة عن وترِ رسول الله
- عليه السلام- قالتْ: رُبَّما أوترَ أولَ الليلِ، وربما أوترَ من آَخره، قلتُ
كيف كانتْ قراءَتُه؟ كان يُسرُّ بالقراءة أم يَجْهرُ؟ قالت: كُلّ ذَلك كان
يَفعلُ، ربما أسَرَّ وربما جَهَرَ، وربما اغتسلً فَنامَ، وربما تَوَضأ فنامَ.
قال (1) غيرُ قُتيبة: تَعْني: في الجَنَابَةِ (2) .
ش- يُستفادُ من الحديث: أن الوتر يجوز في أول الليل وآخره، وأنه
مخير بين الجهر بالقراءة فيه وبَن إخفائها، وأنه إذا جامع أهله إن اشتهى
اغتسل ونام، وإن اشتهى توضأ ونام، كل ذلك جائز تيسيرًا للعباد.
قوله: " تعني: في الجنابة " أي: تعني عائشة بقولها: " وربما توضأ
فنام " في الجنابة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي وفي حديثهما:
"فقلتُ: الحمد لله الذي جعل في الأمْر سَعةً ".
1408- ص- نا أحمد بن حنبل: نا يحيى، عن عُبيد الله: حدثني نافع،
عن ابن عمرَ، عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " اجعَلُوا آخرَ صلاتكُم بالليلِ
وترم " (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: أقال أبو داود: قال غير ... ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب 00. (307) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب قراءة الليل (449) .
(3) البخاري: كتاب الوتر، باب: يجعل آخر صلاته وتراً مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل (777) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في البيت (1377) .(5/349)
ش- يحيي: القطان، وعُبيد الله: ابن عمر بن حفص.
وهذا الأمر للاستحباب , فيُستحب للرجل أن يُوتر آخر الليل إن وثق بالانتباه، وان يجعله آخر جميع صلاته. وأما ما روي عنه- عليه السلام- أنه كان يُداوم على ركعتين بعد الوتر، ويجعلهما آخر صلاة الليل، فالمراد منه: بيان الجواز، وقد تكلمنا في هذا المقام مُسْتوفًى.
***
330- بَاب: فِي نَقْضِ الوِتْرِ
أي: هذا بابٌ في بيان نقض الوتر.
1409- ص- نا مسدد: نا مُلازمُ بن عَمرو: نا عبدُ الله بن بَدْر، عن قَيْس بن طَلق قال: زَارَنَا طلقُ بنُ عليه في يومٍ من رَمضانَ وأمْسَى عندَنَا وأفْطرَ، ثم قًامَ بنَا تلك الليلةَ، وأوترَ بينا، ثم انحدر إلى مَسْجلِهِ فصلى بأصحابه حتى إذا بَقِيَ الوترُ قامَ رجلاً فقال: أوترْ به"صْحابكَ؟ فإني سمعتُ رسولَ الله يَقُولُ: " لا وِتران في لَيلة " (1) .
ش- مُلازم بن عَمرو: الحنفي اليماميّ، وعبدُ الله بن بَدْر: ابن عُميرة الحنفي، وقَيْسُ بن طلق: ابن علي الحنفي، وطلق بن علي: ابن المنذر الحنفي الصحابيّ.
ويُستفادُ من الحديث فوائدُ , الأولى: جواز قيام التراويح بالجماعة؟
لأن قوله: ثم قام بنا تلك الليلة: هي صلاة التراويح. الثانية: جواز صلاة الوتر بالجماعة؟ ولكن في رمضان، وقال صاحب " الهداية ": ولا يُصلِّي الوتر بجماعة في غير شهر رمضان، عليه إجماع المسلمين. الثالثة: يُفهَم منه جواز الإمامة في التراويح في مَوضعين , ولكن ذكر أصحابنا أنه إذا صلى في كل موضع على الكمال لا يجوز، وقال صاحب " المحيط ": إمام يُصلي التراويح في مَسْجدين في كل مَسْجد على الكمال
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: لا وتران في ليلة (470) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: النهي عن وترين في ليلة (3/ 229) .(5/350)
لا يجوز , لان السُّنَّة لا تتكرر في وقت واحد، وغير الإمام لو صلى التراويح في مسجدين لا بأس به , لأنه اقتداء المتطوع بمن يُصلي السُّنَّة فيجوز كما لو صلى المكتوبة ثم أدرك الجماعة ودخل فيها جاز.
قلت: فعلى هذا يحتمل أن تكون إمامة طلق بن علي في احد الموضعين
لا على وجه الكمال , ولئن سلمنا فهو فعل صحابي, على أن الحديث مَعلول بقيس بن طلق , فإنه قد ضعفه غيرُ واحدٍ.
الرابعة , يفهم منه أن الرجل إذا صلى الوتر مرةً لا يجوز له أن ينقض هذا ويُصفيه ثانيا، وترجمة الباب في هذه الصورة.
وقال الترمذي- بَعدَ أن روى بإسناده عن طلق بن علي قال: سمعتُ رسول الله يقولُ: " لا وتران في ليلة "-: هذا حديث حسن غريب، واختلف أهل العلم في الذي يُوتِر من أول الليل ثم يقومُ من آخره , فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- ومَن بعدهم نقض الوتر، وقالوا: يُضيف أيها ركعة ويُصلي ما بدا له، ثم يوتر في آخر صلاته , لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب أيه إسحاق، وقال بعض أهل العلم- من أصحاب النبي عليه السلام- وغيرُهم: إذا أوتر من أول الليل ثم نام، ثمِ قام من آخر الليل فإنه يُصلي ما بدَا له، ولا ينقض وتره، ويدعُ وتره على ما كان , وهو قول سفيان الثوري، ومالك، وابن المبارك، واحمد/ وهذا اصح , لأنه قد روي من غير وجه [2/ 164 - أ] أن النبي- عليه السلام- قد صلى بعد الوتر. انتهى.
وقال في " مختصر السنن ": قوله: " لا وتران في ليلة " معناه: أن
من أوتر ثم صلى بعد ذلك لا يُعيد الوتر.
واختلف العلماء فيمن أوتر ثم نام، ثم قام فصلى، هل يجعلُ آخر صلاته وترًا؟ فكان عبد الله بن عمر إذا عرض له ذلك صلى ركعة واحدةً ابتداء قيامه، أضافها إلى وتره يَنْقضه بها، ثم يصلي مَثنى مَثنى، ثم يوتر بواحدة. وروى ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود. وكان طائفة لا ترى نقض الوتر. ويُروى ذلك عن: أبي بكر، وعمار وغيرهما، وقالت(5/351)
عائشة في الذي ينقض وتره: هذا يَلْعبُ بوِتره. وقال الشعبي: أمرْنا بالإبْرام ولم نؤمر بالنقض.
قلت: روى ابن أبي شيبة: نا وكيع،. عن أبي حمزة، عن ابن عياش، وعائذ بن عمرو، قالا: إذا أوترت أول الليل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوله.
ونا هشيم قال: اخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عائشة أنها سُئلَتْ
عن الذي ينقض وتره فقالت: إنما أمرنا بالإبْرام ولم نؤمر بالنقض.
***
331- بَابُ: القُنُوتِ في الصلَواتِ
أي: هذا باب في بيان قراءة القنوت في الصلوات.
1410- ص- نا داود بن أميّةَ: نا معاذ- يعني: ابن هشام-: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: نا أبو هريرة قال: والله لأقَرئن بكُم (1) صلاةَ رسول الله- عليه السلام-. قال: فكان أبو هريرةً يقنت في الركعة الآخرةِ من صَلاَة الظهرِ، وصلاةِ العِشاءِ الآخرةِ، وصلاةِ الصبح، فيدعُو للمَؤمنين، ويَلعنُ الكَافرين (2) .
ش- " لأقربن "- بالباء المُوحدة , وفي نسخة صحيحة: " لأقرئنّ َ" من القراءة، وفي رواية الطحاوي: قال أبو هريرة: لأرينكم صلاة رسول الله. وأخرجه: البُخاريُ، ومسلم، والنسائي. وكل ما جاء من القنوت في الصلوات الفرض قد نُسخ.
وقال الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود: نا المقدمي: نا أبو معشر: نا
أبو حمزة، عن إبراهيم، عن القمة، عن ابن مسعود قال: قنت
__________
(1) في سنن أبي داود: " لكم "
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: حدثنا معاذ بن فضالة (797) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمة نازلة (676) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: النهي عن وترين
في ليلة (2/ 229) .(5/352)
رسول الله شهرًا يَدْعُو على عُصية وذكوان، فلها ظهر كليهم ترك القنوت، وكان ابن مسعود لا يَقنتُ في صلاة، ثم قال: فهذا ابن مسعود يُخبرُ أن قنوتَ رسول الله الذي كان إنما كان من أجل من كان يَدْعو عليه، وأنه قد كان ترك ذلك فصارَ القنوت منسوخا، فلم يكن هو من بعد رسول الله يقنتُ، وكان أحدُ مَنْ رَوَى- أيضًا- عن رسول الله عبد الله بن عمر، ثم أخبرَهم أن الله- عز وجل- نسخ ذلك حين أُنزِلَ على رَسول الله - عليه السلامِ- {لَيْسَ لَكَ منَ الأمْرِ شَيء أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذبّهَمْ فَإِنَهُمْ ظَالمُون} (1) فصار ذلكَ عند ابن عمر منسوخا- أيضًا- فلم يكن هوَ يقْنت بَعدَ رسول الله، وكان يُنكِرُ على مَنْ كان يَقنت، وكان احد من روي عنه القنوت عن رسول الله- عليه السلام-: عبدُ الرحمن بن أبي بكر، فأخبر في حديثه بأن ما كان يقنتُ به رسول الله دعاء على منِ كان يدعو عليه، وأن الله عز وجل نسخ ذلك بقوله: {لَيْسَ لَكَ من الأمْرِ شَيء أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذبّهَمْ} الآية، ففي ذلك- أيضاَ- وجوب ترك القنوت في الفجر.
فإن قيل: قد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح بعد النبي
- عليه السلام-، فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت؟ وكذا أنكر البيهقي ذلك، فبسط فيه كلاما في كتاب " المعرفة " فقال: وأبو هريرة أسلم في غزوة خيبر، وهو بعد نزول الآية بكثير , لأنها نزلت في احدٍ، وكان أبو هريرة يقنت في حياته- عليه السلام- وبعد وفاته؟ قلنا: يحتملُ أن يكون نزول هذه الآية لم يكن أبو هريرة علمه، فكان يعملُ على ما علم من فعل رسول الله وقنوته إلى أن مات. لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، الا ترى أن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر لما علما بنزول هذه الآية، وعَلِمَا كونها ناسخة لما كان رسول الله يَفعْل تركا القنوت.
1411- ص- نا أبو الوليد، ومسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمرو،
__________
(1) سورة آل عمران: (128) .
23 هـ شرح سنن أبي داود هـ(5/353)
ونا ابن معاذ: نا أبي قالوا كلهم: نا شعبة، عن عمرِو بن مُرة، عن ابن أبي ليلى، عن البَرَاء، أن النبي- عليه السلام- كان يقنُتُ في صلاةِ الصبحِ. [2/ 164 - ب] زاد ابن معاذ: وصلاة/ المغربِ (1) .
ش- أبو الوليد: َ هشام بن عبْد الملك الطيالسي، وابن معاذ: هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ (2) بن حسان البصري، والبراء: ابن عازب. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي مشتملاً على الصلاتين. ومذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق: القنوت في الصبح، وأن محله بعد الركوع. ومذهب أبي حنيفة وأصحابه: لا قنوت إلا في الوتر قبل الركوع. وقد قلنا: إن أحاديث القنوت في الفرائض منسوخة. ومن أحاديث الشافعي ومن معه: ما رواه عبد الرزاق في " مُصنّفه ": أخبرنا أبو جَعْفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله- عليه السلام- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا. ومن طريق عبد الرزاق: رواه الدارقطني في " سننه "، وإسحاق بن راهوَيْه في " مسنده "، ولفظه عن الربيع بن أنسٍ: قال: قال رجل لأنس بن مالك: اقنتي رسولُ الله شهرا يدْعو على حي منْ أحياء العرب؟ قال: فزجره أنسى وقال: مازال رسول الله- عليه السلام- يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا. قال إسحاق: وقوله " ثم تركه " يعني: ترك تسمية القوم في الدعاء. انتهى.
ورواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب " الأربعين" له، وفي " الخلاصة " للنووي: صححه الحاكم في كتابه المستدركة فليراجع " وقال: حديث صحيح. ورواته كلهم ثقات، وعن الحاكم: رواه البيهقي في " المعرفة " بسنده ومَتْنه وسكت عنه، قال: وله شواهد عن أنس ذكرناها في السنن ".
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة، وإذا نزلت بالمسلمين نازلة (678) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: القنوت في الفجر (401) ، النسائي: كتاب افتتاح الصلاة، باب: القنوت في صلاة المغرب (2/ 202) .
(2) كتب فوقها:" صح "(5/354)
وقال صاحب: " التنقيح على التحقيق ": هذا الحديث أجود أحاديثهم، وذكر جماعة وثقوا أبا جعفر الرازي، وله طرق في كتاب " القنوت " لأبي مُوسى المديني، قال: وإن صغ فهو محمول على أنه مازال يقنت في النوازل، أو على انه ما زال يُطول في الصلاة , فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة، والقيام، والخشوع، والسكوت، وغير ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّ إبْراهيمَ كَانَ أمَّةَ قَانِتَا للهِ حَنِيفًا} (1) ، وقال: {أفَنْ هُوَ قَانت آنَاءَ الليل} (2) قاَل (3) : {ومَن يَقْنُتْ منكُن لله} (4) ، وقال: {يا مَرْيَمُ اقْنُتِي} (5) ، وقال: {وقُومُوا للهَ قَانتينً} (6) ، وقال: {كُل لهُ قَانِتُون} (7) . وفي الحديث: " أفضلَ الَصَلاة: طول القنوت " انتهى. وضعفه ابن الجوزي في كتاب "التحقيق " وفي " العلل المتناهية " فقال: هذا حديث لا يصح , فإن أبا جعفر الرازي اسمُه: عيسى بن ماهان , قال ابن المديني: كان يخلط، وقال يحيي: كان يخطئ، وقال أحمد: ليس بالقوي في الحديث، وقال أبو زرعة: كان يَهِمُ كثيرًا، وقال ابن حبان: كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير. انتهى. ورواه الطحاوي في " شرح الآثار ": وسكت عنه , إلا أنه قال: وهو مُعارَض بما رُوي عن أنس أنه- عليه السلام- إنما قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب ثم تركه. انتهى.
قلت (8) , ويُعارَضُ بما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز: نا شيبان بن فروخ: نا غالب بن فرقد الطحان قال: كنت عند أنس بن مالك شهرين فلم يقنت في صلاة الغداة. انتهى./
__________
(1) سورة النحل: (120) .
(2) سورة الزمر: (9) .
(3) كذا بدونه " واو ".
(4) سورة الأحزاب: (31) .
(5) سورة آل عمران: (43) .
(6) سورة البقرة: (238) .
(7) سورة البقرة: (116) .
(8) القائل هو الحافظ الزيلعي كما في نصب الراية.(5/355)
وروى محمد بن الحسن في كتابه " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة، عن
حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قال: لم يُر النبي- عليه السلام- قانتاً في الفجر حتى فارق الدنيا.
وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": أحاديث الشافعية على أربعة أقسام،
منها: ما هو مطلق وأن رسول الله- عليه السلام- قنت , وهذا لا نزاع
فيه , لأنه ثبت أنه قنت، والثاني: مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح فيحمل
على فعله شهرا بأدلتنا، الثالث: ما رُوي عن البراء بن عازب أن النبي
- عليه السلام- كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب. رواه مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وقال أحمد: لا يُروى عن
النبي- عليه السلام- أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث، والرابع:
ما هو صريح في حجتهم , نحو ما رواه عبد الرزاق في " مصنفها- وقد
ذكرناه الآن-.
قال: وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في " القنوت " أحاديث
أظهر فيها تعَصبه , فمنها: ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن
مالك، عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله- عليه السلام-[2/ 165 - أ] يقنت في صلاة الصبح حتى مات. قال: وسكوته/ عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به وقاحة عظيمة، وعصبية نادرة، وقفة دين , لأنه
يعلم أنه باطل , قال ابن حبان: دينار يروي عن أنس أضناء موضوعه لا
يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها، فواعجبا للخطيب! أما
سمع في " الصحيح ": " من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو
أحد الكاذبين "؟ ! وهل مثله إلا كمثل من أنفق بَهْرجًا ودلسه , فإن كثر
الناس لا يعرفون الصحيح من السقيم، وإنما يظهرُ ذلك للنُقاد، فإذا أورد
الحديثَ مُحدثْ، واحتج به حافظ، لم يقع في النفوس إلا أنه صحيح
ولكن عصبيته. ومَنْ نظر في كتابه الذي صرفه في القنوت، وكتابه الذي
صنفه في الجهر بالبسملة، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم
بطلانها اطلع على فرط عصبيته، وقفة دينه، ثم ذكر له أحاديث أخرى(5/356)
كلها عن أنس، أن النبي- عليه السلام- لم يزل يَقْنت في الصبح حتى مات، وطعن في أسانيدها " (1) .
1412- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم: نا الوليد: نا الأوزاعي: حدثني يحيي بن أبي كثير: حدثني أبو سلمي، عن أبي هريرة قال: قنَتَ رسولُ الله- عليه السلام- في صَلاة العَتْمَة شهرًا يَقُولُ في قُنُوتِهِ: " اللهم نجِّ الوليدً بنَ الوليد، اللهم نَجِّ سلمةً بنَ هشَام، اللهم نَجِّ المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشددْ وَطأتَكَ على مُضَرَ، اللهم اجْعَلهَا عليهم سِنينَ كسِنِيِّ يوسفَ ". قال أبو هريرةَ: وأصبح رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ فلم يَدع لهم، فذكرتُ ذلك له فقال: " وما تَراهم قد (2) قدِمُوا؟ " (3) .
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم: قاضي الأردن، دُحَيْم، والوليد: ابن مسلم.
قوله: " نج الوليدَ بن الوليد " هو اخو الخالد بن الوليد، أسر يوم بدر كافرًا فَفُدي بأربعة آلاف درهم، ولما افتُدي أسلم، فحبسوه بمكة، فكان رسول الله يَدْعو له. وسلمة بن هشام: أخو أبي جهل بن هشام، وكان من خيار الصحابة، واحتبس بمكة، وعُذب في الله، وكان رسول الله يَدْعو له.
قوله: " وطأتك " الوطأة- بفتح الواو، وسكون الطاء، وبعدها همزة- هي البَأس , والمعنى هنا: الإيقاع بهم، والعقوبة لهم، ويكون الوطأة بالقدم وبالقوائم وبالخيل.
قوله: " كسِني يوسفَ " أصله: كسِنين , سقطت النون بالإضافة،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من " نصب الراية ".
(2) غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: دعاء النبي يكل صلى الله عليه وسلم اجعلها عليهم كسني يوسف، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب القنوت (675) .(5/357)
ومعنى " سنِي يُوسُفَ ": الجدْبُ والقحط , وهي السَبْع الشداد التي أصابتهم. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
1413- ص- نا عبدُ الله بن معاوية الجُمحي: نا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قنتَ رسولُ الله- عليه السلام- شهرًا مُتتابعًا في الظهرِ والعَصْرِ والمغرب والعشاء، وصَلاةِ الصبح في دُبُرِ كل صلاةٍ إَذا قال: سَمِعَ اللهُ لمن صَلَهُ مَن الركعَةِ الآخرةِ، يدْعو على أحْناء من [بني] سُلَيْم: على رعْل، وذَكوانَ، وعُصَية، ويؤمنُ مَنْ خَلفَه (1)
ش- عبد الله بن معاوية: ابن موسى بن نشيط الجُمحي، أبو جعفر ".
روى عن: صالح المري، وحماد بن سلمة، وَوُهَيْب بن خالد وغيرهم. روى عنه: محمد بنْ الحارث المخزومي، وأبو داود. مات سنة ثلاث وأربعن ومائتين.
وثابت بن يزيد: الأحول، أبو زيد البصري. روى عن: بُرد بن سنان، وهلال بن خباب وآخرين. روى عنه: عبد الله بن معاوية وغيره، قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ليس به بأس. روى له الجماعة. وهلال بن خبّاب- بالخاء المعجمة، وتشديد الباء الموحدة الأولى-
أبو العلاء البصري العبدي مَوْلى زيد بن صُوحَان، سكن المدائن ومات بها سنة أربع وأربعين ومائة. روى عن: أبي جحيفة السّوائي، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير وغيرهم. روى عنه: ثابت بن يزيد، ومسعر، والثوري، وأبو عوانة وغيرهم. قال أحمد: شيخ ثقة، وقال
- سفيان: ثقة , إلا أنه تغير، عَمِلَ فيه السنُّ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " على رعل " بيان عن قوله: وعلى أحناء من [بني] سليم "، ورعيل- بكسر الوراء، وسكون العين المهملتين ولام-، وذكران- بفتح
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/358)
الذال المعجمة، وسكون الكاف، وبعدها واو وألف ونون- وعُصَيّة
- بضم العين، وفتح الصاد المهملتين، وتشديد الياء آخر الحروف وفتحها وتاء تأنيث- كلها أحناء من بني سُلَيْم.
وقال الخطابي: فيه بيان أن موضع/ القنوت بعد الركوع لا قبله. [2/ 165 - ب] ، والجواب: أنه منسوخ، على أن في إسناده هلال بن خبّاب , قال ابن
حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
1414- ص- نا سليمان بن حرب، ومسدد قالا: نا حماد، عن أيوب،
عن محمد، عن أنس بن مالك أنه سُئلَ: هل قنَتَ رسولُ الله في صلاة
الصبح؟ فقال: نعم، فقيلَ له: قبلَ اَلركوِع أو بعدَ الركوع؟ قال: بعدً
الركوع. قال مُسدد: بِيسيرٍ (1) .
ش- حماد: ابن سلمي، وأيوب: السختياني، ومحمد: ابن سيرين.
قوله: " قال مسدد: بيسير " أي: قال مسدد في روايته: بعد الركوع
بيسير. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه
مختصرا ومُطولا. والجواب عن ذلك: أنه روي عن أنس من وجوه
خلاف ذلك , فروى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عنه أنه قال:
قنت رسول الله ثلاثين صباحا على رِعْل وذكوان. وروى قتادة، عنه
نحوا من ذلك. وروى عنه محمدٌ أن رسول الله- عليه السلام- إنما قنت
عشرين يوما. وروى عاصم عنه إنكار القنوت بعد الركوع أصلاً وأن
رسول الله إنما فعل ذلك شهران ولكن القنوت قبل الركوع، فهؤلاء كلهم
أخبروا عنه خلاف ما رواه محمدٌ عنه، فلم يجز لأحد أن يحتج من
حديث أنس بأحد الوجهين مما روي عنه , لأن لخصمه أن يحتج عليه بما
__________
(1) البخاري: كتاب الوتر-، باب القنوت قبل الركوع وبعده (1001) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جميع إذا
نزلت بالمسلمين نازلة حول (298 / 677) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: القنوت في صلاة الصبح (2/ 200) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده (1184) .(5/359)
روي عنه مما يخالف ذلك. وأما قوله: " ولكن القنوت قبل الركوع " فلم يذكر ذلك عن النبي- عليه السلام- , فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه ممن بعده أو رأيا رآه.
1415- ص- نا أبو الوليد: نا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، أن النبي- عليه السلام- قنتَ شهرًا ثم تَرَكَه (1) . ش- أبو الوليد: الطيالسي. والحديث أخرجه: مسلم أتم منه , وليس فيه " ثم تركه ".
قوله: " ثم تركه " يدل على أن القنوت في الفرائض كان ثم نسخ. قال الخطابيّ: معنى قوله: " ثم تركه " أي: ترك الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة في الحديث الأوّل، أو ترك القنوت في الصلوات الأربع ولم يتركه في صلاة الصبح.
قلت: هذا كلام متحكم متعصّب بلا دليل، فإن الضمير في " تركه " يرجع إلى القنوت الذي يدل عليه لًفظ " قنتَ " وهو عام يتناولُ جميع القنوت الذي كان في الصلوات، وتخصيص الفجر من بَيْنها بلا دليل من اللفظ يدل عليه باطل. وقوله " أي ترك الدعاء " لا يصح , لأن الدعاء ليمِ يمض ذكره في هذا الحديث , ولئن سلمنا فالدعاء هو عَيْن القنوت وما ثَم شيءٌ غيره، فيكون قد ترك القنوت , والترك بعد العمل نسخ- كما ذكرنا - مستوفًى.
1416- ص- نا مسدد: نا بشر بن المفضل: نا يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين: حدثني مَن صَلَّى مع النبي- عليه السلام- صلاة الغَدَاة: فلما رَفَعَ رأسَهُ من الركعةِ الثانيةِ قَامَ هُنية (2) .
ش- " هنية "- بضم الهاء وفتح النون، وتشديد الياء آخر الحروف
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب القنوت في جمع الصلاة، 304000 - (677) .
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: القنوت في صلاة الصبح (2/ 201) .(5/360)
وفتحها، وتاء تأنيث- تصغير " هَنَة " وهي قليل من الزمان، ويُقالُ: " هنية "- أيضا. والحديث: أخرجه النسائي.
***
332- بَابٌ: في فَضْلِ التطوع فِي البَيْت
أي: هذا باب في بيان فضل التطوع في البيْت.
1417- ص- نا هارون بن عبد الله البزاز: نا مكي بن إبراهيم: نا عبد الله- يعني: ابن سعيد بن أبي هند-، عن أبي النضر، عن بُسْرِ بن سَعيد، عن زيد بن ثابت أنه قال: احْتَجَرَ رسولُ اللْه في المسجد حُجرةً، فكان رسولُ الله يَخرجُ من الليلِ فيصلي فيها. قال: فَصَلوا معَه بصلاته - يعني: رِجال (1) - وكانوا يأتُونَه كلَّ ليلة، حتى إذا كان ليلةً من الليالي لَمَ يخرج- أيهم رسولُ الله، فتنَحْنَحُوا وَرَفَعُواً أصواتَهم، وحَصبُوا بَابَه. قال: فخرجَ أيهم رسولُ الله مُغْضبا فقال: " أيُّها (2) الناسُ! ما زال بكم صنيعكُم حتى ظننتُ أن ستكْتبَ عليكمُ، فعليكُم بالصلاةِ في بُيوتكم , فإن خيرَ صلاة المرءِ في بَيْته إلا الصلاةَ المكْتوبة " (3) .
ش- مَكي بن إبراهيم: ابن بَشير- بفتح الباء- ابن فرقد، وقيل: ابن فرقد بن بَشير، أبو السكنَ البلخي البرجمي الحنظلي التميمي. سمع: يزيد بن أبي عبيد، ومالك بن أنس، وابن جرير وغيرهم. روى عنه: أحمد وابن معين، والبخاريّ، وغيرهم، قال أحمد: هو ثقة، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: محله الصدق. توفي سنة أربع عشرة ومائتين ببَلْخ. وروى أبو داود عن رجل عنه، ومسلم عن رجل عنه، والنسائي عن رجل عنه، وابن ماجه عن رجل عنه.
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " رجالاً "
(2) في سنن أبي داود: " يا أيها ".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: صلاة الليل (731) ، مسلم: كتاب صلاة كمسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة النافلة (781) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: فضل التطوع في البيت (450) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت (3 / 197) .(5/361)
[2/ 166- أ] وعبد الله بن سعيد بن أبي هند/ أبو بكر الفزاري مولى بني شمخ من فزارة (1) المديني. روى عن: أبيه، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن الأعرج وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، ووكيع، ويحيي القطان، ومكي بن إبراهيم وغيرهم، قال أحمد: هو مديني شيخ ثقة، وقال ابن معين: ثقة حجة. روى له: الجماعة. وأبو النضر: سالم بن أبي، أمية.
قوله: " احتجر " افتعل من الحُجرة , وهي الموضع المنفرد , والمعنى: اتخذ حُجرةً، أو اقتطع موضعا حجرةً عن غيره , والحجر: المنع، ومنه سُميت الحجرة.
قوله: " وحصَبُوا بابه " يعني: رمَوْه بالحصْباء؟ وهي الحصَا الصغارُ، واستفيد من الحديث: جواز اتخاذ الحجرة في المسجد إذا لم يضر بالمُصلين، وجواز صلاة النفل في المسجد، وأن الأفضل: صلاته في بَيْته. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي مختصرا ومطولا.
1418- ص- نا مُسدد: نا يحيى، عن عُبيد الله: أنا نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله: " اجْعَلُوا في بُيوتِكُم من صَلاتكُم " ولا تَتَّخذُوهَا قُبورا " (2) .ً
ش- يَحْيى: القطان، وعُبيد الله: ابن عمر العُمري.
قوله: " من صلاتكم " أي: من بعض صلاتكم , وأراد به النفل.
قوله: " ولا تتخذوها قبورا " أي: كالقبور , وهذا من التمثيل البديع،
__________
(1) في الأصل: " فرازة " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة في المقابر (432) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد 208- (777) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في فضل صلاة التطوع في البيت (451) ، النسائي: كتاب قيام الليل (2/ 197) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التطوع في البيت (1377) .(5/362)
حيث شبه البيت الذي لا يُصلى فيه بالقبر الذي لا يتأتى فيه من ساكنه عبادة. واختلفوا في معنى هذا الحديث , فقيل: إنه ورد في النافلة , لأنه - عليه السلام- قد سن الصلوات في الجماعة، ورغب في ذلك، وتوعد من تخلف عنها لغير عذر، ولأنها إذا كانت في البيت كانت أبعد من الرياء والشغل بحديث الناس , فحضّ رسول الله على النوافل في البيوت , إذ السرّ فيها أفضل من الإعلان، وعلى هذا تكون " مِن " زائدة , كأنه قال: اجعلوا صلاتكم النافلة في بيوتكم، وإلى هذا ذهب البخاري. وقيل: إنه ورد في الفريضة و " مِن " للتبعيض , كأنه قال: اجعلوا بعض صلاتكم في بيوتكم ليقتدي بكم أهلوكم، ومَن لا يخرج إلى المسجد منهم، ومَنْ يلزمكم تعليمه لقوله تعالى: {قُوا أنفُسَكُمْ وأهْليكُمْ نَارًا} (1) . ومن تخفف عن جماعة لجماعة دان كانت أقل لم يتخلَف عنها، ومن أصاب في بَيته جماعةً فقد أصاب سُنَّة الجماعة وفضلها.
قلت: قد قررنا الكلام فيه مرةً وذكرنا أن " مِن " للتبعيض، وأنها لا ترادُ في الإثبات، وأن المراد من الصلاة: مطلق الصلاة، فيتناول الفرض والنفل، وأن المعنى: من بعض صلاتكم الذي هو النفل من مطلق الصلاة، فا فهم.
وقد ترجم البخاري على هذا الحديث " كراهة الصلاة في المقابر " يُريد أن القبور لا تجوز فيها الصلاة , وهذا كلام بعيد، وترجمة غير مناسبة. والحديث أخرجه الجماعة.
***
333- بابٌ (2)
أي: هذا باب، أي: نوع من أنواع ما يتعلق بالأبواب الماضية، أو بالباب الذي يليه.
__________
(1) سورة التحريم: (6) .
(2) في سنن أبي داود: " باب طول القيام ".(5/363)
1419- ص- نا أحمد بن حنبل: نا حجاج قال: قال ابن جريح: حدثني
عثمان بن أبي سليمان، عن عَلي الأيدي، عن عُبيد بن عُمير، عن عَبْد الله
ابن حبشِي الخثعمي، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أي الأعمال أهلُ؟ قال.
"طُولُ القيام " قيلَ: فأيُّ الصدقةِ أفَضلُ؟ قال: " جُهْدُ المُقَلِّ " قيلَ: فأيّ
الهجرة أفضلُ؟ قال: " مَنْ هَجَرَ ما حرَّمَ اللهُ عليه " قيلَ: فأيُّ الجهاد
أفضلُ؟ قال: " مَن جاهَدَ المشرِكينَ بماله ونفسه ". قيلَ: فأيُّ القَتْل أَشرفُ؟
قال: " مَنْ أهْريقَ ودمُهُ وعُقِرَ جَواده " (1)
ش- حجاج: ابن محمد الأعور، وعبد الملك: ابن جرير، وعثمان
ابن أبي سليمان: ابن جبير بن مطعم المكي، وعلي: ابن عبد الله
الأيدي، وعُبيد بن عمير: ابن قتادة بن سَعْد المكي.
قوله: " أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام " قد تقلّم ذكره بهذا
المقدار.
قوله: " جُهد المُقل " الجهد- بالضم- الوُسعْ والطاقة، وبالفتح:
المشقة، وقيل: المباَلغة والغاية، وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة،
فأما في المشقة والغاية: فالفتح لا غير. والمُقل- بضم الميم، وكسر
القاف، وتشديد اللام- الفقير الذي معه شيء قليل؟ والمعنى: أفضل الصدقة: ما يكون من جُهد المقل.
قوله: " من هجَر " أي: ترك.
[2/ 166 - ب] ، قوله: " أهريق " أي: أريق، والهاء/ فيه زائدة.
قوله: " وعقِرَ جواده " والجواد من الخَيْل يشملُ الذكر والأنثى.
***
334- بَابُ الحَثِّ عَلى قيام اللَّيل
أي: هذا باب في بيان الحَضّ والترغيب على قيام الليل.
__________
(1) النسائي: كتاب الزكاة (5/ 58) ، وكتاب الإيمان (8/ 94) .(5/364)
1420- ص- نا محمد بن بشار: نا يحيي: نا ابن عجلان: نا القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله- عليه السلام-: " رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قامَ من الليلِ فصلَّى، وأيقظَ امرأته فصلَّت، فإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهِا الماءَ، رَحِمَ اللهُ امرأةً قامَتْ من الليل فصَلَّتْ، وأيْقظتْ زَوْجَهَا، فإن أبى نَضَحَتْ في وَجْهِهِ الماءَ " (1) .
ش- يحيى: القطان، ومحمد: ابن عجلان، وأبو صالح: ذكوان الزيات. والحديث قد تقدم مرة. وأخرجه النسائي.
1421- ص- نا محمد بن حاتم بن بَزِيع: نا عُبيد الله بن مُوسى، عن شيبان، عن الأعمش، عن علي بن الأقمرِ، عن الأغرِّ أبي مُسلمٍ، عن أي سعيد، وأي هريرة قالا: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ استيقظَ من الليل وأيقظَ امرأتَه فصفنا ركعتَيْنِ جميعًا كُتِبَا من الناكِرِينَ اللهَ كثيرا والذَّاكِرَاتِ " (2) . ش- شيبان: ابن عبد الرحمن النحوي، والأغر: اسمه سلمان. وقد تقدم- أيضًا- في " باب قيام الليل " وزاد هاهنا في هذه الرواية قوله " كثيرًا".
***
335- بَاب: فِي ثواب قراءة القُرَانِ
أي: هذا باب في بيان ثواب قراءة القرآن.
1422- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن علقمة بن مَرثد، عن سَعْد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان، عن النبي- عليه السلام- قال: " خَيرُكُم مَنْ تعلَّمَ القُراَنَ وعلَمهُ " (3) .
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل والتطوع بالنهار، باب: الترغيب في قيام الليل (2/ 205) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: من أيقظ أهله من الليل (1336) وتقدم برقم (1278) .
(2) النسائي: كتاب قيام الليل والتطوع بالبهاِر، باب: الترغيب في قيام الليل (3/ 203) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنَة فيها (1335) وتقدم برقم (1279) .
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمها=(5/365)
ش- أبو عَبْد الرحمن هذا: اسمه: عبد الله بن حبيب بن رُبَيعة
- بضم الراء، وفتح الباء- الكوفي السلمي أخو خرشة، لأبيه صحبة، وقد ذكرنا ترجمته مستوفًى، والله أعلم بالصواب.
قوله: " عَلَمه " أي: وعلّم القراَن غيره، ومفعوله الثاني محذوف. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1423- ص- نا أحمد بن عمرو بن السَرْح: أنا ابن وهب: أخبرني يحيي بن أيوب، عن زبان بن فائد، عن سَهل بن معاذ الجهني، عن أبيه أن رسولَ الله- عليه السلام- قال: " مَنْ قَرَأ القرآنَ، وعَمِلَ بما فيه، ألبسَ وَالِدَاهُ تَاجاً يومَ القيامة: ضوءه أحسنُ من ضَوْء الشمسِ في بُيوًت الدنيا لو كانتْ فِيكُم، فما ظنكم بالّذي عَمِلَ بهذا "؟ (1) .
ش- زبان: بفتح الزاي، وتشديد الباء الموحدة، وفائد: بالفاء، وقد مر ذكره.
وهذا الحديث هو الذي نظم مضمونه أبو القاسم الشاطبي بقوله:
هنيئا مريئا وَالِدَاك عليهما ... ملابسُ أنوار من التاج والحُدا
فما ظنكم بالنجل عند جزائه ... أولئك أهلُ الله والصَفْوة المَلا
والحديث معلول بزبان وسَهْلٍ , وكلاهما ضعيفان.
1424- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام وهمام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سَعْد بن هشام، عن عائشة، عن النبي- عليه السلام- قال: " الذي يَقرأ القرآنَ وهو مَاهرٌ به معَ السَّفَرَةِ الكرام البَرَرةِ، والذي يَقرأهُ وهو يَشتد عليه فله أجْرانِ " (2)
__________
= (5027) ، الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في تعليم القرآن (2907) ، ابن ماجه: كتاب المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه
(1) تفردا به أبو داود.
(2) البخاري: كتاب التفسير، باب: سورة، " عبس " (4937) ، مسلم: كتاب=(5/366)
ش- هشام: ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهمّام: ابن يحيي العَوْذي. قوله: " الذي يقرأ القراَن " في محل الرفع على الابتداء، والواو في قوله: " وهو ماهر " للحال.
وقوله: " مع السفرة " خبر المبتدإ. والماهرُ: الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجودة حفظه وإتقانه. والسفرةُ: جمع سافرٍ , ككتَبة جامع كاتب , والسافرُ: الرسولُ، والسَفرةُ: الرُّسُل , لأنهم يَسْفرون إلى الناس برسالات الله تعالى، وقيل: السفرة: الكتبة , وسُمِي الكاتب سافرا لأنه يُبيّن الشيء ويُوضحه، قيل: سُموا بذلك لأنهم ينزلون بوحي الله، وما يقع به الصلاح بين الناس، فشبهوا بالسفير الذي بين الاثنين، وقيل: لأنهم يسفرون بين الله وأنبيائه.
قوله: " الكرام البررة " الكرام: جمع كريم، والبررة: جمع بارّ , وهو المطيع من البر وهو الطاعة. قال القاضي: يحتمل أن يكون معنى قوله: " مع السفرة " يعني: مع الملائكة. أي: له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة، لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى. قال: ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم، وسالك مسلكهم. قوله: " والذي يقرأه " في محل الرفع- أيضًا- على الابتداء، وخبره: قوله: " فله أجران "، وإنما دخل الفاء في جوابه لتضمن المبتدإ معنى الشرط.
/ قوله: " وهو يَشتدُّ عليه " جملة حالية أي: يتعب ويجهدُ عليه لأجل [2/ 167 - أ] الحفظ , وإنما كان له أجران، لأن أحدهما لقراءته، والآخر لتعبه. والحديث أخرجه الجماعة.
__________
= صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتمتع به (244/ 798) ، الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل قارئ القرآن (2904) ، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: ثواب القرآن (3779) .(5/367)
1425- ص- نا عثمان- بن أبي شيبة: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحِ، عن أبي هريرة، عن النبيِّ- عليه السلام- قال: " ما اجتمعَ قوم في بيْت من بُيوت الله تعالى، يَتْلُونَ كتابَ الله، ويتدارسُونَه بينهم، إلا نَزَلتْ عليهمً السكينةُ، وَغشيَتْهُمُ الرحمة، وحَفتهُمُ الملائكةُ، وذكَرَهم الله فيمَنْ عندَه " (1) .َ
ش- أبو معاوية: محمد بن خازم الضرير، وأبو صالح: ذكوان الزيات. والسكينة: شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة.
قوله: " وحفتهم " أي: أحاطتهم الملائكة وأحدقت بهم.
قوله: " فيمَن عنده " أي: فيمن بحضرته من الملائكة.
1426- ص- نا سليمان بن داود المهْري: أنا ابن وهب: نا موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عُقْبة بن عامر الجهني قال: خَرَجَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- ونحنُ في الصُّفةِ فقال: " أيكم يُحبُّ أن يَغْدو إلى بُطحانَ أو العقيقِ، فيأخذُ ناقتَيْنِ كَوْمَاوين زَهْراوَيْنِ بِغَير إثم بالله ولا قطع رَحمٍ؟ " قالوا: كلنا يا رسولَ الله، قال: " فَلانْ يَغدُوَ أحدُكُم كل يَوْمٍ إلى المسْجد فيتعلَّمَ آيتَيْن من كتاب اللَه خير له من ناقتَيْنِ، وإنْ ثلاث فثلاثٌ، مثلُ أعدَادهن مِن الإبل " (2) .َ
ش- عَبد الله: ابن وهب، ومُوسى بنِ عُلي- بضم العين، وقيل: بفتحها- ابن رباح- بالباء الموحدة- بن نصر بن قشيب بن يَينَع- بباءين آخر الحروف، ونون- بن أردة بن حجر بن جَديلة بن لخم اللخمي المصري، أبو عبد الرحمن أمير مصر لأبي جعفرَ المنصور ست سنين
__________
(1) جزء من حديث أخرجه أبو داود في كتاب الأدب (4946) ، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر
(269/ 38) ، ابن ماجه: المقدمة، باب: فضل العلماء (225) .
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل قراءة القرآن (802) بنحوه.(5/368)
وشهرين. روى عن: أبيه، والزهري، ويزيد بن أبي حبيب. روى عنه: الليث بن سعد، وأسامة بن زيد- وهو أقدم وفاةً منه وأكبر-، وابن لهيعة، وابن وهب، وابن المبارك، وغيرهم، قال أحمد، وابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وستين ومائة. روى له: الجماعة.
وأبوه: عُلَيُّ بن رباح. سمع عَمرو بن العاص، وابنه عبد الله، وعقبة بن عامر، وأبا هريرة، وأبا قتادة الأنصاري، وغيرهم. روى عنه: ابنه مُوسى، ويزيد بن أبي حبيب، ومعروف بن سُوَيد وغيرهم، قال أحمد: ما علمت إلا خيرًا، وقال أحمد بن عبد الله وابن سَعد: هو ثقة. توفي بإفريقية سنة أربع عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود. قوله: " ونحنُ في الصّفة " الصفة- بضم الصاد وتشديد الفاء- مَوْضع مُظلَّلٌ كان في مَسْجد المدينة يَسْكنونه.
قوله: " إلى بُطحان " - بضم الباء الموحدة، وسكون الطاء- واد بالمدينة , هكذا قيده أهل الحديث، وحكى فيه أهلُ العربية فتح الباء، وكسر الطاء. والعقيقُ: واد من أودية المدينة , وهو الذي وردَ فيه أنه واد مبارك، وفي المدينة عقيق آخًرُ على مقربة منه، وقال الأزهري: والعرب يقولُ لكل ما شَقه السَّيلُ في الأرض فأنهَره ووسَّعَه عقيق، وذكر أربعة أعقةٍ، وذكر غيرهُ عشرة أعقةٍ.
قوله: " كوْماوَيْن " تثنية كَوْماء- بفتح الكاف- العظيمة السنام.
قوله: " زَهْراوَيْن " صفة بعد صفةٍ من الزهرة , وهي الحُسن والبَهجةُ. قوله: " بغير إثم بالله " متعلقٌ بقوله " فيأخذ " في محل الحال أي: فيأخذُ حال كونه غير مُلتبس بخطيةٍ وإثر في اتخذه ذلك، بأن كان في غير ملك أحد، ليتعلق الإثم بأخذه من غير رضاه وإذنه.
قوله: " ولا قطع رحمٍ " عطف عليه؟ والمعنى: فيأخذُ بغير قطع رحم يعني: حال كونه غير ملتبس بقطع رحم في أخذه بأن لم يكن لأحد من ذوي أرحامه حتى إذا اتخذه من مِلك أحد منهم بغير رضاه يؤدي ذلك إلى
24*شرح سنن أبى داوود(5/369)
الضراب، المُنتج للانقطاع، الذي هو قطع الرحم. وفي بعض الرواية: " ولا قطيعة رحم ".
قوله: " خير له " مرفوع على أنه خبر قوله: " فلأن يغدو " واللامُ فيه للتكيف، و " أن " مصدرية.
قوله: " وإن ثلاث فثلاث " أي: وإن كان الذي يتعلمه هو ثلاث آياتٍ , فالنوقُ ثلاث، بمعنى: فخير له من ثلاث نياق، وكذا إن أربع فأربع، وإن خمس فخمس، وهلم جرًا مثل أعدادهنً من الإبل. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه.
[2/167-ب] / ص- قال أبو عُبيد: الكَوماءُ: الناقةُ العظيمة السَّنام.
ش- كأنهم شبهُوا سنامها لِعِظَمه بالكوْم , وهو الموضعُ المُشرفُ , وليس هذا بثابت في بعض النسخ.
وأبو عُبيد: هو القاسمُ بن سَلام- بتشديد اللام- كان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراةَ، واشتغل أبو عُبيد بالحديث والأدب والفقه. وروى عن: أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة، وابن الأعرابي، والكسائي، والفراء وغيرهم. وروى الناس من كتبه المُصنفة بضعةً وعشرين كتابًا في القرآن الكريم، والحديث وغريبه، والفقه، وله الغريب المصنف، والأمثال، ومعاني الشعْر، وغير ذلك من الكتب النافعة، ويقال: إنه أول من صنفَ في غريب الحديث. وقال محمد بن وَهْب المِسْعَري: سمعتُ أبا عُبيد يَقولُ: كنتُ في تصنيف هذا الكتاب أربعة سنةً، وربما كنت استفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعُها في مَوْضعها من الكتاب فأبيتُ ساهرًا فرحًا مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيُقيم أربعة [أو] خمسة أشهر فيقول: قد أقمت كثيرًا، وولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة، وقدم بغداد فسمع الناسُ منه كُتُبَه، ثم حج فتوفى بمكة سنة اثنين أو ثلاث وعشرين ومائتي، وكان مولده بهرام سنة خمسين ومائة (1) ، والله أعلم.
***
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4792) .(5/370)
336- بَابٌ: في فَاتحةِ الكِتَابِ
أي: هذا باب في بيان فاتحة الكتاب.
1427- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني: نا عيسى بن يونس: نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قالَ رسولُ الله -عليه السلام-: " الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمِينَ: أمُّ القراَنِ، وأمُّ الكتابِ، وَالسبع المَثَاني " (1) .
ش- ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن المدني، والمقبري: سعيد ابن أبي سعيد.
قوله: " أم القراَن " أي: أصلُه وأوله , ومنه سُفيت مكة أم القرى , لأنها أول الأرض وأصلها، ومنها دحيت. وقال الزمخشري: وتسمى أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهي، ومن الوعد والوعيد. انتهى.
ويقال: لأن الأم في اللغة الأصلُ، سميت به لأنه لا يحتمل شيء مما فيه النَسْخ والتبديل , بل آياتها كلها محكمة، فصارت أصلاً. وقيل: سميت [أم] القرآن , لأنها تؤمُّ غيرها من القراءة كالرجل يؤم غيره فيُقدم عليه.
قوله: " والسبعْ المثاني " لأنها سبعُ آيات بالاتفاق , إلا أن منهم من عد
" أنعمت عليهم " دون التسمية، ومنهم مَن مَذْهبه على العكس، وسبع وعشرون كلمةً ومائة واثنان وأربعون حرفا , وسميت المثاني لأنها تثنى في الصلاة أو ثُني نزولها , نزلت بمكة مرةً وبالمدينة أخرى، أو هي قسمين: ثناء ودعاء، وقيل: المثاني من الثناء كالمحامد من الحمد، أو من الاستثناء، لأنها استُثنِيت لهذه الأمة، وقيل: لأن أكثر كلماتها مثنى إلى
__________
(1) البخاري: كتاب التفسير، باب: تفسيرا " لقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم " من سورة الحجر (4704) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: سورة الحجر (3124) .(5/371)
{وغير (1) الضالين} في قراءة عمر وعلي- رضي الله عنهما-، وقيل: السَّبع: الفاتحة، والمثاني: القرآن، وقيل: السبْع: الطُوَل من البقرة إلى الأنفال مع التوبة، وقيل غير ذلك، وقد صح عن رسول الله- عليه السلام- أن السبع المثاني هي الفاتحة، فلا يعرج على ما سواه، ولعل من قال غيره لم يطلع على ما صح عن رسول الله- عليه السلام- واعلم أن لسورة الفاتحة ثلاثة عشر اسماً: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والكنز، والواقية، وسورة الحمد، والمثاني، وسورة الصلاة، والشفاء، والشافية، والكافية،
والأساس، والسؤال، والشكر، وسورة الدعاء. والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي.
1428- ص- نا عبيد الله بن معاذ: نا خالد: نا شعبة، عن خُبَيْب بن عبد الرحمن قال: سمعتُ حفص بن عاصم يُحدَث عن أبي سعيد بن المُعلى، أن النبي- عليه السلام- مَر بهِ وهو يُصلي فدعَاهُ فقال (2) : فصليتُ ثم أتيتُه قال: فقال: " ما مَنَعَكَ أَن تُجيبَني؟ " قال: كنتُ أصلي، قال: " ألم يَقُل اللهُ {يا أيهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبوا لله ولِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لمَا يُحْييكُمْ} (3) ؟ لأعَلِّمنكَ سورةً أعظمَ سُورة (4) مِن- أوْ في " - شَك خالَد " القرآنِ (5) قبلَ أن أخْرُجَ مِن/ المسجد ". قال: قلتُ: يا رسولَ الله قولَك؟ قال: " الحمدُ لله رب العَالَمينَ، هيَ (6) السبع المَثَانِي التِي أوتيتُ، والقُرآنُ العظيمُ " (7) .َ
__________
(1) كتب فوقها " صح ".
(2) في سنن أبي داود: " قال ".
(3) سورة الأنفال: (24) .
(4) كلمة " سورة " الأولى غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) في سنن أبي داود: " أو في القرآن- شك خالد- ".
(6) في سنن أبي داود: " وهي ".
(7) البخاري: كتاب التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب (4474) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} (2/ 139) ، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: ثواب القرآن (3785) .(5/372)
ش- خالد: ابن الحارث التميمي الهُجَيمي البصري، وخُبَيْب- بضم الخاء المعجمة- ابن عبد الرحمن: الأنصاري المدني، وحفص بن عاصم: ابن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
وأبو سعيد بن المُعلى: ابن لُوذان بن حَبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غَضب بن جُشَم بن الخزرج، قيل: لا يُعرف اسمه، وقيل: اسمه: رافع، وقيل: الحارث بن نُفيع بن المُعلى بن لوذان الأنصاري. روى عنه: حفص بن عاصم، وعبيد بن حنين. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. توفي سنة أربع وسَبْعين. وفي " مختصر السنن ": وهو من الصحابة الذين انفرد البخاري بإخراج حديثهم , وليس له في كتابه سوى هذا الحديث.
قوله: " ما منعك أن تُجيبني " من الإجابة، وفي رواية: " أن تجيئني "
من المجيء.
قوله: " شك خالد " أي: خالد بن الحارث المذكور , وهذه الجملة معترضة بين الجار والمجرور.
قوله: " أوتيتُ " أي: أعطِيتُ.
قوله: " والقرآن العظيم " بالرفع عطفا على السبع المثاني. والحديث أخرجه: البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
***
337- بَاب: مَنْ قالَ: هيَ مِنَ الطُّوَلِ
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن الفاتحة من الطُوَل , والطُوَل
- بضم الطاء، وفتح الواو- جمع الطولي، كالكُبَرَ جمع الكُبْرى , وهذا البناء يلزمه الألف واللام أو الإضافة. والسبع الطول: هي البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة.
1429- ص- نا عثمان بنِ أبي شيبة: نا جرير، عن الأعمش، عن مسلم البَطِين، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: " أوتي رسولُ اللهِ(5/373)
سَبْعًا من المَثَانِي الطُّولِ، وأوتيَ مُوسى- عليه السلام- سِتا، فلما أَلقَىَ الألواح رُفعت ثِنتانِ وبَقِينَ (1) أرْبع " (2) .
ش- جَريرُ: ابن عبد الحميد، ومُسلم: ابن عمران البَطين الكوفي. قوله: " أوتي رسول الله " أي: أُعْطِي " سَبْعا من المثاني الطُول "، وقد فسّرنا الطُّولَ آنفًا , وإنما سُميت بالمثاني لتثنِي الأحكام والعِبَر، أو لأنها جاوزت المائة الأولى إلى الثانية.
قوله: " وأوتي موسى- عليه السلام- " أي: أعطي موسى- عليه السلام- " ستا من المثاني " فلما ألقى الألواح غضبًا على قومه- وكانت سبْعةً من زمردة خضراء , قاله مجاهد، وقال سعيد بن جبير: من ياقوتة حمراء- رفعت ثنتان- أي: سورتان-، وبقيت أربع سُوَرٍ. وروى عن: ابن عباس: لما ألقى الألواح فتكسرت فرُفعت إلا سُدْسُها، وفيما رُفع تفصيل لكل شيء وما بقي هُدًى ورحمة، وقال قتادة: ألقاها تحيرا من كثرة فضائل هذه الأمة.
قوله: " وبقين أربع " والقياس: بقيت أربع , لأن الفعل إذا أسند إلى الظاهر لا يثنى ولا يجمع إلا على لغة أكلوني البراغيث. والحديث أخرجه: النسائي.
***
338- بَاب: مَا جَاء في آية الكُرسيِّ
أي: هذا باب في بيان ما جاء من الفضائل في آية الكُرسيِّ.
1430- ص- نا محمد بن المثنى: نا عبد الأعلى: نا سعيد بن إياس، عن أبي السَّليل، عن عبد الله بن رَباح الأنصاري، عن أُبيّ بن كعْب قال: قال رسولُ الله: " أبا المُنذرِ! أي آيةٍ مَعَكَ مِن كتابِ اللهِ أعظمُ؟ " قال:
__________
(1) في سنن أبي داود: " وبقي ".
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: فاتحة الكتاب (2/ 139) .(5/374)
قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلم. قال: " أبا المنذر! أي آية معكَ من كتابِ الله
أعظمُ؟ " قال: قلتُ: {اللهُ لا إِلَه إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} قال: فضَربَ في
صَدْرِي فقال: " ليَهْنِ لك أبا المنذر (1) العِلمُ " (2) .
ش- عبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السَّامي، وسعيد بن إياس الجُريري
البَصْري.
وأبو السَّليل- بفتح السن المهملة، وكسر اللام- اسمُه: ضُريب
- بالضاد المعجَمة المضمومة- ابن نُقير- بالنون والقاف- ابن سُمَيْر
- بالسن المهملة- القيسي الجُريري البصري، ويُقال: ابن نفير- بالفاء-،
ويُقال: ابن نقيل- باللام وبالقاف , والراء أصح. روى عن: عبد الله
ابن رباح، وزهدم بن مضرب الجرمي، ومعاذة العدوية. روى عنه:
سليمان التيمي، وكهمس بن الحسن، والجُريري، قال ابن معين: ثقة.
روى له: الجماعة إلا البخاريّ.
قوله: " أبا المنذر " أي: نا أبا المنذر. وحرف النداء محذوف،
وأبو المنذر: كنية أبي بن كعب- رضي الله عنه-.
قوله: " أعظم " " (3) قال القاضي:/ فيه حجّة للقول بجواز تفضيل [2/68- أ] بعض القرآن على بعض، وتفضيله على سائر كتُب الله تعالى. قال: وفيه خلاف للعلماء , فمنع منه: أبو الحسن الأشعري، وأبو بكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء والعلماء؟ لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله نقص، وتأول هؤلاء ما ورد من إطلاق
أعظم وأفضل في بعض الآيات والسوَر بمعنى عظيم وفاضل. وأجاز ذلك
إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين، قالوا: وهو راجع إلى
عظم اجْر قارئ ذلك، وجزيل ثوابه. والمختار: جواز قول هذه الآية أو
__________
(1) في سنن أبي داود: " يا أبا المنذر ".
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسي 258- (810) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (6/93- 94) .(5/375)
السورة أعظم أو أفضل بمعنى: أن الثواب المتعلق بها أكثر , وهو معنى الحديث. وإنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم " جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم [والملك] (1) والقدرة والإرادة , وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات ".
قوله: " ليَهْن لك أبا المنذر العلمُ " فيه منقبة عظيمة لأبيّ، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم وجواز مَدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يُخَفْ عليه إعجابٌ ونحوُه لكمال نفسه، ورسُوخه في التقوى، وفيه تنشيط العالم إذا رآه قد أصاب، وتنويهه به، وسرُوره بما أدركه من ذلك، وفيه إلقاء العالم المسائل على أصحابه ليَخْتبر معرفتهم، وليعلمهم ما لعلهم لم يَتنبهوا للسؤال عنه، ويُحْتمل جواب أُبيّ بما قد سمعه منه- عليه السلام- قبل. وقوله " العلم " مرفوع لأنه فاعل لقوله " ليَهْن " " وأبا المنذر ": جملة ندائية معترضة بَيْنهما. و" ليَهْنِ ": من هَنُؤ الطعام يَهنؤ هَناءةً، أي: صَار هنيئًا، وكذلك: هَنِئ الطَعامُ يَهنَأُ , والحاصل: أنه يجيء من البابَيْن من باب فعُل يفعُلُ- بالضم فيهما-، ومن باب فعِل يَفعَل بالكسر في الماضي، والفتح في المستقبل. والحديث أخرجه: مسلم.
***
339- بَاب: فِي سُورة الصَّمدِ
أي: هذا باب في بيان فَضِيلة سورة الصمد , ومعنى الصمد: المصمود إليه في الحوائج , لا مَن تدعونه من ساداتكم، وقيل: هو الذي يُطعِم ولا يُطعَم، قال الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشربُ، وقال قتاده: الباقي بعد فناء خلقه، وقال الحسن: الدائم الذي لا يزال ولم يزل، وقال القرطبي: الذي انتهى إليه السُّؤدد، وقال الكلبي: لا عيب فيه، وقال السُّني: مقصود للرغائب مُستجاب للنوائب، وقال أبو هريرة: مستغني
__________
(1) سقط من الأصل وأثبتناه من شرح صحيح مسلم.(5/376)
عن الكل، وقال علي: ليس فوقه أحدٌ، وقال كيسان: لا يُوجدُ بصفاته أحد، وقال يمان: لا ينامُ، وقال الربيع: لا تُغيّره الآفات، وقال الصادق: غالب لا يُغلَبُ، وقال الترمذي: لا تدركه الأبصار، ولا تحويه الأفكار، ولا تحيط به الأقطار، وكل شيء عنده بمقدار، وعنه: الأول بعد عدد، والباقي بلا مدد، والقائم بلا عمد، وقال عطاء: المتعالي عن الكون والفساد، وقال جنيد: لم يجعل لأعدائه إلى معرفته سبيلا. وقال الواسطي: لا تعترض عليه القواطع والعلل، وقال علي بن موسى الرضا: الذي أيست العُقولُ عن الاطلاع إلى كيفيته.
ولهذه السورة عشرون اسمًا، ذكرها أبو حنيفة عبد الوهاب بن محمد الفانتي في كتابه " الفصول "، وهي: سورة التوحيد، والتفريد، والتجريد، والإخلاص، والنجاة، والولاية، ونسْبة الرب، والمعرفة، والجمال، والمقشقشة (1) ، والمعوذة، والصمدُ، والأساسُ، والمانعة، والمُحضّرة، والمُنفّرة، والبراءة، والنُّور، والمُذكرة، و [الأمان] (2) ، و {قل هو الله أحد} وهي أربع آيات، وخمس عشرة كلمةً، وسَبْعة وأربعون حرفًا.
1431- ص- نا القعنبي، عن مَالك، عن عبد الرحمنِ بنِ عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً سمِع رَجلاً يقرا {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ} يُرَددُهَا، ف" أصْبحَ جَاءَ إلى رسول الله- عليه السلام- فذكرَ ذلك له، وكأن الرجلَ يَتقالها، فقال النبي- عليهَ السَلام-: " والذي نفسي بيدِه إنها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القرآنِ " (3) .
ش- عَبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن: ابن أبي صَعْصعة الأنصاري ا"زني المدني. روى عن: أبيه، وعطاء بن يَسار. روى عنه: مالك/ بن أنس، وسفيان بن عيينة، ويَزيد بن خُصيفة، قال أبو حاتم: [2/169- أ]
__________
(1) في الأصل:" المتشقشة " خطأ.
(2) انظر معاني هذه الأسماء في تفسير الفخر الرازي.
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: فضل {قل هو الله أحد} (5013) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الفضل في قراءة {قل هو الله احد} (2/ 171) وفي عمل اليوم والليلة برقم (698)(5/377)
ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة.
وأبوه: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري. سمع: أبا سعيد الخدري. روى عنه: ابناه: محمد، وعبد الرحمن. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " يَتقالُّها " - بتشديد اللام- أي: يراهَا قليلةً , يُقال: تقلّلَ الشيءَ واستقله وتقالّه وَقَاله إذا رآه قليلاً.
قوله: " إنها " أي: سورة {قل هو الله أحد} " لتعدل ثلث القراَن " أي: لتُماثِلُ , وفيه أقوال , أحدها: أن القرآن العزيز لا يتجاوزُ ثلاثة أقسام، وهي الإرشادُ إلى معرفة ذات الله وتقديسه، ومَعْرفة أسمائه وصفاته، أو معرفة أفعاله وسُنته في عباده، ف" اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثةَ وهو التقديس، وازَنَها رسولُ الله بثلث القرآن، والثاني: أن القرآن الكريم أنزل أثلاثا , فثلث أحكام وثُلث وعد ووعيد، وثُلث أسماء وصفات , وقد جمع في {قل هو الله أحد} أحد الأثلاث وهي الصفات، والثالث: أن من عمِل بما تضمنه من الإقرار بالتوحيد والإذعان للخالق، كان كمنْ قرأ ثلث القرآن، والرابع: قال ذلك لشخص بعَيْنه قصدهُ رسولُ الله , وهذا يقدح فيه أن رسول الله حَشَدَ الناسَ، وقال: " سأقرأ عليكم ثلث القرآن " فقرأ {قل هو الله أحدٌ} ، والخامس: أن الله تعالى يتفضلُ بتضعيف الثواب لقارِئها ويكون مُنتهى التضعيف ثلث ما يَستحقّ من الأجر على قراءة القرآن من دون تضعيف أجرٍ، والسادسُ: أنه إنما قال هذا للذي رَددها، فحصل له من تردادهاَ وتكرارها قدر تلاوته ثلث القرآن.
***
340- بَابٌ: في المُعَوِّذَتَيْن
أي: هذا باب في بيان فضائل المعوذتين , وهما سورة {قل أعوذ بربّ(5/378)
الفلق} ، و {وقل أعوذ برب الناسِ} و {قل أعوذ برب الفلق} مدنية، وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة (1) ، وثلاث وسبعون حرفًا، و {قل أعوذ برب الناس} مكيّة في قول قتادة وعكرمة، وفي قول ابن عباس: مدنية، وهي ست آياتٍ، وعشرون كلمةً، وتسعة وسبْعون حرفاً.
1432- ص- نا أحمد بن عمرو بن السَّرْح: أنا ابن وهب: أخبرني معاوية، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم مولى معاوية، عن عاقبة بن عامر قال: كُنتُ أقُودُ لرسول الله ناقتَه في السَّفرِ فقال لي: يا عُقبة! ألا أعلِّمُكَ خيرَ سُورتَيْنِ قُرئَتَا "َ فعلَّمِني {قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ} و {قُلْ أعُوذُ بِرب النَّاسِ} . قال: فلم يَرَنِي سَرُرْتُ بهما جدا، ف" نَزل لصلاة الصبح صَلَّى بهما صَلاةَ الصبحِ للناس، ف" فَرغَ رسولُ اللهِ من الصلاةَ التفتَ إليَّ فقال: " يا عُقبة! كيفَ رَأيت؟ " (2) .
ش- عبد الله: ابن وهب، ومُعاوية: ابن صالح قاضي الأندلس. والقاسم: ابن عبد الرحمن القُرشي الأموي مولاهم الشامي، مولى معاوية بن أبي سفيان، وكذا قاله الطبراني، ويقال: مولى خالد بن يزيد ابن معاوية، وقد ذكرناه مستوفى. وعقبة بن عامر: الجُهني.
قوله: " ألاَ أعلمك " كلمة " ألا " للتحضيض والتنبيه , وقد ذكر غير مرة.
قوله: " فلم يرني سَرُرْتُ بهما " بضم الراء الأولى , لأنه من باب فعل يفعلُ بالضم فيهما.
قوله: " كيف رأيت؟ " إنما قال، له ذلك ترغيبا له، وتنبيها على فَضْل السُّورتَيْن وتأكيدا " قاله أوّلا.
__________
(1) قوله " وثلاث وعشرون كلمة " مكرر في الأصل.
(2) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة (3/ 68) .(5/379)
1433- ص- نا عبد الله بن محمد النُّفيلي: نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: بَيْنا أنا أسيرُ معَ رسولِ الله- عليه السلام- بينَ الجُحْفة والأبْواء، إذ غشيتْنا رٍيحٌ وظُلَمة شَديدةٌ، فجَعل رسولُ اللهِ- عليه السلاَم- يتعوَّذُ ب {أعُوَذُ بِربِّ الفَلَقِ} ، و {أعُوذُ بِرَبِّ الناسِ} ويقول: " يا عُقبة " تعوذ بهما، فمَا تعوَّذ مُتعوذ بمثلِهِمَا ". قال: وسمِعْتُه يَؤُمنا بهما فِي الصلاةِ (1) .
ش- " بَيْنا " أصله " بَيْن " زيدت فيه الألف للإشباع , وقد مر الكلام فيه غير مرة وجوابه: قوله: " إذ غشيتنا " أي: أحاطتنا , والجُحفة،- بضم الجيم- قرية جامعة بها منبر (2) بين مكة [2/169- ب] والمدينة , وسُمّيت/ الجُحفة , لأن السْيل اجتحفها وحمل أهلها، وهي على ثمان مراحل من المدينة، وهي على ستة أميال من البَحْر، وكان اسمها " مهيعة " فلما أجحف السَّيْلُ أهلها سُميت الجُحفة. ومَهيعة - بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح الياء آخر الحروف، وبعدها عين مهملة مفتوحة، وتاء تأنيث-، وقيدها بعضهم بكسر الهاء , والأول أكثر، وقيل: إن مهيعة قريبة من الجُحفة، وفي الحديث إنها الجُحفة. والأبْواء- بفتح الهمزة، وسكون الباء الموحدة ممدودة- قريةٌ من عمل الفُرْع من ناحية المدينة , سُميت بذلك للوباء الذي بها , وهذا لا يصح إلا على القلب، كان يجب أن يُقال: أوباء , وقيل: سمّيت بذلك لأن السيول تتبوأها أي: تَحلّ بها.
قلت: الأبواء في الشمال عن الجُحفة على ثمان مراحل.
قوله: " وسمعتُه يؤمنا بهما " أي: سمعْتُ النبي- عليه السلام- يؤمنا بهاتين السورتين في الصلاة , وهذا نص صريح أنهما من القرآن , إذ لو لم يكونا منه " جازت الصلاة بهما. وقد رُوي عن ابن مسعود أنهما لَيْستا من القرآن , والصحيح: أنهما من القرآن , وإنما لم يَثبتا في مصحف ابن مسعود للأَمْن عن نسيانهما , لأنهما تجريان على لسان كل إنسان , وإلا فهما من القرآن.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل:" قرية جامعة بمنبر".(5/380)
341- كَيفَ يُستحبُّ التَّرَسُّلُ في القُرآنِ؟
أي: هذا بيان كيف يستحب للقارئ أن يترسل في قراءته , يُقال: ترسَّل الرجلُ في كلامه ومَشْيه إذا لم يعجل , والترسّل والترتل سواء. وفي بعض النسخ: " بابٌ في تَرتيلِ القرآن " وفي بعضها: " باب استحباب الترتل في القرآن " (1) .
1434- ص- نا مُسددّ: نا يحيي، عن سفيان: حدثني عاصم بن بهدلة، عن زرّ، عن عبد الله بن عَمرو قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " يُقال لصَاحب القرآنِ: اقرأ وارْتَقِ ورتلْ كما كُنتَ تُرتِّلُ في الدنيا فإن مَنْزِلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تَقرؤُهَا " (2) .
ش- يحيي: القطان، وسفيان: الثوري، وزِرّ: ابن حُبَيْش.
قوله: " وارتق " أمر من ارتقى يَرتقي , ومعناه: اصعَدْ إلى منزلك درجةً درجةً , فإن منزلَه بحسَب قراءته من الآيات، وهو معنى قوله: " فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " وجاء في الأثر أن عدد أي القرآن على قدر عدد درج الجنة، فمًن استوفى قراءة جميع القراَن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءا منها كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب على قدر منتهى القراءة. ويُستفاد منه: استحباب الترتيل في القراءة. والحديث: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيحٌ.
1435- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا جرير، عن قتادة قال: سألتُ أنَسًا عن قراءة النبي- عليه السلام-، فقالَ: كان يَمُدُّ مَدا (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود، وعنده " القراءة " بدلا من " القرآن ".
(2) الترمذي: ثواب القرآن، باب: من ليس في جوفه قرآن كالبيت الخرب (2914) ، تحفة (8627/6) .
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: مد القرآن (5045) ، الترمذي: في " الشمائل "، باب: ما جاء في قراره رسول الله صلى الله عليه وسلم (316) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب (2/ 176) ، =(5/381)
- ش- جرير: ابن حازم البصري.
قوله: " كان يَمدّ " من مددتُ الشيء مَدا ومدادا وهو ما يكثَّرُ به الشيء ويُزادُ , ولكن المرادَ من المدّ هَاهُنا هو المَدّ المُصطلح بَيْن أهلا القراءة، وذلك يحسُن به نظم القراَن، ويُعطي للحروف حَقها، ويَحْصلُ به الترتيلُ. والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي، والنسائي، وا بن ماجه.
1436- ص- نا يزيد بن خالد بن موهب الرمْلي: نا الليث، عن ابن أبي مُليكة، عن يَعْلى بن مَمْلَكٍ، أنه سألَ أمَ سلمة عن قراءة رسولِ الله - عليه السلام- وصلاته فقالت: ومَا لَكُم وصلاتَه، كان يُصلِّي ويَنامُ قدرَ ما صلى، ثم يُصلّي قدر ما نَامَ، ثم ينامُ قدرَ ما صلى حتى يُصْبحَ، ونَعتَتْ قراءته فإذا هِي تَنْعُتُ (1) حَرْفا حَرْفًا (2) .
ش- الليث: ابن سَعْد، وعبد الله: ابن أبي مُليكة. ويَعْلى بن مَمْلك
- بفتح الميم الأولى، وسكون الثانية، وبَعْدها لام وكاف-. روى عن: أم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابن أبي مليكة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
قوله: " ونَعتَتْ " النَعْت: وصْف الشيء بما فيه من حُسْن، ولا يُقالُ في المذموم إلا أن يتكلف متكلف فيقول: نعت سُوء.
قِوله. " تنعت حرفا حرفًا " يعني: كان يقرأ القرآن حرفا حرفًا , وذلك
لا يكون إلا بالترتيل والتأني، ورعاية مخارج الحروف، وإعطاء حقوقها، ورعاية الحدود بأجناسها ونحو ذلك. والحديثُ: أخرجه الترمذي
__________
= ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1351) .
(1) في سنن أبي داود: " تنعت قراءته ".
(2) الترمذي: ثواب القرآن، باب: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (2924) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تزيين القرآن بالصوت (2/ 179) .(5/382)
/ والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من [2/ 170- أ] ، حديث ليث بن سَعْد، عن ابن أبي مليكة، عن يَعلى بن مَملك.
1437- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبة، عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مُغفّل قال: رأيتُ النبيَّ- عليه السلام- يومَ فتح مكة وهو على ناقة يقرأ بسُورةِ الفتحِ وهو يُرجِّعُ (1) .
ش- الترجيع: ترديد القراءة، وقيل: هو تقارب حروف الحركات في الصوت. وفي " صحيح البخاري ": كيف كان ترجيعه فقال:
ثلاث مراتٍ , وهذا إنما حصل منه- عليه السلام - لأنه كان راكبًا، فجعلت الناقةُ تحركهُ فيحصلُ هذا من صوته. وقد جاء في حديث آخر أنه كان لا يُرجّع، قيل: لعلّه لم يكن راكبًا فلم يلجأ إلى الترجيع. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
1438- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن الأعمش، عن طلحة عن عبد الِرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: قال
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " زينُوا القرآنَ بأصْوَاتكُم " (2) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، وَطلحة: ابن مُصرف الكوفي.
قوله: " زينوا القرآن بأصْواتكم " قيل: معناه: زينوا أصواتكم بالقرآن هكذا فسّره غير واحد من أئمة الحديث وقالوا: إنه من باب المقلوب كما قالوا: عرضت الناقة على الحوض، وكقولهم: استوى العُود على الجِرباء أي: استوى الجرباء على العود. وفي بعض طرُقه: " زينوا أصواتكم بالقرآن " والمعنى: اشغلوا أصواتكم بالقرآن، والهجوا بقراءته، واتخذوه شِعارا وزينةً , وليس ذلَك على تطريب القول. وقال آخرون:
__________
(1) البخاري: كتاب المغازي، باب: أين ركز النبي الراية يوم الفتح (4281) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: قراءة صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم الفتح (794) ، الترمذي في " الشمائل ", النسائي في الكبرى: كتاب فضائل القرآن.
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تزيين القرآن بالصوت (2/ 179) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في حسن الصوت بالقرآن (1342) .(5/383)
لا حاجة إلى القلب. وإنما معناه: الحث على الترسل الذي أمر به في قوله تعالى: " ورتَلِ القُرآنَ تَرْتيلاً " (1) فكأن الزينة للمرتل لا للقرآن، كما يُقال: وَيْل للشًعْر من رُوَاة السُّوء، فهو راجع إلى الراوي لا إلى الشعر , فهو حثّ على ما يزين من الترتيل، والتدبر ومراعاة الإعراب، وقيل: أراد بالقرآن القراءة أي: زينوا قراءتكم بأصْواتكم. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه.
1439- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، وقُتيبة بن سَعيد، ويزيدُ بن خالد ابن مَوهب الرملي بمعناه، أن الليث حدثهم عن عبد الله بن أبي مُليكة، عن عُبيد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد بن أبي وقاص. وقال يزيدُ: عن ابن أبي مليكة، عن سعيد بن أبي سَعيد- وقال قتيبة: هو في كتابي عن سعيد بن أبي سَعيد- قال: قال رسولُ الله: " ليْس مِنَّا من لم يَتغنّ بالقراَنِ " (2) . ش- عُبيد الله بن أبي نهيك- بفتح النون وكسْر الهاء-. روى عن: سَعْد بن أبي وقاص. روى عنه: ابن أبي مُليكة. روى له: أبو داود، وذكره في " الكمال" في باب " عبد الله " بالتكبير في العبْد، وفي نسخ كثيرة من " السُنَن ": عُبَيد الله- بالتصغير.
قوله: " وقال يزيد " أي: قال يزيد بن خالد المذكور في روايته عن عبد الله بن أبي مليكة، عن سَعيد بن أبي سَعيد المقبري.
قوله: " وقال قتيبة " أي: قال قتيبة بن سعيد في روايته: إن الليث حدثه عن سعيد بن أبي سعيد، عن سَعْد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله. وروى هذا الحديث أبو صالح كاتب الليث، عن الليث، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد بن أبي وقاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو صالح: هكذا حدّث به الليث، عن سَعْد - يعني: ابن أبي وقاص- وكان يُحدث قبلَ ذلك عن [ابن] أبي مليكة، عن سَعيد بن أبي سعيد. وقال الدارقطني: اختلف عن الليث في ذكر
__________
(1) سورة المزمل: (4) .
(2) تفرد به أبو داود.(5/384)
سَعْد بن أبي وقاص , فأما الغرباء عن الليث: فرووه على الصواب عن
سعد، وأما أهل مصر: فرَوَوه وقالوا: عن سعيد بن أبي سعيد مكان
سَعْدً، والصواب: ما رواه عمرو بن دينار، وابن جريج، عن ابن
أبي مًليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد.
قوله: " من لم يتغن بالقراَن " قال وكيع وسفيان بن عيينة: معناه: منْ
لم يَسْتغْن به. واختلف في معنى ذلك، فقيل: يستغني به عن الناس، وقيل: يستغني به عن غيره من الأحاديث والكُتب، وقيل: معناه من لم
يجهر به، وقيل: من لم يُحسن صوته، وقيل: من لم يجعله يجهر به.
وقال ابن الأعرابي: كانت العرب تتغنى بالركبان/ إذا ركبت وإذا جلست [2/170-ب] في الأفنية وعلى أكثر أحوالها، ف" نزل القراَن أحبّ النبي- عليه
السلام- أن يكون هَجيراهم بالقرآن مكان التغني بالركُبان. وأول مَن قرأ بالألحان: عُبيدُ الله بن أبي بكرة، فورثه عنه عُبيد الّله بن عمر، ولذلك
يُقالُ: قراءة العُمري، وأخذ ذلك عنه: سعيد العلاف الأباضِي. وقال الشافعي: معناه: تحسين القراءة وترقيقها. وقال أبو عُبيد القاسم بن
سلام: مَحملُ هذه الأحاديث التي ذكرناها في حُسْن الصَّوْت إنما هو على
طريق الحزن والتخويف والتشويق , فهذا وجهُه لا الألحان المطربة المُلْهية.
قوله: " ليْسَ منا، بمعنى: ليس على سيرتنا، أو ليس بمهتد بهَدْينا،
ولا بمتخلق بأخْلاقنا. وذهبَ بعضهم إلى أنه أراد بذلك نفْيه عن دين
الإسلام , وليس بصحيح، وكذا معنى قوله: " من غشنا " ونحو ذلك.
1440- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا سفيان بن عُيَينة، عن عَمرو،
عن ابن أبى مُليكة، عن عُبيد الله بن أبي نهيك، عن سَعْد قال: قال النبي
" مليه السلام- مثله (1) .
ش- أي: مثل الحديث المذكور.
1441- ص- نا عبد الأعلى بن حماد: نا عبد الجبار بن الورْد قال:
__________
(1) تفرد به أبو داود.
52. شرح سنن أبي داود.(5/385)
سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال عُبيد الله بن أبي يَزيد: مرّ بنا أبو لُبَابة فاتبعناه حتى دخَلَ بيتَه فدخلنا عليه، فإذا رجلٌ رَثُّ البَيْت، رَث الهيئة، فسمعتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- يقولُ: "َ ليسَ منا من لَم يَتَغَن بالقرآن ". قال: فقلتُ لابن أبي مُليكة: نا أبا محمد " أرأيتً إذا لم يكُن حسَنَ الَصوْتِ؟ قال: يُحَسنه ما استطاعَ (1) .
ش- عبد الأعلى بن حماد: ابن نصر النَرْسِي الباهلي أبو يحيى البصري، سكن بغداد، ونَرْس- بالنون- لقب لجدهم، وكان اسمُه نصرا فلقبته القبط نَرْساً. روى عن: مالك بن أنس، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن عُيينة وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، ومسلم، والنسائي، عن رجل، عنه، وغيرهم. مات بالبصرة في سنة سبع وثلاثين ومائتين.
وعبد الجبار بن الورد: المكي، أخو وُهَيْب. روى عن: ابن أبي مليكة، وعمرو بن شعيب، وعطاف بن خالد. روى عنه: عبد الأعلى بن حماد، وبُسرة بنت صفوان، قال ابن معين، وأبو حاتم: هو ثقة، وقال أحمد: لا بأس به. روى له: أبو داود، والنسائي. وعبيد الله بن أبي يزيد: المكي مولى يل قارظ حُلفاء بني زهرة. سمع: ابن عباس، وابن عُمرَ، وابن الزبير، ونافع بن جبير، ومجاهدا. روى عنه: ابن جريج، وشعبة، وحماد بن زيد وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. مات سنة ست وعشرين ومائة. روى له: الجماعة. وأبو لبابة: اسمُه: رفاعة بن عبد المنذر بن عنبر الأنصاري المدني، وقيل: اسمه: بَشير. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه. قوله: " رَث البَيْت، الرث- بفتحِ اِلراء، وتشديد الثاء المثلثة- الشيء البالي، وفلان رَث الهيئة، وفي هيئَته رثاثة، أي: بذاءة، وأرَث الثوب، أي: أخْلقَ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/386)
قوله: " أرأيت " أي: أخبِرني " إذا لم يكن " أي: القارئ.
1442- ص- نا سليمان الأنباري قال: قال وكيع وابن عيينة: يَسْتغنِي (1) (2) .
ش- أي: قال وكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة في تفسير قوله: " من لم يتغن ": من لم يَسْتغن، وقد ذكرناه الآن.
1443- صِ- نا سليمان بن داود المَهْري: أنا ابنُ وهب: حدثني عُمر ابن مالك، وحيْوة، عَن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- قال: " ما أذنَ اللهُ لشيء ما أذنَ لنبي حَسَن الصَوْت يَتَغنَّى بالقراَن يجْهَرُ بهِ " (3) .ًًًَ
ش- عُمر بن مالك: الشرعبي المصري، وحيوة: ابن شريح، ويزيد: ابن الهاد.
قوله: " ما أذن اللهُ " - بفتح الهمزة، وكسْر الذال " المعجمة- يُقال ": أذنتُ للشيء آذَنُ أذانا - بفتح الهمزة والذال- , والمعنى: ما استمع لشيء كاستماعه لهذا، والله تعالى لا يَشْغلُه شأن عن شأنٍ , دائما هي استعارة للرضا والقبول " لقراءته وعمله، والثواب عليه.
قوله: " ما أذن لنبي " " ما " مَصْدرية , والتقدير: كأذَنِه لنبي.
قوله: " يتغنى بالقراَن " قد بينا الاختلاف في معناه، وهذه/ جملة حالية، وكذا قوله: " يَجْهر به " حال " أخرى مترادفة أو متداخلة، وقد
__________
(1) في سنن أبي داود: " يعني: يستغني به ".
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: من لم يتغن بالقرآن (5023) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن (792) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: في تزيين الصوت بالقرآن (1018) .(5/387)
قيل: إنه تفسيرٌ لقوله: " يتغنى " وكل من رفع صوته بشيء مُعلِنا به فقد تغنى به. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
***
342- بَابٌ: فِيمَنْ حَفِظَ القُرآنَ ثم نَسِيَهُ
أي: هذا باب في بيان الوعيد في حق من حفظ القرآن ثم نسيه، وفي بعض النسخ: " باب التشديد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه " (1) وفي بعضها: " التشديدُ فيمن حفظ القرآن ثم نسيه " بدون لفظ " باب ".
1444- ص- نا محمد بن العلاء: خبرنا ابنُ إدريس، عن يَزيد بن أبي زناد، عن عيسى بن فائد، عن سَعْد بن عُبادة قال: قال رسولُ الله- عليه السلام-: " ما من امرئ يَقرأ القرآن ثم يَنْساهُ، إلا لَقِيَ اللهَ يومَ القيامة أجْذمَ " (2) .ً
ش- ابن إدريس: عبد الله بن إدريس ". ويزيد بن أبي زناد: الهاشمي مولاهم الكوفي، كنيته: أبو عبد الله، ولا يحتج بحديثه.
وعيسى بن فائد- بالفاء. روى عن: سَعْد بن عبادة، وقيل: عن رجلِ من خزاعة. وروى عنه: يزيد بن أبي زناد، قال علي بن المديني: لم يرو عنه غيره، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: عيسى بن فائد. روى عمن سمع سَعْد بن عبادة , فالحديث على هذا منقطع مع ضَعْفِه. قوله: " أجزم " الأجذمُ: المقطوع اليد، وقيل: الأجذم هاهنا: المجذوم، وقيل: يلقى الله تعالى خالي اليد عن الخير , كنى باليد عما تحويه اليدُ، وقيل: لقي الله تعالى لا حجة له. وذكر الجوهري أنه لا يقال للمجذوم أجزم. ثم قيل: ليس المراد: مَنْ يحفظ القرآن بالغيب ثم ينساه , وإنما المرادُ: الذي يَقرأ القرآن، ويعلم حَلاله وحرامه ثم ينساه. أي: يتركه ولا يعمل بما فيه، فافهم.
**
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(5/388)
343- بَابٌ: أُنزِل القُرآنُ على سبعة أحْرُفٍ
أي: هذا باب في بيان أن القرآن أنزل على سَبْعةِ أحرفٍ، وفي بعض النسخ: " باب في قوله: نزل القرآن على سبْعة أحرف " وفي بَعضِها: " أنزل القرآن على سبْعة أحْرف " بدون لفظ الباب.
1445- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزُّبير، عن عبد الرحمن بن عَبْدٍ القارِي قال: سمعتُ عمرَ بن الخطاب يَقولُ: سمعتُ هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سُورةَ الفُرقانِ على غَيْر ما أقرؤُهَا، وكان رسولُ الله أقرأنيهِ (1) ، فكِدتُ أنْ أعْجلَ عليه، ثم أمْهَلتُهُ حتى انصرفَ، ثم لبَبْتُه بِرَدائِي، فجئتُ به رسولَ الله فقلتُ: نا رسولَ الله! إني سمعتُ هذا يَقرأ سُورةَ الفرقانِ على غيرِ ما أقْرَأتَنَيهَا، فقال له رسولُ الَله: " اقْرأ " فقرأ القرَاءَة التي سمعتُه يقرأ، فقالَ رسولُ اَللهِ: " هكذا أنزِلَتْ " ثم قال لي: " اقرأَ " فقرأتُ، فقال: " هكذا أنزِلَتْ " ثم قال: " إن هذا القُرآنَ أنزِلَ على سبعة أحرُفٍ، فاقْرءُوا ما تيَسر منهُ " (2) .
ش- عبدَ الرحمن بن عبد- بالتنوين، والقارِيّ- بالتشديد- نِسْبة إلى قارة- وقد ذكرناه.
وهشام بن حكيم بن حزام- بكسر الحاء المهملة، وفتح الزايَ- ابن خويلد بن أسد بن عبد العزَى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي، أسلم يوم الفتح. رُوي له عن رسول الله ستة أحاديث. روى له: مسلم حديثًا واحدًا. روى عنه: عروة بن الزبير، وقتادة البصري- والد عبد الرحمن بن قتادة-، وجبير بن نُفير، مات قبل أبيه، وقيل ": إنه استشهد بأجنادين. روى له: أبو داود، والنسائي.
__________
(1) في سنن أبي داود:" أقرأنيها".
(2) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف (4992) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: القرآن على سبعة أحرف (818) ، الترمذي: كتاب القراءات، باب: القرآن أنزل على سبعة أحرف
(4 294) ، النسائي: كتاب الافتتاح (937، 939) .(5/389)
قوله: " ثم لببته " - بتخفيف الباء وتشديدها، والتخفيف أعرف-
ومعناه: جمعت عليه ثوبه عند صَدْره في لبته، ومَسكته بها وسُقتُه
واللبّة: المنحر، ووقع هاهنا " لببته بردائي "، ولفظ البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي " بردائه " ويحتمل أن يكون جمعهما له " حصل
عنده من الإنكار عليه.
قوله: " على سَبعة أحرُف " قال العلماء: سبب إنزاله على سبعة أحرف
التخفيف والتَّسْهِيل , ولهذا قال- عليه السلام-: " هُون على أمتِي ".
واختلفوا في المراد بسَبْعة أحرف , " (1) قال القاضي: قيل: هو
توسعة وتَسْهيل لم يقصد به الحصْر، وقال الأكثرون: هو حَصْرٌ للعدد في [2/171-ب] ، سَبْعة، ثم قيل: هي سَبْعة في المعاني/ كالوَعْد والوعيد، والمحكم والمُتشابه، والحلال والحرام، والقصص والأمثال، والأمر والنَهْي.
ثم اختلف هؤلاء في تعيين السَبْعة، وقال آخرون: هي في صورة
التلاوة وكيفية النطق بكلماتها من إدغام وإظْهار، وتفخيم وترقيق، وإمالة
ومَد , لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسّرَ اللهُ تعالى عليهم، ليقرا كل إنسان بما يُوافقُ لغتَه، ويَسْهلَ على لسانه. وقال
آخرون: هي الألفاظُ والحروفُ.
ثم اختلف هؤلاء، فقيل: سبْعُ قراءات وأوجُه. وقال أبو عُبيد:
سبْع لغات للعرب يمنها ومعدها، وهي أفصح اللغات وأعْلاها، وقيل:
بل السبْعة كلها لمُضَر وحدها، وهي متفرقة في القرآن غير مجتمعة في
كلمة واحدة. وَقيل: بل هيِ مجتمعة في بعض الكلمات كقوله تعالى:
" وعَبَدَ الطَّاغُوتَ " و" نرْتَعْ ونَلعَبْ " و" " بَاعدْ بينَ أسْفَارِنَا "
و" بعَذاب بَئيس " وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكَر ابن الباقلاني: الصحَيح: أن هًذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضَت عن رسول الله
- عليه السلام-، وضبطتها عنه الأمة، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف، وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا، وأن
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (6/99 -100) .(5/390)
هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى، وليست متضادةً ولا
متنافية.
وقال الطحاوي: إن القراءة بالأحرف السبْعة كانت في أول الأمر خاصةً للضرورة لاختلاف لغة العرب، ومَشقّة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناسُ والكتاب، وارتفعت الضرورة عادت إلى قراءة واحدة. وقال الداودي: وهذه القراءات السبْع التي يقْرأ الناسُ اليوم بها ليس هو كل حرف منها هو أحد تلك السبْعة؟ بل قد تكون متفرقة فيها. وقال أبو عبد الله ابن أبي مقرن: هذه القراءات السبْع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عثمان- رضي الله عنه- عليه المصحفَ. وكذا ذكره النحاسُ وغيرُه. وقال غيره: ولا تكن القراءة بالسبْعة المذكورة في الحديث في ختمة واحدة، ولا ندري أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي- عليه السلام-، وكلها مستفيضة عن النبي- عليه السلام- ضبطها عنه الأئمة، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه من الصحابة أي: إنه كان أكثر قراءة به، كما أضيفت كل قراءة منها إلى من اختار القراءة بها من القراء السَّبْعة وغيرهم. قال المازري: وأما قول من قال: المراد سبعة مَعان مختلفة كالأحكام والأمثال والقصص فخطأ , لأن النبي- عليه السلام- أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف، وإبدال حرف بحرف، وقد تقرر إجماع المسلمين: أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. قال: وقول من قال: المراد: خواتيم الآي فيجعل مكان " غفور رحيم ": " سميع بصير" فاسد - أيضا- للإجماع على منع تغيير القرآن للناس (1) ، والله أعلم.
وا لحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
1446- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا عبد الرزاق: أنا معمر قال: قال الزهري: إنما هذه الأحرفُ في الأمرِ الواحد , ليْسَ يختلفُ في حلال ولا حرامٍ (2) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم. (2) تفرد به أبو داود.(5/391)
ش- عبد الرزاق: ابن همام، ومعمر: ابن راشد، ومحمد بن مُسلم: الزهري.
قوله: " إنما هذه الأحرف " أي: الأحرف السبعة المذكورة " في الأمر الواحد ليس يختلف " أي: الأمر الواحد مثلا إذا كانت سبع لغات في كلمة واحدة، وهي سَبعْ قراءات لا يختلف حكم تلك الكلمة في الحلال والحرام بسبب الاختلاف في اللفظ، فافهم.
1447- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا همام بن يحيي، عن قتادة، عن يحيى بن يَعْمُر، عن سليمان بن صُرَد الخُزاعي، عن أبيِّ بن كعب قال: قال النبيُّ- عليه السلام-: " يا أبى! إِني أقرِئْتُ القرآنَ فقيلَ لي: على حرف أو حرفَيْنِ، فقال المَلَكُ الذي معي: قل: على حرفَيْنِ. قَلتُ: على حرفينِ، فقيلَ لي: على حرفين أو ثلاثٍ، فقال المَلَكُ الذي معي: قلْ: على ثلَاث (1) ، قلتُ: على ثلاث (1) حتى بَلَغَ سبعةَ أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شافٍ كافٍ، إن قلتَ: "سَميعًا عليمًا، عزيزًا حكًيمًا، ما لم تختم آيةَ [2/172-أ] عذاب/ برحمة، أو آيةَ رحمة بعذاب " (2) .
ش- سُليماًن بن صُرد: الصحًابيّ. روى عن: أبيّ بن كعب الصحابيّ.
قوله: " أقرِئتُ " على صيغة المَجْهول.
قوله: " ليس منها إلا كاف شاف " أي: ليْس من هذه الأحرف السَبْعة حرفٌ إلا وهو حَرْف كاف لكل شيًءٍ، شاف مِن كل ذنب. والحاصل: أن حكم الجميع حكم القرًآَن في كونه كافيا شاًفيا.
قوله: " إن قلت: سميعا عليما " واصل بقوله " كاف "، يعني: إن قلت: سميعا عليما موضع عزيزٍ حكيم، أو بالعكس" فهو كاف ما لم تَختم آية عذاب برحمة، مثلا تكون الآية في العذاب ثم يَخْتمها بقوله " غفور رحيم، أو تكون في رَحْمة ثم يختمها بقوله: " تشديد العقاب "
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثلاثة ". (2) تفرد به أبو داود.(5/392)
ونحوه- , وهذا الحكمُ إنما كان قبل الإجماع على ترتيب القرآن في المصحف العثماني، فلما وقع الإجماع على منع تغيير الناس القرآن لم يجُز لأحد أن يجْعل موضع " سميع عليم " مثلا " عزيزا حكيما."، ونحو ذلك قصدا وعمدا , ولكن إذا جرى على لسانه من غير قصدٍ إلى التغيير فلا بأس بذلك، حتى لو كان في الصلاة لا تفسدُ صلاته.
1448- ص- نا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر: نا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبيِّ بن كعب، أن النبيّ- عليه السلام- كان عند أضاة بني غفارِ، فأتاه جبريلُ- عليه السلام- فقال: " إن الله يأمُرُك أن تُقرِئ أمتكً على حرْف، قال: أسأل الله مُعافاته ومغفرته، إن أمتي لا تُطيقُ ذلك، ثم أتاه ثانية فذكر نحوه هذا حتى بلغ سبْعة أحرف، قال: إن الله يأمُرُك أن تُقرِئ أمتك على سبْعة أحرف فأيّما حرْف قرءُوا عليه فقد أصابُوا " (1) .
ش- الحكم: ابن عُتيْبة، وعبد الرحمن: ابن أبي ليلى.
قوله: " كان عند أضاة بني غفار "- بفتح الهمزة، وبضادٍ معجمة مقصورة- وهي الماء المُستنقع كالغدير، وجمعُها: أضا كحصاة وحصى، وإِضاء- أيضا- بكسر الهمزة، والمد كأكم وإِكام. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
344- بابُ الدُُّّعاء
أي: هذا باب في بيان الدعاء، وفي بعض النسخ: " باب جماع الدُّعاء ".
1449- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن منصور، عن ذر، عن يُسيْع الحضرمي، عن النعمان بن بشِير، عن النبيِّ- عليه السلام- قال:
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: القرآن نزل على سبعة أحرف (821) ، النسائي: كتاب افتتاح الصلاة (940) .(5/393)
" الدُّعاءُ هو (1) العبادةُ , قال ربكم: (ادْعوني أسْتجبْ لكُمْ (2)) " (3) .
ش- منصور: ابن المعتمر، وذر: ابن عبد الله المُرهِبِي، ويُسيْع
- بضم الياء آخر الحروف، وفتح السين المهملة، وسكون الياء، وفي آخره عين مهملة- ويقال: أُسيْع- بالهمزة المضمومة موْضع الياء-، وقال أحمد بن حنبل: أخبرت أن أسيْعا هو يُسيْع بن معدان الحضرمي الكوفي. سمع: علي بن أبي طالب، والنعمان بن بشير. روى عنه: ذر، قال ابن المديني: هو معروف. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " الدعاء هو العبادة " معناه: الدعاء هي (4) التي تختم بها العبادة، وقيل: نفسُ الدعاء هي (4) العبادة؛ لأنها مشتملة على ذكر الله تعالى بأسمائه وصفاته، وعلى التضرع إليه، والابتهال لديْه، والسؤال منه؛ فكل ذلك عبادة. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
1450- ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن شُعْبة، عن زياد بن مخْراق، عن أبي نعامة، عن ابن لسعْد قال: سمعني أبِي وأنا أقول: اللهم إني أسألُك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذُ بك من النارِ وسلاسلها وأغلالِها وكذا وكذا، فقال: يا بُني " إني سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " سيكونُ قومٌ يعتدُون في الدعاءِ، فإياك أن تكون منهم , إنك إن أعْطِيت الجنة أعطيتها وما
__________
(1) في الأصل: " هي"، وصوبها المصنف في الشرح.
(2) سورة غافر: (60) .
(3) الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب: " ومن سورة البقرة " (2969) ، وكتاب الدعوات، باب: ما جاء في فضل الدعاء (3372) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: فضل الدعاء (3828) .
(4) كذا.(5/394)
فيها من الخير، " أن أعنْت منها- يعني: من النارِ (1) - أعذْت منها وما فيها من الشر " (2) .
ش- يحيى: القطان، وزياد بن مخراق: أبو الحارث المزني مولاهم البصري. سمع: معاوية بن قرة، وشهر بن حوشب، وأبا نعامة. روى عنه: شعبة، وابن علية، وابن عُيينة وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وقال النسائي: ثقة، وقال شعبة: لا تكتبوا عن الفقراء شيئا , فإنهم يكذبون لكم. وقال: اكتبوا عن زياد بن مخراق، فإنه رجل مُوسِر لا يكذبُ/ روى له: أبو داود.
وأبو نعامة: قيْسُ بن عباية الحنفِيّ.
قوله: " عنْ ابن لسعْد " سعْدٌ هذا هو ابن أبي وقاص، وابنه هذا لم يُسم، فإن كان عمرا (3) فلا يحتج به.
قوله: " وبهجتها " أي: زينتها.
قوله: " وسلاسلها " جمع سلسلةٍ، والأغلال: جمع " غل " بضم الغين، وهي الحديدة التي تجمعُ يد المغلول إلى عنقه.
قوله: " يعْتدون في الدعاء " هو الخروج فيه عن الوضع الشرعي، والسُّنة المأثور بها.
1451- ص- نا أحمد بن حنبل: نا عبدُ الله بن يزِيد: نا حياة: أخبرني أبُو هانئ حُميد بنِ هانئ، أن أبا علي عمرو بن مالك حدثه، أنه سمع فضالة ابن عُبيْد صاحب رسول الله- عليه السلام- يقولُ: سمع رسولُ الله رجلاً يدْعُو في صلاته لم يُمجد الله، ولم يُصلّ على النبيّ- عليه السلام-، فقال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: " عجِل هذا " ثم دعاهُ فقال له أو لغيرِهِ:
__________
(1) في سنن أبي داود: "وإن أعذت من النار".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: (عمرو) .(5/395)
"إذا صلى أحدُكُم فليبْدأ بتمجيد ربه، والثناء عليه، ثم يُصلي على النبي، ثم يدْعُو بما شاء (1) " (2) .ً
ش- عبد الله بن يزيد: القرشي العدوي مولى آل عمر بن الخطاب، وحيوة: ابن شريح.
وحميد بن هانئ المصري أبو هانئ: الخولاني، من بني يعلى بن مالك ابن خولان. سمع: عمرو بن حريث. وروى عن: أبي عبد الرحمن الحبلى، وعمرو بن مالك، وشرحبيل بن شريك وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وحيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب وغيرهم، قال أبو حاتم: صالح. توفي سنة اثنتين وأربعين ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري.
وعمرُو بن مالك الجنبي أبو علي المصري. سمع: فضالة بن عبيد الأنصاري. روى عنه: حميد بن هانئ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وفضيلة بن عبيد: ابن نافذ بن قيس ابن صُهيْبة، شهد أحدا وبايع تحت الشجرة، وشهد خيبر مع النبي- عليه السلام-، وولاه معاوية على الغزو، ثم ولاه على قضاء دمشق، وكان خليفة معاوية على دمشق، وابتنى بها دارا. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام- خمسون حديثًا. روى له: مسلم حديثين، وقد روى عن: عمر بن الخطاب، وأبي الدرداء. روى له: أمامة بن شفي، وعُلي بن رباح، وعمرو بن مالك، وغيرهم. مات بدمشق سنة ثلاث وخمسة، وقيل: سنة تسع وستين، وقبرُه بباب الصغير. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " لم يُمجّد الله " من التمجيد , وهو التعظيم.
__________
(1) في سنن أبي داود: "يدعو بعد بما شاء".
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ادع تجب (3475) ، النسائي: كتاب افتتاح الصلاة، باب: التمجيد والصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1285) .(5/396)
قوله: " عجل " أي: استعجل. وبهذا الحديث استدل الشافعي أن الصلاة على النبي- عليه السلام- في الصلاة فرضٌ , وهو قول أحمد حتى لو تركت لم تصح الصلاة. وعند أبي حنيفة، ومالك، والجماهير: هي سُنة فلا تفسد الصلاة بتركها، وقد مر الكلام في هذا الباب مستوفًى. والاستدلال بهذا الحديث على الفرضية غير صحيح على ما لا يخفى. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث صحيح. ورواه ابن خزيمة، وابن حبان في " صحيحهما" والحاكم في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعلم له علّة.
1452- ص- نا هارون بن عبد الله: نا يزيد بن هارون، عن الأسود بن شيْبان، عن أبي نوفل، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يسْتحبُّ الجوامع من الدعاءِ، ويدع ما سِوى ذلك (1) .
ش- الأسود بن شيبان: السدُوسي البصري.
وأبو نوْفل: مُعاوية بن مسلم بن " عمرو بن أبي عقرب، أبو يزيد الكناني الديلي العُريْجي، قال أبو حاتم: اسمُه: عمرو بن مسلم بن أبي عقرب، وقيل: مسلم بن أبي عقرب. سمع: أباه، وعبد الله بن عباس، وابن الزبير، وأسماء بنت أبي بكر الصديق. وروى عن: ابن عُمر، وعائشة، روى عنه: علي بن زيد بن جدعان، وابن جريج، وشعبة، والأسود بن شيبان، قال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
قوله: " يستحب الجوامع من الدعاء " أي: التي تجمعُ الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمعُ الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (34/7677) .(5/397)
قوله: " ويدع ما سوى ذلك " أراد به الأدعية المطولة، والتي لا تجمعُ
الأغراض الصحيحة.
1453- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلامِ- قال: " لا يقُولن أحدُكُم: اللهم
اغفرْ لي إن شئت، اللهم ارْحمنِي إِن شئت، ليعْزِم المسألة، فإنه لا مُكْرِه له " (1) .
ش- أبو الزناد: عبد الله بن ذكوان.
قوله:/ " ليعزم " أي: ليجد فيها وليقطع، ولا يسْتثني، وقيل: عزم المسألة: حُسن الظن بالله عز وجل في الإجابة، وقيل: كره الاستثناء
هاهنا لوجهين , أحدهما: أن مشيئة الله تبارك وتعالى ثابتة معلومة، وأنه
لا يفْعلُ من ذلك إلا ما شاء، وإنما يتحقق استعمالُ المشيئة في حق منْ
يتوجه عليه الإكراه، والله تعالى منزه عن ذلك، والآخر: أن في هذا
اللفظ ظهور الاستغناء، إذ لا يستعمل هذا اللفظ إلا فيما لا يُضطر إليه الإنسان، فأما ما يضطر إليه فإنه يعزم عليه، ويلح فيه.
قوله: " فإنه لا مكره له " أي: فإن الشأن: لا مكره لله تعالى.
والحديث: أخرجه الجماعة.
1454- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عُبيد،
عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " يُستجابُ لأحدكُم ما لم يعْجل فيقولُ: قد دعوْتُ فلم يُسْتجبْ لي " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة (6339) ، الترمذي: كتاب الدعاء، باب: العزم بالمسألة (3492) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: لا يقول الرجل اغفر لي إن شئت (3854) ، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب: العزم بالدعاء (2679) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " من طرق عن أبي هريرة.
(2) البخاري: كتاب الدعوات، باب: يستجاب للعبد ما لم يعجل (6340) ، مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: بيان ابنه يستجاب للداعي ما لم يعجل فيقول دعوت فلم يستجب لي (90/ 2735) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما جاء فيمن يستعجل في دعائه (3387) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل (3853) .(5/398)
ش- أبو عُبيْد: اسمُه: سعد بن عُبيد المدني، مولى عبد الرحمن بن أزهر، ويقال: مولى عبد الرحمن بن عوف، وهو ابن عمه. سمع: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبا هريرة. روى عنه: الزهري، وسعيد بن خالد القارظي، قال الزهري: كان من الفقهاء والقدماء. توفي بالمدينة سنة ثمان وتسعين. روى له: الجماعة.
قوله: " يُستجابُ " قال الباجي: يحتمل يُستجاب " الإخبار عن وجوب وقوع الإجابة، والثاني: الإخبار عن جواز وقوعها، فإذا كان بمعنى الوجوب فالإجابة بثلاثة أشياء: إما تعجيل ما سأل فيه، وإما أن يكفر عنه به، وإما أن يدخر على ما جاء في الحديث. فإذا قال: دعوتُ فلم يُسْتجبْ لي نال وجوب أحد هذه الثلاثة، إذ عرّى الدعاء من جميعها، وإذا كان بمعنى الجواز لوقوع الإجابة فيمنع ذلك قول الداعي: قد دعوت فلم يستجب لي , لأن ذلك من باب القُنوط، وضُعف النفس والسخط، وقيل: معناه: أنه يسأمُ من الدعاء ويتركُه فيكون كالمنان بدعائه، والمُبخل لربّه الكريم، وقيل: إنما ذلك إذا كان غرضه من الدعاء ما يُريد فقط، وإذا لم ينله ثقُل عليه الدعاء , بل يجبُ أن يكون أبدا في دعائه باسم إظهار الحاجة إليه، والطاعة له وسِمة العبودية.
قوله: " ما لم يعْجل " أي: يقطع الدعاء. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه.
455- ص- نا عبد الله بن مسْلمة: نا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن من حدثه، عن محمد بن كعب القُرظي قال: حدثني عبد الله بن عباس، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " لا تسْتُرُوا الجُدُر، من نظر في كتاب أخيه بغيرِ إذنه، فإنما ينظُرُ في النار، سلُوا الله ببُطُون أكُفكُم ولا تسألُوه بظُهُورِها، فإذا فرغْتُم فامْسحُوا بها وُجُوهكُم " (1)
__________
(1) ابن " ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من رفع يديه في الدعاء ومسح بهما وجهه (181 1) ، وكتاب الدعاء، باب: رفع اليدين في الدعاء (3866) .(5/399)
ش- " لا تستروا الجدر " الجُحُر- بضمتين- جمعُ جدار , وإنما نهى عن ذلك لما فيه من الإسراف، ونوع من التجبر، فإن قصد به دفع الحر أو البرد جاز.
قوله: " فإنما ينظر في النار " قيل: هو تمثيلٌ أي: فليحذر هذا الصنيع كما يحذرُ النار، إذْ كان معلومًا أن النظر في النار والتحديق لها يضر بالبصر، ويحتملُ أن يُريد بالنظر الدنو منها , لأن النظر إلى الشيء إنما يتحقق بقرب المسافة بينك وبينه. وقيل: معناه: فإنما ينظر إلى ما يُوجب عليه النار فأضْمره. وزعم بعض أهل العلم انه أراد به الكتاب الذي فيه أمانة وسرّ، يكره صاحبه أن يطلع عليه احد دون الكتب التي فيها العلمُ، فإنه لا يحل منعه، ولا يجوز كتمانه، وقيل: هو عام في كل كتاب , لأن صاحب الشيء أولى بماله، وإنما يأثم بكتمان العلم الذي يُسأل عنه، فأما أن يأثم في منعه كتابًا عنده وحبسِه عن غيره فلا وجه له والله أعلم. قوله: " سلوا " أصله: اسْألوا الله.
قوله: " ولا تسألوه بظهورها " قد صح عن رسول الله- عليه السلام- أنه استسقى وأشار بظهر كفّيه إلى السماء من رواية أنس بن مالك، وقد تقدم. وهو اختيار جماعة من العلماء، واستحبوه، وهو الذي فسّره المفسرون بالرّهب في قوله تعالى: (يدْعُوننا رغبا ورهبا " (1) قالوا: وأما عند المسألة والرغبة فتُبْسط الأيدي وظهورها إلى الأرض وهو الرعبُ. والحديث أخرجه: ابن ماجه.
ص- قال أبو داود: رُوي هذا الحديثُ من غيرِ/ وجه، عن محمد بن كعبٍ كلُها واهية , وهذا الطريقُ أمثلُها , وهو ضعيف - أيضا.
ش- أي: كلها ضعيفة ساقطة , وهذا الطريق الذي ذكره أمثلها يعني: أفضلها، وهو ضعيف- أيضًا- لأن فيه مجهولا.
1456- ص- نا سليمان بن عبد الحميد البهْراني قال: قرأتُ (2) في
__________
(1) سورة الأنبياء: (90) .
(2) في حق أبي داود: " قرأته ".(5/400)
أصلِ إسماعيل- يعني: ابن عياش- قال: حدثني ضمضم، عن شريح: نا أبو ظبْية أن أبا بحريّة السكوني حدّثه، عن مالك بن يسار السّكوني، ثم العوْفي، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا سألتم الله تعالى فاسْألُوه بِبُطُونِ كُفكُّم ولا تسْألوهُ بِظُهُورِها " (1) .
ش- سليمان بن عبد الحميد: ابن رافع البهْراني أبو أيوب الحمْصي. روى عن: أبي اليمان، ومحمد بن عائذ، ومحمد بن إسماعيل بن عياش وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وابن صاعد، وأبو عوانة الإسفراييني، قال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون.
وضمضم: ابن زُرْعة الحِمْصي، وشريح: ابن عُبيْد الحِمْصي.
وأبو ظبْية: الكلاعي الحمْصي. سمع: عمر بن الخطاب، وشهد خُطبته بالجابية، ومعاذ بن جبل، والمقداد بن الأسود، وعمْرو بن عبسة، وعمرو بن العاص، وابنه: عبد الله، وأبا أمامة الباهلي. روى عنه: شهر بن حوْشب، ومحمد بن سعد الأنصاري، وثابت الأنصاري، وشريح بن عُبيد الحضرمي، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال الدارقطني: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: لا نعرِفُ أحدا يُسمّيه. روى له: أبو داود، وابن ماجه.
وأبُو بحْرِيّة- بفتح الباء الموحدة، وسكون الحاء المهملة، وكسر الراء، وفتح الياء آخر الحروف المشددة- عبد الله بن قيس التراغمي الحمصي، شهد خطبة عمر بالجالية، وقدم دمشق، وحدث عن: معاذ بن جبل، واجبي هريرة، ومالك بن يسار السّكوني وغيرهم. روى عنه: خالد بن معدان، ويونس بن ميسرة، وضمرة بن حبيب وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، والنسائي.
ورواة هذا الحديث كلهم حمْصيُّون. وهذا الحديث- أيضاً- محمول على حالة الرعب، وذلك "ل قلنا: إنه قد صغ السؤال بظهور الأكف في حالة الرهب.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
26 * شرح سنن أبي داوود 5(5/401)
ص- قال أبو داود: قال سليمان بن عبد الحميد: له عندنا صحبة- يعني: مالك بن يسار-.
ش- أي: قال سليمان بن عبد الحميد المذكور شيخ أبي داود: له عندنا، أي: "لمالك بن يسار صحبة. وقال عبد الغني في " الكمال ": مالك بن يسار السكوني العوْفي. روى عن: النبي- عليه السلام-: "إذا سألتم الله " الحديث. روى عنه: أبو بحْرية السكوني. روى له: أبو داود. انتهى. وفي نسخة: ماله عندنا صحبة، وقال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث، ولا أدري لمالك بن يسار صحبة أم لا.
1457- عر- نا عقبة بن مُكرّم: نا سلمُ بن قتيبة، عن عُمر بن نبهان، عن قتادة، عن أنس قال: " رأيتُ رسول الله- عليه السلام- يدْعُو هكذا بباطِنِ كفيْهِ وظاهِرِهِما " (1) .
ش- سلم بن قتيبة: أبو قتيبة الخراساني الشّعيري الفِريابي، نزيل البصرة. روى عن: مالك بن أنس، وعكرمة بن عمار، والمسعودي وغيرهم. روى عنه: عمر [و] بن علي، ومحمد بن المثنى، وابن بشار وغيرهم. روى له: الجماعة إلا مُسلما.
وعُمر بن نبهان: العنبري البصري. روى عن: قتادة، وأبي عيسى سلام، والحسن البصري. روى عنه: أبو قتادة، وأبو قتيبة سلم بن قتيبة وغيرهم. قال ابن معين: هو صالح، وقال عمرو بن علي: لا يُتابعُ في حديثه. روى له: أبو داود.
وفي " مختصر السنن ": وفي إسناده عُمر بن نبْهان، ولا يُحتجّ بحديثه. 1458- عر- نا مؤمل بن الفضْل الحرانِي: نا عيسى- يعْني: ابن يونس-: نا جعفر- يعني: ابن ميمون، صاحب الأنْماط-: حدثني
__________
(1) تفرد به أبو داود.(5/402)
أبو عثمان، عن سلمان قال: قال رسول الله: " إن ربكُم حيى كرِيم يستحي من عبدِهِ إذا رفع يديْهِ إليه أن يرُدهما صِفْرا " (1) .
ش- أبو عثمان: عبد الرحمن بن ملّ النّهْدي.
قوله: " حيى " فعيل , وإطلاق الحياء على الله تعالى مجاز جارٍ على سبيل التمثيل. أي: الاستعارة التبعية التمثيلية , شبّه ترك الله تعالى تخييب العبد ورد يديه إليه صفرا بترك الكريم، ثم ردّ المحتاج حياء، فقيل: ترك الله الرّد حياء كما قيل: ترك الكريم ردّ المحتاج حياء , فأطلق الحياء ثمة كما أطلق الحياء هاهنا (2) .
قوله: " صفْرًا ":/ الصفْر- بكسر الصاد المهملة، وسكون الفاء، وراء مهملة- الشيء الخالي الفارغ، ويستعمل على لفظه في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث. والحديث: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه.
1459- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا وهيب- يعني: ابن خالد- حدثني العباس بن عبد الله بن معْبد بن العباس بن عبد المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: المسألةُ: أن ترفع يديْك حذو منكبيْك أو نحوِهما، والاستغفار: أن تُشير بإصبع واحدةٍ، والابتهالُ: أن تمُد يديْك جميعًا (3) . ش- العباس المذكور: سمع: أباه، وعكرمة مولى ابن عباس روى عنه: ابن جريج، وابن عجلان، ووُهيب، قال ابن عيينة: كان رجلا صالحًا، وقال ابن معين: هو ثقة، وقال أحمد: لا بأس به. روى له: أبو داود.
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: حدثنا محمد بن بشار (3556) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: رفع اليدين في الدعاء (3865) .
(2) بل الحياء صفة من صفاته سبحانه وتعالى، وليس حياؤه كحياء البشر، بل حياء يليق به سبحانه (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) اعتقاد أهل السّنة والجماعة، وانظر العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام.
(3) تفرد به أبو داود.(5/403)
قوله: " المسألة " مبتدأ، و " أن ترْفع ": خبره، و "أن" مصدرية , والمعنى: في السؤال من الله: ينبغي رفع اليدين حذْو المنكبين، وفي الاستغفار من الذنوب: يُشيرُ بإصبع واحدة، وفي الابتهال والتضرع إلى الله: يمدُ يديه جميعا.
1460- ص (1) - نا محمد بن يحيي بن فارس: نا إبراهيم بن حمزة:
نا عبد العزيز بن محمد، عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس، عن أخيه: إبراهيم بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله- عليه السلام- فذكر نحوه (2) .
ش- أي: نحو الحديث المذكور , وهو حديث حسن.
وإبراهيم بن حمزة: ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني. سمع: إبراهيم بن سعْد، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ويوسف بن الماجشون وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو زرعة، وأبو داود، والنسائي، عن رجل، عنه وغيرهم، قال ابن سعْد: هو ثقة صدوق في الحديث. مات سنة ثلاثين ومائتين بالمدينة.
1461- ص- نا عمرو بن عثمان: نا سفيان: حدثني عباس بنِ عبد الله ابن معبد بن عباس بهذا الحديث قال فيه: والابتهالُ هكذا- ورفع يديه وجعل ظُهُورهما مما يلِي وجهك (2) .
ش- وفي بعض النسخ: " مما يلي وجهه " (3) .
1462- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا ابن لهيعة، عن حرص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عنِ السائب بن يزيد، عن أبيه أن النبيّ- عليه السلام- كان إذا دعى فرفع يديْه مسح وجهه بيديْه (2) .
ش- عبد الله: ابن لهيعة , والحديث ضعيف به. وحفص المذكور:
__________
(1) ذكر هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) كما في سنن أبي داود.(5/404)
روى له: أبو داود، والسائب: صحابي، وكذا أبوه: يزيد بن سعيد ابن ثمامة الكندي، وقد ذكرناهما.
1463- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن مالك بن مغول: نا عبد الله بن بُريدة، عن أبيه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمِع رجُلاً يقولُ: اللهم إني أسألُك أنّي أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إله إلا أنت، الأحدُ الصمدُ، الذي لم يلدْ ولم يولد، ولم يكن (1) لك كُفُوا أحدٌ، فقال: " لقد سألت الله بالاسم الّذِي إذا سُئل به أعْطى، وإذا دُعِي به أجاب " (2) .
ش- يحيى: القطان، وبُريدة: ابن حصيب الأسلمي الصحابي. وفي رواية: " لقد سأل الله باسمه الأعظم " لما يجئ الآن.
وقال الحافظ أبو الحسن المقدسي: هذا إسناد لا مطعن فيه، ولا أعلم
أنه رُوي في هذا الباب حديث أجود منه إسنادًا. وهو يدل على بطلان مذهب منْ ذهب إلى نفي القول بأن لله اسما هو الاسم الأعظم. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب.
1464- ص- نا عبد الرحمن بن خالد الرّقِّي: نا زيد بن حُباب: حدثني مالك بن مغول بهذا الحديث قال فيه: " لقد سأل الله باسْمه الأعظم " (3) . ش- أي: بالحديث المذكور، وقال فيه: " لقد سأل الله " أي: لقد سأل الرجل الله " باسْمه الأعظم،. وفيه: تصريح أن الدعاء المذكور هو اسم الله الأعظم. وأن نفْي الاسم الأعظم باطل- كما قلنا-.
1465- ص (4) - نا عُبيد الله بن عُمر بن ميْسرة، ومحمد بن قُدامة في
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يلد ولم يولد، ولم يكن له....."
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: جامع الدعوات عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3475) ، النسائي في الكبرى، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: اسم الله الأعظم (3857) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) لم يرد هذا الحديث في سنن أبي داود في هذا الموضع، وقد جاء بعد سبعة أحاديث، وانظر تعليق المصنف عليه.(5/405)
آخرين قالوا: نا عثام، عن الأعمش، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: رأيتُ رسول الله- عليه السلام- يعْقدُ التسْبيح. قال ابن قدامة: بيمِينِه (1) .
ش- عثام- بفتح العين المهملة، والثاء المثلثة المشدّدة- ابن علي بن هجيم (2) بن بُجير بن (3) زرعة بن عمرو بن مالك العامري الكلابي الكوفي أبو علي. روى عن: إسماعيل بن أبي خالد، وهشام بن، عروة،/ والأعمش. روى عنه: النُفيلي، ومحمد بن عبد الله بن نُمير، وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم، قال أبُو زرعة: ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صدوق. مات سنة أربع وتسعين ومائة. روى له: الجماعة إلا مُسلما (4) . قوله: " عن أبيه " وهو السائب بن مالك الكوفي، أو السائب بن يزيد، وقد ذكرناه.
ويُستفاد من الحديث: جواز عقد التسبيح ونحوه بالأصابع. وأخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث الأعمش، عن عطاء بن السائب. وهذا الحديث ليْس بمُناسِب في هذا الباب، وإن كان ذكر فيه في كثير من النسخ، والصواب: أن يذكر في الباب الذي يليه، وهو " باب التسبيح بالحصى " وكذا ذكر في " مختصر السنن " لزكي الدين " نذكره إن شاء الله تعالى.
1466- ص- نا عبد الرحمن بن عُبيد الله الحلبِي: نا خلفُ بن خليفة، عن حفْص ابن أخي أنس، عن أنس أنه كان مع رسول الله جالسا ورجل يُصلّي ثم دعى: اللهم إني أسألُك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنّانُ، بديعُ السمواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرام، يا حيُّ يا قيومُ، فقال النبيُّ
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: عقد التسبيح باليد (3486) ، النسائي: كتاب السهو، باب عقد التسبيح (3/79) .
(2) في تهذيب الكمال " هُجير ".
(3) مكررة في الأصل.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1/ 3791) .(5/406)
- عليه السلام-: لا لقد دعى الله باسمه العظِيم، الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سُئِل به أعْطى " (1) .
ش- عبد الرحمن بن عُبيد الله: ابن أحمد بن محمد الحلبي الأسدي، يُعرف بابن أخي الإمام. سمع: محمد بن قدامة، وأبا المليح الرقي، وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو بكر الباغندي، وأبو حاتم- وسئل عنه فقال: صدوق.
وخلف بن خليفة: ابن صاعد بن برام الأشجعي مولاهم، أبو أحمد الواسطي، كان بالكوفة ثم انتقل إلى واسط فسكنها مُدة، ثم تحول إلى بغداد فأقام بها إلى حين وفاته، رأى عمرو بن حريث صاحب النبي- عليه السلام- (2) وسمع: الوليد بن سريع، ومنصور بن زاذان، ويزيد بن كيسان وغيرهم. روىْ عنه: هشيم، وقتيبة بن سعيد، ووكيع وغيرهم، قال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة إحدى وثمانين ومائة ببغداد وهو ابن مائة سنة وستة. روى له: الجماعة إلا البخاري.
وحفص: ابن عبد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن عبيد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن عُمر بن عبد الله بن أبي طلحة، وقيل: حفص بن محمد بن عبد الله بن أبي طلحة. روى عن: عمه: أنس بن مالك. روى عنه: خلف بن خليفة وغيرهم، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطني: ثقة. روى له: البخاري في " الأدب "، وأبو داود، والنسائي.
قوله: " المنان " أي: المُنعم المُعطي , من المن وهو العطاء , لا من المنّة، وكثيرا ما يرد المنُّ في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يْسّتثيبُه، ولا يطلبُ الجزاء عليه، وهو من أبنية المبالغة، كالوهابِ والعلاّم.
قوله: " بديع السموات والأرض " أي: مُبدِعهما ومُخْترعهما , لا عن أصل ومادة. والحديث: أخرجه النسائي.
__________
(1) أخرجه النسائي: كتاب: السهو، باب: الدعاء بعد الذكر (3/ 52) . (2) ولا تصح رؤيته لعمرو بن حريث، وانظر: تهذيب الكمال (8/ 287) .(5/407)
1467- ص- نا مسدد: نا عيسى بن يونس: نا عُبيد الله بن أبي زناد،
عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، أن النبي- عليه السلام- قال:
"اسمُ اللهِ الأعظم في هاتين الآيتين (وإلهكم إلهٌ واحد لا إِله إلا هُو الرحمنُ
الرحيمُ) (1) ، وفاتحةُ سُورة آل عمران (الم. اللهُ لا إله إلاّ هُو الحيُّ
القيُّوم (2) " (3) .ً
ش- عُبيد الله بن أبي زناد: القداح، أبو الحصن المكي. سمع:
عامر بن واثلة، وشهر بن حوشب، والقاسم بن محمد. روى عنه:
عيسى بن يونس، والثوري، ووكيع وغيرهم. قال ابن معين: ليس
بشيء. وقال أحمد: صالح. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ولا بالمتين،
هو صالح يكتب حديثه، يحول من كتاب "الضعفاء " للبخاري. مات
سنة خمسين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وأسماء بنت يزيد: ابن السّكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل
الأنصارية الأشهليّة، تكنى أم سلمة، ويقال: أم عامر، بايعتْ
رسول الله. وروت عنْه أحاديث صالحةً وشهدت اليرمُوك وقتلت يومئذ
تسعة من الروم بعمُود خبائها. روى عنها: مجاهد، وشهْر بن
حوشب، ومولاها: مهاجر وغير هم. روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث
حسن. وفيه مقال من جهة عُبيد الله بن أبي زياد.
1468- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا حرص بن غياث، عن
الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سُرِقتْ ملحفةٌ لها، فجعلتْ تدْعو على من سرقها فجعل النبيُّ - عليه السلام- يقُولُ: لا تُسبخي عنه " (4) .
__________
(1) سورة البقرة: (163) .
(2) سورة آل عمران: (1، 2) .
(3) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: حدثنا عتيبة حدثنا رشدان بن سعد
(3478) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: اسم الله الأعظم (3855) .
(4) النسائي في (الكبرى) كتاب: السرقة.(5/408)
ش- عطاء: ابن أبي رباح. ويُستفادُ من الحديث: أن الرجل إذا دعى على آخر يخفف عنه وإن كان ظالما.
ص- قال أبو داود: لا تُسبِّخِي: لا (1) تُخفِّفِي عنه.
ش- من التسبيخ- بالخاء المعجمة- وهو التخفيف، وقال أعرابي: الحمدُ لله، على (2) تسبيخ العُروق، وإساغة الريق، ومعناه: لا تخففي عنه ما يسْتحقه من الإثم.
1469- ص- نا سُليمان بن حرْب: نا شعبة، عن عاصم بن عُبيد الله، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر قال: استأذنتُ النبيّ- عليه السلام- في العُمرة فأذن لي وقال: " لا تنْسنا يا أخيّ من دُعائِك " فقال كلمةً ما يسرُّني أن لي بها الدُّنيا. وقال شعبة: ثم لقيتُ عاصمًا بعدُ بالمدينة فحدّثنِيه وقال: أشرِكْنا يا أخي في دُعائِك (3) .
ش- عاصم بن عبيد الله: ابن عاصم بن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- , وفيه مقال.
قوله: " فقال كلمة " وفي رواية: " فقال لي كلمةً " وأراد بها قوله- عليه السلام- " لا تنسنا يا أخي من دعائك ". وفيه: استحباب طلب الدعاء من الرجل الصالح، ومن الذي يُريدُ الحج أو العمرة أن يدعو له في الأماكن الشريفة، وأن الدعاء له تأثير، وفيه ردّ لمنْ ينكر ذلك.
قوله: " بها " أي: بمُقابلتها , والمعنى: قال لي كلمةً لو قابلوني بها الدُّنيا ما يسُرني ذلك.
فإن قيل: النبي- عليه السلام- مستغني عن دعاء غيره له فما وجه ذلك؟ قلت: لا نُسلم استغناء أحد عن ذلك , ولئن سلمنا فالمرادُ منه
__________
(1) في سنن أبي داود: " أي: لا ".
(2) في الأصل: " عندي ".
(3) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: حدثنا سفيان بن وكيع (3562) ، ابن ماجه: كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج (2894) .(5/409)
تعليم لأمته، أو تكريم لعُمر وتطييب لخاطره. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
1470- ص- نا زهير بن حرب: نا أبو معاوية: نا الأعمش، عن
أبي صالح، عنِ سعْد بن أبي وقاص قال: مرّ علي النبيُّ- عليه السلام- وأنا أدْعو بإصبعين فقال: " أحِّدْ أحِّدْ "- وأشار بالسبابةِ- (1) .
ش- أبو معاوية: محمد بن خازم الضرير، وأبو صالح: ذكوان
الزيات.
قوله: " أحِّدْ أحِّدْ " أصله: " وحِّد " قُلبت الواو همزةً، أمرٌ من وحد يُوحد توحيدًا , والمعنى: أشِرْ بإصبع واحدة , فإن الذي تدعُوه واحدٌ، وكان سعد يُشيرُ بإصبعيْه، فأمر [هـ] ، رسولُ الله أن يُشير بالسّبابة. وأخرجه الترمذي، والنسائي من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة بنحوه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
* * *
345- بابُ: التّسْبِيح بالحصى
أي: هذا باب في بيان التّسْبيح بالحصى، جمع حصاة، وفي غالب النسخ: " التّسْبيح بالحصى " بدون لفظ " باب ".
1471- ص- نا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو،
أن سعيد بن أبي هلال حدّثه، عن خُزيمة، عن عائشة بنت سعْد بن أبي وقاص، عن أبيها، أنه دخل مع رسول الله- عليه السلام- على امرأة وبين يديْها نوىً أو حصًى تُسبحُ به فقال: ((أخبرُك بما هو أيسرُ عليك منً هذا أو أفضلُ؟ " فقال: " سبحان الله عدد ما خلق ففي السماء، وسُبحان الله عدد ما خلق في الأرضِ، وسبحان الله عدد ما بين ذلك (2) ، وسبحان اللهِ
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: النهي عن الإشارة بإصبعين وبأي إصبع يشير (3/ 38) .
(2) في سنن أبي داود: " عدد ما خلق بين ذلك ".(5/410)
عدد ما هو خالق، والله أكبرُ مثلُ ذلك، والحمدُ لله مثلُ ذلك، ولا إله إلا اللهُ مثلُ ذلك، ولا حول ولا قوة إلا باللهِ مثلُ ذلك) (1) .
ش- عمْرو: ابن الحارث. وخُزيمة: قال الذهبي: لا يُعرفُ عن
عائشة بنت سعْد، تفرد عنه (2) : سعيدُ بن [أبي] ، هلال حديثه في
التسبيح، وقال في " الكمال ": روى له: أبو داود، والترمذي.
وعائشة بنت سعْد بن أبي وقاص: القرشية الزهرية. روت عن:
أبيها. روى عنها: أيوب السختياني، ومالك بن أنس، والحكم بن عيينة وغيرهم. ماتت [سنة] ، سبع عشرة ومائة. روى لها: البخاري،
وأبو داود.
قوله: " عدد ما خلق " أي: كعدد ما خلق، فلما حذف حرف التشبيه
انتصب لفظ " عدد " على نزع الخافض، وكلمة " ما " في "ما خلق"
يجوز أن تكون موصولة، ويجوز مصْدرية. والمعنى: مبلغ عدد الذي
خلقه، أو مبلغ عدد خلقه في السماء، وكذلك التقدير في البواقي.
قوله: " عدد ما بين ذلك " أي: مبلغ عدد ما بين السموات والأرض من
المخلوقات.
قوله: " عدد ما هو خالق " أي: مبلغ عدد الشيء الذي الله خالقُه في
الحال أو المستقبل.
قوله: " والله كبر مثل ذلك " أي: مثل " سبحان الله عدد ما خلق في
السماء " إلى آخره، وكذلك تقدير/ البواقي، والمراد من هذا المبالغة في الكثرة , لا أن يكون تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله مثل عدد ما خلق في السماء أو مثل عدد ما خلق في الأرض , بل أكثر من ذلك بحيث أن لا
يحصى ولا يُعدُّ، وقد مر الكلام في " لا حول ولا قوة إلا بالله ".
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتعوذه دبر كل صلاة (3568) ، النسائي في " عمل اليوم والليلة".
(2) في الأصل: " عنها " خطأ.(5/411)
واِلحديث أخرجه: النسائي، والترمذي، وقال: حسن غريب من حديث سعد.
1472- ص- نا مسدد: نا عبد الله بن داود، عن هانئ بن عثمان، عن حُميْضة بنت ياسِر، عن يُسيْرة أخبرتها، أن النبيّ- عليه السلام- أمرهُن أن يراعين بالتكبير والتقديسِ والتهليلِ، وأن يعْقِدْن بالأنامِلِ، فإنهن مسئُولاتٌ مُستنْطقات (1)
ش- عبد الله بن داود: الخُريبي البصري. وهانئ بن عثمان: الجُهني
أبو عثمان الكوفي. روى عن: أمه: حُميضة بنت ياسرٍ. روى عنه: محمد بن بشر، وعبد الله بن داود، ومحمد بن ربيعة. روى له: أبو داود، والترمذي.
وحميضة بنت ياسر: روت عن: جدتها: يُسيرة. روى عنها: ابنها: هانئ بن عثمان. روى لها: أبو داود، والترمذي.
ويُسيْرة- بضم الياء آخر الحروف، وبعدها السين المهملة المفتوحة، وبعدها ياء- أيضا- ساكنة وراء وتاء تأنيث- بنت ياسر الأنصارية تكنى أم ياسر، وقيل: أم حميضة، لها صحبة، وقيل: كانت من المهاجرات. روى لها: أبو داود، والترمذي.
قوله: " بالأنامل " جمع أنملة- بضم الميم- وهي رءوس الأصابع. وبالحديث استدل أبو يوسف ومحمد أن عد آي القرآن والتسبيح لا يكره في الصلاة , وهو قول الشافعي، ومالك، واحمد. واهما الغمزُ برءوس الأصابع أو الحفظ بالقلب: لا يكره اتفاقا، وقيل: الخلاف في المكتوبة، ولا خلاف في التطوع أنه لا يكره، وقيل بالعكس. وأما خارج الصلاة: فلا يكره اتفاقا. والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: حديث غريب , إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان.
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في فضل التسبيح والتهليل والتقديس (3583) .(5/412)
1473- ص- نا عبيد الله بن عُمر بن ميْسرة، ومحمد بن قدامة في آخرين قالوا: نا عثامٌ، عن الأعمش، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله- عليه السلام- يعْقدُ التسْبيح. قال ابن قدامة: بيمِينِه (1) .
ش- قد مضى هذا الحديث في الباب السابق بعيْنه، وقد قلنا هناك: إن محله هاهنا.
1474- ص- نا داود بن أمية: نا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كُريب، عن ابن عباس قال: خرج رسولُ اللهِ- عليه السلام- من عند جُويرِية- وكان أسمُها: برّة، فحوّل اسمها- فخرج وهي في مُصلاّها، ورجع وهي في مُصلاّها فقال: " لم تزالي في مُصلاّك هذا؟ " قالت: نعم، قال: " قد قلتُ بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتِ، لو وُزِنتْ بما قلتِ لوزنتْهُن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورِضى نفسِه، وزِنة عرشِه، ومداد كلماتِهِ " (2) .
ش- محمد بن عبد الرحمن: ابن عُبيد مولى آل طلحة بن عبيد الله القرشي الكوفي. سمع: السائب بن يزيد، وعيسى بن طلحة، وسالم ابن عبد الله، وكُريب بن أبي مسلم. روى عنه: مسْعر، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري.
وجويرة (3) : أم المؤمنين بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، سباها رسول الله- عليه السلام- يوم المُريْسِيع، وهي غزوة المُصطلق في السنة الخامسة، قاله الواقعي، وقال خليفة: في السادسة، وكان اسمها: برة
__________
(1) تقدم برقم (1465) .
(2) مسلم: كتاب الأدب، باب: استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن (2140) ، النسائي في " عمل اليوم والليلة ".
(3) كذا.(5/413)
فسماها رسول الله جُويرية. روى لها: مسلم حديثين، وكذلك البخاري. روى عنها: ابن عباس، ومولاه: كريب، وعبد الله بن شداد ابن الهاد. توفيت في ربيع الأول سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان بن الحكم. روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " قد قلت بعدك " أي: بعد أن فارقتك وخرجت من عندك.
قوله: " لو وُزنت بما قلت، أي: لو قوبلت الكلمات الأربع التي قلتها ثلاث مرات بما قلت من أول نهارك من الأذكار لساوتهن، من قولهم: هذا يزنُ درهمًا أي " يُعادلهُ، ويُساوِيه، قال الشاعر:
مثل العصافِيرِ أحلاما ومقْدرةً ... لو يُوزنون بوزن الرِيش ما وزنُوا ويحتملُ أن يكون بمعنى الرُّجْحان أي: ربتْ عليهن في الوزن كما تقولُ: حاججتُه فحججتُه أي: غلبته عليه بالحجة، ولو أعاد الضمير إلى " ما " / على ما يقتضيه اللفظ لقال: لوزنتْه , ولكنه ذهب إلى ما يقتضيه المعنى تنبيها على أنها كانت كلمات كثيرة.
قوله: " عدد خلقه " منصوب على المصدر، وكذلك البواقي، والمعنى: سبحته تسبيحًا مبلغ عدد خلقه، ويجوز أن يكون النصب بنزع الخافض , وهو الظاهر.
قوله: " رضى نفسه " أي: ما يقع منه سبحانه موْقع الرضا أو ما يرضاه لنفسه.
قوله: "زنة عرْشه " أي: ما يوازنه في القدر والرزانة، يُقال: هو زنة الجبل أي: حذاءه في الثقل والرزانة.
قوله: " مداد كلماته، المداد مصدر كالمدد، تقول: مددتُ الشيء أمدُه مدا ومدادًا، وقيل: يحتمل أن يكون جمع مُذ , فإنه يجمع على مداد، وعلى هذا يكون المراد من المداد: المكيال والمعْيار، ومعناه: المبالغة في الكثرة، فيكون هذا مجازا , لأن كلمات الله لا تحصى بعد ولا غيره،(5/414)
والمراد: المبالغة في الكثرة , لأنه ذكر أولا ما يحصرُه العدد الكثير من عدد الخلق، ثم زنة العرش، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وعبر عنه بهذا، أي: وما لا يحصيه عد كما لا تُحْصى كلمات الله تعالى. والحديث أخرجه: النسائي، وأخرج منه مسلم تحويل الاسم فقط. وأخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث عبد الله ابن عباس، عن جويرة (1) بنت الحارث بتمامه.
1475- ص- عبد الرحمن بن إبراهيم: نا الوليد بن مسلم: نا الأوزاعي: نا حسّان بن عطية: حدثني محمد بن أبي عائشة: حدثني أبو هريرة قال: قال أبو ذرّ (2) : ذهب أصحابُ الدثورِ بالأجورِ، يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصُومُون كما نصُومُ ولهم فضلُ (3) أموال يتصدقُون بها وليس لنا مال نتصدقُ به: فقال رسول الله- عليه السلام-: " يا أبا ذرّ " ألا أعلِّمُك كلمات تُدرِكُ بهن منْ سبقك، ولا يلحقُك منْ خلفك إلا من أخذ بمثلِ عملك؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: " تُكبرُ الله دُبر كل صلاةٍ ثلاثا وثلاثين، وتحمدُهُ ثلاثا وثلاثين، وتسبِّحُهُ ثلاثا وثلاثين، وتختمُها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير عفِرتْ له ذنوبُه ولو كانتْ مثل زبدِ البحْرِ " (4) .
ش- الدثور: جمع دثر- بفتح الدال- وهو المال الكثير، يُقال: مال دثر، ومالان دثر، وأموال دثر , لا يُثنى ولا يجمعُ.
قوله: " بالأجور " متعلق بقوله: " ذهب ".
قوله: " يصلون " خبر مبتدأ " محذوف، أي: هم يصلون.
قوله: " كما نصلي " أي: كصلاتنا بشرائطها مع الجماعة؛ والمعنى: أنهم شاركونا فيما نعمل من الصلاة والصوم، ولهم مزية علينا بأموالهم
__________
(1) كذا.
(2) في سنن أبي داود: " قال أبو ذر: يا رسول الله ".
(3) في سنن أبي داود: " فضول ".
(4) تفرد به أبو داود.(5/415)
حيث يتصدقون بها. ومنه استدل بعض الناس على تفضيل الغني الشاكر على الفقير الصابر، وفي ذلك اختلاف بين السلف والخلف , والصحيح: أن الفقير الصابر أفضل , لقوله- عليه السلام-: " اللهم أحيني مسكينا، [وأمتني مسكينا] ، واحشرني في زمرة المساكين ".
قوله: " ألا أعلمك " " ألا " كلمة تنبيه يُنبه بها المخاطبُ على أمر عظيم الشأن.
قوله: " منْ سبقك " في محل النصب على المفعولية، ويحتمل أن يراد
به السبق المعنوي في الفضيلة.
قوله: " من خلفك " أي: من بعدك في الفضيلة ممن لا يعمل هذا العمل.
قوله: " دبُر كل صلاة " أي: عقيب كل صلاة، والأعداد تصيرُ مائة
بلا إله إلا الله وحده إلى آخره.
قوله: " كفرت له ذنوبه " يعنى: من قالها غفرت له ذنوبه.
قوله: " ولو كانت مثل زبد البحر " أي: وإن كانت , وهو عطف على محذوف , والتقدير: إن لم تكنْ مثل زبد البحر وإن كانت، وهذا على تقدير أن تفرض أنها أجْسام وأعيان، وقد مر مثل هذا غير مرة. والحديث: قد أخرج مسلم بعضه من حديث أبي الأسود الديلي، عن أبي ذر، وفيه زيادة ونقص.
346- بابُ: ما يقُول الرجل إِذا سلم
أي: هذا باب في بيان ما يقول المصلي بعد فراغه من الصلاة.
1476- ص- نا مسدد نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المُسيب بن رافع، عن وراد مولى المغيرة بن شعبة: كتب معاويةُ إلى المغيرة بن شعبة: أي شيءٍ كان رسولُ اللهِ يقولُ إذا سلّم من الصلاةِ؟ فأمْلاها المغيرةُ عليه،(5/416)
وكتب إلى معاوية قال: كان رسولُ الله يقولُ: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع " أعطيت/ ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفعُ ذا الجد منك الجدُ " (1) .
ش- وراد: الثقفي أبو الورْد الكوفي مولى المغيرة بن شعبة وكاتبه. وقد مر تفسير قوله: " لا ينفع ذا الجد منك الجد" في " باب: ما يقولُ إذا رفع رأسه من الركوع". والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1477- ص- نا محمد بن عيسى: نا ابن علية، عن الحجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير على المنبرِ يقولُ: كان النبي- عليه السلام- إذا انصرف من الصلاة يقولُ:" لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللهُ مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أهل النعمة والفضلِ والثناءِ الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (2) .
ش- إسماعيل: ابن علية، وحجاج بن أبي عثمان: الصواف، وأبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكي.
قولة: "أهل النعمة " بالنصْب على التخصيص، ويجوز النصب على النداء، ويجور الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت أهل النعمة الظاهرة والباطنة والفضل في كل شيء. و" الثناء الحسن ": يشمل أنواع الحمد والمدْح والشكر.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة (844) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة (493 "، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر من القول عند انقضاء الصلاة (3/ 70) .
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته (594) ، النسائي: كتاب افتتاح الصلاة، باب: التهليل بعد التسليم (69/3) .(5/417)
وقوله: " الحسن " من الصفات المادحة , لأن ثناء الله حسن، وان لم يُوصف بالحُسْن.
قوله: " مخلصين " نصب على الحال، والعامل محذوف تقديره: نُهللُ ونوحدُ مُخلِصين له الدين , والمرادُ من الدين: التوحيدُ.
قوله: " ولو كره الكافرون " أي: وإن كره الكافرون، ومفعوله محذوف تقديره: ولو كرهوا كوْننا مخلصين دين اللهِ وكوننا عابِدين.
1478- ص- نا مُحمد بن سُليْمان الأنباري: نا عبْدة، عن هشام بن عروة، عنِ أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير يُهللُ في دُبُر كلِّ صلاة، فذكر نحو هذا الدعاء، زاد فيه: " لا (1) حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، لا نعبُد إلا إياه، له النعمةُ " وساق بقية الحديث (2) .
ش- عبدة: ابن سليمان. وأخرجه: مسلم، والنسائي.
1479- ص-[نا] مسدد، وسليمان بن داود العتكي- وهذا حديث مُسدد- قالا: نا المعتمرُ قال: سمعتُ داود الطُّفاوي: حدثني أبو مسلم البجلي، عن زيد بن أرقم قال: سمعتُ النبي- عليه السلام- وقال سليمان: كان رسولُ الله- يقولُ دبر (3) صلاته: " اللهم ربّنا ورب كلِّ شيء، أنا شهيدٌ أنك أنت الربُّ وحْدك لا شريك لك، اللهمِ ربّنا وربّ كل شيءً، أنا شهيدٌ أن محمد عبْدُك ورسولُك، اللهم ربّنا ورب كلِّ شيء، أنا شهيد أن العباد كلّهُم إِخْوة، اللهم ربنا وربّ كلِّ شيء اجعلني مُخْلصًا لك وأهلِي في كلِّ ساعة في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام اسمعْ واستجبْ، الله كبر الأكبر، اللهم (1) نُور السموات والأرْضِ ". قال
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولا ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته (594) ، النسائي: كتاب السهو، باب: عدد التهليل والذكر بعد التسليم (3/ 70) .
(3) في سنن أبي داود: " يقول في دبر ".
(4) في سنن أبي داود: " الله ".(5/418)
سليمانُ: " رب السموات والأرض، الله أكبر الأكبر، حسبي اللهُ ونعم الوكيلُ، الله أكبر الأكبر " (1) .
ش- المعتمر: ابن سليمان.
وداود الطفاوي: الصائم البصري. روى عن: أبي مسلم البجلي. روى عنه: المعتمر، وجرير بن عبد الحميد. روى له: أبو داود. والطفاوي: في قيس عيلان (2) نُسبوا إلى أمهم: طُفاوة بنت حزم بن ريان , وهو بضم الطاء المهملة وبعدها فاء، وبعد الألف واو مفتوحة وتاء تأنيث، وفي الرواة: طُفاوي كان ينزل الطفاوة وهي موضع بالبصرة، ويحتملُ أن يكون بنو طُفاوة نزلوا هذا الموضع فسمي بهم كما وقع هذا في مواقع كثيرة بالعراق ومصر وغيرهما.
وأبو مسلم: ذكره في "الكمال" في باب الكنى ولم يذكر له اسمًا فقال: روى عن: زيد بن أرقم. وروى عنه: داود الطفاوي. روى له: أبو داود.
قوله: " دبر كل صلاته" وفي بعض النسخ: " في دبر صلاته ".
قوله: " ربّنا " نصب على النداء.
قوله: " أنا شهيد " فعيل بمعنى فاعل , وأصل الشهادة: الإخبار بما شاهدهُ وشهِده. وقالت الفقهاء: الشهادة إخبار عن يقين وعيان لا عن تخمينِ وحُسْبان.
قوله: " اللهم نور السموات " أي: يا نُور السموات بمعنى منورهما، وقد مر تحقيق الكلام في معنى النور.
قوله: " قال سليمان " أي: قال سليمان بن داود شيخ أبي داود في روايته. والحديث فيه مقال بسبب داود الطفاوي. قال يحيى بن معين: ليس
__________
(1) النسائي: في عمل اليوم والليلة عن محمد بن عبد الأعلى، عن المعتمر نحوه.
(2) في الأصل: " غيلان".(5/419)
بشيء. وأخرجه النسائي. وقال الدارقطني: تفرّد به: معتمر بن
سليِّماًن، عن داود الطُّفاوي، عن أبي مسلم البجلي، عن زيد بن أرقم. 1480- ص- نا ابن معاذ: نا أبي: نا عبد العزيز/ بن أبي سلمة، عن عمه: الماجشون بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن الأعْرج، عن عُبيد الله بن
أبي رافع، عن علي بن أبي طالب قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا
سلّم من الصلاة قال: " اللهم اغفرْ لي ما قدّمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسْرفتُ وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدِّمُ والمؤخرُ (1) ، لا إله إلا (2) أنت " (3) .
ش- عبيد الله: ابن معاذ، وأبوه: معاذ بن معاذ بن حسان، والماجشون: يعقوب بن أبي سلمة المدني، وعبيد الله بن أبي رافع: أسْلم
ويقال: إبراهيم مولى النبي- عليه السلام-.
قوله: " وما أسرفتُ " أي: وما كثرت من الذنوب والخطايا، واقتراف
الأوزار والآثام.
قوله: " أنت المقدم والمؤخر " معنى التقديم والتأخير فيهما، هو تنزيل
الأشياء منازلها، وترتيبها في التكوين والتفضيل وغير ذلك على ما تقتضيه الحكمة، وهذا تعليم منه عليه السلام- لأمته. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
1481- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن عمْرو بن مُرة، عن
عبد الله بن الحارث، عن طليق بن قيس، عن ابن عباس قال: كان النبي
- عليه السلام- يدْعُو: " ربِّ أعني ولا تُعِنْ علي، وانصُرْني ولا تنْصرْ
عليّ، وامكُر لي ولا تمكرْ عليّ، واهْدِني ويسِّرْ هُداي إليّ، وانصرْني على
__________
(1) في سنن أبي داود: " وأنت المؤخر".
(2) مكررة في الأصل.
(3) " الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل (3421) .(5/420)
منْ بغى علي، رب اجْعلني (1) لك شاكرا، لك ذاكرا لك رهابا (2) ، لك مِطواعا، إليك مُخْبِتا أو منيبا، رب تقبلْ توْبتي، واغسلْ حوْبتي، وأجبْ دعْوتي، وثبتْ حُجتِي، وأهد قلبي، وسدِّدْ لِسانِي واسْلُلْ سخِيمة قلبِي " (3) . ش- سفيان: الثوري.
وعبد الله بن الحارث: النجراني الزبيدي المكتب الكوفي. روى عن: جندب بن عبد الله البجلي، وعبد الله بن عمرو، وطليق بن قيس وغيرهم. روى عنه: عمرو بن مُرة الجملي، وحُميد الأعرج الكوفي، قال ابن معين: هو ثبت. روى له: مسلم، والترمذي.
وطليق بيت قيس: الحنفي الكوفي، أخو أبي صالح عبد الرحمن بن قيس. روى عن: عبد الله بن عباس، وأبي ذر، وأبي الدرداء. روى عنه: أخوه: عبد الرحمن، وعبد الله بن الحارث، قال أبو زرعة: كوفي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " وامكر لي " قال الأزهري: المكر من الخلائق خبّ وخداع، ومن الله عز وجل مجازاة للماكر، ويجوز أن يكون استدراجه إياه من حيث لا يعلمون مكره. وقال غيره: " امكر لي ولا تمكر علي " مكر الله: إيقاعُ بلائه بأعدائه دون أوليائه، وقيل: هو استدراج العبد بالطاعات، فيتوهم أنها مقبولة له وهي مردودة , المعنى: ألحق مكرك بأعدائي لا بِي. قوله: "على منْ بغى " من البغْي؛ وهو العُدوان والظلم.
قوله: " رهابا" فغال مبالغة راهب من رهِب- بكسر الهاء- إذا خاف، والرهبة: الخوف، والمطول: مفعال من صيغ المبالغة أي: كثير الطوع، كما يقال: مِسْقام لكثير السقم.
__________
(1) في سنن أبي داود: " اللهم اجعلني ".
(2) في سنن أبي داود: " راهبا ".
(3) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3551) ، النسائي في " عمل اليوم والليلة "، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: دعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3830) .(5/421)
قوله: " مخبتا " من الإخْبات؛ وهو الخشوع والتواضع. والمُنيب من
أناب إلى الله، أقْبل وتاب.
قوله: " حوْبتي " الحوبة- بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الواو- الإثم
والخطيئة. وقال ابن عرفة: إنما يقال: حُوب وحوب وحوبة: الإثم.
قوله: " واسلُلْ "- بلاميْن- أي: أخرج، ومنه: حديث عائشة:
"فانسللْتُ من بين يديْه " أي: خرجت بتأن وتدْريج. والسخيمة- بفتح
السن المهملة، وكسر الخاء المعجمة، وسكون الياء آخر الحروف،
وبعدها ميم مفتوحة وتاء تأنيث- الحقْدُ في النفسِ. والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حسن صحيح.
1482- ص- نا مسدد: نا يحيي، عن سفيان قال: سمعت عمرو بن
مُرة بإسناده ومعناه قال: " ويسِّرْ الهدى إلي " ولم يقُلْ: " هُداي " (1) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري.
1483- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن عاصم الأحول،
وخالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة، أن النبي- عليه
السلام- كان إذا سلم قال: " اللهم أنْت السلامُ، ومنك السلامُ، تباركت ذا الجلالِ والإكرام (2) " (3) .
ش- السلام: اسم من أسماء الله تعالى، معناه: سلامته مما يلحق
الخلق من العيب والفناء والنقص، وقيل: سلِم الخلقُ من ظلمه , بمعنى:
انه لا يتصفُ بالظلم، وقيل: مُسلِم عباده من الهلاك/ وقيل: مُسلم
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: " يا ذا الجلال والإكرام ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته (136/ 592) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا سلم من الصلاة (298) ، النسائي (3/69) ، كتاب السهو، باب: الذكر بعد الاستغفار (1338) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقال بعد التسليم (924) .(5/422)
المؤمنين من العذاب، وقيل: المسلم على مصطفى عباده بقوله " وسلامٌ على عباده الذين اصْطفى " و (1) وقيل: المسلم على المؤمنين في الجنة لقوله (سلام قولا مِّن رب رحِيم) (2) وقيل: لطول بقائه.
قوله: " تباركت" أي: استحققت الثناء، وقيل: ثبت الخير عندك. وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك.
قوله: " ذا الجلال " أي: يا ذا الجلال، أي: العظمة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: سمع سفيان من عمرو بن مرة، قالوا: ثمانية عشر حديثًا.
ش- أي: سمع سفيان الثوري من عمرو بن مرة بن عبد الله المرادي الجملي الكوفي، قال ابن عيينة: قلت لسفيان: من أفضلُ من أدركت؟ قال: ما كان أفضل من عمرو بن مرة.
1484- ص- نا إبراهيم بن موسى: أنا عيسى، عن الأوزاعي، عن أبي عمار، عن أبي أسْماء، عن ثوبان مولى رسولِ اللهِ- عليه السلام-، أن النبي- عليه السلام- كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مراتٍ ثم قال: " اللهم " فذكر معنى حديث عائشة- رضي الله عنها- (3) . ش- عيسى: ابن يونس، وعبد الرحمن: الأوزاعي. وأبو عمار: شداد بن عبد الله الدمشقي القرشي مولى معاوية بن أبي سفيان. سمع: أبا أمامة الباهلي. وروى عن: أنس بن مالك، وأبي هريرة، وعوف بن مالك، وشداد بن أوْس، وأبي السماء الرحبي، وعطاء بن أبي رباح.
__________
(1) سورة النمل: (59) .
(2) سورة يس: (58) .
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته (135/ 591) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا سلم من الصلاة (300) ، النسائي: (3/ 68) كتاب السهو، باب: الاستغفار بعد التسليم (1336) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقال بعد التسليم (928) .(5/423)
روى عنه: يحمى بن أبي كثير، والأوزاعي، وعوف الأعرابي وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة. وأبو أسماء: عمرو بن مرثد الشامي الرحبي الدمشقي. سمع: ثوبان مولى النبي- عليه السلام-، وأبا هريرة، وشداد بن أوس، وأوس بن أوس وغيرهم. روى عنه: أبو قلابة الجرمي، وأبو عمار، وأبو الأشعث الصنعاني، قال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. والرحبي: نسْبةٌ إلى رحبة دمشق، قرية من قراها بينهما ميلٌ. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " فذكر معنى حديث عائشة " وهو الذي رواه عبد الله بن الحارث، عن عائشة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
347- باب: فِي الاسْتغْفارِ
أي: هذا باب في بيان الاستغفار؛ وهو طلب المغفرة من الله تعالى. 1485- ص- نا النفيلي: نا مخْلدُ بن يزيد قال: حدثنا عثمان بن واقد العمري، عن أبي نُصيرة، عن مولى لأبي بكر الصد يق، عن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: " ما أصر من استغفر وإنْ عاد في اليوم سبْعين مرة " (1) .
ش- عبد الله بن محمد: الطفيلي، ومخلد بن يزيد: الجاري الحراني. وعثمان بن واقد: ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي. روى عن: أبيه، ونافع مولى ابن عمر، وأبى نُصيرة. روى عنه: المسْعودي، لهذيل بن بلال، وزيد بن الذُباب، قاله أحمد: لا أرى به بأسا، وقال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي.
__________
(1) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، باب (107) رقم (3559) .(5/424)
وأبو نُصيرة- بضم النون، وفتح الصاد المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء وتاء تأنيث- وقال في " الكمال ": أبو نصيرة مولى أبي بكر الصديق، ويقال: أبو نصير، عن: مولى لأبي بكر. روى عنه: عثمان بن واقد (1) البصري العمري، قال أحمد بن حنبل: أبو نصيرة واسطي ثقة. روى عنه: هشيم ويزيد، وقال ابن معين: أبو نُصير: مسلم بن عبيد صالح، وقال ابن أبي حاتم: مسلم بن عُبيد أبو نُصيرْ الواسطي. روى عن: أنس بن مالك، وأبو عسِيب، وعن: مولى لأبي بكر، وأبي رجاء العطاردي. روى عنه: حشرج بن نباتة، والضحاك بن حُمرة وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي.
قوله: " وإن عاد " أي: إلى ذنبه، والمراد منه: الحث والتحريض على الاستغفار وأن لا يتقاعد عنه , وليس المراد منه: أنه يُذنبُ- بناء على انه يستغفر، ثم يذنب كذلك , لأن مثل هذا اجتراء وإقدام على الذنوب، واغترار بكرم الله تعالى، وأمن من مكره وعقابه. والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه (2) من حديث أبي نُصيْرة, وليْس إسناده بالقوي.
486 - ص- نا سليمان بن حرب، ومسدد قالا: نا حماد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر المزني- قال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة- قال: قال. رسول الله: " إنه ليغانُ على قلبي، وإني لاستغفرُ الله في كل يوم مائة مرة " (3) .
ش- حماد: ابن سلمة/، وثابت: البناني، وأبو بُردة: ابن أبي موسى الأشعري. والأغرّ: ابن يسار المُزني، ويقال: الجُهني. روى عنه: عبد الله بن عمر، وأبو بُردة. روى له: مسلم حديثا، وأبو داود، والنسائي.
__________
(1) في الأصل: " مرقد " خطأ.
(2) قوله: " إنما نعرفه" مكررة في الأصل.
(3) أخرجه , مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه 41- (2702) .(5/425)
قوله: " وقال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة " أي: للأغر صحبة. قوله: " إنه " أي: إن الشأن " ليُغانُ ". قال الخطابي: أصله من الغين , وهو الغطاء وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين , ولذلك قيل للغيم غين.
وقال غيره: يُغان: يلبس ويُغطي، قيل ذلك بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده حتى كان يستغفر لها، وقيل: إنه لما شغله من النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرى انه قد شغل بذلك، وان كان في أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه، وأشرف درجة، وفراغه لتفرده بربّه وصفاء وقته، وخلوص همه من كل شيء سواه، وأن ذلك غض من حالته هذه العلية، فيستغفر الله لذلك. وقيل: هو مأخوذ من الغين والغيم , وهو السحاب الرقيق الذي يغشى السماء، فكأن هذا الشغل والهم يغْشى قلبه ويغطيه عن غيره حتى يسْتغفر الله منه. وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التي يغشى (1) قلبه , لقوله: " فأنزل اللهُ سكينتهُ عليْه " (2) واستغفاره لها: إظهار للعبودية والافتقار. ويحتمل أن تكون حالة خشية وإعظام يغشى القلب، واستغفاره شكر لله، وملازمة للعبودية، كما قال: " أفلا أكون عبدا شكوراً ". وقيل: كان يترقى من حال إلى حال، فتصير الحالة الأولى بالإضافة إلى الثانية في التقصير كالذنب، فيقع الاستغفار لما يبدو له من عظمة الرب، ويتلاشى الحال بما يتجدد من الثانية.
وقال ابن الأثير: وقيل: الغين شجر مُلتف، أراد ما يغشاه من السهْو الذي لا يخلو منه البشرُ، لأن قلبه أبدًا كان مشغولا بالله تعالى، فإن عرض له- وقتا ما- عارض بشرِي يُشغله من أمور الأمة والملّة ومصالحهما، عن ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيفزع إلى الاستغفار. والحديث أخرجه: مسلم.
__________
(1) كذا.
(2) سورة التوبة: (40) .(5/426)
1487- ص- نا الحسن بن علي: نا أبو أسامة، عن مالك بن مِغول، عن محمد بن سُوقة، عن نافع، عن ابن عمر قال: إن كُنا لنعدُّ لرسول الله - عليه السلام- في المجلس الواحدِ مائة مرة: " رب اغفِرْ لي وتُبْ عليًّ، إنك [أنت] التواب الرحيم " (1) .
ش- أبو أسامة: حماد بن أسامة.
ومحمد بن سُوقة- بضم السن المهملة، وفتح القاف- أبو بكر الغنوي الكوفي، رأى أنس بن مالك. وسمع: محمد بن المنكدر، ونافعا مولى ابن عمر، ونافع بن جبير وغيرهم. روى عنه: مالك بن مغول، وسفيان الثوري، وابن عيينة وغيرهم، وقال أحمد بن عبد الله: ثبتٌ. روى له الجماعة.
قوله: " إن كنا " " إن " مخففة من الثقيلة أي: إنه كنا. وفيه: استحباب كثرة الاستغفار , وذلك لأنه- عليه السلام- مع كونه مغفورا [له] قطعا، كان يسْتغفر في المجلس الواحد مائة مرة، فغيره الذي هو غريق في الذنوب بالأوْلى والأحرى أن يكثر الاستغفار، على أنه- عليه السلام- كان فعله ذلك تعليمًا لأمته، وإرشادا لهم إلى طريق الاستغفار. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
1488- ص- نا موسى بن إسماعيل: حدثني حفصُ بن عمر الشنيُّ: حدثني أبي: عُمر بن مرة قال: سمعتُ هلال بن يسار بن زيد مولى النبي - عليه السلام- قال: سمعتُ أبي يُحدّثنيه عن جدي، أنه سمع النبي- عليه السلام - يقولُ: " منْ قال: أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ وأتوب إليه، غُفِر له وإن كان فرّ (2) من الزّحْفِ " (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما يقول إذا قام من المجلس (3433) ، النسائي في " عمل اليوم والليلة "، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: الاستغفار (3814) .
(2) في سنن أبي داود: "وإن كان قد فر".
(3) أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، باب: في دعاء الضيف (3577)(5/427)
ش- حفصُ بن عُمر: ابن مرة الشني البصري. سمع: أباه. روى عنه: موسى بن إسماعيل. روى له: أبو داود، والترمذي.
وأبوه: عُمر بن مُرة الشني البصري. روى عن: هلال بن يسار بن زيد مولى النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابنه: حرص. روى له: أبو داود، والترمذي.
والشنّي: نسْبة إلى شنٍّ قبيلة، وقال الجوهري: وشن حي من عبد القيس , وهو شن بن أفصى بن عبد الريس بن أفصي بن دُعمت بن جُديلة بن أسد بن (1) ربيعة بن نِزار.
وهلال بن يسار بن زيد: أبو عقال مولى النبي- عليه السلام-. روى عن: أبيه، عن جده، وعن: أنس بن مالك/. روى عنه: عمر بن محمد العُمري، وإبراهيم بن سُويْد، وعمر بن مُرّة الشني، قال البخاريّ: في حديثه مناكير، وقال أبو حاتم: منكر الحديث. روى له: أبو داود، وابن ماجه.
واعلم أنه وقع في كتاب أبي داود: هلال بن يسار بن زيد، عن أبيه، عن جدّه- بالهاء. ووقع في كتاب الترمذي وغيره وفي بعض بنسخ سنن أبي داود- أيضا-: بلال بن يسار- بالباء الموحدة- وقد أشار الناس إلى الخلاف فيه، وذكره البغوي في " معجم الصحابة " بالباء وقال: ولا أعلم لزيد مولى رسول الله غير هذا الحديث، وذكر أن كنيته أبو يسار - بالياء آخر الحروف وسين مهملة- وأنه سكن المدينة، وذكره البخاري في "تاريخه الكبير"- أيضا- بالباء، وذكر أن بلالا سمع من أبيه: يسار، وأن يسارًا سمع من أبيه: زيْدٍ. وذكره في " الكمال " أوّلا- فيه كتاب الباء فقال: بلال بن يسار بن زيد مولى النبي- عليه السلام-. روى عن أبيه، عن علىّ، ثم ذكره- أيضا- في كتاب الهاء فقال: هلال بن يسار ابن زيد، على ما ذكرناه.
وأبوه: يسار بن زيد. روى عن: أبيه. روى عنه: ابنه: بلال أو هلال. روى له: أبو داود، والترمذي.
__________
(1) مكررة في الأصل.(5/428)
وجده: زيد أبو يسار مولى النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابنه: يسار. روى له: أبو داود، والترمذي.
قوله: " وإن كان فر من الزحف " أي: من الجهاد ولقاء العدو في الحرْب , والزحف: الجيش يزحُفون إلى العدو. أي: يمشون، يُقال: زحف إليه زحفا إذا مشى نحوه. وقد عُد الفرار من الزحف من الكبائر , فإذا غفر لصاحب الكبيرة بقوْلِ هذا الدعاء فلصاحب الصغيرة أولى وأجدر. والحديث: رواه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
1489- ص- نا هشام بن عمار: نا الوليد بن مسلم: نا الحكم بن مُصعب: نا محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، أنه حدثه عن ابنْ عباس، أنه حدثه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لزِم الاستغفار جعل الله له من كل ضِيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيثُ لا يحتسِبُ " (1) .
ش- الحكم بن مصعب: القرشي الدمشقي. روى عن: محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. روى عنه: الوليد بن مسلم، قال أبو حاتم: لا أعلم روى عنه غيره. قال الحافظ: ولا أعرف له سوى حديث الاستغفار. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه، وقال في " مختصر السنن ": وفي إسناده الحكم بن مصعب، ولا يحتج به.
1490- ص- نا مسدد: نا عبد الوارث ح ونا زياد بن أيوب: نا إسماعيل- المعنى-، عن عبد العزيز بن صهيب قال: سأل قتادةُ أنسا: أي دعْوة كان النبي- عليه السلام- يدْعو بها (2) ؟ قالي: كان أكثر دعوة يدْعو بها: " اللهم (3) آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقِنا عذاب
__________
(1) النسائي في "عمل اليوم والليلة"، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: الاستغفار (3819) .
(2) في سنن أبي داود: "يدعو بها أكثر".
(3) في سنن أبي داود: "اللهم ربنا".(5/429)
النار ". وزاد زيادٌ: وكان أنس " إذا أراد أن يدْعُو بدعوة دعى بها، وإذا أراد أن يدْعُو بدعاء دعى بها فيها (1) .
ش- عبد الوارث: ابن سعيد، وإسماعيل: ابن عليةْ.
قوله: "آتنا في الدنيا حسنةً " أي: أعطنا في الدنيا نعمة، وقال قتادة: عافيةً، وقال الثوري: حسنة الدنيا: العلم والعبادة، وحُسنُ الآخرة: العفو والمغفرة، وقال الحسن: آتنا في الدنيا: عبادةً، وفي الآخرة: جنة، وقال السدي: المال والجنّة، وقال عطاء: القناعة والرضا، وقيل: ثناء الخلق ورضا الخالق، وقيل: الإيمان والأمان، وقيل: الإخْلاص والخلاص، وقيل: السنة والجنة، وقال علي- رضي الله عنه-: المرأة الصالحة، والحور العين، والعذاب: هو المرأة السوء.
قوله: " وزاد زياد" أي: زاد زياد بن أيوب في روايته: " وكان أنس ابن مالك- رضي الله عنه- إذا أراد أن يدعو بدعوة دعى بها " أي: بهذه (2) الدعاء، وإذا أراد أن يدعو بدعاء غير ذلك كان يدعو بها، أي بهذه (2) الدعاء فيها أي: في دعائه التي غير هذه الدعاء. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه.
1491- ص- نا يزيد بن خالد الرملي: نا ابن وهب: نا عبد الرحمن ابن شريح، عن أبي أسامة بن سهل بن حُنيف، عن أبيه قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " منْ سأل الله الشهادة بِصدق (3) بلغهُ اللهُ/ منازل الشهُّداءِ، وإن مات على فِراشِهِ " (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الدعاء، باب: قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربنا آتنا في الدنيا حسنة (4/ 73) ، مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة 26- (2690) .
(2) كذا.
(3) في سنن أبي داود: " صادقا ".
(4) مسلم: كتاب الإمارة، باب: ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو (157/1909) ، الترمذي: كتاب فضائل الجهاد، باب: ما جاء فيمن سأل الشهادة (53 6 1) ، النسائي (6/ 37) كتاب الجهاد، باب: مسألة الشهادة (2/ 316) ، ابن ماجه: كتاب الجهاد، باب: القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى (2797) .(5/430)
ش- عبد الله: ابن وهب.
وعبد الرحمن بن شريح: ابن عبيد الله بن محمود الإسكندراني المصري، أبو شريح المعافري. روى عن: يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث، وسهْل بن أبي أمامة وغيرهم. روى عنه: ابن وهب، وابن المبارك، وعبد الله بن صالح وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به. توفي بالإسكندرية سنة سبع وستين ومائة. روى له الجماعة.
وأبو أمامة بن سهْل بن حُنيْف: الأنصاري. والمحفوظ في هذا الإسناد عن ابن وهب , عن عبد الرحمن بن شريح، عن ابن أبي أمامة بن سهْل، عن أبيه، عن جده، وهكذا في " مُوطأ ابن وهب " وذكره كذلك مسلم بن الحجاج، وأبو عبد الرحمن النسائي، عن شيوخه، عن ابن وهب. وقال في " الكمال ": سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني. سمع: أباه، وأنس بن مالك. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وأبو شريح: عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، وعبد الرحمن بن سعيد المري (1) ، قال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " بصدق " أي: بإخلاصِ وحُسْن ظن. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1492- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن عليّ بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقولُ: كنتُ رجلاً إذا سمعتُ من رسول الله- عليه السلام- حديثًا نفعني اللهُ منه بها شاء أن ينْفعني، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحْلفته، فإذا حلف لي
__________
(1) كذا وفي تهذيب الكمال (12/ 172) " عبد الرحمن بن سعد المدني" وقال محققه: " وقع في حواشي النسخ من تعقيبات المؤلف على صاحب "الكمال". قوله: " كان فيه عبد الرحمن بن سعيد المري، وهو وهم".(5/431)
صدقته قال: حدّثني أبو بكر- وصدق أبو بكر- أنه قال: سمعتُ رسول الله- عليه السلام- يقولُ: " ما مِن عبد يُذنبُ ذنبًا فيُحسن الطهُور، ثم يقومُ فيُصلِي ركعتين، ثم يسْتغفرُ الله، إلا غفر اللهُ له، ثم قرأ هذه الآية " والذين إذا فعلُوا فاحشةً أوْ ظلمُوا أنفُسهُمْ ذكرُوا (1) الله فاسْتغْفرُوا لذنُوبِهِمْ (2) " إلى آخرِ (3) الآية (4) ".
ش- أبو عوانة: الوضاح، وعثمان بن المغيرة: هو عثمان الأعشى , وقد ذكر.
وعلي بن ربيعة: الوالبي الأسدي أبو المغيرة الكوفي. روى عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة، وأسماء بن الحكم الفزاري. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وعثمان بن المغيرة، ومحمد بن قيس الأسدي، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. ْ وأسماء بن الحكم الفزاري: أبو حسان الكوفي. روى عن: علي بن أبي طالب. روى عنه: علي بن ربيعة، قال البخاري: يعد في الكوفيين، قال أحمد بن عبد الله: هو (5) كوفي تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " من أصحابه " أي: من أصحاب النبي- عليه السلام-.
قوله: " وصدق أبو بكر " جملة حالية، وفيه تعظيم علي لأبي بكر. قوله: " فيحُسِن الطهور "- بضم الطاء- إلي: الوُضوء. وفيه:
__________
(1) في الأصل: " وذكروا ".
(2) " فاستغفروا لذنوبهم " غير موجود في سنن أبي داود.
(3) سورة آل عمران: (135) .
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة عند التوبة (406) ، وكتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة آل عمران (3006) ، النسائي (الكبرى) : كتاب التفسير، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في أن الصلاة كفارة (1395) .
(5) مكررة في الأصل.(5/432)
فضل الوضوء والصلاة والاستغفار. وفيه فائدة أخرى: وهي جواز استحلاف المُخبر بشيءٍ. وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ لا نعْرفه إلا من هذا الوجه، وذكر أن
بعضهم رواه فوقفه.
493،- ص- نا عُبيدُ الله بن عمر بن ميْسرة: نا عبدُ الله بن يزيد المُقْرئ:
حدثني حيوةُ بن شريح: حدثني عُقبة بن مُسلم يقولُ: حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله- عليه السلام- أخذ بيده وقال: " يا معاذُ " واللهِ إني لأحبك (1) " فقال: " أوصيك يا مُعاذُ لا تدعن في دُبرِ كل صلاةٍ تقولُ , اللهمّ أعنِّي على ذِكرِكً وشُكرِك وحُسْنِ عبادتِك ". وأوْصى بذلك معاذ الصنابحي، وأوْصى به الصُنابحيُ أبا عبد الرحمن (2) .
ش- عُقبة بن مسلم: التُجيبي المصْري. وأبو عبد الرحمن: اسمه:
عبد الله بن يزيد الحُبُلي- بضم الحاء المهملة والباء الموحدة- وقد ذكر
مرةً. والصُنابحي: هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عُسيْلة , وقد ذكر، الصنابحي: نسْبة إلى صُنابح بن زاهر، بطنٌ من مراد.
قوله: " تقول " في محل النصب على المفعولية، وأصله: أن تقول بأن
المصدرية , والتقديرُ: لا تدعنّ قولك: " اللهم اعني " إلى آخره. وفيه:
استحباب قول الرجل لمن يُحبه: إني أحبك، وجواز/ الحلِف على ذلك، واستحباب الوصية بالخير، واستحباب المواظبة على الدعاء المذكور
عقيب كل صلاةٍ. والحديث: أخرجه النسائي، ولم يذكر الوصية.
1494- ص- نا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب، عن الليث بن
سعْد، أن حُنين بن أبي حكيم حدثه، عن عُليِّ بن رباح اللخمي، عن عقبة
__________
(1) قوله: " والله إني لأحبك " جاء في سنن أبي داود مكررا.
(2) النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر من الدعاء (3/ 53) .
28 * شرح سنن أبي داوود(5/433)
ابن عامر قال: أمرنِي رسولُ الله- عليه السلام- أن أقْرأ بالمعوذات دبر كل صلاة (1) .
ش- حُنين بن أبي حكيم: القرشي الأموي المصري، مولى سهل بن عبد العزيز أخي عمر بن عبد العزيز. روى عن: عُلي بن رباح، ونافع مولى ابن عمر، وعطاء بن أبي رباح وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعْد، وابن لهيعة، وسعيد بن أبي هلال، قال ابن عدي: ولا أعلم يروي عنه غير ابن لهيعة، ولا أدري البلاء منه أو من ابن لهيعة؟ إلا أن أحاديث ابن لهيعة عن حنين غير محفوظة. روى له: أبو داود، والنسائي.
قوله: " بالمعوذات " أراد بها سورة الفلق وسورة الناس؛ وإنما جمعها باعتبار أن ما يُستعاذ منه فيهما كثير، فافهم. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث غريب.
1495- ص- نا أحمد بن علي بن سُويد السّدُوسي: نا أبو داود، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، أن رسول اللهِ- عليه السلام- كان يُعجِبُهُ أن يدعو ثلاثا، ويسْتغفر ثلاثا (2) .
ش- أبو داود: الطيالسي سليمان بن داود، وإسرائيل: ابن يونس، وأبو إسحاق: السبيعي، وعبد الله: ابن مسعود. والحديث أخرجه: النسائي.
1496- ص- نا مسدد: نا عبد الله بن داود، عن عبد العزيز بن عُمر، عن هلال، عن عمر بن عبد العزيز، عن ابن جعْفر، عن أسماء بنت عُميس
__________
(1) الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: ما جاء في المعوذتين (2903) ، النسائي: كتاب السهو، باب , الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة (3/ 68) .
(2) النسائي: في عمل اليوم والليلة (148) .(5/434)
قالت: قال لي رسولُ الله- عليه السلام-: " ألا أعلِّمُك كلمات تقُولِهِن (1) عنْد الكربِ، أو في الكربِ: اللهُ اللهُ ربِّي، لا أشرك به شيئًا " (2) .
ش- عبد الله بن داود: الخُريْبي البصْري.
وعبد العزيز بن عمر: ابن عبد العزيز بن مروان، أبو محمد القرشي الأموي المدني، أخو عبد الملك، وعاصم وآدم، وإبراهيم. سمع: أباه، وقزعة بن يحيى، ونافعا مولى ابن عمر وغيرهم. روي عنه: شعبة، ويحيى القطان، ووكيع، ومسْعر، وابن جرير وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: لا بأس به. روى له الجماعة.
وأسماء بنت عميس: الخثعمية من بني خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، وهاجرت معه إلى ارض الحبشة، ثم قتل عنها يوم مُؤتة، فتزوجها أبو بكر الصديق فمات عنها، ثم تزوجها علي، وولدت لجعفرٍ: عبد الله، وعونًا، ومحمدًا، وولدت لأبي بكر: محمدًا، وولدتْ لعلي: يحيي، فولد جعْفر وولد أبي بكر إخوة لأم (3) . روى عنها: عبد الله بن عباس، وابنها: عبد الله بن جعْفر، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وعروة بن الزبير. روى لها: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. والحديث أخرجه: النسائي مُسندا ومرسلاً، وأخرجه ابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا هلال مولى عمر بنِ عبد العزيزِ، وابنُ جعفر: هو عبد الله بن جعْفرٍ.
ش- هلال: أبو طعمة مولى عمر بن عبد العزيز. روى عن: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز. روي عنه: ابن لهيعة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " تقولينهن ".
(2) ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: الدعاء عند الكرب (3882) .
(3) كذا، والجادة: " فولد جعفر وولد أبي بكر وولد عليه إخوة لأم ".(5/435)
قال أبو سعيد بن يونس: وكان يُقرئ القرآن بمصر. روى له: أبو داود، وابن ماجه. وعبْد الله بن جعْفر بن أبي طالب بن عبد المطلب، وقد ذكرناه.
1497- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن ثابت، وعلي بن زيد، وسعيد الجُريري، عن أبي عثمان النهدي، أن أبا موسى الأشعري قال: كنتُ مع رسول الله- عليه السلام- في سفرِ، فلما دنوْا من المدينة كبّر الناسُ، ورفعُوا أصواتهم، فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يا أيها الناسُ! إنكم لا تدْعُون أصم ولا غائبا، إن الذي تدْعونه بيْنكم وبيْن أعناقِ رِكابكُم " ثم قال رسولُ الله- عليه السلام-: " يا أبا مُوسى! ألا أدلك على كًنْزِ من كُنُوزِ الجنة؟ " فقلتُ: وما هو؟ قال: " لا حوْل ولا قوة إلا بالله " (1) .
ش- حماد: ابن سلمي، وثابت: البياني، وعلي بن زيد: ابن جدعان البصري القرشي الأعمى، وسعيد: ابن إياس الجريري، وأبو عثمان: عبد الرحمن بن ملّ النهدي.
قوله: " لا تدعون أصم ولا غائبا " وقد فسره في حديث آخر بقوله: "إنكم تدْعُون سميعًا قريبًا وهو معكم ".
قوله: " بينكم وبين أعناق ركابكم " وهذا مجاز كقوله تعالى: " ونحْنُ أقْربُ إِليْهِ مِنْ حبْلِ الوريدِ " (2) والمراد: تحقيق سماع الدعاء (3) . وفي
__________
(1) البخاري: كتاب الجهاد، باب: ما يكره من رفع الصوت، مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب خفض الصوت بالذكر (2704) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد (3461) ، النسائي في "الكبرى"، ابن ماجه: كتاب الأدب، باب: ما جاء في " لا حول ولا قوة إلا بالله " (3824) .
(2) سورة ق: (16) .
(3) بل قرب الله من عباده قربا حقيقيا يليق بكماله وجلاله، " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وهو كنزوله سبحانه في الثلث الأخير من الليل، وكتقربه من عباده شبرا بذراع، وذراعا بباع، وهذا لا ينافي علوه سبحانه، فهو سبحانه علِي في دنوه، قريب في علوه، اعتقاد أهل السُنة والجماعة، وانظر العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام.(5/436)
رواية لمسلم:/ " الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم ". والركاب- بكسر الراء- الإبل التي يُسارُ عليها , الواحدة: راحلة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع الركُب مثال الكُتُب.
قوله: " ألا أدلك " " ألا " كلمة تنبيه يُنبِّهُ بها المتكلمُ السامع على أمر عظيم الشأن.
قوله: " على كنز " الكنز في اللغة: ما دفن من الأموال والأمتعة، ومعناه هاهنا: إن هذا القول يُعدُّ لقائله، ويُدخر له من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا , لان من شأن الكانزين أن يستعدوا به، ويستظهروا بوجدان ذلك عند الحاجة إليه. وقال الشيخ محيي الدين: قال العلماء: سبب ذلك: أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله عز وجل، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره، ولا راد لأمره، وإن العبد لا يملك شيئا من الأمر، ومعنى الكنز هاهنا: أنه ثوابٌ مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس، كما أن الكنز أنفسُ أموالِكم. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه مُطولا ومختصرا.
1498- ص- نا مسدد: نا يزيد بن زُريع: نا سليمان التيْمي، عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا مع رسول اللهِ- عليه السلام- وهم يتصعّدُون في ثنيّة، فجعل رجلٌ كلما علا الثنيّة نادى: لا إله إلا الله والله كبرُ. فقال نبي الله: " إنكُم لا تُنادون أصمّ ولا غًائبا " ثم قال: "يا عبد اللهِ بن قيسٍ " " فذكر معناه (1) .
ش- " يتصعدون " أي: يتكلفون الصعود في الثنية، وهي العقبة في الجبل، وقيل: هو الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه.
__________
(1) انظر الحديث السابق.(5/437)
قوله: " فذكر معناه " أي: معنى الحديث المذكور.
1499- ص- نا أبو صالح: أنا ألو إسحاق الفزاري، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي موسى بهذا الحديث قال فيه: فقال النبي- عليه السلام-: " يا أيها "يأيها الناس! أرْبعُوا على أنفسِكُم " (1) .
ش- أبو صالح: محبوب بن موسى الأنطاكي الفزاري. روى عن: أبي إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك، ومخلد بن الحُسن. روى عنه: أبو داود، والنسائي، عن رجل، عنه وجماعة آخرون، قال أحمد ابن عبد الله: ثقة صاحب سنة. مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
وأبو إسحاق الفزاري: اسمُه: إبراهيم بن محمد بن الحارث، وقد ذكرناه مرةً. وعاصم: الأحول، وأبو عثمان: عبد الرحمن النهدي، وأبو موسى: عبد الله بن قيس الأشعري.
قوله: " أربعُوا "- بكسر الهمزة، وسكون الراء، وفتح الباء الموحدة- معناه: أرْفُقوا بأنفسكم واخفِضُوا أصواتكم , فإن رفع الصوت إنما يفْعله الإنسان لبُعْد من يخاطبُه لِيُسْمِعه وأنتم تدعون الله تعالى وهو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة وقال ابن السكيت: ربع الرجل يرْبعُ إذا وقف وتحتس. وفي الحديث: النّدب " إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه , فإنه إذا خفضه كان ابلغ في توقيره وتعظيمه، فإن دعت حاجة إلى الرفع رفع كما جاءت به أحاديث.
1500- ص- نا محمد بن رافع: نا أبو الحُسين زيد بن الحُباب: أخبرني عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني: حدثني أبو هانئ الجولاني أنه سمع أبا علي التُّجِيبي، أنه سمع أبا سعيد الخدري، أن رسول الله- عليه السلام-
__________
(1) انظر الحديث قبل السابق.(5/438)
قال: " من قال: رضيتُ بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولا، وجبتْ
له الجنةُ " (1) .
ش- أبو هانئ: حميد بن هانئ المصري، وأبو علي: اسمُه: عمرو
ابن مالك الجنبِي أبو علي المصري، ويُقال: التُّجِيبي- كما في "السُّنن ".
قوله: " رضيت بالله ربا " أي: قنعتُ به، واكتفيت به، ولم أطلب
معه غيره.
قوله: " وبالإسلام دينًا " أي: رضيت بالإسلام دينا بمعنى: لم أسْع في
غير طريق الإسلام، ولم أسْلك إلا ما يوافق شريعة محمد- عليه السلام-.
قوله: " وبمحمد رسولا " أي: رضيت بمحمد رسولا بمعنى: آمنتُ به
في كونه مُرسلا إليّ وإلى سائر المسلمين. وانتصاب " ربا " و " دينًا "
و" رسولا " على التمييز، والتمييز وإن كان الأصل أن يكون في المعنىِ
فاعلا يجوز أن يكون مفعولا- أيضًا- كقوله تعالىْ " وفجرْنا الأرْض
عُيُونًا " (2) ويجوز أن يكون نصبها على المفعولية لأن" رضِي " إذا عُدي
بالباء يتعدى إلى مفعول آخر، وقد مر الكلام فيه مرةً مستوفًى. والحديث
أخرجه: النسائي/ وأخرجه: مسلم، والنسائي من حديث أبي عبد الرحمن الحُبُلي عبد الله بن يزيد (3) ، عن أبي سعيد أتم منه.
1501- ص- نا سليمان بن داود العتكي: نا إسماعيل بن جعْفر، عن
العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول اللهِ- عليه
السلام- قال: " منْ صلّى عليّ واحدةً فصلى (4) اللهُ عليه عشرة " (5)
__________
(1) النسائي: في " عمل اليوم والليلة " عن أحمد بن سليمان الرهاوي، عن زيد ابن الحبيب، به.
(2) سورة القمر: (12) .
(3) في الأصل: " زيدا خطأ.
(4) في سنن أبي داود: " صلى ".
(5) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد التشهد له (408) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الصلاة على=(5/439)
ش- إسماعيل بن جعفر: ابن أبي كثير الأنصاري، والعلاء بن عبد الرحمن: ابن يعقوب الحرقي.
وأبوه: عبد الرحمن بن يعقوب، الحُرقي. روى عن: عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري. روى عنه: ابنه: العلاء، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، سئل أبو حاتم: هو أوثق أو المسيب بن رافع؟ فقال: ما أقربهما. روى له: الجماعة إلا البخاري. قوله: " فصلى الله " بالفاء في رواية أبي داود. وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي وفي حديثهم: " صلى الله عليه عشرا، بدون الفاء. ومعنى صلاة الله على عبْده عبارة عن الرحمة والمغفرة , وهذه مسألة مشهورة. 1502- ص- نا الحسنُ بن علي: نا حُسيْن بن علي، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس قال: قال النبي- عليه السلام-: " إن مِن أفضلِ أيامكُم: يوم الجُمُعة، فأكثِرُوا عليّ من الصلاة فيه؟ فإن صلاتكُمْ معْروضة عًليّ " قال: فقالوا: يا رسول الله " كيف (1) تُعرضُ صلاتُنا عليك وقد أرمْت؟ قال: يقولون: بلِيت، قال. " إن الله حرم على الأرضِ أجساد الأنْبياءِ " (2) .
ش- حسين بن علي: ابن الوليد الجُعْفي مولاهم الكوفي. وعبد الرحمن ابن يزيد بن جابر: أبو عتبة الشامي الدمشقي، وأبو الأشعث: شراحيل ابن آدة، وقد مر.
وقد تقدم الحديث بعيْنه بأتم منه في " باب فضل يوم الجمعة،. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه. وله علّة، وقد جمعت طرقه في جزء مفرد وذلك أن حسين بن علي الجُعْفي حدّث به عن عبد الرحمن
__________
= النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (485) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الفضل في الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3/ 50) (1296) .
(1) في سنن أبي داود: " وكيف".
(2) تقدم تخريجه برقم (1018) ، باب: تفريع أبواب الجمعة.(5/440)
ابن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، ومنْ نظر ظاهر هذا الإسناد لم يرْتبْ في صحته لثقة رواته وشهرتهم، وقبول الأئمة أحاديثهم، واحتجاجهم بها، وحدث بهذا الحديث عن حسين الجُعْفي جماعة من النبلاء، وعلته: أن حُسين بن علي الجُعْفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا يحتج به، في حدّثه حسين الجُعفي غلط في اسم الجد فقال: ابن جابر , بيّن ذلك الحُفاظ ونبهوا عليه , قال البخاري في " التاريخ الكبير ": عبد الرحمن بن يزيد ابن تميم السلمي الشامي، عن مكحول. سمع منه: الوليد بن مسلم، عنده (1) مناكير، ويُقال: هو الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة، وحسين فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وابن تميم أصح. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فقال: عنده مناكير، فقال: هو الذي روى عنه: أبو أسامة، وحسن الجُعفي وقالا: هو ابن يزيد بن جابر , وغلطا في نسبه , ويزيد بن تميم أصح , وهو ضعيف الحديث. وقال أبو بكر الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك. وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهما منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر , إنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف.
قوله: " أرمت " على وزن ضربت؟ وأصله: " أرممْت " أي: بليت وصرت رميما , فحذفوا إحدى الميميْن , وهي لغة كما قالوا: ظلت في ظللت، وقد مر الكلام فيه مستوفى في " باب الجمعة "
***
__________
(1) في الأصل: " عدة " خطأ، وانظر: " التاريخ الكبير " (5/ الترجمة 1156) .(5/441)
348- بابُ: النّهْي أنْ (1) يدْعو الإنسانُ على أهْله وماله
أي: هذا باب في بيان النهي عن دعاء الإنسان على أهله وعياله وأمواله، وفي بعض النسخ: " باب النهي عن دعاء الإنسان على أهله وماله ".
1503- ص- نا هشام بن عمار، ويحيي بن الفضل، وسليمان بن عبد الرحمن قالوا: نا حاتم بن إسماعيل: نا يعقوب بن مجاهد أبو حزْرة، عن عُبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " لا تدْعُوا على أنفسكُم، ولا تدْعُوا على أولادكُم، ولا تدعوا على خدمكُم، ولا تدعوا على أموالكُم، لا تُوافقُوا من اللهِ تعالى ساعة نيْلٍ فيها عطاء فيسْتجيب لكم (2) " (3) .
ش-/ يحيى بن الفضل: السِجسْتاني، وسليمان بن عبد الرحمن: التميمي الدمشقي، وحاتم بن إسماعيل: الكوفي، وأبو حزْرة- بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي، وفتح الراء- وقد مرّ مرةً.
قوله: " على خدمكم " الخدم- بفتحتين- جمع خادمٍ، ويقع الخادم على الذكر والأنثى لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال كحائض وعاتق.
قوله: " ساعة نيْل " النيْل: الإصابة، مصدر من نال ينالُ، والمعنى: ساعة إصابة فيها عطاء.
قوله: " فيستجيب لكم " بالنصْب؛ لأنه جواب النهي، والمعنى (4) :
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن أن ".
(2) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث قوله: " قال أبو داود: هذا الحديث متصل الإسناد، فإن عبادة بن الوليد بن عبادة لقي جابرا "
(3) مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر (3009) .
(4) مكررة في الأصل.(5/442)
إن كانت منكم مُوافقة الساعة التي فيها العطاء يكون من الله الاستجابة لدُعائكم. والحديث: أخرجه مسلم في أثناء حديث جابر الطويل , وليس فيه ذكر الخدم.
***
349- بابُ: الصّلاةِ على غيْر النبِي- عليها السلام-
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة على غير النبي- عليه السلام-. 1504- ص- نا محمد بن عيسى: نا أبو عوانة، عن الأسْود بن قيْس، عن نُبيح العنزي، عن جابر بن عبد الله، أن امرأةً قالتْ للنبي- عليه السلام-: صل عليّ وعلى زوْجِي فقال النبي- عليه السلام-: " صلى الله عليكِ وعلى زوْجِكِ " (1) .
ش- أبو عوانة: الوضاح الواسِطي، والأسود بن قيس: العبْدي الكوفي.
ونبيْح- بضم النون، وفتح الباء الموحدة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره حاء مهملة- ابن عبد الله العنزِي الكوفي، أبو عمرو. سمع: جابر بن عبد الله، وأبا سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو. روى عنه: الأسود بن قيس، وأبو خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، قال أبو زرعة: كوفي، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس.
قلت: قد ذكر أبو داود، رواية أبي خالد الدالاني (2) عنه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " صلى الله عليك " الصلاة من الله تعالى: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار ومن المؤمنين: الدعاء.
وقد اختلف العلماء في الصلاة على غير الأنبياء فقال مالك،
__________
(1) الترمذي في " الشمائل "، باب: ما جاء في إدام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (180) ، النسائي: في " عمل اليوم والليلة ".
(2) في الأصل: " الآني ".(5/443)
وأبو حنيفة، والشافعي والأكثرون: لا يصلّى على غير الأنبياء استقلالا، لا يقال: اللهم صل على أبي بكر، أو عمر، أو عليّ، أو غيرهم , ولكن يُصلّى عليهم تبعا، فيقال: اللهم صل على محمد وال محمدٍ وأصحابه وأزواجه وذريته- كما جاءت الأحاديث. وقال أحمد وجماعة: يُصلى على كل واحد من المؤمنين مُستقلاً، واحتجوا بهذا الحديث وبقوله - عليه السلام-: " اللهم صل على آل أبي أوفى " وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلّى عليهم، واحتج الأكثرون بأن هذا النوع مأخوذ من التوقيف، واستعمال السلف، ولم يُنقل استعمالهم ذلك؛ بل خصّوا به الأنبياء كما خصوا الله تعالى بالتقديس والتسْبيح فيقال: قال الله سبحانه وتعالى، وقال الله تعالى، وقال عز وجل، وقال الله جلّت عظمته، وتقدست أسماؤه، وتبارك وتعالى ونحو ذلك، ولا يُقال: قال النبي عز وجلّ وإن كان عزيزا جليلا ولا نحو ذلك. وأجابوا عن الأحاديث أن ما كان من الله ورسوله فهو. دعاء وترحم، وليس فيه معنى التعظيم والتوقير الذي يكون من غيرهما. وكذا الجواب عن قوله تعالى: (إنّ الله وملائكتهُ يُصلُّون على النبي) الآية (1) . وأما الصلاة على الآل والأزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال، والتابع يحتمل فيه ما لا يحتمل استقلالا.
وقال الشيخ محيي الدين: اختلف أصحابنا في الصلاة على غير الأنبياء هل يقال: هو مكروه أو مجرد ترك أدب؟ والصحيح المشهور: انه مكروه كراهة تنزيه. وقال الشيخ أبو محمد الجُويني: والسلام في معنى الصلاة , فإن الله تعالى قرن بينهما فلا يفرد به غائب غير الأنبياء، فلا يقال. أبو بكر، وعمر، وعليّ- عليه السلام- , وإنما يقال ذلك خطابًا للأحياء والأموات، فيُقال: السلام عليكم ورحمة الله، والله أعلم. والحديث: أخر له الترمذي، والنسائي، وإسناده حسنٌ.
__________
(1) سورة الأحزاب: (56) .(5/444)
350- بابُ الدعاء بظهْرِ الغيبِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء لأخيه بظهر الغيب أي: في سِره.
1505- ص- نا رجاء بن المرخى: نا النضر بن شُميل: نا موسى بن
ثرْوان: حدثني طلحة بنِ عبيد الله بن كرِيز: حدثتني أم الدرْداء قالت:
حدثني سيدي، أنه سمع رسول الله- عليه السلام- يقولُ: " إذا دعى
الرجل لأخِيه بظهرِ الغيْبِ قالت الملائكةُ: آمين ولك بمثلِ " (1) .
/ ش- النضر بن شُميل: ابن خرشة بن يزيد بن كلثوم التميمي المازني أبو الحسن البصري، سكن مرو. سمع: إسماعيل بن أبي خالد،
وهشام بن عروة، وعبد الله بن عون، وشعبة وغيرهم. روى عنه:
إسحاق بن راهويه، ويحيي بن معين، وعلي بن المديني وغيرهم. وقال
ابن أبي حاتم: سُئل أبني عنه فقال: ثقة، صاحب سُنة. توفي سنة
أربع ومائتين. روى له: ْ الجماعة.
ومُوسى بن ثروان- بالثاء المثلثة- ويقال: ابن شروان، ويقال: ابن
مروان المعلم العجلي. روى عن: أبي المتوكل الناجي، وطلحة بن
عبيد الله بن كريز، وبديل بن ميسرة وغيرهم. روى عنه (2) : شعبة،
وابن المبارك، والنضر بن شميل وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى
له: مسلم متابعة، وأبو داود.
وطلحة بن عُبيد الله بن كرِيز- بفتح الكاف وكسر الراء- ابن جابر بن
ربيعة بن هلال أبو المطرف الكوفي. روى عن: ابن عُمر، وأبي الدرداء،
وعائشة، وأم الدرداء الصغرى. روى عنه: أبو حازم الأعرج، وحميد الطويل، ومحمد بن إسحاق، وموسى بن مروان وغيرهم، قال ابن
معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود.
__________
(1) مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب 87- (2732) .
(2) مكررة في الأصل.(5/445)
وأم الدرداء هذه: الصغرى تابعية، واسمها: هُجيمة ويقال: جُهيمة، ويقال: جمانة بنت حُيي الأوصابية، ويقال: الوصابيّة , والوصابُ: بطن من حمير، زوجة أبي الدرداء وهي التي مات عنها فخطبها معاوية فلم تفعل، وهي أم بلال بن أبي الدرداء. سمعت: أبا الدرداء، وأبا هريرة، وعائشة الصديقة. روى عنها: جُبير بن نفير، ورجاء بن حيوة، وأبو قلابة الجرمي، وجماعة آخرون كثيرة. روى لها: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وأما أم الدرداء الكبرى: فاسمها: خيرة، لها صحبة وليس لها في الكتابين حديث.
قوله: " حدثني سيّدي أنه " أرادت به زوجها أبا الدرداء. وفيه جواز دعوى المرأة زوجها بسيدي. وذكر خلف الواسطي في تعليقه هذا الحديث في مسند أم الدرداء عن رسول الله- عليه السلام- , لظاهر رآه في "صحيح مسلم، وقد ذكر مسلم قبل ذلك وبعده ما يدل على أنه من روايتها عن أبي الدرداء عن رسول الله- عليه السلام-، وقد نبه على هذا غير واحد من الحُفاظ.
قوله: " بظهر الغيب " أي: في سرّه وبغير حضوره، كأنه من وراء معرفته ومعرفة الناس , لأنه دليل على إخلاص الدعاء له كمثل ما يجعله الإنسان وراء ظهره، ويسْتره عن أعن الناس.
قوله: " ولك بمثلِ" - بكسر الميم وسكون الثاء- و " بمثل "- بفتحهما أي: لك من الأجر بدعائك مثل ما دعوت له فيه ورغبت، ويُقال: مثْله ومثله ومثيله بمعنى.
1506- ص- نا أحمد بن عمرو بن السرْح: أنا ابن وهب: حدثني عبد الرحمن بن زياد، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله- عليه السلام-[قال] : " إِن أسْرعً الدعاءِ إجابة: دعْوةُ غائب لغائب " (1) .
__________
(1) الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب (1980) .(5/446)
ش- عبد الرحمن بن زياد: الأفريقي، وأبو عبد الرحمن: عبد الله ابن يزيد الحُبُلي. والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والأفريقي ضعيف في الحديث. وإنما كان هذا الدعاء أسْرع إجابة لأنه يصدر عن إخلاص.
1507- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام، عن يحيي، عن أبي جعفر، عن أبن أبي هريرة، أن النبي- عليه السلام- قال: " ثلاثُ دعوات مُستجاباتٌ لا شك فيهن: دعوةُ الوالدِ، ودعْوةُ المسافرِ، ودعوةُ المظلوم " (1)
ش- هشام: ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى: ابن أبي كثير، وأبو جعفر: قال الترمذي: وأبو جعفر الذي روى عن أبي هريرة يقال له: أبو جعْفر المؤذن ولا يُعرف اسمُه. وقد روى عنه: يحيي بن أبي كثير غير حديث. وذكر المزّي في " الأطراف " قال: ويقال: إن أبا جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين. قال: وقد رواه- يعني: الحديث- محمد بن سليمان الباغندي الكبير، عن أبي عاصم وقال: عن أبي جعفر محمد بن علي. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسنٌ.
351- باب: ما يقُول الرجلُ إذا خاف قوْمًا
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا خاف عن قوم ظلمة أو عدو.
1508- ص- نا محمد بن المثنى: نا معاذ بن هشام:/ حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي بردة بن عبد الله، أن أباه حدثه، أن النبيّ- عليه السلام- كان إذا خاف قومًا قال: " اللهم إِنّا نجعلُك في نُحُورِهم، ونعُوذُ بك من شرورِهمْ " (2) .
__________
(1) الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما جاه في دعوة الوالدين (1905) وكتاب بالدعوات، باب: حدثنا محمد بن بشار (3448) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: دعوة الوالد ودعوة المظلوم (3862) .
(2) النسائي في الكبرى: كتاب السير، وفي عمل اليوم والليلة.(5/447)
ش- معاذ بن هشام: ابن أبي عبد الله- سنْبر- الدسْتوائي البصري، وأبو بردة بن عبد الله: ابن قيس أبي موسى الأشعري.
قوله: " نجعلك في نحورهم " يقال: جعلتُ فلانا في نحر العدو، أي: قبالته وحذاءه , وتخصيص النحر بالذكر لأن العدو يستقبل بنحره عند المناهضة للقتال، والمعنى: نسألك أن تتولانا في الجهة التي يُريدون أن يأتونا منها، ونتوقى بك عما يواجهوننا به، فأنت الذي تدفع شرورهم، وتكفينا أمرهم، وتحولُ بيننا وبينهم، ولعله اختار هذا اللفظ تفاؤلا بنحر العدو- أعني: قتلهم- مع ما أراد من المعنى الذي ذكرناه.
فإن قيل: النبي- عليه السلام- محفوظ من شر الإنس والجنّ بحفظ
الله إياه، ومؤيّدٌ بالملائكة، فكيف يجوز أن يخاف قوما وهم أعداء الله تعالى؟ قلت: هنا ثلاثة أجوبة , الأول: أن الطبيعة البشريّة من خواصّها: الخوف مع قطع النظر عن العارض، والثاني: يجوز أن يكون خوفه على صحابته، والثالث: أن هذا تعليم لأمته أنهم إذا خافوا قوما يدعون بهذا الدعاء، وهذه الأجوبة لاحتْ لي في هذا المقام من الأنوار الربانية، فإن ذكرها أحد غيري يكون من توارد الخواطر والاتفاقيات. والحديث أخرجه: النسائي.
***
352- بابُ الاسْتخارةِ
أي: هذا باب في بيان الاستخارة، وهو طلب الخيرة في الشيء.
1509- ص- نا عبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الرحمن بن مقاتل خالُ القعنبي، ومحمد بن عيسى- المعنى واحد- قالوا: نا عبد الرحمن بن أبي الموال: حدثني محمد بن المنكدر، أنه سمع جابر بن عبد الله قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُعلِّمُنا الاستخارة كما يُعلِّمُنا السورة من القرآن يقولُ لنا. " إذا همّ أحدُكُم بالأمر فليركعْ ركعتيْنِ من غيرِ الفريضةِ، وليقلْ: اللهمّ إني أستخِيرُك بعلمِك، وأستقْدِرُك بقُدرتِك، وأسألُك من فضلِك(5/448)
العظيم. فإنك تقْدرُ ولا أقدرُ، وتعلمُ ولا أعلمُ، وأنت علاّمُ الغُيوب، اللهم فإن (1) كُنت تعلمُ أن هذا الأمْر- يُسميه بعيْنه الذي يُريدُ- خير لي في ديني ومعاشِي ومعادِي وعاقبة أمْرِي، فاقدُرْهُ لي، ويسّرْهُ لي، وبارِكْ لي فيه، اللهم أن كنت تعْلمُهُ شرا لي- مثل الأولِ- فاصرِفْني عنه، واصْرِفْهُ عني واقدر لي الخير حيثُ كان، ثم أرضني به، أو قال: في عاجِلِ أمْرِي وآجِله ". قال ابنُ مسلمة، وابنُ عيسى، عن محمد بن المنكدرِ، عن جابر (2) .
ش- عبد الرحمن بن مقاتل: أبو سهل التستري خالُ القعنبي، سكن البصرة. سمع: مالك بن أنس، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، وعبد الملك بن قدامة وعبد الله العُمري. روى عنه: أبو داود، قال أبو حاتم: صدوق.
وعبد الرحمن بن زيد بن أبي الموال، والمشهور: عبد الرحمن بن أبي الموال المدني القرشي مولى علي بن أبي طالب. روى عن: عبد الرحمن ابن أبي عمرة، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن المنكدر وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن المبارك، والقعنبي وغيرهم، قال احمد: لا بأس به، وقال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة إلا مُسلما.
قوله: " إذا هم " أي: إذا قصد.
قوله: " بالأمر " أي: بأمر من الأمور مثل السفر والنكاح، وشراء العبد، وطلب الحاجة ونحو ذلك.
قوله: " فليركع " إلي: فليصل ركعتين، وقد يذكر الركوع ويراد به
__________
(1) في سنن أبي داود: " إن ".
(2) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما جاء في تطوع مثنى مثنى (1162) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستخارة (480) ، النسائي: كتاب النكاح، باب: كيف الاستخارة؟ (3253) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستخارة (1383) .(5/449)
الصلاة، كما يذكر السجود ويراد به الصلاة , من قبيل ذكر الجزء وإرادة
الكل.
قوله: " من غير الفريضة " يعني: تكون تلك الركعتان من النوافل.
قال الشيِخ محيي الدين: الظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب
وتحية المسجد وغيرها من النوافل.
قلت: قد نظر في ذلك إلى ظاهر اللفظ , ولكز، السنن تابعة للفرائض،
فإذا استُثنيت الفرائض تُسْتثنى السنن معها تبعا لها، فيكون المراد ركعتين من
النافلة المحضة. وقال: يقرأ في الأولى (قُلْ يا أيها الكافرُون) ، وفي الثانية: (قُلْ هُو اللهُ احد) ويستحب / افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله، والصلاة والتسليم على رسول الله.
قوله: " أستخيرك " أي: أطلب منك الخير فيما هممت به، وأن تخير
لي أصلح الأمْرين أي: تختاره- لأنك عالم به وأنا جاهل.
قوله: " وأسْتقدرك " أي: أطلب أن تُقدر لي على أصلح الأمرين، أو
اطلب منك القدرة على ما نويتُه , فإنك قادر على إقدارِي عليه أو تقدر
لي الخير بسبب قدرتك عليه، والباء للسببيّة في الموضعين
قوله: " يُسميه بعيْنه الذي يريدُ " معترض بين اسم " إن " وخبرها،
أي: يُسمي الأمر الذي قصده بعينه، مثلا يقول: اللهم إن كنت تعلم أن
هذا السفر خير لي، أو هذا النكاح، أو هذا البيع ونحو ذلك.
قوله: " في ديني " يعني: إن كان فيه خير يرجع لديني ولمعاشي وعاقبة
أمري، وإنما ذكر عاقبة الأمر لأنه رُبّ شيء يهمّه الرجل يكون فيه خير في
تلك الحال في الظاهر , ولكن لا يكون له خير في آخر الأمر , بل ينقلب
إلى عكسه , فلذلك زاد- عليه السلام- في الدعاء بقوله " وعاقبة أمري".
قوله: " فاقدره "- بضم الدال- أي: اقض لي به وهيئهُ.
قوله: " مثل الأول " أي: يقول مثل ما قال في الأول، يقولُ:، اللهم(5/450)
وإن كنت تعلمه شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه " أي: أقلعه من خاطري أن لا أهمه بعد ذلك.
قوله: " واصرفه عني " أي: لا تقض لي به، ولا ترزقني إياه.
قوله: " حيث كان " أي: حيث كان الخيرُ.
قوله: " ثم رضِّني به " أي: ثم اجعلني راضيا بذلك، أي: بخيرك المقدور. والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه.
353- باب: فِي الاسْتِعاذةِ
أي: هذا باب في بيان الاستعاذة.
1510- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع: نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطاب قال: كان النبيُّ - عليه السلام- يتعوذُ من خمس: من الجبن، والبُخل، وسُوء العُمرِ، وفِتْنةِ الصّدْرِ، وعذابِ القبرِ " (1) .
ش- إسرائيل: ابن يونس، وأبو إسحاق: السبيعي.
قوله: " الجُبن "- بضم الجيم، وسكون الباء- الخوف، والجُبن الذِي يُؤكل- أيْضًا- وفيهما جاء ضم الباء، ويقال: الأذى يؤكل: جبن - بتشديد النون- ووجه استعاذته- عليه السلام- من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى، وإزالة المنكر، والإغلاظ على العصاة، ولأن بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات، ويقومُ بنصر المظلوم، وبالسلامة ومن البخل يقوم بحقوق وينبعث للإنفاق والجود ومكارم الأخلاق، ويمتنع من الطامع فيما ليس له.
__________
(1) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من فتنة القبر (8/ 262) ، وباب: الاستعاذة من " فتنة الدنيا (7/ 266) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء باب:
ما تعوذ منه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3844)(5/451)
قوله: " وسُوء العُمر " أراد به الخرف , والخرفُ- بفتح الراء- فسادُ العقل من الكبر، وقد خرِف الرجل- بالكسر- فهو خرِفْ , وإنما استعاذ منه لأنه حالةٌ يختل فيها أشرف الأشياء الذي هو العقل، ويعْجز به عن أداء العبادات.
قوله: " وفتنة الصدر " يجوز أن يكون المراد بها: ما يحصل فيه من الوساوس الشيطانية، ويجوز أن يكون المراد: ما يكون فيه من الهِمم إلى المعاصي، واكتساب الآثام ونحو ذلك , وذلك لأن الصدر فيه القلبُ، وهو محل هذه الأشياء، وهو الأصل في أعمال سائر الأعضاء حتى إذا صلح هو صلحت الأعضاء، وإذا فسد فسدت الأعضاء على ما جاء في الحديث.
قوله: " وعذاب القبر " فيه إثبات عذاب القبر، ردا على المعتزلة. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
1511- ص- نا مسدد: نا المعتمر قال: سمعت أبي قال: سمعت أنس ابن مالك يقول: كان رسول الله- عليه السلام- يقول: "اللهم إِني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، والجبنِ والبُخْلِ، والهرم، وأعوذُ بك من عذابِ القبرِ، وأعوذُ بك من فتنةِ المحيا والممات " (1) .
ش- المعتمر: ابن سليمان، وأبوه: سليمان بن طرخان.
قوله: " من العجز " وهو عدم القدرة على الخير، وقيل: هو ترك ما يجب فعله والتسويف به.
قوله: " والكسل " وهو عدم انبعاث النفس للخير، وقلةْ الرغبة فيه مع إمكانه.
قوله: " والهرم " - بفتحِ الهاء والراء , كِبر السن , وقد هرِم الرجل- بالكسر- وأهرمه اللهُ فهو هرِمٌ، وقوم هرمي.
__________
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: التعوذ من فتنة المحيا والممات (6367) ، مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: التعوذ من العجز والكسل وغيره (2706) ، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من
الهم (8/ 258) .(5/452)
قوله: " وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " أي: من/ فتنة الحياة والموت. واختلفوا في المراد بفتنة الموت , فقيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار، قالوا: واستعاذته- عليه السلام- من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله وشرعه- أيضًا- لتعليم أمته. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1512- ص- نا سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد قالا: نا يعقوب بن عبد الرحمن- قال سعيد: الزهري-، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس ابن مالك قال: كنتُ أخدمُ النبي- عليه السلام- فكنتُ أسمعُهُ كثيرا يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من الهم والحُزْنِ وضِلع الدينِ وغلبة الرجالِ ". وذكر بعض ما ذكره التيْمي (1) .
ش- يعقوب بن عبد الرحمن: ابن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري - بتشديد الياء-.
وسعيد (2) : ابن خالد بن قارظ القارظي المدني الزهري. روى عن: ربيعة بن عماد الديلي، وسعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم. روى عنه: الزهري، وابن أبي ذئب، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم، قال الدارقطني: مدني يحتج به، قال ابن سعْد: توفي في آخر سُلْطان بني أمية، وله أحاديث. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
أوله: " وضلع الديْن " أي: ثقله، والضلعُ: الاعوجاج أي: يُثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال، يقال: ضلع- بالكسر- يطلع
__________
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: الاستعاذة من الجبن والكسل (6369) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (71) (3484) ، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الهم (8/ 257) و (8/ 265، 274) .
(2) كذا ترجم المصنف لراو آخر، وإنما المقصود هو سعيد بن منصور، والله أعلم.(5/453)
ضلعا- بالتحريك- وضلع- بالفتح يضلع ضلْعا- بالتسكين- أي:
مال.
قوله: " ما ذكره التيمي " أي: سليمان بن طرخان التيمي الذي ذكر في الحديث الماضي، وهو والد المعتمر. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي.
1513 - ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزبير المكي، عن طاوس، عن عبد الله بن عباس، أن رسول الله- عليه السلام- كان يعلِّمُهُم هذا الدعاء كما يُعلِّمُهُم السورة من القرآن يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من عذاب جهنم، وأعوذُ بك من عذاب القبر، وأعوذُ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذُ بك من فتنةِ المحيا والمماتِ " (1) .
ش- أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدْرُس المكي.
قوله: " كان يُعلمهم " أي: يُعلّم الصحابة، وقد مر الكلام في المسيح الدجال في " كتاب " الصلاة في باب التشهد ". والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي،- والنسائي-.
1514 - ص- نا إبراهيم بن موسى الرازي: أنا عيسى: نا هشام، عن أبيه، عن: عائشة- رضي الله عنها-، أن النبي- عليه السلام- كان يدْعُو بهؤلاء الكلمات: " اللهم إِني أعوذُ بك من فِتنةِ النارِ، وعذابِ النارِ، ومن شرِّ الغِنًى والفقرِ " (2) .
__________
(1) مسلم ": كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما " يستعاذ منه في الصلاة (0 59) ، والترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (77) (3494) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: التعوذ من عذاب القبر (4؟ / 104) .
(2) البخاري: كتاب الدعوات، باب: التعوذ من فتنة الفقر (6377) ، مسلم: كتاب الجوكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: التعوذ من شر الفتن وغيرها
(589) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: 77 (3495) ، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من شر فتنة الغنى (8 / 266) ، ابن ماجه ": كتاب الدعاء، باب: لا تعوذ، منه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3838) .(5/454)
ش- عيسى: ابن يونس، وهشام: ابن عروة.
قوله: " من فتنة النار " أراد بها الذنوب والأعمال السيئة التي تكون سببا لدخول النار.
قوله: " ومن شر الغنا " شر الغنا: أن يرزق مالا ولم يرزق هداية إلى إخراج ما اوجب الله عليه فيه من الصدقات، والصرف في مصارفه الشرعية. وشر الفقر: قيل: فقر النفس، وقيل: فقر المال وشره: أن لا يرزق صبرًا على ذلك. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه أتم منه.
1515- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حمّاد: أنا إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من الفقرِ والقلّة والذلة، وأعوذُ بك من أنْ أظلِم أو اظلم، (1) . ش- حماد: ابن سلمة، وإسحاق بن عبد الله: ابن زيد الأنصاري، وسعيد بن يسار: أبو الحُباب المدني.
قوله: " والقلة، يجوز أن تكون تفسيرا لقوله , الفقر " إذا أريد بالفقر فقر المال وإذا أريد بالفقر فقر النفس يكون المراد من القلة الفقر- أعني: فقر المال
فإن قيل: قد ثبتت أحاديث كثيرة بفضل الفقر، فكيف تصحّ الاستعاذة منه؟ قلت: المراد منه: الفقر الذي يكون فيه التسخط وقلة الصبر، أو الوقوع في الحرام، أو شبهة للحاجة، وأما الفقر الذي فيه القناعة والصبر والرضا، فذاك مما كانت الأنبياء- عليهم السلام- يفتخرون به، ثم من بعدهم من الصلحاء والزهداء.
قوله: " من أن أظلم "- بفتح الهمزة- إلي: أظلم غيري.
قوله: " أو أظلم "- بضم الهمزة وفتح اللام- أي: أو يظلمني غيري، والمعنى: وأعوذ بك من أن كون ظالما أو مظلوما. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه من حديث جعفر بن عياش/ عن أبي هريرة.
__________
(1) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الذلة (8 / 261) .(5/455)
1516- ص- نا ابن عوت: نا عبد الغفار بن داود: نا يعقوب بن عبد الرحمن، عن مُوسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان من دعاء رسول الله- عليه السلام-: " اللهم إِني أعوذُ بك من زوال نِعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميع سخطِك، (1) .
ش- محمد: ابن عوف الحمصي.
وعبد الغفار بن داود: ابن مهران بن زياد بن داود بن سليمان بن عمير أبو صالح الحراني، ولد بإفريقية سنة أربعين ومائة، وخرج به أبوه إلى البصرة وهو طفل، وكانت أمه من أهلها فنشأ بها، وتفقه وسمع الحديث بها من حماد بن سلمة، ثم رجع إلى مصر مع أبيه، فسمع من: الليث ابن سعْد، وابن لهيعة، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني. روى عنه: ابن عوف وغيره، وتوفي بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين.
قوله: " وفجاءة نقمتك "- بضم الفاء، وفتح الجيم والمد، وبفتح الفاء وسكون الجيم- مقصورة- على وزن ضربة لغتان بمعنى البغْتة من غير مقدمة، والنقمة: بكسر النون، وسكون القاف مثل نِعْمة، ويُقال: نقمة: بفتح النون، وكسر القاف مثل كلمة. والحديث أخرجه: مسلم. ورواه عن أبي زرعة الرازي أحدِ حفاظ الإسًلام وأكثرهم حفظا- ولم يرو مسلم في " صحيحه " عنه غير هذا الحديث، وهو من أقرآن مسلم، توفي بعد مسلم بثلاث سنين سنة أربع وستين ومائتين.
1517- ص- حدثني عمرو بن عثمان: نا بقية: نا ضبارة بن عبد الله بن أبي السّليك، عن دويد بن نافع: نا أبو صالح السمان قال: قال أبو هريرة - رضي الله عنه-: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدْعو يقولُ: لا اللهم إني أعوذُ بك من الشِّقاقِ والنفاقِ، وسُوءِ الأخلاقِ " (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء96- (2739) .
(2) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق (8/ 264) .(5/456)
ش- بقية: ابن الوليد.
وضبارة- بضم الضاد المعجمة وكسرها، وفتح الباء الموحدة بعدها ألف وبعدها راء- ابن عبد الله بن أبي السليك أبو شريح الشامي الحضرمي. روى عن: دويد بن نافع. روى عنه: بقية، قال السعْدي: روى حديثا معضلا. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
ودُويد- بضم الدال المُهْملة، وفتح الواو، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره دال- أيضا- ابن نافع القرشي الأموي مولاهم، أبو عيسى الدمشقي، ويقال: الحمْصي. روى عن: أم هانئ بنت أبي طالب، وعروة بن الزبير، وأبي صالح السمان، والزهري وغيرهم. روى عنه: أخوه مسلمة بن نافع، وضبارة بن عبد الله، وابنه: عبد الله ابن دويد، قال أبو حاتم: هو شيخ. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " يقُول " بدل من قوله " يدعو ". والشقاق: الخلاف والعداوة. والنفاق: يجوز أن يراد به المعنى المخصوص , وهو الذي يسْتر الكفر ويظهر الإيمان، ويجوز أن يراد به الرياء كقوله- عليه السلام-: " كثر منافقي هذه الأمة " قُراؤها " أراد بالنفاق هاهنا الرياء , لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن، ويجوز أن يراد به النفاق المذكور في قوله: " آية المنافق ثلاثا الحديث. والأخلاق: جمع خُلق- بضم اللام " وسكونها- وهو الطبع والسجية. والحديث أخرجه: النسائي. وفي "مختصر السنن ": في إسناده بقية، ودويْد بن نافع، وفيهما مقال
1518- ص- نا محمد بن العلاء: أنا (1) ابن إدريس، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: ْ كان رسولُ الله- عليه السلام- يقولُ: (اللهم إني أعُوذُ بك من الجُوع؟ فإنه بئس الضجِيعُ، وأعوذُ بك من الخِيانةِ , فإنها بِئستِ البِطانة " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: اعن ".
(2) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الخيانة (8/ 263) .
30 هـ شرح سنن أبي داوود 5(5/457)
ش- عبد الله: ابن إدريس "، ومحمد: ابن عجلان، وسعيد: المقبري.
قوله: " فإنه " أي: فإن الجوع بئس الضجيع. والضجيع: الذي يُضاجعك، من ضجع إذا وضع جنبه على الأرضْ يضجع ضجعًا وضجوعًا فهو ضاجع، وأضجع مثله وأضجعْته أنا.
قوله: " بئست البطانة " بطانة الرجل: صاحب سِرّه وداخلة أمره،
الذي يُشاورُه في أمره وأحْواله. والحديث أخرجه: النسائي.
1519- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري، عن أخيه: عباد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقولُ: كان رسولُ
اللهِ/- عليه السلامِ- يقول: " اللهم إني أعوذُ بك من الأرْبع: من علم لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخْشعُ، ومن نفسٍ لا تشْبعُ، ومِن دعاء لا يُسْمعُ " (1) .
ش- عباد- بتشديد الباء- بن كيْسان، وهو ابن أبي سعيد المقبري.
روى عن: أبيه. روى عنه: أخوه: سعيد. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " من علم لا ينفع " العلم الذي لا ينفع وبال وحسْرة كمثل الحمار
الذي يحمل أسفارا. والقلب الذي لا يخشع: قلب قاسٍ لا ينقاد
للطاعة، ولا لأمور الشريعة. والنفس التي لا تشبع: استعارة من الحرص
والطمع والشره، وتعقق النفس بالآمال البعيدة. والدُعاء الذي لا يُسمعُ:
أي لا يُستجاب كلا دعاء، وجوده وعدمه سواء. هذا الحديث وغيره من
الأدعية المسْجُوعة دليل " قاله العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو
المتكلًف , فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويُلْهي عن الضراعة
والافتقار وفرك القلب، فأما ما حصل بلا كلفة، ولا إِعْمال فكرٍ لكمال
__________
(1) النسائي: (263/8) كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من نفس لا تشبع (8 /263) ، وباب: الاستعاذة من دعاء لا يسمع (8 / 284) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: دعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3837) .(5/458)
الفصاحة ونحو ذلك، أو كان محفوظا فلا بأس به، بل هو حسنٌ. والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه. وأخرجه مسلم في " صحيحه" من حديث زيد بن أرقم، عن رسول الله- عليه السلام- بنحوه أتم منه. وأخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله- عليه السلام-، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجْه.
1520- ص- نا محمد بن المتوكل: نا المعتمر قال: قال أبو المعتمر: أرى أن أنس بن مالك حدثنا أن رسول الله- عليه السلام- كان يقول: "إني (1) أعوذُ بك من صلاة لا تنفعُ " وذكر دعاءً آخر (2) .
ش- المعتمر: هو ابنً سليمان، وأبو المعتمر: سُليمان بن طرخان التيمي، والد المعتمر.
قوله: " أرى " على صيغة المجهول، أي: أظن أن انس بن مالك. وقد اتفق البخاري، ومسلم على الاحتجاج بحديث أبي المعتمر، غير انه لم يجزمْ بسماعه من أنسِ بن مالكِ.
1521- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن هلال ابن يساف، عن فروة بن نوفل الأشجعي قال: سألت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- عما كان رسولُ الله يدعو به، قالت: كان يقول: لا اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما عمِلتُ، ومن شرِّ ما لم أعْملْ، (3) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر.
وفرْوة بن نوفل الأشجعي: روى عن: أبيه، وعائشة زوج النبي
__________
(1) في سنن أبي داود: " اللهم إني "
(2) تفرد به أبو داود.
(3) مسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب: التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل (65/ 2716) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التعوذ في الصلاة
(3/ 56) ، وكتاب الاستعاذة، باب: من شر ما عمل وذكر الاختلاف على هلال (8/ 281) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: ما تعوذ منه رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3839) .(5/459)
- عليه السلام-. روى عنه: السّبِيعي، وهلال بن يساف، وشريك بن طارق. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1522- ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن عبد الله بن الزبير ح ونا أحمد: نا وكيع- المعنى-، عن سعْد بن أوس، عن بلال العبْسي، عن شُتيْر بن شكلٍ، عن أبيه- قال في حديث أبي أحمد: شكل بن حميد- قال: قلتُ: يا رسول اللهِ " علمْنِي دعاء، قال: " قلْ: اللهم إني أعوذُ بك من شرِّ سمْعي، ومن شر بصرِي، ومن شر لِسانِي، ومن شرّ قلبِي، ومنْ شرِّ منيي" (1) .
ش- سعْد بن أوس. العبْسي، ويقال: العدوي، ويقال: العْدوي، أبو محمد الكاتب الكوفي، ويقال: البصري. سمع: الشعبي، وانس ابن سيرين، وبلالا (2) العبْسي وغيرهم. روى عنه: وكيع، وأبو نعيم، وأبو أحمد الزبيري وغيرهم، قال ابن معين: بصري ضعيف، وقال " أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وبلال: ابن يحيي العبْسي الكوفي. روى"عن: علي بن أبي طالب، وحذيفة بن اليمان، وشتير بن شكل. روى عنه: سعْد بن أوس، وليث ابن أبي سليم، ووكيع، وحماد، وأبو أحمد الزُّبيْري. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وشتير- بضم الشين المعجمة، وفتح التاء ثالث الحروف، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء- ابن شكل- بفتح الشين المعجمة، وفتح الكاف بعدها لام- ابن حُميد العبْسي، أبو عيسى الكوفي. روى
__________
(1) الترمذي: كتاب الدعوات، باب رقم (75) " (3492) ، النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من شر الذكر (8 / 267) .
(2) في الأصل: " وبلال "(5/460)
عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب، وحفصة زوجِ النبي- عليه السلام-.
روى عنه: الشعبي، وأبو الضحى مسلم بن صُبيح، وعبد الله بن قيس.
روى له: الجماعة إلا البخاري.
وأبوه: شكل بن حُميد العبْسي/ من بني عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان. روى عن: النبي- عليه السلام-، وعداده في أهل الكوفة.
روى عنه: ابنه شتير، ولم يرو عنه غيره، وقال أبو القاسم البغوي بعد
أن ذكر هذا الحديث: لا أعلم له غيره. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي.
قوله: " في حديث أبي أحمد " أبو احمد: كنية محمد بن عبد الله بن
الزبير المذكور.
قوله: " من شرِّ سمعي " شر السمعْ: أن يستمع إلى مالا يجوز سماعه.
وشر البصر: أن ينظر إلى مالا يحل رؤيته. وشر اللسان: أن يتكلم بما لا
يجوز. وشر القلب كثير، والفساد منه كما أن الصلاح منه.
قوله: " ومن شر منيي" أراد ذكره، وقال سعد بن أوس: والمني ماؤه.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي , هذا حديث
حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجْه.
1523- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا مكي بن إبراهيم: نا عبد الله بن
سعيد، عن صيفي مولى أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي اليسر، أن رسول الله
- عليه السلام- كان يدْعو: " اللهم إني أعوذُ بك من الهدم، وأعوذُ بك من
التردِّي، ومن الغرْقِ (1) والحرْق والهرم، وأعوذُ بك أن يتخبّطنِي الشيطان
عند الموت، وأعوذُ بك أن أموت في سبيلك مُدبرا، وأعوذُ بك أن أموت
لدِيغًا " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وأعوذ بك من الغرق ".
(2) النسائي ": كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من التردي والهدم (8/ 282)(5/461)
ش- عبد الله بن سعيد: ابن أبي هند الفزاري.
وصيْفي مولى افلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أبو زياد، ويقال: أبو سعيد. روى عن: أبي السائب مولى هشام بن زهرة. روى عنه: سعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس، وعُبيد الله بن عمر، وعبد الله بن سعيد، ومحمد بن عجلان. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأبو اليسر- بفتح الياء آخر الحروف، وبعدها سيئ مهملة مفتوحة وراء- كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غزيّة بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السُلمي، أبو اليسر، شهد العقبة وبدرًا وهو ابن عشرين سنة، وهو الذي أسر العباس بن عبد المطلب يومئذ. روى له: مسلم حديثا طويلا فيه ثلاثة أحاديث من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، مات سنة خمس وخمسين بالمدينة , وهو آخر من مات من أهل بدر. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " من الهدم "- بسكون الدال- من هدمْتُ البناء، والهدم
- بالتحريك- البناء المهدوم , فعل بمعنى مفعول. واستعاذ بالله من أن يهدم عليه بناء أو جدار ونحوها، ومنه الحديث: إنه كان يتعوذ من الأهْدميْن، وهو أن ينْهار عليه بناء، أو يقع في بئر، أو أُهْوِيّة.
قوله: " من التردِّي " أي: السقوط من موضع عال، يُقال: ردى وتردّى لغتان كأنه تفعل من الرّدى: الهلاك.
قوله: " والهرم " وهو كِبر السن، وقد مر مرةً.
قوله: " أن يتخبطني الشيطان " أي: من أن يسْتولي علي الشيطان عند مفارقة الدنيا فيضلني، ويحول بيْني وبن التوبة، ويعُوقني (1) عن الخروج من مظلمة كانت عندي، أو معناه: يُؤيِسني من رحمة الله تعالى، أو أتكره الموت وأتأسفُ على الحياة. وقد رُوي أن الشيطان لا يكون في حال
__________
(1) في الأصل: " ويعقوقِني ".(5/462)
أشد على ابن آدم منه في حال الموت، يقول لأعوانه: دونكم هذا , فإنه إن فاتكم اليوم لم تلحقوه.
قوله: " مُدبرا " المُدبر: الذي أدبر خيره.
قوله: " لديغا " أي: ملدوغًا؟ يقال: لدغه العقرب ولدغته الحية، أي: قرصته وعضته. والحديث أخرجه: النسائي.
1524- ص- نا إبراهيم (1) بن موسى الرازي: أنا عيسى، عن عبد الله ابن سعيد قال: حدثني مولى ابن أبي أيوب، عن أبي اليسر، زاد (1) فيه: "والغمِّ " (2)
ش- عيسى: ابن يونس.
قوله: " زاد فيه " أي: في الحديث " والغم " أي: وأعوذ بك من الغم.
1525- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا قتادة، عن أنس، أن النبي- عليه السلام- كان يقولُ: " اللهم إني أعوذُ بك من البرصِ والجُذام والجُنُونِ، وسيءِ الأسْقام (3) " (4) .
ش- حماد: ابن سلمة. والحديث أخرجه: النسائي.
إنما استعاذ من هذه الأسقام , لأنها عاهات تُفْسد الخلقة وتُبْقي الشّين، وبعضُها يؤثر في العقل , وليْست كسائر الأمراض/ التي إنما هي أعراض لا تدوم، كالحمى، والصداع، وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات، وإنما هي كفارات وليست بعقوبات، والله أعلم.
1526- ص- نا أحمد بن عبيد الله الغُداني: أنا حسان بن عوف، أنا
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من التردي والهدم (8 / 283) .
(3) في سنن أبي داود:" والجنون والجذام ومن سوء الأسقام"
(4) النسائي: كتاب الاستعاذة، باب: الاستعاذة من الجنون (8/ 270) .(5/463)
الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: " دخل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومِ المسجد، فإذا هو برجُل من الأنصار يقالُ له: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة (1) ؟ قال: هُموم لزمتني، ودُيون يا رسول الله، قال: أفلا أعلِّمُك كلاما إذا قلته (2) أذهب الله همّك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلتُ: بلى يا رسول اللهِ، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذُ بك من الهمِّ والحزْنِ، وأعوذُ بك من العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بك من البُخْلِ والجبنِ (3) ، وأعوذُ بك من غلبة الدّينِ وقهْرِ الرِّجالِ، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهب اللهُ سبحانهُ همِّي، وقضُى عنِّي ديْني " (4) .
ش- أحمد بن عبيد الله بن سهيل بن صخر الغُداني البصري. روى عن: خالد بن الحارث، وروح بن المسيب الكلبي. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: هو صدوق، مات سنة أربع وعشرين ومائتين (5) .
والغُداني بضم الغين المعجمة، وتخفيف الدال، نسبة إلى غدانة حي من يربوع، قاله: الجوهري.
وغسان بن عوف روى غن: الجريري. روى له: أبو داود. والجُريري سعيد بن إياس، وأبو نضرة المنذر بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو أمامة هذا يشبه أن يكون إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي، فان أبا أمامة اسعد بن زرارة مات سنة إحدى من الهجرة، ويقال: إنه أول من بايع رسول الله ليلة العقبة، وكان نقيبا عقبيا.
قوله: " وديون " بالرفع عطف على قوله: " هموم ".
قوله: " من الهم والحزن " قيل: هما واحد، قلت: ليس الأمر
__________
(1) في سنن أبي داود:"الصلاة ".
(2) في سنن أبي داود:" إذا أنت قلته"
(3) في سنن أبي داود:" الجبن والبخل ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 77) .(5/464)
كذلك، قد ذكرت في شرحي على " الكلم الطيب " (1) : أن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع، والحزن فيما قد وقع، والهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقول: همني الشيءُ، أي: أذابني، وسنام مهموم، أي: مذاب، ويقال: أهمني إذا طرح في قلبه الهم، وفي المثل: همك ما أهمك، كما تقول: شغلك ما شغلك " وباقي الألفاظ قد شرحناه.
وفي هذه الأحاديث التي تقدمت دليل لاستحباب الدعاء والاستعاذة من هذه الأشياء المذكورة وما في معناها، وهذا هو الصحيح الذي أجمع عليه العلماء، وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار، وذهبت طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء، وقال آخرون منهم: إن دعي للمسلمين فحسن، وإن دعي لنفسه فالأولى تركه، وقال آخرون منهم: إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب وإلا فلا، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسّنّة في الأمر بالدعاء وفعله، والإخبار عن الأنبياء- عليهم السلام- بفعله (2) .
__________
(1) انظره (ص/ 335) بتحقيقي.
(2) كتب في هامش المخطوط: " بلغ سماعي إلى هنا يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى عام ست وقت ما تم على الشيخ تقي الدين الدجوي بقراءتي عليه ".(5/465)
3- كتاب الجنائز
أي: هذا كتاب في بيان " أحكام الجنائز " وأبوابها، وذكر في رواية اللؤلؤة نقيب الباب المذكور الذي هو آخر أبواب كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، وذكر الجنائز نقيب أبواب كتاب الجهاد، ولكن هذا أنسب،
وأوفق لترتيب كتب الفقه، وكذا ذكر الخطابي في " معالم السنن " كتاب الجنازة في هذا الموضع، وفي غالب النسخ الصحيحة كذلك، والجنائز جمع جنازة، والجنازة- بفتح الجيم- اسم للميت، وبكسرها اسم للنعش الذي نحمل عليه الميت، ويقال عكسه حكاه " صاحب المطالع " واشتقاقها من جنز إذا ستر، ذكره ابن فارس وغيره، والمضارع يجنز - بكسر النون- ويقال: الجنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح،
ومنهم من فرق كما ذكرناه.
فإن قيل: لم قال: " كتاب الجنائز "، ولم يقل: " باب الجنائز "
مضموما إلى أبواب الصلاة؟ قلت: لخروجها عن كثير من أحكام الصلوات، حيث لا ركوع فيها ولا سجود، ولا قراءة عند كثير من العلماء، وأيضا هي مشتملة على أبواب شتى فذكرها/ بلفظ الكتاب 185/21- ب، ليجمع تلك الأبواب، وقد ذكرنا أن الكتاب من الكتب وهو الجمع، والباب النوع، والكتاب يجمع الأنواع.
1- باب: الأمراض المكفرة للذنوب
أي: هذا باب في بيان الأمراض المكفرة للذنوب، والأمراض جمع مرض وهو السقم.
1527- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي، نا محمد بن سلمي، عن
محمد بن إسحاق، حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور، عن
عمه، حدثني عمي، عن عامر الرام أخي الخضر (1) ، قال النفيلي: هو
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: قال الطفيلي".(6/5)
الخضر، ولكن كذا قالي محمد (1) : إني لببلادنا إذ رُفِعَتْ لنا رايات وألوية فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: هذا رسولُ الله (2) فأَتيتُه وهو تحت شَجرة قد بُسطَ له كساءٌ، وهو جالسٌ عليه، وقد اجَتمعَ إليه أصحابه، فجلستً إليهم، فذكَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأسقامَ، فقال: " إن المؤمنَ إذَا أصابَه السقمُ، ثم أعفَاهُ اللهُ منه، كان كَفارةً لما مَضَى من ذُنُوبه، ومَوعظةً له فيما يَستقبلُ، وإن المنافقَ إذا مَرِضَ، ثم اعْفي كان كالبعيرِ عَقَلًه أهلُه، ثم أرسلُوه فلم يَدرِ لِمَ عَقَلُوهُ، ولم يَدرِ لم أرسلُوَهُ. فقالت رجلٌ ممن حولَه: يا رسولَ الله وما الأسقامُ؟ والله ما مَرضْتُ قَط، قال (3) : قُم عبئا، فلستَ منا، فبينماَ (4) نحنُ عنده إذ أقبلَ رجل عليه كسَاءٌ، وفي يده شيءٌ، قد التفَّ عليه، فقال: يا رسولَ اللهم إني لَمّا رأيتُكَ أقَبلتُ، فمررتُ بِغيضَة شجر فسمعتُ فيها أصوات فِرَاَخِ طائر فأخذتهُن فوضعتُهن في كسَائِي، فجاءت أمهُن فاستَدارتْ على رأسي، فكشًفتُ لها عَنْهُن، فوقَعَتْ عَليهن مَعَهُن، فَلَففْتُهن بكسَائي، فهن أولاء مَعي، قالي: ضَعْهُن عنكَ، فوضعتُهن، وأبتْ أمُّهنَ إَلا"زُومَهن، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحَابه: أتعجبون لرَحم أم الأفراخ فِرَاخَهَا؟ قالوا: نَعم، يا رسولَ اللهِ، قال: فوالذي بَعثنِي باَلحَقِّ لله أَرْحَمُ بعباده من أم الأفراخ بِفِرَاخِهَا، ارجعْ بهنَّ حتى تَضَعَهن من حيثُ أَخذتَهن، وأَمهن مَعَهُن، فرجعَ بِهِن))
__________
(1) في سنن أبي داود: " كذا قاله بدون لفظة محمد ".
(2) في سنن أبي لمحمود: " هذا لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
(3) في سنن أبي لمحمود: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
(4) في سنن أبي داود: " فبينا ".
(5) في سنن أبي داود: " أقبلت إليك ".
(6) تفرد به أبو داود.
(7) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث حديث برقم (3090) ولم يرد في نسخة المصنف، قال عنه المزي في الأطراف: هذا الحديث في رواية ابن العبد وابن حاسة، ولم يذكره أبو القاسم اهـ. وهذا الحديث هو: قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، د إبراهيم بن مهدي المصيصي، المعنى،=(6/6)
ش- أبو منظور ذكره في " الكمال "، في باب الكنى، وقال: روى عن عمه، عن عامر الرام، روى عنه محمد بن إسحاق، روى له أبو داود (1) .
وعامر الرام أخو الخُضْر- بالخاء المعجمة المضمومة، وسكون الضاد المعجمة- وهو حي من محارب خصَفة، روى عن النبي- عليه السلام- حديثا واحدا، وهو الحديث المذكور، وقال فيه " الكمال "، روى عن النبي- عليه السلام- حديثا واحدا في فضل المرض، وسعة رحمة الله تعالى، روى حديثه محمد بن إسحاق بن يسار، عن رجل من أهل الشام، يقال له: أبو منظور، عن عمه، عنه، روى له أبو داود (2) .
قوله: " قال محمد " أي: محمد بن مسلمة.
قوله: فإني لببلادنا" أي: لفي بلادنا، و" اللام " للتأكيد، و " الباء" للظرفية. قوله: " إذ رفعت " كلمة " إذ " على أربعة أوجه، أحدها: أن تكون اسما للزمن الماضي، ولها أربعة استعمالات، أحدها: أن تكون ظرفا وهو الغالب نحو {فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا} (3) والذي في الحديث من هذا القبيل. والثاني: أن تكون مفعولا به نحو {وَاذكُرُوا إذ كُنتُمْ قَلِيلا فَكثرَكُمْ} (4) .
__________
قالا: حدثنا أبو المليح عن محمد بن خالد، قال أبو داود: قال إبراهيم بن مهدي: السلمي، عن أبيه، عن جده، وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
- "- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن العبد إذا سبقت له
من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده " قال أبو داود: زاد ابن نفيل: " ثم صبره على ذلك "، ثم اتفقا: " حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى ".
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/ 7652) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (7/3) ، وأسد الغابة (3/ 1 12) ، والإصابة (2/ 261) ، وتهذيب الكمال (14/ 67 0 3) .
(3) سورة التوبة: (0 4) . (4) سورة الأعراف: (86) .(6/7)
والثالث: أن تكون بدلا من المفعول به نحو (وَاذكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ
إِذا انتَبَذَتْ " (1) ، فإذ بدل اشتمال من مريم.
والرابع: أن يكون مضافا إليها اسم زمان، صالح للاستغناء عنه نحو
" يومئذ " و " حينئذ " أو غير صالح له نحو قوله تعالى: {بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا} (2) .
والوجه الثاني: أن تكون اسما للزمان المستقبل نحو {يَوْمَئذ تُحَدِّثُ
أخْبَارَهَا} (3) .ًَ
والوجه الثالث: أن تكون للتعليل نحو {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليَوْمَ إِذ ظَلَمْتُمْ
أنكُمْ فِي العَذَاب مُشْتَركُونَ} (4) ، والمعنى: ولن ينفعكم اليوم [] (5)
أنكم في العذاب، لأجل ظلمكم في الدنيا.
والرابع: أن تكون للمفاجأة، نص عليه سيبويه، وهي الواقعة بعد
" بينا " و "بينما".
قوله: " ثم أعفاه الله " أي: عافاه الله، كلاهما بمعنى، مِنَ العافية،
وهي دفاعُ اللهِ عن العبدِ.
قوله: "ثم أعفي" بضم الهمزة وكسر الفاء بمعنى عوفي من المعافاة.
قوله: "عَقَله" أي: ربطه.
قوله: " بينما نحن عنده " أي: عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكلام في
"بينا" و "بينما" مر غير مرة.
قوله: "غيضة شجرة" - بالضاد- الساقطة، وهي الأجمة وهي مغيض
ماء يجتمع فينبت فيه الشجر، والجمع غياض، وأصلها من غاض الماء
[186] ، يغيض غيضا/ أي: قل ونضب.
__________
(1) سورة مريم: (16) .
(2) سورة آل عمران) . (8) .
(3) سورة الزلزلة: (4) .
(4) سورة الزخرف (3) .
(5) بياض قدر كلمة، وأظنه ليس مكتوبا فيه شيء.(6/8)
قوله: "فراخ" طائر الفراخ جمع فرخ، الفرخ ولد الطائر والأنثى فرخة، وجمع القلة أفرخ وأفراخ، والكثير فراخ بالكسر، وأفرخَ الطائرُ وفرخ، والطائر جمعه طير، مثل صاحب وصحْب، وجمع الطير طيور وأطيار، مثل فرخ وأفراخ.
قوله: " الله أرحم بعباده " اللام المفتوحة في " لله " للتأكيد، والرحمة: العطف، والحنو، والرقة.
1528- ص- نا (1) محمد بن عيسى، ومسدد، المعنى، قالا: نا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، عن أبي بردة، عن ألف موسى، قال: سمعت النبي- عليه السلام- يقول غير مرة ولا مرتين (2) : " إذا كانَ العبدُ يعملِ (3) صالحاً فَشَغَلَهُ عنه مَرضن أو سَفر كُتبَ له كَصَالِح ما كانَ يَعملُ وهو صحيح مُقِيم " (4) .
ش- محمد بن عيسى الطباع، وهشيم بن بشير السلمي الواسطي، وأبو بردة عامر بن عبد الله بن قيس الكوفي، وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري.
قوله: " غير مرة " نصب على أنه صفة لمصدر منصوب محذوف تقديره
" يقول قولا غير مرة ".
قوله: " وهو صحيح مقيم " جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي
في "يعمل" في قوله: " ما كان يعمل ".
والحديث أخرجه البخاري.
__________
(1) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت باب: " إذا كان الرجل يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر ".
(2) في سنن أبي داود: " غير مرة ولا مرتين يقول".
(3) في سنن أبي داود: "يعمل عملا ".
(4) البخاري: كتاب الجهاد، باب: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة (2996)(6/9)
529 ا- ص- نا (1) سهل بن بكار، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن أم العلاء، قالت: " عَادني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مَرِيضَة، فقال: أبْشرِي يا أم العَلاء، فإن مَرَضَ المُسلِم يُذهبُ اللهُ به خَطَايَاهُ، كما تُذهب النار خَبَثَ الذهبِ وَالفِضةِ " (2) .
ش- سهل بن بكار القيسي الدارمي أبو بشر البصري، روى عن شعبة، وأبان بن يزيد العطار، وأبي عوانة، روى عنه محمد بن عثمان بن الحارث، وأبو جعفر محمد بن محمد التمار البصري، والعباس بن الفضل، قال أبو حاتم: هو ثقة، مات سنة ثمان وعشرين ومئتين، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي (3) . وأبو عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء الواسطي، وعبد الملك بن عمير القرشي الكوفي، وأم العلاء عمة حزام بن حكيم بن حزام الأنصاري، روى عنها حديثا في المرض، روى لها أبو داود.
ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: إن عيادة الرجال للنساء المريضة جائزة.
الثانية. ينبغي للعائد أن يبشر المريض بذهاب خطاياه، فإن فيها تسلية لقلبه، وتقوية لجنانه.
والثالثة: إن المرض يذهب بالخطايا، كما تَذهبُ النار بخبث الذهب والفضة.
1530- ص- نا مسدد، نا يحي، ح، ونا ابن بشار، نا عثمان بن عمر (4) ، وهذا لفظه (5) ، عن أبي عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " قلتُ: يا رسول اللهِ، إني لأعْلَمُ أشذَ آية
__________
(1) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت باب: "عيادة النساء".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 5 0 26) .
(4) في الأصل: "عمرو" خطأ.
(5) في سنن أبي داود: قال أبو داود: " هذا لفظ ابن بشار".(6/10)
في كتاب اللهِ تعالى، قال: أيةُ آية يا عائشةُ؟ قلتُ (1) : قَولَ الله عز وجل {مَن يَعْمًلْ سُوءً يُجْزَ به} (2) . قال: أمَا علمتِ يا عائشةُ أن اَلمسلم (3) تُصيبهُ النكبةُ أو الشوكةُ فَيكافأ بأسْوَء عَمَله؟ ومَنْ حُوسبَ عُذبَ قالتْ: أليسَ يقولُ اللهُ عز وجل: {فَسَوْفَ يُحَاسَبَ حِسَاباً يَسِيراً} (4) قال: ذلِكمُ العَرْضُ، يا عائشةُ، مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذبَ " (5) ، (6) .
ش- يحي القطان، ومحمد بن بشار، وعثمان بن عمر (7) بن فارس العبدي البصري، وأبو عامر صالح بن رستم الخزاز المدني مولاهم المصري، وابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة.
قوله: " هذا لفظه " أي: لفظ ابن بشار.
قوله: " أشد آية" أي: أقوى آية في الإخبار في الوعيد.
قوله تعالى: " يُجْزَ به " أي: بالسوء و "يجز"، مجزوم لابنه وقع جوابا لقوله:"مَن يَعْمَل ".
قوله: "النكبة" واحدة نكبات الدهر، يقال: أصابته نكبة، ونكب فلان فهو منكوب، وإنما ذكر قوله: "أو الشوكة" إشارة إلى أن النكبة وإن كانت يسيرة جدا مثل الشوكة التي تنغرز في يديه، فإن صاحبها يكافأ بأسوأ عمله بسبب ذلك.
قوله: "فيكافأ " يعني: فيجازى بأسوأ عمله، بمعنى يجعل تلك النكبة في مقابلة سوء عمله، فيتساويان، فيجعل ذاك بذاك، وأصله من
__________
(1) في سنن أبي داود: "قالت ".
(2) سورة النساء: (123) .
(3) في سنن أبي داود " أن المؤمن ".
(4) سورة الانشقاق: (8) .
(5) تفرد به أبو داود.
(6) في سنن أبي داود بعد الحديث: "قال أبو داود: وهذا لفَظ ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي مليكة ".
(7) في الأصل: " عمرو " خطأ.(6/11)
الكفؤ وهو النظير والمساوي، ومنه الكفاءة في النكاح، وهو أن يكون
الزوج مساويا للمرأة في حسبها ودينها، ونسبها، وغير ذلك وفي بعض
النسخ: (فيحاسب بأسوأ عمله" موضع "فيكافأ" وقد أخرج البخاري
ومسلم في "صحيحيهما": " أليسَ يقولُ اللهُ عز وجل ... " وما بعده
إلى آخر الحديث.
186/21- ب،/ 1531- ص- نا (1) عبد العزيز بن يحي، نا محمد بن سلمي، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال:
"خَرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعودُ عبدَ الله بنَ أبَن في مَرَضِهِ الذي ماتَ فيه، فلما
دخلَ عليه عَرَفَ فقيه الموتَ، قالي: قد كنتُ أنهَاكَ عن حُبِّ يهودِ، قال: فقد
أبْغَضَهُم أسعدُ بن زُرَارَةَ (2) ، فلما ماتَ أتاه ابنُه فقالت: يا رسولَ الله" إن
عبدَ اللهِ بنَ أبَن قد ماتَ، فأعطِني قميصَك أكفنهُ فيه، فنزعَ رسولُ الَلهِ "
قميصَه فأعطاهُ إياهُ " (3) .
ش- عبد العزيز بن يحمى أبو الأصبغ الحراني، ومحمد بن سلمة
الحراني.
قوله: " يعود" جملة وقعت حالا من الرسول، وعبد الله بن أبي بن
سلول كان رأس المنافقين، وكان ظاهر النفاق، أنزل الله تعالى في كفره
ونفاقه آيات من القرآن تتلى.
فإن قيل: كيف جازت للنبي- عليه السلام- تكرمة المنافق، وتكفينه
في قميصه؟
قلت: كان ذلك مكافأة له من عمل صنيع سبق له، وذلكم أن العباس
- رضي الله عنه- عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا
__________
(1) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت باب: " في العيادة".
(2) في سنن أبي داود: " أبغضهم سعد بن زرارة فمه،.
(3) تفرد به أبو داود.(6/12)
له قميصا، وكان رجلا طوالا، فكساه عبد الله قميصه، فأراد النبي - عليه السلام- أن يكافئه على ذلك، لئلا يكون لمنافق عنده يد لم يجازه عليها، وليكون ذلك إكراما لابنه الصالح، فقد كان مسلما بريئا من النفاق وكان اسمه: الحباب، فقال رسول الله: أنت عبد الله بن عبد الله، الحباب اسم شيطان، وقد قيل للنبي- عليه السلام- لم وجهت إليه بقميصك، وهو كافر؟ فقال: إن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا، وإني أؤمل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب، فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله- عليه السلام- وكذلك ترحمه- عليه السلام- واستغفاره كان للدعاء إلى التراحم والتعاطف، لأنهم إذا رأوه يترحم على من يظهر الإيمان وباطنه على خلاف ذلك دعي المسلم إلى أن ينعطف على من والى قلبه لسانه، ورآه حتما عليه، وقال الخطابي (1) : "فيه دليل على جواز التكفين بالقميص ".
قلت: لا نسلم ذلك، لأنه كان كافرا، فصار القميص وغيره من الأثواب في حقه سواء، وإنما كان هذا سترا له كما في حق سائر الكفار إذا ماتوا، ولم يكن هذا تكفينا على وجه السنة كما في حق المسلمة، حتى يقال بجواز التكهن بالقميص فافهم.
2- باب: في عيادة الذمي
أي: هذا باب في بيان عيادة الذمي، وعيادة الذمي زيارته، لكونه مريضا، وكذا عيادة المريض زيارته، مِن عاد يعود عودا، أي: صار إليه.
1532- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن ثابت، عن أنس
رضي الله عنه- "أن غلاما من اليهودِ كان مَرِضَ، فَأتَاهُ النبي- عليه
__________
(1) معالم السنن (1/ 260) .(6/13)
السلام- بَعوده، فَقَعَدَ عندَ رأسه (1) ، فَنَظَرَ إلى أبيه وهو عندَ رأسه فقال (2) : أطِعْ أباد القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم، فقامَ النبي- عليه السلام- وهو يقولُ الحَمْدُ لتهم الذي أنقَذه (3) من النارِ" (4) .
ش- حماد بن زيد، وثابت البناني.
قوله: "أنقذه" بالذال المعجمة، أي: خلصه ونجاه، وفيه دليل على جواز عيادة أهل الذمة، ولا سيما إذا كان الذمي جارا له، لأن فيه إظهار محاسن الإسلام، وزيادة التأليف بهم ليرغبوا في الإسلام، والحديث أخرجه البخاري في " صحيحه "، والنسائي في " سننه ".
3- باب: المشي في العيادة
أي: هذا باب في بيان فضل المشي في عيادة المريض، وفي بعض النسخ لفظ الباب ليس بموجود فيه.
1533- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال:"كان النبي عن يعُودُنِي، ليسَ بِرَاكبِ بَغْلٍ، ولا بِرْذوْنَ " (5) .
ش- البِرذون- بكسر الباء- قال الجوهري: البِرذون الدابة، والأنثى بِرذونة، وذكر غيره أن البِرذون الفرس العجمي. وفيه ما يدل على فضيلة عيادة المريض ماشيا، فإن ركب جاز، والأولى اتباع صاحب الشرع لما فيه من إظهار التواضع، وإدخال السرور في قلب المريض/ وليس في
__________
(1) في سنن أبي داود: "فقعد عند رأسه فقال له: أسلم ".
(2) في سنن أبي داود: "فقال له أبوه".
(3) في سنن أبي داود:"الذي أنقذه بي".
(4) البخاري: كتاب المرضى، باب: عيادة المشرك (5657) ، النسائي في الكبرى. (5) البخاري: كتاب المرضى، باب: عيادة المريض راكبا وماشية وردفاً على الحمار (5664) ، الترمذي: كتاب المناقب، باب: في مناقب جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (3851) .(6/14)
بعض النسخ ذكر لفظ الباب، والحديث أخرجه البخاري، والترمذي - رحمهما الله تعالى-.
4- باب: من عاد مريضا وهو على وضوء (1)
أي: هذا باب في بيان فضل من عاد مريضا، والحال أنه على الوضوء، وفي كثير من النسخ ليس فيه ذكر لفظ الباب.
1534- ص- نا محمد بن عوف الطائي، نا الربيع بن روح بن خليد (2) ، يا محمد بن خالد، نا الفضل بن دلهم الواسطي، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- عليه السلام-:"مَن توضأ فأحسَن الوُضوءَ، وعادَ أخَاه المسلمَ مُحْتَسِباً، بُوعدَ من جَهنمَ مَسيرَة ستين (3) خَريفا. قلتُ: يا أبَا حَمزةَ، وما الخَريفُ؟ قالَ: الَعَامُ " (4) (5)
ش- محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر الحمصي الطائي.
والربيع بن روح بن خليد (2) ، أبو روح، سمع: الحارث بن عَبدة أو عبيدة، ومحمد بن خالد، روى عنه: محمد بن عوف الطائي، روى لها: أبو داود، والنسائي (6) .
ومحمد بن خالد الوَهْبي الحمصي الكندي أخو أحمد، روى عن: محمد بن عمرو بن القمة وغيره، روى عنه: الربيع بن روح وغيره، روى له: البخاري، وأبو د وود، وابن ماجه (7) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في فضل العيادة على وضوء ".
(2) في الأصل: " خالد" خطأ. (3) في سنن أبي داود " سبعين".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " قال أبو داود: والذي تفرد به البصريون منه العيادة وهو متوضئ".
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1860) .
(7) المصدر السابق (25/ 5180) .(6/15)
والفضل بن دلهم البصري، وقيل: الواسطي القصاب، روى [عن] : الحسن البصري، وابن سيرين، وقيادة، وثابت البناني، روى عنه: محمد بن القاسم، وعبد الله بن المبارك، ووكيع وغيرهم، قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس، وقال يحرص بن معين: صالح، وقال أبو داود: ليس بالقوي ولا بالحافظ، روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) . قوله: "محتسبا" حال عن الضمير الذي فيه "عاد"، أي: طالبا لوجه الله وثوابه، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد، صانعا قيل لمن ينوي بعمله وجهه الله: احتسبه، لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد، والاحتساب في الأْعمال الصالحات وعند المكروهات هو: البدار إلى طلب الأجر، وتحصيله بالتسليم، والصبر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها.
قوله: " بُوعد" مجهول باعد.
قوله: "قلت" قول ثابت البناني، وأبو حمزة كنية أنس بن مالك ص في الله عنه- وقد فسر أنس- رضي الله عنه- الخريف بالعام وهو من باب المجاز، حيث أطلق على الكل اسم جزئه، لأن الخريف أحد فصول السنة تخترف فيه الثمار، أي: تجتني. وفيه من الفوائد استحباب الوضوء عند عيادة المريض، وأنها إنما تعتبر وتعتد إذا كانت على وجه الاحتساب، لينال هذا الفضل العظيم، حتى إذا كانت على وجه الرياء والسمعة، أو لأجل غرض دنياوي لا ينال تلك الفضيلة، ولقد رأينا كثيرا من الأكابر مثل الأمراء، وغيرهم من الحكام ينزلون عند أرباب الدنيا إذا مرضوا، وقصدهم من ذلك أن يقدموا لهم تقادم من الخيول، والقماش، والمماليك، فهؤلاء وأمثالهم خارجون عن هذا الوعد العظيم، والحديث لم يخرجه غير أبي داود من الأئمة الستة.
__________
(1) المصدر السابق (23/ 4733) .(6/16)
1535- ص- نا محمد بن كثير، أنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الله بن
نافع، عن علي- رضي الله عنه- قال: " مَا مِن رَجُلِ يعودُ مَريضاً مُمْسِياً إلا
خرجَ معه سبعونَ ألفَ مَلَكِ يستغفِرُون له حتى يُصبحَ، وكان له خَرِيف في
الجنةِ، ومن أتاه مُصْبِحاً خرجَ معه سبعونَ ألفَ مَلَك يستغفرونَ له حتى
يُمْسِيَ، وكان له خَري"في الجنةِ " (1) .
ش- شعبة بن الحجاج، والحكم بن عتيبة.
قوله: "ممسياً" حال عن الضمير الذي في " يعود"، وكذا قوله:
"مصبحاً" أي: في حال المساء وحال الصباح، وقد دل هذا على ابن عيادة
المريض في المساء لا تمنع كما يتأبى عنها كثير من العوام، والحديث يرد
عليهم.
قوله: "خريفاً" أي: " (2) مخروف من ثمر الجنة، فعيل بمعنى مفعول، وهذا كالحديث الآخر: "عائد المريض على مخارف الجنة " والمعنى- والله أعلم- أنه بسعيه إلى عيادة المريض يستوجب الجنة ومخارفها".
فإن قلت: ما وجه الحكمة في تعيين/ السبعة ألفا من بين سائر [2 / 187 - ب] الأعداد؟ قلت: قد عرفت أن العدد لا نهاية له، وأن مراتبه آحاد
وعشرات ومئات وألوف، وهذا يشمل المراتب كلها، أو يكون فيها حكمة
خفي علينا وجهها، والله أعلم.
وفي بعض النسخ في أول هذا الحديث: "باب جامع فضل العيادة"،
والحديث موقوف- كما ترى- ولم يخرجه غيره من الستة.
1536- ص- يا عثمان بن أي شيبة، يا أبو معاوية، نا الأعمش، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر: معالم السنن (1/ 260) .
52 شرح سنن أبي داوود 6(6/17)
الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، لم يذكر "الخريف " (1) (2) .
ش- أراد بهذا أن عبد الرحمن بن أبي ليلى روى هذا الحديث عن علي
- رضي الله عنه- ولم يذكر فيه: "وكان له خريف في الجنة" وإنما وقع في رواية عبد الله بن نافع، عن علي- رضي الله عنه- وهذا موقوف، وأخرجه ابن ماجه، وقال أبو بكر البحار: وهذا الحديث رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ورواه شعبة، عن الحكم، عن عبد الله بن نافع، وهذا اللفظ لا يعلم رواه إلا علي، وقد روي عن علي- رضي الله عنه- من غير وجه.
ص- قال أبو داود: رواه منصور، عن الحكم، كما رواه شعبة.
ش- أي: روى الحديث المذكور منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عتيبة، كما رواه شعبة بن الحجاج، عن الحكم بن عتيبة وقد قال أبو داود - رحمه الله-: أسند هذا عن علي- رضي الله عنه- من غير وجه، عن النبي- عليه السلام-.
5- باب: في العيادة مرارا
أي: هذا باب في بيان عيادة المريض مرارا، وفي بعض النسخ "باب الرجل يعاد مرارا".
1537- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا عبد الله بن نصير، عن هشام بن
__________
(1) ابن ماجه كتاب الجنائز، باب: ما جاء في ثواب من عاد مريضا (1442) .
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث حديث (3100) وليس في نسخة المصنف، وهو حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن أبي جعفر عبد الله بن نافع قال:- وكان نافع غلام الحسن بن علي- قال: " جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده".
قال أبو داود: وساق معنى حديث شعبة. قال أبو داود: أسند هذا عن علي
عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه صحيح.(6/18)
عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " لَهَا أصيبَ سعدُ بنُ مُعاذ يومَ الخَندقِ رَمَاهُ رَجُل في الأكْحَلِ، فضربَ عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خيمةً في الًمسجد ليعود (1) من قريب " (2) .
ش- (3) سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القدس بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الأشهب بن عمرو بن مالك بن الأوس سيد الأوس أبو عمرو، شهد بدرا، وأحدا، واستشهد زمن الخندق، صح أن رسول الله- عليه السلام- قال: " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" روى عنه عبد الله بن مسعود، قال: "كنت صديقا لأمية [بن] خلف" الحديث، أخرجه: البخاري، ويوم الخندق هو غزوة الأحزاب، كانت في شوال سنة خمس من الهجرة، نص عليه محمد بن إسحاق، وقال موسى بن عقبة: عن الزهري، أنه قال: ثم كانت الأحزاب في شوال سنة أربع، وكذا قال مالك بن أنس، فيما رواه أحمد بن حنبل، عن موسى بن داود، عنه، والجمهور على قول ابن إسحاق، ومات سعد بعد انقضاء شأن بني قريظة، وكان قد دعي الله أن لا يميته حتى تقر عينه من بني قريظة، وذلك حين نقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله من المواثيق والعهود، ومالئوا عليه مع الأحزاب، ولما انقضى شأنهم انفجر جرحه فمات منه شهيدا، وقال ابن كثير: وكانت وفاته بعد انصراف الأحزاب بنحو أن خمس وعشرين ليلة، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس كما ذكرنا، فأقاموا قريبا من شهرين، ثم خرج رسول الله لحصار بني قريظة، فأقام عليهم خمسا وعشرين ليلة، ثم نزلوا على حكم سعد، فمات بعد
__________
(1) في سنن أبي داود: "ليعوده ".
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب (4121) ، مسلم: كتاب الجهاد، باب: جواز قتال من نقض العهد 65- (1769) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: ضرب الخباء في المساجد (2/ 45) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (27/2) ، وأسد الغابة (2/ 373) ، والإصابة (2/ 37)(6/19)
حكمه عليهم بقليل، فيكون ذلك في أواخر ذي القعدة، أو أوائل
ذي الحجة من سنة خمس، وعن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: "لقد هبط يوم مات سعد بن معاذ سبعون ألف ملك
إلى الأرض لم يهبطوا قبل ذلك، ولقد ضمه القبر ضمة " ثم بكى نافع.
رواه البزار بإسناد جيد.
وروى البيهقي بإسناده إلى أمية بن عبد الله، ابنه سأل بعض آل سعد:
ما بلغكم من قول رسول الله في هذا؟ فقالوا: "يذكر لنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول ".
قوله: " رماه رجل" هو حبان بن العرقة- لعنه الله- رماه بسهم
فأصاب أكحله، فحسمه رسول الله كيا بالنار، فاستمسك الجرح،
والأكحل عرق في اليد يُفصدُ، ولا يقال: عرق الأكحل وعروق الفصل
في اليد ثلاثة: القيفال، والأكحل، والباسليق، فالأكحل بين القيفال والباسليق، فالقيفال من فوق، والباسليق من أسفل./ واستفيد من الحديث جواز التكرار في عيادة المريض، ولا سيما إذا كان المريض ممن
يحبه، لأن رسول الله- عليه السلام- إنما ضرب عليه خيمة في المسجد
ليكون قريبا منه، فيعوده كل وقت، واستفيد أيضا جواز تمريض المريض
في المسجد، وجواز نصب الخيمة فيه، والحديث أخرجه البخاري،
ومسلم، والنسائي- رحمهم الله تعالى-.
6- باب: العيادة في الرمد (1)
أي: هذا باب في بيان جوار العيادة من رمد العين.
1538- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي، نا حجاج بنِ محمد، عن
يونس بنِ أي إسحاق، عن أبيه، عن زيد بن أرقم، قال: " عَادني رسولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم من وجَع كان بعيني" (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "من الرمد ".
(2) تفرد به أبو داود.(6/20)
ش- حجاج بن محمد الأعور، ويونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني أبو إسرائيل الكوفي.
واستدل من الحديث أن العيادة تجوز من رمد العينين، خلافا لما تزعمه العامة من الناس أن الرَّمْدَانَ لا يزار، والحديث يرد عليهم.
وقوله: " من وجع كان بعيني" عام يشمل سائر أمراض العين من أنواع الرمد، وغيرها فافهم، والحديث لم يخرجه غيره من الستة.
7- باب: في الخروج من الطاعون (1)
أي: هذا باب في بيان الخروج من أرض وقع فيها الطاعون، والطاعون: الموت من الوباء، والجمع الطواعين.
1539- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الحميد
ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، قال: قال عبد الرحمن بن عوف: سمعتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: " إذا سمعتُم به بأرض فلا تَقْدموا عليه، فإذا وَقعَ بأرضٍ وأنَتم بها فلا تخْرُجُوا فِراراً منه" يعني: الًطاعونَ (2) .
ش- عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو يحي المدينة، سمع: أباه، وابن عباس، وعبد المطلب بن ربيعة، روى عنه: عبد الحميد بن عبد الرحمن وغيره، قتله السَّمُومُ مع سليمان بن عبد الملك سنة تسع وتسعين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (3) .
قوله: "به" أي: بالطاعون، وليس هذا إضمار قبل الذكر لجريان ذكره
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب الخروج من الطاعون ".
(2) البخاري: كتاب الطب، باب: ما يذكر في الطاعون (5728) ، مسلم: كتاب السلام، باب: الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها 92- (2218) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب للكمال (15 / 3363) .(6/21)
بين المتكلم والمخاطب، و " الباء" في قوله: "بأرض" ظرف، أي: في أرض.
قوله: " عليه" أي: على الطاعون.
قوله: " يعني الطاعون " تفسير من الراوي لقوله: "به، وعليه، ومنه" لأن الضمائر فيها كلها ترجع إلى الطاعون، فقوله: "لا تقدموا عليه" إثبات الحذر، والنهي عن التعرض للتلف، وقوله: " لا تخرجوا فرارا منه" إثبات التوكل والتسليم لأمر الله تعالى وقضائه، فأحد الأمرين تأديب وتعليم، والآخر تفويض وتسليم، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم مطولاً.
8- باب: الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة
أي: هذا باب في بيان الدعاء للمريض بأن يشفيه الله عند عيادته.
1540- ص- نا هارون بن عبد الله، نا مكي بن إبراهيم، نا الجعيد، عن عائشة بنت سعد، أن أباها قال: " اشتكيتُ بمكة، فجاءَني رسولُ الله (1) صلى الله عليه وسلم يعُودُنِي، ووضعَ يده على جَبِيني، ثم مَسحَ صدْري وبطَنِي، ثم قالَ: اللهم اشفِ سعداً، وأتمِمْ له هِجْرَتَه" (2) ، (3) .
ش- الجعيد بن عبد الرحمن بن أوس، ويقال: ابن أويس المدني، سمع: السائب بن يزيد، ويزيد بن خصيفة، وعائشة بنت سعد بن
__________
(1) في سنن أبي داود: "فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم".
(2) البخاري: كتاب المرضى، باب: وضع اليد على المريض (5659) .
(3) ورد في سنن أبي داود حديث بعد هذا الحديث برقم (3105) وليس في نسخة المصنف، وهو: حدثنا ابن كثير، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن
أبي وائل، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني " قال سفيان: والعاني الأسير.(6/22)
أبي وقاص، روى عنه: سليمان بن بلال، ويحيى القطان، ومكي بن إبراهيم، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
والجُعَيد بضم الجيم، وفتح العين، ويقال: الجعد بفتح الجيم، وسكون العين، وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص القرشية الزهرية. قوله: "اشتكيت " على صيغة المعلوم من اشتكى فلان عضوه إذا كان بها مرض، والمعنى مرضت وضعفت. ويستفاد من الحديث استحباب وضع اليد على جبين المريض عند العيادة، ومسح صدره وبطنه، واستحباب الدعاء له، بأي دعاء شاء، والأفضل أن يقول في جملة دعائه: " اللهم اشف فلانا " ويعاين/ اسمه.
قوله: "أتمم له هجرته " بمعنى عافه ليرجع إلى المدينة، ويموت بها، لتكون هجرته تامة، وذلك لأن من رجع إلى مكة بعد هجرته منها لا تكون هجرته تامة، ولم يبق اليوم هجرة، واليوم الهجرة هجرة عما نهى الله ورسوله عنه، وأخرجه البخاري أتم منه فافهم.
1541- ص- نا (2) الربيع بن يحي، نا شعبة، نا يزيد أبو خالد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي الله عنهم- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن عَادَ مَرِيضاً لم يَحضرْ أجلُه، فقال عنده سبعَ مِرَار: أسألُ اللهَ العظيمَ، رب العَرشِ العظيم، أن يَشْفِيَكَ إلا عَافاه اللهُ- عز وجل- من ذلكَ المرضِ" (3) .
ش- الربيع بن يحيى بن مقسم الأشناني أبو الفضل المرائي (4)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (927/4) .
(2) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت "باب الدعاء للمريض عند العيادة".
(3) الترمذي: كتاب الطب، باب رقم (33) ، (84 0 2) ، النسائي: عمل اليوم والليلة (ص 570) رقم (2083) .
(4) في تهذيب الكمال: "المَرئي ".(6/23)
البصري، روى عن: شعبة، والثوري، وزائدة، روى عنه: البخاري، وأبو داوود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: ثقة ثبت (1) .
ويزيد بن عبد الرحمن الأزدي الدالاني.
قوله: "لم يحضر أجله" صفة لقوله: " مريضا" وقد عرف أن الجملة بعد النكرة تكون صفة، وبعد المعرفة تكون حالاً ويستفاد من هذا القيد أن المريض الذي حضر أجله لا يفيده شيء في تأخير عمره، ولكن العائد إذا قرأ عنده شيئا يفيده في الآخرة، ويفيد القارئ أيضا، وربما يسهل عليه مرضه، ويهون عليه سكرات الموت ببركة القراءة والدعاء.
قوله: "رب العرش" منصوب لكونه صفة "لله"، ويجوز أن ترفع على أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره "وهو رب العرش العظيم" ومعنى العظيم في حق الله تعالى عظمة شأنه، وارتفاع سلطانه، وفي حق العرش كونه أعظم المخلوقات، وذكر الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن بعض السلف: أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء، بُعدُ ما بين قُطْرَيْهِ مسيرةُ خمسين ألف سنة، وبُعدُ ما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، واتساعه خمسون ألف سنة، والعرش في اللغة السرير، وهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سننف للمخلوقات، وبهذا بطل كلام من يقول: إنه فلك مستدير في جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وهو الفلك التاسع، والفلك الأطلس، والأثير.
قوله: "إلا عافاك الله- عز وجل-" معناه ما يفعل ذلك أحد إلا عافاه الله
- عز وجل- من المرض، فتكون كلمة النفي هاهنا مقدرة ليتم الكلام، وكذلك كل موضع يجيء مثل هذا يقدر فيه هذا التقدير، وأخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمرو.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1873) .(6/24)
1542- ص- نا يزيد بن خالد الرملي، نا ابن وهب، عن حُيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن ابن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جَاءَ الرجلُ يعودُ مريضاً فليقلْ: اللهم اشف عبدَكَ، ينكي لك عَدُوا، أو يَمْشِي لك إلى جَنَازَةٍ " (1) (2) .
ش- عبد الله بن وهب، وعبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما-.
قوله: " ينكي" من نكيت في العدو أنكي نكاية، فأنا ناكٍٍ إذا أكثرت فيه الجراح والقتل فَوَهَنُوا لذلك، وقد يهمز، وهو لغة فيه، وهو من باب فعل يفعل، نحو ضرب يضرب، والحديث رواه أحمد في " مسنده " ولفظه: " أو يمشي لك إلى صلاة ".
9- باب: كراهية تمني الموت (3)
أي: هذا باب في بيان كراهية تمني الموت لأجل شدة نزلت به.
1543- ص- نا بشر بن هلال، نا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك- رضِي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " لا يَدْعُوَنَّ أحدُكمِ وبالموت لضُر نزلَ به، ولكن ليَقُلْ اللهم أحيني ما كانتْ الحياةُ خيراً لي، وتَوفني إذا كانت الوفاةُ خيرا لي" (4) .
ش- عبد الوارث بن سعيد التميمي البصري.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود بعد الحديث: " قال أبو داود: وقال ابن السرح: إلى صلاة".
(3) في سنن أبي داود " باب في كراهية تمني الموت ".
(4) البخاري: كتاب المرضى باب: تمني المريض الموت (5671) ، مسلم: كتاب الفن باب: كراهة تمني الموت لضرر نزل به 10- (.2680) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن التمني للموت (970) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الدعاء بالموت (4/ 3، 4) ، ابن ماجه: كتاب الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له (4265) .(6/25)
قوله: " لا يدعون " بنون التوكيد الثقيلة، و " الضر"- بالضم-
خلاف النفع، وكلمة "ما" في قوله: "ما كانت" للمدة، أي: ما دام
كون الحياة خيرا لي، وفي بعض/ النسخ " إذا كانت الحياة خيرا لي " والرواية الأولى أشهر وأصح. ويستفاد منه أن العبد يختار من الدعاء ما
هو خير لدينه أو لدنياه، فافهم.
1544- ص- نا محمد بن بشار، نا أبو داود، نا شعبة، عن قيادة، عن
أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يتمنيّنَّ
أحدُكم الموتَ " فذكر مثله (1) .
ش- أبو داود الطيالسي.
قوله: "مثله" أي: مثل الحديث المذكور الذي رواه عبد العزيز، عن
أنس- رضي الله عنه- وأخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه- رحمهم الله-.
10- باب: في موت الفُجاءة (2)
أي: هذا باب في بيان موت الفُجاءة، الفُجاءة- بضم الفاء- والمد،
يقال: فَجِئه الأمر، وفجاءة فجاءة، وفاجأه مفاجأة إذا جاءه بغتة من غير
تقدم سبب، وقيده بعضهم بفتح الفاء، وسكون الجيم من غير مد على
المرة.
1545- ص- نا مسدد، نا يحي، عن شعبة، عن منصور، عن تميم بن
سلمي، أو سعد بن عبيدة، عن عبيد بن خالد السلمي- رجل من أصحاب
النبي- عليه السلام- قال مرة: عن النبي- عليه السلام- ثم قال مرة: عن
عبيد، قال:"موت الفجَاءَةِ أخذةُ أسَفٍ " (3) .
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: " باب موت الفجأة".
(3) تفرد به أبو داود.(6/26)
ش- يحمى القطان، ومنصور بن المعتمر، وسعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، وعبيد بن خالد السلمي البصري يكنى أبا عبد الله نزل الكوفة، روى عنه: عبد الله بن ربيعة، وسعد بن عبيدة، وتميم بن سلمة، روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
قوله: "قال مرة " أي: قال سعد بن عبيدة مرة: عن النبي- عليه السلام- ففي هذا القول يكون الحديث متصلا، وفي قوله الآخر يكون منقطعا موقوفا.
قوله: "أخذة أسف" الأسف بفتح الهمزة، وكسر السين من الصفات المشبهة، والأسف بفتحتين اسم، والمعنى أخذةُ غضبانَ في الوجه الأول، وأخذةُ غضبٍ في الوجه الثاني يقال: أسف يأسف- من باب علم يعلم- أسفا، فهو أسف إذا غضب، ومنه قوله تعالى: {فَلَما آسَفُونَا انتَقَمْنَا منْهُمْ} (2) ويجوز في الأسف الذي هو صفة تسكين السن ككَتف وَكَتْفٍ، ومعنى الحديث أنه فعل ما أوجب الغضب عليه، والانتقام منه بَأنً أماته بغتة من غير استعداد، ولا حضور لذلك، وقال الشيخ زكي الدين المنذري: وقد روي هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود، وأنس ابن مالك، وأبي هريرة، وعائشة، وفي كل منها مقال، وقال الأزدي: ولهذا الحديث طرق، وليس فيها صحيح عن رسول الله- عليه السلام- هذا آخر كلامه، وحديث عبيد هذا الذي خرجه أبو داود، وقال: إسناده ثقات، والوقف فيه لا يؤثر، فإن مثله لا يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده [إلى النبي عليه السلام؟] (3) .
11- باب: في فضل من مات في الطاعون
أي: هذا باب في بيان فضيلة من مات في الطاعون.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب للكمال (3713/19) .
(2) سورة الزخرف: (55) .
(3) غير واضحة في الأصل.(6/27)
1546- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن
عتيك، عن عتيك بن الحارث بن عتيك وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه،
أنه أخبره، أن جابر بن عتيك أخبره، أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم -: " يعودُ عبدَ الله
ابن ثابت، فوجده قد غُلبَ فصاحَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلم يُجبْهُ، فاسترجَعَ رسولُ الله- عليه السلام- وقال: غُلبْنَا عليك يَا أبا الربيع، فصاحَ النسوةُ
وَبَكَيْنَ، فَجعل ابنُ عتيك يُسكتهُن، فَقال النبي- عليه السلام-: دَعْهُنَّ،
فإذا (1) وجبَ فلا تَبكين باكيةَ، قالوا: وما الوجوبُ يا رسولَ الله؟ قال:
الموتُ، قالت ابنتُه: وَالله إن كنتُ لأرجو أن تكونَ شهيداً، فإنكَ قد كنت
قضيتَ جهازَكَ، قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: إن الله- عز وجل- قد
أوقعَ أجرَهُ على قدرِ نيته، وما تَعدونَ الشَّهادةَ؟ قالوا: القتلُ في سبيلِ الله،
قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: الشَّهادةُ سَبْغ سوى القتل في سبيلِ الله: المَطعُونُ شهيد، والغَرَيقُ شهيد، وصاحبُ ذات الجَنْب شهيد، والمبطُوَنُ شهيدٌ، وصاحبُ الحَريقِ شهيد، والذي يموتَُ تحتَ الهدم شهيد والمرأةُ تموتُ بِجُمْع شهيدة (3) " (4) .
ش- عتيك بن الحارث بن عتيك الأنصاري، روى عن: جابر بن عتيك روى عنه: عبد الله بن عبد الله بن عتيك، روى له: أبو داود، والنسائي وعبد الله بن ثابت (5) .
قوله: "استرجع" أي: قال: "إنا لله، وإنا إليه راجعون "، مثل ما يقال: حوقل، إذا قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله " وبسمل إذا قال: "بسم الله الرحمن الرحيم".
__________
(1) في سنن أبي داود:" فإذ ".
(2) في سنن أبي داود:"والغرق ".
(3) في سنن أبى داود:"شهيدة".
(4) النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البكاء على الميت (14/4) (1847) ، ابن ماجه: كتاب الجهاد، باب: ما يرجى فيه الشهادة (3 0 28) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3790) .(6/28)
قوله: "وما الوجوب؟ " أصل الوجوب في اللغة السقوط قال الله تعالى: {فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا منْهَا} (1) ، وهو أن تميل فتسقط، وإنما يكون ذلكَ إذا زهقت نفسها، ويقابل للشمس إذا غابت: قد وجبت الشمس. قوله: " المطعون شهيد " من طعن الرجل فهو مطعون، وطعين إذا أصابه الطاعون، وذات الجنب خلط يَنصبُّ إلى الغشاء المستبطن للأضلاع، فيُحدثُ ورما حارا، وعلامَته حمى لازمة، وسعال، وضيق نفس، ووجع فاحش، والمبطون العليل البطن، وهو الذي يمشي فؤاده، والبَطينُ العظيم البطن، والمبطان الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكلَ، والمُبْطِنُ الضامر البطن، والبَطِنُ الذي لا يهمه إلا بطنه.
قوله: " بجمع " بضم الجيم، وسكون الميم، والمعنى تموت وفي بطنها ولد وقيل: التي تموت بكرا، والجمع بمعنى المجموع، كالذُّخْرِ بمعنى المَذْخور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة.
ثم قوله- عليه السلام-: "الشهادة سبع سوى القتل " المراد به الشهادة الحكمية، بمعنى أن هؤلاء كالشهداء حقيقة عند الله تعالى في وفور الأجر، ولهذا يغسلون ويكفنون كسائر الموتى، بخلاف الشهيد الحقيقي وهو الذي قُتل ظلما، ولم تجب بقتله دية، أو وجد في المعركة قتيلا كما عرف في الفقه بالخلاف الذي فيه، والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه- رحمهما الله تعالى-.
12- باب: المريض يؤخذ من أظفاره وعانته
أي: هذا باب في بيان المريض الذي يؤخذ من أظفاره أو من عانته.
1547- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا إبراهيم بن سعد، أخبرني ابن شهاب، أخبرني عمر بن جارية الثقفي حليف بني زهرة- وكان من
__________
(1) سورة الحج: (36) .(6/29)
أصحاب أبي هريرة- عن أبي هريرة، قال: ابْتَاعَ بنو الحارث بنِ عامرِ بن نوفلٍ خُبيبا، وكان خُبيب هو قَتَلَ الحارثَ بنَ عامرِ يومَ بدرِ، فلبَثَ خبيب عندهم أسيرا حتى أجْمَعُوا لِقتلِهِ، فاستعارَ من ابنةِ الحارث مُوسى يَسْتَحدُ بها فأعارتْهُ، فدرجَ بَنِي لها وهو غافلة حتى أتتْهُ فوجدنه مخَليا وهو علَى فَخذه والموسَى بيده، فَفَزِعَتْ فَزْعَةً عَرَفَهَا، فقال: أَتخشِينَ أن أَقْتُلَهُ؟ ما كنت لأفْعَلَ ذلكَ" (1) .
ش- موسى بن إسماعيل المنقري البصري أحد شيوخ أبي داود،
والبخاري، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي
المدني، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري
القرشي [] (2) وأخرجه البخاري، والنسائي مطولا.
ص- قال أبو داود: روى هذه القصة شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عياض، أن بنت (3) الحارث أخبرته:
"أنهم حينَ أجمعوا (4) - تعنى: لقتلِهِ- استعارَ منها مُوسَى يَستحد بها
فأعارتهُ".
ش- أي: روى قصة حبيب: شعيب بن أبي حمزة دينار القرشي
الأموي مولاهم الحمصي، عن محمد بن مسلم الزهري، قال [] (5) .
13- باب: حسن الظن بالله عند الموت (6)
أي: هذا باب في بيان حسن الظن بالله تعالى عند الموت، وفي بعض
النسخ: "باب ما يستحب من حسن الظن بالله"
__________
(1) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورعل وذكوان (4086) . (2) بياض في
الأصل قدر ثلث صفحة، والظاهر أن المصنف بيض له ليشرحه، فوافته المنية قبل شرحه، والله أعلم.
(3) في سنن أبي داود: "ابنة".
(4) في سنن أبي داود: "اجتمعوا ".
(5) بياض أيضا قطر سطرين.
(6) في سنن أبي داود: " باب ما يستحب من حسن ... ".(6/30)
1548- ص- نا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا الأعمش، عن أي سفيان عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ قبلَ مَوتِه بثلاث، قال: " لا يموت أحدكم إلا وهو يُحْسِنُ بالله اَلظن" (1) .
ش- سليماَن الأعمش، وأبو سفيان اسمه طلحة بن ناَفع الواسطي، وقد مر ذكره، ومعنى الحديث: أحسنوا أعمالكم بحسن ظنكم بالله، فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون حسن الظن بالله من ناحية الرجاء، وتأمين العفو، والله تعالى جواد كريم، يعفو عن عبيده المذنبين، والحديث أخرجه: مسلم، وابن ماجه.
14- باب: تطهير ثياب الميت (2)
أي: هذا باب في بيان تطهير ثياب الميت عند موته، وفي بعض النسخ:" باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند موته".
1549- ص- نا الحسن بن علي، نا ابن أبي بريم، أنا يحيى بن أيوب، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري- رد الله عنه- أنه لما حضرَه الموتُ دعَا بثياب جُدُد فلَبسَهَا، ثم قال: سمعتُ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم - يقولُ: " إن الَميتَ بُبَعثُ فهي ثَيَابه التي يمُوتُ فيها " (3) .
ش- الحسن بن علي الخلال، أحد شيوخ: أبي داود، والبخاري ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وسعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجُمحي المصري، ويحي بن أيوب الغافقي المصري، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني، وأبو كلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
__________
(1) مسلم: كتاب الجنة ونعيمها، باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت (2877) ، ابن ماجه: كتاب الزهد باب: التوكل واليقين (67 1 4) .
(2) في سنن أبي داود:"باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت ".
(3) تفرد به أبو داود.(6/31)
قوله: " جدد" بضم الجيم والدال جمع جديد، مثل سرير وسرر، وثوب جديد بمعنى مجدود، يراد به حين جده الحائك، أي: قطعه.
قال الخطابي (1) : " أما أبو سعيد فقد استعمل الحديث على ظاهره، وقد روى في تحسين الكفن أحاديث، وقد تأوله بعض العلماء على خلاف ذلك، فقال: معنى الثياب العمل، كنى بها عنه، يريد ابنه يبعث على ما مات عليه من عمل صالح أو عمل سيء، قال: والعرب تقول: فلان طاهر الثياب إذا وصفوه بطهارة النفس، والبراءة من العيب، ودنسُ الثياب إذا كان بخلاف ذلك، واستدل في ذلك بقوله- عليه السلام-: " يحشَر الناس حفاة عراة" فدل ذلك على أن معنى الحديث ليس على الثياب التي هي الكفن، وقال بعضهم: البعث غير الحشر، فقد يجوز أن يكون البعث مع الثياب والحشر مع العري والحفا"، والله أعلم.
قلت: ذكرُ الخطابي الكفنَ في هذا الموضع ليس له وجه، لأن الكلام في الثياب التقي يموت فيها الميت وهي غير الكفن، نعم، وردت أحاديث في تحسين الكفن، ولكن ليس لذلك تعلق بما نحن فيه، وإنما قال- عليه السلام- هذا القول ترغيبا لمن حضره الموت أن يلبس أحسن ثيابه وأنظفها في ذلك الوقت، لأنه وقت قدومه على الرب الكريم، ووقت اتصاله بجواره، فينبغي أن يكون في ذلك الوقت على هيئة حسنة نظيفة، والحديث يدل على أن الميت يبعث في ثيابه، وأما عريه وحفاه فذاك عند الحشر، والحشر غير البعث، والله أعلم. والحديث لم يخرجه غير أبي داود من الأئمة الستة.
15- باب ما يبالى عند الميت من الكلام (2)
أي: هذا باب في بيان ما يقال عند الميت من الكلام.
__________
(1) معالم السنن (1/ 262- 263) .
(2) في سنن أبي داود: "باب ما يستحب أن يقال عند الميت من الكلام".(6/32)
1550- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " إذا حَضَرتُمُ الميت فقولُوا خيراً فإن الملائكَةَ يُؤَمنونَ على ما تقولُون، فلما ماتَ أبو سَلَمةَ قلتُ: يا رسولَ الله" ما أَقولُ؟ قال: قُولي: اللهم اغفرْ له، وأعْقبْنَا عقبى صالحةً، قالت: فأعقبنيَ اللهُ- عز وجل- (1) محمداً عليه السلامَ- " (2) .
ش- سفيان الثوري، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي.
قوله:" خيرا" نصب على أنه صفة لمفعول محذوف تقديره كلاما خيرا،
أو قولا خيرا، والمعنى: ادعوا له، بقرينة قوله:" فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" فإنه لا يوافق تأمن الملائكة دعاء أحد إلا ويستجاب له. قوله: "فلما مات أبو سلمة" هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن
عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي وأمه برة بنت عبد المطلب عمة رسول الله- عليه السلام- وكان رضيع رسول الله، ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب، وكان إسلام أبي سلمة، وأبي عبيدة، وعثمان بن عفان، والأرقم بن أبي الأرقم قديما في يوم واحد، وقد هاجر هو وزوجته أم سلمة إلى أرض الحبشة، ثم عادا إلى مكة، وقد ولد لهما بالحبشة أولاد، ثم هاجر من مكة إلى المدينة وتبعته أم سلمة إلى المدينة، وشهد بدرا، وأحدا، ومات بآثار جُرح، جُرِحَ بأحد في السنة الرابعة من الهجرة له حديث واحد في الاسترجاع عند المصيبة، وهو ما روته أم سلمة، قالت: فأتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله- عليه السلام- فقال: لقد سمعت [من] رسول الله-َ عليه السَلام- قولا
__________
(1) في سنن أبي داود: "فأعقبني الله تعالى به ".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: ما يقال عند المريض والميت 6- (9 91) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء
له عنده (977) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: كثرة ذكر الموت (4/ 4) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر (1447) .
3. شرح سنن أبي داوود 6(6/33)
سُرِرتُ به، قال: لا يُصيبُ أحداً من المسلمين مصيبة، فيسترجعُ عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها إلا فعل بَه". رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حسن غريب، وفي " الكمال ": توفي أبو سلمة بالمدينة في حياة النبي - عليه السلام- مرجعه من بدر، روى له: الترمذي، وابن ماجه (1) . قوله: "عقبى صالحة " أي: بدلا صالحا.
قوله: " فأعقبني الله- عز وجل- محمدا- عليه السلام- ". أي: عوضني محمدا بدل أبي سلمة، وكل من خلف عن شيء فهو عاقبه، وعاقبة كل شيء آخره، وعقب فلان مكان أبيه عاقبة أي: خلفه، وأخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
16- باب: في التلقين
أي: هذا باب في بيان تلقين الميت.
1551- ص- نا مالك بن عبد الواحد المسمعي، نا الضحاك بن مخلد،
نا عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم-: "من كانَ آخِرُ كلامه لا إله إلا اللهُ دخلَ الجنةَ " (2) .
ش- مالَكَ بن عبد الواحد أبو غسان المِسمَعِي البصري، من مسمع ربيعة، روى عن: معاذ بن هشام، ومعتمر بن سليمان، وعون بن كهمس وغيرهم، روى عنه: أبو داود، ومسلم وغيرهما، مات سنة ثلاثين ومائتين (3)
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (338/2) ، وأسد الغابة (3/ 94 2) ، والإصابة (2/ 335) ، وتهذيب الكمال (5 1/ 3369) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5746) .(6/34)
والضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وصالح بن أبي عريب- بالعين
المهملة-، واسم أبي عريب قليب بالقاف، وقد مر مرة.
قوله: " آخر كلامه" أي: آخر كلامه في الدنيا، ولهذا قال أصحابنا:
ينبغي أن يلقن الميت حين يشرف على الموت، ليكون آخر كلامه شهادة أن
لا إله إلا الله، فلا يفيد التلقين بعد الموت، والحديث رواه الحاكم في "مستدركه " وقال: صحيح الإسناد، عن معاذ- رضي الله عنه-.
1552- ص- نا مسدد، نا بشر، نا عمارة بن غزي، نا يحيى بن عمارة،
قال: سمعت أبا سعيد الخدري، يقول: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم -: " لَقنوا
مَوتَاكم (1) لا إله إلا الله" (2) .
ش- بشر بن المفضل، والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري،
واستدل الشافعي بظاهر الحديث على أن التلقين بعد الدفن، وأصحابنا
أولوه بمعنى: لقنوا من قرب إلى الموت لا إله إلا الله، لأن تلقين الميت لا
يفيد/ والحديث الأول يؤيد هذا التأويل، ويؤيده أيضا ما رواه أبو حفص [2/191- أ] أن عمر بن شاهين في كتاب والجنائز،، وهو مجلد وسط، حدثنا عثمان
ابن جعفر بن أحمد السبيعي، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، ثنا
علي بن عياش، ثنا حفص بن سليمان، حدثني عاصم وعطاء بن
السائب، عن زاذان، عن ابن عمر، مرفوعا: " لقنوا موتاكم: لا إله
لا الله، فإنه ليس مسلم يقولُها عند الموتِ إلا أنجته من النار" (3)
__________
(1) في سنن أبي داود:" لقنوا موتاكم قول لا إله إلا الله".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: تلقين الموتى (916/ 1) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده (976) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: تلقين الميت (4/ 5) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: تلقين الميت (1445) .
(3) انظره بسنده ومتنه في نصب الراية (2/ 254) ، وعنده:" إلا أنجاه الله من النار".(6/35)
17- باب: تغميض الميت
أي: هذا باب في بيان تغميض عيني الميت بعد موته.
1553- ص- نا عبد الملك بن حبيب أبو مروان، نا الفزاري (1) ، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أم سلمة، قالت:- "دخل رسول الله- "- على أبي سَلَمةَ وقد شقَّ بَصَره فأغمضَهُ، فضج (2) ناس من أهلِه، فقال: لا تَدْعُوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤَمنونَ على ما تقولونَ، ثم قال: اللهم اغفرْ لأبي سَلَمةَ، وارفعْ دَرَجتَه في المهديينَ، وأَخْلِفْه فيه عَقبه في الغَابرِينَ، واغفرْ لنا وله ربَّ العَالمينَ، اللهم أفْسَحْ له في قبرِه، ونورْ لَها فيه " (3) .
ش- الفزاري هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث، وأبو قلابة عبد الله بن زيد.
وقبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله
أبو إسحاق أو أبو سعيد الخزاعي المديني، ولد عام الفتح، سكن الشام سمع: زيد بن ثابت، وأبا الدرداء، وأبا هريرة، وروى عن: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، وتميما الداري، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة مرسلا، روى عنه: رجاء بن حيوة، ومكحول، وأبو قلابة، وغيرهم، مات سنة ست أو سبع وثمانين في خلافة عبد الملك، وكان ثقة، مأمونا، كثير الحديث، روى له الجماعة (4) . قوله:- "وقد شق بصره " بفتح الشين، والضم فيه غير مختار،
و"بصره" مرفوع بالفاعلية، والمعنى انفتح بصره.
__________
(1) في الأصل: "الفرازي".
(2) في سنن أبي داود: "فصيح ".
(3) مسلم: كتاب الجنائز، باب: في إكمال الميت والدعاء له إذا حضر (920) ، ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تغميض الميت (1454) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4842) .(6/36)
قوله: " في المهديين"في محل النصب على الحال.
قوله: " في عقبه " بفتح العين وكسر القاف، وعقب الرجل ولده وولد ولده، وفيه لغتان، عقب بكسر القاف، وعقب بسكونها.
قوله: ما في الغابرين " أي: الباقي (1) ، قال أهل اللغة: الغابر يجيء بمعنى الماضي وبمعنى الباقي، فإنه من الأضداد، قال الأزهري: والمعروف الكثير أن الغابر: الباقي، وقال غير واحد من الأئمة: إنه يكون بمعنى الماضي.
قوله: يا رب العالمين لما منصوب بحذف حرف النداء، والمعنى يا رب العالمي. ويستفاد من الحديث استحباب تغص ض عين الميت، وذلك لئلا يقبح منظره، وأن يدعو من حضره بخير، ولا يدعون بما فيه شر، ولا يضجون، ولا يصيحون، والحديث أخرجه مسلم، وروى ابن ماجه في، سننه "، عن قاعة بن سويد، عن حميد الأعرج، عن محمود بن لبيد، عن شداد بن أوس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصرَ، فإن البصرَ يتبع الروح، وقولوا خيرا، فمان الملائكة تؤمن على ما قال أهل البيت ".
ورواه أحمد في " مسنده"، والحاكم في " المستدرك"، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه البزار في "مسنده"، وقال: لا نعلم رواه عن حميد الأعرج إلا قزعة بن سويد، وليس به بأس، لم يكن بالقوي، واحتملوا حديثه، انتهى.
وأعله ابن حبان في كتاب " الضعفاء" بقزعة، وقال: إنه كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، حتى كثر ذلك في روايته، فسقط الاحتجاج به.
ص- قال أبو داود: تغميض (2) الميت بعد خروج الروح. سمعت محمد بن محمد المقري، قال: سمعت أبا ميسرة- رجلا عابدا- يقول:
__________
(1) في الأصل: (الباقيين " كذا، وانظر: النهاية (3/ 337) .
(2) في صنع أبي داود:"وتغميض ".(6/37)
" غمضتُ جعفرا المعلمَ- وكان رجلا عابداً- في حالة الموت، فرأيتُه في
مَنَامِي ليلةَ ماتَ، يقولُ: أعظمُ ما كان عَلَيَّ تغميضك لي قَبلَ أنا أموت ".
ش- أشار بهذا إلى أن السنة في تغميض عين الميت بعد خروج روحه،
فلا يغمض قبل خروج الروح، لئلا يتألم الميت، ولأن قبح المنظر إنما يكون بعد/ خروج الروح إذا كانت عينه مفتوحة، وأما قبل ذلك فلا.
وقوله: " قال أبو داود لما إلى آخره، ليس بموجود في غالب النسخ.
18- باب: الاسترجاع (1)
أي: هذا باب في بيان الاسترجاع عند المصيبة، وهو أن يقول: إنا لله
وإنا إليه راجعون.
1554- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا ثابت، عن ابن عمر
ابن أبي سلمي، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصابَ (2) أحدَكم مصيبة فليقلْ: إنا لله وإنا إليه راجعونَ، اللهم عندكَ
أحتسِبُ مصيبتِي، فأجرْنِي فيها، وأبدلْ لِي بها خيراً منها " (3) .
ش- حماد بن سلمي، وثابت البناني، وعمر بن أبي سلمي هذا هو
ابن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، ربيب رسول الله- عليه السلام- وقد مر مرة [.......] (4) والحديث أخرجه النسائي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الاسترجاع ".
(2) في سنن أبي داود:" إذا أصابت ".
(3) النسائي في " عمل اليوم والليلة".
(4) بياض في الأصل قدر ثلاثة أسطر، ولعله بيض له ليشرحه فيما بعدُ، فقبض قبل شرحه، والله أعلم.(6/38)
19- باب: في الميت يسجي
أي: هذا باب في بيان تسجيل الميت، وهي تغطيته بثوب ونحوه.
1555- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُجي في ثَوْبٍ حِبَرةٍ " (1) .
ش- " حبرة" بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، يقال: برد حبير، وبرد حبرة، بوزن عنبة على الوصف والإضافة وهو برد يمانٍ، والجمع حُبُر وحبَرات، ويستفاد من الحديث استحباب تسجية الميت بعد موته إلى حين تعريته للغسل، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
20- باب: القراءة عند الميت
أي: هذا باب في بيان قراءة القرآن عند الميت.
1556- ص- نا محمد بن العلاء، ومحمد بن مكي المروزي، المعنى، قالا: أنا ابن المبارك، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان- وليس بالنهدي-، عن أبيه، عن معقل بن يسار، قال: قال النبي- عليه السلام-: "اقرءوا يس على مَوتاكم" (2) .
ش- محمد بن مكي بن عيسى أبو عبد الله المروزي. روى عنه:
أبو داود، والنسائي، عن رجل عنه (3) .
وعبد الله بن المبارك، وسليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي.
__________
(1) البخاري: كتاب اللباس، باب: البرود والخبرة (5864) ، مسلم كتاب: الجنائز، باب: تسجية الميت (48/942) .
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر (1448) ، النسائي في "عمل اليوم والليلة".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5628/26) .(6/39)
وأبو عثمان ذكره في " الكمال " في "الكنى"،- فقال: أبو عثمان. روى عن أبيه، روى عنه سليمان التيمي، قال علي بن المديني: لم يرو عنه غير التيمي، وهو إسناد مجهول. روى له: أبو داوود، وابن ماجه، وقال الشيخ زكي الدين المنذري: وأبو عثمان وأبوه ليسا مشهورين (1) .
ومعقل بن يسار بن عبد الله بن صعير (2) ، وقيل: مغيرة بن حراق بن لؤي بن كعب بن عبد ثور بن هُذْمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أدَّ بن طابخة، واسم طابخة: عمرو بن إلياس بن مضر المزني- يكنى أبا علي- ومزنية هي بنت كلب بن وبرة بن ثعلبة بن إلحاف من قضاعة، نسبوا إلى أمهم، بايع النبي- عليه السلام- تحت الشجرة. رُوي له عن رسول الله - عليه السلام- أربعة وثلاثون حديثاً اتفقا على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، نزل البصرة، وله بها دار. روى عنه: عمرو بن ميمون، والحسن البصري، وأبو عثمان المهدي، مات بالبصرة في آخر خلافة معاوية، وقيل: في خلافة يزيد بن معاوية. روى له: الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " وليس بالنهدي " أشاربه إلى أن أبا عثمان هذا الذي روى عنه سليمان التيمي غير أبي عثمان النهدي، فإن النهدي اسمه: عبد الرحمن ابن مل، أسلم على عهد النبي- عليه السلام- ولم يلقه، وصدق إليه، وقد ذكرناه مستوفى.
قوله:" اقرءوا يس" أي: سورة {يس والقُرآنِ الحَكِيم} ، وروى
__________
(1) المصدر السابق (34/ 7506) .
(2) كذا في الاستيعاب، وفي أسد الغابة والإصابة: " مُعبر"، وفي جمهرة أنساب العرب لابن حزم (502) : "معبد".
(3) انظر ترجمته في: " الاستيعاب " بهامش الإصابة (3/ 409) ، وأسد الغابة (5/ 232) ، والإصابة (3/ 447) .(6/40)
أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه "، فقال: نا على بن الحسن بن شقيق، عن ابن المبارك، عن التيمي، عن أبي عثمان- وليس بالنهدي- عن أبيه، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوها عند موتاكم- يعني يس-". والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
/ ص- وهذا لفظ ابن العلاء.
ش- أشار به إلى أن هذا المتن من الحديث لفظ محمد بن العلاء، أحد شيوخ أبي داود.
21- باب: الجلوس في المسجد وقت التعزية (1)
أي: هذا باب في بيان الجلوس في المسجد وقت التعزية، وفي بعض النسخ: " باب الجلوس عند المصيبة "، وفي بعضها لم يذكر " باب" أصلا.
1557- ص- نا محمد بن كثير، أنا سليمان بن كثير، عن يحي بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " لما قُتل زيدُ بنُ حارثة، وجعفر، وعبدُ الله بنُ رواحة جَلَسَ رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم - في المسجد، يُعرفُ في وجههِ الحُزْنُ " فذكَر القصة (2) (3) .
ش- استشهد هؤلاء في غزوة مؤتة، وهي سرية زيد بن حارثة في نحو من ثلاثة آلاف إلى أرض البلقاء من أطراف الشام، قال ابن إسحاق بعد قصة عمرة القضاء، فأقام رسول الله- عليه السلام- بالمدينة بقية ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون، والمحرم، وصفرا، وشهري ربيع، وبعث في جمادى الأولى من سنة ثمان بعثه إلى الشام الذين أصيبوا
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب الجلوس عند المصيبة ".
(2) في سنن أبي داود: " وذكر القصة".
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن (1299) ، ومسلم: كتاب الجنائز، باب: التشديد في النياحة (935) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البكاء على الميت (4/ 14) .(6/41)
بمؤتة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس، فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج، وهم ثلاثة آلاف، ثم خرجوا ورسول الله خرج يشيعهم، ثم مضوا حتى نزلوا "معانَ" من أرض الشام، فبلغ الناسَ أن هرقل قد نزل في "مآب" من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه من لخم، وجذام، وبهراء، وبلي [والقين] ، مئة ألف منهم، عليهم رجل من بليّ، ثم أحد إراشة يقال له: مالك بن نافلة، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على "معان " ليلتين ينظرون في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله- عليه السلام- نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجع الناس عبد الله بن رواحه، وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون، الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي كرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين: إما ظهور، وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخُوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها: مشارف، ثم دني العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له: قطبة ابن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار، يقال له: عبادة بن مالك، ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثه براية رسول الله- عليه السلام- حتى شاط في رماح القوم، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا ألجمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام، قال ابن هشام: إن جعفرا أخذ اللواء بيمينه فقطعت، وأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى قتل، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة، يطير بهما حيث شاء. قال ابن إسحاق: فلما قتل (1) جعفر
__________
(1) تكرر:فلما قتل" في الأصل.(6/42)
اتخذ عبد الله بن رواحه الراية، ثم تقدم بها- وهو على فرسه- فجعل
يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، ثم قال:
يا نفس إن لا تُقتلي تموتي ... هذا حمام الموتِ قد صَليتِ
وما تمنيتِ فقد أعطيتِ. ... حال إن تفعلي فِعلهما هُديتِ
يريد صاحبيه: زيدا، وجعفرا، ثم نزل، قال: فلما نزل أتاه ابن عم
له بعرق من لحم فقال: شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت أيامك هذه ما
لقيت، فأخذه من يده فانتهس منه نهسة، ثم سمع الحطمة في ناحية
الناس، فقال: وأنت في الدنيا، ثم/ أخذ سيفه، ثم تقدم، فقاتل [2/192 - ب] ، حتى قتل- رضي الله عنه- قال: ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان، فقال: يا معشر المسلمين، اصطلحوا على رجل منكم، قالوا:
أنت، قال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما
اتخذ الراية دافع القوم، وخاشى بهم (1) ، ثم انحاز وانحاز عنه، حتى
انصرف بالناس، وعن خالد بن الوليد: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة
تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية " رواه البخاري (2) .
أما زيد فهو ابن حارثه بن شَرَاحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ
القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد وُد بن عوف بن كنانة (3) بن
بكر بن عوف بن عُذرَةَ بن زيد اللات بن رُفيدة بن ثور بن كلب بن وَبْرة
ابن تَغْلب بن حُلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة الكلبي القضاعي،
مولى رَسول الله- عليه السلام- وذلك أن أمه ذهبت تزور أهلها، وأغار
عليهم خيل من بني القين، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت
خويلد- رضي الله عنها- فوهبته لرسول الله- عليه السلام (4) - قبل
__________
(1) حجز بينهم وبين الروم.
(2) البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الإثم (4265) .
(3) في الأصل: "كيلة" خطأ.
(4) في الأصل:" فوهبته من رسول الله" خطأ.(6/43)
النبوة، ثم وجده أبوه، فاختار المقام عند رسول الله، فأعتقه وتبناه، وكان يقال له: زيد بن محمد، وكان رسول الله يحبه حبا شديداً، وقيل: اشتراه رسول الله- عليه السلام- ثم أعتقه، وقال السهيلي: باعوه بسوق حباشة، وهو من أسواق العرب، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، وكان أول من أسلم من الموالي، وفيه نزلت آيات من القرآن، منها قوله تعالى: {وَمَا جَعَل أدعيَاءَكم أبْنَاءكُمْ} (1) ، وقوله: {ادْعُوهُمْ لآبَائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِندَ الله} (2) ، وقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحَد مِن رجالكمْ} (3) ، وقوله تعاَلى: {وَإذ تقُولُ للَّذي أَنْعَمَ اللهُ عَليه} الآية (4) ، وَالمقصود أن الله تعالى لم يسم أَحدا من الَصحابة في القرَآن غيره، وهداه الله إلى الإسلام، وأعتقه- عليه السلام- وزوجه مولاته أم أيمن، واسمها: بركة، فولدت له أسامة بن زيد، فكان يقال له: الحب ابن الحب، ثم زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش، وآخى بينه وبين عمه حمزة، وقَدمَهُ في الإمرة على ابن عمه جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة (5) - كما مر ذكره-. وعن عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول: "ما بعث رسول الله- عليه السلام- زيد بن حارثة في سرية إلا أمرَهُ عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه". رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن أبي شيبة لإسناد قوي جيد على شرط الصحيح، وهو غريب جدا. وأما جعفر فهو ابن أبي طالب، عم النبي- عليه السلام- وكان أكبر من أخيه علي بعشر سنين، وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين، أسلم جعفر قديماً وهاجر إلى الحبشة، وقد أخبر- عليه السلام- عنه بأنه شهيد، فهو ممن يقطع له بالجنة، وجاء في تسميته بذي الجناحي أحاديث، وعن ابن عمر
__________
(1) سورة الأحزاب: (3) .
(2) سورة الأحزاب: (4) .
(3) سورة الأحزاب: (0 4) .
(4) سورة الأحزاب: (37) .
(5) انظر: ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 44) ، وأسد الغابة (2/ 281) ، والإصابة (1/ 563) .(6/44)
- رضي الله عنهما- أنه كان إذا سلم على ابنه عبد الله بن جعفر، يقول
له: " السلام عليك يا ابن ذي الجناحين" رواه البخاري، وبعضهم يرويه
عن عمر بن الخطاب نفسه، والصحيح ما في الصحيح عن ابن عمر،
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
"رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة ". رواه الترمذي، وكان يقال له
بعد قتله: جعفر الطيار، وقد تقدم أنه قتل وعمره ثلاث وثلاثون، وقال
ابن الأثير في "الغابة": كان عمره يوم قتل إحدى وأربعين سنة، قال:
وقيل غير ذلك (1) . وأما عبد الله فهو ابن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس
ابن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن الأغر (2) بن ثعلبة بن كعب
ابن الخزرج بن الحارث بن الخزرج أبو محمد، ويقال: أبو رواحة،
ويقال: أبو عمرو، وهو خال النعمان بن بشير، أخته عمرة بنت رواحة،
أسلم قديماً وشهد العقبة، وكان أحد النقباء ليلتئذ لبني الحارث بن
الخزرج، وشهد بد ما، وأحد ا، والخندق، والحديبية، وخيبرا، وكان
- عليه السلام- يبعثه على خرصها، وشهد عمرة القضاء، ودخل يومئذ
مكة، وهو ممسك بزمام ناقة رسول الله- عليه السلام- وقيل: بغرزها
- يعني الركاب- وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله. وقد شهد له
رسول الله- عليه السلام-/ بالشهادة فهو ممن يقطع له بدخول [2/193- أ] الجنة (3) .
واستفيد من الحديث جواز الجلوس في المسجد وقت المتعدية، وإن كان
الميت غالْباً، وسواء مات حتف أنفه الو قتل، والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والنسائي- رحمهم الله-.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 210) ، وأسد الغابة (1/ 1 34) ، والإصابة (1/ 237) .
(2) كذا في الأصل وفي الإصابة:" مالك بن الأعز" وفي الاستيعاب وأسد الغابة وغيرهما: " مالك الأغر".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (293/2) ، وأسد الغابة (3/ 234) ، والإصابة (2/ 6 0 3) .(6/45)
22- باب: في التعزية
أي: هذا باب في بيان التعزية، التعزية، والعزاء، والعزَوة اسم لدعوى المستغيث، وهو أن يقول: يا لفلان، أو يا للأنصار، ويا للمها جرين.
1558- ص- نا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني، نا المفضل، عن ربيعة بن سيف المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: " قَبَرْنَا مع رسولِ الله- عليه السلام- يعني ميتاً، فلما فَرَغْنَا انصرف رسولُ الله وانصرفْنَا معها، فلما حاذَى بابه وقفَ، فإذا نحنُ بامرأة مُقبلة، قال: أظنها"عرَفَها، فلما ذهبتْ إذا هي فاطمة - رضي الله عنها- فقتال لا رسولُ اللهِ- عليه السلام-: ما أخرجك يا فاطمةُ من بيتك؟ قالت (1) : أتيتُ يا رسولَ الله أهلَ هذا البيت، فَرَحمتُ إليهم ميَتهُم، أو عَزَّيتهُم به، فقال لها رسولُ اللهَ- عليه السلامَ-: فَلَعلَّك بلغت معهم الكدَى، فقالت: معاذَ الله، وقد سَمعتُك تَذكر فيها ما تَذكرُ، قال "َ لو بلغت معهم الكدَى، فذكر تَشديداً في ذلك، فسألتُ ربيعة عن الكدَى؟ فقال. القُبُورُ- فيما أحْسِبُ- " (2) .
ش- المفضل بن فضالة، وربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني. روى عن: فضالة بن عبيد، وأبي عبد الرحمن الحُبُليِّ، وبشر (3) بن زبيد. روى عنه: مفضل بن فضالة، وسعيد بن أبي أيوب، وهشام بن سعد، والليث بن سعد، وغيرهم، قال البخاري: عنده مناكير. وقال الدارقطني: مصري صالح، وقال أبو سعيد بن يونس: توفي قريبا من
__________
(1) في سنن أبي داود:"فقالت ".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: النعي (4/ 28) .
(3) في الأصل: "بشير"، وقال محقق تهذيب الكمال (113/9) : "جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب "الكمال" قوله: "كان فيه بشير، وهو وهم ".(6/46)
سنة عشرين ومائة، أيام هشام بن عبد الملك، وفي حديثه مناكير. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: "قبرنا" من قبرتُه إذا دفنتُه، وأقبرتُه إذا جعلتُ له قبرا.
قوله: "الكدَى" بضم الكاف، وفتح الدال المقصورة جمع "الكدية" (2) وهي القطعة الصلبة من الأرض، والقبور إنما تحفر في المواضع الصلبة لئلا تنهار، والعرب تقول: ما هو إلا ضب كدية، إذا وصفوا الرجل بالدهاء والأدب، ويقال: أكدى الرجل إذا حفر فأفضى إلى الصلابة، ويضرب به المثل فيمن أخفق فلم ينجح في طلبته" وأراد - عليه السلام- بقوله: " بلغت معهم الكدى" المقابر، لأنها كانت مقابرهم في مواضع صلبة، وتروى بالراء، وقال الخطابي: روايتنا عن أبي سعيد بن الأعرابي: "الكرى" بالراء، وأخبرناه ابن داسة، عن أبي داود: الكدى بالدال، والكرى بضم الكاف، وفتح الراء جمع كرية، أو كروة، من كريت الأرضَ، وكروتُها إذا حفرتُها كالحفرة من حفرتُ. ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: استحباب الذهاب مع الميت إلى قبره، والوقوف عنده إلى دفنه
والثانية: جواز خروج المرأة إلى جارها، أو إحدى معارفها لأجل التعزية.
والثالثة: عدم جواز ذهاب المرأة للميت إلى قبره.
والرابعة: جواز التعزية.
والحديث أخرجه النسائي أيضاً
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1876) . (2) انظر: معالم السنن (1/ 263) .(6/47)
23- باب: الصبر عند المصيبة (1)
أي: هذا باب في بيان فضل الصبر عند المصيبة، وفي بعض النسخ: "باب الصبر على المصيبة"، يقال: أصابته مصيبة فهو مصاب، ويقال: مصيبة، ومَصُوبة، ومصابه، والجمع مصائب ومصاعب، وهو الأمر المكروه ينزل بالإنسان، يقال: أصاب الإنسان من المال وغيره، أي: أخذ وأنا ول.
1559- ص- نا محمدين المثنى، نا عثمان بن عمر، نا شعبة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: " أَتى نبي الله- عليه السلام- على امرأة تَبكي على، صَبي لها، فقال لها: اتقي اللهَ واصبرَي، فقالت: وما تُبالي أنت بمصيبتي، فقيل لها: هذا النبي، فأَتتْهُ فلم تجدْ عَلى بابه بوابينَ، فقالَت: يا رسوله الله. لمْ أَعرفْكَ، فقال: إنما الصبرُ عندَ الصدمة، أو عندَ أولِ صدمة" (2)
ش- عثمان بن عمر بن فارس العبدي، البصري.
قوله: " اتقي الله" أي: خافي الله وراقبيه.
قوله:/ " عند الصدمة" أي: عند فورة المصيبة وشدتها، والصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، والصدمة المرة منه.
قوله: " أو عند أول صدمة" شك من الراوي، والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) في سنن أبى داود: "الصبر عند الصدمة".
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: زيارة القبور (1283) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: البكاء على الميت (923) ،، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: الصبر في الصدمة الأولى (7 ما) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب:
شق الجيوب (4/ 22) .(6/48)
24- باب: البكاء على الميت (1)
أي: هذا باب في بيان البكاء على الميت.
1560- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة، عن عاصم الأحول، سمعت أبا عثمان، عن أسامة بن زيد: " أن ابنة لرسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أرسلتْ إليه - وأنا معه- وسعد، وأحسبُ أبي (2) أن ابني، أو ابنتيَ قد حَضرَ فاشَهدْنا، فأرسل يقرأ السلام، وقال: قل: لله ما أخذَ وما أعطى، وكل شيءِ عنده إلى أجل، فأرسلتْ تُقسمْ عليه، فأتاهَا، فوُضِع الصبي في حجرِ رسول الله - عليه السلام- ونفسُه تَقَعْقَعُ، ففاضتْ عينَا رسول الله- عليه السلالم- فقال له سعد: ما هذا؟ قال: إنها رحمة يضعها (3) اللهُ- عز وجل- في قلوبِ مَن يشاء وإنما يرحمُ اللهُ- عز وجل- من عباده الرُّحَمَاءَ" (4) .
ش- في رواية: " إن بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ... " (5) .
قوله:"وسعد " بالرفع عطف على قوله: " وأنا معها".
قوله: "وأحسب أبي " وفي كثير من النسخ: " وأحسب أبيا " (6) .
قوله: "إن ابني، أو ابنتي " شك من الراوي 000 (7)
قوله: " فاشْهدْنَا " بسكون الدال، أي: أحضرنا.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في البكاء على الميت ".
(2) في سنن أبي داود: "أبيا"، وانظر: تعليق المصنف.
(3) في سنن أبي داود: "وضعها".
(5) البخاري: كتاب الجنائز، باب: قول النبي يكن يعذب الميت ببعض بكاء أهله (1284) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: البكاء على الميت (923) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة (21/4) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في البكاء على الميت (1588) .
(5) بياض في الأصل قدر كلمتين.
(6) بياض في الأصل قدر سطر.
(7) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
4. شرح سنن أبي داود 6(6/49)
قوله: " فأرسل" أي: رسول الله- عليه السلام-.
قوله: "يقرأ السلام " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في "أرسل ". قوله: " إلى أجل " أي: يُنهى إلى أجل، والأجل مدة الشيء.
قوله: " ونفسه تقعقع " جملة حالية من الصبي، ومعنى تقعقع تضطرب وتتحرك، أراد كلما صار إلى حال لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تقربه من الموت، والقعقعة: حكاية حركة لشيء يسمع له صوت.
قوله: " إنها رحمة " أي: إن الدمعة التي نزلت من عيني رحمة، والمعنى من أثر شفقة ورحمة في القلب، نفضها القلب إلى ظاهر العين. قوله: " الرحماء " بالنصب مفعول قوله: " يرحم الله"، والرحماء جمع رحيم، كالكرماء جمع كريم، والندماء جمع نديم، ويستفاد من الحديث جواز البكاء على من يحضر، ولكن من غير صوت، وجواز إرسال أصحاب من يحضر إلى أحد من جهتهم ليحضر عند من حضر، وفيه حث وتحريض على التخلق بأخلاق الرحماء، والصحاب الشفقة، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. 1561 - ص - نا شيبان بن فروخ، نا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وُلدَ لي الليلة غلام، فسميتُه باسم أبي إبراهيمَ " فذكر الحديث، قال أنس: لقَد رأيتُه يكيد بنفسه بين يَدَيْ رسول الله- عليه السلام- فدمَعَتْ عينَا رسول الله، فقال: تَدمعُ العينُ، ويَحزنُ القلبُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي ربّنا- عز وجل- " إِنُّا بكَ يا إبراهيم لَمَحْزُونُونَ " (1) .
ش- شيبان بن فروخ وهو ابن أبي شيبة الأبُلِّي، بضم الهمزة، وبالباء الموحدة، أبو محمد الحَبَطي. روى عن: جرير بن حازم، وأبي عوانة، وحماد بن سلمة، وأبان بن يزيد، وغيرهم. روى عنه: مسلم،
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنا بك لمحزونون" (تعليقا) ، مسلم: كتاب الفضائل، باب: رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان (2315) .(6/50)
وأبو داود، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الله بن محمد البغوي،
وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم، وروى النسائي، عن رجل عنه، قال
أحمد بن حنبل: هو ثقة، مات سنة ست وثلاثة ومائتين. وقيل:
خمس وثلاثة ومائتين (1) .
قوله: " ولد لي الليلة" أي: في الليلة، وكان مولد إبراهيم ابن رسول
الله- عليه السلام- في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، قال الواقدي:
ولد إبراهيم ابن رسول الله من مارية القبطية، فاشتدت غيرة أمهات
المؤمنين منها حين رزقت ولدا ذكرا، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول
الله، فخرجت إلى أبي رافع، فأخبرته، فبشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه
مملوكا، ودفعه رسول الله إلى أم بُردة (2) بنت المنذر بن لبيد (3) بن
حماس (4) بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وزوجها/ البراء بن [2/194- أ] أوس.
قوله: " باسم أبي إبراهيم " إبراهيم عطف بيان من قوله: " أبي " ومحله
من الإعراب الجر، وهو إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه وسلامه- وإنما
قال: لأبي، لأنه- عليه السلام- من ولد إسماعيل بن إبراهيم كما ثبت
في عمود نسبه، ومعنى إبراهيم أب رحيم، وهو لفظ سرياني، وعن
أنس- رضي الله عنه-: " لما وُلد للنبي - عليه السلام- ابنه إبراهيم
وقع في نفسه منه شيء، فأتاه جبريل- عليه السلام- فقال: السلام
عليك يا أبا إبراهيم " رواه أبو بكر البزار. وقد روي عن ابن لهيعة،
وغيره، عن عبد الرحمن بن زياد، قال: " لما حبلت بإبراهيم أتى جبريل
- عليه السلام- فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2785) .
(2) في الأصل: " أم برزة" وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(3) في الأصل: " أسيد" وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(4) كذا، وكتب تحت الحاء " ح"، وفي الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 436) ،
وأسد الغابة (7/ 305) : " خراش "، وفي أسد الغابة (1/ 49) : (خداش) ، وفي الإصابة، (4/ 434) : "حراث".(6/51)
قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه، وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة".
قوله: "ولقد رأيته " أي: رأيت إبراهيم، " يكيد بنفسه " أي: يجود بها، يريد النزع، وعن أنس: "توفي إبراهيم ابن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهراً، فقال رسول الله: ادفنوه بالبقيع، فإن له مرضعا يتم رضائه في الجنة". رواه ابن منده، وفي رواية أحمد، وأبي عوانة: "فإن له مرضعا في الجنة،، وعن عبد الله بن أبي أوفى، قال: " توفي إبراهيم، فقال رسول الله: يرضع بقية رضائه في الجنة " رواه ابن عساكر، وقال الواقدي: مات إبراهيم ابن رسول الله يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم بُردة (1) بنت المنذر، ودفن بالبقيع، وما يذكره القصاص الجهلة من أن إبراهيم انتهى في الكبر حتى قعد في الكتاب مع الصبيان، وأن ملك الموت قد جاء إلى رسول الله- عليه السلام- وأعلمه بقبض روحه، وأن رسول الله جاء إليه وهو في الكتاب، وودعه، وبكى، فكل ذلك كذب وافتراء، وتقول بلا برهان، وروى الإمام الحمد، عن أنس- رضي الله عنه-: " لو عاش إبراهيم ابن النبي- عليه السلام- لكان صديقا نبيا". وروى ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " لو عاش إبراهيم لكان نبيا ". قوله: " لمحزونون " خبر لقوله: " إنا". وقوله:" يا إبراهيم" معترض بين اسم " إن" وخبره، و" اللام" في " لمحزونون " للتكيف، وهي مفتوحة، والحديث أخرجه مسلم، وأخرجه البخاري تعليقا.
في 8في
__________
(1) في الأصل لا أم بررة " خطأ.(6/52)
25- باب: في النوح
أي: هذا باب في بيان النور، بفتح النون، وهو الصياح بالبكاء.
1562- ص- نا مسدد، نا عبد الوارث، عن أيوب، عن حفصة، عن
أم عطية، قالت: " إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نهانا عن النِّياحَةِ" (1) .
ش- عبد الوارث بن سعيد، وأيوب السختياني، وحفصة بنت سيرين، أخت محمد بن سيرين، وأم عطية الأنصارية، والسياحة من ناحت المرأة تنوح نوحا، والاسم النياحة، ونساء نوح، وأنواح، ونوائح ونائحات، والحديث أخر له البخاري، ومسلم، والنسائي.
1563- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا محمد بن ربيعة، عن محمد بن الحسن بن عطية، عن أبيه، عن جده، عن أبي سعيد الخدري، قال: " لعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النائحةَ، والمُسْتَمِعَةَ" (2) .
ش- محمد بن ربيعة أبو عبد الله الكلائي الرؤاسي ابن عم وكيع بن الجراح. سمع: هشام بن عروة، وابن جريج، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: محمد بن عيسى بن الطباع، وابن معين، وزياد بن أيوب، وغيرهم، قال ابن معين: صدوق ثقة. وقال أبو حاتم الرازي: صالح الحديث. وقال الدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
ومحمد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي الكوفي. روى عن أبيه،
عن جده، عن أبي سعيد الخدري، وروى عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. روى عنه محمد بن ربيعة، قال ابن معين: كوفي، ليس بمتين. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: ما ينهى عن النوح والبكاء والزجر عن ذلك (6 0 13) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: التشديد في النياحة (934) ، النسائي: كتاب البيعة، باب: بيعة النساء (7/ 148) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5210) .
(4) المصدر السابق (25/ 5150) .(6/53)
وقال المنذري: في إسناده محمد بن الحسن بن عطية العوفي، عن أبيه،
عن جده، وثلاثتهم ضعفاء.
قوله:" النائحة" أي: المرأة النائحة، والنساء المستمعة لها.
1564- ص- نا هناد بن السَّرِي، عن عبدة، وأبي معاوية، المعنى، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " إن
الميتَ لَيُعَذبُ ببُكَاء أهلهِ عليه " فذكر ذلك لعائشة- رضي الله عنها-
فقالت: وَهَلَ- تعنيَ ابنه عمر-/ إنما مَرَّ رسولُ الله- عليه السلام- على قبر، فقال: " إن صَاحبَ هذا لَيُعَذَّبُ، وأهلُهُ يَبكُونَ عليه، ثم قرأتْ: (وَلا تَزِر وَازِرَة وِزْرَ أخْرَى) (1) . قال: عن أبي معاوية "على قبر يهودي" (2) .
ش- عبدة بن سليمان الكِلابي، وأبو معاوية الضرير.
قوله: " فذكر ذلك " أي: قول ابن عمر- رضي الله عنهما- لعائشة
- رضي الله عنها- فقالت: " وَهَلَ " أي: قالت عائشة: وَهَلَ ابنُ
عمرَ بفتح الواو والهاء، معناه ذهب أهله إلى ذلك، يقال: وَهَلَ الرجل
ووَهَمَ بمعنى واحد، كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت: وَهِيَ- بكسر
الهاء- كان معناه فزع، وقال ابن الأثير (3) : (وَهَلَ إلى الشيء بالفتح،
يَهِلُ بالكسر، وَهْلاَ بالسكون إذا لتصب وَهْمُه إليه، ومعنى وَهَل ابنُ عمر،
أي: ذهب وهمه إلى ذلك، ويجوز أن يكون بمعنى سهى وغلط، يقال
منه: وهل في الشيء، وعن الشيء بالكسر، يسهل وهَلا بالتحريك ".
وقال الخطابي (4) : "قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة- رضي الله عنها- لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن
__________
(1) سورة الإسراء: (15) .
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه (927) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: النهي عن البكاء على الميت (16/4) .
(3) النهاية (5/ 233) .
(4) معالم السنن (1/ 264) .(6/54)
يهودي، فالخبر المفسر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا من غير أن يكون فيه خلاف للآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهلهم بالبكاء والنوح عليهم، فكان ذلك مشهورا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم، كقول القائل (1) :
إذا ما مت فانعيني بما أنا أهله ... وشُفي عليّ الجيبَ يا ابنة معبدٍ
وكقول لبيد:
فقوما وقولا بالذي تعلمانه ... ولا تَخمِشا وجها ولا تحلِقا شعرَ
وقولا هو المرءُ الذي لا صديقه ... أضاعَ ولا خانَ الأميرَ ولا غَدرَ
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقال- عليه السلام-: " من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سنة سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها". وفيه وجه آخر وهو أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء الله سبحانه وتعالى فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم: " مطرنا بنوء كذا ْ": عند نوء كذا، كذلك قوله: "إن الميت يعذب ببكاء أهله " أي: عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالا لا سببا، لأنا لو جعلناه سببا لكان مخالفا للقرآن، وهو قوله تعالى: (وَلا تَزِرُ وَازِرَة وزْرَ أخْرَى) (2) والله أعلم " (3) .
قوله: " قال: عن أي معاوية " أي: قال عبدة بن سليمان في روايته: عن أبي معاوية الضرير:" إنما مر رسول الله على قبر يهودي ". وأخرجه: مسلم، والنسائي.
__________
(1) وهو طَرَفة بن العبد.
(2) سورة الإسراء.
(3) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.(6/55)
1565- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن يزيد بن أوس، قال: "دخلتُ على أبي موسى وهو ثقيل، فذهَبتْ امرأتُه لتَبكِيَ، أو تَهُمُّ به، فقال لها أبو موسى: أما سمعتِ ما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، قال: فسكَتَتْ، فلما ماتَ أبو موسى، قال يزيد: لقيَتُ المرأةَ، فقلتُ لها قولَ أبي موسى لك: أما سمعت ما قال (1) رسولُ أله- عليه السلام- ثم سَكَتّ؟ قالت: قال رسولُ الله- عليه السلام-: ليسَ منا: من حَلَق، ومن سَلَق، ومن خَرَقَ " (2) .
ش- جرير بن عبد الحميد الرازي، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النوعي.
ويزيد بن أوس، قال علي بن المديني: مجهول، لا نعلم أحدا روى عنه غير إبراهيم، قال فيه "الكمال": روى عن أبي موسى الأشعري. روى عنه: إبراهيم النخعي، وأبو موسى الأشعري (3) .
وامرأة أبي موسى أم عبد الله بنت أبي دومة (4) . روى عنها: يزيد بن أوس هذا الحديث، ويروي عنها عن النبي- عليه السلام- وبعضهم يروي عنها، عن أبي موسى، عن النبي- عليه السلام- روى لها: أبو داود، والنسائي (5) .
قوله:" وهو ثقيل" جملة اسمية وقعت حالا، أي: ثقيل من المرض، مشارف على الموت.
قوله: " لتبكي " بنصب الياء، أي: لأن تبكي.
__________
(1) في سنن أبي داود:"قول".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: شق الجيوب (4/ 21) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 6966) .
(4) في الإصابة: "دومى " ولم يذكر اسم أبيها في الاستيعاب ولا أسد الغابة. (5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 470) ، وأسد الغابة (7/ 0 36) ، والإصابة (4/473) .(6/56)
قوله: " أو تهم به " أي بالبكاء/ من هم بالأمر يهم، من باب نصر [2/195- أ] ينصر إذا عزم عليه.
قوله: " ليس منا من حلق" أي: ليس من أهل سنتنا من حلق شعره عند
المصيبة إذا حَلَّت به.
قوله: " ومن سلق لما أي: رفع صوته عند المصيبة، وقيل: هو أن
تصك المرارة وجهها وتمرده (1) ، والأول أصح، ويقال: بالصاد، قال الجوهري: وسلق لغة في صلق، أي: صاح، والمسْلاقُ: الخطيب
البليغ، وهو من شدة صوته وكلامه، وكذلك السلاقُ، ويقال: خطيب
مِسقع مسلق بكسر الميم فيهما.
قوله: " ومَن خرق " بالخاء المعجمة من الخرق وهو الشق، أي: من
شق ثيابه لأجل المصيبة، والحديث أخرجه النسائي، وقد روي هذا
الحديث عنها، عن أبي موسى، عن النبي- عليه السلام- وأخرجه
النسائي أيضاً
1566- ص- نا مسدد، نا حميد بن الأسود، نا الحجاج عاملُ عمرَ بنِ
عبد العزيز على الربذة، قال: حدثني أسيد بن أبي أسيد، عن امرأة من المبايعات، قالت: "كان فيما أخذ علينا رسولُ اللهِ- عليه السلام- في
المعروف الذي أخذَ علينا أنْ لا نعصيَه فيه: أنْ لا نَخْمشَ وجهاً ولا نَدعو
ويلاً، ولا نشق جيبا، ولا (2) ننشرَ شَعراً" (3) .
ش- الحجاج عامل أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الأموي على
الربذة، بفتح الراء، والباء الموحدة، والذال المعجمة، وهي قرية من قرى
المدينة، وبها قبر أبي ذر الغفاري. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
وأسيد بن أبي أسيد البراد المديني، واسم أبي أسيد: يزيد. روى عن:
__________
(1) تخدشه وتحكه بأطراف أصابعها.
(2) في سنن أبي داود: "وأن لا ننشر شعراً"
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1132) .(6/57)
عبد الله بن [أبي] قتادة، ومعاذ بن عبد الله بن خُبيب، ونافع بن عباس، عن أبي هريرة. روي عنه: الدراوردي، وابن أبي ذئب، وابن جريج وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (.1) ، وأسيد بفتح الهمزة، وكسر السين.
قوله: " أن لا نعصيه" في محل النصب على أنه مفعول لقوله: "أخذ علينا".
قوله: " أن لا نخمش " بدل من قوله:، "أن لا نعصيه " والخمش: الخدش، يقال: خمشت المرأة وجهها تخدشه خمشا وخموشا إذا خدشت وقشرت جلدها بأظافيرها.
قوله: " ولا ندعو ويلا " الويل الحزن والهلاك، والمشقة من العذاب، وكل من وقع في هلكة دعي بالويل، ومعنى النداء فيه يا حزني، ويا هلاكي، ويا عذابي احضر، فهذا وقتك وأواني، فكأنه نادى الويل ابن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع.
قوله: " ولا نشق جيبا " الجيب: القميص، يقال: جبت القميص أجوبه وأجيبه إذا قورت جيبه.
26- باب: صنعة الطعام لأهل الميت
أي: هذا باب في بنان صنعة الطعام لأجل أهل الميت، ويقال للطعام الذي يصنع لأهل البيت 000 (2)
1567- ص- نا مسدد، نا سفيان، حدثني جعفر بن خالد، عن أبيه،
__________
(1) كذا ترجم المصنف لأسيد، وصاحبنا أسيد آخر، انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 511) .
(2) بياض قدر كلمتين.(6/58)
عن عبد الله بن جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اصْنَعُوا لآل جعفر طعامًا، فإنه قد أتاهم أمر شَغَلَهُم " (1) .َ
ش- جعفر بن خالد بن سارة المخزومي المكي، وقيل: المدني، روى عن أبيه. روى عنه: سفيان بن عيينة، وابن جريج، قال أحمد بن حنبل: ثقة، وكذلك قال يحيى، والترمذي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وخالد بن سارة، ويقال: خالد بن عبيد بن سارة المخزومي المكي. سمع: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب. روى عنه: ابنه جعفر المكي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: " لآل جعفر " آل الرجل أهل بيته، قال ذلك- عليه السلام- حين نعي بجعفر بين أبي طالب- رضي الله عنه- حيث قتل مع: عبد الله ابن رواحة، وزيد بن حارثة في غزوة مؤتة سنة ثمان من الهجرة، ويستفاد من الحديث استحباب صنعة الطعام لأهل الميت، سواء كان الميت حاضرا، أو جاء خبر موته، وذلك لاشتغال أهله بخبره، أو بحاله، ولذلك علل- عليه السلام- بقوله:" فإنه" أي: فإن الشأن قد أتاهم أمر، أي: شأن وحالة شغلهم عن صنعة الطعام وغيره، والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الطعام يصنع لأهل الميت (998) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الطعام يبعث إلى أهل الميت (1610) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 938) .
(3) المصدر السابق له (8/ 1615) .(6/59)
27- باب: الشهيد يُغسَّلُ (1)
أي: هذا باب في بنان الشهيد، هل يغسل أم لا؟ والشهيد فعيل [2/195- ب]
بمعنى فاعل، والمعنى يشهد رحمة الله تعالى، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، لأنه مشهود له بالجنة، أو لأن الملائكة يشهدون موته إكراما له، والشهيد: كل مسلم قتله كافر، أو مسلم ظلما قتلا لم يجب به، قال: والشرط فيه أن يكون القاتل معلوما فوجب عليه القصاص، مثل من قتله قطاع الطريق، أو البغاة، أو قُتِل دون نفسه أو أهله، أو ماله، أو قُتِل مدافعا عن مسلم، أو ذمي، وإذا لم يكن القاتل معلوما فوجد القتيل في محلة تجب فيه الدية، والقسامة، فلا يكون شهيداً.
1568- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا معن بن عيسى، ح، ونا عبيد الله بن عمر الجشمي، نا عبد الرحمن بن مهدي، عن إبرِاهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر- رضي الله عنه- قال: "رُمِي رجلِ بسهام في صَدره أو في حَلقِهِ فماتَ، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحنُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم".
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وجابر بن عبد الله، وقال النووي في " الخلاصة ": سند هذا الحديث على شرط مسلم، واستدل به العلماء على أن الشهيد يكفن في ثيابه، كما هو المشهور في كتب الفقه.
1569- ص- نا زياد بن أيوب (3) ، نا علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي الله عنهم- قال: "أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقَتْلَى أحد أنْ يُنزعَ عنهمُ الحديدُ والجلودُ، وأن يُدْفَنُوا بثيابهم ودمائِهِم (4) " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في الشهيد يغسل".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " حدثنا زياد بن أيوب وعيسى بن يونس قالا".
(4) في سنن أبي داود:" وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم".
(5) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم (1515)(6/60)
ش- علي بن عاصم بن صهيب بن سنان الواسطي، أبو الحسن القرشي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- روى عن: خالد الحذاء، وحميد الطويل، وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: أبو معاوية، وعلي بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، وكان من الورعين الزهاد، وتكلموا فيه، فقال صالح بن محمد: علي ابن عاصم (1) ليس هو ممن يكذب، ولكن يهم، وهو سيئ الحفظ، كثير الوهم يغلط في أحاديث يرفعها ويقلبها، وسائر أحاديثه صحيحة مستقيمة. وقال محمد بن زكرياء: من أهل الصدق، ليس بالقوي في الحديث، وسئل أحمد بن حنبل عنه فقال: هو والله عندي ثقة، وأنا أحدث عنه، قال ابن عدي: والضعف بين على حديثه، مات سنة إحدى ومائتين أواسط وهو ابن أربع وتسعة سنة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بقتلى أحد" القتلى فعلى جمع قتيل، كجرحى جمع جريح، ومرضى جمع مريض، وبه استدل أصحابنا وغيرهم على أن الشهيد لا يغسل، ولا ينزع عنه ثيابه، ولكن ينزع عنه ما هو من غير جنس الكفن: كالحديد، والجلد، والفرو، والحشو، ونحوها، والحديث أخرجه ابن ماجه، واجعله النووي بعطاء بن السائب.
1570- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب، ح، ونا سليمان بن داود المصري، أنا ابن وهب وهذا لفظه، قال: ثنا أسامة بن زبد الليثي، أن ابن شهاب أخبره، أن أنس بن مالك حدثه: "إن شُهداءَ أحد لم يُغسّلُوا، ودفنِوا بدمائِهم، ولم يُصَلَّ عَلَيهم " (4) .
__________
(1) في الأصل: "عاصم بن علي" خطأ.
(2) في الأصل: " بغلط في أحاديث نعرفها ونقلبها" وما أثبتناه من تهذيب الكمال (20/ 511) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 94 0 4) .
(4) تفرد به أبو داود.(6/61)
ش- عبد الله بن وهب. وفيه من الفقه أن الشهيد لا يغسل، وهو قول جماهير أهل العلم، وفيه أنه لا يصلى عليه، وبه استدل الشافعي على مذهبه، والجواب أنه لم يصل عليهم على الفور لاشتغالهم عن الصلاة على الفور بأمور الحرب، ويؤيد ذلك أحاديث الصلاة عليهم، منها: ما روى البخاري في " المغازي " في غزوة أحد، ومسلم في "فضائل النبي- عليه السلام- " من حديث أبي الخير، عن عقبة بن عامر الجهني أن النبي- عليه السلام- خرج يوما فصلى على شهداء أحد صلاته على الميت، ثم انصرف ". زاد فيه مسلم: " فصعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات " الحديث، وقد حمل البيهقي، وابن حبان في "صحيحه " الصلاة في هذا الحديث على الدعاء، لكن قوله: "صلاته على الميت " يدفعه ويرده.
ومنها ما أخرجه الحاكم في " المستدرك"، عن أبي حماد الحنفي، واسمه المفضل بن صدقة (1) ، عن ابن عقيل، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "فقد رسول الله حمزة حين فاء الناس من القتال، فقال رجل: رأيته عند تلك الشجرات، فجاء رسول الله نحوه، فلما رآه ورأى ما مثلَ به شهق وبكى، فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب، ثم جيء بحمزة فصلى عليه، ثم جيء بالشهداء كلهم، وقال صلى الله عليه وسلم: حمزة سيد الشهداء عند الله يوم القيامة". وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في ما مختصره، " فقال: أبو حماد الحنفي، قال النسائي فيه: متروك (2) .
ومنها ما رواه أحمد في "مسنده ": حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد
ابن سلمة، ثنا عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود قال:
__________
(1) في الأصل: " الفصل بن صدقة" خطأ.
(2) الحاكم (2/ 119) ، وفيه استدراك الذهبي، ورواه الحاكم (3/ 97 1) ، وسكت عليه الذهبي، و (3/ 199) ، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد لم يخرجاه "، ووافقه الذهبي!!(6/62)
"كان النساء يوم أحد خلف المسلمين يُجْهزن على جرحى المشركين " إلى أن قال: (فوضع النبي- عليه السلام- حمزة وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه، ثم رُفع، وتُرك حمزة، ثم جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزة، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة"، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " عن الشعبي، لم يذكر فيه ابن مسعود.
ومنها ما رواه أبو داود، عن عثمان بن عمر، لما يجيء الآن (1) ، ومنها ما أخرجه الدارقطني في " سننه "، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن أبي غنية أو غيره، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: "لما انصرف المشركون عن قتلى أحدا إلى أن قال: "ثم قدم رسول الله حمزة فكبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع، وحمزة مكانه، حتى صلى عليه سبعين صلاة، وكان القتلى يومئذ سبعين". ثم قال: لم يروه غير إسماعيل بن عياش، وهو مضطرب الحديث عن غير الشاميين (2) .
ومنها ما أخرجه الحاكم في "المستدرك "، والطبراني في " المعجمي" والبيهقي في " السنن "، عن يزيد بن أبي زناد، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: " أمر رسول الله- عليه السلام- بحمزة يوم أحد فهيئه للقبلة، ثم كبر عليه سبعا، ثم جمع إليه الشهداء حتى صلى عليه سبعين صلاة". زاد الطبراني:" ثم وقف عليهم حتى واراهم" سكت الحاكم عنه، وتعقبه الذهبي، فقال: ويزيد بن أبي زناد لا يحتج به، وقال البيهقي: هكذا رواه يزيد بن أبي زناد، وحديث جابر أنه لم يصل عليهم أصح
ورواه ابن ماجه في " سننه " بهذا الإسناد، قال: " أتي بهم رسول الله يوم أحد، فجعل يصلي على عشرة عشرة، وحمزة كما هو، يرفعون
__________
(1) يأتي برقم (1572) .
(2) سنن الدارقطني (4/ 118) .(6/63)
وهو كما هو موضوع ". قال ابن الجوزي في "التحقيق ": ويزيد بن أبي زناد منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث، وتعقبه صاحب "التنقيح" بأن ما حكاه عن البخاري، والنسائي إنما هو في يزيد بن زناد، وأما راوي هذا الحديث فهو الكوفي، ولا يقال: فيه ابن زناد، وإنما هو ابن أبي زناد، وهو ممن يكتب حديثه على لينه، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره، وروى له أصحاب الحق، وقال أبو داود: لا العلم أحدا ترك حديثه، وابن الجوفي جعلهما في كتابه الذي في "الضعفاء" واحدا، وهو وهم.
ومنها ما رواه ابن هشام في "السيرة"، عن ابن إسحاق، حدثني من
لا أتهم، عن مقسم- مولى ابن عباس- عن ابن عباس قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة، فسُجَّيَ ببردة، ثم صلى عليه، وكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم، حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة،.
قال السهيلي في "الروض الأنف": قول ابن إسحاق في هذا الحديث: حدثني من لا أتهم، إن كان هو الحسن بن عمارة كما قاله بعضهم فهو ضعيف بإجماع أهل الحديث، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يُرو عن النبي- عليه السلام- أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية، ولا في مدة الخليفتين من بعده، انتهى كلامه.
قلت: وقد ورد مصرحا فيه بالحسن بن عمارة كما رواه الإمام أبو قرة موسى بن طارق/ الزبيدي في "سننه"، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: " لما انصرف المشركون من قتلى أحد أشرف رسول الله- عليه السلام- على القتلى فرأى منظرا ساءه، فرأى حمزة قد شق بطنه، واصطدم أنفه، وجدعت أذناه، فقال: لولا (1) أن تخرج النساء فتكون سنة بعدي لتركته حتى
__________
(1) كذا، وفي نصب الراية (1/ 311) : " لولا أن يحزن النساء، أو يكون سنة بعدي".(6/64)
يحشره الله في بطون السباع والطير، وتمثلت بثلاثة منهم مكانه، ثم دعي ببردة، فغطى بها وجهه، فخرجت رجلاه، فغطى بها رجليه فخرج رأسه، فغطى بها رأسه، وجعل على رجليه من الإذخر، ثم قدمه فكبر عليه عشرا، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع إلى جنبه فيصلى عليه، ثم يرفع، ويجاء بآخر فيوضع، وحمزة مكانه، حتى صلى عليه، (1) سبعين صلاة، وكانت القتلى سبعين، فلما دفنوا وفرغ منهم نزلت هذه الآية: {وَاِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} الآية (2) ، فصبر- عليه السلام- ولم يقتل، ولم يعاقب".
ومنها ما رواه أبو داود في " مراسيله ": عن حصين، عن أبي مالك الغفاري على ما يجيء عن قريب- إن شاء الله تعالى-.
فإن قيل: الشهيد وصف بأنه حي بالنص، والصلاة شرعت على الميت
لا على الحي.
قلت: الشهيد حي في أحكام الآخرة، فأما في أحكام الدنيا فهو ميت حتى يقسم ميراثه، وتتزوج امرأته، والصلاة عليه من أحكام الدنيا.
فإن قيل: الصلاة ما شرعت إلا بعد الغسل، فسقوطه دليل على سقوطها.
قلت: غسله لتطهيره، والشهادة طهرته، فأغنت عن الغسل كسائر الموتى بعد ما غسلوا، فافهم.
1571- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا زيد- يعني ابن الحباب- ح، ونا عتيبة بن سعيد، نا أبو صفوان- يعني المرواني- عن أسامة، عن الزهري، عن أنس، المعنى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَر على حمزةَ وقد مثُّلَ به، فقال:" لولا أن تجد صفيةُ في نفسِها لتركتُه حتى تصله العافيةُ، حتى يُحشرَ من بُطونِها، وقَلتِ الثيابُ، وكَثرَتِ القَتلى، فكان الرجلُ والرجلانِ والثلاثة
__________
(1) زيادة من نصب الراية.
(2) سورة النحل: (126) .
5. شرح سنن أبي داوود 6(6/65)
يُكفنون في الثوب الواحد " زاد قتيبة: " ثم يُدفَنُونَ في قبر واحد، فكان رسول الله- عليه الإسلام- يسأل: أيهم أكثرُ قرآناً فيُقَدمه إلى القبلة " (1) .
ش- أبو صفوان الأموي، اسمه: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، وقيل: عبد الله بن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الملك، وقد مر مرة، وأسامة بن زيد.
قوله: " وقد مثلَ به "من (2) "مثلت بالحيوان أمثل به مثلا بالسكون إذا قطعت أطرافه، وشوهت به، ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو شيئا من أطرافه والاسم المحلة، ومثل بالتشديد للمبالغة" وبابه من باب نصر ينصر.
قوله: " لولا أن تجد صفية " من وجد في الحزن وَجدا بالفتح، وأما وجد في المال وُجْداَ فبالضم والكسر، أي: استغنى ووجد مطلوبه وجودا، ووجد عليه في الغضب موجدة ووجدانا أيضاً حكاه بعضهم، ووجد الشيء عن عدم فهو موجود. وصفية أخت حمزة بنت عبد المطلب أسلمت وهاجرت، وهي أم الزبير بن العوام، توفيت بالمدينة في خلافة عمر- رضي الله عنه-.
قوله: "حتى تأكله العافية " أي: السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها، وتجمع على العوافي، وقال ابن الأثير (3) : " العافية، والعافي كل طالب رزق من إنسان، أو بهيمة، أو طائر، وجمعها العوافي، وقد تقع العافية على الجماعة، يقال: عفوته، واعتفيته، أي: أتيته أطلب معروفه ". وفيه من الفقه أن الشهيد لا يغسل، وجواز دفن الجماعة في القبر الواحد، وجواز تكفين الجماعة في الثوب الواحد، وكان هذا للضرورة، وفيه استحباب تقديم أفضل الموتى إلى القبلة، وقال الخطابي: وفيه أنه لا يصلى على الشهيد.
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة (1016) .
(2) انظر: النهاية (4/ 294) .
(3) النهاية (3/ 266) " باب عفا ".(6/66)
قلت: الحديث ساكت عن هذا، فكيف يدل على ذلك؟! فافهم،
والحديث أخرجه: الترمذي، وقال: غريب لا نعرفه من حديث أنس إلا
من هذا الوجه، وفي حديث الترمذي " لم يصل عليهم" والجواب أنه لم
يصل عليهم على الفور كما ذكرناه آنفا، والله أعلم.
1572- ص- نا عباس العنبري، نا عثمان/ بن عمر، نا أسامة، عن [2/197ـ أ] الزهري، عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مَر بحمزةَ وقد مثلَ به، ولم يُصَل على
أحدٍ من الشهداءِ غيره " (1) .
ش- عباس بن عبد العظيم البصري، وعثمان بن عمر بن فارس
البصري.
وقال الدارقطني: تفرد به أسامة بن زيد (2) ، عن الزهري، عن أنس
بهذه الألفاظ، ورواه عثمان بن عمر، عن أسامة، عن الزهري، عن
أنس، وزاد فيه حرفا لم يأت به غيره، فقال: " ولم يصل على أحد من
الشهداء غيره" يعنى حمزة، وقال في موضع آخر: " لم يقل هذه اللفظة
غير عثمان بن عمر، وليس بمحفوظ" (3) انتهى كلامه.
قلت: أما أسامة بن زيد فقد احتج به مسلم، واستشهد به البخاري،
وأما عثمان بن عمر البصري، فقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج
بحديثه، والزيادة من الثقة مقبولة، والله أعلم.
1573- ص- نا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب، أن الليث
حدثهم، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن جابر بن
عبد الله، أخبره، أن رسول الله " وكان يجمع بين الرجل من تتلي أحُد،
ويقول: أيهُما أكثرُ أخذا للقرآنِ؟ فإذا أشِيرَ له إلى أحدِهِمَا قَدَّمَه في اللَّحد
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(3) سنن الدارقطني (117/4) .
(2) في الأصل: " أسامة بن يزيد" خطأ.(6/67)
وقال: أنا شهيد على هؤلاء يومَ القيامة، وأمَر بدفنهم بدمائهم، ولم يغْسِلهُمْ " (1) (2) .ًَ
ش- رواه البخاري في "صحيحه "، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، زاد البخاري والترمذي: "ولم يصل عليهم " وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال النسائي: لا أعلم أحدا تابع الليث من أصحاب الزهري على هذا الإسناد، واختلف عليه فيه، انتهى.
ولم يؤثر عند البخاري، والترمذي تفرد الليث بهذا الإسناد، بل احتج
به البخاري في " صحيحه "، وصححه الترمذي.
1574- ص- نا سليمان بن داود المهرة، أنا ابن وهب، عن الليث بهذا الحديث بمعناه، قال: " يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحدِ " (3) .
ش- أشار أبو داود بهذا إلى رواية أخرى، فافهم.
28- باب: في ستر الميت عند غسله
أي: هذا باب في بيان ستر الميت عند غسله.
1575- ص- نا علي بن سهل الرملي، نا حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي- رضي
__________
(1) في سنن أبي داود: "ولم يغسلوا".
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد (1343) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد (1036) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة عليهم (4/ 60) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم (1514) .
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد (1343) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: ترك الصلاة عليهم (4/ 62) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في الصلاة على الشهداء ودفنهم (1514) .(6/68)
الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبرِزَن فَخِذا (1) ، ولا تَنظرَن إلى فَخِذِ حَيّ، ولا ميت " (2) .
ش- حجاج بن محمد الأعور، وعبد الملك بن جريج.
قوله:" لا تبرزن " أي: لا تظهرن من الإبراز، والفخذ بكسر الخاء وسكونها، وفيه من الفقه أن الفخذ من العورة وأنه يجب ستره سواء كان من حي أو ميت، وهو حجة على من يجعل العورة السوأتين فقط، والحديث أخرجه: ابن ماجه، وقال أبو داود: هذا الحديث فيه نكارة، والله أعلم.
1576- ص- نا النفيلي، نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عَباد، عن أبيه عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعتُ عائشة- رضي الله عندها- قالت (3) : " لمَا أرادوا غَسْلَ النبي- عليه السلام- قالوا: والله ما ندرِي، أنُجَرد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نُجَرد موتانا؟ أم نغسلُه وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى اللهُ عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذَقنه في صدرِه، ثم كَلمَهُم مكلم من ناحية البيت، لا يدرونَ مَن هو، أنه اغسلُوا النبيَّ- عليه السلام- وعليه ثيابه، فقاموَا إلى رسول الله، فَغَسلُوه وعليه قميصُهُ، يصبُّونَ الماءَ فوقَ القميصِ، ويُدلكونه بالقميَصِ دون أيديِهم" وكانت عائشة تقولُ: " لو استقبلتُ من أمري ما استبدرتُ ما غَسلَهُ إلا نساؤه" (4) .
ش- يحي بن عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني. روى عن: أبيه. روي عنه: ابن إسحاق، قال ابن معين، والدارقطني: ثقة. وقال عبد الرحمن: مات قديماً وهو ابن ست
__________
(1) في سنن أبي داود:" لا تبرز فخذك ".
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت (1460) .
(3) في سنن أبي داود: " تقول ".
(4) تفرد به أبو داود.(6/69)
وثلاثين سنة، وكانت له مروءة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعباد- فعّال بالتشديد- ابن عبد الله بن الزبير الحجازي، سمع أباه، وعائشة، وأسماء ابنتي أبي بكر. روى عنه: ابنه، وهشام بن عروة، / وعبد الواحد بن حمزة، وغيرهم. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وذَقنه " الذقن- بفتح الذال المعجمة، والقاف- مجتمع اللعين، وبالحديث استدل الشافعي على أن القميص (3) يغسل في قميصه، وعندنا يجرد وتستر عورته، والجواب عن الحديث ابنه من خصائص النبي- عليه السلام- وأخرج ابن ماجه في " سننه " من حديث بريدة بن الحصيب، قال: " لما أخذوا في غَسِل النبي- عليه السلام- ناداهم مناد من الداخل: لا تنزعوا عن رسول الله قميصه ". قال الدارقطني: تفرد به عمرو بن يزيد، عن القمة، انتهى.
وعمرو بن يزيد هذا هو أبو بردة التميمي، لا يحتج به، وفي رواية الإمام الحمد: " فحضر علي رسول الله، ولم يل من غسله شيئا، فأسنده على صدره، وعليه قميصه، وكان العباس، وفضل، وقثم يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد، وصالح هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله، ولم ير من رسول الله شيئا مما يراه من الميت وهو يقول: بأبي وأمي، ما أطيبك حنا وميتا".
29- باب: كيف غَسلُ الميت؟
أي: هذا باب في بيان كيفية غسل الميت.
1577 ص- نا القعنبي، عن مالك، ح ونا مسدد، نا حماد بن زيد، المعنى، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية، قالت: " دَخلَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 9853)
(2) المصدر السابق (14/ 3086) .
(3) كذا والجادة:" الميت".ما جاءني غسل الميت (1458) .(6/70)
علينا رسولُ الله- عليه السلام- حينَ تُوفيت ابنتُه، فقال: اغْسلنَها ثلاثا أو خَمسا، أو كثير من ذلك إن رأيتُن ذلك بماءٍ وسدر، واجْعَلنً في الآخرة كافوراً أو شيئا من كَافور، فإذا فَرَغْتُن فآذنني، َ فلمًا فَرَغنَا آذنَاهُ، فأعطاناَ حِقْوَه، فقال: أشْعِرْنَها إياه" قال مالك (اَ) : " يعني: إزَارَهُ "، ولم يقل مسدد: "دَخَلَ عَلينا" (2) .
ش- "فآذ نني " أي: فأعلمنني.
قوله: "حقوه" الحقو بفتح الحاء، وسكون القاف هو الإزار، كما فسره مالك بن أنس.
قوله: " أشعرتها " أي: اجعلنه شعارا لها، وهو الثوب الذي يلي جلدها، ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: وجوب غسل الميت. الثانية: استحباب الإيجار في الغَسل.
الثالثة: استحباب غَسله بالسدر، أو بما في معناه من أشنان ونحوه، لأن هذا أبلغ في التنظيف.
الرابعة: استحباب شيء من الكافور في آخر الماء، وقال أصحابنا: يستحب أن يجعل الكافور على مساجده وهي: الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه ": حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام، عن شيخ من أهل الكوفة، يقال له: زناد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، قال: " يوضع الكافور على مواضع سجود الميت "،
__________
(1) في سنن أبي داود: يقال عن مالك،.
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: نقض شعر المرأة (1260) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: في غسل الميت (939) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب:
ما جاء في غسل الميت (990) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: غسل الميت بالماء والسدر (28/4) و (4/ 31، 32) ، ابن ماجه، كتاب الجنائز: باب:(6/71)
ورواه البيهقي (1) ، وأخرج عبد الرزاق في " مصنفه"، عن سلمان " أنه استودع امرأته مسكا، فقال: إذا مت فطيبوني به، فإنه يحضرني خلق من خلق الله لا ينالون من الطعام والشراب، يجدون الريح".
وأخرج عن الحسن بن علي " أنه لما غسل الأشعث بن قيس دعا بكافور، فجعله على وجهه، وفي يديه، ورأسه، ورجليه، ثم قال: أدرجوه ". والحديث أخرجه الجماعة (2) .
وابنة رسول الله- عليه السلام- هذه هي زينب زوج أبي العاص وهي أكبر بناته، وهو مصرح به في لفظ لمسلم، عن أم عطية، قالت: " لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا- عليه السلام-: " اغسلنها" الحديث. هذا هو أكثر المروي، وذكر بعض أهل السير أنها أم كلثوم وقد ذكره أبو داود فيما بعد، وفي إسناده مقال، وكذا في " مسند أحمد" و "تاريخ البخاري الوسط" أنها أم كلثوم، أخرجوه عن ابن إسحاق، حدثني نوح بن حكيم الثقفي، عن رجل من بني عروة بن مسعود الثقفي، يقال له: داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي- عليه السلام- عن ليلى بنت قانف الثقفية، قالت: " كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله الحِقَا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله جالس عند الباب معه كفنها يناولها ثوبا ثوبا" انتهى. قال المنذري: فيه محمد بن إسحاق، وفيه من ليس بمشهور، والصحيح/ أن هذه القصة في زينب، لأن أم كلثوم توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب ببدر، وقال ابن القطان في "كتابه": ونوح بن حكيم رجل مجهول، لم تثبت عدالته، وأما الرجل الذي يقال له: داود فلا يُدرَى من هو؟ فإن داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي رجل معروف. يروي عن: عثمان بن أبي العاص، وابن عمر، وسعيد بن
__________
(1) السنن الكبرى (3/ 405) .
(2) انظر: نصب الراية (1/ 257، 258) .(6/72)
المسيب. وروى عنه: ابن جريج، ويعقوب بن عطاء، وقيس بن سعد، وغيرهم، وهو مكي ثقة، قاله أبو زرعة، ولا نجزم القول بأنه هو، وموجب التوقف في ذلك أنه وصف في الإسناد بأنه ولدته أم حبيبة، وأم حبيبة إنما كان لها بنت واحدة قدمت بها من أرض الحبشة، ولدتها من زوجها عبيد الله بن جحش بن رئاب المتدين (1) بدين النصرانية المتوفى هناك، واسم هذه البنت: حبيبة، فلو كان زوج حبيبة هذه أبو عاصم بن عروة بن مسعود أمكن أن يقال: إن داود المذكور ابنه منها، فهو حفيد لأم حبيبة، وهذا شيء لم ينقل، بل المنقول خلافه، وهو أن زوج حبيبة هذه هو: داود بن عروة بن مسعود، كذا قال أبو علي بن السكن وغيره، فداود الذي لأم حبيبة عليه ولادة، ليس داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود، إذ ليس أبو عاصم زوجا لحبيبة، ولا هو بداود بن عروة بن مسعود الذي هو زوج حبيبة، فإنه لا ولادة لأم حبيبة عليه، والله أعلم من هو، فالحديث من أجله ضعيف، انتهى (2) . ثم اعلم أن زينب- رضي الله عنها- توفيت في سنة ثمان، قاله الواقدي، وقال قتادة: عن ابن حزم في أول سنة ثمان، وذكر حماد بن سلمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه" أنها لما هاجرت دفعها رجل، فوقعت على صخرة، فأسقطت حملها، ثم لم يزل وجعها حتى ماتت، فكانوا يرونها ماتت شهيدة".
1578- ص- نا أحمد بن عبدة، وأبو كامل بمعنى الإسناد، أن يزيد بن زريع حدثهم، قال: نا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن حفصة أخته، عن أم عطية، قالت:" مَشطناهَا ثَلاثة قُرون لما (3) .
__________
(1) في نصب الراية: " المفتي ".
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) مسلم: كتاب الجنائز، باب: في غسل الميت (939) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الكافور في غسل الميت (4/ 32) .(6/73)
ش- أبو كامل فضيل الجحدري، وأيوب السختياني، وحفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين.
قوله: " مشطناها " أي: ضفرنا شعر رأسها ثلاثة قرون، والضمير يرجع إلى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرون جمع قرن وهو الضفيرة (1) ، ويستفاد من هذا استحباب جعل شعر الميتة ثلاث ضفائر (2) ، والحديث أخرجه الجماعة.
1579- ص- نا محمد بن المثنى، نا عبد الأعلى، نا هشام، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، قالت: " وَضَفرنا رأسها ثلاثة قرون، ثم ألقيناهَا خَلفَها مُقَدَّم رأسِها وقرنيْها " (3) .
ش- عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وهشام بن حسان.
قوله: " وضفرنا " من الضفر، وهو نسج الشعر وغيره عريضا، والتضفير مثله، والضفيرة: العقيدة، يقال: ضفرت المرأة شعرها، ولها ضفيرتان، وضفران أيضا، أي: عقيصتان.
قوله: "مقدم رأسها، وقرنيها " بدل من قوله: " ثلاثة قرون " أو بيان عنها، والمعنى ضفرنا شعر رأسها ثلاث ضفائر، ضفيرة من مقدم رأسها، وضفيرتان من قرني رأسها، وقرن الرأس: ناحيتها وجانبها، ويدل على ما فسرنا رواية مسلم: " فضفرنا شعرها ثلاثة قرون: قرنيها، وناصيتها " والناصية مقدم الرأس.
وروى ابن أبي شيبة: حدثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: كان يقول: " إذا اغتسلت المرأة ذُوِّبَ شعرها ثلاث ذوائب، ثم جعل خلفها" (4) .
__________
(1) في الأصل: " الظفيرة".
(2) في الأصل: "ظفائر".
(3) البخاري: كتاب الجنائز، باب: يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون (1262) .
(4) بياض في الأصل قدر سطرين ونصف.(6/74)
1580- ص- نا أبو كامل، نا إسماعيل، نا خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته: "ابْدَأنَ بميامِنهَا، ومَوَاضع الوضوءِ منها " (1) .
ش- أبو كامل الجحدري، وإسماعيل ابن علية، وخالد الحذاء.
قوله: "لهن" أي: للنساء اللاتي غسلن ابنة النبي- عليه السلام-.
قوله: "ابدأن" بالهمزة من بدأ، وفي بعض الرواية: " أبدين" بدون
الهمزة، وتكون قد سقطت لأجل التخفيف، والتليين، والميامن جمع
ميمنة بمعنى أيمن، ومواضع الوضوء: اليدان، والوجه، والرأس، والرجلان، والحديث أخرجه الجماعة.
1581- ص- نا محمد بن عبيد، نا حماد، عن أيوب، عن محمد،
عن أم عطية بمعنى حديث مالك، زاد في حديث حفصة، عن أم عطية (2)
نحو هذا، وزادت فيه: "أو سبعا، أو أكثر من ذلك إن رأيتنَه " (3) .
ش- محمد بن عبيد بن الحساب الغُبَري، وحماد بن زيد،
وأيوب السختياني، ومحمد بن سيرين، وهذه الرواية أخرجها:
البخاري، ومسلم، والنسائي، ويستفاد منها استحباب الإيتار بالزيادة على
السبعة، لأن ذلك أبلغ في التنظيف، وأما الإيتار فلما روى البزار في
" مسنده ": حدثنا يحيى بن ورد بن عبد الله، ثنا أبي، ثنا عدي بن الفضل، ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: "إن الله وتر يحب الوتر ".
1582- ص ص- نا هدبة بن خالد، نا همام، نا قتادة، عن محمد بن
__________
(1) انظر الحديث رقم (1577) .
(2) في سنن أبي داود: "بنحو هذا".
(3) انظر الحديث رقم (1577) .(6/75)
سيرين " أنه كان يأخذُ الغُسلَ عن أم عطية، يغسلُ بالسدرِ مرتين، والثالثة بالماءِ والكافور" (1) .
ش- همام بن يحيي، وإسناد هذا الحديث على شرط البخاري، ومسلم، وأخرج الحاكم، عن صدقة بن موسى، ثنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن شريدة، عن عبد الله بن مغفل، قال: " إذا أنا مت فاجعلوا في آخر غسلي كافورا وكفنوني في بردين وقميص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فُعِل به ذلك".
30- باب: في الكفن
أي: هذا باب في بيان أحكام كفن الميت.
1583- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمن جابر بن عبد الله يحدث " عن النبي- عليه السلام- أنه خَطبَ يوما، فذكر رجلا من أصحابِهِ قُبضَ فَكُفنَ في كفَنٍ غيرِ طائل، وقُبِرَ ليلا، فَزجَر النبي- عليه السلام- أن يُقبَرَ الرجلُ بالليلِ حتى يُصَلى عليه إلا أن يُضطرَ إنسان إلى ذلك، وقال النبي- عليه السلام-: إذا كَفنَ أحدُكم أخاه فَليُحْسِنْ كَفَنَهُ " (2) .
ش- عبد الرزاق بن همام، وعبد الملك بن جريج، وأبو الزبير محمد ابن مسلم المكي.
قوله: "غير طائل" يقال: هذا أمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: في تحسين الكفن (943) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بتحسين الكفن (4/ 32) .(6/76)
ومزية، يقال ذلك في التذكير والتأنيث، ولا يتكلم به إلا في الجَحْدِ،
وذكره الجوهري في باب الطول، فدل على أن أصله واوي.
قوله: " وقبر ليلاً" أي: دفن بالليل، يقال: قبر، إذا دفن، وأقبر،
إذا جعل له قبر.
قوله: " أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه " قال النووي: المنهي عنه
الدفن قبل الصلاة.
قلت: الدفن قبل الصلاة منهي عنه مطلقا سواء كان بالليل أو بالنهار،
والظاهر أنه نهي عن الدفن بالليل، ولو كان بعد الصلاة، يؤيد ذلك ما
رواه ابن ماجه في" سننه": حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، ثنا وكيع،
عن إبراهيم بن يزيد المكي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا". وكذلك
معنى هذا الحديث الذي أخرجه: أبو داود، ومسلم أيضا في " صحيحه "
" زجر النبي- عليه السلام- أن يقبر الرجل- أي: يدفن بالليل- حتى
يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك" يعني لا يكره الدفن بالليل
عند الضرورة، لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكن شكل على هذا
أن الخلفاء الأربعة دفنوا ليلا، وروى البخاري أيضاً عن عائشة- رضي
الله عنها- أن أبا بكر- رضي الله عنه- قال لها: " في كم كفن النبي
- عليه السلام-؟، إلى أن قالت: "فلم يتوب حتى أمسى من ليلة
الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح". وروى أبو داود، عن جابر، قال:
"رأى ناس في المقبرة نارا ثم الحديث (1) ، ويذكر عن قريب إن شاء الله
تعالى، وفي " المغازي " للواقدي، عن عمرة، عن عائشة- رضي الله
عنها- قالت: " ما علمنا/ بدفن النبي- عليه السلام- حتى سمعنا، صوت المساحي في السحر ليلة الثلاثاء". وفي رواية الإمام أحمد: "دفن ليلة الأربعاء".
وأخرج البخاري، عن ابن عباس قال: "مات إنسان
كان النبي- عليه السلام- يعوده، فمات بالليل، فدفنوه ليلا، فلما
أصبح أخبروه بذلك، فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل
__________
(1) يأتي برقم (1599) .(6/77)
والظلمة فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره، فصلى عليه، فصففنا خلفه " قال ابن عباس: "وأنا فيهم ".
قلت: يمكن التوفيق بين هذه الأخبار بأن يكون- عليه السلام- نهى
عن ذلك أولا، ثم رخصه، فافهم.
قوله: " فليحسن كفنه" فيه من الفقه استحباب تكفين الميت بالثياب الحسنة، والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وأخرج الترمذي، وابن ماجه من حديث أبي قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ".
1584- ص- نا أحمد بن حنبل، نا الوليد بن مسلم، نا الأوزاعي، نا الزهري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " أدرجَ رسولُ اللهِ- عليه السلام- في ثوبٍ واحدٍ حِبَرةٍ (1) ، ثم أُخِّرَ عنه " (2) .
ش- الحبرة بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء، هو برد يمان، يقال: برد كبير، وبرد حبرة على الوصف والإضافة، والجمع حبر، وحبرات.
قوله: "ثم أخر عنه " أي: ثم أخر الثوب عن رسول الله- عليه السلام- والحديث رواه أحمد، والنسائي، وفيه قال القاسم: "إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد" وعن عائشة- رضي الله عنها-: " كفن رسول الله في برد حجرة كانت لعبد الله بن أبي بكر، ولف فيها ثم نزعت عنه، فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها إذا مات، ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله أن يكفن فيه، فتصدق بثمنها عبد الله".
__________
(1) في سنن أبي داود: " في ثوب حبرة ".
(2) النسائي: كتاب الجنائز، باب: كفن النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 35) ، وفي (الكبرى) : كتاب الوفاة عن محمد بن المثنى، ومجاهد بن موسى- فرقهما- ثلاثتهم،
عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري به.(6/78)
فإن قيل: ما الحكمة في أنهم أدرجوا رسول الله في ذلك الثوب الحبرة، ثم أخروه عنه؟ قلت: لعلهم استقلوا هذا في حقه- عليه السلام- أو ما استطابوا فكفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمينية، ليس فيها قميص، ولا عمامة، فقلنا لعائشة: إنهم يزعمون أنه كفن في برد حبرة، فقالت: قد جاءوه ببرد حيرة، ولم يكفنوه فيه".
وجواب آخر وهو أنه يمكن أن يكون إدراجهم رسول الله فيه، ثم تأخيرهم إياه عنه لأجل التنشيف بعد الغسل، فكان ذلك كالمنشفة، فلما نشفوه به أخروه عنه، ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض.
1585- ص- نا الحسن بن الصباح، نا إسماعيل- يعني: ابن عبد الكريم- حدثني إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب- يعني: ابن منبه- عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تُوفيَ أحدُكم فوجد شيئاً فليكفّنْ في ثوبٍ حِبَرةٍ " (1) .
ش- إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه بن كامل بن سيج اليماني الصنعاني. روى عن: وهب بن منبه. روى عنه: أحمد بن حنبل، وزيد بن المبارك، وإسماعيل بن عبد الكريم، قال أحمد بن عبد الله: هو يماني ثقة، وقال ابن معين: لم يكن به بأس. روى له: أبو داود (2) . وعقيل بن معقل اليماني ابن أخي وهب. سمع عمه وهبا. روى عنه: هشام بن يوسف الصنعاني، وعبد الرزاق، وابنه إبراهيم بن عقيل، قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود (3) . والحديث محمول على حالة
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 215) . (3) المصدر السابق (20/ 4000) .(6/79)
الضرورة، فإن الثوب الواحد كاف فيها، وفي حالة اليسار السنة ثلاثة أثواب في حق الرجال، وخمسة في حق النساء- كما هو المذكور في كتب الفقه والحديث-.
1586- ص- نا أحمد بن حنبل، نا يحيى بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كُفِّنَ رسول الله- عليه السلام- في ثلاثة أثواب ثمانية بيضٍ، ليس فيها قميص، ولا عمامة " (1) .َ
ش- هشام بن عروة بن الزبير- رضي الله عنهم- وبالحديث استدل الشافعي- رضي الله عنه- أن السنة في الكفن أن يكون لفائف بلا قميص ولا عمامة، وعند مالك السنة العمامة أيضاً / وهو يحملُ الحديث على أنه ليس بمعدود، بل يحتمل أن تكون الثلاثة الأثواب بزيادة على القميص والعمامة، ولأصحابنا ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2) ، عن ناصح بن عبد الله الكوفي، عن سماك، عن جابر بن سمرة، قال: "كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب: قميص، وإزار، ولفافة".
وما رواه أبو داود، عن ابن عباس، قال: " كفن رسول الله في ثلاثة أثواب: قميصه الذي مات فيه " الحديث، ويأتي عن قريب (3) .
وما رواه محمد بن الحسن في كتاب "الآثار" (4) : أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي: "أن النبي- عليه السلام- كفن في حلة يمينية، وقميص ". وأخرجه عبد الرزاق في
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: الثياب البيض للكفن (1264) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: في كفن الميت (941) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (996) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: كفن النبي صلى الله عليه وسلم (35/4) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (1469) .
(2) (303/8- 304) ترجمة ناصح بن عبد الله.
(3) يأتي برقم (1588) .
(4) (ص 39) باب: غسل الميت.(6/80)
"مصنفه"، وأخرج عن الحسن نحوه، وقال أبو عبيد: "الحلة: إزار، ورداء، ولا تكون الحلة إلا من ثوبين". وحديث عائشة أخرجه: الجماعة، والإمام أحمد. وروى أحمد، عن عائشة: "أن رسول الله - عليه السلام- كفن في ثلاثة رِياط يمانية". وانفرد به أحمد، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما-:"كفن رسول الله- عليه السلام- في ثوبين أبيضين وبرد أحمر" رواه أحمد، وانفرد به، وعن أبي هريرة، قال: " كفن رسول الله- عليه السلام- في ريطتين وبرد نجراني ". رواه أبو سعيد بن الأعرابي، وفي رواية: "كفن رسول الله في ثلاثة أثواب ليس فيها: قميص، ولا قباء، ولا عمامة" رواه ابن عساكر.
الريطة- بكسر الراء- كل مُلاءة ليست بِلِفْقَيْنِ، وقيل: كل ثوب رقيق لين، والجمع ريط، ورياط.
1587- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا حفصة بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- مثله، زاد: "من كُرْسف " قال: "فذكر لعائشة قولهم: ثوبين (1) ، وبرد حِبَرة، فقالت: قد أُتي بالبرد ولكنهم ردوه، ولم يكفنوه فيه " (2) .
ش- أي: مثل الحديث المذكور زاد فيه بعد قوله: " ثمانية بيض من كرسف" والكرسف بضم الكاف القطن، وأخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: صحيح، ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده"، وزاد فيه: قالت:" فأما الحلة فإنها شبهت على الناس، لأنها اشتريت ليكفن بها، فلم يكفن فيها، وكفن في ثلاثة أثواب، فأخذ الحلة عبد الله بن أبي بكر، فقال: أجعلها كفني، ثم قال: لو رضيها الله لرضيها لرسوله، فباعها، وتصدق بثمنها".
__________
(1) في سنن أبي داود: "في ثوبين ".
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (996) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: كفن النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 36) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (1469) .
6. شرح صنف أبي داوود 6(6/81)
1588- ص- نا أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: نا ابن إدريس، عن يزيد- يعني: ابن أي زياد- عن مقسم، عن ابن عباس، قال: " كُفِّن رسولُ الله في ثلاثةِ أثواب نَجْرانية: الحلةُ ثوبانُ، وقميصُه الذي مات فيه". قال عثماَن (1) : " في ثًلاثة أثوًاب: حلة حمراءُ، وقميصُه الذي مات فيه " (2) .
ش- عبد الله بن إدريس الكوفي، ومقسم بن بُجْرة مولى عبد الله بن الحارث.
قوله: " نجرانية " نسبة إلى نجران بفتح النون، وسكون الجيم، بُليدة في أيمن.
قوله: " حلة حمراء " بالرفع، أي: اْحدها حلة حمراء، وقميصه عطف عليه، ويجور الجر فيهما على أن يكون بدلا من الأثواب، وهذا الحديث من جملة الأحاديث التي استدلت بها أصحابنا على أن السنة أن يكون في الكفن قميص، والحديث أخرجه: ابن ماجه، والإمام الحمد، وقد ضعف بعضهم هذا الحديث ويزيد بن أبي زياد، وقالوا: لا يحتج بحديثه.
قلت: هذا غير مسلم، فإن مسلما قد أخرج له في المتابعات وقال في
" الكمال ". روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي.
1589- ص- (3) نا محمد بن عبيد المحاربي، قال: نا عمرو بن هاشم، أبو مالك الجندي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "لا تُغال لي في كفن، فإني سمعتُ رسولَ الله - عليه السلام- يقول: لا تُغالُوا في الكفَن، فإنه يُسلَبُهُ سَلبا سريعاً" (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" قال أبو داود: قال عثمان".
(2) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (1471) . (3) في سنن أبي داود هذا الحديث تحت باب " كراهية المغالاة في الكفن ". (4) تفرد به أبو داود.(6/82)
ش- عمرو بن هاشم أبو مالك الجندي الكوفي. روى عن: إسماعيل ابن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وحجاج بن أرطأة. روى عنه: محمد بن عبيد الطنافسي، ويحيى بن معين، وعبد الله بن وضاح، قال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: لين الحديث يكتب (1) حديثه. وقال أحمد بن حنبل: هو صدوق، ولم يكن صاحب حديث. قال ابن عدي: هو صدوق- إن شاء الله تعالى- روى له: أبو داود / والنسائي (2) ، وعامر الشعبي.
قوله: " لا تغال " من المغالاة وهي مجاوزة القدر، والمعنى لا تبالغ، وأصل الغلاء الارتفاع، ومجاوزة القدر في كل شيء يقال: غاليت الشيء وبالشيء، وغلوت فيه أغلو إذا جاوزت فيه الحد.
قوله: "فإنه يسلبه سلبا " أي: فإن الشأن يسلب الميت الكفن، والمعنى يبلى عليه ويقطع، ولا يبقى، ولا ينتفع به الميت، فلا يحتاج إلى المغالاة فيه، ولا يعارض هذا قوله- عليه السلام-: " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " (3) لأن إحسان الكفن يحصل بدون المغالاة.
1590 ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن خباب، قال: (مُصعب بن عُمَير قُتلَ يومَ أحد، ولم يكن له إلا نمرة كنا إذا غَطينا بها رأسه خرجتا (4) رِجلاه وإذا (5) غطينا رِجليه خرجَ رأسُه فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: غطوا بها رأسه، واجعلوا على رِجليه من (6) الإذخر" (7) .
__________
(1) في الأصل: " كتب".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4462) . (3) تقدم قريبا.
(4) في سنن أبي داود: " خرجا رجلاه".
(5) في سنن أبي داود: " كنا إذا غطينا رأسه خرج رجلاه، د إذا غطينا رجليه خرج رأسه".
(6) في سنن أبي داود: " على رجليه شيئاً"
(7) البخاري: كتاب الجنائز، باب: إذا لم يجد كفنا ألا ما يواري رأسه (1276) ، مسلم: كتاب الجنائز 6 باب: في كفن الميت (0 94) ،=(6/83)
ش- سفيان الثوري، وسليمان الأعمش، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وخباب بن الأرت.
قوله: " مصعب بن عمير" بضم العين، وفتح الميم، قتله ابن قميئة الليثي في غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.
قوله: "نمرة" بفتح النون، وكسر الميم، وهي شملة مخططة من مآثر الأعراب، وجمعها نمار بالفتح كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات الغالبة.
قوله: " خرجتا رجلاه " من قبيل أكلوني البراغيث، والقياس خرجت رجلاه، لأن الفعل إذا أسند إلى الظاهر لا يثنى ولا يجمع- كما عرف في موضعه-.
قوله: "من الإذخر" الإذخر- بكسر الهمزة- نبت طيب الرائحة يسقف به البيوت فوق الخشب، وهمزتها زائدة، وإنما أورد أبو داود هذا الحديث في كراهية المغالاة في الكفن، ولكن هذا محمول على الضرورة، فإن في غير الضرورة لا يفعل هكذا، وفيه من الفائدة أن الكفن إذا لم يستر الميت لقلته يغطى وجهه، ومن ناحية رأسه، فما بقي مكشوفا يغطى بحشيش ونحوه، والأولى الإذخر إن وجد، وإلا فغيره، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
1591- ص- نا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدثني هشام بن سعد، عن حاتم بن أبى نصر، عن عبادة بن نُسَي، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، عن رسول الله- عليه السلام- قال: "خَيرُ الكفنِ الحُلةُ، وخَيرُ الأضحية الكبشُ الأقرنُ" (1) .
__________
= الترمذي: كتاب المناقب، باب: مناقب مصعب بن عمير رضي الله عنه (3853) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: القميص في الكفن (38/4) .
(1) ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيما يستحب من الكفن (1473) .(6/84)
ش- عبد الله بن وهب، ونسي بضم النون، وفتح السين لمهملة، والد عبادة. روى عن: عبادة بن الصامت. روى عنه: ابنه عبادة. روى له: أبو داود، وابن ماجه.
قوله: " الحلة " قد مر غير مرة أن الحلة ثوبان، والأقرن كبش ذو قرن، وأورد أبو داود هذا الحديث في كراهية المغالاة في الكفن أيضا، ولكن قوله: "خير الكفن الحلة " لا يقتضي كراهية الثلاثة، لما ثبت من الأحاديث الصحاح أنه- عليه السلام- كفن في ثلاثة أثواب، والحديث أخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على ذكر الكفن، ومما يناسب هذا الباب ما روى ابن حبان فيه صحيحه، من حديث الفضل بن العباس " أن النبي - عليه السلام- كفن في ثوبين سحوليين "، وأخرج ابن عدي في "الكامل " (1) ، عن قيس بن الربيع، عن شعبة، عن أبي حمزة، عن ابن عباس "أن النبي- عليه السلام- كفن في قطيفة حمراء" (2) ، وذكره عبد الحق في "أحكامه " من جهة ابن عدي، وقال: قيس بن الربيع لا يحتج به. والصحيح ما رواه مسلم، عن بندر، ووكيع، ويحي بن سعيد، عن شعبة به: " أن النبي- عليه السلام- جعل في قبره قطيفة حمراء" قال ابن القطان في " كتابه": أخاف أن يكون تصحف على بعض رواة كتاب " الكامل " لفظ "دفن " بـ "كفن ". وروى الإمام أحمد بن حنبل في كتاب " الزهد ": حدثنا يزيد بن هارون، أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير (3) ، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " لما احتضر أبو بكر - رضي الله عنه- مثلت بهذا البيت:
__________
(1) (7/ 166) ترجمة قيس بن الربيع.
(2) انظره في: نصب الراية (2/ 262) .
(3) في الأصل: " الزبير بن العوام " خطأ، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 1/ 3677) .(6/85)
أعاذل ما يُغني الحِذارُ عن الفتى ... إذا حَشْرجتْ يوما وضاقَ بها الصدرُ
فقال لها: يا بني (1) ليس كذلك، ولكن قولي "وَجَاءَتْ سكْرةُ المَوْت بالحَق ذَلكَ ما كُنتَ منْهُ تَحيدُ" (2) ثم قال: انظروا ثوبي هذين فاغسلوَهَما، ثم كفنوني فيهماَ، فإن الحي أحوج إلى الجديد منهما". وروى عبد الرزاق في "مصنفه": أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال أبو بكر لثوبيه الذي كان يمرض فيهما: " اغسلوهما، وكفنوني فيهما، فقالت عائشة: ألا نشتري لك جديداً؟ قال: لا، إن الحي أحوج إلى الجديد من الميت". وقد رُوي ما يخالف الأحاديث المتقدمة، وهو ما رواه ابن أبي شيبة في
" مصنفه"، والبحار في " مسنده"، عن حماد بن سلمة، عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-: " أن النبي- عليه السلام- كفن في سبعة أثواب" قال الجزار: لا نعلم أحدا تابع ابن عقيل عليه، ولا نعلم رواه عنه غير حماد بن سلمة. ورواه ابن عدي في " الكامل" (3) ، وأعله بابن عقيل، وضعفه عن ابن معين فقط، ولينه هو، وقال: روى عنه جماعة من الثقات، وهو ممن يكتب حديثه، ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء "، وأعله أيضا بابن عقيل، وقال: إنه كان رديء الحفظ، فيأتي بالحديث على غير وجهه، فلما كثر ذلك في رواياته استحق المجانبة، ولكنه كان من سادات الناس.
__________
(1) كذا، والجادة: " بنية،.
(2) سورة ق: (19) .
(3) (209/5) ترجمة عبد الله بن محمد بن عقيل.(6/86)
31- باب: في كفن المرأة
أي: هذا باب في بيان كفن المرأة.
1592- ص- نا أحمد بن حنبل، نا يعقوب بن إبراهيم، نا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نوح بن حكيم الثقفي، وكان قارئا للقرآن، عن رجل من بني عروة بن مسعود، يقال له: داود، قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان، زوج النبي- عليه السلام- عن ليلى بنت قانف الوقفية، قالت:" كنت فيمنْ غَسلَ أم كلثوم ابنة (1) رسول الله- عليه السلام- عندَ وفاتها، فكان أولُ ما أعطانا رسولُ الله- عليه السلَام- الحقَا، ثم الدرعَ، ثم الخَمارَ، ثم الملحَفةَ، ثم أدرِجتْ بعدُ في الثوبِ الآخرِ، قالت: ورسولُ اللهِ جالسَ عندَ الباَبِ معه كفنُها، يناولناها ثوباً ثوبا " (2) .
ش- يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، قد ذكر هو وأبوه غير مرة، ومحمد بن إسحاق بن يسار.
ونوح بن حكيم الثقفي، روى عن داود المذكور في الحديث. روى عنه: ابن إسحاق. روى له: أبو داود، والترمذي (3) .
وليلى بنت قانف الثقفية. روى لها: أبو داود فقط (4) ، و (قانف " بالقاف في أوله، وبعد الألف نون، ثم فاء.
قوله: "الحقا" بكسر الحاء المهملة مقصور، ولعله لغة في الحقو وهو الإزار، قالَ المنذري: في هذا الحديث محمد بن إسحاق ومن ليس بمشهور، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث مستوفى في باب غسل الميت.، ""
__________
(1) في سنن أبي داود: تبنت،.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6489) .
(4) المصدر السابق (35/ 7925) .(6/87)
32- باب: المسك للميت
أي: هذا باب في بيان المسك للميت.
1593- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا المستمر بن الريان، عن أي نضرة عن أبي سعيد، قال: قال r " أطيبُ طِيِكُمُ المِسكُ " (1) .
ش- المستمر بتخفيف الراء قد ذكر مرة، وأبو نضرة منذر بن مالك، وأبو سعيد الخدري، والحديث أخرجه: مسلم في كتاب "الطب"، والنسائي في كتاب" الجنائز " كما أخرجه أبو داود في كتاب " الجنائز "، وقال بعضهم (2) : لم أعرف مطابقته للباب.
قلت: مطابقته أن المسك لما كان أطيب الطيب، وكانت السنة في الميت أن يطيب، فكان أولى بأطيب الطيب لأنه تحضره الملائكة، كما ذكرنا ما رواه عبد الرزاق في " مصنفه "، عن سلمان " أنه استودع امرأته مسكا"، فقال: إذا مت فطيبوني به، فإنه يحضرني خلق من خلق الله، لا ينالون من الطعام والشراب، يجدون الريح". وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن مبارك، عن حميد، عن أنس: " أنه جعل في حنوطه صرة من مسك، أو مسك فيه شعر من شعر رسول الله- عليه السلام-" (3) .
وقال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عاصم، عن ابن سيرين، قال: "سئل ابن عمر عن المسك يجعل في الحنوط؟ قال: أو ليس أطيب طيبكم " (3) .
في أي في
__________
(1) مسلم: كتاب الألفاظ في الأدب وغيرها، باب: استعمال المسك (2252) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: المسك (4/ 39) .
(2) يقصد الحافظ الزيلعي كما في نصب الراية (2/ 260) .
(3) المصنف (256/3) .(6/88)
33- باب: تعجيل الجنازة
أي: هذا باب في بيان تعجيل الجنازة وكراهية حبسها.
1594- ص- نا عبد الرحيم بن مطرف،/ الرؤاسي أبو سفيان، 201/21- وأحمد بن جناب، قالا: نا عيسى (1) وهو ابن يونس، عن سعيد بن عثمان
البلوي، عن عزرة، وقال عبد الرحيم: عروة بن سعيد الأنصاري، عن أبيه
عن الحصين بن وحوح، أن طلحة بن البراء مرض، فأتاه النبي r يعوده،
فقال: " إِني لا أرى طلحة إلا قد حَدثَ به الموتُ، فآذنوني به، وعَجلُوا،
فإنه لا ينبغي لجيفةِ مُسلمِ أن تُحبسَ بين ظهْراني أهلِهِ" (2) .
ش- عبد الرحيم بن مطرف بن أنيس بن قدامه بن عبد الرحمن
أبو سفيان الرؤاسي الكوفي، ابن عم وكيع بن الجراح، روى عن عيسى
ابن يونس وغيره. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
والنسائي عن رجل عنه، سئل أبو حاتم عنه فقال: ثقة، مات سنة اثنتين
وثلاثين ومائتين 3) .
وأحمد بن جناب- بالجيم والنون المشددة- ابن المغيرة المصيصي
أبو الوليد، أصله بغدادي، سمع عيسى بن يونس. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن
رجل عنه (4) . وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وسعيد بن عثمان البلوي، روى عن عروة، أو عزرة بن محمد،
وجدته أنيسة بنت عدي. روى عنه: عيسى بن يونس. روى له:
أبو داود (5) .
وعزرة بفتح العين المهملة، وسكون الزاي، وفتح الراء، ويقال:
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: وهو ابن يونس.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال ينا/ 3409) .
(4) المصدر السابق (1/ 0 2) .
(5) المصدر السابق (1 1/ 2326) .(6/89)
عُروة بضم العين، وسكون الراء، وفتح الواو، ابن سعيد الأنصاري، روى عن أبيه، عن الحصن بن وحوح. روى عنه: سعيد بن عثمان. روى له: أبو داود (1) .
وسعيد والد عروة. روى له: أبو داود.
والحصين: بضم الحاء، وفتح الصاد المهملة- ابن وَحوَح، بواوين مفتوحين، وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة، وهو أنصاري، وله صحبة، قيل: إنه مات بالقديد. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " فآذنوني " أي: أعلموني من الإيذان، وهو الإعلام.
قوله: "فإنه " أي: فإن الشأن.
قوله: " بين ظهراني أهله " بفتح الظاء، يقال: من ظهرانيهم ومن أظهرهم، والمعنى: بينهم على سبيل الاستظهار، والاستناد إليهم، وزيدت الألف والنون المفتوحة في ظهرانيهم للتأكيد، وقد تكرر هذا المعنى في الكتاب، وفيه من الفقه استحباب تعجيل الميت في إخراجه وتجهيزه، واستحباب الإعلام للائمة بموت الميت ليحضروا الصلاة عليه، وقال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان البلوي، وهو غريب.
34- باب: في الغُسل من غَسل الميت
أي: هذا باب في بيان الغسل من غسل الميت، فالغسل الأول بضم الغين والثاني بفتحها.
1595- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن بشر، نا زكريا، نا مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب العنزي، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة- رضي الله عنها- أنها حدثته: " أن النبي- عليه السلام-
__________
(1) المصدر السابق (20/ 3906) .
(2) المصدر السابق (6/ 1377) .(6/90)
كان يَغتسلُ من أربعٍ: من الجنابة، ويومَ الجمعةِ، ومن الحِجَامةِ، وغسلِ
الميتِ " (1) .
ش- زكريا بن أبي زائدة، وقال أبو داود: حديث مصعب، يعني
هذا الحديث، فيه خصال ليس العمل عليه.
قلت: الخصال هي: الاغتسال من الحجامة، والاغتسال من غسل
الميت، ويمكن أن يكون هذا على سبيل الاستحباب لقصد النظافة، أو
يكون منسوخا، وقال أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني: لا يصح في
هذا الباب شيء.
1596- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن أبي فديك، حدثتني ابن
أبي ذئب، عن القاسم بن عباس، عن عمِرو بن عمير، عن أبي هريرة
- رضي الله عنه- أن رسول الله r قال: " منْ غَسلَ الميتَ فليغتسلْ، ومن
حَمَلَته فليتوضأ" (2) .
ش- محمد بن إسماعيل بن أبي فديك دينار، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام.
والقاسم بن عباس- بالباء الموحدة، والسين المهملة- بن محمد بن
مُعتّب (3) 5..
بن أبي لهب الهاشمي المدني، روى عن نافع بن جبير بن
مطعم، وعبد الله بن عمير، وعبد الله بن نيار، وغيرهم. روى عنه:
ابن أبي ذئب، قال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس
به. روي له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4) .
وعَمْرو بن عُمَير بفتح العين، وسكون الميم في الابن/ وبضم العين 201/21 سب وفتح الميم في الأب. روى له: أبو داود.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الغسل من غسل الميت (993) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في غسل الميت (1463) ".
(3) في الأصل: 5 عتبة، خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4796) .
(5) المصدر السابق (22/ 4420) .(6/91)
وقال الخطابي (1) : " لا أعلم أحدا من الفقهاء يوجب الاغتسال من غسل الميت، ولا الوضوء من حمله، ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب، وقد يحتمل أن يكون المعنى منه أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نضح من رشاش المغسول وربما كان على بدن الميت نجاسة، فإذا أصابه نضْحُه وهو لا يعلم مكانه كان عليه غسل جميع بدنه، ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه، وقد قيل في معنى قوله: " فليتوضأ" أي: ليكن على وضوء ليتهيأ له الصلاة على الميت، والله أعلم. وفي إسناد هذا الحديث مقال".
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فليغتسل" ولفظ الترمذي: " من غسله الغسل، ومن حمله الوضوء" يعني: الميت، وقال الترمذي: حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة موقوفاً هذا آخر كلامه. وقد روي أيضا من حديث حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- وفي إسناده من لا يحتج به، وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافا كثيراً وقال محمد بن يحي: لا أعلم فيمن غسل ميتا فليغتسل حديثا ثابتاً ولو ثبت لزمنا استعماله، وقال الشافعي في " البويطي": إن صح الحديث قلت بوجوبه، والله أعلم.
1597- ص- نا حامد بن يحي، عن سفيان، عن سهيل بن أبى صالح،
عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه
السلام- بمعناه (2) .
ش- سفيان بن عيينة، وأبو صالح ذكوان السمان. وإسحاق المدني مولى زائدة أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر، وقال عبد الرحمن: إسحاق بن عبد الله، سمع سعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة، وأبا سعيد
__________
(1) معالم السنن (1/ 267) .
(2) تفرد به أبو داود.(6/92)
الخدري. وروى عنه: أبو صالح الزيات، ويحي بن أبي كثير، وأسامة ابن زيد، وغيرهم، خلال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود (1) .
قوله: "بمعناه" أي: بمعنى الحديث المذكور.
ص- قال أبو داود: هذا منسوخ، سمعت أحمد بن حنبل سئل (2) عن الغُسل من غَسِل الميت، فقال: يجزئه الوضوء.
ش- أي: الحديث المذكور منسوخ، وليس عليه عمل، وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل وقد سئل عن الغُسل من غَسل الميت، فقال: يجزئه الوضوء، أي يكفيه الوضوء، وأشار بهذا أيضاَ إلى كون الحديث المذكور منسوخا، فإنه لو لم يكن منسوخا لما قال أحمد يجزئه الوضوء.
ص- قال: أدخل أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا إسحاق مولى زائدة.
ش- أي:قال أبو داود: أدخل أبو صالح ذكوان الزيات بينه وبن أبي هريرة في هذا الحديث إسحاق المدني مولى زائدة، وكأنه أشار بهذا إلى ضعف هذا الحديث، ولهذا قال الخطابي: "في إسناد هذا الحديث مقال ".
ص- وقال: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليه.
ش- أي: وقال أبو داود: وحديث مصعب بن شيبة المذكور في أول الباب، وقد مر الكلام فيه.
35- باب: في تقبيل الميت
أي: هذا باب في بيان حكم تقبيل الميت.
1598- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن عاصم بن عبيد الله،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 396) .
(2) في سنن أبي داود: "وسثل".(6/93)
عن القاسم، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " رأيتُ رسولَ الله- عليه السلام- يُقبلُ عُثمانَ بن مَظعُونٍ وهو ميت، حتى رأيتُ الدموعَ تَسيل " (1) .
ش- سفيان الثوري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
وعثمان بن مظعون، بالظاء المعجمة، الجمحي، أبو السائب أخو عبد الله وقدامة، من المهاجرين الأولين، ومن البدريين، وكان ممن خرج إلى الحبشة في رجب سنة خمس من البعثة، وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: كانوا اثني وثماني رجلا سوى نسائهم وأبنائهم، وقال ابن إسحاق: أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة عشرة أنفس، قال ابن هشام: وكان عليهم عثمان بن مظعون- رضي الله عنه- وكانت وفاته (2) / وفيه من الفقه جواز تقبيل الميت، وجواز البكاء عليه من غير صوت، والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وفي حديث ابن ماجه "على خديه ". وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال المنذري: وفي إسناده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة.
36- باب: الدفن بالليل
أي: هذا باب في بيان حكم دفن الميت في الليل.
1599- ص- نا محمد بن حاتم بن بَزيع، نا أبو نعيم، عن محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني جابر بن عبد الله، أو سمعت جابر بن عبد الله، قال: " رَأى ناس نارا في المَقْبَرَةِ، فأتوْها، فإذا رسولُ الله
__________
(1) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تقبيل الميت (989) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في تقبيل الميت (1456) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 85) ، وأسد الغابة (3/ 598) ، والإصابة (2/ 464) .(6/94)
صلى الله عليه السلام في القبر، وإذا هو يقولُ: ناولُوني صاحبَكُم، فإذا هو الرجلُ الذي كان يَرفعُ صوتَه بالذكرِ " (1) .
ش- أبو نعيم الفضل بن دكين.
ومحمد بن مسلم بن سنين الطائفي، يعد في المكيين، روى عن طاوس بن كيسان، وعمرو بن دينار، وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: عبد الوهاب الثقفي، وأبو نعيم، وعبد الرزاق وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وفي رواية لم يكن به بأس. روى له: الجماعة (2) .
وفيه من الفقه جواز الدفن بالليل، وإيقاد النار في المقبرة، والحديث رواه الحاكم وصححه، وقال النووي: وسنده على شرط الصحيحين.
37- باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض (3)
أي: هذا باب في بيان حكم نقل الميت من أرض إلى أرض أخرى.
1600- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر، قال: "كنا حَمَلنَا القَتْلى يوم أحُد لندفنَهُم، فجاء منادي رسولِ اللهِ- عليه السلام- فقال: إن رسولَ الله يأمرُكُم أن تَدْفنُوا القَتْلَى في مَضَاجِعِهم، فَرددناهم " (4) .
ش- سفيان بن عيينة، ونبيح بن عبد الله العنزي الكوفي، وجابر بن عبد الله، والحديث أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" (5) ،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5604) .
(3) في سنن أبي داود: "باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض وكراهة ذلك".
(4) الترمذي: كتاب الجهاد، باب: ما جاء في دفن القتيل في مقتله (1717) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: أين يدفن الشهيد (4/ 79) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم (1516) .
(5) (3/ 396) .(6/95)
وقال أيضا: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن يزيد، عن ابن بهمان، عن جابر بن عبد الله، قال: قال النبي- عليه السلام-:"تُدفنُ الأجسادُ حيث تُقبضُ الأرواحُ ".
وفيه من الفقه كراهة نقل الميت من بلد إلى بلد، ومن قرية إلى مدينة، وعليه أكثر أهل العلم.
38- باب الصّفَ (1) على الجنازة
أي: هذا باب في بيان آخر الصف على الجنازة.
1601- ص- نا محمد بن عبيد، نا حماد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني، عن مالك بن هبيرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يَموتُ فيُصلي عليه ثلاثةُ صُفوف من المسلمين إلا أوجب، قال: فكان مالك إذا استقل أهلَ الجنازة جَزأهم ثلاثةَ صفوف للحديثِ " (2) .
ش- حماد بن زيد، ومالك بن هبيرة السكوني، ويقال: الكندي، عداده في أهل مصر، روى عن النبي- عليه السلام- هذا الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
قوله: "إلا أوجب " أي: فعلوا فعلا أوجب ذلك الفعل للميت الجنة، يقال: أوجب الرجل إذا فعل فعلا وجبت له به الجنة، أو النار.
قوله: "جزأهم " من التجزئة وهي التفرقة، والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في الصفوف".
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت (1028) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمة (1490) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (377/3) ، وأسد الغابة (5/ 54) ، وا لإصابة (3/ 357) .(6/96)
39- باب: اتباع النساء الجنائز
أي: هذا باب في بيان حكم اتباع النساءْ الجنازة.
1602- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد، عن أيوب، عن حفصة،
عن أم عطية، قالت: " نُهينَا عن أنْ نَتبعَ الجَنائز، ولم يُعْزَمْ عَلينا " (1) .
ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني، وحفصة بنت سيرين.
قوله: " عن أن نتبع " أي: عن اتباع الجنائز.
قوله: " ولم يعزم علينا" أي: لم يفرض علينا، وأصل العزم: الجد
والصبر، وفيه من الفقه كراهة اتباع النساء للأموات حيث يُشيعُ إلى القبور،
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
40- باب: فضل الصلاة على الجنائز (2)
أي: هذا باب في بيان فضل الصلاة على الجنازة.
1603- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن سُمي، عن أبي صالح، عن
أبي هريرة، يرويه، قال: " مَن تَبِعَ جَنازةً وصَلى (3) عليها فله قيراط، ومَن
/ تَبعَها حتى يُفرغُ منها فله قيراطان، أصغرُهما مثلُ أحد، أو أحدهما مثلُ أحدَ " (4)
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض
(313) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب: نهي النساء عن اتباع الجنائز (938) ،
ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في اتباع النساء للجنائز (1577) .
(2) في سنن أبي داود:"على الجنائز وتشييعها ".
(3) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(4) البخاري: كتاب الجنائز، باب: فضل اتباع الجنائز (1323) ، مسلم: كتاب
الجنائز، باب: فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (945) ، الترمذي: كتاب
الجنائز، باب: ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة (1040) ، النسائي:
كتاب الجنائز، باب: ثواب من صلى على جنازة (4/ 76) ، ابن ماجه:
كتاب الجنائز، باب: ما جاه في ثواب من صلى على جدارة ومن انتظر دفنها
(1539) .(6/97)
ش- سفيان الثوري، وسُمي القرشي المخزومي المدني، وأبو صالح ذكر أن.
قوله: " قيراط " القيراط في الأصل جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا (1) من أربعة وعشرين جزءا، و "الياء" فيه بدل من " الراء"، وأصله قراط بالتشديد، ولكن فسرها في الحديث، أن وزنها مثل وزن أحد، وهذا تمثيل واستعارة، ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله تعالى عمله ذلك يوم القيامة في صورة عين توزن كما توزن الأجسام، ويكون قدر هذا كقدر أحد فافهم، والحديث أخرجه الجماعة.
1604- ص- نا هارون بن عبد الله، وعبد الرحمن بن حسين الهرمي، قالا: نا المقرئ، نا حيوة، حدثنا أبو صخر هو حميد بن زياد، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه، عن أبيه، أنه كان عند ابنِ عمرَ بنِ الخطاب إذ طلع خَباب صاحبُ المَقْصُورة فقال: يا عبد الله بنَ عُمَر، ألا تسمعُ ما يقولُ أبو هريرة؟ إنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن خَرجَ معَ جَنازة من بيْتها، وصلى عليها" فذكر معنى حديث سفيان، فأرسل ابنُ عَمر إلى عائشة- رضي الله عنهاَ فقالت: صدق أبو هريرة (2) .
ش- هارون بن عبد الله بن مروان الحمال، بالحاء المهملة، وعبد الرحمن (3) ...
والمقرئ عبد الله بن يزيد المقرئ، وحيوة بن شريح أبو زرعة المصري. وداود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، روى
__________
(1) في الأصل: "جزاء ".
(2) مسلم: كتاب الجنائز، باب: فضل الصلاة على الجنازة واتباعها (945) .
(3) بياض في الأصل قدر نصف سطر؟ وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 1 ة 38) .(6/98)
عن أبيه. روى عنه: يزيد بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وخباب ... (2)
قوله: " معنى حديث سفيان" أي: الحديث الذي قبل هذا، والحديث
أخرجه مسلم بمعناه أتم منه.
1605- ص- نا الوليد بن شجاع السكوني، نا ابن وهب، أخبرني
أبو صخر، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن ابن عباس،
قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " ما من مُسلم يُموتُ فيقومُ على جَنازَته أربعونَ رجلاً لا يُشركوَنَ باللهِ عز وجل (3) إلا شُفعُوا فيه " (4) .
ش- الوليد بن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبو همام الكوفي.
سمع: هشيم بنت بشير، وابن المبارك، وعيسى بن يونس، وعبد الله بن وهب وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه وغيرهم، وقال النسائي: لا بأس به. وقال عبد الرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ صدوق يكتب حديثه، ولا يحتج به، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (5) .
وأبو صخر حميد بن زياد، وكريب مولى ابن عباس، والحديث
أخرجه مسلم أتم منه، وأخرجه ابن ماجه بنحوه.
__________
(1) المصدر السابق (8/ 1767/ 1) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر، وانظر ترجمته في المصدر السابق (8/ 1675) . (3) في سنن أبي داود:"لا يشركون بالله شيئاً"
(4) مسلم: كتاب الجنائز، باب: من صلى عليه أربعون شفعوا فيه (993) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمة (1489) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6709) .(6/99)
41- باب: في اتباع الميت بالنار (1)
أي: هذا باب في بيان اتباع الميت بالنار.
1606- ص- نا هارون بن عبد الله، نا عبد الصمد، ح نا ابن المثنى، نا أبو داود، قالا: نا حرب- يعني: ابن شداد- حدثني يحيى، حدثني باب ابن عمير، حدثني رجل من أهل المدينة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن
النبي- عليه السلامِ- قال: "لا تُتبعُ الجَنازةُ بصوت ولا نارٍ " زاد
هارون (2) : " ولا يُمْشى بين يديْهَا " (3) .
ش- عبد الصمد بن عبد الوارث، ومحمد بن المثنى، وأبو داود
الطيالسي، وحرب بن شداد اليشكري، وأبو الخطاب البصري العطار (4) ،
أو القطان، أو القصاب. روى عن: الحسن البصري، وقتادة، وشهر
ابن حوشب وغيرهم. روى عنه: عبد الصمد، وأبو داود الطيالسي،
وعمرو بن مرزوق وغيرهم، قال ابن معين: صالح، مات سنة إحدى
وستين ومائة. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه.
ويحيى بن أبي كثير، وباب بن عمير.
قوله: "زاد هارون" أي: هارون بن عبد الله المذكور/ وفيه من الفقه كراهة اتباع الجنازة بالنار، أو بالصوت، وكراهة المشي بين يديها، وهو من جملة حجج أصحابنا في المشي خلف الجنازة.
والحديث رواه أحمد في "مسنده "، وذكره الدارقطني في "علله "،
وما فيه من الاختلاف، ثم قال: وقول حرب بن شداد أشبه بالصواب،
وأعله ابن الجوزي في "العلل المتناهية " بأن فيه رجلين مجهولين.
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب في النار يتبع بها الميت ".
(2) في سنن أبي داود: "قال أبو داود: زاد هارون ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) كذا ترجم المصنف لأبي الخطاب، وهو غير موجود في سند الحديث، بل وليس هو من رجال الكتب الستة.(6/100)
42- باب: القيام للجنازة
أي: هذا باب في بيان حكم القيام إذا مرت عليه الجنازة.
1607- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه عن عامر بن ربيعة يبلغ به النبي- عليه السلام-: " إذا رأيتم الجنازة فقومُوا لها حتى تُخَلفَكُم أو تُوضع " (1) .
ش- سفيان الثوري، ومحمد بن مسلم الزهري، وسالم بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وعامر بن ربيعة العنزي الصحابي.
قوله: " حتى تخلفكم" أي: حتى تترككم وتذهب، أو توضع على الأرض من أعناق الرجال، وقيل: أو توضع في اللحد، وأنما أمر بذلك تعظيما للميت، فإن ابن آدم مكرم محترم حيا وميتا، ولا سيما في هذه الحالة، فإنه آخر العهد به، والحديث أخرجه البخاري ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1608- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، نا سهيل بن أبي صالح، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تَبِعتُمُ الجنازة فلا تَجْلِسُوا حتى نُوضعَ " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: القيام للجنازة (1307) ، مسلم: كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة (958) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1042) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بالقيام للجنازة (4/ 43) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في القيام للجنازة (1542) .
(2) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع ... (1310) ، مسلم: كتاب الجنائز (559) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1042) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: الأمر بالقيام للجنازة (4/ 43) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1542) .(6/101)
ش- زهير بن حرب، وابن أبي سعيد الخدري هو عبد الرحمن بن سعد بن مالك- رضي الله عنه- والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سعيد بنحوه، وأخرجه مسلم من حديث أبي صالح السمان، عن أبي سعيد- رضي الله عنه-.
ص- قال أبو داود: وروى (1) الثوري هذا الحديث عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة، قال (2) : " حتى تُوضع بالأرضِ " ورواه أبوه معاوية، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة (3) ، قال: " حتى توضع في اللحِد " وسفيان (4) أحفظ من أبي معاوية.
ش- أي: الحديث المذكور، وأبو معاوية محمد بن حازم الضرير. قوله: " حتى توضع بالأرض" أي: حتى توضع الجنازة من أعناق الرجال على الأرض، وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي، قالا: " كانوا يكرهون أن يجلسوا حتى توضع الجنازة عن مناكب الرجال". وقال: حدثنا عائذ بن حبيب، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: " كنت في جنازة فلم أجلس حتى وضعت إلى الأرض، ثم أتيت نافع بن جبير، فجلست إليه، فقال: مالي لم أرك جلست حتى وضعت الجنازة، فقلت ذاك لحديث بلغني عن أبي سعيد، فقال نافع: حدثني مسعود بن الحكم، ابن علنا- رضي الله عنه- حدثه، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام، ثم قعد". وقد قيل: إن حديث [القيام] (5) منسوخ. بحديث [نا هذا] (6) . قوله: " ورواه أبو معاوية " أي: روى الحديث المذكور أبو معاوية
__________
(1) في سنن أبي داود: روى.
(2) في سنن أبي داود: قال فيه.
(3) غير موجود في سنن أبي داود.
(4) في سنن أبي داود" قال أبو داود: وسفيان".
(5) ويأتي في الحديث بعد الآتي.
(6) غير واضح في الأصل، وانظر: شرح الحديث بعد الآتي.(6/102)
الضرير، وفي روايته: " حتى توضع في اللحد" وقال أبو داود: وسفيان
الثوري أحفظ للحديث من أبي معاوية، فكأنه أشار به إلى أن رواية سفيان
أصح وأثبت.
1609- ص- نا مؤمل بن الفضل، نا الوليد، نا أبو عمرو، عن يحيى
ابن أبي كثير، عن عبيد الله بن مقسم، قال: حدثني جابر، قال: " كُنا مع
النبيِّ- عليه السلام- إذ مَرتْ جنازة فقام لها، فلما ذَهبنَا لنَحْملَ إذا هي
جنازةُ يَهودي، فقلنا: نا رسولَ الله، إنما هي جنازةُ يهودي؟ فقَال: إن الموت
فَزغَ، فإذا رأيتُمْ جَنازةً فقُومُوا" (اَ) .
ش- الوليد بن مسلم الدمشقي، وأبو طه هو عبد الرحمن الأوزاعي،
وعبيد الله بن مقسم المدينة مولى أبي نمر، وجابر بن عبد الله.
قوله: "لنحمل " أي الجنازة.
قوله: " إن الموت فزع " أي: خوف، وعلل عليه السلام القيام للجنازة
بكون الموت فزعا فح (2) يكون القيام لأجل الفزع من الموت وعظمته،
والجنازة تُذكرُ ذلك، فيستوي فيه جنازة المسلم والكافر، فافهم./ والحديث
أخرجه البخارَي، ومسلم، والنسائي، وليس في حديثهم "فلما ذهبنا لنحمل ".
1610- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن واقد بن
عمرو بن سعيد بن معاذ الأنصاري، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن
مسعود بن الحكم، عن علي بن أي طالب- رضي الله عنه-: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الجنائزِ، ثم قَعَدَ" (3) (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الجنائز، باب: من قام لجنازة يهودي (1311) ، مسلم:
كتاب الجنائز، باب: القيام للجنازة (960) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب:
الرخصة في ترك القيام (4/ 46) .
(2) يعني: "فحينئذ".
(3) في حق أبي داود: "ثم قعد بعدُ".
(4) مسلم: كتاب الجنائز، باب: نسخ القيام للجنازة (962) ، الترمذي: كتاب
الجنائز، باب: الرخصة في ترك القيام لها (1044) ، النسائي: كتاب
الجنائز، باب: مكان الماشي من الجنازة (4/ 56) ، ابن ماجة كتاب
الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1544) .(6/103)
ش- مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
وواقع بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن
عبد الأشهل، الأنصاري، الأشهلي، المديني، أبو عبد الله. سمع: أنس بن مالك، ونافع بن جبير. روى عنه: يحيى بن سعيد، ومحمد ابن زياد، وداود بن الحصين، وقال أبو زرعة: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
ومسعود بن الحكم بن الربيع بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق
أبو هارون الأنصاري، الزرقي، المدني، ولد في عهد النبي- عليه السلام- وسمع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. وروى عن: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان- رضي الله عنهما-. روى عنه: عيسى، ونافع بن جبير، ومحمد بن المنكدر، قال الواقدي: كان سَرِيا مَرِيا ثقة، روى له الجماعة (2) .
قوله: "قام في الجنائز " وفي بعض النسخ " في الجنازة" أي: قام لأجل المنارة، وكلمة " في " تجيء للتعليل، نحو قوله تعالى: {فذلك الذي لمتنني فيه} (2) {لَمَسَّكُم فِيمَا أفَضتُم} (4) وفي الحديثَ: " إنَ امرأة دَخلت النار في هرة حبستها".
قوله: " ثم قعد" أي: ثم بعد أن كان يقوم للجنازة ترك القيام،
و"قعد" بمعنى لم يقم، وقد ذكرنا أنهم قالوا: إن هذا الحديث ناسخ لحديث القيام للجنازة، وأخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن أبي شيبة- كما ذكرنا-.
1611- ص- نا هشام بن بهرام المدائني، أنا حاتم بن إسماعيل، أنا
أبو الأسباط الحارثي، عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية، عن أبيه
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3/ 6669) .
(2) المصدر السابق (27/ 5909) .
(3) سورة يوسف: (32) .
(4) سورة النور: (14) .(6/104)
عن جده، عن عبادة بن الصامت، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجَنازَة حتى تُوضعَ في اللَّحد، فَمرَّ حَبْر (1) من اليهود فقال: هكذا نَفعلُ، فجلس النبيُّ- عليه السلام-َ وقال: اجلِسوا خَالِفُوهم" (2) .
ش- هشام بن بهرام أبو محمد المدائني، روى عن سفيان بن عيينة، وأبي شهاب الحناط (3) ، وأفلح بن حميد. روى عنه: أبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وقال الخطيب: كان ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
وأبو الأسباط بشر بن رافع النجراني، وعبد الله بن سليمان بن جُنادة
ابن أبي أمية الأزدي الدوسي، روى عن أبيه، عن جده. روى عنه: أبو الأسباط، قال البخاري: فيه نظر، لا يتابع في حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) . وسليمان بن جُنادة قال البخاري: منكر الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (6) .
وجُنادة بن أبي أمية الأزدي ثم الزهراني، ويقال: الدوسي، أبو عبد الله الشامي له ولاعبيه صحبة، وقيل: لا صحبة له، روى عن النبي- عليه السلام- وعن عبادة بن الصامت. روى عنه: بُسر بن سعيد، وغيره، روى له الجماعة (7)
قوله: " حبر " أي: عالم، والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث غريب، وبشر بن رافع ليس بالقوي في
__________
(1) في سنن أبي داود: "فمر به حبر"
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الجلوس قبل أن توضع (1020) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في القيام للجنازة (1545) .
(3) في الأصل: " أبي هشام الخياط" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6570) .
(5) المصدر السابق (15/ 3317) . (6) المصدر السابق (4/ 2499) .
(7) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 242) ، أسد الغابة (1/ 353) ، والإصابة (1/ 263) .(6/105)
الحديث، وقال أبو بكر الهمداني: ولو صح لكان صريحا في النسخ،
غير أن حديث أبي سعيد أصح وأثبت، فلا يقاوم هذا الإسناد.
43- باب: الركوب في الجنازة
أي: هذا باب في بيان حكم الركوب في تشييع الجنازة.
1612- ص- نا يحيى بن موسى البلخي، نا عبد الرزاق، أنا معمر،
عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن ثوبان:
" أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتِيَ بدابة وهو مع الجَنازة، فأبى أن يَرْكبَ، فلما انصرفَ
أتيَ بدابة فَرَكِبَ، فقيل له، فقال: إن الَملائكة كانت تَمشِي، فلم كن
لأَركبَ وهم يمشُونَ، فلما ذهبوا رَكبتُ " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وأبو سلمة عبد الله،
وفيه من الفقه استحباب المشي في تشييع الجنازة، وقال أبو بكر بن
أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي همام السكوني- وهو
الوليد بن قيس- عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- " أتي [2/204 - أ] بدابة وهو في جنازة فلم يركب، فلما انصرف ركبه،/ حدثنا يحيى ابن سعيد، عن ابن أبي رواد، قال: حدثنا أبو سعد، عن زيد بن
أرقم، قال: "لو يعلم رجال يركبون في الجنازة ما لرجال يمشون ما ركبوا"
حدثنا وكيع، عن ثور، عن راشد بن سعيد، عن ثوبان: "أنه رأى رجلا راكبا في جنازة فأخذ بلجام دابته، فجعل يكبحها، فقال: تركب وعباد الله يمشون؟! ".
حدثنا الفضل بن دكين، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.(6/106)
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " الراكب في الجنازة كالجالس في بيته ".
1613- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قال: " صَلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنِ الدَّحداح- ونحنُ شُهود- ثم أتِيَ بفَرَس فعُقلَ حتى ركبه، فجعلَ يتوقف به، ونحن نَسعى حوله - عليه السلام- " (1) .
ش- ابن الدحداح، ويقال: ابن الدحداحة، توفي في حياة النبي - عليه السلام- فصلى عليه، وقال أبو موسى: مختلف فيه، وفيه نظر. قوله: " ونحن شهود " أي: حاضرون، والشهود جمع شاهد.
قوله: "فعُقِل " من عقل البعير يعقله عقلا من باب ضرب يضرب، وقال الأصمعي: عقلت البعير أقله عقلا وهو أن تثني وظيفه مع ذراعه، فتشدهما جميعا في وسط الذراع، وذلك الحبل هو الذراع.
قوله: " يتوقص به" التوقص أن يرفع يديه ويثب به وثبا متقاربا، وأصل الوقص الكسر، وقال ابن الأثير: يتوقص به، أي: ينزو ويثب ويقارب الخطو.
قوله: " ونحن نسعى" الواو فيه للحال، وفيه من الفقه جواز الركوب
في الجنازة، وليس عليه في ذلك شيء، والحديث الأول في بيان الفضيلة. والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي شيبة،
وقال أبو بكر: حدثنا ابن أبي زائدة، وأبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، قال: "رأيت شريحا على بغلة يسير أمام الجنازة، قال أبو معاوية: على بغلة بيضاء يسير خلف الجنازة".
__________
(1) مسلم: كتاب الجنائز، باب: ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف (965) ، الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في الرخصة في ذلك (1013) .(6/107)
حدثنا وكيع، عن عيينة بن (1) عبد الرحمن، عن أبيه، قال: "رأيت أبا بكرة في جنازة عبد الرحمن بن سمرة على بغلة له ".
حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عباس الهمداني، عن ابن معقل، قال: " رأيت ابن عمر على بغل راكبا أمام الجنازة".
44- باب: المشي أمام الجنازة
أي: هذا باب في بيان المشي أمام الجنازة أي: قدامها.
1614- ص- نا القعنبي، نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم،
عن أبيه، قال: " رأيتُ النبيُّ- عليه السلام- وأبا بكرِ، وعُمرَ، يمشون أمامَ
الجنازة " (2) .
ش- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم- وبهذا الحديث استدل الشافعي أن المشي قدام الجنازة أفضل، وهو مذهب جماعة من أهل العلم، وقال أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم: المشي خلفها أفضل، واستدلوا بأحاديث، منها: ما رواه أبو داود، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتبعُ الجنازة بصوتِ ولا نارِ، ولا يُمشى بين يديها" وقد ذكر مع الكلام فيه (3) .
ومنها ما رواه الحاكم في " مستدركه " في فضائل مارية، أخبرنا أحمد
ابن محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا أبي، نا محمد بن مصفى، ثنا بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أسامة: "أن رسول الله- عليه السلام- مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم صامتا".
__________
(1) في الأصل: " عن" خطأ.
(2) الترمذي: كتاب الجنائز، باب: ما جاء في المشي أمام الجنازة (1008) ، النسائي: كتاب الجنائز، باب: مكان الماشي في الجنازة (4/ 56) ، ابن ماجه: كتاب الجنائز، باب: ما جاه في المشي أمام الجنازة (1482) .
(3) تقدم برقم (1606) .(6/108)